إعلان حلّ حزب “الفرحانين” السوري/ منذر مصري

1 يونيو 2025
[نحن الذين فرحنا حين وجدنا أنفسنا نطير في الفضاء
لم نعرف أنّ السبب كان انفجار قنبلة رماها علينا أحد الفيتكونغ
إلّا عندما سقطنا على الأرض مهشّمين]
روبن وليامز 1951-2014. (صباح الخير فيتنام-1987)
الحزانى:
لا أدري حجم الصفاقة التي يحتاجها المرء لأن ينكر على السوريين فرحهم بسقوط نظام الأسد! فحتّى وإن كان لا يجد في ذلك النظام ما يتفق عليه أغلب خلق اللّـه من فساد وطغيان وجور، فإن استمراره لمدة 54 سنة! وما أدراك ما 54 سنة أسدية مرشحة لأن تصير أبدية، أسد بعد أسد لنهاية الدهر! كاف وأكثر من كاف لأن يعاف الناس حالهم منه ويتمنوا سقوطه. ولو من باب تلك الطبيعة المتأصلة في البشر، وتدفعهم أحيانًا إلى إفساد حياتهم، ألا وهي الرغبة بالتغيير! إلّا أن هناك في واقع الأمر عددًا من السوريين، ربما ليس قليلًا إلى ذلك الحد، لم يفرحوا بسقوط الأسد مهما تجمّع لديهم من دواعي سقوطه! وهذا أمر لا يجب أن نستنكره، ولا حتى، أن نستغرب منه! لأنه، أيضًا، من طبيعة البشر أن يختلفوا حول أي شيء. فما بالك بالمصالح والسياسة؟ وما بالك، خصوصًا، بالسوريين الذين منذ لا أدري متى لا يجتمعون على الشيء! وهؤلاء الأخوة الحزانى الذين هبت الرياح كما لا يشتهون ولا يتوقعون فمزقت أشرعتهم وحطمت صواريهم، يمكن تقسيمهم إلى:
1- الذين ارتكبوا وتورطوا في جرائم في حق الشعب السوري، تناهى إلي أن عددهم ربما يزيد عن 50 ألفًا، صنف بعضها من قبل المنظمات الحقوقية العالمية، بأنها ترتقي إلى جرائم في حق الإنسانية.
2- الذين ارتبطت مصالحهم المادية بنظام الفساد، وجمعوا ثرواتهم بسرقة أملاك وأموال الدولة السورية والشعب السوري على السواء.
3- الذين ليسوا من أولئك ولا من هؤلاء، ولكنهم يظنون، يصدقون، أنهم سوف يؤخذون بجريرة سواهم! ممن تربطهم بهم أواصر حقيقية، أو تخيلية! فلطالما سمعوا من يقول لهم: “إذا سقط نظام الأسد، لن يبقى لكم مطرح للعيش في سورية!” ولطالما شهدوا، خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، وما قبلها وما بعدها، من الوقائع ما يثبت لهم ذلك!
4- الذين كانوا يرغبون ولديهم مصلحة بسقوط النظام. وخاصة بعد أن عمّم العمل بعملته السياسية بوجهيها الفقر والذل على عموم الشعب السوري، دون استثناء! وهذه حقيقة يعترف بها الجميع! إلّا أنهم لم يفرحوا للحظة واحدة بسقوط الأسد، كما صارحني أكثر من صديق بكل صدق وجرأة، فقد تبين لهم، مباشرة، أن من أسقطوا النظام، أو لأقل، آخذًا بالاعتبار نظريات عديدة عن هذا السقوط، من جاؤوا وتسلّموا السلطة بعد النظام يمثلون أسوأ كوابيسهم على الإطلاق!
الفرحانون:
محاولة مني للحفاظ على تسلسل، يمكن اعتباره تصاعديًّا، لتصنيفي مواقف السوريين، إن على الأرض الواقع، حيث يختلط العارف بالجاهل، الحالم بالموهوم، أو على صفحات التواصل الاجتماعي، التي يفترض أن يحتلّها ويسود فيها المهتمون بالشأن العام وأصحاب الرأي، إلّا أنها غدت، كما يصفها هؤلاء أنفسهم، بيتًا للمجانين مشرّعًا أبوابه للجميع! لدرجة أن هناك سوريين يطالبون السلطات المعنية، بإغلاقها، ولو مؤقتًا، حتى تستقر الأوضاع. وخاصة موقع الفيسبوك، الطلب الذي سمعت أشخاصًا معتبرين يرددونه خلال لقاء عام مكرس للسلم الأهلي حضرته مؤخرًا في ريف اللاذقية، الأمر الذي لم يقدم عليه النظام الأسدي نفسه في أشد أوقاته حراجة. التصنيف المتصاعد من حالة الرفض المطلق لسقوط الأسد وما تمخّض عنه، إلى القبول المطلق لتلك المعجزة السماوية التي ضحوا بالكثير وكابدوا الكثير في انتظارها، حتى يئسوا منها ومن احتمال حدوثها. فإذ بها تحدث! وكأنها استجابة ربانية لدعاء أمهاتهم، فيستيقظون على خبر الهروب العجائبي لمن كان يجثم على صدورهم ويشد بقبضتيه على رقابهم ويتحكم في مصائرهم ومصائر أولادهم. فها نحن نصل إلى:
5- الذين فرحوا بسقوط النظام، وشاركوا الناس الاحتفالات في الساحات، وقبلوا باستلام الفصائل الإسلامية السلفية بقيادة هيئة تحرير الشام، التي أعلنت تنصلها من ماضيها الداعشي والقاعدي، وأيضًا عداءها له! مقاليد الحكم في دمشق، وعلّقوا عليها آمالهم بعبور المرحلة الانتقالية، نحو سورية حرة وكريمة وموحدة، يتمتع فيها مواطنوها كافة بحياة حرة وكريمة وآمنة، من دون أدنى تمييز في الدين والعرق والجنس، بأقصر وقت، “3 سنوات إلى 5!”، وأقل تكلفة، “القليل أو الكثير من الصبر”، كما يردّ عليهم كلما أبدوا ملاحظة، أو أظهروا شكوى، وذلك بغض النظر إذا ما كانوا يتفقون ويختلفون عقائديًا معها. إلّا أنهم مع الوقت، ومع تفويت هذه السلطة الفرصة تلو الفرصة بالسير ولو خطوة واحدة صحيحة على الطريق الصحيح، الذي يجب أن تمضي عليه البلد باتّجاه الأمان والاستقرار. فقد توضح لهم أن هذه السلطة لا تريد أو ربما لا تقدر، بسبب أكثر جوهرية، وهو أن بنيتها لا تسمح، بالسير على هذا الطريق. وهكذا وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين لأن يقفوا على مسافة منها! منتقلين من موقف المعارضة الإيجابية، المسؤولة والناصحة، إلى موقف المعارضة المتذمرة والمتشككة و… الفاقدة الأمل.
6- الذين فرحوا بسقوط النظام، وفرحوا بالطريقة العجائبية التي سقط بها، هكذا بين يوم وليلة، وكأن ساحرًا ما ألقى عليه تعويذته السحرية، ففعلت فعلها، واختفى! وفرحوا أيضًا بالذين أسقطوه، فلا مشكلة لديهم معهم، من كانوا يكونوا، ما داموا يرون فيهم محرريهم من ظلمه وعسفه! وهم لليوم ما زالوا فرحين، فلقد صبروا كثيرًا، ودفعوا أثمانًا كبيرة، وضحوا كثيرًا، “كيف يمكن لك أن تنسى مئات الألوف من القتلى ومئات الألوف من المغيبين والموتى تحت التعذيب، وملايين المشردين” ليروا هذه النتيجة! لا يعكر فرحهم شيء، سوى ربما بعض القلق على نظامهم، والخوف من أولئك الذين يريدون خطف الانتصار منهم بعد أن وصلت لقمته إلى فمهم!
تأسيس حزب “الفرحانين”:
لم ينقض أكثر من يومين أو ثلاثة على السقوط الكبير للنظام البائد حتى تنادى جمع لا يستهان به من الناشطين السياسيين والثقافيين والاجتماعيين في اللاذقية، للاجتماع في أحد المقاهي الشعبية في إحدى زواريب ساحة الشيخ ضاهر، لإعلان تأسيس حزب “الفرحانين” السوري الشعبوي، وبالفعل، تم الاجتماع التأسيسي للحزب وتمت صياغة البيان الأول، بالتصويت على كل فقرة من قبل المؤسسين البالغ عددهم ما يزيد عن /55/ مناضلًا، منتهي الصلاحية إلّا أن انتصار الثورة أعاد شحن بطارياتهم، الذين كانوا خلال كل ذلك يستمتعون بضيافة صاحب المقهى (أبو النور) من كاسات الشاي والقهوة والزهورات الدافئة! وقد صدّروا بيانهم هذا بمباركتهم للشعب السوري بانتصار ثورته، ومشاركتهم إياه فرحه العامر الغامر بسقوط النظام. مبينين أن شعار “الشعب يريد اسقاط النظام”، كان، منذ بداية الثورة لنهايتها، الشعار الجامع والشامل لكل الشعارات! فلا حرية ولا كرامة إلا بسقوط النظام! ولم يفوتهم أن ينوهوا بأن كل من لم يفرح بسقوط النظام، هو إما من موالي الأسد وشركائه في جرائمه، أو من الذين لا يعرفون ما هو الأسد وماذا فعل بسورية وبالشعب السوري!
الضربة القاضية:
ورغم أن الأمور، وبعد مضي شهر وشهرين وثلاثة، للأسف، لم تجر، كما كانوا يخشون! على نحو طيب! ولو بالحد الأدنى، كما كانوا يأملون، فإنهم لتمسكهم بفرحهم بسقوط النظام، أطلقوا، في مواجهة حملات التشكيك والرفض، من قبل أناس يمكن اعتبار بعضهم من ألد أعداء النظام البائد، شعار: “دعونا نفرح”. وأنّ سقوط نظام سامهم كل أصناف الأذى لمدة 54 سنة، يجعل من حق السوريين أن يفرحوا به، إن لم يكن حتى القيامة، فليكن لسنة، أو لستة أشهر على الأقل! غير أن كل هذا سقط بضربة مجازر 6 و 7/3/2025، القاضية. وما لحق بها من سلسلة الانتهاكات والارتكابات الاجرامية بأنواعها، بدت وكأنها لا تنتهي، شكّلت للكثير من الفرحانين بسقوط النظام طعنة عميقة في الصدر. يستيقظ السوري كل يوم وهو يتحسس قبضة الخنجر المغروز في صدره، شبه متأكد أنه سيسمع عن جريمة قتل أو خطف أو اعتداء، في الجبل وفي الساحل كما في كل ناحية من أنحاء البلد! تورد من قبل هذا وذاك أرقام مخيفة لأعداد الضحايا، إلّا أنه لا توجد إحصاءات بالحد الأدنى من الدقة، ولا أدري ماذا يمنع المتعقبين والموثقين للجرائم من محاولة اعداد قوائم بالضحايا! وخاصة وأنهم ربما لا يثقون بما تصرح به الدولة. ضحايا من نساء وأطفال وعجائز وشباب عزل من السلاح، كانوا في بيوتهم حين قتلوا على خلفية طائفية انتقامية صريحة. وفي الطرف الآخر قتلى بالمئات من أفراد الأمن العام ومن المدنيين على السواء، منهم من نصبت لهم الكمائن ومنهم بالمواجهات مع فلول النظام ومنهم أطلقت عليهم النيران وهم في سياراتهم على الأوتوستراد! كيف بعد كل هذا يمكن للسوريين، من أي دين أو طائفة، ليس أعضاء حزب “الفرحانين” فحسب، أن يبقوا على فرحهم ويتابعوا أعيادهم!
حلّ الحزب:
يتوضح لي الآن، عدم إمكاني متابعة الكتابة هذه بهذه النبرة الساخرة، التي يوحي بها العنوان! ذلك أنه ما عادت المبررات والحجج التي كان يسوقها الفرحانون تصلح حتى لتغطية ابتساماتهم الخجولة! وبالقدر الذي راحت تصدق عليهم صفتا السذاجة والهبل، راحت تنتفي عنهم ما يدّعونه من البراءة والنية الحسنة! ما أفقدهم أي حيلة، وأي قدرة على التصرف، إن على مستوى الأفراد أو مستوى الجماعات، في مواجهة التجاذبات والضغوطات والتي انصبّت عليهم من كل جانب: “أين ضمائركم؟ أليس لكم ضمائر؟ أين إنسانيتكم؟ كل هذا سيسجل في تاريخكم، ويومًا ليس ببعيد، سيحاسبكم عليه السوريون”! ولأن “الفرحانين” لا يستطيعون أن يبطلوا تمسكهم بأنهم أصحاب ضمائر، وبأنهم حقيقة إنسانيون، فلقد أعلنوا، وعلى لسان الأمين العام، الداعي، حلّ الحزب، وحرق كل وثائقه. وذلك بعد أن زاد عدد أصوات حلّ الحزب، عن عدد أصوات استمراره أو تجميده إلى حين، تقريبًا الضعف!
المحكومون بالأمل:
وقد أوضحنا في مقدمة البيان، كتبرير فلسفي لحلّ الحزب، أن الفرح والحزن هما شعوران إنسانيان، لا يصلح أي منهما لتشكيل حالة سياسية واقعية بأي ظرف! كما قدمنا مراجعة نقدية بأننا أخطأنا في اتباعنا للخطّ الشعبوي في السياسة! بينما جاءت الخاتمة بتوضيح، بأن “الفرحانين” حتى وإن حلّوا حزبهم، فإنهم ما زالوا أعضاء عاملين في حزبهم القديم (المحكومون بالأمل).
ضفة ثالثة