الناس

استقواء إعلامي على أطفال وطفلات في مخيم الهول/ لمى قنوت

يشير تقرير موفدة قناة “العربية” رولا الخطيب، عن بعض أطفال وطفلات مخيم الهول، والمنشور في تاريخ 20 آذار/ مارس 2021[1]، إلى نمط إعلامي غير مسؤول، حيث استدرجت أطفالًا، ذكورًا وإناثًا، محتجزين داخل المخيم، وخاطبتهم بصوت حاد عدائي متعالٍ، تظهر سلطويته وامتيازاته أمام وضعهم الهشّ، بهدف دفعهم إلى الحوار معها، وسجلت الخطيب “سكوبًا” إعلاميًا، عنون بـ (أطفال داعش يستقبلون موفدة العربية بـ “أنتِ كافرة”)، متجاهلة أهمية حصولها على موافقة مستنيرة من ذويهم، قبل تصويرهم وتوجيه الأسئلة لهم، واستشارتهم أو استشارة أقرب الأشخاص إليهم، لتقدير أثر التقرير الصحفي وتبعاته السياسية والاجتماعية والثقافية[2]، والحصول على إذن من الطفل نفسه، عندما يكون ذلك ممكنًا[3]، من دون إكراه بأي شكل من الأشكال، أما النساء اللواتي ظهرن في الشريط المذكور، فقد رفضن الحديث معها، ومن الواضح أن بعض الأطفال لديهم تعليمات صارمة بعدم الحوار معها، لولا استدراجها لهم واستفزاز مجموعة ممن يبدو أنهم دون العاشرة، حتى سمعت أحدهم يقول لها إنك “كافرة”، فاستمرت بملاحقتهم وسؤالهم بشكل متواتر: “لماذا أنا كافرة؟”، وتدرجت أسباب رفضهم، تارة بسبب ظنّ أحدهم أنها تريد قتل الأخوات (النساء في المخيم)، واعتقاده بأن “المايكروفون” الذي تستخدمه هو مسدس، فتخلت عنه، لكنها استمرت في طرح أسئلتها بنبرة حادة، إلى أن سألت سؤالًا إيحائيًا “leading question”: “عندما ستكبر، ماذا ستفعل بي، وأنا لا أرتدي الحجاب؟”؛ فأجابها أحدهم بأنه سيقتلها، وينتهي الشريط المصور بأن يقوم بعض الأطفال برمي حجارة نحوها.

وفي تقرير آخر للخطيب، تم بثه في الفترة الزمنية نفسها، في 19 آذار/ مارس 2021[4]، “حاورت” فيه طفلًا مقيمًا، أو كان مقيمًا، في المخيم، وصفه التقرير بـ “أحد أطفال الدواعش”، وحاولت خلاله أيضًا انتزاع تفاصيل أكثر تتعلق بما رواه الطفل حول معلومات، أخبره بها أحد أطفال المخيم، بأن نساءً وأطفالًا بعمر السادسة عشرة تقريبًا، يذهبن إلى خيمة لفعل “أشياء مو زينة” (حسب تعبير الطفل)، وحين تكتشف الأمر بعض النسوة في المخيم يقمن بضربهم، لكن قناة (الحدث) عنونت هذا التسجيل المصور بـ “المهاجرات في #مخيم-الهول يتزوجن الأطفال لدى بلوغهم بهدف الإنجاب، لأن “الدولة باقية وتتمدد””، وبعد الجدل الذي أثارته التقارير[5]، أوضحت الخطيب أن دافعها كان تسليط الضوء على قضية الأطفال والطفلات في المخيم، وأن نقد هذا العمل هو دليل على محدودية فكر الناقدين واستيعابهم، نساءً ورجالًا[6].

ضحايا العنف والوصم

يندرج التقريران، بحسب إرشادات (يونيسيف) المتعلقة بصحافة حقوق الطفل، بأنهما نمط من العنف الثقافي الذي ينقله ويكرّسه الإعلام، كخطاب تحريضي وصورة نمطية وحكم مسبق[7]، لكونهما خالفا جميع المبادئ الأخلاقية المتبعة في التقارير الإعلامية حول الأطفال، ذكورًا وإناثًا، التي يجب عليها حماية مصالحهم الفضلى وإعطائها الأولية، وبضمنها اعتبارات كسب الدعم والتأييد لقضاياهم وتعزيز حقوقهم، والامتناع عن نشر ما يمكن أن يعرّض الطفل أو أشقاءه أو أقرانه للخطر، حتى لو تم طمس وجهه في التقرير[8]. لقد ساهم التقريران في تجذير الوصم الاجتماعي للأطفال، ولم توفر سياقًا واضحًا لقصصهم، وأشكال العنف والانتهاكات التي تعرضوا لها، أطفالًا وطفلات، في سياق النزاع المسلح، وبضمنها جرائم وانتهاكات العنف الجنسي والجنساني التي تعرضت لها بعض الطفلات والفتيات، والتزويج القسري والاستغلال، إضافة إلى ما عاناه الأطفال، إناثًا وذكورًا، الذين تُركوا بدون وصي، من سوء تغذية وعدم القدرة في الحصول على الرعاية الصحية والأدوية[9]. أما مسألة حرمانهم لسنوات من التعليم، وتشويه معارف من خضع منهم لفصائل متطرفة أو/ وإرهابية، فهم بحاجة إلى خطة تعليم متسارع يركز على حقوق الإنسان، والتفكير النقدي، والمواطنة، والمساواة بين الجنسين.. إلخ. 

الاحتجاز التعسفي في مخيم الهول

مخيم الهول في محافظة الحسكة يُحتجز فيه عشرات آلاف الأشخاص بصورة غير قانونية، وقد وصفته لجنة التحقيق الدولية بأنه “تحوّل من مخيم إلى معسكر اعتقال”[10]، ووصل عدد المحتجزين والمحتجزات فيه بنهاية شهر آذار/ مارس 2019 إلى حوالي 73 ألف شخص، نسبة النساء والأطفال منهم 92 %، وحسب اللجنة، كان يمكن تفادي موت ما لا يقل عن 390 شخصًا، بسبب سوء التغذية أو الجفاف أو الالتهاب الرئوي، الذي أثر، بشكل رئيسي، على الأولاد والبنات من دون سن الخامسة عشرة، في أثناء نقلهم للمخيم أو بعد وصولهم إليه[11]، وتفاقم الافتقار إلى الأدوية والرعاية الصحية الأوضاع المعيشية السيئة في المخيم، فعلى سبيل المثال، تفشت “الدوسنطاريا” والأمراض المعدية والأمراض الجلدية، بعد أن غمرت مياه الأمطار المخيم، ما عقد الآثار الطويلة الأجل والمتعلقة بسوء التغذية للمحتجزين والمحتجزات فيه[12].

تعدّ الفجوة التعليمية واسعة، مقارنة بالاحتياجات، فمثلًا، في الفترة المشمولة بين 31/3 و 17/4 /2019، قُدّر عدد الأطفال، ذكورًا وإناثًا، في سنّ المدرسة داخل المخيم بنحو 26.000 طفل، معظمهم لم يلتحقوا بالمدارس الرسمية مدة خمس سنوات على الأقل، منهم 4000 طفل يستطيع الوصول إلى المدرسة آنذاك[13]، وتتمثل التحديات بعوامل عدّة، منها ضعف التمويل وقيوده وخاصة بعد جائحة كورونا، والتباين في احتياجات التعلم.

يبلغ حاليًا عدد الأطفال، إناثًا وذكورًا، في المخيم ما يقرب 40 ألف طفل سوري وأجنبي[14]، وقتل منذ بداية العام الحالي 40 شابًا وطفلين، نتيجة أعمال عنف داخل المخيم، منهم صبيّ عمره 15 عامًا وآخر عمره 16 عامًا، قُتلا بالرصاص، في آذار/ مارس الماضي، كما أفادت (يونيسيف)[15].

إن الاكتفاء بالحلول الأمنية[16] في المخيم، من دون معالجة قانونية شاملة ومستدامة لمسألة المحتجزين فيه، نساءً ورجالًا وأطفالًا وطفلات، وباقي المخيمات، تتضمن تدابير وقائية ومنهجية لمعالجة دوافع التطرف العنيف وجذوره، ستكثف المظالم وتؤدي إلى انتهاكات جديدة، فقد أشارت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سورية، في 15 أيلول/ سبتمبر 2020، إلى أن الاحتجاز التعسفي الطويل الأمد لأفراد وأسر “يُدّعى أنهم مرتبطون بداعش”[17]، في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، يرقى إلى مستوى حرمان المدنيين من الحرية في ظروف غير إنسانية.

ويُعدّ امتناع الدول عن استعادة مواطنيها، أفرادًا وأسرًا، المحتجزين في المخيمات، انتهاكًا لالتزاماتها الدولية وفشلًا أخلاقيًا عميقًا[18]. وإن حماية الأطفال، ذكورًا وإناثًا، في المخيمات، بوصفهم ضحايا لا جناة، وإطلاق مبادرات وسياسات تلتزم بمبدأ مصالحهم الفضلى وتعافيهم النفسي والبدني، وإعادتهم إلى التعليم، ودمجهم في مجتمعاتهم، وإنهاء حالات انعدام الجنسية، هي السبيل الأمثل لمجتمع ومستقبل معافى.

[1] -“أطفال داعش يستقبلون موفدة “العربية” بـ “أنتِ كافرة”، العربية، YouTube ، 20/3/2021، شوهد في 27/3/2021، في: https://bit.ly/3tZYGQe

[2] – “المهارات الإعلامية وأخلاقيات صحافة حقوق الطفل”، منظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونيسف) في سورية بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت، 2016، شوهد في 12/4/2021، في:

[3] – المصدر السابق، صفحة 28.

[4] – “مهاجرات يتزوجن الأطفال (كي تبقى داعش)”، قناة الحدث، 19/3/2021، شوهد في 11/4/2021، في: https://bit.ly/3uBiF7S

[5] – “”العربية” تدخل مخيم “الهول” وتثير جدلًا واسعًا (شاهد)”، عربي 21، 21/3/2021، شوهد في 28/3/2021، في: https://bit.ly/3dhvJbP

[6] – “رولا الخطيب- موفدة الحدث عن مخيم الهول: سعيدة بالضجة والصدمة التي فعلها تقريري”، YOUTUBE، 21/3/2021، شوهد في 15/4/2021، في: https://bit.ly/3acVtFf

[7] – “المهارات الإعلامية وأخلاقيات صحافة حقوق الطفل”، مصدر سابق، صفحة 18.

[8] – المصدر السابق، صفحة 27.

[9] – ” لقد محوا أحلام أطفالي: حقوق الأطفال في الجمهورية العربية السورية”، الأمم المتحدة – مجلس حقوق الإنسان، CRP.6 A/HRC/46/، 13 كانون الثاني 2020، شوهد في 12/4/2021، في: https://bit.ly/3wM1B0V

[10] – “تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية”، A/HRC/46/54، 21/1/2021، صفحة 17- فقرة 67، شوهد في 28/3/2021، في: https://bit.ly/37RqIoh

[11] – “”تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية”، A/HRC/42/51، 15 آب 2019، صفحة 21 – فقرة 83، شوهد في 5/4/2021/، في: https://bit.ly/3fHj7gI

[12] – المصدر السابق، صفحة 22.

[13] – “الجمهورية العربية السورية: الاستجابة الإنسانية في مخيم الهول – تقرير الحالة رقم 2″، مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) في سورية، صفحة 7، شوهد في 10/9/2021، في: https://bit.ly/2PPhMtG

[14] – “يتواجد في مخيم الهول والمناطق المحيطة في شمال شرق سورية أكثر من 22 ألف طفل أجنبي من 60 جنسية على الأقل، يقيمون في الخيمات والسجون بالإضافة إلى الأطفال السوريين”. للمزيد: “حريق في مخيم الهول: الأمم المتحدة تدعو إلى وضع حلول طويلة الأمد لقاطني المخيم”، أخبار الأمم المتحدة، 28 شباط 2021، شوهد في 10/4/2021، في: https://bit.ly/39UIqs7

[15] – “مقتل طفلين في مخيم الهول”، يونيسيف، 24/3/2021، شوهد في 5/4/2021، في: https://uni.cf/3dvTMDQ

[16] – “بيان صادر عن القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي – شمال وشرق سوريا إلى الرأي العام”، الموقع الرسمي لقوى الأمن الداخلي – شمال وشرق سوريا، 21 آذار 2021، شوهد في 14/4/2021، في: https://bit.ly/2Q5ZKDD

[17] – ” لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا: لا أيادي نظيفة – خلف الجبهات الأمامية والعناوين الرئيسية…”، الأمم المتحدة – مجلس حقوق الإنسان، 15 أيلول 2020، شوهد في 6/4/2021، في: https://bit.ly/3dCP0V3

[18] – ‘Europe’s Guantanamo: The indefinite detention of European women and children in North East Syria’، Rights and Security International (RSI) ،25/11/2020 ، شوهد في 14/04/2021، في: https://bit.ly/2RBuywD

طباعة  

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى