سياسة

عن تفجير الكلية الحربية في حمص -تحليلات ومقالات مختارة-

دلالات الاتهام والبراءة في مجزرة حمص/ سميرة المسالمة

كثرت التحليلات بشأن الجهات المتّهمة في عملية استهداف حفل تخريج دفعةٍ من طلاب الكلية الحربية في حمص، يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، في وقتٍ تحتفل فيه سورية بذكرى حرب تشرين (1973) التي خاضها الجيش ضد إسرائيل. والملفت أن الأخيرة حصلت على براءة مستعجلةٍ من المذبحة، فلم تتهمها أيٌّ من الجهات السورية التي تتراشق الاتهامات، فيما يفترض أنها العدوّ الأول لدولة مواجهة، وتتشارك مع إيران، وتابعها حزب الله، في ترويج حلف المقاومة، على الرغم من أنها (إسرائيل) دكّت مئات المرّات مواقع سورية بشكل شبه متواتر، وعلى كامل المساحة السورية منذ 2013، وقدّر عدد غاراتها عام 2022 فقط بنحو 32. ويعني هذا أن النظام السوري، ومعه الحلفاء المقاومون، لا يرون في جيشهم، وزيادة عدد عناصره وضبّاطه، ما يبرّر أن تصطاد إسرائيل، الكيان الأكثر امتلاكاً كل المقدّرات التكنولوجية، عدوها من جيش النظام في ذكرى احتفالاته بما يعتبره نصراً عليها. أو أن النظام يراهن على أخلاقيات عدوّه، ما يجعله يستبعد توجيه التهمة إلى هذا العدو، وحصرها في جماعات إرهابية.

وفق ذلك، كل الجهات المتصارعة في سورية، من دول ومليشيات مسلحة تابعة لها، هي على لائحة الاتهام في مجزرةٍ راح ضحيتها مئات بين قتلى وجرحى من الطلاب الخرّيجين وذويهم، وقد دلّلت كل جهة على اتهاماتها الطرف الآخر، وما يفسّر  توجيه إصبع الاتهام حجم الاستفادة المعوّل عليها نتيجة هذه المجزرة. ورغم أن ما يمكن تسميتها فوائد، لها وجه آخر أسود، على الجهة التي تُطلق الاتهامات، فالنظام، مثلاً، أطلق حكمه على مناطق إدلب وريف حلب وحمّلها مسؤولية المجزرة، وأوقع عليها ما يمكن تسميته حكماً جائراً، وارتكب عمليات قتلٍ جماعية للمدنيين، ثأراً لأهالي الضحايا، في محاولة منه لإخماد ثورة الغضب المحتملة من هؤلاء، لعجزه عن حماية أبنائهم، في أعتى المواقع حماية، كلية تخريج الضبّاط، ما يجعلهم يتساءلون: إذا لم يستطع الجيش حماية نفسه، كيف له ادّعاء حمايتهم في مناطقهم المدنية؟ أي أن النظام أوقع نفسه أمام حاضنته، باعترافه بتفوّق القدرات العسكرية للفصائل التي تحكم المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو ما يجعله يقصف أهدافاً مدنية، وليست مراكز القوى المسلحة التي يقول إنها المستهدفة، أي أنه يواجه الجريمة بمتابعة جرائمه بحقّ المدنيين في إدلب وغيرها.

على الجهة المقابلة، توجّه أصواتٌ في المعارضة اتهاماتها للنظام السوري، بأنه من ارتكب المجزرة، أو صمت عن ارتكابها، من أحد داعميه إيران أو حزب الله أو بالاتفاق معه، معلّلة ذلك بعائدات مصلحية كبرى، ففي وقت تزداد عليه الضغوط لإنجاز ما تسمّى التسوية التي تنهي الصراع، وتحقّق بنود قرار مجلس الأمن 2254، وهو أحد شروط إتمام صفقة التطبيع العربي معه، وفق ضغوط أميركية وأوروبية على الدول العربية، يمكن أن يكون النظام اختار الهروب نحو التصعيد العسكري، وفتح جبهات الحرب من جديد. ولكنه لا يستطيع الذهاب إلى هذا الخيار من دون مساندة من داعميْه الأساسيين (روسيا وإيران) اللذيْن يملكان القدرات العسكرية والمسيّرات، وهما من المستفيدين من استعادة أسباب تصاعد العنف في سورية واستمرار الصراع، وتأجيل أيّ جهد “سلمي تفاوضي” إلى ما بعد استكمال تفاهمات القوى المتدخّلة في الملف السوري بشأن الخرائط الجديدة لحدود التماسّ، وبشأن ملفّاتهم الخارجية، إيران في صراعها مع إسرائيل والغرب حول ملفّها النووي، ووجودها في المنطقة المحاذية لإسرائيل، وتدخّلها في الوضع الفلسطيني، وروسيا في غزوها أوكرانيا، وتركيا لترسيم حدود الوجود الكردي على حدودها، والدور الذي تعوّله على النظام السوري في هذا، وكذلك حاجة النظام لحدث كبير يستعيد به تحشيد حاضنته الداخلية التي تراخت عُراها وتعالت أصواتها ضدّه.

ولكن هذا كله يضعنا أمام أسئلة كثيرة: هل يوجد ما يبرّر أن يضحّى النظام بهذا العدد الكبير من شباب حاضنته وأهاليها ليشنّ هجومه العنيف على مناطق هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، ومناطق المعارضة، فيما لم تنقطع مدفعيّته وطائرات حليفته روسيا عن تمارين القتل شبه اليومية للمدنيين في إدلب وغيرها؟ وإذا كان النظام ينوي فعلياً أن يستفيد من الحادثة بأقصى ما فيها من دموية، هل كان يخشى خسارة وزير دفاعه وبعض قادة جيشه، أم أن التضحية بهم كانت أكثر فائدة له، ليزيد من قدرته على النواح، وتبرير عنفه؟ هل صار النظام حريصاً على عناصره، بعد أن توالت تصفيات ضبّاطٍ كبار قبل الثورة وبعدها: عملية انتحار وزير الداخلية غازي كنعان، تفجير خلية الأزمة ومقتل رئيسها حسن تركماني، ووزير الدفاع داود عبد الله راجحة، ونائبه اللواء آصف شوكت زوج شقيقة الرئيس، وعضو القيادة القطرية رئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، ثم مقتل رستم غزالي وتصفية جامع جامع وعصام زهر الدين، وغيرهم الكثير؟ أي أن استدلال المعارضين على أن النظام ارتكب هذه المقتلة بحقّ ضبّاطه المحتفلين وذويهم، بمغادرة وزير الدفاع، علي محمود عبّاس، ومعه بعض المسؤولين، قبيل استهداف الكلية، ضعيفة جداً، فمن معرفتي به، لا يتشارك النظام مع أيٍّ من قياداته غير الأمنية في الدائرة الضيقة معلوماتٍ كهذه، ولو فعل ذلك حقاً، وكان أيّ منهم على اطّلاع بما سيجري لكانت تصفيته هدفاً له، قبل غيره، إضافة إلى أن أكثر ما يحتاجه النظام اليوم القول بقدرته على حماية حاضنته الشعبية. وربما يمكن القول (للأسف) حاضنته “الطائفية”، فالأولوية أن يحذّرهم، ومحاولة إنقاذ ما تيسّر له منهم، لمنع استفاقتهم على واقع أنه ببقاء النظام محميّاً بهم كطائفة يجعلهم هدفاً مستمرّاً، مع استمرار العنف وتصاعده وانفلات السلاح في سورية.

العربي الجديد

———————–

التصعيد بحثاً عن معادلات جديدة في سوريا/ زياد ماجد

تشهد سوريا منذ أسابيع تطوّرات ميدانية في مناطق مختلفة ترافق استمرار انهيار اقتصادها وتراجع حرارة التطبيع العربي مع نظامها.

ففي شرق البلاد، لم تنته بعدُ مفاعيل الصدامات العسكرية التي دارت في شهرَي آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر الماضيين بين القوات الكردية ومقاتلين من عشائر عربية. وعكست الصدامات تكرّس عداواتٍ وانقساماتٍ وتصاعد خطاب مظلوميّة عربية تجاه الهيمنة الكردية على مناطق تتخطّى إطار الحضور الديموغرافي الكردي. وإذ توسّطت القوات الأمريكية المتمركزة هناك لوقف الاشتباكات في منطقة حسّاسة استراتيجياً لوجود عدد من حقول الغاز والنفط فيها من ناحية، ولمتاخمتها لمناطق سيطرة النظام الأسدي وحليفه الإيراني ولحدودِ العراق من ناحية ثانية، إلا أن لا تسوية سياسية ولا تبديل جدياً في الإجراءات الإدارية والأمنية ومسؤوليّاتها اتُّفق عليهما، ممّا يُبقي أسباب الصدام قائمة ولا يعني أكثر من تجميد مرحليّ له في انتظار جولة جديدة.

وفي الشمال الشرقي السوري، صعّدت تركيا في الأيام الأخيرة عملّياتها العسكرية المستهدفة مواقع القوات الكردية، متّهمة إياها بالضلوع في الهجوم الذي استهدف وزارة الداخلية في أنقرة. ويبدو الأتراك ماضين في تصعيدهم، بعد أن فشلوا في إقناع واشنطن بسحب الوحدات الكردية من مناطق حدودية ووقف تسليحها. على أن التصعيد بقي حتى الآن ناريّاً، أي من دون تقدّم تركي برّي، وتخلّله إسقاط الأمريكيين لمسيّرة تركية اقتربت من إحدى قواعدهم العسكرية في «تبادل رسائل» بين أنقرة وواشنطن يتطلّب التعامل مع تداعياته تفاوضاً مباشراً لا تبدو واشنطن مستجيبة كفايةً له حتى الساعة، رغم حرصها على إبقاء العلاقة بأنقرة «مقبولة».

فالتخلّي عن دعم القوات الكردية بالنسبة إلى الأمريكيين قد يُتيح للروس لعب دور أوسع للتوسّط بين القيادة الكردية ونظام الأسد. ومنح تركيا المزيد من النفوذ عبر قضم بعض الحضور الميداني الكردي يعني تمكين أنقرة من توسيع هوامش مناوراتها وقدراتها التفاوضية من دون مقابل واضح، خاصة أنها ما زالت ملتزمة بالتنسيق مع إيران وروسيا، وغير مُفصحة كفايةً عن مراميها تجاه دمشق. وهذا كلّه يعني أن العمليّات التركية ستتواصل قصفاً، من دون تغيير جدّي في خرائط الانتشار العسكري لقوى الصراع في المنطقة المذكورة.

أما في الشمال الغربي، فيبدو أن الأمور باتت مفتوحة على تصعيد خطير قد يؤدّي إلى عمليات برّية واسعة. فقصف النظام والطيران الروسي المتقطّع منذ أسابيع لمناطق في إدلب، والمتصاعد بضراوة منذ الخميس في 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أي مباشرة بعد التفجير الكبير الذي استهدف حفل تخريج ضبّاط من الجيش السوري في كلّية حمص العسكرية، يمكن أن يمهّد لقتال يبدّل رقع السيطرة في مناطق خفض التصعيد وحول طريق «إم 4» السريع، وما يعنيه الأمر من مآسٍ ستحلّ بمدنيّين سبق أن نُكّل بهم في جولات قتال عديدة، وقسمٌ منهم لجأ إلى المنطقة بعد أن هجّرته قوات النظام وحلفاؤها من مناطق سورية أخرى جرى تدميرها واجتياحها.

ويُفيد التوقّف هنا عند تفجير حمص الذي ما زال الغموض يكتنف طبيعته والمسؤولية عن حدوثه. فالرواية المُعلنة من أجهزة النظام عن مسيّرات قدمت من إدلب غير مقنعة، أوّلاً لطول المسافة الفاصلة بين خطوط التماس وموقع الهجوم الذي لا يمكن لمسيّرات مُثقلة بكمّ كبير من المتفجّرات قطعه. وثانياً لأن رصد الرادارات الروسية والسورية والإيرانية لهذه المسيّرات غير السريعة في تحليق طويل مزعوم يُفترض ألا يكون معقّداً وأن يؤدّي بالتالي إلى إسقاطها. وثالثاً، لأن لا قطع من المسيّرات ظهرت في أيّ من الصور والفيديوهات التي وثّقت التفجير ونتائجه.

يُضاف إلى ذلك، أن اتّهامات النظام تلميحاً لتركيا بالوقوف خلف الهجوم، ثم مباشرةً لفرنسا بتزويد «الحزب التركستاني» بتقنيات أتاحت له التنفيذ، ثم الانتقال إلى اتهام أمريكا والقول بمدّها فصائل معارضة بمعدّات مكّنتها من شنّ الهجوم، تُظهر تخبّطاً معطوفاً على غياب التحقيقات التقنية والاستخبارية وغياب كل تبرير لعدم اعتراض المسيّرات قبل وصولها إلى منطقة حسّاسة أمنياً، وفي يوم استثنائي كيوم تجميع عشرات الضباط المتخرّجين من الكلية العسكرية الأبرز في سوريا.

ولا يعني استبعاد رواية النظام حول الهجوم تبنّي روايات بديلة، ذهب بعضها إلى الحديث عن مسؤوليته أو مسؤولية حليفه الإيراني عمّا جرى، تحضيراً وتبريراً لإطلاق عمليات عسكرية بحجّة الرّد، أو تخويفاً للمؤسسة العسكرية ولجزء من قاعدة النظام الاجتماعية، في مناطق الغالبية العلوية، لإبقائها مستَنفرة وموالية له. فهذه بدورها غير مقنعة، ولا إثباتات حولها في أي حال.

يبقى أن حجم التصعيد الميداني المتوقّع في الشمال الغربي وحدوده البرّية ترتبط بدينامية العلاقة المثلّثة الأضلاع بين أنقرة وموسكو وطهران وما فيها من حسابات. والعلاقة المذكورة لم تُمتحن سورياً منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، ومنذ استئناف المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية. وقد يكون لتعرّضها لتحدّيات التصعيد الراهن أن يظهّر مدى تماسكها، أو أقلّه تمسّك الأطراف بها وقدرتهم على احتواء الخسائر والقبول بالتسويات والتنازلات والمعادلات الجديدة المحتملة.

يؤكّد كلّ ما ذُكر آنفاً انتفاء كلّ مظهر من مظاهر السيادة السياسية السورية، ويبيّن عمق الترابط بين التذرّر الترابي السوري وقرارات الأطراف الخارجية المحتلّة له. وليس من المبالغة القول إن ما تبقّى من النظام الأسدي هو البنية المخابراتية-الأمنية-العسكرية المتسلّطة إرهاباً على المجتمع، التي تدير السجون والمحاكم واقتصادهما المافيوي وتشرف على التنكيل اليومي بعشرات آلاف الموقوفين والمعتقلين من جهة، وتضع مقدّراتها البشرية بتصّرف الروس والإيرانيين من جهة ثانية.

تموّل ذلك وتستفيد منه شبكات تصنيع الكبتاغون وتصديره، وصفقات تجارةٍ وتهريب وبيع فوسفات، لم تعد رغم مردودها تكفي، وهو ما يدفع رأس النظام لتوسّل استثمارات صينية بعد توقّف الإيرانيين عن مدّه بالطاقة لتراكم المديونية، وبعد تمنّع الخليجيين عن فكّ أزماته المالية، حتى الآن على الأقل.

يبقى أنه وسط كل هذا الخراب، ووسط انهيارات متتالية في قيمة الليرة السورية الشرائية وفي أحوال الناس المعيشية وفي خدمات ما تبقّى من إدارات الدولة المتهتّكة بفعل ممارسات النظام الممسك بمقدّراتها وسياساته، ووسط مآسي اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا، تُبقي السويداء في انتفاضتها المتواصلة وأصوات أهلها وشعاراتهم رمقاً من حياةٍ تستحقّها سوريا. وهذا في ذاته، ولَو بدا كنقطةٍ في بحر، مدعاة أمل ورجاء…

*كاتب وأكاديمي لبناني

——————————-

مجزرة الكلية الحربية في حمص: خرق أمني كبير ينكأ جراح حاضنة النظام/ منهل باريش

تجدد إطلاق الطائرات المسيرة يوم الجمعة وإسقاط ثلاث منها فوق المستشفى العسكري من أصل ست، يعني تطورا جديدا في الصراع السوري، يرجح دخول جهة دولية على الساحة.

أقلعت ست طائرات مسيرة ثابتة الجناح، الجمعة، لتؤكد أن خرقا أمنيا كبيرا يحصل غربي مدينة حمص لليوم الثاني على التوالي، بعد استهداف حفل تخريج ضباط الكلية الحربية قتل خلاله ما يزيد عن 120 شخصا بينهم 52 مدنيا من أهالي الطلاب الضباط الذين يحضرون حفل تخريج أبنائهم الضباط، ومن العسكريين؛ وتشير الإحصاءات التقريبية التي رصدتها «القدس العربي» على منصات التواصل الاجتماعي إلى مقتل قرابة عشرة ضباط بينهم ضابطان برتبة عميد ركن.

ويرجح حجم الانفجار الكبير على المنصة وأمامها إلى احتمالية أن يكون التفجير مزدوجا بواسطة طائرات الدرون ومفخخة كبيرة الحجم نسبيا مصنوعة من مواد شديدة الانفجار.

دوليا، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق إزاء الهجوم على الأكاديمية العسكرية باستخدام طائرة مسيرة وما أعقب ذلك من «قصف انتقامي» على مواقع متعددة.

وخلال مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، الخميس، أعرب المتحدث ستيفان دوجاريك عن قلق الأمين العام العميق إزاء القصف الانتقامي الذي قامت به قوات موالية للحكومة على مواقع متعددة في شمال غرب سوريا والتقارير الواردة عن سقوط ضحايا.

وأعرب المبعوث الأممي الخاص لسوريا غير بيدرسون عن خشيته بشأن تصاعد العنف. مشيرا في بيان صحافي إلى أن الحكومة نسبت الهجوم بالطائرة المسيرة على الأكاديمية العسكرية إلى منظمات إرهابية من دون تسميتها.

واستنكر بيدرسون وقوع خسارة في الأرواح من كل الأطراف وناشد الجميع بشكل عاجل ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

وأجرى وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان اتصالا بوزير خارجية حكومة الأسد فيصل المقداد، أعرب من خلاله عن تعازيه بالقتلى وإدانته للاعتداء، وأدانت دولة الإمارات العربية المتحدة بين بيان نشرته وزارة الخارجية تفجير الكلية الحربية بحمص. كما أدانت وزارتا الخارجية الأردنية والجزائرية الهجوم.

من جهة أخرى، أدانت وزارة الخارجية السورية التفجير وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة «العمل الإرهابي الجبان» ودعت لمساءلة الدول الراعية للإرهاب، عن «جرائمها» بحق الشعب السوري.

كما اتهمت وزارة الدفاع لدى النظام السوري «التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية» في أنها «استهدفت حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة، ما أسفر عن ارتقاء عدد من الشهداء من مدنيين وعسكريين».

وقالت قناة «الإخبارية السورية» التابعة للنظام إن «هجوما إرهابيا» عبر طائرات مسيرة استهدف اليوم، الخميس 5 من تشرين الأول/اكتوبر حفل تخريج دورة ضباط الكلية الحربية بمدينة حمص، ما تسبب بأعداد كبيرة من الإصابات، وسخرت القناة بثها يومي الخميس والجمعة لتغطية حادثة الهجوم.

وفي سياق منفصل، أدان حزب الله اللبناني، في بيان رسمي نشرته قناة «المنار» الهجوم، واعتبر أن «هذه الجريمة النكراء والمدانة تؤكد على طبيعة المعركة المتواصلة مع الجماعات الإرهابية ومشغليها الإقليميين والدوليين، وعلى خطورة المؤامرة الكونية ضد سوريا وشعبها الصامد، والتي تعود مجددا بدعم خارجي إلى ممارسة أدوارها الإجرامية كلما عادت الحياة في سوريا إلى طبيعتها».

وأعلن رئاسة مجلس الوزراء في سوريا الحداد الرسمي لثلاثة أيام، ابتداء من يوم التشييع، الجمعة، إضافة لتنكيس الأعلام على الدوائر الرسمية والوزارات والسفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج.

وفي السياق نفسه، أجلت وزارة الثقافة جميع أنشطتها الاحتفالية وكذلك أعلن «الاتحاد السوري لكرة القدم» تعليق كافة نشاطاته. في حين دعت وزارة الأوقاف إلى إقامة صلاة الغائب على أرواح القتلى عقب صلاة الجمعة، في جميع المساجد في سوريا، حسب التعميم.

على صعيد آخر، قصفت مدفعية النظام والميليشيات التابعة له مدن الشمال السوري بمئات القذائف الصاروخية، تركز أغلب القصف على مدينة دارة عزة، واريحا وسرمين وإدلب، وأسفر القصف عن مقتل وجرح العشرات بينهم 14 طفلا و12 امرأة.

في تفاصيل الهجوم، من المبكر إطلاق رأي أو تحليل قاطع، خصوصا بعد محاولة استهداف سيارات التشييع وآلاف المحتشدين أمام المستشفى العسكري بحمص، وتكرار الهجوم يشير مبدئيا إلى أن المقدرات التقنية واللوجستية للمهاجمين تفوق القدرات التقنية التي تمتلكها فصائل المعارضة السورية في الشمال، وهي طائرات بدائية للغاية لا تزيد كلفتها عن 200 دولار تعمل بنظام التوجيه وهي الطائرات التي يمكن ان تسير إلى حدود 35 كم في أقصى الحدود. وهي غير دقيقة على الإطلاق، استخدمتها المعارضة في قصف مطار حميميم العسكري والذي تتخذ منه روسيا مطارا رئيسيا لها في سوريا.

ان محاولة مقاربة الهجوم ونفي حصول الإطلاق من إدلب هو أمر في غاية السذاجة، فالنظام وحلفاؤه يدركون ان المسيرات البدائية لا يمكن ان تطلق من إدلب، وتصل لمسافة 120 كم وتستهدف منصة التشريفات في الكلية الحربية بحمص. هذا في حال كانت المسيرات هي بدائية بالفعل وليست متطورة كتلك التي تستخدمها أوكرانيا ضد القوات الروسية.

وعدم نشر النظام وروسيا قرائن حقيقية لنوعية الطائرات المستخدمة سيبقي الهجوم وطريقته طي الكتمان، إلا أن الأشرطة المصورة التي بثت من قبل بعض أهالي الضباط توضح أن الانفجار الرئيسي متركز في منصة القيادة وأمامها وهذا ما يرجح فرضية التفخيخ داخل المنصة أو على أطرافها، ومن غير المستبعد ان يكون الهجوم مزدوجا أو أن تكون الطائرات المسيرة للتغطية والإشغال أو حتى المراقبة والتصوير.

بصرف النظر عن التفاصيل الكاملة، أو عن إمكانية كشفها في وقت قريب، تعتبر الحادثة اختراقا كبيرا للنظام، ويعتبر وقعها منفردة عليه وعلى حاضنته من أكبر الحوادث في وجدان الطائفة العلوية، فهي تذكر بشكل أو بآخر بحادثة مدرسة المدفعية التي قام بها النقيب إبراهيم اليوسف ورفاقه من جماعة الطليعة المقاتلة. مع الأخذ طبعا بنتائج الحادثة وليس الهدف منها، حيث يقول أحد أعضاء الخلية ان الهدف هو كان أسر الطلاب الضباط العلويين ومبادلتهم على معتقلين من جماعة الطليعة والإخوان المسلمين ولم تكن غايتها قتل الطلاب، لكن مقاومة أحد الطلاب ومحاولته سحب إحدى البنادق خلق فوضى تسببت بالمجزرة.

على الصعيد الاستراتيجي، فإن تجدد إطلاق الطائرات المسيرة يوم الجمعة وإسقاط ثلاث منها فوق المستشفى العسكري من أصل ست، يعني تطورا جديدا في الصراع السوري، يرجح دخول جهة دولية على الساحة، هي من زودت خلية معارضة بحمص بتقنيات طائرات الدرون المهاجمة. أو أن تكون خلية محلية تمكنت من اختراق الكلية الحربية وتفخيخ المنصة وتفجيرها على غرار الخلية التي فجرت خلية إدارة الأزمة في سوريا عام 2012.

القدس العربي»

——————–

حقيقة ينبغي أن يفهمها السوريون/ سوسن جميل حسن

لا يمكن الخروج من الأزمة السورية، الممتدّة، من دون حل سياسي. لا يمكن إيقاف حمام الدم والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية وخلافها من دون حل سياسي، فإلى متى؟ وكم ستطول الحرب وتبقى المماطلة تلعب بالوقت وبالأرواح؟

عاد خلط الأوراق، وعاد معه التصعيد في الخطاب، وفي العنف الذي يحيلنا إلى ذروة الصراع الدامي والحرب وكسر العظم والإرادة، إلى سنوات ما قبل العام 2018، وإلى التضليل الذي مورس على الوعي، والضخّ الإعلامي الذي كانت له اليد الطولى في تضليل الشعب بكل مكوّناته، وما زال، في وقتٍ كان هذا الوعي ينحدر بشكل مريع، بل صارت المشكلات المعيشية هي هم السوريين الأكبر، بعد أن انزلقت حياة أكثر من 90% منهم إلى ما دون خط الفقر، الذي هو في الأساس أدنى من خط الفقر لأفقر دولة بمستوياتٍ، بينما ليس في الأفق ما يشي بأن حلًّا قريبًا سوف تتفق عليه الأطراف الضالعة في المقتلة السورية، وبالقرارات التي تخصّ الشعب المغيّب عن فعل القرار، بما يخصّ حياته ومستقبله وأرضه وسيادته.

مجزرة كبرى، هذا ما وقع بعد الانتهاء من مراسم حفل تخريج دفعة ضباط في الكلية الحربية في حمص، وبعد مغادرة “القيادة” بـ21 دقيقة، من وزير الدفاع والمحافظ وبقية المسؤولين، فحصدت عشرات الأرواح، وكأن الموت مخصّص للشعب، للبسطاء، للناس العاديين، للجمهور الذي عليه أن يصفّق ويهلّل ويردّد الأناشيد ويتوعّد الرجعية وعملاءها والإرهابيين الذين استباحوا البلاد والعباد، ثم يهتف بالروح والدم نفديك يا قائد؟

أمّا الفاعل فهو لا يعدو أن يكون يدًا جبّارة تلبس قفّازات سوداء، يدًا مبتورة من جسد، بلا هوية، بلا رأس أو دماغ يأمرها فتطيع، يدا جبّارة حاضرة في الفضاء السوري، تتمختر جهارًا نهارًا بين السوريين، غير الآمنين، جاهزة لأن تكون دريئة لسهام الاتهام الممدودة من السبّابات التي تصوّب إليها، بينما هي لا تبالي، هي حمّالة أوجه وتهم وارتكابات وماض ومشروع مستقبلي، هي يدٌ لخدمة الحرب وتعزيز مبرّراتها وشحذ الهمم والنفوس المحروقة، كي تدبّ فيها الحمية من جديد كلما اتّقدت نار الأسئلة في الصدور. ممنوعٌ على السوريين التفكير، ممنوعٌ عليهم الرصد والتحليل والاستنتاج، فهناك من يفكّر عنهم ويرصُد ويحلّل ويقدّم النتائج جاهزة للتناول والهضم أطباقًا مسمومة تغذّي نار الحقد والطائفية، فتعيد الصراع في سورية إلى المربّع الأول، طالما حرب المصالح لم تنته، وصراعات الدول العظمى والطامحة لأن يكون لها موقعُ قدمٍ في ساحة اللعب المتوخّاة عالميًا، ما زالت في أوجها، تتصادى أصوات مدافعها ونيرانها من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، من الصين وتايوان وأميركا، إلى أذربيجان وأرمينيا، إلى السودان وأفريقيا، حرب عظمى في مستوياتٍ أعلى، وأخرى تتفرّع عنها تحصد الشعوب من دون رحمة أو اعتبار أرواح من يقتلون بالآلاف أرواحًا بشرية.

يأتي ردّ النظام السريع بغاراتٍ على مناطق إدلب وريفها، يُقتل مدنيون فيها، كما قُتل مدنيون في حادثة الكلية الحربية، وتُسارع المحطّات الإعلامية التقليدية وغير التقليدية، الرسمية وغير الرسمية، إلى ضخّ التحليلات التي لم تخرُج عن النسق المتّبع منذ اندلاع الانتفاضة السورية، تحليلات تقوم على الحامل الطائفي لكل ما يجري. يتّهم إعلام النظام الإرهابيين المموّلين أو المدفوعين من دول خارجية لا يشير إلى أسمائها، والمستهدف هنا هو منطقته ومؤيدوها، والطائفة العلوية في الدرجة الأولى، حتى إن الغالبية العظمى بين من راحوا ضحايا الاستهداف هم من أبناء هذه الطائفة المنتهكة حتى النخاع، وتسارع في المقلب الآخر المحطّات والمنابر لتصرّ على أن النظام يقصف مناطق المعارضة لأنها للسنّة، بينما في الواقع الذي من المفيد التفكير فيه وإحياؤه من جديد، طالما جعلت سنوات الحرب السوريين يعيشون في هذا الفقر القاتل، فقر الدم والمخيّلة، فيصدّقون هذه المروّيات، أن الصراع لم يكن غير صراعٍ على السلطة والحيازة، وأن لكل طرفٍ داعميه الخارجيين، ويسعى إلى تحقيق مصالحه ومصالح تلك الأطراف مقابل السطو على السلطة في البلاد، ليسوا أكثر من أدواتٍ في سياسة خارجيةٍ ودوليةٍ لم تأبه لمصير الشعوب. ولم يكن هناك وسيلة أدهى وأكثر خدمة لبقاء الحرب متّقدة أكثر من العامل الطائفي، الذي يجري إحياؤه، في وقتٍ لم يعد الشعب، في كل المناطق، قادرًا على تحمّل حياته المحسوبة زورًا حياة، وهي أقرب إلى الموت، والذي وصل إلى مستوى الثورة على كل شيء، ثورة من دون سقفٍ أو خريطة طريق، ثورة المعدم المحروم المقهور المحاصر المسلوب من مقوّمات التفكير.

تصعيد في كل المناطق السورية، حيث تدور الصراعات بين الأطراف المتحاربة. تركيا تشنّ هجومًا بالطائرات المسيّرة على مواقع قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) وحلفاؤها يصعّدون استهدافهم على مواقع النظام، النظام يقصف في أرياف إدلب وجبل الزاوية، اشتعالٌ في جميع الجبهات السورية. في الوقت نفسه، قال نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سورية، الأدميرال فاديم كوليت، كما جاء في صحيفة الوطن السورية، إن جماعات إرهابية نشطة في إدلب وحلب واللاذقية تستعد لشن هجمات على مواقع عسكرية تابعة لدمشق وموسكو، وأوضح أن البيانات التي تلقّاها المركز من وكالات الاستخبارات السورية أظهرت أن فصائل الحزب الإسلامي التركستاني وأنصار التوحيد، الموالين لتركيا يستعدّان لتنفيذ هجمات على قواعد عسكرية روسية وسورية “عبر استخدام طائرات مسيّرة محلية الصنع”. كان هذا قبل الاعتداء على الكلية الحربية في حمص. فإذا كانت هذه هي التقارير الاستخباراتية، وهي تؤكّد ما وقع قبل أن يقع، لماذا لم تكن أجهزة الدفاع والترصّد في أقصى استعدادها؟ ولماذا لم يُؤجّل الاحتفال من الأساس؟ ألهذه الدرجة تُسترخَص الأرواح؟ هذه أسئلة تؤرّق كثيرين.

أين الحقيقة؟ إنه السؤال الأصعب بالنسبة إلى السوريين، فالحقائق مغيّبة وغائبة منذ سنوات، حتى ولو كانت تحصل في عين الشمس، إنما الحقيقة الواضحة أن الشعب السوري متروك رهينةً لصراع المصالح، أمام أعين العالم والمجتمع الدولي، والقوى العظمى التي تفترش السماء بأقمارها الاصطناعية، تراقب وتصوّر وتجمع أرشيفًا عما يحصل في كل لحظة على الأرض. هذا الأرشيف محجوبٌ عن الشعب السوري، وممنوعٌ عليه التماس الأدلّة كي يفهم ما يحصل على أرضه وبحقّ أبنائه، له أن يتسمّر أمام الشاشات، يتلقّف ما يُضخّ من سموم وشائعات وأضاليل، ويكون مستعدًا لاتّقاد النيران من جديد في صدره، وأن يهرع إلى حمل السلاح في وجه بعضه بعضًا، أن يقتل شقيقه في الوطن، مدفوعًا بضغائن إيديولوجية وعقائدية، درءًا لتغوّل المؤامرة الكونية أكثر، أو دفاعًا عن الأمة والعقيدة متمثلةً في طائفة دون أخرى، مع أن المؤامرة تطاول كل الشعب السوري، الشعب الذي لا يحقّ له أن يفكر خارج الأنساق إلى أجلٍ غير معلوم، إلى أن تنتهي الصراعات الأخرى بين القوى العظمى، ويستقرّ العالم على نظام جديد. حتى ذلك الحين، ستبقى الطائفية الوسيلة الأنجع لتبرير موت الشعب، ولن يكون أملٌ أو نهوضُ من دون حل سياسي يضمن مستقبلًا لكل السوريين فوق أرضهم، هل يفهم السوريون هذه الحقيقة؟

——————————–

النظام السوري ومنطق المافيا/ عبسي سميسم

بعد أقل من ساعة على المجزرة التي ارتُكبت في الكلية الحربية في حمص أثناء حفل تخريج ضباط من الكلية الحربية، وراح ضحيتها أكثر من مائة قتيل وعشرات الجرحى من طلاب الضباط في جيش النظام السوري وعائلاتهم، كانت أول ردة فعل للنظام على تلك المجزرة، التي لم تتبناها أي جهة، هي القيام بحملة قصف على معظم مناطق شمال غربي سورية، مستهدفة بشكل أساسي التجمعات السكنية. مع العلم أن كل المعطيات تشير إلى أن فصائل المعارضة السورية، و”هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) لا تمتلك القدرة على تنفيذ مثل هذه العملية.

وقال النظام إنه تم تنفيذ الهجوم بطائرة مسيّرة قصفت خريجي الكلية الحربية، علماً أنه لا “هيئة تحرير الشام” ولا فصائل المعارضة تمتلك مسيّرات تستطيع قطع مسافة نحو 110 كيلومترات (وهي أقرب نقطة بين فصائل المعارضة والكلية الحربية في حمص). وفي حال امتلاكها مسيّرات قادرة على التحليق لمسافات طويلة، فإنه من المستحيل على تلك الطائرات أن تقطع كل تلك المسافة بدون أن تلحظها وسائط الدفاع الجوي للنظام المنتشرة على طول تلك المسافة. من ناحية أخرى لو كانت فصائل المعارضة تمتلك هذه القدرات العسكرية لكانت استطاعت تغيير المعطيات الميدانية على الأرض وتمكنت من ضرب قوات النظام المتمركزة في مناطق أقرب بكثير من حمص.

وحتى لو كانت “تحرير الشام” والفصائل التي تعمل في محافظة إدلب هي من ارتكبت تلك المجزرة، فمن المفترض على قوات النظام أن تقوم بمهاجمة قوات الهيئة والفصائل التي تعمل معها، أو تشن حملة قصف على مواقع تلك الفصائل، وهو ما لم يفعله النظام، وإنما تعمّد خلال رده على المجزرة استهداف التجمعات السكنية حصراً والمدنيين في معظم مدن وبلدات محافظة إدلب بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا.

هذا الأمر يثبت أن نظام بشار الأسد يتعاطى مع المجتمع الدولي ومع المدنيين السوريين بمنطق العصابة وليس بمنطق الدولة، ففي حمص وقع ضحايا مدنيون أبرياء، ليردّ النظام بقتل مواطنين سوريين أبرياء في المناطق التي تسيطر عليها “تحرير الشام”. يحاول النظام بذلك إرضاء مؤيديه عبر تأجيج النزعات الانتقامية بين مكونات الشعب السوري، وتحويل الوضع إلى صراع بين تلك المكونات، في محاولة منه لاستعادة السوريين الذين يقبعون تحت سيطرته، من خلال تخويفهم من السوريين في الطرف الآخر (أي الذين يقطنون في مناطق المعارضة)، وخلق عداوات معهم، وذلك لقطع الطريق أمام تمدد الاحتجاجات التي بدأت في مناطق سيطرته من محافظة السويداء، وقد تنتشر في أي لحظة إلى باقي المناطق السورية.

العربي الجديد

——————-

لغز هجوم الكلية الحربية.. هل يحله المشهد السوري الداخلي ومسار التطبيع؟/ سامر القطريب

صباح يوم الجمعة من كانون الثاني عام 2012، هز انفجار حي الميدان التاريخي وسط العاصمة دمشق، قبل وقت قصير من انطلاق مظاهرات حاشدة تدعو الدول الغربية إلى إيجاد حل في سوريا يوقف عمليات قتل المتظاهرين التي بدأها النظام السوري.

ادعى النظام حينئذ أن “انتحاريا” فجر نفسه قرب إشارة ضوئية مما أدى إلى مقتل وجرح العشرات، غالبيتهم من المدنيين. مشيرا إلى أن الانفجار استهدف المدنيين وقوات حفظ النظام.

وشهد العام 2012، خمسة تفجيرات في دمشق، كان أشهرها تفجير مبنى الأمن القومي السوري، المعروف بتفجير “خلية الأزمة”، وأدى إلى مقتل وزير الدفاع وعدد من القادة الأمنيين الأساسيين، وأثار جدلا حول هوية منفذه، وسط اتهامات بتصفيةٍ قام بها النظام السوري من الداخل.

فجرت هذه الحوادث في العام 2012، المناطق السورية لاحقا عقب فشل المراقبين الدوليين، في تنفيذ بنود كوفي عنان الستة، والتي دعت في أحدها إلى السماح بالتظاهر السلمي ووقف العنف.

النظام مستفيد دائماً

وقع الانفجار في حي الميدان الذي كان مركزا للمظاهرات السلمية ضد النظام، قرب مخفر الشرطة في المنطقة المجاورة لجامع الحسن المشهور بخروج مظاهرات معارضة منه. وحينئذ توجه وفد من بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية إلى موقع الانفجار لمعاينته.

وهدف النظام إلى وأد الحراك في الحي التاريخي، الذي شهد أيضا مظاهرة “المثقفين” الشهيرة قبل عام، والتي دهمها عناصر الأمن واعتقلوا عددا من الممثلين والناشطين منهم الراحلة مي سكاف.

وللمفارقة أنه عقب هجوم الكلية قالت وكالة سبوتنيك الروسية ووسائل الإعلام المقربة من النظام “ذهب السكان في بعض أحياء العاصمة القديمة لتقديم العزاء بهذا المصاب الأليم، لا سيما في حي “الميدان” الدمشقي العريق، الذي أقام أهله خيما لتقبل العزاء بالضحايا المدنيين والعسكريين الذين سقطوا إثر اعتداء إرهابي بالمسيرات أثناء حفل التخرج”. وبحسب الصور فإن مكان العزاء جاء في نفس مكان وقوع الانفجار عام 2012.

جاء انفجار حي الميدان بعد أسبوعين من انفجاري “القزاز” اللذين استهدفا مباني تابعة لفرع فلسطين وأوقعا عشرات القتلى. نسف الانفجار خطة كوفي عنان التي لم تكن بعيدة عن مطالب اليوم وهي: (وقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية ودخول الصحفيين الى سوريا). هذه البنود رفضها النظام وما يزال، وعمل على إعاقتها، فيكف بها اليوم وقد دخلت تعديلات عليها مثل تطبيق القرار 2254؟ وذلك وسط تغير في موازين القوى على الأرض وتفاقم الأزمة المعيشية في مناطق سيطرة النظام، وتواصل انتفاضة السوديداء، إضافة إلى احتقان الشارع في الساحل السوري، وتعثر التطبيع العربي؟

بين “مدفعية” حلب و”حربية” حمص.. هل يسعى النظام السوري لشنّ هجومه الأخير؟

تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بشأن المسؤولية عن الانفجارين، النظام اتهم “القاعدة” والمعارضة بشكل عام، في حين اتهمت المعارضة السورية النظام بالوقوف وراءه وهو ما يحدث اليوم عقب هجوم الكلية الحربية، حيث اتهم النظام عبر وسائل الإعلام المقربة منه الحزب الإسلامي التركستاني وكتيبة المهاجرين.

بالعودة إلى العام 2012، قال رئيس المجلس الوطني آنذاك برهان غليون تعليقا على تفجيري القزاز إن “النظام السوري هو المستفيد من هذه العمليات لتبرير بقاء قواته العسكرية في المدن ومواصلة القمع المسلح وأسلوب العنف للسيطرة على الأوضاع الميدانية”.

وأضاف غليون أن “عملية القزاز الإرهابية تهدف على مايبدو إلى إرهاب السكان المدنيين وتتيح للنظام السيطرة على الأوضاع”. مشيرا إلى أن “النظام يستخدم عناصر في منظمات متطرفة جداً لأغراضه في تنفيذ عمليات معينة تخدم أهدافه”. وهو ما نراه مستمرا حتى اليوم في عملية “الانتقام من إدلب” التي يشنها النظام وروسيا، رغم عدم تبني أي جهة اتهمها النظام السوري الهجوم.

تهميش انتفاضة السويداء وتبريد الصفيح الساخن في الساحل

يحاول النظام داخليا إلهاء المناطق الخاضعة لسيطرته والموالية له، عن سوء الوضع المعيشي والانهيار الناتج عنه والذي طال مختلف نواحي الحياة في سوريا، من خلال العزف على وتر “الإرهاب” واستهدافه مكونات المجتمع السوري، بعد أن فشل في إقناع الدول العربية بضخ أموال التعافي المبكر وإعادة الإعمار، ويبدو أن حديث بشار الأسد عن جذب الاستثمارات من الصين لن يكون مقنعا للسوريين الذي باتوا تحت خط الجوع.

وحتى يوم الجمعة، حافظت مظاهرات السويداء على زخمها ومطالبها السياسية المتمثلة برحيل بشار الأسد وتطبيق القرار 2254، ورفع المتظاهرون لافتات تتهم النظام بالوقوف وراء هجوم الكلية الحربية.

ويبقى التردد من الانضمام إلى السويداء سيد الموقف في مناطق سيطرة النظام، إذ إن القسم الأكبر من قتلوا في الكلية الحربية هم من مناطق موالية، ويحاول النظام استجرار التضامن العربي والدولي باعتبار أن من قتلوا هم “خريجون جدد”، بعد أن حازته السويداء، وتلقى الشيخ الهجري اتصالات دعم من شخصيات أوروبية وأميركية على مستوى رفيع. 

ما تداعيات تفجير الكلية الحربية عربياً؟

عقب الانفجار مباشرة، بدأ إعلام النظام الرسمي والمقرب منه، بالحديث عن الإرهاب والجماعات الإرهابية التي تستهدف سوريا والسوريين إلخ.. يأتي ذلك وسط تعثر عملية التطبيع العربية مع النظام، التي شهدت زخما في الأشهر الماضية عقب الزلزال، وهو حدث استغله النظام السوري للعودة إلى “الحضن العربي” بدفع إيراني وروسي وصيني.

وكان قبول الدول العربية بعودة النظام للجامعة إقرارا بتغير موازين القوى على الأرض لمصلحة النظام وحلفائه، وهو موقف يحاول استغلاله النظام اليوم عسكريا، بعد أن استغل الموقف العربي “اللين” سياسيا. وقبل عودة النظام إلى الجامعة، قال أمينها العام أحمد أبو الغيط إن النظام “انتصر في المعركة”، وعلى هذا الأساس تتعامل الجامعة العربية مع بشار الأسد.

الدول العربية المطبعة سارعت بإدانة هجوم الكلية الحربية، وقالت الخارجية المصرية في بيان لها: إن “جمهورية مصر العربية تدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي استهدف الكلية العسكرية بحمص في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، وأسفر عن عشرات الضحايا والمصابين”.

وجاء الموقف نفسه من الإمارات وسلطنة عمان والعراق والجزائر والبحرين، ودان الأردن الذي توترت علاقاته بالنظام مؤخرا بسبب تهريب المخدرات، الهجوم مؤكدا رفضه واستنكاره لكل أشكال العنف.

وبذلك أدى الهجوم إلى تهدئة الخطاب العربي والأردني تحديدا القاسي مع النظام، وإلهائه برواية “الإرهاب” القادر على التمدد عبر الحدود مثل الكبتاغون.

في حين أكد الرئيس الروسي بوتين عزمه على “مواصلة العمل من كثب مع الشركاء السوريين في مكافحة جميع أشكال الإرهاب”، لتتحرك بعدها الطائرات الحربية الروسية وتقصف المدنيين شمال غربي سوريا.

أما إيران فقد دانت عبر قائد “الحرس الثوري”  اللواء حسين سلامي، الهجوم على الكلية الحربية بحمص، متوعداً المسؤولين بـ”رد مهول وانتقام مباغت”، في إشارة إلى أنها ما تزال موجودة بقوة في سوريا، عبر ميليشياتها ووكلائها، رغم الضربات الإسرائيلية.

فهل ستؤيد “ضمنا” الدول العربية المطبعة هجوم النظام على إدلب وريف حلب، الذي قد يتطور إلى عمل عسكري لاستنزاف المعارضة وترتيب الأوراق على الطاولة، لتبدأ المرحلة الثانية من التطبيع تحت عنوان “مكافحة التنظيمات المتطرفة” بعد أن غضت هذه الدول الطرف عن قصف شمال غربي سوريا؟

تلفزيون سوريا

——————–

مكاسب الأسد من هجوم حمص… إيقاظ ذاكرة العلويين ومغازلة الصين/ عادل حداد

وظّف النظام السوري الهجوم الذي تعرضت له الكلية الحربية في حمص، معيداً تذكير الطائفة العلويّة بما ينتظرها في حال سقوطه، ومغازلاً الصين، عبر استهداف حزب “التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الإيغور الذين ترى فيهم الصين خطراً يهددها.

سواء صحّت رواية الكثير من المعارضين السوريين حول دور النظام وحلفائه في تنفيذ هجوم حمص أم لم تصحّ، فإن السلطة في دمشق مستفيدة من هذه الحادثة على مستويات عدة. ذاك أن الطائرات المسيّرة المحملة بالمتفجرات التي ضربت حفلة تخرج ضباط في كلية حربية حسب رواية النظام السوريّ، أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا العلويين، أي من بيئة النظام الصلبة التي دعمته (عدا بعض الاستثناءات) منذ اليوم الأول للتظاهرات التي اندلعت ضده عام 2011.

هذه البيئة، بدأت تتململ في الآونة الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي جلبها النظام للبلاد بسبب عدم امتثاله للقرارات الدولية التي تقضي بمرحلة انتقالية تدريجية، والتقصير في إنقاذ الساحل السوري أثناء الزلزال، والعقوبات التي انعكست بشكل سلبي على معظم فئات الشعب السوري، وكان ضررها ذا صيغة مختلفة على العلويين.

سياسة التوظيف في المؤسسات الحكومية التي لطالما فضّلت العلويين بسبب أنظمة القرابة والزبائنية، باتت أقل فاعلية، بعد انهيار العملة وانخفاض قيمة المرتبات. كما أن عدد اللاجئين العلويين في الدول الغربية  أقل من الطوائف الأخرى، ما يعني قلة عدد من يرسلون الأموال الى عائلاتهم في الداخل، ما شكّل عامل ضغط إضافياً على الفئة التي تمسكت بالنظام لأسباب طائفيّة .

وجد أبناء الطائفة العلوية أنفسهم ،بعد استنزاف بشري هائل استمر لأكثر من عشر سنوات، متروكين من دون أي رعاية من النظام الذي قاتلوا وضحوا لبقائه، الى درجة أن شكاوى عدة ظهرت بسبب عدم الاهتمام بـ”الشهداء” والجرحى.

خلق ما سبق، حالة غضب في أوساط الطائفة تُرجمت بأصوات عبّرت عن نقمتها على مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أن الغضب لم يصل الى حدود التظاهر ضد النظام على ما حصل في السويداء، وقد تكون التظاهرات في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، ساهمت في كتم نازع الاحتجاج العلني ضد النظام بين أبناء الطائفة العلوية، انطلاقا من أن متظاهرين ذوي هوية طائفية محددة يتظاهرون ضد نظام لدى العلويين مشكلة معه في المعالجة الاقتصادية، لكنه لا يزال “يحميهم”، حسب رواية شائعة في أوساط الطائفة.

نظرية “الحماية” هذه، التي قد يكون استفاد منها النظام لشد عصب العلويين مجدداً عقب احتجاجات السويداء، استكمل الاستثمار بها في تفجير حمص. فهذه المرة، استُعيد شبح “الإرهاب السني”، في مكان ذي رمزية في الذاكرة الجماعية العلوية. إذ إن الكلية الحربية في حمص شكلت الرافعة لمعظم الضباط الريفيين الذين ساهموا في الانقلابات العسكرية في تاريخ سوريا، أي أنها شكلت رافعة لصعود العلويين إلى السلطة قبل أن ينفرد بالأخيرة آل الأسد.

لكن الرمزية لا تقف هنا، عندما تمضي إلى تاريخ أقرب، وتحديداً إلى فترة الصراع بين النظام وحركة “الإخوان المسلمين”، ذاك أن هذا الصراع بين الطرفين، اشتعل بعد مجزرة نفذها النقيب الإخواني إبرهيم يوسف بعدد من الطلاب العلويين في مدرسة المدفعية في حلب.

وكأن ذاكرة العلويين مضبوطة بمفاعيل كلية الحربية في حمص ومدرسة المدفعية في حلب، فواحدة تشكل دليل صعودهم، وأخرى دليل تهديد هذا الصعود. وبالتالي، فإن واقعة المسيّرات في حمص تحاكي شعورياً، تأثيرات الكلية والمدرسة معاً. دُمجت الأولى في الثانية، في استدعاء انتقائي للتاريخ، يخضع لأولويات الجماعة ومخاوفها. فسقط طلاب علويون مضرجين بدمائهم خلال حفل تخرج، ولم يستثنِ الموت عائلاتهم التي ضمت أطفالاً ونساءً، فاجتمع الصعود الى السلطة ومهدّده في المكان ذاته، ليصير الالتحام مجدداً بالنظام، أمر لا غنى عنه، حتى لو كان الأخير سبب الجوع والعوز.

“مكافحة الإرهاب” بمزاج صينيّ

أيقظت الحادثة ذاكرة العلويين، وأعادت توجيههم للخوف من “التهديد الوجودي” الذي سماه النظام “جماعات إرهابية”. هذه التسمية ليست عبثية، ولم تأتِ فقط لاستكمال تأثير الحادث على ماضي العلويين لإيقاظ شياطينه، بل أراد النظام تعويم نفسه للمجتمع الدولي كـ”محارب للإرهاب”، بعدما فقد هذه الوظيفة عبر اعتماد الأميركيين الأكراد حليفاً لهم.

وإذا كان الغرب، الولايات المتحدة وأوروبا، أقل حماسة للقبول بعرض النظام بسبب سياسة العزل، فإن الوجهة هذه المرة كانت نحو الصين. إذ زار بشار الأسد البلد الذي بات يشكل القطب الثاني في السياسة الدولية، موحياً بوصول استثمارات تنقذ البلاد من أزمتها، وعمدت طائراته عقب حادثة حمص الى قصف مواقع لـ”الجماعات الإرهابية” في إدلب. القصف الذي تسبب بقتل عدد من المدنيين، طاول حسب رواية وسائل إعلام مقربة من السلطة في دمشق، مواقع للحزب “التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الإيغور الذين لطالما حاربتهم بكين وترى فيهم خطراً.

أراد الأسد عبر هذا القصف، أن يقول للصين إنه إضافة إلى استعداده لمنحها مدخلاً للمتوسط رداً على مشروع الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط، يمكنه أيضاً أن يكون وكيلاً محلياً لـ”مكافحة الإرهاب” الذي تراه بكين مهدداً لها.

وفي الخلاصة، وبمعزل عن تورط الأسد في واقعة المسيّرات من عدمه، فإن استفادته منها هي الأهم، إذ تمكن، ولو مؤقتاً، من إيقاظ ذاكرة العلويين الجماعية وحرف انتباههم عن الأزمة الاقتصادية في البلاد. كما عمد إلى مغازلة الصين وتشجيعها على الانفتاح نحوه أكثر، ليس بسبب منافع الاقتصاد فقط، بل لـ”مكافحة الإرهاب” حسب مزاج الصين وإيقاعها.

درج

——————

وقودها الضباط وذووهم وأهل الشمال: النار التي يؤججها النظام/ العقيد عبد الجبار عكيدي

تثير مجزرة الكلية الحربية التي وقعت يوم الخميس الماضي الموافق للخامس من تشرين أول الجاري في الأذهان العديد من المسائل، لعل أبرزها هي قيام نظام الأسد بقتل ضباطه ومواليه، بغية استثمار دمائهم ومآسي ذويهم للاستمرار في السلطة، وتلك مسألة – في حقيقة الأمر –  لا تثير الاستغراب، إذ إن هذا الصنيع الأسدي لم يكن بدعةً جديدة أوجبتها مرحلة من مراحل أزمة السلطة، وإنما هذه الممارسات هي جزء من النهج الإجرامي الأسدي الذي يفصح تاريخه في السلطة عن إقدامه باستمرار على الانقضاض على أقرب المقربين حين تستدعي الحاجة، فأين المشكلة حين يفرّط الأسد بأرواح مئة أو أكثر من ضباطه وحاضنته طالما أنه يعتبر الشعب السوري برمته قطيعاً لا يعدو كونه وقوداً لاستمرار السلطة؟

    إذا صَدقنا رواية النظام بأن العملية تمت بطائرات مسيرة وهذا مستبعد، فمن هي الجهة التي تمتلك هذا النوع من الطائرات المتطورة القادرة على تنفيذ تلك العملية بهذه الدقة؟

لكن ما هو جديد ولافت للانتباه أن مجزرة الكلية الحربية لا تجسد نزوع النظام نحو استمراره في الجريمة فحسب، بل جديدها أنه أراد من تلك المجزرة أن تكون فاتحةً لاستراتيجية جديدة يعتقد بشار وحلفاؤه الإيرانيون أنها ستكون المخرج الأمثل من المحنة الخانقة التي تحيط بنظام الأسد، والخروج من الأزمة في ظل الإفلاس التام وبمختلف أشكاله لحاكم سوريا، لن يكون إلّا بالتمادي في الجريمة، وها هي المجزرة الجديدة في مدينة حمص تتيح له من جديد أن يشن حرباً جنونية على محافظة إدلب وريفها وكذلك الريف الغربي لحلب، حيث بدأت طائراته وقاذفاته بالحرب على الشمال السوري تزامناً مع وقائع مجزرة حمص، في إيحاء من النظام لحاضنته بأن حربه هذه إنما هي ردّ مباشر على المجزرة التي وقعت بحق قتلاه، علماً أن التحليل العسكري الدقيق لما حصل في الكلية الحربية يؤكد بما لا يقبل الشك أن المجزرة من تصميم وتنفيذ نظام الأسد ولا أحد سواه:

    رغم الغموض الذي اكتنف ملابسات المجزرة وهوية الفاعل، في ظل عدم تبني أي جهة للعملية إلا أن المشاهد الأولية التي ظهرت لا تدل على وجود أي قرائن مادية تثبت صحة رواية النظام باستهداف الحفل بطائرات مسيرة.

    إذا صَدقنا رواية النظام بأن العملية تمت بطائرات مسيرة وهذا مستبعد، فمن هي الجهة التي تمتلك هذا النوع من الطائرات المتطورة القادرة على تنفيذ تلك العملية بهذه الدقة؟

    إذا افترضنا جدلاً بأن من نفذ الهجوم هو هيئة تحرير الشام كما ادعى النظام من لحظة وقوعه، فمن أين لها أن تمتلك هذا النوع من الطائرات المسيرة التي تحتاج إلى شوط متقدم من القيادة عن بعد يحتاج إلى سنوات من التقنية والتقدم العلمي للوصول إليه، والذي روسيا نفسها ورغم كل ما وصلت إليه من تقدم في صناعة الأسلحة فإنها تفتقر إلى خاصية قيادة الطائرات المسيرة والتحكم بها وتوجيهها بدقة متناهية لتنفيذ هكذا مهام قتالية على مثل تلك المسافات، وتستورد هذه التقنية من إيران في حربها على أوكرانيا، فكيف لفصائل لا تملك سوى بعض المسيرات البدائية التي لا يتجاوز مداها 20 إلى 40 كم ولا يمكنها حمل سوى بضع كيلوغرامات من المتفجرات، وإذا كانت هي من فعلت فلماذا تفوت على نفسها صيداً ثميناً وتنتظر حتى يغادر وزير الدفاع والمحافظ وكبار الضباط من الرتب الرفيعة، بالإضافة إلى الملحقين العسكريين الذي حضروا الحفل ومن بينهم الملحق الروسي والإيراني والكوري وغيرهم وتقوم بالاستهداف، إلا إذا كان بالتنسيق معهم.

     الآثار الناجمة عن الانفجار من خلال حجم الأضرار وعدد القتلى والمصابين تدل على استخدام كمية كبيرة من المتفجرات تقدر بأكثر من \150\ كغ وربما تحتوي على مادة C4، وآثارها تدل على أنها ليست من الجو، فمن المعروف عسكريا في علم المتفجرات أنها عندما تكون من الجو يسبق تأثيرها التدميري فعلها على القتل، في حين أننا لم نشاهد أي آثار تدميرية لجهة حُفر في الأرض أو دمار في جدران المنصة.

    المعطيات والقرائن تدل على أن الانفجار حصل بوساطة عبوات صغيرة الحجم مربوطة بقذائف متفجرة ومتشظية وعلى الأغلب تكون قذائف هاونات من العيار الصغير، ما يدل على ذلك حالات البتر والقطع في أطراف المصابين السفلية والعلوية نتيجة الشظايا.

    الكلية الحربية تقع في منطقة محاطة بالكليات العسكرية وقطعات الدفاع الجوي التي يقع على عاتقها مهمة حماية المطارات والكليات العسكرية ومصفاة حمص والمنشآت الحيوية، ومن أهم وحدات الدفاع الجوي المنتشرة بالقرب من الكلية الحربية فوج الصواريخ S200\  \ الذي يعتبر الأحدث في منظومة الدفاع الجوي التي يمتلكها النظام والقادرة أجهزة راداراتها على اكتشاف الأهداف حتى مطار اللد الإسرائيلي في النقب، فهل عجزت عن اكتشاف الطائرة المسيرة؟

استنتاجات:

1 – النظام يقف عاجزاً أمام حراك السويداء الذي بدأ ينتشر ويزداد، ويحظى بتضامن محلي وتأييد دولي، ولعل تحطيم المتظاهرين في السويداء لتماثيل حافظ الأسد ورميها في مكبّات القمامة قد أفقد نظام الأسد صوابه، ودفعه للتفكير باستراتيجية تمكنه من إشعال وتيرة العنف في البلاد وخلط الأوراق بغية اختراق الحراك السلمي وجر البلاد إلى المحرقة من جديد.

علما أن نظام الأسد حاول استثمار القتال في دير الزور بين قوات العشائر وقسد، للتغطية على حراك السويداء ولكنه لم يفلح في ذلك.

2 – نظام الأسد لا يملك وسيلة للخروج من جرائمه إلا بارتكاب مزيد من المجازر، ولا ينجو من مذابحه أحد بمن فيهم حاضنته وحاشيته، كما حدث في عملية الكلية الحربية.

3 – ربما تجسّد هذه المجزرة المحاولة الأخيرة واليائسة لنظام الأسد في سعيه لاسترداد حاضنته التي بدت تتفكك من حوله، محاولاً ربط مصير من تبقى من مواليه بمصيره، ولعل ما عزز لديه تلك القناعة هو تراخي المرجعيات الدولية والأممية حيال كل ممارساته الإجرامية، وذلك جرياً مع المثل القائل: من أمن العقاب أساء الأدب.

4- النظام بحاجة لعمل إرهابي كبير ليغطي له جرائمه التي ينوي ارتكابها، وليحاول تجميع الطائفة خلفه التي بدأت تتململ وبالتالي بدأ يستشعر الخطر من تسخين فوهة بركان الساحل الذي يخشى انفجاره في أي لحظة، وقصفه لمناطق وجود معارضيه في الشمال مباشرة بعد تفجيرات الكلية يعني أنه قد حدد أهدافه وخطط لها مسبقاً.

تفجيرات الكلية الحربية تعيدني بالذاكرة إلى عام 1986 وفي يوم الأربعاء السابع عشر من شهر نيسان ذكرى عيد الجلاء حين قام جهاز الاستخبارات العسكرية في  نظام الأسد الأب بتفجير الحافلات التي تقل الطلاب الضباط في أثناء مغادرتهم الكلية الحربية لقضاء العطلة مع ذويهم، واستهدفت التفجيرات حصريا الحافلات المتجهة إلى الساحل وأوقعت العديد من القتلى والجرحى ومعظمهم من أبناء الطائفة العلوية، وطبعاً كان الاتهام المباشر لجماعة الإخوان المسلمين التي سبق أن أجرى النظام بعض التسويات لبعض كوادرها الذين راجعوا السفارات السورية في الدول العربية وتم العفو عنهم وإطلاق سراح بعضهم وبعض أقاربهم من السجون، وحصل ذلك بضغوط عربية لقاء تقديم الدعم لانتشال النظام من أزمته الاقتصادية الخانقة التي كان يمر بها، فكانت رسالة النظام جلية واضحة للعرب، وللطائفة التي ربط مصيرها بمصيره.

لعله من الصحيح أن نظام دمشق يعيد على الدوام إنتاج إرثه القديم من وسائل الإجرام والمكائد التي تودي بأرواح السوريين، ولعل هذا أمر طبيعي طالما أن ماهية النظام ومنهجه الأمني القائم على الانتقام والاستئصال لم يتغيّر منذ نصف قرن، ويمكن التأكيد بمزيد من الحسم بأنه لن يكون بمقدوره تغيير ذاته، وإن كان ثمة خير ينتظر السوريين، فلن يكون إلّا باستئصال السلطة الأسدية وتجريف قذاراتها من الأرض السورية.

——————–

من يقف وراء مجزرة الكلية الحربية في حمص؟/ عمر كوش

يرى كثير من السوريين أن كل القرائن، تشير إلى أن نظام الأسد هو من يقف وراء المجزرة، التي ارتكبت بحق عسكريين ومدنيين، خلال حفل تخرج دفعة من ضباط النظام في “الكلية الحربية” بمدينة حمص، وراح ضحيتها أكثر من مئة قتيل (حوالي نصفهم من النساء والأطفال)، وأكثر من مئتين وسبعين جريحاً، وأن المسيرات المستخدمة إيرانية الصنع، ما يشي بأن جهات إيرانية اشتركت مع نظام الأسد في تنفيذ الجريمة المروعة، وبالتالي فهي لا تخرج عن سياق توظيفها في حربه المستمرة، منذ 2011، ضد غالبية السوريين.

ما يدعم اتهام نظام الأسد بارتكاب هذه المجزرة، هو أن مدينة حمص تشهد استنفاراً أمنياً وعسكرياً، في كل مرةّ يجري فيها تخريج دفعة من الضباط، سواء في الكلية الحربية أم في غيرها من الكليات والمقار العسكرية، فضلاً عن أنها تقع في الجهة الغربية من مدينة حمص، ويجاورها عدد من الكليات والمنشآت العسكرية الأخرى، مثل كلية الشؤون الفنية وكلية المدرعات وكلية الإشارة ومدرسة الرياضة والإعداد البدني، ولا تبعد عنها كثيراً كلية الدفاع الجوي وأفواج من جيش النظام، فضلاً عن أن مدينة حمص، مثلها مثل باقي المدن السورية، تعجّ بالعديد من فروع أجهزة أمن واستخبارات النظام، وبالتالي كيف أمكن لعدد من المسيرات الوصول بسهولة كبيرة إلى هذه المنطقة الحساسة، واختراق كل أنظمة الدفاع الجوي، وأجهزة الرصد، بما فيها الأجهزة الروسية، وخاصة الرادارات، وفي مناسبة شهدت حضور وزير دفاع النظام إلى جانب مسؤولين آخرين. وهنا تطرح أسئلة أخرى عن أسباب غياب أجهزة إعلام النظام عن تغطية تفاصيل الحدث، وكذلك عن أسباب مسارعة وزير دفاع النظام والوفد المرافق له إلى مغادرة الحفل، فيما سارع الإعلام الروسي إلى تحديد وقت مغادرته الكلية قبيل وقوع المجزرة بوقت قصير.

يُبنى توجيه الاتهام إلى نظام الأسد على سوابق عديدة، لجأ فيها إلى ارتكاب جرائم ومجازر بحق سوريين من مختلف الانتماءات والمواقع حينما كان يتعرض لمآزق وأزمات، إذ سبق أن قام هذا النظام بتدبير وتنفيذ تفجير مبنى الأمن القومي السوري في دمشق، أو ما عُرف بتفجير “خلية الأزمة” في 18 تموز/ يوليو 2012، والذي قتل فيه وزير دفاع النظام في ذلك الوقت، داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، زوج بشرى شقيقة بشار الأسد، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي، ورئيس الخلية، معاون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية حسن تركماني، في حين أن وزير الداخلية محمد الشعار نجا بأعجوبة منه، وكذلك الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بخيتان. وشكل هذ التفجير حدثاً مفصلياً، اتجه بعده النظام نحو الإمعان في الحل العسكري التدميري ضد السوريين.

تأتي المجزرة مع استمرار انتفاضة أهالي السويداء المستمرة ضد النظام منذ نحو شهرين، والتي تطالب بإسقاطه، وتطبيق القرار الأممي 2254، ووضعته في مأزق كبير، إلى جانب ارتفاع منسوب الانتقادات لممارساته، وتسببه بأوضاع معيشية كارثية للسوريين الموجودين في مناطق سيطرته، وظهور تململ بدأت ملامحه تخرج إلى العلن لدى بعض أبناء الساحل السوري، لذلك فإن هذا العمل الإرهابي يعزز إمكانية أن يكون النظام هو من دبرها بالتعاون مع أطراف إيرانية، كي يستخدمه ذريعة لتحويل أنظار حاضنته عن أوضاعهم الكارثية، والتغطية على انتفاضة السويداء، وبما يمكنه من إعادة ضبط حراك مناطق سيطرته، والتأكيد على أن الخطر ما يزال يداهمها، وأنه هو الضمان لأمن حاضنته الاجتماعية، على الرغم من كل الكوارث التي سببها.

لم يتأخر المحتجون في السويداء من توجيه أصابع الاتهام إلى النظام وإيران، فهي يعون جيداً ممارسات وألاعيب النظام، واستسهاله إراقة دماء السوريين، وقد سبق أن فضحوا اتفاقه مع تنظيم الدولة “داعش”، الذي تولى بموجبه تسهيل نقل المئات من عناصر هذا التنظيم الإرهابي إلى محافظتهم، مقابل شنهم هجمات دامية على أبناء المحافظة، عقاباً لهم على رفضهم إرسال أبنائهم إلى جيش النظام، كي يستخدمهم النظام وقوداً في حربه على السوريين.

لا يصمد اتهام نظام الأسد “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة”، كونه اتهاما جاهزا لديه، وقابلا للتدوير والتوظيف، وقد استخدمه طوال سنوات عديدة للتستر على جرائمه وفظاعاته، التي لم تتوقف، واتخذه ذريعة كي يقصف المدنيين في المناطق الخارجة عن سلطته في الشمال السوري، استمراراً للنهج الإجرامي الذي يتبعه منذ الثورة السورية عام 2011.

يكشف واقع الأمر أن التنظيمات المقصودة (هئية تحرير الشام وأخواتها والفصائل السورية المدعومة من تركيا)، التي يريد نظام الأسد تلبيسها الجريمة، لا تمتلك مسيرات قادرة على قطع مسافات طويلة تمكنها من الوصول إلى حمص، ولا حمل كميات كبيرة من المتفجرات، والجهة الوحيدة التي تمتلكها هي إيران، وبالتالي، فإن محاولته التعمية والتستر على جريمته هي محاولة فاشلة بكل المعايير.

يريد نظام الأسد من هذه الجريمة خلط الأوراق في سوريا، والعودة إلى ورقة الشحن والتجييش الطائفي، التي سبق أن بنى عليها سرديات كثيرة، حيث لم يتوانَ عن اتهام كل من يعارضه، وخرج محتجاً على ممارساتها الاستبدادية، بالإرهاب، وتفنن في خلق طرق القتل الطائفي، ومارس أشكالاً من التطهير المذهبي، والتهجير القسري، فضلاً عن البراميل المتفجرة التي ألقى بوساتطها أطناناً من المتفجرات على رؤوس المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، بل ولم يتردد في استخدام الأسلحة الكيمياوية في ارتكاب المجازر. وكان يلقى كل الدعم والإسناد من نظام الملالي الميليشيوي في طهران، ونظام الاستبداد الروسي (البوتيني)، اللذين ساهما إلى جانب إسرائيل في حمايته، ومنع سقوطه في أكثر من مناسبة.

لم يواجه نظام الأسد أي رادع دولي أو أممي حيال الجرائم التي ارتكبها، لذلك استهل إراقة دماء السوريين، وها هو يتغول في ارتكاب مجزرة بحق ضباط، كان سيتخدمهم إما لقتل سوريين آخرين، أو لحماية مصانع المخدرات وطرق تهريبها، وليس من أجل قتال إسرائيل واسترجاع إقليم الجولان الذي تحتله منذ عقود عديدة.

———————-

“إيغون شولتس” والكلّية الحربية في حمص/ مالك داغستاني

“لستُ ممن يتلطَّون خلف التعريفات لكي يبرروا الإرهاب، وأنا أتفق مع معظم سكان الكرة الأرضية، على أن القتل العمد للمدنيين في الحرب أو الصراع السياسي هو فعل إرهاب. أستطيع بالحس البسيط الذي أمتلكه، وبلا أية إضافات نظرية أو حقوقية، أن أميّز في كل حالةٍ على حدة، ودون تعمیم، الإرهاب عن المقاومة، أياً كان الفاعل ومهما كانت درجة اقترابه أو ابتعاده عن إحداثياتي السياسية والوطنية حتى”. جاء هذا الاقتباس ضمن مادة صحفية لي، نُشرت صيف عام 2006 في موقع الحوار المتمدن بعنوان “إن لم تستحِ فقلها: محمد الدرة إرهابي”، وكانت بمناسبة أن برنامجاً تلفزيونياً، عُرض على شاشة عربية، وصف الطفل الفلسطيني الشهيد بأنه إرهابي!

يوم الرابع من تشرين أول/أكتوبر عام 1964 ليلاً، كان هناك ثلاثة من الطلبة الجامعيين في برلين الغربية يحرسون باب “النفق 57″، ويسهلون مرور الفارين من منطقة شرقي برلين إلى الغرب. فجأة انكشف الأمر وحدث تبادل لإطلاق النار بين حرس الحدود لألمانيا الشرقية ومجموعة الطلاب المسلحين بمسدسات. سقط جراءه الرقيب في الحرس “إيغون شولتس” الشاب الوسيم الذي يبلغ من العمر واحدا وعشرين عاماً.

من غير المنصف المتابعة قبل أن أخبركم بإيجاز عن “النفق 57″، ولو من باب الحق في إرواء الفضول. دُعي النفق بهذا الاسم لهروب 57 شخصاً عبره. وكانت العملية تلك من أنجح عمليات الفرار عبر الأنفاق بين الألمانيتين، من ضمن مئات المحاولات الفاشلة. خمس وثلاثون طالباً جامعياً من برلين الغربية، بدؤوا بتنفيذ تلك الفكرة المجنونة. اختاروا مخبزاً مهجوراً غربي الجدار وتناوبوا ضمن مجموعات على الحفر ليلاً نهاراً لعدة شهور. حتى وصلوا إلى بناء مهجور أيضاً شرقي الجدار.

كان يواكيم نيومان من بين هؤلاء الطلاب. هرب من الشرق، ولكنه ترك صديقته كريستا غروهلي، زوجته بعد نجاتها، في برلين الشرقية. وكان من بينهم الأخوان سبرينغر حيث يحاولان إنقاذ أخيهما الأصغر أندرياس. ويمكن التأكيد أن كل الطلاب المشاركين كانت لهم ظروف مشابهة، ويحتاجون النفق لتهريب أشخاص يخصونهم. في يوم الهروب حُددت لحظة الصفر، وأرسلت كلمة السر إلى الصديقات والإخوة والآباء والأبناء وحتى لأبناء العمومة والأصدقاء ممن كانوا مستعدين للهرب..

إلى فتحة النفق في المبنى رقم 55 في برلين الشرقية انتقل ثلاثة من الطلبة ليقوموا بالتعرف على الفارين ومساعدتهم على دخول الفتحة. كان من بين هؤلاء يواكيم الذي لم يتسنى له سوى ضمة صغيرة مع خطيبته كريستا قبل أن يدفعها إلى النفق. وكان برفقة يواكيم اثنان آخران هما رينهارد فورر (رائد الفضاء الألماني المستقبلي)، وسيئ الحظ كريستيان زوبيل، الذي أطلق النار على رقيب حرس الحدود، قبل أن يهرب مع زملائه إلى الجانب الغربي، ويباشروا فوراً بردم فتحة النفق ورمي أكياس الرمل فيها، بعد أن أنقذوا سبعة وخمسين شاباً وامرأة وطفلاً.

في اليوم التالي بدأت الدعاية الألمانية الشرقية عملها. كانت جنازة شولتس عسكرية رسمية وشعبية، انطلقت من برلين لتمضي إلى “روستوك” مسقط رأسه. بأوامر حكومية خرج عشرات آلاف العمال واصطفوا في الشوارع لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة. في يوم الجنازة تم تغيير اسم المدرسة الثانوية التي درس فيها لتصبح “مدرسة إيغون شولتس”. وخلال عدة شهور تمت تسمية أكثر من مئة جمعية ومدرسة ومؤسسة، إضافة إلى فندق سياحي في حديقة حيوان برلين ومعسكرات عديدة باسم “شهيد البلاد البطل” الذي قتله عملاء الغرب. تم نشر كتاب بطبعات شعبية للأطفال عنه، وكان كل مواطن ألماني شرقي يعرف اسمه من المدرسة أو من وسائل الإعلام.

بدأت التحقيقات في شرق وغرب برلين ضد ميسري الهروب الثلاثة. اعترف المتهمون لمحققي برلين الغربية بأن أحدهم أطلق النار بالفعل، لكنهم يعتقدون أنه أصابه في الكتف، وأن هناك طلقة أخرى من رفاقه ربما تكون هي من قتلته. رفض مكتب المدعي العام في برلين الشرقية التعاون مع طلبات التحقيق من برلين الغربية، وطالب بدلاً من ذلك بتسليم كريستيان زوبيل، المشتبه به في جريمة القتل.

الحقيقة، أن سلطات التحقيق في ألمانيا الشرقية سرعان ما اكتشفت أن شولتز قد أصيب بنيران صديقة عن طريق الخطأ على يد أحد رفاقه، وأن الرصاصة القاتلة جاءت من بندقية كلاشينكوف، وليس من مسدس زوبيل. ستظل نتائج هذا التحقيق، بما في ذلك اختفاء ملفات التشريح من مستشفى شاريتيه، سرية للغاية حتى أكتوبر 1990، عندما تم تسليم الملفات إلى القضاء الفيدرالي الألماني. أما المدعي العام في برلين الغربية فقد أغلق القضية ضد ميسري الهروب، بعد أن فرض عليهم غرامة لحيازة سلاح بشكل غير قانوني.

في كانون أول/ديسمبر 1964، بالقرب من معبر نقطة تفتيش تشارلي الحدودي، طارت بالونات فوق الجدار باتجاه الجزء الشرقي من المدينة. تم إرفاق كل بالون برسالة مفتوحة إلى فريدا شولتس، والدة إيغون. كتب الرسالة  ميسرو الهروب الذين حفروا النفق يؤكدون فيها لتلك الأم أنهم لم يقتلوا ابنها. طبعاً الصحافة وعموم وسائل الإعلام في جمهورية ألمانيا الديمقراطية عتّمت على تلك الرسالة، وأصرت على أن ميسري الهروب عملاء الغرب هم القتلة.

عام 1995 أعيد فتح القضية. خلص التحقيق إلى أن كريستيان زوبيل أطلق الطلقة الأولى لمنع اعتقاله مع رفيقيه واستقرت الرصاصة في كتف شولتس. بينما جاءت الطلقة القاتلة من بندقية كلاشينكوف لجندي حرس الحدود “فولكر” الذي أطلق النار، بناء على تعليمات من ضابط في جهاز أمن الدولة (شتازي) كان موجودا في الموقع، فأصاب زميله دون قصد. في عام 2004 وفي الذكرى الأربعين لوفاته، تم نصب لوحة تذكارية تخليدا لذكرى إيغون شولتس على البناء رقم 55 بمبادرة من مساعدي الهروب السابقين وأصدقاء شولتس كتب عليها “”لقد تم اعتبار إيغون شولتز بطلاً في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، بينما كان ميسرو الهروب يعتبرون عملاء وقتلة”.

قد يكون شولتس شاباً بريئاً يقضي خدمته العسكرية مرغماً حيث لا خيارات أخرى أمامه، وقد يكون مجرد جندي غبي يعتقد بأنه يقف في الجانب الصحيح، وله  في ذلك احتمالات كثيرة أخرى، ولكن المؤكد أنه لم يكن “الشهيد البطل” الذي دخل التاريخ من بوابة مزوّرة روّج لها نظام فاسد مستغلاً اسمه كضحية فعلاً، كما هو ديدن الأنظمة الفاسدة التي تبرع في إنتاج الروايات الكاذبة حتى لو توفرت لها كامل الحقائق، والأدهى حين ترتكب الجرائم بنفسها أو عبر عملائها، وتبدأ الهجوم على أعداء تخترعهم وترمي التهمة باتجاههم.

مات زوبيل قبل انكشاف الحقيقة، وهو في حالة من الشك بأنه قد يكون قاتلاً. حتى رائد الفضاء رينهارد فورر توفي عام 1995 بحادث طائرة قبل أن تظهر نتائج التحقيق. عام 2001 سيعرض على قناة آرتي فيلم وثائقي عن (موت البطل) والنفق والكذبة، حاز الفيلم على جائزة التلفزيون الألماني. كان عنوان الفيلم “من أطلق النار على إيغون شولتز؟”. حسناً، يمكنني الآن استعارة اسم الفيلم، لأوجه السؤال الذي تبادر لكل سوري خلال الأسبوع الماضي: من أطلق المتفجرات على الكلية الحربية في حمص؟

بدايةً سأعود لما ابتدأت به. لا يحتاج الأمر للكثير من (الخزعبلات) من أجل التفريق بين النضال المشروع والأعمال الإرهابية، وعليه فإن استهداف مكان من المعروف أن فيه مدنيين من الرجال والنساء والأطفال، هو عمل إرهابي بغض النظر عن الجهة الفاعلة. ولا فرق لديَّ هنا، بما أنني لم أعرف يقيناً، إن كان الفاعل جهة معارضة أو أن العملية من فعل نظام الأسد. للأسف لن نعرف الحقيقة قريباً، رغم أن لكل منّا تخميناته وترجيحاته.

طبعاً تتطاير الاتهامات حول الجهة المنفذة في كل اتجاه، وللأسف أن معظم المتهمين هم جناةٌ محتملون، ولا يمكن القطع بأن جهة ما لا يمكن أن تفعلها، طبعاً حسب ما تمتلك من الإمكانيات. يحاجج الكثير من (الموضوعيين) بأنه من غير المعقول أن يفجر النظام مكاناً يخصه! متناسين أن الكثير من الشبهات تحوم حول النظام في حوادث سابقة، منها التفجير الذي أودى بأعضاء ما كانت تسمى “خلية الأزمة”. بالنسبة لي سأعود لحادثتين فقط.

في شهر آب/ أغسطس عام 2013 تم تفجير متزامن لمسجدي التقوى والسلام في مدينة طرابلس اللبنانية. دان نظام الأسد العملية عبر كل وسائل إعلامه واعتبر أن منفذيها هم ذاتهم الإرهابيون الذين يفجرون في سوريا. بعد ثلاث سنوات أصدر القاضي قراراً اتهامياً في قضية تفجير المسجدين، متضمناً تسمية المخططين والمشرفين على العملية، النقيب في فرع فلسطين التابع للمخابرات العسكرية السورية محمد علي علي، والضابط المسؤول في فرع الأمن السياسي ناصر جوبان. شخصياً، اعتبرتُ يومها، أن النظام كان صادقاً تماماً، حين اعتبر أن من يقف وراء العملية في لبنان هم ذاتهم الإرهابيون الذين يقومون بعمليات التفجير في سوريا.

    لنتصور الآن لو أن ميشيل سماحة نجا بفعلته ولم يقبض عليه. كان الرجل سيتابع الإطلال عبر الشاشات ليعطينا دروساً في الوطنية، بعد كل تفجير من تنفيذه

الحادثة الثانية هي قضية اعتقال السياسي اللبناني ميشيل سماحة، الذي قُبض عليه متلبساً بتهمة إحضار متفجرات استلمها من المخابرات السورية إلى لبنان، بهدف القيام بعمليات تفجير ذات منحى طائفي، بعضها سيطول حلفاء للأسد! لأجل خلق بلبلة إضافية للوضع اللبناني. سماحة كان أحد أهم المروجين لفكرة أن نظام الأسد هو حامي الأقليات. لنتصور الآن لو أن ميشيل سماحة نجا بفعلته ولم يقبض عليه. كان الرجل سيتابع الإطلال عبر الشاشات ليعطينا دروساً في الوطنية، بعد كل تفجير من تنفيذه، وليخبرنا كم انفلتت الأوضاع الأمنية طائفياً في لبنان، وأن ما كان يحذر منه قد حدث بالفعل بسبب المؤامرة على نظام الأسد!

أعود للسؤال: هل يمكن لنظام الأسد أن يفعلها؟ وأن يكون خلف تفجير الكلية الحربية، ومقتل من يعتبرون من مواليه، ومن بينهم نساء وأطفال؟ تفجير مسجدي طرابلس ومتفجرات الشريكين مملوك وسماحة، تتيح للعقل (لو شاء أن يعمل ولو بنصف طاقته) أن يتفاعل مع فكرة أن نظام الأسد، أو أحد أذرعه، قد يكون هو من فجَّر الكلية في حمص، وهو المعروف بأنه قابل لارتكاب أي جريمة، ولا يهم من يكون الضحية. الكارثة واللعنة هنا وهو الخلاف الأهم بينه وبين المثال الألماني، أن نظام الأسد لم يكتفِ كالألمان الشرقيين بالدعاية واتهام الآخرين وتمجيد بطله الذي لم يكن بطلاً،، بل راح يقصف ويقتل ويصيب مئات المدنيين الأبرياء في شمال غرب سوريا.

————————

على ماذا تدل أسماء ورتب الضباط القتلى بتفجير الكلية الحربية في حمص؟/ نوار الشبلي

تعرضت الكلية الحربية في مدينة حمص، والتي تعتبر من أهم المؤسسات العسكرية للنظام السوري، لهجوم مجهول الماهية من قبل جهة مجهولة، والذي أسفر عن عشرات القتلى من العسكريين والمدنيين.

وقد أثار هذا الهجوم شكوكاً وتساؤلات وردود فعل متباينة حول الجهة التي يمكن أن تنفذ عملية كهذه، وبهذا الاختراق لدفاعات النظام العسكرية، ليسارع النظام فور وقوع الهجوم بتوجيه اتهامات لفصائل مسلحة في الشمال السوري بتنفيذه عبر طائرات مسيرة عالية التقنية، ولتثبيت هذه الرواية ظهرت مسيرات مجهولة الهوية في اليوم التالي في سماء حمص.

ما عزز هذه الشكوك هو مغادرة وزير الدفاع والضباط ذوي الرتب العالية والذين كانوا في المنصة وقت حفل التخريج، قبل انتهاء الاحتفال بنحو 20 دقيقة، وفقاً لما ذكرته وكالة سبوتنيك.

القتلى ورتبهم العسكرية

كما أن الضحايا الذين نعتهم صفحات وحسابات موالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن بينهم ضباط من الرتب الرفيعة، سوى ضابط برتبة عميد ركن يدعى”بسام إبراهيم الحلاق” من قرية بعرين في ريف مصياف جنوب غربي حماة، والذي لم يغادر الحفل بسبب وجود ابنه الذي كان من بين الطلاب الخريجين وعائلته في المكان، بالإضافة إلى عميدين متقاعدين أحدهما يدعى “حيدر علي كنوج” وهو ينحدر من قرية الدردارية في ريف حمص، والآخر “يونس محمد سكر” من دمشق، وقضى مع زوجته وابنه وابنته في أثناء حضوره حفل تخرج نجله.

ومن بين القتلى أيضاً ضابط برتبة نقيب يدعى علي المنصور من قرية قرمص بريف مصياف في حماة، وكان يحضر حفل تخرج شقيقه، وقضى مع أفراد عائلته الموجودين معه، وضابط آخر برتبة رائد ويدعى “محمد مصطفى العكاري” وهو أيضاً جاء ليحضر حفل تخرج ابن شقيقه، وينحدر من قرية الروضة في ريف حمص.

وبالنظر إلى بقية القتلى فهم من الطلاب الخريجين من الكلية الحربية وأفراد من عوائلهم المدنيين، من بينهم نجلا ضابط في قوات النظام أحدهما كان من الطلاب المتخرجين، كما من بينهم 4 أفراد من عائلة واحدة من قرية تومين في ريف حماة وهي قرية مسيحية.

1

5 أسئلة عن تفجير الكلية الحربية.. هل تسرّع النظام باتهام الطائرات المسيرة؟

ومع تحليل لـ “تلفزيون سوريا” لبيانات القتلى تبين أن معظمهم ينحدر من ريفي حماة وحمص واللاذقية وطرطوس، وتحديداً من المناطق التي أعلنت موالاتها، للنظام السوري.

    مجد حسن أحمد وهو ملازم أول خريج، وشقيقته المهندسة وهما ابنا ضابط

    الملازم أول علي خالد سليمان، وينحدر من قرية الخرابة في طرطوس

    عبد الغني أبو شعر وهو مصور حربي لدى هيئة الاذاعة والتلفزيون

    العميد الركن باسم إبراهيم الحلاق، والد أحد الخريجين، وينحدر من قرية بعرين في ريف مصياف بمحافظة حماة

    العميد المتقاعد حيدر علي كنوج، وينحدر من قرية الدردارية في ريف حمص

    بسام حسن بدعة، مدني، وينحدر من قرية كفريش في ريف حمص 

    آية هيثم شاهين، ممرضة، وتنحدر من بلدة بستان الحمام بريف بانياس في محافظة طرطوس، وهي زوجة ملازم أول وشقيقة ملازم وشقيقة أحد الخريجين.

    جلال راتب الأزروني، طالب هندسة، وينحدر من صحنايا بريف دمشق، وكان يحضر حفل تخرج صديقه

    ربيع حامد السلوم، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية بيصين في ناحية الحميري بريف حماة

    إبراهيم حسين محمود الضامن، ملازم أول خريج من الكلية الحربية، وينحدر من مدينة صوران بمحافظة حماة

    علي جهاد محمد الضامن، ملازم أول خريج من الكلية الحربية، وينحدر من مدينة صوران بمحافظة حماة

    شوكت محمد نصار، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية معرين الجبل بريف حماة

    محمد القبة، والد الخريج حسين محمد القبة، مدني، وينحدر من بلدة المخرم الفوقاني ريف حمص، مع ابنتيه رنيم والطفلة ريما

    حيدر محسن، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية نيصاف بريف مصياف بحماة، وشقيقه الدكتور أمثل محسن، ووالده محسن محسن

    يوسف المحمد، مدني، والد الخريج الملازم أول صالح المحمد، وينحدر من قرية جب الجراح بريف حمص

    نورس عساف، مدني، والد خريج، وينحدر من قرية تومين بريف حماة، وقضى مع نجله إيفان، ملازم أول خريج، ونجليه استيفان وإيلي (مدنيان)

    النقيب محمد مصطفى العكاري، جاء ليحضر حفل تخرج ابن شقيقه، وقضى مع شقيقته عبير، وينحدران من حمص

    علي نديم ريحانة، ملازم أول خريج، وينحدر من مدينة سلحب بمحافظة حماة

    الطفلة زينة زهير شلهوب، وتنحدر من قرية بلقسة ريف حمص

    مناع سليمان المحمد، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية الحميري بريف حماة

    أحمد حسن المحمد، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية الحميري بريف حماة

    آية عمار الحايك، وشذى يونس الحايك، وتنحدران من اللاذقية

    حسن سليمان عيسى، مدني، من اللاذقية

    أحلام شحادة المسلم، مدنية، من اللاذقية

    رامز محمود أيوب، مدني، من اللاذقية

    أحمد علي خضور، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية ساقية نجم في ناحية سقيلبية بريف حماة، ووالدته عبير مرشد خرفان.

    عبير علي عبود، وشقيقتها ريم، وابنتها شهد أحمد، وينحدرون من قرية نشير بريف صافيتا في طرطوس

    نادين أحمد، وابنتها هنادي عبود، وينحدران من قرية نشير بريف صافيتا في طرطوس

    ابتسام كاسر ملحم، وابنتها فرح منذر حديدي، وابنها يوشع منذر حديدي، ملازم أول خريج، وجميعهم ينحدرون من قرية نشير بريف صافيتا في طرطوس

    حسين عيسى، مدني، وينحدر من قرية بيت ياشوط في اللاذقية

    أوس قيس نجيمة، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية الرويسة في اللاذقية

    الملازم معتز علي الشيخ، وينحدر من بلدة أم العمد بريف حمص

    محمد درغام الصالح، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية الموعة بريف حمص

    الملازم حازم دحام العباس، وينحدر من بلدة معدان بريف الرقة

    علي سمير بدور، مساعد احتياط، وينحدر من اللاذقية.

    حسين إبراهيم المنصور، مدني، والد متخرج، وابنه النقيب علي حسين إبراهيم المنصور، وابنه الثاني أحمد، وابنتاه هبة ومرام، وينحدرون جميعهم من قرية قرمص بريف مصياف في حماة

    غدير أحمد السالم، ملازم أول خريج، وينحدر من قرية الحراكي بريف حمص

    مصطفى يعقوب المطر، مدني، وينحدر من ناحية ربيعة بريف حماة، وحضر حفل تخرج أخيه وهو ابن أحد قتلى النظام.

    الملازم ماهر ماجد المحمد، وينحدر من قرية الحميري بريف حماة

    العقيد الركن يونس سكر مع زوجته ميادة عبد الكريم سليمان وابنته مروة وابنه الطفل جاد، وكان يحضر حفل تخرج ابنه، وهو من دمشق

كيف تخدم خلفيات القتلى النظام؟

حاول النظام منذ بداية الثورة السورية بإضفاء الصبغة الطائفية عليها وتحويلها إلى صراع طائفي، حيث من الأدوات التي استخدمها خلال هذه السنوات وهي الشحن الطائفي والمذهبي.

ونلاحظ أن منهجية النظام ذاتها تحيط بملابسات تفجير الكلية الحربية ومحاولة تصديره للإعلام على أنه “طائفي”، ليوهم مواليه أن الصراع مازال طائفياً بحتاً، في الوقت الذي اندلعت فيه الاحتجاجات في السويداء، وذلك لتخويف الطائفة الدرزية بشكل خاص والأقليات بشكل عام.

منذ بداية الحراك الشعبي في العام 2011 عمل النظام السوري على إضفاء الطابع الأمني على الهويات الطائفية للمجتمع السوري، وذلك في سبيل إلى تحويل الصراع عن مساره السياسي، وخلق مجموعات سلاحها الترهيب والقتل والتفجيرات، والتي ارتكبت مجازر تحمل صبغة طائفية والتي جاءت في خدمة مصلحة النظام في دعم سرديته عن الحرب الأهلية ومحاربة الإرهاب لإضفاء شرعية له في محاربة معارضيه، وهو ما وصل إليه، والذي تمثل في بيان “أدما ديينغ” مستشار الأمم المتحدة لشؤون منع الإبادة في كانون الأول/ديسمبر 2012

، والذي أبدى تخوفه بشأن “العلويين والأقليات” عموماً من هجمات انتقامية، ومن هذه المجازر والهجمات.

مجزرة قرية المبعوجة في ريف السلمية بمحافظة حماة، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، حيث قتل تنظيم داعش في آب/أغسطس 2015، أكثر من 30 مدنياً وسط تجاهل من ميليشيات النظام التي لم تتحرك لمساعدتهم.. المدينة شهدت مظاهرات سلميّة حاشدة ضد النظام، وقد استثمر النظام هذه الحادثة إعلامياً في معركته على “الإرهاب”، قبل أن يتراجع مقاتلو التنظيم من المنطقة.

ومثله هجوم “داعش” على بلدة مهين في ريف حمص، في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والتي كانت تحت سيطرة قوات النظام السوري، وعلى عدد من قرى محافظة السويداء والذي أسفر عن مقتل أكثر من مئتي مدني في 25 تموز/يوليو 2018، والذي جاء كرد على أهالي السويداء لرفضهم تطويع أبنائهم للقتال في صفوفه.

والأمر ذاته يحصل مؤخراً بالتزامن مع الاحتجاجات ضد النظام في السويداء، حيث وبحسب معهد دراسة الحرب (ISW)

، فقد أرسل “الحرس الثوري الإيراني” أكثر من 60 عنصراً إلى محافظة درعا، وذلك في سبيل قمع الاحتجاجات ومنع توسعها.

النظام السوري ما بين الفشل واستغلال الهجوم

نعى النظام السوري قتلاه وأشاد بتضحياتهم، وقام بتشييع جنازات رسمية للقتلى بمن فيهم المدنيون، في محاولة لإظهار وحدته والتسويق لنفسه دولياً أنه يدافع عن نفسه.

وعلى اعتبار أن رواية النظام صحيحة وأنه تعرض لهجوم من أكثر طائرة مسيرة، فإنه من الدقائق الأولى سارع بإلقاء المسؤولية على من وصفهم بـ”الإرهابيين” في سبيل التستر على فشله في حماية مؤسسة من مؤسساته العسكرية وفي حماية المدنيين فيها، بالرغم من أهمية الحدث وأهمية الرتب العسكرية التي كانت من بين الحضور، وذلك كي لا يبدو أمام مواليه ضعيفاً وأنه فاقد لزمام الأمور في البلاد، بدلاً من محاسبة المسؤولين.

وعلى وجه الخصوص برده السريع على الهجوم بهجوم انتقامي وجهه للمدنيين في الشمال السوري، بدعم من القوات الروسية، وذلك دون توقف.

من جانب آخر، إذا أخذنا الرواية الأخرى للمعارضة بأن الهجوم مفتعل من قبل النظام والميليشيات الإيرانية عبر مسيرات تابعة لها، النتيجة ستكون واحدة، أي أن النظام استغل هذا الهجوم سياسياً وفي الوقت ذاته أثار مخاوف مؤيديه من خطورة المسلحين والدول الداعمة لهم، كما قد يستخدمه لتبرير التصعيد العسكري ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، أو للضغط على الدول الداعمة للحل السياسي، أو للتشويش على المساعي الدولية لإنهاء الحرب.

يحاول النظام السوري مع تصاعد سقف المطالب في الاحتجاجات المستمرة في السويداء -والتي فندت رواياته السابقة في قمع الاحتجاجات إبان الثورة السورية، وحرف مسار الحراك- حسر رقعة الاحتجاجات، وإيهام الأقليات بعودة الخطر الذي يهدد وجودهم، وذلك لإعادة الالتفاف حوله، ولكي لا يخسر ورقة حماية الأقليات ويعود للتلاعب بها للحفاظ على سلطته.

—————————

بين “مدفعية” حلب و”حربية” حمص.. هل يسعى النظام السوري لشنّ هجومه الأخير؟/ أحمد طلب الناصر

لم تكدّ تمر ساعات قليلة على إعلان النظام السوري سقوط عشرات القتلى والجرحى فيما قال إنه “استهداف طائرات مسيّرة” للكلية الحربية بمدينة حمص، حتى صعّدت قواته هجومها المدفعي والصاروخي الذي أطلقته -بمشاركة سلاح الجو الروسي- على مناطق شمال غربي سوريا قبل يوم من حادثة الكلية، لتتضاعف بذلك نسبة القتلى والمصابين في صفوف المدنيين ولتتسع رقعة الدمار في تلك المناطق. 

فخلال الفترة التي أعقبت الانفجار الذي ضرب الكلية الحربية بحمص خلال حفل تخريج الطلاب الضباط بعد ظهر الخميس (الـ5 من تشرين الأول) وأودى بحياة نحو 90 شخصاً وإصابة أكثر من 270 آخرين، من الخريجين (28 طالب ضابط) وذويهم، وصولاً إلى صباح يوم الجمعة؛ قُتل 14 مدنياً وأصيب 73 آخرون بينهم 19 طفلاً و13 سيدة من جراء قصف “انتقامي” للنظام والروس طال أكثر من 15 مدينة وبلدة بريفي إدلب وحلب، وسط استمرار العملية الهجومية.

تفجير الكلية الحربية.. ذرائع لخطوات قادمة

تمثّل الحادثة الأخيرة واحدة من الحوادث الأشدّ وقعاً والأكثر إثارة للجدل خلال السنوات الـ13 الماضية، إلى جانب حادثة تفجير “خلية الأزمة” بدمشق (تموز 2012) التي راح ضحيتها كل من وزير الدفاع السابق داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، وغيرهم. وربما ستشكّل هذه الحادثة أهمية خاصة لدى نظام الأسد الذي سيسعى بلا شكّ إلى استثمارها سياسياً وعسكرياً ضد أطراف المعارضة السورية، كما جرت العادة.

واللافت للنظر أن وسائل إعلام مقربة من النظام السوري بدأت تسوّق -بُعيد استهداف الكلية الحربية مباشرة- لفكرة أن القصف التصعيدي لقوات الأخير وحلفائه متركّز على ما وصفته بـ “فصائل إرهابية تتحكم بتقنية الطائرات المسيّرة” في مناطق أريحا وجسر الشغور ومدينة إدلب وبنش وسرمين، مشيرة إلى أن تلك الفصائل تتمثل بـ “الحزب التركستاني وكتيبة المهاجرين”، كما ورد في قناة “الميادين

” اللبنانية.

وزعمت القناة أيضاً أنها حصلت على معلومات تفيد بأنّ “قطع طائرات مسيرة متطورة نُقلت إلى الفصيلين المذكورين قبل 3 أشهر، وفرنسا هي التي زودتهما بهذه التقنية”، وبأن تلك المعلومات “رصدت إطلاق طائرة مسيرة من مناطق سيطرة الحزب التركستاني، قبيل استهداف الكلية الحربية في حمص”.

أما إعلام النظام “الرسمي”، فلم ينسب الهجوم الذي وصفه بـ “الإرهابي” لأي فصيل أو جهة تنتنمي لأطراف المعارضة السورية، بالرغم من تأكيده على أنه نُفّذ بواسطة “طائرات مسيّرة تحمل ذخائر متفجرة استهدفت الكلية بعد انتهاء حفل التخريج مباشرة”.

بين “مدرسة المدفعية” والكلية الحربية

بالرغم من اختلاف تفاصيل الهجوم وأدواته وظروف وقوعه، فإنه يعيد إلى أذهان السوريين حادثة ما يسمّى بـ “مجزرة مدرسة المدفعية” في حي الراموسة بمدينة حلب (16 حزيران 1979). وقد أشرف على تنفيذ العملية حينذاك النقيب إبراهيم اليوسف الذي تمكّن من إدخال مجموعة من مقاتلي “الطليعة المقاتلة” إلى داخل مدرسة المدفعية، على رأسهم عدنان عقلة، حيث أطلقوا النار على قرابة 200 طالب ضابط (من أبناء الطائفة العلوية) ما أسفر عن مقتل 32 طالب ضابط وجرح 54 آخرين بحسب الرواية الرسمية للنظام السوري.

اببب

وفور تنفيذ العملية، وجّه النظام السوري أصابع الاتهام إلى حركة “الإخوان المسلمين” بذريعة أن فصيل “الطليعة المقاتلة” يمثّل الجناح العسكري للحركة، فشنّ حملة واسعة من الاعتقالات في صفوف الحركة بهدف استئصالها.

وفي أقل من أسبوعين على عملية المدفعية، بلغ عدد المعتقلين قرابة 6000 معتقل، بحسب “اللجنة السورية لحقوق الإنسان

” التي أشارت إلى أن محكمة أمن الدولة العليا (برئاسة فايز النوري) “سارعت إلى إصدار حكم على 15 شخصاً اعتقل بعضهم عام 1977 ولا علاقة لهم بكل ما حصل، وأعدموا في الـ27 من حزيران 1979”.

 واستمرت الحملة ضد الإخوان المسلمين بالرغم من نفي الأخيرين أي علم أو صلة لهم بالعملية في بيان وزعوه بتاريخ الـ24 من حزيران ذلك العام حمل عنوان: “بيان من الإخوان المسلمين للواقع والتاريخ حول حادثة مدرسة المدفعية بحلب”، جاء فيه:

 “إن الإخوان المسلمين فوجئوا كما فوجئ غيرهم بالحملة التي شنها عليهم عدنان دباغ (وزير الداخلية السوري حينذاك) متهماً إياهم بالعمالة والخيانة وغير ذلك، ومحملاً إياهم مسؤولية المذبحة التي حدثت في مدرسة المدفعية وهم براء منها، كما حملهم مسؤولية الاغتيالات التي جرت وما زالت تجري في سوريا”.

وأضاف البيان أن “النقيب إبراهيم اليوسف الذي نفذ حادثة مدرسة المدفعية معروف أنه عضو عامل في حزب البعث السوري، وليس له أي صلة بالإخوان المسلمين. فلماذا ينسب عمله إلى الإخوان المسلمين؟ ثم إن السلطة تعرف أن هناك أوراقاً خلفها، أصحاب الحادثة تبين هويتهم، وأن لا صلة لهم بالإخوان المسلمين”.

إلا أن نظام الأسد الأب، وعلى الرغم من بيانات النفي المتكررة للإخوان، استمر في الحملة ضدّهم، والتي بلغت أوجها عقب محاولة اغتياله الفاشلة، من خلال المجزرة التي ارتكبت بحق المئات من معتقلي الإخوان المسلمين داخل سجن تدمر العسكري عام 1980. ثم المجازر اللاحقة التي طالت مختلف المدن السورية وفي مقدمتها مدينة حماة التي قتل فيها ما بين 40- 60 ألف مدني خلال شهر شباط 1982.

هل يسعى النظام السوري إلى استحضار “المدفعية”؟

بالعودة إلى تفجير الكلية الحربية الأخير، ومع استبعاد إمكانية تنفيذ هجوم “الطيران المسيّر” من قبل مختلف فصائل المعارضة، أو الجماعات “الجهادية” التي عادةً ما يستعملها النظام لتبرير قصفه المستمر للمدنيين في مناطق شمال غربي سوريا، وذلك لأسباب عديدة يتمثل أولها في افتقار تلك الأطراف للطائرات المسيرة (المذخرة) واقتصارها على “درونات” بسيطة الصنع غالباً ما تستخدم لأغراض الاستطلاع ذات المدى القريب.

وبحسب تقرير لموقع تلفزيون سوريا، فمن خلال إلقاء نظرة سريعة على خريطة السيطرة بسوريا، نجد أن أقرب نقطة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غربي سوريا، يفصل بينها وبين الكلية الحربية، القريبة من حيّ الوعر بحمص، أكثر من 70 كيلومتراً، وهي مسافة يستحيل قطعها من قبل تلك الدرونات “محلية الصنع”. وحتى في حال تمكنت من تجاوز تلك المسافة، فإن الذخيرة التي يفترض أن تحملها لا تكفي لجرح شخص أو عدة أشخاص على أبعد تقدير.

    “من أين أتت المسيرات الهجومية”؟

    مغالطات حول رواية النظام عن تفجيرات الكلية الحربية في حمص#نيو_ميديا_سوريا

#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/MPUPwFLBhL — تلفزيون سوريا (@syr_television)

October 5, 2023

ومع تراجع هول الصدمة التي تلقاها الشارع السوري، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بدأ الناس بتداول أحاديث قسمٌ منها يحمّل مسؤولية الانفجار الكاملة على “القيادات الإيرانية بالدرجة الأولى، يليهم الروس، وبعلم من بعض قيادات الدائرة الضيّقة لنظام الأسد. بينما دعا فريق واسع من الموالين إلى (الانتقام) وقصف مناطق المعارضة السورية وقتل سكّانها، نتيجة حالة التجييش التي خلّفتها العملية والتي تصبّ في مصلحة النظام”، بحسب ما يفيد مصدر محلي لموقع تلفزيون سوريا (اشترط عدم الكشف عن اسمه).

    “لازم الكل يبكي دم”

    موالون للأسد يطالبون بالانتقام من إدلب وأهلها

    وناشطون يردّون: ابحثوا عن المُستفيد#تلفزيون_سوريا

#نيو_ميديا_سوريا

WARNING: This video contains graphic content and may be upsetting to some people pic.twitter.com/LV7WX5ieG6 — تلفزيون سوريا (@syr_television)

October 6, 2023

ويعبّر المصدر الذي عاصر حادثة مدرسة المدفعية قبل نحو 44 عاماً، وهو من أبناء مدينة اللاذقية، عن الحالة التي أفرزتها “المجزرة” فيقول: “أسهمت حادثة مدرسة المدفعية في تصاعد حالة التوتر بيننا (السنة) وبين (العلويين) في المدينة وفي المناطق المختلطة الأخرى. وكحالة طبيعية، كان لا بد من إعلان إدانتنا لها ومعاداتنا الكاملة لحركة الإخوان المسلمين المتهمة المباشرة بارتكاب المجزرة، بحسب ما تم تداوله حينذاك”.

ويضيف: “ذلك الموقف الذي تمكّن نظام حافظ الأسد من زراعته بداخلنا تجاه الإخوان لمدة كافية من الزمن، ساهم بصورة أو بأخرى في التفاف شريحة واسعة من مختلف أطياف السوريين حول النظام، كشكل من أشكال التعاطف لما حصل في حادثة المدفعية، وكتعبير عن رفض المجتمع السوري لكل أشكال الطائفية. ونجح الأسد الأب في استغلال حالة العزل التي أصابت حركة الإخوان ليعمل على الانتقام ليس من أعضائها فقط، وإنما من كل سوري يفكّر في مناهضته!”.

ومن هنا، يرجّح المصدر أن يكون التفجير الأخير عبارة عن “استحضار لخطة مدرسة المدفعية، خاصة أن غالبية ضحايا الكلية الحربية بحمص –سواء من الطلاب الضباط أو من المدنيين- هم من أبناء الطائفة العلوية، وبأن الجهات المسؤولة عن (الطائرات المسيّرة) المزعومة تنتمي لجماعات إسلامية متشددة، ضمن حالة تحاكي ما حدث في مدرسة المدفعية بحلب، في محاولة لرئيس النظام في إعادة تجميع الموالين من طائفته ومن بقية أبناء المكونات السورية بعد انفضاض غالبيتهم عنه، نتيجة الحالة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المترديّة التي وصلت إليها البلاد، بالرغم من الانتصارات العسكرية المفترضة والتي حققها بمساعدة الروس بعد 2015”.

ختاماً، يبقى التساؤل المطروح على الساحة الآن: بمعزل عن الجهة الحقيقية المسؤولة عن الهجوم الأخير، هل سينجح النظام في استقطاب الأطراف السالفة؟ وهل سيسعى مع حلفائه إلى شنّ “هجوم أخير” على مناطق شمال غربي سوريا بذريعة استئصال الجماعات “المتشددة” والمتحكمة بالطائرات المسيّرة “المزعومة”، وصاحبة الاستهداف الفاقد للأدلّة على الكلية الحربية؟ وما المصير الذي سينتظره في حال الفشل؟

———————————-

من المجرم الحقيقي..؟/ بقلم العميدالركن أحمد بري*

رئيس أركان الجيش الحر سابقا

فور وقوع جريمة الكلية الحربية بحمص، سارع الكثيرون، ومن مختلف الأطراف إلى تناول ما حدث بالتحليل وإعطاء الرأي عما حدث، ومن المستفيد من ذلك؟ ومن بمقدوره تنفيذ هذه المجزرة؟! طبعاً كل حسب وجهة نظره وقناعاته ومعرفته والخبرة التي يمتلكها، إن لم نقل كل من بدأ شد الحبل لناحه بحسب المثل المعروف، مفرغاً ما في جعبته بالطريقة التي يراها مناسبة من وجهة نظره.

بعض وأولهم النظام قال إن طائرات مسيرة للمعارضة ( التنظيمات الإرهابية بحسب تسميته لفصائل المعارضة) أو تركيا من نفذ هذا القصف عبر مسيرة مذخرة، ليسارع فوراً إلى قصف المناطق المحررة مرتكباً مجازر جديدة بحق المدنيين، كي يبعث برسالة  لحاضنته في حمص والساحل مفادها أن من قتلكم في الكلية الحربية وقتل أبناء كم  هم هذه  المعارضة “الإرهابية”، وها قد انتقمت لكم

وبعض آخر نسبها لإيران، وكذلك فعل آخرين الذين نسبوها إلى جهات غير معروفة.

ولكن في المحصلة أن  الشعب السوري هو الذي دفع ويدفع الثمن سواء كان معارضة أو موالاة .

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، من هو المجرم الحقيقي الذي نفذ هذا الهجوم وكيف ؟؟؟.

لو استعرضنا واقع المنطقة كما سبقني كثيرين بتشخيصها لوجدنا أن الكلية الحربية بحمص محاطة بشبكة منظومة قوية من وحدات الدفاع الجوي تبدأ من دير عطية جنوباً إلى اللواء ٩٩/د .ج، واللواء ٦٦/د.ج شمالاً والمنتشرين في محافظة حماة، وإلى الغرب توجد ألوية صواريخ تنتشر من مصياف إلى منطقة القصير وتغطي مطار الضبعة، أما شرقاً فهناك فوج صواريخ له ميزات خاصة ينتشر في مسكنه ويغطي كلية الدفاع الجوي وباقي وسائط الدفاع الجوي المنتشرة  بمحيط مستودعات شنشار ومطار الشعيرات ومستودعات تل شنان وكلية الهندسة بالمشرفة ومنطقة تلبيسة، فماذا يعني كل ذلك؟ يعني أن الطائرات الحربية لايمكنها التحليق والمرور، فكيف بطائرات مسيرة لايزيد وزنها عن بضع كيلو غرامات، وتسير ببطئ شديد، إلا إذا كانت مرسلة من مطار الضبعة الذي تسيطر عليه الميليشيات الإيرانية أو من منطقة السعن الأسود جنوب شرق تلبيسة  والتي لاتبعد عن الكلية الحربية أكثر من ١٠ كم .

وبحسب ما ذكرت بعض المصادر ومن داخل أجهزة النظام نفسه، أنه فعلا كان هناك طيران مسير في الأجواء ولكن ليس بمهمة القصف، بل بشكل روتيني حسب ما أبلغت أجهزة الأمن وزير دفاع النظام، لذا من المحتمل أنها أدت دور حرف الانتباه عن منفذي الهجوم الحقيقين، وبالتأكيد كانت هذه المسيرات إيرانية كما شهد بذلك العميد غسان عاقل قائد الدفاع المدني في حمص، وهو من قرية فاحل في الريف الغربي لحمص.

وعند انتشار المسيرات في سماء المنطقة طلب وزير دفاع النظام راعي الحفل التوضيح، من أجهزة الأمن حول ما يجري وسبب وجود هذه المسيرات من ضباط الأمن المتواجدين لحظتها في الكلية الحربية، فجاء الرد على لسان رئيس فرع الأمن العسكري، بأنها طائرات مسيرة إيرانية ووجودها روتيني .

وهنا لابد من الأشارة أنه وفي هكذا مناسبات، على غرار تخريج دفعة طلاب ضباط تنتشر عناصر الأمن (المخابرات بمختلف فروعها ) قبل عدة أيام ويشرفون بشكل كامل على كامل الترتيبات المتعلقة  بالاحتفال وتسحب كامل الصلاحيات من أيدي ضباط الكلية وعناصر الحراسة الخاصة بها، لتتولى أجهزة الأمن هذه المهمة .

وما الذي حصل؟ فبعد استفسار وزير دفاع نظام الأسد عن المسيرات بقليل اقترب منه العميد ( سليمان قنا ) رئيس فرع المخابرات العسكرية بحمص ومعه العميد ( سمير صارم ) رئيس فرع المخابرات الجوية بحمص وهمسا في أذنه، لينهض الوزير على الفور، وتكليف نائبه بإلقاء كلمة راعي الحفل، مغادراً المنصة الرئيسية على الفور، وبعد مغادرته بقليل غادر معظم المسؤولين المنصة، ووقع الانفجار بعد مغادرة الوزير بـ ٤٢  دقيقة، ومن ثم بدأ إطلاق نار غير معروف مصدره، ولم تتم قراءة كلمة راعي الحفل وألغي عرض نهاية الحفل بحسب ما قيل..

وتاسيساً على ما تقدم من نستنتج أنه ليس هناك استخدام لطائرات مسيرة مذخرة ارتكبت المجزرة وإنما كان دورها إشغال الحضور وتشتيت انتباههم، لا سيما وأن   الطائرات المسيرة ليس بمقدورها ولا تستطيع حمل رشاشات من أي نوع ولا تحمل سوى قنابل وصواريخ صغيره وهذا لم يستخدم بتاتاً من خلال مشاهدة الفديوهات، وحسب شهادة الشهود، خاصة إذا علمنا أن أكثر من ٤٠ شخصاً  قتلوا بالعيارات النارية ومعظمها في الرأس والصدر، وذلك بشهادة ضباط صغار نتمنع عن ذكر أسمائهم لأسباب أمنية من داخل الكلية حيث سربوا لنا معلومات تؤكد  أنه حدث إطلاق نار كثيف لم يستطيعوا تحديد الفاعلين بسبب الانفجار المفتعلة وإطلاق النار الغزير، وأن القتلة كانوا على معرفة تامة بمكان الانفجار ويقفون بمكان أمن.

من جانبه الدكتور ناصر النقري وهو من ناحية رام العنز غرب حمص شمال أوتستراد حمص طرطوس، حيث أكد أن هناك ( ٦ ) أشخاص مجهولي النسب والهوية من حزب الله اللبناني، كانوا قد دخلوا قبل أيام من لبنان عن طريق القصير واستقروا في حمص.

وقد وجه الدكتور ناصر النقري وهو من الطائفة العلوية ومن شرفائها وما أكثرهم!!! أصابع الاتهام إلى كهنة الشيعة في ايران وإلى خنزير الضاحية. بالتواطئ مع رؤساء الأفرع الأمنية في حمص بالإرتباط مع قيادتهم بدمشق.

ماهي الغاية من هذه المجزرة التي نفذها النظام بالتنسيق الكامل مع الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني:

أولاً: كي يخلط الأوراق ويقول لحاضنته انتبهوا فأنتم مستهدفون ويريدوا قتلكم.

ثانيا : لتحويل أنظار الداخل والخارج عن حراك السويداء وتقويضه.

ثالثا : إتهام المعارضة بهذا العمل من أجل زيادة نقمة حاضنته عليها وشد عصبهم إليه بعد أن بدأ يفقدها  .

رابعا: توجيه أصابع الاتهام إلى تركيا كونها هي اول دولة في العالم تقريبا بتصنيع المسيرات وطائرات الاستطلاع  .

خامساً : ضرب وتعطيل أي توافق تركي روسي ..

ماهو هدف إيران وحزب الله اللبناني من هذا العمل :

أولا: هدف إيران واتباعها ميليشياتها الأول هو قتل الشعب السوري بغض النظر عن انتماءاته وطائفته ففي عام ٢٠١١ وتحديداً في شهر أيار أي الشهر الثالث للثورة تم إكتشاف وجود عناصر إيرانيين متواجدين داخل مأذنة أحد مساجد حماة المطلة على ساحة

العاصي، ويقومون بقنص المتظاهرين بدون معرفة هوياتهم، علما أن المظاهرات كانت تضم كل فئات الشعب ( المسلم ومن مختلف الطوائف  وكذلك المسيحي بمختلف طوائفه )، إذا المهم هو قتل الشعب السوري.

ثانيا : إثبات وجود لإيران وإظهار سيطرتها على سورية من دون رادع.

ثالثا : أبعاد العنصر الروسي وإظهاره بالمظهر الأضعف وتحييده .

رابعاً : توجيه رسالة للنظام ولكافة المتواجدين على الساحة السورية أنها الأقوى وأنها قادرة للوصول لأي هدف ولأي شخص تريده .

وبعد هذا العرض الذي قدمته أؤكد للجميع أن من قام بهذا العمل الإجرامي وحسب رأي ورأي الكثيرين من تشاورت معهم، هي إيران بالتواطئ مع شخصيات من داخل الدائرة الضيقة للنظام وعلى رأسهم المجرم بشار الأسد..

—————————

اشتعلت في سوريا بين الخصوم والحلفاء!/ علي حمادة

تعتبر عملية القصف التي قامت بها مسيرات مجهولة الهوية على الكلية الحربية في حمص تطوراً دراماتيكياً على جانب كبير من الخطورة. فقد أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص خلال حفل تخرج دورة ضباط. وحتى كتابة هذه السطور لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية. في العادة عندما يكون تنظيم “داعش”، أو أي تنظيم إسلامي متشدد خلف عملية من هذا النوع، يصدر إعلان صريح بالمسؤولية من الجهة الفاعلة، أكانت حقيقية أم وهمية أم مكلفة بها نيابة عن طرف ثالث. في حالة قصف الكلية الحربية لم نسمع لغاية كتابة هذه السطور أي كلام عن جهة مسؤولة. ولذلك حفلت الساعات الأولى بعد العملية بجملة من التحليلات والتنظيرات، من دون أن يكون لأي منها ثقل كاف أو سند مقنع لكي تعتمد. ومن هنا يجب التروي قليلاً وجمع المعلومات من مصادر عدة قبل المجازفة في الحديث عن الجهة الفاعلة.

لكن بالرغم من أن الجهة الفاعلة لا تزال مجهولة، لا بد من التوقف قليلاً عند مغزى عودة الأعمال الحربية والأمنية في سوريا، لا سيما أن ما حصل في حمص البارحة تزامن مع قيام تركيا بشن عمليات قصف جوي بالمسيرات على منطقة واسعة من الشمال والشرق السوريين، حيث تتمركز “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي تتهمها أنقرة بأنها واجهة لـ”حزب العمال الكردستاني”.

وسبق القصف التركي المكثف على مناطق نفوذ قسد إعلان تركيا أن منفذي الهجوم في أنقرة صباح الأحد الماضي قدما من مناطق “قسد” في الشمال السوري. وقد اعتبرت السلطات التركية هذه المعلومات إجازة لإطلاق سلسلة غارات عنيفة على الشمال السوري، بلغت حافة الاصطدام بالقوات الأميركية المرابطة في تلك المناطق، خصوصاً عندما حلقت المسيرات التركية في دائرة قريبة من قواعد أميركية. وتفاقم الوضع مع قيام الطيران الأميركي بإسقاط مسيرة نفى الأتراك أن تكون تابعة لهم، فيما أصرّ الأميركيون على أنها تركية. هذا تطور خطير بين حليفين ضمن حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وإذا صحت الرواية الأميركية فقد يكون إسقاط المسيرة التركية رسالة أميركية لأنقرة مفادها أن واشنطن لن تسمح لها بتغيير موازين القوى القائمة في سوريا، وخصوصاً في الشمال السوري.

ثمة من يعتبر ما حصل أمراً خطيراً للغاية. فالأميركيون يشتمُّون أن ثمة تقاطعات بين تركيا والنظام السوري والإيرانيين في ما يتعلق بالموقف من الفصائل الكردية، وفي مقدمها “قسد” التي تعمل تحت عباءة القوات الأميركية في سوريا. وقد تجلى ذلك منذ أن اندلعت الاشتباكات في شرق الفرات بين بعض العشائرالعربية و”قسد”، وتقاطع أعداء الأمس على دعم العشائر ضد “قسد”، وبالتالي تعريض المصالح الأميركيةللخطر. وقد جازفت تركيا بالتقاطع مع الإيرانيين والنظام في وقت كان الأميركيون يعدّون العدة لعمليةالتضييق على الممر الإيراني بين القائم والبوكمال. ومعلوم أن الاشتباكات المشار إليها أخّرت العملية، وربما أجهضتها بتواطؤ تركي شبه معلن.

والآن تبدو الصورة في سوريا، وكأن ثمة خلطاً للأوراق في كل مكان، مؤداها إعادة توزيع للأوراق على الطاولة السورية التي صارت أكثر من أي وقت مضى ساحة لتصفية الحسابات، وصندوق بريد تستخدمه مجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين. بمعنى آخر، وعلى العكس مما قيل إن حرب سوريا ، نقول إن سوريا في قلب حرب ستطول كثيراً!

*نقلا عن “النهار العربي”

——————–

ما الرابط بين هجوم حمص وتفجير أنقرة؟/ عمر قدور

استهدف هجوم انتحاري وزارة الداخلية التركية في أنقرة يوم الأحد الفائت، ثم استهدفت طائرات مسيَّرة الكلية الحربية في حمص، فكانت نهاية دموية لحفل تخرّج ضباط جدد يوم الخميس. الربط بين الانفجارين ستتولاه بسرعة القوات التركية وقوات الأسد، فيوم الخميس كانت قوات الأسد تقصف إدلب وأريافها وبعض قرى وبلدات ريف حلب، بينما كانت المسيّرات التركية تستهدف عشرات المواقع تحت سيطرة قسد التي تعتبرها ذراعاً لحزب العمال الكردستاني المتهم بتدبير هجوم أنقرة. أي أن الردّ على الهجومين أتى في الأراضي السورية، قبل أن تثبت السلطات التركية صلة مباشرة بين قسد وهجوم أنقرة، ومن دون أن يقدّم الأسد أي دليل على أن المسيّرات انطلقت من الأماكن التي راحت قواته تقصفها، وهو كما نعلم لم يقدّم يوماً أي دليل على أية مزاعم.

لا نذهب بما سبق إلى المساواة بين الرواية التركية عن التفجير في أنقرة ورواية الأسد عن هجوم حمص، إذ يبدو بديهياً أن تُقابل روايات الثاني بالتكذيب، أما في الحرب بين أنقرة وحزب العمال فقد تبرّعت الرؤوس الحامية في الثاني بخدمة الدعاوى التركية المتعلقة بوصم الحزب بالإرهاب. بل لطالما وجّه أكراد اتهامات فحواها أن الحزب مختَرق بالمخابرات التركية، وكذلك بعض كوادره العاملة مع قسد، وقامت هذه الظنون على عمليات نفّذها الحزب وخدمت سياسات أنقرة على حساب الأكراد. على سبيل المثال، تسهّل العملية الجديدة على الحكومة الحصول على تفويض جديد من البرلمان لتمديد مهام القوات التركية في العراق وسورياً، مع التذكير بأن التفويض السابق ينتهي في الخامس والعشرين من هذا الشهر.

التهديدات التركية الموجّهة إلى حزب العمال وقسد ليست بالجديدة، ويتم تأكيدها إثر كل عملية من هذا النوع، مع هامش من المناورة يبرر ردّ فعل أنقرة إذا قامت بعملية برية أو إذا اكتفت بالقصف من بعيد. أما في جهة الأسد، فمن الواضح أن الإسراع في استغلال هجوم حمص يشي بما هو مدبَّر سلفاً، وذلك يتعدّى عمليات القصف الفورية في إدلب وغيرها إلى إعلان الحداد لثلاثة أيام، ورافق التضخيم الإعلامي نشاط موالٍ على صفحات التواصل الاجتماعي، وكأن ثمة إعداد لعمل “عسكري بالطبع” يفوق العمليات المعتادة.

واختيار هدف الكلية الحربية في حمص له إرث معنوي، إذ يذكّر بمجزرة مدرسة المدفعية في حلب صيف 1979، وفيها قتل تنظيم الطليعة المقاتلة عشرات طلاب الضباط المنحدرين من المذهب العلَوي. بموجب هذا الاستحضار، هناك ظن على نطاق واسع أن الأسد يريد شدّ قاعدة مؤيديه بين العلويين، ملوِّحاً لهم بالخطر السُني في وقت يصعب فيه تحشيدهم لجولة جديدة واسعة من القتال من دون تعبئة استثنائية. والتلويح بالتطرف السُني قد يستهدف أيضاً باقي الأقليات المتخوّفة منه، أو قسماً منها على الأقل يُستخدم مقابل القسم الآخر.

حدوث عمليتي أنقرة وحمص على التوالي، وردَّي الفعل على الساحة السورية، يوحيان بصفقة ما. ومن المعلوم أن التكهنات راجت في العديد من المناسبات السابقة حول صفقة تحصل بموجبها أنقرة على أراضٍ تسيطر عليها قسد حالياً، في منبج أو كوباني تحديداً، مقابل حصول الأسد على مواقع جديدة في إدلب. نقطة الضعف في فرضية هذه الصفقة بمفردها أنها لا تتطلب عملاً دعائياً ضخماً من نوع الهجوم على الكلية الحربية في حمص، والأسد لا يحتاج رصّ صفوف مؤيديه لمهاجمة أماكن سيطرة الجولاني، الأمر الذي يفتح على احتمالات أوسع لاستخدام العنف.

قد تكون هناك صفقة كتفصيل يحتاج تفاهماً مع أنقرة، وفيما عداه نحن لا نعلم أين سينفجر خزان العنف. فمنذ رفعه أسعار الوقود قبل أسابيع يعيش الأسد أسوأ أيامه داخلياً، وانتفاضة السويداء تعبير عمّا يجول في أذهان معظم الباقين تحت سلطته، وكان يمكن للاحتجاجات أن تتوسع لولا استنفار أجهزة المخابرات في الساحل وحلب وسواهما.

في غضون الأسابيع ذاتها، فشلت محاولات تقسيم المجتمع في السويداء، فشيخ العقل يوسف الجربوع توارى، بعدما أعلن موالاته وانتقد المتظاهرين، لتبقى الساحة لخطاب الشيخين الهجري والحناوي المعارض. أيضاً فشلت محاولات تركيب زعامات دينية درزية من خارج السويداء، من صحنايا وجرمانا في ريف دمشق، وكذلك استجلاب دعم درزي من أنصار الأسد في لبنان، ليفشل أخيراً في حشد أي دعم باستغلالِ موالٍ من عائلة الأطرش تحت عباءة الإمارة التقليدية.

أي أن الأسد لم يترك الانتفاضة بلا تدخل منه على أمل أن يشعر المحتجون باليأس، كما هو الظن الشائع، وإنما واظب على محاولة تقسيم المجتمع المستهدَف تمهيداً لنهجه المفضَّل. أما في الجوار، فقد انكفأ الأسد عن استخدام العنف ضد درعا بعدما باشر فيه لحظة تجدد الاحتجاجات، وهذا لا يبقي المدينة وريفها خارج لحظة الانتقام، خاصة مع الغزل البارز بين درعا والسويداء بخلاف ما حاول الأسد تعزيزه دائماً من فُرقة بين جبل حوران وسهله.

وما يزيد في الخشية أن حسابات موالية على وسائل التواصل نشطت بسرعة بعد هجوم حمص، لتشنّ حملة على السويداء بزعم اصطفافها مع “الإرهابيين”، رغم أن المنتفضين فيها وقفوا مساءً دقيقة صمت حداداً على ضحايا حمص وإدلب التي استهدفها طيران الأسد. كأنما نشطت تلك الحسابات بإيعاز ليؤكد من يديرها على عدم وجود موقف وسطي بين الأسد والمعارضة، حيث يُفهم التأكيد كإنذار للسويداء كي يعود أبناؤها إلى بيت الطاعة أو يلاقوا مصير “الإرهابيين”.

بالطبع إذا كانت هناك نية لاستخدام العنف على نطاق واسع فهي لا تتطلب تعبئةً طائفية فحسب، وإنما ينبغي أن تكون مدعومة أصلاً بقرار من الحليفين الروسي والإيراني، بسبب الحاجة لطيران الأول، وبسبب الحاجة الملحّة لميليشيات الثاني. ولا نبالغ في القول أن “الفصائل المعارضة” والجهادية جاهزة لتسهيل هذا المخطط، فهي لم تنفِ مسؤوليتها عن استهداف الكلية الحربية، إذا لم تكن واحدة منها مسؤولة حقاً. ومن المتوقع بقاؤها على انعدام الحساسية تجاه ما يحدث بين تركيا وقسد، رغم أن ما تقبضه أنقرة هناك يكون ثمنه كارثة إنسانية على الجهتين.

في كل الأحوال، يوحي الزخم الذي تعاطى به الأسد مع هجوم حمص بوجود ما هو مدبَّر، والمصيبة أنه دائماً كذَّبَ أسوأ الظنون فقط بإتيانه بما هو أسوأ.  

المدن

———————-

“هجوم الكلية الحربية” بحمص.. لماذا تثير رواية النظام الشكوك؟

مضى 24 ساعة على “هجوم المسيّرات” الذي استهدف الكلية الحربية بحمص، دون أن يحدد نظام الأسد “جهة بعينها” تقف وراء الحادثة غير المسبوقة.

ورغم أنه أصدر بياناً رسمياً وتحدث عن “اعتداء إرهابي” أثارت الرواية الرسمية شكوك مراقبين وضباط منشقين عن جيش النظام.

وأسفر “الهجوم” حسب وزير الصحة في حكومة الأسد، حسين الغباش عن مقتل 89 من طلاب الضباط المتخرجين من “الكلية الحربية” ومدنيين من أقربائهم، بينما تجاوز عدد المصابين حاحز 270 مصاباً، توزعوا على مختلف مشافي البلاد، منذ ظهر يوم الخميس.

والهجوم هو الأول من نوعه الذي يستهدف الكلية الحربية المحاطة بتجمع ثكنات عسكرية في حمص وسط سورية.

وتخضع مدينة حمص بالكامل لسيطرة نظام الأسد، بينما تقع “الكلية الحربية” بالقرب من حي الوعر الحمصي في منطقة أمنية وعسكرية بامتياز، وتتموضع فيها العديد من الثكنات العسكرية، التي يصعب الوصول إليها، ليس فقط في الوقت الحالي، بل قبل انطلاقة الثورة السورية عام 2011.

ولم يحدد النظام حتى الآن الجهة المسؤولة عن “الهجوم”، كما لم تنشر وسائل إعلامه صوراً لـ”الطائرات المسيرة” التي استهدفت الطلاب الضباط على المنصة، أثناء التقاط الصور مع ذويهم، بعد انتهاء حفل “التخريج”.

كما لم يحدد النظام أيضاً عدد “المسيّرات” ونوعها والاتجاه الذي جاءت منه، وما إذا كانت أنظمه دفاعه الجوية قد تعاملت معها خلال اقترابها من “حفل التخريج”، والذي يجرى في كل عام، ويحضره مسؤولون كيار من وزارة الدفاع، على رأسهم الوزير.

    24hrs on from the attack on #Homs Military College & we’ve had no images of “suicide drone” wreckage, debris or anything — which is a little strange & certainly very unusual.

    The lack of evidence is driving all manner of speculation about #Assad false flags. https://t.co/R7tPhfhDLr

    — Charles Lister (@Charles_Lister) October 6, 2023

“أسئلة دون أجوبة”

وعلى مدى السنوات الماضية وحتى في أعقاب انطلاقة الثورة السورية وتحولها لحراك مسلح، كانت “الكلية الحربية” في حمص بعيدة عن مسرح المواجهات، رغم أنها قريبة من حي الوعر، الذي سيطرت عليه فصائل المعارضة لسنوات، قبل أن تخرج منه بموجب اتفاق، عام 2017.

وبعدما أحكمت قوات النظام سيطرتها على كامل حمص، قبل 6 سنوات، مكللّة ذلك بالدخول إلى حي الوعر تحولت مدينة حمص إلى منطقة نفوذ خالصة لنظام الأسد، كما هو الحال بالنسبة للعاصمة دمشق وحماة وطرطوس واللاذقية.

ولذلك تطلق رواية وزارة دفاع الأسد بأن ما حصل “هجوم بالمسيرات” تساؤلات عن كيفية وصولها إلى منطقة “الكليات الحربية” غربي حمص، ولاسيما أن المدينة بعيدة عن خطوط الجبهات سواء في الشمال أو الشرق بمسافة تزيد عن 100 كيلومتر.

ويقول الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن مصطفى، إنه “وفي حال صحّت رواية النظام  وبأن لديه معلومات استخباراتية عن تحضيرات لاستهداف الكلية لماذا لم تتفعل منظومات الدفاع الجوي؟”.

ويضيف مصطفى لموقع “السورية.نت”: “وحتى إذا فعلها فهي فشلت باعتراضها كما تشير المعطيات الأولوية”، مشيراً إلى أنه يرى ضلوعاً لنظام الأسد في الحادثة.

وتحظى “الكلية الحربية” برمزية عند نظام الأسد، وفي الوقت الحالي “تمثل رمزاً لجيش النظام ولها قدسية في أوساطه”.

وبغض النظر عن الجهة المسؤولة، يعتقد المحلل العسكري، العقيد المنشق عن النظام، فايز الأسمر أن “استهداف الكلية الحربية كمعقل من معاقل النظام، والتي تخرّج سنوياً أكثر من 1500 ضابط باختصاصاتهم المختلفة يعد خرقاً أمنياً كبيراً”.

ويقول الأسمر لموقع “السورية.نت” إن “رواية النظام حول الحادثة بأن المنفذين هم جماعات إرهابية مدعومة من أطراف خارجية مشكوك فيها”.

وحتى الآن تضع الحادثة الكثير من إشارات الاستفهام، حسب الأسمر، ويتابع: “كيف وصلت هذه الطائرات المسيرة إلى مبنى الكلية الحربية، والذي من المفترض أن يكون محاطاً براً وجواً بإجراءات أمنية مشددة وعالية المستوى؟”.

    بخصوص استهداف الكلية الحربية في حمص؛ ومن خلال متابعة الاعلام الايراني، هناك جملة من الملاحظات:

    – منذ أيام، و إعلام إيران و أبواقها تتحدث عن امتلاك فصائل المعارضة لطائرات مسيرة.

    – منذ أيام وإيران تروّج- على لسان صحفي قناة الميادين/ حسين مرتضى/ المتفرّغ الشأن السوري،

    بأن “…

    — يحيى العريضي (@yahya_alaridi) October 5, 2023

ومناسبة “تخريج الطلاب الضباط” عادة ما يحضرها وزير الدفاع كممثل للقائد العام للجيش، إلى جانب قادة أمنيين وسياسيين وسفراء دول، وملحقين عسكريين”.

وكما أشار الباحث مصطفى يوضح العقيد الأسمر متسائلاً: “أين الاعتراض لهذه المسيرات؟ وأين غابت وسائط الدفاع الجوي للنظام والروس والإيرانيين؟، التي تعج فيها مدينة حمص وأطرافها”.

ولا يمكن أن يكون “الهجوم” قد نفذ بطائرة واحدة، وأسقط كل هذا الكم من القتلى والجرحى، و”إما أن تكون هناك عدة طائرات مشاركة أو كانت هناك عبوات ناسفة مزروعة في المكان وتم تفجيرها في الوقت نفسه”.

ويتابع العقيد المنشق: “أين قراءة قاعدة حميميم، وقراءات الرادارات الموجودة في المنطقة. الروس لديهم الإمكانيات التقنية لتحديد المكان الذي أقلعت منه والكريدور الجوي ونوع الطائرات المسيرة”.

“لا صور ولا توثيق”

وبين عام وآخر تشهد “الكلية الحربية” احتفالاً لتخريج الطلاب الضباط، وخلال السنوات الماضية كانت تنشر الكثير من الصور والتسجيلات المصورة التي توثق هذه اللحظة، التي يتابعها ويسلط النظام الضوء عليها بأهمية بالغة.

لكن ومنذ لحظة تنفيذ “هجوم المسيّرات” لم يُنشر إلا تسجيلين مصورين، أظهرا اللحظات الأولى ما بعد الهجوم وظهر فيها عدد من الضحايا والمصابين وسط هلع الضباط الخريجين والأهالي بين مشاهد الدماء.

وسمع في إحدى التسجيلات إطلاق كثيف للنيران لم يعرف مصدرها ولا من كانت تستهدف، وعدد من المصابين وهم ممدين أمام “منصة التخريج” في ساحة القادسية البارزة بـ”الكلية الحربية”.

    شاهد لحظة ما قبل الهجوم الارهابي على الكلية الحربية في مدينة #حمص في #سوريا الذي أودى بحياة عشرات القتلى والجرحى من الخريجين والمدنيين .. حسبنا الله ونعم الوكيل#السعودية2034 pic.twitter.com/cAyV45cHjo

    — فيصل مدهش (@FaisalMudhish) October 5, 2023

ويشير الباحث محسن مصطفى إلى أن “الكلية تشهد سنوياً تخريج ما بين 1500 إلى 1700 طالب ضابط، ويرافق هؤلاء في هذه المناسبة عائلاتهم، ليصل العدد الكلي في ساحة القادسية إلى حدود 4 آلاف شخص”.

ويقول مصطفى: “لماذا لم ينشر أي تسجيل مصور أو صور من الأشخاص الذين وثقوا حفل التخريج يوم الخميس، وخاصة أن المناسبة مخصصة للتوثيق والتقاط الصور!”.

ويعتقد المحلل العسكري فايز الأسمر أن “الفصائل والجماعات الإسلامية لا تملك الإمكانيات التقنية والطائرات المسيرة الحديثة والمسلحة بهذا الكم من الذخائر والقادرة على قطع مسافة أكثر من 120 كيلومتراً للوصول للهدف، مع القدرة على تجاوز الرادارات ووسائط الدفاع الجوي المنتشرة بكثافة في طريقها”.

وبالتالي يعتقد العقيد المنشق أن “إيران بالتواطئ مع مخابرات النظام أو بدونه هي المسؤولة الأقرب عن هذه العملية”، إذ “تملك القدرات والإمكانيات التسليحية والتقنية والتحرك بحرية على الأراضي وفي الأجواء السورية”.

ويوضح ذات المتحدث أن “الكلية الحربية هي أم الكليات في الجيش وأقدم الكليات العسكرية وهي من أهم القلاع التي ترفد جيش النظام بآلاف الضباط الأكاديميين والاختصاصيين كل عام”.

—————————

تفجير «الحربية»: لماذا شكّك السوريون برواية النظام؟

رأي القدس

أثارت طريقة إدارة النظام لحدث المجزرة التي حصلت في «الكلية الحربية» في مدينة حمص شكوك السوريين في الرواية الرسمية لهذه المجزرة التي أودت، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بحياة 123 شخصا بين عسكري ومدني وأوقعت أكثر من 150 جريحا.

رفع كثير من الكتاب والناشطين والجهات الإعلامية والسياسية أسئلة وجيهة وعلامات استفهام عديدة تدعم هذه الشكوك.

أحد الأسئلة المرفوعة تتعلّق بغياب وسائل إعلام النظام عن مناسبة حضرها مسؤولون كبار، وبما أن المعتاد في مناسبات كهذه أن يكون هناك وجود لمراسلين ومصوّرين للقنوات الرسمية السورية فقد اعتبر محلّلو الحدث أن النظام «أعطى إجازة مفتوحة» من تغطية حدث كبير ومهم.

القضية الأخرى التي تم التشكيك فيها تتعلق بقدرة من سماهم النظام بـ«الإرهابيين» على الوصول بمسيّرات إلى مكان الحدث، وإمكانية حمل تلك المسيّرات لذخائر كافية للتسبب بالهجوم الأخير، وأشار البعض إلى المدار الأبعد الذي وصلت إليه طائرات مسيّرة تابعة لـ«هيئة تحرير الشام» (الجهة الرئيسية المسيطرة في مناطق المعارضة) إلى مواقع للنظام في مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، وتمكنت حينها مسيّرة واحدة من أصل ثلاث من تخطي مسافة 30 كيلومترا ولم تتجاوز حمولتها أكثر من 3 كيلوغرامات من المتفجرات، وحيث أن أقرب مسافة بين المواقع الخارجة عن هيمنة النظام والكلية الحربية تزيد عن 70 كيلومترا، فقد كان الاستنتاج هو استحالة وصول مسيّرات من مناطق المعارضة إلى موقع الكلية. من جهة أخرى فإن تنظيم «الدولة» يبعد عن مكان الهجوم أكثر من 127 كيلومترا.

تجاهلت رواية النظام أيضا شرح طريقة الهجوم إن كان بسقوط المسيّرات على الموجودين، أو بقصفهم بقذائف أو صواريخ، ولم تظهر الشرائط المصوّرة والصور التي تم نشرها بعد الهجوم أي آثار لشظايا أو قطع من المسيّرات المهاجمة أو القذائف، ولم تكشف اللقطات علامات على أرض الكلية تدل على سقوط مسيّرات أو صواريخ.

من القضايا التي لفتت النظر أيضا في الحادثة المذكورة مسارعة وسائل إعلام غير سورية، مثل «سبوتنيك» الروسية إلى نشر خبر يؤكد خروج وزير الدفاع علي عباس ومحافظ حمص نمير مخلوف وكبار الضباط للكلية قبل الانفجار، وقيام جهات إعلامية محسوبة على إيران بتقديم رواية أخرى تتهم «الحزب التركستاني» وفرنسا.

تساءل آخرون أيضا عن سبب عدم اغتنام الجهة المهاجمة لوجود أولئك الضباط والمسؤولين، ولماذا لم يختر منفذو الهجوم، لو كانت لديهم هذه القدرات التكنولوجية العالية، مواقع أكثر حساسية مثل قاعدة حميميم الروسية أو حتى استهداف رئيس النظام وكبار مسؤوليه الأمنيين.

استعاد محللون محطات تاريخية تعاطى فيها النظام مع مصاعب سياسية كبيرة بافتعال حوادث أمنية خطيرة، كما حصل في ما سمي تفجير «خلية الأزمة» في تموز/يوليو 2012 والذي قتل فيه وزير دفاع النظام داود راجحة، ونائبه آصف شوكت (زوج بشرى شقيقة بشار الأسد) ورئيس الخلية حسن تركماني، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي، والذي يعتبر خطا فاصلا اتجه بعده النظام إلى استراتيجية عنف هائلة ضد المدن والمناطق السورية.

أشار آخرون إلى حادث آخر وتمثل باتفاق سمح فيه النظام بانتقال قرابة 1000 عنصر من تنظيم «الدولة» إلى بادية محافظة السويداء، وشنهم هجوما دمويا أسفر عن مقتل 221 شخصا وإصابة 200 وخطف نساء وأطفال، وهو ما اعتبرته المعارضة عملية لتطويع المحافظة التي تسكنها غالبية درزية كانت ترفض إرسال أبنائها للجيش، وقد كانت رسالة النظام واضحة حينها مع تصريح للأسد يقول إن على الدروز إرسال أبنائهم للجيش إذا كانوا يريدون الانتفاع من حمايته.

يعيد الغموض الذي يحيط بحادثة الكلية الحربية التذكير بالطبيعة الأمنية المعقدة للنظام، والتي تجعل الوصول إلى حقائق أكيدة أمرا صعب المنال.

——————–

مَعاني “مجزرة حمص”: لا مُنتصرين…فقط ناجون يتشاركون الخراب/ وليد بركسية

لعل أكثر ما يكشفه الهجوم بطائرات مُسيرة على الكلية الحربية في حمص، هو مدى تمزق المجتمع حيث يتبادل الجميع الاتهامات، ويلقي كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر، وفق الاصطفافات الطائفية والإثنية التي لم تفرزها الثورة والحرب في البلاد، بل كانت حاضرة في سوريا منذ عقود بفضل سياسات رسمية بالدرجة الأولى فشلت سوريا كدولة بموجبها في تشكيل هوية وطنية جامعة.

واتهم أكراد غريمتهم تركيا وحلفاءها بشن الهجوم “الإرهابي” في حين تش أنقرة هجمات ضدهم في الشمال السوري. واتهم موالون للنظام “الجماعات الإرهابية المسلحة” بالهجوم، فيما اتهم آخرون منهم النظام السوري نفسه بالعملية، بينما قال آخرون من الفئة نفسها أن الحلفاء قدموا غدراً غير مسبوق، في إشارة للإيرانيين والروس. أما المعارضون فتقلبوا بين كل تلك الاحتمالات بدورهم، مع جدال جانبي حول كون الهجوم الذي أسفر عن مقتل مدنيين، يصنف كعمل إرهابي أم لا، في الوقت الذي يقصف فيه النظام السوري مناطق واسعة في إدلب وريف حلب مستهدفاً المدنيين تحديداً، بشكل مشابه لما قام به طوال العقد الماضي بحسب منظمات حقوقية مستقلة.

هذا السؤال ربما لم يكن ليطرح من الأساس لو كان الهجوم حصل قبل سنوات، عندما كانت الجبهات السورية مشتعلة، ولصُنّف ربما بأنه مجرد عمل من أعمال العنف الروتينية، ولما عانت وسائل الإعلام مع الناشطين في توصيفه. لكن الحرب في البلاد وصلت إلى طريق مسدود، مع تقسيم غير معلن إلى ثلاث مناطق متمايزة، تشهد كل منها انقسامات داخلية من دون أن يملك أي طرف القدرة، سياسياً وعسكرياً، على إخضاع الآخرين وفرض سيطرته على كافة البلاد بحدودها ما قبل الحرب، خصوصاً مع حضور أوسع لقوى إقليمية ودولية يدعم كل منها طرفاً ما وتتباين علاقاتها في ما بينها.

وقد يبدو طرح الطائفية كمحدد للهجوم في حمص ضمن أحاديث السوريين، غريباً لمن لا يعرف سوريا جيداً، لأن الهجوم تم على كلية يدرس فيها طلاب كانوا يحتفلون مع أهاليهم بالتخرج. لكن الكلية المقصودة هي الكلية الحربية التي تتبع لوزارة الدفاع، ويقصدها بشكل خاص أبناء الطبقة العلوية التي توصف بأنها الطبقة الحاضنة للنظام السوري والتي تسيطر على مفاصل الجيش السوري منذ ثورة الثامن من آذار/مارس 1963 والتي أفضت لسيطرة حزب البعث على السلطة ووصول حافظ الأسد إلى الحكم لاحقاً.

واللافت في سوريا أن جذور الصراع الطائفي ترتبط بجذور الصراع الطبقي، لأن الجيش كان بعد “الاستقلال” في أربعينيات القرن الماضي جذاباً لأبناء الريف الفقير والطبقات المهمشة مقارنة بأبناء المدن حيث تركزت الصناعة والتجارة لدى النخب السنّية. وفيما يطلق النظام السوري على الجيش تسميات مثل الجيش العقائدي، لإعطاء وهم بأنه جيش يمثل كل السوريين، فإن ذلك يبقى ذراً للرماد في العيون، إذ ركز النظام على تعزيز تلك الخاصية في الجيش بدلاً من التقليل منها، ليس فقط بتشجيع الانتساب للكليات الحربية المختلفة والتطوع في الجيش بين الأقليات، بل أيضاً بتعزيز الظروف المعيشية السيئة في تلك البيئات لعدم إعطاء خيارات للأفراد فيها سوى الجيش الذي يشكل منفذاً نحو حياة أفضل في حال إمكانية الوصول إلى مراكز قيادية طبعاً، وهو ما لا يحصل إلا لأبناء النافذين عموماً.

ورغم ذلك المعطى العام، إلا أنه لا أرقام أو معلومات دقيقة عن الهويات الطائفية للقتلى في هجوم المدرسة الحربية، بل تم القفز فوراً إلى تكهنات بأنهم علويون لتبرير مشاعر الفرح بموتهم، مع نشر صور أهالي الضحايا مثلاً أمام نعوش أبنائهم، وتبريرات أخرى تقول أن أولئك الطلاب، وهم أشخاص مدنيون بطبيعة الحال، سيشكلون جزءاً من الجيش الذي يرتكب المجازر بحق المدنيين عاجلاً أم آجلاً. وللمفارقة ينشر المعلقون أنفسهم صور الأطفال والمدنيين القتلى في عمليات القصف التي شنها النظام على الشمال السوري لاحقاً، مع تعليقات حزينة تستغرب عدم وجود تضامن مع الضحايا. وبالطبع فإن المشهد الموالي يعكس العقلية ذاتها من المنظور المعاكس.

لا يقدر أي من الطرفين على رؤية ما يعانيه الطرف الآخر، وتصبح الضحية التي تسقط لأنها تواجدت في المكان والزمان غير المناسبين فقط، جزءاً من خسارات “العدو” وتفقد أي اعتبار إنساني أو وطني آخر. وذلك ليس جديداً بل يتكرر في كل مرة تحدث فيها عمليات مشابهة، كحادثة عدرا العام 2013 التي راح فيها ضحايا مدنيون محسوبون على الموالاة، إلى عشرات المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين في مناطق معارضة. والمختلف فقط بين تلك العمليات، هو الجهة التي ترتكب الانتهاكات وأعداد الضحايا، فيما يتصدر النظام السوري تحديداً لائحة الجهات الأكثر انتهاكاً وقتلاً للمدنيين، بحسب منظمات حقوقية مستقلة، واستخدم أسلحة محرّمة دولياً من الذخائر العنقودية إلى الأسلحة الكيماوية لتنفيذ ذلك.

وهكذا يتذكر كل طرف مآسيه بشكل منفصل عن الأطراف الأخرى. فالهجوم في حمص، بالنسبة للموالين، يذكر بالهجوم على مدرسة المدفعية في حلب العام 1979 والتي مهدت لاحقاً لحملة القمع التي شنها النظام ضد الإسلاميين في ثمانينيات القرن الماضي. ورغم أن الموالين يستذكرون الحادثة عينها، فإن ذلك يأتي مجرداً من المشاعر لصالح تقديم نظريات سياسية حول إمكانية مسؤولية النظام عن الهجوم في حمص اليوم، لتخويف أبناء الطائفة العلوية من “الخطر الوجودي السنّي” فيما أصوات أبناء الساحل ترتفع بموازاة الاحتجاجات في السويداء ذات الغالبية الدرزية.

يظهر ذلك بوضوح في متابعة تفاعلات الفنانين السوريين الذين نشروا الصور نفسها مع التعليق في مواقع التواصل الاجتماعي، لاستنكار “المجزرة في حمص”، من دون أن يشيروا ولو بشكل عابر إلى الضحايا المدنيين في مناطق المعارضة، وهو سلوك تكرر من قبلهم بعد العام 2011 بوصفهم ناطقاً غير رسمي باسم السلطة، حيث ساهموا في تعميم صورة أحادية الجانب للصراع إلى جمهور عربي أوسع، قد لا يملك معلومات كافية عن طبيعة الصراع في البلاد، فيما تعطي الصيغة الموحدة التي تكتب فيها منشورات أولئك المشاهير، انطباعاً بأنها تعليمات موجهة لهم من دوائر المخابرات وقوى الأمن التي تتحكم بالفن والثقافة أيضاً.

وعليه، فإن السؤال عن هوية الضحية قبل التعاطف معها، يعني أن البلاد لم تتعاف مثلما تكرر الدعاية الرسمية، بل ما زالت تعيش حرباً لن تنتهي بخفوت أصوات الدبابات والطائرات والبنادق. ولا يبدو مستقبلها مشرقاً نظراً لكمية الأحقاد التي تشكلت بفعل الدم الذي سال، مع عدم وجود حل سياسي في الأفق قد يساهم في خفض هذا المستوى من التشنج بين أعداء وجوديين يتشاركون بقعة جغرافية واحدة يسمونها جميعاً وطناً. وستبقى سوريا، أو ما تبقى منها، “دولة” تعيش أزمة سياسية خانقة وحالة من الصراع المجمد الذي لم ينتصر فيه أحد بل يتشارك فيه الناجون الخراب والفوضى.

    الشخص يلي بالصورة أسمه (حسن أحمد) وهو عميد بجيش الأسد شارك بقتل وتهجير السوريين خلال ال١٢ سنة الماضية ..

    اليوم يقف أمام جثامين ولديه التوأم يلي ودعوا المونديال بالكلية العسكرية مبارح.!

    صورة من صور العدالة على الأرض pic.twitter.com/NaM89OflSJ

    — عبــدالــوهــابْ (@3BD_awal) October 6, 2023

    وهل الاطفال فى #ادلب هم من قصفوا #الكلية_الحربية حتى يتم قصفهم وقتلهم ؟

    إلى متى سيظل السفاح بشار يقتل فى أطفال

    السنه والعالم يغض الطرف عنه

    إلى كل دوله اعادة العلاقات مع المجرم #بشار

    أنتم مشاركون فى قتل الشعب السورى وحسبنا الله ونعم الوكيل pic.twitter.com/vGyiZSlXJh

    — 🥀سلمى عمر🥀 (@salma7399) October 7, 2023

    تفجير #الكلية_الحربية في #حمص

    هذه عينة عن “الإرهابيين” الذين أطلقوا المسيّرة على مكان الاحتفال

    وما يزال جنود “الجيش الباصل” يستهدفون أوكار “الإرهاب” في إدلب تلبية لدعوات الشبيحة وخنانيص النظام بإحراقها وتدميرها بمن فيها#سورية_المحتلة pic.twitter.com/rMk8QyTJ7H

    — Ibn Omaya (@OmayaIbn) October 7, 2023

    الكن قلب تشمتوا بهيك مشاهد؟؟#الكلية_الحربية pic.twitter.com/hiN3i4o7wU

    — wisso (@wissam12719) October 6, 2023

    في هجوم الكليّة الحربيّة قبل يومين، تم تحييد أكثر من 100 أمجد يوسف #الكلية_الحربية pic.twitter.com/YSE5MhCjHb

    — Fadi فادي (@fadi0bed) October 7, 2023

المدن

————————–

لا مخرج للأسد من جرائمه سوى التمادي في الإجرام/ حسن النيفي

على مدى اثنتي عشرة سنة مضت لم يكن نظام الأسد بحاجة إلى مسوّغ ما ليقوم باستهداف المدن والبلدات الخارجة عن طوعه ليروّعها قتلاً ودماراً وتشريداً، بل يمكن التأكيد على أن المانع الوحيد لعدوانه هو الرادع العسكري، أي القوّة المجابهة، وطالما أن تلك القوّة لم تعد تملك قرار المواجهة منذ أن أسلمت قيادها الكلّي للآخر الخارجي فإن الأسد بات مطلق اليدين وبإمكانه استهداف من يشاء وحصد أرواح من يشاء من السوريين، ولن تعكّر صفو نشوته بالقتل التصريحات أو الإدانات الخجولة من هذه الجهة أو تلك، وكذلك لن تربكه أو تحرجه مظاهر القلق الصادرة عن المرجعيات الأممية في حال صدورها، ولعل هذا ما جعل مدن وبلدات الشمال السوري في حالة استهداف دائم، تارة بالطيران الروسي وتارة أخرى بمدفعية قوات الأسد وصواريخه في أي ظرف كان وبمناسبة أو من دون مناسبة يمكن لنا أن نرى عوائل تموت تحت القصف ومدارس تُهدم فوق رؤوس التلاميذ ومشافي تُجهز على أرواح مرضاها، فلماذا الإصرار إذاً على أن الحملة الهستيرية التي شنها نظام الأسد على مدينة إدلب وريفها وكذلك على ريف حلب الغربي نهار الخامس من تشرين الأول الجاري كانت ردّاً على العملية العسكرية التي استهدفت الكلية الحربية في حمص في اليوم ذاته؟

قبل الحسم في دوافع الهجوم الأسدي على سكان الشمال السوري ينبغي التأكيد على أن عملية استهداف الكلية الحربية في حمص ما تزال مقيّدةً ضدّ مجهول من حيث الشكل على الأقل، ذلك أن إعلام نظام الأسد وجه الاتهام إلى فصائل أو قوى إرهابية، لكن من هي تلك القوى الإرهابية، أليس أكثر من ثلثي الشعب السوري هم إرهابيون وفق حسابات الأسد؟ أضف إلى ذلك أن جميع القوى التي يشملها مفهوم الإرهاب وفقاً للأسد ( داعش – النصرة – الجيش الوطني ووو) ليس بمقدورها أن تطول مكان الكلية الحربية وفقاً للتقديرات العسكرية الدقيقة، بل ربما أشارت الدلائل كلها إلى أن العملية ما تزال غاية في الغموض في ضوء ما رافقها من قرائن لعل أبرزها مغادرة وزير دفاع النظام علي عباس ومحافظ حمص قبل (وقوع الانفجار أو قصف الطائرة المسيرة) بعشرين دقيقة، وبعدها يشتعل المكان ليموت أكثر من مئة وعشرين شخصاً، منهم مدنيون جاؤوا ليحضروا حفل تخرج أبنائهم من الضباط، ويصاب العشرات الآخرون، ولتكون هذه المجزرة إيذاناً بحرب جنونية تشنها طائرات الأسد على الشمال السوري الذي بات خزاناً بشرياً في شريط جغرافي لم يعد ينضح إلّا بالبؤس ورائحة الموت، وليبدأ الموت بحصد أرواح المدنيين موازاة مع حركة نزوح شديدة يجعل منها قدوم فصل الشتاء محنةً وجودية حقيقية في مواجهة الفناء.

وفي العودة إلى السؤال الأول، ما الذي يريده بشار الأسد من عدوانه على سكان الشمال، ولماذا يصرّ على أن يتزامن عدوانه مع العملية التي حلّت في الكلية الحربية في حمص؟ واقع الحال أن رأس النظام وأعوانه ليسوا بحاجة إلى ذرائع لأي عدوان جديد، كما يمكن التأكيد على أن حربهم الإجرامية ليست من قبيل الانتقام والتنكيل كما هي العادة سابقاً، بل ربما تخطّت هذه المرة حدود ممارسة الإجرام الدّال على ماهيّة الفاعل لتتخذ شكل استراتيجيات جديدة للخروج من مأزق حقيقي بل حالة تكاد تكون خانقة لنظام الأسد، وأعني بذلك الحالة التي أوجدها الحراك الشعبي الجديد وتحديداً انتفاضة مدينة السويداء منذ الثامن عشر من آب الماضي، والتي ما تزال تتجدّد وتحظى بانتشار وتأييد سواء على مستوى الحراك المتضامن معها في الداخل السوري، أو على مستوى التأييد الخارجي، والذي تجسّد بتواصل مستمر لمسؤولين في الخارجية الأميركية مع رموز دينية في السويداء، في إيحاء واضح لنظام الأسد بأن السويداء لن تكون مباحة للبراميل الأسدية أو للكيمياوي كما بقية المدن والبلدات السورية، الأمر الذي أحرج نظام الأسد ولم يجد في سياسة (التطنيش) التي مارسها طوال أكثر من شهر أي جدوى، وكذلك لم يفض استثماره في القتال الذي جرى في دير الزور بين قسد وقوات العشائر لتنحية الرأي العام عما يجري في مدينة السويداء، بل على العكس تماماً مما كان يتوقع، إذ انخرط مجمل ريف السويداء في الحراك وبدأت تماثيل حافظ الأسد تتهاوى من جديد وتتحطم تحت أقدام ثوار جبل العرب لتُرمى في حاويات القمامة أمام مرأى الجميع، الأمر الذي شكّل حافزاً كبيراً لرأس النظام وحليفه الإيراني بإيجاد مخرج من هذه الأزمة، ولا مخرج سوى إدخال البلاد في دوامة جديدة من العنف والدمار من شأنها أن تخلط الأوراق ليُعاد ترتيبها من جديد.

ومن هنا يمكن فهم ماذا يريد الأسد من قتل ضباطه وذويهم في حمص، إذ هو الطرف الوحيد المستفيد من المجزرة فضلاً عن كونه الطرف الوحيد القادر على تنفيذها، وربما أعادت له هذه العملية القدرة على تضليل حاضنته بأن من قام بالعملية هم إرهابيون من إدلب وشمال سوريا أو من داعش أو سواهم، في محاولة لربط مصائر من تبقى من حاضنته التي بدأت بالتململ من حالة البؤس الخانق بمصير سلطته، وربما كان من البديهي – لتعزيز هذه القناعة الزائفة – أن يبدأ بحرب جنونية على السوريين تحت ذريعة الردّ أو الانتقام لقتلى الكلية الحربية بحمص، ثم – من جهة أخرى – تتيح له حالة الحرب المشتعلة وارتفاع وتيرة العنف في أكثر من مكان في البلاد كسر التخوم الميدانية وامتداد العنف إلى المدن المنتفضة بوجهه كالسويداء ودرعا.

نظام الأسد كما عهده السوريون قبل سواهم، لم يعد يملك ما يسعفه في الخروج من إجرامه سوى التمادي في الجريمة، إذ لم يعد في مواجهة خصوم تقليديين وهم ثلثا الشعب السوري، بل بات في مواجهة وشيكة مع الثلث الثالث سواء ممن وقفوا على الحياد أو ممّن أيدوه ووقفوا إلى جانبه، وربما بات معظم السوريين – بمن فيهم مؤيدوه – على يقين بأن رأس النظام لن ينظر إلى أقرب المقربين إليه إلّا باعتبارهم وقوداً للحفاظ على سلطته، وأخيراً ربما حان أن يدرك العالم أجمع أن اجترار الأحاديث حول الحلول السياسية وفقاً للمرجعيات الأممية وكذلك ما يقال عن مبادرة من الجامعة العربية للحل في سوريا من هذا المحور أو ذاك، أو الإطلالات الموسمية لبيدرسن وإحاطاته الرمادية أمام مجلس الأمن، كل هذه الأمور لن تجسّد أي مقاربة عملية للحد من مأساة السوريين في ظل النزوع الأسدي نحو الاستمرار في الإجرام والإبادة.

———————-

لغز استهداف ثكنة حمص/ عدنان أحمد

اشتعلت الأوضاع على الجبهات السورية في أكثر من منطقة، إثر تطورين مهمين شهدتهما الأيام الماضية، ففي حين كانت تركيا تواصل استهداف مواقع مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال شرق سورية، كان النظام السوري ينتقم من المدنيين عبر قصف مكثف على مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة في شمال غربي البلاد، رداً على الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في مدينة حمص أمس الأول الخميس.

ولا تزال علامات استفهام كبيرة تلف هذا الهجوم، خصوصاً هوية الجهة المسؤولة عنه، في ظل البُعد الجغرافي الكبير نسبياً لأماكن تواجد فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وعدم امتلاك هذه الجهات مسيّرات قادرة على قطع مسافات طويلة وصولاً إلى حمص.

وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام، أمس الجمعة، ارتفاع حصيلة الهجوم على الكلية الحربية في حمص خلال حفل تخريج دفعة من طلابها، إلى 89 قتيلاً، و277 جريحاً. فيما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الجمعة أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 123، بينهم 54 مدنياً، في هذا الهجوم الذي لم تتبنه حتى عصر أمس أي جهة، علماً أنه من الأكثر عنفاً ضد مركز عسكري للنظام منذ بدء النزاع في العام 2011.

تصعيد النظام السوري ضد المدنيين

ومع ارتفاع أعداد ضحايا الهجوم، صعّد النظام السوري وروسيا من عمليات القصف الجوي والبري على مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة في شمالي غرب البلاد، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين، وذلك في إطار ما يقول النظام إنه رد على “مجزرة” الكلية الحربية والتي برزت أصوات عدة تشكك في وقوف المعارضة خلفها لأسباب عسكرية فنية.

وتسبّبت هجمات النظام في مناطق مختلفة من شمال غربي سورية ليل الخميس وأمس الجمعة، في مقتل 13 مدنياً وإصابة 62 آخرين، إذ جرى استهداف الأسواق الشعبية والأحياء السكنية وأربع مدارس ومسجد ومركز للدفاع المدني السوري، ومرفق للكهرباء، ومحطة للمحروقات، وفق بيان للدفاع المدني السوري.

وذكر مراسل “العربي الجديد” أن القصف على مناطق سيطرة المعارضة أمس، والذي شارك فيه الطيران الحربي الروسي، تسبّب أيضاً في نزوح عشرات العائلات من مناطق قرب خطوط التماس جنوبي وشرقي إدلب إلى شمالها. وكان جيش النظام السوري قد اتهم الخميس “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة”، بالوقوف خلف الاستهداف “عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة”. وأكد أنه “سيردّ بكل قوة وحزم على تلك التنظيمات الإرهابية أينما وجدت”.

في المقابل، قصفت فصائل “غرفة عمليات الفتح المبين” براجمات الصواريخ مناطق في ناحية جورين بسهل الغاب في ريف حماة، ما تسبب في مقتل شخص وإصابة 3 آخرين وفق وسائل إعلام النظام.

وشجب الائتلاف الوطني السوري المعارض هذا التصعيد من جانب النظام وروسيا، مشيراً إلى أنه جرى منذ يوم الخميس استهداف أكثر من 25 مدينة وبلدة بالقصف العشوائي في كل من ريفي حلب وإدلب. ولمّح بيان الائتلاف إلى مسؤولية النظام عن تفجير الكلية الحربية، قائلاً إنه مسؤول بالتعاون مع مليشيات إيرانية عن “استهداف المواطنين من مكونات الشعب السوري كافة، بعمليات إجرامية وإرهابية ندينها بأشد العبارات، هذه العمليات شملت مناطق تقع تحت سيطرته منذ بداية الثورة في العام 2011 وحتى يومنا هذا، هدفها زرع الخوف، والعداء، والتفرقة بين السوريين باتباع سياسة فرّق تسد، ولضمان استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار”.

وأكد الائتلاف شجبه “لأي أعمال عسكرية أو إرهابية تستهدف الأطفال والمدنيين العزّل، داخل سورية وخارجها وأياً كان مرتكبوها”، مطالباً مجلس الأمن والمجتمع الدولي بإدانة جرائم النظام، والخروج من حالة الاستعصاء التي تحول دون التقدم في العملية السياسية.

تنديد من حلفاء النظام

وجرى صباح أمس تشييع الضحايا من أمام المستشفى العسكري في حمص. وقال وزير دفاع النظام علي عباس للصحافيين: “ثمن الكرامة والعزة للوطن كبير وأعز ما يمكن أن يقدمه إنسان هو نفسه. الشهداء الذين ارتقوا، ثمن دمائهم غالٍ جداً”. علماً أن مصادر متعددة أكدت أن عباس كان حاضراً خلال حفل التخرج، وغادر قبل دقائق من القصف.

واعتباراً من صباح أمس الجمعة، بدأ الحداد الرسمي الذي أعلنته حكومة النظام في مناطق سيطرتها، ويستمر لثلاثة أيام، مع تنكيس للأعلام في مناطق سيطرة النظام والسفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج، فيما دعت وزارة الأوقاف إلى إقامة صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة، في جميع المساجد.

وندّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالة تعزية إلى رئيس النظام بشار الأسد، وفق الكرملين، بالهجوم “الإرهابي”. وقال: “نأمل أن تتم معاقبة منظميه”، مؤكداً عزمه “مواصلة تعاوننا الوثيق مع شركائنا السوريين لمكافحة كل أشكال الإرهاب”.

كما دان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي “بشدة” الهجوم، محملاً من سماهم “الحماة الأجانب للمجموعات الإرهابية، ومنهم محتلو الأراضي السورية” مسؤولية الهجوم. وأضاف رئيسي وفق موقع الرئاسة الإيرانية، أن الهجوم يستهدف “منع تحقيق الاستقرار والأمن الكامل” في سورية، قائلاً إنه ناتج عن “استمرار الدعم الأمني والاستخباري اللوجيستي” للمجموعات المسلحة.

من جهتها، طالبت وزارة خارجية النظام في بيان لها، الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة ما وصفته بـ”العمل الإرهابي الجبان”، داعية لمساءلة الدول “الراعية للإرهاب عن جرائمها بحق الشعب السوري”.

تشكيك في رواية النظام

وفي حين كانت تتفاعل قضية القصف، فإن تساؤلات كبيرة تبقى قائمة حول من يقف وراء هذا الهجوم، فهناك تشكيك في رواية النظام بعدما اتهمت وزارة الدفاع التابعة له “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” باستهداف حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص “عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة”.

ونشرت صفحة “صدى الساحل السوري” على “فيسبوك”، التي تدار من تركيا بحسب ما تظهره معلومات الصفحة، رواية قالت إنها لمدير الدفاع المدني في حمص العميد الركن غياث عاقل من دون أن توضح لمن أدلى بالحديث. وبحسب روايته قال عاقل: “أُبلغنا بوجود طائرات مسيّرة انطلقت من منطقة الوعر واقتربت من مبنى الكلية الحربية قبل نصف ساعة من وقوع الاستهداف. وطلب وزير الدفاع توضيحاً من ضباط الأمن في الكلية، بعد أقل من عشر دقائق، جاء الرد من مكتب التنسيق العسكري بأن الطائرات المسيّرة إيرانية وأن تواجدها روتيني ويومي”.

وأضافت: “بعد تلقي الرد بدقائق، وصلت توجيهات للسيد وزير الدفاع من جهات عليا بضرورة اختصار مراحل الاحتفال والإسراع بفض التجمع بدون توضيح الأسباب. أعطى الوزير تعليماته بهذا الخصوص وأوكل مهمة إلقاء كلمته لنائبه الثاني – ولم تلق الكلمة- وغادر بشكل فوري مع موكبه المكان بدون أن يحضر العرض النهائي، وبعد مغادرة وزير الدفاع واللجنة العسكرية المرافقة له بـ42 دقيقة تماماً حصل الاستهداف”.

لكن شاهد عيان من أهالي الضحايا تحدث لـ”فرانس برس” أكد أن عباس كان حاضراً خلال حفل التخرج، وغادر قبل دقائق من القصف، ما يعكس تضارباً في الروايات حول الزمن الفاصل بين مغادرة عباس ووقوع القصف.

وتبعد الكلية الحربية شمال غربي مدينة حمص عن أقرب جبهة قتال مع المعارضة أكثر من 100 كيلومتر بمحاذاة معرة النعمان جنوبي محافظة إدلب. وتبعد عن أماكن تمركز “جيش سورية الحرة” المدعوم من الولايات المتحدة في قاعدة التنف نحو 160 كيلومتراً، وعن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرق نهر الفرات أكثر من 300 كيلومتر.

وفي السياق، شكك المحلل العسكري العميد أحمد رحال في رواية النظام التي تتهم المعارضة بالمسؤولية عن هذا الهجوم. وقال رحال في حديث لـ”العربي الجديد”، إن المسافة بين مناطق وجود فصائل المعارضة في الساحل السوري وإدلب وأرياف حلب تتراوح بين 110 و190 كيلومتراً، وليست لدى الفصائل مسيّرات تستطيع قطع هذه المسافات.

وأضاف أن المناطق التي من المفترض أن تمر بها هذه المسيّرات ينتشر فيها الكثير من قواعد الدفاع الجوي التابعة للنظام وروسيا، ومن المفترض أن يتم اكتشاف واعتراض أي مسيّرات قبل أن تصل إلى حمص. ولفت إلى أنه يعرف بحكم خدمته العسكرية في جيش النظام، أنه خلال الاحتفالات وتخريج الطلاب من الكليات الحربية، يتم رفع جاهزية وسائط الدفاع الجوي لحماية مكان الاحتفال، خصوصاً بحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان ومحافظ حمص.

وأشار رحال إلى أنه يوجد على بعد 20 كيلومتراً من الكلية الحربية في شمالي غرب حمص مطار الضبعة، وهو مركز للتدريب على طائرات الدرونز المنتجة محلياً بإشراف إيران، مشيراً إلى أن العديد من صفحات النظام لم تتهم المعارضة بالمسؤولية عن الهجوم، وذهب بعضها إلى اتهام إيران صراحة أو ضمناً. وشبّه ما حدث في الكلية الحربية بتفجير خلية الأزمة عام 2012، الذي اتخذه النظام منطلقاً لاستخدام القبضة الحديدية ضد المعارضة، وكبح المنادين بالحلول السلمية، أو تقديم تنازلات للمحتجين.

وحول إمكان التصعيد العسكري من جانب النظام باتجاه الشمال السوري، أعرب رحال عن اعتقاده بأن “يحاول النظام إعادة البلاد إلى ساحة الحرب مرة أخرى من خلال التصعيد الميداني، مع الإشارة إلى أنه بعد 4 أيام هناك محاكمة للنظام في لاهاي، وهو يريد أن يقول إننا نحارب الإرهاب، ولا ينبغي لأحد أن يحاسبنا”. لكنه توقع أن تتمكن روسيا بالتنسيق مع تركيا من ضبط ردود النظام، وحصرها في إطار ضيق قدر الإمكان.

من جهته، اعتبر الباحث فراس فحام أن الهجوم على الكلية الحربية في حمص مريب للغاية، مشيراً في تعليق له على منصة “إكس” إلى أن الطائرات المسيّرة التي بحوزة التنظيمات (باستثناء المرتبطة بإيران) بسيطة ولا تستطيع التحليق لمسافات كبيرة أو حمل متفجرات ذات وزن ثقيل. ولفت إلى أن الهجوم حصل بعد مغادرة وزير الدفاع وكبار الضباط، وجرى استهداف طلاب الكلية الحربية مع عوائلهم، ما يثير التساؤل لماذا لم تقم الجهة المنفذة باستهداف الحفل أثناء وجود الضباط الكبار لتعظيم الخسائر؟

بدوره، تساءل مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، في تعليق له عبر فيديو مصور، عن كيفية تمكّن منفذ الهجوم من الوصول بهذه السهولة إلى تلك المنطقة المحمية بالرادارات ومنظومات الدفاع الجوي، ولماذا جرت الضربة بعد مغادرة وزير الدفاع وكبار الضباط. واستبعد تورط “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بالهجوم، متسائلاً: “هل وصلت الهيئة لهذه القوة بأن ترسل المسيّرات من مناطقها إلى حمص؟”.

من جهته، قال الباحث فيم زفيننبرغ لوكالة “رويترز” إن “مقاتلي المعارضة من المتشددين بدأوا استخدام طائرات مسيّرة محلية الصنع في أوائل عام 2018 بهجمات شملت استهداف قاعدة حميميم الجوية الساحلية، حيث مقر العمليات الروسية في سورية”. وأضاف أنه “مع عدم ظهور أشلاء في لقطات مصورة عن الهجوم، لا يمكن استخلاص إلا القليل من النتائج عن نوع الطائرات المسيّرة أو حمولتها”.

وإزاء الغموض القائم، لفت الباحث في الشأن السوري في مركز “سنتشوري إنترناشونال” آرون لوند إلى أنه لا تتوفر حتى اللحظة “تفاصيل كافية للتكهن” بهوية الجهة المنفّذة. وقال لوكالة “فرانس برس”: “رأينا في السابق هجمات كثيرة بطائرات مسيّرة انطلاقاً من إدلب، بما في ذلك استهداف الطائرات الروسية في قاعدة حميميم على الساحل، لكن التفاصيل حول من شغّل تلك المسيّرات كانت دائماً غامضة نوعاً ما”.

وأضاف: “هل هي هيئة تحرير الشام، أم تركيا، أم خليط من الاثنتين؟”، لافتاً إلى أن كلا من هذه الأطراف قد يكون نفّذ الهجوم. واستبعد لوند مسؤولية النظام عن الهجوم، انطلاقاً من أن “هذا النوع من الفوضى والخسائر في الأرواح يجعل القيادة السورية تبدو سيئة في دائرة ناخبيها الأساسيين”.

وشرح أن “الجيش هو العمود الفقري للنظام السوري، والكلية الحربية في حمص هي حيث يتدرّب ضباطه منذ نشأة الدولة السورية”، مشيراً إلى أن كل الذين “يمسكون بزمام الأمور في سورية” عسكرياً، تخرجوا منها. ولم يستبعد “بالنظر إلى كيفية عمل النخبة الأمنية في سورية، مع مقدار روابط الدم والزبائنية التي تبقيها متماسكة، أن بعض من قتلوا هم بلا شك من عائلات عسكرية من الجيل الثاني أو الثالث، أي من أبناء كبار الضباط وأبناء أشقائهم”، وأقاربهم.

—————————–

أم الكليات” العسكرية في سوريا.. من يسيطر على محيطها؟/ ضياء عودة

يسلّط “هجوم المسيّرات” الذي أوقع حصيلة ثقيلة من القتلى المدنيين والعسكريين يوم الخميس الضوء على “الكلية الحربية” بمدينة حمص والمكان الذي تتواجد فيه، والثقل الذي تحظى به ضمن خريطة الثكنات العسكرية التابعة للنظام السوري في سوريا.

وعلى مدى السنوات الماضية نادرا ما تردد اسم “الكلية الحربية” على مشهد العمليات العسكرية، سواء تلك التي أطلقتها قوات النظام أو “المضادة” التي كانت تنفذها فصائل المعارضة، عندما كانت بالقرب منها في حي الوعر، قبل عام 2017.

لكن “هجوم الطائرات المسيّرة المحملة بالذخائر” كما أعلن النظام السوري حرف الأنظار إليها، خلال الساعات الماضية، كونه أسفر عن أكثر من 80 قتيلا من مدنيين وعسكريين، فيما تجاوز عدد الجرحى حاجز الـ200، حسب آخر إحصائية أعلن عنها وزير الصحة السوري، حسن الغباش.

وحصل “الهجوم” في الساعة الثانية من ظهر الخميس بالتوقيت المحلي، وجاء في أعقاب الانتهاء من تخريج دفعة طلاب ضباط، واتجاه ذويهم لالتقاط الصور التذكارية معهم على منصة أشيدت على حائط “مهاجع الضباط”، وأمام الساحة الشهيرة داخل الكلية، والمعروفة باسم “ساحة القادسية”.

واتهمت وزارة دفاع النظام السوري في بيان “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” بالوقوف خلف الاستهداف “عبر مسيرات تحمل ذخائر متفجرة وذلك بعد انتهاء الحفل مباشرة”.

قتل أكثر من 100 شخص في الهجوم

قتل فيه عشرات الضباط.. فيديو اللحظات الأولى لهجوم الكلية الحربية وسط سوريا

أظهرت لقطات فيديو اللحظات الأولى لهجوم الكلية الحربية في مدينة حمص وسط سوريا الذي قتل فيه العشرات يوم الخميس.

ومع ذلك، لم تحدد حتى الآن جهة بعينها، في وقت نشرت وسائل إعلام مقربة منها، بينها صحيفة “الوطن” شبه الرسمية تسجيلات مصورة عبر مواقع التواصل، وثقت من خلالها قصفا نفذته قوات الأسد على مناطق بريف إدلب، “ردا على الهجوم”، وفق تعبيرها.

“أم الكليات”

تقع “الكلية الحربية” في حمص في منطقة المحاذية لحي الوعر الحمصي، ولم تكن قد تعرضت لأي عمليات عسكرية أو هجمات، منذ تحول الحراك السلمي إلى مسلح بعد 2011، رغم أنها كانت محاذية لمناطق سيطرة فصائل المعارضة، قبل 6 أعوام.

ويورد موقع “وزارة الدفاع السورية” أن “الكلية تضم سبعة أقسام رئيسية هي: المشاة، المدرعات، الإشارة، مضادات الدروع، الشؤون الإدارية، الشؤون الفنية والتسليح.

وهذه الأقسام تخرّج طلاب ضباط بالاختصاص الموافق لها، بينما تعتبر كليات المشاة والمدرعات أهمها على الإطلاق وأكثرها عددا.

تصف الوزارة “الكلية” بأنها “قبلة النظام والانضباط”، ويوضح ضباط منشقون عن النظام السوري لموقع “الحرة” أنها تأسست في حمص عام 1932، و”هي مركز أكاديمي عسكري لإعداد وتدريب المنتسبين وتخريجهم ضباطا في الجيش السوري”.

ويقول العقيد المنشق عن جيش النظام، إسماعيل أيوب إنها “توصف بأم الكليات الحربية في سوريا، سواء فيما يتعلق بالمجاورة لها أو المنتشرة في باقي المحافظات السورية”.

وتجاور “الكلية الحربية” كلية المدرعات أي الدبابات، ومن جهتها الشمالية الغربية تقع “كلية الشؤون الفنية وكلية الإشارة”، ويوجد فيها مدير جميع “الكليات الحربية” في البلاد، أو ما يعرف باسم “القيادة”.

ويلتحق الطلاب الضباط بـ”الكلية الحربية” في حمص أولا، ويخوضون “دورة أغرار” ويخدمون فيها لعام واحد، وبعد ذلك يبدأون بتعلم النظام المنضم والأمور العسكرية، إلى أن تبدأ عملية فرزهم إلى “كليات اختصاصية أخرى”، حسب علامات القبول، كما يضيف أيوب لموقع “الحرة”.

العقيد المنشق عن جيش النظام السوري، خالد مطلق كان قد خدم في الكلية لمدة ثلاثة سنوات، ويوضح لموقع “الحرة” أن العديد من “الثكنات العسكرية تحيط بها” في منطقة حي الوعر.

ومن الداخل هي عبارة عن “كلية ترحيل للمستجدين من الطلاب الضباط”، و”يجري فيها دورات طالب ضابط مستجد ومتقدم ومتوسط”، ويتخرج هؤلاء منها بعد 4 سنوات برتبة “ملازم تحت الاختبار”، ولعامين.

وتضم “الكلية الحربية” في حمص ساحات تدريب وبناء “القيادة والإدارة”، بالإضافة إلى أبنية مهاجع الطلاب المستجدين والمتوسطين والمتقدمين”.

كما تضم ساحتين رئيسيتين، والبارزة منها هي “ساحة القادسية” التي حصل فيها الهجوم، ويوضح العقيد المنشق مطلق أن “الساحة شبه مربعة ومساحتها بحدود 1 ونصف كيلومتر. يحدها من الشمال فنادق التدريس ومن الجنوب مهاجع الطلاب الضباط”.

ويوجد في الكلية أيضا “حقل تدريب على الأسلحة ومناطق أخرى للتمارين التكتيكية والمشاريع”، وتعتبر مساحتها كبيرة جدا، كما يضيف مطلق.

من يسيطر في محيطها؟

ولم يسبق أن شهدت حمص وهي مدينة تقع وسط سوريا وبعيدة عن خطوط الجبهات مثل هذه الهجمات على مدى السنوات الماضية، رغم أنها شهدت في مطلع أحداث الثورة مواجهات عسكرية بأسلحة خفيفة ومتوسطة، داخل أحيائها القديمة.

وتضم محافظة حمص عدة كليات فرعية، بينها “كلية الدفاع الجوي” في منطقة مسكنة وكلية المدفعية القريبة منها، بالإضافة إلى مطارات عسكرية، مثل “مطار الضبعة” الواقع في منطقة القصير والشعيرات و”تي فور” شرقا.

وقبل انطلاقة الثورة في عام 2011 كان النظام السوري يضرب طوقا أمنيا لا يقل عن 10 كيلومتر، في أثناء احتفال تخريج دفعة من طلاب “الكلية الحربية”، كما يقول العقيد المنشق، إسماعيل أيوب.

ويضيف: “الطوق الأمني كان يفرض بسبب حضور شخصية هامة في الحفل، ربما الرئيس أو وزير الدفاع، الذي يستلم مهمة التخريج”.

و”ما بعد القضاء على المسلحين في حمص كما يعتبر النظام باتت حماة وطرطوس ودمشق وحمص حتى مدينة تدمر خاضعة لسيطرته بالكامل”، ويتابع أيوب: “هذه المناطق تخضع لسيطرة قواته بشكل كبير جدا، وبرعاية حزب الله والميليشيات الإيرانية”.

وتحاذي “الكلية الحربية” قرى وبلدات تقطنها الغالبية الشيعية، ويتواجد فيها حسب ما تؤكد تقارير محلية عناصر موالين لإيران ولـ”حزب الله”، وعلى رأسها المزرعة التي كانت تنطلق منها هجمات باتجاه حي الوعر، عندما كانت تسيطر عليه فصائل معارضة، قبل 2017.

ومن الجهة الشمالية ورغم أن فصائل المعارضة كانت تسيطر على المنطقة هناك قبل 2018، خرجت إلى الشمال السوري بموجب اتفاق رعته موسكو، وأتاح بعد ذلك سيطرة كاملة عسكرية وأمنية للنظام السوري.

و”لا يمكن أن يكون هناك فصيل مسلح مضاد أو مناهض للنظام موجودا في هذا العمق على أقل تقدير أي بشكل تقريبي 100 كيلومتر”، في إشارة من العقيد المنشق أيوب عن موقع “الكلية الحربية” في حمص.

ويقول: “لا يوجد في محيط مجمع الكليات أي فصائل مناهضة للنظام. من يتواجد عناصر حزب الله من الشمال وفي القصير، كما ينتشرون أيضا في مطار الضبعة والشعيرات وفي تي فور، وصولا إلى جبل زين العابدين في حماة ومطار المدينة هناك”.

وتغطي السيطرة المذكورة للميليشيات دائرة واسعة تحيط بحمص حتى عمق أكثر من 100 كيلومترا باتجاه الجنوب والشمال وأكثر من ذلك.

ويوضح أيوب: “العمق من حمص حتى الساحل 90 كيلومتر ويخضع لسيطرة النظام، بينما العمق المتاخم للحدود اللبنانية يسيطر عليه حزب الله”، ويتابع متسائلا: “كيف استطاعت طائرات مسيرة أن تخترق كل هذا العمق والحراسات كي تصل إلى حفل التخرج وتضرب الطلاب الضباط الخريجين؟”.

كيف حصل “الهجوم”؟

وفي أعقاب الإعلان عن الهجوم فتحت وسائل الإعلام الرسمية تغطيات لمتابعة آخر المستجدات المتعلقة بالحادثة، واستضافت محللين تباينت آراؤهم كما هو حال بيان “وزارة الدفاع السورية”.

كما وضعت وسائل الإعلام الرسمية شريطة سوداء على شاشاتها تعبيرا عن “الحداد” الذي أعلنت عنه حكومة النظام السوري، على أن يستمر لثلاثة أيام.

وفي مداخلة على “شام إف إم” استعرض مراسل الإذاعة المحلية حيدر رزوق اللحظات الأولى لحصول الانفجار، وقال مساء الخميس: “بعد ساعات الظهر سمعت عدة انفجارات مصدرها حي الوعر وتزامنت مع أصوات للطيران الحربي أثناء تحليقه خلال حفل تخريج الضباط”.

وتحتفل “الكلية الحربية” بتخريج عدد من ضباطها في مثل هذا اليوم من كل عام، ويضيف رزوق: “الأصوات أولا كانت مجهولة المصدر، وبعد ذلك علم أنها جراء عدوان استهدف الساحة التي كانت تضم الطلاب وذويهم”.

“توقيت الانفجار كان مجرد الانتهاء من الاحتفال وخلال اجتماع الضباط مع ذويهم لالتقاط الصور التذكارية والتهنئة”، وأظهرت تسجيلات مصورة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كيف أن الحادثة حصلت بشكل مركّز في منصة التخريج الواقعة في ساحة “القادسية”.

وتمكنت وحدات الجيش من إسقاط طائرتين مسيرتين، لكن إحداهما تمكنت من إلقاء القنابل المتفجرة في ساحة الكلية، حسب ما يوضح مراسل الإذاعة المحلية رزوق، مشيرا إلى أن “الاستهداف كان مخطط له بدقة وبشكل مسبق”، وأنه “جاء على مراحل”.

بدوره أشار العقيد المنشق أيوب إلى “معلومات وصلت إليه من أحد الضباط في الكلية أن وزير الدفاع كان موجودا قبل الحادثة، وأن الأخير لم يلقي كلمته واختصر الحفل وغادر، بعد وصول تحذيرات بوجود طيران مسيّر في الأجواء”.

ويقول أيوب بناء على ما شاهده من التسجيلات المصورة: “رأيت إطلاق نار وتفجير عبوات ناسفة حارقة. الناس كانت تشتعل. يمكن أن يكون ما حصل عبارة عن تفجير عبوات مزروعة”.

ويضيف: “العمل مدبر ومخطط له. لو كان هناك جهة أخرى تريد تنفيذه لكانت استهدفت قيادات الجيش على المنصة الرئيسية”.

وكتب المحلل السياسي المقرب من النظام السوري، كمال جفا عبر حسابه الشخصي في “فيسبوك” أن “الهجوم على الكلية الحربية بحمص خطير جدا، ويحمل تطورا في تقنيات استخدام المسيرات من قبل المجموعات المسلحة ويسقط كل الخطوط الحمراء”.

وقال: “المسيرات المستخدمة ليست صناعة أو تجميع محلي وليست من الأنواع التي اعتدنا على مشاهدتها او إسقاطها خلال الأشهر الأخيرة، لأن المسافة التي قطعتها هذه تفوق الـ 120 كيلومترا، من أقرب نقطة تسيطر عليها المجموعات المسلحة في مناطق ريف إدلب وريف اللاذقية”.

وحتى الآن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذا الاستهداف “بانتظار تجميع حطام هذه المسيرات لتحديد نوعها ومصدرها”، كما يتابع المحلل السياسي.

لكن العقيد أيوب يتهم “النظام السوري والميليشيات الإيرانية والتابعة لحزب الله بالوقوف وراء الحادثة”، ويقول إن “النظام يملك سربين أو ثلاثة أسراب من الطائرات المسيرة، وكذلك الميليشيات الإيرانية والتابعة لحزب الله”.

ويعتبر أن “النظام بحاجة لحدث أمني كبير يكون له صدى دولي على المستوى  الغربي سواء في أميركا أو أوروبا وعلى المستوى الشرقي سواء الصين وروسيا وكل الدول التي تتعاطى مع مثل هذه الحالات”.

“النظام قتل أكثر من مليون بري ودمر البنية التحتية وهجر أكثر من نصف الشعب. هو لا يكيل اهتماما لضباطه، ويعتبرهم وسيلة لكي يجذب بعض التعاطف الدولي الذي خفت قليلا أو ربما لم يعد هناك من يدعمه”، كما يتابع العقيد المنشق عن الجيش السوري.

في المقابل قال المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف لموقع “الحرة”، يوم الخميس، إن “بيان وزارة الدفاع السورية لم يحدد جهة بعينها لأن الدولة لم تتأكد بعد” من تفاصيل الهجوم كاملا.

وأضاف أن “الهجوم تقف وراءه دول باعتبار أنه وصل إلى مقر تخرج الطلاب في الكلية”.

وأوضح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان أنه “وفي أيام ذرورة ضعف النظام السوري لم تفكر أي جهة بالاقتراب من مجمع الكليات العسكرية الواقعة في محيط مدينة حمص”.

وقال شعبان الخميس لموقع “الحرة”: “هذه المنطقة وهيكليتها وتفاصيلها التقنية عند النظام السوري حصرا”، ومن “سيُقدم على هذا الهجوم سيكون على اطلاع ومعرفة كاملة بتفاصيل مجمع الكليات الحربية في المدينة”، حسب تعبير الباحث السوري.

وتلقى وزير الخارجية، فيصل المقداد، اتصالا من نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أعرب الأخير من خلاله عن تعازيه بالقتلى وإدانته لما وصفه بـ”الاعتداء الإرهابي”، كما تلقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد تعازي من حليفه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

واعتبر “حزب الله” اللبناني، في بيان نشرته قناة “المنار” أن “هذه الجريمة النكراء والمدانة تؤكد على طبيعة المعركة المتواصلة مع الجماعات الإرهابية ومشغليها الإقليميين والدوليين، وعلى خطورة المؤامرة الكونية ضد سوريا وشعبها الصامد”.

وبعد “الهجوم” في الكلية الحربية في حمص، صعّدت قوات النظام السوري من هجماتها ضد مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا.  وتسببت هجمات النظام بمقتل 13 مدنيا وإصابة 62 آخرين، جراء استهدافها الأسواق الشعبية والأحياء السكنية وأربعة مدارس ومسجد ومركز إسعافيا، ومرفق للكهرباء، ومحطة للمحروقات، وفق بيان لـ”الدفاع المدني السوري”.

ضياء عودة

الحرة

————————

=================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى