شعر

عن رحيل الشاعر الهندي ” مانغاليش دبرال” مقالات ومختارات من شعرة

مانغاليش دبرال والدور الصامت الذي يؤديه الشعر/ محمد الأسعد

يغادرنا بعض الشعراء إلى الأبد، فلا نحاول التشبث بهم ولو تخيلاً، ولكن هناك شعراء يغيبون في رحلتهم تلك، فلا لانتذكرهم فقط، بل نصر على التمسك بهم والبحث عنهم في الأماكن التي خلت منهم؛ في الشارع والمدينة والقصيدة، ونضيف إلى وجودهم وجوداً. ربما لم ننتبه لهم خلال حياتهم، وربما شغلتنا عنهم وجوه أخرى، ومع ذلك نعود إليهم ما أن يصلنا خبر رحيلهم، مبكرين أو متأخرين.

هكذا وجدت نفسي أمام خبر رحيل الشاعر الهندي مانغاليش دبرال (1948 – 2020) أسعى إلى تجميع ما أمكن من ذاكرته التي أودعنا إياها، شعراً ونقداً ومواقف سياسية واجتماعية على امتداد حياته الإبداعية، للإبقاء عليه ماثلا وإضافته كتجربة من تجارب حياة أمة عظيمة مثل الهند.  لست مأخوذاً بما كتب عنه، وما سيكتب، بل بما وجدت بين يدي من مقالات له ومجموعة شعرية مترجمة إلى الانكليزية، وبعض مما ترجم من قصائده إلى اللغة العربية، أي كتابه الفني الذي هو، باستعارة من الناقد البريطاني جون روسكن، الكتاب الذي لا يكذب، الكتاب الجدير بالثقة حين تكتب سيرة حياة أمة، وأضيف، أو حين تكتب سيرة حياة إنسان فنان مثل هذا.

أول ما يلفت النظر في هذه السيرة سطوره التالية:

” هربت من الجبال مثل حجر أو حصاة، وتوقفت في المدن.. أينما وجدتُ مستقراً كنت أستريح فيه. وشعرتُ في فترة ما أنني أخفقتُ في الانتماء إلى أي مكان. لم أتصالح يوماً مع مدينة كبيرة مثل دلهي، ولم أتمكن من الحفاظ على هوية مسقط رأسي”.

إلا أن هذه لم تكن سوى البداية، بداية المواجهات مع “الحقائق الغريبة”، وهي موضوعات ستتكرر في كتاباته الشعرية وفي إبداعات جيله. جيل القلق والتوتر الفكري وخيبة الأمل بالحلم الكبير لعصر نهرو، والتعايش الغريب بين الريف والمدينة. وتلفت النظر هنا عنايته بالإحالة إلى شعراء هنود تعلم منهم، وفي ضوء تجاربهم وعى وأبصر ما حوله. فقصيدة الشاعر مكتيبود “في الظلام” أصبحت، بتصويرها للكابوس الاجتماعي والسياسي والثقافي في مرحلة ما بعد الاستقلال “نصاً مجازياً وعلامة فارقة في عصرنا” كما يقول. وهذا الشاعر، مع آخرين عرفه على غوامض الشعر وأبعاده الداخلية، كما تعلم كيفية مراقبة وتشريح المفارقات البشرية التي تعج بها ديمقراطية الهند في الريف والمدينة. ويأتي بعد ذلك رأيه في ضرورة اهتمام المرء، سواء ككاتب أو كمواطن أو كإنسان بالسياسة.. ذلك لأننا “لا يمكننا، نظراً للوضع السياسي الحرج الذي نعيشه، أن نتجاهل مسار الأحداث الاجتماعي والسياسي والمصير البشري”.

على أن أكثر مواقفه الجميلة التي قل نظيرها لدى شعراء آخرين، هو تركيزه على الذاكرة، والخيال الذي لا يكون الشعر من دونه، والطفولة التي يعتقد، على خطى السينمائي البنغالي ريتويك جاناك أننا لابد أن نبقي قطعة منها في جيوبنا لنحافظ على إنسانيتنا في ما تبقى لنا من حياة. أما بالنسبة للشعر ذاته، وهو ما يمكن أن يكون الخاتمة الرائعة لحياة ستظل تتردد أصداؤها، فهو يرى فيه وسيلة “خلاص”، أو وسيلة “تحرر” بتعبيرنا. جاء تلخيصٌ لهذا الرأي في مقالة له يستحق أن نختم به هذه الإطلالة:

“أتساءل أحياناً عن دور الشعر في حياة المجتمع؛ هل ينقذ الشعر أي شيء كان؟ وما فائدته للبشرية؟.. قال ماياكوفسكي في إشارة إلى الحاجة إلى الشعر “إن تفتح الزهور والتماع النجوم يعنيان ببساطة أن هناك من يحتاج إليهما. قد لا يكون تأثير الشعر على الإنسان مرئياً أو ملموساً بشكل مباشر، ولكن بعض الأحداث غيرت رأيي تماماً”.

وكانت أكثر الأحداث التي ذكرها دلالة، أن شابة ذات بشرة داكنة من منطقة القبائل عزمت على الانتحار، ولكنها تراجعت بعد قراءة إحدى قصائده كما يقول. هذه الفكرة، فكرة أن الشعر وسيلة خلاص، دفعته إلى القول عنها:

“أنها واحدة من أكبر مشاغل الشعر المعاصر.. وتؤكد هذه الأحداث، على صغرها، على إيمان الإنسان بالدور الصامت الذي يؤديه الشعر في حياة البشر في أوقات الحزن ولحظات الإحباط والظلم”.  أو بتعبير آخر، على دور الشعر في تحرير الإنسان، ودور الفن إذا أردنا أن نتخطى بأنظارنا الأسوار الخاصة بهذا الفن أو ذاك، ونتطلع إلى حقول الفن الجامعة.  

* شاعر وروائي وناقد فلسطيني

العربي الجديد

—————————-

ويرحلونَ واحدًا تلو الآخر: تحيّة إلى مانغاليش دبرال/ ك. ساتشيداناندان

“من لا يستطيعُ الرؤية

لا يتلمّسُ طريقَهُ

لن يصل أولئك المُعَوّقون

إلى أيّ مكانٍ

وأولئكَ الصُّمُّ

لا يمكنهم الاستماع إلى وَقْعِ أقدامِ الحياة

والمشرّدون لا يبنون منزلاً

فأولئك المجانين

لن يعرفوا ما يريدون أبداً

في هذا الزمن

حيث يمكن لأي شخص أن يصبح معاقاً أعمى

مشرداً وأصَمَّ ومجنوناً”

كتبَ مانغاليش دبرال هذه القصيدة “هذه الأيام” والتي أدرجت في المختارات العالمية من القصائد حول هذه الأوقات المظلمة بعنوان “الغناء في الظلام”، والذي حررتُه مع نيشي تشاولا (بنغوين، تشرين الأول/ أكتوبر، 2020).

سمعتُ بحزنٍ شديدٍ أنه وقعَ ضحيَة للوباء وكنت أتابعُ منشورات الأصدقاء على فيسبوك وأتصل بأصدقاء مشتركين لمعرفة كيف يتعامل مع هذا الوباء، ذلك الشاعر القوي الذي اعتاد على أن يكون مقاتلاً شرساً. ازدادت محنته سوءًا يومًا بعد يوم، واستسلم أخيرًا للقوة الشيطانية للمرض الذي لا يمكن التنبؤ به والذي حطّم قلبه حرفيًا وكسرَ مجازيًا قلبَ العديد من الذين أحبّوه وأُعجبوا به كإنسانٍ عظيمٍ يجمعُ بين البراءة والاستقامة والذكاء السياسي والمواقف الثابتة، والصحافي الملتزم الذي عمل مع صحيفة باتريوت Patriot (التي تصدر بالهندية)، ومجلة براتيباكش Pratipaksh، ومجلة آسباس Aaspaas، ومجلة بورفاغراه Poorvagrah الأدبية، وصحيفة أمريت برابهات Amrit Prabhat، وصحيفة يانساتا Jansatta ومحطة صحارا سمايSahara Samay التلفزيونية ومؤسسة بابليك أجندة Public Agenda، والأهم من ذلك كله، الشاعر الهندي المتميز الذي لا يمكن أن تُخطِئ صوتَه أبداً.

كنتُ قد قرأتُ قصائدَ مانغاليش قبل أن ألتقي به أولاً في مؤسسة بهارات بهافان الثقافية في بوبال في أيامها المجيدة بإدارة الشاعر الكبير عاشق فاجبيي. ربما لم يكن قد نشر حينها سوى أول كتابين له “فانوس على الجبل” و”الطريق إلى البيت”.

كثيراً ما نَهَلَتْ قصائدُه من طفولته في قرية تهري جارهوال ومن أيامه وذكرياته كطالب في مدينة دهرادون، وهو الذي كان يعتبر نفسه من نسل الجبال.

اخترت ترجماتي الأولى من مجموعاته المبكرة التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي وضمّنتها في مختاراتي من الشعر الهندي المعاصر باللغة المالايالامية، وقد تبعتها مجموعات “نحن الذين نراقب”، و”الصوت مكان أيضًا” و”العدو في العصر الجديد”.

كما كتب دبرال نصوصاً نثرية ممتازة باللغة الهندية عندما كتب عن حياته في ولاية أيوا الأميركية، كزميل أبحاث مقيم “أيوا ذات مرة” وكتابيه عن حياة الكتّاب “خبز الكاتب” و”الوجود الروحي- عزلة الشاعر”. أتذكر بالكثير من الحب والألم رحلاتي العديدة معه لمهرجانات الشعر ومعارض الكتب، ومنها رحلة القطار من فرانكفورت إلى دريسدن ورحلتنا الأخيرة معًا إلى “أمسيات كرسي الشعر” في كولكاتا، ومحادثاتنا التي ستظل حتمًا في هذه الأيام متمحورة نحو الوضع السياسي للبلد، ونكاتنا الخاصة الصغيرة وتبادلنا المستمر لأحدث قصائدنا.

ينتمي مانغاليش دبرال في الشعر الهندي إلى جيل من الشعراء أصحاب الوعي السياسي، والمتميّزين من الناحية الجمالية والذين جاءوا بعد راغوفير ساهي، وشامشر بهادور سينغ، وكيدارناث سينغ، وكونوار نارين، وفيندو كومار شوكلا.

لطالما حملت قصائده فتنة خاصة بالنسبة إلي. يقول دبرال في قصيدة مثل “المدينة” مثلاً، والتي تحاكي معضلة الكثيرين منّا ممّن يغادرون مسقط رأسهم ويأتون إلى المدينة ونادرًا ما يتمكنون من العودة:

“نظرتُ إلى المدينة

وابتسمتُ

ثم مَشيتُ

تساءلتُ:

من يريدُ أن يعيش هنا؟

ولم أعد إلى هناك أبدًا”.

وفي قصيدة أُخرى يقول:

“الأوراق التي استقرتْ على وجهي

تساقَطَتْ من أشجارِ طفولتي.

تُرسِلُ لي البحيرةُ أمواجَها،

ويرتَجِفُ الليلُ مثل موجةٍ. أعتليها

والأوراقُ الميّتة على وجهي”.

هناك عدة قصائد أيضًا مثل “جيّدٌ لحياة بأكملها”:

“ربما كان هناك القليلُ من الرّطوبة هناك

ظلٌّ فاتحٌ

ربّما رجفةٌ، وربما أَمَل”

وقصيدة “البيت الهادئ”:

“بين اليقظةِ والنوم

بين النومِ واليقظة

أستَمعُ إلى الأصواتِ في الخارج

لا بكاءَ فيها

لا تهديداتٍ

لا خوفَ

لا أحدَ يُصلّي، ولا أحدَ يطلبُ الصّدقات…

لا أطلبُ شيئًا من العالم

ويمكنني أن أعيشَ كما السَّناجب

كما العشبِ

أو الكُرةِ

وخبطتها على الأرض.

هذا المنزل الهادئ

لا يقلقني البتة”.

و”قصيدة الأحلام” أيضًا:

“لا هروبَ من الأحلام؛

تَحدُثُ هكذا كنتيجةٍ

لليقظة.

تُخبرُنا بما كنّا عليه

وكيفَ سنكون”.

تبرز من بين أعماله المبكرة، قصيدة أُخرى أعتزّ بها للغاية وهي “صورةُ جَدّي” التي تنتهي على النحو التالي:

“لم أصبحْ طويلاً كجدّي

ولا هادئاً ولا جدّياً

ولكن فيّ شيءٌ منه

غَضَبُهُ

رِضاهُ

أمشي حانياً رأسي أيضاً

وأرى نفسي كلَّ يومٍ

جالساً في إطار صورةٍ فارغٍ”.

كانت الأحلام والذكريات جوهر قصائد مانغاليش المبكرة، ولا يزال بعضها يخيّمُ على أعماله اللاحقة أيضًا على الرغم من أنها تبدو أقرب إلى الواقعية، على الصعيدين الشخصي والسياسي.

صدرتْ المجموعة الأولى من الترجمات الإنكليزية لقصائده، “هذا الرقم لا وجود له – قصائد مختارة 1981-2013” (دار بويتريوالا، مومباي 2014) وذلك على الرغم من ظهور العديد من ترجماته باللغة الإنكليزية في مجموعات أُخرى مثل “الناجي-” Survival (ساهيتيا أكاديمي) و”توقيعات- Signatures” (الصندوق القومي للكتاب) و”الإيماءات- Gestures” (ساهيتيا أكاديمي)، وقد حرّرتُ الكتابين الأخيرين.

تُرجِمَت قصائدُه على نطاق واسع إلى اللغات الهندية والأجنبية مثل الروسية والبولندية والبلغارية والألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والهولندية والبرتغالية، وقُرئت في العديد من مهرجانات الشعر في جميع أنحاء العالم، وظهرت في الكثير من المختارات الشعرية حول العالم وحصلت على العديد من الجوائز من قبل العديد من المؤسسات والتي تشمل جائزة ساهيتيا أكاديمي، وهي الجائزة التي تَخلّى عنها إلى جانب راجيش جوشي والعديد من الكتاب الآخرين، احتجاجًا على جرائم القتل التي تعرّض لها الكتّاب والرقابة على أعمالهم من قبل دعاة الكراهية اليمينيين، وكان مانغاليش أيضًا مترجمًا إلى اللغة الهندية لأعمال إرنستو كاردينال، بابلو نيرودا، تاديوس روزفيتش، وزبينغو هربرت، وبرتولد بريخت ويانيس ريتسوس وغيرهم الكثير.

تمتّعتْ بلدَتُهُ الجبلية تيهري في سفوح جبال الهيمالايا بحضورٍ متكرّر في شعره. لا بد أن يتذكّر المرء، كما فعل مانوهار شيتي في الخاتمة الموجزة للمجموعة، الانهيار الكبير لمشروع سد تيهري الذي أغرق مدينة تهري بأكملها إلى جانب أكثر من مئة قرية محيطة بها مما أدى إلى نزوح حوالي 12500 أُسرة، مما شرّد وهَجَّر حوالي مئة ألف شخص أُعيد توطين بعضهم في نيو تيهري المتهالكة، وهي غابة إسمنتية لا تشبه المدينة الأصلية الخصبة المزدهرة الخضراء الجميلة (“ليست هذه مدينتي نفسها، محضُ أحاسيسَ فارغة حلّت مكانها).

كان شِعرُ دبرال سريعًا في نقد هذا النوع من “التطوّر” الذي ينفي جماهير ضخمة من الناس من موطنهم الغنيّ والأخضر وليجعلهم يتخلّون عن أنماط حياتهم التقليدية ومهنهم المألوفة: قد لا يكون هذا النقد صاخبًا أبدًا أو عاطفيًا أو جاذبًا، بل نقدًا مؤلمًا ودقيقًا وساخرًا. غالبًا ما يكون شعورًا بالفراغ، شعورًا بالأماكن الشاغرة في ذاكرة المرء جرّاء جميع أنواع الخسائر التي تعرّض لها. لا يقول لنا سوى:

“انظرْ داخلكَ،

تحسّس تلكَ البُقعةَ الرّطبة، اِلمِسها،

تأكّد ما إذا كانت لا تزال موجودة هناك أم لا

في هذه الأزمنة القاسية” (قصيدة “اللمسة”)

“تضيعُ الأشياء وتبقى أماكنها

تتحرّكُ معنا طيلة حياتنا،

ننتقلُ إلى مكانٍ آخرَ

تاركين منازلنا وأهلنا وماءنا وأشجارنا،

نهوي من أعالي الجبال مثل الأحجار،

ويبقى مكان الأحجار في الجبل هناك

فارغاً”. (قصيدة “الأماكن المتبقية”)

“انظر إلى الوراء قليلاً، يا أخي،

كيف أغلقَتِ الأبوابُ نفسَها

ووراءَ كلٍّ منها

غرفةٌ بائسةٌ تمامًا” (قصيدة “أُغنية المشرّد”).

يتردّدُ صدى مصير هؤلاء الأشخاص المعوزين في “الظلام الداخلي للموقد” حيث كلماتك العاجزة “تنتشرُ مثلُ الحبوبِ التي تُجمَعُ في المجاعة” ثمّ يعرّف الشاعر نفسه بأنه “الصّبيّ الضائعُ الذي يأكلُ الخُبزَ في مكانٍ ما غاضباً”.

تكشفُ القصائد الاثنتان والخمسون في المجموعة كلّها عن شاعر مخالفٍ للسائد يرفض الاقتناع بدعوى “التقدّم” التي لا تترك سوى طعمًا مرًا في أفواه الفقراء.

يرى الشاعر في قصائد هذه المجموعة الهامة الحياة على شكل نوع غريب من الاستجداء والتجوال والطّرْق على الأبواب العشوائية طلبًا للصدقات والخدمات والقدرات والحب والاضطراب والولادة نفسها (قصيدة “طلب الصدقات”).

لا يكاد دبرال ينسى منزله في القرية. يتذكّرُ كيف أنه عندما كان طفلاً كيف أحضر والده إلى المنزل مصباحاً كهربائياً وكيف أرادت امرأة عجوز في الحيّ استعارته لإشعال النار:

“بعد كلّ هذه السنوات،

بَقِيَ الضوءُ المنبعثُ من المصباح

وما تزالُ استعارةُ الجدّة له لتُشعِلَ النّار

وأبي الذي أُسقِطَ في يدِهِ من هذا الطّلب؛

ما تزال تتردّدُ أصداؤُها إلى الآن

مثل قصيدةٍ عابرةٍ في سُخريّةِ عصرِنا هذا” (قصيدة “المصباح”)

تتمثّل الرغبة الحقيقية للشاعر في أن تظلّ حقيقة جملةٍ بسيطةٍ مثل “نحن كلّنا بشر” ماثلةً في أذهانِنَا، وكذلك عباراتٍ مثل اليأس الذي يولّد الأمل، والكلمات الهاربة التي لا يمكن الإمساك بها، والطفوليّة في الحبّ والخجل عند الشعراء.

“الواقع هذه الأيام” قصيدة أخرى مثيرة للاهتمام حيث يقول الشاعر إن الواقع اليوم مبهر للغاية بحيث يصعب النظر إليه بدقة، فالواقع يتحرك بسرعة بحيث لا يمكن للمرء سوى التقاط لمحات عابرة منه:

“هذا الرجلُ الذي ماتَ للتو

لديهِ الكثيرُ ليقولَه،

ربما أكثر من جميع الأحياء

ودمُهُ النازفُ يصرُخُ بصوتٍ

أعلى من الدّم الذي يَهدُرُ في جَسَدِه”

ويختتمُ القصيدة قائلاً:

“الواقع مُفرِطٌ في واقعيته هذه الأيام

ودمُهُ مرئيٌّ أكثر من جسده”.

أما الصورة التي وصف فيها البنك الجديد على أنه “مكانٌ لامعٌ وناعمٌ” تكادُ تكون سرياليّة وتفيد كإشارة مجازية للمعاملات غير الشخصية الجافة للعالم المعولم.

وفي قصيدة “أحدُ أمواتِ غوجارات يتكلّم”، والتي كُتبتْ في أعقاب المجزرة التي تلت حريق قطار جودهرا، حيث يشهَدُ الرجل الميتُ إنسانيةً في الموتى أعظمُ منها عند الأحياء.

سكنتْ تلك المدينة المشتهاة التي أتى الشاعر بحثًا عنها وتغلغلت في أعماقه، حيث يبدو النجم البعيد مثل أضواء المدينة ويأمَلُ المسافر أنه لا يزال بإمكانه الوصول إلى تلك المدينة التي يحلم بها “متدحرجاً مثل الحجر” (قصيدة “المدينة مجدداً”).

اسمحوا لي أن أُنهي هذه المقالة التكريمية المتواضعة، متمنّياً بصدقٍ ألا أضطرَّ لكتابةِ المزيد من هذه النعواتِ لأصدقائي الأصغر سنًا (كان مانغاليش أصغر منّي بسنتين) بهذه السطور من قصيدته “اللمسة”:

“لا تلمسوا بعضَكُم بالطريقةِ التي يلمِسُ بها كهنةُ الآلهة المتعصّبين أتباعَهُم المُصلّين

بل المِسُوا أقدامَ ورؤوسَ بعضِكُم البعض

كما يداعب العشبُ الطويلُ القمرَ والنجوم

انظرْ داخلكَ،

تحسّس تلكَ البُقعةَ الرّطبة، اِلمِسها،

تأكّد ما إذا كانت لا تزال موجودة هناك أم لا

في هذه الأزمنة القاسية”

أودّعُكَ اليوم باكياً يا صديقي العزيز. لقد غادرت للتو عالمًا يزدادُ ظلامًا تاركًا على عاتقنا عِبْءَ الحياة الأشبه بالموت في بلدٍ يتحوّلُ سريعًا إلى مقبرة، وإلى معاركنا الأخيرة من أجل الحرية والكرامة حيث سنفتقد جميعًا بشدّة وجودَكَ ورفقتَكَ الحانية المُلهِمَة.

* K. Satchidanandan، أحد أبرز شعراء الهند اليوم، يكتب بلغة المالايالام، وتُرجم شعره إلى لغات عديدة من بينها العربية وهو أيضاً ناقد أدبي وناشط ثقافي وسياسي  www.ksatchidanandan.com.

ترجمة عن الإنكليزية: عماد الأحمد

العربي الجديد

—————————-

وداعاً مانغاليش دبرال: المبادئ الأساسية لأن تكون بشراً/ عماد الأحمد

فقدت الهند، قبل أيام، واحداً من أبرز شعرائها ومثّقفيها التقدميّين، مانغاليش دبرال (16 أيار/ مايو 1948 – 9 كانون الأول/ ديسمبر 2020)؛ حيث رحل الأربعاء الماضي بسكتة قلبية أثناء وجوده في مستشفى “معهد العلوم الطبية” في نيودلهي للعلاج من فيروس كورونا الذي حصد هذه السنة الكثير من الأرواح المبدعة.

صديقُه منذ أكثر من أربعة عقود، الشاعر والناشر أسد زيدي، وصف الخسارة بقوله: “تمكّن بأسلوبه البسيط، من ضخّ السحر في الشعر الهندي الذي طوّر لغته إلى حدّ كبير. إنها خسارة كبيرة للأدب الهندي، والتي تُعدّ الخسارة الأكبر برأيي بعد وفاة الشاعر راغوفير ساهاي”.

ينتمي دبرال إلى ذلك النوع من الأدباء الذي يقارب المخلوقات من زاوية العطف والحب؛ الجانب الذي يميّز إنتاج الموهبة الأصيلة عن إنتاج الموهبة المتعالية. لا يكتبُ دبرال أدباً تحليلياً متجلّدَ المشاعر، بل يغمُر نفسَه بأدقّ تفاصيل المشاعر البشرية الخام ويعبّرُ عنها ببساطة أسلوبية شديدة.

مانغاليش دبرال شاعرٌ يحب الإنسان، ذلك المخلوق البائس الذي يعيش في هذه “الماتريكس” (الشبكة) دون أن يدرك جدواها، حب ينتمي إلى مرحلة باتت قديمة اليوم في عالم الأدب الذي يتحدّث عن مشاعر المسامير والأخشاب والآلات والجحور.

يقول في إحدى مقالاته: “ما زلتُ أعتقد أنَّ الماركسية واحدة من أكثر الأيديولوجيات إنسانيّةً بعد البوذيّة، ويمكن أن نطلق على كليهما اسم فلسفة الحزن البشري”، هذا هو دبرال، الماركسي الذي جاء من قريته الجبليّة النائية في إقليم أوتاراخاند، إلى دلهي ففهمها وأحبّها، وكتب عنها ككل المهاجرين الداخليّين في الستينيات من القرن الماضي، كما نرى في قصيدته “دلهي”: “أرى أشخاصاً غريبين في هذه المدينة. تُشبه وجوهُهم وجوهَ أعدائي. يتبخترون في سيّاراتهم الفاخرة باتجاه مطار أنديرا غاندي الدولي”.

في الوقت نفسه، أحبّ دبرال أهل دلهي وحزن عليهم وتعاطف مع مصائبهم التي تبدو صغيرة في عينَي هذا العصر الجائر. يقول في القصيدة نفسها: “مريضُ قلبٍ أمام الكومبيوتر يفكّر: كيف يمكنني علاج البلاد؟ رجلٌ شجاع يبكي في القسم الخلفي لمركز تجاري فاخر، أصابه داء الشجاعة”.

قد تُحيلُنا هندُ دبرال، أكثر ما تُحيلُنا، إلى مصر، من حيث هي (والحديث هنا عن مصر) أمّة ضخمة تحاول أن تفتخر بالفراعنة وتدّعي اليونانية وتعيش يوميات تتطابق مع اليوميات الهندية أو الباكستانية.

وصف دبرال بلاده المترامية الأطراف بأنّها: “بلادٌ تطفو على أعمدة من الراجا”، وهي القطعة الموسيقية الشعبية التي تتألّف من عدة نغمات تتكرّر تباعاً، ويشتق اسم كلّ منها من الحالة النفسية التي تريد الإيحاء بها، والتي تذهب الأساطير الهندية إلى أنَّ لها تأثيراً وقوّةً روحانية. ولعلّ محاولات وصف محيط هادر بالبشر والمشاعر والآلام مثل الهند، لن تكون دقيقة أكثر من ذلك.

كان مانغاليش دبرال يتغذّى على غلالِ طفولته يلتقُطُها من خُرجِهِ حبّة حبّة، ليخبزَ تجربتَهُ الإنسانية والشعرية نصوصاً كونيّة قادرة على لمس شغاف القلب عند أي قارئ في الكرة الأرضية تصادَفَ أنَّ له أباً وأمّاً وجدّاً وجدّة. كتب، وكأنه يكتب عن آبائنا جميعاً، عن صورة والده المعلّقة على الحائط:

“لا يَسعُلُ أبي في الصورة

ولا يتوتّر

لا يشتكي من وجع يديه ورجليه

لا ينحني ولا يساوم

..

وقف أبي يوماً أمام صورته

وقالَ

مثل معلِّمٍ يشرح الخريطة لتلاميذه:

لا أُشبه صورتي”.

وكتب عن قَلَقِ أمّه الذي يماثل قلق أمّهاتنا جميعاً، وخجلهنّ من التقاط الصور:

“كلّما حانت الفرصة لالتقاط صورة

تبحث أُمّي عن شيء مفقود

أو تذهب لجلب الحطب أو العشب أو الماء”.

وعن أمّه أيضاً كتب في قصيدة أُخرى:

“لطالما دلّتني أُمّي أينَ خلعتُ ثيابي

أين تركتُ أشيائي أو أخفيتُها.

ولطالما وجدتُها وغمرتني السعادة”.

جدُّه أيضاً كان حاضراً في شعره “مثل سحابة مثقلة بالماء”، والذي كان باحثاً في الأيورفيدا والسنسكريتيّة أيضاً وجامعاً للمصطلحات الشعرية والعبارات المحكيّة:

“قالت أُمّي

عندما تغطّون في النوم محاطين

بمخلوقات الليل الغريبة

يبقى جدّكم يقظاً في الصورة ليحرسكم”.

يتحدّث دبرال في مقالته “صفحة مفتوحة على الصدفة” عن الخلاص الذي يمثّله الشعر، وعن إيمانه بالدور الحقيقي الملموس للشعر في نهاية الأمر، ويُعطي الدليل على هذا الأثر في حادثة فتاة غوجارات التي كانت على وشك الانتحار، واستوقفتها للحظة في كتاب النصوص الأدبية للصف العاشر أمامها قصيدته “فانوس على الجبل”، فحدا بها فضولها لاستطلاع هذا الفانوس، وأبقتْ على حياتها. هل كان يثبت لنفسه جدوى كلّ ما يقوم به؟ هل منع الشعر مأساة إنسانية؟ هكذا تمنّى على الأرجح، وهذا ما نتمنّاه جميعاً.

نال دبرال عام 2000 جائزة “ساهيتا أكاديمي”، التي تمنحها “الأكاديمية القومية للآداب” في الهند، عن مجموعته الشعرية “ما نراه” Ham Jo Dekhte Hain، والتي تخلّى عنها بعد انتقاداته العلنية للحكومة الحالية في عام 2015 احتجاجاً على مناخ التعصُّب المتنامي في البلاد والذي ساهمت الحكومة بجزء كبير منه.

استوحى دبرال قصيدته “تاناشاهي” (2014) من شخصية رئيس الورزاء ناريندرا مودي ومن خطبه، واستوحى أيضاً ملابسه في قصيدة “حكاية شعبية”، وهي قصيدةٌ تتحدّثُ عن ملكٍ أنيقٍ يكرهُ الغبار، مهووس بملابسه التي يغيّرها يومياً عدّة مرّات. تدخلُ ملابسُ هذا الملك التاريخ في نهاية الأمر ليُعرفَ عصرُه بعصرِ الملابس المتّسخة.

عشرات الشهادات الحارّة من أبرز شعراء وكتّاب الهند ومثقفيها قيلت في رحيل الشاعر، ولعل ما كتبته الصحافية والكاتبة ميرنال باندي يلخص الجانب الإنساني الذي لطالما أضاءَ شعره: “كان رجلاً قصير القامة بنظّارات سميكة، ولكنه كان يحمل العالم كلّه بداخله. يمثل دبرال أحد أكثر العقول الثاقبة في اللغة الهندية، إنسان لا يمكن أن تتزعزع معتقداته، وكاتب صريح في كتاباته كلّ الصراحة، ولكنه كان خجولاً للغاية عندما تقابله شخصياً. لقد بقي دبرال صارماً للغاية في ما يتعلّق بالحفاظ على المبادئ الأساسية لكيف تكون بشراً حقيقياً”.

* باحث ومترجم من سورية

العربي الجديد

———————————–

شذرات مانغاليش دبرال

من أكبر المفاجآت في حياتي أنني تمكّنتُ من كتابة الشعر، وأنني قادرٌ على أن أطلق على نفسي لقبَ الشّاعر. تدهِشُني حتى اليوم حقيقة أنني أكتبُ الشّعر. يمازحُني والدي قائلاً: “لقد أحسنتَ بكتابةِ الشّعرِ والاهتمام بالأدب، فلولا هذا لما نجحتَ في شيء”.

■ ■ ■

عندما وصلت إلى دلهي، بعد بضع سنوات، شعرت فجأة بأنني قد نفيت من موسيقى الراجا. عشش بداخلي غياب الراجا، بينما كنت أنظر إلى الشجرة الأخيرة في قريتي تتلاشى وعبرت النهر الرفيع الذي يتدفق إلى آخر القرية. كما لو كانت هذه الراجا قد أبقتني على قيد الحياة وملأتني بصدى عميق لا يزال يتردد في قلبي حتى اليوم. ربما كان وطني يطفو على أعمدة من الراجا.

■ ■ ■

تميل قوى السوق العالمية إلى محو الذاكرة. ينسى الناس غالباً نوعية الهاتف المحمول أو نوع الكمبيوتر الذي كانوا يستخدمونه قبل عامين، أو الملابس التي اشتروها العام الماضي. يُمحى التاريخ أيضاً من خلال التكنولوجيا إلى جانب الذاكرة، ولا شيء يقدر على مواجهة كلِّ هذا سوى اللغة والأدب.

■ ■ ■

الطفولة هي الغذاءُ الحقيقي لأي رحلة شعرية. قال أحد المخرجين العظام من البنغال، المخرج ريتويك جاتاك، إننا لا بد أن نبقي قطعة من طفولتنا في جيوبنا، لنحافظ على بشريّتنا في ما تبقى لنا من حياة. أذهبُ إلى مسقط رأسي وطفولتي، مرّةً في السنة، ولكنّني أشعر دائماً بالفرق بين زيارة موطنك والعودة إليه حقاً.

■ ■ ■

هربتُ من الجبال مثلُ حجرٍ أو حصاةٍ، وتوقّفتُ في المدن كلما وجدتُ مُستَقَرّاً أستريحُ فيه. شعرتُ في فترة ما أنني فشلتُ في الانتماء إلى أي مكان. لم أتصالح يوماً مع مدينة كبيرة مثل دلهي، ولم أتمكّن أيضاً من الحفاظ على هويّة مسقط رأسي. كان وضعي أشبه بوضع اللاجئ، كما لو كنتُ شخصاً مشرّداً غير قابل للاستقرار.

■ ■ ■

ينبغي على المرء أن يهتم بالسياسة، سواء ككاتب أو كمواطن أو كإنسان، فلا أخطرَ على البلاد من ترك مصيرها في أيدي السياسيين.

■ ■ ■

الطبقات الحاكمة سلّمتْ البلاد للمافيا والطوائف والعقائد الدينية والبلطجية والقادة الدينيين. صحيح أن المجتمع يتضمّن دائماً كل أنواع القوى الهدّامة، ولكن مهمة الديمقراطيات تثبيط هذه القوى ووأدها في مهدها. أمّا المؤسف حقاً فهو أن سياسيينا قد تركوا المجتمع يَستَبْطِنُ كلَّ هذا العنف والطائفية والجنون والهذيان.

■ ■ ■

لقد تحوّلَ نصفُ العالم تقريباً إلى ساحة معركةٍ قذرةٍ وإلى مخيّم للاجئين. كانت العولمة، التي تكاد تكون اسماً آخر للأمركة، نزعةً غير إنسانيةٍ على الإطلاق، حيث حاولتْ تقديمَ نفسِها على أنها الحلُّ الفكريُّ الوحيدُ المتاح، والفلسفةُ الوحيدةُ في عصرنا.

■ ■ ■

لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار أن عصر الرأسماليّة “الكلاسيكيّة” والشيوعيّة “الكلاسيكيّة” قد انتهى، وأن “العدو الطبقي” لم يعد يتمتّع بذلك الشكل القديم نفسه، بل انصهرت جميع تلك الكتل المصمتة في بوتقةِ أشكالٍ رأسماليةٍ جديدةٍ مختلفةٍ ومتنوعة.

■ ■ ■

استمدّ شعري قوّته أحياناً من التجارب المتشائمة التي صادفتُها في مجتمعٍ يَغُصُّ بانعدام المساواة والظلم والظروف غير الإنسانية. أردتُ أن أعكس الزمن المعاصر وأن أتجاوزه أيضاً لخلق عالمٍ أفضل وأكثر إنسانيّةً، عالمٍ مضادّ قد يكون أكثر قابليّة للعيش فيه.

■ ■ ■

الذاكرة ليست عبارةً عن حنين عميق وحسب؛ إذ يعني الحنين إلى الماضي التوق إلى الأشياء التي لم تعد موجودة، أمّا الذاكرة فتعيش داخل الإنسان وليست شيئاً من الماضي. تعيش الذاكرة في الزمن الحاضر، وتُمثّل المصدرَ الأهم للخيال والشعر. لا وجود للخيال الذي يُعدّ جوهر الشعر بدون ذاكرة.

 * ترجمة: عماد الأحمد

العربي الجديد

———————————

كإغماءة في النّهار/ مانغاليش دبرال

أدلّةُ الطاغية

هناكَ العديدُ من الأدلّة على براءةِ الطاغية

أظافرُه أو أسنانُه ليستْ طويلة

ولا تَحمَرُّ عيناهُ

بل يبتسمُ دائماً

وفي كثيرٍ من الأحيان يدعوكَ إلى منزلِهِ

ويمدُّ يدَهُ الناعمة نحوَك

يُصدَمُ الطاغية دائماً بأنَّ الناس يخافونه

في منزلِ الطاغية سيوفٌ قديمةٌ وبنادق

معروضةٌ هناك للديكور وحسب

وسراديبُ الموتى لديه مكانٌ جميلٌ

تطفو هناك بالقربِ من الأعمالِ الفنيّةِ الشهيرة

على خلفيةٍ موسيقيّةٍ رائعةٍ

وسطَ ذلك الأمان الذي لن تشعر فيه في أي مكان آخر

يحظى الطاغية بشعبيةٍ كبيرةٍ اليوم

وما يزالُ الكثيرُ من الموتى اليوم يزورونَ منزِلَهُ.

(1992)

■ ■ ■

يومٌ في دِلْهِي

في تلكَ المدينةِ الصغيرةِ ذاتَ صباح

أو في المساءِ أو في يومِ عطلة

رأيتُ جذورَ الأشجارِ

تتشبّثُ بالأرضِ بإحكامٍ

هبّتِ الرّياحُ

وكان يطفو في حركتِها تلكَ لُغزٌ ما

في الشارعِ الفارغ

يمكنُ هناكَ أن يظهرَ شخصٌ ما فجأةً

أو يمكن أن تسمَعَ صوتَ أحدِ الأصدقاء

وفي مدّةٍ قصيرةٍ

وصَلت إلى هذهِ المدينةِ الصغيرةِ

مدينةٌ كبيرةٌ مليئةٌ بالضوضاء والسُّخامِ والعَرَقِ والجَشَع.

(1994)

■ ■ ■

الشِّعْر

يأتي الشِّعرُ كإغماءة في النّهار

وكالنّومِ في اللّيل

ويَسأَلُكَ في الصّباح:

هل تناولتَ عشاءَك؟

(1978)

■ ■ ■

كان عليَّ الذّهابَ إلى مكانٍ ما

كان عليَّ الذهابَ إلى مكانٍ ما، ولم أفعلْ

كان عليَّ فِعلُ شيءٍ ما، ولم أفعلْ

الشّخصُ الذي انتظرتُهُ لم يَصِلْ

كان عليَّ أن أغنّي أُغنيةً مُبهِجَةً، ولم أستطعْ

كلّ هذا لم يحدثْ، لذلك كان عليَّ أن أغُطَّ في نومٍ عميقٍ، ولم أفعلْ

من المريحِ أن نعتقدَ

أنّ هذا المكان الذي كانَ عليَّ الذهابَ إليه

غيرُ موجودٍ، ولا هذا العمل

ولا الانتظارُ موجودٌ،

ولا الأغنية ولا حتّى الّنوم موجود.

(1997)

* ترجمَ القصائدَ إلى الإنكليزية عن الأصل الهندي مناش فراق بتاشارجي، وترجمها إلى العربية عماد الأحمد

العربي الجديد

—————————–

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى