سياسة

بعض النصائح لأصدقائي السوريين والسوريين الأميركيين/ فريدريك هوف

ترجمة أحمد عيشة

إن السوريين والأميركيين السوريين يعربون عن مخاوف عميقة من أن الإدارة الجديدة للرئيس جوزيف بايدن، بخصوص سورية، لن تُظهر أكثر من استعادة السياسات الفاشلة المرتبطة بإدارة الرئيس باراك أوباما. سأكون مذعورًا، لو كانت هذه هي الحال، غير أني لا أظنّ أن الحالة هكذا. ولكن من الطبيعي أن تأمل إدارة بايدن بحماس، بدءًا بالرئيس نفسه، في أن يُترك انفجار سورية من حيث الجوهر للآخرين، لكي يتعاملوا معه؛ وأن تكتفي السياسة الأميركية بالبيانات العامة والمعونة الإنسانية وحدها.

والواقع أن أولئك الذين يقدّمون المشورة لنهج السياسة الأميركية في التعامل مع سورية، بالتركيز على النهج الأساسي: التحوّل السياسي (وإن كان أقل كثيرًا من تغيير النظام العنيف)، لا بدّ أن يأخذوا في الحسبان الأولويات التي أعلنها الرئيس بايدن. وهي تعكس جدول أعمال (أجندة) طموحًا للغاية.

يهدف بايدن إلى استعادة القدرة على إنقاذ قدرة الديمقراطية الأميركية، وضمان الازدهار المحلي، وإحياء الحياة المدنية، وحماية الشعب الأميركي وحلفائه من الخصوم الاستبداديين في مختلف أنحاء العالم. إن التغلّب على هذا الوباء [كوفيد 19]، ودفع عجلة الاقتصاد، وتجديد البنية الأساسية الحيوية، وحماية حقوق التصويت، واستعادة التحالفات والشراكات، هذه هي الأولويات. وتتصدر الهند والمحيط الهادئ وأوروبا ونصف الكرة الغربي القائمة في التركيز الجغرافي للسياسة الخارجية.

يتعين على السوريين، والسوريين الأميركيين، وأولئك الذين يريدون الدعم الأميركي الفعال للتحول السياسي في سورية أن يدركوا أولًا أولويات إدارة بايدن في أثناء صياغة التوصيات السياسية المتصلة بسورية، وتقديم المشورة إلى الإدارة والكونغرس؛ فالتوصيات والمشورة التي لا ترتبط بهذه الأولويات لن تلقى قبولًا حسنًا. 

قد يكون من الواضح لأولئك الذين وقعوا في معمعة الكفاح السوري، طوال عقد من الزمان، أن خصوم الولايات المتحدة استخدموا الصراع هناك لإلحاق الضرر بالسمعة الأميركية، على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ وجعلوا سورية مُصدّرًا لرعب البشرية، ومستوردًا للإرهاب الإيراني وغيره من أشكال الإرهاب، وكلها تنتقل عبر الحدود الوطنية. ولكن أولئك الذين ركزوا الوقت كله على سورية لا ينبغي لهم أن يفترضوا أن ما يرونه وما يقتنعون به، يراه الآخرون.

ويتعين على أولئك الذين يشيرون بجزع إلى نظام بشار الأسد وعناصر تمكينه المستمرة في استخدام سورية، كمرحلة لزرع العجز الأميركي في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، أن يأخذوا في الحسبان احتمال أن الرئيس بايدن لا يرى الأمر على هذا النحو؛ وأنه قد يعتقد أن سورية لا تربطها صلة على الإطلاق بأولوياته السياسية الجديرة بالثناء والمرهقة. قد يعتقد، كما قد يفعل بعض كبار مسؤوليه، أن مصالح الأمن القومي الأميركي غير مأخوذة بالدمار الذاتي الكارثي الذي تشهده سورية؛ وأن الحلفاء والشركاء الأميركيين الذين يعيشون على مقربة من الانهيار السُميّ يجب أن يدافعوا عن أنفسهم.

ولا يقصد بأي من هذا أن يوحي باليقين بخصوص ما ستقرره إدارة بايدن في النهاية بصدد سورية. ولعل الرئيس بايدن وأعضاء رئيسين في فريقه لن يسمحوا بأن تمرّ عمليات القتل الجماعي للمدنيين في سورية، بلا ردع ومن دون عقاب. ولعل الإدارة المنظمة تنظيمًا جيدًا، التي تضم شخصية بارزة مؤهلة جيدًا بصدد سورية، سوف تثبت قدرتها على الاهتمام بالأولويات العليا للرئيس، في حين تعمل على تنفيذ استراتيجية تهدف إلى تعظيم احتمالات التحوّل السياسي، في بلدٍ يقدّم فيه إرهاب الدولة مقومات الحياة للإرهاب الإسلامي المرتبط بكل من إيران والقاعدة. ولعل الإدارة الجديدة سوف تدرك، في نهاية المطاف، من دون الاستفادة من الفشل الخطير في السياسة الخارجية، وجود صلة مهمة بين ما يحدث في سورية وتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

ولكن احتمال التنازل الأميركي في سورية لا يمكن صرف النظر عنه واستبعاده. ومن عجيب المفارقات أن الأمر قد يكون نتيجة النية الحسنة لرئيسٍ يحاول أن يعرض هذا النوع من التركيز المنضبط الذي يراه كثيرون على أنه جدير بالإعجاب.

هناك خطرٌ حقيقي في أن ينجح في نهاية المطاف أولئك الذين يدعون -في الداخل والخارج- إلى التطبيع مع نظام الأسد، وفكّ عرقلة المساعدات المقدّمة لإعادة الإعمار، لصالح نظام اللصوصية والزعران (الكليبتوقراطي). قد يعتقد البعض أن الاعتراف بالهزيمة في سورية قد يكون مجرد أمرٍ لإقناع طهران باتخاذ خطوات جوهرية نحو استعادة الاتفاق النووي. ويجوز للبعض الآخر أن يستعين بمساعدات إنسانية فقط، وأن يستشهد بتصريحات تدين القتل الجماعي -إلى جانب المطالب الخطابية بالمساءلة- بكونها كافية للتحقق من صندوق السياسة العامة ومأزقها بصدد سورية.

والواقع أن السوريين والأميركيين السوريين يعبّرون على نحو متزايد عن مخاوفهم من تمسك ولاية الرئيس أوباما الثالثة بالفعل بسياستها تجاه سورية. أنا لا أعرف. بالتأكيد لن يكون هناك تصرف استعراضي علني وعام يوجه دكتاتور للتنحي أو يرسم خطوط حمراء قابلة للانتهاك. إن اتخاذ قرار بالرد الخطابي فقط على المذابح بحق المدنيين في سورية قد يدفع المسؤولين في هذه الإدارة إلى تجنب استخدام عبارة “لن تتكرر أبدًا” المتعلقة بالمحرقة (الهولوكوست).

ولكن، حتى لو اتضح أن السلبية هي السياسة المختارة، فإن نظام الأسد وداعميه قد يعضّون الولايات المتحدة وحلفائها وشركاءها في نهاية المطاف، بما يكفي من القسوة، للحصول على مزيد من التفويض من الغرب، بدلًا من الإسعافات والمحادثات. ولكن في غضون ذلك، فإن أولئك الذين يقدمون المشورة المتعلقة بسورية، إلى رئيس وإدارة يفضلون أن يكون التركيز في أماكن أخرى، من الأفضل أن يتواضعوا في توصياتهم ويضبطوا أنفسهم في توقعاتهم.

وإذا كانت هناك خطط كبرى غير اعتيادية في العمل الذي يتطلب أكبر قدر من الجهد أو الموارد أو الاعتبار على المستوى الأميركي، لتحويل سورية من تهديد للسلام إلى نموذج للحكم الشرعي الشامل، فإن الوقت الآن ليس مناسبًا لعرضه. ومن المؤكد أن مثل هذه المقترحات سوف يستخدمها المدافعون عن السلبية والتنازل، في السخرية من “الغرباء” الذين “لا يفهمون ذلك”. وإذا قررت الإدارة، فبوسعها أن تزيفها بأمان بخصوص سورية، فسوف تتعلم قريبًا ما أصبح واضحًا في إدارة أوباما: من الممكن أن يكون التقاعس في حد ذاته طائشًا ومزعزعًا للاستقرار وخطيرًا؛ ويمكن أن يؤدي إلى عواقب قاتلة غير مقصودة بالسهولة التي يمكن بها اتخاذ إجراءات غير مدروسة.

يعرف الرئيس بايدن أن هذا صحيح. لقد مرَّ بذلك حين كان نائبًا للرئيس أوباما. ومن الناحية المثالية، سوف يأذن بجهد متواضع الموارد للعمل بشكل فعال في سورية، في حين يبقي عينيه على الجائزة: تأسيس الديمقراطية، باعتبارها نظام التحول العالمي المنشود. ومن الناحية المثالية، سيصدر توجيهاته بأن تكون سورية منبرًا لإعادة إحياء التحالفات والشراكات الرئيسة. إن السماح لها بأن تظل مسرحًا تتبختر عليه إيران وروسيا والأسد، في دراما تبرز عجز أميركا وعدم أهميتها، لن يكون متسقًا مع ما يسعى الرئيس الأميركي الجديد إلى تحقيقه على المستوى الدولي. وسوف تستخلص الصين وروسيا وإيران وغيرها استنتاجات من سورية، بخصوص عزيمة أميركا، بصرف النظر عن رغبة واشنطن في المشاركة. وقد فعلوا ذلك منذ عقد من الزمن. لا شيء سيتغير. وليس هناك ببساطة أي مفرٍّ من أنك أنت الولايات المتحدة.

لا يستطيع الرئيس بايدن فعل كل شيء. ولا يجب أن يحاول. ولكن ما يحدث في سورية لن يبقى هناك. لم يحدث أن بقي، ولن يحدث أبدًا. ومع ذلك فإن المناصرين لسياسة أميركية في سورية، تركّز على التحول السياسي، لا بد أن يكونوا حساسين في مناصرتهم لأولويات السياسة التي تتبناها إدارة تريد أن يشكل نجاحها أهمية حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعالم. ومن الضروري ربط تلك الدعوة بتلك الأولويات. العلاقة واضحة هناك. إن بناءها هو ثمن الاعتراف من أجل التقدير الجاد.

اسم المقال الأصلي         Some advice to my Syrian and Syrian-American friends

الكاتب   فريدريك هوف، Frederic C. Hof

مكان النشر وتاريخه         المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 30 آذار/ مارس 2021

رابط المقال         https://bit.ly/31Pu9s0

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى