سياسة

قواعد التصعيد الإسرائيلي في سوريا، و لماذا لا ترد طهران على استهداف قواعدها في سوريا؟ -مقالات مختارة-

قواعد التصعيد الإسرائيلي في سوريا!/ أكرم البني

يستغرب كثيرون سلبية وخنوع ما يسمى محور المقاومة والممانعة تجاه استمرار الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية ضد مرتكزاته العسكرية في سوريا، لكن ما يزيد الاستغراب أكثر، استمرار هذا الخنوع مع تغيير قواعد التصعيد وتوسيع نقاط الاستهداف لتشمل أماكن تبعد مئات الكيلومترات من الحدود، ومواقع مدنية، كمطاري دمشق وحلب، اللذين تعرضا، خلال الآونة الأخيرة، لقصف عنيف أخرجهما على التوالي من الخدمة، لبعض الوقت.

يصيب من يربط سبب تغيير قواعد التصعيد الإسرائيلي بتزايد النشاط العسكري الإيراني في سوريا، وبما أشيع عن بناء مصانع للصواريخ ونقل أسلحة وذخائر متطورة عبر مطاري دمشق وحلب، من بينها دفاعات جوية وطائرات مسيّرة، وتخزينها ضمن مستودعات في عدد من المدن السورية، خاصة أن حكومة تل أبيب دأبت على تسويغ ازدياد عملياتها العسكرية في سوريا بزيادة التحركات والتهديدات الإيرانية، وبهدف الحؤول دون تمكن طهران، والميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها، راهناً أو مستقبلاً، من تشكيل مركز قوة مؤثر في سوريا يمتلك قدرات مباشرة على تهديد أمنها من حدودها الشمالية، بما يعني عدم السماح لإيران بالتمدد أكثر في الأراضي السورية وتعزيز وجودها ونفوذها كما تحسين تموضعاتها العسكرية ومدّها بأسلحة نوعية تجعل سوريا جبهة مكملة للجبهة اللبنانية التي يديرها «حزب الله».

كما لا يخطئ من يربط التصعيد بالمفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وكأن تل أبيب تريد عبره ممارسة ضغوط أكثر وضوحاً على الإدارة الأميركية والدول الأوروبية من أجل التروي وأخذ مصالحها وتخوفاتها بعين الاعتبار، سواء لجهة التحسب من خداع طهران ومناوراتها، أو لجهة التشدد في انتزاع التنازلات منها، بحيث لا تقتصر على الاتفاق النووي، وإنما تمتد إلى الدور الإقليمي التوسعي وبرامج تطوير الصواريخ الباليستية.

كما لا يجانب الصواب من يزامن بين التصعيد وتطورات الحرب الروسية في أوكرانيا، وسعي إسرائيل لاستثمار حقيقة أن الروس المنشغلين بحربهم هناك لا يشعرون بالارتياح لمحاولة طهران تعزيز نفوذها العسكري في سوريا وملء الفراغ الناجم عن سحب جزء من قواتهم إلى أوكرانيا، بل يجاهرون برفضهم أي مسعى لإنشاء قواعد عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية.

ومن القناة نفسها، يصح النظر إلى جديد التصعيد من زاوية محاولة إسرائيل استثمار مخاوف الدول العربية من طموحات إيران التوسعية، بإعطاء انطباع قوي بأنها طرف يمكن الاعتماد عليه لإيجاد حلول لمشكلات المنطقة واستقرارها، وأنها مستعدة للتعاون في معالجة معضلة تزايد النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ولا يغير هذه الحقيقة أن تكون إسرائيل نفسها إلى جانب الولايات المتحدة، هما من مهدا الطريق لهذا النفوذ، أو سمحا به، سواء عبر الحرب على العراق وتفكيك دولته ومؤسساتها، أو بالتساهل مع تنامي قوة «حزب الله» في لبنان، وبغض نظرهما عن التدخل السافر لإيران وميليشياتها بسوريا.

طبعاً، لا نذيع سراً القول إن التصعيد الإسرائيلي في سوريا ما كان ليستمر لولا وجود تواطؤ مزمن بين تل أبيب والنظام السوري؛ حيث بات بحكم المؤكد أن إسرائيل، خلال السنوات العشر الماضية، لم تشجع إسقاط النظام، بل عملت ما بوسعها للإبقاء عليه، وفي المقابل يدرك حكام دمشق أهمية الغطاء الإسرائيلي لاستمرار وجودهم، فكيف الحال وهم المدركون، أيضاً، مدى تفوق تل أبيب أمام ضعفهم وما يعانونه من أزمات جراء إطلاق العنف والتدمير، ما يفسر إصرارهم على الاستمرار بتجميد جبهتهم وحرمان إيران وميليشياتها من مشروعية الرد من الأراضي السورية على إسرائيل، خاصة أن الأخيرة أرسلت إشارات متنوعة للنظام، بأنه غير معني بعملياتها العسكرية، وبأن ما تقوم به سيبقى، عموماً، ضربات ردعية، ووقائية، تستهدف، أساساً، شحنات أسلحة ومستودعات صواريخ إيرانية، وقواعد لميليشيات «الحرس الثوري» والجماعات التابعة له.

واستدراكاً، فإن ما يزيد الاستغراب استغراباً ألا ينعكس التصعيد العسكري الإسرائيلي بتصعيد إعلامي سوري كما جرت العادة، بل على العكس، بتراجع لافت عن شدة ما كان يتخذ من مواقف معلنة، فالنظام الذي طالما هدد وتوعد بالردّ على ما يعتبره عدواناً «طبعاً في الزمان والمكان المناسبين» استعاض عن ذلك، كما يتضح من بيان وزارة خارجيته، بمطالبة المجتمع الدولي بمحاسبة إسرائيل باعتبار الضربات الجوية على البنية التحتية المدنية جريمة حرب بموجب القانون الدولي… محملاً الصمت العربي والدولي المطبق مسؤولية السماح للعدو بمواصلة اعتداءاته التي لم تلقَ أي إدانة أو اعتراض حتى على استهداف المرافق المدنية للسوريين… ومشيراً إلى أن دمشق تحتفظ بكامل حقوقها في «مساءلة» سلطات إسرائيل وتحميلها كل المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية والمالية عن استهداف مطاري دمشق وحلب الدوليين بشكل متعمد، كذا!

أما الأكثر غرابة، فإن تغيير قواعد التصعيد العسكري الإسرائيلي، كماً ونوعاً، ضد الركائز الإيرانية في سوريا، لم يغير واقعة حرص الجانبين على بقاء الأمور تحت السيطرة وتجنب خيار الحرب؛ حيث اكتفت طهران بالمسارعة لتبديل أماكن تخزين أسلحتها وتحذير كوادرها من التجول والخروج من المواقع المحصنة!

والحال، مثلما تتحسب إسرائيل من نشوب الحرب، أن إيران على الرغم من حالة الإذلال التي يخلّفها إطلاق يد تل أبيب لتنال كما تشاء من مراكزها العسكرية وميليشياتها في سوريا، لا تحبذ بدورها خوض مغامرة الحرب، ربما لأن دوافع الطرفين تصطدم بحسابات التكلفة والثمن الذي قد يكون باهظاً على كلتيهما، وربما لأن طهران تدرك أنها الطرف الأضعف الذي أنهكته التدخلات الكثيرة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتتحسب من أن تفضح مناخات الحرب زيف شعاراتها وشدة أزماتها، ما يعجل من ردود فعل الإيرانيين المنكوبين ضد سياسة توسعية كلّفتهم الكثير، وربما أخيراً، بسبب وجود مصلحة موضوعية للطرفين في تجنب خيار المكاسرة والغلبة، تتعلق بحاجة إسرائيلية مضمرة لاستمرار حضور إيران وميليشياتها في المشهد، لشل حيوات المجتمعات اللبنانية والسورية والعراقية وتدمير فرص تقدمها، ولمحاصرة الأطراف العربية الأخرى وإشغالها، تقابلها حاجة مكشوفة لإيران وحلفائها في الاتكاء على بقاء التهديد الإسرائيلي في الإقليم، لخلط الأوراق وتسويغ الهروب من معالجة الأزمات، كما لتسويغ العنف والتسعير المذهبي والخطط التدخلية في شؤون المنطقة!

(الشرق الأوسط اللندنية)

———————————-

ما مصلحة إيران في إعادة تأهيل الأسد؟/ إبراهيم الجبين

بات المشروع الإيراني أكثر من واضح في البرامج والمراحل، خارج حدود إيران لا داخلها، ويقوم في جوهره على إعادة الدولة العربية في المناطق التي وصلت إليها أذرعه إلى مرحلة ما قبل الدولة، تفكيك المؤسسات، إحلال الميليشيات الطائفية، خلخلة البنى والأنساق الاجتماعية، وأخيراً وليس آخراً بناء جدار عزل ما بين مناطق نفوذها والحاضن العربي الذي يحيط بها.

مصلحة إيران في قطع الطريق على أيّ فرصة لإقامة تفاهم ما بين من باتوا في عداد أتباع خامنئي، والجهات المناقضة لهم والمتخاصمة معهم سياسياً، سواء كانت تلك الجهات محلية أو خارجية، فطهران تؤمن أنها الموكلة باتخاذ القرار الأول والأخير في شؤون المناطق الخاضعة لسيطرتها، وطبيعة مشروعها العدواني لا تتيح إمكانية الحلول الوسط، ولا تفويض الوكلاء حتى وإن كانوا من أشد المخلصين للولي الفقيه وحرسه الثوري.

هناك نظرية تقول إن إيران ومن أجل تذليل المشروع الروسي لإنعاش نظام بشار الأسد قد تضطر لكبح جماح حزب الله اللبناني، غير أن الاثنين الأسد وأمين عام حزب الله حسن نصرالله لا يملكان أيّ حرية في اتخاذ قرار ذاتي بمعزل عمّا يجري التخطيط له في طهران.

وإن كان نصرالله يعارض مد الجسور نحو الأسد، باعتباره عمل طيلة الفترة الماضية على قطع تلك الصلات مع العرب، لاسيما المملكة العربية السعودية، مهاجماً إياها كلما هدأت الأجواء، وكلما حصل تقارب يبشّر بعودة الدعم السعودي للبنان، فهو لا يفعل ذلك من عنده، إنما التزاماً تاماً بتعليمات الإيرانيين التي كلفته بالإشراف على حرب الحوثي ضد السعودية والإمارات واستهدافهما بالمسيّرات والصواريخ.

تستطيع إيران تطبيق مشروع تشيع ممول في بلد صغير كلبنان، لكنها لن تتمكن من فعل ذلك في بلدين بحجم سوريا والعراق

لا حاجة لضبط سلوك حزب الله الذي يجهد لصب الزيت على النار بتحويل سوريا إلى مزرعة حشيش وكبتاغون وإغراق المنطقة العربية والعالم بهما، فهو ينفذ الأجندة الإيرانية بحذافيرها. أجندة ستتكرّر في العراق، حيث تمنع إيران أيّ تمرّد شيعي عربي على سلطة قُم، ساحبة البساط من تحت النجف لتحولها إلى مزار عادي مثله مثل العشرات من المزارات التي أسستها في سوريا واليمن ولبنان، بعد أن كانت النجف مركز الشيعة في العالم وصاحبة السيادة والمرجعية العليا على المذهب وأتباعه.

الأمر ذاته تطبقه إيران على مستوى الحل السياسي في سوريا، فهي المسؤولة كل المسؤولية عن إقناع الأسد باللجوء إلى الحل الأمني الذي قاد إلى تدمير البلاد، لتقطع ليس فقط شعرة معاوية بل كل سبيل للتفاهم وطرق العودة عمّا تمّ ارتكابه في بلاد لا تعنيها إن كانت موحدة أم ممزقة، فالحدود السيادية للدول العربية بالنسبة إلى إيران مجرد خطوط رسمها الشيطان ولا قيمة لها ولا وزن يذكر. لا لأنها تؤمن بوحدة العالم الإسلامي بقدر ما هي تكفر بعالم عربي إلى جوارها يذكرها بهدم عرش كسرى وزوال فارس.

الصراع الإيراني – الروسي داخل سوريا لم يعد يدور على المصالح الاقتصادية والنفوذ داخل المؤسسات وحدها، تجاوز ذلك إلى أن أصبح اللعب على المكشوف. روسيا تريد أن يكون الأسد بديلاً من بدائل حضورها الإشكالي في العالم حالياً، وإيران تريد أن يبقى الأسد في حدود قائد الميليشيا المحظور.

لن تسمح إيران بإعادة دمج النظام السوري في المنظومة العربية، ولا توافق على التقارب التركي معه، وكل ما يقال عن أن الأسد “يكره إيران ويختلف مع أيديولوجيتها الدينية ويشتكي من هيمنتها عليه” يصل إلى مسامع الإيرانيين، فهم لم ينسوا بعد لوالده أنه وضع لهم حدوداً للتحالف في لعبة توازناته مع العالم العربي والغرب. حتى وقوفه إلى جانب الخميني في الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن العشرين، لم يشفع له ولم يجعل الإيرانيين يثقون بترك القرار لوريثه.

مشكلة إيران في سوريا أنها لا تثق بأحد إلا من تقوم هي بتصنيعهم، ولذلك لم يعد سراً أنها تحاول خلق “ضاحية جنوبية” جديدة في نسخ متكررة حول كل مدينة تحت سيطرة الأسد، ولو أنها كانت مطمئنة إلى وضعها في ذلك البلد، لما حرصت على شراء العقارات وتثبيت ملكيتها لها وعقد الاتفاقات طويلة الأمد مع حكومة الأسد لخمسين سنة قادمة في قطاعات الكهرباء والبنى التحتية، فهي تدرك أنه سيأتي يوم وينقلب عليها رجلها القابع في قصر المهاجرين.

تخشى إيران من مرحلة ما بعد الحرب في سوريا، وتدرك أن أسد ما بعد الحرب لن يكون هو ذاته أسد الحل العسكري الأمني الذي صمّمه له قاسم سليماني.

سيبقى الإيرانيون متمسكين بعزل الأسد، وغمسه أكثر في الملفات التي تدينه وتجعله تهديداً دائماً لمن حوله، وليس شريكاً لا بدّ منه

تواجه إيران في سوريا العديد من المشاكل، فالسوريون على عكس ما يعرفه المنظرون والمؤرخون الإيرانيون، ليسوا حديثي عهد بالتشيع، ولا يمكن قلب مفاهيمهم التي بنيت عبر أكثر من ألف سنة، تطوّرت فيها عقائدهم مروراً بالتشيع ذاته الذي لم تغادر طقوسه حياتهم اليومية وإن كان القالب العام للغالبية السورية طابعاً سنياً. فالتصوف الذي لا تكاد يخلو منه بيت في سوريا يقوم في الأساس على منهج محبة آل البيت وتقديسهم وتخصيصهم بمكانة خاصة في السرديات الشعبية والفكر الأعلى درجة، بعد أن خلّصوه من الثأرية والمعضلات التي ما تزال نسخته الإيرانية عالقة فيها.

حتى الطوائف ذات المنشأ الشيعي في سوريا تختلف مع الإيرانيين ولا ترتاح إلى النمط الذي يقدمونه لها، لا العلويون على استعداد للتحول إلى ملالي ولا الإسماعيليون ولا الموحدون الدروز.

لذلك كله تعمل إيران على نسج مجتمع جديد، لا يختلف بأيّ صورة عمّا جهد من أجل بنائه  تنظيم “داعش” الإرهابي ومن بعده جبهة النصرة – تنظيم القاعدة، وكلا المشروعين فشلا فشلاً ذريعاً في ترك أيّ أثر على المجتمع، وبمجرد زوال البنادق زالت العقائد معها وكأنها لم تكن.

تستطيع إيران تطبيق مشروع تشيع ممول في بلد صغير كلبنان، لكنها لن تتمكن من فعل ذلك في بلدين بحجم سوريا والعراق، ولا يكاد شيعة لبنان يمثلون مقدار سكان ريف مدينة واحدة من مدن هذين البلدين الكبيرين، ففي لبنان يقدّر عدد الشيعة حتى العام الحالي 2022 بحوالي مليون وثمانمئة ألف نسمة، لم تجنّد إيران حتى عُشر هؤلاء. ولا يفضح أحد هذا كما يفضحه حسن نصرالله حين يتحدث عن عدد مقاتلي حزب الله الذي يباهي بأنه 100 ألف مقاتل.

تقدّر التقارير الاقتصادية أن إيران أنفقت في سوريا ما وصل إلى 30 مليار دولار منذ العام 2011، ليس في برامج مرشدها استردادها مباشرة “كاش”، بل عبر تحويل تلك المليارات إلى أرصدة بشرية ومساحات نفوذ إمبراطوري، فنقطة ضعفه أنه يعيش في زمن مختلف عن الزمن الذين يعيش فيه خبراء خامنئي ومستشاروه.

مع الوقت لن تتمكن روسيا من مواصلة هذا الصراع، ستكتفي بالبقاء لتركه في حالة توتر متواصلة، كما لن تتمكن إيران من حسمه لصالحها، أما الشهية العربية والإقليمية للتطبيع مع الأسد فهي ليست أكثر من رغبة بالدخول في هذا النزاع والتحول إلى لاعبين فيه للتأثير في أطرافه.

روسيا فعلت ذلك من قبل، في دخولها إلى الساحة السورية تمكنت من التحول إلى شريك رسمي للولايات المتحدة في حماية أمن إسرائيل، وشريك للعرب في حماية أمنهم القومي. بعد أن تم إبعادهم عن سوريا بشكل ممنهج وعلني، لعزلهم عما يدور فيها، فتم خلق معادلات مصالح متشابكة ومتناقضة، تعارضها وتضادها يبقيانها أكثر جدوى من حلها، وإلى أن تنهار تلك المعادلات، سيبقى الإيرانيون متمسكين بعزل الأسد، وغمسه أكثر في الملفات التي تدينه وتجعله تهديداً دائماً لمن حوله، وليس شريكاً لا بدّ منه.

كاتب سوري

العرب

—————————————-

هل تستطيع إيران شن حرب مباشرة ضد إسرائيل؟/ إبراهيم الجبين

يكثر الحديث عن تراشق إسرائيلي – إيراني محتمل بسبب ارتفاع وتيرة شحنات المسيرات والصواريخ المرسلة من إيران إلى سوريا ولبنان، ويعتقد البعض أن الكابح الروسي كان نوعاً من الضمانة لمنع اندلاع اشتباك مباشر بين الجانبين.

لكن هل تستطيع إيران بالفعل التورط في خوض حرب مباشرة مع الإسرائيليين؟ هناك عوامل عديدة تمنع ذلك، بقدر ما يمكن أن تنزلق القدم الإيرانية بسهولة وبشكل غير محسوب، في مستنقع العنف الذي أنشأته من حولها.

ما تزال نظرية رئيس المجلس الوطني الإيراني – الأميركي تريتا بارسي صالحة وذات فعالية، خاصة إذا علمنا أن تلاميذه هم الذين شكلوا فريق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لإعداد النسخة الأولى من الاتفاق النووي مع إيران. قال بارسي إن “إيران هي الصديقة الحميمة لإسرائيل، ولذلك علينا أن نحافظ على هذه الصداقة. لن تصدقوا هذا، كانت تلك الكلمات لرئيس وزراء إسرائيلي، ليس بن غوريون ولا غولدا مائير في عهد الشاه، بل إنه إسحاق رابين والحاكم الإيراني الذي عاصره كان أحمدي نجاد”.

لا شيء يمنع من استمرار “الحلف الغادر” كما أسماه بارسي ذات يوم، فهو من وجهة نظره حلف عابر للأيديولوجيا، لا يتوقف على من يحكم في العواصم الثلاث؛ واشنطن وتل أبيب وطهران، لأن الضرورة هي التي تتحكم في صلابة هذه العلاقة الوثيقة التي تقوم على مصالح مشتركة حتى من دون اتفاق.

لا يمكن لذلك الحلف، بحسب بارسي، أن ينهار، فانهياره سيعني ضرراً كبيراً ستتلقاه الولايات المتحدة وإسرائيل قبل إيران.

إسرائيل تكثر اليوم من نشر الوثائق والمعلومات عن شبكة انتشار مصانع الأسلحة الإيرانية في سوريا.. للضغط على الولايات المتحدة

فالنووي الإيراني كان قد تأسس بالأصل على أيدي الخبراء الأميركيين في الخمسينات، وإضعاف وتهلهل الدول العربية المحيطة بالإسرائيليين والإيرانيين مسألة مشتركة الأهداف وتحقق للطرفين الغرض ذاته. فلماذا سيصطدم الإيرانيون بالإسرائيليين بشكل مباشر؟

إن اصطداماً مباشراً سيعني نهاية حقبة ذلك الحلف، وبداية حقبة جديدة لا يمكن لها أن تقوم إلا استناداً إلى سلام عربي – إسرائيلي، ولهذا يرسل الإسرائيليون التطمينات المباشرة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، موضحين له أنه ليس المستهدف من العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية.

المنطق الجيوسياسي هو الذي يتحكم بطبيعة العلاقة ما بين إيران وإسرائيل، وفي محكات معينة نجده يكسر صبغته المألوفة، ليخرج إلى العلن، كما شهدنا خلال الحرب العراقية – الإيرانية وتقدّم الجيش العراقي، حين قلقت إسرائيل من انتصار عراقي يلوح في الأفق، فشرعت في تقديم المساعدات لجيش الخميني وتزويده بقطع الغيار ليصمد في الحرب، بالإضافة إلى تزويده بأسلحة أميركية من صنع “الشيطان الأكبر”. وحينها ضغطت إسرائيل على الولايات المتحدة، كما يقول بارسي، لتفتح جسرا سياسيا مع إيران الجديدة، وتزود إيران بالتكنولوجيا العسكرية، قائلة إنه لا مشكلة في الأيديولوجيا المعادية التي يعلنها نظام الملالي الإسلامي ضد الغرب وإسرائيل “ليبلغ هذا ذروته في فضيحة إيران – كونترا في الثمانينات”.

قبل ثماني سنوات كتبت عن هذه العلاقة في هذه الصحيفة، متتبعاً ما تصوره الإيرانيون عن “الهندسة الأمنية للمنطقة العربية” بعد غزو العراق للكويت، فقد قدموا حينها مساعدة عسكرية ذات قيمة للقوات الأميركية وقوات التحالف، لكن الولايات المتحدة أرادت إبقاء الأوضاع على حالها، فقرر الإيرانيون استخدام الورقة الإسرائيلية من جديد.

إن تعريض أمن إسرائيل للخطر، بشكل غير مباشر، وعبر الوكلاء العرب، حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي، كفيل بتحريك القرار الأميركي مجدداً ليصب في صالح الإيرانيين ويكسر عزلة طهران ويرفع عنها العقوبات.

سياسة “فرض التكلفة” التي طبقها الخبراء الإستراتيجيون الإيرانيون، جلبت لهم الأميركيين من آذانهم بالفعل، ولهذا قال مارتن إنديك وقتها إن “الإيرانيين فهموا الدرس بشكل صحيح”.

بعد انتخاب رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو في العام 1996 حاول الاتصال بالإيرانيين لكي يعيد الحياة إلى ما وصفه بـ”عقيدة المحيط الجغرافي السياسية والأمنية”، فماذا فعلت إيران عند ذاك؟

أهملت الطلب الإسرائيلي، لأن استثمارها في المعادلة العدائية للإسرائيليين أكثر ربحاً من استثمارها في أي صفقة سلام.

لكن بعد سنوات، وحين بدأت إيران تشعر أن هناك مبادرة عربية تلوح في الأفق، وصل الرد الإيراني الذي عرضاً أرسلوه إلى الرئيس جورج بوش الابن يقول بأن إيران على استعداد تام لإعادة العلاقات مع إسرائيل كما كانت عليه أيام الشاه، فكان جواب إدارة بوش التجاهل. بالطبع لأن استثمار الولايات المتحدة بدورها للتوتر ما بين الإيرانيين والإسرائيليين أكثر مردودية.

تعريض أمن إسرائيل للخطر، بشكل غير مباشر، وعبر الوكلاء العرب، حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي، كفيل بتحريك القرار الأميركي مجدداً ليصب في صالح الإيرانيين ويكسر عزلة طهران ويرفع عنها العقوبات

ومع تطورات العالم العربي بعد العام 2011، وجدت إيران نفسها أمام فرصة تاريخية، لتفعيل التحالف الجيوسياسي الملزم، أما إسرائيل فبقيت تعتمد في نظرتها إلى إيران على “عقيدة الطرف” الذي يكون بعيدا عن “المحور”، فيما تعتمد إيران على المحافظة على قوّة “العصر السابق” أو التاريخ حين كانت الهيمنة “الطبيعية” لإيران تمتد لتطال الجيران القريبين منها.

العقيدة التي تحكم نظرة الإيرانيين إلى المنطقة هي عقيدة “الدولة المتفوقة” على جيرانها من العرب، ويؤمن الإسرائيليون بالعقيدة ذاتها، فهم الأكثر تقدما عسكريا وتكنولوجيا، والذين انتصروا في جميع حروبهم مع العرب، كما أن الإيرانيين الشيعة، المحاطين ببحر من العرب السنة، والإسرائيليين الذين لا يزالون يشعرون أنهم مستوطنون أوروبيون وروس قدموا إلى الشرق الأوسط، يشعرون أنهم بشكل ما منفصلون عن هذه المنطقة، ثقافياً وحضارياً، وهذا الانفصال طائفي وعرقي وديني لكليهما، ويمكن العثور على نقطة تقاطع بين الإسرائيليين والإيرانيين في المسألة العربية، وهي أن الطرفين يفضلان دوما سياسة “لا سلم ولا حرب”، ومن هنا يأتي دور الوكلاء، وكذلك دور تصعيد العنف في سوريا بدفع إيراني، لأن من شأنه أن يؤجج الانقسام الطائفي، ويشعر إسرائيل بالتهديد الدائم.

إلا أن إسرائيل تكثر اليوم من نشر الوثائق والمعلومات عن شبكة انتشار مصانع الأسلحة الإيرانية في سوريا، وليس من قبيل الصدفة إعلانها بعد سنوات عن تفاصيل تدمير المفاعل النووي السوري في منطقة الكبر في دير الزور، تفعل هذا بدافع آخر، للضغط على الولايات المتحدة التي ذهبت بعيداً في ما يمكن أن يخلخل تلك العلاقة الجيوسياسية الدقيقة، فمنح إيران المزيد سيجعلها في تموضع آخر.

تقصف إسرائيل المطارات السورية لإعادة الدقة إلى ميزان تلك العلاقة، لا لفتح حرب مع الإيرانيين الذين لا يستطيعون شن حرب مباشرة على إسرائيل، فهذا قد يكتّل من حولهم جميع أعدائهم العرب، ليجدوا أن أعداء إسرائيل السابقين أنفسهم، في طور جديد، يدافعون عنها ضد عدوان من تحولوا إلى التهديد الأكبر في المنطقة أي الإيرانيين.

وهكذا يصبح بإمكان إسرائيل زيادة التصعيد إلى حدوده القصوى، فالرد الإيراني لن يكون خارج التوقعات. ولن تكون الضربات الحالية ولا القادمة سوى كما وصفها رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، رام بن باراك في مقابلة مع “راديو يديعوت أحرونوت” بأنها “رسالة إلى الأسد، تسببت في شل قدرة بعض الطائرات على الهبوط، ليأخذ الأسد بعين الاعتبار أن الطائرات (الإيرانية) التي تحط في مطار حلب تؤدي دوراً ضد إسرائيل”.

وفي مثل هذا المناخ المعقد، سيكون ضروريا جداً أن تقوم شركة الاستخبارات الفضائية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة من شهر أغسطس الماضي بنشر صور أقمار اصطناعية تظهر تفكيك الروس ونقلهم لمنظومة الـ”إس – 300” من سوريا إلى أراضيهم، وقد أكدت ذلك صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” وبينت أن نظام الدفاع الجوي المذكور تم نقله إلى ميناء طرطوس الذي تسيطر عليها روسيا، ثم تم شحنه إلى ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود.

إسرائيل سبق وأن أعربت عن غضبها من الروس حين نشروا منظومة “إس – 300” في سوريا عام 2018، ليأتي سحبها الآن من الأراضي السورية بمثابة ضوء أخضر إضافي للإسرائيليين لمواصلة شن الضربات الجوية ضد الأهداف الإيرانية التي يرون فيها تهديداً لهم.

كاتب سوري

العرب

———————————–

بينما تتحرك إسرائيل في سورية تفقد روسيا والولايات المتحدة الاهتمام بهذا الملف / عاموس هرئيل

ترجمة: عبد الحميد فحام

في أقل من ساعة من مساء الأربعاء، تم قصف أكبر مطارين في سورية؛ حلب أولاً ثم دمشق. ووفقاً لتقارير أجنبية وما إلى ذلك، فإنها كانت غارة جوية إسرائيلية. كان من المقرر أن تهبط طائرة إيرانية تحمل أشخاصاً وأسلحة في حلب. وعندما انفجرت قنابل قرب المدارج غيرت الطائرة مسارها واتجهت إلى مطار دمشق الدولي. سقطت قنابل بالقرب من ذلك الموقع أيضاً، لكن الطائرة هبطت بالفعل.

في الوقت نفسه، يمكننا أن نفترض أنه تم تمرير رسالة شفوية تحمل نفس عبارات كانت تحملها اللافتات التي انتشرت في شوارع نيويورك في الثمانينيات والتسعينيات: “لا تفكر حتى في وقوف السيارات هنا”. لقد تردد مَن يقود الطائرة بضع ساعات ثم غادروا. يبدو أن الشحنة التي كانوا يعتزمون تفريغها في سورية عادت معهم إلى إيران.

الجهد الدولي لعرقلة المشروع النووي الإيراني لم يفشل تماماً، لكن لا يمكن وصفه بـ”الناجح”. كان الهدف من الاتفاق النووي لعام 2015 هو استقرار الوضع لمدة 15 عاماً وترك طهران على مسافة آمنة من القدرة على تصنيع رأس حربي نووي. لكن بعد ثلاث سنوات انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة. وعندما بدأت إيران بعد عامين، رداً على ذلك، في انتهاك الاتفاق وعادت لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى عالٍ وبكميات كبيرة، حدثت سلسلة من الثغرات والانفجارات الغامضة في منشآتها النووية. تعتقد مصادر المخابرات الأمريكية – وفي وقت لاحق، بعض شخصيات المخابرات الإسرائيلية – أن هذا التخريب كان له تأثير معاكس للتأثير المطلوب. فقد قامت إيران بتسريع برنامج التخصيب الخاص بها بينما تقوم بمحاولات لنقل بعض النشاط إلى مواقع محمية بشكل أفضل وعميقة تحت الأرض.

الصراع ضد جهود إيران لتسليح أقمارها الصناعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وكذلك لإنشاء قواعد الميليشيات الشيعية بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل قد أدى إلى نتائج أفضل إلى حدٍّ ما حتى الآن. القضية قابلة للنقاش ويصعب الوصول إلى ما يُثبتها، لكن صناع القرار في إسرائيل وجيشها يجادلون بأن “الحرب بين الحروب” قد أبطأت بشكل كبير وتيرة التسلّح. فيما يتعلق بالأسلحة المتطورة أيضاً – أنظمة دفاع جوي وصواريخ دقيقة التوجيه – فإن الإنجازات لم ترقَ إلى مستوى توقُّعات قيادة طهران. على الرغم من أن حزب الله قد أنشأ قدرة أولية للمواقع على تحويل الصواريخ وتصنيعها (“مشروع الدقة” الشهير)، إلا أن الأرقام في هذه الأثناء منخفضة نسبياً وواجه المشروع صعوبات.

كان لدى إسرائيل أيضاً طموحات بعيدة المدى لم تتحقق. جادل كبار المسؤولين بأنه يمكن دق إسفين بين الداعمين الرئيسيين للنظام السوري، روسيا وإيران. لكن هذا لم يحدث وإنما حدث العكس: تحتاج روسيا الآن إلى المساعدة الإيرانية بسبب تورطها العسكري في أوكرانيا، بل إنها تحصل على طائرات بدون طيار إيرانية الصنع والتي تحتاجها قواتها لمواصلة الحرب هناك.

لكن الهجمات المكثفة في سورية أسفرت مع ذلك عن نتيجة إستراتيجية مهمة. رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي يسعى لتقليل الاحتكاك مع إسرائيل، منع الإيرانيين من مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية.

في عدة مناسبات خلال 2018-2019، استخدم الحرس الثوري الإيراني الميليشيات الشيعية من مرتفعات الجولان السورية لإطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل. وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز قبل أسبوع أن الأسد حظر الأعمال الانتقامية من الأراضي السورية قبل حوالَيْ عام. الآن اتضح أن هذا الحظر ساري المفعول منذ ثلاث سنوات. ففي نهاية عام 2019، أمر الأسد بتجنب المزيد من الهجمات رغم أنه لم يمضِ وقت طويل على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري من قِبل الولايات المتحدة في العراق.

تم فرض هذا التوجيه بشكل أكثر صرامة على إسماعيل قاآني، الذي يُعتبر شخصية لطيفة وأقل نفوذاً من سلفه الأسطوري سليماني. كبديل كان على الإيرانيين أن يلجؤوا للردّ عَبْر مرسال. عندما تهاجم إسرائيل هدفاً في سورية ذا قيمة عالية لإيران، تأمر طهران الميليشيات الشيعية بإطلاق طائرات مسيرة هجومية أو صواريخ على قاعدة التنف الأمريكية في جنوب شرق سورية.

لكن رغم ذلك، فإن جميع الأطراف حَذِرة للغاية في أفعالهم. حتى عندما يرد الأمريكيون على النيران الإيرانية، يتم بذل جهد كبير لتجنُّب إلحاق إصابات والتركيز على ضرب أهداف لا يوجد فيها أشخاص.

هجمات الأربعاء التي نُسبت إلى إسرائيل استغلّت بلا شك تغييراً آخر في الصورة: القرار الروسي بإزالة نظام الدفاع الصاروخي S-300 من سورية. نشرت روسيا البطارية بالقرب من بلدة مصياف في أواخر عام 2018، كعمل عقابيّ ضد إسرائيل بعد إسقاط طائرة تجسُّس من طراز “إليوشن” أُصيبت بطريق الخطأ بنيران مضادة للطائرات السورية خلال هجوم إسرائيلي. لكن خلافاً للوعود الرسمية، لم يتم نقل البطارية إلى القيادة السورية المباشرة.

 تم شحنه مؤخراً إلى روسيا، مرة أخرى بسبب الحرب في أوكرانيا.

ما تبقى هو بطارية S-400 الأكثر تقدُّماً التي يعمل بها الروس في شمال غرب سورية. ومع ذلك، فهي تركز على حماية القاعدة الجوية الروسية هناك، وليس على مناوشة إسرائيل. على الرغم من التوبيخ العلني في بعض الأحيان، لا يوجد تشديد واضح لموقف موسكو من الهجمات في سورية.

تعكس إعادة الانتشار انخفاض اهتمام القوى العظمى بالأحداث في سورية. أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعمال أكثر إلحاحاً يجب أن يحضرها. لكن الولايات المتحدة أيضاً، التي تحافظ على قوات قوامها بضع مئات من القوات المقاتلة في التنف وعدد قليل من القواعد الأصغر، تُظهر اهتماماً ضئيلاً فقط بالتطوُّرات في سورية. وعلى العكس من ذلك، فإن إدارة بايدن تحافظ بحماس على مقاطعة نظام الأسد. يعتقد البعض في إسرائيل أنه في ظروف أخرى سيكون من الممكن إبرام اتفاق ملزم مع الأسد، بوساطة القوى العظمى، بشأن وقف كامل للأعمال العدائية. من المرجَّح أن يتناسب ذلك مع مصالح النظام.

لكن من غير المحتمل أن يحدث ذلك لثلاثة أسباب؛ أولاً الأسد، القاتل الجماعي لشعبه، يفتقر إلى الشرعية في الغرب. ثانياً القوتان الرئيسيتان لا وقت لديهما. وأخيراً علاقات الأسد مع إيران التي تستمر في ظل غياب أي احتمال آخر. على الرغم من أن السنوات الأخيرة شهدت شيئاً من الدفء في علاقات سورية مع الدول العربية المسلمة السنية في الخليج، لكن لا المملكة العربية السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة على استعداد لإنفاق عشرات المليارات من الدولارات اللازمة لبدء إعادة تأهيل سورية بعد أهوال الحرب هناك.

ساحات متعددة

ومن المقرر أن يزور الوسيط الأمريكي عاموس هوشتاين الأسبوع المقبل المنطقة، على أمل التوصّل إلى اتفاق نهائي بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. من المُتوقع أن يُحدّد الاقتراح الأمريكي المحدث خطاً مؤقتاً منصوص عليه بين مطالب كل دولة. وستبقى منصة غاز كاريش، حيث من المقرر أن تبدأ أعمال الحفر الشهر المقبل، تحت السيطرة الإسرائيلية. حقل قانا يقع إلى جهة الشرق ويرجع ذلك إلى تقسيمه بين البلدين. يُعتقد أن هوشتاين سيقول للأطراف: هذا هو العرض الأخير – إما أن تقبلوه أو تتركوه.

في مواجهة الأزمة الاقتصادية في لبنان، فإن لبنان بحاجة ماسّة إلى أخبار جيدة في مجال الطاقة. لكن هذا لا يمنع القيادة المتصارعة والفاسدة في بيروت من الاستمرار في تبني موقف تهديدي تجاه إسرائيل. في بعض الحالات، ينزلق هذا إلى مرحلة الطفولة المطلقة. هذا الأسبوع، تم توثيق زيارة لوزيريْن لبنانييْنِ للطاقة والرفاهية على طول الحدود البرية مع إسرائيل. توقف الاثنان أمام السياج، قُبالة كيبوتس مسغاف عام، ورشقا الحجارة عليه. هلل مرافقوهم. ولم تُلاحظ أي مظاهر قلق على الجانب الجنوبي من الحدود.

في التصريحات والإيجازات الرسمية من قِبل إيران وحزب الله، يمكن رؤية محاولة تشابُك كل ساحات النضال. هذا الأسبوع، نشر معهد أبحاث الإعلام الإسرائيلي Memri العديد من الوثائق التفصيلية على موقعه على الإنترنت، بما في ذلك ترجمات التصريحات الأخيرة المتعلقة بإسرائيل. نقل إبراهيم الأمين، رئيس تحرير جريدة الأخبار اللبنانية، المقرب من قيادة حزب الله، عن مسؤول بارز في التنظيم الشيعي زعم أنه في الحرب القادمة ستجد إسرائيل نفسها لأول مرة في مواجهة الساحات التي ستقاتلها بشكل مشترك ومتزامن. سيتم دمج جميع الساحات، وستجد كل التجمعات السكانية في إسرائيل نفسها في مرمى الصواريخ. “سيجد الإسرائيليون أنفسهم ينتشلون الجثث من تحت الأنقاض”.

أجرى حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، مقابلة نهاية آب / أغسطس على الموقع الرسمي للزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي. تحدث أيضاً عن تكامُل الساحات. وقال إن ترسانة الصواريخ التي سلحت بها إيران فروعها في الشرق الأوسط “ممتازة للردع”، لكن التغيير الجوهري سيصل عندما ينجح الفلسطينيون في خلق “تهديد بري” لإسرائيل من الحدود. وأضاف أن خامنئي أوعز لشعبه بتسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، حيث سبق لإيران أن ساعدت في تجهيز المنظمات في قطاع غزة.

إلى جانب الخطاب العسكري المعتاد، قد تعكس التصريحات الأخيرة نيّة إيرانية لزيادة الاستثمار في هذه الإستراتيجية، والتي كانت بوادرها واضحة بالفعل قبل بضع سنوات. تسعى إيران إلى نشر امتدادات عسكرية على حدود إسرائيل، والتي يمكن أن تضايقها في الأوقات العادية وتفرض ثمناً في حالة اندلاع الحرب. إلى جانب هذه القوى، تريد إيران تعزيز النضال الفلسطيني المُسلّح ضد إسرائيل، خاصة على خلفية التقدير بأن حكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية يقترب من نهايته.

ومن المثير للاهتمام، في هذا الصدد، أن حركة الجهاد الإسلامي أطلقت على الجولة الأخيرة من القتال في قطاع غزة (عملية بزوغ الفجر في اللغة الإسرائيلية) “عملية وحدة الساحات”. إذا كان هذا هو الغرض منها، فقد فشلت. شجعت إيران قادة التنظيم، الذين كانوا يزورون طهران في ذلك الوقت، على مواصلة القتال، لكن قيادة الجهاد الإسلامي في غزة تحركت بسرعة إلى وقف إطلاق النار بعد ثلاثة أيام. كانت محاولة إشعال حريق في قطاعات أخرى، ولا سيما الضفة الغربية، غير مجدية.

على الجانب الإسرائيلي، تضمنت جميع التدريبات الأخيرة للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك “شهر الحرب” في أيار/ مايو، سيناريو يتعامل مع تصعيد متعدد الساحات، في المناطق وفي لبنان وفي بعض الحالات أيضاً على الحدود مع سورية في مرتفعات الجولان. كما كان واضحاً في عملية حارس الحدود، في أيار/ مايو 2021، أن جزءاً من التهديد كان داخلياً أيضاً. يحتاج كل سيناريو حرب مستقبلية إلى النظر في إمكانية حدوث اضطرابات في المدن المختلطة (اليهودية العربية) في إسرائيل، كما حدث في ذلك الوقت، بطريقة تتطلب تعزيزاً لوحدات الشرطة وتعوق حركة قوات جيش الدفاع الإسرائيلي إلى الجبهة.

هآرتس

———————————

بل لماذا يردّ على الغارات الإسرائيلية؟/ حسام عيتاني

صار مستهلكاً التساؤل الذي يعقب الغارات الإسرائيلية الأسبوعية على الأراضي السورية: لماذا يمتنع النظام السوري عن الرد؟

والحال أنه لا يكاد يمرّ أسبوع من دون أن تقصف الطائرات الإسرائيلية مواقع مختلفة أكثرها يشغله «الحرس الثوري» الإيراني أو الميليشيات اللبنانية والعراقية العاملة في إمرته. تتسع خريطة القصف لتصل إلى حلب ومطارها شمالاً والمناطق المتاخمة لمرتفعات الجولان المحتلة جنوباً. وتستخدم إسرائيل ترسانة متنوعة من الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة و«الذكية» وغير ذك من المصطلحات، بحيث تبقى الطائرات المهاجمة بعيدة في الأجواء اللبنانية أو فوق البحر في غالب الأحيان. وتتبع الحكومة الإسرائيلية سياسة الاعتراف من وراء حجاب بحيث تنشر تفاصيل الغارات بأقلام صحافيين غربيين أو مصادر مجهولة.

التلويح بالردّ «في المكان والزمان المناسبين» الذي كانت تستخدمه القيادة السورية بُعيْد الغارات الأولى سنة 2012، تخلت عنه لاحقاً بعدما تحول الوعيد إلى مادة استهزاء الأصدقاء والخصوم. وافتقار الجانب السوري إلى الحماسة للانتقام من إذلاله الدائم، لم يكن سراً. ولم تزد صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية وتراً جديداً إلى العود عندما أعلنت أن الرئيس بشار الأسد حظر على القائد السابق لـ«فيلق القدس» قاسم سليماني، شن هجمات على إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، وأن الأسد أبلغ خليفة سليماني، الجنرال إسماعيل قاآني بالأمر ذاته.

وزادت زميلة «هآرتس»، صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الأسد طالب الروس بالضغط على الإسرائيليين للامتناع عن قصف منشآت سورية حيوية على غرار مطاري دمشق وحلب اللذين يتعرضان لهجمات إسرائيلية ما إن تقترب من أي منهما طائرة إيرانية يظن الإسرائيليون أنها تحمل أسلحة لجماعة «حزب الله» اللبنانية. وقالت إن إسرائيل أكدت للأسد أنها لا ترمي إلى إضعاف نظامه أو جيشه وأنه غير معني بالعمليات العسكرية الإسرائيلية الموجهة ضد المصالح الإيرانية حتى لو أُصيبت بعض المواقع السورية على الرغم من أن ذلك يمثل إحراجاً للسلطات السورية أمام مواطنيها ومسّاً بصورتها في «محور المقاومة». الشك في صدق المصادر الإسرائيلية مشروع، لكن دعاة الإنصات إلى ما تقوله «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت» هم رموز الممانعة وزعماؤها الذين يكررون تقديرهم للصحف الإسرائيلية صباح مساء.

واحد من تفسيرات الرفض السوري لاتخاذ خطوات تزيد على إطلاق صواريخ الدفاع الجوي ضد «الأهداف المعادية» في أثناء الغارات الإسرائيلية، يعود إلى نظرة الحكم في دمشق إلى مجمل الصراع العربي – الإسرائيلي وما يعنيه استمرار احتلال إسرائيل للجولان، ذاك أن النظام السوري يتبنى منذ هزيمة 1967 تفسيراً وظيفياً. فما عدّته سلطة «البعث» في أعقاب وقف إطلاق النار في تلك الحرب وخسارتها الجولان، انتصاراً لأنه لم يؤدِّ إلى «سقوط النظام التقدمي في دمشق» ما زال مسيطراً على تفكير القيادة الحالية بعد 55 سنة من احتلال إسرائيل لمحافظة سورية كاملة: المهم في هذا الصراع هو مدى تأثيره على النظام القائم وسلطته وعلى استقرار الفئات الحاكمة وامتيازاتها.

هذا ما يفسر رفض الأسد أي عمل إيراني ضد إسرائيل على الرغم من الخسائر الإيرانية المادية والبشرية جراء الضربات الإسرائيلية. فالتصعيد الميداني ضد عدو متفوق لن يمر من دون هجمات مقابلة تفاقم حال الاضطراب والتهالك التي يعاني منها الحكم في سوريا بعد أكثر من عقد شهد دماراً خرافياً واعياً ومنهجياً للعمران السوري، بمعاني الكلمة كافة.

قراءة مذكرات المسؤولين الأميركيين الذين فاوضوا دمشق من أجل التوصل إلى سلام مع إسرائيل، تقارب هذا الرأي بوصفه بدهيةً لا تتطلب نقاشاً، وآخرها كتاب الدبلوماسي الأميركي فريدريك هوف «بلوغ المرتفعات» الصادر قبل شهور قليلة. المهم، من وجهة نظر الأسدين، حافظ وبشار، هو ضمان بقاء النظام والدور الذي يؤديه في محيطه والمكاسب التي يجنيها من أي خطوة. السلام أو استمرار حالة الحرب (من دون مفاعيلها) تفاصيل في سياق أعرض هو البقاء.

وليس من فاعل في سياسة المنطقة إلا ويدرك هذه الحقائق. وليس من عاقل يرى الغارات الإسرائيلية التي تستدرج «ردوداً غاضبة» من الحكم في سوريا، إلا ويعرف أن الأمر لن يتجاوز الكلام مهما بلغ عمق الإهانة كإخراج مطار دمشق الدولي من الخدمة المرة تلو المرة.

المجتمع السوري منهك وجريح ويكاد لا يعثر على قوته. والدول العربية ضجرت من ألاعيب حكام دمشق. فيما المستثمرون في الصراع مع إسرائيل قادرون على العثور على ساحات قريبة وبعيدة، كقاعدة التنف الأميركية أو الحدود اللبنانية أو طاولة المفاوضات في فيينا، لتوجيه الرسائل التي تهمهم وزيادة أعداد الطائرات التي تنقل السلاح إلى الميليشيات الحليفة.

فلماذا يتكلف الأسد عناء الرد؟

الشرق الأوسط

—————————————-

لماذا لا ترد طهران على استهداف قواعدها في سوريا؟/ طوني فرنسيس

يحار المراقبون في تفسير السلوك الإيراني إزاء الضربات الإسرائيلية في سوريا التي تستهدف مواقع “الحرس الثوري” والميليشيات التابعة، فعلى الرغم من مئات الهجمات لم يتحرك الإيرانيون للرد على الرغم من تصريحات قادتهم شبه اليومية عن تدمير إسرائيل وإزالتها من الوجود.

في الأيام الأخيرة أخرجت إسرائيل مطار حلب من الخدمة بعد أن كانت فعلت الأمر ذاته في مطار دمشق وشنت مطاردة جوية بوليسية لطائرة إيرانية قيل إنها تحمل شحنة أسلحة بين حلب ودمشق ومنعتها من الوصول إلى هدفها.

كانت الغارة على مطار حلب، الثلاثاء الماضي، الثانية من نوعها خلال سبعة أيام، وفي الأيام التي سبقتها ولحقتها تحدث مختلف قادة الجيش و”الحرس” في إيران بنبرة عالية ضد إسرائيل وأميركا، وأعلنت طهران عن إرسالها مذكرة تحذير إلى الدول التي تستضيف جنوداً أميركيين من الضرر الذي سيصيبها جراء هذه الاستضافة، ومع ذلك فإن أي موقف لم يصدر جراء الغارات التي فاق عددها الـ20 ضربة منذ بداية العام على القواعد الإيرانية في بلاد الشام.

لم تستهدف إيران إسرائيل ولم ترد على هجماتها، لكنها لم تتوان في أوقات متقاربة عن التحرش بالأميركيين، فبعد الهجمات المسيّرة على قاعدة “التنف” استولت بحرية “الحرس الثوري” على سفينة حربية أميركية مسيّرة ذاتياً في مياه الخليج العربي، وبعد ثلاثة أيام احتجزت سفينة مماثلة في البحر الأحمر قبل أن تتدخل البحرية الأميركية وتتفاوض للإفراج عن السفينتين، وتم ذلك التفاوض بلغة دبلوماسية رفيعة فإيران اتهمت البحرية الأميركية بتعريض الشحن الدولي للخطر، فيما وصفت القيادة المركزية الإجراءات الإيرانية بأنها غير قانونية وغير مهنية وكأن البلدين ليسا في حال نزاع شديد التوتر.

انتهت الغارات على “التنف” برد جوي أميركي محدود وجرى تفاوض مهني على استعادة قاربي البحرية ولم يقع الصدام الكبير الذي تتحدث عنه طهران كثيراً، أما في حال الهجمات الإسرائيلية، فيسود صمت مهيب من الجانبين. إسرائيل لا تتبنى الغارات وإيران لا تتحدث عنها ولا ترد حتى ببيان من بضع كلمات.

تتعدد التفسيرات في شأن هذا السلوك، وأحدها أن طهران تعطي الأولوية لحفظ دورها في سوريا بالاتفاق مع روسيا وهي لا تريد فتح جبهة من سوريا ضد تل أبيب كي لا تعرض تحالفها مع موسكو للانهيار ولعلمها أن روسيا وإسرائيل تنسقان جيداً بما في ذلك العمليات ضدها.

يوم الجمعة الماضي قدمت صحيفة “كومرسانت” الروسية وصفاً وافياً للوضع الإيراني في سوريا فقالت “طلب الجيش الروسي مراراً من زملائه الإيرانيين تغيير مواقع التشكيلات المسلحة التابعة لسيطرته حتى لا تتستر بالروس والسوريين كدروع بشرية”.

ويبدو واضحاً أن الإيرانيين لم يستجيبوا. هذه واقعة أولى. أما الثانية، فهي أن هناك نظام تحذير بين روسيا وإسرائيل، وفي هذا الصدد لاحظت الصحيفة الروسية أن الإسرائيلين عادة ما يبلغون عن هجماتهم قبل أقل من دقيقة من تنفيذها، عندما تكون الطائرات باتت في الجو.

الواقعة الثالثة أن هناك اتفاقاً سابقاً بين روسيا وإسرائيل على أن تتجنب الأخيرة المناطق التي تضم منشآت عسكرية روسية، ومع ذلك قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع قريبة من القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس.

يدرك الإيرانيون أن الجيش الروسي لن يدخل في مواجهة مع إسرائيل، فالعلاقات بين الطرفين أمتن بكثير من الحديث المتجدد عن تقارب استراتيجي بين طهران وموسكو، وهم لا شك يعرفون أن الثمن الذي تريده إسرائيل هو إخراجهم من سوريا وهذا ما لا يبدو أن روسيا قادرة أو راغبة فيه إلا مقابل ثمن أميركي كبير قوامه إطلاق يدها في سوريا وانسحاب القوات الأميركية من “التنف” وربما من شرق سوريا كله، وفي هذه العملية الكبرى ستكون إسرائيل لاعباً مفيداً في الضغط الميداني وفي دور الوسيط مع الأميركيين.

ربما لهذه الأسباب جميعها تمارس إيران سياسة النعامة تجاه الضربات الإسرائيلية ضدها في سوريا، فوجودها في هذا البلد وامتداداً في لبنان عنصر أساس في سياستها التوسعية، ومن دون هذا الحضور ستفقد تأثيرها الإقليمي فيما منطقة نفوذها العراقية تمر بمرحلة انتقالية.

لن ترد إيران على إسرائيل مباشرة وستواصل التهديد بتنظيماتها ورعاياها، وهذا قائد الدفاع الجوي في الجيش الإيراني يعلن في آخر خطابات القادة الإيرانيين أنه “إذا أراد الإسرائيليون تسريع زوالهم فلينزلوا إلى الساحة”.

لم ير العميد علي رضا صباحي شيئاً مريباً في سوريا حتى الآن، ومع ذلك هدد أعداءه بسواعد غيره مذكراً بحربي غزة ولبنان ولم يشر إلى أية معركة خاضتها جيوشه ضد إسرائيل.

إندبندنت عربية

—————————————

الأسد في مصيدة الممانعة الإيرانية/ عمر قدور

لا نعلم ما إذا كانت إسرائيل ستقصف مطار دمشق أثناء كتابة هذه السطور؛ مطار حلب خرج من الخدمة بفعل قصف مماثل، ومطار دمشق نفسه خرج ثم عاد إلى الخدمة. على أية حال، ما تقصفه إسرائيل في الأراضي السورية يتعدى المطارين إلى حيثما توجد مواقع إيرانية، أو شحنات أسلحة، ترى تل أبيب أنها خطر على أمنها. جدير بالذكر أن تل أبيب لا تهوى اختراق ما يُسمى شكلياً “السيادة”، ولا تهدف إلى تقديم مادة للنكات المتعلقة بذلك، أو بكليشيه “الاحتفاظ بحق الرد” التي يواظب على تردادها مسؤولو الأسد.

كرر مسؤولون إسرائيليون طيلة سنوات أن لا مشكلة لهم مع الأسد، باستثناء علاقته بإيران، وحتى هذه العلاقة مقبولة إذا تم ضبط خط الإمدادات المارّ من سوريا في اتجاه جنوب لبنان. يبدو أن تل أبيب كانت، قبل تدخّل إيران وميليشياتها في سوريا، مطمئنة إلى وجود خط الإمدادات تحت إشراف الأسد، ربما لسهولة اختراق منظومته مخابراتياً، ولم تضطر آنذاك إلى قصف أهداف داخل سوريا إلا نادراً.

لكن ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أيضاً تمدد إيران في العقد الأخير، حيث راح مسؤولوها يتباهون علناً بسيطرتهم على أربعة بلدان عربية، منها لبنان وسوريا. أي أن الأهداف الإيرانية، وما يتصل بها من توريدات أسلحة إلى لبنان، تغيرت عمّا كانت عليه من قبل، وتريد طهران بناءً عليها تغيير قواعد الاشتباك مع تل أبيب، بينما تريد الأخيرة الحفاظ على القواعد السابقة التي كان الأسد الأب ثم الابن شريكين فيها.

لسان حال إسرائيل، وهو ما لا تستطيع قوله صراحة، أنها تفضّل الممانعة بطريقة الأسد على الممانعة الإيرانية، وتريد خروج الأسد من مصيدة الثانية، وعندما نستخدم كلمة “مصيدة” فهي تتضمن أيضاً توقه إلى الخروج منها. أي أن تل أبيب، بخلاف تعميمنا السائد عن “حلف الممانعة”، تميّز بين أعضاء هذا الحلف. هي بالأحرى ترى جيداً التمايزات، والتطورات التي طرأت وأدت إلى انقلاب في التوازن القديم وموازين القوى ضمن الحلف.

منذ “أيلول الأسود” 1970 قدّم حافظ الأسد، بخلاف رفاقه في السلطة وقتها، موقفاً يتفق مع تل أبيب، فهو كان ضد توجه صلاح جديد والأتاسي إلى دعم منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة ملك الأردن، وكان من أول إجراءاته بعد انقلابه إعادة قطعات عسكرية اضطر إلى إرسالها قريباً من الحدود الأردنية عندما كان وزيراً للدفاع. بعد ست سنوات ستدخل قوات الأسد إلى لبنان، بموافقة إسرائيلية وأمريكية، لتتولى خلال سنوات تصفية “الكفاح الفلسطيني المسلح”.

بصرف النظر عن أخطاء وخطايا الأخير فقد كان ضد النموذج الذي يريده الأسد، وهو ضبط الحدود مع الإسرائيليين، والإمساك بها وتالياً بأوراق التفاوض، إما من خلال جيش نظامي، أو بواسطة ميليشيات تابعة ومسيطَر عليها جيداً. هذا هو أيضاً النموذج الذي تريده إسرائيل، والتي تفضّل الاشتباك “إذا كان لا بد منه” مع الجيوش النظامية والأنظمة.

لم يكن حافظ الأسد يريد الحرب ولا السلام، هذا هو فحوى خطاب الممانعة. في أقوى حالاته كان يريد جبهة ممسوكة جيداً، يتفاوض بها في قضايا بعيدة عن الصراع المفترض مع إسرائيل، قضايا مثل الحصول على نفوذ إقليمي في لبنان، أو توريث السلطة بلا عقبات في سوريا. كان الإمساك بجبهة الجنوب، حتى الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، أفضل سند لخطاب الممانعة الأسدي، لأنها تغطّي على جبهة الجولان المغلقة إلى الأبد.

تشاء الأقدار أن يموت الأسد الأب مع الانسحاب الإسرائيلي، فلا يخلّف لوريثه سوى التركة اللفظية للممانعة، وليظهر خطاب الممانعة متهافتاً ومثيراً للسخرية أكثر من أي وقت مضى. بدءاً من عام 2011، سيكون الخطاب ذاته حقيقياً وأوضح مما سبق، عندما يصف الأسد الثائرين عليه بعملاء إسرائيل، أي أن السوريين هم إسرائيله.

في العقد الأخير انتقلت جبهة الجنوب، بوصفها منصة لتبادل الرسائل، إلى سوريا، وتغيّر معها المرسل والمرسَل إليه. باستثناءات قليلة جداً، كانت إسرائيل هي المرسل، والوجهة هي طهران. الطرفان كأنهما متفقان على اقتصار المواجهة بينهما على سوريا، حتى أن الجبهة القديمة السهلة صارت تُستخدم للتخويف والردع، واستقالت نهائياً من مهمة تبادل الرسائل. وفق التراتبية الجديدة، قد تُستخدم غزة إذا اقتضت الظروف إرسال رسائل أقوى.

ما حدث لا يُختزل بتبديل للمواقع والأدوار، فلعبة الممانعة القديمة كانت شديدة البساطة بالمقارنة مع الصراع المستجد. هنا سيكون من الخطأ تجاهل الفرق بين الأسد وحكام طهران، حتى مع تجاهل المبالغات الفاحشة للأخيرين من قبيل قدرتهم على تدمير إسرائيل في دقائق قليلة. القوة الإيرانية أدنى بكثير من هذه المبالغة الموروثة من الفلكلور اللفظي للممانعة، وهي في الوقت نفسه قوة إقليمية صاعدة، ومستعدة للدفاع بضراوة عن مسيرتها هذه.

بعبارة أخرى، الصراع الإسرائيلي-الإيراني مرشح للاستمرار بشكل أو بآخر، ولا علاقة لهذا بالغيرة الإيرانية المزعومة على فلسطين. هو صراع بين قوتين إقليميتين، تستخدم فيه إيران العدة الإعلامية المعهودة للممانعة، وتستثمرها على جانبين، جانب من الجمهور العربي الذي يطرب حتى الآن لتلك الشعارات، وجانب من الجمهور الإيراني المتأثر بثقافة محلية عنصرية ومعادية تقليدياً لليهود. الممانعة الإيرانية هي بمثابة اسم رمزي لطموح حقيقي وجاد، وليست لعبة متواضعة الأهداف كما كان حال ممانعة الأسد.

في ميزان الصراع الحالي، الأسد عالق في مصيدة الممانعة الإيرانية، ودوره مقتصر على دفع الثمن، لأنه مدين أولاً لطهران ببقائه، رغم أن إسرائيل لم تدعم للحظة فكرة إسقاطه. وهو مجبر على دفع الثمن الباهظ بالنسبة له، والذي قد يُحتسب مجرد خسارة جانبية لطهران، ومثال ذلك قصفُ مطارَي دمشق وحلب الذي إن أودى بشحنات أسلحة إيرانية فهي خسارة محتملة ضمن المشروع الإيراني ككل، بينما هي خسارة باهظة لاقتصاد الأسد المتهالك، وهي فوق ذلك خسارة تحت عنوان الممانعة الذي صار فضفاضاً عليه. قد لا يكون من حسن طالع الأسد الوقوعُ بين حليف طامح و”جار” حازم، رغم أنه لا يكنّ له سوى الود.

المدن

—————————————–

إسرائيل تكثّف القصف على سوريا بعد كشف «مصانع الصواريخ» الإيرانية

مقتل 5 جنود في غارات على محيط دمشق

تل أبيب: «الشرق الأوسط»

على الرغم من صمت إسرائيل الرسمي حول ما نسب إليها من قصف استهدف مطار دمشق الدولي، وبعض المواقع بريف العاصمة السورية الجنوبي، والذي أدى لمقتل جنود من الجيش، تابعت وسائل الإعلام العبرية الحدث، وربطت بينه وبين تصريحات وزير الدفاع، بيني غانتس، الذي كشف عن وجود عشرة مواقع يتم فيها صناعة وتطوير الصواريخ الإيرانية، بما في ذلك منشآت تابعة للجيش السوري.

وكان مصدر عسكري سوري قد أكد لوكالة أنباء النظام السوري (سانا)، أنه «في حوالي الساعة الثانية عشرة و45 دقيقة من فجر السبت، نفذ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً برشقات من الصواريخ من اتجاه شمال شرقي بحيرة طبرية، مستهدفاً مطار دمشق الدولي وبعض النقاط جنوب مدينة دمشق. وقد تصدت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت معظمها». وأضاف المصدر أن العدوان «أدى إلى استشهاد خمسة عسكريين، ووقوع بعض الخسائر المادية».

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، من جهته، إن «قصفاً إسرائيلياً حدث على مواقع في مزارع الغسولة قرب مطار دمشق الدولي، ومحيط منطقة السيدة زينب، ومنطقة الكسوة، في ريف دمشق، تتمركز فيها ميليشيات موالية لإيران، تزامناً مع محاولة الدفاعات الجوية التابعة للنظام التصدي لأهداف في سماء المنطقة الجنوبية».

وأبرزت وسائل الإعلام العبرية أن إسرائيل نفذت ما لا يقل عن 25 هجوماً على الأراضي السورية خلال عام 2022، تم خلالها استهداف مطار دمشق للمرة الثانية خلال أقل من شهر. وقالت إن طائرات حربية إسرائيلية هاجمت مساء 31 أغسطس (آب)، بعدد من الصواريخ من اتجاه بحيرة طبرية، بعض النقاط جنوب شرقي مدينة دمشق، بما فيها مطار دمشق الدولي، ما أدى إلى وقوع خسائر مادية، من ضمنها تدمير محطة المساعدات الملاحية، وجهاز قياس المسافات في مطار دمشق الدولي، وخروجها جميعها عن الخدمة. وأفاد «المرصد السوري»، في حينه، بأن عسكرياً يتبع قوات النظام قُتل نتيجة القصف الإسرائيلي على مناطق عسكرية لقوات النظام والميليشيات الموالية له.

وفي أعقاب الهجوم الجديد (السبت)، كما في هجمات أخرى سابقة، رفضت إسرائيل تأكيد أو نفي الحدث. وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا يعلق على تقارير أجنبية. وأفادت مصادر دبلوماسية واستخباراتية إقليمية وكالة «رويترز»، بأن إسرائيل كثفت هجماتها على المطارات السورية، لتعطيل استخدام طهران المتزايد لخطوط الإمداد الجوية لتزويد حلفائها في سوريا ولبنان، بما في ذلك «حزب الله»، بالأسلحة. وقالت إن طهران تعتمد النقل الجوي كوسيلة مأمونة بشكل أكبر، لنقل المعدات العسكرية إلى قواتها والميليشيات التابعة لها في سوريا، بعد تعطل عمليات النقل البري.

وقال العميد في جيش الاحتياط الإسرائيلي، يوسي كوبرفاسر، وهو اليوم باحث في معهد القدس للأمن الاستراتيجي، إنها ليست صدفة؛ تكثيف الهجمات المنسوبة لإسرائيل في سوريا في الآونة الأخيرة. وأشار إلى أن سحب وحدات صاروخية روسية من سوريا ونقلها إلى الجبهة في أوكرانيا، فتح الباب نحو تكثيف العمليات الإسرائيلية. وقال إن الضربات الجوية على الأهداف السورية أدت إلى شلل الدفاعات الجوية السورية، فلم تستطع منع هذه الهجمات. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قد قال يوم الاثنين، إن إيران استخدمت أكثر من عشر منشآت عسكرية في سوريا لإنتاج صواريخ وأسلحة متطورة، لتسليح جماعات تعمل لحسابها. وفي حديثه أمام مؤتمر في نيويورك، قدم غانتس خريطة لما قال إنها مواقع عسكرية لمركز الدراسات والبحوث العلمية، وهي وكالة حكومية سورية، تشارك في تصنيع الصواريخ والأسلحة لإيران، حسب «رويترز». وقال غانتس: «حولت إيران مركز الدراسات والبحوث العلمية (السوري) إلى منشآت لإنتاج صواريخ وأسلحة متوسطة وبعيدة المدى ودقيقة، مقدمة لـ(حزب الله) ووكلاء إيران. بعبارة أخرى: صار المركز جبهة إيرانية أخرى، ومصنعاً للأسلحة الاستراتيجية المتقدمة».

وأشارت «رويترز» إلى أن الضربات الإسرائيلية استهدفت بشكل متكرر مصياف، وهي منطقة في غرب محافظة حماة، قال عنها غانتس إن بها منشأة لإنتاج الأسلحة تحت الأرض تهدد إسرائيل والمنطقة. وأضاف غانتس: «مصياف على وجه التحديد تُستخدم لإنتاج صواريخ متطورة». وقال إن إيران تعمل أيضاً على تأسيس عملية لتصنيع الصواريخ والأسلحة في لبنان واليمن. وخلص قائلاً: «إذا لم يتوقف هذا التوجه، ففي غضون عقد من الزمن، ستكون هناك صناعات إيرانية متقدمة في جميع أنحاء المنطقة لإنتاج الأسلحة ونشر الرعب».

الشرق الأوسط

——————————

كم ضربة حتى الآن؟/ طارق الحميد

من الصعب رصد عدد الضربات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف الأراضي السورية، سواء المطار أو محيطه، ومناطق أخرى متفرقة، وربما الجهات الوحيدة القادرة على الرصد هي الأجهزة الاستخباراتية، أو مراكز البحث المتخصصة.

وهذه ليست القصة، وإنما السؤال المحوري هنا هو كم عدد المخزون الإيراني من الصواريخ والأسلحة بسوريا، الذي تستهدفه إسرائيل بشكل مكثف، حيث باتت سوريا مخزناً للأسلحة، وليس فقط قاعدة إيرانية؟

الاستهداف الإسرائيلي المستمر لسوريا، وبالتالي عتاد إيران ورجالها، وكذلك استهداف «حزب الله»، وجماعات إيرانية هناك، يقابل بصمت طهران، وكذلك صمت من «حزب الله»، وتصريحات خجولة من نظام الأسد.

وهو ما يعني أن الاستهداف الإسرائيلي يضرب أهدافاً حقيقية، كما يظهر أن إيران اعتمدت سوريا ولبنان أرض مواجهة، بحال حدوث حرب، ولذلك تتجنب إيران الرد أو التصعيد رداً على تلك الضربات.

عدد الهجمات الإسرائيلية على سوريا يؤكد أن إيران تفاوض في فيينا، وتحشد في لبنان وسوريا، وتمزق العراق لكي لا يكون نقطة انطلاق لمهاجمة طهران، في أي حرب محتملة، وتصعّد في اليمن لتحييد الحدود من ناحية السعودية.

وحجم الاستهداف الإسرائيلي المكثف لإيران بسوريا يظهر أيضاً أن الإسرائيليين يريدون تقليل مخاطر جبهة لبنان وسوريا تحسباً لأي مواجهة مع إيران، وبالتالي تريد إسرائيل ضمان تشذيب أظافر طهران، إن لم تستطع نزع مخالبها من حدودها.

هذه هي القصة، كما يبدو، ولذا نتساءل: كم حجم الأسلحة الإيرانية في سوريا، وبالتالي لبنان، لنعرف مدى حجم الضرر المتوقع، في حال حدوث حرب؟ والسؤال الآخر هنا هو: ما قيمة العقوبات الأميركية على إيران التي بمقدورها تحريك كل هذه الأسلحة بالمنطقة؟

وهل قامت المخابرات الأميركية، أصلاً، بأي دور حقيقي لرصد تحرك السلاح الإيراني من إيران، مروراً بالعراق إلى سوريا، والوجود الأميركي في العراق منذ عام 2003؟

المراد قوله هو أن إيران لم تقم بعمليات تهريب الأسلحة هذه بذكاء، بل كونها لم تلمس أي جدية أميركية وغربية تجاه تهريب الأسلحة هذه، ومنذ عام 2003، إلى المنطقة، حيث إن عدد الضربات الإسرائيلية بسوريا يظهر أن المخزون الإيراني هناك كبير.

وهذا يقود إلى نقطة أخرى، فإذا كانت كمية الأسلحة الإيرانية بسوريا هكذا، فكم حجم الأسلحة التي هربتها، وتهربها، إيران إلى العراق المتاخم لها حدودياً، وتقدمها طهران تحديداً إلى جماعاتها المخولة تقويض الدولة العراقية؟

كل هذا يقول لنا إنه لم تكن هناك جدية أميركية، أو غربية، لاحتواء إيران من الأساس بالمنطقة، ومجابهتها، وعلى الطريقة نفسها التي تعامل بها الأميركيون مع «طالبان» طوال عشرين عاماً من الوجود الأميركي.

بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وعودة «طالبان»، اتضح أن الأميركيين لم يكونوا يتعاملون بجدية مع «طالبان»، ولذا عادت بعد «ثوانٍ» من الانسحاب، ولا أقول «ثواني» تهكماً، بل بكل جدية.

ملخص القول أن إيران لا تتمدد بسبب قوتها، بل بسبب الإهمال الغربي، وكذلك العربي، وهذه قصة لم تُروَ جيداً للآن، خصوصاً كذبة «المقاومة والممانعة». وحتماً هناك يوم حساب ستدفع ثمنه المنطقة، للأسف.

الشرق الأوسط

———————

صواريخ الأسد “الغبية”.. لماذا استهدفت إسرائيل مطار دمشق ومنطقة الكسوة؟/ خالد خليل

كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن المواقع الأخرى التي استهدفها الهجوم الإسرائيلي، الليلة الماضية، كانت معسكراً لميليشيات تابعة لإيران في منطقة الكسوة جنوبي دمشق، إضافة لاستهداف مطار دمشق الدولي.

وكتب معلق الشؤون الأمنية والعسكرية في الصحيفة، رون بن يشاي، كان هدف الهجوم الإسرائيلي، ليل الجمعة-السبت، مختلفاً تماماً، ولم تستهدف مطار دمشق الدولي فقط، وإنما منطقة الكسوة.

وأوضح بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بهيئة الأركان، أن الموقع المستهدف في الكسوة هو معسكرات تابعة للنظام يتم فيها تدريب الميليشيات الموالية لإيران وأماكن لإيواء عناصر هذه الميليشيات المستجلبين من إيران وأفغانستان.

فجر اليوم السبت، استهدفت إسرائيل، في تمام الساعة 00:45، بغارات جوية مطارَ دمشق ومواقعَ جنوبي العاصمة، أسفرت عن مقتل خمسة جنود، بحسب وكالة أنباء النظام “سانا”

كما كشف المحلل الإسرائيلي أن القتلى الخمسة من جراء الهجوم هم من جنود النظام الذين يعملون في قاعدة تابعة للدفاع الجوي، بينهم ضابط.

وبحسب بن يشاي، فإن الهجوم المزدوج الليلة الماضية كان يهدف لتحقيق ثلاثة أهداف:

    منع وتعطيل مشروع الصواريخ والصواريخ الدقيقة، ورسالة تحذير للأسد للكف عن إيواء الميليشيات الإيرانية وتأمين الغطاء المدني لهم عبر فتح الملاحة الجوية للحرس الثوري.

    منع استنساخ تجربة “حزب الله 2”.

    “إضعاف” منظومة الدفاع الجوي للنظام السوري. ويستدل بن يشاي بأن الهجوم أسقط جنودا كانوا يديرون بطارية مضاد طيران.

إفشال مشروع الصواريخ الدقيقة.. لماذا المطارات؟

وبحسب التقديرات الإسرائيلية الرسمية، فإن “حزب الله” يحاول تهريب أجهزة تحديد المواقع “GPS” التي تسمح للمصانع في سوريا بتحويل الصواريخ “الغبية” والصواريخ إلى صواريخ دقيقة.

ويقول بن يشاي إن “حزب الله” يقوم بتهريب هذه الأجهزة والمعدات من إيران عبر الطيران المدني، لصغر حجمها وسهولة إخفائها في حقائب السفر.

وترى إسرائيل بأنها نجحت نوعاً ما في تباطؤ المشروع الإيراني في سوريا بفضل ضرباتها العسكرية، وفقا لهيئة الأركان الإسرائيلية.

وتهدف الضربات الإسرائيلية في سوريا، ولاسيما شل حركات المطارات الدولية، في الآونة الأخيرة، إلى منع وتعطيل مشروع الصواريخ والصواريخ الدقيقة لإيران، إضافة لمعاقبة نظام الأسد لاستمراره في السماح لإيران باستخدام غطاء الطيران المدني لتهريب هذه المعدات القتالية.

تركيز الضربات الأخيرة على شل الملاحة الجوية وقطع طرق الإمداد الجوية من طهران إلى حزب الله، هو رسالة للأسد مفادها “طالما أنك تواصل إيواء النشاط الإيراني وفتح مطاراتك الدولية فستكون خارج الخدمة إما لفترة قصيرة أو لفترات طويلة”، على حد تعبير بن يشاي.

وكانت الاستخبارات الإسرائيلية، كشفت في أيار/مايو الماضي لأول مرة، خط تهريب جوي، جديدا وسريا لـ “حزب الله” و”الحرس الثوري”، عبر استخدام رحلات الطيران المدني يديره نجل قيادي لبناني وصهر قاسم سليماني.

وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت

” إلى أنها حصلت على معلومات تفيد بأن الأجهزة المهربة هي مكونات صغيرة نسبياً تبدو بريئة في المظهر وبالتالي يسهل إخفاؤها في الأمتعة التي تحمل في حقائب اليد التي يمكن حملها داخل الطائرة.

وبحسب التقرير، تغادر بعض المعدات العسكرية المعدة للتهريب على متن رحلات مدنية من طهران إلى دولة أوروبية، في رحلة عبور (ترانزيت)، ومن ثم إلى دمشق أو بيروت.

يدير خط التهريب هذا نجل قيادي بارز في الحزب، هو سيد رضا صفي الدين، نجل سيد هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب والمسؤول عن إدارة العلاقات مع الأطراف اللبنانية، أي رجل الحزب الذي يدير لبنان.

سيد رضا متزوج من ابنة قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذي اغتالته الولايات المتحدة في مطار بغداد عام 2019.

وفي التفاصيل، يسافر سيد رضا عدة مرات في الشهر من لبنان إلى إيران، حيث تعيش زوجته، ويستغل إقامته في إيران لتنسيق نقل المعدات العسكرية المتطورة إلى “حزب الله”.

ويستغل سيد رضا المنصب الرفيع لوالده في الحزب وعلاقاته في لبنان، مستفيداً من البنية التحتية والشبكة النشطة التي يوفرها “الحرس الثوري”.

يشار إلى أن إيران تستخدم سوريا كممر لتهريب الأسلحة إلى جنوبي لبنان، سواء عبر “الكاريدور” البري من مدينة البوكمال أو جواً عبر مطار دمشق وبحراً عبر موانئ اللاذقية وطرطوس.

معسكرات الكسوة هدف مختلف تماماً

أعلنت إسرائيل مراراً وتكراراً أنها لن تسمح لإيران بالتمركز العسكري في الجنوب السوري لحماية أمنها القومي، وشنت خلال السنوات الأخيرة مئات الضربات الجوية والصاروخية داخل الأراضي السورية.

ويأتي استهداف إسرائيل لمعسكر تدريب في منطقة الكسوة، في الريف الجنوبي للعاصمة دمشق، لمحاربة الوجود الإيراني أو إبعاد “الحرس الثوري” عن الحدود الشمالية.

وتحذر التقديرات الإسرائيلية من أن معسكر الكسوة معدّ لتدريب ميليشيات إيرانية يمكن استخدامها في أثناء الحرب لمهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية.

تقع هذه المعسكرات في الكسوة القريبة من أقدس مكان للشيعة في سوريا، مزار السيدة زينب، أي بين الطريق المؤدية من جنوبي دمشق إلى مرتفعات الجولان السوري المحتل.

وبحسب المحلل الإسرائيلي، قررت إيران تجديد وجودها في الجنوب السوري عبر تأسيس مشروع معسكرات التدريب في الكسوة، بعد تباطؤ مشروعها في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب الهجمات الإسرائيلية التي أبعدت ميليشيات إيران من المنطقة باتجاه الحدود العراقية في محافظة دير الزور.

وتشير آخر التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى انخفاض “كبير” في وجود الميليشيات الشيعية وعناصر “حزب الله” بالقرب من السياج الحدودي وفي الجولان السوري، ولكن لا تزال هناك بقايا منهم بالقرب من مواقع جيش النظام الذي يوفر لهم الحماية والغطاء.

“إضعاف” الدفاعات الجوية للنظام

يقول المحلل الإسرائيلي رون بن يشاي، إن إسرائيل معنية أيضاً بـ “إضعاف” نظام الدفاع الجوي السوري، مستدلاً بأن القتلى الذين سقطوا في الهجوم الأخير هم من جنود الدفاع الجوي وتابعون للنظام.

ويضيف أن الجنود الخمسة الذين قتلوا من بينهم ضابط واحد على الأقل، كانوا يقودون بطارية دفاع جوي (م/ط) كانت تحاول اعتراض الصواريخ الإسرائيلية.

وعلى الرغم من قساوة الضربات الإسرائيلية، نظراً لسقوط قتلى على غير العادة، وتعمدها إحراج الأسد عبر ضرب منشآته الحيوية ذات الطابع المدني، كــ مطارَي دمشق وحلب، إلا أن إسرائيل حريصة على إبلاغ الأسد بأنه غير مستهدف لطمأنته وترغيبه في آن معاً.

ويرجح بن يشاي، بأن يكون الجيش الإسرائيلي قد أبلغ نظام الأسد بهجوم الليلة الماضية أيضاً.

وكانت “يديعوت أحرونوت” نشرت قبل أسبوعين بأن هناك اتصالاً مباشراً بين نظام الأسد وقوات الأمن الإسرائيلية، بعثت من خلاله تل أبيب رسائل طمأنة للأسد بعدم استهداف قواته ورسائل تحذير للضغط على إيران.

وقالت الصحيفة الإسرائيلية، إن تل أبيب سلمت مسؤولين في نظام الأسد والقوات الروسية في سوريا رسالة مباشرة، عقب الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مطار حلب ومواقع بالقرب من العاصمة دمشق.

وأضافت “يديعوت أحرونوت”، أن نص الرسالة التي سلمتها تل أبيب للنظام كانت تأكيداً منها أن الضربات الإسرائيلية لا تريد إلحاق الأذى بالعسكريين السوريين، وإنما تستهدف عناصر الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية سواء حاولوا الهبوط في المطارات المدنية أو تم إيواؤهم في مقارَّ عسكرية للنظام أو بالقرب من القوات الروسية.

ويؤكد بن يشاي أن هذه الرسائل تم توصيلها ولا تزال تصل إلى قادة النظام مباشرة، أحياناً تصل بعد وقت قصير من الهجوم، لتوضيح ماذا ومن هوجم ولماذا؟

كما يرسل الجيش الإسرائيلي رسالة مماثلة إلى الروس مع إضافة واحدة مفادها أن الروس سيحصلون على “إخطار مسبق” قبل دقائق ليتسنى لهم نقل أو إبعاد قواتهم عن مكان الهجوم.

استهداف المطارات

تعرض مطار دمشق الدولي لغارات إسرائيلية متكررة، خلال السنوات الأخيرة، في إطار عملية “المعركة بين الحروب” التي ينفذها الجيش الإسرائيلي لمنع التموضع الإيراني في سوريا ومنع تهريب أسلحة متطورة إلى “حزب الله”.

وهذه المرة السادسة التي تستهدف فيها الغارات الإسرائيلية مطار دمشق منذ بداية العام الحالي، أسفرت عن مقتل 15 جندياً للنظام وفقاً للأرقام التي أعلنتها “سانا”، في حين تشير أرقام وسائل إعلام أخرى إلى 19 قتيلاً.

ويأتي الهجوم الأخير على مطار دمشق بعد أقل من أسبوعين على استهداف مطار حلب الدولي مرتين على التوالي في غضون أسبوع واحد، وخروجه عن الخدمة بشكل كامل.

“، وذلك غداة بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

27 نيسان/أبريل، استهدفت إسرائيل مطار دمشق بغارة جوية أوقعت أربعة جنود لنظام الأسد قتلى، وفقاً لـ “سانا

“، في حين قالت تقارير عربية إن الغارة أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وكانت تستهدف شحنة أسلحة إيرانية كانت متجهة إلى “حزب الله”.

20 أيار/مايو، استهدف هجوم إسرائيلي، بصواريخ أرض-أرض، محيط مطار دمشق وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود، وفقاً لـ “سانا

“.

10 حزيران/يوليو، تعطلت حركة الطيران في مطار دمشق الدولي إثر غارة جوية إسرائيلية.

31 آب/أغسطس، هجوم إسرائيلي مزدوج يستهدف مطاري حلب ودمشق الدوليين في أقل من ساعة ونصف، وخروج مطار حلب عن الخدمة.

6 أيلول/سبتمبر الجاري، غارة إسرائيلية على مطار حلب الدولي، وهي الثانية في أقل من أسبوع، تخرج المطار عن الخدمة نهائياً، في حين قالت تقارير إعلامية إن الهجوم أسفر عن مقتل ثلاثة جنود.

17 أيلول/سبتمبر ، غارة إسرائيلية على مطار دمشق ومواقع عسكرية في الكسوة، أسفرت عن مقتل خمسة جنود للنظام، وفقاً لـ “سانا

“.

تلفزيون سوريا

——————————-

عن الممانعة وانقساماتها وجواسيس إسرائيل/ عادل حداد

لا النظام السوري ولا “حزب الله”، يستطيعان الرد على الهجمات الإسرائيلية الدائمة. العجز، عن ذلك، يعالج بتبادل الاتهامات الضمنية، وبتقديم روايات للجمهور، عنصرها المشترك “الجواسيس”.

تجاوز عدد المرات التي قصفت فيها إسرائيل شحنات أسلحة إيرانية ومواقع في سوريا، عشرين مرة في العام 2022 وحده. أما عدد الغارات في السنوات الأخيرة، فقد تجاوز 1860 غارة. هذه الأرقام تتعلق بالفترة بين 2011، وحتى الآن، أي 11 عاماً، وخلال كل هذا الوقت من الضربات التي لا تقابل بأي رد، لم يرد في الإعلام حديث عن اعتقال اي جواسيس داخل الجيش السوري، يقدمون معلومات لإسرائيل، كي تحدد أهدافها، فلماذا الآن، تتصدر عناوين الصحف، أخبار من هذا النوع؟

الإجابة على هذا السؤال، تستلزم التركيز على التوظيف أكثر من التركيز على الحقيقة، أي توظيف هذه الأخبار، كدعاية تخاطب بيئة الممانعة بشقيها السوري (النظام) والحزب إلهي(في لبنان)، وليس الحقيقة، التي من الصعوبة، التأكد منها، لسببين: الأول، أن سوريا، بلد مغلق، يصعب تصديق أي معلومات عن أي حدث فيه، فكيف إذا كان الحدث يتعلق بمؤسسة يحوطها قدر كبير من السرية هي الجيش السوري واستخباراته. والثاني، أنه، خلال 11 عاماً، من القصف الإسرائيلي، لم يتم اعتقال جاسوس واحد، أو الحديث في هذا الأمر، حتى.

استدعاء الدعاية في هذا التوقيت ضروري جداً بالنسبة إلى الماكينة الاعلامية التابعة للنظام، بعد التململ داخل بيئة الممانعة، بسبب عدم الرد على القصف الإسرائيلي. الموالون للنظام،  يرمون بالمسؤولية على “الحلفاء”، روسيا وإيران و”حزب الله”. والأخير على الرغم من أنه بات يُظهر انتقادات علنية تطال موسكو، إلى درجة اتهامها، عبر أحد قيادييه بأنها “حليفة للعدو”، لكن صحيفة “الأخبار” المقربة من الحزب، نشرت خبراً مفصلاً (السبت) عن اعتقال فرع المعلومات في لبنان، طبيباً سورياً يعيش في السويد، جنده الموساد، للحصول على معلومات من شقيقيه، الضابطين في جيش الأسد. بمعنى أن علنية انتقاد الحزب لروسيا، يجاورها، انتقاد ضمني للنظام السوري، لتركه العملاء يسرحون ويمرحون داخل المؤسسة العسكرية، وهذا الانتقاد، قد يدرج في إطار الرد، على اتهام إيران والحزب بالتقصير في الرد على إسرائيل، من قبل الموالين للنظام في دمشق. المعادلة التي يطرحها الحزب: تتهموننا بالتقصير، نتّهمكم بالتساهل مع العملاء، إذ إن خبر “الأخبار”، تحدث عن أن من اعتقل الطبيب هو فرع المعلومات، في إشارة إلى أن الرجل كان يعمل بأريحية في سوريا واعتقل عندما جاء إلى لبنان. أكثر من ذلك، تقصد خبر الصحيفة الممانعة، تخصيص قطعة عن تاريخ الطبيب ونسبه ومحل سكنه، للتدليل بطريقة غير مباشرة إلى انتمائه للطائفة العلوية، التي يقطن جزء كبير منها في ريف اللاذقية مسقط رأس الطبيب – الجاسوس.

مؤكد أن النظام السوري ليس راضياً على نشر تفاصيل عن هذا الطبيب أو غيره. هو يحتاج المعلومات عن الجواسيس لتوظيفها دعائيا، بشكل عمومي. فـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” نشر خبراً، تداولته صحف ومواقع عدة، مفاده أن “المخابرات الجوية والمخابرات العسكرية في سوريا، نفذت حملة اعتقالات واسعة طالت ضباطاً في قوات النظام، في دمشق وحلب، بشبهة التعاون مع “جهات معادية”، في إشارة إلى إسرائيل. وذلك بناءً على معلومات من جهاز استخبارات “حزب الله”.

 المرصد الذي لا يملك أي قدرات للحصول على معلومات أمنية حساسة من داخل الأجهزة السورية، نشر كلاما متداولاً في سوريا، أو جرى تقصد تداوله عن عمد. كلام عام عن ضباط متعاونين مع العدو، دون أي معلومات عنهم، من هم؟ كيف كانوا ينشطون؟ وكيف تم اعتقالهم؟ 

واللافت في الخبر، الزج باسم “حزب الله”، عبر التعاون الأمني، لتوريط الحزب بلعبة الجواسيس التي يريد الحزب، رميها في ملعب الجناح السوري.

 استراتيجية توظيف أخبار الجواسيس، إذن، لا تبدو، أنها تعمل بشكل منسجم داخل أجنحة الممانعة. فـ”حزب الله” أراد الرد على حملات التشكيك داخل بيئة الموالين للنظام السوري بنوايا إيران وملحقاتها بالرد على إسرائيل. فاستحضر الجواسيس، لكي يلوم النظام، الذي يترك العملاء ينشطون داخل أجهزته العسكرية، لتستكمل رواية “الحزب” المقدمة لجمهوره، حول عدم الرد على إسرائيل، علناً، بانتقاد روسيا، وضمناً بانتقاد تساهل النظام مع جواسيس العدو. وقد اتّبع الحزب في هذا، استراتيجية التفاصيل، على ما نشرت صحيفته، فضلا عن التلميح إلى الأصل الطائفي للجاسوس المفترض، أي النواة الصلبة الداعمة للنظام. أما الأخير، فأراد ضمن روايته لجمهوره، الاستعاضة عن الرد العسكري على إسرائيل، بإجراءات تتمثل باعتقال جواسيس لها ضمن الجيش السوري، مستدرجاً “حزب الله” إلى هذه اللعبة، عبر منحه رتبة المساعد الأمني. 

في جميع الأحوال، لا النظام السوري ولا “حزب الله”، يستطيعان الرد على الهجمات الإسرائيلية الدائمة. العجز، عن ذلك، يعالج بتبادل الاتهامات الضمنية، وبتقديم روايات للجمهور، عنصرها المشترك “الجواسيس”، الذين يبدون عند طرف كحالة عامة مجردة من دون تسمية أو تفاصيل، وعند طرف آخر حالة شديدة التعيين، وذات تاريخ وأصل وتفاصيل.

هذا ما يكشفه الصراع ضمن أجنحة الممانعة، المغرمة بترحيل خلافاتها، إلى “الجواسيس”، فهؤلاء مادة دسمة، ليس لإخفاء انقسامات الممانعة، بل وأيضاً، لإقناع جمهورها، بأنها “صادقة” حتى وإن لم تردّ على إسرائيل.

درج

———————————————-

عن سوريا المتروكة لإيران وتركيا/ عبدالناصر العايد

يوماً بعد آخر تصبح الصورة أكثر جلاء، فمصير سوريا تقرره القوتان الإقليميتان الأقوى، تركيا وإيران، أو بالأحرى المصالح القومية لكل منهما، وهو ما صار بارزاً في هذه المرحلة، في ظل تراجع دور روسيا الغارقة في أوكرانيا، والولايات المتحدة المشغولة بالصين. أما إسرائيل فتفعل ما يكفي لحماية مصالحها وأمنها ولا شيء آخر، ولا أحد يعرف سر نأي الدول العربية بنفسها عن الشأن السوري، لكن السبب على الأرجح هو الافتقار الى استراتيجية واضحة، مغلفة بتبكيت السوريين لاختيار فرق منهم الفرس نصيراً، واختيار فريق آخر للأتراك ولياً، وإدارة الظهر للأشقاء.

لن ألجأ هنا إلى خرائط توزع السيطرة على الأرض السورية، فالحدود أحياناً خادعة، أما عذابات البشر فصادقة، وذروة ما عاناه السوريون يتبدى في ركوب الأهوال للفرار من أرض الآباء والأجداد، أي تجربة اللجوء التي بلغت أقاصي الأرض شرقاً وغرباً.

فاليوم ثمّة موجة لجوء سورية كثيفة، وكل يوم يدخل بلدان الاتحاد الاوربي نحو 500 لاجئ جديد، على غرار موجة العام 2015 التي حملت نحو نصف مليون سوري إلى بر الأمان.

وقد أخبرني صديق مطلع على أحوال المخيم المركزي للاجئين في هولندا، على سبيل المثال، إن نصف طالبي اللجوء هناك من مناطق سيطرة النظام، التي تسيطر عليها إيران فعلياً، والنصف الآخر من تركيا، أو مناطق الشمال التي تسيطر عليها بدورها.

حتى عام مضى، كان سوريو تركيا يعزّون أنفسهم بأن وجودهم في بلد مجاور، يشعرهم بأنهم في بلادهم وعلى مقربة من أرضهم التي سيعودون إليها مع أول بشائر الحلّ. وعلى الرغم من مرور السنوات عجافاً وبلا أمل، ومع صعوبة ظروفهم في تركيا حيث يعيشون كضيوف بما يعنيه ذلك من حرج على الأقل، إلا أن آمالهم لم تخبُ، وقاوموا الرغبة في الهجرة إلى أوروبا. لكن، في السنة الأخيرة، بدأت السياسة التركية تتغير، وأدارت قيادة حزب “العدالة والتنمية” وجهها عن مأساة السوريين، لتتطلع إلى التلاقي مع المتسبب فيها، كما تقتضي مصالح الدولة الجيوستراتيجية. وبالتزامن، تصاعدت موجة العداء للسوريين في تركيا، على نحو لا يمكن تحمله، فهاجر من أسعفته إمكاناته المالية في تحمّل أجور المهرّبين، فيما تجمع العاجزون عن ذلك في حملة في وسائل التواصل الاجتماعي للهجرة الجماعية إلى أوروبا، سُمّيت بقافلة النور، وضمت حتى الآن ما يزيد عن 40 ألف مشترك، ولم يتضح بعد إن كانت ستنجح أم ستفشل، شأن قافلة أخرى حاولت الانطلاق من شمال غربي سوريا لعبور الأراضي التركية إلى اوروبا، ودُعيت بقافلة السلام.

إذن، ثمّة تحولات سلبية معلنة في تركيا، تفسر هروب السوريين، لكن ما الذي يدفع أقرانهم الواقعين تحت سيطرة النظام للرحيل الكثيف بعدما أعلن النظام انتصاره، وعودة الاستقرار إلى المناطق التي يسيطر عليها، بل ودعوته اللاجئين للعودة.. فكم بالحريّ مَن “صمد” معه عشر سنوات؟ لماذا يفرّ منه اليوم؟

الحال إن مَن يشعر بانتصاره في سوريا هو إيران، وهي تريد أن تترجم انتصارها إلى امتلاك حصري لهذا البلد، على غرار العراق ولبنان واليمن. ولما كانت غالبية سكان سوريا على تناقض عقائدي مع إيران، بخلاف البلاد آنفة الذِّكر، فإن تهجيرهم بشتى الأساليب، وجلب سكان جدد موالين لطهران، يبدو الحل الأفضل لإعادة هندسة البلد سكانياً بما يتوافق مع التطلعات الإيرانية.

وقد أخبرني الصديق المطلع على أحوال مخيم طالبي اللجوء في هولندا أيضاً، أن معظم القادمين من مناطق النظام صرحوا بأنهم باعوا منازلهم لتأمين تكاليف الرحلة إلى أوروبا، والتي تبلغ نحو 15 ألف يورو. وبحثت بنفسي في سوق العقارات ووضعه الراهن في سوريا، لأجد أن وكلاء إيران، في منطقتين على الأقل، هم من يشترون تلك المنازل. ففي البو كمال الحدودية، أخبرني أحد الأهالي بأن عشرات المشترين يتوافرون ما أن يعرض أحد السكان منزلاً للبيع، وهو أمر مستغرب في ظل ضيق أحوال عامة الناس وفقرهم. إلا أن الأمر يصبح مفهوماً عندما نعرف أن كل الراغبين في الشراء هم من المرتبطين بالمليشيات الإيرانية هناك.

وفي ضاحية المعضمية أيضاً، قرب دمشق، أخبرني ناشط إعلامي بأن تاجراً يدعى فرحان المرسومي، اشترى وما زال يشتري معظم المنازل المعروضة للبيع. ويستقيم الأمر عندما نعلم أن المرسومي شخص مغمور من قرية على الحدود السورية العراقية السورية، وكان مِن أوائل مَن عقدوا صِلات مع المليشيات الإيرانية الوافدة، وخاض معها في تجارة المواد المخدرة والتجنيد والتشيُّع، ليغدو اليوم من كبار المتمولين في عموم البلاد، يتحرك بحقيبة مالية منتفخة لشراء العقارات بأسعار سخية، ولا أحد يعرف على وجه الدقّة الجهة التي تقف وراءه، ولا الغاية من جمع كل تلك الأراضي والدّور.

إن هذا المشهد المتشائم، الذي يبدأ مكانياً من مخيم اللاجئين في هولندا، يزداد قتامة فيما لو تم سحبه زمنياً نحو المستقبل. فسوريا التي فقدت نصف سكانها في خلال عشرة أعوام، وطاولت الهجرة القوى البشرية الصلبة فيها، أي الأجيال الشابة والتكنوقراط وأصحاب رؤوس الأموال، ستفقد في غضون سنوات ما تبقى من سكانها الأصليين، سواء بالهجرة أو بتحويل هويتهم، لتصبح إيرانية أو تركية. بمعنى آخر، ستفقد هذه البقعة الجغرافية هويتها الثقافية ودورها السياسي المستقل، وربما أيضاً وجودها السياسي المكرس ذاته، لتتقاسم ذلك كله الدولتان الإقليميتان الكبيرتان.

لكن التشاؤم هذا ليس مدعاة للتسليم ولا دعوة للاستسلام. التاريخ بتجاربه يقول إن ثمة ما يمكن فعله دائماً، ويقول أيضاً إن الغزاة والمحتلّين إلى رحيل مهما طال جثومهم، ولا خيار أمامنا كسوريين، سوى الإعلان بأن انتزاع بلادنا من أنياب محتليها وعملائهم هو هدفنا الأول اليوم، مع ايلاء اهتمام خاص لأصحاب المصلحة القومية المباشرة والمستمرة في سوريا، أي إيران وتركيا.

الدعوة لسيادة واستقلال سوريا، لا يمكن أن تبدأ سوى من أروقة السياسة والسياسيين، المخضرمين منهم والصاعدين، على أن تقترن بإعادة الاعتبار للوطنية السورية والمأسسة ونسج التحالفات مع العمق العربي والجوار الأوروبي، لخلق نوع من توازن القوى مع الدولتين المهيمنتين. وتبدو المَهاجر مكاناً مناسباً لها اليوم، لكن بقاءها هناك لا يجوز، إذ يجب أن تنتقل إلى الداخل السوري، وأن يتم الاستعداد منذ الآن لنقلها من الشكل السياسي والثقافي إلى الحالة الميدانية الحركية، ما إن تسمح بذلك موازين القوى الإقليمية والدولية، دائمة التقلب والتغير.  

المدن

—————————————-

أجندات وجبهات مختلفة في سوريا/ عمر أنهون

انخرطت إيران، منذ اليوم الأول للأزمة السورية، بشكل مباشر في الجبهات الأمامية ووجدت فيها. وكان «الحرس الثوري»، و«حزب الله» اللبناني، وميليشيات شيعية أخرى من العراق وأفغانستان وباكستان، جزءاً أساسياً من المجهود الحربي لنظام الأسد.

أما روسيا، حليفة الأسد الكبرى الأخرى، فتخوض راهناً حرباً في أوكرانيا، وهناك تصور عام بأنَّ روسيا تقلص وجودها في سوريا.

صحيح أن الحرب في أوكرانيا لا تسير بسلاسة كما كان الروس يتوقعون، واضطروا إلى إعادة نشر بعض قواتهم ومعداتهم التي كانت في سوريا. غير أن ذلك لا يعني أن روسيا تعمل على تقليص حجم وجودها وقدراتها إلى المستوى الذي قد يجعلها غير ذات أهمية، بل على العكس، في ظل الظروف الراهنة، يسعني القول بأن الوجود والنفوذ الروسي في سوريا قد صار أكثر أهمية، باعتباره أداة في علاقاتها مع الخصوم و«الأصدقاء» على حد سواء.

على أي حال، تحاول إيران استغلال الوضع واتخاذ خطوات لتوسيع وجودها ونفوذها في سوريا.

في هذا الصدد، توسع إيران من قدراتها العسكرية، وتتوغل بشكل أعمق في الهياكل العسكرية والمدنية السورية، وتعكف على الهندسة السكانية عبر توطين أفراد الميليشيات الشيعية وعائلاتهم في دمشق وما حولها، وفي أماكن أخرى مختلفة من البلاد.

حتى وإن كان لأسباب مختلفة، فإن ما تباشره إيران في سوريا يشكل مصدر إزعاج للجميع تقريباً، بما في ذلك روسيا رغم وقوفها في نفس الجانب، وربما يشمل الانزعاج بعض أجزاء نظام الأسد.

إسرائيل هي أكثر الدول انزعاجاً من الوجود الإيراني في سوريا، وهي عازمة على عدم السماح لإيران بحرية التصرف هناك.

وكثيراً ما توجه إسرائيل الضربات ضد الأهداف الإيرانية والتابعة لها هناك. وشملت هذه الأهداف معسكرات «الحرس الثوري» حول البوكمال، ومستودعات في مصياف يُقال إنها تضم الصواريخ الإيرانية، كما قصفت مطاري دمشق وحلب لمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط. وقيل إن هذه الطائرات كانت تحمل معدات من شأنها تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية التي تُستخدم أيضاً ضد إسرائيل.

وتردد أن روسيا طلبت من إيران وقف أنشطتها، لا سيما في المناطق القريبة من إسرائيل حتى لا تستفزها.

وهناك قضية رئيسية أخرى تتعلق بسوريا، ألا وهي سياسة تركيا الجديدة الواضحة. فقد أظهرت تعليقات الرئيس إردوغان، قبل بضعة أسابيع، نية «التصالح مع نظام الأسد»، وصارت القضية الآن موضع نقاش عام محتدم في تركيا.

ومع الانتخابات المقبلة عام 2023، تحتاج الحكومة التركية إلى أن تفعل شيئاً، أو أن تبدو وكأنها تفعل شيئاً، حيال قضايا الأمن واللاجئين. وقد أصبح اللاجئون السوريون في تركيا وعودتهم إلى وطنهم من القضايا السياسية الداخلية الكبرى على وجه الخصوص.

يتحدث الرئيس إردوغان، منذ مايو (أيار) الماضي، عن عملية عسكرية كبيرة أخرى في شمال سوريا، بهدف طرد «وحدات حماية الشعب» من المواقع التي لا تزال متواجدة فيها، وإنشاء منطقة يمكن أن يعود إليها السوريون المقيمون في تركيا.

إنَّ جميع الجهات الفاعلة تقريباً، سواءً كانت من «حلفاء» تركيا (الولايات المتحدة، بلدان الاتحاد الأوروبي) أو مما يسمى الشركاء الإقليميين (روسيا وإيران)، تعارض مثل هذه العملية. ومن الواضح أن بوتين نصح إردوغان بالتحدث إلى الأسد من أجل معالجة الشواغل الأمنية.

ولم يرفض الرئيس إردوغان اقتراح نظيره الروسي. في الواقع، كانت تصريحات إردوغان في طريق عودته من طهران، ولا سيما سوتشي، واضحة للغاية حول الأهمية التي يوليها لما يقوله بوتين.

والعلاقات التركية – الروسية معقدة ومثيرة للاهتمام. فسوريا ليست قضية قائمة بذاتها في العلاقات بينهما. ومن المنطقي النظر إليها كجزء من حزمة تشمل الحرب الأوكرانية والقوقاز وليبيا، وكذلك العلاقات الثنائية، بما فيها محطات الطاقة والغاز الطبيعي والسياحة وغيرها.

من جهة أخرى، فإن استمرار الدعم الأميركي لـ«وحدات حماية الشعب» يثير غضب إردوغان ويقرّبه أكثر من روسيا.

ووردت الأنباء بأن الولايات المتحدة أنشأت قاعدة ثالثة بالقرب من مدينة القامشلي، في الجزء الخاضع للنفوذ الكردي، وتسيطر عليه «وحدات حماية الشعب» في سوريا. كما أجرى الجانبان تدريبات عسكرية مشتركة في الطرف الشمالي الشرقي من البلاد. ويُقال إن نحو 900 جندي أميركي موجودون في سوريا بهدف رئيسي مُعلن، ألا وهو مواصلة الضغط على تنظيم «داعش».

ومن المعروف أنَّ نظام الأسد و«وحدات حماية الشعب» يتعاونان في مجالات عدة، بما في ذلك تجارة النفط. كما أنهما يتعاونان – أو يعطيان الانطباع بذلك – بتشجيع من روسيا، ضد التهديدات الخارجية، أي تركيا.

وثمة مسألة مهمة تتعلق بـ«وحدات حماية الشعب»، أو الأكراد، وهي: ماذا سيحدث معهم في مستقبل سوريا؟ وقد صرح قادة «وحدات حماية الشعب» بأنهم سوف يحترمون وحدة أراضي البلاد، لكنهم لن يتنازلوا عما لديهم الآن؛ ما يعني أنهم سيصرون على نوع من الحكم الذاتي.

وتشكّل هذه القضية مصدر قلق مشترك لأنقرة ودمشق، وكذلك للمعارضة السورية.

أعتقد أنَّ هذا يجب أن يكون أحد الموضوعات الرئيسية التي يجب مناقشتها في الاجتماعات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات التركية والسورية. وذكرت الأنباء، أنَّ آخر اجتماع بينهما عُقد في موسكو منذ بضعة أيام. ولا توجد بيانات رسمية حول هذه المحادثات، ومن ثم، فإنَّ ما يحدث هناك ليس معروفاً بشكل مؤكد، ويثير التكهنات.

لكن ما قاله وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال مؤتمره الصحافي في موسكو، أثناء زيارته الأخيرة هناك، يعطي فكرة جيدة عما هو واضح. فقد أشار المقداد، على وجه التحديد، إلى انسحاب القوات التركية من سوريا، ووضع حد للدعم المقدم للجماعات المسلحة، فضلاً على التدخل في الشؤون الداخلية السورية. وليس من المستغرب أن يكون لدى تركيا نسختها الخاصة من الشواغل والطلبات كذلك.

السؤال الآن، ما إذا كانت المحادثات بين قادة الاستخبارات الأتراك والسوريين قد نضجت بالقدر الكافي، لقيادة العملية إلى المرحلة التالية، أي إلى المستوى السياسي.

كان وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قد كشف عن أنَّه التقى نظيره السوري فيصل المقداد في اجتماع دولي في بلغراد، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأنَّهما أجريا محادثات سوياً.

هل من الممكن أن يتقابل وزيرا تركيا وسوريا أو بعض كبار المسؤولين الآخرين مرة أخرى، وهذه المرة في أروقة الأمم المتحدة، بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ في نيويورك في 20 سبتمبر (أيلول)؟ هذا ليس شيئاً لا يمكن حدوثه.

وأياً كان الأمر، هناك العديد من القضايا التي يجب تناولها، بما في ذلك مستقبل الأكراد واللاجئين والجماعات المسلحة والمعارضة السورية ومحافظة إدلب، والقائمة تطول.

هذه ليست سوى عناوين عامة، وعندما يذهب المرء إلى العناوين الفرعية، تصير الأمور أكثر تعقيداً.

وهناك تساؤل كبير حول الكيفية التي تتفاعل بها الجهات الفاعلة الأخرى، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، والعديد من البلدان العربية، مع أجندات مختلفة، وغالباً ما تكون متضاربة.

من الواضح أنَّ الطريق أمامنا وعرة للغاية، مع الكثير من الطرق المسدودة المحتملة.

الشرق الأوسط

————————————

حاضنة الأسد تنتقد الدور الروسي في سورية/ أحمد رحّال

لم يعد خافياً أن أسباب التدخل الروسي في سورية عام 2015 وموجباته، والنهج الذي اتبعته القيادة الروسية سياسياً وعسكرياً، في تعاطيها مع الشأن السوري، لم تعد كما كانت بعد قرابة سبع سنوات من وجود قواتها وقواعدها البحرية والجوية على الأرض السورية، فالتفرّغ الكامل وشبه الموافقة الأميركية والإسرائيلية أعطت قاعدة حميميم مطلق الصلاحية بالعمل ضد كل ما يهدّد سلطات بشار الأسد وحكمه، واستطاعت، بجهدها العسكري المفرط، قلب المعادلات، واسترجاع كثير من الجغرافيا السورية، ومحافظتي حلب ودرعا، إلى عهدة نظام الأسد مع كامل أرياف حمص وحماه والجزء الأكبر من أرياف إدلب. لكن الخطأ الذي وقعت به موسكو أنها لم تستطع أن تترجم منجزاتها العسكرية إلى مكاسب سياسية، سواء بإيجاد توافقات إقليمية حول الشأن السوري، أو بصياغة وتطبيق حل سياسي يستند لتغير المعادلات العسكرية على الأرض. وقد تسبّب سعي موسكو إلى استكمال مهمتها بالسيطرة على كامل الجغرافيا السورية، مستعينة بالجهد الإيراني وأدواته، بإخفاقات سياسية، اضطرّتها للدخول في مسارات جانبية وحلول مجتزأة، قاعدتها الحفاظ على رأس هرم السلطة في سورية، والدخول في حكومة وحدة وطنية، تُمنح فيها عدة حقائب هامشية لبعض أطياف المعارضة السورية، فقرأت قرار مجلس الأمن 2254 وفق مصالحها ومصالح حليفها الأسد، وانفردت مع تركيا وإيران في مسار “أستانا” لإجبار السوريين على القبول بما يقرّه هؤلاء في اجتماعاتهم، مع الحفاظ على وجود السوريين ومن الضفتين بوصفهم ضيوف شرف، مهمتهم الإيماء بالموافقة العمياء وشرعنة المسار واجتماعاته.

المهلة التي وضعها الرئيس الروسي بوتين، عندما أعلن تدخله في سورية، كانت أربعة أشهر، ثم تضاعفت تلك المدة عشرات المرّات، ولم تتحقق أهدافه في سورية. وكانت الموافقة الإسرائيلية والأميركية الضمنية للروس تحت وعود منحتها موسكو لدول الإقليم، بتحجيم دور إيران ومنع مليشياتها من التمركز والتمدّد، خصوصاً في الجنوب السوري. وكرّر الروس تلك الخدعة والوعود المضللة التي مارسوها عند تدخلهم في سورية، عندما أعادوا الجنوب السوري للأسد، بعد إقناع الأردن وإسرائيل بضمان حدودهم واستقرارها، عبر دور روسي فاعل يقضي بإبعاد المليشيات الإيرانية لمسافة 40 – 80 كم على الأقل عن خط فك الاشتباك في الجولان المحتل وعن حدود الأردن.

صدّق الأردن الوعود الروسية الذي توجّهت أنظاره مادّياً إلى مليار دولار من عائدات معبر نصيب، لكنه دفع أكثر مما جناه من المعبر على جهود مكافحة المخدرات والسلاح التي بدأت بالتدفق عبر حدوده مع سورية. وأكد الأردن، في أكثر من تقرير، أن بلاده أصبحت معبراً للمخدّرات نحو الخليج، بعد أن ضبطت أجهزته العسكرية والأمنية عشرات المرّات مئات الملايين من الحبوب المخدّرة، وبطرق شتى، كانت تأتي من سورية. وأكد الأردن، بالأدلة والوثائق، أن تهريب المخدّرات من الأراضي السورية ليس عبر شبكات تهريب فقط، بل أيضاً عبر دعم حكومي وعسكري ومليشياوي من أجهزة استخبارات نظام الأسد، ومن قادة مليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وبذلك فشلت روسيا بالإيفاء بتعهدّاتها للأردن أو على الأقل تهاونت بالتعامل مع فساد أجهزة استخبارات الأسد ومع التمدّد الإيراني وتهديده للأردن.

أصبحت العمليات الإسرائيلية على حدود الجولان شبه أسبوعية، من حيث نسف مراكز استطلاع إيرانية، أو إلقاء مناشير فوق ثكنات جيش الأسد تتوعد ضباطها وتهدّدهم بالاغتيال إن استمروا بعملهم عملاء ونشطاء بنقل المعلومات الاستطلاعية إلى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، بعد أن وصلت مراكز تنصّت ومراقبة إيرانية إلى مقربة من حدود الجولان، وهذا فشل آخر بالتزام موسكو بما تعهدت به لتل أبيب.

أمام هذا الواقع، تحرّكت الآلة العسكرية الإسرائيلية لنسف كل ما تعتبره مهدّداً لأمنها، وفي كامل المسرح الجغرافي السوري، فأخرجت مطار دمشق الدولي عن الخدمة، ثم ألحقت به مطار حلب الدولي (مطار النيرب)، ودمرت ألف صاروخ إيراني في مستودعات مصياف، عدا عن عشرات الغارات الجوية على مناطق الكسوة والسيدة زينب ومحيط مطار دمشق الدولي ومطار المزّة العسكري، حيث دمرت عشرات مستودعات السلاح التي تُخزّن فيها أسلحة إيرانية. وانتقلت الضربات الإسرائيلية إلى الساحل السوري، بعد أن رصدت أجهزة استطلاعها أسلحة إيرانية تدخل إلى سورية عبر ميناء طرطوس، الواقع تحت النفوذ الروسي المطلق، وأسلحة أخرى تصل من خلال ناقلات النفط الإيرانية في مصب بانياس، فقصفت إسرائيل شحنة من العناصر الحساسة التي تُركّب على رؤوس الصواريخ لزيادة دقّة إصابتها في منطقة الحميدية في ريف طرطوس على الحدود مع لبنان كانت في طريقها إلى حزب الله، ثم قصفت الطائرات الإسرائيلية ست شاحنات محمّلة بطائرات مسيّرة قادمة من مصب بانياس نحو مستودع للحرس الثوري الإيراني في قرية أبو عفصة بريف طرطوس، على مقربة من بطارية دفاع جوي روسية التي شغّلت محطات كشفها، فكان نصيبها التدمير بصواريخ طائرات التغطية الإسرائيلية، وصمت الروس عن الحادثة.

أريحية إسرائيل في العمل في الأجواء السورية من دون رادع، أو أي أعمال مضادّة باستثناء بعض صواريخ الدفاع الجوي السوري، القديمة والبالية وغير المجدية، والتي كان معظمها يعود ليسقط على منازل المدنيين، وصمت الدفاعات الروسية، وتطنيش حليف الأسد في طهران، رغم امتلاكه منظومات دفاع جوي (باور 373) فوق الأرض السورية، وهذا ما أغضب الحاضنة الشعبية للأسد، يقول أحد الموالين:

أخبرنا قادة قاعدة حميميم إن “روسيا ليست ملزمة بالدفاع عن سورية، وروسيا ليست ملزمة بتحديث عتاد الجيش السوري، وروسيا غير ملزمة بالرد على الطيران الإسرائيلي، وروسيا غير قادرة على السماح بتشغيل منظومة الدفاع الجوي إس_300 التي سلمتها لجيشنا، إذا روسيا غير ملزمة بشيء عملياً، إذاً روسيا شو عم تساوي عنا؟”. يرد عليه موال آخر: عملياً، تفعل روسيا الكثير، فقد سيطرت على القرار العسكري والسياسي مناصفة مع إيران، واستحوذت على كامل عقود النفط والغاز في المتوسط من دون أي نية باستخراجه أصلاً، وسرقت معمل السماد الآزوتي في حمص، وطردت 90% من العاملين فيه، وسرقت المرفأ في طرطوس، وأيضاً طردت 90% من العاملين، وأنشأت قواعد عسكرية لها في مناطق متفرقة من سورية، بدءاً من الجنوب مروراً بالوسط، وصولاً إلى الشمال والشمال الشرقي.

وتتحدّث صفحات الموالين صراحة عن دور روسي فاعل ساعد ويساعد أسماء الأخرس (زوجة بشار الأسد) بوضع يدها على أموال رامي مخلوف الموجودة في الخارج، وطبعاً بعد اقتطاع نسبة 50% عمولة لها، وهي بمليارات الدولارات. وروسيا تسرق ما نسبته 25% من النفط الخام المهرّب من شرق الفرات إلى مناطق الدولة السورية عمولة لشركاتها الأمنية، “فاغنر” وغيرها، وتستحوذ روسيا مجاناً على ربع إنتاج سورية من الكهرباء، لتشغيل معمل السماد الذي تسيطر عليه ولقاعدتها الجوية في حميميم، وأمنت حماية شخصية لقائد مليشيات النمر، سهيل الحسن، وتدفع شهرياً عوائد لمستشارة الأسد الإعلامية، لونا الشبل، من عوائد مناجم الفوسفات التي سرقتها روسيا، وتدفع رواتب للفيلق الخامس، وهو هجين غريب عجيب من اللصوص وقطاع الطرق والدواعش ومزيج من الشبّيحة والإرهابيين. ويمتعض الموالون من منح روسيا بطاقات أمنية لكبار الإرهابيين السابقين ولكبار الشبّيحة، ثم تكتفي بإصدار تقارير تفصيلية عن عدد الصواريخ الإسرائيلية التي تستهدف المواقع السورية، وفرض روسيا على الحكومة السورية توقيع عقود تسليح لخردة روسية وبأسعار باهظة الثمن، وتشترط دفع نسبة كبيرة من قيمة العقود مقدّماً، وفقط من عام 2017 إلى نهاية 2019، استلمت روسيا 17 مليار دولار من الخزينة السورية. ويعتبر أهل الساحل أن ذلك ساهم بتدمير الاقتصاد السوري كلياً، وسبّب انهيار الليرة السورية. ويختم أحد الموالين متساءلاً: يومياً توجه إشارات إلى العلويين في الساحل بأن أي حركة تمرّد ضد بشار الأسد سنعتبرها موجّهة ضدنا أيضاً.. ما السبب؟

ثم تختتم الجوقة ببرنامج سياسي على أهم فضائية لنظام الأسد لتخصص ساعتين من البثّ المباشر لانتقاد الدور الروسي، بل انتقاد دور كامل محور “المقاومة والممانعة” في سورية في سابقة لم تحصل من قبل .. وأمام الحقيقة التي تفجّرت بوجه الروس، ومثلها أمام الإيراني، بعد أن علمت حاضنة النظام حقيقة الدور الروسي الباحث عن مصالحه فقط، والمستثمر في الجغرافيا السورية ورقة مواجهة ومساومة ومبارزة مع الغرب، وأمام الإهانة التي يتلقاها السلاح الروسي الذليل أمام هجمات الطيران الإسرائيلي، كان لا بد من إجراءٍ يحفظ ماء الوجه، فكان قرار سحب منظومة إس 300 من سورية بذرائع مختلفة، منهم من قال لتعويض نقص الدفاعات الروسية في الحرب الأوكرانية، وقال آخرون لعدم قدرة ضباط جيش الأسد على استيعاب تقنية استخدام المنظومة، والأكثر قالوا إنها قد تكون مقدمة لانسحاب روسي من سورية.

لا نملك قدرة معرفة الأسباب الحقيقية لخطوات روسية كثيرة في سورية، لكن ما بات معروفاً أن بوتين ووزير خارجيته لافروف أضاعا عدة فرص في سورية، وما كان في مقدورهما تحصيله بالأمس أصبح محالاً اليوم، وغداً سيكون المتاح روسياً أقل من اليوم، فمتى يتحرّك العقل الروسي من سباته الشتوي؟ ويبقى السؤال الأهم: يمكن الرد على المعارضين حكم الأسد عبر القصف والقتل، لكن ماذا عن الموالين الرافضين اليوم الدور الروسي في سورية؟

العربي الجديد

——————————————

=====================

تحديث 25 أيلول 2022

—————————

تقرير إسرائيلي:إيران تستخدم المصانع السورية لنقل الأسلحة إلى لبنان/ سامي خليفة

لا يمر أسبوع من دون أن تتحدث وسائل الإعلام عن غاراتٍ إسرائيلية  ضد سوريا، تهدف كما أكدت القيادات الإسرائيلية غير مرة، إلى إحباط ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا من خلال الميليشيات التي تدربها، وكذلك اعتراض شحنات الأسلحة إلى وكلائها في المنطقة، وخصوصاً “حزب الله” في لبنان. وبما أن هذه الهجمات، وفق ما تفترض القيادة الإسرائيلية، كان لها تأثيرها الشديد على خطط طهران، اعتمدت الأخيرة طريقةً بديلة من أجل التغلب على الصعوبات التي تفرضها هذه الضربات، فاستخدمت قدرات إنتاجها المحلية في سوريا لمصلحتها الخاصة، من دون علم النظام السوري أو موافقته.

الخطة البديلة لنقل الأسلحة إلى لبنان

تشرح صحيفة “إسرائيل هيوم”، في تقريرٍ مطوّل (استمزجت فيه أراء من يعملون في كواليس المؤسسة العسكرية سعياً لتعطيل تطوير أنظمة الأسلحة في الصناعات الدفاعية السورية، والتي لديها خط اتصالٍ مباشر مع الحرس الثوري الإيراني) كيف استولت إيران على مصانع الصواريخ السورية لتحقيق أهدافها بإيصال شحنات الأسلحة إلى لبنان. فبعد أن كانت الأسلحة المصنوعة في إيران تُنقل إلى سوريا جواً وبراً وبحراً ومن هناك إلى لبنان، استطاعت الدولة العبرية وضع حدٍ لهذا المسار، من خلال استهداف طرق التهريب مئات المرات في السنوات الأخيرة، وكذلك السفن البحرية الإيرانية أو بضرب الطريق البري الطويل الممتد من إيران إلى سوريا؛ ومهاجمة الطائرات والمطارات حيث تم تخزين الأسلحة بعد وصولها من سوريا عبر رحلاتٍ رسمية أو مقنّعة.

كلفت الهجمات الممنهجة إيران غالياً وعرقلت خططها لتسليح “حزب الله” بكميةٍ هائلة من الصواريخ الموجهة بدقة. فما كان من إيران إلاّ أن لجأت إلى تصنيع الأسلحة التي تحتاجها أو التي يحتاجها وكلائها في المنطقة، داخل سوريا. وهذا ما جعل طريق النقل أقصر، ووفر الكثير من المال. لكن الدولة العبرية، تمكنت بواسطة استخباراتها من كشف خطط طهران البديلة، فضربت البنى التحتية والمنشآت السورية التي كانت تعمل تحت جناح مركز الدراسات والبحوث العلمية. وقد ألمح إلى ذلك وزير الدفاع بيني غانتس، عندما ألقى خطاباً في نيويورك مؤخراً، كشف فيه عن وجود العشرات من مراكز الدراسات والبحوث العلمية الخفية التي تستخدمها سوريا لتصنيع أسلحة متطورة يمكن أن تهدد أمن إسرائيل.

مركز الدراسات والبحوث العلمية

وحسب تقرير الصحيفة الإسرائيلية، شاركت إيران في هذا النشاط غالباً من دون تنسيقها مع السلطات السورية. وكان كبار أعضاء الحرس الثوري الإيراني يدفعون أجوراً لكبار الشخصيات في مركز الدراسات والبحوث العلمية، ويطلبون منهم بشكلٍ أساسي العمل في مشاريع إيرانية لتعزيز وجود طهران على الجبهة الشمالية لإسرائيل. وقد أدى ذلك إلى قيام إسرائيل بزيادة ضرباتها ضد هذا الجهاز الإيراني الذي تم بناؤه حديثاً. وكان لبعض الهجمات الأخيرة المنسوبة إلى إسرائيل أهداف عدة أبرزها إلحاق الضرر بأصول التصنيع بحيث لا تصبح صالحة للاستعمال أو تصبح خارج الخدمة لفترة طويلة؛ وجعل سوريا توقف نشاط إيران على أراضيها أو إجبارها على تقليصه، إضافةً إلى ردع إيران.

يقدم مركز الدراسات والبحوث العلمية، الذي يرأسه خالد نصري، تقاريره إلى وزير الدفاع السوري علي عباس، وبعدها يقوم هذا الأخير بتقديم تقاريره إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وجميع المعاهد الأخرى التي تصنع الأسلحة بمختلف أنواعها، وكذلك الأكاديمية التي تدرب المهندسين، تتبع له. فالمعهد 1000 مسؤولٌ عن تطوير وإنتاج الأنظمة الحاسوبية والإلكترونية لبرنامج الأسلحة الكيميائية السوري. والمعهد 2000 مسؤولٌ عن التطوير والإنتاج الميكانيكي؛ ويهتم المعهد 3000 بالمكونات الكيميائية والبيولوجية الفعلية، أما المعهد 4000 فمسؤولٌ عن تطوير أنظمة الطيران والصواريخ.

المعهد 4000

بيَد أن المعهد 4000 يحتل أهمية خاصة عند القيادة العسكرية الإسرائيلية، لكونه تُصنع فيه الصواريخ الدقيقة نيابةً عن إيران. لهذا السبب، كان المعهد هدفاً لمعظم الهجمات التي ورد أن إسرائيل نفذتها ضد مركز الدراسات والبحوث العلمية في السنوات الأخيرة، لا سيما في منطقة مصياف. وفي هذا المعهد، يتم تنفيذ مشاريع مختلفة، من إنتاج محركات الصواريخ إلى صواريخ أرض جو، وصواريخ سكود، وصولاً لصواريخ M600، والتي ربما تشكل أكبر تهديدٍ لإسرائيل. وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، قامت إيران بنقل مئات من هذه الصواريخ إلى لبنان، برؤوسٍ حربية مختلفة الأحجام، حتى تتمكن من إلحاق أضرارٍ جسيمة في قلب إسرائيل.

وتضيف الصحيفة أن إيران تحاول منذ سنوات مشاركة قدراتها للصواريخ التي تحلق لمسافاتٍ طويلة وتصيب أهدافها بدقة، مع حزب الله. ففي البداية، قامت بشحن الصواريخ إلى لبنان. ليشهد المستوى التالي شحن المعدات الدقيقة وحسب. تشتمل هذه المجموعات على جهاز كمبيوتر توجيه صغير بحجم جهاز “آيباد iPad” يتم تثبيته، مع اللوحات، على صواريخ M-600 التي يمتلكها حزب الله بالفعل، ما يحولها إلى ذخائر دقيقة التوجيه. لقد أرادت إيران تسليح “حزب الل”ه بآلافٍ من هذه الصواريخ حتى يتمكن من ضرب كل نقطة في إسرائيل. وكان من الممكن أن يكون ذلك تحولاً مزلزلاً. إذ تتمتع معظم صواريخ الحزب اليوم بدقةٍ تمكنها من ضرب منطقة تل أبيب، دون وجود القدرة على إصابة هدفٍ محدد. وإذا ما حصل الحزب على الدقة التي تريد إيران منحها له، فسيكون قادراً على إلحاق أضرارٍ جسيمة بالبنية التحتية الإسرائيلية والمباني الرئيسية والمطارات وغيرها.

وبذلك، اعتبرت إسرائيل هذا الأمر مسألة استراتيجية ووسعت في السنوات الأخيرة جهودها لعرقلة تلك الشحنات. أما إيران، فأدركت أنها تعرضت للانكشاف، وواجهت مساعيها لنقل هذه المعدات إلى لبنان عقباتٍ كثيرة. وبحثاً عن حل، وجدت طهران طريقة بديلة، وبدأت في توظيف خبراء الصواريخ في مركز الدراسات والبحوث العلمية. تضمنت المرحلة الأولى تصنيع خبراء المركز أجزاء الصاروخ، والمحرك والرأس الحربي.

وتقول الصحيفة إن إسرائيل تمكنت من كشف الخطة البديلة عام 2017، وضرب منشآت مركز الدراسات والبحوث العلمية عشرات المرات.

لم تكن هذه الهجمات عبثية على الإطلاق. إذ تشدد الصحيفة بأنها نتاج الذكاء الدقيق. بحيث يتم جمع المعلومات الاستخبارية بشكلٍ مشترك من قبل الجيش الإسرائيلي والموساد بطرقٍ متنوعة. أما التحليل، فتجريه بشكلٍ حصري مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً قسم التكنولوجيا، حيث يدرس الخبراء كل جانب من جوانب تصنيع الأسلحة وتكديسها في كل ميدان. وهم مكلفون بخلق صورة استخباراتية تخدم جميع الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي حتى تتمكن إسرائيل من إزالة التهديدات والحفاظ على التفوق الاستراتيجي والعسكري على جميع الجبهات.

الأسد أخر من يعلم

رغم كل ذلك، تذهب الاستنتاجات الأمنية الإسرائيلية للقول بأن سوريا ليست حريصة على تلبية رغبات إيران، لكنها تجد نفسها مقيّدة. فالأسد وأعوانه مدينون لطهران ولا يمكنهم التحرر بسهولة من قبضتها. وهم بحاجةٍ إلى الأموال التي تضخها إيران في سوريا كمحاولة للتأثير على الجبهة الشمالية لإسرائيل.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولٍ إسرائيلي كبير قوله: “إيران تعرف كيف تبرم الصفقات وتأمين التفاهمات دون تدخل نظام الأسد. الأسد بالكاد يدرك ما يجري. أحياناً أعرف أكثر منه عمّا يحدث في فناء منزله الخلفي. وحتى عندما يدرك ما يجري، فهو واقعٌ في تضاربٍ في المصالح. فمن ناحية، هو لا يريد أن يحدث ذلك، ومن ناحيةٍ أخرى، يحتاج إلى إيران وعليه ردّ الدين”.

من ناحيته، يقول النقيب نيتسان، رئيس الفرع الشمالي في قسم الاستخبارات التكنولوجية في مديرية المخابرات بالجيش الإسرائيلي، والذي تصفه الصحيفة بأنه يعرف المشاريع في سوريا عن ظَهْر قلب، وكذلك تلك التي يديرها “حزب الله” في لبنان: “هناك مجموعة صغيرة من المديرين والمهندسين في مركز الدراسات والبحوث العلمية يتلقون الأوامر من إيران. يقودهم أسد دياب، رئيس قطاع الرابع في المركز، وهو مسؤولٌ الاتصال المباشر مع إيران، حتى لو كان هذا يعني الانخراط في نشاط يتعارض مع مصلحة المركز نفسه”.

بعض المهندسين، حسب نيتسان، لديهم نوعين من النوبات: نوبة نهارية حيث يعملون في المركز، ونوبة ليلية مخصصة لخدمة الإيرانيين. ويتابع شارحاً “هذه مبادرة محلية من جانب القطاع الرابع، نُفذت دون موافقة من القيادة العليا. يعطي دياب الأوامر لأتباعه ويقومون بتنفيذها. البعض يعرف ما يجري، والبعض الآخر تُرك في الظلام. نحن نتحدث عن عشرات الأشخاص الذين يعملون مع الإيرانيين، وخصوصاً المهندسين، ومعظمهم من ذوي الخبرة العسكرية والذين يرغبون في الحصول على بعض مصادر الدخل الإضافية”.

يتم تحويل الأموال من إيران إلى دياب، الذي يدفع بعد ذلك لأتباعه مقابل عملهم. وتهتم إيران بشكلٍ أساسي بالمعدات المصممة للتوجيه بدقة التي يتم تهريبها من إيران وتركيبها على الصواريخ. كما تحتوي جميع الصواريخ التي يحملها حزب الله تقريباً على رقمٍ تسلسلي سوري يشير إلى أنها صُنعت بواسطة المركز إياه. ورغم الضربات الموجعة التي تلقاها المركز وإصابة برنامج الاستجابة السريعة بالشلل الشديد، تفيد المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها إسرائيل، بقرارٍ اتُخذ من القيادة الإيرانية ومسؤولي المركز، بمواصلة جهود الإنتاج في المستقبل. بعض هذه التفاهمات تم ترسيخها في عقود، والبعض الآخر اتُفق عليه شفهياً، وكلها تصبّ باتجاه تصنيع عشرات الصواريخ خلال السنوات القليلة المقبلة، ونقلها بعد ذلك إلى “حزب الله” في لبنان.

————————-

الغارات الإسرائيلية على سوريا..تستهدف فيلق القدس اللبناني؟/ أدهم مناصرة

أثار القصف الإسرائيلي الذي نُفّذ في 17 أيلول/سبتمير، ضد هدف في مطار دمشق الدولي، مزيداً من القراءات والمعطيات المنشورة من قبل الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية؛ لتسويغ الضربة وما يليها من استهدافات قادمة، بموازاة استعراض العضلات الأمنية لتل أبيب.

وانتهز مركز “ألما” المقرب من الإستخبارات الإسرائيلية الفرصة لتفسير الضربة الأخيرة، عبر استهلاله الحديث عن الممر الإيراني من الشرق إلى الغرب من أربع دول، هي إيران والعراق وسوريا ولبنان، حيث “حددت إيران المنطقة الجغرافية لسوريا كجزء مركزي من الممر، فيما يتم توجيه معظم الموارد الداعمة للممر من قبل الإيرانيين إلى سوريا، وينعكس ذلك في جهود الترسيخ المدني والعسكري الرئيسية في جميع المراسي الجغرافية التي تمر من خلالها طرق الممر في سوريا”، وفق الزعم الإسرائيلي.

وفي تحليل شامل للممر الإيراني، مع التنويه لنشر المركز المزيد عنه في الأسابيع المقبلة، فإنه أشار إلى أربع ممرات رئيسية على الأراضي السورية، تشمل “بوابات” إلى سوريا، وطرق مرور داخل البلد، ومواقع جغرافية للتحصين المدني والعسكري؛ بغية خلق “بيئة مواتية” للنقل والتخزين المؤقت للأسلحة، قبل نقلها إلى وجهتها النهائية (إما في سوريا، أو لبنان).

واستعرض كاتب التقرير مثالا في السياق، قائلاً إن أحد هذه المواقع الجغرافية هي منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، والتي نشر الموقع الإسرائيلي ذاته تقريرا خاصا بشأنها.

وذهب كاتب التقرير تال بيري، وهو نفسه رئيس مركز “ألما”، إلى تقريب المجهر أكثر من ضربة 17 أيلول، حيث استُهدف مطار دمشق الدولي، وأيضاً مواقع الدفاع الجوي السوري التي أطلقت نيرانها المضادة تجاه سلاح الجو الإسرائيلي.

وتساءل بيري: “هل قصد الهجوم، بشكل مباشر، هدفاً إيرانياً في قلب مطار دمشق الدولي؟، وما علاقة هذا الهدف بالممر الإيراني ونقل السلاح؟”.

أجاب بيري على نفسه، بالقول إن الهجوم استهدف وحدة “فيلق القدس اللبناني”، التي تعمل في إطار الحرس الثوري الإيراني، تحت إسم “الفيلق اللبناني-الوحدة 2000″، وتتولى الوحدة المذكورة مهام دعم تعزيز قوة حزب الله. وينبثق منها الوحدة “2250” التي يتمثل دورها الرئيسي في إدارة وتشغيل الخدمات اللوجستية لاستلام ونقل الأسلحة على الأراضي السورية، كجزء من الممر من إيران. وتنشط، أيضاً، في جميع المواقع و”البوابات” الجغرافية التي يعمل فيها الممر الإيراني في سوريا، مثل البوكمال، ودير الزور، وحمص، والموانئ البحرية (اللاذقية وطرطوس)، والمطارات (دمشق وحلب)، وفق الإدعاء الإسرائيلي.

وحسب الإستخبارات الإسرائيلية، للوحدة 2250 العديد من المواقع في جميع أنحاء سوريا لتخزين ونقل الأسلحة، حيث يقع الموقع الرئيسي للوحدة في قلب مطار دمشق الدولي. ويتكون الموقع من مجمع يحتوي على مستودعات ومكاتب، بالقرب من المدرج الشمالي للمطار.

وإدّعى المركز الأمني الإسرائيلي بأن الرحلات المدنية تنطلق مباشرة من إيران إلى مطاري دمشق وبيروت الدوليين. ومن دمشق، يتم نقل مكونات السلاح على طريق بري إلى لبنان. وقدّر بأنها عبارة عن مكونات متعلقة في الغالب بمشروع حزب الله للصواريخ الدقيقة.

وقال إنه يتم اتباع هذه الآلية بهدف تقليص القدرة الاستطلاعية لأجهزة المخابرات المختلفة، ومنع الانكشاف، وتعطيل أي اعتراض، على افتراض أن الغلاف المدني سيكون بمثابة درع ضد أي محاولات إحباط.

————————————–

===================

تحديث 28 أيلول 2022

———————–

سوريا.. مسرح لحرب إسرائيلية إيرانية/ أحمد رحال

قال المبعوث الأمريكي السابق للملف السوري جويل ريبورن في إحدى ندواته في إسطنبول: إن الخطأ الكارثي لإدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” كان بالتخلي عن الجنوب السوري لصالح روسيا وإيران، والكارثة الأكبر تتمثل بعدم القدرة على إصلاح هذا الخطأ.

اتفاق تسليم الجنوب وإعادته لعهدة نظام الأسد وإيران كان محض توافق أمريكي، روسي، إسرائيلي، أردني، مقابل تعهدات روسية بإبعاد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني عن حدود الأردن، وخط فك الاشتباك في الجولان المحتل لمسافة ما بين 40 و80 كم، وتأسيس منطقة عازلة في الجنوب الغربي لسوريا ومنع ميليشيات إيران من الوصول لها، وطرد إيران كان يمثل صلب خطة ترامب للانسحاب من الجنوب السوري بعد تعهد موسكو بما أرادته واشنطن وتل أبيب وعمان، لكن حسابات السوق لم تتطابق مع الصندوق.

تأثير الحرب الأوكرانية انعكس انشغالاً روسياً وتمدداً إيرانياً شمل كل الجغرافيا السورية، بما فيها الحدود مع الأردن، التي أصبحت شبه خالصة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني وعصابات تهريب المخدرات والسلاح للخليج عبر الأردن، وكذلك حدود الجولان التي أصبحت تحت سيطرة حزب الله والحرس الثوري، وحتى ضباط استطلاع جيش الأسد في مقرات قيادتهم في ألوية الحيطة السورية، أصبحوا عملاء عبر نقل ما يجمعونه من معلومات عسكرية عن تحركات الجيش الإسرائيلي وتنقل قطعاته، إلى قيادات إيران وحزب الله، وفق ما كشفته إسرائيل بصحافتها ومنشوراتها التي هددت فيها أكثر من ضابط استطلاع في جيش الأسد.

لكن وبرغم كل هذا التغوّل الإيراني، إسرائيل ما زالت مستمرة بسياستها العسكرية وغاراتها الجوية والصاروخية من خلال تكتيك “جز العشب” وأحياناً تعمق من ضرباتها لتمسّ جذور الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة، كما فعلت مؤخراً عندما قصفت أحد أكبر مستودعات الصواريخ الإيرانية الحديثة في مصياف، ودمرت أكثر من ألف صاروخ اشتعلت فيها النيران لعدة ساعات، حيث وصفت بالضربة الأقسى والأقوى والأكثر إيلاماً لإيران، ترافقت تلك الضربة مع ضربات نفذها التحالف الدولي في محيط مدينة الميادين شرقي سوريا، شملت معسكر الصاعقة ومستودعات عياش وحويجة صكر وعدة مناطق أخرى، وأيضاً وصفت تلك الضربات بأنها الأعنف للتحالف الدولي منذ أكثر من عام، ومع ذلك تصرّ إيران على استكمال مشروعها ونقل ترسانتها للجغرافيا السورية، وربط أدواتها بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً للمتوسط، وبعد أن أقامت أكبر قاعدة إيرانية خارج أراضيها في جنوب الميادين “قاعدة الإمام علي”، باشرت مؤخراً معداتها الهندسية بالحفر في بادية القورية بريف دير الزور، لبناء قاعدة أخرى على مقربة من القاعدة السابقة أطلقت عليها اسم قاعدة “عين علي”، نسبة لمزار وهمي اخترعته إيران في المنطقة الشرقية، والمعلومات تتحدث عن بناء أنفاق وممرات تحت أرضية تربط القاعدتين معاً، كنوع من الحماية من الضربات الجوية، وجعل عمليات التنقل ونقل العتاد ما تحت أرضي عبر الأنفاق.

تعيش المنطقة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، حالة من الترقب والقلق ترتبط بمفاوضات فيينا والاتفاق النووي المتعثر حتى الآن، وما يمكن أن تعكسه نتائج تلك المفاوضات على الأطراف المتخاصمة (أمريكا، إيران، إسرائيل) بحكم التماس القائم بينهم على الجغرافيا السورية، وكل المؤشرات تقول إن الصدام بين مشاريع متضادة قادم لا محالة.

انتفاضة أهل السويداء والاضطرابات شبه اليومية في الجنوب السوري لاقى ارتياحاً إسرائيلياً مخفياً، لكن أعداد النقاط العسكرية المتزايدة التي تشغلها إيران بالجنوب السوري أقلقت إسرائيل (64 موقع موزعة على الشكل التالي: درعا بـ 26 موقعاً، والقنيطرة بـ 21 موقعاً، والسويداء بـ 17 موقعاً)، لكن الملاحظ ورغم غزارة الضخ الإعلامي من الطرفين الإسرائيلي والإيراني، أن كلاهما يحاول عدم الانزلاق لحرب مفتوحة بينهما على الساحة السورية، وأن قواعد الاشتباك المتوافق عليها بحكم الأمر الواقع تقول: طالما أن إسرائيل تقصف ما تريد ووقتما تشاء، بضربات ليست استئصالاً تستهدف “فائض القوة الإيرانية”، فلم الذهاب للحرب؟

وإيران تقول: طالما أن الضربات الإسرائيلية غير موجعة وغير خطرة، ولا تعيق تثبيت أركان مشروعها في سوريا، فلا مانع من تحاشي الرد مع أدواتها على تلك الضربات، وبالتالي تمارس إيران ما تسميه “الصبر الاستراتيجي” الذي يجنبها مواجهة غير محسوبة وقد تكون مكلفة وبتوقيت لا يناسبها.

وبالتالي يتفق الطرفان الإسرائيلي والإيراني بعدم جدوى الانجرار إلى حرب قد لا تحسم جولاتها على الجغرافيا السورية، وقد تتوسع لتشمل ساحات أخرى، كالجنوب اللبناني أو قطاع غزة وحتى المدن الإسرائيلية والإيرانية، وليست إيران فقط غير المستعدة للحرب، بل الجانب الّإسرائيلي أيضاً، ويقول اللواء يتسحاك بريك، أحد كبار جنرالات إسرائيل مهاجماً رئيس الحكومة الإسرائيلية “لابيد” الذي هدد إيران قائلاً له: “نحن لا نملك ما يغطي تهديدك لإيران”، واصفاً تهديده “بالمحرج والمهين”، متسائلاً: “بماذا تهاجمون؟”.

وقال: “نحن لا نملك عدداً كافياً من صواريخ العصا السحرية وحيتس، وما نملكه هو فقط عدد بالكاد يكفي لحماية المواقع الاستراتيجية والحيوية؛ لأنها صواريخ باهظة الثمن ولا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تغطية صناعة مثل هذه الصواريخ بأعداد كبيرة”.

وأضاف المسؤول الكبير: “إن ما نملكه من صواريخ القبة الحديدية معدّ للتعامل مع الصواريخ الصغيرة، وعندما نفدت من مخازننا هرع وزير الدفاع “جانتس” إلى الولايات المتحدة لطلب المساعدة في تغطية نفقات إنتاجها وتعويض النقص”.

وأوضح بريك أن القوات الجوية غير مؤهلة لحسم أي معركة، والدليل على ذلك ما حدث في حارس الأسوار (في غزة).

لكن، هناك مؤشرات استجدت على القراءة الإسرائيلية للتموضع الاستراتيجي الإيراني في سوريا، تتمثل بقناعة وصلت لها تل أبيب، بأن بشار الأسد يخدعها ويخدع إيران وروسيا، وأنه يعطي الوعود للجميع ويكذب على الجميع، فهو يتعهد بدعم الانتشار الإيراني في سوريا، ويتغاضى عن كل تجاوزات حزب الله ودولة الكبتاغون التي يبنيها حسن نصر الله بالقلمون السوري، ويتعهد في الوقت ذاته للروس بالاستجابة لطلباتهم بإعادة هيكلة وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية وإبعاد أدوات إيران عنها، وبنفس الوقت يرسل الرسائل السرية لإسرائيل بدعم ضرباتها للتموضع الإيراني ويبلغها عدم انزعاجه منها، لكن الحقيقة هي أن بشار الأسد ما زال بالحضن الإيراني، وأن كل النوافذ العربية التي فتحت له مقابل فك ارتباطه بمشروع ولاية الفقيه قد أثبت عدم جدواها، وبالتالي الكثير من العواصم العربية عادت خطوات للخلف، وأولها المملكة الأردنية الهاشمية التي طار ملكها إلى واشنطن مستنجداً من غزو المخدرات والسلاح لأراضيه عبر شبكات تهريب من سوريا مدعومة من أجهزة عسكرية وأمنية سورية وإيرانية ومن حزب الله.

تبقى روسيا القاسم المشترك بين الطرفين وهي تستثمر بالخلاف بين تل أبيب وطهران لحصد ملفات سياسية، كالملف الأوكراني وملف الاتفاقيات الاقتصادية التفضيلية التي تحصل عليها موسكو من طهران، مع حرص موسكو الذي لا يقل عن حرص واشنطن بأمن إسرائيل.

فهل تتحرك آلة الحرب الإسرائيلية لاقتلاع جذور التموضع الإيراني في سوريا قبل فوات الأوان، أم أن الخلاف الإسرائيلي الإيراني سيبقى خلاف زعامة وخلاف وكلاء؟

إيران تريد أن تشارك إسرائيل بالوكالة الأمريكية الممنوحة لإسرائيل بالشرق الأوسط، وإسرائيل تريد حصرية التمثيل، وقطف ثمار البعبع الإيراني بمزيد من التطبيع مع الدول العربية دون أثمان مكلفة تتعلق بالقضية الفلسطينية أو انسحاب من الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وبالتالي هناك خدمات متبادلة غير مباشرة بين إسرائيل وإيران، وكلاهما يدرك أهمية الطرف الآخر لمشروعه، وتبقى المنطقة العربية ساحة اختبار لتلك المشاريع وعلى حساب دماء وأرواح العرب.

——————————-

المقداد: نرد على الغارات الإسرائيلية بصمودنا وأسلوب آخر

قال وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد إنهم يردون على الغارات الإسرائيلية في سورية بـ”الصمود” من جهة و”أسلوب آخر”.

وأضاف في مقابلة تلفزيونية مع قناة “روسيا اليوم”، نشرت اليوم الاثنين: “نحن نرد بصمودنا في سورية، لأن المخطط الأساسي الذي تشارك فيه دول أوروبا الغربية وأمريكا وإسرائيل هو تصفية النظام السياسي في البلاد”.

وتابع: “عندما تقاوم الدولة السورية والشعب السوري هذه المحاولات في ترد”، مشيراً: “نحن أيضاً نقول إننا نرد ولسنا مضطرين للقول إننا نرد بأي أسلوب آخر”.

وكانت إسرائيل قد كثّفت من هجماتها على مواقع عسكرية في سورية، خلال الأسابيع الماضية.

وبينما ركّزت في ضرباتها على مواقع عسكرية حيوية للنظام السوري، تحوّلت لتستهدف مطاري حلب ودمشق، لأكثر من مرة، ما أسفر عن خروجهما عن الخدمة عدة مرات.

وكانت آخر الضربات في 17 من الشهر الحالي، إذ أعلن النظام السوري عن مقتل 5 قتلى “عسكريين” من قواته، إثر ضربة صاروخية إسرائيلية استهدفت محيط العاصمة دمشق.

ولا يعلق الجيش الإسرائيلي عادة على ضربات محددة في سورية، لكنه اعترف بإجراء مئات الطلعات الجوية ضد الجماعات المدعومة من إيران، التي تحاول الحصول على موطئ قدم في البلاد.

وذكر أيضاً، خلال الفترة الأخيرة أنه يستهدف شحنات أسلحة يعتقد أنها متجهة إلى تلك الجماعات، وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني.

وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت، قبل أسبوعين، عن مصادر دبلوماسية واستخباراتية إقليمية قولها إن الهجمات التي تنفذها إسرائيل باتت تضغط على الإمدادات الجوية الإيرانية إلى سورية.

وأضافت المصادر أن إسرائيل كثفت ضرباتها على المطارات السورية لتعطيل استخدام طهران المتزايد لخطوط الإمداد الجوية لإيصال أسلحة إلى حلفائها في سورية ولبنان، بما في ذلك “حزب الله” اللبناني.

واعتمدت طهران النقل الجوي كوسيلة أكثر موثوقية لنقل المعدات العسكرية إلى قواتها والمقاتلين المتحالفين معها في سورية، بعد تعطل عمليات النقل البري.

وحسب المصادر التي نقلت عنها الوكالة فإن إسرائيل ترى منذ فترة طويلة ترسيخ خصومها الإيرانيين في سورية تهديداً للأمن القومي، لذلك توسع نطاق ضرباتها لضرب طرق النقل الجديدة هذه.

————————–

==================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى