العدالة الانتقالية تحديث 11 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
—————————-
نريد عدالة انتقالية لا انتقامية/ ميشال شماس
2025.06.10
إن العدالة الانتقالية اليوم ليست مجرد محاسبة قانونية ومحاكمات قضائية فقط، بل هي عملية شاملة ومتسلسلة من العمليات القضائية وغير القضائية، هدفها تحقيق محاسبة المرتكبين وإجراء محاكمة وطنية للمتورطين في ارتكاب الجرائم والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان وضمان حقوق الضحايا وتعويضهم والاعتراف بمعاناتهم، والعمل على كشف حقيقة ماجرى للضحايا والكشف عن مصير المفقودين وتخليد ذكراهم بإقامة نصب تذكارية، وإنشاء سجل وطني يوثق الجرائم المرتكبة وإجراء إصلاح مؤسساتي خاصة في المؤسسات الأمنية والجيش ومصالحات وطنية لتعزيز السلم الأهلي وإرساء أسس الاستقرار في البلد بما يساعد على ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.
ويتطلب تحقيق هذه الآليات وجود إرادة سياسية ودعم دولي وشفافية في إدراة مسار العدالة الانتقالية التي يجب تبنى على أسس قانونية واضحة ، وليس على قرارات عامة من هذه الجهة أو تلك قد تؤدي إلى ظلم فئات بأكمله، كما في القرار الصادر عن فرع محامي ريف دمشق الذي قضى بإحالة كل المحامين الذين أدوا الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية أو الدفاع الوطني إلى التحقيق، وإلزام كل من دفع بدل الخدمة بتسديد نسبة 10 في المئة من مبلغ البدل لخزينة الفرع المذكور.
هذا القرار عكس بوضوح نهجاً تعسفياً في تطبيق العدالة، وهو ما أثار احتجاجاً واستنكاراً من قبل فئة واسعة من المحامين وغير المحامين، وطرح صدوره العديد من التساؤلات حول مدى عدالته وقانونيته وتأثيره على استقلالية المهنة. وهو مادفع نقيب المحامين إلى القول:”بأنه قرار غير مدروس ومخالف للأصول المهنية والقانونية، وأنه لن يعمل به إطلاقاً ولن يكون له أي تداعيات على أي محامي”.
إن تصنيف كل من أدى الخدمة الإلزامية أو دفع بدل الخدمة العسكرية على أنه متورط في ارتكاب جريمة، أو أسهم في دعم نظام الأسد الإجرامي يعتبر تعميماً ظالماً، ومخالفاً لمبدأ العدالة القائم على وجوب توفر أدلة واضحة لا تحتمل التأويل، والمحاسبة العادلة تستند إلى تحقيقات دقيقة ثم تقوم بها هيئات قانونية وقضائية مستقلة.
الخطورة في قرار نقابة محامي ريف دمشق تأتي من صيغة التعميم والجماعية في توجيهه الاتهامات، فقد افترض القرار المذكور أن جميع المحامين الذين خدموا في قوات الأسد أو دفعوا بدل خدمة كما لو أنهم متورطون فعلاً في ارتكاب الجرائم أو في دعم النظام الساقط بدفع البدل النقدي، من دون النظر إلى الظروف الفردية لكل محام. واستناداً لهذا المنطق الأعوج، يمكن أيضاً محاسبة كل من بقي في مناطق سيطرة نظام الأسد الإجرامي باعتبارهم داعمين للنظم البائد مثلاً من خلال دفع فواتير الماء والكهرباء والضرائب وثمن طوابع المجهود الحربي وإعادة الإعمار واللصيقة القضائية.. إلخ. فالمحاسبة العادلة تستند إلى تحقيقات تتولاها جهات مستقلة، وليس إلى تصنيفات عامة لاتستند إلى أي دليل.
اليوم المفترض أن تحافظ نقابة المحامين بفروعها على طبيعتها بصفتها جهة مستقلة تماماً، وظيفتها الأساسية هي الدفاع عن حقوق المحامين وعن سيادة القانون وحريات الناس، وليس إصدار قرارات هيمن اختصاص سلطة القضاء المنوط به وحده إجراء التحقيقات مع مرتكبي الجرائم وتقرير العقوبة بحقهم. وإذا وجدت النقابة أدلة قوية على تورط محامي أو محامية في ارتكاب جريمة ما، فيجب أن تحيلهم إلى القضاء، ثم تسائلهم مسلكياً استناداً لما سيقرره القضاء، وليس بناءً على قرارات عامة مسبقة.
إن تحقيق العدالة الانتقالية لا يتم ولايجب أن يتم من خلال إصدار قرارات تعسفية، بل من خلال تحقيقات قانونية وقضائية عادلة ومستقلة. ولا يمكن معاقبة أشخاص بناءً على تصنيفات عامة من دون أدلة واضحة. والمحاسبة والمحاكمة يجب أن تكون دقيقة ومنصفة، ويجب أن نحرص دائماً في قراراتنا ألا تؤدي إلى ظلم أي إنسان بريء، وأن نركز دوماً على محاسبة الفاعلين والمرتكبين الحقيقيين وفقاً للأدلة القانونية والقضائية المتوفرة.
وكان الأولى بالنقابة ومجالس فروعها بالمحافظات تشكيل لجان داخلية مستقلة في كل فرع وعلى مستوى النقابة مهمتها إجراء مراجعة قانونية لكل الأعمال والقرارات السابقة ولاسيما فيما يتعلق بالدعاوى المسلكية وقررات الشطب التي جرت منذ آذار 2011 وحتى سقوط نظام الأسد الإجرامي، وتحديد ما إذا كانت هناك انتهاكات لحقوق المحامين أو إتخاذ اجراءات غير قانونية أدت إلى شطبهم من سجل المحامين أو حماية بعض المحامين الذين اشتغلوا بالسمسرة والاحتيال على الناس. وإذا ماظهر خلال التحقيقات حالات بشتبه فيها بحدوث انتهاكات جسيمة يمكن للنقابة أو الفرع المعني إحالتها إلى الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، لضمان نزاهة التحقيق وعدم تسييس الإجراءات. وإذا أثبتت تحقيقات هيئة العدالة الانتقالية صحة حدوث تلك الانتهاكات، عندها يمكن للفرع المعني أو النقابة لا بل من واجبهم اتخاذ إجراءات تأديبية بحق المرتكبين، كتجميد عضويتهم أو شطبهم نهائياً من النقابة.
اليوم بعد تأسيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وتكليفها بمهمة البحث والتقصي والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتكبة من قبل نظام الأسد الإجرامي، لايجب أن يقوم فرع محامي ريف دمشق أو أي فرع نقابة أخرى، بتجاوز دورهم المهني والمسلكي في تطبيق آليات العدالة الانتقالية بشكل منفرد. فآليات العدالة الانتقالية، تتطلب تحقيقات دقيقة ومحاكمات عادلة تُشرف عليها جهات قضائية مختصة، وليس كيانات مهنية كنقابة المحامين وغيرها من النقابات. لكن هذا لايمنع أن يكون هناك تعاوناً ويجب أن يكون بين نقابة المحامين ومختلف النقابات وبين الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية. كأن تقدم لها الأدلة القانونية التي تثبت تورط بعض المحامين في انتهاكات جسيمة. واتخاذ إجراءات مسلكية داخل النقابة وفروعها، مثل شطب المحامين المدانين بجرائم خطيرة من سجل المحامين استناداً إلى الأحكام التي ستصدر عن الهئية الوطنية العدالة الانتقالية. وأن تحرص النقابة على استقلال مهنة المحاماة وضمان عدم استخدام المساءلة النقابية كأداة سياسية أو انتقائية ضد فئات معينة من المحامين كما كان يجري في عهد النظام الساقط.
يجب أن نبقى متقيظين وعيوننا مفتوحة على أي قرار أو تصرف، فهذه بلدنا ومن حقنا أن نخاف عليها وأن نحميها حتى برموش عيوننا.
تلفزيون سوريا
——————————–
لم يَقُل حسن صوفان خطأً، ولكن../ ياسين السويحة
الألم والفزع، الانتقال، وعدالة (غير) تامة
11-06-2025
تكاد تكون مقايضات العفو مقابل كفِّ الأذى جزءاً جوهرياً من أي تعريف نزيه لـ«العدالة الانتقالية». فلا يخلو نموذج واحد من «قصصِ نجاحِ» هذا المصطلح من أمثلة على إحساس عشرات، أو مئات، أو حتى ملايين الضحايا بالحنق تجاه إفلات بعض المجرمين، أو الكثير منهم، من العقاب مقابل ضمان عدم تهديدهم لعملية سياسية هشّة أو لوضع اجتماعي حَرِج. الأرجنتين، جنوب أفريقيا، كولومبيا، تشيلي، رواندا، غواتيمالا.. كلها أمثلة متفاوتة الجودة لنجاحات «العدالة الانتقالية» وإخفاقاتها، تحفل بها الدورات التدريبية لمنظمات المجتمع المدني ومناهج تدريب الحقوقيين، وكلها، دون استثناء، حافلة بقصص الخذلان، وبمجرمين طلقاء (وبعض هؤلاء المجرمين قد يُكافَأون على دورهم في «حفظ السلم»)، وبملفات متروكة للنسيان في أسوأ الأحوال، أو للسينما والأدب وغيرها من الفنون في أحسنها.
العدالة الانتقالية هي إجراءات قضائية وقانونية، صحيح. ولكنها أيضاً، وأساساً في أغلب الأحيان، عمليات سياسية ووساطات مجتمعية وردُّ اعتبار وجبر خواطر وتعويضات معنوية ومادّية، وكلّ هذه الأخيرة ضرورية بالذات لأن أساس منطق «العدالة الانتقالية» أنها تجري حيث لا عدالة «حاف» ممكنة، إما لأن حجم الهول أكبر من أي مؤسسة قضائية ممكنة، أو لأن توازنات القوّة (أو توازنات الضعف بالأحرى) تقتضي مساومات مع جزءٍ من المجرمين الذين هُزموا لكنهم لم يفقدوا كامل قدرتهم على الأذى ربما، أو بحوزتهم ملفات أو معلومات قد تؤدي لدرء خطرٍ أكبر أو ملاحقة مجرمين أهم في هرمية السلطة، أو أخطر، أو أقل استعداداً منهم للمُسايسة.
لُبُّ «العدالة الانتقالية» هو، باختصارٍ تراجيدي، تفضيلُ ما يُؤلِم على ما يُفزِع، دون أن يكون الفارق واضحاً سلفاً في كثيرٍ من الأحيان. هي مسار متعرّج، غير مضمون ولا نهائي النتائج ولا مكان فيه للنبرات الانتصارية «إلى يوم القيامة». بَعدَ قانونَي عفوٍ شَنيعيَن في الثمانينيات، ومسارٍ طويل ومُضنٍ لعكسِهما في التسعينيات والألفينات، نجحَ بشكل باهر وحقَّقَ ملاحقات ومحاكمات للكثير من المجرمين وساهمَ في كشف مصير الكثير من الضحايا المُغيَّبين، يحكم الأرجنتين اليوم إنكاريٌ ترامبي لجرائم الحكم العسكري، ترافقه نائبة رئيس آتية من عائلة عسكرية انقلابية، بَنَتْ شهرتها بوصفها مناضلة مُرّة ضد «طغيان سردية» ضحايا الحكم العسكري. الأرجنتين كانت، حتى سنواتٍ قليلة جداً، قصة النجاح، بأل التعريف.
من داخل منطق «العدالة الانتقالية»، ليس هناك خلاف مفاهيمي أو نظري مهم ممكن مع حديث حسن صوفان، عضو لجنة السلم الأهلي، في مؤتمره الصحفي في دمشق أمس. فكلام الرجل عن الاضطرار للمساومة مع بعض المجرمين مقابل كفِّ الأذى وضمان السلم والاستقرار؛ وعن عدم تَوقُّع العدالة الكاملة من أي مسار «عدالة انتقالية» وإشارته إلى السموات وربِّها كمصدر أوحد للعدالة التامة؛ وعن أن مسار «العدالة الانتقالية» ليس إلا اجتهادات متتابعة قد تكون متعثّرة؛ وعن أن الشفافية ضرورية ولكنها ليست سهلة دوماً هو، بحرفيته، هو ألف باء ما يمكن سماعه من أيّ خبيرٍ رصين في الشأن. الشيخ حسن صوفان رصينٌ فعلاً ويحظى بالاحترام والثقة، لكن السجال هنا ليس مع شخصه، بل مع مكانه كعضو في لجنةٍ ثلاثية للسلم الأهلي، أُنشأت بقرار رئاسي، إلى جانب لجنة تقصّي الحقائق، بُعيد مجازر الساحل.
تُمارَس السلطة اليوم في سوريا انطلاقاً من رئيس فرد، يُصدر المراسيم والقرارات التي تنبع منها السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية المُزمَع إنشاؤها، والسلطة القضائية التي من غير الواضح كيف تُدار بغياب المجالس العدلية اللازمة لحسن سيرها؛ وتنبع منها أيضاً الهيئات واللجان الخاصة بـ«العدالة الانتقالية» و«السلم الأهلي»، والتي عُيّن الشيخ صوفان فيها. السلطة في سوريا اليوم تُوقِّعُ بروتوكولات وتمنح امتيازات استثمار لسنوات أطول بكثير من مدّة صلاحياتها «الانتقالية» التي وضعتها لنفسها. يجرى كل هذا بناءً على إعلان دستوري كُتِبَ على عجل، على يد لجنة عيّنتها الرئاسة نفسها، ووُقِّعَ في حفلٍ حضره أهل السلطة فقط، وبحضور «القيادة الروحية» للمسلمين السُنّة حصراً. سبق ذلك مؤتمر «حوار» حُضِّرَ ونُفِّذَ على غفلة وعجالة، وباحترام غائب لتنوّع شرائح السوريين والسوريات المختلفة جهوياً ومذهبياً وإثنياً وجندرياً، وقبل كل شيء «مؤتمر نصرٍ» تلغرامي، أعلن فيه ذكورٌ عسكر، جُلّهم إسلاميون، أنهم انتصروا وقرروا. ليس هذا وضعَ انتقال، بل بالأحرى استحواذ. وما تجري فيه من ترتيبات، بما في ذلك مساومات وضمانات واتفاقات هنا وهناك، هي استحواذية وليست انتقالية.
أحسنَ الشيخ صُوفان صنعاً بإصراره في حديثه على أولوية السلم الأهلي. لكن كلامه، غير المشكوك بصدق مُنطلقه، غير متّسق مع وقائع ما شهدته الأشهر السابقة، لا في صحنايا وجرمانا وعلى طريق السويداء، ولا بالذات مع العلويين قبل وخلال وبعد مجازر آذار المريعة. لم يحصل أي تعاطٍ علني وفعلي من قِبل السلطة مع الجماعة العلوية بوصفها جزءاً تكوينياً من هذا البلد، ولم تُدعَ لا هي ولا غيرها من الجماعات إلى أيٍّ من مؤتمرات ومراسم تشكيل السلطة في دمشق، ولم يُوجَّه لها إلا الازدراء والكراهية وتسويغ الإجرام بحقها في خطاب إعلاميي السلطة وضفافها. هل تعني «العدالة الانتقالية» على نموذج سوريا الجديدة أن العلويين الوحيدين الذين يحظون بعتبة احترام لحيواتهم ولكرامتهم، والذين يُصان الأمانُ الممنوح لهم، والذين تراهم السلطة وتخاطبهم وتتعامل معهم سياسياً، هم فادي صقر وخالد الأحمد، زميل الشيخ صوفان في اللجنة؟
كلام حسن صوفان، مجدداً، ليس فيه أخطاء كبيرة ضمن عوالم «العدالة الانتقالية» المفاهيمية المجرّدة. لكن نجد فيه مشكلتين سوريتين، الأولى كبيرة: أننا لسنا في وضع انتقالي حقيقي في سوريا كما أسلفنا، بل نعيش مساراً انفرادياً لتشكيل سلطة انطلاقاً من واقع مُدمَّر وبأدوات وموارد محدودة، وبتوجّه نرى مع مرور الوقت كم هو استبعادي للسوريات ولغير العرب-السنّة؛ والثانية أكبر: أنه يضع الاضطرارات من نوع المُسايسة مع المجرم فادي صقر وغيره حصراً في خانة «قرارات القيادة»، التي من مكانها الفوقي المنفرد تعلم ما لا نعلم، وبالتالي لا تُناقَش، وليس كنتيجة جهدٍ واجتهاد جماعييَن، ومشاركة في القرار وفي تبعاته؛ كما لا ترافق هكذا قرارات أي جهود أوسع يحضر فيها البُعدان السياسي والمجتمعي لـ«العدالة الانتقالية». تقتضي «العدالة الانتقالية»، وقبلها المنطق الانتقالي بحدّ ذاته، بعضَ الاعتراف المتواضع بمحدودية القدرة وبالحاجة للتكاتف، والإقبال على السياسة، وقبل كل شيء الاستعداد للاحترام ولقدر ما من الندّية، وبالتالي لا تقرر بشأنها «قيادة» منفردة، بل تقتضي عملية معقّدة وصعبة من السعي للتوافقات والإجماعات، تبدأ حكماً من مؤتمر وطني جامع وحقيقي، تحضر فيه كل تنوّعات السوريين والسوريات، جهوياً وجماعاتياً وإثنياً وسياسياً، وتنبثق عنه مجالس وهيئات جماعية كاملة الأهلية وتحظى بأكبر قدر ممكن من احترام وثقة أوسع قدر ممكن من السوريين والسوريات، وبالذات من العلويين في حالتنا السوريّة. هذه الآليات الجماعية، وليس القرارات الفوقية المنفردة، هي الإطار الأنسب لمناقشة قرارات مؤلمة، من نوع العفو الاضطراري عن مجرمين كبار منعاً لأذىً أكبر؛ وهي الأوسع حيلة للخوض في مساومات صعبة وتحصيل ما لا يمكن تحصيله بالأمر والنهي من علٍ؛ وهي الأفضل موقعاً لجبر خاطر الضحايا واحتضانهم والحصول منهم على تفهّمٍ للألم الذي لا بد من تفضيله على الفزع.
على عكس ما يُريه الاطمئنان المبالغ به الذي يبديه المتحمسون للسلطة، خاصةً بعد رفع العقوبات الأميركية، سوريا اليوم ما زالت شبكة من توازنات الضعف والـ«على مضض»؛ وتحت خطر موجات متتالية من العنف العاصف، منها ما قد «يُسيطَر» عليه ويُدار، ومنها ما قد يخرج عن السيطرة. البلد بحاجة لمسار عدالة انتقالية حقاً، بكل ما في المفهوم من مشاكل وتناقضات ونواقص؛ وبحاجة للحظات اختيار كثيرة بين الألم والفزع، على عكس ما يُطالب به جذريو العدالة الغاضبون على وسائل التواصل، بغضبٍ محقّ كمشاعر ولو أنه بحاجة لتوجّه أكثر تأنّياً وتركيباً، كأفكار وكسياسة.
ليست هناك عدالة تامة ممكنة لسوريا ولأهلها، الشيخ حسن صوفان محقٌ هنا، وتركة الأسدين اللعينة علينا، نحن مَن نجونا، هي أن نموت متفحّمي القلوب، وحَسبُنا أن نَحِنَّ لمستقبلٍ تكون قلوب من يأتون ويأتين بعدنا أقل اضطراراً للألم والفزع وللمفاضلة بينهما. شرطُ مسار العدالة الانتقالية، التي تحتاجها سوريا فعلاً، هو عملية انتقال سياسي حقيقية، بمحاولات جدّية لتحقيق إجماعات وتوافقات عريضة وحقيقية بين متنوعين ومتخاصمين، يحضر فيها الجميع ويشارك فيها أكبر قدر ممكن من الناس، وبكل ما يلزم من احترام وندّية وأمان، مهما استغرقت من الوقت، ومهما أخذت من الجهد.. لكل ذلك، سوريا بحاجة لمؤتمر وطني تأسيسي حقيقي، أولاً وقبل أيّ شيءٍ آخر.
موقع الجمهورية
———————
غضب سوري بعد إطلاق متهمين من نظام الأسد/ محمد أمين و حسام رستم
11 يونيو 2025
كثُرت مطالبات الشارع في سورية في الآونة الأخيرة بتبيان الأسس والمعايير التي تتبعها الإدارة الحالية في التعاطي مع ملف يُعد من أكثر الملفات حساسية لدى عموم السوريين، وهو ملف المتهمين بارتكاب جرائم ومجازر أو مشاركين فيها إبان حكم النظام المخلوع. وتداول ناشطون سوريون أنباء عن إطلاق سراح متهمين، خصوصاً من “الشبيحة”، من السجون بوساطة من “لجنة السلم الأهلي”، منهم المدعو فادي صقر الذي كان قائد ما كان يسمى “الدفاع الوطني”، والذي ارتكب مجازر بحق السوريين على مدى سنوات الحرب، خصوصاً في دمشق وريفها.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد شكّل في مارس/آذار الماضي هذه اللجنة بهدف تعزيز الاستقرار في الساحل السوري وحل الخلافات المجتمعية، وضمت محافظ اللاذقية حسن صوفان، المسؤول عن ملف “أمن السلم المجتمعي” في منطقة الساحل السوري، وأنس عيروط، ابن مدينة بانياس التابعة لمحافظة طرطوس، وخالد الأحمد المستشار السابق غير الرسمي لبشار الأسد والذي أثار تعيينه لغطاً كبيراً في ظل تداول معلومات عن دور قام به ساعد في التعجيل في إسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
تبرير إطلاق مسؤولين من نظام الأسد
وفي مؤتمر صحافي عقده أمس الثلاثاء في دمشق، حاول عضو “لجنة السلم الأهلي” حسن صوفان الدفاع عن القرارات التي قضت بإطلاق سراح متهمين من فلول النظام البائد، مشيراً إلى أن الضباط الذين أُطلق سراحهم “ضباط عاملون منذ عام 2021 وسلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية ومنطقة السخنة (في البادية) ضمن ما يعرف بحالة الاستئمان”. وبيّن أن “الموقوفين خضعوا لتحقيقات ولم تثبت ضدهم أي تهم بارتكاب جرائم حرب”، مضيفاً: “بقاؤهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية”، وقال إن “هذه الإجراءات ليست بديلاً عن العدالة الانتقالية والتي بدأت بالفعل، وهذه مهمة اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي شُكّلت بمرسوم رئاسي”، وأضاف: “في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة المقبلة”. وبرأيه فإن “العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة”.
وتُتهم الإدارة الحالية في سورية بالتمادي في تطبيق مبدأ “المسامحة”، والذي كان سبباً في إفلات الكثير من مجرمي الحرب أو المتهمين بارتكاب تجاوزات جسيمة بحق السوريين من العقاب، بل إن البعض منهم ما يزال يتحرك بكل حرية في البلاد، وأبرزهم فادي صقر الذي ظهر علناً في حي التضامن جنوب دمشق، الذي ارتكبت فيه المليشيات التي كان يقودها جرائم بحق مدنيين عزّل. وما تزال “مجزرة التضامن” التي وقعت عام 2013 ماثلة أمام أعين السوريين.
وتعليقاً على إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم من السجون في سورية بوساطة من “لجنة السلم الأهلي”، رأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “ذلك يؤدي إلى خلق حالة احتقان ويؤجج مشاعر الانتقام والغضب لدى السوريين، خصوصاً لدى ذوي الضحايا”. وتابع: “يجب أن تكون الحكومة شفافة وأن توضح للرأي العام أسباب إطلاق سراحهم. هذا موضوع حساس مرتبط بحقوق ضحايا”. وأشار إلى أن الأمر “يتعلق بتعذيب وقتل وإخفاء قسري، وعن جرائم واسعة، لذا ليس من حق الحكومة إطلاق متهمين، فالأمر مرده كله للقضاء المستقل”، مضيفاً: “ما يجري خطأ جسيم. النائب العام يُحيل هؤلاء للقضاء والمحكمة هي صاحبة الأمر بإطلاق سراحهم من عدمه”. وبرأيه، فإن ما يجري يؤكد أنه “ليس هناك مسار قانوني في التعاطي مع هؤلاء المتهمين”، مضيفاً: “هذه الإجراءات ترسل رسالة خاطئة للمجتمع ودعوة للانتقام الفردي الكفيل بإدخال البلاد دورة عنف”.
من جهته، اعتبر المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم من النظام البائد “مجرد فقرة تهريج في السيرك السوري الكبير”، متسائلاً: “عن أي سلم أهلي نتحدث بينما أثر الدم ما يزال يلطخ أيدي هؤلاء الذين يُفرَج عنهم؟”. وتابع: “لو أننا شهدنا محاكمة واحدة فقط… لو أن الناس رأت مسؤولاً عن القتل يقف مذلولاً في قفص محكمة، لربما ساعد هذا الإجراء في تعزيز السلم الأهلي أكثر مما يتم”. ودعا قرنفل إلى “عدم التهاون مع حقوق الناس أو مقايضتها بسلم أهلي ترقيعي”، مضيفاً: “العدالة مدخل إلى السلم المجتمعي. حتى اللحظة – كما يبدو – يد العدالة مغلولة ولا يُراد إطلاق يدها”.
أسئلة العدالة الانتقالية في سورية
وكان الشرع قد شكّل هيئة للعدالة الانتقالية في سورية “تتولّى كشف الحقائق بشأن انتهاكات النظام السابق، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا”، في منتصف الشهر الماضي. وعُيّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيساً للهيئة، وكُلف بتشكيل فريق العمل ووضع نظامها الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً، على أن تتمتع الهيئة بـ”الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية”. لكن إطلاق سراح متهمين بارتكاب مجازر في الآونة الأخيرة من السجون ربما يخلق حالة من عدم الثقة لدى الشارع السوري في قدرة هذه الهيئة على إطلاق مسار محاسبة يشمل جميع المتهمين في ارتكاب جرائم حرب في البلاد ما بين عامي 2011 و2024. وكان جهاز الأمن في وزارة الداخلية قد اعتقل عدداً من مسؤولي النظام المخلوع من أمنيين وعسكريين، لكن حتى اللحظة لم تتضح الخطوات القانونية المقبلة للتعاطي معهم في سياق مسار العدالة الانتقالية في البلاد. وأعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في ديسمبر الماضي، أنها أعدت قائمة تضم أسماء نحو 16200 شخص من قوات النظام المخلوع وأجهزة الأمن، وقوات رديفة تضم مليشيات، ارتكبوا جرائم بحق السوريين.
واعتبر المدير التنفيذي لـ”رابطة المحامين السوريين” سامر ضيعي هذا الإجراء (إطلاق سراح متهمين) انتهاكاً خطيراً لمبادئ العدالة الانتقالية ولحقوق الضحايا، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “العدالة الانتقالية، كما هي معرّفة في القانون الدولي وممارسات الأمم المتحدة، تقوم على أربعة أركان مترابطة: الحق في معرفة الحقيقة، والحق في العدالة (والمساءلة)، وجبر الضرر للضحايا، وضمانات عدم التكرار”. وتابع: “إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم حرب، من دون تحقيق قضائي نزيه، ومن دون صدور أحكام قضائية نهائية، هو تقويض صريح للركنين الثاني والثالث، بل إنه يوجّه رسالة عكسية للضحايا مفادها: أن دماءهم قابلة للمقايضة، وأن منتهكي حقوقهم يمكن أن يكافؤوا على حسابهم. وبيّن أنه من الناحية القانونية “لا تملك أي لجنة أهلية أو محلية، بمن فيها لجان السلم الأهلي، صلاحية قانونية أو دستورية لإصدار قرارات بالعفو أو إطلاق سراح متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة”، مضيفاً: “هذه صلاحيات حصرية للقضاء، ويجب أن تتم عبر محاكم مستقلة، محايدة، ووفق إجراءات تضمن العدالة للضحايا والمتهمين على السواء”. وحول التبعات على العدالة الانتقالية في سورية أشار إلى أن إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم “ضرب لمبدأ سيادة القانون: حين يتم تجاوز القضاء لصالح تسويات سياسية أو مجتمعية”، و”تعميق فقدان الثقة في المؤسسات، خصوصاً من جانب الضحايا وذويهم، وتشجيع الإفلات من العقاب، ما يُهدد بتكرار الجرائم مستقبلاً”.
العربي الجديد
——————————————-
الدكتور هاني حرب: مشروع البحث عن المفقودين يشمل أخذ مليون عينة
حرب يكشف عن “كيف يسعى مشروع ‘الأمل المستعاد’ لكشف مصير مئات آلاف المفقودين في سوريا؟
عمار زيدان
2025-06-03
أعلنت المؤسسة الألمانية السورية للبحث العلمي، في الـ 19 من أيار / مايو الجاري عن إطلاق مشروع “الأمل المُستعاد” والذي يهدف إلى دعم جهود التعرف على المفقودين وضحايا الاختفاء القسري في سوريا خلال عهد النظام المخلوع باستخدام أحدث تقنيات تحليل الحمض النووي.
ويقوم المشروع على مبادرة علمية تهدف إلى بناء قدرات وطنية ونقل الخبرات إلى كوادر سورية مؤهلة لضمان استمرارية المشروع بما يحقق الاستقلالية على المدى البعيد وبناء مستقبل سوري أكثر عدالة وشفافية.
وفي هذا الخصوص التقى “963+” مع رئيس مؤسسة “الأمل المستعاد” وعضو مجلس إدارة المؤسسة الألمانية السورية للبحث العلمي، الأستاذ الدكتور هاني حرب حيث تحدث عن تفاصيل خاصة حول أهداف مشروع البحث عن المفقودين وضحايا الاختفاء القسري بعهد النظام المخلوع، وحجم العينات التي ستأخذ للكشف عن هؤلاء المفقودين ولماذا يعتبر هذا المشروع سيادي بشكل كبير.
فيما يلي الحوار كاملاً:
لو تُحدثنا عن مشروع “الأمل المُستعاد” الذي بدأت بالعمل عليه مع مجموعة من الباحثين والعلماء السوريين فيما يتعلق بالبحث عن ضحايا ورفات المفقودين؟
مشروع “الأمل المستعاد” بدأ بعد يوم واحد من سقوط النظام وهو مشروع علمي وإنساني، يشارك فيه مجموعة من الباحثين السوريين في الداخل والخارج، هدفه الأساسي المساعدة في الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري. حيث كان هناك حديث واسع عن العدالة الانتقالية والكشف عن المفقودين والمقابر الجماعية لكن لم يتم الحديث عن الطرق والآليات والصعوبات التي تواجه هذا العمل. ومن هنا ولد مشروع “الأمل المستعاد” والذي جاء كضرورة لبناء الخطوط والقدرات التقنية للكشف عن مصير المفقودين والشهداء من مخابر وحواسيب وسيرفرات مع تمكين وتدريب الأفراد في سوريا حول ذلك. وهذا المشروع يأتي استجابة لواحدة من أعمق الجراح المفتوحة في المجتمع السوري، وهو لا يهدف فقط إلى التعرف على الرفات، بل إلى رد الكرامة لعائلات المفقودين، والمساهمة في بناء مسار حقيقي للعدالة.
كيف آلية البحث عن المقابر الجماعية، وماهي حجم العينات التي ستأخذونها للكشف عن المفقودين؟
هنالك معلومات عن 200 مقبرة جماعية في سوريا ومهمتنا في هذا المشروع ستكون ضمن المخابر والعمليات التقنية والتعاون مع منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” التي لديها القدرات على الكشف عن المقابر الجماعية بأجهزة متطورة. بالنسبة لكمية العينات هذا الأمر لا يمكن التنبؤ به، كل مقبرة جماعية سيتم فتحها والعمل عليها بطريقة احترافية بمعنى سيتم استخراج الجثث وتنفيذ دراسة عليها من قبل فريق متخصص لمعرفة كم جثة موجودة بالتحديد داخل كل مقبرة جماعية ومن الممكن في العديد من الحالات أن نأخذ ضعف العينات للجثث الموجودة في المقبرة وكل ذلك سيضاعف العمل بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، كما سيكون هناك مخبر متحرك “موبايل لاب” مهمته تحليل الطرائق المختلفة الأنسب لعزل عينات الـ “DNI”.
من هي الجهات الممولة والمشاركة في هذا المشروع؟ وهل ترى بأن المشروع سيكون له جدوى حقيقة بالكشف عن مئات آلاف المفقودين؟
حالياً ليس هناك جهات ممولة هذا المشروع هو مشروع سيادي بمعنى لكي نحصل على تمويل نحتاج إلى موافقة وتفويض ودعم من الحكومة السورية، وعند الحصول على هذا التفويض هناك العديد من الجهات الدولية التي من ممكن العمل معها سواء الحكومة الألمانية أو الفرنسية أو الدنماركية أو البريطانية وكل هذه الحكومات قمنا بالتحدث معها خلال الفترة الماضية حول المشروع كما تتواجد جهات أخرى خاصة وعامة ممكن العمل معها في هذا الإطار. بالتأكيد هناك جدوى حقيقية بالكشف عن مئات آلاف المفقودين هذا الأمر مهم جداً لتكريم الضحايا وأن يكون لهم دور حقيقي في العدالة الانتقالية وملاحقة الجناة والمجرمين ومهم جداً أيضاً فيما يتعلق بالأمور القانونية كإصدار شهادات وفاة. لا نقول إننا نملك حلولًا سحرية، لكننا نؤمن أن العمل الممنهج والعلمي، إن بدأ الآن، يمكنه أن يحدث فرقًا حقيقيًا، ويضع حجر الأساس لمشروع وطني طويل الأمد هدفه الرئيسي كشف مصير المفقودين. نحن لا نعد بكشف مصير كل الضحايا فورًا، لكننا نضع أدوات العمل الصحيحة، والاستقلال العلمي، ونقل الخبرات في قلب هذه الجهود.
هل هناك تنسيق مع المؤسسات ذات الصلة في الحكومة السورية؟ وهل قُدمت لكم التسهيلات للعمل بشكل مناسب وماهي هذه التسهيلات؟
نحن على تواصل دائم وبشكل يومي مع الجهات الحكومية الرسمية وخاصة محمد رضا الجلخي مدير الهيئة الوطنية للمفقودين. نعمل على خلق توافق بين رؤيتنا للمشروع الذي نطرحه وبين الحكومة السورية ومن جهة أخرى مع عوائل الضحايا و” الآلية المستقلة لشؤون المفقودين” حيث نسعى بأن نكون الفريق التقني لدعم هذا المشروع.
هل المشروع يساعد بدفع العدالة الانتقالية إلى الأمام وبناء مسار وطني للعدالة والمصالحة؟
بالتأكيد فإن المشروع مهم جداً خاصة عند التعرف على هوية الضحايا وهو ما سيؤدي إلى تحقيق السلم الأهلي وسيشعر الكثير من السوريين بالاطمئنان. وكل هذا العمل يتم تحت إدارة الحكومة السورية ووزارة العدل بمعنى أن سلاسل التعرف والأدلة ستبقى محفوظة في مؤسسات الدولة المعنية بالتالي يستطيع المحامي أو المدعي العام المتخصص بشؤون العدالة الانتقالية استخدام هذه المعلومات لرفع دعاوى قضائية ضد مجرمي الحرب في المستقبل.
من أهداف المشروع المذكورة حماية استقلال القرار السوري، كيف ذلك؟
حماية استقرار القرار السوري يعتبر أمراً بالغ الأهمية. بالإضافة إلى وجود “الداتا” وعينات “DIN” المتعلقة بالمفقودين داخل سوريا ومعلومات عن عوائل الضحايا أيضاً. هذا المشروع ضخم جداً ويشمل أخذ مليون عينة يجب أن نقوم بقياسها يعني تقريباً 5 بالمائة من سكان سوريا، ما تحدثت به هو ثروة قومية ويمكن أن تكون أساس لمشروع البصمة الوراثية السورية وهذه “الداتا” بالإمكان استخدامها لاكتشاف الأمراض الوراثية والسرطانية مستقبلاً. يضاف إلى ذلك فإن المخابر الذي سيتم استحداثها بهذا الإطار ستكون بمثابة بنية تحتية هائلة تقدم لاحقاً لوزارات الداخلية والعدل والتعليم العالي والصحة للاستفادة منها بمختلف المجالات، كما أن القدرات الحاسوبية التي سيتم بنائها في مشروع “الأمل المستعاد” ستقدم بعد انتهاء العمل لوزارة الاتصالات والتكنولوجيا. هناك أمثلة عالمية عديدة حول البحث عن المفقودين لم تكن بالشكل المطلوب ففي قبرص وبعد 30 عاماً من الحرب تم اكتشاف وتسليم 40 عينة فقط من الضحايا أما في البوسنة وبعد 35 عاماً تم التعرف على حوالي 70 بالمائة من الأشخاص الذين قتلوا في الحرب وكل ذلك يعود إلى عدم وجود قرار جدي من هذه الدول بالكشف عن الضحايا على عكس دول أخرى مثل الأرجنتين وغواتيمالا التي اتخذت قراراً وطنياً بهذا الخصوص.
نحن نرفض أن يتحول ملف المفقودين إلى أداة سياسية بيد أي طرف. ولهذا يعمل المشروع ضمن نموذج “BOT Build, Operate, Transfer “، القائم على البدء ببناء القدرات والمختبرات والتدريب، ثم نُسلمها لكوادر سورية قادرة على متابعة العمل بشكل مستقل. الهدف هو أن تُدار هذه الملفات الحساسة بأيدٍ سورية، ضمن مؤسسات وطنية مسؤولة وشفافة وتستجيب لأصوات الأهالي، لا لضغوط أو توظيفات سياسية.
963+
——————————–
السلم الأهلي السورية: الأولوية للعدالة الانتقالية ولا سلم بلا شفافية/ شام السبسبي
10/6/2025
دمشق – عقد عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي في سوريا حسن صوفان مع المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، اليوم الثلاثاء، مؤتمرا صحفيا في مقر وزارة الإعلام في دمشق، تناول فيه آخر المستجدات المتعلقة بعمل اللجنة بحضور وزير الإعلام حمزة مصطفى ووكالات الإعلام والصحف المحلية والعربية.
واستهل صوفان المؤتمر بإثارة قضية الضباط المفرج عنهم مؤخرا من عناصر النظام السابق، وأوضح أنهم انضموا للعمل العسكري منذ 2021، وكانوا قد سلّموا أنفسهم طوعا عبر الحدود العراقية ومنطقة السخنة ضمن ما يُعرف بحالة “الاستئمان”، وخضعوا لتحقيقات لم تثبت خلالها مسؤوليتهم عن جرائم حرب.
وأكد صوفان أن استمرار احتجازهم ليس له مبرر قانوني ولا يخدم المصلحة الوطنية، خاصة في ظل حساسية الأوضاع الأمنية في مناطق مثل الساحل.
وشدد على أن الإفراج عنهم يأتي ضمن إجراءات تهدف لتعزيز السلم الأهلي، وليس بديلا عن العدالة الانتقالية التي شرعت فيها لجنة وطنية مختصة بموجب مرسوم رئاسي، والتي يُنتظر منها تقديم خارطة طريق واضحة.
لأغراض أمنية
وكانت الحكومة السورية قد أفرجت يوم الجمعة الماضي عن أكثر من 300 موقوف، معظمهم ضباط سابقون لدى النظام المخلوع.
وتداولت مواقع إعلامية محلية أن الإفراج تم بوساطة القيادي السابق بما تعرف بمليشيا الدفاع الوطني “فادي صقر” والمتهم بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في عهد النظام السابق.
ومن جهته، نشر سقراط الرحية، أحد الموقوفين المفرج عنهم والمتهم بارتكاب جرائم حرب في مدينتي جوبر ومضايا في دمشق وريفها، مقطعا مصورا يشكر فيه فادي صقر لوساطته في الإفراج، مما أثار غضبا شعبيا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي سياق متصل بقضية الضباط المفرج عنهم، أشار صوفان إلى أن تلك الإجراءات، رغم أنها اجتهادات موضوعية، تبقى ضرورية لاحتواء التوترات المجتمعية، مضيفا أن وجود شخصيات مثيرة للجدل كفادي صقر، وهو قائد مليشيا رديفة لقوات النظام السابق، ضمن هذا المسار يسهم أحيانا في حلحلة العقد الأمنية والاجتماعية، رغم تفهم اللجنة لمشاعر الغضب لدى عائلات الشهداء والضحايا.
وأكد صوفان التزام اللجنة بالشفافية، وبناء “قاعدة صلبة” للمرحلة المقبلة تقوم على تحقيق العدالة الحقيقية ومحاسبة الجناة، وإتاحة المجال للمجتمع لتضميد جراحه.
دور فعّال
وردا على سؤال للجزيرة نت حول الإجراءات التي اتخذها القائمون على اللجنة لحقن الدماء وتعزيز السلم الأهلي في المناطق التي شهدت توترات أمنية في سوريا مؤخرا، قال صوفان “إن لجنة السلم الأهلي شُكِّلت على خلفية الأحداث التي شهدتها مدن الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، وهي معنية بشكل خاص بهذه المنطقة”.
وأشار إلى أن ما حدث في الساحل السوري متداخل ومرتبط بما يحدث في عموم سوريا، لأن تنوّع وتعدد المكونات والصداقات والعداوات ليس حكرا على هذه المنطقة، مؤكدا أن تركيز اللجنة منصب على منطقة الساحل وممتد إلى دمشق.
وأوضح أن العديد من جلسات الصُلح تُعقد وتكون أحيانا مثمرة بشكل ملحوظ، وتخلص إلى حلول تعاونية وتشاركية مع مواطنين سوريين، وينتج عنها شبكة علاقات واسعة يمكن توظيفها لحل المشاكل دون اطلاع الرأي العام أو القنوات الإعلامية على ذلك.
وأكد أن هذه الجلسات “تسحب فتائل الفتن الكبيرة بهدوء”، لكن الوصول إلى السلم الأهلي كواقع ملموس يحتاج إلى وقت كافٍ، يصعب تقييم عمل لجنة السلم الأهلي قبل الوصول إليه.
وتابع أن الاستقرار في البلاد لا يتم فقط عبر إقامة العدل، بل عبر مسار راسخ هو “المصالحة المجتمعية بين المكونات السورية” لأنها السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار.
ضرورات السلم الأهلي
وفي سياق متصل، أشار صوفان إلى أن العدالة الانتقالية لا تقوم على محاسبة كل من خدم في النظام السابق، بل تركز على ملاحقة كبار المجرمين المتورطين بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السوريين، مبينا أن اعتقال كل من حمل السلاح أمر غير واقعي ويقوّض جهود السلم الأهلي، لكنه شدد على أن الدولة لن تدّخر جهدا في ملاحقة أولئك المجرمين.
وحول التعاون مع شخصيات مثيرة للجدل خلال مرحلة النظام السابق كفادي صقر، أوضح صوفان أن “القيادة قد أعطته الأمان بدلا من توقيفه بناء على تقدير المشهد، على أن يكون ذلك سببا في حقن الدماء سواء لدى جنود الدولة أو للمناطق الساخنة والحواضن المجتمعية”.
وأضاف أن الثأر والانتقام لا يحققان العدالة، بل يُكرِّسان الفوضى في وقت أسهم فيه السعي لتحقيق السلم الأهلي عبر إعطاء الأمان لشخصيات كانت محسوبة على النظام في إنجازات كبرى شهد بها الجميع، وحذَّر من الاستعجال أو التصرفات الفردية في مسار العدالة الانتقالية لخطرها في تقويض هيبة الدولة وفتح الباب أمام تدخلات خارجية.
وأكد أن اللجنة تضطلع بدور مباشر في ملف الإفراج عن الموقوفين غير المدانين، في حين تتعامل مؤسسات الدولة الأخرى مع الملفات الأمنية كحالات الخطف وغيرها، وشدد على أن الاستقرار لا يتحقق بالعدالة وحدها، بل عبر مسار مواز من المصالحة المجتمعية المرتكزة على تطبيق القانون، مشيرا إلى أن إجراءات اللجنة ليست بديلا عن العدالة الانتقالية.
محاسبة المتورطين
ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا إن بعض ضباط جيش النظام المخلوع وأجهزته الأمنية تعاونوا خلال معركة “ردع العدوان” وسلّموا مقارهم لقوات “التحرير”، مما سهّل استعادة السيطرة على مناطق كثيرة.
وأشار البابا إلى أن بعض الأسماء التي يتداولها السوريون اليوم على أنها متورطة بجرائم حرب في عهد النظام السابق ساهمت بشكل عملي في تحييد الوحدات العسكرية للنظام السابق أثناء عملية “التحرير”، الأمر الذي عجّل بتحقيق النصر و”تحرير سوريا”، مؤكدا أن المحاسبة لا تعني تجاهل مساهمات أفراد ساعدوا على استعادة البلاد.
وفي سياق منفصل، شدد البابا على أن استرداد الأموال المنهوبة من واجهات اقتصادية مرتبطة بالنظام المخلوع هو حق للشعب السوري، لافتا إلى أن إدارة الإنتربول الدولي التابعة للوزارة مكلّفة بملاحقة المتورطين خارج البلاد.
وذكر أن دولا معادية لسوريا تسعى لتقويض السلم الأهلي فيها عبر دعم مجموعات تعمل ضد استقرار الدولة وتنسق مع فلول النظام البائد.
وأوضح البابا أن عدد من عملوا في وزارة الداخلية خلال فترة النظام السابق يبلغ نحو 123 ألف عنصر، توَّرط بعضهم في جرائم ضد الشعب السوري، لافتا إلى أن الدولة ملزمة بتأمين محاكمة عادلة لكل من يثبت ضلوعه في جرائم حرب.
وأضاف أنه من أبسط أسس العدالة الانتقالية “تأمين محاكمات عادلة للضباط والمتورطين، ومن غير المنطقي غض الطرف عن الجرائم المرتكبة بحق السوريين”.
المصدر: الجزيرة
—————————————
فضل عبد الغني: إطلاق سراح ضباط نظام الأسد غير قانوني يهدد العدالة وينذر بالعنف
2025.06.10
انتقد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، قرار الحكومة السورية المؤقتة بإطلاق سراح عدد من الضباط السابقين في جيش نظام الأسد المخلوع، محذراً من خطورة هذه الخطوة على مسار العدالة وحقوق الضحايا.
وفي تصريحات لموقع “تلفزيون سوريا”، أوضح عبد الغني أن “إطلاق سراح المجرمين، خصوصاً أولئك المعروفين في المجتمع بارتكابهم جرائم خطيرة، مع وجود أدلة موثقة ضدهم، ومن دون أي توضيح من قبل الحكومة، يخلق حالة من الاحتقان الشديد لدى الضحايا، ويؤجج مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام”.
وأضاف عبد الغني أن هذه الإجراءات يجب أن تتم بشفافية تامة، موضحاً أن “على الحكومة أن تعلن بشكل واضح بناءً على ماذا تم إطلاق سراحهم، وهل جرت تسوية أو صفقة ما؟ فهذا موضوع حساس يرتبط بحقوق ضحايا التعذيب والإخفاء القسري والقتل والانتهاكات الجسيمة الأخرى”.
لا صلاحية للحكومة بالإفراج
وشدد عبد الغني على أن قرار الإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم جسيمة “ليس من صلاحية الحكومة أو الأجهزة الأمنية”، مشيراً إلى أن هذه المسألة يجب أن تكون بيد السلطة القضائية المستقلة وحدها.
وأكد على ضرورة “تحويل ملفات هؤلاء الضباط إلى القضاء، عبر النائب العام، والذي يقرر إحالتهم إلى المحكمة، لتقرر بدورها الإفراج عنهم أو محاكمتهم، وفقاً لأدلة وقرارات قضائية واضحة”.
ووصف عبد الغني العملية برمتها بأنها “خاطئة ومخالفة للمسار القانوني”، موضحاً أن “قيام الحكومة بالاعتقال والإفراج بطريقة غير خاضعة لأي رقابة قانونية، يعكس حالة من التخبط، ويبعث برسالة مقلقة إلى المجتمع مفادها أن هؤلاء لن يُحاسبوا على ما ارتكبوه من جرائم بحق السوريين”.
تهديد مباشر للعدالة
وأكد مدير الشبكة السورية أن غياب المحاسبة الحقيقية قد يؤدي إلى نتائج كارثية، مشيراً إلى أن هذه “الرسائل السلبية تدفع الضحايا إلى الاعتقاد بأن العدالة لن تتحقق، وتشجعهم على أخذ حقهم بأيديهم، مما يهدد بفتح باب واسع للانتقام والقتل خارج إطار القانون”.
وحذّر عبد الغني من أن هذه السياسات، إذا استمرت، “ستقوّض أي جهود مستقبلية لتحقيق العدالة الانتقالية، وستغرق المجتمع في دوامة جديدة من العنف لا يُحمد عقباها”.
ودعا مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الحكومة السورية إلى احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وإعادة جميع قضايا الانتهاكات والجرائم إلى القضاء المختص، بما يضمن المحاسبة والعدالة للضحايا، ويعيد ثقة السوريين بمؤسسات الدولة وسلطة القانون.
لجنة الحفاظ على السلم الأهلي: الإجراءات ليست بديلاً عن العدالة
واليوم الثلاثاء، عقد عضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، حسن صوفان، مؤتمراً صحفياً في وزارة الإعلام بدمشق، تناول فيه أبرز التطورات المرتبطة بعمل اللجنة والقرارات الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن عدد من الضباط في جيش النظام المخلوع.
وأكد صوفان أن الضباط المفرج عنهم هم “ضباط عاملون” منذ عام 2021، وقد سلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية وفي منطقة السخنة، وذلك ضمن ما يُعرف بحالة “الاستئمان”.
وبيّن أن الموقوفين خضعوا لتحقيقات قانونية لم تثبت بحقهم أي تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، مشدداً على أن استمرار احتجازهم لا يحقق مصلحة وطنية، ولا يستند إلى أي مشروعية قانونية.
أوضح أن الإفراج عنهم لا يُعد بديلاً عن مسار العدالة الانتقالية، والذي بدأ بالفعل عبر اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية المشكّلة بموجب مرسوم رئاسي.
وأشار عضو لجنة الحفاظ على السلم الأهلي إلى أن “شخصيات مثل فادي صقر تلعب دوراً في تفكيك العقد، وحل المشكلات، ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد”، مضيفاً قولهَ “نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمّن استقراراً نسبياً في هذه المرحلة”.
تلفزيون سوريا
———————————–
إطلاق فادي صقر.. “السلم الأهلي” يتقدم على العدالة الانتقالية؟
دمشق – أنيس المهنا
الثلاثاء 2025/06/10
حذّر عضو الهيئة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان، من أن الإسراع بمسار العدالة الانتقالية بشكل فردي أو غير مدروس، قد يؤدي للفوضى وتدخلات خارجية و”ضياع الحقوق”، مؤكدًا أن الثأر ليس هو طريق العدالة في سوريا الجديدة”. لكن صوفان وضع حداً للجدل الدائر حول أحد رجالات النظام السابق “فادي صقر”، الذين تلطخت أيديهم بالدم السوري.
وعقد صوفان اليوم الثلاثاء، مؤتمراً صحافياً في وزارة الإعلام السورية، استعرض فيه جهود اللجنة، وآليات عملها، مع التركيز على تعزيز المصالحة الوطنية ومعالجة ملفات النازحين والمعتقلين في إطار الأولوية القصوى لـ “السلم الأهلي” كمدخل لاستقرار سوريا الجديدة، وذلك على خلفية إطلاق سراح بعض جنود وضباط النظام السابق الموقوفين، عشية عيد الأضحى، الأمر الذي سبب العديد من الانتقادات من السوريين، على مواقع التواصل الذين اعتبرهم الكثير ممن “تلطخت أيديهم بالدماء”.
الأهداف والإجراءات التنفيذية
وفي إشارته إلى إطلاق سراح عسكريين هاربين إلى العراق عشية سقوط النظام السوري في ديسمبر/كانون الأول 2024، أكد صوفان أن اللجنة تعمل على إطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم، خصوصاً في المناطق “الساخنة” مثل الساحل، معتبراً أن “بقاءهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية”.
وأوضح صوفان أن الأولوية تُعطى لملفات تُسهم في “حقن الدماء” وتفادي التصعيد، مع وجود مواصفات محددة للشخصيات التي تُمنح الأمان، مثل “التأثير الإيجابي في المجتمع والصدق مع الدولة”. واعتبر أن استقرار مسار السلم الأهلي هو “المقدّم في حقيقة الأمر حتى على مسار العدالة الانتقالية”، مشدداً على أن غياب الحد الأدنى من السلم الأهلي يجعل تحقيق العدالة الانتقالية مستحيلاً.
وأوضح أن العدالة الانتقالية لا تعني “محاسبة مطلقة” للجميع، بل التركيز على “كبار المجرمين” والمخططين، وليس تجريم أشخاص لمجرد الانتماء الى منطقة معينة.
التوقيت والأخطاء
وعن الحالات المثيرة للجدل مثل فادي صقر، وهو الذي كان يرأس ما كان يسمى “قوات الدفاع الوطني” في نظام الأسد المخلوع، والتي تتهم باقتراف الكثير من الجرائم بحق الثائرين بوجه النظام، برر صوفان بأن منح الأمان لشخصيات مثل صقر، ساهم بـ”حقن الدماء” وإغلاق باب الفتن، مضيفاً أنه قام “بدور إيجابي”. وأكد أن هذه القرارات التي أخذتها الدولة، “اجتهادات بشرية غير معصومة” لكنها ضرورية و”حققت بعض أهدافها”.
ورداً على سؤال حول عدم ملاحقة ماهر الأسد دولياً، ذكر أن اللجنة تلتزم بـ”قوانين الدولة” وأن التعامل مع مثل هذه الملفات يتم عبر “إدارة جديدة لها علاقة بالانتربول الدولي” تابعة للدولة، وهو ما أشار إليه أيضاً المتحدث باسم وزارة الداخلية أنور البابا الذي شارك في المؤتمر الصحافي، لافتاً إلى أن التحقيقات في ملفات الساحل مستمرة “بسرية”.
الرأي العام والشفافية
كذلك اعترف صوفان بـ”كثير من التقصير” في إطلاع الرأي العام على أعمال اللجنة، بسبب “حساسية الأعمال التي نقوم بها”، ووعد بتحسين التواصل مستقبلاً. كما أقرّ بأن الرأي العام أيضاً هو “أول معوق” يواجه اللجنة.
وأكد صوفان أن دور اللجنة، هو “الطلب” من الجهات المختصة (مثل وزارة الداخلية والعدل) للإفراج عن الموقوفين بعد استكمال التحقيقات، لكن “التنفيذ عائد إلى الوزارة” واختيار التوقيت “أمر عائد للدولة”. كذلك أوضح أن اللجنة تعمل في إطار “قوانين الدولة” السورية الحالية، وليس لها مرجعية قانونية دولية مستقلة، رغم أنه استحضر بعض التشريعات من القرآن الكريم، التي تبرر للجنة والدولة ما تقوم به.
وذكر صوفان أن اللجنة تتدخل بسرعة لـ”سحب فتيل الأزمات” في حالات الاحتقان الطارئة.
رسالة لأهالي الضحايا
وأكد صوفان أن معاناة الضحايا “تعترينا”، معترفًا بشدة الألم الناتج عن تأخر العدالة. وربط تحقيق “الحد الأدنى من العدالة” باستقرار البلاد الذي اعتبره أمراً مهماً جداً، مشيراً إلى أن الهدف هو “الاستقرار” الذي يمهد الطريق لحلول أوسع، واستراتيجية لأبناء الشعب السوري جميعهم.
كذلك أشار صوفان إلى إمكانية “تعديل الخطة” لاحقاً في حال تناقض مسارا السلم الأهلي والعدالة الانتقالية.
واقعية سياسية
في ختام المؤتمر، أكد صوفان صعوبة، وتعقيد المهمة الموكلة للجنة السلم الأهلي وصعوبة التوفيق بين متطلبات السلم الأهلي العاجلة، وطموحات العدالة الانتقالية الشاملة، معتبراً أن الإجراءات الحالية هي “خيارات واقعية” تهدف لتغليب “صوت العقل” ومنع استمرار سفك الدماء. وشدد على أن الوصول للسلم الأهلي “لن يكون هيناً”، لكنه الأساس الذي يُبنى عليه استقرار سوريا المستقبلي، داعياً وسائل الإعلام لدور إيجابي في تعزيز ثقافة السلام ووعد بمبادرات جديدة في القريب
—————————————
مطالبين بالعدالة.. السوريون يرفضون تبرير لجنة السلم الأهلي عدم محاسبة فادي صقر
10 يونيو 2025
أثار دفاع عضو لجنة السلم الأهلي، حسن صوفان، عن القيادي في ميليشيا “الدفاع الوطني”، فادي صقر، التي أسسها النظام البائد مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، موجة من ردود الفعل الغاضبة في أوساط السوريين، الذين أكدوا على ضرورة محاكمة صقر المتهم بارتكاب مجازر وانتهاكات ضد المدنيين في مناطق جنوب دمشق خلال السنوات الماضية.
وكانت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية قد أطلقت، أمس الأحد، سراح عشرات الموقوفين الذين اعتُقلوا خلال معركة “ردع العدوان”، وذلك بعد التأكد من عدم تورطهم بالدماء، مشيرةً إلى أن الإفراج عن المعتقلين تم بالتنسيق مع لجنة السلم الأهلي بعد التحقق من عدم إدانتهم.
وردًا على الانتقادات التي وجهت للجنة السلم الأهلي، بعد تكرر ظهور صقر مع أعضائها في أكثر من جولة، قال صوفان خلال مؤتمر صحفي إن إشراك شخصيات مثيرة للجدل مثل فادي صقر في مسار المصالحة الوطنية يأتي في إطار السعي لتفكيك العقد المتراكمة، ومعالجة الأزمات المعقدة، ومواجهة التحديات التي تهدد استقرار البلاد.
وأوضح أن القيادة السورية هي من قررت منحه الأمان بدلًا من توقيفه، في خطوة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتخفيف التوترات داخل الحواضن المجتمعية، معتبرًا أن هذا النهج القائم على تقدير المصلحة العليا للدولة حقق نتائج إيجابية على الأرض.
وأضاف: “ندرك حجم الألم والغضب لدى عائلات الشهداء ونتفهم مشاعرهم، لكن متطلبات مرحلة السلم الأهلي تفرض علينا اتخاذ قرارات صعبة تهدف إلى تأمين قدر من الاستقرار النسبي تمهيدًا للمرحلة القادمة”.
وتعليقًا على ذلك، كتب عبد الرحمن الحاج في منشور على منصة “إكس” مشيرًا إلى أن “عدم وجود معايير معلنة وقانون يغطي التعامل مع الفلول ومجرمي الحرب سيقود إلى ثلاث نتائج وخيمة”، والتي لخصها بأنها ستؤدي إلى “إجبار الناس على الانتقام بيدها، وفقدان الأمل بدور الدولة في تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا”.
وأضاف الحاج أن هذه الإجراءات ستتسبب بـ”تآكل الشرعية المستندة إلى مسار التضحيات في الثورة”، إضافة إلى “فشل ترسيخ القانون”، مؤكدًا أنه “ليس صحيحًا أن الهدف من العدالة الانتقالية السلم الأهلي فقط، بل تحقيق انتقال سياسي مستقر وترسيخ سلطة القانون”.
من جانبه، اعتبر الإعلامي بهاء دبوس في منشور على منصة “فيسبوك” أن “مشكلة فادي صقر وأمثاله ليست شخصية مع القيادة ممثلة بالشرع، حتى تصفح عنها القيادة”، لافتًا إلى أن “تطبيق العدالة على فادي صقر وأمثاله حق عام للسوريين جميعًا، وهو لُب العدالة الانتقالية”، مؤكدًا أن “لا يملك أحد أن يسقط هذا الحق”.
وأشار دبوس إلى أن السلطات الجديدة تقول إن “عدم محاسبة فادي صقر ساهم بحقن الدماء، من دون أن تذكر تفاصيل أكثر”، وأضاف مستدركًا أنه “حتى وإن كان ذلك صحيحًا، فتعاونه لا يعفيه من كامل ما اقترفه خلال سنوات الثورة، والقضاء هو من يجب أن يبت بشأنه، في نهاية المطاف، إن كنا نريد أن نبني دولة محترمة، أما البقاء على هذا الحال، سيبقي أصواتنا عالية”.
وشدد دبوس على أن السلطة “ليست صديقك المقرب حتى تثق به عالعمياني” مشيرًا إلى أن “أي سلطة في العالم تحتاج متابعة ورقابة حتى تبقى على المسار الصحيح، فلا أحد معصوم من الانحراف، وهذه المتابعة اسمها مطالب محقة وليست استعراضًا”.
من جهته، قال الكاتب والروائي إبراهيم الجبين في منشور على “فيسبوك” إن “سجن صيدنايا واعتصام الإسلاميين فيه والتفاوض مع آصف شوكت ليس أكاديمية لتخريج الخبراء بالسلم الأهلي والعدالة”، في إشارة إلى أعضاء السلم الأهلي الذين كانوا مسجونين في سجن صيدنايا خلال حقبة الأسد.
وعُرف صقر خلال السنوات الماضية بـ”صقر الدفاع الوطني”، حيثُ ارتبط اسمه بميليشيا “الدفاع الوطني” التي أسسها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، قبل أن يترقى ليصبح قائدًا للميليشيا في مختلف أنحاء البلاد، قد أدرجته الولايات المتحدة ضمن قائمة الشخصيات المدرجة على لائحة العقوبات الأميركية بسبب قربه من الأسد.
وتُتهم قواته بارتكاب مجازر ضد المدنيين وتدمير المنازل ونهب الممتلكات، خاصة خلال حصار قوات النظام لأحياء المعارضة جنوب العاصمة، كما أنها مسؤولة عن ارتكاب المجازر في حي التضامن، فضلًا عن اعتقال المئات من الشبان والشابات الذين قضوا في سجون النظام تحت التعذيب.
—————————-
لجنة السلم الأهلي: التسويات الأخيرة ليست بديلًا للعدالة الانتقالية
10 يونيو 2025
قال عضو لجنة السلم الأهلي، حسن صوفان، إن الضباط الذين تم الإفراج عنهم مؤخرًا هم “ضباط عاملون” منذ عام 2021، وقد سلّموا أنفسهم طوعًا على الحدود العراقية وفي منطقة السخنة ضمن ما يُعرف قانونيًا بحالة “الاستئمان”، مشيرًا إلى أنهم لم يُعتقلوا كأسرى أو بموجب مذكرات جنائية.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته وزارة الإعلام في العاصمة دمشق، تناول مستجدات ملف الإفراج عن عدد من الضباط والعناصر التابعين للنظام السابق، والذي أثار جدلًا واسعًا في الشارع السوري.
وأكد صوفان أن الموقوفين خضعوا لتحقيقات موسعة، ولم تثبت بحقهم أي تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، موضحًا أن استمرار احتجازهم في ظل غياب الأدلة لا يخدم المصلحة الوطنية، ولا يستند إلى أي أساس قانوني مشروع.
وردًا على الانتقادات التي طالت اللجنة بشأن عمليات الإفراج الأخيرة، شدد صوفان على أن هذه الإجراءات لا تُعد بديلًا عن مسار العدالة الانتقالية، التي بدأت بالفعل في سوريا، وتُشرف عليها اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي تم تشكيلها بمرسوم رئاسي.
وأشار إلى أن الإفراج عن الموقوفين لا يعني إسقاط القضايا إن وُجدت، بل هو إجراء قانوني استند إلى نتائج تحقيقات رسمية، مضيفًا: “لدينا مساران متوازيان والأسبقية هي لمسار السلم الأهلي كونه يوفر الأرضية الصلبة لهذه الإجراءات الإستراتيجية”.
واعتبر صوفان أن إشراك شخصيات مثيرة للجدل مثل فادي صقر في مسار المصالحة الوطنية يأتي في إطار السعي لتفكيك العقد المتراكمة، ومعالجة الأزمات المعقدة، ومواجهة التحديات التي تهدد استقرار البلاد.
وأوضح أن القيادة السورية هي من قررت منحه الأمان بدلًا من توقيفه، في خطوة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتخفيف التوترات داخل الحواضن المجتمعية، معتبرًا أن هذا النهج القائم على تقدير المصلحة العليا للدولة حقق نتائج إيجابية على الأرض.
وأضاف: “ندرك حجم الألم والغضب لدى عائلات الشهداء، ونتفهم مشاعرهم، لكن متطلبات مرحلة السلم الأهلي تفرض علينا اتخاذ قرارات صعبة تهدف إلى تأمين قدر من الاستقرار النسبي تمهيدًا للمرحلة القادمة”.
وقال إن بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجّل النصر وتحرير سوريا.
وأضاف موضحًا: “ضباط من جيش ومخابرات النظام البائد تعاونوا معنا وسلمونا القطع العسكرية وأفرع الأمن ما سهل وصول قوات ردع العدوان إلى المناطق السورية لتحريرها”.
وأكد أن منح الأمان لبعض الشخصيات والجهات في مرحلة التحرير ساهم بشكل كبير في حقن الدماء، مشيرًا إلى أن هناك إنجازات كبرى في هذا المجال يشهد بها الجميع.
ومن جانب آخر قال إن هناك المزيد من السجناء الذين سيتم الإفراج عنهم قريبًا من سجون محافظة إدلب.
وأشار إلى أن هناك العديد من الخطوات القادمة قيد الإعداد، وستُعلن في الوقت المناسب وفقًا للظروف والاحتياجات، مؤكدًا أن كل مرحلة سيتم الكشف عنها بشفافية عند الشروع بتنفيذها.
واعتبر أن مسار الاستقرار في البلاد يحتاج إلى توفر ظروف موضوعية، فالأجواء المضطربة لن توفر الظروف المناسبة لأي مشاريع ممهدة للمصالحة الوطنية. ولفت إلى أن اللجنة تواكب كل ما يطرح في الشارع السوري، لكن الضرورة تقتضي أن يكون جزء مهم من عملها بعيدًا عن الإعلام.
وشدد على أن العدالة الانتقالية لا تعني محاكمة كل من خدم أو ساعد النظام البائد، لافتًا إلى أن العدالة الانتقالية في سوريا يجب أن تُنجز مباشرةً، ولا يمكن لها أن تتحقق من دون السلم الأهلي.
وأكد أن الاستعجال في مسار العدالة الانتقالية أو تنفيذها بشكل فردي سيؤدي إلى الفوضى ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية. ونوه في ختام تصريحاته إلى أن الثأر والانتقام لن يؤديا إلى تحقيق العدالة الانتقالية بل إلى ضياع المسؤولية وهروب المسؤولين عن ارتكاب المجازر بحق السوريين.
وختم بالإشارة إلى أن العديد من الخطوات الهادفة إلى حقن الدماء وتحقيق المصالحة الوطنية قد أُنجزت بعيدًا عن الإعلام، حفاظًا على سرية الإجراءات ونجاعتها، مضيفًا أن الامتناع عن إعلان بعض هذه التفاصيل كان ضروريًا من أجل ضمان استمرارها ونجاحها في تحقيق أهدافها.
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن ضرب السلم الأهلي هدف لكثير من الدول المعادية لسوريا. وأشار إلى أن عدد المنخرطين في القتال مع مليشيات النظام السابق ضد السوريين يبلغ نحو 450 ألف شخص. ولفت إلى أن تأمين محاكمة عادلة للمتورطين بجرائم الحرب من أهم وأبسط أسس العدالة الانتقالية.
وأكد أن وزارة الداخلية تتعامل مع حالات الخطف في جميع المناطق بمساواة، مشيرًا إلى وجود الكثير من التهويل والتحريض والتزوير حول حالات الخطف وهدفها ضرب السلم الأهلي.
وأضاف ختامًا: “أفضل ما تقدمه وزارة الداخلية في المرحلة الانتقالية أن تقوم بواجباتها بحفظ الأمن ومكافحة الجرائم المنظمة”.
——————————
منظمة ملفات قيصر: السلطة الانتقالية في دمشق تكرّس الإفلات من العقاب/ حسن صوفان
2025.06.11
انتقدت منظمة “ملفات قيصر من أجل العدالة” ما وصفته بمحاولات إعادة تأهيل متورطين في جرائم حرب ومنحهم أدواراً اجتماعية من قبل الإدارة السورية الجديدة.
جاء ذلك في بيان صادر عن المنظمة تعليقاً على ما جرى تداوله بشأن المؤتمر الإعلامي الذي عقد في دمشق أمس الثلاثاء، بمشاركة عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان، والمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا.
وأكدت المنظمة أن العدالة الشاملة تشكل أساس الاستقرار، ولا يمكن تحقيق سلم حقيقي دون محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري خلال حكم بشار الأسد.
ووصفت المنظمة التصريحات التي تربط الاستقرار والسلم الأهلي بتأجيل العدالة بـ”المغالطة المفاهيمية الخطيرة”، مشيرة إلى أن تغليب الاستقرار على المحاسبة يعيد إنتاج العنف ويهدد فرص السلام الدائم.
وأضافت “خلافا لما ورد على لسان السيد حسن صوفان، تؤكد منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة أن المجتمعات المستقرة هي تلك التي تُبنى على العدالة الشاملة، التي تضمن الحقوق لجميع أفراد المجتمع، ومن جميع مكوناته. فالعدالة ليست نتيجة تأتي بعد الاستقرار، بل هي شرط مسبق وأساس لا غنى عنه لتحقيقه”، وتابعت “إن الطرح القائل بأن (الاستقرار يسبق العدالة) يُعدّ مغالطة مفاهيمية خطيرة، تنمّ عن فهم مشوه لطبيعة العدالة ودورها الجوهري كقيمة تأسيسية في بناء المجتمعات الحرة، فالتغاضي عن العدالة في سبيل الاستقرار لا يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج العنف، ويقوض أي إمكانية لتحقيق سلام دائم”.
وشدد البيان على أن لا أحد يملك حق تبرئة مرتكبي جرائم الحرب أو تبييض سجلهم عبر تقديمهم كرموز للسلم الأهلي، واعتبرت محاولات تقديمهم كواجهات اجتماعية انتهاكاً صارخاً لحقوق الضحايا وإهانة لمبدأ العدالة.
وأوضح أن المؤتمر الأخير فشل في تهدئة الرأي العام، بل عمق فجوة الثقة مع المتضررين، وعكس غياب الحوار الفعال مع ضحايا الانتهاكات.
وتابع البيان في إشارة إلى “فادي صقر”، حيث تحدث صوفان عن دور له في “التحرير” قبل أن ينشط في مجال السلم الأهلي، “تشدد المنظمة على أنه لا يملك أي فرد أو جهة، كائنًا من كان، الحق في منح صكوك براءة لمرتكبي جرائم الحرب أو تمكينهم من تبييض سجلهم عبر تقديمهم كـواجهات اجتماعية أو رموز للسلم الأهلي. إن محاولات إعادة تأهيل صورة هؤلاء الأفراد ومنحهم أوصاف البطولة أو صبغة العمل السلمي، بينما لا تزال دماء الضحايا شاهدة على جرائمهم، تُعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق الضحايا، وإهانة لمبدأ العدالة ذاته. لا يمكن القبول منطقياً أو أخلاقياً أن يسند دورٌ في إعادة بناء المجتمع لمن كان شريكًا في تدميره، ولا يمكن تصور أن يقدم من تلطخت يداه بدماء الأبرياء كرمز للسلامٍ في مجتمع منكوب ما زال يعاني من أثار الانتهاكات التي ارتكبت”.
“منح الأمان للمجرمين انتهاك خطير”
أعربت المنظمة عن قلقها من المسار الذي تتبعه “السلطة الانتقالية” في دمشق، معتبرة أن منح الحصانة أو الأمان لمجرمي الحرب يمثل انتهاكاً خطيراً يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب ويفتح الباب أمام الفوضى والانتقام.
وأكدت “منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة” على أهمية دور منظمات المجتمع المدني في مراقبة تصرفات “السلطة الانتقالية”، خصوصاً في ملفات ضحايا التعذيب والمفقودين والمختفين قسرياً على يد النظام المخلوع وجميع الأطراف المتورطة بالانتهاكات.
ودعت المنظمة إلى الإسراع في إعداد بيئة قانونية وتشريعية شاملة تضمن محاسبة جميع مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق السوريين وفق خطة وطنية واضحة ومرتكزة إلى مبادئ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
اختتمت المنظمة بيانها بالتأكيد على موقفها المبدئي بأن “لا عدالة دون محاسبة، ولا سلم مستدام دون إنصاف الضحايا، ولا صكوك غفران للقتلة”.
——————————-
وزير الإعلام لتلفزيون سوريا: إعلان وشيك لخريطة طريق العدالة الانتقالية
2025.06.11
أكد وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، أن الحكومة السورية تقترب من إعلان خريطة طريق للعدالة الانتقالية، مشيراً إلى أن هذا المسار قد بدأ فعلياً من خلال تشكيل هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة، وأن اللجنة الوطنية للعدالة ستعرض طروحاتها قريباً.
وقال المصطفى في مقابلة مع تلفزيون سوريا إن جميع ردود الفعل على المؤتمر الصحفي لعضو اللجنة العليا للسلم الأهلي، حسن صوفان، “مفهومة، وكل مباعث القلق يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار، حتى الغضب مشروع، لأن الأمر يتعلق بالذاكرة، ولأن هذه القضايا لا تحتمل النسيان”.
الحكومة تعي حساسية الجراح ومسار العدالة بدأ
شدّد وزير الإعلام على أن الدولة السورية الجديدة والحكومة تعيان تماماً حساسية هذه المسألة، وتدركان الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون لنيل حريتهم طيلة 14 عاماً.
كما أكد أن ملف العدالة يُعد من أبرز الملفات التي تعترض مسار المرحلة الانتقالية، وهو ملف لا يُغلق في يوم أو أسبوع أو أشهر، بل سيبقى حاضراً لسنوات، مضيفاً: “قبل الخوض في ما جرى بالمؤتمر الصحفي، أود توجيه كلمة للسوريين: الدولة تُقدّر هذه الجراح، وهذا الجرح النازف لا يُنسى، ولا يُطلب من أحد نسيانه”.
وأشار إلى أن الدولة اتخذت منذ البداية جملة من الإجراءات، أبرزها تشكيل هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية بصلاحيات واستقلالية واضحة، مضيفاً: “مسار العدالة الانتقالية قد بدأ، وننتظر من اللجنة الوطنية أن تبلور طروحاتها وخريطة الطريق التي ستُعرض قريباً على الجمهور”.
وأوضح أن ما حصل في المؤتمر الصحفي هو محاولة من لجنة السلم الأهلي للتعبير عن وجهة نظرها بخصوص بعض الإجراءات الأخيرة، وأبرزها إطلاق سراح مجموعة من ضباط النظام المخلوع.
ودعا المصطفى إلى التمييز بين مساري العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مشدداً على أن السلم الأهلي في عموم سوريا يختلف عن نظيره في المناطق التي شهدت أحداثاً في آذار الماضي، في إشارة إلى منطقة الساحل.
وتابع: “المجموعة التي تم إطلاق سراحها تضم ضباطاً سلّموا أنفسهم بعد سقوط النظام مباشرة، وليس حديثاً، وبعد استكمال التحقيقات وورود مطالب من الأهالي، رأت اللجنة أن إنهاء هذا الملف قد يشكّل مبادرة”.
ولفت إلى أن الدولة تواجه تحديات جمّة حالياً، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، بل أيضاً في الحفاظ على وحدة سوريا وتجاوز الانقسامات، مضيفاً: “لدينا ملفات مثل قسد، السويداء، والساحل، وهذه المبادرة كانت محاولة استباقية لتجنب تعكير الاستقرار، مع إدراكنا لحجم الضغوط الخارجية”.
فادي صقر إشكالي واللجنة قد تراجع مقارباتها
وفيما يخص الجدل حول أسماء معينة تستعين بها لجنة السلم الأهلي، مثل فادي صقر، قال المصطفى: “نعم، فادي صقر اسم إشكالي، ليس فقط بالنسبة للسوريين، بل حتى للدولة، وعندما قال صوفان إن ما جرى ليس بالضرورة صائباً بالكامل، كان يقصد ذلك فعلاً، والدولة أرادت أن تكون شفافة مع شعبها، وقد تدفع ردود الأفعال اللجنة إلى مراجعة مقارباتها”.
وأضاف: “فيما يتعلق بفادي صقر، فقد كانت هناك اتصالات مع بعض الضباط خلال إدارة عملية ردع العدوان لتسهيل سقوط النظام دون مواجهات دموية، وحالة الاستئمان هذه كانت مؤقتة، ولا تمثّل حكماً نهائياً أو بديلاً عن العدالة الانتقالية”.
وبخصوص تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية عن وجود 450 ألف شخص متورطين بجرائم ضد الشعب السوري، قال المصطفى: “تصريح المتحدث، نور الدين البابا، لا يجب تأويله خارج سياقه؛ الحديث كان عن أرقام وأوضاع وحدات عسكرية، وليس عن مسار عدالة محدد”.
وأردف: “العدالة الانتقالية متعددة المسارات، بينها العدالة القضائية التي تتيح محاسبة الجناة وفق الحق الشخصي، والعدالة التصالحية على نموذج جنوب إفريقيا.. وكما قال نيلسون مانديلا: نغفر ولا ننسى”، مضيفاً: “الجراح تبقى في الذاكرة وتلهم مسارات العدالة، والدولة جازمة، والهيئة الوطنية ستعلن قريباً خططها ونظامها الداخلي وخريطة الطريق”.
ترسيخ السلم الأهلي مهمة جماعية
وعن ترسيخ السلم الأهلي، أوضح المصطفى أن هذا الملف لا يتبع جهة واحدة، بل تشارك فيه وزارات الداخلية، الإعلام، والشؤون الاجتماعية، وهناك تداعيات ناتجة عن الانقسامات المجتمعية التي خلفها النظام المخلوع، الذي استثمر في الانقسامات كاستراتيجية للبقاء لعقود.
وأكد أن “رفع غطاء الاستبداد كشف عن أجمل ما في المجتمع السوري، لكنه كشف أيضاً عن مشكلات يجب الاعتراف بها ومعالجتها بمقاربات شاملة”، مشيراً إلى أن وزارة الإعلام تسعى لنشر خطاب وطني جامع، يحارب خطاب الكراهية والتضليل، ويؤكد على المساواة بين المواطنين.
وتابع: “نحن نبدأ مساراً لا ننهيه، وهو يحتمل الصواب والخطأ. نحاول في الحكومة الجديدة الجمع بين مسارين متوازيين: العدالة الانتقالية والاستقرار السياسي. الشعب السوري تواق للحرية، لكنه أيضاً يعي أن جراحه ليست أرقاماً، بل جرح أصاب كل بيت سوري، وعلينا احترام هذه الذاكرة والآلام التي تدفعنا إلى صون الإنجازات”.
وجدّد التأكيد على أن “ما حصل من إطلاق سراح بعض الضباط كان خطوة إسعافية في ظل واقع ضاغط، وعلينا أن نتفهّم وجود أسماء لا يرغب السوريون برؤيتها، لكن العلاقة بين الحكومة والشعب يجب أن تكون مباشرة وشفافة”.
وأضاف: “هذه الحكومة انبثقت من ثورة شعبية ومسار نضالي بدأ في درعا وبلغ دمشق، ولا يمكن أن تُنسى هذه التضحيات أو تُهدر. المحاسبة قادمة، وسيراها السوريون”.
استراتيجية وزارة الإعلام في سوريا
أما عن خطة وزارة الإعلام، فقد أوضح المصطفى أن الوزارة تعمل على استراتيجية واضحة، وبدأت بتطبيق أولى التصورات، وتسعى لمواجهة الشائعات والخطاب المضلل بالحقيقة، وخلق علاقة مباشرة مع الناس.
وقال: “أعلنا عن مدونة الأخلاقيات، ونعكف حالياً على صياغة قوانين إعلام حديثة تميّز بين حرية التعبير والفوضى، ونلمس نتائج ملموسة تدريجياً، ونحن نرى أن حرية الصحافة في سوريا تتنامى، ووجود الوزارة كهيكل ليس هو الأهم، بل المهم أن يكون هناك جسم إعلامي يستثمر في حرية الصحافة والوعي والإرث الإعلامي”.
وتابع: “نعيد تفعيل الإعلام الوطني على أساس التنافس والموضوعية، ونرحّب بالقطاع الخاص والمستقل. الإعلام متعب، لكن غيابه كارثي. ودمشق تستحق أن تكون مقراً لجميع وسائل الإعلام، كما في الدول الراسخة”.
——————————-
=========================