سياسة

بشار بين نصرالله والسفيرة الأمريكية/ عمر قدور

أسوة بغير المعنيين مباشرة بهذه الأخبار، لم يُنقل عن بشار الأسد أي رد فعل أو تعليق على الجدل الحاصل بين حسن نصرالله والسفيرة الأمريكية في بيروت، والذي استهله “كالمعتاد” الأولُ منهما في خطابه يوم الخميس الفائت في ذكرى عاشوراء. كان نصرالله قبل ذلك، في حديث له أمام المجلس المركزي لإحياء أيام عاشوراء، قد كشف عن اتصاله ببشار طالباً منه تأمين كمية من المازوت، فاعتذر منه بسبب الأوضاع الصعبة المماثلة على صعيد فقدان المازوت. مضيفاً أنه تلقى رسالة ضمنية من سوريا، يُفهم أنها، خلال الاتصال ذاته، تطلب المساعدة في منع التهريب، لأنه يضر بالخطة الاقتصادية وبرنامجها الإصلاحي في سوريا!

السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا اتصلت بالرئيس عون يوم الخميس، بعد كلمة نصرالله بوقت وجيز، لتعرض عليه المساعدة للحصول على الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا باستخدام الغاز المصري، وأيضاً تسهيل نقل الغاز المصري إلى شمال لبنان عبر الأردن وسوريا. المسار الأول منهما يعني توليد الكهرباء في محطات أردنية، ثم نقلها إلى لبنان عبر شبكة الربط الموجودة أصلاً بهدف تبادل فائض الكهرباء بين دول المنطقة، بينما يعني المسار الثاني نقل الغاز المصري إلى محطات توليد لبنانية. بحسب بيان الرئاسة اللبنانية، أشارت السفير شيا إلى أن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري، وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها، والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز.

العرض المقدَّم عبر السفيرة، حسب حديث لاحق لها إلى قناة “العربية”، هو تتويج لمحادثات استغرقت أسابيع مع الحكومتين المصرية والأردنية ومع البنك الدولي. السفيرة لم تُشر إلى محادثات مماثلة مع الأسد، رغم أن الغاز المصري في الحالتين سيمر من الأراضي الواقعة تحت سيطرته. أكثر من ذلك، يُتوقع أن يكون الجزء المتضرر الأساسي من البنية التحتية ضمن الأراضي السورية، من شبكات الربط ومن الأنابيب، وإصلاحها لا بد أن يكون بإشراف الأسد الذي يُرجَّح ألا يقبل بمهمة الإشراف فقط. ومن المستغرب حقاً أن تكون الإدارة الأمريكية وصلت إلى تقديم هذا العرض ما لم تكن قد نالت موافقة الأسد، مباشرة أو عبر جهة ثالثة، بل يُفترض أن تكون الموافقة تجاوزت التعهدات الأولى إلى البحث في التفاصيل التنفيذية.

وكالة الأنباء “الرسمية السورية” سانا كانت قد نقلت باستفاضة خطاب نصرالله في يوم عاشوراء، واحتفاله بـ”هزيمة” أمريكا وعملائها في أفغانستان، ومطالبته لها بانسحاب مماثل من سوريا. أما خطابه الأخير قبل يومين فلم يحظَ باهتمام وكالة الأنباء الرسمية، ولو حظي به لفُهم من ذلك أن نصرالله تولى الرد على السفيرة نيابة “أو أصالة” عن بشار. ففي خطاب نصرالله شرح وافٍ لعرض السفيرة، ولمغزاه لجهة وجوب التحدث إلى “الدولة السورية” التي ستطالب بالاستفادة من العرض أيضاً. لقد أشار حتى إلى الأنابيب المخربة ضمن الأراضي السورية، وإلى كسر قانون قيصر بهذا العرض، وما يستوجبه من مفاوضات بين السلطات اللبنانية ونظيرتها في سوريا، وصولاً إلى ما يستنتجه من أن كسر الحصار على لبنان يعني كسر الحصار على سوريا.

جرت العادة أن يحتفي إعلام الأسد بما هو أقل من ذلك، ليقول أن صموده تكفل بهزم المخططات الأمريكية أو المؤامرة الكونية، وأن أصحاب المؤامرة الكونية لا بد أن يعودوا في النهاية للتعاطي معه. وهذه كما هو واضح أول فرصة لفتح قناة تواصل لها قابلية الاستمرار مع واشنطن راعية الفكرة، ومع الأردن ولبنان ومصر من خلال القنوات الرسمية العلنية، ولا يُستبعد أن يكون التطبيع مع هذه الحكومات مدخلاً لتطبيع أوسع يسعى إليه بعض الأنظمة وتكبحه حتى الآن واشنطن.

من المحتمل أن تكون واشنطن قد تباحثت واتفقت مع موسكو في هذا الشأن، أي أن الأخيرة تعهدت بتمرير الغاز والكهرباء إلى لبنان، لكن لا بد أنها طالبت بثمن ما لقاء موافقتها، والجانب المعنوي من الثمن سيذهب إلى موسكو، أما الجانب المادي المتعلق بالاستثناء من عقوبات قيصر وربما بالحصول على جزء من الكهرباء فسيذهب إلى الأسد وهو بأمس الحاجة إلى المساعدة. أيضاً لم يصدر تعليق رسمي عن موسكو، مع أن وجودها كشريك في تسيير الصفقة يدعم حضورها الإقليمي، وعدم تأكيد أو نفي ما قالته السفيرة يصب في الاحتمال الأول أكثر من الثاني، وربما يصح تفسير الصمت الروسي بعدم إنجاز كافة تفاصيل الصفقة حتى الآن، تحديداً ما يتعلق منها بالحوافز التي ستقدمها واشنطن.

خلال أقل من أسبوع مضى، تحدث نصرالله مرة بلسان بشار، ومرة أخرى كأنما طالب السفيرة الأمريكية نيابة عنه بالتحدث إليه، بينما طرحت الأخيرة خطة حكومتها وكأنها ضامنة موافقة بشار عليها، أما مَن يُفترض أنه معني بالأمر فلم يصدر عنه رد فعل رسمي أو شبه رسمي. لا يتعلق هذا “فقط على الأقل” بما يُقال عادة عن فقدانه القرار السيادي، فهو في الحد الأدنى متحفز للاحتفال بما ينجزه له الحلفاء. وظهوره كأنه في موقع تجاذب بين نصرالله والسفيرة قد يشجع المتلهفين دائماً للحديث عن شقاق ما وراء الكواليس، فتكون اللوحة الحالية مصدر تكهنات عن خلاف روسي-إيراني أو تنافس بينهما على سوريا ولبنان.

يصادف في أثناء السجال أن يصرح رئيس وزراء الأردن بأن هناك تغييراً في الموقف الأمريكي، وأن التركيز الحالي يتمحور حول تغيير سلوك النظام السوري. الغريب أن أقوى إشارة أمريكية إلى التغيير لم تلقَ انتباهاً كافياً، ومجيئها من بوابة أزمة الكهرباء اللبنانية لا يبرر تغطية الأزمة عليها، خاصة مع تبرع نصرالله بمزيد من التوضيح. في الأصل لم تكن هناك أوهام حول موقف إدارة بايدن من القضية السورية، ولو وجدت لتبدد معظمها مع الانسحاب من أفغانستان والعراق. وغياب الأوهام ينبغي ألا يعفي من ملاحظة التغيير في الموقف الأمريكي، وإنْ تسلل عبر تفاصيل لا تتصل مباشرة بالاستحقاقات السورية الأساسية، لو وُجدتْ قوى سورية تفعل أكثر من الاستعداد للندب عندما يكتمل التغير الأمريكي الموعود. 

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى