منوعات

غوريلا واحدة ضد 100 رجل… من ينتصر؟/ عمّار فراس

14 يونيو 2025

أفردت قناة إيه بي سي الإخبارية الأميركية (ABC) فقرة كاملة لمناقشة السؤال الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أكثر من شهر، وهو سؤال بسيط مفاده: “من سينتصر في معركة بالأيدي بين غوريلا واحدة و100 رجل؟”. السؤال الذي بدأ تداوله في صفحات “ريديت” عام 2020، ثم انتقل إلى “تيك توك” عام 2022، طرحه مجدداً هذا العام اليوتيوبر الشهير، مستر بيست، الذي قال إنه يبحث عن 100 متطوع للمشاركة في تحدٍ افتراضي لقتال غوريلا، ما أشعل وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلن آلاف المتطوعين عبر التعليقات استعدادهم للمشاركة، فتحديات مستر بيست قد تليها جوائز تبلغ أحياناً مليون دولار.

أجاب عدد من علماء الأحياء عن السؤال، مشيرين إلى أن التنسيق بين البشر في مثل هذه “المعركة” يعني أنهم سينتصرون، كما أن الغوريلا “بطبيعتها” تختار معاركها بدقة، ولا تدخل في مواجهة خاسرة، خصوصاً ضد 100 رجل. أضف إلى ذلك أنها سريعة التعب. ويمكن القول إن “العلم” أجاب بوضوح: الغوريلا ستخسر.

لكن، الإجابة العلمية الواضحة لم تكن كافية. نحن في عالم لم يعد للعلم فيه سطوة الإقناع أو القدرة على الحد من النكتة أو الفرضيات المستحيلة، خصوصاً في عالم ما بعد “الأرض المسطحة”؛ إذ طرح كثيرون أسئلة حول مفهوم الرجولة والرفق بالحيوان، لكن سارع صانعو المحتوى إلى محاولة الإجابة عن السؤال الرئيسي، استناداً إلى تسجيلات فيديو لغوريلات تتصارع، وتحليلات لأدائها القتالي، من دون أي مرجعية علمية. بصورة ما، نفس التقنيات التي استُخدمت لإثبات أن الأرض مسطحة، تُستخدم الآن للإجابة عن سؤال نعرف إجابته العلمية بدقة.

لم ينتظر مصممو المشاهد ثلاثية الأبعاد طويلاً، إذ انتشرت فيديوهات تحاكي هذه “المعركة”، وخرجت منها الغوريلا منتصرة. لكن أكثرها إثارة للقشعريرة، تلك التي استُخدمت فيها تقنيات “التزييف العميق”، ويظهر فيها الغوريلا كـ”إنفلونسر”، يتحدث إلينا ويخاطبنا بعد المعركة، شارحاً كيف خاضها ومتحدثاً عن الإصابات التي تلقاها، على غرار فيديوهات المغامرين الذين يبثون يومياتهم عبر منصات التواصل. بصورة ما، نطقت الغوريلا، وظهرت بوصفها بشرياً يخوض معركة ويبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. انتشرت أيضاً فيديوهات عبر الذكاء الاصطناعي لغوريلا تتحدث كما لو كانت في مقابلة بودكاست، تستفز من يتحداها وتؤكد قدرتها على الانتصار، وتتصرف على أنها “رجل” يشبه أندرو تيت وغيره من رموز “الرجولة المفرطة”. هكذا، فإن الغوريلا، بسبب شكلها، تحوّلت إلى “رجل” يريد القتال، أو مقاتل من مقاتلي فنون القتال المختلطة (MMA).

ظهر الأمر نفسه في المحتوى العربي، لكن أقل جدية مقارنة بنظيره الأميركي، إذ كان التركيز على الذكاء الاصطناعي نفسه، وليس على واقعية الفرضية، وكانت الفيديوهات أقرب إلى الشرح منها إلى محاولة الإجابة عن السؤال في سياق محلي. المفارقة أن كل هذه المنشورات والمحتوى المصنوع خصيصاً للإجابة عن السؤال، لم تستحضر كينغ كونغ، الغوريلا العملاقة التي تسلّقت مبنى إمباير ستايت. كان التركيز فقط على الغوريلا بشكلها ومفهومها الطبيعي، تلك التي نراها في حدائق الحيوان أو على شاشات التلفاز ضمن البرامج الوثائقية. كان التركيز على القوة والسطوة والذكورة، من وجهة نظر البشر أنفسهم، خصوصاً الرجال. نحن إذن أمام استعراض للفحولة تجاوز البشر وبلغ مملكة الحيوان.

أن يظهر سؤال كهذا فجأة، ويتحوّل إلى “ترند”، يدفعنا إلى التأمل مجدداً في طبيعة العصر الذي نعيشه، وفي غزو ثقافة الذكاء الاصطناعي، التي يمكنها الآن، في ثوانٍ معدودة، ومن خلال عدد من التطبيقات، توليد معركة بين عشرات الغوريلات والبشر والحيوانات والكائنات الخرافية. لم تعد للمخيّلة حدود، سواء أردنا تخيّل معركة عابرة للأنواع، أو تصور شكل غزة بعد أن يستثمرها دونالد ترامب وتُفني إسرائيل من فيها. لم يعد يهم مدى واقعية أو جدية الفرضية، فبالإمكان خلق معادلات بصرية لها من دون تردد أو جهد.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى