منوعات

عندما ننام… بماذا يُفكر الدماغ؟

محاولات لفهم آليات دمج والتصاق المعلومات في الذاكرة

الرياض: د. حسن محمد صندقجي

تمكن باحثون سويسريون من تقديم معلومات متقدمة عمّا يُفكّر فيه الدماغ عندما نكون نائمين، بما يفتح نافذة أوسع على نوعية نشاط عقل الإنسان أثناء النوم. وباستخدام نهج في نظم الذكاء الصناعي، يجمع بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI ومخطط كهرباء الدماغ EEG، تمكن الباحثون من فك تشفير نشاط الدماغ أثناء النوم.

الدماغ أثناء النوم

لم يقدّم باحثو جامعة جنيف فقط دليلاً على أن الدماغ يعمل بطاقة عالية أثناء النوم العميق في فرز مئات الآلاف من المعلومات التي تم تلقيها والتعامل معها ومعالجتها خلال اليوم، بل أفادوا أيضاً أنه عندما تُتاح للإنسان فرصة النوم العميق في الليل، يتمكن دماغه من تقييم كل هذه المعلومات والذكريات، ثم إجراء حوار بين مناطقه الدماغية المختلفة، والعمل على الاحتفاظ فقط بالأكثر فائدة منها للمرء، والتخلص من جميع المعلومات والذكريات التي لا جدوى منها لاحقاً.

ووفق ما تم نشره ضمن عدد 6 يوليو (تموز) الماضي من مجلة «نتشر كومينيكنشنس Nature Communications»، قال الباحثون ما ملخصه: «يساعد النوم على إعادة تنشيط عملية دمج المعلومات والذكريات المكتسبة حديثاً. ومع ذلك، فإن الطريقة التي يختار بها دماغنا المعلومات الجديرة بالملاحظة والاهتمام وإعادة المعالجة والحفظ أثناء فترة النوم، دون غيرها من المعلومات، لا تزال غير معروفة إلى حد كبير». وهذا كان موضوع الدراسة. وقالوا ما مفاده: «إن ثمة معلومات يجدر بالمرء الاحتفاظ بها، لأنها ذات مردود ومكافأة إيجابية Rewarded Information في تعزيز البقاء وتجنب المخاطر والحصول على المال والمديح والطعام، وأخرى لا مكافأة Non – Rewarded Information من ورائها أو حفظها في الذاكرة. وتكشف دراستنا عن حصول آلية عصبية يتم من خلالها تعامل الدماغ أثناء النوم بشكل تفضيلي مع المعلومات والذكريات ذات المردود والمكافأة الإيجابية بغية تعزيز حفظها».

عمل الذاكرة

الذاكرة تعني ببساطة تحويل المعلومات الخارجية التي تم الإحساس بها (بإحدى الحواس كالنظر والسمع واللمس والشم والتذوق)، أو المعلومات الداخلية الناشئة عن التفكير والأحلام، إلى ذاكرة مختزنة يسهل إعادة معرفتها والإحساس بها (مرات ومرات ولسنوات طويلة) في داخل الدماغ والنفس. وبهذا تخدمنا الذاكرة بعدة طرق معقدة، في تمكين الإنسان من العيش في بيئته بسلام وتجنب المخاطر المحتملة وتطوير قدراته وتحسين سلوكه وإعطاء معنى لحياته وتعلّم أشياء كثيرة وغيره من الفوائد.

وتفيد مصادر طب الأعصاب أنه لكي تعمل الذاكرة بشكل صحيح، يجب أن تحدث ثلاث عمليات حيوية:

– الاكتساب Acquisition: تعلّم أو تجربة أو مشاهدة أو سماع أو شمّ شيء جديد باستخدام إحدى الحواس.

– الدمج والالتصاق Consolidation: دمج المعلومات الجديدة في الدماغ، وجعلها تلتصق في مناطق حفظ الذاكرة.

– الاستدعاء Recall: الوصول إلى المعلومات بعد تخزينها وتذكر تفاصيلها.

ويحدث الاكتساب والاستدعاء عندما يكون المرء مستيقظاً. ولكن دمج والتصاق المعلومات وترسيخها في الدماغ، يحصل أثناء النوم. وللتوضيح، وعند اليقظة فإن الدماغ يتفاعل مع المُحفزات الخارجية ويُرمّز المعلومات الجديدة، التي تكون في تلك المرحلة غير مستقرة في الذاكرة وعُرضة للنسيان بسهولة. ويوفّر النوم للدماغ، عند انخفاض التعرّض لأي مُشوشات خارجية، الظروف المثالية لدمج والتصاق المعلومات وترسيخها في الدماغ، مما يقوي الذاكرة الجديدة ويدمجها في شبكات المعرفة الحالية والسابقة الأخرى.

وضمن تفاصيل الدراسة السويسرية الحديثة، شرحت البروفسورة صوفي شوارتز، المشرفة على الدراسة وأستاذة علم الأعصاب بجامعة جنيف، ذلك بقول ما ملخصه: «وبجمع الذكاء الصناعي بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتخطيط كهربية الدماغ، تم تسجيل نشاط الدماغ أثناء اليقظة وأثناء النوم للمشمولين في الدراسة عند معايشة أحداث ذات مردود إيجابي وأحداث أخرى ذات مردود خاسر. وفي الليلة الأولى، تمت مقارنة صور وتخطيط نشاط مناطق الدماغ المختلفة التي تم رصدها في فترة اليقظة (عند معايشة تلك الأحداث)، بتلك التي تم رصدها في فترة النوم (عند استرجاع ذكرياتها)».

وأضافت الدكتورة فيرجيني ستيربينيتش، الباحثة الرئيسية في الدراسة من قسم علوم الأعصاب الأساسية بجامعة جنيف، ما ملخصه: «في بداية النوم، بدأ الدماغ في التفكير في جميع الأحداث (ذات المردود الإيجابي والأخرى الخاسرة)، لكنه بعد ذلك وبشكل حصري تقريباً، أعاد إحياء الذكريات التي فاز فيها (وأهمل التي خسرها)، من خلال إعادة تنشيط نفس المناطق الدماغية المستخدمة فيها أثناء اليقظة. ثم بعد يومين، تم إجراء اختبار للذاكرة حول جوانب عدة من المعلومات المتعلقة بتلك الأحداث (ذات المردود الإيجابي وذات المردود الخاسر). وهنا مرة أخرى، تم أثناء النوم تنشيط المزيد من مناطق الدماغ المتعلقة بالأحداث ذات المردود الإيجابي، وكان أداء الذاكرة أفضل. ومن خلال هذا العمل، يفتح فريق جامعة جنيف منظوراً جديداً في دراسة الدماغ النائم والعمل المذهل الذي يقوم به كل ليلة».

ويوضح الدكتور مارك وو، طبيب الأعصاب المتخصص في النوم بجامعة جونز هوبكنز، أن النوم يؤثر بشكل كبير على وظائف الدماغ. ويُعد الحصول على قسط صحي من النوم أمراً حيوياً لمرونة الدماغ أو قدرة الدماغ على التكيف مع الكمّ الهائل من المعلومات التي تدخل إلى الدماغ خلال اليوم، وإنشاء الذاكرة حولها. وإذا كنا ننام قليلاً جداً، فلن نتمكن من معالجة ما تعلمناه خلال النهار، وسنواجه صعوبة أكبر في تذكره في المستقبل. وأضاف أن العلماء يعتقدون أيضاً أن النوم قد يعزز إزالة الفضلات (المعلومات التي لا جدوى مستقبلية منها للمرء) من خلايا الدماغ، وهو أمر يبدو أنه يحدث بشكل أقل كفاءة عندما يكون الدماغ مستيقظاً.

خطوات وعمليات معقدة لتكوين الذاكرة

> عندما نحصل على معلومات من العالم حولنا، يتم الاحتفاظ بهذه المواد في الدماغ كتصوير عقلي، ويمكن استرجاعها لاستخدامها في المستقبل. وتُؤثر عدة عوامل على الطريقة التي يستعيد بها الدماغ الذاكرة.

ويمتلك الدماغ ثلاثة أنواع من عمليات الذاكرة:

– السجل الحسي Sensory Register

– الذاكرة قصيرة المدى Short – Term Memory

– الذاكرة طويلة المدى Long – Term Memory

ويتكون «السجل الحسي» من المعلومات التي يحصل عليها الدماغ طوال الوقت ودون قصد وبكمية كبيرة، من البيئة المحيطة بنا. وعمر هذه الذاكرة قصير جداً، وأحياناً يصل إلى بضع ثوان فقط. ومن أمثلتها سماع أصوات السيارات أثناء الطريق أو مشاهدة السيارات المجاورة، والتي في الغالب تزول ذاكرتها من الدماغ سريعاً عندما لا تعني للمرء أي شيء سوى لحظة الإحساس بها. وقريب منها ما يُعرف بـ«الانتباه» Attention، الذي هو مرحلة بين السجل الحسي والذاكرة قصيرة المدى، لبعض المعلومات المنتقاة من السجل الحسي والتي ربما سيهملها الدماغ لاحقاً أو سيحتفظ بها، وفق مدى درجة اهتمام الشخص بها.

وتتكون الذاكرة قصيرة المدى في جزأين: ذاكرة قصيرة المدى وذاكرة وظيفية عاملة Working Memory. والذاكرة قصيرة المدى هي معلومات تُحفظ بشكل «مؤقت»، بحيث يمكن تكرارها لفترة قصيرة ولا حاجة للمرء بها لاحقاً، مثل تذكر رقم هاتف تراه على التلفزيون. والذاكرة الوظيفية العملية تشير إلى تخزين الدماغ للمعلومات بغرض معالجتها، مثل تذكر تفاصيل مجموعة من الأرقام أثناء العمل على مسألة حسابية، ثم يُهملها المرء ولا يتذكرها لاحقاً لأنه لا حاجة له بها. ولذا عندما يتحدث علماء الأعصاب عن تحسين الذاكرة، فإنهم يركزون بشكل شائع على الذاكرة الوظيفية العملية، لأن للمرء قدرة أكبر على التحكّم فيها ويمكنه تحسينها بفاعلية إذا شاء.

وبالنسبة للذاكرة طويلة المدى، يعتقد البعض أنها تُحفظ بشكل دائم وبشكل كامل وإلى أجل غير مسمى، في «بنك» داخل الدماغ. ولكن في الحقيقة، هذا ليس هو الحال. إذْ رغم أن المعلومات المُخزّنة في الذاكرة طويلة المدى قد تبقى في الدماغ لفترة قصيرة (ليوم، لأسبوع) أو تدوم طوال العمر، إلاّ أنها عُرضة للتلف. وللتوضيح، عندما تتشكل الذكريات طويلة المدى، تسترجع منطقة الحُصين Hippocampus الدماغية المعلومات من الذاكرة العاملة، وتبدأ في تغيير التوصيلات العصبية Neural Wiring المادية للدماغ بين الخلايا العصبية ونقاط تواصلها. وهذه الروابط العصبية الجديدة (حول هذه المعلومات للذاكرة الطويلة الأمد) تبقى في الدماغ ما دام أن تلك المعلومات قيد الاستخدام. ويُقسّم العلماء الذاكرة طويلة المدى إلى نوعين من الطول: حديثة وبعيدة. ومن أمثلتها المعلومات الصحية والتاريخية وكيفية قيادة السيارة وتشغيل الكومبيوتر والكتابة والقصائد وغيره.

من أين يأتي النسيان وضعف الذاكرة؟

> لا تزال أوساط البحث الطبي تحاول معرفة كيفية حصول النسيان، ليس مع التقدم في العمر، بل في مراحل أخرى من الحياة. ولا تزال قوة الذاكرة إحدى الأدوات التي يتمنى المرء امتلاكها. ورغم الاعتقاد أن ضعف الذاكرة دليل على بداية الخرف أو ألزهايمر، فإنهما لا يُشكلان إلاّ نسبة قليلة ضمن الأسباب الشائعة لضعف الذاكرة.

وتشير الأبحاث إلى نظريتين رئيسيتين حول سبب نسيان الذكريات:

– نظرية التحللDecaying Theory، التي تفيد بأنه إذا لم يُكرر المرء ذاكرة معينة (طريقة قيادة السيارة، قصيدة شعر)، فسوف تتدهور في النهاية.

– نظرية التداخلInterference Theory، والتي تفيد بأن المعلومات الجديدة التي يتلقاها الدماغ تحل محل المعلومات القديمة لحاجة الإنسان أكثر لتلك المعلومات الجديدة (مثل عدم القدرة على تذكر كلمة مرور قديمة بعد إنشاء كلمة مرور جديدة أو نسيان كيفية تشغيل آلة معمل النسيج بعد العمل في ميكانيكا السيارات مثلاً).

ولكن أياً كانت هي النظرية الصحيحة، فإن هناك عدة مظاهر لعملية النسيان، بعضها دائم والآخر مؤقت. ومنها:

– صعوبة الوصول Transience: وذلك بسبب عملية الشيخوخة الطبيعية أو تلف الحُصين والفص الصدغي في الجلطات الدماغية أو نتيجة أمراض في الدماغ.

– شرود الذهن Absent – Mindedness: وذلك بسبب إخفاق الانتباه أو نسيان المهام المطلوبة. ولهذا كثير من الأسباب اليومية.

– الحجب الذهني Blocking: وذلك عندما يتعذر الوصول إلى الذكريات مؤقتاً. والبعض يصفها بحالة «متلازمة طرف اللسان» Tip – Of – The – Tongue Syndrome.

– تأثير الإيحاء Suggestibility: عندما يتم دمج خاطئ للمعلومات في الذاكرة بفعل تلقي سؤال موجّه Leading Question يحتاج إلى مهارة في الإجابة وذاكرة ذكية، لا يمتلكها المرء طوال الوقت. مثل عندما يُسأل الطالب في الاختبار سؤالاً يتطلب الإجابة بنعم أو لا، أو سؤالاً يفرض طريقة محددة في الإجابة لا يتمكن الطالب من الإجابة عليه بسهولة باسترجاع الذاكرة.

وإضافة إلى عدم تكرار استخدامها أو انشغال الذهن بأشياء أخرى أو عدم التركيز بالأصل لحفظ المعلومة عند تلقيها لأول مرة، يُلخص الباحثون من جامعة هارفارد ومن غيرها من المراكز الطبية، الأسباب الشائعة للنسيان عند عموم الناس ضمن العناصر التالية:

– قلة النوم: ربما يكون عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم هو أكبر سبب غير مُقدَر للنسيان. ويمكن أن تُؤدي قلة النوم المريح أيضاً إلى تغيرات المزاج والقلق، مما يساهم بدوره في حدوث مشكلات في الذاكرة.

– الأدوية: يمكن أن تؤثر على الذاكرة كل من: المُهدئات ومُضادات الاكتئاب وبعض أدوية ضغط الدم ومعالجة نزلات البرد ومُضادات الحساسية وعدد آخر من الأدوية، بما يجعل من الصعب الانتباه عن كثب إلى الأشياء الجديدة. وهو ما يُمكن سؤال الطبيب أو الصيدلي عنه.

– كسل الغدة الدرقية: يؤثر ضعف الغدة الدرقية على الذاكرة، بالإضافة إلى اضطراب النوم والتسبب في الاكتئاب.

– التوتر والقلق والاكتئاب: أي شيء يجعل من الصعب التركيز وحبس المعلومات والمهارات الجديدة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الذاكرة. والتوتر والقلق والاكتئاب أحد أمثلة ذلك.

– الكسل البدني وعدم ممارسة الرياضة اليومية.

– الإصابة بأمراض مزمنة: إما نتيجة تسببها بالألم من آن لآخر، أو بالإعاقة البدنية، أو تشغل الذهن طوال الوقت للعناية بالنفس.

الشرق الأوسط

علماء يقرأون دماغ الإنسان وهو نائم ما الذي يجري؟

نجح علماء متخصصون في استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل فك تشفير نشاط الدماغ أثناء النوم، وتمكنوا بالفعل من إلقاء نظرة على ما نفكر فيه عندما نكون نائمين.

وتمكن العلماء في جامعة جنيف «UNIGE» بسويسرا، من إلقاء نظرة على ما نفكر فيه عندما نكون نائمين، من خلال الجمع بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي «fMRI» وتخطيط كهربية الدماغ «EEG».

ويقدم فريق جنيف دليلا غير مسبوق على أن عمل فرز آلاف المعلومات التي تتم معالجتها خلال النهار يحدث أثناء النوم العميق. وفي الواقع، في هذا الوقت، يمكن للدماغ، الذي لم يعد يتلقى المحفزات الخارجية، تقييم كل هذه الذكريات من أجل الاحتفاظ بأكثرها فائدة فقط.

وللقيام بذلك، فإنه ينشئ حوارا داخليا بين مناطقه المختلفة. وعلاوة على ذلك، فإن ربط المكافأة بمعلومات معينة يشجع الدماغ على حفظها على المدى الطويل. وهذه النتائج تفتح لأول مرة نافذة على عقل الإنسان أثناء النوم.

وفي غياب الأدوات القادرة على ترجمة نشاط الدماغ، يظل محتوى أفكارنا النائمة غير ممكن الوصول إليه.

ومع ذلك، نعلم أن النوم يلعب دورا رئيسيا في تقوية الذاكرة وإدارة المشاعر، حيث عندما ننام، يعيد دماغنا تنشيط تتبع الذاكرة الذي تم إنشاؤه خلال النهار ويساعدنا على تنظيم عواطفنا، بحسب ما أورد تقرير نشرته مجلة «ميديكال إكسبرس».

وتقول فيرجيني ستيربينيتش، الباحثة في مختبر البروفيسورة صوفي شوارتز في قسم علوم الأعصاب الأساسية في كلية الطب بجامعة «UNIGE» والباحث الرئيس في هذه الدراسة: «لمعرفة مناطق الدماغ التي يتم تنشيطها أثناء النوم، وفك شفرة كيف تسمح لنا هذه المناطق بتعزيز ذاكرتنا، قمنا بتطوير وحدة فك ترميز قادرة على فك رموز نشاط الدماغ في النوم العميق وما يتوافق معه. وعلى وجه الخصوص، أردنا أن نرى إلى أي مدى تلعب المشاعر الإيجابية دورا في هذه العملية».

وأثناء النوم العميق، يرسل الحُصين، وهو هيكل من الفص الصدغي الذي يخزن آثارا مؤقتة للأحداث الحديثة، إلى القشرة الدماغية المعلومات التي خزنها خلال النهار. ويتم إنشاء حوار يسمح بتوحيد الذاكرة عن طريق إعادة تشغيل أحداث اليوم وبالتالي تعزيز الارتباط بين الخلايا العصبية.

ولإجراء تجربتهم، وضع العلماء متطوعين في التصوير بالرنين المغناطيسي في وقت مبكر من المساء وجعلوهم يمارسون لعبتي فيديو، وهي لعبة للتعرف على الوجوه، ومتاهة ثلاثية الأبعاد يجب إيجاد المخرج منها.

ووقع اختيار هذه الألعاب لأنها تنشط مناطق دماغية مختلفة جدا، وبالتالي، يسهل تمييزها في صور التصوير بالرنين المغناطيسي.

وبالإضافة إلى ذلك، وقع تزوير الألعاب دون علم المتطوعين بحيث يمكن الفوز بواحدة فقط من اللعبتين (فاز نصف المتطوعين بواحدة وفاز النصف الآخر بالثانية) بحيث يربط الدماغ اللعبة التي فازت بها بعاطفة إيجابية.

ثم نام المتطوعون خلال التصوير بالرنين المغناطيسي لمدة ساعة أو ساعتين، وتم تسجيل نشاطهم الدماغي مرة أخرى.

وتشرح صوفي شوارتز: «قمنا بدمج مخطط كهربية الدماغ (EEG) الذي يقيس حالات النوم، والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، الذي يأخذ صورة لنشاط الدماغ كل ثانيتين، ثم استخدمنا وحدة فك تشفير الخلايا العصبية لتحديد ما إذا كان نشاط الدماغ الذي لوحظ أثناء فترة اللعب قد عاد إلى الظهور تلقائيا أثناء النوم».

ومن خلال مقارنة فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لمرحلتي الاستيقاظ والنوم، لاحظ العلماء أنه أثناء النوم العميق، كانت أنماط تنشيط الدماغ مشابهة جدا لتلك المسجلة أثناء مرحلة اللعب. «ومن الواضح جدا أن الدماغ أعاد إحياء اللعبة التي فاز بها ولم يخسرها من خلال إعادة تنشيط المناطق المستخدمة أثناء اليقظة. وبمجرد أن تنام، يتغير نشاط الدماغ. وتدريجيا، بدأ متطوعونا في التفكير في كلتا اللعبتين مرة أخرى، وبعد ذلك بشكل حصري تقريبا حول اللعبة التي فازوا بها عندما دخلوا في نوم عميق»، كما تقول الباحثة المشاركة فيرجيني ستيربينيتش.

وبعد يومين، أجرى المتطوعون اختبارا للذاكرة: التعرف على جميع الوجوه في اللعبة من ناحية، وإيجاد نقطة البداية للمتاهة من ناحية أخرى. وهنا مرة أخرى، تم تنشيط المزيد من مناطق الدماغ المتعلقة باللعبة أثناء النوم، وكان أداء الذاكرة أفضل.

وبالتالي، تكون الذاكرة المرتبطة بالمكافأة أعلى عندما يتم تنشيطها تلقائيا أثناء النوم. ومن خلال هذا العمل، يفتح فريق جنيف منظورا جديدا في دراسة الدماغ النائم والعمل المذهل الذي يقوم به كل ليلة.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى