الناس

الأسد مفترس الصحافة

لا غرابة على الإطلاق في أن يكون اسم الرئيس السوري بشار الأسد في صدارة لائحة “مفترسي حرية الصحافة” الصادرة عن منظمة “مراسلين بلا حدود” وهو مجرم الحرب الذي لم يكتف بقتل وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري خلال السنوات العشر الماضية، بل يمارس قمعاً ضد الحريات عموماً منذ العام 2000 عندما استلم الحكم في البلاد خلفاً لوالده حافظ الأسد الذي مارس بدوره نفس الدرجة من الدكتاتورية لثلاثة عقود كاملة.

والحال أن الأسد دائم الحضور في هذه اللائحة التي بدأت “مراسلون بلا حدود” بإصدراها قبل نحو عشرين عاماً، وإلى جانبه برزت أسماء متوقعة مثل المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فيما يجاوره فيها للمرة الأولى اليوم أسماء مثل الأمير السعودي محمد بن سلمان الشهير بقضية اغتيال الصحافي البارز جمال خاشقجي  ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في أول ظهور لقائد أوروبي على الإطلاق في اللائحة، بعدما حول بلاده إلى نموذج للقمع ضد حرية الصحافة تدريجياً منذ وصوله للسلطة العام 2010.

ومن أجل التنديد بإفلاتهم من العقاب، استعرضت المنظمة المرموقة المتخصصة في الدفاع عن حرية التعبير، سجل كل صياد من صيادي حرية الصحافة، “مسلطة الضوء على أبرز تقنياتهم في الهجوم والأسلحة التي يستخدمونها والأساليب التي يلجؤون إليها والأهداف المفضلة لديهم”، مع عرض الخطاب الرسمي المعتمد في تكميم وسائل الإعلام والمتأرجح بين التهديد والإنكار، مع “قائمة إنجازات شخصية” في مشوار القضاء على حرية الصحافة، فضلاً عن المرتبة التي تحتلها بلدانهم على جدول “التصنيف العالمي لحرية الصحافة” الذي تصدره المنظمة سنوياً.

وفي الفصل الذي عنونته المنظمة بـ”طريقة القمع: ديكتاتورية مجرمة ودموية”، جاء أن الأسد، وبعد توريثه للرئاسة السورية إثر وفاة أبيه، بذل كل ما في وسعه ليستحق لقب “مفترس حرية الصحافة”، وكانت أولى الوسائل القمعية التي وثقها التقرير هي التضييق على الأخبار الواردة من الوسائل المنضوية تحت إمرته.

وقبل انطلاقة الثورة، حظر النظام دخول الصحافيين الأجانب إلى البلاد، وفي الوقت نفسه فعّل نظام المراقبة الإلكترونية لتتبع واعتقال أي شخص يمارس أنشطة عبر شبكة الإنترنت، يرَى أنها تشكّل تهديداً لمصالحه، كما يمارس النظام أساليب إضافية لتكريس القمع عبر استعانته البلطجية من المدنيين لترهيب الصحافيين أو الناشطين وحتى المدنيين الذين يمتلكون أراء مختلفة.

وأوضحت المنظمة أن أكثر من 700 صحافي محترف وغير محترف قتلوا منذ بدء الحرب الأهلية في البلاد العام 2011، وذلك في حملات القمع الحكومية أو القصف أو نتيجة جرائم العنف التي ارتكبتها الجماعات المسلحة المختلفة الفاعلة في سوريا. ويبقى حوالي 100 صحافي ممن اعتقلوا أو اختطفوا في عداد المفقودين، وكان بعض الضحايا قرروا أن يصبحوا مراسلي فيديو لتغطية الانتهاكات التي تتستر عليها الحكومة، ولهذا اتهموا بدعم الإرهاب، فيما عمل آخرون كمرشدين للمراسلين الأجانب العاملين في الميدان، أو أصبحوا مراسلين لوسائل الإعلام الدولية.

وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثقت العام الماضي مقتل 551 صحافياً، بينهم سيدة و5 أجانب، على يد قوات النظام والميليشيات الحليفة له، فيما أودت الغارات الروسية بحياة 22 صحافياً منذ العام 2011.

واللافت هنا أن مسؤولين وإعلاميين موالين للنظام هاجموا تصنيف “مراسلون بلا حدود” على أنه محاولة لـ”شيطنة رئيس منتخب” وكرروا عبارات مثل أن “الغرب السفيه الفاجر” يحاول عبر المنظمات الدولية “إدارة الوعي واللاوعي لدى القطيع الحائر” في الدول الغربية! علماً أن النظام كان يتجاهل أي إشارة لمثل هذه التقارير التي تدين وتجرم رموزه، في السابق، لكن الإشارة إليها بات متكرراً على الشاشات الرسمية وفي منشورات إعلاميي النظام في مواقع التواصل.

والهدف من ذلك هو تعميم أفكار بأن الأسد مستهدف لشخصه والقول أن المؤامرة الكونية مستمرة، ويحيل ذلك إلى أفكار موازية تتطلب من السوريين الصمت والخضوع أمام الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي في البلاد. 

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى