الناس

مداهمات ليلية ومدرعات… هكذا تحاول السلطة اللبنانية “تهشيل” اللاجئين السوريين/ كارمن كريم

منذ بدايات أزمة اللجوء السوري، اتّخذ الخطاب السياسي والعام، المطالِب بعودة السوريين إلى بلادهم، منحى عزّز العدائية ضد اللاجئين، فتكرست مقاربات إعلامية وخطابات عشوائية وأخرى رسمية مبرمجة، ولغة قائمة على معلومات مغلوطة تجيّش ضدهم.

يدخلون مخيمات اللاجئين السوريين والمجمعات السكنية بالمدرعات، يروعون العائلات النائمة ليلاً، يقتحمون المساكن بقوة السلاح، يكسرون الأبواب والأثاث، ويضربون من يعترض… هي عيّنة من ممارسات دوريات تابعة للجيش اللبناني مع اللاجئين السوريين خلال مداهمات أمنية، بحسب أحدث تقرير لمركز “وصول لحقوق الإنسان” الذي وثق تصاعداً في هذا النوع من الممارسات.

بحسب التقرير، ينتمي منفذو هذه المداهمات عادة إلى جهاز مخابرات الجيش اللبناني أو جهاز أمن الدولة في منطقتي البقاع الأوسط والبقاع الغربي. الحالات التي التقاها التقرير تحدثت عن قيام العناصر بخلع أبواب الخيم أو المنازل فوراً في حال لم يستجب أصحابها، ما يتسبب في نشر الذعر والخوف وترهيب الأهالي والأطفال، ووفق لاجئين تعرضت منازلهم للتفتيش، لم تقدم لهم السلطات أي معلومات بخصوص الأسباب القانونية التي تبرر عملية تفتيش منازلهم ومداهمتها.

يقول التقرير الذي حمل عنوان “المداهمات الأمنية في لبنان: سلاح قانوني لانتهاك حقوق اللاجئين”، إن القوى الأمنية في لبنان تستخدم عمليات التفتيش والمداهمات الأمنية كوسيلة ضغط لترحيل اللاجئين إلى سوريا.

منذ بدايات أزمة اللجوء السوري، اتّخذ الخطاب السياسي والعام، المطالِب بعودة السوريين إلى بلادهم، منحى عزّز العدائية ضد اللاجئين، فتكرست مقاربات إعلامية وخطابات عشوائية وأخرى رسمية مبرمجة، ولغة قائمة على معلومات مغلوطة تجيّش ضدهم، مستخدمة ورقة التوطين أو الدمج مع المجتمعات المضيفة لممارسة المزيد من التضييق، الذي بلغ مستويات غير مسبوقة خصوصاً مع تصاعد الأزمة في لبنان.

كذلك، يتم توظيف الأزمة الاقتصادية التي تسبّبت بها الطبقة الحاكمة في لبنان، لتحميل اللاجئين المسؤولية فيها، بهدف خلق بيئة مناسبة لانتهاك حقوقهم الإنسانية والقانونية. وتظهّرت هذه العدائية في حالات العقاب الجماعي، التي تستهدف لاجئين، كطرد جماعي من مبان أو أحياء أو بلدات لبنانية، بسبب مخالفة قانونية أو جريمة قد يقوم بها لاجئ بشكل فردي، فيقع العقاب على جميع اللاجئين الموجودين في المنطقة التي حصلت فيها الجريمة، كإحراق مخيمات اللاجئين الذين تكرر في أكثر من منطقة، كعكار ودير الأحمر…

حصار اللاجئين بالمدرعات

في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2022، داهمت دورية من الجيش اللبناني فجراً، تجمعاً سكنياً تقطن فيه عائلات سورية لاجئة منذ عام 2011، ويتألف من 52 غرفة، تعيش في كل منها عائلة، بحسب تقرير مركز “وصول لحقوق الإنسان”. القوة العسكرية التي تألفت من نحو 10 مدرعات عسكرية، حاصرت المجمع السكني واقتحمته بالقوة، وقامت بكسر الأبواب وتحطيم بعض الأثاث، عند تفتيشها المنازل بحثاً عن أشخاص مشتبه بهم وأسلحة. وبحسب التقرير، تركت عمليات مداهمة المخيمات والمجمعات السكنية وعمليات تفتيشها المتكررة، آثاراً سلبية طويلة الأجل على الصحة العقلية والنفسية للأسرة اللاجئة بأكملها، وفي بعض الحالات احتاج شخص منها على الأقل إلى رعاية صحية عاجلة بسبب الصدمة التي تعرضوا لها عند اقتحام قوات الأمن خيمهم أو غرفهم باستخدام العنف.

تتعارض سلوكيات الجيش اللبناني وقوات الأمن مع مبادئ حماية حرمة المنزل الواردة في المادة 14 من الدستور اللبناني، ينصّ القانون اللبناني على عدم جواز تفتيش المنازل إلا بموجب إذن صادر  من أحد قضاة التحقيق، كما يمنع دخول المنازل للتفتيش أو البحث عن المجرم في حال وجود مجرمين أو فارّين من العدالة  بعد الساعة الثامنة مساءً وقبل الساعة الخامسة صباحًا، ما لم يعطِ صاحب المنزل موافقته الصريحة خلال هذه الفترة، وهذا ما لا تقوم به قوات الأمن، وتنص القوانين اللبنانية على صون حرمة المنزل، وتعاقب من ينتهكها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، إذا ما ترافق فعل انتهاك حرمة المنزل مع الكسر أو العنف أو استخدام السلاح.

وكان لبنان قد أعلن لبنان استئنافه خطة عودة اللاجئين الطوعية والآمنة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد توقفها على أثر وباء “كوفيد- 19″، وسط تخوفات وانتقادات من منظمات إنسانية وجهات سياسية تحذّر من انتهاكات قد تطاول اللاجئين السوريين العائدين. الخطة كانت مناسبة لتجديد الخطاب السياسي المحرض على وجود اللاجئين السوريين في لبنان.  ففي تصريح أثار ضجة واسعة في لبنان، قال محافظ بعلبك الهرمل بشير الخضر، “اليوم أنا كمحافظ وظيفتي هي أعلى وظيفة إدارية في لبنان، اليوم أنا معاشي أقل مما يحصل عليه النازح السوري في لبنان”.

سألنا عمار (اسم مستعار للاجئ سوري) عما يحصل عليه شهرياً من مساعدات من المفوضية، فأجاب: “تعطينا الأمم بطاقة، بينزل عليها مساعدة مالية وغذائية وشتوية، الشتوية بتنزل بالشتوية مرة وحدة وقيمتا 8 ملايين ليرة لبنانية حالياً، بغض النظر عن عدد الأفراد، وغذائية بيعطو لكل فرد مليون و100 ألف ليرة لبنانية شهرياً، نحنا عيلتنا تلات أشخاص بناخد 3 ملايين و300 ألف والمالية مليونين ونص ع كل بطاقة”. يدفع عمار 150 دولاراً أميركياً بدل إيجار منزله، وفي عملية حسابية بسيطة، يبلغ إيجار المنزل نحو 18 مليون ليرة لبنانية، في حال كان سعر صرف الدولار 120 ألف ليرة لبنانية، بينما يبلغ مجموع ما تحصل عليه عائلة عمار في الشهر 13 مليوناً و800 ألف ليرة لبنانية، ما يساوي أقل من إيجار المنزل حتى!

العنصرية في مجال الصحة

يساهم الخطاب العنصري الذي يستخدمه عدد من سياسيي لبنان في توسيع دائرة الإساءة والعنف ضد اللاجئين في أنحاء البلاد، فقد قال رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في وقت سابق: “النزوح واللجوء هو أمر مرفوض بالدستور اللبناني، والحل الوحيد الممكن للنازحين هو في عودتهم إلى بلادهم”.

لا يكتفي المسؤولون ببث الخطاب العنصري إنما يبررون التضييق الذي يمارس على اللاجئين، إذ قال هيكتور حجار، وزير الشؤون الإجتماعية لإحد الإعلاميات، “أكيد بدك تصعبي عليهن الأوضاع، أنتي اليوم ما عبتعمليلن دمج في المجتمع اللبناني، هنن وجودن مؤقت، يعني اليوم مطلوب يرجعوا على بلادهم”.

هذه الخطابات تضاعف العنف ضد السوريين في لبنان، وتساهم في تحميلهم مسؤولية الانهيار والأزمة الاقتصادية اللبنانية.

تنفيذ القانون وحماية المواطنين من أي أعمال إرهابية هو من حق الدولة اللبنانية، لكن في الكثير من الحالات التي وثقها مركز “وصول”، كان أفراد الأمن مسلحين بالبنادق واستخدموا القوة المفرطة وغير الضرورية، وحطموا الأبواب وصوبوا بنادقهم نحو سكان المخيمات أو التجمعات السكنية، حتى في حضور الأطفال، وأطلقوا النار في الهواء في بعض الحالات. وبحسب التقرير ووفقاً لكثير ممن تعرضت منازلهم للتفتيش، لم تقدم لهم السلطات أي معلومات بخصوص الأسباب القانونية لعملية مداهمة وتفتيش المنازل، ولم يبرز أفراد الأمن أمر تفتيش رسمي، ما يشير إلى هذه الممارسات كانت في أغلب الأحيان تعسفية وتمييزية ولا تستند إلى معطيات قانونية حقيقية ما يشير إلى الانحياز الضمني ضد سكان المخيمات أو التجمعات السكنية. وقد وثق مركز “وصول” بالفعل، ما لا يقل عن 15 مداهمة أمنية عشوائية عام 2022.

وتنسحب الممارسات العنصرية حتى إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ففي منتصف آذار/ مارس 2023، تهجّم عناصر أمن تابعون للمفوضية، على اعتصام كان ينفذه لاجئون/ات سوريون/ات أمام مقرها في زحلة، احتجاجاً على فصل عدد منهم/ن من برامج المساعدات، وتدني قيمتها مقارنة بما يشهده لبنان من أزمة اقتصادية.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى