نقد ومقالات

هل غيرت السوشيال ميديا علاقتنا بالكتاب والكتابة؟/ مناهل السهوي

3 يناير 2024

بعد أكثر من 4 سنوات على صدور رواية الأميركي آدم سيلفيرا “كلاهما يموتان في النهاية” (2017) بدأ المراهقون بتصوير أنفسهم قبل وبعد قراءة الكتاب وهم ينتحبون ويبكون بشدة عند الوصول إلى نهاية الكتاب المؤثرة، ثم ينشرون مقاطع الفيديو على منصة “تيك توك”، تحول الأمر إلى ترند ما دفع المراهقين حول العالم لشراء الرواية، بدافع الفضول، لمعرفة ما الذي يجعل مراهقًا يبكي إلى هذا الحد أمام الكاميرا، في النهاية وصلت الرواية إلى قمة قوائم الكتب الخيالية للمراهقين وما زال الإقبال عليها مرتفعًا حتى الآن. هذا مثال بسيط لتأثير وسائل التواصل الإجتماعي على عملية نشر الكتب، والذي لا يقتصر على النشر وحسب، بل بات يؤثر في صناعة الأدب ذاته.

هل تصفحت يومًا حساب الكاتبة الإماراتية أمل السهلاوي على الانستغرام، أو حساب المترجمة المصرية ضي رحمي على الفيسبوك، وحساب الشاعرة الأميركية روبي كور على الانستغرام؟ الآلاف يتابعون هؤلاء الكاتبات، آلاف القراء يضعون الإعجابات ويشاركون ما تنشره هذه الحسابات التي باتت أقرب إلى حسابات مشاهير الغناء والتمثيل، وهو دليل على أن الأدب يمكن أن يأخذ مكانه في عالم التواصل الاجتماعي ويمكن للقصيدة أن تصبح “ترند” ويغدو لها متابعون وتحافظ على مستوى جيد.

تخطت وسائل التواصل الإجتماعي وسائل الإعلام التقليدية، مثل الكتب والتلفزيون والإذاعة والمسارح، والتي استخدمت سابقًا لنقل المواد الأدبية، كان الأدب والفنون مقتصرًا على من يستطيعون تحمل تكاليف الأماكن أو الوصول إليها أما اليوم فالوصول إلى أي كتاب لا يحتاج سوى إلى الضغط على رابط.

يمكن القول إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت ثورة في عالم الأدب، فوفرت سبلًا جديدة للمؤلفين للتفاعل مع جمهورهم، ربما لم يكن ليتخيلها الكتاب والمؤلفون قبل قرن من الزمن أو حتى قبل عشرات السنين، أن يجلس الكاتب اليوم مباشرة أمام القارئ، يكتب أمامه، ينتظره بينما يقرأ منتجه ثم يبدي إعجابه أو العكس، يجلس المؤلف اليوم في مواجهة نقد مباشر من القارئ، لن ينتظر صدور الجريدة في اليوم التالي أو الأسبوع القادم ليقرأ ردة فعل الجمهور على كتبه أو مقالاته، وهكذا غيرت وسائل التواصل الاجتماعي طريقة تفاعلنا مع بعضنا البعض إلا أنها غيّرت بشكل أساسي الطريقة التي نتفاعل بها مع الآداب والفنون والكتب.

الخوارزميات وتغيير أنماط الكتابة

بات المؤلف اليوم مضطرًا بطريقة أو بأخرى إلى مجاراة التطور الرقمي، والترويج لأعماله عبر نظام الخوارزميات، ما يعني أنه مستعد في مكان لتغيير ما في عمله، ليتوائم مع هذه الخوارزميات ورغبات الجمهور السريعة والمتبدلة، ليعيد هيكلة أفكاره وموضوعاته، بما يساهم في كسب جمهور أوسع وهذا أدى إلى تغيير في الموضوعات والأساليب الكتابية.

ساهم إيجاز وفورية وسرعة السوشيال ميديا في تكيف عدد من الكتاب بطرق جديدة، فباتت النصوص مختصرة، يدمج فيها المؤلف عناصر جديدة مثل الوسوم والميمات لا بل باتت السوشيال ميديا موضوعًا للشعر مثلًا، فبتنا نقرأ قصائد تتحدث عن ألم انتظار رسالة من الحبيب على “المسنجر” او “الوتس أب”، بطريقة ما وحتى لو لم تكن مرضية للجميع، خلقت وسائل التواصل الاجتماعي ديمقراطية في التأليف والنقد والنشر.

هكذا باتت وسائل التواصل الاجتماعي أرضًا للتجريب، حتى في الأدب نفسه، فبات المؤلفون يطرحون أسئلة على أنفسهم من قبيل: ما الذي يجذب الجمهور وكيف يمكن تطوير ما يكتبونه حتى يتناسب وجمهور السوشيال ميديا المتطلب وسريع النزق؟

من التجارب الأدبية المبهرة على وسائل التواصل الاجتماعي مشروع قام به المؤلف الانكليزي الشهير نيل غيمان عام 2013 حيث غرد السطر الأول من قصة، داعيًا جميع مستخدمي “تويتر” إلى التعاون من خلال إنشاء الجمل التالية، واحدة تلو الأخرى، حتى تنتهي القصة.

بدأ غيمان بالسطر الأول من القصة: “كانت سام تمشط شعرها عندما وضعت الفتاة في المرآة فرشاة الشعر، وابتسمت، وقالت: لم نعد نحبك” وهكذا بدأ المشروع، ما تلا ذلك كان قصة ملحمية عن الأراضي الخيالية، والأشياء السحرية، والأصدقاء الشجعان، والأشرار الخطيرين، رواية مليئة بالأشياء الخارقة للطبيعة كالورود الزرقاء الغامضة والدمى المزعجة وهكذا قام الغرباء الافتراضيون الذي بلغ عددهم نحو 100 شخص بكتابة قصة ساحرة.

ربما لا تكون السوشيال ميديا سيئة تمامًا…

وسائل التواصل الاجتماعي هي فرصة للأصوات المهمشة، أو تلك التي لم تستطع الوصول سابقًا سواء بسبب سياسات النشر أو الصعوبات المتعلقة بالانتشار، فغدا هذا المكان فرصة لمشاركة نتاجهم الأدبي مع جمهور واسع، لا شك أن ذلك ساهم في صنع مشهد أدبي أكثر اتساعًا لكنه في الوقت ذاته منح فرصة حتى لأولئك الذين لا يمتلكون الموهبة لنشر محتواهم.

مع ذلك، لوسائل التواصل الاجتماعي سلبيات تتعلق بخوارزمياتها أكثر من نوعية المنتج ذاته، إذ يكتسب بعض الكتاب شعبية أكبر في خوارزميات هذه التطبيقات لأسباب مختلفة، ما يؤدي إلى وضع مؤلفين محددين في مقدمة الاهتمام والنجاح على هذه المواقع، ما يسمح لهم باكتساب المزيد من المتابعين ودفع القراء إلى شراء كتبهم، بالمقابل يعجز مؤلفون ماهرون، ربما يمتلكون موهبة أكبر من الفئة الأولى من الحصول على 10 إعجابات وتستمر الخوارزميات في دفعهم إلى الأسفل.

لكن لا يمكن عمومًا الاستخفاف بوسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص نقلها الأدب، سواء أعجبنا ذلك أم لا،  أولًا لأن هناك إجماعًا متزايدًا بين علماء الأدب على أن معنى الأدب لا يمكن دراسته أو فهمه بشكل صحيح خارج الوسيلة المحددة لنقله وأرشفته، وذهب البعض لاعتبار الوسيلة (أي وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى) أهم من المنتج نفسه، وهكذا  لم تعد الوسائط التي يتم من خلالها نقل الأدب تعتبر ثانوية بالنسبة للمضمون أو الشكل الأدبي، بل تستحق الاهتمام في حد ذاتها، وبشكل تلقائي يمكن للمحتوى والشكل الأدبي أن يتأثرا في كثير من الأحيان بشدة بوسائل نقلهما، وإن فهم كيفية تأثير وسائل الإعلام على الأدب أمر مهم لأنه يتيح تطوير التقنيات التي تساهم في هذه التغييرات الأدبية.

إحالات مختارة:

Hearts, Keys, and Puppetry- Neil Gaiman- February 8, 2010 by BBC Audiobooks America

The Impact of media on literature- William Egginton and Bernadette Wegenstein- The Johns Hopkins University

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى