سياسة

“محكمة العدل الدولية” تحاكم النظام السوري -مقالات مختارة-

تحديث 14 تموز 2023

—————————-

ملف المفقودين في سورية بين الواقع والأحلام/ حسان الأسود

ثمّة مشكلات تتخطّى حدود السياسة والحروب والاستبداد، وتتبدّى آثارها المتعدّدة في حياة الناس، فتغيّرها جذريًا وتجعل منها أحيانًا جحيمًا مقيمًا وجرحًا نازفًا لا يبرأ، من هذه القضايا، بل وفي مقدّمتها قضايا المفقودين. هنا يَعملُ الزمنُ بأثر تراكمي على مفاقمة النتائج المترتّبة على فقدان الأشخاص، ليس فقط من ناحية المعاناة النفسية التي يتكبّدها الأحياءُ منهم ويقاسيها ذووهم، بل من ناحية الآثار الاجتماعية المتعدّدة، فتتوقّف مصالح الأسر مثلًا على تبيان مصير المفقودين، حيث ثمّة فرقٌ بين اعتبارهم موتى أم أحياءً، فالأزواج معلقون برابطةٍ لا يُعرف مصيرها إلا بمعرفة مصير المفقود، والآباء والأبناء والإخوة محبوسون بمقتضيات الإرث، كذلك الكثير من الحقوق التي يتوقّف الفصل فيها على التثبّت من حال المفقود المعتبر قانونًا.

في سورية، ومنذ أكثر من 60 عامًا بدأت السلطة السياسية المتمثّلة بحكم الحزب الواحد، ثم الفرد الواحد، بممارسة سياسة الاعتقال خارج القانون والتغييب القسري للبشر. ومنذ ذلك التاريخ، فُقد أشخاصٌ كثيرون لا عدّ لهم ولا إحصاء. ليس السوريون وحدهم ضحايا هذه الممارسات الغاشمة، بل وقع الفلسطينيون واللبنانيون وبعضُ العرب والأجانب أيضًا ضحايا لها أيضًا بحكم الواقع الجغرافي من جهة، وبحكم الواقع السياسي من جهة ثانية، والذي تجسّد في أحداثٍ جسامٍ، خصوصًا منذ تشكيل منظمة التحرير وبعدها النكسة، ومن ثمّ حرب أيلول الأسود في الأردن ثم اجتياح بيروت والاحتلال الذي خضع له لبنان 30 عامًا. تركت هذه الأحداث والمفاصل إرثًا هائلًا من انتهاكات حقوق الإنسان، وكان ملفّ المفقودين والمغيّبين قسرًا واحدًا من أهمّها بالنسبة للسوريين وأقرانهم من أشقائهم العرب وشركائهم في المعاناة.

على الصعيد السوري، كان هناك حدثان هائلان فاقما هذه المأساة، أولهما أحداث حماة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وما رافقها وتلاها من مجازر واعتقالات، والثورة السورية عام 2011 والعشريّة السوداء المستمرّة في فصولها المتعاقبة، بل ودخلت عُشريّتها الثانية. وبمقاربة أوليّة غير دقيقةٍ بكل تأكيد، تتوقّع الأمم المتحدة اختفاء مائة ألف شخص في سورية، بينما تؤكّد المنظمات الحقوقية السورية أنّ الرقم أكبر من ذلك بكثير. يبقى التأكّد من هذا العدد رهنًا بعوامل عديدة لا يبدو في الأفق أنّ ثمّة ما يؤشّر إلى توفر أيّ منها، وفي مقدمة تلك العوامل حصول انتقال سياسي في سورية يجعل بالإمكان فتح ملفات أجهزة النظام الأمنية والعسكرية وفتح أبواب السجون والمعتقلات أمام الفحص والتدقيق.

ضمن ظروفٍ مشابهة لما حصل في سورية بعد الثورة، نشأت في يوغسلافيا السابقة، إثر الحرب الأهلية التي أعقبت تفكّكها، منظمة تُعنى بشؤون المفقودين. جاءت بمبادرة من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون على هامش قمّة مجموعة السبع الكبار في باريس، وكانت في جزء منها استجابة لمطالبات أهالي الضحايا. تطوّرت المنظمّة التي تأسّست عام 1996 لتصبح ذات طابع دولي عام 2014، عندما وقّع وزراء خارجية هولندا والمملكة المتحدة والسويد وبلجيكا ولوكسمبورغ معاهدة تمنحها وضعًا قانونيًا جديدًا، وأصبح اسمُها اللجنة الدولية لشؤون المفقودين. في سورية، ونتيجة لنضالات عائلات الضحايا السوريين ومنظمّات المجتمع المدني العاملة في مجالات المناصرة والبحث عن الحقيقة والمساءلة، صدر في 29 من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، قرارٌ عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة تمّ بموجبه إنشاء مؤسّسة مستقلّة لجلاء وكشف مصير المفقودين في سورية منذ العام 2011. سيكون على الأمين العام وضع خطّة واضحة لتنفيذ هذا القرار خلال 80 يومًا من تاريخه، على أن يتمّ ذلك بدعمٍ من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبالتشاور مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، بما يشمل مشاركة الضحايا والناجين والأسر مشاركةً كاملةً ومجدية. فهل ستكون هذه المؤسّسة قادرةً على جلاء مصير المفقودين في سورية فعلًا؟

أثار السفير المصري لدى الأمم المتحدة أسئلة يمكن من خلالها استقراء بعض أوجه العقبات التي يمكن أن تحول دون قيام المؤسسة بمهامها المنوطة بها، والتي لا بدّ أنّها سترفع سقف توقعات الأهالي المكلومين دون أن تحقق لهم شيئًا ملموسًا في القريب العاجل. من بين الأسئلة المصرية عدم تحديد اختصاص المؤسسة بشكل دقيق، وتداخل عملها بشكل غير مفهوم مع عمل المفوض السامي لحقوق الإنسان، وعدم وضوح التزامات الدول تجاه هذه المؤسسة، وعدم وضوح إجراءات التعامل مع الضحايا والناجين وأسر المفقودين، بالإضافة إلى عدم وجود تعريفٍ واضح للأشخاص المفقودين، وعدم وضوح مصير المعلومات والبيانات التي سيتم جمعها ولا آليات تصنيفها وحفظها واستخدامها. هذا غيضٌ من فيضِ العقبات التي تقفُ كأداءً في طريق تحقيق المؤسّسة أهدافها، ويجب أن نعود لنكرّر أنّ المسؤول الأول، بل والأكبر مسؤولية عن الغالبية العظمى من حالات الاعتقال والإخفاء القسري في سورية هو نظام الأسد، وهو قد رفض هذا القرار، وحتى لو قبل به فإنّ سلوكه في السنوات الفارطة كلّها يدلّ على أنّه سيعطّل عملها.

مع ذلك، وكبارقة أملٍ في أجواء الإحباط العامّة في سورية، يمكن القول إنّ البناء على أساس قانوني أمرٌ جيدٌ ومطلوبٌ ولازمٌ، حتى وإن كان غير كافٍ حاليا، فالمستقبل كفيلٌ بإيجاد الظروف التي قد تزيل العقبات أمام المهمّة التي تبدو شبه مستحيلة. كما أنّ النضال السوري لن يتوقّف على هذه المؤسّسة، على الرغم من أهميتها لملفٍ بغاية التعقيد، وبالتالي سيكون علينا، نحن السوريين، أن ننظر إلى الأمر باعتباره خطوة في مضمار الكفاح ضدّ الاستبداد، وأنّ ما لا يُدركُ كلّه لا يُترك جُلّه، وخصوصا أنّه لم يُبق لنا الكثير من ساحات النضال بعد تعثرنا في السياسة وعدم قدرتنا على تشكيل هيئة اعتبارية تمثل الشعب السوري وتحوز ثقته، وتشكّل بديلًا عن نظام الأسد. ما بين الواقع والأحلام تولد الأفكار، وهي تنبت في بيئاتها، فإما أن تثمر تغييرًا نافعًا، أو أن تبقى أضغاثًا لا يقوى على تفسيرها إلا الراسخون في العلم!

العربي الجديد

—————————

شبيحة النظام السوري في ميزان العدالة الدولية/ رياض معسعس

تداول السوريون كلمة “شبيحة” ومفردها “شبيح” كصفة لمجموعة كبيرة من الشباب الذين انخرطوا في تنظيم أنشأه نظام الأسد للقيام بالأعمال “القذرة” كي لا يحاسب عليها لو نسبت إليه.

وكلمة شبيحة تنطبق على هذا التنظيم لأن معظم أفراده إذا لم يكن جميعهم من طائفة رئيس النظام وتم تجنيدهم لمواجهة أي تمرد، أو عصيان، أو حتى احتجاج بالعنف الجسدي مباشرة وهم الذراع لأجهزة المخابرات التي تعطيهم أيضا الأوامر لمهمات قتل، أو سحل، أو اعتقال.

الاعتداءات الجسدية

وقد دبوا الرعب بين المواطنين بعدد جرائمهم، التي تعدت الاعتداءات الجسدية إلى سرقات البيوت أو ما يطلق عليه في سوريا “بالتعفيش” أي سرقة أدوات المنزل وأثاثه ومحتوياته التي تباع في “سوق الحرامية” المعروف بهذا الاسم للقاصي والداني دون حسيب أو رقيب، بل أن نظام الأسد هو الذي سمح بسرقة منازل المواطنين كتعويض عن ضعف رواتب “الشبيحة” بعد انخفاض سعرة العملة السورية وارتفاع نسبة التضخم. ووجد هؤلاء ضالتهم فصار همهم اليومي البحث عن البيوت التي هرب منها أصحابها بعد الثورة “لتعفيشها” وسكنها وبعضهم يتمكن من تحويل ملكيتها له بطرق قانونية ملتوية، وأوراق مزورة. وسبب تسمية هؤلاء بالشبيحة كون الكثير منهم كان يمتلك سيارات مرسيدس “الشبح” و”يشبحون” في شوارع المدن السورية، وبعد الثورة صاروا أشباح الموت لكثرة المجازر التي ارتكبوها بحق السوريين وتحديدا المسلمين السنة، ولهذا السبب فإن 99 في المئة من اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنة، وعودتهم إلى أحضان النظام تعني عودتهم ليكونوا تحت رحمة” الشبيحة” وأجهزة المخابرات. وقد عمد بعضهم نشر صور أجسادهم على وسائل التواصل الاجتماعي بعضلات منتفخة وهيئات إجرامية وهم يحملون أسلحة ومسدسات مع خلفية لصور بشار الأسد لبث الرعب في الناس.

مجازر وجرائم حرب

قامت لجنة من المحققين (وهي منظمة غير ربحية أسسها محقق مخضرم في “جرائم الحرب” ويعمل بها 45 محاميا جنائيا دوليا) بإنجاز تحقيق نشرته ” لجنة العدالة والمساءلة الدولية” تضمن 7 وثائق تظهر إنشاء ما يسمى بـ “اللجان الشعبية” (أطلق هذا الاسم على مجموعات شبيحة النظام) بعد تدريبهم وتوجيههم وتسليحهم. وجاء في التحقيق أن “النظام الأسدي خطط ونظم وحرّض ونشر الشبيحة منذ بداية الثورة في آذار/ مارس 2011.

وتضمنت الوثائق التي اعتمدت على عشرات الأوراق التي جمعت من منشآت حكومية أو عسكرية بعد سقوط الأراضي في أيدي المعارضة، التوجيهات الأولى التي صدرت تاريخ 18نيسان/ أبريل 2011، وأمرت بتدريب “اللجان الشعبية” (الشبيحة) على استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين، وكيفية اعتقالهم وتسليمهم لمراكز الأمن. ويقول بعض ناشطي حقوق الإنسان الذين درسوا دور الشبيحة في الحرب السورية إن نظام الأسد استخدم هذه الجماعات في البداية لإبعاد نفسه عن العنف على الأرض.

ووثق التحقيق 9 مجازر مروعة ارتكبها “الشبيحة” في كرم الزيتون في مدينة حمص في آذار/مارس 2012. وأكد أحد الشهود أن زوجته وخمسة من أطفاله كانوا من بين ضحايا المجزرة.

محققو الأمم المتحدة

وكان محققو الأمم المتحدة خلصوا عام 2012 إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد أن ميليشيات الشبيحة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وتشمل القتل والتعذيب وجرائم الحرب، مثل الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والعنف الجنسي والنهب.

وعلى الرغم من عدم وجود محكمة جرائم حرب دولية ذات اختصاص قضائي حول سوريا، إلا أن هناك عدداً من قضايا “الولاية القضائية العالمية” في دول مثل هولندا والسويد وفرنسا وألمانيا التي تمتلك قوانين تسمح لها بالتحقيق في جرائم الحرب حتى لو تم ارتكابها خارج أراضيها.

واعتبرت أن الوثائق المتعلقة بممارسات الشبيحة قد تكون “أدلة ضرورية” تربط الشبيحة بالنظام السوري في قضايا العدالة الدولية.

لجنة أممية

قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء مؤسسة “مستقلة” للكشف عن مصير “المفقودين” في سوريا، ورحب الاتحاد الأوروبي بهذا القرار الذي يسعى إلى تقديم الدعم وتلبية احتياجات الضحايا والناجين وأُسر المفقودين وإيضاح مصيره، وأشارت أن “سوريا تضم أكبر عدد من المحتجزين والمختطفين والمفقودين في العالم بسبب الصراع الحالي.

وحصل القرار على موافقة 84 دولة مقابل رفض 11 دولة، فيما امتنعت 62 دولة عن التصويت، بينها معظم الدول العربية. ويهدف القرار إلى الكشف عن مصير أكثر من 100 ألف مفقود في سوريا، وتحديد مكانهم، وتقديم الدعم للضحايا وذويهم.

ويتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير “إطارها المرجعي” في غضون 80 يوماً، بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان. ووصف الاتحاد الأوروبي الآلية الجديدة بأنها حتمية وإنسانية.

ولاقى قرار الجمعية العامة ترحيب لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التي وصفته أنه خطوة تاريخية طال انتظارها.

ولم تنشر “لجنة العدالة” جميع الوثائق التي استندت إليها، قائلة إن بعضها يستخدم في التحقيقات الجارية في الدول الأوروبية.

وبالرغم من عدم وجود محكمة جرائم حرب دولية ذات اختصاص قضائي حول سوريا، إلا أن هناك عدداً من قضايا الولاية القضائية العالمية في دول مثل هولندا والسويد وفرنسا وألمانيا التي تملك قوانين تسمح لها بالتحقيق في جرائم الحرب حتى لو تم ارتكابها خارج أراضيها.

واعتبرت أن الوثائق المتعلقة بممارسات الشبيحة قد تكون “أدلة ضرورية” تربط الشبيحة بالنظام السوري في قضايا العدالة الدولية.

الدول العربية من جانبها اتخذت موقفاً صامتاً حيال القرار، باستثناء قطر والكويت، اللتين صوتتا لصالحه فيما، امتنعت 13 دولة عربية عن التصويت هي: لبنان والعراق ومصر والسعودية والجزائر والبحرين والمغرب والإمارات وجيبوتي واليمن والأردن وعمان وتونس.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

على هامش الحال السورية الراكدة/ محمود الوهب

منذ بداية شهر حزيران الماضي، وإلى عدة أيام خلت جرت أحداث تتعلق بالشأن السوري العام (مؤتمر مدنية، باريس، مسودة مشروع قرار أممي بشأن المغيبين قسرياً، تفاهمات سياسية بين هيئة التنسيق وقوات سوريا الديمقراطية) يمكن إعطاؤها جميعاً عنوان: “على هامش الحال السورية الراكدة” إذ تكتسي تلك الأحداث أهمية خاصة من كونها جرت على أرضية الفراغ أو الركود الذي تعانيه الحال السورية، ورغم أنَّ السوريين قابلوها بردود أفعال، ومواقف متناقضة، تباينت بين (ضد أو مع أو بين.. بين!) إلا أن تلك المواقف عبرت عن حالة صحية، فرضتها الروح الجديدة التي أخذت تتغلغل داخل المجتمع السوري، وخاصة في بلاد الاغتراب! كما يفرضها ثبات الحال السورية، واستمرار معاناة السوريين وتعقيدها، ولا يزال الصراع الدولي محتدمًا حول سوريا، كما لا تزال الاحتلالات قائمة ويؤيد النظام بعضها، وبعضها الآخر مسكوت عنه بفعل الواقع الذي يفرض نفسه، وثمة احتلال اقتحم المنطقة الشرقية دون استئذان من أحد، واعتمادًا على ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية.. وستحاول هذه المقالة إبداء رأي حول أهم تلك الأحداث..

أولاً: في السادس من حزيران عُقد في باريس مؤتمر تحت اسم “مدَنِيَّة”، وتمثلت فيه نحو مئة وخمسين منظمة مجتمع مدني، وموَّله رجل الأعمال السوري “أيمن الأصفري” وإذا كانت منظمات المجتمع المدني ممنوعة من الشغل في السياسة بطلب من المموِّلين! فهذا المؤتمر استدرك ذلك الأمر. إذ كيف لهؤلاء الشباب الذين قاموا بدءاً من العام 2011 وما بعده باحتجاجات ثورية ذات محتوى سياسي ألّا يساهموا في العمل السياسي؟! وخاصة أنّهمَ ومن خلال عمل منظماتهم قد اكتسبوا خبرات متنوعة سوف تصب، في نهاية المطاف، في بناء مجتمع الحرية السوري الذي يطمح إليه السوريون. ولم تتعارض نتائج المؤتمر مع ما توصل إليه المجتمع الدولي من توجهات للحل في سوريا وفق القرار 2254، وفي النهاية، يُعَدُّ هذا المؤتمر، خطوة إيجابية على طريق بناء دولة الحرية والمواطنة المتساوية المصانة بمبادئ وقوانين ديمقراطية يسعى إليها السوريون كافة..

ثانياً: توصلت الأمم المتحدة إلى مسودة قرار يقضي بتشكيل مؤسسة أممية مستقلة تهدف إلى متابعة ملف المفقودين في سوريا، وكشف مصيرهم، وقد جاء القرار بأغلبية 83 دولة، ومعارضة 11، وامتناع 62 عن التصويت. ومن المؤسف حقاً أن تمتنع الدول العربية عدا “قطر” و”الكويت” عن التصويت، ولكن ماذا تقول إذا كانت معظم الدول العربية الممتنعة هي التي تطبِّع مع العدو الصهيوني، وتدعو للتطبيع معه، ورغم أن القرار ذو غايات إنسانية محضة، إلا أن الدول العربية أخذت هذا الموقف الشائن! فالمؤسسة التي اتُّخذ قرار بتشكيلها سوف تسعى للكشف عن مصير آلاف المفقودين وتريح آلاف الأمهات والآباء والأبناء والإخوة في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية وإلى اليوم، ويقدر “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد السوريين المفقودين أو المخفيين قسراً منذ عام 2011، بنحو مئة ألف إنسان سوري، فيما ترى مؤسسات سورية أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، وربما وصل إلى أضعاف هذا العدد.. ومع ذلك يبقى مجرد طرح هكذا مشروع، إدانة قوية للنظام وهو مشروع يساهم في تعرية النظام أكثر فأكثر إلى جانب المجازر المتعددة واستخدام الكيماوي وصناعة المخدرات وتجارتها.. ومن هنا كان انزعاج ممثلي النظام، وعدّوا ذلك تدخلاً في شؤونهم الداخلية.. وبالفعل هو تدخل، إذ ليس لهم من شؤون الحكم غير القتل العمد، وقهر الشعب بأشكال شتى..

ثالثاً: توقيع وثيقة تفاهم بين “هيئة التنسيق الوطنية” و”مجلس سوريا الديمقراطية”، وهي الأهم رغم معارضة أغلبية السوريين لها، و(المعارضة هنا مشروعة لما لاقاه سكان الجزيرة السورية من معاناة تحت ظل حكم قسد) ولذلك يجب التوقف عندها، وقراءة بنودها، والتطورات الجارية في شمال شرقي سوريا والمتغيرات السياسية المحتملة هناك..

تضمنت الوثيقة خمسة بنود رئيسة نوجزها بما يلي: 1- إن تأسيس جبهة وطنية ديمقراطية سوريّا لقوى الثورة والمعارضة السورية ضرورة لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي الذي يُخرج سوريا من محنتها باتجاه الخلاص من الاستبداد والتحول نحو الديمقراطية.

2- إجراء العملية السياسية دون إقصاء أحد وفق القرار الأممي 2254 وجميع القرارات الأخرى ذات الصلة، بما يكفل إنهاء نظام الاستبداد، وبناء سوريا ديمقراطية تعددية ذات نظام سياسي لامركزي، يتوافق عليه السوريون!

3- يتبنى الطرفان وحدة الجغرافيا السورية والسياسية، ويرفضان أشكال التقسيم كافة.

4- يتبنى طرفا الوثيقة الحل السياسي وفق القرار المذكور، ويرفضان وجود أية ميليشيا أو أي احتلال، ويجب أن يترافق ذلك مع الإفراج عن المعتقلين كافة، ويرفض الطرفان أي تغيير ديمغرافي في سوريا..

5- يؤكد الطرفان على أن الثروات السورية ملك للشعب السوري وأن محاربة الفساد مهمة وطنية..

إضافة إلى بنود الوثيقة (مفصَّلة على موقع تلفزيون سوريا: الإثنين/25/ 6/ 2023) يمكن قراءة خلفياتها في فشل تنظيم قسد وملاقاته معارضة كبيرة من المجتمع المحلي (العربي) في الجزيرة السورية، والأهم إدراك أميركا لذلك الفشل والعمل على “تشكيل حزام سنّي عشائري في سوريا، يتبعه امتداد له في العراق لتقويض نفوذ إيران وقطع شريانها البرّي من طهران إلى بيروت”. (بحث نشره صالح الحموي الأسبوع الماضي على موقع “مركز كاندل للدراسات”) ويتوافق هذا الحل في حال وجوده مع تركيا التي يلاحظ اليوم بداية انفراج مع أميركا..

وبغض النظر عن مدى دقة ما ورد في البحث لا بد من تأكيد أن الحل في سوريا هو الذي يحافظ على وحدتيْ الأرض والشعب ويتخلص من الاستبداد وآثامه كلياً لن يكون إلا وفق نظام ديمقراطي لامركزي ينسجم مع تطلعات السوريين.. وأن وثيقة التفاهم تأخذ بالحسبان، فيما أعتقد، أن مشكلة المكوِّن الكردي أو سواه من المكونات لا تُحل إلا من خلال تلبية حاجات الفرد السوري المادية والروحية وهذه لا يحققها هذا الحزب أو ذاك بالمحاصصة السياسية التي سوف تقود إلى استبداد آخر، بل عبر نظام ديمقراطي يقف معه، ويدعمه السوريون كافة، وأن الأحزاب التي ستشكل مستقبلاً لن تحمل صفات إيديولوجية بل سمات وطنية سورية ذات توجهات تنموية شاملة تفسح في المجال لإبداع المواطن السوري أينما وجد ومهما كان مكونه..

تلفزيون سوريا

————————————

=======================

————————————

ما المنتظر من الدعوى المرفوعة ضد النظام أمام العدل الدولية.. هل يُحاكم الأسد؟/ رواد حيدر

وصل ملف “جرائم التعذيب بحق السوريين” أخيراً إلى طاولة محكمة العدل الدولية، بعد انتظار دام أكثر من عقد، ليعيد التذكير بأسئلة ترددت، ولا تزال، حول جدوى تحركات المجتمع الدولي ومدى تأثير القرارات الصادرة عن مجالسه وهيئاته على نظام الأسد.

وَضعُ واحدٍ من أقسى ملفات القضية السورية أمام محكمة العدل، والتحرك في مسار محاسبة النظام عن انتهاكاته بحق شعبٍ تكبّد خسائر لا حصر لها، خلقَ أملاً عند البعض، في حين رأى آخرون أنه تحرك “شكليٌ سياسي” لا أكثر، باعتبار أن إجراءات المحاكم الدولية “مطاطة”، تأخذ أعواماً وربما عقوداً وقد لا تعطي قرارات نافذة في نهاية المطاف.

يحاول هذا التقرير الإجابة عن مجموعة من التساؤلات حول مصير الدعوى، وتوقيتها، إضافة إلى جدواها بالتزامن مع محاولات تعويم النظام من قبل بعض الدول وإعادة تفعيل عضويته في الجامعة العربية بعد أعوام من تجميدها.

دعوى هولندية – كندية على النظام السوري

رفعت كندا وهولندا، يوم الإثنين، دعوى ضد النظام السوري أمام محكمة العدل بتهمة ارتكاب جرائم تعذيب بحق السوريين، وطالبت الدولتان بمقاضاته واتخاذ إجراءات عاجلة لحماية السوريين المعرضين لخطر التعذيب.

وبحسب بيان صادر عن المحكمة، فإن هولندا وكندا أكدتا أن انتهاكات النظام السوري تشمل أيضاً “استخدام الأسلحة الكيميائية التي كانت ممارسة بغيضة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، مما أدى إلى العديد من الوفيات والإصابات والحوادث الشديدة”.

المحامي وعضو فريق المستشارين في الخارجية الهولندية إبراهيم العلبي اعتبر، في تصريح لتلفزيون سوريا، أن التحرك الحالي هو نقلة نوعية، وأن فكرة محاربة الإفلات من العقاب تبدأ بوضع ملف، مثل ملف التعذيب الذي غيّب لأعوام، أمام محكمة دولية هامة مثل “محكمة العالم”.

رأيٌ أيّده مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إذ رأى أن الخطوة  في غاية الأهمية لأسباب عدة أبرزها أن الدعوى وصلت إلى أهم جهة قضائية في العالم، وهي تتبع للأمم المتحدة فجميع أعضاء الأخيرة ملزمون بقراراتها، ومن بينهم سوريا وروسيا.

وأضاف عبد الغني، في تصريح لتلفزيون سوريا أن “رفع قضية ضد النظام السوري في العدل الدولية يعني أن الأخير خرق اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقّع عليها عام 2004، وهذا يعني أنه وُضع في خانة متقدمة من الوحشية والبربرية”.

لماذا الآن؟

بحسب العلبي فإن التوقيت مرتبط بؤطر قانونية – زمنية، وليس له علاقة بتحركات التطبيع الحالية بين النظام وبعض الدول.

وأشار إلى أن التحرك في إطار رفع الدعوى بدأ من قِبل هولندا عام 2020، وانضمت كندا إليها عام 2021، مشيراً إلى أن الدولتين استفادتا، وخاصة هولندا، من علاقاتها الجيدة مع روابط الضحايا والناجين من معتقلات النظام.

من جانبه أكّد عبد الغني أن لا خلفية محددة لتوقيت قبول الدعوى: “الدعاوى تأخذ وقتاً طويلاً في محكمة العدل، قد يصل إلى سنوات. كثيرون لا يعرفون هذا التفصيل ويظنون أن كل تحرّك ما هو إلّا خطوة جديدة”.

محاكمة المنظومة لا الأفراد

وأوضح الدكتور المختص بالقانون الدولي، ضياء الرويشدي، أن محكمة العدل مختصة في المنازعات بين الدول، وهي ليست محكمة معنية بالقضايا الجزائية.

وأضاف، في تصريح لتلفزيون سوريا: “نحن نتحدث هنا عن تدبير احترازي، بمعنى شبهة الحق كما يقال في القانون المحلي، وهو إجراء مستعجل لوقف التعذيب وحماية الأفراد”.

بدوره قال العلبي إن التحرك الحالي يسلط الضوء على منظومة الحكم في سوريا، لا على الأفراد، يسلط الضوء على مسؤولية الدولة بجميع أركانها وركائزها وفروع مخابراتها وسجونها وجميع الضحايا والناجين المنتهكة حقوقهم.

هل يُحاكم رئيس النظام بشار الأسد؟

ورأى الرويشدي أنه في حال أُعلن عن مسؤولية النظام من ناحية قانونية بارتكاب جرائم تعذيب في سوريا، حينذاك قد تُرسم سياقات مختلفة من ناحية تطويع الحكم في برامج التقاضي الجنائية لاحقاً.

وتابع: “حالياً باب التقاضي أمام محكمة الجنايات الدولية مغلق أمام السوريين، إذ لا يمكن الإحالة إلى الجنايات الدولية من قبل مجلس الأمن بسبب وجود الفيتو.

ولم يبد الرويشدي أملاً في إمكانية محاكمة رئيس النظام السوري أو أي من رموزه أمام الجنائية الدولية: “يجب علينا إدارة سقف توقعات الناس، هذه الخطوة لن تحاسب الأشخاص جنائياً، هي خطوة تجاه ذلك وربما يتم تطويعها لاحقاً، الآن هي خطوة باتجاه العدالة”.

بدوره أشار العلبي إلى أن “كلمة المحاسبة في سياقنا السوري، في ظل الانتهاكات الجسيمة، لا تعني أننا نستطيع جلد جميع المُتهمين، هو أمر صعب للغاية”.

“المعركة الحالية هي معركة نقاط، معركة عدم استسلام، وضغط باتجاه المحاسبة، الدعوى أعادت ملف التعذيب إلى الطاولة”.

تحركات أخرى.. مسار موازٍ

لم ير عبد الغني أي بوادر، بحسب تواصله واجتماعاته مع ممثلي خارجيات عدد من الدول الغربية، بنية إحداها المشاركة في الدعوى المقامة ضد النظام السوري، قائلاً: “دعَونا العديد من الدول للتحرك والانضمام للمبادرة الهولندية – الكندية، أو التحرك بشكل منفرد وتقديم دعاوى منفصلة أمام محكمة العدل بتهمة اختراق اتفاقيات أخرى سبق أن صدّق عليها، مثل اتفاقية حقوق الطفل وغيرها”.

وتابع: “لم أر أي إشارة إيجابية، كثير من الدول غير مقتنعة إلى الآن بضرورة رفع دعاوى ضد النظام أمام محكمة العدل الدولية”.

15 ألف قتيل تحت التعذيب في سوريا

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بحسب آخر إحصائياتها، مقتل 15 ألفاً و272 شخصاً تحت التعذيب في الفترة الممتدة ما بين آذار 2011 وآذار 2023.

وذكرت إحصائية الشبكة أن 197 طفلاً و113 سيدة (أنثى بالغة) هم من بين ضحايا التعذيب، وأشارت إلى أن 99 في المئة من الحصيلة الإجمالية للقتلى على يد قوات النظام.

النظام يعذب المعتقلين بـ 72 أسلوباً مختلفاً

وسبق أن كشفت الشبكة عن 72 أسلوبَ تعذيب قالت إن النظام السوري لا يزال يستخدمها في سجونه ومعتقلاته ومراكز الاحتجاز والمشافي العسكرية التابعة له.

وذكرت في تقريرها آنذاك أن ما لا يقل عن 1.2 مليون مواطن سوري على الأقل قد مرَّ بتجربة اعتقال في سجون النظام، منذ اندلاع الثورة في سوريا، شهر آذار 2011.

وتعدَّدت أنماط التعذيب التي استخدمتها قوات النظام داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، ومورست بشكل واسع حتى لا يكاد يوجد معتقل ناجٍ لم يتعرض لأحد هذه الأساليب أو لعدد منها معاً.

وصُنفت أنماط التعذيب ضمن سبعة محاور أساسية، يتفرع عن كل نوع عدة أساليب ثانوية بما يُشكِّل مجموعه 72 أسلوب تعذيب متَّبعاً من قبل قوات النظام بحق المحتجزين، مع وجود أساليب أخرى لم يتم التَّعرف إليها وتوثيقها، إذ قد يتعرض المعتقل إلى أساليب تعذيب متنوعة وعديدة خلال جلسة تعذيب واحدة.

وأنماط التعذيب الرئيسة هي “التعذيب الجسدي” ويضم 39 أسلوباً، و”الإهمال الصحي” يتضمن 6 أساليب، و”العنف الجنسي” يضم 8 أساليب، و”التعذيب النفسي وإهانة الكرامة الإنسانية” يضم 8 أساليب، و”التعذيب في المشافي العسكرية” تضمَّن 9 أساليب، إضافة إلى أعمال السخرة وظاهرة الفصل.

ويعمل النظام السوري منذ أعوام على تصفية المعارضين والمنشقين عنه والمقاتلين السابقين في الجيش الحر من الذين أجروا “تسوية ومصالحة” معه، إضافة إلى تصفية لاجئين بعد أن عادوا إلى سوريا “قسراً” مدفوعين من قبل السلطات اللبنانية خلال موجة الترحيل الأخيرة.

تلفزيون سوريا

————————–

إحاطة موجزة بشأن الدعوى ضد سوريا في محكمة العدل الدولية/ غزوان قرنفل

لا يزال ثمة لبس وخلط لدى الكثير من العامة وحتى لدى بعض أصحاب الاختصاص من رجال القانون بين محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، فتذهب الظنون والتفسيرات للخطوة القضائية الأخيرة في الدعوى المقامة من كل من كندا وهولندا ضد النظام السوري (بوصفه ممثلا قانونيا للدولة السورية) بشأن انتهاكه لاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها الدولة السورية، وافترض البعض أن ثمة محاكمات جنائية ستجري ضد المسؤولين السوريين عن جرائم التعذيب وأن أحكاما ستصدر بحقهم بهذا الشأن في فهم مغلوط لمضمون تلك الدعوى أولا ولطبيعة المحاكمات التي تجري أمام محكمة العدل الدولية ثانيا وما يميزها عن تلك التي تجري عادة – وربما تجري مستقبلا – أمام محكمة الجنايات الدولية.

لذلك أعتقد أنه من المهم أولا أن نفهم طبيعة محكمة العدل الدولية وطبيعة المحاكمات التي تجري فيها والآثار القانونية لأحكامها، وهو مدخل لا بد منه لفهم طبيعة الدعوى الكندية الهولندية المشتركة ضد النظام السوري في تلك المحكمة.

محكمة العدل الدولية على ما عرّفتها المواقع الرسمية للأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتتولى المحكمة الفصل – طبقا لأحكام القانون الدولي – في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، كما أنها تقدم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

وتتكون المحكمة وفق ما نصّت عليه المادة الثالثة من النظام الأساسي لها من خمسة عشر عضوا، دون أن يكون اثنان منهم من رعايا دولة واحدة، أما الشخص الذي يمكن اعتباره لأغراض العضوية في المحكمة، مواطنًا لأكثر من دولة واحدة، فيتم الأخذ بوصفه مواطنًا للدولة التي يمارس فيها عادة الحقوق المدنية والسياسة.

ومن المهم التنويه أن محكمة العدل الدولية لا تنظر إلا في النزاعات بين الدول أو بمعنى آخر فإن الدول وحدها هي التي تكون أطرافا بالدعاوى التي يمكن لتلك المحكمة النظر بها وذلك وفقا لأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من قبل الدول المتنازعة وفق ما تشير إليه المادة 38 من النظام الأساسي.

في ضوء ذلك يتبدى الفرق الواسع بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، فالأولى ينحصر اختصاصها في حل النزاعات والخصومات بين الدول وبالتالي هي تحاكم الحكومات، بينما تحاكم الثانية (محكمة الجنايات الدولية) الأفراد ممن نسبت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب أو جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية، ولا ينعقد الاختصاص للنظر بتلك الاتهامات إلا إذا كانت الدولة المنتمي لها هؤلاء المتهمون من الدول الموقعة على ميثاق روما الأساسي المنشئ لتلك المحكمة أو بموجب قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يحيل إليها ملف تلك الجرائم للفصل فيها.

في أول قضية من نوعها أمام أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة ومتعلقة بملف الصراع في سوريا تقدمت قبل أيام كل من كندا وهولندا بدعوى ضد سوريا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي على خلفية اتهامات للسلطات السورية بارتكاب جرائم التعذيب بحق مواطنيها، وبالتالي خرقها لالتزاماتها القانونية بعدما انضمت في آب 2004 لاتفاقية مناهضة التعذيب ومن ثم قيامها بإصدار القانون رقم 16 لعام 2022 لتجريم التعذيب بما يتواءم مع وجوب تكييف تشريعاتها الوطنية مع التزاماتها الحقوقية الدولية.

كما طالبت الدولتان في عريضة دعواهما بإصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفيا والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز، وأشارت الدعوى إلى أن الانتهاكات تشمل استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف ضد الأطفال، وذلك ضمن ما تملكه المحكمة من حق إصدار أوامر بالتدابير المؤقتة التي تراها ضرورية وإرسال تلك الأوامر بتلك التدابير إلى مجلس الأمن الدولي ليتخذ ما يراه مناسبا من أساليب الضغط على الحكومة المعنية للاستجابة لتلك التدابير وفق نص المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة.

إذا فهذه المحاكمة ليست محاكمة لأشخاص أو مسؤولين ارتكبوا أو على الأقل اتهموا بارتكاب جريمة التعذيب وإصدار أحكام جنائية بحقهم، بل هي محاكمة للحكومة السورية بكليتها بهدف تحميلها المسؤولية القانونية عن ارتكاب أجهزتها الحكومية والأمنية لجرائم التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية والمهينة واللا إنسانية.

قد يرى البعض أن هذه المحاكمة وما قد تفضي إليه من حكم لا يعتبر شافيا وكافيا للرد على الكم الهائل من الجرائم والانتهاكات المتنوعة التي ارتكبتها السلطات السورية بحق مواطنيها، وهو رأي يمكن تفهمه بالنظر لحالة الإحباط التي يعيشها السوريون بسبب خذلان المجتمع الدولي لهم طوال أكثر من عقد على ثورتهم والثمن الكبير الذي دفعوه من دمائهم وكرامتهم وحرية أبنائهم على مذبح الحرية، لكن على الوجه الآخر فإن تلك التحركات القضائية تكتسب أهميتها من كونها تعزز موقفا دوليا مهما يسعى لتكريس فكرة المساءلة والمحاسبة ورفض ومكافحة ثقافة الإفلات من العقاب أولا، كما تجعل لتلك السلطة المجرمة صفحة سابقة جرمية في سجلها العدلي الأممي يحول دون مساعي الكثيرين لإعادة تعويم هذا النظام المجرم وتجعل مساءلته عن جرائمه مدخلا لأي حل سياسي يسعى لسلام مستدام في سوريا، وبالتالي فهي خطوة مهمة وإيجابية تضاف لسجل النجاحات التي يسجلها حقوقيون سوريون إلى جانب مؤسسات حقوقية دولية ودول آلت على نفسها بذل ما يمكن لتعزيز إدانة دولة العصابة على المستوى الدولي وإدانة وملاحقة أعضائها من الضالعين بارتكاب تلك الفظاعات في سوريا.

ربما تكون ثورتنا بما انطلقت لأجله من قيم ومفاهيم الحرية والعدالة وسيادة القانون قد أجهضت – حتى الآن – لكننا كسوريين لن نهزم إلا عندما نتوقف بالفعل عن العمل لأجل ما أردنا تكريسه من قيم العدالة والحرية والانتقال إلى ضفة الديمقراطية وتكريس مفهوم دولة القانون.

—————————–

رسائل لاهاي إلى سوريا/ محمد قواص

ليس تفصيلاً أن تتقدم كندا وهولندا في 12 حزيران (يونيو) بطلب إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة النظام السوري بشأن انتهاكات لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. يضاف إلى تلك التهم ما أورده وزير الخارجية الهولندي فوبكه هويكسترا من إشارة إلى أن “المواطنين السوريين تعرّضوا للتعذيب والقتل والاختفاء والاعتداء بالغاز السام، أو أُجبروا على الفرار حفاظاً على حياتهم وترك كلّ ما لديهم”.

وإذا ما كان الحدث قانونياً، فإن لتوقيته مرامي سياسية وجب تأمّلها ودراستها داخل كل السياقات الإقليمية والدولية المرتبطة بالقضية السورية.

تتحدث الدعوى المقدمة عن انتهاكات مورست منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011. ولئن لم تتدخل محكمة العدل الدولية حتى الآن لدواع قانونية وإجرائية، فإن “الاستفاقة” هذه الأيام على وظيفة المحكمة الدولية لا يمكن ألا تُقرأ من زوايا سياسية تندرج ضمن صراع قوى حول راهن سوريا ومستقبلها. ولأن المحاكم تستغرق سنوات وعقوداً، فإن طلب كندا وهولندا من المحكمة اتخاذ إجراءات عاجلة، بما في ذلك إصدار أوامر لسوريا بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسّفياً والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز، مخصّب بمضامين ستُستخدم في مسارات سياسية مقبلة.

محكمة العدل الدولية هي هيئة تابعة للأمم المتحدة تختصّ بتسوية النزاعات القانونية التي تعرضها عليها الدول. بمعنى آخر هي واجهة قانونية لمنظمة سياسية دولية يفترض أن تكون ممثّلة للمجتمع الدولي برمّته. ويقوم مزاج المنظمة على صراع قوى داخل مجلس الأمن الدولي، وعلى تراكم من حجج وحسابات ومعطيات وأجندات. وعليه فإن حراك المحكمة وأحكامها هي جزء أساسي مما يصدر سياسياً من قرارات، لا سيما داخل الملفات الإشكالية.

سيسيل حبر كثير بشأن التقنيات القانونية التي تسيّر أعمال محكمة العدل الدولية، وما تختلف به عن المحكمة الجنائية الدولية أو أي محاكم خاصة. ولأن المسار قانوني، فإنه سيأخذ وقتاً طويلاً كما لدى أي محاكم في تدبير الملفات وتوفير الأدلة ومراكمة الشهادات والغوص في الطعون الإجرائية وغير ذلك. ما يعني أن القضية ستستغرق الكثير من الوقت قبل أن يهتدي القضاة الـ15 إلى حكم.

على هذا، وجب تناول التدخل المحتمل لمحكمة العدل الدولية من مداخل سياسية. وجب أيضاً التساؤل بشأن حوافز كندا وهولندا في إثارة الأمر في هذا التوقيت ووظيفتهما في توفير روافع قانونية ترفد روافع سياسية أخرى. وجب أيضاً استكشاف علاقة الحدث في لاهاي بالسجال الدائر هذه الأيام بين عواصم دولية غربية متمسّكة بالتسوية السياسية في سوريا التي نصّ عليها القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن كشرط لأي تطبيع مع النظام السوري، والحراك الإقليمي في المقابل لتطبيع هذه العلاقات، وفتح السفارات هناك، وصولاً إلى العودة إلى جامعة الدول العربية ودعوة الرئيس السوري بشّار الأسد إلى حضور القمة العربية الأخيرة في جدّة من جهة أخرى.

ينهي حدث لاهاي كسلاً دولياً في التلطي وراء قرار مجلس الأمن بشأن سوريا، بحيث اكتفت واشنطن وحلفاؤها باشتراطه لأي تسوية والاستقالة من أي مبادرات أخرى. يأتي التحرّك المحتمل لمحكمة العدل الدولية ليضيف ورشة دولية إلى تلك التي يمثّلها القرار الدولي في نيويورك، وذلك المتعلّق بمفاوضات كتابة دستور جديد لسوريا في جنيف. ولئن سعت آليات أستانا وسوشي وتقاطع روسيا وإيران وتركيا إلى اجتراح بدائل موازية للمنظمة الأممية، فإن التسوية السورية بدت صعبة ومستحيلة وعصيّة على كل هذه الدول مجتمعة ومتفرقة.

في حراك لاهاي ما يمكن أن يكون رافداً لبيان أصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في 16 آذار (مارس)، كرر رفض التطبيع مع نظام دمشق وعدم الانخراط في ورش لإعادة الإعمار واللاجئين، قبل الولوج إلى حلّ سياسي وفق القرار الأممي 2254 الذي رسم خريطة طريق تنتج مرحلة انتقالية وتبني دستور حديث وتسوية تكون المعارضة جزءاً منها.

وفيما تركّزت مقاربات العلاقات المستجدة مع دمشق على سبل انتشال البلد من أزمته وبحث سبل ضخّ المساعدات المالية لإعادة الإعمار، وصولاً إلى حلّ سياسي ما في مرحلة ما، فإن الدعوى المقدّمة إلى لاهاي تعيد فتح ملف الجرائم والانتهاكات وأعمال التعذيب واستخدام السلاح الكيماوي، وتعيد طرحه بقوة على الطاولات المفترضة لمباشرة التسويات في سوريا، بما في ذلك، وفق الوزير الهولندي، تحقيق “مساءلة” عن الفظائع التي ارتُكبت خلال الحرب.

لا يأتي التحرّك صوب لاهاي لإيقاف التطبيع في علاقات تركيا والمنطقة العربية مع دمشق. فحتى ما تحقق في هذا الصدد، سواء من قبل أنقرة أم من قبل جامعة الدول العربية وكثير من عواصم المنطقة، ما زال ضمن حدود مدروسة لا تتناقض مع شروط العلاقة مع النظام في سوريا وقواعدها وفق المزاج الأممي وحزم العواصم الغربية. حتى أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لاحظ ذلك واشتكى قبل أيام من “أن بلاده سارت مئات الخطوات في ما يتعلق بما هو مطلوب منها، فيما لم تلق أي خطوة من الأطراف الأخرى، داعياً تلك الأطراف إلى أن تُبدي حسن النيات”.

وإذا ما تحدثت الاجتماعات العربية التشاورية في جدة وعمان عن “الحلّ السياسي” في سوريا، وأعاد التذكير بحتميته الأمين العام لجامعة العربية أحمد أبو الغيط ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، فإن حراك لاهاي يأتي ليرفع مستوى الضغوط في هذا الصدد. في الأمر رسالة جديدة باتجاه العالم تعيد ترتيب القضية السورية ووضعها على سكك قانونية سياسية واضحة، لا سيما أن جلبة الأشهر الأخيرة حيال دمشق شابتها ضبابية وفوضى عمادها الأجندة الانتخابية في تركيا ووهج اتفاق بكين بين إيران والسعودية على كل المنطقة.

تنتمي كندا وهولندا إلى التحالف الداعم لأوكرانيا المعادي للغزو الروسي. باتت سوريا جزءاً من مشهد المواجهة بين الغرب وروسيا، بحيث يتمدد الصراع الغربي ضد روسيا صوب دول النفوذ السوري، بما فيها سوريا والسودان وليبيا وبلدان أخرى. هنا قد نفهم أيضاً جانباً من خرائط المواجهة التي شنّتها أوتاوا وأمستردام ضد دمشق من لاهاي.

النهار العربي

——————————

النظام السوري ومحكمة العدل: خطوة حاسمة على طريق طويل

رأي القدس

منذ صيف 2011 بادر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة، أوكل إليها البحث في جميع الانتهاكات المرتكبة في سوريا ابتداء من شهر آذار/ مارس ذلك العام، وهو تاريخ ابتداء الانتفاضة الشعبية السلمية التي واجهها النظام السوري بأقصى أشكال العنف والأسلحة الأشد فتكاً بما في ذلك الكيميائية والجرثومية والبراميل المتفجرة.

وضمن نطاق ولايتها كُلفت اللجنة بإجراء تحقيقات خاصة حول مجازر محددة ارتكبها النظام السوري سنة 2012 في الحولة، و2016 في حلب، و2018 في الغوطة الشرقية، فضلاً عن الطلب في 2020 بإعداد تقرير خاص حول الاعتقال والاحتجاز التعسفيين. وكان الهدف الأبرز هو «تحديد المسؤولين حيثما أمكن، بغية ضمان مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات، بما فيها تلك التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية» حسب نصّ قرار تشكيل اللجنة.

واليوم، ومع تضخم أنساق انتهاك النظام السوري لأبسط المواثيق الدولية وارتكاب أبشع جرائم الحرب، باتت جميع منظمات حقوق الإنسان المستقلة مجمعة على سجلّ مريع يتضمن مئات الآلاف من الضحايا، وآلافا لا عد لها من السجناء والمغيّبين، وأفنانا من التعذيب الوحشي والقتل في الزنازين، وآلاف المعطيات المادية التي توثّق تلك الجرائم والانتهاكات، وكل هذا بمعزل عن حقيقة إجبار 10 ملايين مواطن سوري على النزوح، وعيش 13.5 مليون آخرين في حاجة إلى مساعدة إنسانية قصوى أو عاجلة.

ورغم ذلك كله وسواه كثير فظيع، بقي النظام السوري بعيداً عن المساءلة في محكمة الجنايات الدولية، يواصل التمتع بالإفلات من العقاب أو حتى المساءلة، وذلك بسبب إصرار موسكو على التصويت في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار يحيل بشار الأسد أو مجرمي الحرب داخل نظامه إلى المحاكمة. العقوبات ضد الأفراد ظلت تصدر عن الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة وهذه الدولة أو تلك من دون أن تشكل ضغطاً جدياً يردع النظام في الحدود الدنيا، بل حدث العكس أحياناً حين تعمد النظام الإمعان أكثر في ارتكاب جرائم الحرب كلما اتُخذت قرارات عقابية بحق أفراده المقربين.

في ضوء هذه الحال فإن الشكوى ضد النظام في محكمة العدل الدولية، التي تقدمت بها هولندا وكندا مؤخراً، تكتسب أهمية نوعية فارقة، ليس لأنها المقاضاة الأولى من نوعها في هذه الحكمة على خلفية جرائم حرب ارتكبها النظام السوري بما فيها استخدام الأسلحة الكيميائية والعنف ضد الأطفال فحسب، بل كذلك لأنّ الدولتين شددتا على اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المعرّضين لخطر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في سجون النظام، وطالبتا المحكمة بإصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسّفياً، والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.

الطريق طويل قبل أن تسفر الشكوى عن أي نتيجة ملموسة، وضروب عرقلة العدالة عديدة ومتنوعة وخبيثة، غير أن الخطوة في ذاتها تدشن مساراً سليماً ومطلوباً تأخر الشروع فيه أصلاً، كما أن توقيتها حاسم لأنه أتى في سياق الدعوات إلى تبييض صفحة النظام وغسل أيدٍ تلطخت بدماء أبناء سوريا على مدى 12 سنة ونيف.

————————-

محكمة دولية ومجلس عسكري.. صفعتان تعكران حلم الأسد/ عبد القادر المنلا

استفاق النظام السوري من حلم الانتصار على وقع كابوسين سيشكلان لأول مرة تهديداً عميقاً وحقيقياً لنشوته التي لم تطل كثيراً بعد إعادة عضويته في الجامعة العربية وحضور رئيسه قمة جدة..

يتمثل الكابوس الأول في الدعوى التي تقدمت بها كل من كندا وهولندا لمحكمة العدل الدولية، والمتضمنة ضرورة محاسبته على الجرائم المرتكبة منذ العام ٢٠١١ بحق السوريين، وهو تحرك اعتقد النظام أن الزمن قد تجاوزه، وأنه لن يكون مضطراً لمواجهة ذلك الاستحقاق بعد إعادة تدويره من قبل معظم الدول العربية، وأن جرائمه ماتت بالتقادم، أو أنه استطاع طمس الأدلة وإقناع العالم بروايته وبراءته ولا سيما بعد أن خفت الصوت الغربي المضاد لروايته لسنوات طويلة..

لم يكن الأسد مخطئاً تماماً حينما شعر أنه بدأ يتخلص من الضغط الأوروبي، فقد اعتقدت أوروبا أن بديل الديكتاتور سيكون الإرهاب المتمثل بداعش، وبالفعل، بدأت الدول الأوروبية في السنوات السابقة تخفف من حدة خطابها تجاه الأسد بل وراحت تبدي مرونة في مسألة إعادة تدويره من منطلق ميزته الوحيدة بالنسبة لها والمتجسدة في أنه أفضل من البديل الداعشي كما اعتقدت، غير أن حرب روسيا على أوكرانيا غيرت الموقف الأوروبي بشكل كامل وأعادته إلى منشئه الأول، حيث أدركت أوروبا أن خطر الإرهاب الداعشي هو امتداد لخطر إرهاب الدولة المتمثل في روسيا ورئيسها بوتين والرؤساء المتحالفين معه وعلى رأسهم لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا غرباً، ورأس النظام السوري شرقاً.

ولربما كان حضور الأسد للقمة العربية الأخيرة في جدة وخطابه المستفز القشة التي قصمت ظهر ذلك الحلم، ولا سيما حينما استثمر الوقت المخصص لخطابه في القمة العربية للنيل من أوروبا، وتحديداً ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والقيم حينما اتهم الغرب بأنه بلا أخلاق، ورغم كل الابتذال والرخص الذي تضمنته الكلمة بمجملها، إلا أن مهاجمته للغرب كانت الجزء الأكثر كاريكاتورية، وكان من الواضح تماماً أنه استغل منبر الجامعة العربية لتأكيد عهد الولاء والوفاء للرئيس الروسي، والحصول على رضاه من خلال مهاجمة الغرب، الأمر الذي أكد لأوروبا أن حالة التساهل مع الأسد كانت خطأً لا بد من إصلاحه..

انقلبت لغة الغرب تجاه الأسد رأساً على عقب، فبعد أن اعتمد خطاب الإعلام الأوروبي -على مدار سنوات ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا- لغة أقرب للحياد في توصيفه للنظام، من خلال وصف الأسد بالرئيس، واستخدام مسمى “الحكومة السورية”، بدلاً من “النظام”، عاد دفعة واحدة لاعتماد اللغة التي خاطبه بها في بدايات الثورة، حيث كان يتحدث عن جرائم الأسد ويصفه بالديكتاتور ومجرم الحرب، ولكن ذلك كله تراجع بعد ظهور داعش إلى أن أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا اللغة القديمة فيما يتعلق بتوصيف الأسد ونظامه..

على مستوى الإعلام الهولندي، فقد رصدت القنوات التلفزيونية والكثير من الصحف خبر إعادة الأسد للجامعة العربية وتناولته بانتقاد لاذع مستعيدة السيرة الأولى للغة القديمة، كما انتقدت الجامعة العربية بشكل صريح في قرارها إعادة من سمته صراحة “الديكتاتور ومجرم الحرب”، وأعاد الإعلام الهولندي في هذا السياق سرد الحكاية السورية وسرد جرائم الأسد كما كان يفعل في بدايات الثورة، ومن يتابع ذلك الإعلام سيعرف أن سياسة هولندا تجاه الأسد -وهي جزء لا يتجزأ من سياسة أوروبا بالكامل- عادت للتعامل مع الأسد بصفته الحقيقية كمجرم حرب ومرتكب لا بد من جرّه إلى محكمة العدل الدولية.

وباشتراك كندا مع هولندا في الدعوى المقدمة لمحكمة العدل الدولية ضد النظام، نصبح أمام التزام يقطع الطريق على أي فرصة لإعادة الاعتراف بالأسد من قبل الغرب، ويشكل تهديداً وكابوساً حقيقياً يحول دون حلم الأسد الذي كاد أن يتحقق، أو هكذا ظن الأسد على الأقل، فضلاً عن كابوس المتابعة القضائية التي لم ينج منها أحد من مجرمي الحرب حول العالم ولا سيما حينما تتخذ المبادرة من دول ذات ثقل نوعي..

الكابوس الثاني والأخطر الذي يقض مضاجع الأسد، هو التحرك الجديد باتجاه مجلس عسكري يتولى الإشراف على الفترة الانتقالية في حال قرر المجتمع الدولي دعم ذلك المشروع، صحيح أن طبيعة التحالفات الحالية لا توحي بسهولة تحقيق ذلك، ولكن الحالة المزرية التي وصلت إليها سوريا، والمخاطر التي تترتب على دول الجوار والعالم أيضاً، قد تفرض على المجتمع الدولي التعاون في ذلك المشروع، إن لم يكن من أجل السوريين، ولا من أجل العدالة، فعلى الأقل من أجل ضرب حليف بوتين، والتخفيف من مخاطر إرهاب المخدرات العابر للحدود والقادم من سوريا الأسد.

ما يخيف الأسد في هذا السياق أيضاً هو اسم مناف طلاس، فبصرف النظر عن مواقفنا المتضاربة كسوريين من الرجل، إلا أن مكمن الخطر بالنسبة للأسد هو أنه لا يستطيع اتهام طلاس بالإرهاب، ولا بالأسلمة ولا بالطائفية، ورغم كل الاغتيالات التي قام بها النظام لقتل البدائل المحتملة، إلا أن مناف طلاس استطاع الخروج من سوريا وإعلان انشقاقه، غير أن انشغال العالم بلعبة محاربة داعش أخرج طلاس من دائرة الحدث لسنوات طويلة وها هو اليوم يعود إلى الواجهة محملاً بأوراق ضغط ثقيلة اعتقد الأسد أنه تجاوزها تماماً كاعتقاده بتجاوز كل الجرائم ودفنها مع جثث ضحايا الكيماوي والبراميل وضحايا التعذيب في المعتقلات.

ومهما كانت فكرة المجلس العسكري غير واقعية في ظل الواقع الحالي، وفي ظل التوازنات المعقدة في الداخل السوري، إلا أن مجرد وجود بديل محتمل ومقنع هو أمر مقلق وموجع للنظام، ولا سيما بعد أن طوى الزمن فكرة البديل كما طوى فكرة الرحيل أو السقوط، كما يعتقد الأسد.

وبإعادة كشف النقاب عن جرائمه من قبل الغرب، واحتمالية قبول المجتمع الدولي ببديل للأسد، فإن قلق الأسد سيعود إلى نقطة البداية، معززاً بواقع اقتصادي لا قبَلَ للنظام به، ولا قدرة له على معالجته حتى لو أراد، وبواقع اجتماعي مفتت، وواقع سياسي لا يضمن استمراره إلا القوة، وواقع عسكري يمكن أن يعود للانفجار في أية لحظة في ظل فوضى انتشار السلاح والميليشيات والفصائل والجيوش المتعددة المتناحرة على الأرض السورية، والأهم في ظل علاقة ميئوس من إصلاحها بين النظام والشعب، وفي ظل استهتار وسخرية النظام المستمرة من المواطن الذي يقبع تحت سيطرته على الأقل من خلال حديثه عن السيادة في واقع متناقض تماماً مع الحدود الدنيا للسيادة.

لقد توهم النظام أنه تجاوز أزماته، وراح يكثف الحديث عن إعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة، بل وراح يخطط من جديد للأبدية والتوريث معتقداً أنه استطاع تصفية كل الأشخاص وكل الأفكار التي قد تعرقل مشروعه في البقاء، ولكن المتغيرات العميقة في الجغرافيا السياسية التي أدت إلى بقاء الأسد خلال اثني عشر عاماً تشهد اليوم تصدعات جديدة، وثمة إعادة بناء لخريطة العلاقات في ضوء المتغيرات المتسارعة في السياسة الدولية، وقد تكون تقاطعاتها الجديدة لصالح السوريين وقضيتهم.

ربما كنا أمام آخر اختبار للمجتمع الدولي وللعدالة الدولية التي تشوهت صورتها بشكل عميق من جراء سكوتها وتواطئها أحياناً مع الأسد وجرائمه لدرجة أوصلت السوريين إلى حالة يأس كاملة من تلك العدالة وإمكانيات تحقيقها، غير أن التحولات السياسية كثيراً ما تكون مفاجئة وحادة، فهل ستكون التحولات القادمة لصالح السوريين؟ هل سيضطر المجتمع الدولي لتحقيق العدالة ليس من أجل العدالة بحد ذاتها كما حدث في حالات كثيرة بل لأنها تتقاطع مع مصالحه؟

الصورة السطحية للمشهد الدولي وتوازناته توحي بأن الواقع السوري مستمر في الغموض، وأن النفق لا يزال طويلاً دون أن تلوح له نهاية، ولكن الواقع العميق يشي بانفجارات قد تقلب الطاولة على حسابات الأسد، ولا سيما بعد التورط الروسي في المستنقع الأوكراني وملامح عرقلة مشروع المصالحة التركية مع الأسد، وفتور الحماس للأسد من قبل الدول العربية التي دعت إلى التطبيع معه..

هل ستشكل المرحلة المقبلة الحبلى بالمفاجآت منعطفاً حاداً يعيد وضع حبل المشنقة فوق كرسي الرئاسة؟ أم سيسهل على النظام الإفلات مرة أخرى من المصير الذي ينتظره ملايين السوريين؟  سؤال قد تجيب عنه الأيام القادمة، وقد يبقى مفتوحاً لفترة طويلة ويعيد معه فتح الجرح السوري المستمر في النزيف.

تلفزيون سوريا

————————–

“العدل الدولية” تحاكم النظام السوري: سابقة قانونية بآثار سياسية ودبلوماسية/ محمد أمين

رفعت كندا وهولندا دعوى قضائية ضد النظام السوري في محكمة العدل الدولية، على خلفية اتهامات بارتكاب عمليات تعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، في خطوة هي الأولى أمام أعلى محكمة في الأمم المتحدة، من شأنها الدفع أكثر باتجاه محاسبة أركان هذا النظام.

وذكرت محكمة العدل الدولية، في بيان لها أول من أمس الإثنين، أن هولندا وكندا اتهمتا النظام السوري بخرق اتفاق للأمم المتحدة ضد “التعذيب وغيره من أساليب المعاملة القاسية”، بما فيها “استخدام أسلحة كيميائية”.

وأضافت المحكمة أن الدولتين أوضحتا في طلبهما أن “سورية ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي بدءاً من عام 2011 (بداية الثورة السورية) على أقل تقدير”، وطلبتا اتخاذ إجراءات طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

وذكر البيان أن من بين الانتهاكات التي استندت إليها الدولتان في طلبهما “المعاملات المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والإخفاء القسري، فضلاً عن استخدام العنف الجنسي، والعنف ضد الأطفال، واستخدام الأسلحة الكيميائية”.

أول قضية مرتبطة بجرائم نظام الأسد

وهذه أول قضية مرتبطة بجرائم نظام بشار الأسد في سورية أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة، إذ يسعى البلدان (كندا وهولندا) إلى تحميله المسؤولية عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها دمشق في عام 2004.

واعتبر رئيس تجمع المحامين السوريين، غزوان قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “من الضروري التفريق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية”، موضحاً أن العدل الدولية أعلى هيئة قضائية دولية، ولكنها متخصصة بالفصل بالنزاعات التي تنشأ بين الدول بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقات الدولية.

وأشار إلى أن كندا وهولندا لجأتا إلى محكمة العدل بعد انسداد الأفق أمام المحكمة الجنائية الدولية لـ”اتخاذ تدابير مؤقتة كي يكف النظام السوري عن ممارسة جرائم تعذيب، وإحالة هذه التدابير إلى مجلس الأمن ليصدر قراراً أو بيان إدانة”.

وشدّد قرنفل على أن الغاية من هذه الخطوة الضغط على النظام الذي انتهك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. ومحكمة العدل الدولية ليست لمحاسبة أفراد، بل لإظهار أن هذه الدولة ارتكبت خرقاً قانونياً لمعاهدة موقعة عليها.

وتابع: هذا سياق مختلف تماماً عن سياق المحاكمات الجنائية التي تتم في المحكمة الجنائية الدولية أو في الدول التي لديها ولاية عالمية. وأبدى اعتقاده بأن أهمية الخطوة “قيمية”، مضيفاً: سيكون هناك موقف دولي ضد النظام لخرقه اتفاقية دولية. في حال صدرت إدانة فستكون مفيدة في المستقبل عندما تأتي ساعة المحاسبة الجنائية.

من جانبه، رأى المتخصص بالقانون المدني وسام العكلة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هذه الخطوة تحظى بأهمية قانونية كبيرة”، موضحاً أن هذه الدعوى تُسهم في جذب الانتباه العالمي وتسليط الضوء على الانتهاكات التي جرى ويجري ارتكابها من سلطات النظام السوري.

واعتبر أن هذه الخطوة تؤدي دوراً في ممارسة مزيد من الضغط الدولي لوقف هذه الانتهاكات وفضحها، وفي حال إدانة المحكمة السلطات السورية فستكون لها آثار سياسية ودبلوماسية.

ولفت إلى أنه “يمكن للمحكمة أن تطالب السلطات السورية بدفع تعويضات لضحايا التعذيب، والمطالبة باتخاذ خطوات إصلاحية لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً”. وأضاف العكلة أنه إلى جانب ذلك، يمكن أن تسهم الأدلة المقدمة أمام محكمة العدل الدولية في إدانة الأشخاص المسؤولين عن التعذيب أمام المحاكم الأخرى التي تحاكم الأفراد، مثل المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية.

من جهته، رأى المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، سامر الضيعي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن للدعوى المقدمة من كندا وهولندا “خطوة قانونية مهمة”.

ولفت إلى أنها تُعتبر أول دعوى تُقام أمام محكمة دولية ضد النظام. وأكد أن هذه الخطوة تقر بخطورة الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، وتوجه رسالة واضحة مفادها أن مثل هذه الأعمال لن يتجاهلها المجتمع الدولي. وأشار الضيعي إلى أن الدعوى “خطوة نحو محاولة لمحاسبة الجناة على أفعالهم وتحقيق العدالة”.

ولفت إلى أنه في حالة نجاحها يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعويض الضحايا، ما يزيد من تعزيز مفهوم العدالة. وقال إن “قضايا محكمة العدل الدولية غالباً ما تستغرق وقتاً طويلاً لحلها، بسبب تعقيد القضايا المعنية والحاجة إلى فحص دقيق للأدلة”. ولفت إلى أنه مع ذلك، يمكن أن يكون تأثير القرار عميقاً من الناحية القانونية والرمزية.

وسبق أن اتخذت عدة بلدان أوروبية خطوات لمحاكمة أشخاص شاركوا في “جرائم ضد الإنسانية”، التي شنها النظام السوري في عام 2011 ضد معارضيه، ولا تزال مستمرة.

وفي هذا الصدد، قضت محكمة ألمانية مطلع العام الماضي بسجن ضابط سابق في جهاز “أمن الدولة” التابع للنظام (أنور رسلان) مدى الحياة، بعد إدانته بقتل 58 شخصاً واغتصاب آخرين وتعذيب نحو أربعة آلاف معتقل، في السجن التابع لقسم التحقيقات – الفرع 251، المعروف باسم (أمن الدولة – فرع الخطيب).

وفي فبراير/شباط 2021 تمت إدانة شخص آخر من قبل المحاكم الألمانية وهو إياد الغريب، وحُكم بالسجن لمدة أربعة أعوام ونصف العام بتهمة المساعدة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ورفعت في عام 2018 دعاوى قضائية في النمسا ضد مسؤولين في نظام الأسد، تتهمهم بالتعذيب والقتل وتقييد الحريات، بينهم علي مملوك رئيس جهاز الأمن القومي التابع للنظام.

وفي نفس العام، أصدر قاضي تحقيق فرنسي مذكرات اعتقال دولية، بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في الاستخبارات السورية، بتهم “التواطؤ مع أعمال تعذيب وتواطؤ مع الإخفاء القسري، والتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجنح حرب”. والمسؤولون الثلاثة هم: علي مملوك، وجميل حسن، قائد استخبارات القوة الجوية، الجناح الأكثر قسوة في الجهاز الأمني السوري، واللواء عبد السلام محمود المكلف بالتحقيق في إدارة المخابرات الجوية في سجن المزة العسكري في دمشق.

جرائم النظام السوري ضد الإنسانية

ووفق تقارير منظمات دولية مختصة، ارتكب النظام السوري منذ عام 2011 جرائم ضد الإنسانية بعضها باستخدام أسلحة محرمة دولياً، إلا أنه لم يحصل أي تحرك دولي جدي لمحاسبة هذا النظام على جرائمه، بل إن هناك جهوداً إقليمية وعربية لإعادة تأهيل هذا النظام.

وسبق أن وثقت منظمة “العفو الدولية”، في تقرير نشرته في مطلع عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري بحق المعتقلين في سجن صيدنايا الشهير في شمال شرقي دمشق.

وفي تقرير تحت عنوان “المسلخ البشري”، ذكرت المنظمة أن إعدامات جماعية شنقاً نفذها النظام بحق 13 ألف معتقل، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015. ووصفت المنظمة سجن صيدنايا العسكري بأنه “المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.

وكانت “العفو الدولية” قد وثقت، في منتصف عام 2016، مقتل 17723 معتقلاً، في أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، ما بين مارس/ آذار 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.

كما اتهمت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري خلال السنوات الماضية باستخدام أسلحة محرمة دولياً في الحرب التي بدأها للقضاء على الثورة السورية. وأوضح مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية أنه “وثق استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري 262 مرة”.

—————————–

ما فرص نجاح جهود إنشاء محكمة دولية خاصة بسورية؟/ عماد كركص

سجل “التحالف الأميركي لأجل سورية”، الذي يضم عدة منظمات في مقدمتها “المجلس السوري – الأميركي”، عدة نجاحات مهمة عندما تمكن من تكريس “قانون قيصر” للعقوبات على النظام السوري بعد عراقيل عدة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ثم “قانون الكبتاغون” في عهد خلفه جو بايدن، ثم الضغط لتمرير قانون يحظر التطبيع مع النظام في مايو/أيار الماضي من قبل لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مع انتظار التصويت عليه.

وحالياً كشف التحالف عن مشروع جديد، وهو مشروع قرار لآلية خاصة بسورية تهدف لإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على العديد من الجرائم المتهم بارتكابها.

مشروع قرار لإنشاء محكمة دولية خاصة بسورية

وكشف “التحالف الأميركي لأجل سورية”، أن مشروع القرار يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها بحق الشعب السوري، وذلك عن طريق إنشاء آلية قضائية دولية مختصة بسورية عن طريق الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك لتجاوز الفيتو الروسي في مجلس الأمن.

وأكد التحالف، الذي يشارك أعضاؤه المختصون بصياغة مسودات مثل هذه المشاريع، أن المشروع الجديد يدعو الرئيس الأميركي إلى توجيه سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد لاستخدام “صوت، وتصويت، ونفوذ الولايات المتحدة للدعوة الفورية لإنشاء آلية دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم بحق الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية”.

ويشير مشروع القرار إلى توافر قدر كبير من المعلومات التي تثبت ضلوع “حكومة الجمهورية العربية السورية بقيادة الديكتاتور بشار الأسد بانتهاك عدد كبير من الاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها سورية، ومنها اتفاقيات جنيف، منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا”. كما يشير إلى أن إقامة محاكم خاصة من هذا النوع عبر الأمم المتحدة قد جرت بنجاح في حالات مشابهة للحالة السورية كيوغسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون.

كما يطلب مشروع القرار، أن تعلن الولايات المتحدة دعوتها لذلك رسمياً، وأن تساعد في وضع أصول إجرائية قضائية تمكّن من إجراء محاكمات علنية وعادلة للمتهمين باقتراف هذه الجرائم، وأن تتعاون مع هذه المحكمة الخاصة وتُقدم لها الدعم والمعلومات، وأن تحض جميع الدول الأخرى المعنية على إلقاء القبض على المتهمين.

وجاء في الرسالة التي وُجّهت إلى أعضاء الكونغرس لدعوتهم لتبنّي مشروع القرار هذا، أن بعض القوى الإقليمية قد سعت في الأشهر الأخيرة إلى التغاضي عن “الجرائم الوحشية” التي ارتكبها النظام، وذهبت نحو ‫تطبيع العلاقات معه والترحيب به مجدداً وكأن شيئاً لم يحصل، وأن محاسبة الأسد وحاشيته على جرائمهم أمر ضروري لضمان عدم تكرار هذه الجرائم.

تحرك غربي لتثبيت عزلة الأسد

ومنذ كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/شباط الماضي، والانفتاح على النظام إقليمياً وعربياً من باب تقديم المساعدة وصولاً إلى إعادته للجامعة العربية وحضور بشار الأسد قمة زعمائها الأخيرة في 19 مايو الماضي، لوحظ تحرك غربي لتثبيت عزلة الأسد من جديد، وعلى الأقل عدم وصوله للتعويم الدولي.

فصدر “قانون الكبتاغون” الذي يحاول الأسد إيقاف تنفيذه، أو عرقلته على الأقل، وفرضت دول أوروبية عقوبات جديدة على النظام، وقدّم نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة مشروع قانون يمنع التطبيع مع النظام، من المتوقع مروره وتصديق بايدن عليه قبل نهاية العام الحالي.

تشير كل هذه الخطوات إلى عدم أهمية إعادة النظام “المشروطة” أساساً إلى الجامعة العربية، التي تنتظر التقرير الأول من اللجنة الوزارية العربية، التي اعتمدها بيان عمان، وتبناها القرار 8914 من الجامعة العربية، الذي أعاد النظام إلى مقعد سورية في الجامعة.

ومن المرتقب أن يوضح التقرير ما إذا كان النظام قد اتخذ خطوات لإزالة المخاوف العربية والغربية، حيال الحل السياسي والملف الأمني بما في ذلك تصنيع وترويج وتصدير المخدرات، إضافة إلى مسألة إعادة اللاجئين. غير أن مسألة طرح فكرة المحكمة الدولية من إحدى أهم عواصم صنع القرار في العالم، خلطت الأوراق في الملف السوري من جديد.

وأكد محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في “المجلس السوري – الأميركي” و”التحالف الأميركي لأجل سورية”، أن المسودة التي أعدت وأعلن عن بعض تفاصيلها هي لمشروع قرار وليست لقانون.

وكشف غانم في حديثٍ مع “العربي الجديد” أنه كان من المفترض أن يقدّم مشروع القرار للكونغرس الثلاثاء الماضي، لكن بسبب وجود عطلة طويلة في الولايات المتحدة تأجل طرح المشروع إلى مساء أمس الخميس، ليأخذ النواب العائدون من الإجازة وقتهم في دراسته ووضع الملاحظات عليه إن وجدت.

ولفت غانم إلى أن تقديم مشروع القرار إلى الكونغرس لا يعني التصويت عليه، وإنما يتم اعتماده كمسودة رسمية وإلحاقه برقم وقيدٍ، مشيراً إلى أن عملية التصويت والإجراءات التي تعتمد القرار وتجعله نافذاً هي إجراءات لاحقة.

وحول ما إذا كانت كثرة المشاريع التي يساهم بها التحالف لتقديمها والدفع بها إلى الكونغرس، ستشتت جهود حصار النظام ومحاسبته فيما بينها، أشار غانم إلى أنه “لا يمكننا الاعتماد على خط واحد، والعمل بالنسبة لنا تراكمي وعلى أكثر من مسار، فكلما كثرت هذه المشاريع، سواء من خلال قانون الكبتاغون، أو منع التطبيع، أو العقوبات بشكل عام، وصولاً إلى مشروع هذا القرار، أصبح الأمر أصعب أمام من يحاول طمس الجرائم ويلهث للتطبيع مع النظام وتعويمه”.

محاسبة النظام على المستوى الدولي

وتبدو مسألة محاسبة النظام على المستوى الدولي، هدفاً غربياً، سواء في أوروبا أم أميركا، إذ كانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلنت في 12 يونيو/حزيران الحالي أن حكومتي كندا وهولندا رفعتا دعوى مشتركة ضد النظام السوري لدى المحكمة بشأن تعذيب سوريين.

وأشارت المحكمة إلى أن الطلب أكد أن النظام في دمشق ارتكب: “انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، بقمعه العنيف للتظاهرات المدنية”، وطالبتا باتخاذ تدابير طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

تظاهرة للمعارضة السورية في بروكسل ـ بلجيكا، مارس الماضي(تييري موناس/Getty)

تظاهرة للمعارضة السورية في بروكسل ـ بلجيكا، مارس الماضي (تييري موناس/Getty)

وبيد أي محكمة ثلاث إدانات من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، باستخدام قوات النظام للسلاح الكيميائي، في مواقع مختلفة من البلاد، إذ جرّمت المنظمة النظام في ثلاثة تقارير. التقرير الأول هجمات في ريف حماة باستخدام غازي الكلور والسارين عام 2017، والثاني عن استخدام نظام الأسد غاز الكلور السام خلال هجومه على سراقب في ريف إدلب الشرقي في 2018، والثالث الذي صدر بداية العام الحالي يدين النظام بارتكاب مجزرة دوما بريف دمشق باستخدام الغازات السامة عام 2018.

غير أن مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، ومنظمات سورية أخرى تؤكد أن النظام استخدم الأسلحة المحرمة دولياً 262 مرة في سورية.

ويشير المركز إلى أن الهجمات أدت إلى مقتل نحو 3 آلاف مدني، وإصابة 14 ألفاً آخرين، فيما يعمل المركز مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في ملفات 70 هجوماً شنها النظام على العديد من المناطق السورية، ومن المتوقع أن تتوالى الإدانات بخصوص هجمات أخرى.

وذلك عدا عن العديد من الملفات التي تدين النظام بالوثائق، سواء من تقارير أشرفت عليها جهات سورية أو غربية، لاسيما ملف صور “قيصر” للتعذيب والقتل داخل السجون، وملف المقابر الجماعية لعمليات الإعدام الجماعية أو المعتقلين، وكذلك القصف الوحشي الموثق بالصور والرصد العسكري للمناطق المأهولة بالسكان، علاوة عن عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافية، وكلها تضع النظام في قفص الاتهام داخل أي محكمة، وتكفي تهمة واحد منها لإدانته وإفقاده شرعيته بحسب القانون الدولي.

ورأى كبير المفاوضين الأسبق في “هيئة التفاوض” المعارضة، الخبير القانوني محمد صبرا، أنه يجب التفريق بين أمرين، الأول مشروع القرار الأميركي، والثاني إمكانية إنشاء محكمة خاصة في سورية.

وأوضح في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن مشروع القرار له أهمية سياسية كبيرة، وفي حال مروره من غرفتي الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) ثم مصادقة الرئيس عليه، سيلزم الإدارة الأميركية من أي توجّه كانت، أن تعتبر بشار الأسد مجرم حرب مع وجوب ملاحقته، وهو ما يمنع أي إدارة من التساهل مع النظام، وسيلزمها ببذل جهود لطرح إنشاء محكمة دولية خاصة بالنظام في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

ولفت صبرا إلى أن “مشروع القرار في حال صدوره، سيلزم الإدارة ببذل عناية لا تحقيق غاية، أي أن الإدارة تبذل جهداً في مؤسسات الأمم المتحدة أو غيرها، لإنشاء آلية خاصة لمحاسبة النظام. وهنا يجب ألا يغيب عنا أن الولايات المتحدة لا تملك النفوذ الكافي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فتركيبة الجمعية معظمها من دول العالم الثالث والكثير من حكوماتها تعد أنظمة ديكتاتورية ومنها متهمة أو مشاركة بارتكاب جرائم حرب”.

وأضاف: “هذه الأنظمة عادة ما تقاوم أي آليات محاسبة، وبالتالي تمرير مشروع كهذا في الجمعية العامة ليس مضموناً أو سهلاً، وهو ليس صعباً بطبيعة الحال، ولكن كل ذلك لا يلغي أهمية مشروع القرار الأميركي الذي يجري الإعداد له حالياً، لا سيما على المستوى السياسي على الأقل”.

طبيعة المحكمة الخاصة

وحول إمكانية اتخاذ الجمعية العامة قرار إنشاء محكمة خاصة، وما هي طبيعة هذه المحكمة في حال تحقيق وجودها، أشار صبرا إلى أن أول محاكمة كانت في هذا الإطار هي المحكمة الخاصة برواندا عام 1994 وهي بطبيعة الحال قبل أن تنشأ المحكمة الجنائية الدولية. وتضمن محكمة رواندا الخاصة نظامها الأساسي محاكمة مسؤولين رفيعي المستوى، وكان ذلك سابقة مهمة عما كان قبله.

ورأى صبرا: “الآن وضمن المعطيات في القضية السورية، هل يمكن للجمعية العامة أن تتخذ مثل هذا القرار لإنشاء محكمة خاصة؟ الجواب نعم، استناداً إلى قرار الجمعية العام (377 / د) لعام 1950، والمعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام”.

وأوضح أنه “بموجب هذا القرار، عندما يتم إغلاق مجلس الأمن أمام ممارسة اختصاصاته في حماية الأمن والسلم الدوليين، سواء لتورط أحد أعضاء المجلس بالنزاع أو تعطيله القرار بموجب حق النقض (الفيتو) بشكل مستمر، فإنه يتم نقل الحالة إلى الجمعية العامة لتنوب عن مجلس الأمن لاتخاذ قرار”.

وتابع: “سيكون هنا السؤال مطروحا، هل يمكن اعتبار إنشاء المحكمة الخاصة ضمن نطاق حماية الأمن والسلم الدوليين، والجواب نعم، فالإجابة يمكن أن نجدها في مقدمة (ميثاق روما) المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، الذي ينص على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي تهديد للأمن والسلام الدوليين ورفاه الإنسان”.

ولاحظ صبرا أن الإشكالية التي تواجه القضية السورية، هي أنه عندما تحال أي قضية أو مشروع قرار إلى مجلس الأمن كانت روسيا تصر على أن الحالة السورية لا تهدد الأمن والسلام الدوليين، لكن هذه المسألة هنا إجرائية وليست معقدة.

وأوضح أنه استناداً للقرار 2118 لعام 2013 والخاص بنزع السلاح الكيميائي للنظام والمحاسبة على معاودة استخدامه استناداً للفقرتين 15 التي تشدد على المحاسبة، و21 التي تشير إلى أن مجلس الأمن يمكن استخدام وسائل محاسبة تحت الفصل السابع في حال مخالفة القرار الذي صوتت عليه روسيا.

وأشار صبرا إلى أن آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة قد أثبتت تورط النظام في ثلاث هجمات على الأقل، بعد تاريخ نفاذ القرار 2118.

وأضاف: “بالتالي نحن لدينا مستند قانوني أساسي بموجب القرار وفقرتيه المذكورتين، يسمح بطرح القرار على مجلس الأمن، وعندما تستخدم روسيا حق الفيتو ضد أي إجراء في مجلس الأمن، فإنه يمكن نقل الموضوع إلى الجمعية العامة، ويمكن في حال مرور مشروع القرار في الولايات المتحدة أن تبذل الإدارة الأميركية مساعيها لدى الدول الأعضاء في الجمعية العامة من أجل تنفيذ الفقرة 21 من القرار الأممي 2118 في حال عرقلة روسيا اتخاذ قرار في مجلس الأمن”.

العربي الجديد

——————————-

سوريا.. بين تحقيق العدالة ومنح الصفح/ وفاء علوش

“العين بالعين والسن بالسن ومن بنى بيتاً وهُدم على أصحابه يقتل، والبادئ أظلم”، إنها أقدم قوانين العقوبات التي سنها “حمورابي” لوضع نظم لمجتمع كان ينفذ جرائم انتقامية بعضه ضد الآخر من دون رادعٍ أو تنظيم.

قد يرى البعض أن هذا القانون لم يكن سوى تنظيم لحالة الانتقام بحد ذاتها بحيث يعاقب المجرم بجرمه نفسه، لكن أليس ذلك جوهر قانون العقوبات الحديث الذي يعاقب المجرم بجزاء من جنس العمل؟

يفسر علماء القانون النص الجزائي في بعض الأحيان بمفهومه الأوسع، وهو الأمر الذي ينطبق على كثير من القوانين والتشريعات الجنائية والمدنية في عصرنا الحالي، فلم تعد يد السارق تقطع وصار حكم الإعدام مثيراً للجدل في دول كثيرة حتى أنه لم يعد موجوداً في بعض منها تقديساً لحق الحياة.

لكن ذلك لم يكن شافياً في حقيقة الأمر للنفس البشرية، التوّاقة إلى إحقاق الحق وتحقيق العدالة التي يعتقد كثيرون أن القصاص بمعناه الحرفي جزء لا يتجزأ منها.

فلو سألنا اليوم من نجا من ضحايا الزلزال، وفقد عائلته كيف سيكون حكمه لو تمكن من محاكمة أحد المتورطين الذين لم ينجزوا عملهم بشكل مطابق للوائح والقوانين، وغشوا في معايير البناء ومستلزماته فتسببوا بموت كثيرين حين اهتزت الأرض، ما الذي سيطلبه ليشعر بالرضا والعدالة؟

أكاد أجزم أن أغلبنا سيختار القصاص بمفهومه البدائي، ذلك أن الإنسان يحتاج إلى وقت طويل وصبر وحكمة وحِلم قبل أن يصل إلى مرحلة يمنح فيها من ظلمه العفو.

بعض الناجين من قنبلة هيروشيما على سبيل المثال استطاعوا العفو والمضي قدماً وهم ينشدون عالماً مسالماً، لكنهم ربما لم يصلوا إلى هذه النقطة إلا بعد كثير من الأحداث ونصف قرن من وقوع الكارثة؟ الجزائريون لم يجدوا عزاء في اعتذارات فرنسا المتكررة عما ألحقته من مجازر بحق المناضلين الذي قاوموا احتلالها وما زال ذلك جرح عميق لديهم.

أما نحن بصفتنا سوريين فما زال العالم يختبر صبرنا، ويكافئ سفاحنا الذي لا يتكلف إخفاء ابتسامته المتعجرفة والهازئة بعد كل كارثة تحل بنا.

قاتلنا لم يكن يقاوم عدوّاً لقد كان يصب جام حقده على من سوّلت له نفسه الرغبة بالخروج عن الطاعة، في حين غضّت دول العالم بصرها عن مقتلتنا وعاودت مصافحة القاتل متجاهلة موتنا المستمر.

هل يصفح السوريون إذن عمن لم يفكر باعتذار أو لم يراوده ندم؟

لا أظن أن السوريين يستطيعون منح الصفح بعد، لا رغبة بالانتقام وإنما لأن العدالة التي نشدوها لم تتحقق، لم يحققها العالم وعجز السوريون عن تحقيقها بأنفسهم بما لم يمتلكوا من قوة وصبر، عدا أن الصفح رفاهية يمتلكها من استطاع تضميد جراحه وهو أمر لم نحظَ به.

إن مغزى العقوبة الأساسي ليس الردع فحسب، بل التعويض عما حلّ بالضحية من خسارة، غير أن القوانين الوضعية لا تتسع لمفهوم الخسارات المعنوية التي لا يوجد معيار لتقييمها.

مؤخراً رفعت هولندا وكندا قضية ضد النظام السوري لدى محكمة العدل الدولية، بدعوى مزاعم تعذيب وإخفاء للسوريين وارتكاب انتهاكات انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، منذ اندلاع الثورة السورية في البلاد في عام 2011، وطالبت الدولتان المحكمة بإلزام سوريا بوقف أعمال التعذيب.

وفي حال توصل محكمة العدل الدولية إلى أن الدعوى القضائية تقع في دائرة اختصاصها، ستكون أول محكمة دولية تحكم في مزاعم التعذيب السورية.

ليست المحاولة الأولى لفتح الملفات الإجرامية أمام المحاكم الدولية، فقد سبق أن رفع محامون دعاوى ضد بشار الأسد، في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، باسم 28 لاجئاً سورياً في الأردن، بدعوى إجبارهم على النزوح من بلدهم.

وطالب محامو الادعاء المحكمة بالتحقيق في جرائم محتملة ضد الإنسانية منذ عام 2011، إلا أن المحكمة أعلنت عدم اختصاصها لأن سوريا ليست عضواً في معاهدة روما، التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أنه لا يمكن رفع قضايا دولية ضد حكومتها.

ليست جرائم النظام في سوريا خفية فقد “وثّق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مقتل 306 آلاف و887 مدنياً في سوريا منذ بداية الثورة في مارس/آذار 2011، وفق تقرير صدر في يونيو/حزيران 2022، وأظهر التقرير أن السبب الرئيس في سقوط قتلى من المدنيين كان استخدام الأسلحة المتعددة التي شملت اشتباكات وكمائن ومذابح، إذ شكل هذا السبب 35.1% من الضحايا، أما السبب الثاني فكان استخدام الأسلحة الثقيلة وجاء بنسبة 23.3%”.

ووفقاً للتقرير، فإن النظام السوري كان مسؤولاً عن مقتل معظم ضحايا التعذيب بنسبة 98.63%، إذ قُتل على يده 14 ألفاً و338، من بينهم 173 طفلاً و74 سيدة، عدا أعداد المعتقلين والمغيبين قسراً.

وقد سبق أن دانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري، في يناير/كانون الثاني الماضي، مسؤولية الهجوم بغاز الكلور على مبان سكنية في مدينة دوما التي كانت خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في عام 2018.

ربما لا يمكن الجزم بأننا قادرون على تحصيل حقنا بأنفسنا أو أن أحداً سيدعمنا في ذلك، لكن لا يمكن لنا الاستسلام للأمل أيضاً بأن العدالة ستجد مجراها من تلقاء ذاتها من دون أن ندفع بهذا الاتجاه.

أياً كانت العواقب فعلينا للتاريخ أن نختار طريق العدالة كي لا يقع أبناؤنا فريسة اليأس وألا نورثهم تلك الهزيمة، فهذا بحد ذاته جريمة أخرى سندفع ثمنها إضافة إلى ترك المجرم طليقاً والكف عن ملاحقته وحمل عبء عار الاستسلام والتوقف عن دعم أحقية موقفنا، حتى وإن كانت القوانين الدولية والعالمية والجنائية والإنسانية أعجز من أن تجد جزاء مناسباً وتعويضاً عادلاً لخساراتنا.

ما الذي نريده اليوم إذن؟ يريد بعضنا أو كثير منا أن يصدق أنه ما زال لدينا أمل على الرغم من كل الحقائق التي تكشفت عن زيف ادعاء العالم بنصرة الحق ووهم العدالة وفقاعات الحريات والحقوق، وألا نتوقف عن الإيمان بأننا سنشاهد ذلك الضوء في نهاية النفق يوماً ما وسنقدم إلى المحاكمة في النهاية السفاح الذي لم يسجل له التاريخ شبيهاً.

تلفزيون سوريا

——————–

الدعوة الهولندية الكندية لمحاكمة سوريا.. بين المدخل الإنساني والضغط السياسي/ بشار الحاج علي

أن مسار محكمة العدل الدولية في لاهاي هو مسار ليس بالسهل لا سيما وأنها تابعة للأمم المتحدة، وتشكل الجهاز القضائي فيها، وتستند في أحكامها إلى القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وتخضع إجراءات السير في تطبيق قراراتها لمجلس الأمن الدولي، الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة وذراعها العسكري خاصة عندما يتم تطبيق القرارات الأممية تحت البند السابع الذي ينص على ضرورة تطبيق القرارات باستخدام القوة العسكرية في حال عدم الالتزام.

إن تعزيز الضغط السياسي في قضايا حقوق الإنسان خاصة عند ثبوت الانتهاكات الخطيرة يمثل بابًا مهمًا لإنصاف الضحايا وعدم السماح للمجرمين الإفلات من المحاسبة تحت عنوان التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وفي القضية السورية تقدمت كل من حكومتي هولندا وكندا بطلب لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة التي يتطلبها نظام المحكمة وهي التفاوض مع الحكومة السورية (النظام) والاستجابة من طرفه في قضايا التعذيب، والتي لم تحصل مما دفع الدولتين لتقديم الطلب لمحكمة العدل الدولية التي لا يمكنها قبول طلب التقاضي أو الشكوى إلا من قبل دولة أو دول أو إحدى هيئات منظمة الأمم المتحدة، ولا تنظر إلا في القضايا التي يكون الطرف فيها دولة.

تعد حقوق الإنسان من القضايا العالمية التي تستدعي الاهتمام والتدخل الدولي للحفاظ على كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، وفي هذا تمثل قضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 أكبر خرق للقانون الدولي الإنساني في العصر الحديث، حيث تعرض  الشعب السوري لأعمال عنف مروعة وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان من قبل نظام الاسد وفي إطار السعي للعدالة قدمت هولندا وكندا طلبًا لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية، وهذا الطلب يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتحقيق ضغط سياسي للدفع بعملية سياسية تنهي هذه الانتهاكات وتؤسس لدولة تحترم حقوق الانسان وتصون كرامته.

وتعود محاولات تحريك ملف التعذيب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في سوريا لعام 2019 حيث قدمت هولندا وكندا طلبًا لمحاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويستند هذا الطلب إلى التقارير والشهادات والأدلة الحية التي تشير إلى وجود انتهاكات خطيرة تمت في سياق ممنهج ومنتظم للانتهاكات في سورية، مثل استخدام الأسلحة الكيميائية والاعتقال التعسفي والتعذيب والقصف العشوائي على المدنيين بما في ذلك القصف الجوي بالبراميل والأسلحة المختلفة على المواطنين والمرافق العامة بما فيها المشافي والمدارس والمساجد وغيرها.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان السوريين والسوريات ما الذي يمكننا الاستفادة منه في نصرة قضيتنا سياسيًا وإعلاميًا؟

وللإجابة على هذه السؤال من المهم تحديد بعض النقاط التي يجب الإضاءة عليها والمرجو أن تنعكس إيجابًا على القضية وهي:

أولاً -المساهمة في تعبئة الرأي العام العالمي والوعي العام بقضية إنسانية تمثل اهتماما عالميًا حيث إن طلب محاكمة الحكومة السورية يساهم في زيادة الوعي العام بالجرائم التي ارتكبتها قوات النظام وميليشياته وداعميه، وبالتالي يسهم في تحريك الرأي العام العالمي لدعم العدالة ومحاسبة المسؤولين.

ثانيًا -تحريك الضغط الدبلوماسي: الطلب يوفر فرصة للدول والمنظمات الدولية للتحدث بصوت واحد والضغط على الحكومة السورية للتعاون مع التحقيقات الجارية وتسليم المسؤولين عن الجرائم للعدالة، وتشكيل موقف مشترك يحد من التمادي في التطبيع.

ثالثا -وضع أسس تعزيز السلام والاستقرار: من خلال تعزيز المساءلة القانونية حيث يمكن تحقيق تأثير إيجابي على الوضع الأمني والاستقرار في سوريا والمنطقة، وبالتالي تقديم فرصة للشعب السوري للمصالحة وإعادة بناء الوطن وتحقيق السلم الأهلي.

ويمكن تحقيق الضغط السياسي من خلال الدول الموقعة على ميثاق محكمة العدل الدولية وذلك وفقًا لنظامها الأساسي ومن خلال ما يتطلبه هذا النظام من نقاط وهي:

التعاون الدولي: يتطلب طلب محاكمة الحكومة السورية تعاونًا دوليًا وتنسيقًا بين الدول والمنظمات الدولية، ويمكن للمنظمات ذات الصلة بحقوق الإنسان والمجتمع الدولي الضغط على الحكومات الأخرى لدعم الطلب والعمل معًا لتعزيز المساءلة والعدالة.

العقوبات الدولية: حيث يصبح استخدام العقوبات الدولية كوسيلة للضغط السياسي على الحكومة السورية والمسؤولين عن الجرائم، ويمكن للدول المانحة والمنظمات الدولية تكثيف العقوبات وفرض قيود اقتصادية وسياسية لزيادة الضغط على الحكومة للتعاون مع المحكمة.

ومن أهم المكتسبات التي تلي تقديم الطلب توفير الدعم السياسي للضحايا: حيث لا بد للدول والمنظمات الدولية تقديم الدعم السياسي والمعنوي والمادي للضحايا والمنظمات المحلية والروابط للضحايا وذويهم في سوريا مما يساهم في تعزيز قدرتهم على الصمود والمطالبة بالعدالة والمحاسبة.

وفي المحصلة فإن طلب هولندا وكندا محاكمة الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية يمثل خطوة مهمة في سبيل تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان في سوريا، ويمكن استغلال هذا الطلب لتحقيق ضغط سياسي حقيقي على حكومة النظام وجعله يلتزم بمسار العملية السياسية وفقًا للقرارات الأممية ذات الصلة، لا سيما القرارين ٢١١٨ و٢٢٥٤ ودفع المجتمع الدولي للتعاون والتصدي للجرائم المروعة التي ارتكبت ومازال مرتكبيها خارج يد العدالة، ويجب أن يكون التعاون الدولي والضغط السياسي متواصلين لضمان أن ينال الجناة العقاب الذي يستحقونه ومحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية كخطوة لاحقة لمحاكمة حكومة النظام عن مسؤوليتها بصفتها تحتكر الدولة السورية، وهي مسؤولة عن الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها أعضاء في أجهزتها، وتحقيق العدالة للضحايا والاعتبار لهم ولذويهم وبناء مستقبل مستدام يستند إلى حقوق الإنسان والعدالة، وضمان عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار المأساة مرة أخرى.

—————————-

جرائم الأسد إلى الواجهة مجددًا أمام محكمة العدل الدولية/ أحمد عبد الحميد

في أول قضية أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة مرتبطة بالحرب في سوريا، أعلنت محكمة العدل الدولية في لاهاي تقديم كل من هولندا وكندا شكوى مشتركة ضد حكومة دمشق، بشأن تهم تعذيب بحق سوريين والمعاملة اللاإنسانية في السجون.

وحسب بيان محكمة العدل الدولية، الصادر اليوم الاثنين 12 يونيو/ حزيران الجاري، فإن كندا وهولندا اتهمتا نظام الأسد بارتكاب انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، عبر قمعه العنيف للمظاهرات المدنية، وطالبتا باتخاذ تدابير طارئة لحماية المعرّضين لخطر التعذيب.

تشمل الانتهاكات بحسب الدعوى المرفوعة، استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال، إضافة إلى استخدام الأسلحة الكيمياوية، والتي أدّت إلى العديد من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة. فيما تشمل التدابير الطارئة إصدار أوامر للنظام بالسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز، والإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفيًّا، والكشف عن مواقع دفن الأشخاص الذين ماتوا في الاحتجاز مع الاحتفاظ بالأدلة، بما في ذلك السجلّات الطبية.

ويسعى البلدان إلى تحميل نظام الأسد مسؤولية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها دمشق عام 2004، بعد أن اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984.

خطة إيجابية وطريق طويل

قررت هولندا التحرك في عام 2020، ثم كندا بعدها بعام، بعد إعاقة روسيا لجهود متعددة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لإحالة قضية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، المعنية بمحاسبة الأفراد على ارتكاب جرائم حرب ومقرّها لاهاي، فيما تحول الملف إلى دعوى رسمية توضع أمام محكمة العدل الدولية، بعد أن فشل المسار الذي كان على البلدَين (هولندا وكندا) اتباعه قانونيًّا قبل الوصول إلى المحكمة.

تطلّب المسار الذي بدأته هولندا في سبتمبر/ أيلول 2020، قبل أن تنضم إليها كندا عام 2021، خوض مفاوضات مع دمشق إلا أنها فشلت، ما دعا إلى لجوء الدولتَين للتحكيم لإنهاء خروقات نظام الأسد للاتفاقية.

وأصدرت الحكومة الهولندية قبل 3 سنوات بيانًا، أعلنت فيه إرسال مذكرة دبلوماسية إلى النظام تحمّله فيها مسؤولية عن انتهاكات جسمية ضد حقوق الإنسان، وذلك في سياق مسعاها لإحالة الأمر لمحكمة العدل الدولية، التي أُنشئت عقب الحرب العالمية الثانية للتعامل مع النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي عادة ما تكون مبنية على أساس انتهاكات مزعومة للاتفاقيات الدولية، وإذا لم ينتج عن التحكيم قرار نهائي، يمكن لهولندا رفع قضية بهذا الشأن أمام محكمة دولية.

يقول فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي إحدى الجهات التي شاركت بهذه الدعوى، بعد تزويد الحكومة الكندية والهولندية بالوثائق والملفات التي تدين النظام وتثبت تورُّطه بالتعذيب؛ إن الخطوة رغم طولها تعدّ غاية في الأهمية لعدة أسباب:

أولًا، إن محكمة العدل هي محكمة الأمم المتحدة، فكل دول العالم أعضاء فيها، والدعوى فيها أهم من كل الدعاوى بالولاية القضائية العالمية، لأن هذه المحكمة أعلى من باقي المحاكم، وهي ليست جنائية تدين فردًا بل تدين الدولة والنظام ككل.

    الدول المطبّعة مع النظام هي الأكثر انزعاجًا من الخطوة، لا سيما أن الدعوة تقدم وثائق تثبت تورُّط نظام الأسد بجرائم التعذيب، التي تحرج الدول المتهافتة على التقارب معه وإعادة تأهيله.

ثانيًا، إنها الدعوى الوحيدة في العالم ضد نظام خرق اتفاقية التعذيب، الذي وصل إلى مراحل متقدمة من التوحش والبربرية، وهذه الدعوى رسالة سياسية ضد النظام لكل دول العالم، والذي يمثل الدولة ويتحكم بمفاصلها بشكل واضح.

ولم يتعاون النظام بالأصل مع محاولات الدولتَين في التفاوض خلال الـ 3 سنوات السابقة، إذ لا يتوقع عبد الغني في حديثه لـ”نون بوست” أن يتجاوب النظام، وحتى إن تجاوب فالأدلة كلها ضده، داعيًا في الوقت ذاته باقي الدول بالتحرك أمام محكمة العدل، والانضمام إلى هذه الدعاوى حتى لو أخذت وقتًا طويلًا، فهي تعيد تسليط الضوء على الانتهاكات التي ارتكبتها حكومة النظام.

بالمقابل، فإن الدول المطبّعة مع النظام هي الأكثر انزعاجًا من الخطوة، لا سيما أن الدعوة تقدّم وثائق تثبت تورُّط نظام الأسد بجرائم التعذيب، التي تحرج الدول المتهافتة على التقارب معه وإعادة تأهيله.

وأشار وزير الخارجية الهولندي، فوبكه هويكسترا، في بيان إلى أن المواطنين السوريين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء والهجوم بالغاز السام، أو أُجبروا على الفرار حفاظًا على حياتهم وترك كل ما لديهم، لافتًا أنه تمَّ الإبلاغ عن هذه الفظائع على نطاق واسع من قبل المنظمات الدولية، لإرساء المساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب، فتقديم هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية خطوة تالية رئيسية على الطريق الطويل لتحقيق هذا الهدف.

عودة إلى نقطة الصفر

بما أن محكمة العدل الدولية محكمة تنظر في النزاعات ما بين الدول أو قيام إحدى الدول بانتهاك معاهدات القانون الدولي، كما فعلت حكومة النظام بانتهاكها معاهدة مناهضة التعذيب، وكذلك معاهدة استخدام الأسلحة الكيميائية لمواجهة المدنيين، فنحن أمام معضلتَين أساسيتَين:

الأولى تتمثل في احتمالية وصول الملف إلى مجلس الأمن فيما لو صدر حكم من محكمة العدل بتثبيت التُّهم الموجهة إلى دمشق، واصطدامه بالفيتو الروسي والصيني في حال اتخاذ قرارات تحت الفصل السابع لتطبيق عقوبات عسكرية على سوريا، والثانية رفض دمشق الدعوى لعدم اختصاص محكمة العدل الدولية التي تحكم بين دول متضررة وبالتعويض لها، فكندا وهولندا ليستا متضررتَين من ممارسة التعذيب في سوريا.

يرى المحامي السوري أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أن الخطة جيدة في هذا الوقت الذي يعاد فيه تدوير النظام، إلا أن الحكومة الهولندية والكندية تتعاملان مع الدولة السورية وليس مع نظام قاتل ومجرم، وقد ظهر ذلك من خلال المراسلات الدبلوماسية للدولتَين منذ 3 سنوات مع حكومة النظام.

وتابع البني بأن محاسبة الحكومة السورية على انتهاك اتفاقية التعذيب -مع أهميتها للإشارة دومًا إلى جرائم النظام- هي مسألة متراجعة، وأقل ممّا تم تحقيقه من إدانة النظام بجرائم ضد الإنسانية كما في النرويج وألمانيا والسويد وفرنسا.

واعتبر أنه حتى لو أُدين النظام بخرق اتفاقية منع التعذيب، فإن قرار المحكمة لو صدر سيدعو إلى المزيد من العقوبات السياسية والعزلة الدبلوماسية التي يعاني منها النظام أصلًا، فهو لا يضيف بؤسًا إلى بؤسه، لافتًا أن كندا وهولندا ليستا ذات صفة قانونية متضررة لتقديم دعوى ضد الحكومة السورية، كون محكمة العدل تدرج الخلافات بين الدول كحدود برية أو بحرية أو خلافات تجارية أو تعدٍّ.

محكمة العدل الدولية

تعدّ محكمة العدل الدولية محكمة العالم، وهي الجسم القضائي الأساسي للأمم المتحدة، وتمارس اختصاصها في حال اتفقت دولتان على اللجوء إليها لتسوية خلاف قانوني، وقد ساهمت محكمة العدل الدولية في تحقيق إنجازات على مستوى بعض الشعوب والأمم، كتجربة ناميبيا التي استطاعت توظيف سلسلة من الآراء الاستشارية من محكمة العدل الدولية في مسعاها للاستقلال عن جنوب أفريقيا منتصف القرن الماضي.

كذلك فيما يتعلق بالرأي الاستشاري للمحكمة حول التبعات القانونية لتشييد جدار الفصل في فلسطين المحتلة، كما تعتبر قضية الطاقم الدبلوماسي والقنصلي الأمريكي في طهران من أشهر القضايا التي عالجتها المحكمة.

ولكي تنظر محكمة العدل الدولية في قضية ما، يشترط موافقة الدول المعنية بطريقة أو بأخرى على أن تكون طرفًا في الدعوى المرفوعة أمام المحكمة، وهذا مبدأ أساسي يحكم تسوية المنازعات الدولية.

وقد تتناول مواضيع جنائية، مثل موضوع التعذيب من باب انتهاك الدول لالتزاماتها بموجب المعاهدات المصادقة عليها، وبما يشكّل أساسًا ما يعرف بالخلاف القانوني بين دولتَين، فهذه الحالة من الخلافات القانونية لا تنحصر باعتبارها تتناول علاقات ثنائية بين دولتَين، لكنها تتعلق بواجبات الدولة المنتهكة تجاه كافة الدول الأطراف الأخرى في المعاهدة، وواجب تلك الدول في التصدي لهذه الانتهاكات ووضع حدّ لها.

و لعل ما حدث بين بلجيكا والسنغال خير مثال على ذلك، عندما رفعت بلجيكا إلى العدل الدولية دعوى على السنغال لحثّها على محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين هبري بتهم التعذيب أو تسليمه للسلطات البلجيكية لمحاكمته في قضايا مرفوعة عليه هناك، إذ لم تتضرر بلجيكا أو أحد رعاياها، وهو ما يشابه ظروف الدعوى الكندية والهولندية الآن.

يقول محمد العبد لله، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، إن أحد أوجُه مصلحة هولندا برفع الدعوى ضد حكومة النظام أن لديها لاجئين، فعدم التزام سوريا باتفاقية مناهضة التعذيب أدّى إلى أزمة لاجئين وصلت أوروبا ومنها هولندا، لافتًا أنه سيتم تقديم أدلة على ممارسة التعذيب بشكل ممنهَج وبسياسة حكومية من دمشق، وستكون على الأغلب صور قيصر أحد الأدلة في هذا الموضوع.

ورأى العبد الله أن النظام لن يسمح بقبول وصول فرق حقوقية لمراكز الاحتجاز والتحقيق فيها، لا بموضوع التعذيب ولا الاختفاء القسري، فسياسة النظام مبنية على إخفاء الناس وإخفاء المعلومات حولهم، لذلك من ضروب الخيال أن ننتظر النظام ليسمح بدخول أي فرق تحقيق أو مراقبين.

الجمعية العامة.. الطريق الأنجع

منذ اندلاع الثورة السورية لم تثبت إلا إدانة واحدة بحق النظام، وهي استخدام التعذيب من قبل مسؤول سابق في حكومة النظام، في محاكمة تاريخية بألمانيا خلال يناير/ كانون الثاني 2022، بعد تبنّي القضية في ألمانيا بموجب قوانين الولاية القضائية العالمية في البلاد، التي يسمح لمحاكمها بمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في أي مكان ومنها سوريا، وهو ما يقلّل من تفاؤل السوريين تجاه الدعوى الكندية الهولندية المرفوعة، والتي قد تستغرق سنوات للوصول إلى حكم نهائي، هذا إن وافق النظام أصلًا باختصاص المحكمة.

يؤكد المحامي البني أن هناك سعيًا وعملًا جبهويًّا من المنظمات الحقوقية لدعم مشروع وُزّع على عدد من الدول، للضغط باتجاه إنشاء محكمة عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي سبق أن أنشأت الآلية الدولية لجمع الأدلة على سوريا منذ عام 2016، إذ تمكّنت من جمع 3 ملايين وثيقة عن الجرائم المرتكبة في سوريا.

وأُنشئت في ديسمبر/ كانون الأول 2016 آلية دولية محايدة ومستقلة تسعى إلى جمع الأدلة عن الجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي، لتستفيد منها محاكم أخرى لديها سلطة قضائية (كالمحاكم الأوروبية) التي تنظر في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية العابرة للحدود.

وحسب البني، فإنه قد حان الوقت لكي ينظر العالم إلى هذه الوثائق، وبالأخص ملف استخدام النظام للسلاح الكيمائي، في محكمة خاصة للجمعية العامة، إذ لا سلطة فوقها ولا حدود لها، ومن الممكن أن تطلب التدخل حسب الفصل السابع على الأقل من أجل استخدام السلاح الكيماوي، فاللجوء إلى الجمعية وإصدار قرار منها بإدانة النظام يرعبه أكثر من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية والاقتصار بالحكم عليه بأنه خالف اتفاقيات دولية.

ورغم توثيق منظمات حقوق الإنسان الكثير من انتهاكات التعذيب والقتل والاغتصاب والاحتجاز القسري، وخروج العديد من التقارير الدولية وفي مقدمتها استخدام السلاح الكيماوي وارتكاب مجزرة التضامن، إلا أن محاسبة النظام على هذه الجرائم ومساءلته لا تزالان بعيدتَين عن التحقيق، بسبب الدعم السياسي اللامحدود من الحكومة الروسية، حيث استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) 17 مرة منذ عام 2011 لعرقلة جهود المجلس في حماية المواطنين السوريين، ومنع إحالة قضية السوريين إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما لمنع وجود محكمة خاصة شبيهة بتلك التي تمَّ إنشاؤها للنظر في الجرائم الدولية المرتكبة في يوغوسلافيا ورواندا.

——————–

“لا مفر من العقاب”: جرائم النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية/ أليثيا مدينا

أثينا- في 12 حزيران/ يونيو الحالي، أعلنت محكمة العدل الدولية أنَّ هولندا وكندا اتخذتا إجراءات ضد النظام السوري لانتهاكه اتفاقية مناهضة التعذيب. وتأتي هذه المبادرة بالتزامن مع الدفع غير المسبوق نحو التطبيع مع الأسد من قبل جيرانه، رغم مواصلة الجهود الدولية الرامية للمساءلة.

بهذه الدعوى تكون محكمة العدل الدولية، هي المحكمة الدولية الأولى التي تنظر في قضايا التعذيب بسوريا. حتى الآن كل القضايا الموجهة ضد مسؤولين سوريين بتهم ممارسات التعذيب وغيرها من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية رفعت في محاكم وطنية، وخصوصاً ألمانيا.

في طلبهما المشترك المقدَّم إلى المحكمة، ذكر ممثلون كنديون وهولنديون أن ممارسات التعذيب “متفشية ومتجذرة بكامل هيكلية نظام الاعتقال في سوريا وما تزال مستمرة إلى اليوم”.

كانت هذه الخطوة القانونية “لحظة سعيدة طال انتظارها” بالنسبة لأحمد حلمي، الذي اعتُقِل وعُذِّب في تسعة سجون سورية، بين عامي 2012 و2015. وفي ذلك، قال حلمي، وهو أحد مؤسسي مبادرة تعافي، منظمة يقودها الناجين والناجيات وتُعنى بمؤازرة ودعم المعتقلين السابقين: “بصفتي ناجٍ، لم يُخيل لي في ظل الوضع الراهن أن يراودني أي إحساس بالعدل، وأنَّ أولئك الذين عذبوني وقتلوا أصدقائي تحت التعذيب سيخضعون للمساءلة”.

وأضاف في حديثه لـ”سوريا على طول”: “هذه فرصة للمحكمة الدولية لتُظهِر أنَّه لا مفر من العقاب”.

بدأت الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية -الجهاز القضائي الرئيسي التابع للأمم المتحدة- بمبادرة من السلطات الهولندية في أيلول/ سبتمبر 2020، سعت لإخضاع النظام السوري للمساءلة، على خلفية انتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)، التي صادقت عليها دمشق في عام 2004، وانضمت كندا إلى المبادرة الهولندية في آذار/ مارس 2021.

بعد عامين من المفاوضات -بما في ذلك اجتماعين وجاهيين مع نظرائهما السوريين، عام 2022، في أبو ظبي، وتبادل 66 اتصالاً دبلوماسياً بهدف “وقف انتهاكات اتفاقية مناهضة التعذيب، والحصول على ضمانات عدم التكرار، وتقديم تعويضٍ كامل للضحايا”، رأت كندا وهولندا أنَّ العملية “عقيمة” ورفعت الدعوى. 

عملت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع السلطات الهولندية والكندية لتقديم أدلةٍ تدعم الدعوى. قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة، “نظام الأسد مسؤول عن تعذيب 15,039 مواطناً سورياً حتى الموت، من بيهم 190 طفلاً و94 امرأة”، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “هذه الخطوة القانونية، التي جاءت بعد زمن طويل، تعني الكثير لنا ولجميع أولئك الذين قُتِلوا تحت التعذيب”.

تشير محاولة إخضاع السلطات السورية للمساءلة إلى أنَّ “الدول الديمقراطية ما تزال مهتمة في حماية حرية وحقوق الإنسان”، من وجهة نظر جمانة سيف، مستشارة قانونية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR). كانت سيف على ثقة من أن وجود ملف التعذيب الممنهج في سوريا على طاولة “أعلى محكمة في العالم” من شأنه أن “يشجع الناس على التحدث علناً واستعادة الأمل بإحقاق العدالة”.

لسنوات طويلة كان يصعب على سيف أن تجيب الناجين السوريين عن “لماذا لا يمكن لجميع هذه الدول القوية جداً أن تُوقِف الأسد أو تضغط عليه للإفراج عن المعتقلين والمفقودين”، كما قالت.

ورأى إبراهيم العلبي، محامي بريطاني من أصل سوري، قدم استشارة قانونية في الدعوى المرفوعة لمحكمة العدل الدولية، أنَّ تقديمها يُعتبر “إنجازاً تاريخياً في السعي لتحقيق العدالة في سوريا”، وفيه “إقرار قضائي دولي بالمعاناة والظلم الذي قاساه ملايين الضحايا والناجين من وحشية النظام السوري لزمنٍ طويل”.

العنف الجنسي كأداة للتعذيب

حدّدت الإجراءات القانونية على وجه الخصوص استخدام العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، كأداةٍ للتعذيب من قبل الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها. “كانت النساء والفتيات يُغتصبن بشكل روتيني، كما أن الصدمات الكهربائية وتشويه أو بتر الأعضاء التناسلية هي أيضاً من بين فنون التعذيب التي تُمارس على نحو دائم”، كما جاء في النص القانوني.

من جهتها، رأت سيف، التي كانت عضواً في الفريق القانوني الاستشاري في محاكمة كوبلنز بألمانيا الخاصة بممارسات العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي (الجنساني)، على أنَّها جرائم ضد الإنسانية، أنًّ إدراج هذا النوع من العنف ضمن إجراءات محكمة العدل الدولية هو أمر جوهري.

“نملك في قرار محكمة كوبلنز دليلاً على ارتكاب العنف الجنسي والجنساني بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع، وعلى استخدام أجساد النساء كسلاح حرب”، بحسب سيف، مشيرةً إلى أن استخدام العنف الجنسي، وبسبب ما يلحق به من وصمة عار “لا يدمر الناجي/ـة أو الضحية فحسب، وإنما يكون له أثراً عميقاً بعيد المدى على المستوى الاجتماعي، فهو أداة لتدمير وتفتيت المجتمع”.

التطبيع الإقليمي

تأتي خطوة التوجه إلى محكمة العدل الدولية بعد عدة أسابيع من الترحيب بعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية وحضوره قمّتها المنعقدة في السعودية. تتمثل هواجس الدول العربية، التي تسعى لتعزيز العلاقات مع دمشق، في ملف اللاجئين بدول الجوار، وتجارة الكبتاغون، والنفوذ الإيراني، بغض النظر عن استمرار الاعتقال والتعذيب الممنهج في سوريا.

ستُفضي الدعوى القضائية المحالة إلى محكمة العدل الدولية إلى “إصدار بيان واضح من كيانٍ قانوني محايد بأنَّ النظام السوري مجرم حرب، وأنَّ أي تطبيع معه سيكون تواطؤاً مع مرتكب الجريمة”، بحسب حلمي، داعياً الدول الإقليمية التي تؤطَّر التطبيع كخطوة باتجاه الحل السياسي في سوريا إلى استخدام إجراء محكمة العدل الدولية “كأداة لإجبار النظام السوري على تنفيذ الإجراءات الوقائية، التي ستوصي بها محكمة العدل الدولية، من قبيل إمكانية الوصول إلى مراكز الاحتجاز”.

وترى سيف، أنَّ هذه الخطوة القانونية أتت في “الوقت المناسب، إذ إنَّ غالبية السوريين الآن محبطون جداً بشأن التطبيع والخطوة التي اتخذتها جامعة الدول العربية بقبول الأسد مجدداً”.  

قيود محكمة العدل الدولية؟

تتولى محكمة العدل الدولية الفصل في النزاعات التي تنشأ بين الدول المرتبطة بانتهاكات اتفاقيات الأمم المتحدة، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب، غير أنَّها لا تقاضي الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم بحق الإنسانية كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

“من المهم معرفة أن محكمة العدل الدولية ليست محكمة جنائية، وأنّ أي حكم تصدره لن يُفضي إلى زج الجناة في السجون”، قال روجر لو فيليبس، المدير القانوني في “المركز السوري للعدالة والمساءلة” (SJAC)، مستأنفاً: “ومع ذلك، فإنّه يمنح المجتمع الدولي فرصةً لإدانة نُظم التعذيب التي تنتهجها الحكومة السورية”.

لسنوات، قُطع الطريق إلى العدالة في المحكمة الجنائية الدولية، لأن سوريا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، المعاهدة التأسيسية للمحكمة. الطريقة الوحيدة ليكون للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على سوريا يتمثل بإحالة الملف السوري إليها من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما حالت روسيا والصين دونه باستخدامهما حق النقض (الفيتو) مراراً وتكراراً.

دفعت هذه القيود الجيوسياسية الناجين إلى التماس العدالة في محاكم أجنبية، يقع معظمها في دول أوروبية، وذلك بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

في طلبهما المقدَّم إلى محكمة العدل الدولية، طلبت السلطات الهولندية والكندية من المحكمة الإيعاز بالإجراءات المؤقتة، التي يتعين على الدولة السورية اتخاذها، بما في ذلك: وقف الاحتجاز التعسفي، والإفراج عن المعتقلين تعسفياً، والكشف عن مواقع دفن الذين لقوا حتفهم نتيجة التعذيب، وعدم إتلاف أي دليل يتعلق بالقضية. ولا يزال تنفيذ هذه الإجراءات موكلٌ إلى دمشق

سابقاً، ثبت صعوبة تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية. ففي عام 1986 طلبت المحكمة من الولايات المتحدة الأميركية أن تدفع لنيكاراغوا تعويضات حرب، لانتهاكها القانون الدولي بمساندة الميليشيات اليمينية التي واجهت حكومة البلاد، لكن أميركا رفضت الامتثال للحكم.

تصويت الأمم المتحدة التاريخي

بالتوازي مع دعوى محكمة العدل الدولية، تتقدم جهود الأمم المتحدة لإنشاء آلية دولية لكشف مصير وأماكن وجود أكثر من 100 ألف مختفٍ ومفقودٍ قسرياً في سوريا. ومن المتوقع أن يتم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية حزيران/ يونيو، ويتطلب إقرارها تحقيق أغلبية بسيطة (50+1).

لطالما دافعت عشر جمعيات سورية، تجمعها مظلة “ميثاق الحقيقة والعدالة” عن الآلية الدولية، ودُعمت مطالبها بدراسات أجرتها لجنة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في سوريا (COI) والأمين العام.

“نأمل أن يكون قرار الجمعية العامة إيجابياً”، قالت لـ”سوريا على طول”، ياسمين مشعان، عضو مؤسس في رابطة عائلات قيصر، يوم الثلاثاء، من مكان وجودها في مدينة نيويورك، حيث سافرت إليها قبل التصويت، مضيفة: “سيكون قراراً إنسانياً، قراراً يتجاوز أي تسييس”.

فقدت مشعان خمسة من إخوتها في سوريا: قُتل أربعة منهم على يد النظام السوري، أُخفي اثنان قسرياً وعثرت على أحدهما ضمن الخمسين ألف صورة لمعتقلين قضوا في زنازين النظام، التي سرّبها ضابط عسكري منشق، لُقِّب باسم “قيصر”. فيما اختطف تنظيم “داعش” أحد أشقائها.

“نعمل من أجل حق العائلات بمعرفة الحقيقة. حق لا يمكن للدول إنكاره”، بحسب مشعان، مضيفة: “عار عليهم أن يصوتوا ضده”.

تقوم الآلية الدولية المُقترحة بجمع المعلومات الموجودة أصلاً، وإدراجها في قاعدة بيانات مركزية شاملة، من قبيل: شهادات المعتقلين السابقين قبل ضياعها. 

“حتى الآن، ليس هناك أي جهود تُذكر للبحث عن المفقودين في سوريا، وهذا الوضع يجب أن ينتهي”، قال حلمي، مضيفاً: “وجود تقارير ودراسات وافية، بما فيها دراسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشير إلى فعالية هذه الطريقة في الزود عن المختفين وإيجاد المفقودين في سوريا”.

من جهتها، قالت هانا غريغ، مديرة برامج أولى في المركز السوري للعدالة والمساءلة، أنَّ إنشاء الآلية سيكون “خطوة تاريخية”، ولكنها قد تواجه بعض القيود، إذ “يمكن للآلية أن تضمن المصادر الكافية وتجعل عمليات البحث مركزية، بيّد أن العائق الرئيسي أمام تحديد هوية الأشخاص المفقودين في سوريا لا يزال يتمثل في الحكومة السورية”، وفقاً لها.

“إلى أن يتم الضغط على حكومة الأسد للإفراج عن المعتقلين، وإتاحة دخول المحققين إلى سوريا، بما في ذلك مراكز الاعتقال، سيظل التقدم محدود جداً”، بحسب غريغ.

وختمت سيف: “لا بد من التوضيح إلى أنها مجرد آلية إنسانية، لصون حق العائلات بمعرفة الحقيقة… وهذا حق أساسي”.

نُشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين.

———————————-

جرائم النظام في محكمة العدل الدولية.. هل بدأ حساب الأسد؟ | سوريا اليوم

————————

جرائم الأسد أمام “أسمى” محكمة دولية.. جدلٌ حول الأهمية والتأثير

وصل ملف جرائم نظام الأسد في سورية إلى “محكمة العدل الدولية”، التي تعرف بأنها أعلى محكمة في الأمم المتحدة، في سابقة قضائية هي الأولى من نوعها منذ 2011.

وجاء ذلك بعد رفع كل من هولندا وكندا دعوى قضائية ضد نظام الأسد في المحكمة، بسبب خرقه لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وبعد مفاوضات مع نظام الأسد لإيقاف الانتهاكات، لكن “دون جدوى”.

وبين دعوى الدولتين ورفض النظام، اعتبر قانونيون أن هذه التحركات تشكل أداة ضغط حقوقي، للوقوف بوجه موجة تعويم الأسد والتطبيع معه من قبل عدد من الدول.

بينما قلل قانونيون آخرون من أهمية هذه الخطوة القضائية، ووصفوها بأنها “زوبعة إعلامية” ما لم ترتبط بمحاسبة الأفراد المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.

دعوى بعد تفاوض

وبدأت الخطوات الأولى للتحرك القضائي عام 2020، عندما أعلنت هولندا تحميل نظام الأسد مسؤولية ارتكاب جرائم “مروعة” بحق السوريين.

وذلك بعد تقارير حقوقية أثبتت تعرض عدد كبير من السوريين للتعذيب والقتل والإخفاء القسري والهجمات بالغازات السامة، منذ عام 2011.

وحسب بيان صادر عن الخارجية الهولندية، فإنها أرسلت مذكرة دبلوماسية إلى نظام الأسد طالبت فيها بوقف الانتهاكات وتعويض الضحايا.

كما طالبت النظام بالدخول في مفاوضات قبل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية “في حال فشلت”.

ولم يتأخر رد النظام على الدعوة الهولندية، حيث أصدرت خارجيته بياناً بعد ساعات، اعتبرت فيه أن “الحكومة الهولندية تستخدم محكمة العدل الدولية لخدمة أجندات سيدها الأمريكي”.

ووصف البيان، الذي نقلته وكالة أنباء النظام “سانا”، الحكومة الهولندية بأنها “التابع الذليل للولايات المتحدة الأمريكية”.

وفي عام 2021، انضمت كندا إلى هولندا في المطالبة بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ومحاسبة النظام على الانتهاكات.

وأكدت الخارجية الكندية في بيان أنها طالبت نظام الأسد مراراً وتكراراً بوقف الانتهاكات ضد السوريين، عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إلا أن النظام رفض وتجاهل المطالب واحترام حقوق الإنسان، حسب تعبيرها.

وقررت هولندا وكندا الأسبوع الماضي رفع دعوى ضد النظام في المحكمة بعد فشل التفاوض معه.

وأصدرتا بياناً جاء فيه أن هولندا وكندا أكدتا في طلبهما للمحكمة أن “سورية ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، بقمعها العنيف للمظاهرات المدنية”.

وأكد البيان أن الانتهاكات تشمل “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة للمحتجزين”.

و”الظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.

كما تشمل الانتهاكات أيضاً “استخدام الأسلحة الكيميائية التي كانت ممارسة بغيضة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، مما أدى إلى العديد من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة”.

ما هي اتفاقية “مناهضة التعذيب”؟

يعود أصل القضية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لـ”مناهضة التعذيب“، عندما صادقت عليها دول عدة عام 1987، بينها هولندا وكندا وسورية.

وتنص الاتفاقية، التي تتكون من 33 مادة، على اتخاذ الدول الموقعة إجراءات لمنع أعمال التعذيب بحق مواطنيها ومحاسبة المسؤولين عن التعذيب.

ويوضح عضو فريق المستشارين للخارجية الهولندية، إبراهيم علبي، لـ”السورية. نت” تفاصيل الدعوى المرفوعة ضد نظام الأسد.

ويقول علبي إن هولندا وكندا فعّلتا مسؤولية النظام ضمن اتفاقية مناهضة التعذيب.

وهو أن “أي دولة عضو في هذه الاتفاقية ترتكب انتهاك التعذيب، يحق للدول الأعضاء الأخرى التواصل معها بهدف كف هذه الانتهاكات وتصحيح الالتزام بالاتفاقية”.

وبحال فشل التفاوض يحق للدول المعترضة اللجوء إلى التحكيم، وفي حال فشله أيضاً يحق لها التوجه إلى “محكمة العدل الدولية”.

وأكد علبي أن هولندا وكندا عقدتا جلستين مع نظام الأسد لكن المفاوضات فشلت.

ما دفعهما إلى اللجوء للتحكيم الذي فشل أيضاً، قبل التوجه إلى محكمة العدل الدولية.

وأشار علبي إلى أن القانون الذي تم الاعتماد عليه برفع الدعوى هو “اتفاقية مناهضة التعذيب” وخاصة المادة 30 منه.

وتنص المادة 30 من الاتفاقية على أنه “أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول فيما يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تنفيذها ولا يمكن تسويته عن طريق التفاوض، يطرح للتحكيم بناء على طلب إحدى هذه الدول”.

و”إذا لم تتمكن الأطراف في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الموافقة على تنظيم التحكيم، يجوز لأي من تلك الأطراف أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية، بتقديم طلب وفقاً للنظام الأساسي لهذه المحكمة”.

جدلٌ حول الأهمية والتأثير

بعد رفع الدعوى، صدرت آراء من قبل قانونيين وحقوقيين حول أهميتها والبناء عليها لاحقاً ضد نظام الأسد.

بينما قلل آخرون من أهميتها كونها “لا تحاكم أفراداً وإنما مختصة بالدول”.

الباحث في القانون الدولي ممتاز سليمان، اعتبر أن هدف الدعوى هو “الضغط الدبلوماسي” فقط.

وقال في حديثه لـ “السورية نت” إن الحاجة تتطلب التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية وليس إلى محكمة العدل الدولية.

وليس بإمكان محكمة الجنايات التحقيق في الجرائم المرتكبة في سورية، بسبب عدم وجود ولاية لديها هناك.

وذلك لأن سورية ليست عضواً في “نظام روما الأساسي”، المعاهدة التي أنشأت محكمة الجنايات الدولية.

كما أن وجود الفيتو الروسي في مجلس الأمن، يمنع تحويل الملف السوري إلى الجنايات الدولية، بحسب سليمان.

مضيفاً أن الدعوى ضد الأسد عبارة عن “زوبعة إعلامية”، ما لم تصل إلى محكمة الجنايات الدولية، حسب تعبيره.

بالمقابل، أكد مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، على أهمية هذه الدعوى.

ووصفها، في حديثه لـ “السورية نت”، بأنها “خطوة غاية في الأهمية ومرحلة جديدة نحو الأمام”.

وتعود أهمية الخطوة، حسب عبد الغني، لعدة أسباب، أولها أن محكمة العدل هي “محكمة العالم” التي تتبع للأمم المتحدة، وكل دول العالم أعضاء فيها ومصادقة عليها، من بينها روسيا وسورية.

ويعود الأمر الثاني إلى أن الدعوى “هي الأولى من نوعها في المحكمة ولا يوجد مثلها ضد دولة خرقت اتفاقية التعذيب”.

ورفع الدعوى ضد أي دولة، بحسب عبد الغني، يعني أن نظامها وصل لمرحلة من “التوحش والبربرية”.

مؤكداً أن الدعوى هي “رسالة سياسية ضد نظام الأسد لكل دول العالم”.

ورد عبد الغني على المشككين بأهمية الدعوى، الذين يعتبرون أنها ضد الدولة السورية وليست ضد النظام الحاكم.

بقوله إنها “إدانة لنظام الأسد بصفته المتحكم بالدولة السورية وممثلها، وهو من خرق اتفاقية التعذيب”.

من جانبه، شدد الحقوقي إبراهيم علبي على أهمية الدعوى، كونها تسلط الضوء على الانتهاكات المرتكبة في سورية، وتعيد ملف التعذيب إلى “أسمى محكمة”.

وقال إنها “أكبر أداة ضغط حقوقي قضائي موجودة الآن، ويمكن أن تعطي فرصة للناجين والناجيات من سجون الأسد رؤية هذا الملف على طاولة دولية”.

كما “تعطي فرصة للتقارير الحقوقية، التي تم التشكيك فيها سابقاً من قبل بعض الدول، للطرح مجدداً أمام المحكمة الدولية”.

وتتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً، وتعطي الفرصة لإثبات السردية في موضوع التعذيب، بحسب علبي.

نتائج “مرجوة” من محكمة العدل

صدرت خلال السنوات السابقة العديد من التقارير الحقوقية، التي تثبت تورط الأسد ونظامه بارتكاب جرائم وانتهاكات.

لكن صدور قرار من محكمة العدل الدولية ينقل هذا الأمر إلى مستوى دولي آخر، بحسب قانونيين.

القانوني السوري ممتاز سليمان، اعتبر أن صدور أي قرار من محكمة العدل الدولية سيكون “برتوكولياً” فقط، وليس تنفيذياً.

وذلك لأنه “لا يحق للمحكمة مطالبة النظام بتسليم أشخاص ومحاكمتهم”.

أما عضو فريق المستشارين للخارجية الهولندية، إبراهيم علبي، أكد أن ما يمكن أن ينتج عن المحكمة هو “قرار إدانة من أسمى محكمة في العالم لنظام الأسد”.

لافتاً إلى أن المحكمة “قد تطالبه بفتح السجون وزيارتها في المرحلة المقبلة”.

وفرّق علبي بين محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية فيما يخص محاسبة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات.

وقال إن محكمة العدل تختص بالخلافات بين الدول، وبالتالي تحمّل الدولة المسؤولية وليس الفرد.

وهذا يعني أن المحكمة “تستطيع النظر في جميع الانتهاكات التي حدثت بالدولة بخصوص التعذيب في جميع أفرع الأمن والسجون”.

كما يمكنها تسليط الضوء على ملف الكيماوي، كما ورد في مذكرة كندا وهولندا، إضافة إلى ملف التعذيب الجنسي.

وأشار علبي إلى أن المحكمة ليس من اختصاصها طلب اعتقال أشخاص ومحاكمتهم، والتي هي من مهام محكمة الجنايات الدولية.

ووصف محكمة العدل والجنايات بـ”المكملين لبعضهما”.

لكن العدل يوجد فيها كل أعضاء الأمم المتحدة، بينما الجنايات تضم فقط الدول الموقعة على “نظام روما”، وسورية ليست منها.

أما مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أعرب عم أمله بصدور حكم ضد نظام الأسد في محكمة العدل.

واعتبر أن ذلك “أهم عشرات المرات من كل الدعاوى بالولاية القضائية العالمية”.

وذلك “لأن محكمة العدل تدين الدولة ككل، بمعنى تدين النظام كله وليس الأفراد داخله”.

وأكد أن صدور الحكم “قد يأخذ وقتاً لكنه مأمول، لأن النظام لن يتجاوب، وحتى إذا تجاوب فهناك أدلة ضده”.

وقال إن “الشبكة السورية” زودت الحكومة الهولندية والكندية بوثائق تدين النظام وتكشف تورطه بالتعذيب “بشكل ممنهج وواسع النطاق”.

وحسب بيانات الشبكة، فإن أكثر من 15 ألفاً قتلوا تحت التعذيب في سجون الأسد من عام 2011 وحتى اليوم، بينهم 190 طفلاً و94 امرأة.

—————————

 شكوى كندية – هولندية في لاهاي ضد النظام السوري بتهمة ممارسة التعذيب

تقدمت كندا وهولندا بشكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد النظام السوري على خلفية اتهامات بـ”التعذيب”، على ما أعلنت المحكمة اليوم الإثنين، في أول قضية أمام أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة مرتبطة بالحرب في سوريا.

وقالت محكمة العدل الدولية في بيان إن هولندا وكندا اتهمتا نظام دمشق بخرق اتفاق للأمم المتحدة ضد “التعذيب وغيره من أساليب المعاملة القاسية” بما فيها “استخدام أسلحة كيماوية”.

وطلبتا من المحكمة اتخاذ إجراءات عاجلة، بما في ذلك إصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفاً والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.

ولم يسبق للنظام السوري أن واجه محاكم دولية ربطاً بالحرب التي قتل فيها أكثر من 500 ألف شخص واندلعت بعدما شن الرئيس بشار الأسد عملية قمع للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2011.

وقالت المحكمة في بيان إن “كندا ومملكة هولندا تقدمتا بطلب مشترك من أجل إقامة دعوى ضد الجمهورية العربية السورية أمام محكمة العدل الدولية”.

ضمان المساءلة

وقال وزير الخارجية الهولندي فوبكه هويكسترا إن القضية ضد النظام في سوريا تهدف إلى تحقيق “مساءلة” عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب، وأضاف هويكسترا في بيان أن “عرض هذه القضية أمام محكمة العدل الدولية هو خطوة تالية رئيسة على الطريق الطويل لتحقيق الهدف”.

وتابع أن “المواطنين السوريين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء والاعتداء بالغاز السام، أو أجبروا على الفرار حفاظاً على حياتهم وترك كل ما لديهم”.

ولم يصدر رد فعل فوري من النظام على القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية.

وقالت كندا وهولندا في طلبهما المقدم أمام محكمة العدل الدولية التي تنظر في النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إن “سوريا ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، بدءاً من عام 2011 على الأقل”.

وأشارتا إلى أن هذه الانتهاكات تشمل “المعاملة المقيتة للمعتقلين والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد الأطفال”، وأضافتا أنها تشمل أيضاً “استخدام أسلحة كيماوية في ما يعد ممارسة مقيتة بشكل خاص لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم، مما أدى إلى سقوط عديد من القتلى والجرحى، والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة”.

ونفى النظام مراراً استخدام أسلحة كيماوية على رغم أن منظمة مراقبة الأسلحة الكيماوية عالمياً وجدت أن الجيش السوري استخدمها بشكل متكرر ضد المدنيين.

وطلبت كندا وهولندا من محكمة العدل الدولية أن تصدر أوامر للنظام السوري بـ”وقف ومنع جميع الأفعال التي ترقى إلى مستوى التعذيب أو تساهم فيه وفي غيره من أساليب المعاملة أو العقوبة، القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

وقالتا إنه يجب على دمشق وقف “الاعتقال التعسفي” والإفراج عن المحتجزين بشكل غير قانوني، والكشف عن مواقع دفن الأشخاص الذين ماتوا رهن الاحتجاز، والحفاظ على أي دليل بما في ذلك السجلات الطبية.

—————————

الترحيب بالإجراءات المتخذة في محكمة العدل الدولية لمحاسبة النظام السوري

وزارة الخارجية الأمريكية

مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية

بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر

ترحب الولايات المتحدة بقرار كندا وهولندا المباشرة بإجراءات قضائية في محكمة العدل الدولية لمحاسبة سوريا على قيام نظام الأسد بتعذيب الآلاف بحسب ما تشير إليه التقارير. لقد ارتكب نظام الأسد فظائع لا تعد ولا تحصى على مدى اثني عشر عاما، بما في ذلك عمليات القتل والتعذيب والإخفاء القسري واستخدام الأسلحة الكيمياوية وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.

هذه الانتهاكات موثقة جيدا وينبغي محاسبة نظام الأسد على ارتكابها، وستواصل الولايات المتحدة وشركاؤنا الدوليون السعي إلى التوصل إلى حل سياسي دائم للصراع في سوريا ومبني على العدل والمحاسبة.

للاطلاع على النص الأصلي: https://www.state.gov/welcoming-proceedings-at-the-international-court-of-justice-to-hold-the-syrian-regime-accountable/

هذه الترجمة هي خدمة مجانية، مع الأخذ بالاعتبار أن النص الانجليزي الأصلي هو النص الرسمي.

——————————–

لماذا تعد مقاضاة “النظام السوري” هذه المرة مختلفة؟ -الإندبندنت

تتهم كندا وهولندا، في الطلب المقدم الأسبوع الماضي، الدولة السورية بارتكاب انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي

البداية مع صحيفة الإندبندنت التي نشرت مقالاً لبورزو دراغاهي بعنوان “النظام السوري يجد نفسه مرة أخرى في مرمى نيران العدالة”.

وانطلق المقال من أن كندا وهولندا رفعتا قضايا ضد النظام الحاكم في سوريا في 12 يونيو/ حزيران، متهمينه بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، مشيراً إلى أن “هذه الخطوة التاريخية تُعد المرة الأولى التي تستدعي فيها دولة دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية بسبب انتهاكات اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التعذيب”.

ونقل عن توبي كادمان، المتخصص في القانون الدولي في “غيرنيكا 37” وهي شركة محاماة ساعدت هولندا في إعداد القضية، قوله: “هذا مختلف، لأن الأمر يتعلق بمسؤولية الدولة السورية عن التعذيب”.

واعتبر الكاتب أن “القضية الأخيرة أمام المحكمة الدولية، إلى جانب المحاكمات الجارية الأخرى، بمثابة تذكير مدوٍ للأسد بأن أفعاله لن يتم تجاهلها”.

وبحسب المقال، “تتهم كندا وهولندا، في الطلب المقدم الأسبوع الماضي، سوريا بارتكاب انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي بدأت بقمعها الوحشي للمتظاهرين المدنيين في عام 2011 واستمرت من خلال الصراع المسلح الممتد”.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

وأضاف مقال الإندبندنت: “تشمل هذه الانتهاكات استخدام التعذيب وغيره من أشكال العقوبة القاسية وغير الإنسانية والمهينة… وبما في ذلك المعاملة المشينة للمحتجزين، والظروف اللاإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”، مشيراً إلى “استخدام النظام للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين”.

وأوضح أن هذه القضية لا تتعلق فقط بـ”خطايا الماضي”.

بل تمثل “صرخة حاشدة لآلاف المعتقلين الذين لا يزالون في سجون الأسد، ويتحملون أهوالا لا توصف يوما بعد يوم”.

وأشار إلى أن الدعوى المكونة من 11 صفحة تصف “أنماط السلوك المستمرة والمتسقة التي تظهر الاستخدام المنهجي للتعذيب، وبخاصة استهداف مجموعات الضحايا على أساس العرق والخلفية الثقافية والدين والجنس والتوجه الجنسي”.

وبحسب المقال، “يمكن أن تشمل سبل الانصاف الممكنة التوصل إلى نتائج لتعويض الضحايا أو ذويهم، وربما الأهم من ذلك، إصدار أمر بالإفراج عن المحتجزين الحاليين”.

وختم دراغاهي مقاله بالقول: “هذه القضية وعدد من القضايا الأخرى التي تركز على النظام السوري وانتهاكاته هي تذكير بأن العالم يجب أن يفكر مرتين قبل التصالح مع الأسد والترحيب به في الأسرة الدولية. تكشف قضية محكمة العدل الدولية عن الواقع المؤلم الذي يعاني منه المحاصرون داخل سجونه. إنه تذكير قاتم بأن المصالحة تعني غض الطرف عن فظائعه المستمرة”.

ننتقل إلى صحيفة الغارديان التي نشرت في عدد الأوبزرفر الأسبوعي مقالاً لسايمن تيسدال بعنوان “انتهى وقت ترامب وبرلسكوني وجونسون، لكن الضرر الذي تسببوا به يستمر”.

وبدأ الكاتب مقاله باعتبار أن القواسم المشتركة بين هذه الشخصيات الثلاث هي “الأنا الكبيرة، وحب المال. واضطراب الكذب المرضي، وعدم الجديّة، والعلاقات الاستغلالية للنساء، والارتباط بشخصيات غامضة، والتلاعب بوسائل الإعلام، يتشاركون هذا وأكثر، في الحياة والموت”.

وأضاف أن الثلاثة “اعتمدوا على سياسات الشعبوية القومية اليمينية المتسلطة، الممزوجة بالتباهي وعدم التقليدية، لإبهار الناخبين، وجذبهم، وخداعهم، وهي أساليب نجحوا بها في كثير من الأحيان”.

وأشار الكاتب إلى أن الثلاثة احتلوا عناوين وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، حيث “تم توجيه الاتهام الجنائي ضد ترامب في محكمة فيدرالية، وهرب جونسون من مواجهة ضجة وتداعيات فضيحة بارتي غيت، وأما بيرلسكوني، الذي يعتبر من المثيرين للجدل في إيطاليا، فظن أنه خالد، لكنه ذهب لملاقاة خالقه”.

واعتبر أيضاً أن ما يجمع السياسيين الثلاثة أيضاً هو “البحث عن الاهتمام” إلى جانب “جنون الارتياب”.

ويقول الكاتب إن “ترامب يزدهر عندما يكون محور الاهتمام، وعندما يخطف الأضواء”.

وبرأي تيسدال، فإن الأمر نفسه ينطبق كذلك على جونسون إلى حد كبير، فهو “لن يتردد في خيانة أي شخص، أو كسر أي وعد من أجل تحقيق مكاسب سياسية، أو جذب الانتباه”.

واعتبر مقال الأوبزرفر أن “خسارة مناطق واسعة من العالم بسبب الاستبداد والنفوذ الصيني والروسي يجب أن يكون مصدر قلق كبير للولايات المتحدة”.

ومع ذلك، يضيف الكاتب، “يبدو أن الشعبويين اليمينيين مثل جونسون وترامب غافلون. وأنهم يعيشون واقعا منغلقا على نفسه، ويتبنون ويتصورون سيناريوهات خاصة بهم”.

وقال “لا يمكن ببساطة قياس الضرر الذي ألحقه هؤلاء القادة بسبب عدد الأكاذيب التي يروجون لها، أو القوانين التي ينتهكونها أو الوعود التي لا يوفون بها. إن سوء المثال الذي يقدمونه، والذي تجد من يحتذي به في مختلف أنحاء العالم، يتسبب بأضرار خفية ولا توصف للملايين الذين يعقدون آمالهم المستقبلية على قيادة عالمية مسؤولة”.

————————-

جرائم الحرب في سوريا أمام محكمة العدل الدولية.. كيف وصلت وما مسار القضية؟/ عمر يوسف

شمال سوريا- أعادت الدعوى التي تقدّمت بها كل من كندا وهولندا، ضد النظام السوري في محكمة العدل الدولية، تسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان في سوريا، والانتهاكات التي وثّقتها تقارير حقوقية بحق الآلاف من السوريين منذ مارس/آذار 2011، في وقت تَسارع فيه التطبيع مع نظام الأسد الذي حظي أخيرا بعودته إلى جامعة الدول العربية.

والدعوى التي أعلنت عنها محكمة العدل الدولية في لاهاي، أمس الاثنين، تُركز بشكل خاص على التعذيب والقمع في السجون السورية، حيث تتهم كندا وهولندا النظام السوري بارتكاب “انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداء من عام 2011 على الأقل، بقمعه العنيف للمظاهرات المدنية”.

كما تشمل الانتهاكات التي ذكرتها الدعوى “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.

ولم تغفل الدعوى عن الإشارة إلى الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا بوصفها “ممارسات بغيضة” تهدف إلى تخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم “مما أدى إلى العديد من الوفيات والإصابات والمعاناة الجسدية والعقلية الشديدة”.

لكن اللافت في سياق الدعوى الهولندية الكندية هو مطالبة المحكمة باتخاذ تدابير طارئة من شأنها حماية السوريين المعرضين لخطر التعذيب في سجون النظام السوري، ريثما يتم البت في القضية المقدمة.

كندا وهولندا تطالبان محكمة لاهاي باتخاذ تدابير لحماية السوريين من التعذيب ريثما تبت بالدعوى المرفوعة (غيتي)

كيف وصلت القضية إلى لاهاي؟

يوضح المحامي السوري البريطاني إبراهيم العلبي، وهو عضو في فريق المستشارين للخارجية الهولندية، أن كندا وهولندا قامتا بشكل متتال منذ 2020 بتفعيل مسؤولية سوريا من خلال اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984.

وأوضح العلبي -في حديث للجزيرة نت- أن وصول الدعوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي يأتي في أعقاب مفاوضات فاشلة لإنهاء خروقات الاتفاقية من قبل سوريا، تبعها مقترح للتحكيم وفشل أيضاً، لينتهي المسار بإعلان الدعوى أخيرا ضد دمشق.

واعتبر أن تركيز الدعوى على مسألة التعذيب في سوريا لكون الأخيرة وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب، وهذه هي المساحة القانونية المتاحة للدعوى ومسارها الطبيعي.

وحول مسألة التدابير الطارئة التي طالبت بها كندا وهولندا بشأن إعطاء أمر لحماية المعتقلين السوريين من التعذيب، أكد العلبي أن دمشق ملزمة بهذا الأمر وبالاتفاقية قانونا، بغض النظر عن موقفها الفعلي.

وأعرب الحقوقي السوري عن اعتقاده أن تحريك الدعوى يضع ملف التعذيب في سوريا أمام أهم محكمة دولية يطلق عليها اسم “محكمة العالم” المكونة من 15 قاضيا، ويعيد التركيز على هذا الملف المغيب لينتقل من حالة التقارير الدولية إلى أعلى سلطة أممية.

ما سيناريوهات الدعوى؟

قد تطول المراحل في مسار الدعوى المقدمة ضد نظام بشار الأسد بسبب البيروقراطية في مسألة إصدار الحكم، وفق مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، ورغم ذلك قال إنها “خطوة بالاتجاه الصحيح في مسار محاسبة النظام السوري”.

ولفت عبد الغني -في حديث للجزيرة نت- إلى أن المأمول من محكمة العدل الدولية أن تصدر حكمها ضد الدولة السورية التي يمثلها نظام الأسد، حيث يعتبر ذلك إدانة صريحة للنظام، ويشكل عقبة أساسية أمامه في مجال التطبيع السياسي.

ومن وجهة نظر مدير الشبكة الحقوقية، تبدو هذه المحاكمة أهم من كل المحاكمات الأوروبية التي تمت لمسؤولين سابقين بالنظام السوري، مرجحا أن تدين محكمة العدل هذا النظام بالتهم الموجهة في الدعوى.

بينما يرسم مؤسس رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا في سوريا، دياب سرية، سيناريو لمسار الدعوى تقوم فيه كندا وهولندا بتقديم ملف مدعوم بشهادات وأدلة إلى المحكمة عن عدم التزام النظام السوري باتفاقية مناهضة التعذيب، قبل أن تطالب بتعويض الضحايا ووقف التعذيب وإلزام نظام الأسد بالاتفاقية، وإنشاء آلية لمراقبة للسجون في سوريا.

ورجّح سرية -في حديث للجزيرة نت- ألا يلتزم النظام السوري بأي قرار تصدره المحكمة بشأن مناهضة التعذيب والمعتقلين، لافتا إلى أن القضية تذكير للعالم بحقيقة جرائم التعذيب والإخفاء القسري واعتقال أصحاب الرأي التي حدثت في هذا البلد منذ 2011.

    ترفع #كندا ومملكة #هولندا دعوى مشتركة ضد الجمهورية العربية السورية وتطلبان محكمة العدل الدولية

    للإشارة إلى تدابير مؤقتة

    لاهاي ، 12 يونيو 2023. في 8 يونيو 2023 ، قدمت كندا ومملكة هولندا طلبًا مشتركًا لإقامة دعوى ضد الجمهورية العربية السورية أمام محكمة العدل الدولية ، الجهاز… pic.twitter.com/W2KJm0D1bc

    — AL KILANI Almoutassim ⚖️ المعتصم الكيلاني (@ALMOUTASSIMALKI) June 12, 2023

سِجل حافل بالجرائم الموثقة

ووثّق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مقتل 306 آلاف و887 مدنيا في سوريا منذ بداية الثورة في مارس/آذار 2011، وفق تقرير صدر في يونيو/حزيران 2022.

وأظهر التقرير أن السبب الرئيس في سقوط قتلى من المدنيين كان استخدام “الأسلحة المتعددة” التي شملت اشتباكات وكمائن ومذابح، إذ شكل هذا السبب 35.1% من الضحايا، أما السبب الثاني فكان استخدام الأسلحة الثقيلة وجاء بنسبة 23.3%.

في حين قُتل 14 ألفا و537 سوريا تحت التعذيب بين مارس/آذار 2011 وعام 2021، على يد أطراف الصراع المختلفة في سوريا، بحسب تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” صدر العام الماضي بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.

ووفق التقرير، فإن النظام السوري كان مسؤولا عن مقتل معظم ضحايا التعذيب بنسبة 98.63%، إذ قُتل على يده 14 ألفا و338، من بينهم 173 طفلا و74 سيدة.

وتقول الشبكة السورية إن أعداد المعتقلين لدى النظام السوري تجاوزت 135 ألف شخص منذ عام 2011 حتى أغسطس/آب 2022، بينهم نحو 112 ألف حالة اختفاء قسري.

ويمتلك النظام السوري سجلا حافلا بالهجمات الكيميائية على المدنيين في مناطق المعارضة، والتي أزهقت أرواح المئات منهم اختناقا بالغازات السامة، وهي هجمات توزّعت على الجغرافية السورية وجاءت في أوقات زمنية مختلفة ترتبط بأحداث عسكرية واقتحام مدن وقرى.

وفي إدانة صريحة، حمّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري، في يناير/كانون الثاني الماضي، مسؤولية الهجوم بغاز الكلور على مبان سكنية بمدينة دوما التي كانت خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة عام 2018 مما أسفر عن مقتل 43 شخصا.

ولا يزال سوريون فقدوا ذويهم في الحرب يبحثون حتى اليوم في نحو 55 ألف صورة سرّبها العسكري السوري المنشق عن النظام الملقب بـ “قيصر” حيث أظهرت الصور مشاهد مروعة لضحايا التعذيب في السجون والمعتقلات السرية التي يشرف عليها نظام الأسد.

ومن جانبها أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش صحة الصور التي قدمها “قيصر” والمتعلقة بوفاة 6786 شخصا داخل المعتقلات السورية، ووثقت للضحايا من خلال صور “قيصر” وتوصلت إلى الجهات المسؤولة عن تعذيبهم وقتلهم.

المصدر : الجزيرة

—————————-

النظام السوري في مرمى سهام العدالة مرة جديدة/ بورزو درغاهي

تعد هذه القضية تذكيراً للعالم بأن عليه التفكير ملياً قبل التصالح مع الأسد والترحيب به في كنف الأسرة الدولية

رفعت الأسبوع الماضي دعوى قضائية في لاهاي لم تحظ بالاهتمام المفترض، لكنها تثير اليوم ضجة كبيرة على ساحة العدالة الدولية، ومن الممكن أن تؤثر هذه الدعوى في ضحايا التعذيب عبر أنحاء العالم، وتحدث خرقاً في الحد من إفلات أشهر المجرمين الدوليين وقادة الأنظمة الذين يستبدون بمواطنيهم ويقتلونهم، من العقاب.

وقد قدمت كل من كندا وهولندا في الـ 12 من يونيو (حزيران) الجاري شكاوى ضد النظام في سوريا، متهمة إياه بانتهاك اتفاق الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وتعد هذه الخطوة التاريخية المرة الأولى التي تستدعي فيها إحدى الدول دولة أخرى للمثول أمام محكمة العدل الدولية على خلفية اتهامها بممارسة التعذيب، فيما وصف الخبراء القانونيون هذه الدعوى بأنها الأولى من نوعها أمام محكمة العدل الدولية.

تأسست هذه الهيئة التي تسمى أحياناً بالمحكمة الدولية عام 1945 لتكون منتدى يجمع الدول ويفصل في النزاعات الدولية من دون اللجوء إلى الحرب، وخلافاً للمحكمة الجنائية الدولية التي لم تنضم سوريا إليها، كانت دمشق من أول الأعضاء في محكمة العدل الدولية.

ويقول خبير القانون الدولي في مكتب غيرنيكا 37 للمحاماة توبي كادمان والذي ساعد هولندا في التحضير للقضية، “إنها المرة الأولى التي ترفع فيها دولة قضية على دولة أخرى على خلفية انتهاك اتفاق الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وحتى الآن شهدنا قضايا عرضت أمام المحكمة الجنائية الدولية وأمام محاكم وطنية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، لكن هذا الأمر مختلف فهو يتعلق بمسؤولية الدولة السورية عن ممارسات التعذيب”.

مرة أخرى توضع سوريا، هذه الدولة الغارقة في الدماء التي يحكمها بشار الأسد بقبضة حديدية، في مرمى نيران العدالة، فقد تمكن الطاغية بدعم من روسيا وإيران من الخروج منتصراً من حرب دامية وطاحنة استمرت 12 عاماً والتهرب من تحمل مسؤولية جرائمه، لكن الدعوى الأخيرة التي عرضت أمام المحكمة الدولية، إضافة إلى محاكمات أخرى جارية، تشكل تذكيراً مدوياً بأن أفعاله لن تمر مرور الكرام.

ويضيف كادمان أن وقائع القضية المرفوعة ضد سوريا تستند إلى بعثات عدة لتقصي الحقائق تابعة للأمم المتحدة، ولجان تحقيق تتعلق بالمعتقلين السوريين المفقودين والمعذبين، وقد بدأت التحضير للقضية عام 2020.

وكما تنص قوانين محكمة العدل الدولية فقد كان على كندا وهولندا بداية أن تحاولا تسوية الخلاف من طريق التحكيم قبل عرض القضية في لاهاي.

 وفي الشكوى التي قدمتاها الأسبوع الماضي، تتهم كندا وهولندا سوريا بـ “انتهاكات لا يمكن حصرها للقانون الدولي”، بدأت مع قمعها الوحشي للتظاهرات المدنية عام 2011 وتواصلت من خلال نزاع مسلح طويل الأمد.

وأوضحت الشكوى التي تذكر استخدام النظام للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين أن “هذه الانتهاكات تشمل استخدام التعذيب وغيره من أشكال التعامل القاسي وغير الإنساني والمهين أو العقوبات، بما في ذلك التعامل المشين مع المعتقلين والظروف غير الإنسانية في أماكن الاعتقال والاختفاء القسري، وممارسة العنف الجنسي أو القائم على النوع الاجتماعي وارتكاب أعمال العنف ضد الأطفال”.

جلّ ما يتطلبه رفع قضية هو وجود ضحية تعذيب سابقة واحدة، لكن هذه القضية لا تنحصر بآثام الماضي وحسب، بل هي صرخة مدوية من أجل آلاف المعتقلين الذين يقبعون حتى الآن في سجون الأسد، ويقاسون أهوالاً لا يمكن وصفها يوماً بعد يوم.

وتشرح الدعوى في 11 صفحة أن “أنماط السلوك المستمر والثابت تدل على استخدام ممنهج للتعذيب” يستهدف الضحايا بشكل خاص استناداً إلى عرقهم وخلفيتهم الثقافية وديانتهم ونوعهم الاجتماعي وميولهم الجنسية.

ويقول كادمان، “تتعلق الادعاءات بممارسة التعذيب على نطاق هائل، لكن هناك أيضاً ادعاءات بوجود خطر محدق بعدة آلاف إن لم نقل عشرات آلاف الأفراد حتى الآن”.

واجهت المحاولات السابقة لملاحقة رموز النظام السوري على خلفية الجرائم التي ارتكبها مشكلات تتعلق بالولاية القضائية مرات عدة، لكن من المفترض ألا تطرح تساؤلات كثيرة حول صلاحية محكمة العدل الدولية للنظر في هذه القضية، مع أنها قد تعاني لكي تجعل الدولة التي تحولت فعلياً إلى دولة مخدرات تديرها ميليشيات، ترد على الادعاءات.

ويرى كادمان أن “القضية ستستمر، ولا نعرف إن كانت سوريا ستتجاوب مع العملية، لكن على أي حال ستسير محكمة العدل الدولية قدماً وتتوصل إلى قرار”.

ويمكن أن تشمل التدابير المحتملة نتائج تتعلق بتعويضات للضحايا وأحبائهم، وأهم من ذلك ربما، أمراً بإطلاق سراح المعتقلين الحاليين.

وتعد هذه القضية كما غيرها من القضايا الأخرى التي تدور حول النظام السوري وانتهاكاته، تذكيراً للعالم بأن عليه التفكير ملياً ومجدداً في إعادة العلاقات مع الأسد والترحيب به في كنف الأسرة الدولية، وتكشف الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية الواقع المؤلم الذي يعيشه العالقون في سجونه، وهو تذكير قائم بأن ما تعنيه المصالحة معه هو التغاضي عن ممارساته الوحشية المتواصلة.

© The Independent

————————

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى