سياسة

مبادرة “مدنية” ، المحتوى، الهدف، التوقعات

يتم تحديث هذا الملف دوريا، الأحدث في البداية

تحديث 06 تموز 2023

—————————–

هل تنتج الكيانات السورية المعارضة الجديدة ما أخفقت به “الرسمية”؟/ سميرة المسالمة

تسعى معظم جماعات المعارضة السورية الناشئة حديثاً، وغير المحسوبة على الكيانات الرسمية للمعارضة، إلى رسم خريطة طريق جديدة، وآليات عمل جديدة، بما يمكّنها من تعزيز وجودها، وفرض دورها، في واقع صعب، ومعقّد على الصعيدين المحلّي والدولي. ويتضمّن هذا حال التشتت، والتمزّق، التي يعيشها السوريون في بلدان اللجوء والشتات، وهو ما ينطبق على الداخل، بعد تمزّق الجغرافية السورية إلى أربع مناطق نفوذ، منفصلة عن بعضها، حيث تتبع كل منطقة الطرف الدولي أو الإقليمي الذي يحمي من فيها.

نشأت الجماعات المذكورة ردّة فعل على فشل كيانات المعارضة الرسمية، السياسية والعسكرية والخدمية، التي نشطت طوال الأعوام الـ 12 الماضية، ما يحمّل الجماعات، أو الكيانات الوليدة، مسؤولية مضاعفة، إذ عليها إيجاد طرق عمل، وخطابات، جديدة وجاذبة ومقنعة، كما عليها أن تنتشل السوريين من حال التمزّق والضياع وفقدان الثقة، نتيجة إخفاق تجربة المعارضة السورية، التي تمثلت في المجلس الوطني، ثم في الائتلاف الوطني والمنصّات المنوّعة.

مع معرفة أن هذه التجمّعات المحدثة تشتغل بعد انحسار زخم الثورة السورية، وبعد أن باتت مسارات المعارضة، وكياناتها الرسمية، محكومة بإرادات الأطراف الخارجية، ما يجعل الجماعات الوليدة، في محاولتها فرض ذاتها، في مواجهة تحدّيين: المعارضة الرسمية، وضمنها فصائلها العسكرية، بما يتضمّن كل إنتاجها من أدوات تنفيذية وإعلامية. والأطراف الإقليمية التي تهيمن على أطراف المعارضة بكل مسمّياتها، والتي قد تتعارض مصالحها مع خطاب سوري ببوصلة سورية فقط.

ولعل أكبر مشكلة تواجه تلك الجماعات الناشئة تنبع من واقع انغلاق الأفق أمام أي حلٍّ للصراع السوري، في المدى المنظور، بسبب التخلي الدولي عن مسعى فرض حل سلمي وعادل ومتوازن للصراع الدائر منذ 12 عاماً، وإحلال الاستقرار المأمول في سورية، وتخليق نظام سياسي قادر على تلبية طموحات السوريين، في نظام سياسي يكفل الحرية والمساواة لعموم المواطنين.

مع كل الاعتبارات السابقة، لا بد من لفت الانتباه، أيضاً، إلى مسألتين، لا بد لتلك الجماعات أن تأخذ كلا منهما بالاعتبار لتأكيد وجودها وفاعليتها. الأولى، تتعلق باكتساب الشرعية، وهو الأمر الذي يطرح ماهية الشرعية المطلوبة، أو مصدرها، ذلك أن كيانات المعارضة الرسمية، فيما مضى، استطاعت نيْل اعتراف أطراف دولية وعربية، لكنها محلياً، وبسبب طريقتها الفوقية في العمل، وانغلاقها وعدم إشراك ممثلين حقيقيين عن فئات الشعب، وبسبب تحويل عملها من ثوري إلى وظيفي “نفعي”، وقصور خطاباتها، خسرت الشرعية الداخلية، أي التي تأتي من شعبها، بحيث بات ثمّة فجوة كبيرة بين المعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية، ومجتمعات السوريين في الداخل والخارج. على ذلك، الجماعات الوليدة معنية بتلافي ذلك، وعدم الوقوع في فخ استسهال، أو اللهاث، وراء شرعية دولية أو عربية، لأن الشرعية المُرتجاة هي الشرعية الوطنية، التي تصدُر عن الشعب السوري، وهذه لا يمكن أخذها إلا بالتمسّك بحقوق الشعب السوري، واحترام تضحياته، وضمان مقاصده النبيلة التي اندلعت الثورة السورية من أجلها، والمتمثلة بتحقيق التغيير السياسي المنشود، نحو قيام دولة قانون ومؤسّسات ومواطنين متساوين في الحقوق، في نظام سياسي ديمقراطي يكفل فصل السلطات، والتداول السلمي على السلطة، وضمان تحقيق العدالة الانتقالية، مع ملاحظة أن الشرعية الشعبية هي التي تقوّي مكانة المعارضة، وتعزّز شرعيتها الخارجية وليس العكس. وهذا لا يعني الدعوة إلى التخلّي عن قيادة الشارع نحو العقلنة، وطلب الممكن، والتعاطي مع القضايا بمنطق السياسة، وليس بمنطق الشعارات الشعبوية الفضفاضة التي لا تثمر إلا مزيداً من هدر الوقت والدم.

أما المسألة الثانية، والتي يُفترض أخذها بالاعتبار، فهي تتمثل بضرورة سعي تلك الجماعات إلى التعاون المشترك، من أجل تخليق حالة وطنية سورية جامعة، وهذا لا يتأتّى فقط من خلال البيانات التي تصدُر وتتحدّث عن ذلك فقط، وإنما يفترض ترجمة ذلك إلى واقع عملي، من خلال إيجاد منابر جامعة، ومن خلال التشبيك بين الجماعات المتماثلة، بنبذ “الدكاكينية”، والاحتكار، والوصاية، والاعتراف بالآخر، والعمل بأفق وطني مشترك، يخدم المصلحة العامة، ولا يخدم المصالح الشخصية.

نشأت في السنوات القليلة الماضية جماعاتٌ عديدة، كل واحدة منها عقدت ندواتٍ عديدة، وأصدرت أوراق عمل، ووجهات نظر، جيّدة، ومناسبة، وصائبة، بيد أن المشكلة لا تكمن فيما تقوله أو تكتبه، وإنما في أن كل واحدة من تلك الجماعات تتمحور حول نفسها، أو حول الأشخاص المؤسّسين لها، أو تكلف نفسها ما يفوق قدراتها عبر شعاراتٍ فضفاضة وأهداف لا سبيل لتنفيذها، على الرغم من أن أي مراجعة متأنية للبيانات والمذكّرات الصادرة عن كل ندوة، أو اجتماع، تؤكّد التشابه في المنطلقات، والسياسات، والأهداف.

وبديهي أن هذه المعضلة يُفترض تجاوزها، لأنها لا تفيد عمل كل جماعة، كما لا تفيد العمل العام، بمعنى أن أي جماعة لن تستطيع، في هذا المناخ، مهما كان حجمها، وإمكاناتها، أن تفرض ذاتها وحدها، ما يفيد بأن الاستمرار على هذا النحو الإشكالي لن يؤدّي إلى ملء الفراغ السياسي الحاصل بين السوريين، ثم إن استمرار وضع كهذا سيكبح مزيداً من الدول والمنظمّات الدولية عن دعم أهداف الثورة السورية، وسيُبقي جماعات المعارضة الوليدة تحت ضغط المعارضة الرسمية وضغط الأطراف الإقليمية.

يحمّل كل ما سبق هذه الكيانات مسؤولية شقّ طريقٍ التلاقي على هدفها، وإنتاج خريطة طريقٍ تتقاطع فيها أولويات السوريين، وفق الممكن والمتاح، علّها تنجح في إنتاج ما أخفقت به الكيانات الرسمية، وجعلها تراوح في مكانها تحت عباءة داعميها منذ تأسيسها، من دون أي تطوير في آلياتها، فهل نأمل أننا على أبواب ناتج عمل من شأنه أن يلملم شتاتنا ويبدّد إخفاقاتنا؟

العربي الجديد

———————————

اتفاق جديد في حقول المعارضة السورية الجرداء/ موفق نيربية

وقّعت هيئة التنسيق الوطني في سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية في الأسبوع الماضي، اتفاق تفاهم مهم، ورد فيه ما قلّ ودلّ، ليس على عادة السوريين والعرب عموماً. قيل في ذلك الاتفاق إنه يهدف إلى التأسيس لبناء «جبهة وطنية ديمقراطية عريضة لقوى الثورة والمعارضة»، تتبنّى مشروع «التغيير الوطني الديمقراطي والتحوّل من الاستبداد إلى الديمقراطية».

على الرغم من صيغة «الجبهة» التي أصبحت عنواناً للفشل، خصوصاً لدى النظام السوري، والتي تذكّر أيضاً بالصمود والتصدّي والكفاحية العالية من دون مردود أو مع مردود معكوس؛ فإن الهدف صحيح جداً في جوهره، وهو المطلوب الرئيس في فضاء المعارضة الوطنية المرهقة بالفشل والهزائم. الأهم كثيراً من العنوان الصاخب، هو تقديم مشروع التغيير، وإنهاء الاستبداد وإقامة دولة ديمقراطية حديثة، ذلك يعني في ما يعنيه أن طريق التفاوض مع النظام مفتوح، ولكن من وجهة نظرٍ معارِضة تماماً، ليست جاهزة للتنازل عن المطلب الطبيعي الذي دفع السوريون من أجله تضحيات هائلة بكلّ شيء والمعتَرف بشرعيّته؛ أو لتعزيز ادّعاءات الأسد بالنصر. ذلك ضروري ويتعارض عن حقٍّ مع أيّ انزلاق متسرّع نحو النظام، نرى بعض مظاهره بين حينٍ وآخر.

كان ذلك جزءاً مسبق التصميم من» مسار ستوكهولم» الذي يعمل بهدوء على الهدف ذاته منذ ثمانية عشر شهراً: معارضة الاستبداد ونظامه، وهدف التغيير والانتقال السياسي. وبناءً على ذلك تمّ التركيز على الإشكاليّات التي طالما عرقلت كلّ مسارات توحيد القوى الديمقراطية، ومنها مسألة المركزية واللامركزية، والهويّة الوطنية و»العلمانية» أو الإسلامية؛ إضافة إلى آليات التوافق المطلوبة في بناء تفاصيل الدولة المنشودة. يشير «اتّفاق التفاهم» إلى شيء مهمّ من تلك النقاط بجرأة ومسؤولية، لا بدّ من الإقرار بهما، لأنه مهما تأخّرتا، فقد سبقتا الآخرين المنهكين تعباً من حجم ومتطلبات ضعف الاستقلال السياسي، موضوعياً وذاتياً، أو ثقل حمولتهم من الشعارات والخطابات. يدمج الاتّفاق بنجاح و»حُسن تخلّص»، ما بين تفكيك تلك الإشكاليّات، وربطها بمعالم أخرى لازمة لا يكفي أحدها دون الآخر، فيتحدّث عن» تحقيق الانتقال السياسي والعدالة الانتقالية، وإنهاء نظام الاستبداد، والقضاء على الإرهاب، والمساهمة بإنجاز التغيير الوطني الديمقراطي، وبناء الدولة الديمقراطية التعددية سياسياً ذات النظام اللامركزي، الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات المنتخبة، وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة»، ليربط ما بين النظام اللامركزي وحكم القانون على سبيل المثال؛ ثمّ ليصل إلى ضرورة مفهوم «الدولة الحيادية تجاه الأديان والمذاهب والمكونات وجميع الفئات الاجتماعية»، ليعالج بنعومة مسألة غلوّ العلمانية والإسلاموية وغلبة العقل الإقصائي معا. يشير هذا الموقع إلى الأهمّية العضوية لمفهوم المواطنة الحرة المتساوية، الذي يشكّل قاعدة تلك البنية. ومع تبنّي مفهوم «النظام اللامركزي» وترك تفاصيله لظرف لاحق أكثر جماعية واسترخاءً، يشير الاتّفاق بوضوح إلى «المحافظة على وحدة سوريا الجغرافية والسياسية، ويرفض المشاريع والمحاولات التقسيمية والانفصالية كافة التي تهدد وحدة سوريا أرضاً وشعباً، والعمل على خروج الفصائل المسلحة والميليشيات غير السورية، والقوى الأجنبية الموجودة على الأرض السورية، مؤكدين عدم الاستناد إلى أية جهة خارجية». تلك التعهّدات التي لا بدّ من ذكرها في فاتحة أي عمل وطني متعدّد الأطراف. خلاف ذلك، طبيعي وصحيح ذلك التأكيد على أن الحل السياسي الوطني للأزمة السورية هو الحل الوحيد، والتركيز على أنه «ينبغي وقف الحرب وإنهاء العنف بأشكاله كافة، والعمليات العسكرية وفي مقدمتها الحلُّ الأمني والعسكري»، مع التأكيد على أن الذي يقود هذا الحلّ المَرَضيّ هو النظام المستبدّ. وبعد طول تصلّب – عن حقّ بالطبع- بأن» يسبق» هذا الإجراء «إطلاقِ سراح جميع معتقلي الرأي على كامل الأراضي السورية، وإلغاء جميع أنواع ملاحقات السياسيين داخل سوريا وخارجها، ومعرفةِ مصير المقتولين تعذيباً، والمغيبين والمختفين قسراً في المعتقلات والسجون، ورفض أشكال التغيير الديمغرافي كافة، والبدءِ باتخاذ الإجراءات التي تكفل العودة الآمنة والطوعية لكل المهجّرين والنازحين داخل سوريا والمهجرين قسراً خارجها إلى مناطق سكناهم الأصلية»؛ يتراجع نص اتّفاق التفاهم إلى المطالبة بأن» تترافق» تلك الحزمة من المطالب مع تطوّر الحلّ السياسي.

يدعم الاتّفاق أيضاً وقف إقصاء القوى «الوطنية الديمقراطية» عن مسار الحلّ السياسي وعمليّته، والقوى التي يمكن أن تكون مقصودة بذلك كثيرة. لعلّ أكثرها أهميّة على الإطلاق مجلس سوريا الديمقراطية نفسه، أحد طرفيّ هذا الاتّفاق. يشكّل هذا الكيان نصف تمثيل الكرد السوريين – أقلّ أو أكثر- إضافة إلى وجوده الماديّ القويّ على الأرض، ودوره المعترف به في هزيمة الإرهاب الداعشي. غياب المجلس عن العمليّة السياسية لا يتناسب مع الإقرار الدولي والإقليمي والمحلّي بأنّ وحدة سوريا هدف أوّل، في ظروف راهنة تنذر بتقسيم غير محمود أبداً. هذا يعني أن من يقصي هذا الطرف يساعد على تكريس تجزئة سوريا، وليس كما يقول ويتّهم. تلك معادلة ميكانيكية قبل أن تكون سياسية، حيث لا بدّ للأطراف التي تمتلك وجوداً قوياً من التمثيل على طاولة التفاوض، غير ذلك عيب في العملية ومسارها وبالطبع في نتائجها وانسجامها، إن وجود الكرد في الصفّ المعارض للاستبداد ذو أهميّة حاسمة، لا بدّ من تجاوز عقباتها، وإذْ لا يُستغرب «الفيتو» والتأثيم المرافق من قبل أطراف خارجية لها معادلاتها الخاصة، يُستغرب مثله من أطراف معارضة تجهد وتلهث لتحقيق أي مكتسب في أجواء كالتي نعيشها الآن، محصّلتها موجة التطبيع مع النظام نفسه، صاحب الجرائم الموصوفة نفسها. وحين التقى في آخر أيام عام 2011 في القاهرة ممثّلون عن المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية لصياغة وحدة أكثر تقدّماً للمعارضة السورية، الأمر الذي كان بطلب من الجامعة العربية وأمينها العام آنئذٍ نبيل العربي، توصّل الطرفان إلى اتّفاق واعد، جابهته غضبة مضرية في الغائبين عن تلك العملية في المجلس الوطني من الأكثر صلابة واستعصاءً على الإبداع، أو عناداً على ما كانوا يرونه حقاً أو قطوفاً دانية، من صفوف الإسلامويين والراديكاليين. أفزعت تلك الغضبة بعض موقّعي البيان ومدبّجيه فتراجعوا بسرعة عجيبة عن تواقيعهم.

احتوى اتّفاق القاهرة ذاك الذي كان أول خيبة كبيرة للجامعة العربية من المعارضة، على شحنة أعلى من المعارضة الجذرية، كان من بين حضور توقيعه الموافقين عليه برهان غليون وهيثم المناع، مع وجود هيثم المالح، والأهمّ كان وجود صالح مسلم، الذي كان يمثّل حزب الاتّحاد الديمقراطي، مع تمثيله أيضاً لهيئة التنسيق، ذلك كلّه مع حفظ الألقاب والاحترام طبعاِ. المهم أن ذلك الاتّفاق «الفقيد» قد عاش لساعات فقط، ويذكّر به الاتّفاقُ موضوع المقالة هذه، مع الفوارق بين بعض الأطراف والمضامين. لقد أصبح مقبولاً ومتعارفاً عليه حالياً، أن النقص في تمثيل السوريين في تقرير مصيرهم عيب رئيس – بل عار- وأنّ السبب/ الطرف المفقود أيضاً في هذا الجانب من التمثيل هو القوى والشخصيات الديمقراطية/ الأقرب إلى العلمانية من حيث مضمونها الاجتماعي- السياسي. وتجري محاولات لاهثة، مخلصة لأهدافها الأولى، متعجّلة لقطف التسميات وعقد المؤتمرات من دون كدّ وشغل ورويّة، الأمر الذي يضرّ بالهدف الفائق الأهميّة وسلاسة تحقيقه، بحيث يجمع في أوّله الطرف الديمقراطي المنوّه عنه، ليشمل كل القوى والشخصيّات الوطنية المعارضة بعد ذلك. ولا يمكن من دون هذا وذاك تحقيق شيء. ذلك اتّفاق/ اختراق مهم، ينتظر اتّفاقاتٍ أخرى تُكمل، وأطرافاً أخرى تُكمل، مع صبر وأناةٍ في زمن سريع!

كاتب سوري

القدس العربي

——————————–

=========================

تحديث 27 حزيران 2023

————————————————

رأي عابر في مسألة التجمعات السياسية المستجدة/ علي سفر

لم يتوقف سوريون طيلة السنوات السابقة عن صناعة تجمعات سياسية يقدمون من خلالها أنفسهم ومطامحهم، متبنين رؤى سياسية، ومشاريع ترسم شكل الوطن الذي يرمون إليه.

وقد كان من اللافت على صعيد هذه التجمعات بحد ذاتها أنها كانت تمر في الفضاء المنشغل بالواقع الميداني دون أن يلتفت إليها أحد، وأن ما كانت تقدمه على المستوى النظري كان ينطلق من الأساسيات التي طرحتها ثورة الكرامة منذ العام 2011، والتي لا تختلف عما طالب به السوريون عموماً، منذ أن استولى الاستبداد على البلاد في العام 1963، وتوليه تدميرها بعد قدوم حافظ الأسد على السلطة في العام 1970.

ظهور تجمع سياسي هنا أو هناك، ومن خلال التداول الشعبي، وفي منطوق وفهم الفضاء العام السائد على وسائل التواصل الاجتماعي لا يقابل بالترحيب وبالتصفيق، بل إنه يتلقى ومنذ ظهوره جرعة عالية من التشكيك بالدوافع الشخصية للمتجمعين، وصولاً إلى تأطير فعالية هؤلاء بالحصول على بعض المساحة في الفضاء العام، وبالتالي حصولهم على بعض الدعم المادي من “الجعالات” التي تقدمها وزارات خارجيات الدول المعنية بالملف السوري، أو غيرها.

هل يتفارق المتداول الشعبي عن واقع التجمعات السياسية المنقضية العهد، وعن سلوك المشاركين فيها، إن لم نقل أصحابها؟ هنا ثمة إجابتان:

نعم إنه يتفارق من جهة التشكيك الدائم بالنوايا، حيث إن بحث الناشطين والسياسيين عن أشكال ينطلقون منها للدخول والانتشار في الفضاء العام يجب ألا يفهم على أنه محاولة للترزق، بل يجب أن يرى على أنه فعل ديموقراطي أتاحته الثورة وتضحياتها.

وهو أيضاً، لا يتفارق إذا ما كانت الأمثلة التي يمكن سوقها تتلخص بتجار الشنطة السياسية، وهؤلاء فئة من المترزقين الذين يميلون مع الأقوى، ويبحثون دائماً عن الفرص للظهور والربح حتى وإن اضطرهم الأمر لنقل البندقية من كتف إلى آخر.

غير أن الإجابة الراسخة على السؤال يقدمها الواقع ذاته، حيث لم يبق من كل التجارب التي نشأت سابقاً سوى أسمائها، وإذا عرف القارئ بأن القوى والتنظيمات التي توقع على البيانات العامة يتجاوز عددها المئات، فإن الاستفهام عن حقيقة وجودها وفعالياتها سيؤدي إلى تبيان حجم استسهال البعض لفكرة التجمع السياسي، وتحولها فعلياً إلى مجرد مضافات عائلية وعشائرية وطائفية، إن لم نقس عليها ونقول عنها إنها دكاكين!

يهدأ ظهور الروابط والأحزاب والتجمعات والتحالفات العابرة حيناً، وينشط أحياناً أخرى، وفق إيقاع تتحكم به الظروف السياسية، وهنا نتذكر موجة عارمة من ظهور هذه الأطر حدثت في عام 2011 عندما شككت القوى الدولية باجتماع المعارضة السورية على مطالب واحدة، ما أدى إلى ظهور “المجلس الوطني” الذي ما زال حاضراً حتى الآن بلا فعالية، والذي سلّم عصى السباق إلى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” الذي يتولى تمثيل المناهضين للنظام في بعض المحافل الدولية، بالاشتراك مع منصات أخرى كمنصتي القاهرة وموسكو!

في المقابل تلعب الظروف الميدانية دوراً مضاداً للسياسة أو الفعل السياسي، فخلا تجربة الحرية النسبية التي تمتع بها سوريون في المناطق التي خضعت لفترة قصيرة لسيطرة الجيش الحر، لم تسمح سيطرات القوى الجهادية المتطرفة بأي نشاط سياسي، لا بل إنها قامت بإبادة المتورطين بهذا النشاط، واضعة إياه في مصاف الكفر الصريح الذي يستوجب العقاب.

وهنا لن تشكل تجربة المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) رغم الفضاء المختلف كلياً، فرقاً كبيراُ عن المشهد السابق إلا في حجم العقاب الذي تنزله هذه القوة العسكرية بالمعارضين لسياساتها، فرغم أن السياسة مرحب بها، مع وجود مؤسسة تمثيل لها هي “مجلس سوريا الديموقراطية” (مسد)، إلا أن تجربة علاقتها بالمجلس الوطني الكردي واضحة ولا تخفى، فقسد ترحب بأي قوة سياسية تصفق لها، ولا تفعل الأمر ذاته مع الذين يفترقون بتوجهاتهم عنها، إلا إن كانت لها مصلحة ما في وجودهم!

نتحدث هنا عن ماضٍ مستمر بفعل الوضع السكوني الذي يمسك بالمشهد السوري العام، لكن الشهر الماضي حمل في مجريات أحداثه ظهوراً غير متوقع لبعض الأجسام السياسية، التي لم تغادر من ناحية الخطاب السياسي ما هو متفق عليه عموماً، ولعل ما يختلف به كل جسم عن سواه لا يخرج عن إطار التنقيحات الاستنسابية للنص المتاح أو المتداول للنقاش، ومثال هذا ما شهده “مشروع وثيقة توافقات وطنية

” الذي طرحه عدد من الديموقراطيين السوريين برعاية من مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

ما فاض به هذا التدفق للإعلانات عن هذا التجمع أو ذاك يبدو من جهة الظاهر إيجابياً، وخاصة أن فكرة الترابط -أو على الأقل الاتفاق وتوقيع البيانات المشتركة- بين المتشابهين مهمة وتسهل وصول جبهة معارضة متفقة لا متفرقة، وضمن هذا الإطار يكون من الجيد أن تتجمع مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني في إطار “مدنية” التي عقدت مؤتمرها في باريس، وأن يأتلف ناشطون وسياسيون في الاجتماع التأسيسي لمؤتمر القوى الوطنية السورية في باريس أيضاً، وأن تتفق “هيئة التنسيق الوطنية” مع مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) على وثيقة تفاهم. وأيضاً أن تظهر هنا أو هناك تجمعات لمن لا يجدون أنفسهم هنا أو هناك، في إطار بحثهم عن لون وطعم ورائحة تخصهم!

لكن ما هو غير إيجابي أن تنطلق نوابض كل ما سبق من الوضع المستجد الذي تسببت به خطوات الانفتاح العربي على النظام الأسدي، وبما يُشعر المتابع بأن الشريحة السياسية التي نشأت على هامش الثورة بدأت تتلمس رأسها مخافة أن تتجاوزها تداعيات الواقع المتحرك!

وهنا يصدق الوعي الشعبي في تناوله لكل من سبق ذكرهم، أو تمت الإشارة لهم، فهو يسأل ولطالما سأل قبل هذه اللحظة: إذا كانت لديكم القدرة على تذليل الاختلافات بينكم إلى هذه الدرجة وبهذه السهولة، لماذا أهدرتم كل هذا الوقت ولم تفعلوا؟ ولماذا تأتي تجمعاتكم بالوجوه ذاتها وكأنكم تأبدتم في السياسة دون أن تراجعوا مواقفكم وتعلنوا أين أخطأتم وأين أصبتم؟!

فَقدَ السوريون الرجاء بالنظام الذي حكمهم بالقمع والحديد والنار، فلم يتوقعوا منه أبداً أن يراجع سياسته أو أن يكاشف مواطنيه بشيء ما، لكن ألا يستحق هؤلاء وبعد كل التضحيات التي بًذلت أن يكاشفهم معارض سياسي واحد بما فعل وبما أصاب وأين فشل، وهل بات من المستحيل أن يعلن أحدٌ ما عن اعتزاله بسبب العجز أو الفشل؟

تلفزيون سوريا

———————————

غير خيبات الأمل.. ما الذي تقدّمه المشاريع المطروحة على الساحة للسوريين؟/ حسان الأسود

ثمّة كثير من خيبات الأمل لدى السوريين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ممّا آلت إليه أوضاع بلدهم المنكوب، وقد تجلى هذا في عزوف فئاتٍ واسعةٍ منهم عن المشاركة في الشأن العام كما كان الأمر من قبل، مقابل حراك سياسي لفئات أخرى لا تزال ترى أنّ ثمّة إمكانية لتغيير هذا الواقع المكرّس بالحديد والنار والتطبيع المستجّد مع مسببه الرئيسي.

من مجمل هذا الحراك الأخير ما تصدّر المشهد خلال الأسابيع الماضية من ظهورٍ جديدٍ لفكرة المجلس العسكري، الذي تحدّث عنه العميد مناف طلاس بشكلٍ مباشرٍ لأوّل مرّة منذ خروجه من سوريا وانشقاقه عن جيش الأسد ونظامه. كذلك كان للإعلان عن اجتماع عددٍ كبيرٍ من منظمات المجتمع المدني تحت عنوان منصّة (مدنيّة) بقيادة رجل الأعمال أيمن الأصفري حضورٌ واضحٌ في المشهد. تتواصل أيضًا التحضيرات الخاصّة بمؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية (مؤتمر استوكهولم)، ويجري على قدمٍ وساق التحضيرُ لما بات يُعرف باسم (اللقاء السوري الديمقراطي) في برلين.

يأتي هذا كلّه، أي خيبة الأمل من البعض ومواصلة العمل من البعض الآخر، ضمن ظروف إعادة تعويم نظام القتل والإجرام الأشدّ فجاجة في بداية الألفية الثالثة من عمر البشرية. فبعد اثنتي عشرة سنة عجافًا عاد الأسد ليجلس على مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، وصحيح أنّه لم يحاضر وينظّر شارحا الفرق بين السيارات الحمراء وتلك الزرقاء، إلّا أنّه بيّن أهميّة الاختلاف بين الانتماء من جهة والتنقّل من حُضنٍ إلى حُضن من جهة ثانية، وها هو وزيرُ خارجيته يُستقبل بعراضة شاميّة استقبال الفاتحين في الرياض، لا بل ويحاجُّ بأنّ سوريا الأسد تقدّمت مئة خطوةٍ نحو العرب ولم ترَ منهم بعدُ أي شيء، وأنّه آن الأوانُ لوقف تجويع الشعب السوري! يا لفداحة الكارثة ويا لفصاحة العاهر حين تُحاضر بالعفاف!

خاب أمل السوريين الذين ثاروا على النظام، وأولئك الذين عارضوه بعد أن أدركوا دفعة واحدة أنّ ظهورهم باتت مسنودةً إلى الخناجر، وبعد أن صفعتهم حقائق كانوا يتغافلون عنها معلّلين أنفسهم بالآمال يرقبونها، فإذا بها أضغاثُ أحلامٍ دفعوا ثمنها دمارا فادحا وخسرانا عظيما في أرواحهم وهويّتهم ووحدة بلدهم. كذلك خاب أملُ السوريين الذين وقفوا مع النظام وساندوه، فلم يلتفت إلى جيوبهم الفارغة، ولا إلى ساحات قراهم التي باتت مقابر جماعية تنتصب أمامهم ليل نهار شاهدة على حجم فجيعتهم وتضحياتهم التي بذلوها فداءً لنعل حذائه الذي داسهم قبل غيرهم. وخاب أيضًا أملُ الذين آثروا السلامة في هذا الصراع المرير بين الحرية والعبودية، بين الكرامة والخنوع، فلا طالوا بلحًا ولا نالوا عنبًا، بل وجدوا أنفسهم طحينًا بين حجري رحى حلمِ التغيير وواقع الذل والجوع.

ما الذي تقدّمه المشاريع المطروحة على الساحة للسوريين؟ سؤال كبيرٌ لا إجابة واضحةٌ عليه، لكنّ المكتوب مقروءٌ من عنوانه كما يقول المثل، فالأنظمة انتصرت على شعوبها، وهي تعلنُ ذلك بكلّ صراحةٍ، لا بل هي تتقصّد الاحتفاء به من خلال الاحتفاء بالأسد ذاته. والنظام الدولي الذي بدأت مظاهر تحوّله من منظومة القطب الواحد مع انطلاقة ثورتهم، استكمل جزءًا لا بأس به من مسيرة الأقطاب المتعددة خلالها، فبات الوضع العالمي الآن أشبه بما هو عليه عشيّة الحرب العالميّة الثانية. فما هي قيمة سوريا ضمن هذه الخريطة المتشابكة من المصالح والصراعات؟ وهل يعدو حجمها حجم نملة بين أقدام الفيلة والديناصورات المتشابكة؟

ليست سوريا سوى بقعة صغيرة في الخريطة الدولية، ولا تعدو أهميتها بالنسبة للدول الكبرى أكثر من أهميّة آثار الصراع فيها ونتائجه المترتبة على هذه الدول ومجتمعاتها. فبالنسبة لروسيا هي تفصيلٌ ضمن حربها المستعرة مع الغرب كلّه من البوابة الأوكرانية، أما بالنسبة لأميركا فهي ساحةٌ للضغط على الإيرانيين في المنطقة من أجل إنجاز الملف النووي خاصتهم، وهي كذلك بالنسبة لحلفائهم الأتراك من أجل تحجيم اندفاعتهم الإقليمية مع فوز أردوغان وحزبه في البقاء بسدّة الحكم لأعوام خمسةٍ قادمة. أما الاتحاد الأوروبي الغارق في مشكلاته الكبرى، ومنها صعود نجم اليمين والخلافات مع بولندا وهنغاريا بشأن التغوّل المتصاعد للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية والذي ينذر بتقويض أسس الديمقراطية الأوروبية، ناهيكم عن أزمات الطاقة وسلاسل التوريد والتضخّم الناتجة جزئيًا عن الحرب في أوكرانيا، فإنّه، أي الاتحاد الأوروبي، لا يرى من سوريا سوى معضلة الهجرة غير الشرعية، ولعلّ الاتفاق الأخير الذي توصّل له قادته بشأن هذا الملف يضيء على مدى تأثيره في دولهم ومجتمعاتهم.

سوريا لا تهمّ الآن بشكل حقيقي سوى أهلها، وحتى من بقي من هؤلاء فيها مُجبرا تحت ضغط الظروف، فإنّه لا يفكّر إلا بالهجرة منها، ولعلّ مآسي الغرقى في لجج البحار، وآخرها أولئك الذين غرقت سفينتهم قبالة سواحل اليونان يوم الأربعاء في 14/6/2023، تحكي بعُصارة الألم المركّزة سرديّة التغريبة السورية المُستدامة.

سوريا تفصيلٌ هامشيٌّ جدا في هذا الكون، لكنّها رغم ذلك تشكّل عنوانًا لتوحش المرحلة المقبلة. أمّا المشاريع المطروحة لحلّ أزمتها فليست إلا مشاريع تخصّ الدول المنخرطة في الصراع الدائر فيها، فلا العربُ ولا العجمُ يهمّهم مصيرُ ثلاثة وعشرين مليونًا من السوريين، في النهاية ما يهمّ هؤلاء من حكّامٍ ومحكومين هو استقرارهم وازدهار اقتصادات بلدانهم، أمّا تلك الحفرة فلنطمرها على عجلٍ بمن فيها من أجسادٍ هزيلة وأرواحٍ تائهةٍ كي نطوي صفحة وخز الضمير الإنساني، إن وجد، إلى الأبد.

عاد الأسدُ أدراجه من قمّة الرياض بخفّي حُنين لا يُسمنان من اقتصادٍ ولا يُغنيانِ من سياسة أو سيادة، وبقيت “سورية تعيسةً كعظمةٍ بين أسنان كلب” كما وصفها رياض الصالح الحسين قبل ثلاثين عاما، وسيبقى السوريّون في تيههم وتغريبتهم المستدامة، ما لم تُثمر جهودُ من آثر العمل منهم على القنوطِ خيرًا، ولعلّها تُثمر.

تلفزيون سوريا

————————————-

“مسعى”… الطريق إلى الجمهورية الثالثة في سورية/ حسان الأسود

تشهد الساحة السورية أكثر من حراك سياسي، ولم يقتصر المشهد الراهن على دبلوماسية إقليمية نشطة باتجاه إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد وإدماجه مجدّداً في المنظومة الإقليمية، بل تعدّاه ليشهد نشاطاً معارضاً لهذا التوجّه على الضفّة المقابلة من ساحة الصراع السوري. بدأ منذ توضحت معالم السياسة التركية قبيل الانتخابات التي ثبتت حزب العدالة والتنمية في الحكم والرئيس رجب طيب أردوغان في الرئاسة. ثم اشتدّ هذا التفاعل مع التطوّرات السياسية، إثر الانعطافة السعودية الكبيرة التي جرّت وراءها موقفاً عربياً شبه كامل نحو قراءة جديدة للملف السوري. ولا يغيبنّ عن البال أنّ الوساطة الصينية الكبيرة والمفاجئة بين السعودية وإيران هي صاحبة الأثر الحاسم في هذه الانفراجة الأخيرة. يريد الصينيون تجميد النزاعات في منطقة حسّاسة جداً بالنسبة لهم، فهي في قلب مشروعهم الجبار (الحزام والطريق) من جهة أولى، وهي من أهمّ مصادر توريد الطاقة اللازمة للماكينة الصينية العملاقة من جهة ثانية. بينما تعب السعوديون من حرب الاستنزاف المريرة التي ورّطوا أنفسهم بها في اليمن، وباتوا يبحثون عن الخلاص بأقلّ الخسائر، فيما يرى الإيرانيون أنّهم انتصروا وحقّقوا على أرض الواقع نظريّتهم بتصدير الثورة، فكانت النتيجة تصدير نظام الفوضى المعبّر عنه بدول المليشيات مقابل نظام الاستبداد الذي كان سائداً في دول عدة، منها اليمن وسورية والعراق.

ضمن هذه البيئة المليئة بعناصر الإحباط والتخذيل، وجدت مجموعات السوريين المعارضة نظام الحكم نفسها شبه وحيدة في الساحة، لكنّها لم تعلن هزيمتها بوصفها قوى عاملة في الشأن العام، وباحثة عن فرصة لتحقيق طموحات الشعب السوري الثائر ضد الاستبداد، ولو جزئياً. هكذا استجمعت شذرات الأمل المتبقّية، وفتحت طرقاً جديدة للعمل ضمن المساحات المتاحة قانونياً وسياسياً. لعلّ النشاط الحثيث للجالية السورية في الولايات المتحدة يظهر بعض جوانب الصورة، فهناك، حيث يمكن لمجموعات الضغط ممارسة دورٍ كبير في دوائر صنع القرار، تمكّن السوريون من إحداث خرقٍ ملحوظٍ على مستوياتٍ عدّة، فأصبح لهم مجموعة ضغطٍ تعمل بموظفين أكفاء من خريجي أعرق الجامعات الأميركية، متفرّغين تماماً لمتابعة الشأن السوري، فكان من إنجازاتهم مجموعة من القوانين ومشاريع القوانين التي تضيّق الخناق على النظام السوري وعلى مرتكبي الانتهاكات فيه، وأخيراً ثمّة مشاريع قوانين للملاحقة والمحاسبة الجنائية، جرى الإعلان عن طرحها على الكونغرس الأميركي بالتنسيق مع مناصري اللوبي السوري من الممثلين في كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي.

كذلك تشهد الساحة السياسية السورية ما يمكن تسميتها “صحوة الضمير”، فتتابع مجموعات مختلفة التحضير لمؤتمرات عدّة ستُعقد أغلبها صيف هذا العام، أو في خريفه اللاحق. من بين هذا الحراك سيكون هناك مؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية، الذي يعمل على إنضاج شروط انعقاده العديد من السوريات والسوريين منذ فترة، وهو يحظى بدعمٍ ورعاية أوروبيين وأميركيين واضحين، تجلّت بتسهيلاتٍ ملحوظة قدّمها مركز أولف بالم السويدي. كذلك هناك اللقاء السوري الديمقراطي الذي بدأ القائمون عليه بتوجيه الدعوات للمشاركين فيه من القوى والكيانات السياسية والمدنية والشخصيات المستقلّة، وقد حدّدوا لانعقاده في برلين يومي 20 و21 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وقد جاء في الدعوات الموجّهة للحضور أنّ اللقاء هذا سيجري برعاية ودعمِ الأكاديميتين البروتستانتيتين في لوكوم وبرلين، مع تأكيد لجنته التحضيرية على تمويله الذاتي، حيث طُلب من القابلين للدعوة والراغبين بالمشاركة تحمّل نفقات السفر والإقامة، بينما ستتكفّل القوى الداعية للقاء بتكاليف الاحتياجات اللوجستية خلال يومي المؤتمر. سيكون علينا الانتظار قليلاً، حتى نرى نتائج عمل هذين المؤتمرين العتيدين، مع أمل أن يكونا متكاملي النتائج والمخرجات، وقد يسعدنا القدر بتوحيد ما سينتج عنهما من رؤى وخطط عمل.

ضمن هذه السيرورة المتحرّكة، شهدت الساحة السورية أيضاً لقاءً ضمّ العديد من السوريات والسوريين في بروكسل يومي 17 و18 من شهر يونيو/ حزيران الحالي، وقد أعلن المجتمعون عن ولادة مجموعتهم التي أطلقوا عليها تسمية “مسعى”، وهي اختصارٌ للأحرف الأولى من عبارة “مجموعة سورية للعمل والرأي”، وقد حدّدوا في تصريحهم الصحافي النقاط التي يرون عملهم من خلالها، فكان أن ورد فيه: “… أقرّت المجموعة وثيقة سياسية توافقية بعنوان “الطريق إلى الجمهورية الثالثة” تتضمّن رؤيتها العامة، بعد نقاش جدّي وعميق ومسؤول. واتفق المشاركون في المجموعة أيضاً على متابعة الحوار خلال الفترة المقبلة، من أجل إنضاج آليات العمل الملائمة، وخطط العمل المرحلية، وجملة من الضوابط والمحددات التنظيمية التي تسهّل قيام المجموعة بعملها بأفضل السبل. تأمل “مسعى” أن يساهم عملها في تقديم ما يفيد القضية السورية ويخدمها، إلى جانب المجموعات السورية الأخرى، المدنية والثقافية والسياسية”.

وستتصدّى هذه المجموعة للاشتغال في الفضاء العمومي السوري، وستحاول، حسب إعلان القائمين عليها، إنتاج خطابٍ سياسي عقلاني متوازن، يشتبك مع الخطاب السائد، ويحاول تقديم شيء جديد مستندٍ إلى حجم المعاناة الكبير والتضحيات الهائلة والأثمان الباهظة التي دفعها الشعب السوري منذ 12 سنة خلت. وقد حدّدت “مسعى” لنفسها هدفاً استراتيجياً، يلخّصه تعبير “الطريق إلى الجمهورية الثالثة”، وهو ما لا يمكن مناقشته قبل طرح الوثيقة المعلن عنها للتداول العام والنقاش الحر. لكنّ الظاهر من العنوان يوحي بالمضمون، فالجمهورية الثانية كانت عنوان الاستبداد والقمع والقتل والتخريب الممنهج، ولا شكّ أنّ الجمهورية الثالثة ستكون، حسبما يظهر من إعلان أصحابها، عنواناً للولوج إلى عصر الكرامة والحرية والديمقراطية، أو عنواناً لأنسنة الدولة السورية. سيكون علينا أيضاً الانتظار قليلاً حتى نرى نتائج عمل هذه المجموعة، كما علينا أن نعطي القائمين عليها بعض الوقت لتقييم تجربتهم الجديدة، والتي نرجو أن تكون أيضاً خطوة نحو الخلاص على طريق الجلجلة ودرب الآلام الشائك، فهل تنجح “مسعى” في ما يسعى إليه القائمون عليها؟

العربي الجديد

———————————-

======================

تحديث 25 حزيران 2023

———————-

عن تأسيس» مدنية» ومؤتمرها في باريس/ موفق نيربية

قبل أي كلام آخر، يشكّل انعقاد مؤتمر تأسيس منظمة «مدنية» في باريس في السادس من حزيران/يونيو الجاري، الذي ضمّ ممثّلين لحوالي 150 منظمة مجتمع مدني سورية، حدثاً كبير الأهمية ويختزن من الإيجابية ما يبعث على التفاؤل، لكنّ هذا لا يمنع من تناول الموضوع من جوانب متعدّدة يمكن أن تعطي المشروع فرصة أكثر واقعية لتحقيق خطته.

تتمثّل أهدافه رسمياً في عناوين المؤتمر ومجريات أعماله في التقاط «الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري» وتطويرها، ووضع أجندة عملٍ لها، تتوازى وتتقاطع مع كلّ الجهود لإحياء سوريا وحلّ قضيّتها الشائكة المتعثّرة. وتستند تلك المطالبة المشروعة إلى سابقة قامت بها المرجعية الدولية، بعد مؤتمر سوتشي، وتشكيل لجنة لمناقشة الدستور، ثلثها الثالث بعد السلطة والمعارضة يتكوّن من ممثلّين للمجتمع المدني، تسمّيهم وتتوافق عليهم الأمم المتحدة مع الطرفين الآخرين. وفي الواقع كان أداء بعض المجموعة الثالثة متميّزاً وأكثر فاعلية من أداء الطرفين المتناحرين؛ وقد شارك بعض أعضاء تلك المجموعة في مؤتمر باريس المذكور.

لعلّ أوّل ملاحظة مهمة هنا تكمن في تقدّم «المدني» للتعبير عن ذاته في زمن انتصار «الأهليّ» الكبير، انتصار العائلة والعشيرة والمنطقة والطائفة والجماعة ذات العصبية، انتصار «العرف» الميليشياوي/العسكري والأمنيّ والمشيخيّ- الشفويّ والسلطاني والعصبوي، الذي يعيد المجد لعصر هيمنة «الطبيعة»، على الفرد الحالم بدور واستقلال، وحق بالتعبير وسيادة قانون ومواطنة ودولة حديثة. لذلك التقدّم إلى أمام معنى عميق، يكاد يكون استنهاضاً مستحيلاً للمستحيل.

الملاحظة الثانية تتعلّق بالأجواء المحيطة بالفضاء السوري في المستويات الدولية والإقليمية، وما بينهما من تقاطع وتنافر. فالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا مشغولة بالحرب الأوكرانية، وبمنطقة التوتّر فائقة الأهمية في الشرق الأقصى مع الصين، وبالطبع بالانتخابات المتواترة، وتشغل كلّ مرضعة عمّا أرضعت، بالخصوص تلك الانتخابات الأمريكية المقبلة التي تنذر بحرارة أشدّ من السابقات. تنسجم أهداف «مدنية» وأجندتها وخططها مع الطرف الغربي من الفضاء الدولي المذكور، بانتظاريته وسلبيّته من استعجال الأطراف الأخرى على حصاد موسم ما زال مجهولاً، وبموقفه الأكثر حزماً مع النظام السوري وآفاق التسوية والحوار معه.. ولا يُستَغرب ذلك الانسجام بين جسمٍ و»حاضنته» إذا استعرنا اللغة الدارجة.

على المستوى الإقليمي، جاءت أنباء «مدنية» بعد انعقاد مؤتمر قمة الجامعة العربية في جدة بأيام؛ وعلى الرغم من أن التخطيط للقاء باريس أقدم من ذلك، إلّا أن هنالك دلالة وعبرة في الأمر، تستوقف حتى من لا يريد التوقف. أرادت المجموعة العربية/ الإقليمية التطبيع مع نظام الأسد، والتوجّه نحو حلّ عُرفيٍّ للمعضلة السورية، (مثّل التعامل مع موضوع المخدرات واعتماد النظام عليها لاستمرار حياته، عن طريق يشبه الاسترضاء والاستبدال والتعويض وتجنّب التعثّر بالموضوع). جاء قرار ذلك التطبيع بعد تجارب سبقته، كانت الإمارات وتركيا من بين طلائعه. يغلب تأثير استنكاف الولايات المتحدة وإعراضها عن المنطقة إلى غيرها، مع استفزاز لأنظمتها، التي تختلف منزلتها بشكل دوري مع دورات الانتخابات. كانت الإمارات وتركيا أوّل من ردّ على ذلك بسياسات أكثر استقلالاً، ثمّ كرّت المسبحة، بالخصوص مع الاستراتيجية السعودية، التي تبلورت مع وليّ العهد وخططه الطموحة، أصبحت خطوات التطبيع تلك إنذاراً نهائياً لا يتردّد بالتعبير عن نفسه، قائلاً بنهاية الربيع العربي وزمن الثورات وأيام الحلم العربي بالتعبير عن الإرادة الحرّة. جاءت الخطوة «المدنية» في هذا الجوّ الإقليمي السلبي، الذي يفتقد إلى من يعارضه.

نقطة ضعف السوريين الرئيسة في معارضتهم الرسمية، التي تآكلت مصداقيتها بشكل مستمر على سنوات، مع فقدانها لاستقلاليتها وفاعليّتها وأهليّتها. أصبحت القوى الخارجية أكثر تحكّماً بمسار الوقائع على الأرض، وكذلك بالعملية السياسية التي تماوتت بالتدريج. هنا كان لمنظمات المجتمعات المدني أن تزيد من حركتها في المناطق الأساسية الثلاث، انطلاقاً من وجود على الأرض أو دفعٍ من أماكن تمركز محيطة بالبلاد، قريبة وبعيدة. هنالك ضعف وخلل متفاوت في السلطات المتحكمة بتلك المناطق الثلاث (النظام والشمال الغربي والشمال الشرقي)، يبعدها عن مواصفات «الدولة»، ولا يعصمها عن الاستبداد بالأمر. ينعكس هذا الضعف قيوداً أو انفتاحاً على عمل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، وقد تعرّف السوريون عن قرب على تلك الإمكانيات؛ ربّما للمرة الأولى في تاريخهم الحديث؛ بدرجة قوتها وتنوّعها واستقلاليّتها. ربّما يكون لهذا «الخلل» وجه إيجابي الآن وفي المستقبل، إذ يجعل نخبة رائدة من السوريين، أكثر وعياً وعلماً وحداثة، وأكثر جدارةً بإرث العام الأول من ثورتهم أو انتفاضتهم، على تماسٍ مباشر مع واقع بلادهم وحاجاتها، سواء كانوا قد انتموا إلى بلادٍ أخرى أيضاً، أو ما زالوا على انتمائهم شكلاً ومضموناً، جغرافياً وحياتياً. يعطي هذا للمجتمع المدني السوري الحديث؛ رغم ما يعتوره من إشكاليات؛ دوراً سياسياً يستطيع القيام به، يعوّض عن ضعف المجتمع السياسي، بل إنه قد يسهم بشكل غير مباشر في إعادة بنائه على أسس مختلفة أيضاً. لذلك تأتي مبادرة «مدنية» لتضفي على المشهد السوري نوعاً من الانتعاش، وإن لم يخلّ الأمر من ملاحظات قد تتضاءل مع الزمن والممارسة، ولعلّ النقطة الأكثر سلبية في ذلك هي تركيز التمثيل على قضايا الشمال الغربي والمنظمات العاملة فيه، وعلى عملياته الميدانية، بأكثر من تلك التي تنشط في المناطق المحكومة بالنظام، أو في شمال وشرق البلاد. ينبع خطر ذلك من كونه قد يعزّز ظاهرة التفتّت والانقسام بين تلك المناطق، بدلاً من تعبيد طريق إعادة توحيدها، ولا يكفي الرضا التركي تبريراً لمثل هذا النقص إن كان صحيحاً. كما أن الدعم والمبادرة الجريئة من رجال الأعمال الأقوياء في المهجر منبعُ قوة لها، يعصمها من تدخّل الحكومات ربّما، وينطلق من جوهرها وحداثة مثلها وتركيبها؛ لكنّه قد يصبح في بعض اللحظات وعند احتدام وتصارع الخيارات مسألة من نوع «تضارب المصالح»، قد تعيق حركة وفاعلية وشرعية تلك القوة الناشئة.

صحيح أن هنالك في مناطق النظام «مجتمعاً مدنياً» مشوّهاً، افتعلته العائلة الحاكمة وتمّ تصنيعه كأداة جديدة للحكم والتحكّم، أكثر تطوراً – كما يظنون- من مؤسسات رامي مخلوف السابقة التي كانت تخلط بين «المدني» و»الأهلي» و»العسكري» و»الاقتصادي»، وفيها ما فيها من عصبوية وفساد وتشويه للمفاهيم، اعتاد عليها السوريون لنصفَ قرن، ولكن كان يمكن أن تنعكس مواضيع تلك المنطقة والمهام اللازمة فيها وأدواتها على ما صدر ووصلنا من مجريات مؤتمر»مدنية».. إلّا إن كان هنالك شيءٌ لم نعرفه يمكن أن يغطّي تلك الثغرة. كان تمثيل المنظمات العاملة الشمال الشرقي في المؤتمر ضعيفاً بالتأكيد، رغم كونها كثيرة وعلى درجة من الفاعلية والنشاط كبيرة ومتميّزة. في مطلع هذا العام – مثلاً- كان هنالك مؤتمر لها على الأرض، جمع حوالي مئة وثمانين منظمة، وتأسس «تحالف» لا بدّ من التعاطي معه.. لم نسمع شيئاً عن ذلك أيضاً. كذلك لم يكن واضحاً منطلق اختيار أعضاء «مجلس الإدارة»، الذي بدا وكأنّه اختيار مسبق الصنع، مع أن إمكانية مختلفة للديمقراطية كانت ممكنة وغير معقدة وأكثر إيجابية أيضاً.

رغم ذلك.. لا بدّ من الترحيب والتفاؤل بالخطوة الرائدة، هي «ساعة خير» نحن بانتظار المزيد من أخبارها ونتائجها، لعلّ ذلك يساعد بعض القديم على أن يتلاشى، وبعض الجديد على أن يتفتّح!

كاتب سوري

القدس العربي

————————

المجتمع المدني السوري أمام مستقبله/ عبدالناصر العايد

عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، انهارت منظمات المجتمع المدني التي أنفقت واشنطن عليها مليارات الدولارات خلال أكثر من عشرين سنة، ولم يظهر أي دور لمئات المؤسسات التي كانت تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً بإنجازاتها غير المسبوقة في تحويل وتغيير المجتمع الأفغاني. وكشفت تحقيقات وأبحاث بأن ذلك القطاع كان في الواقع غارقاً في الفساد، وإنجازاته كلها وهمية ودعائية لابتزاز الداعمين والممولين، وأنه لم ينتج عنه في نهاية المطاف سوى حفنة من حيتان التمويل المنتفخين، شأنهم شأن الفئتين السياسية والعسكرية الفاسدة التي هربت عند أول مواجهة مع “طالبان”.

تأمل فئة قليلة من نشطاء المجتمع المدني السوري ألا تكون نهايتها على هذه الشاكلة، خصوصاً أنها نعمت بما يقدر بملياري دولار من أموال المانحين طوال الأعوام الثلاثة عشر الماضية، وهو رقم تقديري، نظراً لامتناع مؤسسات المجتمع المدني بالإطلاق عن إصدار تقارير الشفافية المالية كما يحدث في كل انحاء العالم بذريعة المخاطر الأمنية.

على هامش اجتماع منظمات المجتمع المدني السوري في باريس تحت عنوان “مدنية”، والذي توافد إليه نحو مئتي ناشط في هذا القطاع، عقدت جلسات عديدة خارج مكان المؤتمر وبعيداً من أجندته، وجرت نقاشات معمقة ومنفتحة للعديد من الإشكاليات والقضايا كصدى لما يدور في المجتمع الواسع، لكن التفكير الأكثر تركيزاً تمحور حول سؤالين هما: راهن قطاع المجتمع المدني السوري، والسياسة الغائبة أو المغيبة من المشهد.

بكل موضوعية وانفتاح، أقرّ عدد من القادة والنشطاء في قطاع المجتمع المدني السوري بأنه “يحبو” ولم يبلغ سن الرشد بعد، وأن غالبية المنظمات هي في الواقع نوع من شركات المقاولات التي تتسلم الإعانات من الداعمين والممولين لتوزعها على المنكوبين، أو أنها تقدم الخدمات كشريك محلي لجهات دولية، مقابل أجور ورواتب عالية تُقتطع من ميزانيات التمويل، حيث تبلغ نسبة بعض المصاريف التشغيلية، أي الرواتب والأجور، أكثر من 40% من الميزانيات النهائية. ورأوا أن هذا الواقع الذي رسخ في غفلة منهم هم ذاتهم، لا بد أن يتغير قبل أن يجهض التجربة برمتها، لا سيما أن قيادة أو عضوية “منظمة”، باتت مبرراً كافياً للغمز اجتماعياً، ووصف الشخص بأنه انتهازي يتسلق على آلام وعذابات منكوبي الصراع، بل أن عبارة “مجتمع مدني” صارت مثار ريبة غير حميدة في العموم وتقترن بالفساد على الأقل.

عدد من أعضاء المنظمات نسب المشاكل البنيوية التي تعانيها منظماتهم إلى ظروف الحرب وعدم الاستقرار والحاجات الطارئة المتكاثرة، لكن جزءاً ليس يسيراً منهم عزا الخلل إلى  مدراء المنظمات الأكبر والأكثر تمويلاً، الذين حولوا تلك المؤسسات إلى مشاريع استثمارية شخصية، لا يمكن أن تدر عليهم الربح الكافي ما لم يشع الفساد فيها وحولها. وشخّصوا الخلل هذا باستحالة تغيير رئيس أي منظمة، منذ 13 سنة حتى الآن، ولا يبدو أن رئيس أي من هذه المؤسسات مستعد للتخلي عن منصبه في الأفق القريب، وهذا خرق لأبسط أسس وقواعد العمل المدني الذي يفترض تداول السلطة، وهو وحده كفيل بتقويض القطاع، هذا إذا لم نتطرق للفساد الإداري وانعدام الشفافية وتكافؤ الفرص وظاهرة توظيف الأقارب والزوجات والمحاسيب.

المتحدثون لم تفُتهم الإشارة إلى ارتباط قطاع المجتمع المدني السوري، تمويلاً وتوجيهاً، بالمؤسسات الغربية، وهو ما له إيجابيات تتعلق بتطوير الأداء وضبط المعايير، لكنهم وجدوا أيضاً أن الأجندات التي لا بد لكل ممول أن يفرضها، تبدو أحياناً بعيدة من أولويات ومتطلبات مجتمعاتنا في الوضع الراهن. وبالتالي، فإن بعض المنظمات يغرد في وادٍ لا يملك السوري رفاهية الوجود فيه أصلاً، وأحياناً يعزف “الإنجي-أوزيون” كما باتوا يسمون، ألحاناً مضادة لمصلحة شعبهم لكسب رضى الممول.

إلا أن الموضوعة التي استحوذت على الاهتمام الأكبر كانت انفصال أعضاء مؤسسات المجتمع المدني عن المجتمع الحقيقي وهمومه وتطلعاته، والانكفاء المتزايد لهؤلاء عن السياسة ومناصبتها العداء، حتى كأنها رجس يجب اجتنابه. ووجد معظم المتداخلين أن تدني النشاط السياسي وتراجعه بالعموم، ناجم عن انخراط أكثرية النشطاء البارزين، والمهيّأين للعمل والقيادة السياسية، في هذه المؤسسات غير الربحية التي اشترطت على أي عامل فيها عدم الانتساب إلى أي جهة سياسية، وهو المبدأ الذي غالى النشطاء باعتناقه وفهموه على أنهم يجب الا يكون لديهم أي انحياز سياسي أصلاً. علماً أن ذلك كله لم يكن مُلزماً، وفق رئيس أحد المنظمات البارزة، والذي عزا التفسير المبالغ فيه من قبل النشطاء إلى رغبتهم في تبرير الاستقالة من العمل العام والعيش بسلام مع الرواتب المغرية التي يحصلون عليها، وهو ما أدى إلى خلو الساحة السياسية سوى من فئة المناضلين التاريخيين الذين تقدموا في السن، وفئة السياسيين المنتفعين الذين لم يزاولوا هذا النشاط قبل أن تعتمدهم دول كممثلين لها، وليس لديهم في الواقع أي التزام أو قضية يناضلون لأجلها سوى مكاسبهم الخاصة.

لقد كشف النقاش عن محاولات ولدت من رحم المجتمع المدني، للانتقال إلى العمل السياسي والعودة لملء الفراغ الحاصل هنا. بعضها يظن أنه يمكن تسييس المجتمع المدني، وبعضها يقوم على هجران العمل المدني وملاقاة محاولات سياسية صرفة تنشأ هنا وهناك كاستجابة للانسداد الحالي في أفق القضية السورية والبحث عن سبل لتجاوزه.

لعل النقد الذاتي أعلاه، والمحاولات المشار إليها، ليست عامة ولا واسعة النطاق حتى. لكن، وكي لا نُفرِط في التفاؤل، فإن غالبية مدراء منظمات ومؤسسات المجتمع المدني تعتبر طرح سؤال تداول السلطة في مؤسستها نوعاً من العدوان الشخصي عليها. أما طرح سؤال الشفافية المالية وكشف مصادر الدخل ومسارب الانفاق، فإنه مدعاة لتحسس هذا القائد المدني “مسدسه”، كما قال عضو في أحد المؤسسات متهكماً.

——————————-

لاءات دولية وجديد المعارضة السورية/ عمار ديوب

طغى التقارب العربي مع النظام السوري في الأشهر الأخيرة، ولكن حصاده كان “زيواناً”، أي أنّه لم يُحدِث أيّ تغيير يُذكر. هذا التقارب، الذي جاء على خلفية اتفاق بكين بين السعودية وإيران، والزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، واجهته لاءاتٌ دولية، لطالما كرّرتها الدول الغربية: لا تطبيع ولا إعمار ولا رفع للعقوبات. بل وزارت وفود دبلوماسية أميركية الرياض، وأكّدت عدم جدوى ذلك التقارب، حيث لا يستند فعلياً إلى قرار مجلس الأمن 2254.

فاجأتنا المعارضات السورية، أخيرا، باجتماعات جديدة “لجنة التفاوض” في جنيف، وبيان جديد لمناف طلاس عن ضرورة المجلس العسكري، واجتماعات “مدنية” في باريس. تتحرّك هذه الاجتماعات بإيحاءات دولية، ولا سيما أنّ التقارب، أعلاه، وبين تركيا والنظام يجري بدعمٍ من روسيا، وقد تجاهل المعارضة السورية كلّيٍا. وإذا كانت تركيا مدفوعة للتقارب بسبب انتخاباتها “المصيرية” في الشهر الماضي (مايو/ أيار)، فإنّها عادت، بفوز أردوغان رئيسا، إلى التوازن في مواقفها تجاه القضية السورية. اللاءات الغربية، والموقف الإيراني الحَذِر من تطبيع النظام السوري مع تركيا، أوجدت له روسيا حلاً وسطاً، وهو العودة إلى مسار أستانة، وانعقد اجتماع له أمس (20 يونيو/ حزيران الحالي). ملفت جدّاً قول السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف، لصحيفة الوطن، إن النظام السوري طلب قرضاً من روسيا، والأخيرة تدرسه، والقصد من ذلك أن النظام خاب ظنه تجاه الدول العربية بأنّها ستعطيه مالاً وستساعده في رفع العقوبات الغربية.

اجتماعات المعارضة أعلاه “سياسية، عسكرية، مدنية” هي رسالة داعمة للمواقف الغربية، أنَّ هناك بديلاً عن النظام؛ وهي موجّهة إلى روسيا وللدول العربية أن مسار التطبيع “خطوة خطوة” لن يفهمه النظام إلّا باعتباره اعترافاً به، وبأن الدول العربية كانت على خطأ بمواقفها ضدّه، وعليها التكفير عن ذنوبها ورفده بالمال وتعويمه دولياً.

دولياً، انتهى أمر النظام؛ فالقرارات الدولية حاسمة تجاهه، وكذلك القوانين الأميركية الخاصة به، والمقصد أنّه لم يعد ممكناً تعويمه. قبل أيامٍ، تقدّمت كل من كندا وهولندا بدعوى ضده أمام محكمة العدل الدولية، وبضرورة محاسبته على جرائمه منذ 2011. وبغض النظر عن إمكانية ذلك، فهو تقدّم خطير في فقدان النظام أيّ مصداقية له في تلك الدول، ويدعم ذلك، وبغض النظر عن دوره الكارثي في سورية، تموضعه إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، في الوقت الذي تدعم فيه الدول الغربية أوكرانيا.

عادة، لا يعلن مناف طلاس عن تحرّكاته علانية. للرجل وزن داخل مؤسسة الجيش في سورية، وهو مقبول لدى أطراف كثيرة في المعارضة ودولياً. لا يختلف موقفه مع المسارات التي تقدّمت في سورية، وبقصد إنهاء فوضى السلاح، وإعادة المناطق الخارجة عن النظام إليه، وقد ساعدت كل من أميركا وتركيا بتسليم درعا وأرياف دمشق وحمص ومناطق كثيرة. مشكلة النظام أنه لم يفهم أن هذه التطوّرات، ومنذ تسليم حلب 2016، كان القصد منها فتح الطريق أمامه لينفتح بدوره على المعارضة، وليس تعطيل مسارات جنيف وأستانة واللجنة الدستورية وسواها.

توهّم النظام أنّه انتصر، وطرح على المناطق المستعادة فكرة التسويات والمصالحات، وفعلاً، ورغبة من الناس بالتخلّص من عدوانيّته وقمعه، وافقوا عليها، ولكنه لم يتعامل مع السكان إلّا كمجرمين وإرهابيين. وبالتالي، لم تتغيّر أوضاع الناس، وظلّت حالة عدم الاستقرار هي السائدة، وهي الحالة الحقيقية لتوصيف المناطق الواقعة تحت سلطته بما فيها اللاذقية والسويداء وحمص وأرياف دمشق؛ وهذا بالضبط ما سيستفيد منه مناف طلاس الذي يرتبط بيانه عن ضرورة المجلس العسكري بالمرحلة الانتقالية والحل السياسي والقرارات الدولية ومنعاً للفوضى. إذاً يتحرّك الرجل وفقاً لإيحاءات دولية بأن الوضع السوري لم يعد قابلاً للاستدامة في التعفّن، ولا يبدو أن التقسيم مقبول إقليمياً ودولياً.

يأتي ذلك كله مع تحركات أميركية جديدة في شمال سورية وشرقها، حيث استقدمت معدّات عسكرية (صواريخ هيمارس) وسواها، ووسّعت من قواعدٍ عسكرية سابقة، وعملت على دعم فصائل عسكرية عربية، وتحاول التواصل مع العشائر، وإيجاد التنسيق بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية. وبالتالي، لم تعد الإدارة الأميركية تفكر بالانسحاب من سورية في الوقت الراهن، وهذا سيُفشِل أيَّ قراراتٍ ستتخذها روسيا أو تركيا أو إيران ضد “قسد”، أو ضد القوات الأميركية لتدفعها إلى الانسحاب، وهناك تقارير تؤكد أن القوات الأميركية ستغلق الحدود العراقية السورية أمام إيران في الأشهر المقبلة. وبالتالي، ستضيّق الخناق على الوجود الإيراني في سورية ولبنان. يشار إلى الفكرة الأخيرة إعلامياً بأن صيفاً ساخناً سيكون في شرق سورية؛ فإيران تتجهز لمناوشة القوات الأميركية، والأخيرة تتحوّط من ذلك، وتنسّق بين الفصائل وتضاعف قواها العسكرية.

اجتماع الدول الداعمة (دعم مستقبل سوريا والمنطقة)، هذه الأيام، في بروكسل، كرّر فيه منسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حوزيب بوريل اللاءات أعلاه، وشكّك بأن الآلية التي تقوم بها الدول العربية أو تركيا بالتطبيع مع النظام السوري ستُفضي إلى حلٍّ للوضع السوري.

تأتي اللاءات المكرّرة ضد تعويم النظام السوري، وتحرّكات بعض مؤسّسات المعارضة السورية، في إطار رفض التطبيع معه؛ وتأتي بالضد من إعلان بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، عن “خريطة طريق” بين سورية وتركيا، وسيُعلن عنها في اجتماع أستانة اليوم. تركيا التي تحتضن ملايين اللاجئين، وتوجد داخل الأراضي السورية بقواتها أو عبر دعمها للفصائل السورية، ليست على وفاقٍ مع الولايات المتحدة بسبب دعم “قسد”، وهما تختلفان في تقييم الحرب الروسية على أوكرانيا، وهناك موضوع التحاق السويد بحلف الناتو، وتوقيف أميركا صفقات عسكرية معها. وأيضاً لا تتفق تركيا مع إيران في قضايا كثيرة في المنطقة، وحول وجودها الكثيف في سورية، وإذا كانت هناك أسباب متعدّدة للعلاقات القوية مع روسيا، ولا تقتصر على سورية، فإنها، وبعد فوزه بالرئاسة خمس سنوات مقبلة، وورطة روسيا في أوكرانيا، لن يتخلّى أردوغان عن شروطه من أجل إعادة اللاجئين، وإحداث تغيير في بنية النظام السوري، وهو ما يرفضه النظام، ويطالب تركيا بالانسحاب الكامل من سورية.

تأتي تحرّكات المعارضة السورية ضمن هذه التطوّرات الكثيرة في العالم بخصوص الوضع السوري. وإذا كانت التطوّرات لا تحمل مشروعاً محدّداً لتغيير النظام السوري، ربما تكون فقط توسعة لمناطق سيطرة الولايات المتحدة في شرق سورية. وقد تعاود التمدّد إلى الجنوب السوري، فهي قاطعةٌ في مسألة رفض تعويمه. الوضع الداخلي لدى النظام في غاية التأزم، وأغلب الظن أن روسيا لن تقبل إقراضه مليارات الدولارات؛ فحربها في أوكرانيا أوْلى بها، والتي لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً، وبالتالي، والأقرب إلى الصواب، أن الوضع السوري سيزداد تأزّماً، وهو مفتوحٌ على كل الاحتمالات، والأخيرة لا تتضمّن خروج النظام من أزمته وعزلته، والتقارب العربي يلفظ أنفاسه، ولنقل إنه لن يتجاوز الجانب الأمني وشيئا من العلاقات الدبلوماسية.

هناك تقارب أميركي خليجي مستجد، وتعود أميركا إلى المنطقة متنبهة إلى أن مواجهة الصين لا تتم في المحيطين الهندي والهادئ فقط، بل وفي منطقتنا أيضاً، وفي سورية بالتحديد؛ فهل ستتمكّن المعارضة السورية، وليس فقط القوى الثلاث أعلاه، من تبنّي مشروعٍ جديدٍ للتغيّر؟ لا تبدو أنّها قادرة على ذلك، ولكنّها تتحرّك ضمن الرؤيتين الأميركية والأوروبية، وهذا هام.

العربي الجديد

——————————-

ولادة سورية متأخرة!/ فايز سارة

وسط حمى الاجتماعات السورية الجارية هذا الصيف، جاء اجتماع باريس الذي عقده مؤخراً في باريس فاعلون سوريون في المجتمع المدني، يمثلون نحو مائة وخمسين من منظمات مدنية سورية، تنشط في الداخل وفي بلدان الانتشار السوري، والهدف الرئيسي للاجتماع إطلاق حاضنة للعمل المدني في سوريا، وتم اختيار اسم «مدنية» لها تعبيراً عن اهتمامها الأساسي وهدفها، وطبقاً لما هو معلن، فإن سوريين وسوريات، اشتغلوا في عام مضى لإنجاح المبادرة، ووفروا سبل إنجاحها، وتمويلها من قدراتهم الذاتية.

وحسب تأكيدات وردت في أوراق «مدنية» وفي تصريحات لمشاركين فيها، فإن «مدنية» ليست جسماً سياسياً جديداً أو منافساً لما هو قائم في الفضاء السوري. إنما تتبنى مقاربة سياسية، تدعم من خلالها «المبادئ التي تجمع الطيف الأوسع من السوريين، متمثلة بوحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية على أساس المواطنة المتساوية»، وتلتزم «الحل السياسي وفق القرارات الدولية»، و«إطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً عند النظام وباقي أطراف الصراع»، و«وصول المساعدات إلى جميع السوريين من دون تمييز أو عوائق، أو قيود، وحماية اللاجئين من التمييز والترحيل القسري حتى تحقيق حل سياسي يوفر الظروف المناسبة لعودة طوعية آمنة وكريمة».

وتؤكد «مدنية» من الجهة الأخرى، أنها ليست قيادة للعمل المدني، إنما هي قوة مساندة ودعم له عبر مساعدة منظماته، وتوفير سبل نجاحها في أداء مهماتها، وتحقيق أهدافها المعلنة في خدمة السوريين؛ ما يجعل إدارتها مكونة من ممثلي وقادة المنظمات المدنية المتشاركة فيها، والتي سينضم إليهم لاحقاً منظمات وأشخاص من الفاعلين المدنيين، وسوف يتشارك الجميع في اختيار هيئات «مدنية» وأجهزتها التنفيذية وفق معايير عالية من الشفافية. ومن شأن تحقيق ذلك، أن يجعل من «مدنية» مثالاً وقوة تأثير في مستقبل سوريا، «تعمل من أجل دولة تدعم حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون».

ولا يحتاج إلى تأكيد، أن الوصول إلى تحديد موقع «مدنية» في المجالين السياسي والمدني، متصل بالواقع السياسي والاجتماعي للتجربة السورية في سنوات العقد الماضي، وما تمخض عنه من مشكلات وإشكالات، وصل بعضها إلى الكارثة، ومنها فشل أغلب الجهود والمبادرات في الوصول إلى إنتاج تجارب مشتركة وبخاصة في المجال السياسي، وهذا بين أسباب دفعت العمل المدني باتجاه توليد التجربة الجديدة، علّها تكسر حدة الفشل في المجالات الأخرى، بخاصة أن ثمة ضرورات سورية وخارجية أخرى تدفع بهذا الاتجاه.

أولى الضرورات في المستوى السوري، تكمن في الحاجة إلى تنشيط المجتمع بعد كل ما أصابه من رضوض وتكسير، ودفع قواه المنظمة نحو تلبية الاحتياجات السورية، لا سيما في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأبرز أولوياتها، تبني مسار الحل السياسي والعمل عليه في ظل التراخي الدولي والإقليمي، ووسط إصرار سلطات الأمر الواقع على تواصل الحل العسكري علناً، وضمناً على نحو ما يظهر موقف جناحي الشمال السوري في السعي إلى تثبيت حضورهما بالقوة، وتصعيد العداء في ما بينهما.

وثانية الضرورات، تحرك المجتمع المدني عبر منظماته والناشطين فيه بصورة فاعلة من أجل تبريد ما تصاعد من صراعات وخلافات متعددة ومتداخلة، تهدد النسيج الوطني الواحد ووحدة الكيان السوري، والعمل على لمّ شمل السوريين في بُعدَيه الاجتماعي والثقافي بعيداً عن المواجهات السياسية والعسكرية.

وثالثة الأولويات وأكثرها أهمية، قيام المجتمع المدني عبر منظماته وجماعاته بالتعاون مع المجتمع الأهلي في الداخل ومع المجتمع الدولي بدوله ومنظماته في الخارج للمساعدة في مواجهة ما خلّفته سنوات الصراع والدمار من فقر وعوز ومشاكل عميقة، وقلة في تلبية الاحتياجات الضرورية للحياة، وتوفير سبل أفضل لحياة السوريين الذين يعانون حتى في أغلب أماكن انتشارهم.

أما في المستوى الخارجي، فهناك ضرورات أخرى، أهمها ضرورة إطلاق طرف سوري فاعل ومنظم، ينتظره دور معروف ومعلن في مساعدة السوريين على الخروج من انسدادات الوضع القائم، والدفع نحو حل سياسي، وتلبية احتياجات السوريين، وهذا ما يحوز اهتمام الرأي العام العالمي، دولاً وهيئات ومنظمات، وتتجسد أبرز تعبيراته في أمرين، أولها دعم متعدد الأوجه لأنشطة منظمات المجتمع المدني المستمر منذ سنوات، والثاني سعي الأمم المتحدة لتمثيل المجتمع المدني في النشاطات المتعلقة بالوضع السوري ومنها مفاوضات الحل السياسي.

خلاصة الأمر في ما أحاط بإطلاق «مدنية»، وما رشح عنها، أنها محاولة للخروج من نفق التهميش السوري، والدفع بتعبيرات المجتمع المدني لإنشاء حاضنة تفاعل في ثلاثة حدود، أولها داخلي يشمل العلاقات البينية بين المنظمات وفي إطار «مدنية»، والثاني علاقات في المستوى السوري وفعالياته المختلفة، والثالث علاقات مع المحيط الخارجي من دول ومؤسسات، ما يترك تأثيرات في الواقع وفي مسار القضية السورية.

المهم في المبادرة، أنها جاءت مبادرة سورية مستقلة بعد دراسة وتدقيق، وأنها تمت في ظل أمرين، أولهما تهافت سلطات الأمر الواقع والتمثيلات السياسية والعسكرية السورية، وتبعية أغلبها لقوى خارجية، والآخر حصول تطورات إقليمية ودولية، أعادت وضع الملف السوري على طاولة البحث والتدقيق.

وإذا كان من الصحيح، أن المبادرة تأخرت كثيراً، فإن المهم أنها حصلت، ومهم أن تنجح، والأهم مما سبق، أن تكون درساً للمعارضة في المسار ذاته وصولاً إلى شكل من العمل المشترك مع الأطراف الأخرى، يؤدي إلى معالجة شاملة للقضية السورية عبر مسار الحل السياسي وفق القرارات الدولية.

الشرق الأوسط

———————

من أجل إعادة تسييس الحراكات المدنية/ لمى قنوت

 تحت شعار “إذا لم ننخرط في هذا المسار أو ذاك فسيجلبون غيرنا”، برر عديد من الفاعلين والفاعلات في حراكات المقاومة ضد الأنظمة القمعية، كالأنظمة “النيوليبرالية” والاستعمارية والشمولية الأبوية، انخراطهم في مسارات وتسويات أخصَت السياسة والفعل الثوري من مواقفهم.

يرسخ الإعلام والمؤسسات الممتثلة لـ”النيوليبرالية” تسخيف مقاومة الأفراد المنظمة وغير المنظمة وخياراتهم، بحجة عدم جدواها أمام طوفان طرائق الهيمنة والإخضاع، بعكس مقاصدها حين تمجد الفردانية وقصص النجاح بعد عزلها عن مسارها التاريخي والسياسي والثقافي والاقتصادي، وتخترق مجتمعاتنا أيضًا مقولات شعبية تحض على الرضوخ وعدم تحدي هياكل القوة، مثل “العين لا تقاوم المخرز”.

وعلى مقلب آخر، اجتاحت “الأنجزة” (NGOisation) تنظيمات من المجتمع المدني، فأسهمت مع عوامل أخرى في إنهاء الحركات الاجتماعية الهادفة إلى التغيير الاجتماعي والسياسي والبيئي، ومهننت الناشطية، ونزعت الطابع السياسي عن عملها، وصدَّرَ المانحون “نخبًا” استولت على صدارة المشهد المدني– السياسي، وأسست لانحيازات في هياكل السلطة لمصلحتها، وتحولت إلى حراس بوابات (Gatekeepers) التمويل والمشاركة والتمثيل، وتنافست فيما بينها على تمثيل المجتمع المدني، بعد أن اختزلته بشخوصها ومنظماتها، وغدت المشاركة المجدية والمهمة بالنسبة لـ”النخب” الجديدة هي بقدر وجود البعثات الدبلوماسية والأممية في القاعات، وعليه، يسود غياب نقد المنظومة (System) وأجندات المانحين وغلبة اللغة البيضاء المقبولة في تلك الأوساط.

في سوريا مثلًا، انعدام الشفافية والتكتم النسبي [1] على أعمال ممثلي وممثلات منظمات المجتمع المدني في المنصات التي أنشأها مكتب المبعوث الأممي الخاص، كاللجنة الدستورية وغرفة المجتمع المدني، والتكتم التام على أعمال المجلس الاستشاري للمرأة، أدى إلى اتساع الفجوة بينهم وبين أصحاب المصلحة والقاعدة الجماهيرية، وأصبح السؤال مشروعًا عن شرعيتهم ومن يمثلون في هذه المنصات التي يُفترض أنها أُنشئت لمصلحة السوريين والسوريات وبناء سوريا الجديدة. كما أن التكتم وغياب الشفافية يضرب الأسس والأهداف الذي نظّر لها مهندسو مسارات التفاوض في بناء السلام، المتمثلة في دور دبلوماسية المسار الثاني، والتي تضم أفرادًا فاعلين من المجتمع المدني في نقل رؤى واحتياجات ما يدعى بـ”المسار الثالث”، الذي يضم جمهور المواطنين والمواطنات (القاعدة الشعبية، قاعدة المسارات) إلى دبلوماسية المسار الأول المعني بالتفاوض من أجل اتفاقية رسمية، ونقل أيضًا ما يدور في المسار الأول للمسار الثالث، وبالطبع لا يتناقض الأمر بشأن المشاركين والمشاركات من منظمات المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، بل على العكس، يزيد من مسؤوليتهم أمام عموم السوريين.

لا يجب النظر إلى المنظمات غير الحكومية على أنها متجانسة، على الرغم من أنها قامت كهياكل تعويض عن أدوار الدولة المنسحبة من مسؤولياتها، فهناك منظمات ذات طابع ليبرالي وأخرى ذات طابع اشتراكي أو يميني محافظ، مثل المنظمات غير الحكومية الخيرية، التي تؤسسها أحزاب الإسلام السياسي للترويج لأجندات ومرشحي الحزب عبر تقديم خدمات وتبرعات.

ومن ناحية أخرى، ينتقل التوجه “النيوليبرالي” من المانحين إلى المنظمات المحلية عبر الخطاب وجدول الأعمال، وتسهم أجندات المانحين أيضًا في دعم منظمات المغتربين بدل دعم الهياكل البديلة الموجودة على الأرض، فمثلًا في المناطق التي خرجت على سيطرة النظام السوري، اختار المانحون الغربيون تمويل المنظمات غير الحكومية بدلًا من مؤسسات الأمر الواقع المنشَأة حديثًا، مثل المجالس المحلية، وأقاموا هيكلًا موازيًا للمساعدات، يتنافس مع المجالس الثورية ويقوّضها [2]، بالإضافة إلى أنه تم النظر إلى “الإدارة عن بعد” كأداة لإضعاف القوة من خلال انتزاع سلطة اتخاذ القرار من أولئك الموجودين على الأرض وتسليمها إلى المغتربين، حتى عندما موّلت دول ومنظمات الشمال العالمي بعض المجالس المحلية، تجاهلت تمامًا تلك الجهات الممولة تغيب وانحسار مشاركة السوريات في المجالس، وركزت فقط على وجود النساء على طاولة المفاوضات، وبالتالي خسرنا المشاركة السياسية لقائدات محليات قادرات على إحداث تغيير جذري من القاعدة. [3]

إن إعادة تسييس الحراكات التي خسرت حمولتها التغييرية واستقلالها وسلعنت القضايا والقيم وأغرقت نفسها برسائل التودد لهياكل القوة، عليها التمعن بشراكاتها وتحالفاتها وأهدافها. لكن اختزال المجتمع المدني بالمنظمات غير الحكومية يدل على نظرة كسولة لا ترى ولا تراهن إلا على ما تعترف به المؤسسات الدولية، وهي نظرة أثقلها التعب ومرارة الهزيمة فراهنت على ضجيج منظم، مدجن، اختار خطابًا منزوع الإشكالية لواقع معقد ومرير، استشرست عليه أنظمة القمع، بينما يدعونا الغضب إلى دعم حراكات المقاومة القاعدية المسيسة التي وإن بدت صغيرة متناثرة وحراكها غير منتظم لكنها تدعو للأمل.

[1] –  آخر تقارير منشورة على موقع غرفة دعم المجتمع المدني مؤرخة بـ 20- 29 من حزيران 2021، للاطلاع: https://tinyurl.com/3pzea4ue

وهناك إشارة على اجتماعات في جنيف لمجموعات العمل المواضيعية مع المبعوث الأممي في إحاطته لمجلس الأمن بتاريخ 30 من أيار 2013، فقرة رقم 14. للاطلاع: https://tinyurl.com/4rk36hj6

[2] – Mazin Albalkhi, “Syria between Revolution and Ngoisation A Case Study”, Malomö University, 2022, Page 15, https://tinyurl.com/4j3fx8hs

[3] – لمى قنوت، “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش”، اللوبي النسوي السوري، منصة سياسية نسوية، 2017، ص 48، https://tinyurl.com/5n7kvnwu

عنب بلدي

——————————-

=====================

تحديث 16 حزيران 2023

—————————

المجتمع المدني السوري أمام مستقبله/ عبدالناصر العايد

عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، انهارت منظمات المجتمع المدني التي أنفقت واشنطن عليها مليارات الدولارات خلال أكثر من عشرين سنة، ولم يظهر أي دور لمئات المؤسسات التي كانت تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً بإنجازاتها غير المسبوقة في تحويل وتغيير المجتمع الأفغاني. وكشفت تحقيقات وأبحاث بأن ذلك القطاع كان في الواقع غارقاً في الفساد، وإنجازاته كلها وهمية ودعائية لابتزاز الداعمين والممولين، وأنه لم ينتج عنه في نهاية المطاف سوى حفنة من حيتان التمويل المنتفخين، شأنهم شأن الفئتين السياسية والعسكرية الفاسدة التي هربت عند أول مواجهة مع “طالبان”.

تأمل فئة قليلة من نشطاء المجتمع المدني السوري ألا تكون نهايتها على هذه الشاكلة، خصوصاً أنها نعمت بما يقدر بملياري دولار من أموال المانحين طوال الأعوام الثلاثة عشر الماضية، وهو رقم تقديري، نظراً لامتناع مؤسسات المجتمع المدني بالإطلاق عن إصدار تقارير الشفافية المالية كما يحدث في كل انحاء العالم بذريعة المخاطر الأمنية.

على هامش اجتماع منظمات المجتمع المدني السوري في باريس تحت عنوان “مدنية”، والذي توافد إليه نحو مئتي ناشط في هذا القطاع، عقدت جلسات عديدة خارج مكان المؤتمر وبعيداً من أجندته، وجرت نقاشات معمقة ومنفتحة للعديد من الإشكاليات والقضايا كصدى لما يدور في المجتمع الواسع، لكن التفكير الأكثر تركيزاً تمحور حول سؤالين هما: راهن قطاع المجتمع المدني السوري، والسياسة الغائبة أو المغيبة من المشهد.

بكل موضوعية وانفتاح، أقرّ عدد من القادة والنشطاء في قطاع المجتمع المدني السوري بأنه “يحبو” ولم يبلغ سن الرشد بعد، وأن غالبية المنظمات هي في الواقع نوع من شركات المقاولات التي تتسلم الإعانات من الداعمين والممولين لتوزعها على المنكوبين، أو أنها تقدم الخدمات كشريك محلي لجهات دولية، مقابل أجور ورواتب عالية تُقتطع من ميزانيات التمويل، حيث تبلغ نسبة بعض المصاريف التشغيلية، أي الرواتب والأجور، أكثر من 40% من الميزانيات النهائية. ورأوا أن هذا الواقع الذي رسخ في غفلة منهم هم ذاتهم، لا بد أن يتغير قبل أن يجهض التجربة برمتها، لا سيما أن قيادة أو عضوية “منظمة”، باتت مبرراً كافياً للغمز اجتماعياً، ووصف الشخص بأنه انتهازي يتسلق على آلام وعذابات منكوبي الصراع، بل أن عبارة “مجتمع مدني” صارت مثار ريبة غير حميدة في العموم وتقترن بالفساد على الأقل.

عدد من أعضاء المنظمات نسب المشاكل البنيوية التي تعانيها منظماتهم إلى ظروف الحرب وعدم الاستقرار والحاجات الطارئة المتكاثرة، لكن جزءاً ليس يسيراً منهم عزا الخلل إلى  مدراء المنظمات الأكبر والأكثر تمويلاً، الذين حولوا تلك المؤسسات إلى مشاريع استثمارية شخصية، لا يمكن أن تدر عليهم الربح الكافي ما لم يشع الفساد فيها وحولها. وشخّصوا الخلل هذا باستحالة تغيير رئيس أي منظمة، منذ 13 سنة حتى الآن، ولا يبدو أن رئيس أي من هذه المؤسسات مستعد للتخلي عن منصبه في الأفق القريب، وهذا خرق لأبسط أسس وقواعد العمل المدني الذي يفترض تداول السلطة، وهو وحده كفيل بتقويض القطاع، هذا إذا لم نتطرق للفساد الإداري وانعدام الشفافية وتكافؤ الفرص وظاهرة توظيف الأقارب والزوجات والمحاسيب.

المتحدثون لم تفُتهم الإشارة إلى ارتباط قطاع المجتمع المدني السوري، تمويلاً وتوجيهاً، بالمؤسسات الغربية، وهو ما له إيجابيات تتعلق بتطوير الأداء وضبط المعايير، لكنهم وجدوا أيضاً أن الأجندات التي لا بد لكل ممول أن يفرضها، تبدو أحياناً بعيدة من أولويات ومتطلبات مجتمعاتنا في الوضع الراهن. وبالتالي، فإن بعض المنظمات يغرد في وادٍ لا يملك السوري رفاهية الوجود فيه أصلاً، وأحياناً يعزف “الإنجي-أوزيون” كما باتوا يسمون، ألحاناً مضادة لمصلحة شعبهم لكسب رضى الممول.

إلا أن الموضوعة التي استحوذت على الاهتمام الأكبر كانت انفصال أعضاء مؤسسات المجتمع المدني عن المجتمع الحقيقي وهمومه وتطلعاته، والانكفاء المتزايد لهؤلاء عن السياسة ومناصبتها العداء، حتى كأنها رجس يجب اجتنابه. ووجد معظم المتداخلين أن تدني النشاط السياسي وتراجعه بالعموم، ناجم عن انخراط أكثرية النشطاء البارزين، والمهيّأين للعمل والقيادة السياسية، في هذه المؤسسات غير الربحية التي اشترطت على أي عامل فيها عدم الانتساب إلى أي جهة سياسية، وهو المبدأ الذي غالى النشطاء باعتناقه وفهموه على أنهم يجب الا يكون لديهم أي انحياز سياسي أصلاً. علماً أن ذلك كله لم يكن مُلزماً، وفق رئيس أحد المنظمات البارزة، والذي عزا التفسير المبالغ فيه من قبل النشطاء إلى رغبتهم في تبرير الاستقالة من العمل العام والعيش بسلام مع الرواتب المغرية التي يحصلون عليها، وهو ما أدى إلى خلو الساحة السياسية سوى من فئة المناضلين التاريخيين الذين تقدموا في السن، وفئة السياسيين المنتفعين الذين لم يزاولوا هذا النشاط قبل أن تعتمدهم دول كممثلين لها، وليس لديهم في الواقع أي التزام أو قضية يناضلون لأجلها سوى مكاسبهم الخاصة.

لقد كشف النقاش عن محاولات ولدت من رحم المجتمع المدني، للانتقال إلى العمل السياسي والعودة لملء الفراغ الحاصل هنا. بعضها يظن أنه يمكن تسييس المجتمع المدني، وبعضها يقوم على هجران العمل المدني وملاقاة محاولات سياسية صرفة تنشأ هنا وهناك كاستجابة للانسداد الحالي في أفق القضية السورية والبحث عن سبل لتجاوزه.

لعل النقد الذاتي أعلاه، والمحاولات المشار إليها، ليست عامة ولا واسعة النطاق حتى. لكن، وكي لا نُفرِط في التفاؤل، فإن غالبية مدراء منظمات ومؤسسات المجتمع المدني تعتبر طرح سؤال تداول السلطة في مؤسستها نوعاً من العدوان الشخصي عليها. أما طرح سؤال الشفافية المالية وكشف مصادر الدخل ومسارب الانفاق، فإنه مدعاة لتحسس هذا القائد المدني “مسدسه”، كما قال عضو في أحد المؤسسات متهكماً

المدن

——————————-

ماذا يريد مناف طلاس والأصفري…؟/ عمر قدور

من باريس أتت في الأيام الأخيرة الأخبار السورية غير الرتيبة، ففيها عُقد قبل أسبوع مؤتمر منصة “مدنية” الجامعة لما يزيد عن 180 منظمة مدنية سورية، ومن مكان إقامته في باريس أطلق مناف طلاس قبل ثلاثة أيام “رسالة إلى الشعب السوري”. نضيف إلى الحدثين لقاءين آخرين سيُعقد واحد منهما في باريس أيضاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بينما سيُعقد الثاني خلال أيام في مدينة أوروبية أخرى، والمصادفة “وحدها؟” تشير إلى احتمال صدور مبادرة “وثيقة-بيان” عن اجتماع باريس، بينما الاجتماع الثاني ما يزال في طور تداول الأفكار.

أطلق العميد مناف طلاس رسالته بصفته “قائد المجلس العسكري السوري”، والمجلس المذكور أثار لغطاً حول الإعلان عن أنشطته قبل شهور، ثم تلاشت الضجة التي رافقت ظهوره. وكان المجلس، في 25 أيار الفائت، قد أصدر بياناً على خلفية التطبيع العربي مع الأسد، انتقد فيه المعارضة التي “لم يبقَ لها إلا أدوارها الوظيفية”، مؤكّداً على “أن ثورة الشعب السوري أصبحت حركة تحرر وطني، ومن حق جميع السوريين العمل على إسقاط النظام الغاصب وبناء دولة القانون والعدالة والديموقراطية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة والمشروعة”. لينوّه البيان في فقرته الأخيرة بالمواقف الدولية الرافضة لتسويق الأسد وإعادة تعويمه، وفي مقدمها الموقف الأوروبي والأمريكي.

في حوار نُشر في جريدة القدس العربي، حول رسالته التي حملت مضامين بيان المجلس وأتت كأنما بهدف إعطاء زخم إضافي له، أكّد طلاس على أن “الدعم الداخلي والخارجي موجود دائماً وخاصة من ناحية تقبّل المشروع والحاجة إليه”. والرسالة المتضمنة في وجود الدعم الخارجي واضحة جداً، ونميل إلى تصديقها، فالغاية منها القول أن مشروع المجلس العسكري يحظى بمصداقية لدى قوى فاعلة في سوريا؛ تحديداً الولايات المتحدة وأوروبا. ما يجعلنا نميل إلى التصديق، من دون مبالغة، أن طلاس بعد مغادرته سوريا نأى بنفسه عن أطر المعارضة السياسية والعسكرية، رغم صعودها آنذاك والعروض التي قُدِّمت له ليكون من ضمنها، ولا يستقيم منطقياً أن يرفض ما كان يحظى بالدعم ليعود إلى الساحة بلا دعم؛ هذا لا ينسجم أيضاً مع ما هو معروف عنه.

لم تنل رسالة طلاس الانتباه الذي ربما كان يتوخّاه، وهو ما يعود إلى حالة اليأس العامة في أوساط السوريين، والتي تجعلهم مُضرِبين عن التفاعل، وحتى عن المتابعة. نسجّل مثلاً أن قولاً عنصرياً تجاه السوريين، منسوباً إلى اللبنانية نضال الأحمدية، أثار تفاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعي يفوق ما أثاره العديد من الأحداث السورية أو المؤثّرة سورياً. في المعلن على الأقل، مرَّ بقليل جداً من التفاعل مؤتمر منصة “مدنية”، وأقلّ منه التفاعل مع رسالة طلاس. هذا في العلن، أما في العالم الموازي لوسائل التواصل، عالم المجموعات وغرف المحادثة المغلقة، فقد حضرت أخبار المنصة والرسالة مع غلبة التحفظ والتشكيك إزاء الاثنتين، من دون اتخاذ مواقف عدائية منسّقة يحملها إلى العلن أفراد من تلك المجموعات، حتى الآن.

ولو شئنا التعبير بصرامة، لما رأينا اليأس مبرراً كافياً لعدم خوض نقاش عام حول الحراك الجديد، ونذكر هنا أن طلاس في حواره مع “القدس العربي” ينوّه بأن رسالته وما يعتبره تحركاً للمجلس العسكري هما من ضمن حراك سوري يحدث الآن، وأشرنا إلى جزء منه في مستهل المقال. لقد طالب سوريون منذ سنوات بالحراك السياسي، خارج أطر المعارضة المعروفة، وطالبوا بأن يكون تواجده بعيداً عن القوى الإقليمية التي تُمسك بأطر المعارضة، وطبّعت أو في طريقها إلى التطبيع مع الأسد. واليوم ثمة حراك سوري بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد لا يكون هو المنتَظر أو المأمول، لكن تركه خارج النقاش لن يساهم في جعله أفضل، أو في التمهيد للأفضل.

من أسباب التحفّظ المسبق بروز التساؤل عمّا يريده طلاس وأيمن الأصفري، والسؤال التقليدي: لماذا الآن؟ الأول منهما كان مقرّباً من بشار الأسد، وابناً لوزير الدفاع الأطول مدة خلال حكم العائلة، أما الثاني فهو ثري سوري مغترب دخل في أعمال ومقاولات في سوريا قبل الثورة، ساعدته عليها علاقة جيدة ببشار الأسد، ويقول مقرّبون منه أن استثماراته كانت هي المدخل لتلك العلاقة التي لا مفرّ منها لأي مستثمر، وأنها شهدت فتوراً لمطالبته يوماً بإطلاق سراح المعارض الراحل ميشيل كيلو.

رغم أن ثروة الأصفري ليست محل استهجان، كالثروة الضخمة التي يُتوقّع أن يكون مناف قد ورثها من أبيه، فإن المناخ السائد لدى السوريين يميل بشدة إلى هجاء الثراء ولا يثق بأصحابه، مع ندرة شديدة جداً من الأثرياء الذين قدّموا للفضاء العام نموذجاً يستحق الاحترام. في الأصل قضى انقلاب البعث على فلول الإقطاع وبدايات البرجوازية الوطنية، ولم يبقَ في الساحة سوى أثرياء السلطة وقلة من الأثرياء القدامى قبِلت بشروط اللعبة وبالشراكة مع حيتان السلطة الجديدة في عهدها الأسدي. ذلك يفتح على السؤال عن مصادر التمويل “الوطني” المحكومة تماماً بهذا الواقع، وحيث يكون البديل تمويلاً خارجياً لا ينجو بدوره من التساؤل عن مراميه “الخبيثة”. جدير بالذكر أن الأخير ألقى عليه كثر مسؤولية إفساد المعارضة، عبر تمويل هياكلها السياسية والعسكرية ومنظمات المجتمع المدني!

ومن التحفّظات الأخرى على طلاس والأصفري القول أنهما يسعيان إلى السلطة، وفي حوارين منفصلين للاثنين، نشرتهما جريدة القدس العربي في السادس والتاسع من هذا الشهر، نفى كلّ منهما أن يكون طامعاً في السلطة إذا أزيح الأسد عنها. وهذه كما نعلم تهمة سورية تقليدية، دأب على ترويجها إعلام الأسد ومخابراته كأنها وصمة، بينما دأب على نفيها المعارضون منذ عهد ما قبل الثورة! وليت الاثنين أو واحداً منهما قال أنه يريد الوصول إلى السلطة، وأن هذا حقٌّ له ولأيّ سوري آخر ضمن التنافس الديموقراطي المنشود. لو فعل أيّ منهما ذلك لقدّم للمتابعين تمريناً ذهنياً مختلفاً عن التشكيك في صدق ما يقول، تمريناً ربما يساعد على تخطي التكاذب المعمم في ما يخص التعفف عن السلطة. ومن الطريف أن يُتّهم الأصفري بإنشاء تكتل لمنظمات المجتمع المدني ينحرف بها إلى ممارسة السياسة التي ينبغي ألا تخوض فيها، رغم أن فرنسا التي انعقد فيها لقاء “مدنية” تقود فيها النقابات حالياً أقوى عملية اعتراض “سياسية في الجوهر”، مع تراجع ملحوظ في فعالية الأحزاب التقليدية.

بالتأكيد لن نضع نفسنا في معرض تبديد التحفظات على طلاس والأصفري، بل نفضّل الانطلاق منها ومن تصديقها، فنفترض أننا أمام حالتين لطامحين إلى السلطة، لديهما الثروة والدعم الخارجي. وعلى ذلك، فليطرح أفراد “حزب الكنبة السوري” الأوسع انتشاراً على أنفسهم الأسئلة الواقعية حقاً، لا الصورة الافتراضية لما ينبغي أن تكون عليه المعارضة والتي يكذّبها الواقع المزري لهياكلها الموجودة. وربما، لو فعلوا، يكون بين الأسئلة الأولى: لماذا لا يتنازل بعضٌ من أصحاب العفة والعصمة بالدخول في ميدان العمل، بدل الاسترخاء على الكنبة وانتظار مجيء “معارضة الأحلام” على فرس أبيض؟

المدن

—————————-

“مدنية”..مظلة سورية “لحماية فضاء المجتمع المدني” أم لملئ الفراغ السياسي؟

لأول مرة منذ 12 عاماً يجتمع نشطاء سوريون من كل دول العالم، تحت مظلة أطلق عليها “مدنية”، بدعم وتمويل سوري و”مستقلة عن النفوذ الأجنبي والسياسي”.

هكذا وصف عدد من السوريين الاجتماع الذي احتضنته العاصمة الفرنسية، الأسبوع الماضي، لـممثلين عن منظمات مجتمع مدني لإطلاق منصة “مدنية”، التي تهدف إلى حماية فضاء المجتمع المدني السوري وتعزيز دوره السياسي، وإيصال صوته لصناع السياسات.

الحراك الجديد في باريس، لاقى ترحيباً كونه أول مظلة من نوعها للمجتمع المدني، قد تلعب دوراً في المشهد السياسي ورسم مسارات الحل، لكن في المقابل لم تسلم المنصة الجديدة من الانتقادات.

وتعرف “مدنية” نفسها بأنها “مبادرة يقودها ويمولها سوريات وسوريون. مستقلة عن النفوذ الأجنبي والسياسي، مهمتها حماية الفضاء المدني السوري ودعم الدور الرائد للمجتمع المدني في بناء مستقبل سورية”.

فريق “السورية.نت” حاور بعض المشاركين في  المنصة، لمعرفة أهدافها والخطوات المقبلة التي تسعها لها، إلى جانب معرفة اهم الانتقادات التي وجهت لها.

من هي مدنية؟

على مدى يومين، وتحديداً في الخامس والسادس من يونيو/ حزيران الحالي، اجتمعت في باريس نحو 180 شخصية سورية، ممثلين عن أكثر من 160 مؤسسة تمثل منظمات المجتمع المدني.

اليوم الأولى خُصص للنقاش حول المعايير التي وضعتها “مدنية” للانضمام إليها، وكيف يمكن لها أن تساهم في ملئ الفراغ السياسي، وتفعيل الأحقية السياسية لمنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى نقاش أهم الأدوات التي يمكن العمل عليها لتعزيز تبادل الخبرات والتعاون بين المنظمات المنضوية.

أما اليوم الثاني، فقد استضاف المؤتمر أكثر من 75 شخصية، مسؤولين ودبلوماسيين من عدة دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وهولندا وإيطاليا، إلى جانب ممثل عن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون، وبدر جاموس رئيس هيئة التفاوض السورية، وعدد من المنظمات الدولية الفاعلة في الملف السوري.

وخلال الاجتماع تم اختيار أعضاء مجلس الإدارة برئاسة رجل الأعمال السوري، أيمن أصفري، الذي يعتبر الممول الرئيسي للمبادرة.

كما ضم مجلس الإدارة أصحاب الفكرة والمؤسسون الذين تباحثوا خلال السنوات الماضية، حول كيفية إنشاء “مدنية”، وأهدافها، ومن أبرزهم مدير الدفاع المدني، رائد الصالح، ورجل الأعمال أيمن أصفري.

وستجري عملية انتخاب لثلث أعضاء مجلس الإدارة، البالغ عددهم 25 شخصاً، كل ثلاث سنوات، حسب ما قاله لـ”السورية.نت”، رئيس البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي، قتيبة إدلبي، وهو أحد الحاضرين.

أما الخطوات المقبلة تتعلق بمحورين، حسب إدلبي، المحور الأول، هو توسيع العضوية والاستمرار بعمليات الحشد، لضم أكثر عدد ممكن من المنظمات الفاعلة في الوسط المدني السوري سواء منظمات إغاثية أو مدنية أو نقابات، إلى “مدنية”.

أما المحور الثاني، يتمثل بالعمل مع الأعضاء الحالين لبناء آليات تبادل الخبرات والتعاون داخل أعضاء المنصة نفسها.

في حين يرى بهجت حجار، وهو مدير “وحدة المجالس المحلية”، وأحد الأعضاء المشاركين في “مدنية”، أن الخطوات المقبلة ستركز على تمكين حوكمة المنصة الداخلية والوصول على مستويين، الأول الوصل لشرائح أوسع من الفاعلين المدنيين السوريين.

أما المستوى الثاني، حسب ما قاله حجار لـ”السورية. نت”، هو الوصول لصناع القرار على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لتمكين وتفعيل دور المجتمع المدني السوري.

وسيكون تمويل مدنية من أعضائها، بحيث ستدفع كل منظمة مبلغ معين كاشتراك عضوية في المنصة، حسب إدلبي، وهو ما يضمن أن تكون المبادرة بتمويل سوري بحيث يكون لها أكبر استقلالية ممكنة.

ما أهمية مدنية؟

وتبرز أهمية “مدنية” في أنها المرة الأولى التي يتم فيها اجتماع السوريون في مظلة جامعة بتمويل سوري لا علاقة للمانحين فيه، وإبراز موقفهم دون مواربة وتأكيد رفضهم لانتهاكات نظام الأسد ورفضهم للتطبيع معه.

ويقول الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، منير الفقير لـ”السورية.نت”، إنها “المرة الأولى التي يحاول فيها السوريون أن يجمعوا أنفسهم كمجتمع مدني، وتحديد مطالبهم وتقديمها للسياسيين ودعهم في تحقيق هذه المطالب والتأكيد على عدم تجاوزها”.

وأشار الفقير إلى أن عمل المجتمع المدني بعد 12 عاماً من الثورة تحول “لمزودي خدمات”، وذهب بشكل كبير باتجاه الحياد، وأصبح بعيداً عن أي موقف من القضايا السياسية والحقوقية.

واعتبر أن منظمات المجتمع المدني يجب عليها ألا تعمل في السياسة لكن في نفس الوقت يجب أن تمثل مصالح المجتمع.

كما اعتبر أن “مدنية” تحاول أن تلعب هذا الدور “رغم عدم وضوح ذلك في المؤتمر التأسيسي، إذ هناك من اعتقد أن المنصة يمكن أن تتحول إلى حزب سياسي، بينما اعتقد آخرون أنها يمكن أن تلعب الدور الذي يعبر عن مصالح السوريين والمجتمع المدني السوري”.

واعتبر الفقير أن “صوت المجتمع المدني السوري غائب في كل القضايا السياسية والحقوقية”، معبراً عن أمله بأن تكون “مدنية”، صوتاً للمجتمع المدني دون الدخول في العمل السياسي وشكل الحكم والسلطة في سورية، كونه من اختصاص عمل الأحزاب السياسية.

وقال البحث السوري، إن منصة “مدنية”، تواجه “تحدياً خطيراً”، في الحفاظ على لعب دور التمثيل وعدم تجاوزه إلى الدخول في العمل السياسي.

أما بهجت حجار، فيرى أن الأهداف الأساسية للمنصة، هي حماية فضاء “المجتمع المدني وتعزيز الدور السياسي له وإيصال صوته لصناع السياسيات”.

وأشار إلى أن هدف المنصة، أن “تكون شاملة، يعني أن تكون عابرة للقطاعات ومظلة لمنظمات تفرض عليها طبيعة عملها عدم الالتقاء والاجتماع مثل المنظمات التي تعمل في الشأن الإنساني والحقوقي أو التعليم أو في مناطق جغرافية مختلفة.”

ويقول رئيس المبادرة، أيمن أصفري، إنه “على مدى العقد الماضي، لعبت مؤسسات المجتمع المدني السوري دوراً استثنائياً في الحفاظ على قيم الانتفاضة السورية وتقديم الخدمات الأساسية للمجتمعات السورية المختلفة”.

واعتبر في تصريحات صحفية، أن لهذه المؤسسات شرعيتها، في أن يكون صوتها مؤثراً عند نقاش حاجات الشعب السوري.

“مدنية” والسياسة

ودارت تساؤلات حول هدف المنصة الجديدة في الشأن السياسي، وهل يمكن أن تشكل جسماً سياسياً إضافياً لأجسام المعارضة الحالية.

وحسب بيان “مدنية”، فإن المبادرة لن تحل مكان “الأجسام السورية المنخرطة في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، بل تأتي ضمن محاولات رفد جهودها”.

ويعتبر بهجت حجار أن رؤية “مدنية” السياسية “تتوافق مع قيم الثورة السورية وترى سورية بلداً موحداً شاملاً لجميع شرائحه من المواطنين باختلافاتهم وتكون سورية دولة ديمقراطية ودولة قانون ومواطنة.”

وأكد حجار أن “مدنية” لها دور في العمل السياسي “لكن هذا الدور لن يكون على طاولة التفاوض وبديلة لمؤسسات المعارضة مثل الائتلاف، وإنما عملها متمم عبر نقل صوت المجتمع المدني لأي عملية سياسية أو حديث أو نقاش سياسي حول مستقبل سورية”.

من جانبه يرى قتيبة إدلبي، أن هدف مدنية الرئيسِ هو “ملئ الفراغ السياسي” الموجود حالياً، في ظل الوضع التي تشهده سورية، لكن ملئ الفراغ سيتم من خلال إتاحة الأدوات أمام المجتمع المدني السوري والدفع بشخصيات تستطيع ملئ هذا الفراغ السياسي.

وأشار إلى أن “المجتمع المدني السوري لن يملأ هذا الفراغ بحد ذاته، وإنما تقدم مدنية الأدوات للمجتمع المدني للوصول إلى شخصيات تمثل حقيقة تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة”.

واعترض البعض على مصطلح “الأحقية السياسية” الذي ورد في بيان “مدنية” التأسيسي.

وحذر بعض الناشطين، من استخدام المصطلح معتبرين أنه حق لجميع الكتل السورية الممارسة السياسية والمشاركة في رسم مستقبل سورية.

وأصدرت “مدنية” بياناً ردت فيه، وكشفت المقصود باستخدام المصطلح، معتبرةً أن “المطالبة بالأحقية السياسية للفضاء المدني السوري تحت مظلة مدنيّة لا تعني ضمناً أية رغبة في الحلول محل الأجسام السورية المنخرطة في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤”.

“بل تأتي ضمن محاولات رفد جهودها. هذه الأحقية السياسية متجذرة في ضرورة أن يكون للفاعلين المدنيين السوريين دور فعال في التأثير على كافة مسارات العمل، للوصول لحل سياسي عادل ومبني على الحقوق وهذا حق مصان للسوريين وفق ذات قرار مجلس الأمن”.

مخاوف وانتقادات

في المقابل، تعرضت منصة “مدنية” لانتقادات، وهو بحسب حجار “أمر طبيعي لأي مبادرة سورية تكون مجهولة المعالم للناس في البداية.”

ومن الانتقادات التي وجهت لها، حسب الفقير، هو “غياب بعض النقابات والاتحادات الموجودة على الأرض التي تعبر عن المجتمع المدني، وإنما كان وجود المنظمات، التي يطلق عليها مزودات خدمة، أقوى في المؤتمر التأسيسي”.

وقال منير الفقير، إن المؤتمر “افتقر إلى التنوع في المشهد، بمعنى حضور منظمات وأشخاص لا تعكس المجتمع المدني على الأرض وثقافته”، مضيفاً أنه “كان يوجد تنوع لكن المجتمع المدني ذات الصبغة الليبرالية كان أكثر حضوراً”.

أما مديرة برنامج أبحاث حول الشأن السوري في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ريم تركماني، فقد اعتبرت أن “مدنية يمكن أن ترهق المجتمع المدني بأن تكون المسؤول الرئيسي عن ملئ الفراغ السياسي”.

لكن تركماني أضافت في حوار مع “السورية. نت”، إن أي “مبادرة مدنية تسعى لزيادة التشبيك بين الفاعلين المدنيين وزيادة فاعليتهم على كل الأصعدة هي مبادرة مرحب بها”.

وأضافت أنه “بالتأكيد يجب على المجتمع المدني أن يكون له دور في المشهد السياسي ورسم مسارات الحل. لكن تموضع المجتمع المدني في هذا السياق مهم جداً وخصوصاً بما يتعلق بعلاقته مع الفاعلين السياسيين”.

وأشارت إلى أن “مشكلتنا الأكبر هي عدم وجود فاعلين سياسيين حقيقيين ليكتمل بهم المشهد. من هي الأحزاب السياسية الحقيقية والفاعلة في المشهد السوري؟ تجد معظم الكوادر والفاعلية في ساحة المجتمع المدني.  وهذا يجعل الكثيرين يتجهون نحو المجتمع المدني، وأحياناً يضعون على أكتافه أكثر مما هو حِمل له، خصوصاً أنه مجتمع مدني مشغول بفيض لا ينتهي من الاحتياجات على الأرض”.

واعتبرت أن ملئ الفراغ السياسي، يكون “بتشكيل أحزاب سياسية فاعلة مدفوعة بفكر جديد ينبع من روح هذه المرحلة”.

وختمت حديثها مناديةً “بإعادة إحياء الحياة السياسة في سورية مثلما كانت بين عامي 1920 و1970، عندما كانت غنية بالأحزاب والقيادات السياسية، بدل أن نرهق المجتمع المدني بأن يكون المسؤول الرئيسِ عن ملئ هذا الفراغ”.

السورية نت

———————————

أيمن الأصفري: أنا لم أبتعد ومدنية مبادرة بتمويل وقيادة سورية

غسان ياسين

دائماً ما يثار لغط ونقاش كبير مع كل حديث عن المجتمع المدني في سوريا ومرد هذا السجال بالدرجة الأولى لأن  قياديين في المنظمات الأممية والهيئات الدولية المانحة فضلت التعاون والعمل مع المجتمع المدني لأسباب عدة مما أثار استياء الكيانات السياسية وتم اقحام ممثلي المجتمع المدني في العملية السياسية منذ تشكيل اللجنة الدستورية، موقع تلفزيون سوريا حاور السيد أيمن أصفري عن دور المجتمع المدني وعن دور رجال الأعمال بشكل عام ومساهمتهم في دعم الثورة السورية.

بصفتك رجل أعمال سورياً بارزاً وله حضور دولي وعربي كيف تقيم دور رجال الأعمال بشكل عام وانخراطهم بالشأن العام منذ بداية الثورة، وهل كان من الممكن أن يكون لهم دور أكبر؟

لطالما كان دور رجال وسيدات الأعمال في الشأن العام دور استثنائي، وهذا ما حصل في السياق السوري على وجه التحديد. ولكن شكلت الظروف السورية بشكل متزايد عقبات معقدة أمام رجال الأعمال للمشاركة بأنشطة في الشؤون العامة في بداية الثورة السورية. وجد الكثير منهم صعوبة في التنقل والمشاركة بسبب نظام الأسد وعدم الاستقرار وانعدام الأمن الاقتصادي. ومع ذلك، من المهم ذكر أنه في ظل القيود التي فرضها الوضع، قام العديد من رجال الأعمال بمحاولات للانخراط والدعم. نذكر على سبيل المثال جهود الجمعية السورية العالمية للأعمالSIBA. والعديد من رجال الأعمال الذين كان لهم حضور جيد في في دعم الأعمال الإنسانية والتنموية طوال الثورة.

 بالنظر إلى الماضي، ربما كان بقدرة رجال الأعمال القيام بدور أكبر في تشجيع التغيير والمساهمة في الوضع السياسي بشكل فعال أكثر. ومع ذلك، فمن الضروري تحليل البيئة التي يعملون فيها. أنتجت الثورة جوا اتسم بعدم اليقين ومخاوف أمنية وانعدام الاستقرار، كل ذلك أعاق قدرة رجال الأعمال على ممارسة نفوذهم المحتمل. في الوقت نفسه، يجب أن نقدر الجانب الأمني الذي أعاق العديد من رجال الأعمال للمشاركة بفعالية في الثورة، ولا يمكن تجاهل هذا أو التقليل من شأنه. هذا المنطلق ينطبق أيضاً على رجال الأعمال في دول الجوار. إن العديد من الأشخاص في مجال الأعمال، وعلى الرغم من المخاطرة بأمنهم، لعبوا دورًا نشطًا في تمكين ودعم المجتمع المدني. ومع هذا ادعى رجال الأعمال وخاصة الموجودين خارج سلطة نظام الأسد القيام بدور أكبر بدعم كل المبادرات التي تؤدي الى تمكين وتقوية المجتمع المدني.

لماذا ابتعد أيمن الأصفري منذ سنوات بعد أن كانت له مساهمات واضحة في دعم المعارضة بداية الثورة؟ وهل نستطيع اعتبار “مدنية” بوابة للعودة من باب المجتمع المدني؟

في الواقع، لم أبتعد عن المشهد أبدا، في البداية كنت أؤيد وأدعم المعارضة. لقد كان دعمي دائما قائما على القيم؛ كنت أدعم معارضة ديمقراطية، سلمية، معتدلة. اضطررت إلى الابتعاد عن هذا المشهد، بسبب عدم وجود أي عملية سياسية. وبرأيي أي انتقال سياسي يجب أن يتبع نهجا تصاعديا محددا يبدأ من الشعب والمدنيين انتقالاً إلى السياسة، لذلك أي انتقال سياسي مستدام لابد أن يكون مبنيا على التنظيمات المجتمعية، ولكن مثل كل الأنظمة الشمولية نظام الأسد لم يدع مكانا لهذه التنظيمات.

أيضاً واصلت دعم المجتمع المدني من خلال مبادرات مختلفة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد دعمت مؤسسة الأصفري أكثر من 60 منظمة مجتمع مدني سورية، وينطبق الشيء نفسه على معهد الأصفري بالمواطنة والمجتمع المدني في الجامعة الأميركية في بيروت. على المستوى الشخصي بقيت مناصراً وما زلت أستمر بالمناصرة للقضية السورية واستخدمت صلاتي للدفاع عن مستقبل سوريا والوصول إلى حل سياسي.

إن اختياري للابتعاد عن الظهور الإعلامي، مجرد انعكاس لإيماني بأن الأمر لا يتعلق بي أو بصفتي أيمن أصفري، بل يتعلق بالصالح العام للسوريين وسوريا. ما يجب أن يُعنى به الإعلام، هو العمل الهائل القائم من خلال المجتمع المدني ومصلحة سوريا العامة.

ما هي مدنية ولماذا الآن؟

بدأنا مدنية لتكون مبادرة سورية بتمويل وبقيادة سورية، مستقلة عن النفوذ السياسي أو التدخلات الخارجية، بهدف تعزيز الفاعلية السياسية للفضاء المدني السوري. مهمتنا هي حماية الفضاء المدني لدينا ودعم الدور الرائد للمجتمع المدني في بناء مستقبل سوريا. تتمثل رؤيتنا في سوريا شاملة وديمقراطية وذات سيادة، يتساوى مواطنوها جميعا في ظل سيادة القانون. هذا الفضاء المدني الموحد يتجاوز الانقسامات ويعزز الشعور بالملكية والانتماء. من خلال الاستفادة من الموارد الجماعية والقدرات والمعرفة والتأثير السياسي للفاعلين المدنيين السوريين، تعمل مدنية على ضمان دور قيادي للسوريين في عمليات صنع القرار ذات الصلة بالسوريين على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. بعد ما يقرب من عامين، تم إطلاق مدنية رسميا في بداية عام 2023. لقد انضم إلينا رسميا أكثر من 150 منظمة مجتمع مدني سورية عبر قطاعات ومناطق جغرافية مختلفة.

مدنية، في رحلتها لتمكين الفضاء المدني السوري من استعادة الفاعلية السياسية، تأتي في وقت حرج بالنظر إلى اتجاهات التطبيع المتزايدة مع نظام الأسد وبالأخص بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا. من خلال حشد ممثلي منظمات المجتمع المدني السوري الذين يؤمنون بقيمها، نسعى للمساهمة بشكل فعال في الشأن السوري العام وذلك من خلال لعب دور مكمل لأدوار الفاعلين السياسيين والدوليين في المسارات المختلفة التي تفضي لحل سياسي مبني على الحقوق في سوريا.  نحن بحاجة أيضا إلى إبراز أن المئات من منظمات المجتمع المدني السوري في جميع القطاعات قد بذلت جهودا هائلة للمساعدة في تقديم مساهمات لا تقدر بثمن مع الحفاظ على قيم الثورة السورية. تتمتع هذه المنظمات بالشرعية والمصداقية والخبرة لتكون نظيرا في عمليات صنع القرار المتعلقة بسوريا. وهذا ما تسعى إليه مدنية.

مدنية هي جهد جماعي، أنا أيدت ودعمت هذه المبادرة التي تعمل من خلال نظام داخلي واضح وشفاف، حيث يضمن أنه تدريجياً سيتنازل مجلس الإدارة المؤسس مع رئيس مجلسها عن دورهم إلى مجلس منتخب.

-علاقة مدنية بهيئات/تجمعات المجتمع المدني الكثيرة والتي تشكلت منذ بداية الثورة وحتى اليوم لطالما كانت هناك محاولات متعددة، محقة، لإنشاء شبكات وتحالفات تجمع منظمات المجتمع المدني السوري لأسباب متعددة. لقد تضاءل البعض للأسف، لكن العديد منهم يقودون جهودا ضخمة بنشاط. تمتلك معظم هذه المنظمات هدفاً واضحًا للتنسيق بين المنظمات العاملة في القطاع نفسه (أي المنظمات الإنسانية، والمناصرة، وما إلى ذلك) أو المناطق الجغرافية نفسها (أي شمال شرقي سوريا، وشمال غرب سوريا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وشبكات الشتات، وما إلى ذلك). بعضها يقودها سوريون، لكن العديد منها من قبل المنظمات الدولية. على الرغم من العمل الهائل لهذه المبادرات، ما يزال الصوت السوري مستبعدًا بشكل منهجي من منصات صنع القرار. في أفضل الحالات، هناك عمليات استشارية تُشرك السوريين في بعض هذه المنصات. ومع ذلك، يمكن التشكيك في إمكانية الوصول وشفافية هذه العمليات.

مدنية هي محاولة لجمع جميع الجهات الفاعلة والمنظمات المدنية تحت مظلة واحدة لاستعادة الفاعلية السياسية للفضاء المدني السوري، وكيفية مشاركة السوريين في صنع القرار في بلدهم. مدنية تبني على الجهود الهائلة للشبكات والائتلافات الأخرى التي يقودها سوريون، بهدف استكمال أدوارهم بدلاً من استبدالهم. وتسعى إلى سد الثغرات في الجهود الحالية، من خلال تعزيز بيئة داعمة لمزيد من التعاون. مدنية لا تهدف إلى تمثيل الأعضاء أو تغيير هياكلهم. بدلاً من ذلك، تسعى جاهدة لحشد الأعضاء داخل مظلتها القائمة على الحقوق لرفع مستوى وجودهم وتقديمهم كنظراء حقيقيين في عمليات صنع القرار المتعلقة بسوريا، وبذل كل الجهود لتعزيز كفاءتهم على طول الطريق.

ما رؤيتك لدور المجتمع المدني ومساهمته في إيجاد حل للمسألة السورية وهل هو دور مكمل للكيانات السياسية أم منافس؟

من المهم تسليط الضوء على القوة الهائلة التي يمتلكها المجتمع المدني، فهو يمثل الصوت الجماعي للشعب، ومساهمته ضرورية لتعزيز الحوار الشامل. تتمتع منظمات المجتمع المدني بقدرة فريدة على سد الفجوة بين الناس والكيانات السياسية. أرى المجتمع المدني كقوة مكملة للكيانات السياسية وليس كقوة منافسة. بينما تتحمل الكيانات السياسية مسؤولية التفاوض على الحلول السياسية وتنفيذها، فإن المجتمع المدني يكمل جهودهم بوجوده كداعم ورقيب.

تلفزيون سوريا

—————————-

أيمن الأصفري: ساهمت في تمويل «مدنية»… ولا أتطلع لأي دور سياسي ولا لتأسيس حزب سياسي… ونعارض التطبيع مع النظام

 هبة محمد

أطلقت مبادرة “مدنية” رسمياً مؤتمرها الافتتاحي الأول، الثلاثاء، بحضور أكثر من 150 مؤسسة مدنية سورية من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، حيث التقى ممثلو منظمات المجتمع المدني، في مؤتمر موسع في العاصمة الفرنسية باريس، تحت عنوان “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري” في محاولة لجمع كافة الجهات الفاعلة المدنية تحت مظلة واحدة، بهدف استعادة الفاعلية السياسية، ولتقديم وفرض نظراء قادرين على لعب دور قيادي في صناعة القرارات المتعلقة ببلدهم، والمطالبة بالأحقية السياسية ودور فعال للتأثير في كافة مسارات الوصول لحل سياسي.

وللكشف عن خلفية المبادرة والهدف منها كان اللقاء التالي مع المدير التنفيذي للمبادرة رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري:

■ لماذا تأخرت “مدنية” كل هذه السنوات حتى ظهرت؟ وما هي دواعي ظهورها في هذا التوقيت؟

■ “مدنية” ليست أول محاولة، وقد كانت هناك محاولات عديدة من قبل لإيجاد صوت سوري حر على مستوى المجتمع المدني، وقبل نحو 6 سنوات كانت هناك مبادرة أخرى قادتها الراحلة بسمة قضماني.

“مدنية” فكرة قديمة، وأنجزنا الحوكمة وأقمنا مجلس الإدارة قبل عامين، ثم بدأنا بداية العام الجاري بعملية الحشد، حتى وصلنا اليوم لإطلاقها في المؤتمر.

هناك ضرورة أساسية لمبادرة مدنية، فالمجتمع المدني مغيب تماماً. صوته مغيب كما أنه مغيب عن العملية السياسية، ووجدنا في مجلس الإدارة ضرورة لإيجاد صوت قوي له، ولتوحيد المنظمات وتنظيمها تحت مظلة واحدة وهي “مدنية”.

■ وهل تأملون بدعم دولي وما هو الدعم السياسي الدولي الذي تأملون بالحصول عليه؟

■ نحن لا نأمل بدعم مادي من أحد. من الناحية السياسية لدينا صوت في العملية السياسية، وهذا الصوت مشرع بالقرار الدولي 2254 وكل عمل مدني له جانب سياسي.

و”مدنية” مبادرة ممولة من سوريين ومن منظمات مجتمع مدني، ولسنا في حاجة لمساعدة من أحد، وهي مبادرة سورية بامتياز، كما أن منظمات المجتمع المدني في جزء منها تعمل مع “مدنية” وتحصل على مساعدات من المجموعة الأوروبية، ومن دول أجنبية. لكن “مدنية” نفسها تحرص دائما على ان تكون مظلة للمؤسسات السورية في المجتمع المدني السوري بتمويل سوري، باستقلالية تامة بعيدة عن كل التدخلات الخارجية.

■ ما هو ردكم على التطبيع والانفتاح العربي على النظام السوري؟

■ ردنا جاء في البيان الختامي للمؤتمر، ونحن ضد التطبيع مع النظام السوري كما رأيتم.

■ يؤخذ على مبادرة “مدنية” أنها خلطت بين المجتمع المدني والسياسة، وهو ما اعتبره البعض “مخاطرة” لجهة تشويش هوية المنظمات المدنية أمام المنظمات الدولية الداعمة والمانحة، ما يعني استفراد الممول الأوحد لها، ما يحوّل الفاعلين المدنيين إلى موظفين مختارين، وهو ما يناقض ركن العمل المدني وهو التطوعية والعمومية، ما هو ردكم؟

■ لا أتطلع لأي طموح سياسي، ولا أحد من أعضاء المبادرة يتطلع لتأسيس حزب سياسي، لكن المجتمع المدني في أي دولة مدنية ديمقراطية له دور أساسي في الفاعلية السياسية، وأنا كمواطن في بريطانيا عندما انتخب فإنني استعمل حقي السياسي، وعندما تطلب النقابات العمالية حقوقا لعمالها من حزب العمال، فإنها تستعمل الاستحقاق السياسي، ونحن كل ما نطالب به أن تكون المبادئ الأساسية التي تجمعنا مركزة ولها دور في أي عملية سياسية في المستقبل.

■ ماذا عن تمويل مبادرة “مدنية” المستدام؟

■ كل منظمات المجتمع المدني السوري ستساهم وتشارك ماديا في عضوية “مدنية”، وأنا ساعدت بتمويلها الأساسي، ولكن من الآن فصاعداً التمويل سيكون مستداماً من قبل مؤسسات المجتمع المدني نفسها.

القدس العربي

—————————–

برهان غليون: تطبيع السعودية هدية مجانية للنظام والمعارضة تتسابق إلى تصدر المنصات

غسان ياسين

في كانون الأول 2022، حدث أول لقاء علني ورسمي بين وزير الدفاع التركي (السابق) خلوصي أكار، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، وبدأ ما يمكن تسميته بمسار جديد قائم على التعامل مع بقاء بشار الأسد في حكم سوريا من قبل دول الإقليم، هذا التطبيع التركي كان بوابة لتسريع تطبيع عربي انتهى بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

في مقابل موجة التطبيع تلك، كانت هناك محاولات سورية لتحريك المياه الراكدة وحدثت عدة لقاءات بين أقطاب المعارضة في العاصمة القطرية الدوحة، وفي فرنسا أطلق رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري مشروعاً جديداً باسم “مدنية”.

وبعد انقطاع لسنوات عقدت هيئة التفاوض اجتماعاً في جنيف، وأصدر العميد المنشق مناف طلاس بياناً عاود فيه الحديث عن مشروع المجلس العسكري، وبناء على هذه المعطيات نود في موقع “تلفزيون سوريا” معرفة موقف المفكر والسياسي السوري برهان غليون من النشاطات السياسية الجارية مؤخراً:

حدثنا عن اجتماعات الدوحة الأخيرة ما هو الهدف منها وهل توصلتم إلى شيء أم أن المباحثات واللقاءات مستمرة؟

صحيح. اجتمعت منذ فترة بعض الشخصيات السياسية والثقافية فيما يشبه حلقة نقاش للتداول في وضع القضية السورية وما يمكن عمله لانتشالها من التجاهل الذي آلت إليه، في محاولة لكسر حلقة الاستعصاء الذي تشهده مسألة تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 منذ سنوات. وهذا النقاش مستمر بطرق مختلفة. وما تزال هناك صعوبات في التوصل إلى الاستنتاجات النهائية بسبب تباين توجهات الأفراد ونقاط تركيزهم وزوايا نظرهم وربما عدم تحرر بعضنا من الأوهام القديمة حول دور الدول الأجنبية ونيّاتها. والغاية من كل ذلك بلورة استراتيجية عمل سورية مستقلة تقوم على توحيد القوى وتعبئة الجهود لتشكيل قوة سورية سياسية قادرة على نيل ثقة الجمهور السوري والعالمي معاً. مما يستدعي تجاوز التجاذبات الشخصية والفئوية التي عطلت جهود المعارضة السورية خلال السنوات الماضية.

وللأسف لم ننجح بعد في التغلب على عقلية المنصة التي يتبارى في إنشائها بعض الأفراد لتعظيم قدرتهم التفاوضية داخل المعارضة نفسها مقابل المجموعات الأخرى. ولم نتمكن من القضاء على التعلق العنيد بوهم الحل الدولي والرهان على التفاهم الروسي الأميركي لفرض تطبيق قرار 2254 وعلى عدم الثقة بكل ما عدا ذلك، أي بقدرة السوريين على العمل بأنفسهم وتطوير مبادراتهم الخاصة.

كيف ترى عودة رجل الأعمال أيمن الأصفري من بوابة المجتمع المدني وكيف تقيم “مدنية”؟

أنا أفضل أن أرى في هذا اللقاء الذي حصل في باريس بداية هذا الشهر (حزيران 2023) تجمعاً مفيداً لمنظمات المجتمع المدني السورية وتعزيزاً لدورها وارتقاء بمستوى تعاونها والتنسيق فيما بينها لتحسين أدائها وتعزيز قدرتها على الاستجابة للأوضاع المأساوية التي يعيشها المجتمع السوري. ولا أرى في عودة أيمن الأصفري رجل الأعمال السوري المعروف إلى الساحة السياسية أي بأس. بالعكس نحن نريد من كل الشخصيات التي تمتلك رصيداً ونفوذاً من أي نوع، مالي أو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي، الانخراط ما أمكن في العمل العام وتحمل مسؤولياتهم أمام شعبهم ومساعدته على الخلاص من الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا اليوم.

ليت رجال الاعمال الآخرين يحذون حذوه. أخذ بعض النقاد على السيد الأصفري ترؤسه للشبكة المدنية الجديدة وهو رجل أعمال، وتمنى بعضهم عليه أن يبقى حراً ويترك الرئاسة لمجلس منتخب من قبل المنظمات المدنية، ولو فعل ذلك لوفر على نفسه هذا النقد. لكنه قبل المخاطرة بوضع نفسه في الواجهة وهذا خياره وينبغي أن نتمنى له النجاح.

ما هو تقييمك للخطوة السعودية بإعادة علاقات الرياض مع النظام بشكل كامل وأيضاً ومساهمتها بإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام؟

من وجهة نظرنا هذه هدية مجانية لنظام مجرم ما يزال يرفض حتى الآن الاعتراف بأخطائه وتصحيح سياساته الكارثية. لكني لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تجهل طبيعة النظام والجرائم التي تكبله والتي غالباً ما وصفت من المنظمات الحقوقية الدولية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية.

لا أعتقد أن تطبيع الرياض مع نظام الأسد لمساعدته على مسح جرائمه وتمكينه من الاستمرار في عدوانه على الشعب السوري. حسب ما تفيد التصريحات السعودية والعربية أيضاً، بل يتعلق الأمر باعتراف بالأمر الواقع لاستئناف علاقات مع نظام مارق وفي تحالف ضد العرب أنفسهم، في سبيل دفعه إلى التحرك على طريق تطبيق القرار الدولي 2254 على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

ليس لدى السوريين أية أوهام بأن الدافع إلى هذا الاعتراف هو الحفاظ على مصالح الرياض الأمنية والاستراتيجية. ونحن لا يمكننا، مهما بلغ عمق جراحنا، أن نحدد للدول حتى الشقيقة مصالحها. كل ما يمكننا عمله هو أن نسعى مع هذه الدول إلى أن لا يكون ذلك على حساب مصالح الشعب السوري الذي لا يزال نصفه في المنافي ومخيمات اللاجئين والنصف الآخر يعيش تحت حد الفقر وفي ظروف لا إنسانية. ومن أجل أن يكون لمسعانا أثرٌ ينبغي أن نظهر أيضاً أننا قوة وأننا قادرون على التصرف كشعب والتدخل المنظم في قضيتنا وما يجري من حولنا، في السياسة والإعلام والعمل المدني والعمل العسكري أيضاً. وهذا يستدعي أن نخرج من سباتنا السياسي ونتحرك في اتجاه بناء قوة سياسية قادرة على تحريك الرأي العام وشحذ إرادة السوريين وإعادتهم إلى ساحة معركة التغيير التي لم تنته ولن تنتهيَ قبل أن يتحقق رحيل نظام القهر والعنف والجريمة. وبالرغم من أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجامعة العربية ودمشق جرعة من الأوكسجين السياسي لنظام في حالة نفوق واحتضار طويل إلا أنها لم ولن تستطيع أن تعيد إليه الحياة. ولا أعتقد أن هذا هو القصد من ورائها أيضاً.

هل من نتائج مرجوة من هذا التقارب العربي مع النظام بعد بيان لقاء عمان الوزاري وبيان القمة العربية؟

أنا أعتقد بالعكس أن عزلة النظام وانسداد الطرق والخيارات أمامه لم يبرزا في أي حقبة سابقة كما يبرزان بعد عودة الاعتراف العربي به. والسبب أن الوهم الذي كان يسوقه النظام للسوريين بقرب الانفراج وتطوع الخليج بإعادة الإعمار قد سقط. ولم يخف وزير خارجيته ذلك في تصريحه الأخير بأن النظام قام بمئة خطوة (هكذا) ولم ير في مقابل ذلك أي خطوة عربية. باختصار سقطت ورقة الرهان على “التطبيع العربي” ومعها وهم الانتصار الذي لم يكف أنصار الأسد عن ادعائه والتغني به وانتظار عوائده. وما من شك في أن النظام كان يعتقد أن الاعتراف سوف يعيده إلى الحياة ويقدم لها خشبة الخلاص بتمويل إعادة الإعمار وتوفير الأموال للحاشية الملتحقة به من الشبيحة ورجال المافيا. فعاد الآن يطلب قروضاً جديدة على وجه السرعة من روسيا وإيران تحفظ الحد الأدنى من حاجاته.

مناف طلاس يصمت طويلاً ثم يذكرنا كل فترة بمجلسه العسكري، ما هو تعليقك على بيانه الأخير وعلى فكرة وجود مجلس عسكري؟

لا يوجد سوري معارض لنظام الأسد لا يرحب بوجود مجلس عسكري يقدم يد العون للشعب السوري وللمعارضة السياسية ويعزز موقفهما في مفاوضات تحاول الأمم المتحدة منذ 12 عاماً إطلاقها من دون جدوى للتوصل إلى حل سياسي ومخرج من المحنة الدائمة التي وضعت فيها البلاد.

كما لا يوجد معارض مخلص لم يكن يتمنى أن يلعب العميد مناف طلاس، ابن المؤسسة العسكرية القائمة، دوراً مركزياً في تعبئة الضباط المنشقين وتنظيمهم وزجهم في الصراع الدائر منذ سنوات طويلة مع إخوتهم الثائرين للخلاص من نظام الإبادة والإجرام. ولو حصل ذلك لجعل من العميد إضافة كبيرة لقيادة المعارضة. المشكلة أن السياسة قبل أن تكون فكرا هي ممارسة عملية على الأرض وفي كل الميادين اليومية. ولا تغني الفكرة في السياسة عن الفعل. ولا يمكنها أن تولد جسماً عسكرياً ولا سياسياً. ومع ذلك ما يزال الشعب السوري يتمنى وينتظر أن يجد العميد طلاس وضباطه طريقهم العملي للانخراط في معركة ما تزال بالرغم من مرور أعوام طويلة عليها عصية على الحسم.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على تجميد-تعطيل هيئة التفاوض اجتمعت مؤخراً في جنيف، كيف ترى هذه الخطوة؟

يعبر ذلك عن رغبة بعض مسؤوليها ومسؤولي الدول المستثمرة فيها في إثبات الوجود بعد أزمة داخلية عميقة وهجوع طويلين، وليس نتيجة انفتاح أي أفق جديد لمفاوضات تستخدم لتمرير الوقت وتمديد الوضع القائم.

بعد فوز حزب العدالة والتنمية وحلفائه بالبرلمان والرئاسة كيف ترى مسار العلاقة بين تركيا والنظام؟

لا أعتقد ان هناك تغييراً سريعاً منتظراً في السياسة التركية تجاه سوريا من هذا الفوز. فالأهداف التركية لن تتغير سواء ما تعلق منها بتقييد حركة قسد وميليشياتها أو بترحيل اللاجئين السوريين أو القسم الأكبر منهم، ولو أن ذلك سوف يكون بأقل ما يمكن من الضجيج الذي استثمرت فيه المعارضة التركية.

وفي المقابل سوف تستمر المساعي الروسية لدفع الطرفين إلى التعاون والتفاهم لكن من المستبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع يقف ضده الأميركيون ويخشاه الإيرانيون ولا يرحب به النظام.

بالعكس يريد هذا الأخير استغلال حالة النزاع مع أنقرة للتغطية على أوضاعه الداخلية وحرف الأنظار عن التوسع والتمدد المستمر لإيران في سوريا في جميع الميادين وبسط وصايتها على سوريا وسيطرتها على مقاليد الأمر في البلاد وعلى أهم المواقع الاستراتيجية فيها.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا لم ينعكس هذا العداء الغربي لروسيا على وضعنا كمعارضة سورية في مواجهة الروس. هل من الممكن أن نستفيد لاحقاً من هذه الحرب؟

الذين توقعوا أن تخدم الحرب الأوكرانية القضية السورية هم من كان يراهن دائماً على التدخلات الغربية لحسمها. فسودوا الاعتقاد بأن انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية سوف يدفعها إلى التقليل من اهتمامها بسيطرتها الجيوستراتيجية على سوريا.

وقد منّى البعض أنفسهم أيضاً بسحب موسكو بعض جنودها لزجهم في المسرح الأوكراني. والحال أن الكتلة الغربية اعترفت منذ بداية الأحداث السورية الكبرى بوصاية روسيا على الدولة السورية ونفوذها فيها، وتفاهمت مع موسكو لدفعها للتدخل لوضع حد للثورة وما تمخض عنها من صراعات داخلية وخارجية.

بالعكس أعتقد أن هذه الحرب همشت كلياً الاهتمام بالقضية السورية دولياً. ولا ينبغي لنا أن نغش أنفسنا بالمواقف السياسية العلنية من هنا وهناك. تحولت سورية لقضية إنسانية فحسب وثانوية سياسياً . وحتى في هذا المجال سنشهد انحساراً كبيراً للدعم الإنساني مع تراكم مآسٍ أخرى جديدة في بلدان مأزومة جديدة. وفي اجتماع بروكسل الأخير للمانحين قلصت المعونات المقدمة للسوريين إلى نصف حجمها في العام الماضي.

وحتى في حال دخول الغرب وروسيا في مفاوضات لإنهاء الحرب الأوكرانية، وهذا ما يزال بعيد الاحتمال، ليس من المؤكد أن ينعكس ذلك إيجابياً على سوريا. فليس هناك ما يمكن للغرب أن يقدمه مجاناً لروسيا أفضل من الاعتراف بنفوذه وأسبقية مصالحه في سوريا المنكوبة.

سوريا اليوم هي كرة النار التي لا يريد أحد أن يمسك بها أو ينتزعها، وإنما أن يحمي نفسه من مخاطر تطوراتها ويستخدمها مسرحاً لحروبه ومواجهاته الخارجية. وما لم ينجح السوريون في الوقوف على أقدامهم وإعادة توحيد صفوفهم وبناء قوتهم الذاتية، أي ما لم يصبحوا فاعلين في واقعهم وعلى أرضهم سوف تبقى سوريا كما هي اليوم مزرعة لميليشيات ممولة وموجهة من الخارج، وفي مقدمها ميليشيا نظام الأسد، وساحة لحروب الوكالة الإقليمية والدولية. 

وهذا ما ينبغي أن يكون هدف أي نشاط سياسي سوري في الأشهر وربما السنوات المقبلة. من دون ذلك لن تنجح أي مفاوضات سورية ليست في واقع الحال اليوم سوى مفاوضات إقليمية ودولية تجري في ثياب وعبر دمى القش السورية.

ما مستقبل العملية السياسية بعد أن عطلت روسيا مسار اللجنة الدستورية وبعد أن صار اللقاء الرباعي (تركيا وروسيا والنظام مع ايران) بما يشبه بديلاً لكل المسارات الأخرى؟

كما ذكرت سابقاً ليس هناك بعد أي أفق لمفاوضات جدية حول سوريا. بالعكس الأجواء حاملة أكثر بالمواجهات المحتملة بين العديد من الأطراف وعلى محاور مختلفة. وهي تبدو لجميع المتنازعين على أنقاض الدولة السورية فريسة مستسلمة من دون صاحب ولا مقدرة على المقاومة ورد الفعل. ولا توجد قوة في العالم تضيع وقتها في إنقاذ فريسة خائرة ينهش فيها حكامها وأحياناً معارضاتها قبل أعدائها ويتسابقون إلى فتات ما يلقيه لهم هؤلاء وأولئك. فالسياسة هي السياسة والحرب هي الحرب، وليس في السياسة، وأقل من ذلك في الحرب، مكان للعاطفة وعمل الخير والمعروف أو كما نقول بالعامية السورية “يا أمي ارحميني”. لم يبق أمام السوريين من خيار سوى أن يعضوا على الجرح والتقدم إلى الأمام بكل ما تبقى لديهم من قوة والتضامن فيما بينهم للحفاظ على البقاء الذي ينازعهم عليه أكثر من طرف إقليمي ودولي.

تلفزيون سوريا

————————

======================

المجتمع المدني السوريّ “مدنيّة”… ردٌّ على التطبيع العربي مع الأسد/ عمّار المأمون

“العمل” لم يبدأ بعد، والتناقضات بين العقوبات وفرضها، الحوار مع النظام أو عدم الحوار معه، والتناقضات الداخلية بين المنظمات، لن تتضح إلا بعد اتضاح رؤية “مدنيّة” وأسلوب عملها.

اجتمعت في 5 و6 حزيران/ يونيو 2023، أكثر من 150 منظمة مجتمع مدني سوريا في معهد العالم العربي في باريس، هدف الاجتماع إطلاق مبادرة “مدنيّة” تعرّف عن نفسها بـ” مبادرة سورية مستقلّة عن أي نفوذ سياسي وأجنبي، تهدف إلى حماية الفضاء المدني السوري وتعزيز فاعليته في منصات صنع القرار المختلفة”.

“مدنيّة” برعاية أيمن الأصفري، الذي يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة، رجل الأعمال الذي لخّص في كلمة الافتتاح رؤيّة مدنية، مشيراً إلى أن لهذه المؤسسات، أي المجتمع المدني “شرعيتها في أن يكون صوتها مؤثراً في النقاش حول حاجات الشعب السوريّ ومستقبله، بما في ذلك دعم أي عملية سياسيّة”.

شارك في الجلسات باحثون وفاعلون في المجتمع المدني من داخل سوريا وخارجها، وعدد من المبعوثين الخاصين بالشأن السوري، من تركيا والنمسا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، يأتي ذلك في لحظة عالميّة لا يمكن إنكار حساسيتها في الشأن السوري، فعودة نظام الأسد إلى الحضن العربيّ، والتطبيع المتسارع معه، قابلتهما ردود واضحة من فرنسا التي لن تطبّع مع نظام الأسد، ومن الولايات المتحدة التي أمعنت في معاداتها لنظام الأسد، وتعمل على إصدار قوانين جديدة لمعاقبة من يتعامل مع النظام السوريّ.

لا يمكن تلخيص كل ما حصل في المؤتمر، من بكاء كثيرين حين الحديث عن المعتقلين والمختفين قسراً، الى الجدل المرتبط بالنقد الذاتي وإعادة النظر في مفهوم “السياسة” في ما يتعلق بالشأن السوريّ، لكن اللافت بداية، هو الاجتماع نفسه، أطياف المنظمات المتعددة في المكان ذاته، والاختلاف حدّ التناقض بين البعض.

الاختلاف الأبرز هو حول العبارة التي تكررت سواء في البيان الصحافي، أو على ألسنة المشاركين، والتي مفادها “المطالبة بالأحقيّة السياسية للفضاء المدني السوري تحت مظلة مدنّية لا تعني ضمناً أي رغبة في الحلول محل الأجسام السوريّة المنخرطة في العمليّة السياسيّة”.

الواضح، أن المجتمعين على اختلاف أطيافهم وطبيعة نشاطاتهم، يراهنون على الأثر الذي تمتلكه منظمات المجتمع المدني على الأرض، سواء كنا نتحدث عن الخوذ البيضاء في الشمال السوريّ، أو جماعات الضغط في الولايات المتحدة، هذه “القوة” و”القدرة” على التغيير السياسي أو المحلي السوري، إذ  وجدت هذه المنظمات نفسها مُهددة بسبب الزلزال، فالواضح أن إغلاق تركيا المعابر ومنع دخول المساعدات كانا ذا أثر لا يمكن تجاهله سواء على المجتمع المدني أو السوريين على الأرض، صحيح أن الجميع مدرك “مصالح الدول”، لكن الكارثة الطبيعيّة كانت ذات أثر لا يمكن تجاهله.

“دور الفضاء المدني السوريّ لا ينحصر في خانة مزوّدي الخدمات ومنفذي المشاريع، بل يتجاوز ذلك للتعبير السياسي من دون أن يغادر موقعه في العمل المدنيّ”.

لكن، ما المقصود بـ “الأحقية السياسيّة للفضاء المدنيّ”؟

يمكن القول إن “مدنيّة” تحاول أن تشكل ثقلاً دولياً وتفاوضياً في سبيل حلّ سياسي، مُستفيدة من “الأثر” الذي تمتكله على الأرض، أي أن تتحول من مؤسسات تعمل في الظل مُحافظةً على “حيادها” السياسي، إلى جزء فاعل من عملية التفاوض واتخاذ القرار الدولي، لكن، أليس هذا بالضبط ما يهدد “استقلاليّة” منظمات المجتمع المدنيّ، الحياد، هو ما يتيح لها الفاعليّة على الأرض ؟! الإجابة ليست بديهية.

الجانب الآخر الذي تخلل نقاشات الجلسات هو “المال”، أي أن تحاول منظمات المجتمع المدني أن تنسق بينها أولاً، لخلق نوع من الاكتفاء والقدرة على تمويل بعضها، والاستفادة من رجال الأعمال والأغنياء المعنيين بمثل هذه الأهداف، في سبيل وجود “صندوق” لدعم النشاط المدني السوريّ، ناهيك بإشارات واضحة إلى الحاجة للتصدي لدور النظام في تصدير واجهاته ومحاولة التحايل واحتكار مشاريع التنمية المموّلة دوليّاً ، أي بصورة ما، هناك نوع من “المنافسة” على “المال” الدولي، وهنا يمكن فهم دور “مدنيّة” في محاولة تقنينه وخلق قنوات تصب في مصلحة المجتمع المدني الفعال على الأرض، لا النظام السوريّ.

تقترح مدنيّة في البيان الختاميّ، أن “دور الفضاء المدني السوريّ لا ينحصر في خانة مزوّدي الخدمات ومنفذي المشاريع، بل يتجاوز ذلك للتعبير السياسي من دون أن يغادر موقعه في العمل المدنيّ”.

وهنا بعض الغموض بل يمكن القول التناقض، قوة المجتمع المدنيّ الخدميّة، تكسبه قدرة على التحرك في الأرض، لكن تعبير “السياسيّ” هنا، خصوصاً حين الحديث عن الداخل السوريّ، لا يوضح إلى أحد يستطيع المجتمع المدنيّ أن يحافظ على “مدينته” في ظل “الصراع” مع نظام الأسد، مثلاً، جاء في البيان البلاغة المعهودة والمتوقعة، كضمان “وصول المساعدات الإنسانيّة إلى جميع السوريين دونما تمييز أو عوائق أو قيود” و “محاسبة نظام الأسد وحلفائه على جرائمهم كافة مرتكبي الانتهاكات من كافة الأطراف”، والأهم “وقف التطبيع مع هذا النظام أو إعادة تأهيله”، لكن، نشرنا في “درج” أخيراً تحقيقاً عن “المزادات” التي يقوم بها النظام السوري لبيع أراضي الذين تم تهجيرهم، وتمليكها لقادة الميليشيات المسلحة، وهنا السؤال، ما هي منظمة المجتمع المدنيّة داخل “مدنيّة” أو خارحها، التي ستعيد هذه الحقوق المهدورة؟ أو ما هي الآلية التي يمكن “التفاوض/ الصراع/ التقاضي” في سبيل استعادة هذا الحق؟.

نضرب المثال السابق كون الكثير من الفاعلين في منظمات المجتمع المدنيّ يعملون على توثيق هذه الانتهاكات، خصوصاً تلك التي تتعلق بالمهجرين قسراً، وهنا نشير إلى الدور في “الداخل”، حيث القانون والعدالة مفاهيم شديدة الميوعة، ولا نعلم بدقة كيف سيتم الأمر، في ظل عدم التطبيع مع النظام السوريّ، مثال دقيق وشديد “السوريّة” كهذا، لا نعلم موقف “مدنيّة” منه.

يحمل كثر من الحاضرين أملاً من نوع ما في ما يخص مستقبل سوريا، ودور منظمات المجتمع المدنيّ، مع ذلك علت الانتقادات التي اتهمت الأصفري مثلاً بأنه “يريد أن يصبح رئيس سوريا”، و”يريد أن يطبع مع النظام”، ومع الهيئات المفاوضة على الساحة الدوليّة، لكنه أوضح أنه لا يبحث عن دعم من أحد، ولا يمتلك أي مشروع سياسيّ، وأنه ساهم في التمويل الأوليّ لـ”مدنيّة”، ولاحقاً ستقوم المؤسسات بتمويل المشروع من تمويلاتها الأوروبيّة المدنيّة، ولن يكون هناك تطبيع مع النظام.

ما أثار تساؤلات أيضاً، هو ذكر “مدنيّة” في بيانها الختامي قراري مجلس الأمن  2118 و 2254، الأول الخاص باستخدام النظام السوريّ الأسلحة الكيماويّة، والذي ينص في المادة 16 على إنشاء “هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى وتُشكل على أساس التوافق”، والثاني الذي يشير إلى ضرورة وقف إطلاق النار من جهة، و” يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سورية، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي”.

حضور النظام كطرف في المفاوضات هو ما أثار حفيظة المنتقدين، خصوصاً أن القرار 2254 يُتهم بأنه وسيلة يتلاعب بها النظام السوري بالمعارضة، ويؤخر عبر التلاعب بهرمية بنوده تشكيل هيئة حكم، أي بصورة ما، ما زال النظام ( من وجهة نظر البعض)  هو الأقوى على الأرض ودولياً، في حين أن منظمات المجمع المدنيّ، في حال أرادت تمثيلاً/ دوراً، وأحقيّةً سياسية، (على الأقل لضمان استمرار عملها)، فهي بحاجة الى خوض هذا الغمار،  لكن السؤال، كيف ستمارس هذه المنظمات المدنيّة إن اتّحدت “السياسة”؟.

 ما زال الغموض يحيط بالكثير من التفاصيل، سواء داخل سوريا أو على المستوى الدوليّ، لكن يمكن القول، وبحسن نيّة،  إن “العمل” لم يبدأ بعد، والتناقضات بين العقوبات وفرضها، الحوار مع النظام أو عدم الحوار معه، والتناقضات الداخلية بين المنظمات، لن تتضح إلا بعد اتضاح رؤية “مدنيّة” وأسلوب عملها.

 درج

—————————————

“مدنيّة” حقاً أم مشروع سياسي؟/ عبدالناصر العايد

شهدت سوريا، منذ انطلاق ثورتها، توظيفاً سياسياً لكل المجالات والمفاهيم والبنى المتوافرة، أو التي توافرت على خلفية الثورة، وجرى الاستثمار في الدين والطائفية والثنية والعشائرية والعسكرة والإغاثة والمساعدات الإنسانية والإعلام والسينما والأدب وغيره، مع الإعراض الغريب عن البُنى والمنظمات السياسة المتعارف عليها مثل الأحزاب. لكن أغرب المحاولات وآخرها، هو ما يجري الإعداد له في هذه الأثناء في باريس، حيث تم جمع العشرات من منظمات المجتمع المدني، لتحويلها إلى ما يشبه حزباً سياسياً يقوده مركزياً، من خلال التحكم بالتمويل، تاجر ورجل أعمال يبدو أن لديه طموحات سياسية في سوريا المستقبلية، إلى جانب اهتمامات استثمارية في قطاعي النفط وإعادة الإعمار.

نبني موقفنا هذا استناداً إلى الإعلان الذي أصدرته منظمة “مدنيّة” المزمع إطلاقها مطلع الأسبوع المقبل من باريس، إضافة إلى عشرات المحادثات مع نشطاء وفاعلين في قطاع المجتمع المدني السوري. وقد جاء في البيان، بأن المظلة تهدف إلى “حشد الفاعلين المدنيين السورين”.. “لتقديم هؤلاء كنظراء قادرين على لعب دور قيادي في صناعة القرارات المتعلقة ببلدهم” و “إن المطالبة بالأحقية السياسية للفضاء المدني السوري تحت مظلة مدنية”.. “متجذرة في ضرورة أن يكون للفاعلين المدنيين السوريين دور فعال في التأثير في كافة مسارات الوصول لحل سياسي”.

ولا يخفى على أحد من المهتمين، ما تنطوي عليه العبارات السابقة من خلط مقصود لحابل المجتمع المدني بنابل السياسة، إذ، وحسب مفهومه الدارج في البلدان التي لديها تجربة ناضجة في هذا المجال، يتموضع المجتمع المدني بين المجتمع بصورة عامة والسلطة السياسية، لا في قلب السياسة وعملها، بل أن الفاعلين المدنيين يحاذرون حتى مجرد الإيحاء بعلاقة تربطهم بالعمل السياسي، ويعد ذلك شرطاً رئيسياً للتمويل والتبرع. وهنا، في حالتنا التي نحن بصددها، ثمة مخاطرة بتشويش هوية هذه المنظمات أمام المنظمات الدولية الداعمة والمانحة وحجب التمويل عن المنظمات المنضوية تحت جناح المنظمة/الحزب المشار إليه، وبالتالي مزيد من استفراد وهيمنة الممول الأوحد عليها، حيث يحتمل أن يتحول الفاعلون المدنيون إلى موظفين مختارين لديه فعلياً، وهذا يناقض الركن الآخر للعمل المدني وهو التطوعية والعمومية.

وفق نشطاء تحدثنا إليهم، لم يجر فتح باب الانتساب لمنظمات المجتمع المدني السوري عامة، بل تم ضم المنظمات التي يمولها أصلاً رجل العمال الذي يتزعمها، وإضافة عدد من المنظمات بطريقة الانتقاء السرّي الذي لم تُحدد شروطه. ورغم وجود إعلان بهذا الشأن يوزع بشكل شخصي، إلا أن القبول والضم يعتمد في النهاية على آراء ومعايير وأشخاص مجهولين، وهذا يقوض ركناً آخر من أركان العمل في قطاع المجتمع المدني، وهو الشفافية.

تطرح مسألة “توحيد” و”حشد” المجتمع المدني خطورة إضافية تتعلق باستقلالية وحرية مؤسسات المجتمع المدني في اختيار موضوعاتها ومجالات عملها. وهي ستصبح، والحال هذه رهينة أجندة مركزية الطابع، ربما تُصادر لخدمة طموحات سياسية ذات طابع شخصي، وبالتالي تقصر عن التعبير عن أولويات النشطاء المنضوين في هذه المنظمات.

لقد عاني المجتمع المدني السوري مؤخراً، مشكلات جمّة في التمويل، بسبب تراجع الاهتمام بسوريا وظهور أولويات جديدة مثل أوكرانيا، لكن مؤسساته تكافح وتجد طريقها في النهاية، وثمّة منظمات تُموّل من جيوب القائمين عليها، ويعمل فيها الأعضاء تطوعاً، وهذا لطالما كان الطريق لإنضاج هذا الضرب من التجارب ودفعها قدماً. وما يجري الآن، يُخشى أن يكون استغلالاً لأزمة التمويل الراهنة، وسينجم عنه إجهاض القطاع في العمق، ما يمكن أن ينتج منظمات معاقة ومدجنة، ينعم مدراؤها برواتب عالية، ويحملون الولاء للممول، لكنهم بلا فاعلية، وينتظرون مواسم التمويل من دون بذل جهد وزان لتطوير منظماتهم وأدواته، ومنها الكفاح من أجل التمويل والبقاء، الذي تخوضه كافة منظمات المجتمع المدني في العالم.

يقودنا العرض السابق إلى طرح سؤالين جوهريين. الأول، ما الذي يمنع اتحاد منظمات المجتمع المدني الـ150 المعلن عنها، على أسس مدنية محضة، وإنشاء مكتب ينسق أعمالها وجهود البحث المشترك عن مصادر الدعم والتمويل، بتبرعات بسيطة من كل منظمة، وجميعها يحصل على تمويلات، بعضها بملايين الدولارات سنوياً، وبقيادة خبراء ومناضلين من قطاع المجتمع المدني ذاته، عوضاً عن اللجوء إلى مظلة مالية لشخصية تنتمي إلى عالم المال والتجارة؟

والسؤال الثاني في المقابل: ما الذي يمنع التاجر ورجل الأعمال، المؤمن بالتغيير، من تأسيس حزب أو كيان سياسي على أسس ومعايير متعارف عليها؟ نحن نعلم أن المبالغ التي ستُنفق في هذه الحالة لن يمكن اقتطاعها من حسابات مصلحة الضرائب، لكن تصدي رجل أعمال للعمل السياسي الوطني، كما فعل رفيق الحريري يوماً عندما أطلق “تيار المستقبل”، يعني أن صاحب المبادرة لديه قضية وطنية وإنسانية وهي تستحق أن ينفق عليه من المال الخاص، لا من المال العام كما تملي القوانين، وهو ما له على كل حال قيمته ووجاهته في لحظتنا السورية الراهنة.

إن النقد الذي ينطوي عليه الموقف أعلاه، ليس بغرض مناهضة تجمع أو تنسيق عمل قطاع المجتمع المدني السوري هذا، أو أي عملية تجمع أخرى، بل تحسباً من تؤول هذه التجربة إلى إجهاض ذاتها جراء المثالب التي يمكن أن تظهر مستقبلاً، جارفة معها العشرات من المؤسسات التي بُنيت بالصبر والتضحيات الجسيمة.

إن المأمول من نشطاء المجتمع المدني وقادة المنظمات المنخرطة في هذه التجربة، التبصر والتفكر بعمق ومسؤولية في ما هم مقدمون عليه، لئلا يجدوا أنفسهم في موقف المفرّط في قيم ومبادئ المجتمع المدني، وتكرار تجارب فاشلة.

المدن

—————————-

مدنية سورية: سؤال الفاعلية والحقوق المادية والفكر التنويري/ جمال الشوفي

يقوم المجتمع المدني على خلاصة فكرية تنويرية، ومنظمات ومؤسسات مدنية مستقلة عن النظم السياسية الحاكمة، وفق برامج وأنشطة تطوعية تستهدف مصالح مجتمعية عامة وقيماً وحقوقاً مدنية ذات أهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني في تمكين أفكاره وقيمه التحررية من دعم التعليم المستقل وحرية التفكير والانتماء وبناء المؤسسات والمنظمات المستقلة عن التوجهات السياسية. وأيضًا التأثير على السياسات العامة من خارج دائرة العمل الحكومي الرسمي (سلطة ومعارضة) وممارسة الضغوط بشأنها، أو تعزيزها، ما يحمل على التضامن والتوافق على الفعل العام خاصة في مرحلة التغيرات العامة كما هي في الحالة السورية الراهنة.

الفعل المدني وفقًا لهذه الرؤية يختلف جذريًا عن التنافس السلبي وتنازع الشرعيات السياسية على السلطة ودوام استنزافها وهدرها للحقوق العامة أمام تحصيل حقوق ممثليهم دون غيرهم كما يحدث في سوريا لليوم. ما يحيل بالضرورة للعمل المحوري في تفعيل المجتمع المدني وتكامل أطر عمله التوافقية حسب مقتضيات الشأن العام التي تمثله كل مرحلة زمنية من عمر المجتمعات.

في الحالة السورية، والتي لم يزل المجتمع المدني فيها يحاول إثبات حضوره على ساحة الفعل المجتمعي ومشاهد تغيراته الجسام، تعرض الفعل المدني لجملة من الضغوط العنيفة القاسية سواء من السلطات الأمنية أو سلطات الأمر الواقع في كل نطاق الجغرافية السورية، أضف لخضوع غالبية نشاطاته لسياسات الدول المانحة. الأمر الذي جعله عرضة للاستهداف من كل الأطراف كونه يمثل خطرًا على السلطات القائمة بفعله المدني المغاير للأيديولوجيات السياسية والدينية وشرعياتها السياسية والعسكرية، كما وتهمة التمويل الخارجي تلاحق ناشطيه. فيما بقيت محاولات تمكينه من الفاعلية والقدرة على ممارسة فعله المختلف عن الهيمنة وتكريس ثقافات الاستحواذ السلطوية والسياسية المطلقة لليوم، محط تساؤل سياسي وفكري بآن لم يحسم جدله في الشأن السوري.

تجربة المجتمع المدني السوري مرت بمراحل متعددة، بدءًا من تجربة إحياء المجتمع المدني بدايات العام 2000، مرورًا بتشكيل منظمات العمل المدني السورية السرية قبل عام 2011 وأهمها الحقوقية الإنسانية، وتزايد تشكيلاتها ما بعد عام 2011 ومحاولة تشكيل تحالفاتها وفق مسارات متعددة كتجربة تحالف المجتمع المدني السوري (تماس) عام 2014، واجتماع منظمات المجتمع المدني السوري والمنصة المدنية السورية عام 2015 وغيرها الكثير، والتي لم تدم طويلًا لتعرضها للاستثمار السياسي والنفعي حسب تقارير متعددة المصادر.

في هذا السياق لطالما كانت تجارب المجتمع المدني السوري محط نقد إيجابي أو سلبي، كان أهم عناوينها التي تم تناولها في دراسات سابقة عدة:

    شروط المدنية في التنوع والتعدد وتجاوز اختلاف الأعراق والإثنيات والأيديولوجيات.

    الاستقلالية عن الاستقطاب الأيديولوجي سياسيًا ونفيعًا ودينيًا.

    التوافق والحوار وصياغة الأهداف المشتركة والاستهداف المستقبلي.

    الشفافية والعلنية.

    الإنجاز المرحلي والفاعلية التدريجية ومعايير الاستدامة.

    القدرة والتمكين والتأهيل المعرفي والتقني.

إذ تعزز هذه العوامل معايير نجاح العمل المدني وديمومته واستمراره. والتي طالما جرى الحوار حول آلياتها وطرقها وإمكانية تعزيز فعاليتها من خلال توافق وتكامل جهود مكونات أو فئات ثلاث: رجال الاقتصاد السوري، مجموعات ومنظمات العمل المدني، والنخب الفكرية السورية، وجميع هؤلاء يتصفون بمقولة “رجال الدولة المؤسسين” لا تغريهم السلطة أيديولوجيًا أو نفعيًا، ولا مكتسبات المرحلة سياسيًا أو سلطويًا، بقدر السعي الحثيث لتكوين وتأسيس أرضية العمل المدني القادرة على تحقيق فعاليتها في الشأن السوري العام اليوم ومستقبلًا. هو عمل يقوم على تفعيل العمل بالشأن العام بوصفه عملا فكريا وأخلاقيا وتنويريا، وعملا في مصلحة الكل المجتمعي، يحمل بين طياته عناوين واضحة للقيم والأفكار التحررية والتنويرية وكيفية الوصول للحقوق العامة المادية والفكرية والتحررية.

العمل المدني وفقًا لهذه الرؤية هو عمل بالسياسة كشأن عام، كما عرفتها الثقافة اليونانية والمشتقة من الكلمة اليونانية “Res- publica”، أي الجمهورية، وفق ثلاثية: الحقوق المادية كمصالح عامة، والحقوق المدنية كمواطنين، والأخلاق والقيم الفكرية التنويرية بآن. وأي انفكاك بين أواصرها هو عمل في الشأن الخاص أيديولوجيًا أو نفعيًا أو سياسيًا لا يستهدف إلا أصحاب مصلحته أحزابًا أو مجموعات عمل سياسية أو أيديولوجية تتطلع لمصالحها الانتخابية أو السلطوية وحسب.

التأسيس اليوم لـ “مدنية سورية”، والذي عقدت مؤتمرها التأسيسي في باريس يومي 5 و6 حزيران، تحمل بين طياتها نويّات عمل مدني واسع الطيف، و”تمثل قرار فاعلين مدنيين سوريين بممارسة أحقيتهم السياسية بأن يكونوا أصحاب إرادة وقرار مستقل فيما يتعلق بمستقبل بدلهم”. “مؤكدين العمل المدني واستحقاقات تجاوزه للعمل الخدمي لفعل مدني سياسي، يمارس الضغط لتفعيل الحل السوري وفقًا للقرارات الدولية 2118 و2245″، حسبما ورد في بيان المنصة الختامي. هو طيف واسع من الإمكانيات السورية التي تستهدف العمل المدني وفق القيم والحقوق المدنية والفاعلية المادية الاقتصادية والسياسية، والمتفقة فيما بينها على أنها ليست بديلًا عن أي مكون سياسي سوري، ومستمرة بحشد كافة المكونات المدنية السورية داخلًا وخارجًا وفقًا لهذه الأهداف والتوجهات.

من المبكر الحكم على تجربة “مدنية سورية” لكن مؤشراتها الإيجابية تحمل معايير واضحة للعمل في الشأن العام السوري، متجاوزة مغريات السياسة المرحلية الضيقة، وتلاقي استحقاقات المرحلية الدولية ومبادراتها العربية تجاه الملف السوري، معتبرة أن الحل السوري شأن سوري أولًا، وهذا استحقاق يجب تفعيله. ما يطرح على عاتق الفاعلين والمؤسسين، رجال أعمال ونخباً سياسية، وشباباً ومنظمات مدنية عددها يفوق الـ 150، جملة من التحديات المرحلية تتكثف خلاصتها بـ:

    فتح الحوار الشاق والطويل مع البنى المجتمعية الأهلية والدينية.

    التوافق على الحل السوري بآليات عمله المتوازية المدنية والسياسية، والتمسك بالحقوق المدنية والسياسية السورية العامة في العدالة والحرية ودولة المواطنة والتضامن حولها في فعل مجتمعي يتبنى الحل السوري وفق مرجعية القرارات الدولية المنصفة للشعب السوري وطرق تفعيله محليًا ودوليًا.

    تنعيم الحواف الحادة بين التوجهات المتضاربة للشرعيات الثورية المولدة للفوضى والتشتت، وتحكيم المصلحة العامة بعيدًا عن مغريات المكاسب الآنية السياسية والنفعية على حساب الأهداف العامة المتمثلة بتحقق المجتمع المدني في ظل دولة سيادة القانون والحقوق.

    العمل الشاق على مأسسة العمل المدني واستحقاق حضوره القانوني، واستعادة زمام المبادرة للدور المنوط بحركة التنوير المدنية.

    إيلاء دور حيوي للنخب الفكرية الثقافية السورية وتكامل فعلها المحوري في الحركة المجتمعية والثقافية المتوافقة على هوية المواطنة السورية والتعدد الثقافي وحرية الإيمان والمسؤولية القيمية والأخلاقية.

فهل يمكن لـ”مدنية سورية” أن تعكس تيار التشتت السائد في الساحة المدنية السورية وتنافسه السلبي، إلى تيار فاعل سوري واسع الطيف قادر على أن يمثل رافعة محورية للهوية الوطنية السورية؟ سؤال يحمل بين طياته إجابة أولى في التوجه السوري العام الذي يريده الشباب على تنوع أفكاره وأحلامه، والنخب الفكرية السورية، ورجال الاقتصاد السوري، ومكنونات هذا الشعب الذي لم يتوانَ عن سعيه للعدالة والإنصاف والحرية. هو سؤال المسؤولية والفاعلية والجدارة والاستحقاق، وليس فقط، بل سؤال الوطنية المجردة عن هوى السلطة ومغرياتها، وطرق العمل المتوازية المدنية والسياسية والمجتمعية والفكرية، سؤال حال السوريين داخلًا وفي كل شتات المعمورة.

تلفزيون سوريا

——————————–

المجتمع المدني السوري والسياسة.. تساؤلات في كواليس “مدنية”/ يامن مغربي | محمد فنصة | سكينة المهدي

تعود حكاية منظمات المجتمع المدني في سوريا لأكثر من 100 عام، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة، شهدت المنظمات، كما سوريا، تقلبات ومراحل صعود وهبوط لتأثيرها في المجتمع أو السلطة الحاكمة، تبعًا للظروف السياسية ومستوى الحريات الموجود في البلاد، وهوامش التحرك المتاحة.

وبقدر سياسة التضييق وخنق عمل هذه المنظمات من قبل الأجهزة الأمنية منذ وصول حزب “البعث العربي الاشتراكي” إلى سدة الحكم في عام 1963، فرضت الظروف التي عاشتها سوريا بعد انطلاق ثورتها، عام 2011، وجود عشرات المنظمات على الساحة ضمن قطاعات إغاثية وطبية وخدمية وحقوقية.

نشاط منظمات المجتمع المدني لم يكن سهلًا مع اضطرارها للعمل في مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع أيضًا، لتجد نفسها مجددًا أمام تحدٍّ كبير يتمثل بالتعامل مع المسار السياسي بشكل أكبر مما هو مطلوب منها.

وخلال الأشهر الأربعة الماضية، وتحديدًا منذ ضرب زلزال مدمر مدنًا سورية وتركية في شباط الماضي، تسارعت الأحداث السياسية في الملف السوري، وعاد النظام السوري لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، ووجدت المعارضة نفسها في ظروف صعبة للغاية.

وسط كل هذه التعقيدات، عُقد بالعاصمة الفرنسية باريس، في 5 و6 من حزيران الحالي، مؤتمر “مدنية”، الذي حضرته 150 منظمة عمل مدني سورية، تحت شعار “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”، ويهدف لإيجاد “تأثير سياسي أكبر” للمنظمات ضمن الملف السياسي السوري.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف دور منظمات المجتمع المدني في الحياة العامة، وإمكانية دخولها العمل السياسي، والجدل حول هذه النقطة تحديدًا، وعلاقتها بهيئات الحكم والضغط عليها، والأدوار الرقابية والقانونية التي تنفذها.

ماذا حصل في باريس؟

عنب بلدي حضرت الاجتماع الذي عقدته “مدنية” في باريس، وامتد على مدى يومين، وضم 150 ممثلًا عن منظمات المجتمع المدني السوري في مختلف القطاعات، دون حضور أي جهة سياسية معارضة، باستثناء رئيس “هيئة التفاوض”، بدر جاموس، الذي أبدى بدوره استعداد “الهيئة” لتقديم الدعم للمنظمات.

المؤتمر شهد نقاشًا للمنظمات المشاركة حول فكرة “الأحقية السياسية”، التي تنطلق من مبدأ أن المنظمات المدنية لها قوتها على الأرض في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، ولها كتلتها المالية التي تعد الأكبر بين الجهات المعارضة للنظام، وعليه فإن المنظمات لا ترغب بأن تكون مجرد “مزوّد خدمة” للاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية للسوريين فقط، بل أن يكون هناك تأثير ومشاركة للمنظمات في القرار السياسي.

“أنا جائع.. هذه مشكلة سياسية”

تكررت هذه العبارة بشكل كبير خلال نقاشات المؤتمر، على اعتبار أن العمل المدني في سوريا لا يختلف عن العمل السياسي لسببين، الأول أن كل المنظمات مدعومة من جهات خارجية أجنبية، إلا ما ندر، والثاني أن النظام السوري نفسه ينظر إلى العمل المدني باعتباره عملًا سياسيًا.

ورغم هذه الرغبة المتمثلة أصلًا بشعار المؤتمر، فإن النقاشات ذهبت أيضًا إلى أن المنظمات لا تطرح نفسها كبديل عن الجهات السياسية المعارضة الموجودة حاليًا (“الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية” و”هيئة التفاوض”).

ورغم وضوح الأفكار العامة المطروحة في المؤتمر، فإن هناك خلافًا على طريقة تنفيذ الرؤى التي تطرحها “مدنية”.

رئيس مجلس إدارة مبادرة “مدنية”، أيمن أصفري، مع ملك انكلترا تشارلز الثاني خلال تقديم الملك العزاء لسوريين في انكلترا بعد كارثة الزلزال- 14 شباط 2023 (العائلة المالكة الانكليزية)

أسئلة ومخاوف

عدد من الأسئلة طُرحت في المؤتمر، أبرزها هل ستؤثر المنظمات على القرار السياسي دون استبدال المؤسسات السياسية، وكيف ستشارك في العمل السياسي دون أن يتأثر عملها المدني وتهتز ثقة الشارع بها.

ظهرت اختلافات في الرؤى خلال نقاشات المؤتمر، وتداول قسم من المشاركين شعورًا عامًا لدى ممثلي المنظمات المدنية، بأنهم دُعوا إلى مؤتمر “مطبوخ وجاهز”، لأن رؤى اللقاء محددة، وهناك مجلس إدارة لـ”مدنية” بالفعل، لذا فإن سؤالًا تكرر هو: “ما دورنا كمدعوين؟”.

كذلك فإن سؤالًا آخر برز بشكل كبير خلال النقاشات العامة، “لماذا على المنظمات المدنية أن تشارك بالعملية السياسية في سوريا بشكل مباشر، وهل المشاركة تفقد هذه المنظمات استقلاليتها، خصوصًا مع وجود مخاوف بأنها لن تتفق مع قوى الأمر الواقع السياسية والعسكرية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري”.

معظم الحضور كان يطرح السؤال الإشكالي: إذا شاركت المنظمات عبر “مدنية” في العمل السياسي، فمع أي الأطراف المعارضة ستكون؟

السؤال السابق، تحديدًا، لم يُعالَج، ورغم أن فكرة “مدنية” يمكن أن تعيد هيكلة المجتمع المدني السوري، فإن الهدف البعيد المدى لها لا أحد يعرف كيف يمكن تحقيقه.

خلال يومي اجتماع “مدنية”، لم تُطرح المنظمات وحتى المؤتمر نفسه كبديل عن جهات سياسية، ورصدت عنب بلدي رغبة الموجودين بأن يحافظوا على دور بعيد عن قوى الأمر الواقع في سوريا، ما زاد في التباس السؤال حول كيفية ضمان الأحقية السياسية للمجتمع المدني مع هذا الشرط، وهو ما لم يخرج المجتمعون بإجابة واضحة عنه.

ورغم أن هدف المؤتمر الأساسي كان النقاش حول مشاركة منظمات المجتمع المدني في العملية السياسية، فإن اليوم الثاني منه، ومع حضور عدد من المسؤولين الدوليين، ناقش مسألة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، مع ميل لتحميل المجتمع الدولي المسؤولية، من مبدأ أن الأخير قدّم الأموال والموارد المطلوبة للمنظمات المدنية، لكن في المقابل غابت أي نية جدّية لتغيير سياسي في سوريا.

انتخابات 2025؟

سؤال في غاية الأهمية طُرح في أثناء النقاشات التي سادت المؤتمر: ماذا لو قدمت الدول الغربية ضمانات حول عملية انتخابية نزيهة وشفافة في سوريا عام 2025؟ هل يضمن المجتمع المدني “رحيل الأسد” حينها عبر الانتخابات؟ وكانت الإجابة بأنه لا يمكن ضمان هذا الأمر في ظل الضعف السياسي للمعارضة.

    ما المجتمع المدني وما دوره؟

    هناك عشرات التعريفات لمنظمات العمل المدني، تتفق عمومًا على أنها مجموعة من المنظمات والهيئات غير الحكومية، التي تهدف إلى الدفاع عن قضية معيّنة تؤمن بها على المدى الطويل، وتأخذ موقفًا محايدًا من الحكومات السياسية، بمعنى أنها لا تقدم لها الدعم، بل تلعب دور المراقبة والمحاسبة تجاهها، وفق القضية التي تتبناها.

    وفقًا للبنك الدولي، يشير تعبير المجتمع المدني إلى مجموعة واسعة من المنظمات: المجموعات الأهلية، المنظمات غير الحكومية، النقابات العمالية، مجموعات السكان الأصليين، المنظمات الخيرية والدينية، الجمعيات المهنية، المؤسسات.

    أما الأمم المتحدة فتعرّف المجتمع المدني على أنه القطاع الثالث من قطاعات المجتمع مع الحكومة وقطاع الأعمال، ويتكون هذا القطاع من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

    في عام 2004، أصدر الكاتب مايكل إدواردز كتابه “المجتمع المدني.. النظرية والممارسة”، الذي يعدّ أحد المراجع الرئيسة في فهم طبيعة المجتمع المدني، وفيه أورد الكاتب عديدًا من تعريفات هذا المجتمع، منها أنه “تمثيل لرغبة المواطنين في مساءلة السلطات العامة والخاصة حيال ما تقوم به من أعمال، وتوليد أفكار بديلة ومواقف سياسية تطالب بتغييرات أساسية في بنية السلطة، وتنظيم العمل الجماعي ضمن مستويات واسعة بما يكفي، لفرض تحولات بعيدة المدى في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية”.

    في حين اعتبر المفكرون في “حركة التنوير” المجتمع المدني خطًا دفاعيًا ضد تجاوزات الدولة غير المبررة على حقوق الفرد وحرياته التي نالها، وهو أيضًا عالم ينتظم ذاتيًا ويضم روابط ملتزمة بالمثل والأهداف نفسها، يحتاج إلى حماية نفسه من الدولة للحفاظ على دوره في مقاومة الاستبداد مهما كان الثمن.

    إدواردز ذكر في كتابه أيضًا أن المجتمع المدني يمثّل رغبة المواطنين في مساءلة السلطات العامة والخاصة، وتوليد أفكار بديلة تطالب بتغييرات أساسية في نية السلطة، وتنظيم العمل الجماعي ضمن مستويات واسعة بما يكفي لفرض تحولات بعيدة المدى في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية.

    ينقسم الدور الذي يلعبه المجتمع المدني تبعًا لتفسيرات هذا الدور، والتفسير الأكثر “راديكالية” والتابع لـ”الليبرالية الجديدة”، يرى أن المجتمع المدني هو الأرضية التي تتحدى الوضع الراهن، وتتبنى به ومن خلاله بدائل جديدة.

    في حين تذهب تفسيرات أخرى إلى القول إنه قطاع غير ربحي، تُقدم من خلاله خدمات دعت إليها الحاجة بسبب فشل السوق والحكومات بتقديم هذه الخدمات، بحسب كتاب “المجتمع المدني.. النظرية والممارسة”، للكاتب الأمريكي مايكل إدواردز.

    الخبير بمنظمات المجتمع المدني الدكتور باسم حتاحت، أوضح لعنب بلدي أن دور المنظمات المدنية لا يقتصر على الجانب الحقوقي، بل هو كل ما يتعلق باحتياجات الشعب.

    ومن أدواره دعم التعليم بكل جزئياته، ودعم إنهاء الفقر، ودعم إصدار وتعديلات القوانين، ودعم إلزامها بالمنهجية العالمية مثل ميثاق حقوق الإنسان، ودعم الحوكمة والرقابة.

    ويعد المجتمع المدني “القاعدة الأساسية لأي مجتمع سياسي عادل”، وفق حتاحت، الذي يرى أنه أقوى من ناحية الأداء كمنظومة فاعلة داخل المجتمع، ثم يأتي المجتمع السياسي لإنضاج البرامج المشتركة التي تُطور من المجتمع المدني، وفق حتاحت.

المنظمات السورية بين العمل المدني والسياسي

بعد الخبرات المتراكمة التي كوّنتها المنظمات المدنية السورية، وبناء علاقات جيدة مع مسؤولين غربيين يعملون في الملف السوري، وفشل المعارضة السياسية السورية في تحقيق تقدم بالملف، بالتزامن مع عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، يرى قسم من الناشطين المدنيين أن الفرصة مواتية لدخول المنظمات إلى مضمار السياسة في الملف السوري.

أهم قواعد عمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية عمومًا، أنها لا تسعى للوصول إلى السلطة، بعكس الأحزاب السياسية، بل تحاول صنع تغيير سياسي في البيئة المحيطة، اقتصاديًا واجتماعيًا وحقوقيًا، وفق الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج.

ومن هذه النقطة ينطلق البعاج في حديثه لعنب بلدي، ليشير إلى وجود مستقبل سياسي للمنظمات السورية في حال توفرت لها مساحة من الحرية، التي تحتاج إليها بطبيعة الحال للقيام بعملها.

وإن كانت إشارة البعاج باتجاه شكل سياسي يقع ضمن عمل المنظمات بالأساس، فإن مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، يرى في حديث لعنب بلدي، أن من الأفضل ألا يكون للمنظمات السورية مستقبل في العمل السياسي نفسه لا بيئته، لعدة اعتبارات.

فالعمل السياسي، حسب العبد الله، منفصل عن عمل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، والأخيرة تحديدًا يجب أن يكون عملها حياديًا ومستقلًا عن أي تجاذبات سياسية، وأن تحمي مساحتها من الحرية.

وقال العبد الله، إن المجتمع في ظروف صحية وسليمة يلعب دورًا من الرقابة والمحاسبة للسياسيين والأحزاب والبرلمان، تأتي هذه المحاسبة عبر التناغم بين الإعلام والمجتمع المدني، وباعتبار أن المجتمع مفكك وسوريا مهشمة، فلا يمكن لأحد أن يلعب هذا الدور إلا في الحدود الممكنة.

رأي العبد الله الذي يذهب باتجاه تفضيل عدم دخول منظمات المجتمع المدني في ميدان السياسية، يرتبط كذلك بأنه، وفي بعض الدول بما فيها سوريا، تمتلك الأطراف السياسية منظمات تدافع عنها وتُستغل سياسيًا، وهذه النقطة تحديدًا تفقد العمل المدني مصداقيته واحترامه داخليًا (المجتمع) وخارجيًا لدى الدول، لذا فليس من مصلحة أي طرف من الأطراف أن تذهب المنظمات في هذا الاتجاه.

من جهته، يرى مدير منظمة “اليوم التالي” (إحدى المنظمات التي تُعنى بالانتقال الديمقراطي في سوريا)، معتصم السيوفي، أن المنظمات لا يمكن لها بالأساس أن تكون بديلًا عن أحزاب سياسية أو نقابات واتحادات، خاصة أن الصراع في سوريا لم ينتهِ.

على أرض الواقع، تلعب المنظمات دورًا في الحياة السياسية، ولكن ليس بالطريقة التي تمارسها الأحزاب، بل عبر الدفع باتجاه سياسات معينة وتهيئة الأرضية العامة للحياة السياسية، ثم التفاعل مع الأحزاب وغيرها، وبالتالي، وفق السيوفي، فإن الدور السياسي الذي تلعبه المنظمات المدنية، هو الدفاع عن القضية التي تتبناها، لكن لا يمكن أن تكون بديلة عن الأحزاب السياسية المعبرة عن أفكار ومعتقدات سياسية تمثّل مصالح وأفكار فئات اجتماعية واسعة.

وباعتبار أن الملف الحقوقي يعدّ أحد أبرز الملفات المرتبطة بمستقبل العدالة الانتقالية في سوريا، يرى داني البعاج أن المنظمات الحقوقية تحديدًا عليها أن تبقى بعيدة عن السياسة، لأن دورها يجب أن يكون حياديًا بالكشف عن الجرائم وملاحقة مجرمي الحرب، أيًا كان انتماؤهم.

    هل تفرز المنظمات شخصيات سياسية؟

    اكتسبت المنظمات السورية المدنية عبر سنوات طويلة من العمل خبرات متنوعة في بناء الشراكات، والعلاقات والتواصل مع المسؤولين الدبلوماسيين بمختلف الدول التي تدخلت لدعم الملف السوري.

    هذه الخبرات المتراكمة، وفشل المعارضة السورية التقليدية في تصدير وجوه جديدة قادرة على قيادة المرحلة الحالية في مواجهة المكتسبات السياسية الأخيرة للنظام السوري، قد تدفع باتجاه تصدّر شخصيات جديدة العمل السياسي.

    مصدر هذه الشخصيات هو المنظمات المدنية السورية، التي قد تبدو بدورها قادرة على تصدير أسماء جديدة.

    لكن نجاح هذه الأسماء يرتبط بعدة اعتبارات بدوره، أهمها امتلاك طموح سياسي، وأن تتحرك في اتجاه السياسة، بحسب الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج.

    بينما يرى مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن المنظمات السورية قد تفرز شخصيات تخرج من العمل المدني لتصل إلى العمل السياسي، كما حصل في لبنان والعراق في وقت سابق، لكنه أشار أيضًا إلى أن أفضل وسيلة لممارسة العمل السياسي تكمن في الترشح ضمن انتخابات نزيهة.

    كما اعتبر العبد الله، في حديثه لعنب بلدي، أن من المبكر الحديث عن هذا الأمر، لأن الطبقة السياسية للمعارضة فيها تسلّط من أطراف سياسية واحتكار للرأي، وتتحكم بها الدول الداعمة التي تفرض قراراتها، كما في اللجنة الدستورية، لذا في هذه المرحلة، من غير الوارد ظهور شخصيات سياسية جديدة قادمة من العمل المدني.

حول شكل الترابط بين المجتمع المدني والسياسي، قسم الخبير الأكاديمي حتاحت العلاقة إلى وجهين، الأول الانطلاق من المجتمع المدني لخلق مجتمع سياسي عادل، والثاني الانطلاق من مجتمع سياسي تتضمن برامجه العادلة إنشاء مجتمع مدني.

وفي الحالة السورية، يرى الخبير الأكاديمي أن المجتمع السياسي بكل مكوّناته ما زال “ضعيفًا ناشئًا بعيدًا عن المفاهيم الصحيحة”، وهو ما يحتّم على المجتمع المدني أخذ دوره بإنضاج المجتمع سياسيًا.

أما على صعيد انخراط المنظمات المدنية السورية بالعمل السياسي، فيرى مدير “منبر منظمات المجتمع المدني السوري”، محمد أكتع، أن منصات المعارضة كـ”الائتلاف الوطني السوري”، تعتبر الجهة المشرعة بالنسبة للمعارضة السورية، بينما منظمات المجتمع المدني تبقى الجهة الوسيطة بين المجتمع والسلطة، ومهمتها الضغط على السلطة للقيام بدورها، لذلك يعدّ المجتمع المدني جزءًا لا يتجزأ من العملية السياسية.

    التجربة السورية ما قبل حكم “البعث”

    أدت الظروف السياسية في أثناء فترة تبعية سوريا للدولة العثمانية، مطلع القرن الـ20، إلى ظهور عديد من الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي حاولت التفاعل مع المتغيرات سياسيًا واجتماعيًا، وخاصة مع ظهور حركات تركية مشابهة حينها.

    العهد العثماني: إحدى أولى الحركات التي ظهرت في المجتمع المدني السوري، كانت “جمعية الإخاء العربي العثماني” في عام 1908، وهدفت إلى “رفع شأن الأمة العربية من النواحي الاقتصادية والثقافية”، بعد إقرار قانون الجمعيات العثماني في عام 1908، وفق كتاب “الحياة الحزبية في سوريا” لمحمد حرب فرزات.

    عهد الملك فيصل: استمرت الحركات المدنية بالتطور والظهور تبعًا للظروف السياسية في تلك الفترة، بما في ذلك منظمات نسوية ظهرت بعد استقلال سوريا وبدء العهد الفيصلي (المملكة السورية نسبة للملك فيصل بن حسين 1918- 1920)، وفق كتاب “سكة الترمواي” لسامي مروان مبيض.

    الانتداب الفرنسي: صدرت مراسيم خاصة للأحزاب والجمعيات من قبل المفوض السامي الفرنسي مع استمرار العمل بالقوانين العثمانية حتى 1953.

    عام 1953: صدر القانون “47” الخاص بالجمعيات والأحزاب، وألغي مع عودة الحياة الديمقراطية إلى سوريا في عام 1954.

    مرت الحركة العمالية والنقابات في سوريا بمراحل التكوّن والنشوء في عشرينيات وثلاثينيات القرن الـ20، بينما كانت مرحلة الانطلاق وترسيخ الأقدام في الأربعينيات والخمسينيات، وتحديًدا مع تقديم الحكم “البرجوازي- الإقطاعي”، حينها، التنازلات للعمال، وإفساح المجال للحركات العمالية، وهو ما تجلى وفق كتاب “صور من حياة مجتمعات سوريا القرن الـ20” بلحظتين مفصليتين، قانون العمل السوري عام 1946، ومؤتمر العمال السوريين 1950.

    وذكر الكتاب أن الأجواء الديمقراطية في عهد المجلس النيابي 1954- 1958، كانت ملائمة لتطور مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات، كما تزامنت مع تصاعد أفكار التنوير العربي والعقلانية، وترسخ مفاهيم الحرية والنضال الوطني، وتجلّت هذه الظواهر بنجاح القائمة النقابية المتحدة عام 1958 في الانتخابات البرلمانية.

    الظروف السياسية في سنوات الوحدة بين سوريا ومصر (1959- 1961) وجهت ضربة لمؤسسات العمل المدني، قبل أن تعود لفترة وجيزة ثم تبدأ السيطرة عليها من قبل حزب “البعث” مع وصوله إلى السلطة في عام 1963 بالتدريج بالتوازي مع حراكها المستمر.

 مكوّنات تعمل في “جزرها الخاصة”

تحتاج المنظمات السياسية والمدنية إلى العمل المشترك في الملف السوري، وقلما تحدث لقاءات بين هذه المنظمات، وهو سلوك فسره المحللون بـ”التنافسية” بين الطرفين، و”احتكار” العمل السياسي.

الخبير المتخصص بشؤون إدارة منظمات المجتمع المدني، الدكتور باسم حتاحت، يرى أن عدم تكامل عمل المنظمات السورية السياسية منها والمدنية مرتبط بعدة أسباب، أولها “الأنانية”، وعدم وجود برنامج سياسي للمعارضة السياسية تعمل فيه أدوات مدنية.

وتحدث حتاحت عن ضعف ارتباط دا، مفسرًا ذلك بأن المكوّنات السياسية الحالية لم تأتِ بالانتخاب، لذا لديها “خوف” من أن يقوى المجتمع المدني، وأن يؤثر على وجودها، أو على تحركاتها التي قد تكون غير مقبولة.

في حين يرى مدير “منبر منظمات المجتمع المدني السوري”، محمد أكتع، أسباب عدم التكامل من منظور مختلف قائلًا، إن “علاقة المجتمع المدني مع (الائتلاف) ليس لها أي غطاء قانوني وغير رسمية، فلا يوجد ما يُلزم المجتمع المدني السوري المعارض بترتيب العلاقة مع جهات المعارضة”.

رئيس الحزب “الليبرالي السوري” (أحرار)، بسام القوتلي، يرى أن انعدام التنسيق منتشر بين السياسي والمدني من جهة، وحتى بين السياسي والسياسي، وبين المدني والمدني من جهة أخرى، وأنه في معظم الحالات تعمل الجهات المختلفة في “جزرها الخاصة” من دون إدارة فعالة أو استراتيجية موحدة.

الدول الدكتاتورية عندما تخاف من المجتمع المدني تضمه إليها، مثل النظام السوري وغيره، أما الدول الديمقراطية فعندما تحتاج إلى المجتمع المدني تعطيه إمكانيات أوسع، لأنها تعلم أنه يدعمها في نهاية الأمر، ولأن همها البنية التحتية المجتمعية للشعب كي يرتقي ويعيش.

وحمّل القوتلي “الائتلاف” المسؤولية الكبرى عن هذا “الفشل”، مستدركًا أن السبب يعود لتنوع مصادر الدعم، وأجندات الداعمين، وامتلاك عديد من مديري المنظمات المدنية الطموح السياسي المشروع، الذي يزيد من الشعور التنافسي بين المنظمات والهيئات السياسية، ويسهم في انعدام التنسيق.

قال القوتلي، إن بعض الأفراد والتنظيمات السياسية يحتكرون الوجود السياسي لمصلحتهم، وهو ما يلغي التنافسية ووصول الأقدر، ويخلق منظومة “مغلقة” غير قادرة على العمل مع الآخرين.

ما سر نجاح المنظمات المدنية دون السياسية

طرأ على المجتمع المدني السوري، ما بعد عام 2011، تغيرات عديدة انعكست على أداء وحضور الكيانات المنبثقة عنه، بشكل جعله ينمو ويطور نموذجه الخاص.

ولعبت الظروف السياسية دورًا بارزًا في تغيير موقع المجتمع المدني أمام بقية المنصات السياسة، وبدأ ذلك في عام 2016، حينما أعلن المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، تأسيس “غرفة دعم المجتمع المدني” (CSSR)، التي ألقت على عاتقها متابعة العملية السياسية.

وجاء بعدها مؤتمر “بروكسل” في نسخته الأولى عام 2017، الذي أقرّ بدور المجتمع المدني كجزء أساسي من الحل الدائم، وفي إعلان تشكيل اللجنة الدستورية عام 2019، تطور دور المجتمع المدني بإدراجه ضمن قوائم اللجنة.

لم يتوقف وجود المنظمات المدنية على التمثيل الدولي، إذ إنه بتجميد المسار السياسي الوحيد الذي تشارك فيه المعارضة (اللجنة الدستورية)، عملت منظمات المجتمع المدني على ممارسة الضغط على الفاعلين المحليين والدوليين بغية دفعهم للالتزام بمنظومة القيم التي تتبناها.

وصل مستوى الضغط إلى مساهمة المجتمع المدني في بلورة سياسات دولية، مثل مساهمة منظمات سورية بالولايات المتحدة في صياغة قرار “قيصر” عام 2019، والضغط على الفاعلين هناك لتبنيه.

وكان للمنظمات المدنية دور أساسي في تسليط الضوء على تجارة “الكبتاجون” كممول أساسي للنظام السوري عبر الدراسات والأبحاث والضغط السياسي، ليبصر مشروع قانون مكافحة المخدرات الأمريكي النور بعد مخاض عسير بين المجالس التشريعية، بدءًا من عام 2021 حتى نهاية عام 2022.

وفي خضم الانفتاح العربي على النظام منذ شهرين بدفع عدة دول عربية أوصلته إلى المقعد السوري في الجامعة العربية، عملت منظمة “التحالف الأمريكي من أجل سوريا” مع مجموعة من أعضاء “الكونجرس” الأمريكي على مشروع قانون يحظر على الحكومة الفيدرالية الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع النظام.

ويشرّع مشروع القانون، الذي أقرته لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب في 16 من أيار الماضي بالإجماع، تعديلات على قانون “قيصر” توسع دائرة مراقبة من يحاول التعامل مع النظام من حكومات أو كيانات.

الخبير بمنظمات المجتمع المدني الدكتور باسم حتاحت، أوضح لعنب بلدي وجوه الاختلاف ما بين المجتمع السياسي والمدني السوري قائلًا، إن المجتمع السياسي (منصات المعارضة الأساسية) مجتمع سياسي ناشئ وغير فاعل أو صاحب تجربة.

ووصف حتاحت أداء الفاعل السياسي السوري بـ”البطيء جدًا”، و”المرتهن للدول أو للمؤسسات التي تدعمه”، وليست لديه رؤية استراتيجية سياسية في تقاطع المصالح و”تشبيك العلاقات”.

وانتقد الأكاديمي السوري المنصات السياسية التي تتصدّر المشهد، مثل “الائتلاف السوري” و”هيئة التفاوض”، لعدم قدرتها على إنشاء مجتمع مدني داعم، أو مجموعة ضغط، أو أن يكون لها ارتباط بأحدها أو بأحد “اللوبيات” السورية.

على الجانب الآخر، يتمتع المجتمع المدني السوري بحرية أوسع وأدوات للتحرك عبر مختلف القطاعات العامل بها، وهو موجود ضمن شتى بقاع العالم، وفق الخبير المدني.

وقسّم حتاحت وجود المجتمع المدني الحالي بين ناشئ تدرب وتعلم من خلال تعامله مع المؤسسات الدولية والأممية، ومع “الكونجرس” الأمريكي والبرلمان الأوروبي، وقديم خارجي موجود في الدول الغربية، استطاع بحكم خبرته وإمكانياته المالية الواسعة، وانتمائه السوري دون الارتهان لأي مشروع آخر، أن يحقق خطوات “كثيرة جدًا”، مثل قانونَي “قيصر” و”الكبتاجون”، وتنفيذ ضغوطات على البرلمان والمفوضية الأوروبية.

المدير التنفيذي لـ”منبر منظمات المجتمع المدني السوري”، محمد أكتع، قال لعنب بلدي، إن الغطاء القانوني لمنظمات المجتمع المدني يحمّلها مسؤولية أكبر من كيانات المعارضة السياسية، إذ لا يمكن لمن انخرط بالعمل ضمن منظمة مجتمع مدني، وحصل على دعم مستمر وصفة قانونية واعتبارية، أن ينشق عنها وينشئ منظمة غيرها بسهولة.

بالمقابل، العمل السياسي ومنصات المعارضة السياسية بسبب فقدها لهذا الغطاء القانوني، يمكنها تشكيل كتلة سياسية ثم الانفصال عنها وتشكيل أخرى بمسمى آخر، دون قانون أو نظام رسمي معتمد يضبط هذه العملية، ما يجعل المنظمات المدنية “منظمة ومستدامة” أكثر من الكيانات الأخرى، وفق أكتع.

أهمية المجتمع المدني في العملية السياسية

تلعب منظمات المجتمع المدني دور الحوكمة، وهي الجهة التي تتحرك باسم المجتمع لإيصال صوت المواطنين للدولة ومراقبة سياساتها، بالإضافة إلى التحرك للدفاع عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وغيرها.

من هذا المنطلق، يمكن فهم الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في العملية السياسية، وهو دور تحدث عنه المدير التنفيذي لـ”منبر منظمات المجتمع المدني السوري”، محمد الأكتع، لعنب بلدي.

وفق الأكتع، يعتبر المجتمع المدني القطاع الثالث أو المجتمعي الذي يحقق الحوكمة في البلد، والجهة التي تتحرك باسم المجتمع والمواطن لإيصال صوته للدولة ومراقبة سياستها، لذلك فإن الأحزاب السياسية، اليوم، تُعتبر منظمات مجتمع مدني، وفي بعض الدول، الجهات التي تمنح الترخيص للأحزاب، هي ذاتها التي تمنح الترخيص للجمعيات.

تُعتبر منصات المعارضة، كـ”الائتلاف”، جهة سياسية بديلة عن النظام وسلطة إدارية، بغض النظر عن قيامها بمهامها أو عدمه اليوم، لكنها الجهة المشرعة بالنسبة للمعارضة السورية، بينما منظمات المجتمع المدني تبقى الجهة الوسيطة بين المجتمع والسلطة، ومهمتها الضغط على السلطة للقيام بدورها، لذلك يُعتبر المجتمع المدني جزءًا لا يتجزأ من العملية السياسية، بحسب رؤية محمد أكتع.

وقال أكتع، إن “علاقة المجتمع المدني مع (الائتلاف) ليس لها أي غطاء قانوني وغير رسمية، فلا يوجد ما يلزم المجتمع المدني السوري المعارض بترتيب العلاقة مع جهات المعارضة، بالإضافة إلى أنها تجربة تعتبر جديدة، إذ بدأت في عام 2013 فقط، أما النظام السوري فلديه قوانين وسلطة أمنية تضغط على منظمات المجتمع المدني”، وهذا عنصر قوة سياسيًا لمصلحة النظام.

“ولا يمكن طرح رؤية واضحة للمستقبل السياسي للمجتمع المدني السوري المعارض، لأنه منخرط بالقطاع الإنساني بحكم الواقع الذي نحن عليه اليوم، وهذا القطاع بعيد عن العمل السياسي، إلا أنه جزء من المجتمع المدني وليس كله، والمجتمع المدني السوري المعارض بحكم وجوده في عديد من الدول واستمرار دعمه بحسب قرار دعم الحدود (كروسبوردر)، سيكون له وجود مستمر ودور ثابت، حتى وإن تم التطبيع مع النظام السوري، كما أن أغلب المنظمات الآن تتمتع باستقلالية مادية وتراخيص نظامية”، بحسب قوله.

عنب بلدي،

———————————–

المؤتمر التأسيسي لمنصة “مدنيّة” السورية… بحث عن دور سياسي/ عماد كركص

يدخل ممثلون لحوالي 150 منظمة للمجتمع المدني السوري إلى قاعة داخل معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الثلاثاء، لعقد المؤتمر التأسيسي لمبادرة “مدنيّة”، بعدما عقدوا اجتماعاً مغلقاً يوم أمس، في المعهد ذاته، لوضع الأسس للمبادرة أو الصيغة التفاعلية بين إدارتها ومكوناتها.

المبادرة انطلقت وتأسست بداية العام الحالي من قبل مجموعة من المؤثرين ورجال الأعمال الذين يضطلعون بالشأن السياسي بشكل أو بآخر، لا سيما بعد اندلاع الحراك المناهض للنظام السوري عام 2011، وعلى رأسهم أيمن أصفري، رجل الأعمال السوري – البريطاني، وهو رئيس مجلس إدارة المنصة. ويتزامن انعقاد المؤتمر التأسيسي للمبادرة مع مشهد معقد يخيّم على الملف السوري، إثر التقارب العربي والإقليمي مع نظام بشار الأسد.

أهداف “مدنيّة”

وينعقد المؤتمر التأسيسي لـ”مدنيّة” تحت عنوان “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”. وجهدت المنصة، خلال الأيام الماضية التي سبقت انعقاد المؤتمر، بالتعريف عن نفسها وأهدافها، وركزت على أنها لم تتأسس لتأخذ دور أي جسم أو منصة سياسية للمعارضة السورية، وإن كان عنوان اجتماعها الأول يشي بالبحث عن دور سياسي راهناً أو مستقبلاً.

وفي البيان الذي أصدرته المنصة عن المؤتمر، أشارت إلى أن “استعادة القدرة السياسية داخل الفضاء المدني السوري، تحت مظلة مدنيّة، لا تعني وجود نيّة باستبدال الهيئات السورية القائمة المشاركة في العمليات السياسية التي حددها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بل إنها تسعى إلى استكمال جهودها”.

وأضافت أن “الهدف من استعادة القدرة السياسية متجذر في إيماننا بأننا، الجهات الفاعلة المدنيّة السورية، يجب أن نشارك بنشاط في تشكيل جميع المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى حلّ سياسي، على النحو الذي يحميه قرار مجلس الأمن نفسه”. وتابعت: “نحن دائرة انتخابية قائمة على القيم، تعمل من أجل دولة تدعم حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون، تسترشد منظماتنا بهذه الرؤية، ونحن نسعى جاهدين للمشاركة بنشاط في منصات صنع القرار لضمان توافق إجراءات مختلف الجهات الفاعلة السياسية والدولية مع هذه الرؤية”.

وأشارت المنصة في معرض التعريف عن نفسها، إلى أنها تهدف إلى عكس الديناميكيات المؤثرة على مسارات الحلّ السياسي في سورية، من خلال حشد الفاعلين المدنيين السوريين حول مجموعة شاملة من القيم المبنية على الحقوق للانتظام ضمن فضاء مدني موحد، مع سعيها لتقديم هؤلاء الفاعلين كنظراء قادرين على لعب دور قيادي في صناعة القرارات المتعلقة ببلدهم بما يساهم في الوصول إلى بلد حر ديمقراطي ذي سيادة يحترم حقوق النسان ويساهم إيجابياً ضمن المجتمع الدولي. وتتجلى أهمية هذه الجهود بشكل خاص مع تزايد توجهات التطبيع مع نظام الأسد في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا في 6 فبراير/ شباط الماضي.

ورحبت المبادرة بجميع الفاعلين المدنيين السوريين الذين يؤمنون بقيمها، من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والتنظيمات المجتمعية ومجموعات الضحايا والنقابات والاتحادات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، وفي وقت لاحق الأفراد.

وتضمّن البيان الصحافي حول المؤتمر التأسيسي للمؤتمر، تأكيد رئيس مجلس إدارة المبادرة أيمن أصفري أنه “على مدى العقد الماضي، لعبت مؤسسات المجتمع المدني السوري دوراً استثنائياً في الحفاظ على قيم الانتفاضة السورية وتقديم الخدمات السياسية للمجتمعات السورية المختلفة، ولهذه المؤسسات شرعيتها في أن يكون صوتها مؤثراً عند نقاش حاجات الشعب السوري ومستقبله بما في ذلك دعم أي عملية سياسية”. ولفت إلى أن “مدنيّة تسعى إلى جمع هذه المؤسسات معاً، متحدة من خلال القيم المشتركة والأهداف المشتركة”.

صوت للمجتمع المدني السوري

ووصف عضو مجلس إدارة المبادرة، حسام القس، المؤتمر بأنه إعلان لإطلاق المنصة وبدء العمل بشكل رسمي. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد” أن “مدنيّة ليست جسماً سياسياً، ولا تطمح لأن تكون بديلاً عن الأجسام السياسية الموجودة حالياً”. وكشف أن رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس سيحضر المؤتمر كضيف.

وأشار القس إلى أن المبادرة “تطمح لأن تكمل الجهود مع كل الفاعلين في القضية السورية من أجسام سياسية ومدنيّة وحقوقية وغيرها للوصول إلى حقوق شعبنا، والوصول ببلدنا إلى المكان الذي نطمح له كلنا في بناء وطن حر ديمقراطي مستقل يحفظ حقوق أبنائه ويساوي بينهم”. وتابع أن “الغاية من تأسيس مدنيّة هي تجميع وحشد كل الجهود وتضافرها لأكبر قدر ممكن من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية التي تعمل في سورية، من أجل التخفيف عن أبناء شعبنا من آثار التهجير والتدمير الممنهج التي يتعرض لها في سورية ودول الجوار وكل مكان يتواجد فيه، وكذلك لإيصال رسالة إلى الفاعلين الدوليين تفيد بأن المجتمع المدني السوري له صوت وهو موجود ومستعد لإيصال صوت السوريين أينما تواجدوا”.

ولفت القس إلى أن المنصة تتألف سواء بأعضائها أو مجلس إدارتها الحالي، من ناشطين وفاعلين مؤثرين ضمن المجتمع المدني والحقوقي والإنساني السوري من مختلف الاتجاهات والانتماءات، ومن أكثر من 160 منظمة سورية تعمل في مختلف مناطق سورية ودول الجوار وأوروبا وأميركا، وتم اختيارها على أساس قيم “مدنيّة” التي تم تحديدها من الإيمان بوطن ديمقراطي حر يساوي بين أبنائه يسوده القانون وحقوق الإنسان والمواطنة الحقيقية، وعلى هذا الأساس تم اختيار المنظمات التي تتقاطع مع هذه القيم والمبادئ.

وأشار إلى أن اختيار باريس مكاناً لانعقاد المؤتمر التأسيسي يأتي بعدما “قدّمت الحكومة الفرنسية مشكورةً التسهيلات اللوجستية وتلك التي لها علاقة بوصول الأعضاء المشاركين في المؤتمر سواء كانوا في الداخل السوري أو دول الجوار أو مَن هم موجودون في أوروبا وأميركا”. وأكد حضور ممثلين عن الحكومة الفرنسية وممثلين عن دول عدة فاعلة في القضية السورية، “من دون أن يعني ذلك أي تدخّل أو فرض أي أجندات على “مدنيّة”، وكل الطروحات مبنية على أساس المساهمة في التخفيف من معاناة السوريين والوصول إلى حلّ سياسي على أساس القرار 2254″، قائلاً إن “أي جهود تصب في دفع ذلك من دون مقابل مرحب بها من أي طرف كانت”.

خطة عمل مدنيّة مشتركة

وتشارك رئيسة مؤسسة “تستقل” هند قبوات في المؤتمر، عن المؤسسة التي ترأسها. وقالت قبوات لـ”العربي الجديد” إنها “فخورة بالمشاركة في المنصة والمؤتمر إلى جانب مؤسسات من المجتمع المدني مشهود لها بالمصداقية والعمل الجاد منذ سنوات”، معبّرة عن احترامها لمجلس إدارة المنصة، وحسن التنظيم لإطلاقها كما تنظيم المؤتمر.

وأكدت قبوات أن الانضمام للمنصة ليس غرضه القيام بأي دور سياسي، مضيفة أن “هذا التجمّع يضم الكثير من الطاقات الشبابية، من شباب وشابات، لديهم العلم والمعرفة والأخلاق والقيم، التي تمكّنهم من أن يكونوا يوماً ما أملاً لسورية الجديدة التي نريدها”. ولفتت قبوات إلى أن الهدف من المؤتمر التأسيسي هو الاجتماع والتلاقي بين مكونات المنصة، و”وضع خطة عمل مدنيّة مشتركة، بدون تهميش أو إقصاء”، مشددة على أنه “لا توجد مؤامرات أو أجندات خفية”.

وتبرز مشاركة “التحالف الأميركي من أجل سوريا”، وهو تجمّع يضم عدداً من المؤسسات التي تُعتبر جماعات ضغط سورية معارضة في الولايات المتحدة، وكانت له جهود فاعلة في الضغط على الإدارة الأميركية لتحريك ملف العقوبات على النظام، بما في ذلك إصدار “قانون قيصر” و”قانون الكبتاغون”.

وأشار التحالف في بيان إلى أن أهمية المؤتمر التأسيسي للمنصة تكمن في استعادة الفاعلية السياسية للفاعلين المدنيين السوريين، خصوصاً خلال هذه الأوقات الحرجة التي اتسمت باتجاهات التطبيع مع نظام الأسد وعواقب الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا، بالإضافة إلى السعي لتقديم الفاعلين المدنيين السوريين كنظراء أساسيين في عمليات صنع القرار المتعلقة ببلدهم، وبهدف المساهمة في إنشاء دولة حرة وديمقراطية وذات سيادة تدعم حقوق الإنسان وتنخرط بنشاط مع المجتمع الدولي.

وقال محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في “المجلس السوري ـ الأميركي” و”التحالف الأميركي من أجل سوريا”، إن “المؤتمر يشكل فرصة طيبة للالتقاء بعدد كبير من روّاد العمل المدني والأهلي السوري تحت سقف واحد ولتوحيد وتنسيق جهودنا التي لا يجب أن تبقى مبعثرة”. وأضاف لـ”العربي الجديد”: “أنا ومن معي في التحالف متحمسون لبحث سبل تضافر جهود شباب وشابات المجتمع المدني السوري في المؤتمر”.

العربي الجديد

——————————-

منصة “مدنية” السورية: لسنا بديلاً ونبحث عن دور في الحل السياسي

انتهى الاجتماع المغلق لمؤتمر منصة “مدنية” في معهد العالم العربي بالعاصمة الفرنسية باريس الاثنين، حيث اجتمع ممثلون عن أكثر من 150 منظمة مدنية سورية، على أن يعقدوا الثلاثاء اجتماعاً مفتوحاً للإعلان عن إطلاق المنصة في إطار مؤتمرها التأسيسي.

وسيحضر اجتماع الثلاثاء أعضاء المنصة من المنظمات وممثليها، وممثلي بعض الدول في الملف السوري، وقد علم “العربي الجديد” أن هناك شخصيات فرنسية رفيعة ستحضر الاجتماع التأسيسي.

وقال حسام القس، عضو إدارة المنصة، لـ”العربي الجديد”، إن “الأجواء كانت إيجابية خلال الاجتماع المغلق، حيث قدمت المنظمات الأعضاء في المنصة مقترحات، وستجرى دراستها وأخذها بعين الاعتبار”.

وأضاف القس أن المقترحات تمركزت حول “آلية العمل المدني والتشبيك، وآلية عمل المنصة في الفترة المقبلة، والتقط مجلس الإدارة هذه المقترحات لمناقشتها في اجتماعاته المقبلة”.

وحول آلية التمثيل السياسي للمنصة على اعتبار أن شعار المؤتمر “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”، قال القس إنه “جرى التأكيد على أن (مدنية) ليست بديلاً عن أي جسم سياسي، لكنها ستكمل جهود كل المنصات السياسية الموجودة والمعترف بها دولياً وفق القرار 2254”.

ولفت إلى أن رئيس “هيئة التفاوض السورية المعارضة“، بدر جاموس، سيكون حاضراً كضيف في المؤتمر، لكنه أشار إلى أن النقاشات دارت “حول إمكانية المساهمة في الحل السياسي وأن يكون لها دور في الدفع بعملية الحل، لكون المجتمع المدني السوري موجود بقوة، وله صوت، ويجب أن يأخذ صوته بعين الاعتبار”.

وتكمن أهمية توقيت انعقاد المؤتمر التأسيسي للمبادرة، التي أُسّست من قبل مجموعة من المؤثرين ورجال الأعمال الذي يضطلعون بالشأن السياسي بشكل أو بآخر، وعلى رأسهم رجل الأعمال السوري – البريطاني أيمن أصفري، وهو رئيس مجلس المنصة، كونه يأتي في ظل مشهد معقد يخيم على الملف السوري مع التقارب العربي والإقليمي مع النظام في دمشق.

—————————-

أيمن الأصفري: ساهمت في تمويل «مدنية»… ولا أتطلع لأي دور سياسي ولا لتأسيس حزب سياسي… ونعارض التطبيع مع النظام/ هبة محمد

أطلقت مبادرة “مدنية” رسمياً مؤتمرها الافتتاحي الأول، الثلاثاء، بحضور أكثر من 150 مؤسسة مدنية سورية من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، حيث التقى ممثلو منظمات المجتمع المدني، في مؤتمر موسع في العاصمة الفرنسية باريس، تحت عنوان “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري” في محاولة لجمع كافة الجهات الفاعلة المدنية تحت مظلة واحدة، بهدف استعادة الفاعلية السياسية، ولتقديم وفرض نظراء قادرين على لعب دور قيادي في صناعة القرارات المتعلقة ببلدهم، والمطالبة بالأحقية السياسية ودور فعال للتأثير في كافة مسارات الوصول لحل سياسي.

وللكشف عن خلفية المبادرة والهدف منها كان اللقاء التالي مع المدير التنفيذي للمبادرة رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري:

■ لماذا تأخرت “مدنية” كل هذه السنوات حتى ظهرت؟ وما هي دواعي ظهورها في هذا التوقيت؟

■ “مدنية” ليست أول محاولة، وقد كانت هناك محاولات عديدة من قبل لإيجاد صوت سوري حر على مستوى المجتمع المدني، وقبل نحو 6 سنوات كانت هناك مبادرة أخرى قادتها الراحلة بسمة قضماني.

“مدنية” فكرة قديمة، وأنجزنا الحوكمة وأقمنا مجلس الإدارة قبل عامين، ثم بدأنا بداية العام الجاري بعملية الحشد، حتى وصلنا اليوم لإطلاقها في المؤتمر.

هناك ضرورة أساسية لمبادرة مدنية، فالمجتمع المدني مغيب تماماً. صوته مغيب كما أنه مغيب عن العملية السياسية، ووجدنا في مجلس الإدارة ضرورة لإيجاد صوت قوي له، ولتوحيد المنظمات وتنظيمها تحت مظلة واحدة وهي “مدنية”.

■ وهل تأملون بدعم دولي وما هو الدعم السياسي الدولي الذي تأملون بالحصول عليه؟

■ نحن لا نأمل بدعم مادي من أحد. من الناحية السياسية لدينا صوت في العملية السياسية، وهذا الصوت مشرع بالقرار الدولي 2254 وكل عمل مدني له جانب سياسي.

و”مدنية” مبادرة ممولة من سوريين ومن منظمات مجتمع مدني، ولسنا في حاجة لمساعدة من أحد، وهي مبادرة سورية بامتياز، كما أن منظمات المجتمع المدني في جزء منها تعمل مع “مدنية” وتحصل على مساعدات من المجموعة الأوروبية، ومن دول أجنبية. لكن “مدنية” نفسها تحرص دائما على ان تكون مظلة للمؤسسات السورية في المجتمع المدني السوري بتمويل سوري، باستقلالية تامة بعيدة عن كل التدخلات الخارجية.

■ ما هو ردكم على التطبيع والانفتاح العربي على النظام السوري؟

■ ردنا جاء في البيان الختامي للمؤتمر، ونحن ضد التطبيع مع النظام السوري كما رأيتم.

■ يؤخذ على مبادرة “مدنية” أنها خلطت بين المجتمع المدني والسياسة، وهو ما اعتبره البعض “مخاطرة” لجهة تشويش هوية المنظمات المدنية أمام المنظمات الدولية الداعمة والمانحة، ما يعني استفراد الممول الأوحد لها، ما يحوّل الفاعلين المدنيين إلى موظفين مختارين، وهو ما يناقض ركن العمل المدني وهو التطوعية والعمومية، ما هو ردكم؟

■ لا أتطلع لأي طموح سياسي، ولا أحد من أعضاء المبادرة يتطلع لتأسيس حزب سياسي، لكن المجتمع المدني في أي دولة مدنية ديمقراطية له دور أساسي في الفاعلية السياسية، وأنا كمواطن في بريطانيا عندما انتخب فإنني استعمل حقي السياسي، وعندما تطلب النقابات العمالية حقوقا لعمالها من حزب العمال، فإنها تستعمل الاستحقاق السياسي، ونحن كل ما نطالب به أن تكون المبادئ الأساسية التي تجمعنا مركزة ولها دور في أي عملية سياسية في المستقبل.

■ ماذا عن تمويل مبادرة “مدنية” المستدام؟

■ كل منظمات المجتمع المدني السوري ستساهم وتشارك ماديا في عضوية “مدنية”، وأنا ساعدت بتمويلها الأساسي، ولكن من الآن فصاعداً التمويل سيكون مستداماً من قبل مؤسسات المجتمع المدني نفسها.

—————————————–

سورية… مبادرات في الفراغ السياسي/ محمد أمين

طُرحت مبادرات عدة في الآونة الأخيرة من قبل هيئات وشخصيات سورية معارضة في محاولة لتحريك مياه العملية السياسية الراكدة، للتوصل لحل سياسي للقضية السورية.

إلا أن النظام ماضٍ في تجاهل وإهمال أي مبادرة تستند إلى القرار الدولي 2254 يمكن أن تشكل خطراً عليه. ويستند النظام إلى عدم توافر الإرادة الدولية الكافية لتطبيق الحل السياسي، وإلى الخطوات التي تتخذها الدول العربية والإقليمية باتجاه تطبيع العلاقات معه.

وكررت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، خلال اجتماعها في جنيف الأسبوع الماضي مع ممثلي الدول المعنية بالملف السوري، الاستعداد لـ”تطبيق العملية السياسية، وفق القرارات الدولية”.

وأكد بدر جاموس، رئيس هذه الهيئة التي تضم منصات سورية معارضة في مؤتمر صحافي في جنيف قبل أسبوع، أن “المعارضة مستعدة لمفاوضات ديناميكية في إطار القرار 2254″، محمّلاً النظام مسؤولية أي عرقلة للعملية السياسية، مضيفاً: “نحن مستعدون للتفاوض من أجل حل عادل”.

كما دعت الهيئة، عقب اجتماع لمكوناتها في جنيف الأسبوع الماضي، “الدول الشقيقة والصديقة لدعم جهود الأمم المتحدة، لاتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي 2254” الصادر في 2015، “الذي يحدد خريطة طريق دولية للتوصل إلى حل سياسي”.

وكانت المعارضة السورية نسفت تراتبية القرار 2254، ووافقت على البدء في التفاوض على كتابة دستور قبل تحقيق الانتقال السياسي، إلا أن هذه الخطوة لم تثمر عن نتائج، حيث استغل النظام اجتماعات اللجنة الدستورية، التي شكلتها الأمم المتحدة، لشراء الوقت وتمييع القضية السورية.

إطلاق منصة “مدنية”

ولم تتوقف المبادرات السياسية عند قوى الثورة والمعارضة الممثلة في هيئة التفاوض، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حيث أطلق ممثلون عن أكثر من 150 منظمة مدنية سورية، منصة سياسية جديدة حملت اسم “مدنية” أكدت على “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”. إلا أنها أكدت أنها “ليست بديلاً عن أي جسم سياسي”، مشيرة إلى “أنها ستكمل جهود كل المنصات السياسية الموجودة والمعترف بها دولياً وفق القرار 2254”.

وأكد أعضاء هذه المنصة، في بيان في باريس الثلاثاء الماضي، التزامهم “حلاً سياسياً وفق القرارات الدولية، وفي مقدمتها 2118 و2254، بما يضمن إطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً عند النظام وباقي أطراف الصراع”.

كما أكدوا رفضهم التطبيع مع نظام بشار الأسد وإعادة تأهيله، داعين إلى استمرار محاسبته ومحاسبة حلفائه على جرائمهم.

وتعوّل الأمم المتحدة على دور فاعل للمجتمع المدني في التوصل لحل سياسي، حيث منحته حيّزاً كبيراً في اللجنة الدستورية، مع تشكيل ممثلي هذا المجتمع ثلث أعضاء اللجنة، اختارتهم الأمم المتحدة من الطرفين (النظام والمعارضة).

محاولة لتفعيل القوى المشتركة

وبيّن عضو “مدنية” فادي ديوب، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “ليس من أهداف مدنية طرح رؤية لحل سياسي في سورية”، مضيفاً: نحاول الآن تفعيل أدوارنا لاستخدام قوانا المشتركة للتأثير بما يضمن حماية مصالح السوريين وتطلعاتهم، ببلد ديمقراطي حر ذي سيادة متبني لحقوق الإنسان.

في غضون ذلك، طرح العميد المنشق عن قوات النظام مناف طلاس (وهو ابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس) مبادرة، أول من أمس الجمعة، تهدف إلى “جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي بهدف الوصول إلى حل سياسي”.

ويرأس طلاس مجلساً عسكرياً محدود التأثير، يضم العديد من الضباط المنشقين، “يعمل حالياً على ترتيب آلية العمل الخاصة به، للمرحلة المقبلة وفق الإمكانات الدولية”، وفق تصريحات صحافية لطلاس نشرت الجمعة الماضي.

ولطالما طُرح اسم فراس طلاس لقيادة مجلس عسكري يضم ضباطاً من النظام والمعارضة، يشرف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات تضع البلاد على طريق الديمقراطية، في استنساخ للتجربة المصرية عقب ثورة يناير/كانون الثاني العام 2011.

ولا يحظى طلاس بقبول واسع في الأوساط السورية المعارضة رغم انشقاقه في العام 2012 عن “الحرس الجمهوري”، القوة الأكثر أهمية في قوات النظام، باعتبار أن والده كان جزءا من مرحلة الأسد الأب، وأسهم في توريث السلطة للأسد الابن منتصف العام 2000.

ولم تنقطع المبادرات التي تطرحها مختلف قوى المعارضة السورية طيلة السنوات الماضية، إلا أن النظام لطالما قابلها بالإهمال، وخصوصاً إذا كانت تستند إلى القرار الدولي 2254، مستفيداً من دعم روسي وإيراني واسع وتراخٍ من قبل أميركا، التي اكتفت بفرض عقوبات اقتصادية لم تدفع النظام لطاولة تفاوض جدي، ما يرسخ حالة الفراغ السياسي في القضية السورية.

قلق المعارضة من الانفتاح العربي والتركي على النظام

وتعكس المبادرات التي طُرحت أخيراً قلق المعارضة السورية من الانفتاح العربي والتركي على النظام السوري، الذي يسعى إلى تجاوز القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، والتي تنص على إنشاء هيئة حكم كاملة الصلاحيات تشرف على مرحلة انتقالية وتضع دستوراً جديداً تُجرى على أساسه انتخابات.

وفقدت المعارضة السورية أغلب أوراق القوة التي كانت تمتلكها بدءاً من أواخر العام 2015، مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر لصالح النظام، حيث خسرت أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها في عموم البلاد، وانحصر وجودها في حيّز جغرافي ضيّق في الشمال السوري.

ولم تقتصر المبادرات على قوى الثورة والمعارضة السورية، فقد عادت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، وطرحت في إبريل/نيسان الماضي، مبادرة قالت إنها تهدف إلى وضع حل “سلمي وديمقراطي” للأزمة السورية. وأبدت الاستعداد لـ”الحوار” مع النظام، الذي رفض سابقاً عدة مبادرات من هذه “الإدارة”، حيث يطالب باستعادة الشمال الشرقي من البلاد دون شروط.

النظام السوري لا يعبأ للمبادرات

وتعليقاً على المبادرات الأخيرة من قبل قوى سورية معارضة، بيّن مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “نظام الأسد لم يعبأ قط، ولا يعبأ حالياً، ولا أعتقد أبداً أنه سوف يعبأ أو يهتم مستقبلاً بمثل هذه المبادرات على الإطلاق”.

وبرأيه فإنه من الواضح أنه لا توجد إرادة حقيقية لدى المجتمع الدولي لفرض أي شيء على النظام السوري حالياً، لكن المعارضة تحاول تحريك المياه الراكدة، وربما تنتظر تغير الرياح الإقليمية والدولية لتحسين وضعها.

وأعرب عن اعتقاده أن “الأولى بالمعارضة السورية، أن تعمل على رأب الصدع الداخلي، وتحسين العلاقات البينية، واستعادة تمثيل الشارع السوري بالدرجة الأولى، بدلاً من طرح استعدادها للتفاوض مع النظام، من دون رصيد شعبي ودولي”.

العربي الجديد

————————————

مدنية” مبادرة تجمع “فاعلين سوريين” في باريس

يعتزم رجل الأعمال السوري – البريطاني أيمن الأصفري، على إطلاق “منصة مدنية” وهي تمثيل سياسي جديد للمعارضة السورية، يوم الاثنين القادم 5 حزيران / جون من قاعة مركز العالم العربي في باريس، بحضور ممثلين عن 150 منظمة من منظمات المجتمع المدني السوري لبحث آخر تطورات الملف السوري.

ووفقا لبرنامج المنصة الذي وصلت نسخة منه لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية ، ﺗهدف المبادرة إﻟﻰ “عكس الديناميكيات المؤثرة ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎرات اﻟﺣل السياسي ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ، ﻣن ﺧﻼل حشد اﻟﻔﺎعلين المدنيين السوريين ﺣول ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻣن القيم المبنية ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻘوق ﻟﻼنتظام ﺿﻣن ﻓﺿﺎء مدني موحد”.

كما تسعى “لتقديم ھؤﻻء اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن كنظراء ﻗﺎدرﯾن ﻋﻠﻰ ﻟعب دور قيادي ﻓﻲ صناعة القرارات المتعلقة ببلدھم بما ﯾﺳﺎھم بالوصول لبلد حر ديمقراطي ذي سيادة يحترم ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن وﯾﺳﺎھم إيجابياً ﺿﻣن المجتمع اﻟدوﻟﻲ”.

وزادات أهمية هذه الجهود بشكل خاص، مع ارتفاع وتيرة التطبيع مع ﻧظﺎم اﻷسد ﻓﻲ أﻋﻘﺎب الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا.

وتشدد المبادرة في بيانها، على أن المطالبة بالأحقية السياسية ﻟﻠﻔﺿﺎء المدني اﻟﺳوري ﺗﺣت ﻣظﻠتها ﻻ ﺗﻌﻧﻲ ضمناً أﯾﺔ رﻏﺑﺔ ﻓﻲ الحلول محل اﻷجسام السورية المنخرطة ﻓﻲ العملية اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ وﻓق ﻗرار ﻣﺟﻠس اﻷﻣن رﻗم 2254، ﺑل ﺗﺄﺗﻲ ﺿﻣن ﻣﺣﺎوﻻت رﻓد ﺟﮭودھﺎ.

وأضافت أن هذه اﻷحقية السياسية متجذرة ﻓﻲ ﺿرورة أن يكون ﻟﻠﻔﺎﻋلين المدنيين السوريين دور ﻓﻌﺎل ﻓﻲ التأثير ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ مسارات العمل للوصول لحل سياسي ﻋﺎدل ومبني ﻋﻠﻰ الحقوق وھذا ﺣق مصان ﻟﻠﺳوريين وﻓق ﻗرار ﻣﺟﻠس اﻷﻣن ذاته.

وسيحضر المؤتمر إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ممثلي المؤسسات السورية مجموعة ﻣن المبعوثين اﻟﺧﺎصين إلى ﺳورﯾﺎ وقياديين وصناع ﻗرار ﺳوريين ودوليين.

ومن المقرر أن يلتقي في اليوم السابق للمؤتمر (الإثنين 5 حزيران 2023) ممثلو المؤسسات اﻟﺳورﯾﺔ ﺿﻣن ﯾوم عمل ﻣﻐﻠق لنقاش أولويات وآليات عملهم المشترك ﻣﺳﺗﻘبلاً.

وأشارت المبادرة إلى أنها ترحب بجميع الفاعلين المدنيين السوريين الذين ﯾؤمنون بقيمها، ﻣن ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻘطﺎﻋﺎت والمناطق الجغرافية، ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك منظمات المجتمع المدني والتنظيمات المجتمعية ومجموعات الضحايا والنقابات والاتحادات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، وفي وقت لاحق الأفراد.

من جهته، أكّد أيمن أصفري، رئيس ﻣﺟﻠس إدارة مبادرة مدنية أنه “ﻋﻠﻰ مدى العقد الماضي، لعبت ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣدﻧﻲ اﻟﺳوري دوراً استثنائياً ﻓﻲ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ قيم اﻻﻧﺗﻔﺎﺿﺔ اﻟﺳورﯾﺔ وﺗﻘدﯾم اﻟﺧدﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺳورﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ. ﻟﮭذه اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﺷرﻋﯾﺗﮭﺎ ﻓﻲ أن ﯾﻛون ﺻوﺗﮭﺎ ﻣؤﺛراً عند ﻧﻘﺎش ﺣﺎﺟﺎت اﻟﺷﻌب اﻟﺳوري ومستقبله، ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك دﻋم أي عملية سياسية. المبادرة ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺟﻣﻊ ھذه المؤسسات ﻣﻌﺎً، متحدة ﻣن ﺧﻼل القيم واﻷھداف اﻟمشتركة”.

من جانبها قالت المديرة التنفيذية للمبادرة سوسن أبو زين الدين، إن “أﻛﺛر ﻣن 150 ﻣؤﺳﺳﺔ مجتمع مدني ﺳورﯾﺔ من ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻘطﺎﻋﺎت واﻟﻣﻧﺎطق داﺧل ﺳورﯾﺎ وﺧﺎرﺟﮭﺎ ﺳﺗﻠﺗﻘﻲ ﺿﻣن المؤتمر ﻟﻧﻘﺎش آليات عملنا المشترك بما يضمن ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻟﻠﻔﺿﺎء المدني اﻟﺳوري ﻓﻲ المساهمة بصياغة مستقبل بلدنا بشكل سلمي وديمقراطي”.

وأضافت أنها “ستستضيف المبعوثين الخاصين وصناع القرار الدوليين حول سوريا، لطرح منظورنا والعمل على خلق شراكات حقيقية قادرة على معالجة المسارات المختلفة بما يفضي إلى حل سياسي قائم على الحقوق”.

وأشارت إلى أن هناك “أهمية لحشد ﻛﺎﻓﺔ الفاعلين دون إﻗﺻﺎء وﺑﻣﺎ يتجاوز واﻗﻊ اﻻﺳﺗﻘطﺎب، خصوصاً أن المبادرة وليدة الكثير ﻣن ﻣﺣﺎوﻻت السوريين والسوريات ﻟﺧﻠق منصة مستقلة ﺗرﻓﻊ صوت السوريين عالياً فوق أجندة التيارات المتصارعة، أﻣﻼً ببناء آليات تشبهنا وتعبر عن مكنونات حراكنا المدني وصولاً لسوريا موحدة كما نحب”.

—————————-

هل تشكل مبادرة “مدنية” للمجتمع المدني السوري فسحة أمل أم هي تكرار لمحاولات سابقة؟/ هشام وليد

شهد معهد العالم العربي في باريس يومي 5 و6 حزيران/يونيو مؤتمرا تم خلاله إطلاق مبادرة “مدنية” للمجتمع المدني السوري. والتقى في هذا المؤتمر ممثلون عن منظمات المجتمع المدني السورية والشركاء الدوليين وعن هيئة التفاوض والهيئات السياسية السورية. ما هي هذه المبادرة، وما هو الدور المرجو منها في ظل التطورات السياسية الدولية والإقليمية والسورية؟ أسئلة توجهت بها فرانس24 إلى مدير برنامج العضوية في “مدنية” بكري أبو زين الدين.

اجتمع ما يقارب 180 مفوضا أغلبهم من مؤسسات المجتمع المدني السوري إضافة إلى ممثلين عن الشركاء الدوليين وعن هيئة التفاوض والهيئات السياسية السورية في الخامس والسادس من حزيران/يونيو في معهد العالم العربي بباريس خلال مؤتمر إطلاق مبادرة “مدنية” تحت عنوان الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري. لمعرفة أهداف المبادرة، أولوياتها وحظوظ نجاحها في وقت يشهد عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الساحة السياسية الدولية حاورنا بكري أبو زين الدين مدير برنامج العضوية في “مدنية”.
ما هي الأحقية السياسية التي تطالب بها “مدنية”؟ وهل تطرح نفسها بديلا للمعارضة السياسية؟

المجتمع المدني السوري متمثلا بـ”مدنية” لا يحاول أخذ دور أي من الهيئات والتتنظيمات السياسية المعارضة أو المفاوضة بدليل وجود ممثلين عنها في المؤتمر كرئيس الهيئة التفاوضية السورية في جنيف. كما أنها لا تسعى لتولي دور في السلطة وإنما تريد التأكيد على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الصادر في 2015 والذي يضمن دور المجتمع المدني السوري كجزء من العملية السياسية.

يتطلب قرار مجلس الأمن 2254 (2015) الامتثال للقانون الدولي، ويشدد على حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود، ووقف الأعمال العدائية، والتعاون للتصدي للإرهاب، وتنفيذ تدابير بناء الثقة، وإطلاق سراح المحتجزين والمختطفين وتوضيح مصير المفقودين. كما يتناول تقيم حكما ذا مصداقية (إقامة حكم ذي مصداقية، هيئة التحرير) يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، ووضع جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تدار تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة. ويتحدث القرار أيضا عن عودة اللاجئين بشكل آمن وطوعي وعن مسائل إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع. ويشير القرار إلى الصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني وعملية سياسية موازية. وهو يرسم مسار عملية سياسية تملكها سوريا وتيسرها الأمم المتحدة في جنيف. المصدر موقع الأمم المتحدة

فقد تمت مصادرة حق المجتمع المدني في السنوات السابقة إما بسبب سلطات الأمر الواقع كما يتم وصف النظام السوري أو الميليشيات المسيطرة، أو من قبل الجهات الدولية الداعمة كالأمم المتحدة التي فرضت ما يسمى بغرفة المجتمع المدني السوري التي تتبع لقرار الجهات الدولية بدل المصالح السورية.

هذه المظلة الجديدة ليست سلطوية وإنما هي ضامن لحقوق السوريين وحافظة لأصواتهم ومطالبهم لأن المجتمع المدني السوري في تواصل دائم وفعال مع السوريين على الخريطة السورية وحتى في الخارج وهو يريد عملية سياسية تضمن مصالح السوريين.
مداخلات عبر الفيديو لممثلي منظمات لم يتمكنوا من مغادرة سوريا، خلال مؤتمر إطلاق مبادرة “مدنية” للمجتمع المدني السوري، 06 حزيران/يونيو 2023. © أنمار حجازي

وأؤكد أن هدفنا هو الاستقلالية من أجل قرار يملكه السوريون ويضمن حقهم دون الخضوع لمصالح أخرى. إنها مبادرة سورية بحتة يمولها ويعمل عليها سوريون وموجهة لهم. لهذا حصلنا على الدعم لقيام هذا المؤتمر من مؤسسة أيمن الأصفري الخيرية وطلبنا مشاركة عدد من رجال الأعمال الأثرياء في المؤتمر إضافة إلى أيمن الأصفري، لأن وجودهم ضروري فهم جزء من الفاعلين المدنيين في سوريا ويساهمون بمشاركتهم باستقلالية قرار الفاعلين المدنيين، إذ يمول الأصفري وغيره عشرات المنظمات السورية الفاعلة والتي تعتبر أن الحصول على الدعم من جهات دولية يمكن أن يؤثر على استقلاليتها.
ما هو دور المجتمع المدني السوري ميدانيا وفي أماكن صنع القرار في ظل التطورات السياسية والإنسانية الحالية داخليا وفي المنطقة؟

دورنا يتلاقى مع القرار 2254 في مجلس الأمن ونؤكد أن الحل سياسي في سوريا، فلن يكون هناك منتصر في الحل العسكري، نريد أن يكون الفاعل المدني حاضرا في المفاوضات بشكل فعلي وليس كشاهد لحماية صوت السوريين في الاجتماعات حول سوريا وفي مواجهة أجندات سلطات الأمر الواقع والدول.

نحن على صلة حقيقة مع الأرض، هناك العديد من المنظمات المنضمة تحت مظلة “مدنية” مضطرة للتنسيق مع سلطات الأمر الواقع لتتمكن من تسيير عملها وإيصال المساعدات مثلا إلى المحتاجين إليها.

لا تريد “مدنية” دورا سياسيا ولا تبحث عنه أو عن مقعد في اتفاق سياسي وإنما تريد مراعاة حقوق السوريين في شكل الحل السياسي. لا تشبه هذه المبادرة التجارب السابقة، وهي تسعى لاسترداد ملكية القرار السوري المدني لا لمقعد للتفاوض. أي أنها تريد حلا سياسيا يراعي حقوق السوريين والقيم التي يطالب بها السوريون منذ 2011. أي ستكون جهودنا استمرارا للعمل في السنوات السابقة.

تتلخص ميزة “مدنية” بقوتها الجمعية فهي تضخيم لصوت الفاعلين المدنيين مع المحافظة على استقلالية كل مؤسسة، ويعبر صوتنا الجمعي عن القيم التي اتفقنا عليها لسوريا المستقبل.
ممثلو منظمات مجتمع مدني سورية خلال إحدى جلسات النقاش خلال مؤتمر إطلاق مبادرة “مدنية” للمجتمع المدمي السوري، 06 حزيران/يونيو 2023. © أنمار حجازي

كيف سيتم تنظيم مؤسسات المجتمع المدني تحت مظلة “مدنية” بينما توجد اختلافات كثيرة في الأساليب بين المنظمات السورية المدنية؟

ميزتنا في المجتمع المدني هي اختلافاتنا وتعدديتنا واختلاف معتقداتنا، ستضمن “مدنية” وجودنا ضمن مظلة تراعي قيمنا السورية بأولويات العمل وأعني الإيمان بسوريا المتعددة والديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان. نختلف كمؤسسات في اختصاصاتنا أي قطاعات العمل وتفاصيل عملنا والمناطق الجغرافية ولكن نقطة اتفاقنا هي القيم المشتركة مع ملاحظة ومراعاة وجمالية أننا مختلفين ونعمل لمصلحة الشعب السوري.

تحاول “مدنية” أن تكون فضاءً مدنيا تكافليا وتفاعليا يمكن أن يخلق فرصة للمؤسسات الصغيرة للحصول على موارد تزيد من قدرتها. لسنا خائفين، فالمؤسسات الكبيرة ستساعد المؤسسات الصغيرة للوصول إلى الموارد وستسخر لها قدراتها لتفعيل جهدها. ستشكل “مدنية” حالة من التكافل والمشاركة وستكون خلاصة للتجارب خلال الـ12 سنة الماضية. وكما قلت سابقا ستقوم بتضخيم صوت الفاعلين المدنيين السوريين مع المحافظة على استقلالية كل مؤسسة للتأكيد على القيم التي يتفق عليها كل المجتمع.


ما النتائج النهائية لاجتماع مبادرة “مدنية” في باريس؟
اختتمت مبادرة “مدنية” اجتماعاتها لتعزيز فاعلية الفضاء المدني السوري وتعزيز فاعليته في منصات صنع القرار المختلفة، خصوصاً بعد عمليات التطبيع الأخيرة مع النظام السوري ومحاولات تعويمه.

جاء ذلك في البيان الختامي لمبادرة “مدنية” يوم الثلاثاء، التي اجتمع فيها أكثر من 180 سورياً وسورية من الفضاء المدني السوري في 5و6 حزيران الجاري ممثلين عن مؤسسات مجتمع مدني وتنظیمات مجتمعية ومجموعات ضحايا ونقابات واتحادات ومراكز بحثية ووسائل إعلامية من المناطق السورية المختلفة ودول الجوار والمغترب.

مؤتمر "مدنية" طالب بالأحقية السياسية للفضاء المدني السوري
تقرير: إيلاف قداح#تلفزيون_سوريا

pic.twitter.com/YSApeZztQB — تلفزيون سوريا (@syr_television)
June 6, 2023

حماية الفضاء المدني السوري

وأطلق المجتمعون “مدنية” بشكل رسمي، وهي مبادرة يقودها ويمولها سوريات وسوريون، مستقلة عن النفوذ الأجنبي والسياسي، مهمتها حماية الفضاء المدني السوري ودعم الدور الرائد للمجتمع المدني في بناء مستقبل سوريا واستضافت مدنية في إطلاقها مسؤولين ودبلوماسيين من مفوضية الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا وإيطاليا وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وتركيا.

وحضر الاجتماعات مسؤولون من الأمم المتحدة والهيئة السورية للتفاوض والعديد من ممثلي المؤسسات الدولية والشخصيات الفاعلة في الملف السوري.

وأشار البيان إلى أن اجتماع هؤلاء السوريون يأتي في ظل الضغوط التي تمارسها قوى الأمر الواقع السياسية والعسكرية المحلية والدولية منها والتحديات التي يواجهها الفضاء المدني السوري من أجل زجه في مساحات لا تتناسب مع طبيعته ورؤيته ودوره.

وأكّد البيان أن دور القضاء المدني السوري لا ينحصر في خانة مزودي الخدمات ومنفذي المشاريع، بل يتجاوز ذلك المتعبير السياسي من دون أن يغادر موقعه في العمل المدني، ولتأكيد عزم السوريات والسوريين على المشاركة في تحديد مستقبل بلدهم والذي يتطلعون أن يكون حراً وديمقراطياً وذا سيادة يحترم حقوق الإنسان.

ما هي مبادرة “مدنية” التي ستجمع “فاعلين سوريين” في فرنسا؟
تنظيم الصفوف السورية

وبحسب البيان، فإن مدنية هي قرار فاعلين مدنيين سوريين بممارسة أحقيتهم السياسية بأن يكونوا أصحاب إرادة وقرار مستقل فيما يتعلق بمستقبل بلدهم وهي مساحة مفتوحة تسمح لهم بتنظيم صفوفهم وتقديم رؤيتهم للحل في سوريا على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وأكّد المجتمعون التزامهم بالمبادئ التي تجمع الطيف الأوسع من السوريين متمثلة بوحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية على أسس المواطنة المتساوية، والوصول إلى حل سياسي يحقق تطلعات الشعب السوري وفق القرارات الدولية وفي مقدمتها قرارا مجلس الأمن رقم 2118 و 2254، بما يضمن إطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً عند النظام السوري وباقي أطراف الصراع.

وبما يشمل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين من دون عوائق أو قيود، ودعم اللاجئين وحمايتهم من التمييز والترحيل القسري حتى تحقيق حل سياسي يوفر الظروف المناسبة العودة الآمنة والطوعية والكريمة لهم والاستمرار في العمل على محاسبة نظام الأسد وخلفائه على جرائمهم وجميع مرتكبي الإنتهاكات من كل الأطراف والوقوف بقوة ضد أي جهود إقليمية أو دولية للتطبيع مع هذا النظام أو إعادة تأهيله.

مراسل تلفزيون سوريا يرصد تطورات مؤتمر "مدنية" في العاصمة الفرنسية باريس#تلفزيون_سوريا

pic.twitter.com/FDEqC4yJ5E — تلفزيون سوريا (@syr_television)
June 6, 2023

صوت مغيب عن العملية السياسية

وقال أيمن أصفري رئيس مجلس إدارة “مدنية”، “اليوم بعد 12 سنة من الثورة السورية، أصبح هناك مجتمع مدني قائم وفعال ويعمل بنشاط أو على مستوى جيد من الحوكمة والتنظيم، في سوريا، وخصوصاً مناطق شمال شرقي سوريا، وشمال غربي سوريا، في الشتات، وكل دول الجوار”.

وأضاف في حديث لتلفزيون سوريا، أن هذا المجتمع صوته مغيب عن العملية السياسية، وهذا لا يعني أنه جسم سياسي، إنما دور المجتمع المدني هو دور محفوظ بقرار مجلس الأمن 2254.
البيان الختامي لمبادرة “مدنية”

من جانبه، قال فادي ديوب عضو “مدنية”، “حالياً بجهود المجلس التنفيذي وأعضاء مجلس الإدارة اجتمعنا لإطلاق مبادرة مدنية، ولدينا أكثر من 150 منظمة مجتمع مدني عاملة عبر الجغرافيا السورية وخارج سوريا، في العمل الإغاثي والإنساني والتنموي والحقوقي والثقافي”.

وأضاف في تصريحات لـ “تلفزيون سوريا”، “تهدف هذه المساحة إلى توليد ديناميكات تنسيق وتعاون بين الأعضاء، لمساندة بعضنا بعضاً فنكون أكثر قوة”.


======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى