الناس

القصة الكاملة لتورّط نظام الأسد بالمخدرات… أبرز تجّاره وخطوط الإنتاج والتهريب/ عدنان عبد الرزاق

قلّل عضو اتحاد غرف التجارة السورية السابق، نبيه السيد علي، من جدوى العقوبات الاقتصادية بحق نظام بشار الأسد، على خلفية تجارته بالمخدرات، مستدلاً بأن شيئاً لم يتغيّر، ولم نرَ تأذياً لمصالح هؤلاء أو أعمالهم، حتى خارج سورية، كاشفاً لـ”العربي الجديد” أن من أسماهم “حيتان نظام الأسد الاقتصاديين” رُفعَت العقوبات عنهم بعد صدورها، رغم تورطهم بدعم النظام حتى اليوم، ومنهم نزار الأسعد مثلاً.

وتزامناً مع فرض الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، عقوبات على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام السوري بشار الأسد، لدورهم في إنتاج المخدرات “حبوب الكبتاغون” أو تصديره، هما سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، ولدا عم رئيس النظام السوري، إضافة إلى شركتين تنتجان المخدرات وأسماء لبنانيين يتعاونون بإنتاج المخدرات وتصديرها مع نظام الأسد عبر توريد مادة “الحشيش” أو حبوب الكبتاغون من معامل بمنطقة البقاع بلبنان، التي يسيطر عليها حزب الله.

ويرى السيد علي أن نصوص العقوبات “تثير الغرابة والسخرية” لأنها عادة ما تركز على حجز أموال المعاقبين في المصارف الأوروبية أو الأميركية، والمنع من السفر، وكأن إيداعات هؤلاء في مصرف “جيه بي مورغان تشايس” أو يقضون عطلهم في لاس فيغاس، لكنه مع ذلك يعتقد أن العقوبات تبقى لها أهمية، ولو معنوية، تتعلق باستمرار تعرية النظام، فضلاً عن أهمية التوقيت المتزامن مع عودة الزيارات والتطبيع مع النظام.

ويستدل الاقتصادي السوري على أن التطبيع العربي، وحتى الأوروبي، مع نظام الأسد تصاعد بعد قانون “مكافحة انتشار وتهريب المخدرات للأسد” أو “قانون الكبتاغون” الذي أقره مجلس النواب الأميركي في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ومن ثم وقّعه الرئيس جو بادين في ديسمبر/ كانون الأول، لكنه رغم النص الواضح الهادف إلى تعطيل الإنتاج وملاحقة النظام، فإنه لم يحقق أياً من هدفيه، إن بتضييق الخناق على مصادر تمويل نظام بشار الأسد، أو فرض مزيد من العزلة السياسية عليه.

وكان الرئيس الأميركي قد وقّع في الـ23 من ديسمبر العام الفائت، ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري.

ويتضمن مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً”، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة.

وتنتشر المخدرات في مناطق سيطرة بشار الأسد، حتى ضمن الصفوف المدرسية ومواقع العمل بحسب ما تؤكد مصادر لـ”العربي الجديد”، مضيفة أن الحصول على الحبوب المنشطة أو المخدرات من نوع العدسة وأم هلالين “أسهل بكثير من الحصول على العدس أو ربطة خبز”.

وعن مصدر حصول الشباب السوري على المخدرات، كشفت مصادر خاصة أن الأكشاك في دمشق تبيع الحشيش والكبتاغون، وأن المصدر الرئيس يصل من درعا (فيها معامل) أو من لبنان، ويوزع بدمشق والسويداء، كاشفة أن منطقة جرمانا بريف دمشق الجنوبي “هي المركز” ويباع فيها كيلو الحشيش “كبشة” بنحو 625 ألف ليرة و”مشد الحب” أي 200 حبة كبتاغون بنحو 300 ألف ليرة.

واكتفى بالقول إن “رؤوسا كبيرة” تنقل وتبيع للموزعين، وإن المصدر في جنوب سورية يأتي من السويداء عبر راجي فلحوط، قائد مليشيا محلية، وأدرج اسمه أمس الأول بالعقوبات، أو من مدينة درعا عبر قائد المليشيا أيضاً ولاعب كرة القدم المعروف، عماد أبو زريق، الذي أُدرج أيضاً ضمن العقوبات.

التهريب إلى الخليج عبر الأردن

ويأخذ نظام الأسد من الأردن، عبر محافظة درعا الحدودية، طريقاً لإيصال المخدرات إلى دول الخليج العربي، إذ أُحبطت مطلع الشهر الجاري آخر محاولة تسلل وتهريب كميات من المواد المخدرة إلى أراضي المملكة من الجانب السوري.

ويكشف الباحث السوري محمد حاج بكري، المنحدر من مدينة اللاذقية، مسقط رأس المعاقبين أول من أمس، سامر ووسيم الأسد، أن موارد النظام السوري خلال الأعوام الأخيرة تعتمد بشكل رئيس على عائدات تجارة المخدرات “التي يشرف عليها شخصياً”، وبمقدمتها الحبوب المخدرة “كبتاغون وكريستال”.

وكشف لـ”العربي الجديد” أن الاعتماد على المخدرات تعاظم بعد أن تراجعت عائدات الصادرات إلى أقل من 600 مليون يورو، فيما تزيد الواردات على 5 مليارات دولار.

وهذا، برأيه، ما دفع نظام الأسد منذ عام 2015 إلى الطلب إلى شركات الأدوية المرخصة بسورية زيادة مستوردات مادة “فينيثيلين”، وهي مادة منشطة والاسم العلمي للكبتاغون، لتزدهر تجارة المخدرات، أو تكشف للعلن، عام 2019 وقت إحباط تهريب أطنان من حبوب الكبتاغون عُثر عليها في اليونان، تلتها شحنات مخدرات إلى الإمارات، ليصبح نظام الأسد منذ ذاك تحت الضوء.

لكن عام 2020 كان الأكثر إنتاجاً وتهريباً، بحسب الباحث حاج بكري، وقت العثور في ميناء بورسعيد المصري على كميات “كبتاغون” مهربة بعبوات حليب مصنعة بشركة “ميلك مان”، لتأتي الفضيحة الكبرى، بحسب وصف المتحدث، حين ضبطت إيطاليا أكبر شحنة من مخدر الكبتاغون على مستوى العالم “14 طناً وتقدَّر قيمتها بمليار يورو” في مرفأ ساليرنو جنوب مدينة نابولي.

الأسد يشرف مباشرة على تصنيع المخدرات وتجارتها

ويؤكد الباحث السوري أن نظام بشار الأسد يشرف شخصياً على صناعة المخدرات وتجارتها، عبر أطراف أربعة: القصر، الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

وبيّن أنه في سورية عشرات المنشآت لتصنيع المخدرات، ولكن أهمها وأكبرها في منطقة “البصة” بريف اللاذقية غربي سورية، يشرف عليه سامر الأسد، ابن عم رئيس النظام، كذلك يأتي معمل “ميديكو” في محافظة حمص، الذي تشرف عليه إيران، كثاني أكبر منشأة، بعدها معمل التضامن التابع للفرقة الرابعة، ومعامل عدة بمنطقة القصير، تتبع لحزب الله.

وقال: “لدينا معلومات تفيد بأن بعض المعامل بمدينة حسياء الصناعية، تنتج حبوب المخدرات لصالح النظام، وتتبع لرجال أعمال من مدينة حمص”.

وتقاطعت مصادر سألها “العربي الجديد” عن أن عمليات التهريب الكبرى، تجري بحراً من مرفأ اللاذقية بإشراف من ضباط الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، ولكن هذا لا يقلل من كميات وعائدات التهريب البري، عبر الأردن، إلى دول الخليج بشكل خاص، سواء من سورية أو عبرها، للشحنات القادمة من لبنان، وخصوصاً عبر المواد الغذائية.

وتبيّن المصادر أن الأرقام الصادرة عن “الصحافة والمراكز” تقديرية، نظراً لصعوبة حصر الكميات والأسعار والعائدات “لكن المخدرات أهم عائدات النظام” بعد تراجع الإنتاج الصناعي والزراعي، وتحول سورية إلى بلد مستورد للنفط والقمح والإنتاج الحيواني.

وكان مركز تحليل العمليات والبحوث “COAR” قد قدّر بدراسة عام 2020، قيمة صادرات الكبتاغون من سورية، بنحو 3.46 مليارات دولار، موضحاً أن سورية صارت مركزاً عالمياً لإنتاج الكبتاغون، وأنها أصبحت أكثر تصنيعاً وتطوراً تقنياً في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.

التطبيع مع النظام وعودته إلى الإنتربول أنعشا التهريب

ويرى اقتصاديون أن “أمرين ساعدا في زيادة تهريب المخدرات من سورية”: الأول التطبيع العربي، وحتى بعض الدولي، مع نظام بشار الأسد، والثاني إعادة عضويته في الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول).

وتأتي عائدات تصديق الوثائق الرسمية للسوريين خارج البلاد ورسوم الحصول على جوازات السفر، كثاني مورد لنظام الأسد بعد المخدرات، إذ اعترف مدير إدارة الهجرة والجوازات في دمشق، اللواء أحمد خميس، بأن إيرادات الإدارة من خارج سورية بلغت العام الماضي أكثر من 521 مليون دولار.

وأشار مدير إدارة الهجرة خلال تصريح سابق نقلته جريدة “الوطن” المقربة من النظام، إلى أن حكومة الأسد حققت دخلاً بنحو 500 مليون دولار أميركي، جراء ارتفاع الطلب على جوازات السفر، وسلمت سلطات الأسد 829 ألف جواز سفر داخل البلاد وخارجها منذ مطلع عام 2022 بمعدل 3 آلاف جواز سفر يومياً.

وكان النظام قد سمح في إبريل/ نيسان العام الماضي لسفاراته وبعثاته الدبلوماسية بإصدار وتجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج، من دون مراجعة الأجهزة الأمنية في دمشق.

وحددت حكومة الأسد الرسم القنصلي لمنح جواز السفر بمبلغ 400 دولار والتجديد أو التمديد بمبلغ مئتي دولار للمقيمين خارج البلاد، فيما تبلغ كلفة الحصول على جواز سفر في الداخل ما يعادل 17 دولاراً.

ويعقب الاقتصادي نبيه السيد علي بأن ترك الصلاحية لنظام بشار الأسد لاستصدار جوازات السفر وعدم اعتراف دول العالم، إلا بالجوازات الصادرة عن النظام، هي خدمة له وجريمة بحق السوريين الذين يدفعون ثمن مواقفهم، قد لا تقلّ عن جرائم المخدرات.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى