سياسة

الحصاد السوري المر لعام 2021 – مقالات مختارة-

————————

سوريا… 3 «دويلات» و«جحيم» بدرجات/ إبراهيم حميدي

2021 سنة ثبات {الحدود» واستمرار غارات إسرائيل… ودول عربية اختبرت التطبيع مع دمشق

خمسة عناصر مفتاحية خيّمت بظلِّها على سوريا وأهلها، حيثما كانوا، في السنة المنصرمة. جميع الخيوط، ليست بذات الأهمية، لكنّ تشابكها ومآلاتها ستترك أثراً في مستقبل البلاد والعباد خلال السنة المقبلة أو السنوات اللاحقة، كما أنها ستترك آثارها في قرارات «اللاعبين» الخارجيين والجيوش الخمسة (روسيا، وإيران، وتركيا، وأميركا، وإسرائيل) والتأرجح بين التسويات والصدامات على أرض الشام.

دولة و «دويلات»

للسنة الثانية، بقيت خطوط التماس ثابتة في الدولة السورية بين مناطق النفوذ الثلاث أو «الدويلات السورية»: واحدة تحت سيطرة الحكومة بدعم روسي وإيراني، وتشكّل تقريباً ثلثي مساحة سوريا البالغة إجمالاً 185 ألف كلم مربع، وسط البلاد وغربها وجنوبها، كانت قبل سنوات تسمى «سوريا المفيدة»، إلى أن تم اكتشاف أن سوريا المفيدة حقاً تقع في الضفة الأخرى من نهر الفرات، وهي تشكل المنطقة الثانية من حيث الثروات والمكونات والجيوسياسيات التي تختزن معظمها، وتمثل من حيث الجغرافيا أقل من ربع مساحة البلاد، وتقع هذه المنطقة تحت سيطرة التحالف الدولي بقيادة أميركا وحلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية، وتقع عموماً شرق نهر الفرات، مع جيبين في منبح بريف حلب شمالاً وفي التنف جنوب شرقي البلاد، قرب حدود الأردن والعراق.

في اللعبة الكبرى، يقع «الجيب الكبير» في زاوية الحدود السورية – التركية – العراقية. ولهذا معنى كبير. يضاف إليه جيب جيوسياسي آخر، يقع في الزاوية السورية – العراقية – الأردنية، في قاعدة التنف. يضاف إليه عنصر آخر، وهو أن هذه القاعدة هي «العين الساهرة»، التي تستفيد من طاقاتها إسرائيل في الإطلالة استخباراتياً على سوريا والعراق… و«معاقل إيران».

أما منطقة النفوذ الثالثة فهي تقع تحت سيطرة فصائل سورية أو «مهاجِرة» مختلفة، مدعومة بدرجات متفاوتة من الجيش التركي، وتضم ثلاثة جيوب: واحد بين رأس العين وتل أبيض شرق الفرات، وثانٍ في عفرين وجرابلس والباب بريف حلب شمال سوريا، والثالث في إدلب وأقسام من أرياف حماة واللاذقية وحلب، في شمال غربي البلاد.

وتشكل هذه الجيوب نحو عشرين ألف كيلومتر، أي ضِعف مساحة لبنان. وتضم بشرياً نحو 3.5 مليون شخص، يضاف إليهم عدد مماثل يقيمون لاجئين في تركيا، التي «تحتضن» أكبر عدد من المقترعين السوريين في حال أُتيحت لهم ذات يوم فرصة الاقتراع. إنهم حقاً «خزان بشري».

ومع لمسة مبالغة، يذكّر واقع «الدويلات الثلاث» تحت المظلة الروسية منذ 2015 بـ«دويلات سوريا» خلال فترة الانتداب الفرنسي في العقود الأولى من القرن الماضي، إذ منذ الاتفاق بين الرئيسين الروس فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في موسكو في 5 مارس (آذار) من عام 2020 لم يطرأ تغيير كبير على هذه الخطوط بين «الدويلات». وقد سعت دمشق، بل وعد موالون للسلطات، بشن حملة عسكرية للتقدم نحو إدلب، لكن الجانب الروسي كان ينصح ثم يردع هذه الرغبات، التزاماً بتفاهماته مع تركيا. وهي التزامات مرتبطة بلعبة أكبر بين بوتين وإردوغان تخص ليبيا وناغورنو قره باغ وأوكرانيا ومصير «حلف شمال الأطلسي»، وصفقات اقتصادية وعسكرية وجيوسياسية بين أنقرة وموسكو. في ظرف كهذا، مسكينة دمشق وإدلب عندما ترتميان على طاولة «القيصر» بوتين و«السلطان» إردوغان.

الجروح ليست أقل عمقاً عندما تشرَّح الخريطة السورية على طاولة البيت الأبيض والكرملين. إذ تعززت خطوط التماس في السنة الماضية لدى تسلم الرئيس جو بايدن الحكم، والانسحاب الكارثي من أفغانستان، حيث اتخذت واشنطن قراراً بعدم الانسحاب العسكري من شمال شرقي سوريا، وأبلغت ذلك إلى الروس وحلفائها الأكراد السوريين، بحيث بدا أن الوجود العسكري الأميركي باقٍ على حاله، على الأقل إلى نهاية ولاية بايدن بعد ثلاث سنوات.

هذا الثبات الأميركي، لم يعد رهن تغريدة من «المغرد الكبير» دونالد ترمب، إذ يعود ثبات الخطوط أيضاً إلى تفاهمات عسكرية روسية – أميركية تضبط العمليات بين الجيشين منذ منتصف 2017، وجرى تأكيدها في نهاية 2019 بعد الانسحاب الجزئي الأميركي بقرار أو تغريدة من ترمب، ودخول قوات روسية وسورية وتركية إلى منطقة النفوذ الأميركية.

أمام الثبات في الخطوط، فقد حصل تغيير وحيد في جنوب غربي سوريا، إذ إن الجانب الروسي قاد أو فرض عملية مصالحات، تضمنت «انقلاباً» على تفاهمات سابقة أميركية – أردنية – روسية في منتصف 2018، وقضت وقتذاك بعودة قوات الحكومة مقابل خروج إيران وتخلي المعارضة عن السلاح الثقيل. التسويات الجديدة قضت بتخلي المقاتلين المعارضين عن جميع أنواع السلاح، بما فيه الشخصي، وعودة كاملة لدمشق إلى درعا «مهد الثورة» التي انطلقت في ربيع 2011، ذاك الربيع الذي لا يحبه بوتين، واكتوى بنيرانه في دول الكتلة الشرقية قبل عقود.

قَبِلت قوى إقليمية، تقدم العربات الروسية إلى جنوب سوريا، على أمل، أو رهان، بأن يؤدي ذلك إلى إبعاد إيران عن حدود الأردن وخط فصل الاشتباك في الجولان مع إسرائيل. لم لا، ما دام أنه ليست هناك ضمانة أخرى لـ«حماية أمن الحلفاء» جنوب سوريا، غير الجرأة الروسية؟

غارات إسرائيل

هذه «الجرأة» بدت في الغطاء الذي قدمه بوتين لإسرائيل في ملاحقة إيران عسكرياً في سوريا. فعلاً، شيء لافت أن يسمح بوتين لإسرائيل بقصف مكثف للإيرانيين، حلفائه في سوريا وغيرها.

في العام المنصرم، حصلت في سوريا بعض المناوشات هنا أو هناك. فقبل قمة الرئيسين بوتين وإردوغان في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، قامت طائرات روسية بقصف فصائل محسوبة على تركيا في ريفي إدلب وحلب، كما استمر القصف المدفعي عبر «الجبهات»، لكن لم يحصل تغيير جوهري على مكان الخطوط.

التغيير الوحيد، أو ربما الثابت الوحيد عسكرياً، هو استمرار القصف الإسرائيلي في جنوب سوريا وشمالها وشرقها ووسطها وغربها. قد يكون هذا بين الأمور القليلة التي تحظى بدعم الكرملين والبيت الأبيض: أمن إسرائيل. استمرت الغارات الإسرائيلية على «مواقع إيرانية» امتداداً لـ«حرب الظل» الإيرانية – الإسرائيلية في البر والبحر والجو في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ تدخل روسيا في سوريا نهاية 2015، حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، على «حرية الحركة ضد إيران في سوريا» من الرئيس فلاديمير بوتين. ورغم حصول بعض التوترات، لكن قاعدة حميميم بقيت ملتزمة بعدم الرد وعدم تشغيل منظومات الصواريخ المتطورة من «إس 400» و«إس 300» ضد الطائرات الإسرائيلية لدى استهدافها «مواقع لـ(حزب الله) في الجولان، وقواعد عسكرية إيرانية، ومصانع أو مخازن صواريخ باليستية».

خضعت هذه التفاهمات لاختبار لدى تسلم نفتالي بنيت موقعه رئيساً للوزراء في يونيو (حزيران) الماضي. وبالفعل، سعت روسيا إلى «تقييد» حركته في سوريا، إلى أن التقى الرئيس بوتين في سوتشي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقبل اللقاء، استهدفت مسيرات إيرانية قاعدة التنف الأميركية جنوب شرقي سوريا، «رداً» على قصف إسرائيل قاعدة إيرانية في ريف حمص، ضمن مساعي طهران للضغط على موسكو قبل لقاء بنيت – بوتين. لكنّ هذا اللقاء استمر لخمس ساعات، وكان «حاراً وسرياً ودافئاً»، وعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إلى تل أبيب بـ«أفضل مما كان في جعبة نتنياهو». جرى تفعيل آلية التنسيق العسكرية بين قاعدة حميميم وتل أبيب، وصعّدت إسرائيل من غاراتها في سوريا، بل إنها استخدمت صواريخ أرض – أرض لقصف ريف دمشق في أكتوبر، ثم قصفت للمرة الأولى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.

وقبل أن يطوي العام أيامه الأخيرة، كشفت مصادر إسرائيلية عن استهداف عشرات الأهداف لـ«حزب الله» في جنوب سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية من دون رد إيراني أو من «حزب الله». وكان آخرها أمس، عندما استهدفت إسرائيل مطار اللاذقية على بُعد عشرين كيلومتراً من قاعدة حميميم الروسية، وذلك للمرة الثانية في أقل من شهر.

المساعدات الإنسانية

منذ وصول بايدن إلى الحكم، تراجعت أولوية الملف السوري في أجندته، بشكل أكبر من تراجع ملفات الشرق الأوسط الأخرى. واكتفت الإدارة الأميركية بتحديد ثلاثة أهداف: تقديم مساعدات إنسانية إلى كل السوريين، ومنع عودة «داعش»، والحفاظ على وقف النار وثبات خطوط التماس.

وضمن الصورة الأوسع ثنائياً ودولياً، أبلغ بايدن بوتين لدى لقائهما في جنيف في يونيو الماضي، أن تمديد قرار مجلس الأمن للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» قبل انتهاء ولاية القرار في يوليو (تموز)، هو «الاختبار» لإمكانية التعاون حول ملفات أخرى تخص سوريا. وبالفعل، اتفق مبعوثو الرئيسين خلال لقاء سري في جنيف بداية يوليو على مسودة قرار جديد، تضمن مقايضة: روسيا توافق على تمديد قرار المساعدات «عبر الحدود»، مقابل موافقة أميركا على تقديم المساعدات «عبر خطوط التماس» وعبر دمشق، إضافةً إلى تمويل مشاريع «التعافي المبكر». الهدف الروسي من هذين البندين: توسيع الاعتراف بسلطة دمشق والالتفاف على «الخط الأحمر» الأميركي – الغربي – العربي بـ«عدم تمويل مشاريع الإعمار قبل تحقيق تقدم لا رجعة عنه في العملية السياسية وفق القرار 2254».

عُقد لاحقاً لقاءان آخران بين الروس والأميركيين في جنيف، لبحث تمديد القرار لستة أشهر أخرى في بداية العام المقبل وتوسيع المساعدات «عبر الخطوط» و«التعافي المبكر»، إضافة إلى تساهل واشنطن بتقديم استثناءات من العقوبات لدعم المشاريع الإنسانية ومواجهة «كورونا».

وبقي الملف الإنساني رئيسياً في جدول المحادثات من دون العبور إلى قضايا سياسية أعمق وأكبر، حتى إن المبعوث الأممي غير بيدرسن نجح بالكاد في عقد اجتماعات بسيطة للجنة الدستورية. لكنّ موقف إدارة بايدن هذا، وعدم اهتمامها بالملف السياسي، فتحا المجال للعنصر الرابع الأساسي في سوريا، الذي يتعلق بالتطبيع مع دمشق، خصوصاً في ضوء إلحاح وإصرار الجانب الروسي على العرب لإعادة دمشق إلى «الحضن العربي»، والاعتراف بـ«الأمر الواقع» وإعادة «الشرعية إلى الحكومة الشرعية»، وضخ الأموال لإعمار سوريا، و«عدم تكرار التجارب الغربية الفاشلة في تغيير الأنظمة في العراق وليبيا وغيرها».

التطبيع العربي

منذ نهاية 2011 اتخذ مجلس الجامعة العربية قراراً بـ«تجميد» عضوية سوريا فيه. وبقي الوضع على حاله سنوات، بل إن ممثلي «الائتلاف الوطني السوري» المعارض حضروا مؤتمرات للقمة العربية، وحظي باعتراف دول واسعة في الجمعية للعامة للأمم المتحدةـ. لكن الحكومة بقيت ممثلة في مؤسسات الأمم المتحدة، لأن مجلس الأمن لم يتخذ قراراً بتجميد العضوية.

ومع تغير الظروف في سوريا وتدخل إيران وتركيا وتغيير ظروف الإقليم والعالم خلال عقد، بدأت بعض الدول تدريجاً بإعادة فتح أبواب مع دمشق، حيث عادت سفارة الإمارات والبحرين للعمل جزئياً في نهاية 2018، وجرت زيارات أو اتصالات أمنية وسياسية، علنية وسرية، من مسؤولين عرب مع الحكومة السورية. لكن لم يكن هناك إجماع على عودتها إلى الجامعة وحضور القمم العربية.

ومع تسلم إدارة بايدن وغياب الدور القيادي الأميركي في الملف السوري وتخليها بوضوح عن سياسة «الضغط الأقصى» التي اتّبعتها إدارة دونالد ترمب ضد دمشق وطهران، ومع «تغييرات في الواقع»، إضافةً إلى إعلان إدارة بايدن بوضوح القطيعة مع مبدأ «بناء الأمم» و«تغيير الأنظمة» بعد فشل تجربة أفغانستان عقب عقدين، والعراق وليبيا بعد سنوات، مضت دول عربية بخطوات انفرادية أوسع نحو التطبيع، حيث تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله في بداية أكتوبر اتصالاً من الأسد، الذي استقبل في نوفمبر (تشرين الثاني) وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. وهاتان الخطوتان كانتا الأبرز في مجال التطبيع العربي منذ 2011، وإن كانت سبقتهما خطوات أخرى، تضمنت اتصالات من قادة عرب بالأسد بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو (أيار) ولدى أداء القسم في يوليو.

لكن، بعد مرور أشهر على تلك الخطوات، لوحظ جمود في مسار التطبيع العربي، وانخفض سقف التوقعات باحتمال حضور سوريا القمة العربية المقررة في الجزائر نهاية مارس المقبل. وقيل إن السبب هو أن دمشق لم تقم بتقديم تنازلات للدول العربية فيما يتعلق بالعملية السياسية الداخلية، أو «خروجها من الأجندة الإيرانية»، أو محاربة تهريب المخدرات وتفكيك شبكاتها، أو محاربة الإرهاب وتبادل معلومات عنه.

وعليه، تلاشت آمال سوريين في تحسين الأوضاع الاقتصادية. وهذا هو العنصر الخامس البارز في سوريا في 2021.

أزمة وهجرة

مشهد السوريين يركبون «قوارب الموت» للهروب من الحرب عبر البحار إلى أوروبا، كان صادماً في 2015، وساد اعتقاد أنه انتهى، خصوصاً مع ثبات «خطوط التماس» وبعض الإشارات التطبيعية العربية والتغيير في مواقف دول غربية وعربية. لكن الأسابيع الأخيرة قدمت صورة مختلفة، حيث وصل السوريون إلى حدود بيلاروسيا مع بولندا «هرباً من الجحيم» في سوريا للوصول إلى «الحلم الأوروبي». كما تناقلت وسائل تواصل اجتماعي صور سوريين بالآلاف أمام مؤسسات الهجرة للحصول على جوازات سفر.

المحرك الرئيسي لموسم الهجرة في 2015 كان الحرب والأمان. والدافع الأساسي للموسم الجديد من الهجرة كان اقتصادياً، وغياب الأمل لدى فئة واسعة من السوريين، خصوصاً في منطقة سيطرة الحكومة. وظهر انطباع بأن «النصر العسكري» لم يُترجم إلى ملاءة اقتصادية ومكاسب معيشية وأخرى تتعلق بالأمان والعيش اليومي.

كان الرهان على رفع العقوبات بعد التطبيع العربي، وعودة الكهرباء والنور إلى دمشق وأخواتها، بعد إشارات وخطوات التطبيع وبيانات الدعم وإشارات الصمت ودعم إدارة بايدن لموافقة مصر على مد «أنبوب الغاز العربي» إلى سوريا ولبنان عبر الأردن. لكن سيف عقوبات «قانون قيصر» بقي مسلطاً ومتحالفاً مع شبكات الفساد في سوريا والترهل الإداري وغياب الخبراء، فبقيت دمشق في الظلمة، يعاني أهلها الفقر والجوع، أو يبحثون عن حلم وراء الحدود، وبقي أهلها وشبابها يطاردون الأحلام والأنوار في جغرافيا وضفاف أخرى.

مآلات وأسئلة

لا شك أن عام 2021 كان محطة في الصراع السوري بعد عِقد على اندلاعه، فتح عيون السوريين. فثبات خطوط التماس لم يُنهِ المعاناة، بل إن المعاناة عنوان يجمع السوريين حيثما كانوا، داخلاً أم خارجاً. فمن هو في الداخل يريد الهجرة، والمهاجر يريد توفير ظروف العودة. وعليه، سيكون العام المقبل محطة أساسية أخرى لفحص هذه التطورات التي تبلورت في السنة المنصرمة، والحصول على إجابات لأسئلة رئيسية: هل تبقى خطوط التماس ثابتة؟ وإلى متى؟ وهل مصير سوريا التقسيم أم اللامركزية أم العودة إلى «السيادة الكاملة»؟ هل ينعكس أي توتر في أوكرانيا على التفاهمات الأميركية – الروسية شرق الفرات من جهة، أو الترتيبات الروسية – التركية في إدلب من جهة أخرى، ويغيِّر حجم وحدود «الدويلات»؟ هل يبقى الضوء الروسي أخضر أمام إسرائيل في ملاحقة إيران في سوريا؟ وكيف سينعكس مصير مفاوضات الملف النووي الإيراني، اتفاقاً أم انهياراً في سوريا؟ هل تبقى «حرب الظل» الإسرائيلية – الإيرانية مضبوطة أم تفلت من أيدي «الساحر» بوتين؟ ما مصير التطبيع العربي وحدوده وبرنامجه الزمني؟ وهل تحضر سوريا القمة العربية في الجزائر؟ وكيف سيكون مسار التطبيع العربي وموقف واشنطن منه في حال فاز الجمهوريون بالانتخابات النصفية المقبلة؟ وأين سوريا في الحوار الروسي – الأميركي؟ هل ينجح المبعوث الأممي في مقاربة «خطوة مقابل خطوة» وتشكيل «مجموعة اتصال جديدة»؟ بين هذا وذاك، أين سيكون السوريون؟ هل يعود الموجودون في الخارج أم يغادرون «الكابوس»؟ أم بالفعل، يسمع الخارج نصيحة أهل الداخل، عندما قالوا: «لاتعودوا، نحن نريد الخروج من الجحيم»؟

الشرق الأوسط

——————————-

سوريا 2021: قواسم الاحتلالات وبؤس المعارضات/ صبحي حديدي

ليست مصادفة أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي استهلت العام 2021 بقصف جنوب سوريا، مستهدفة مواقع عسكرية تخصّ «الحرس الثوري» الإيراني وتابعه «حزب الله» اللبناني؛ ثمّ، خلال الاستهلال ذاته، قصفت مناطق في البوكمال والميادين وتخوم مدينة دير الزور، شرق سوريا وقريباً من الحدود العراقية، فأصابت سلسلة أهداف إيرانية أو مرتبطة بميليشيات عراقية ذات تبعية إيرانية؛ ثمّ اختتمت العام بقصف ميناء اللاذقية، مرّتين خلال شهر كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي، فخلّفت انفجارات وحرائق واسعة في منطقة تأوي حاويات أسلحة وذخائر إيرانية.

القاسم المشترك الأوّل هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يحمل الصفة بسبب من احتلال فلسطين وحدها بل من احتلال مرتفعات الجولان السوري أيضاً؛ والقاسم المشترك الثاني هو الاحتلال الإيراني، المباشر عبر وحدات عسكرية وضباط وخبراء، أو غير المباشر عبر أذرعة إيران وميليشياتها المذهبية؛ وأمّا القاسم المشترك الثالث فهو النظام السوري، الصامت المُذلّ المهان، الواعد أبداً بالردّ في الزمان والمكان المناسبين.

الاحتلالات الأخرى، الروسية والتركية والأمريكية، لا نصيب لها من الضربات الإسرائيلية، لاعتبارات شتى جيو ـ سياسية غالباً، أو تكتيكية بين حين وآخر، أو ذات صلة في كلّ حال بتكامل المصالح الضمنية العميقة رغم ما قد يلوح على ظاهرها من تصارع أو اشتباك او حتى تناقض: روسيا، مع أمريكا أو مع تركيا؛ وأمريكا، مع تبديل الأطراف بين موسكو وأنقرة؛ وهذه الأخيرة، مع الكرملين تارة أو البيت الأبيض تارة أخرى، من دون استبعاد تل أبيب حين تقتضي الحال تسعير خطاب الخلاف على مستويات لفظية وديماغوجية. وخارج القواسم ثمة مقادير مذهلة من التفاهم بين رادارات موسكو في منطقة الساحل السوري ومنصات منظومة المضادات S ـ 300 وS ـ 400 التي لا تشتغل إلا بإذن من الضباط الروس في قاعدة حميميم؛ ومثلها مسيّرات «بيرقدار» TB2 التركية، التي لا تحلّق إلا في سياق انتزاع حصّة تمدّد تركية هنا أو فرض ورقة ضغط تفاوضية سياسية هناك.

وخارج القواسم، كذلك، ثمة طراز مذهل بدوره من الصمت الإيراني على الضربات الإسرائيلية المتعاقبة، الموجعة تماماً في بعض الحالات (كما في قصف دير الزور واللاذقية) من جهة أولى؛ والامتثال الواسع، وليس الجزئي أو الشكلي أو الرمزي، للمطالب الإسرائيلية المبطنة طيّ تلك الضربات، كما في إعادة انتشار «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» خارج الجولان، والامتناع تالياً عن المغامرات الطفولية وألعاب المفرقعات على الحدود مع الاحتلال. وقد يقول قائل، محقاً في جزء غير قليل من المطارحة، بأنّ هذه هي أيضاً سياسة إيران تجاه العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية التي تطال منشآت نووية داخل إيران ذاتها، أو تستهدف اغتيال علماء ذرّة إيرانيين في عقر دورهم؛ غير أنّ هذا الجزء الأوّل من المطارحة يخفي الجزء الثاني، المكمّل، الذي يشير إلى صمت روسي على الضربات الإسرائيلية في عمق الأراضي السورية، يجوز تصنيفه تحت صفة التواطؤ مع دولة الاحتلال من باب إضعاف الوجود العسكري الإيراني في سوريا، أو إنهاكه على الأقلّ، لصالح المزيد من توطيد الوجود العسكري الروسي في البلد.

«مركز جسور للدراسات» أحصى المواقع العسكرية التالية للقوات الأجنبية، على اختلاف جنسياتها: حلب 155، دمشق وريفها 78، إدلب 76، حمص 51، دير الزور46، حماة 43، الحسكة 38، الرقّة 32، درعا 26، القنيطرة 21، السويداء 17، اللاذقية 13، وطرطوس موقع واحد. وتفيد هذه الخريطة أنّ ما تبقى من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يشغل 28 موقعاً، والقوات التركية 122، والقوات الروسية 114، بينما تنفرد القوات الإيرانية بالرقم الأعلى، إذْ تنتشر في 333 موقعاً: 186 تخصّ «الحرس الثوري» الإيراني، و80 يشغلها «حزب الله» و67 موقعاً مشتركاً بينهما.

ومن نافل القول إنّ انتشار القوّات النظامية التابعة رسمياً للنظام يحكمه طبائع صلاتها مع نقاط انتشار القوى الأجنبية، سواء من حيث الولاء (الفرقة الرابعة، في العلاقة مع إيران)؛ أو التنسيق المباشر (ما تُسمّى «قوات النمر» في الارتباط مع قاعدة حميميم والقيادة العسكرية الروسية)؛ أو التفاهمات متعددة الأوجه والأغراض (الوحدات الكردية المختلفة، شرق الفرات وفي منطقة الجزيرة)

وضمن حصيلة العام 2021 السورية، على الصعيد البشري والإنساني، ما رصدته «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» من أرقام ومعطيات: مقتل 3500، بين أطفال وشيوخ ونساء ورجال، وتهجير 35 ألف مدني، و113 واقعة اعتداء على مراكز مدنية حيوية (منشآت طبية وتعليمية، رياض أطفال، أماكن عبادة…) بينها 66 من فعل تحالف النظام والقوات الروسية، والبقية تتوزّع بين الميليشيات المذهبية والفصائل الجهادية ومفارز «الجيش الحر» والوحدات الكردية. «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» OCHA يسوق المعطيات التالية: هنالك 13.4 مليون مواطن سوري «بحاجة للمساعدة» حسب تعبير المكتب، يتوزعون بالنسب المئوية التالية: 50.5 (6.76 مليون) بصفة شديدة، 33.7 (4.51 مليون) بالغة الشدّة، 11.1 (1.48 مليون) بصفة كارثية. كذلك أورد التقرير 76 حادثة تفجير في اليوم الواحد خلال 2020، 50٪ من العاملين في قطاع الرعاية الصحية فرّوا خارج البلد، 47.812 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كوفيد ـ 19، 90٪ من السكان تحت خطّ الفقر، بينهم 60 إلى 65 في «فقر مدقع» العملة السورية انخفضت بنسبة 78٪ منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019. معطيات أخرى تقول التالي: 58٪ فقط من المستشفيات و53٪ من مراكز الرعاية الصحية تعمل بكامل طاقتها، وتمّ فقدان 300,000 وظيفة، بما يشكل 50٪ تقريباً، وارتفعت الأسعار بنسبة 236٪ منذ مطلع 2019.

في سوريا هذه لم يتورع رأس النظام، بتشجيع صريح من راعيه الأوّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وراعيه الثاني الوالي الفقيه آية الله خامنئي، عن تنظيم انتخابات رئاسية أعلنت أجهزته بعدها فوزه بنسبة 95.19٪ وبمشاركة 78.64٪ من الذين يحقّ لهم الانتخاب؛ ولم يكن في تلك المسرحية المملّة المبتذلة أيّ جديد، ما خلا ظواهر فاضحة لا تخصّ النظام في واقع الأمر، بقدر ما تفضح شرائح واسعة ضمن صفوف أولئك الذين أطلقوا على أنفسهم صفة «معارضة الداخل». على سبيل المثال، الذي قد يكون كافياً وافياً، حثّ قيادي سابق في حزب يساري معارض على انتخاب الأسد لأسباب ليتها اقتصرت على كشف باطن طائفي مشوّه، لأنها في الواقع أظهرت مقادير إضافية من انحطاط «يسار» سوري معبّأ طائفياً، من جانب أوّل؛ كما شدّدت، من جانب ثانٍ ومجدداً، على طبائع الولاءات التي انساقت وتنساق إليها شرائح غير قليلة من «إنتلجنسيا» أبناء الطائفة العلوية، زعموا في السابق معارضة النظام، أو مارسوا المعارضة بحقّ فلم تغفر لهم السلطة فسجنتهم أو نكّلت بهم.

ولن تكتمل حصيلة سوريا في العام 2021 دون التوقف عند بؤس أداء الفئات التي أسمت ذاتها، بذاتها ولذاتها، «معارضة الخارج»؛ على اختلاف مسمياتها (الزائفة، إجمالاً) وما تزعمه من عقائد (كاذبة أو جوفاء) «إسلامية» كانت أم «علمانية» و«يمينية» أم «ليبرالية» أم «يسارية»… ولم يكن من العدل أن يُختتم العام من دون مقادير ابتذال إضافية تفضح لجنة هنا أو جمعية هناك، موقعاً أو رابطة أو تلفزة؛ بحيث لم تتمثل الذروة في فضائح «هيئة التفاوض» ولا في مخازي «اللجنة الدستورية» إذْ أنّ تنويعات بؤس هذه «المعارضات» لن تتأخر في مطالع العام المقبل 2022.

حصيلة قواسم الاحتلالات، إذن، وما يتكامل معها من بؤس المعارضات؛ ولعلّ القادم، في طرفَيْ المعادلة، أعظم وأدهى.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————

عزيزي السوري: كل عام وأنت لست بخير/ عمر قدور

مع دخول العام الجديد، بالرمزية المعهودة للحدث، لا يحتاج السوري تذكيراً بمصائبه. هو على الأغلب يتوسل معجزة ما، ليكون للمعايدة المعتادة نصيب من الواقعية، فلا تبدو عبارة “كل عام وأنت بخير” فيها ذلك الفائض الفظيع من السخرية، سواء قُرئت عطفاً على الأعوام “بل العقود” الفائتة التي لم ينعم بها معظم السوريين بالخير، أو عطفاً على المستقبل القريب جداً.

لم يكن عام 2021 كارثياً بالمقارنة مع سابقه، لقد حمل معه فقط ذلك التردي “المنطقي” في الأوضاع المعيشية، بلا خضات اقتصادية كبرى ضمن بلد لم يعد فيه أصلاً اقتصاد بالمعنى المتعارف عليه. ذلك بالطبع أفضل من الاحتمالات الأكثر سوءاً، لكنه ليس من أفضلها إذا تذكرنا التقديرات المتفائلة بانفتاح الإدارة الأمريكية الجديدة على إنقاذ اقتصاد الأسد، أو تشجيعها سراً ركْب الراغبين في التطبيع معه. حسب مروّجي التفاؤل بسير الأوضاع في اتجاه الحلحلة، كان التغيير منتظراً من خارج معسكر حلفاء بشار، مع الإقرار بأنه هو نفسه غير قابل للتغيير، وهذا ينسحب بدرجات متفاوتة على الحليفين الروسي والإيراني.

خارج مناطق سيطرة الأسد، لم يشهد العام المنصرم أيضاً سوى ما يمكن اعتباره استمراراً لسابقه، ووفق معطيات تقسيم النفوذ كان ذلك أفضل ما يمكن. ساد هدوء نسبي على الجبهات كلها، باستثناء فترات تصعيد محدود أو تراشق بالنيران لا يهدف إلى فتح معركة، وتم تمديد إدخال المساعدات الأممية إلى الشمال السوري من معبر “باب الهوى”، مع تحفظ روسي ينص على أنه التمديد الأخير لإدخال المساعدات عبر الحدود، أي أن الكارثة الإنسانية الكبرى التي يهدد بها الروسي ملايين السوريين مؤجلة إلى الصيف المقبل كأقصى حد. الغرب هو المطالب بدرء الكارثة القادمة، خاصة الإدارة الأمريكية، والمسؤولية عن السوريين “كالمعتاد” ليست على عاتق بشار وحلفائه.

في الجوار، نجت الإدارة الذاتية الكردية من مصير على مثال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. يُذكر أن العام الماضي استُهل “نظرياً” بوعود أفضل لقسد مع مجيء إدارة بايدن، فالأخير قد يغفو أثناء المؤتمرات الدولية إلا أنه لم يُعرف باتخاذ قرارات ارتجالية على غرار سلفه ترامب، وحزبه الديموقراطي هو الأقرب للتعاطف مع الأكراد عموماً. لم يتحقق ما هو نظري، فإدارة بايدن تراجعت عن الدعم الذي أبدته إدارة ترامب في أيامها الأخيرة للإدارة الذاتية، على خلفية تصعيد العقوبات على طهران وبشار، وعادت الإدارة الكردية إلى القلق مما يُطبخ في أروقة واشنطن، بحيث انتهى العام على أقل الخسائر، لا على ما كان متوقعاً في مستهله.

أفضل السيناريوهات لقسد في العام الجديد ألا يحدث ما تخشى منه، لجهة الانسحاب الأمريكي والاضطرار للإذعان لشروط بشار الأسد الذي ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر. وأفضل السيناريوهات للمناطق الواقعة تحت النفوذ التركي ألا تحدث مواجهة “أو صفقة” بين موسكو وأنقرة تندلع بموجبها المعركة الكبرى، وذلك من المرجح أن يقتضي بقاء التوازنات الراهنة على حالها، فلا تسوء علاقة أنقرة بواشنطن إلى حد يطمع فيه بوتين، ولا تسوء علاقة الأخير بواشنطن أو بأنقرة فيلجأ إلى التصعيد تهديداً بتخريب التوازن برمته.

أما أفضل السيناريوهات لبشار في السنة الجديدة، حسب المتخيَّل وحسب ما هو رائج، فهو أن تُضطر تركيا إلى الانسحاب تحت الضغط، وأن تقرر إدارة بايدن الانسحاب بموجب صفقة ما، مع موسكو أو مع طهران. هو سيناريو طموح جداً، والفائدة المتوخاة منه رمزية لجهة استعادة السيطرة على كافة الأراضي السورية. وبينما يواصل بشار ومسؤولوه التصويب على الوجود التركي “غير الشرعي”، فإن الهاجس الحقيقي هو انسحاب القوات الأمريكية من شرق الفرات، واستعادة السيطرة على الثروات الطبيعية الموجودة فيها.

للوهلة الأولى يبدو السيناريو الأخير فيه إنقاذ أيضاً للسوريين الرهائن الواقعين تحت سيطرة بشار، لأنه سيحسّن من معيشتهم، لكن التمعن قليلاً في الصفقة يُظهر أنها غير مجزية على النحو الذي تُسوّق به. اليوم ثلث السوريين “ضمن الأراضي السورية” يعيش خارج سيطرة الأسد، واستعادتهم مع الثروات الطبيعية لن تُحدث الفارق الذي يُشار إليه لتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية. عادة، يسوَّق هذا الاحتمال كأنه ملازم لتسوية كبرى تتضمن إعادة تدوير بشار والشروع في إعادة الإعمار، غير أن الاحتمال الذي كان وارداً في عهد ترامب قبل التراجع عنه بضغط من أركان إدارته، ولا يُستبعد نهائياً تنفيذه في عهد بايدن، هو الانسحاب مع الإبقاء على العقوبات الأمريكية التي تلجم التطبيع وإعادة الإعمار.

الاحتمال الأخير ربما يكون أكبر نصرٍ متاحٍ لبوتين، إذا أتى الضغط الروسي في أوكرانيا بثمار في سوريا، بما أن التنازلات الأوروبية والأمريكية في سوريا أقرب منالاً من التنازل هناك. لكن، خاصة بعد الانسحاب من أفغانستان بطريقة لاقت انتقاداً واسعاً، لن تكون إدارة بايدن مستعدة لخطوات دراماتيكية في السياسة الخارجية مع تربص الجمهوريين الذين ينتظرون أية هفوة يستغلونها في انتخابات الكونغرس النصفية، أي أن الإدارة لن تكون خلال العام الجديد في وارد تقديم تنازلات كبيرة حتى إذا كانت راغبة فيها.

إننا ننتقل فحسب من صيغة التمني في العبارة الأصلية إلى الصيغة التقريرية بعبارة “كل عام وأنت لست بخير”، فاستعراض أقصى الاحتمالات الواقعية يفيد بأن السنة الجديدة قد لا تعدو كونها استمراراً لسابقتها، وفي المنحدر ذاته حيث يُظن في كل مرة أنه تمت ملامسة القاع. يصحّ، لكل طرف من الأطراف السورية على حدة، القول بأن أفضل الاحتمالات خلال العام الجديد هو تحاشي الأسوأ ليس إلا، وحتى أفضل الممكن لبشار الأسد لا يخرج عن الإطار ذاته بالحصول على “ثروات” كي لا نبالغ في تقديرها هي أشبه بحبة مسكّن لمصاب بالسرطان. طوال أكثر من عشر سنوات، انتظر كلّ من السوريين المعجزة التي يتمناها، ولم يحصل طرف منهم على ما يريد، وفي الأصل قد لا يتوافق انتظار النهاية مع السياسات الدولية، إذا اقتضت الأخيرة بقاء بشار والتعفف عن التطبيع معه.

المدني

——————————–

مؤشر بؤس السوريين في العام 2022/ إياد الجعفري

في نهاية ستينات القرن الماضي، لم يكن آلان غرينسبان، يثق بالتنبؤات الاقتصادية الكلية. وفي استطلاع للرأي أُجري للجمهور الأمريكي، مطلع سبعينات القرن الماضي، وضع الأمريكيون قدرة الخبراء الاقتصاديين على التنبؤ، على قدم المساواة، مع قدرة المنجمين. حينها، تساءل غرينسبان عن الخطأ الذي وقع فيه المنجمون.

بطبيعة الحال، تغير الكثير من قناعات الاقتصادي الأمريكي المخضرم، خلال السنوات التالية، لذلك التاريخ. فـ غرينسبان -الذي سيصبح منذ العام 1987، رئيساً لمجلس إدارة بنك الاحتياط الفيدرالي، لقرابة العقدين من الزمن- ساهم شخصياً، بتطوير نماذج التنبؤ الاقتصادي، بصورة نوعية. لكن حتى اليوم، يشكك الكثيرون في قدرة الاقتصاديين على التنبؤ على المستوى الكلي للاقتصاد في بلدٍ ما، أو على مستوى الاقتصاد العالمي. وقد أثبتت خضّات كبرى للاقتصاد، من قبيل الأزمة المالية عام 2008، محدودية قدرة رجال الاقتصاد على التنبؤ الجازم بالمسار الذي سيتخذه الاقتصاد مستقبلاً، في كل مرة.

في الحالة السورية، قد لا يحتاج الأمر لاقتصاديين. فحتى المنجمون، إن كانوا حياديين ويحترمون سمعتهم (ليس من طينة مايك فغالي مثلاً)، فهم قادرون على التنبؤ بالمسار الذي سيتخذه الاقتصاد السوري في العام 2022. إذ يكفي رصد ما أصاب معيشة السوريين خلال الأشهر الـ 18 الأخيرة، لرسم تصور واضح، لما ينتظر تلك المعيشة، في قادم الأيام. فسياسات نظام الأسد، وردود أفعاله على التحديات بمختلف ألوانها، متوقعة. خاصة لو كانت تلك التحديات، في أدنى قائمة أولوياته، من قبيل حياة السوريين المعيشية.

وبهذا الصدد، يمكن الاستفادة من الدراسة الجديدة الصادمة، التي نشرتها صحيفة “قاسيون”، التي تصدر عن حزب “قدري جميل” -الاقتصادي السوري المقرّب من موسكو، والقابع في منفاه الروسي منذ خريف العام 2013، حينما أقصاه رأس النظام من منصبه كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، بذريعة “التغيب عن مقر عمله”، والقيام باتصالات خارجية من دون تنسيق مع حكومة النظام-.

فالصحيفة تقول إنه مع انقضاء العام 2021، وصل وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من 2 مليون ليرة سورية. فيما الحد الأدنى لراتب الموظف، بعد الزيادة الأخيرة للأجور التي أصدرها رأس النظام منتصف الشهر الجاري، أقل من 100 ألف ليرة سورية.

لكن أخطر ما تحتويه تلك الدراسة، هو نسب التضخم. فوسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية، ارتفع خلال الربع الأخير فقط من العام الجاري، بنسبة 8.2%. يأتي ذلك كنتيجة لقرارات رفع الدعم الأخيرة، التي صدرت خلال الشهر المنصرم، والتي طاولت أسعار أبرز حوامل الطاقة.

وبالمقارنة مع وسطي تكاليف المعيشة في كانون الأول/ديسمبر 2021، يشكل الحد الأدنى للأجور (92970 ليرة سورية)، ما نسبته 4.5% فقط. وهو لا يغطي كلفة الغذاء الشهرية للموظف نفسه. فوفق الدراسة، كلفة الحد الأدنى لغذاء الفرد الواحد 152024 ليرة سورية.

وتظهر نسب مرعبة أكثر لقياس التضخم، إن تناولنا فترة زمنية أبعد. إذ ارتفع وسطي تكاليف المعيشة بسوريا، بين حزيران/يونيو 2020، وكانون الأول/ديسمبر 2021، من 665 ألف ليرة سورية، إلى 2.026 مليون ليرة سورية. أي أن التضخم ارتفع في سوريا، بنسبة تتجاوز الـ 200%، خلال 18 شهراً. (ننوه هنا، إلى أننا ندرك بطبيعة الحال، الفارق بين وسطي تكاليف المعيشة، والتضخم، كمعيارين اقتصاديين. لكن مع عدم الثقة بالأرقام الرسمية، وغياب أرقام دولية حديثة ترصد معدل التضخم بسوريا، نرى إمكانية الاستناد إلى وسطي تكاليف المعيشة بوصفه أقرب معيار لتصور معدل التضخم).

ما سبق يعني أن مؤشر البؤس الاقتصادي، المتعارف عليه عالمياً، والذي يمثل حاصل جمع معدل التضخم مع معدل البطالة، (في أبسط صوره)، سيسجل أرقاماً خُرافية، في الحالة السورية، تتفوق على دول إفريقية فقيرة، من قبيل زيمبابوي. فإذا أخذنا أكثر النسب الدولية المتداولة تفاؤلاً حيال معدل البطالة بسوريا، والتي تشير إلى 55% (هناك مؤشرات أخرى تتحدث عن 78%)، فهذا يعني أن مؤشر البؤس بسوريا، يتجاوز 255 نقطة. وبالمقارنة مع تركيا، التي أثير الكثير من الضجيج الإعلامي الإقليمي والدولي، حول ارتقائها مرتبات متقدمة في مؤشر البؤس الاقتصادي، في آب/أغسطس المنصرم، عند 32.2 نقطة، تبدو الحالة السورية، مُريعة.

بطبيعة الحال، سيضحك معظم موظفي القطاع العام الذين يتجاوزون الـ 2 مليون نسمة، حينما نشير إلى الحد الأدنى للرواتب. فالنظام -كما أشار تحليل موفّق لمركز جسور للدراسات، قبل أيام- يراهن على توفير مصدر دخل آمن، لتلك الشريحة التي تغطي عدداً كبيراً من سكان المناطق الخاضعة لسيطرته (إن احتسبنا عائلات موظفي القطاع العام). فيما يمكن للموظف توفير باقي الحد الأدنى من حاجاته، من خلال قنوات الرشوة والفساد، التي يتيحها النظام له، بكل أريحية. أو إن كان “موظفاً شريفاً” -من تلك العينة المعرّضة للانقراض- فيمكن له الرهان على عمل إضافي، وعلى راتب زوجته الموظفة أيضاً، على الأغلب.

وقد يجاهر أحد مسؤولي النظام، بمناسبة انقضاء عام جديد، بما يعتبره منظّروه نجاحاً منقطع النظير. إذ استطاع مصرف سورية المركزي لجم انهيار الليرة السورية، والذي كاد يأخذ منحى السقوط الحرّ ربيع العام الجاري. ورغم هذا التفاخر، فحصيلة جهود مكثّفة وشبه يومية، من التدخل الأمني والتقييدي، لسوق الصرف، على مدار عام، انتهت بهبوط سعر صرف الليرة السورية، من 2870 مقابل الدولار عشية العام 2021، إلى 3558 مقابل الدولار عشية العام 2022. أي أنه في الحصيلة النهائية لعامٍ كاملٍ، فقدت الليرة السورية، حوالي 24% من قيمتها.

وكانت الضريبة الباهظة، لـ “نجاح” لجم انهيار الليرة، ذاك، هو اعتماد سياسة “تجفيفها” من الأسواق، بغية رفع الطلب عليها، من خلال سلسلة قرارات وإجراءات، أدت وفق اقتصاديين موالين، إلى حالة ركود ملحوظ في الحركة الاقتصادية.

السياسات المفصّلة أعلاه، يقدمها النظام، إما بوصفها ضرورة لا مفرّ منها (في حالة رفع الدعم)، أو بوصفها نجاحاً (في حالة تجفيف الليرة من الأسواق). لذا، فإنها ستكون الإطار الذي سيحكم تطورات الوضع المعيشي للسوريين خلال العام 2022، أيضاً. ويبقى السؤال: إن كانت تلك السياسات أدت إلى تفوق سوريا على زيمبابوي في مؤشر البؤس الاقتصادي بنسبة 255%، وفق أرقام آخر 18 شهراً. فبأي نسبة سيزداد بؤس السوريين خلال العام 2022؟

المدن

———————————

سورية 2021 .. الجمود السياسي والانهيار المعيشي/ رانيا مصطفى

تراجع الاهتمام الأميركي بالملف السوري في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، ولم تتخذ هذه الإدارة، بعد مضي عام على وجودها في البيت الأبيض، استراتيجية واضحة تجاه هذا الملف. وقد دفع هذا التراجع الأميركي روسيا إلى استغلاله في محاولة إعادة تعويم النظام السوري، فمرَّرت الانتخابات الرئاسية السورية التي قوبلت بتصريحات أوروبية وأميركية بعدم شرعيّتها؛ ثم انفتحت دول عربية على النظام، وتم ترويج عودة مقعد دمشق إلى جامعة الدول العربية على أثر موافقة أميركية شفهية على تمرير خطوط الطاقة من الأردن ومصر عبر سورية إلى لبنان. رفضت مصر البدء بتمرير الغاز بسبب عدم وجود موافقة أميركية قانونية، باستثناء هذا المشروع من عقوبات قيصر، فيما تعثّر مشروع تعويم النظام عربياً، بسبب الرفض القَطري الجذري، والرفض السعودي الناري أخيرا، لأية محاولات لتلميع صورة النظام السوري وإعادة تأهيله.

المبادرات العربية التي تنادي بعودة دمشق إلى الحضن العربي من دون حل سياسي، تحت ستار الواقعية السياسية، تنتظر خطوة من النظام مقابلة لهذا الانفتاح، غير واقعية؛ فالنظام عاجز عن تقديم تلك الخطوة، والتي حُدِّدت بالكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين، وضمان عودة آمنة للاجئين، وعاجز أيضا عن ضبط جماعات إنتاج المخدّرات وتهريبها على الحدود مع الأردن؛ ورجالاتُه هم أنفسهم متورّطون في تجارة الكبتاغون بالشراكة مع مليشيات حزب الله، فيما بات بقاء النظام واستمرار الوجود الإيراني في سورية أمرين مترابطين عضوياً. وبالتالي، من الوهم القول إن إعادة العلاقات العربية مع دمشق ستقلل من النفوذ الإيراني في سورية.

ظلّت سياسة واشنطن ثابتة في سورية في عدة أمور، أهمها أمن إسرائيل، والبقاء في سورية (بعد سياسات متضاربة بين الانسحاب والبقاء)، ومنع روسيا والنظام من الوصول إلى آبار النفط والغاز في الشرق، وتثبيت خطوط التماسّ بين الأطراف المتصارعة، وبالتالي منع روسيا والنظام من التقدّم في إدلب، وكذلك منع تركيا من التوغل أكثر شرق الفرات على حساب حلفائها من الوحدات الكردية؛ وهذا يعني أن واشنطن تضع الكرة في الملعب الروسي، بانتظار خطوةٍ مقبولةٍ باتجاه الحل السياسي. دفعت الولايات المتحدة باتجاه تنسيق بين “الإدارة الذاتية” والنظام برعاية روسية، والذي فشل، بسبب رفض النظام الاعتراف بهذه “الإدارة الذاتية” أمرا واقعا. وقد دفع هذا روسيا إلى تطبيق حصار خانق بإغلاق المعابر بين النظام والإدارة الذاتية بالتوازي مع إغلاق كردستان العراق معابره الحدودية، ما تسبّب بأزمة إنسانية ومعيشية وصحية كبيرة شرق الفرات، وشكّل ضغوطاً على “الإدارة الذاتية”، خصوصا بعد عودة قوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى المناطق التي انسحبت منها لصالح النظام في ريف الرقة ومدينة عين عيسى، خلال فترة التهديد بالتوغل التركي في المنطقة.

حرفت روسيا مسار الحل السياسي عن جنيف باتجاه أستانة، بإشراك تركيا وإيران فيه، واللجنة الدستورية، برعاية أممية، والتي لم تحقق أي شيء، غير تمرير الوقت لمصلحة روسيا والنظام، ويشارك في عملية تمرير الوقت هذه المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، بمبادرته “الخطوة بخطوة”. وميدانياً، يدلّ انقلاب روسيا على اتفاق الجنوب في 2018 على فشل خطَّتها في تشكيل فرق موالية لها، وبعيداً عن سيطرة النظام وإيران، وقد اضطرّت إلى إبعاد الفرقة الرابعة عن درعا وريفها، وإجبار المليشيات الإيرانية على الانسحاب، لتأمين الحدود مع الحليف الإسرائيلي، والذي باتت تنافس واشنطن على حماية أمنه؛ ويتفق الروس والأميركان على السماح لإسرائيل بتوجيه ضرباتٍ للمواقع الإيرانية على الأراضي السورية.

ما زالت السياسة الأميركية في سورية تتّصف بالدور المعرقِل لطموحات روسيا القيصرية، في التوسّع أكثر في حوض المتوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى، وهي تتمسّك بقرار مجلس الأمن 2254 آلية للحل السياسي في سورية، وباستمرار العقوبات، وتطبيق محاسبة النظام. هذا لم يمنع فتح آلية تنسيق أميركي – روسي عالي المستوى، أنتجت صفقة تمرير المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى ودمشق وعبر خطوط التماسّ، والتي أُقِرّت في مجلس الأمن ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة. وكانت موسكو قد راهنت على تقدّم أكبر في التنسيق مع واشنطن، وعلى نية الأخيرة الانسحاب من العراق وسورية، بعد أن انسحبت من أفغانستان. سياسة “تراخي” البيت الأبيض تجاه الملف السوري قوبلت بانتقادات كبيرة في الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، ولذلك تشدَّدت الإدارة الأميركية، أخيرا، في تصريحاتها تجاه النظام السوري، وفرضت حزماً جديدة من عقوبات قيصر، بينما تحاول أطرافٌ في الكونغرس الدفع باتجاه إقرار قانون مكافحة المخدّرات، وفرض آلية لمتابعة نشاطات النظام السوري في إنتاجها والاتّجار بها.

يلقي التوتر أخيرا في أوكرانيا بظلاله على الملف السوري؛ قد تنفّذ روسيا تهديدها بشن هجوم على إقليم دونباس في أوكرانيا، وهذا يعني تعرّضها لعقوباتٍ غربيةٍ تشكّل حصاراً لها، وتجعل سورية ورقة ضغط عليها، ما يدفعها إلى البحث عن مساوماتٍ قد تساهم في تحريك المياه السورية الراكدة. لكن المرجح هو توصل الأطراف المتصارعة في أوكرانيا إلى تهدئةٍ مؤقتةٍ للأزمة، وتأجيل حسمها.

إلى ذلك، فاقم الاستنقاع السوري الأزمات المعيشية في مناطق النفوذ الثلاث، حيث بات أكثر من 12.4 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و1.3 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، حسب تقرير برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة. وتعني هذه الأرقام المخيفة زيادة معدّلات الجريمة والتفكّك الاجتماعي في غياب أجهزة الدولة. هناك تضخّم اقتصادي مكبوت، ومن المتوقع انفجاره خلال العام الجديد، ولن تفيدَ حكومةَ دمشق إجراءاتُ إجبار المصارف والمستثمرين (من تجّار الحرب غالباً) على شراء سندات خزينة الدولة، وهي مضطرّة إلى الاستمرار بسياسة التمويل بالعجز، ما يعني مزيدا من الانهيار الاقتصادي والمعيشي في العام المقبل.

في مطلع عام جديد، لا متغيرات سورية تدعو إلى التفاؤل؛ تحاول أطرافٌ من المعارضة السورية تحريك الركود، بالدعوة إلى ندواتٍ هذه المرة، فهناك ندوة في الدوحة في فبراير/ شباط المقبل، دعا إليها، رياض حجاب، ينظمها مركزان معارضان للدراسات، وبعض الشخصيات، لوضع تصوّر للحل السوري، فيما يدعو تنظيم مجلس سورية الديمقراطية (مسد) إلى مؤتمر آخر في أوروبا، بمشاركة تيارات المجتمع المدني وشخصيات اجتماعية بارزة. من حيث المبدأ، هذه الندوات جيدة، لكن المشكلة الأساسية هي في عقلية المعارضة “المجرَّبة” القائمة على الارتهان لأجنداتٍ غير سورية، وفي استمرار عدم مراهنتها على دور الشعب، وفي التمويل الذي تتلقاه، ويجعل أولوياتها في مصالحها الشخصية؛ وهي ما زالت تشارك في اللجنة الدستورية، على الرغم من إعلان المبعوث الرئاسي الروسي، بالفم الملآن، رفض بلاده أي تغيير دستوري يخصّ صلاحيات الرئيس بشار الأسد.

العربي الجديد،

—————————

عام التحوّر والمتحورات/ علي حميدي

انتهى عام 2021، وقد أرسل البشر إلى الفضاء درة إنجازاتهم تلسكوب “جيمس ويب” الضخم لاستكشاف أصل كونهم الفسيح، وهم الذين دخلوا عامهم هذا وقد فتك بهم فيروس بحجم “لا شيء” سموه كورونا، حتى أن عالم الرياضيات الشهير كيت ياتس حسبَ حجم جميع الفيروسات المسببة لكل الإصابات في العالم، واستنتج أنها يمكن أن تتسع بسهولة داخل علبة بيبسي واحدة!

تفشى هذا الفيروس -كورونا- في العام الماضي فاستحال وباءً، فجائحة وصبغ العام به، حتى صار 2020 عام الجائحة، وكما سنّة التأريخ سيحظى بالاسم والصفة، وبالضرورة سيُعرف ما قبله وما بعده به، فيكون 2021 عام ما بعد الجائحة، وكاد يمر دون صبغة أو هوية، لولا التحوّر، ليصبح 2021 عام التحوّر بعد أن صار للفيروس متحورات من أصله تتمايز عنه وراثيًا إلّا أنها لم ترتق لتصنف كسلالات، وبقيت متحورات عن أصل.

من السلالات إلى السياسات وللطرفين مع السوريين تاريخ بائس وحاضر بائس ومستقبل غامض يبدو بائسا في مداه القريب. يمضي العام ولم يحمل لهم سوى الاستمرار بمأساتهم على كل الأصعدة، فما زال أصل الداء موجودا قابعا في مكانه، وما تحوّر عنه وعن استبداده وسلالات إجرامه وغيه الأصلية كان أكثر سوءا. أعاد الأسد ونظامه هذا العام انتخاب نفسه مجددا رئيسا للحطام وجائحة مستمرة، وأعاد إرسال وفوده لكل المفاوضات والمباحثات، وأعادوا قول الكلام الممجوج ذاته، وإن حمل بعض التحوّر.

أما على صعيد سلالات المواقف، فلم نشهد تحولات ولا جديدا. فالأميركي اجتر زهده، والأوروبي بدلته همومه ابتعادا وانكفاء، والعرب شهد عامهم مزيدا من تحوّر المواقف -وبعض المتحوّرات أشد فتكا- كأن ترسل الإمارات وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق ليستقبله بشار بالعناق الحميم، نسفا لكل ما قاله قبلا في سياق دعم السوريين المنكوبين بجائحة الأسد! والإمارات أصلا أعادت افتتاح سفارتها في دمشق قبل ثلاثة أعوام وأعادت العلاقات وطبعتها، وكما الإمارات، فعلت البحرين أخيرا بسفير فوق العادة كان ختام الموسم. أما الأردن، فهاتف الملك عبد الله الأسد، لبحث تعاونهما المشترك وإعادة فتح خطوط التجارة، وهو كان عراب العودة والحضن يوم حمل “خطة اللاورقة” إلى البيت الأبيض، وقال إن تغيير النظام هدف غير فعال!

في 2021 فتح سكرا، أو الماء كان يجري دون أن نشعر، لنشهد سيلا تدفق تجاه إعادة سوريا الأسد إلى الجامعة العربية، سعت مصر السيسي، تونس سعيّد، الجزائر وقبلهم العراق ولبنان، لذلك، وكأن بعض العرب اكتشفوا فجأة أن ثمة دولة تسعى لجامعتهم فأرادوا احتضانها ضاربين عرض كل حائط، تضحيات السوريين الجسام في سبيل كرامتهم وحريتهم ونضالهم ضد الجائحة التي عصفت بهم قبل عشرة أعوام وتحوّراتها، جائحة بدأت بالأسد ونظامه وجيشه فردا، وأصبحت اليوم ثلة من الأعداء المتحدين، روسيا وإيران وحزب الله وبعض إفرازات الحالة كداعش وأخواتها.

لم يكن عاما سعيدا للسوريين كما قبله وغالبا كالذي يليه، الأزمات كثرت، وحالة الجمود مستمرة مع نزيف الأرواح الذي لم ينقطع، سال دم في حوران قبل أن تطوى سيرتها وسيرتنا الأولى، ليبقى بعض الشمال يتيما، ونزيفه لم يتوقف ولم ينقطع.

الملف السياسي يقطر دما ويدور محمولا في الأروقة والأبهاء والغرف المغلقة دون نتائج سوى تحورات -وبعض المتحورات أشد فتكا- كأن يجتمع الناس في أستانا أو جنيف مرارا، ثم يتلو المبعوث الروسي ألكسندر لافرينتيف، البيان رقم واحد منقلبا على كل أسس ومحددات العملية! ليستمر الأسد المستمر وتستمر الجائحة.

هذا البيان فج وقح لكنه من أصل الموقف الروسي، وكأنه ليس إلا “أوميكرون الموقف”. بالمناسبة “أوميكرون” تقرأ بالعربية بكامل حروفها، فهي تعني حرف (O) بالأبجدية اليونانية، وقد اعتمدت حروف هذه الأبجدية للتسمية، مثل ألفا، بيتا، جاما ودلتا.. وليس كما يعاملها البعض “أوميكرون” ككلمة فرنسية يشبه لفظها لفظ اسم الرئيس إيمانويل ماكرون، وهذا أيضا كان حاضرا في عامنا وأحداثنا لكن بتحورات عن أصل موقفه الرديء، فكما غطى حزب الله سياسيا وأخذ بيده ونجاه في قضية انفجار مرفأ بيروت، عاد ليستر عورة الحزب وأصدقائه عندما تدخل لحل مشكلة جورج قرداحي وطي الصفحة، وقدم مبادرة تلو مبادرة كلها لم تتعرض لأس الخراب ولا أساسه، فلم يجنِ لبنان سوى السراب، ولن يجني فالداء واحد والجائحة ممتدة، والسحاب الموبوء ممتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط، وقد صار في أحايين كثيرة أسود بسبب اعتداءات إسرائيل المحتلة، التي كانت سببها إيران المحتلة.. وكانت في 2021 كثيرة.

لم يكن عاما سعيدا، وهذا الأصل في أعوام السوريين الأخيرة تشابهت بمأساويتها، ويبدو أن الجائحة ستستمر في بلادهم أعواما غير قليلة، وإن انتهت في العالم الجوائح.

تلفزيون سوريا

—————————

2021: سنة كسر الحصار لإنقاذ نظام الأسد بالتهريب الحدودي/ لوسي بارسخيان

يوم الأربعاء 29 كانون الأول أوقفت شعبة مكافحة المخدرات في المديرية العامة للجمارك عدداً من الاشخاص المشتبه بتهريبهم شحنةً من حبوب كبتاغون في حمضيات إصطناعية، إلى دول الخليج، وكانت موضبة ومحضرة لشحنها من مرفأ بيروت، حسب بيان صدر عن الشعبة المذكورة. وقد استخرجت المخدرات من الحمضيات الاصطناعية بإشراف القضاء، والعمل جار لتوقيف باقي المتورطين.

ونهار السبت 11 كانون الأول أعلنت شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن إحباط عملية تهريب أربعة ملايين حبة كبتاغون معبأة في شُحنة أكياس بُنّ، كانت معدة للتوجه من لبنان إلى الأردن، وثم إلى المملكة العربية السعودية. وقد أُوقف شخصان هما اللبناني و. ع. (مواليد 1973) والسوري م. ح. (مواليد 1962) يتهمة التورط في العملية. وأظهرت التحقيقات أنّ الأول “من أصحاب السوابق وكان موقوفًا بجرم تهريب حبوب كبتاغون إلى المملكة العربية السعودية، وأخليَ سبيله منذ قرابة سنة”.

وهذه ليست سوى عينة صغيرة من عمليات تهريب المخدرات من لبنان عبر المرفأ والمطار، فكيف حال المعابر الحدودية غير الشرعية منها وغير الشرعية؟

إزدواج المعايير

فالمعابر السائبة شكلت في شمال منطقة البقاع حتى الهرمل في أقصاها، دملة أساسية في أزمة اللبنانيين الاقتصادية المستفحلة خلال سنة 2021. فعبرها توسع نشاط التجارة غير الشرعية التي سمحت بسيطرة فئة مستقوية بسلاحها على الاقتصاد، وحددت بوصلته: معابر التهريب التي استنزفت جزءاً من أموال اللبنانيين وودائعهم المستخدمة في دعم المحروقات وغيرها من المواد الأساسية.

وليس موضوع التهريب عبر المعابر الجردية في البقاع حديثاً. فالتجارة غير الشرعية تنشط في المناطق الحدودية من أقصى شمال البقاع حتى أقصى جنوبه. ويؤخذ على السلطة ازدواجية معاييرها الأمنية في مواجهة الظاهرة. فالجيش اللبناني نجح في الإطباق على معظم طرق عرسال الجبلية الوعرة بذريعة مكافحة الإرهاب، وعرقل مرور المزارعين والعمال إلى مقالع البلدة وبساتينها في بعض الأحيان. فيما بقيت حدود الهرمل الأكثر انبساطاً مشرعة على شتى أنواع تهريب البضائع، التقليدية منها وغير التقليدية. 

وفي المقابل، بدت تداعيات التهريب أكثر وضوحاً في سنة 2021. فهي ارتبطت باستنزاف ودائع اللبنانيين في المصارف، والتي أنفق جزء كبير منها على دعم المحروقات والأدوية وطحين الخبز. وقد تمسك الفريق السياسي المتهم بالاستفادة من عمليات التهريب وتجارة الحدود، بهذا الدعم حتى نفس اللبنانيين الأخير، فيما كان شطر كبير من هذا الدعم يتبدد على تهريب البضائع والإتجار بها في سوريا.

إنقاذ نظام الأسد

وعليه دفع شطر كبير من اللبنانيين فاتورة التهريب الباهظة، في طوابير الذل التي تصيدتهم على أبواب محطات الوقود والأفران والصيدليات. وفتح استمرار الدعم شهية المهربين سواء في التجارة الفردية أو على مستوى العصابات الكبرى. فتفاوتت وسائل التهريب من الصهاريج الضخمة التي اجتازت المعابر غير الشرعية، إلى صفائح المازوت والبنزين التي بيعت بالمفرق في المناطق الحدودية.

وعلى رغم الضيق الذي خنق اللبنانيين على المستويات كافة، بقيت مدخراتهم تتسرب إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، لمصلحة تعزيز صمود النظام السوري بوجه عقوبات قانون قيصر وحصاره الاقتصادي. واتخذ البعض التهريب عناوين سياسية كبيرة، بعدما شرعت أبوابه علنياً لما سمي قوافل “كسر الحصار”. فاختتم مشهد 2021 بانتهاك صارخ للسيادة اللبنانية، وتقويض سلطاتها الحدودية.

ملحمة المازوت الإيراني

ووجد البعض في تقاطر صهاريج المازوت الإيراني المستمر حتى نهاية سنة 2021، تهريباً منظماً يتفلت من قيود الإجراءات الرسمية التي تنظم عملية دخول المحروقات إلى لبنان وجدول تسعيره الرسمي المحدد من قبل السلطات الرسمية. وقد تركت إطارات صهاريج المازوت الإيراني على طرق حوش السيد علي غير الشرعية علامات دامغة لحرية حزب الله ونفوذه في السيطرة على طرق التهريب في هذه المنطقة.

لكن أخطر ما في الواقع الجديد الذي كشف عن سطوة حزب الله على هذه المعابر، هو تسليم اللبنانيين له ومشاركتهم السلطات الرسمية في التواطؤ مع هذه الجريمة، ولو بغض النظر عنها، بعدما غرروا بوعود الاستفادة من هذه التجارة غير الشرعية.

الكبتاغون إلى السعودية

وشكل هذا التهريب العلني ذريعة لنمو أشكال من الجرائم المرتكبة عبر هذه المعابر. فارتاحت عصابات تهريب السيارات المسروقة من الأراضي اللبنانية، وتلك التي تهرب السوريين المقيمين في لبنان بصفة لاجئين، ليتوسع نشاطها إلى إتجار بالبشر في بعض الأحيان.

أما الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا، فحد من الانسياب المعاكس للبضائع التقليدية عبر المعابر غير الشرعية، أي من سوريا إلى لبنان. وشُرعت هذه المعابر لتجار الممنوعات الذين بحثوا عن منافذ لهم إلى الخارج عبر الأراضي اللبنانية. وقد تسببوا للبنان بأزمته الكبرى مع المملكة العربية السعودية، بعدما ضبطت سلطاتها الحدودية كميات من أنواع الكبتاغون المهربة إليها انطلاقاً الأراضي اللبنانية.

وأدى استفحال ظاهرة التهريب انتقاداً ومساءلة للسلطات الشرعية في أكثر من مناسبة. فهي لم تنجح ولو في الحد من هذه الظاهرة. بل بقيت الدولة تتذرع بضعف إمكاناتها اللوجستية في مكافحة عمليات التهريب، فيما تقر جميع الأطراف السياسية بأن موضوع التهريب ومكافحته يقترن بالقرار السياسي أولاً، وبالغطاء الذي يجب أن يوفره هذا القرار للقوى العسكرية في إنجاز أوامرها بالحد من عمليات التهريب. وهذا لم يتبلور حتى نهاية سنة 2021.

رسائل حزب الله

وأبعد من الرسائل السياسية التي أراد حزب الله توجيهها من خلال قوافل “فك الحصار”، أثبت أنه القابض الوحيد على هذه الحدود، وصاحب القدرة على ضبطها متى شاء. ولن تجدي هنا محاولات التنصل من المسؤولية عبر الإدعاء بأن حزب الله لا يمكنه أن يأخذ دور الدولة. فأبناء المناطق المشرعة على معابر التهريب يعلمون أن حزب الله شجع عصابات التهريب، عندما غض الطرف عن تجاراتهم غير الشرعية عبر الحدود، بمقابل حماية خاصرته اللبنانية خلال تدخله في حروب النظام السوري على شعبه في الأعوام الماضية. وقد كبر حجم بعض هذه العصابات وتوسع نشاطها غير الشرعي إلى حد تهديدها المجتمعات التي تحضنها. وبات البعض يتوقع أن يضطر طابخ السم إلى تناوله، بعدما تكررت الأحداث الأمنية المرتبطة بعمليات التهريب في أوكارها الأساسية.

————————–

حصاد الدم السوري في2021: 1271 قتيلا بيد النظام ومعارضيه..ومجهولين

قُتل 1271 مدنياً على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا عام 2021، النسبة الأكبر منهم على يد نظام بشار الأسد، حسبما أوردت “الشبكة السورية لحقوق الانسان”.

وقالت الشبكة السورية في تقريرها السنوي عن أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا منذ 1 كانون الثاني/يناير حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر عام 2021 إن “قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية تسببت في مقتل 261 مدنياً من عدد القتلى الكلي بينما قتلت القوات الروسية 65 شخصاً”.

وأضافت أن “تنظيم داعش قتل 7 أشخاص وهيئة تحرير الشام 17 شخصاً وجميع فصائل المعارضة المسلحة 24 شخصاً وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) 75 شخصاً، وقوات التحالف الدولي شخصين”. وتابعت: “قتل على يد حرس الحدود التركي 22 شخصاً وشخص على يد حرس الحدود الأردني وآخر على يد القوات اللبنانية و8 من قبل القوات التركية، و4 غرقاً”.

وأردفت “تسببت جهات أخرى بمقتل 820 شخصاً هم كالآتي: 111 شخصاً بسبب تفجيرات لم تتمكن الشبكة من تحديد مرتكبيها و176 شخصاً في ألغام لم تتمكن من تحديد مصدرها و18 شخصاً في قذائف لم تتمكن من تحديد مصدرها و317 شخصاً في رصاص لم تتمكن من معرفة مصدره و162 شخصاً على يد جهات لم تتمكن الشبكة من تحديدها”.

وأعلنت الشبكة مقتل 299 طفلاً على يد أطراف النزاع في سوريا في 2021 بينهم 68 طفلاً على يد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية و32 آخرين تسببت في مقتلهم القوات الروسية، في حين تسببت جهات أخرى في مقتل 178 طفلاً لم تتمكن الشبكة من تحديد هويتها.

ووثّقت الشبكة السورية مقتل 211 امرأة على يد أطراف النزاع، 52 امرأة على يد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية و18 امرأة على يد القوات الروسية و132 امرأة على يد جهات أخرى لم تُحدد هويتها.

وأشارت إلى وقوع ما لا يقل عن 19 مجزرة في 2021، 5 ارتكبتها قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية و4 بقصف روسي و10 ارتكبتها جهات أخرى.

وسجلت الشبكة ما لا يقل عن 2218 حالة اعتقال تعسفي في سوريا خلال عام 2021 بينهم 1032 حالة اعتقال على يد قوات النظام السوري، واعتقلت هيئة تحرير الشام 121 شخصاً وجميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني 420 وقوات سوريا الديمقراطية 645 شخصاً.

قتلى تحت التعذيب

وذكرت الشبكة السورية أن 104 أشخاص قتلوا بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع في سوريا بينهم 78 على يد نظام الأسد و4 من قبل هيئة تحرير الشام و5 من قبل جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، وقتلت قوات سوريا الديمقراطية 15 شخصاً تحت التعذيب وقُتل اثنان على يد جهات أخرى.

ولم تسجل الشبكة السورية أي هجوم باستخدام البراميل المتفجرة في عام 2021. وبحسب تقديرات الشبكة فقد تسببت العمليات العسكرية لقوات نظام الأسد وروسيا على شمال سوريا وجنوبها في نزوح قرابة 86 ألف مدني في عام 2021.

هجمات النظام وروسيا

وفي السياق، أعلن “الدفاع المدني السوري” عن مقتل 225 شخصاً بينهم 65 طفلاً و38 امرأة خلال عام 2021 جراء الهجمات التي شنتها الطائرات الروسية وقوات النظام.

وقال “الدفاع المدني” في تقريره السنوي إن “العام 2021 لم يأتِ بأي جديد على السوريين سوى استمرار القصف والهجمات من قبل قوات النظام وروسيا التي تتبع سياسة ممنهجة تتلخص بالحفاظ على حالة من اللاحرب واللاسلم بهدف منع أي حل سياسي على الأرض وفرض واقع عسكري وإنساني يبعد الأنظار عن الحل السياسي”.

وأضاف أن قوات النظام وروسيا صعّدت عملياتها العسكرية منتصف 2021 بشكل كبير على مناطق ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب في حماة، بالإضافة إلى تصعيد القصف على مناطق ريف حلب الشمالي والغربي ما تسبب بتضاعف عدد الضحايا واستمرار عمليات التهجير والنزوح وتدمير البنى التحتية.

وتابع أن ذلك تزامن مع “موجة جديدة من فيروس كورونا اجتاحت مدن وبلدات شمال غربي سوريا في ظل استنفاذ كبير للقطاع الطبي المنهك أصلاً بعد سنوات من الاستهداف الممنهج له”، مشيراً إلى أنه “بالرغم من خضوع شمال غربي سوريا لاتفاق وقف إطلاق النار إلا أن تصعيد نظام الأسد وحليفه الروسي لم يتوقف وارتفع بشكل واضح مع هجمات ممنهجة على المشافي والمرافق الحيوية ومراكز الدفاع المدني السوري”.

وذكر الدفاع المدني أنه خلال عام 2021 استجاب فريقه لأكثر من 1300 هجوم من قبل النظام وروسيا تم فيها استخدام أكثر من 7000 ذخيرة متنوعة، منها أكثر من 145 طلعة جوية جميعها روسية.

وأضاف أن قوات النظام وروسيا شنوا أكثر من 400 غارة جوية و1000 هجوم بالقذائف المدفعية تم فيها إطلاق أكثر من 5650 قذيفة، بالاضافة الى 123 هجوماً صاروخياً تم فيها إطلاق أكثر من 700 صاروخاً، منها 43 هجمة بصواريخ أرضـ أرض واثنان محملان بقنابل عنقودية. كما شنّ النظام وروسيا 34 هجوماً بالصواريخ الموجهة تم فيها إطلاق أكثر من 40 صاروخاً.

وذكر التقرير أن فرق الدفاع المدني استجابت لهجمات على 169 مدينة وبلدة مختلفة في شمال غربي سوريا استهدفت منازل المدنيين والحقول الزراعية والمدارس والأسواق الشعبية والمستشفيات ومراكز “الدفاع المدني” والمخيمات وغيرها من المرافق العامة.

وتمكنت فرق الدفاع المدني من إنقاذ 618 شخصاً أصيبوا نتيجة الهجمات من بينهم 151 طفلاً، كما استجابت لثماني هجمات بالطائرات المسيّرة والمئات من الهجمات بأسلحة أخرى متنوعة، بحسب التقرير.

تنظيم داعش قتل 7 أشخاص وهيئة تحرير الشام 17 شخصاً وجميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني 24 شخصاً

————————–

التنجيم والسلطة أفلاك السماء في خدمة النظام الأسدي/ سليمان الطعان

في نهاية كل عام ميلادي، اعتادت القنوات اللبنانية على استضافة منجمين أو متنبئين، ودرجت العادة أن يقدم هؤلاء المنجمون رؤيتهم للقادم من أحداث، لا من باب التوقع أو من باب استشراف ما هو كائن استنادا إلى معطيات وقراءات واقعية لما هو موجود، بل من باب إعلام المشاهد أو المتلقي ليكون على بينة مما سيحدث لا محالة في العام التالي. وفي منطقة تشكل الأحداث السياسية قضايا أساسية فيها، كان الهم السياسي يشغل حيزا كبيرا من نبوءات هؤلاء العرافين.

لم تعد خافية تلك العلاقة الوثيقة بين المنجمين اللبنانيين والنظام السوري، ولا سيما مع حديث هؤلاء المتكرر عن “انتصار ” النظام السوري على الإرهاب، والتبشير بأن العالم كله سيأتي ليخطب ود هذا النظام الذي سيتنازل ويقبل بمد اليد “للدول التي اشتركت في المؤامرة الكونية”، من باب الترفع على الصغائر التي ارتكبها هؤلاء، والقبول باعتذارهم المتأخر. فقد اتضح أن هؤلاء المنجمين هم أبواق للنظام السوري، وجزء من آلته الإعلامية في بث اليأس في قلوب معارضيه من جهة، وإشاعة الأمل في نفوس مؤيديه، وخصوصا في السنتين الماضيتين اللتين شهدتا ارتفاع درجة اليأس والقنوط لدى جمهور النظام وحاضنته البشرية إلى مستويات لم تصلها حتى في أوج هزائم النظام العسكرية في عامي 2012-2013م.

لا يجوز أن يأخذنا التبسيط إلى افتراض أن العلاقة مع النظام السوري هي السبب المباشر أو الأهم في استمرار ظاهرة المنجمين اللبنانيين، وحضورها في الإعلام، ولكن لا يجدر بنا أيضا التغاضي عن هذه العلاقة في أثناء الإشارة إلى أسباب حضور التنجيم في القنوات اللبنانية، فالعلاقة بين النظام الأسدي وأذرعه الإعلامية في لبنان واضحة ولا داعي للإشارة إليها، وهي علاقة لا تقتصر على القنوات الناطقة باسم حزب الله والتيار العوني، وإنما تمتد إلى معظم المؤسسات الإعلامية اللبنانية الأخرى، حتى تلك التي تقف في وجه تيار “الممانعة والمقاومة”.

ما يعنينا هنا هو تجاوز هذه العلاقة الواضحة للكشف عن الخيوط التي تربط السلطة بالتنجيم. فالسلطة بمفهومها الواسع في عالمنا المعاصر تتغلغل في كل العلاقات الاجتماعية والمؤسسات، ولذلك تبدو قراءة أي ظاهرة بمعزل عنها ضربا من القصور المعرفي الذي يتلمس أعراض المشكلة لا أصلها.

إذا كانت الخرافة أو الأسطورة نشأت لتجيب عن أسئلة أو ظواهر لم يكن العقل البشري يجد تفسيرا منطقيا لها، فكيف نفسر استمرار علم التنجيم داخل مؤسسات حكومية أو ممولة من حكومات يفترض بها محاربة مظاهر اللاعقلانية؟ كيف نفسر الحديث عن علم التنجيم القائم على تأثير النجوم والكواكب وحركتها في مصائر الناس، في الوقت الذي تقدم فيه علم الفلك إلى درجة باتت فيها مبادئه تدرس منذ المراحل الدراسية الأولى؟

الحقيقة أن التنجيم يلجأ إلى المراوغة، لأجل حجز مكان لنفسه في عالم اليوم، فيقدم نفسه على أنه علم كسائر العلوم، مثله في ذلك مثل الأرصاد الجوية، فالمتنبئ الجوي يبني توقعاته على أساس معلومات موثوقة، تتصل بحالة السحب والمنخفضات الجوية، واتجاهات الرياح…إلخ، والمنجم يتشح أيضا بثياب العلم والموثوقية، ويقدم نصائح وتوصيات على المتلقي قبولها على أنها حقائق علمية.

لم يكن عمود النجوم مسموحا به في الدول الاشتراكية سابقا، ولكنه كان موجودا في الصحف السورية. ومع أنه ليس للمنجمين جمعية أو تنظيم يؤطر عملهم في سوريا على غرار دول أخرى كلبنان، ولكنهم حاضرون في التلفاز ووسائل الإعلام الأخرى، ولا سيما الخاصة منها، فالنظام في سوريا نظام يهمه توظيف كل شيء في سبيل بقائه. والمنجمون يفعلون ذلك. ولكن كيف يحدث هذا؟

يغرق المنجم المتلقين بشعور كاذب بالأمان، وبأن الحياة ستكون أفضل، ويوهمهم أن الزمن القادم أفضل من الحاضر والماضي. فما يريده المنجمون هو تعطيل آلية التفكير في المشكلات الحالية، لأنها ستحل من تلقاء نفسها، فهي قادمة من حركة النجوم والكواكب في أفلاكها، ودخولها في أبراج لكل برج خصائصه المعينة، فالأبراج نفسها منقسمة إلى أبراج هوائية ومائية ونارية وترابية، ثم تتناسل من هذه الصفات صفات أخرى…إلخ. فما يعانيه الإنسان كما يحاول التنجيم غرسه في وعيه أن المشكلات لا علاقة لها بالسلطة الحاكمة، أيا كانت هذه السلطة، ولا شأن لأجهزة الدولة بها، فهي مشكلات لم تنتج من التفاوت الطبقي ولا من الظلم والتعسف في استعمال السلطة، والقهر والاستغلال. فالسلطة، بمعناها الأعم، بريئة من مشكلات محكوميها أو من هم تحت ولايتها، فالقضية مرتبطة بعالم ميتافيزيقي، وكل ما على الفرد القيام به هو معرفة ما يوافق تاريخ ميلاده من الأبراج والأفلاك، ليقتنص فرصة مرور الكوكب في برجه، كي يشتري على سبيل المثال بطاقة “يانصيب”، فالترقي في السلم الاجتماعي، أو تحسين الوضع الاقتصادي، لا يرتبط بالعمل البشري، بل بطرق الفهلوة.

من أجل خلق عالم الوهم هذا، يصوغ المنجم عباراته على نحو مبهم، لأن القصد هو تعزيز المناعة الذاتية للفرد من جهة، وخلق شعور بتعاظم الأنا لديه من جهة ثانية، ولا سيما أن المنجم يخاطب الفرد على أنه شخص مهم، ويحشد في سبيل ذلك قائمة بأسماء الفنانين والرياضيين والإعلاميين الذين ولدوا في هذا البرج، وهو يفعل ذلك عن قصد، بغية إقامة المماثلة في وعي المتلقي بينه وبين هؤلاء النجوم الذين لا يختلف عنهم في شيء، ولا سيما أن النجومية الرياضة أو الفنية تعتمد في جزء كبير منها على الإعلام والترويج، على خلاف التميز العلمي أو الأدبي الذي يتجنب المنجم ذكره، لأن آلية الصعود فيه تقوم على العمل والمثابرة والجد. هكذا تبدو الفرصة معلقة في رحم الغيب دائما، وما على المتلقي إلا انتظار تلك الفرصة التي لن تأتي.

أما ما يبشر به المنجم فهو أحلام تبدو سخيفة للغاية إذا ما نظر إليها من زاوية واقعية صرف، فأكثر القضايا التي تدور على ألسنة المنجمين هي قضايا الحب والعمل، ومهمة المنجم الإشارة إلى أن “قصة حب” في طريقها إليك، أو أن “فرصة عمل جيدة” بانتظارك. أما التهديد أو إكراهات الواقع فلا يذكر منها إلا ما هو تافه أو سطحي، كمضايقة زميل في العمل، أو خلاف مع المدير حول قضية ما. وعلى المستوى الصحي يتجنب المنجم مثلا الحديث عن الأمراض، بل يركز على تعديل النظام الغذائي والإكثار من الفواكه أو الخضراوات…إلخ. ولهذا لم يتحدث أي منجم سوري أو لبناني وظفه النظام في السنوات الماضية عن احتمال مقتل الفرد بصاروخ أو رصاصة طائشة على الأقل، على الرغم من أن هذا الاحتمال كان وما يزال هو الاحتمال الأكبر في سوريا. ولكن كيف يقال هذا في ظل برنامج غرضه إشاعة الوهم وترسيخه؟!

وعلى الرغم من اعتماد المنجمين على اللغة، إذ يوظفونها بطريقة تشعر المتلقي بالانسحاق أمام تعبيرات مثقلة بإيحاءات دينية توحي بارتباط المنجم بعالم السماء، وقدرته المسلّم بها على استكناه الغيب، على نحو يذكرنا بلغة الكهان في العصر الجاهلي، فإنهم لا يكتفون بها فقط، إذ يعمدون إلى التأثير البصري في المتلقي من خلال الشكل أو الهوية البصرية، فعادة يختار المنجمون ألبسة معينة، وطريقة حلاقة شعر مميزة، ولنتذكر في هذا الصدد النجم اللبناني الذي بشر قبل سنوات بعام التلاقي أو التصافح، ولبس من أجل ذلك لباسا رسمت عليه يدان متشابكتان.

ما الذي سيقوله منجمو النظام هذه السنة، ولا سيما بعد أن انكشف “انتصاره” عن جوع عميم، وخراب ظنت حاضنته الشعبية أنه من نصيب غيرها؟  لا شك أن في جعبة أجهزة أمن النظام الكثير الذي ستلقن به المنجمين ليقولوه في إطار حفلة التكاذب المتبادلة. المؤلم أن جمهور النظام ذهب معه في خياره التدميري عن قناعة لا بسبب خديعة النجوم.

تلفزيون سوريا

————————-

تغطية خاصة | حصاد سوريا 2021.. جمود في مسارات السياسة وخرائط الميدان

—————————

=================

تحديث 02 كانون الثاني 2022

———————-

ماذا حدث في سورية 2021؟ ماذا سيحدث في 2022؟/ سرهات إركمن

ما الذي حدث في سورية حتى رجحت كفة المفاوضات على كفة المواجهات؟. ما هو نوع الخلاف الذي يسببه مستقبل سورية داخل “وحدات حماية الشعب”؟ وأي طرف فيه أقرب لأي دولة ولماذا؟ ما هي نقاط التحول المحتملة في العام 2022؟

كانت شهدت سورية حالة من الهدوء على مدى العامين الماضيين، حتى يمكن القول إنها كانت هادئة للغاية قياساً لبلد كان في حالة حرب “أهلية” منذ 10 سنوات. وهذا الهدوء يُسقط سورية من جدول “الاجندات” في الشرق الأوسط الذي طالما كان مسرحاً للتطورات المذهلة.

أتمنى أن تستقر الأمور في سورية بشكل كامل، لكن دعونا نترك وراءنا ما كان يحدث على مدى السنوات العشر الماضية ولننسى “أجندات” البلد الذي نتحدث عنه مع الصراعات الداخلية والتغيير الديموغرافي والأزمات الإنسانية. أعتقد أنه حتى نشهد الاستقرار المنشود سيتعين علينا الانتظار لفترة أطول قليلاً. على الأقل إذا فهمنا الديناميكيات الداخلية للهدوء النسبي في عام 2021، ربما يمكننا التنبؤ بمدة استمرار هذا الهدوء مستقبلاً.

الذكرى العاشرة للحرب “الأهلية”

قبل كل شيء، اريد ان اوضح ما يلي؛ في هذه المقالة، لن اسرد معلومات وبيانات حساسة مثل مواقع “بلدة-قرية”، أو تفاصيل “نهر- جبل”، أو عدد الهجمات، أو من هي الجهات الفاعلة في المحادثات ومن يتمركز فيها، بل عوضاً عن ذلك، سيتم تقديم مخطط عام بطريقة يمكن فيها فهم الديناميكيات الأساسية دون الانزلاق في التفاصيل.

كان العام 2021 العاشر للحرب “الأهلية” في سورية، حيث شهد الصراع في سورية الكثير من التقلبات، فحالة الصراع فيها  كحال أيّة حرب “أهلية” طويلة الأمد. فمثلاً لم تشهد الحرب الاهلية في لبنان نفس الشدة خلال سنواتها الـ 15 التي استمرت فيها. وايضاً بينما كانت هناك فترات من الفوضى في العراق منذ عام 2003، ومن ثم مع ظهور “داعش” والحرب الأهلية الطائفية، كانت هناك أحيانًا فترات من الاستقرار النسبي في العراق. وبالتالي، لا تدع فترة الهدوء النسبي التي مرت بسرعة خلال العامين 2018 – 2019 في سورية، تجعلك تعتقد أن الحرب الأهلية فيها قد انتهت.

تسأل لماذا؟

لنحدد الامر ببساطة، قبل 10 سنوات، بدأت الحرب “الأهلية” مع تمرد مجموعات متفرقة بلا قيادة وذات أهداف مختلفة، ضد “حكومة” قمعية كانت تسيطر على السلطة المركزية بتحالفها مع الأقليات، وبمساهمة العائلات الثرية ويدعمها هيكل أمني شديد الصلابة.

وكانت شهدت السنوات الأربعة الأولى من الحرب “الاهلية” خسارة مستمرة للنظام وتقدماً واضحاً للجماعات المناهضة له بعد تلقيها دعماً خارجياً. ولكن، مع التدخل الروسي المباشر في خريف عام 2015، انقلب الامر رأساً على عقب، وبدأت مرحلة استعادة “الحكومة المركزية” للأماكن التي فقدتها واحدة تلو الاخرة نتيجة للدعم الخارجي الذي تلقته، واستمر الأمر الى ان اكتملت هذه العملية في الأشهر الأولى من العام 2020 تقريباً.

ولكن الآن، أصبحت تكلفة أية عملية عسكرية كبيرة جداً مقارنة بالمساحة التي سيتم السيطرة عليها؛ حيث بات واضحاً انه من غير الممكن تنفيذ أي عمليات عسكرية جديدة في سورية دون مساومة واتفاق متبادل. لهذا السبب، يبدو أن التحركات العسكرية طويلة الامد والمدمرة التي جعلت سورية تبقى على جدول الأعمال  في السابق، إلى ان حلت محلها استراتيجية “تدمير غير مباشرة” ولكنها مستمرة. وعليه، بينما نعتقد أنه لا يوجد تطور كبير في سورية، فإنه في واقع الامر، عند النظر بتمعن يمكن ملاحظة أننا لا نزال نشهد استمراراً لبعض نقاط التحول المهمة.

نزاعات عام 2021

حتى لو أردنا الحديث عن اهم عشرة أحداث في العام الماضي، فإن هذه المقالة لن تكفي ذلك، لذا لم اوُرد أي تسلسل زمني.

ربما لم تكن هناك عملية عسكرية كبيرة خلال العام، إلا ان الخط الشمالي للبلاد شهد استمراراً لمعظم الاشتباكات الكبيرة والصغيرة. كما يمكننا تصنيف النزاعات “الصراعات” كما يلي:

الصراعات بين تحالف “النظام-روسيا” وجماعات المعارضة المسلحة؛ والتوترات بين جماعات المعارضة المسلحة نفسها؛ والاشتباكات بين “ميليشيات النظام” و( حزب العمال الكردستاني- وحدات حماية الشعب)؛ وهجمات (حزب العمال الكردستاني – وحدات حماية الشعب) على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا، والعمليات ضد “داعش”.

لتسهيل دراسة التصنيف السابق نبدأ من النهاية.

شهدت الأيام الأولى من العام 2021 هجوماً شنه “حراس الدين” وهو “ذراع القاعدة” في سورية على روسيا، هذا الهجوم، لم يتكرر، ووقع قرب الرقة في مكان لم تتوقعه روسيا ابداً. وايضاً، شهد شهر كانون الثاني فترة اكتسبت فيها العمليات الروسية زخماً ضد “داعش” في سورية، لكنها بقيت كحالها في العام السابق مستمرة دون أية نتائج كـ “لعبة القط والفأر”، بين “روسيا والأسد” و”داعش” في صحراء دير الزور عام2021.

خلال العام شهدنا ايضاً استمرار سلسلة من الصراعات الأخرى غير الحاسمة على مستويات مختلفة، كانت بين الميليشيات التابعة “للنظام” و”وحدات حماية الشعب”، فبدءاً من كانون الثاني وقع عدد كبير من النزاعات المسلحة “ثلاث مرات على الأقل”، وبعض هذه النزاعات كانت خفيفة. كانت الديناميكية الرئيسية وراء هذه الصراعات محاولة “الميليشيات الموالية” لدمشق أن يكون لها رأي في المناطق التي كانوا فيها، والتي توقعت أن يستعيد النظام القوة فيها مرة أخرى وانه يمكن أن يعود إلى محافظتي الرقة والحسكة.

في الواقع، قام “النظام” في الأشهر اللاحقة من العام وبدعم من روسيا بتوسيع نطاق نفوذه تدريجياً في شمال شرق سورية. وعملياً، وصل جنود “روسيا والنظام” في تشرين الثاني الماضي إلى نقطة إجراء مناورات عسكرية في المنطقة الواقعة بين شمال الرقة وغرب الحسكة.

كما أنه على مدار العام فقد عشرات المدنيين أرواحهم في هجمات بمركبات مفخخة وصواريخ على تجمعات مدنية مزدحمة في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، نتيجة لاستمرار العمليات الإرهابية لـ” حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب”.

وإذا نظرنا إلى “وحدات حماية الشعب” والدول التي تدعمها، فإن “وحدات حماية الشعب لا تشكل تهديدًا لتركيا”. ومع ذلك، فإن الأعمال الدموية ضد القوات المسلحة التركية والسكان المدنيين تقوم بها مجموعات لا تخفي ولائها لـ”وحدات حماية الشعب الكردية”. من الواضح أن هذه الهجمات ليس لها عواقب استراتيجية. ورغم ذلك، تواصل المنظمة الإرهابية مهاجمتها عند كل فرصة تتاح لها.

أيضاً لا يمكن التغاضي عن التوترات بين “المنشقين المسلحين”، وتزداد أهمية هذه التوترات، التي تحدث مثلاً في مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات” في الغالب في إطار مسائل النظام العام.

كما أن “هيئة تحرير الشام” في إدلب تدخلت كثيراً في الديناميكيات الداخلية للجماعات التابعة للجيش الوطني السوري، من أجل ترسيخ هيمنتها المطلقة في إدلب. ورغم ان التغييرات لم تكن كبيرة داخل هذه المجموعات، لكن  لا يصعب القول بأن هذه الجماعات التي تهدر طاقتها في التعامل مع بعضها البعض تزداد ضعفاً كل يوم في مواجهتها ضد “النظام”.

ماذا حدث في ادلب؟

بالطبع إدلب. في منطقة المخيمات الضخمة هذه، حيث تتجه أنظار الجميع، ظهرت توقعات لعدة مرات خلال عام 2021 “بأنه هناك عملية عسكرية أو ربما ستقع عملية ما هناك”. فبدءاً من شهر آب وصولاً لأيلول وحتى تشرين الاول، قامت روسيا بقصف إدلب بشكل مكثف للغاية؛ فكانت إمكانية عملية عسكرية جديدة قد وصلت حد ّ”حافة الهاوية” لتبدأ.

بالطبع هذا هو الجانب المكشوف والمرئي للوضع في إدلب، ولكن أيضاً هناك ما هو غير مرئي.

واصلت الولايات المتحدة الاميركية قصف مقاتلي “القاعدة” في إدلب على مدار العام، بمساعدة مجموعة معارضة محلية داعمة “غير معروفة”.

 كما جعل “النظام” منطقة الطريق السريع “M4” غير صالحة للسكن، بتأثير استخدامه المدافع الموجهة بالليزر والمدمرة التي حصل عليها من الروس.

لا تقدم في المفاوضات الدولية، لكن المفاوضات الداخلية تلفت الانتباه

 ليس من الصواب عند النظر إلى سورية أن نرى الأحداث العسكرية فقط، اذ حدثت تطورات مهمة رئيسية في كافة المجالات “الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية” في العام 2021.

وطالما لم تحسم الحرب “الأهلية” بانتصار كامل وحاسم لـ” لحكومة المركزية”، فإن إمكانية إنهاء الصراع في سورية غير واردة إلا عبر المفاوضات السياسية. ورغم ذلك، استمرت المياه جارية عبر قنوات المفاوضات الدولية في عام 2021.

داخلياً، هناك تغيير كبير يحدث في المفاوضات. وبدأ التصدع يظهر من الداخل في حزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي طالما ظل تحت جناح الولايات المتحدة علناً منذ 2014.

تصّدع حزب “الاتحاد الديمقراطي” بما يخص مستقبل سورية

لنضع التفاصيل جانباً، الصورة التقريبية هي كالتالي: كوادر حزب “العمال الكردستاني” السابقة المقربين من “قنديل” داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي” عازمون على الاقتراب من روسيا والاندماج في النظام. يبدو هدفهم المهم هو إيجاد مساحة لهم للعيش في ظل حكم ذاتي أضيق. على الرغم من أن هذه الرؤية أضيق من رؤية الجيل الجديد لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”،  إلا أنها ذات أهمية حيوية للجناح الذي يبحث عن مُضيف جديد خاصةً مع تقلص مساحة المعيشة في شمال العراق.

في حين نجد الجناح الذي يسعى للحصول على الشرعية الدولية من خلال توسيع علاقاته مع الولايات المتحدة إلى أوروبا، لا يبدو عليه أنه سيقبل بأي شيء أقل من الفيدرالية. بعبارة أخرى، في سياق المفاوضات بين “دمشق” و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، هناك 5 ممثلين على الطاولة وهي: “دمشق، موسكو، واشنطن، وجناحي حزب الاتحاد الديمقراطي – حزب العمال الكردستاني”.

حتى الآن، هذه العملية السياسية، التي تتم يشكل سري، ولا يتم الكشف عن محتواها بشكل كامل للصحافة، وغالباً ما يتم إنكارها، ما زالت لم تحقق أية نتائج ملموسة، ولم تنعكس على طاولة المفاوضات الدولية. والسبب الأهم لذلك هو أن تركيا لا تقبل بأي شكل من الأشكال وجود “حزب الاتحاد الديمقراطي” على الطاولة.

ومع ذلك، فإن المفاوضات الدولية تتقدم بخطى بطيئة لدرجة أن- وبصراحة- حقيقة المحادثات السرية التي لا تُنشر على الملأ ليست مشكلة كبيرة لأي شخص، على الأقل في الوقت الحالي. يبدو أن روسيا والنظام ما زالا في عجلة من أمرهم للجلوس على الطاولة. لأن الوقت تحول إلى أداة لصالحهم. والطريقة لفهم ذلك هي إلقاء نظرة على العملية الدبلوماسية الثانية المهمة في العام 2021.

عملية دبلوماسية مهمة لـ” النظام السوري”

كان هناك تغييرات كبيرة في عدد ونوعية ضيوف دمشق في العام 2021. لكن في البداية، لنستذكر بأنه، كانت جميع المعابر الحدودية مع جيران سورية مغلقة. لكن في هذا العام، فُتحت الأبواب مع “العراق ولبنان والأردن”. وعملياً، بدأ التخطيط لرحلات جوية مباشر من الأردن إلى دمشق.

كما انه تُظهر الزيارات رفيعة المستوى اهتماماً متزايداً بدمشق. فقبل ثلاث سنوات، كانت قررت الإمارات العربية المتحدة والبحرين إعادة فتح سفارتيهما في دمشق. وفي العام الماضي زار رئيس المخابرات المصرية دمشق. ضِف الى ذلك، زيارة كل من رئيس المخابرات السعودية، ورئيس مجلس الأمن القومي العراقي، ووزير الخارجية الإماراتي في هذا العام.

من جهة أخرى، أعلنت الجزائر دعمها لتحسين العلاقات بين العالم العربي و”نظام الأسد”، رغم أنها لم ترسل مسؤولاً رفيع المستوى الى دمشق. أولئك الذين لديهم ذاكرة قوية سيتذكرون؛ أنه بعد مرور عشر سنوات على غزو “صدام حسين” للكويت، كانت هناك حديث ودعوات عن عودة العراق إلى جامعة الدول العربية. وفي سورية انتهى العام العاشر من الحرب “الأهلية” فليس من المستغرب أن يتم التعبير عن نفس التوقعات بقوة أكبر.

من سيكتسب الشرعية؟

إذا أردنا تلخيص ما حدث في سورية عام 2021 في جملة واحدة، أعتقد أن التعريف الأكثر دقة سيكون: “بينما تم استبدال النزاعات العسكرية واسعة النطاق بصدامات صغيرة ولكن مستمرة، حدث التغيير الحقيقي على الساحة السياسية والدبلوماسية”. و” العملية التالية مرتبطة بنقطة من سيكتسب الشرعية”.

لهذا السبب تحاول “هيئة تحرير الشام” في الشمال الغربي و”حزب الاتحاد الديمقراطي” في الشمال الشرقي فتح ذراعيها أمام المجتمع الدولي، كما أن محاولة دمشق العودة إلى المجتمع الدولي من خلال جامعة الدول العربية أمر مهم أيضاً. لكن الأمر لم ينته بعد. حتى أن التفكير في إمكانية انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من سورية، وإن لم يكن كما حدث في أفغانستان، كان كافياً لتحريك الحجارة بسرعة في سورية. حان الوقت الآن لمناقشة التوازنات السياسية في فترة ما بعد الحرب “الأهلية”، وليس الأجندات العسكرية المكثفة للحرب الأهلية. هذه هي الديناميكية الأساسية التي تنتظرنا في عام 2022.

ماذا يمكن أن يحدث في العام 2022؟

الآن لننتقل إلى مسألة ما سيحدث.

من السهل القول، إن العمليات غير الحاسمة ضد “داعش” ستستمر. وعلى أي حال، لا تعتبر قضية “داعش” في سوريا قضية تكتيكية، ناهيك عن كونها قضية استراتيجية، فهي مجرد هواية تشغيلية.

كما أنه ستستمر الأعمال “الإرهابية” التي يقوم بها حزب “العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب”، والصراعات الداخلية للمنظومة العسكرية، والتوتر في درعا سيتصاعد من حين لآخر. بالطبع، كل من هذه المشاكل مهمة، لكنها ليست أشياء من شأنها أن  تحدث تغيراً للمسار في سورية.

لكن هناك أيضًا جزء صعب

توقعي الأول بانه سيتم اتخاذ خطوة كبيرة نحو عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. فإذا حضرت” دمشق” القمة التي ستعقد في الجزائر في آذار من العام 2022، سيؤدي ذلك لخلخة الكثير من التوازنات. ولكن بطبيعة الحال، لن تؤدي خطوة دبلوماسية واحدة إلى تحويل “دمشق” إلى لاعب “شرعي” في الساحة الدولية. ومع ذلك، فإنه يؤدي إلى كسر مقاومة قوية في طريقها لتحقيق ذلك. فمع الدعم الذي تتلقاه، على ما يبدو، من هنا، يمكن للإدارة السورية أن تَشرُع في دبلوماسية وسلسلة مفاوضات دولية، حيث سيتم قبولها كممثل رئيسي من قبل محاوريها؛ وبعد ذلك لن تكون “جنيف” العنوان، بل مكان خاضع لسيطرة روسيا.

سيكون هناك تطوران سيحدثهما الدعم الدبلوماسي المحتمل لدمشق. التطور الأول سيتمثل بعملية عسكرية في إدلب. بعد فترة وقف إطلاق النار الطويلة، تنتظر إدلب فترة صعبة عام 2022. فلا تستهينوا بالبيان الروسي الأخير بأن تركيا وعدت بالانسحاب من إدلب. وكانت تركيا اصدرت رداً على هذا البيان، حددت شروطها الخاصة للانسحاب. وقالت فيه إنها ستنسحب من إدلب بشرط “دستور متفق عليه ونظام انتخابي حر وحكومة شرعية وأن تتخذ هذه الحكومة الإجراءات اللازمة لضمان سلامة الاراضي التركية”. ومع ذلك، فإن الانسحاب وإعادة الانتشار مفهومان مختلفان.

في واقع الأمر، شهد الوجود التركي في إدلب تغيراً كبيراً خلال عامي 2020 و2021. وسيكون من الطموح أن أقول كيف؛ لكن إدلب ستكون المركز الأول الذي ستستفيد فيه دمشق من الدعم الذي ستحصل عليه على الساحة الدولية.

يمكن أن يحدث التطور الثاني في إطار العلاقات بين “دمشق” و”حزب الاتحاد الديمقراطي”. قد يتوصل النظام لاتفاقات مع دول المنطقة والتي ألمح لها منذ مدة، فإذا تمت هذه الاتفاقات ستجعل حزب الاتحاد الديمقراطي في وضع صعب. كما أن الاتفاق بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام سيخلق مشاكل للأخير مع الولايات المتحدة. وكذلك توجد مشاكل مع الجهات الفاعلة المتبقية من أجل الحفاظ على الدعم من الولايات المتحدة. لذلك باعتقادي أن النتيجة المباشرة لهذا النوع من التطورات هي الانقسام على نطاق صغير. وعليه، فإن الاحتمال الأرجح هو أن تستغل دمشق الخلافات داخل حزب الاتحاد الديمقراطي” وتتقدم في مناطق صغيرة يصعب ابتلاعها. يبدو أن السيطرة على مناطق كبيرة وصغيرة في منبج أو شمال الرقة دون إطلاق رصاصة، وازمات محلية تلوح في الافق وبدعم من روسيا.

يمكننا ان نفهم، ان عام 2022 لن يكون العام الذي تنتهي فيه الحرب “الأهلية” في سورية. ورغم ذلك، ينتظرنا عام سيشهد نشاطاً أكثر مقارنةً بالعامين الماضيين، سواء في مجال السياسة والدبلوماسية أو في المجال العسكري.

دكتور محاضر بقسم الأمن الدولي والإرهاب في أكاديمية قوات الدرك وخفر السواحل في تركيا. باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الأوروبية الآسيوية (ASAM)، ومركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط (ORSAM)

\ (نُشر هذا المقال لأول مرة في 28ديسمبر/كانون الأول 2021. على موقع FİKİR TURU باللغة التركية)

– ترجمهُ لـ”السورية.نت”: نادر الخليل، زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

السورية.نت

—————————–

ثقافة سورية 2021: بعيداً عن سنوات الزّخَم/ محمود الحاج

منذ سنواتٍ والكِتابة عن الثقافة السورية، وعن سورية بشكل عام، تُشبه وصفاً للمشهد نفسه. مشهدٌ يُبدي نفسه من زاوية مختلفة، تارةً، أو تحت أسماء وتسميّات مختلفة للأشياء نفسها، تارةً أُخرى. أمّا الجوُّ العام، فهو راكدٌ تقريباً. ليس فقط ضمن حدود البلد ــ الذي تتوالد داخلَه حدودٌ أخُرى تقسِّم مناطقه الخاضعة لسيطرات و”ثقافات” مختلفة ــ، بل حتّى عند السوريين الذين يُقيمون في منافيهم المختلفة، وإن كان هذا الرّكود، خارج سورية، أقلّ رسوخاً من ذلك الذي تعرفه مُدن ومحافظات البلد.

الفضل في هذا الفرق يعود، بلا شكّ، إلى الهامش الواسع نسبياً من الحرّية الذي يجده سوريّو الخارج مقارنةً بأبناء بلدهم الذين تُؤطِّر إمكانيّاتهم قبضةُ النظام الأمنية والعسكرية و”رؤيتُه” البعثية للثقافة. يعود الأمر أيضاً إلى وجود مؤسّسات وبِنىً تدعم مشاريعهم وتستقبلها، وخصوصاً في القسم الغربيّ من المعمورة، حيث رأينا، خلال العام المنقضي، صدور كُتبٍ بحثية وأدبيّة لسوريين لدى مؤسّسات ومعاهد ودور نشر فرنسية أو بريطانية أو ألمانية، كما شهدنا تنظيمَ معارض فنّية احتفت بها وسائل الإعلام الثقافية في هذه البلدان، وولادةَ مشاريع في المسرح، وكذلك محاولاتٍ جنينية في صناعة الكتاب أو في عرضه.

رغم ذلك، تبقى اشتغالات السوريّين الموزّعين في بلدان اللجوء فقيرةً على ضوء ما كان يمكن تقديمه ضمن المتاح من الحرّية والدعم (وهما مشروطان، في عديدٍ من الأحيان، بالتناسق مع الخطاب السياسي القائم في البلد المستضيف، هذا إن لم يكن بالإعلاء من قيَمه). هي اشتغالاتٌ مبعثرةٌ بالعموم، بعيدةٌ عن تشكيل مقولات جديدة، أو عن اقتراح خطابٍ يمكن النظر إليه بوصفه خطاباً ثقافياً سوريّاً جديداً. أي أنّ ما اعتدناه في السنوات الماضية تكرّر في 2021 أيضاً: الاجتماع السوريّ، في معناه السوسيو ـ ثقافي، ممزّق؛ والاشتغال الثقافي، بدوره، غير قادر على قلْب صفحةٍ وبدء أُخرى. بل الأسوأ أنّ “البعثية”، هذه التي ما تزال تُطبق على أنفاس ومخيّلات وممكنات السوريين المقيمين داخل البلد، تتمظهر أحياناً ــ تحت أشكالٍ من التفكير والإدارة والعمل الجماعي ــ لدى المهجّرين والمنفيين من المشتغلين في الثقافة، الذين يُفترض أنهم يُعارضون، في أغلبيّتهم العُظمى هذه العقلية والنظام الذي يُديمها.

بخلاف ما جرى مع أغلب بلدان المعمورة، لم يكن ينقص سورية الاصطدامُ بحائحة كورونا لتعرف الركود الثقافيّ الذي عرفته في العام الماضي. حالة التصحّر هذه تُسَجَّل منذ أعوام سبقت ظهور الفيروس، أي منذ توقّف المَدّ الثقافي الذي رافق السنوات الخمس الأولى من الثورة، والذي حمل معه محاولاتٍ وأفكاراً وأفلاماً ومسرحيّاتٍ ومعارضَ، قُدِّم أغلبُها خارج البلد. اليوم، لا شيء تقريباً يمكن تلمُّسه من كلّ هذا الحِراك، بل إنه يبدو أشبه بذكرى بعيدة. وحدها الفنون البصرية كالتجهيز والتشكيل، ربما، تُستثنى من هذا: تكاد تكون المجال الوحيد الذي جاء بقولٍ سوريٍّ جديد، والذي لم يتوقّف المشتغلون فيه عن المحاولة والاقتراح.

نُكثر هنا من استخدام مفردة “ركود” التي قد تبدو غامضةً من دون تثبيت مقصدِها. فلنعرّفها، في سياقنا هذا: غيابُ الحدث أو المنتَج الثقافي اللافت، الرّصين، الذي لا يولّد إعجاباً استثنائياً فحسب، بل يدفع أيضاً إلى التفكير انطلاقاً منه وبسببه؛ الذي يفتح آفاقاً ويبني، ربّما، لما قد يأتي.

تحدّثنا، حتى الآن، عن الثقافة السورية في معناها الإبداعي، الإنتاجيّ، وليس باعتبارها ظاهرةً اجتماعية. تحدّثنا عنها بالمفرد، وكأنّه أمرٌ بديهيّ أن تكون للسوريين ثقافةٌ واحدة اليوم. لكنّ ما خُشيَ في السنوات الماضية بات يتمظهر، يوماً بعد آخر، كواقعٍ يفرض نفسه. أي أنّنا بِتنا، ربّما، إزاء ثقافاتٍ، لا ثقافة واحدة. أو أنّنا في طور الذهاب نحو نتيجةٍ مؤسفةٍ كهذه. ذلك أن ما يعيشه السوريون الذي يخضعون لسُلطةٍ ما ــ سُلطة نظام الأسد، سلطة الإسلاميّين أو سلطة المليشيات الكردية ــ، وما يُقدَّم لهؤلاء من قيَم ودعاية ومنتج ثقافي، يختلف عمّا يعرفه الذين يعيشون تحت سُلطةٍ أُخرى. وما يُلقّن بالملعقة لأبناء هؤلاء يجهله أبناء أولئك، الذين يُلقَّنون قيَماً وتاريخاً قد يكون آخَر. ثمّة، بلا شكّ، سورياتٌ وسوريون واعون لعمل الماكينات الدعائية. لكنّ صوت الماكينة الدعائية يغطّي على أصواتهم، كما يصمّ آذانهم.

هكذا، يفتح نظام الأسد أبواب المناطق التي يسيطر عليها للروس بنُسختهم البوتينية (وأحياناً للإيرانيين بنُسختهم الخامنئية)، الذين يأتون ليكمّلوا، بدعايتهم، مقترحه الثقافي الهزيل. 2021 كان “حافِلاً” بعناصر “الرَّوْسنة”، “رَوْسنة” سورية، التي تبدو مشروعاً أكثر جِدّيةً ممّا اعتُقِدَ. فهي لا تتوقّف عند ضمّ موانئ ومناطق سورية، بل تسعى إلى خلق تحوير أو إعادة صياغة في المخيال والعقل ــ في المجتمع والثقافة. تفعل ذلك عبر عروضٍ أدائية ومسرحية وسينمائية، وعبر افتتاح أقسام لغةٍ في الجامعات، وإصدار كُتب ومعاجم توزّع مجّاناً أو بأسعار زهيدة، لنشْر صيغةٍ بوتينية من ثقافةٍ كنّا لنَسْعَد بمعرفة السوريين لها في شكلها الأوسع، اللابوتيني ــ أي باعتبارها ثقافةً لأمثال دوستوييفسكي وبولغاكوف وتاركوفسكي وباختين ــ، وفي سياقٍ آخر غير هذا السياق الذي المفروض بقوّة السّلاح.

وفي حين يعتقل الإسلاميون، في المناطق التي يسيطرون عليها، الثورةَ السورية وطموحاتها وتسمياتها، ويقدّمون إلى السوريين المقيمين تحت سُلطتهم إيديولوجيا مفارقة لما طمحوا إليه في يومٍ ما؛ فإنّ الماكينة الإعلامية التي تديرها الميليشيات الكردية، في مناطق سيطرتها، لا تتوانى، هي الأُخرى، عن “تثقيف” الناس بحسب رؤيتها إلى المنطقة والعالم، وبحسب المعجم الذي تريد تعميمه في “شمال وشرق سورية”، كما تُحبّ وسائل إعلامها أن تصف منطقة سيطرتها.

العربي الجديد

—————————

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق/ عبدالناصر العايد

افادت أرقام برنامج “بيانات الصراعات” في جامعة أوبسالا السويدية، إلى انه بحلول نهاية العام 2020، انخفض عدد القتلى في المعارك عالمياً بشكل ملحوظ، وأرجعت مجلة “فورين بوليسي” ذلك “إلى تراجع المذابح المروعة في سوريا إلى حد كبير”. وقد استمرت تلك الأرقام في الانخفاض في العام 2021، وستوالي على الأرجح الانخفاض في العام 2022، لكن هذا لا يعد مؤشراً على تعافي البلاد وأهلها، بل على العكس من ذلك تماماً، إنه يشير إلى تهالك قوى الأطراف كافة، الأمر الذي سيعمق الأزمة المعيشية والإنسانية للسكان المدنيين.

فالمتعطشون للدماء من أمراء الحرب وتجارها، الذين اكتسبوا نفوذهم خلال العقد الماضي من خلال القتل، سيصبحون أكثر شراهة للمال والثروة، كسبيل وحيد لبقائهم في مواقعهم، وفي ظل شح الموارد وتوقف الامدادات الخارجية التي كانت تغذي الصراع، سيلتفتون إلى المجتمعات الواقعة تحت سلطتهم لإحكام السيطرة عليها، وانتزاع رأس مالها المتواضع، من خلال الأنشطة الاجرامية كالاتجار بالمخدرات أو الابتزاز الأمني السافر، وستبرز تبعاً لذلك مظاهر من التسلطية المطلقة على المجتمعات المحلية على مختلف ضفاف الصراع.

لقد استنزفت عمليات القتل والتدمير المجتمع السوري المعارض للنظام. ومع تراجع التأييد والدعم لقوى الثورة السورية من المجتمع الدولي والإقليمي، لم تعد هذه قادرة على أخذ زمام المبادرة وشن الحرب، وهي تحاول ما استطاعت التمسك بالمناطق التي ما زالت في حوزتها، بغطاء إقليمي أو دولي يحمي مناطق النفوذ، لكنه يرفض بالمطلق توسيعها أو جعلها منطلقاً لهجمات عريضة جديدة، هي غير ممكنة واقعياً كما أسلفنا.

من ناحيته يعاني النظام أيضاً نتائج المقتلة التي ورط قواعده الاجتماعية فيها، ولا يبدو شن الحرب من طرفه مقبولاً لمؤيديه المنهكين، بعد تراجع أو ضعف التهديدات التي كان يشكلها الجهاديون وغيرهم على حاضنته الطائفية، وهي البعبع الذي اتخذه النظام ذريعة للتجنيد الشامل ومبرراً للخسائر البشرية الفادحة التي وقعت في صفوف الفئة الشابة على وجه التحديد من اتباعه.

أما الدول الأربع المنخرطة عسكرياً في النزاع السوري وتتحكم في مسار الأحداث، وهي أميركا وروسيا وتركيا وإيران، فهي بدورها لا ترغب في مزيد من القتال بعدما حصل كل منها على حصته المأمولة من التدخل، أو أقل قليلاً، فشنّ الحرب لن يجلب سوى الخسائر للأطراف كافة، بعدما استقر اطاره الاستراتيجي.

تنسحب حالة عدم الرغبة في إطلاق حرب واسعة النطاق على أمراء الحرب المتحكمين بالقوى السورية على الأرض من الأطراف كافة. فعدا عن تقيدهم جميعاً بتعليمات داعميهم الدوليين أو الإقليميين، فإن خشيتهم على مكاسبهم التي راكموها خلال سنوات القتال، تمنعهم من التفكير في أي مغامرة تهدد مكاسبهم الخاصة. وينطبق ذلك على المليشيات التابعة للنظام، وتجار الحرب المتحكمين في المجتمع الموالي، كما ينطبق على الفصائل المعارضة المرتبطة بتركيا، بل وعلى الجولاني وإمارته رغم ما يبدو عليه من استقلالية، وهو ينطبق بلا شك على قوات سوريا الديموقراطية.

لكن هذا لا يعني أن باب الاحتمالات مغلق. فإن شَعر أحد الأطراف بالقوة أو بفرصة سانحة ما جراء تقلب الأحداث، فقد تنفجر حرب هنا أو هناك، بين طرفين أو أكثر، لكنها ستكون منخفضة الوتيرة وسيتم احتواؤها، والأكثر احتمالاً هو أن تنفجر صراعات داخل المعسكر الواحد، بسبب النزاع على المكاسب وحدودها التي لم تستقر.

على هذه الخلفية، سيشهد العام 2022 اتفاقيات وصفقات عابرة لخطوط التماس، اقتصادية الطابع ويقودها تجار الحرب الذين سيواصلون استغلال المحنة الإنسانية للمدنيين، وستزداد الهوة بين المتنفذين وعامة السكان، ويرتفع التوتر داخل كافة “الدويلات” التي تنتشر في الأرض السورية، بينما تنخفض على حدودها.

يمكننا تلخيص المشهد السوري المحتمل في العام المقبل، بأنه العام الذي ستتفسخ فيه “الجيوش” لتتحول إلى عصابات أمنية ذات طابع مالي مافيوي، وسيزداد القمع العام بالتوازي مع تعمق بؤس الأحوال المعيشية وتدهورها، وستحافظ الدول الأربع المتحكمة على الأرض على مكاسبها بالتواطؤ بين بعضها البعض، وستضبط هذه الدول سلوك أدواتها المحلية بحزم، وتمنع دخول لاعبين جدد إلى الميدان السوري، وستكون عمليات القتل مقيدة، لكنها مركزة ومحدودة، تستهدف الخصوم والمنافسين وترويع المجتمع لإخضاعه.

أما ملايين السوريين الذين حملوا عبء التغيير وحلمه طوال عقد من الزمان، فهم يقبعون بصمت على هامش المشهد كجمهور منفعل بالأحداث وغير مؤثر، فاقد للاتجاه وللوعي الذاتي بقوته وقدرته على الفعل التاريخي. لكن هذا ليس حتمياً أيضاً. فرغم تمزق البلاد واستشراء الفساد والانهيار الاقتصادي والشلل السياسي، فإن المجتمع السوري ما زال القوة الأكبر وزناً في الساحة، والأقدر على كسر الجمود، بشرط واحد على ما نرى، هو صعود الوطنية السورية مجدداً، ووعي مختلف فئات السوريين لمصلحتهم المشتركة، مع سقوط أقنعة القوى الداخلية الخارجية التي تتاجر بمحنتهم، والتي راحت تقلب لهم ظهر المجنّ بلا أي اقنعة.

المدن

—————————-

سوريا 2022: العلاقات التركية الأميركية؟/ سمير صالحة

فشلت أنقرة في إقناع إدارة جو بايدن بفوائد “دبلوماسية تقاسم المصالح” التي تبنتها في العام 2021 وبدأت تطبيقها لتحسين علاقتها مع العديد من الدول العربية والإقليمية. الرئيس الأميركي الجديد ليس موضع ثقة بالنسبة للعديد من القيادات السياسية التركية بسبب مواقفه المعلنة وغير المعلنة حول النظرة إلى حكومة العدالة والتنمية وسياساتها الإقليمية التي تتعارض مع مصالح أميركا وحساباتها في المنطقة. ملفات الخلاف والتباعد بين البلدين كثيرة ومتشعبة. نوقشت أكثر من مرة في السر والعلن بين قيادات أمنية وعسكرية وسياسية دون نتيجة ملموسة. لقاء القمة بين أردوغان وبايدن على هامش اجتماع منظومة الدول العشرين خرج بوعود وقرارات تتحدث عن مرحلة ومسار جديد في العلاقات لم يطبق الكثير منها.

الإدارة الأميركية تقول هنا إنها ليست متحمسة أو مستعجلة في تحسين علاقاتها مع الجانب التركي لذلك ردت تركيا التحية بإعلانها أن الحوار التركي الروسي يتقدم ويزدهر بفضل اللقاءات الثنائية المتكررة والمباشرة بين الرئيسين أردوغان وبوتين. كان الرهان مؤخرا على ملفات أفغانستان وأوكرانيا وإثيوبيا لتلعب دور التهدئة والانفتاح أميركياً وتركياً بعدما عقدت ملفات التقارب التركي الروسي وخطوة بايدن الأرمنية في نيسان المنصرم والدعم العسكري الأميركي المتزايد لليونان، وتمسك واشنطن بحليفها الكردي في شرق الفرات، لكن حسابات الحقل والبيدر اختلطت مرة أخرى.

قبل أيام ومع اقتراب نهاية العام قصد مستشار الرئيس التركي وأحد أقرب أعوانه وربما كاتم أسراره إبراهيم قالن الولايات المتحدة الأميركية في زيارة بهدف المشاركة في أعمال المؤتمر السنوي العشرين للجمعية الإسلامية الأميركية – والدائرة الإسلامية في أميركا الشمالية التي عقدت في مدينة شيكاغو. أعلن قالن على هامش الزيارة أنّ أنقرة بعثت برسالة إلى واشنطن بشأن إنشاء وتشغيل آلية تتعلق بمعالجة القضايا الخلافية في العلاقات بين البلدين، وبشأن المسائل التي اتفق عليها الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن. كما أشار إلى أنَّ العلاقات التركية الأميركية متجذرة ولها تاريخ طويل، وأنَّ البلدين حليفان في حلف شمال الأطلسي، إلا أن تلك العلاقات تخرج من حين لآخر عن روح التحالف بسبب تجاهل واشنطن للمصالح الوطنية التركية.

هدأت اللغة التركية حيال واشنطن لفترة زمنية قصيرة بعد لقاء القمة بين الرئيسين لكن أنقرة لم تتراجع عن موقف أن “العلاقات التركية الأميركية ليست على ما يرام وأن مسار الأمور اليوم لا يبشر بالخير وبايدن يواصل إرسال السلاح إلى التنظيمات الإرهابية في شرق الفرات كما كان يفعل سلفه ترامب”. هل ناقش قالن مع المسؤولين الأميركيين مشروع خطة جديدة يجري الإعداد لها حول الملف السوري كما يردد البعض اليوم؟

يتمسك البعض في تركيا بفكرة أن أميركا ملزمة بالتعاون والتنسيق مع أنقرة إذا ما كانت تريد حماية مصالحها في المنطقة، لكن عدد الطعنات الأميركية في الأعوام الثلاث الأخيرة وفي سوريا وحدها أكثر من أن يعد ويحصى: واصلت واشنطن تزويد حليفها الكردي في شرق الفرات بالسلاح والعتاد والدعم السياسي رغم كل الاعتراضات والانتقادات التركية والوعود بسياسة سورية جديدة. لم تأخذ أميركا بمطالب أنقرة ورفضها لسياسة محاربة الإرهاب بواسطة مجموعات إرهابية أخرى. وتجاهلت كذلك حاجة تركيا إلى المنطقة الآمنة في شمال سوريا رغم كل الوعود المقدمة بدعم تركيا في الخروج من أزمة اللجوء على حدودها. ثم تركها البيت الأبيض وحيدة في مواجهة التصعيد الروسي الإيراني في سوريا أكثر من مرة لكنه لم يتردد في التصعيد عندما جلست تحاور موسكو وطهران أمام طاولة أستانا.

تسير العلاقات التركية الأميركية وسط حقل من الحفر الكثيرة والعميقة ولا مؤشرَ حقيقياً على وجود رغبة بطمرها أو الالتفاف عليها في العام الجديد. واشنطن متمسكة بورقة أن انسحابها من شرق الفرات لا يعني فقط انتهاء حكم الإدارة الذاتية وسقوط حلم الكيان الكردي المستقل الذي وعدت قسد به تحت ذريعة محاربة مجموعات داعش. بل يفتح الطريق على وسعها أمام موسكو وطهران للتوغل أكثر في سوريا والمنطقة. وكثر هم في أنقرة من يرددون اليوم أن واشنطن التي استفادت من دروس كابول ستطبق ما تعلمته في سوريا وهي ستبقي قواتها ونفوذها العسكري والسياسي لموازنة النفوذ الروسي والتركي والإيراني والبقاء أمام طاولة الملف السوري حتى ولو تفاهمت مع الكرملين على تسوية ثنائية مشتركة هناك. وأن خيارات أنقرة لن تتغير في شمال سوريا والعملية العسكرية ضد قسد بين الاحتمالات القائمة دائماً فهي لا تثق سوى بمن يساعدها على الوصول إلى ما تريده في سياستها السورية.

يحلو للبعض في أنقرة التمسك بطرح أن واشنطن ستنصح دائما شريكها قسد بإنقاذ نفسه عبر القطيعة السريعة مع مجموعات حزب العمال وعدم استفزاز تركيا أو إغضابها أكثر من ذلك. لكن الحديث بين الحين والآخر عن محادثات تركية مع النظام في دمشق بتشجيع روسي وإيراني مسألة تقلق واشنطن أيضاً بقدر ما تقلق أنصار مشروع الحكم الذاتي الكردي لأنها ستتحول إلى تفاهمات حول الإطاحة بهذا المشروع وما شيدته قسد في الأعوام الأخيرة.

كيف ستتصرف أميركا هنا إذن؟ هل ستعطي أنقرة ما تريده مقابل تحول حقيقي في مواقفها وسياستها الإقليمية أم ستعلن أنها ستواصل ما بدأت به في سوريا لحماية التوازنات الحساسة القائمة هناك وضرورة الأخذ بعين الاعتبار بما يقوله ويريده حلفاؤها المحليون والإقليميون؟ الإجابة هي عند بوتين وما سيقوله لنظيره بايدن من خلال الحوار الروسي الأميركي الجديد حول سوريا والذي قد تظهر نتائجه إلى العلن في الأشهر القادمة.

حروب التسريبات الإعلامية حول خطط ومشاريع حلول جديدة للملف السوري تتطاير من كل صوب.

نقلت وسائل إعلام تركية مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم معلومات تتحدث عن مفاوضات سرية تجري بين أنقرة والنظام في دمشق. ونقلت وسائل إعلام روسية عن مصادرها في دمشق حصول تقدم في مفاوضات تركية تجري مع النظام السوري بهدف تعديل اتفاقية أضنه الموقعة بين الطرفين عام  1998. هل هو مسار جديد في الملف السوري مرتبط بالسياسة الأميركية الجديدة التي شجعت مظلوم عبدي قائد ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية لتوجيه رسائل أميركية إلى الأطراف المحلية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري حول أن الحوار مع النظام انتهى وأن لا تراجع عن شرط الاعتراف بالإدارة الكردية الذاتية وهيمنتها على آبار النفط، وأن تركيا غير قادرة على الخوض في معركة خارج حدودها في ظل وضع اقتصادي متردٍ تعيشه الدولة؟ هل يشعل الكرملين الذي كان يعارض قيام تركيا بالمزيد من العمليات العسكرية في شمال سوريا ويحاول أن يلعب الورقة الكردية في سوريا على حساب تركيا وأميركا، الضوء الأخضر أمام تركيا لتنفيذ عمليتها العسكرية في إطار الرد على الرسائل الأميركية الأخيرة؟

قناعة واشنطن الحالية هي أن التفاهمات الثلاثية الروسية التركية الإيرانية تتقدم في سوريا ولا بدَّ من إيقافها وأن تركيا اتفقت مع شريكي الأستانا على خارطة تقاسم النفوذ في المنطقة التي ستنسحب منها القوات الأميركية وسيتم إنزال الضربة القاضية بحليفها الكردي في سوريا. لذلك هي تحاول طمأنة شريكها المحلي أن أخطاء ترامب لا تلزم بايدن.

سنحصل في العام الجديد حتما على إجابات لتساؤلات تركية أميركية حول شكل ومسار العلاقات، حيث يشكل الملف السوري حلقة أساسية فيها. هناك من يراهن في أنقرة على أن واشنطن ما زالت راغبة في التفاهم والتنسيق مع تركيا لأن مجالات التعاون أكثر بكثير من أسباب الخلاف والتباعد. وهناك من يقول لنا في واشنطن إن “ما نحاول فعله مع تركيا هو زيادة المجالات التي يمكننا التوافق والتلاقي حولها. وأنه يمكنك الاستمرار في أن تكون صديقاً حتى لو كانت لديك خلافات”. وأن بايدن وأردوغان يعرفان بعضهما جيدا وسيعملان على حماية خيط العلاقات. لكن أردوغان ما زال على موقفه حيال التخبط الحاصل في السياسة الأميركية الإقليمية وبايدن لم يتردد في لعب أوراق كثيرة تغضب تركيا وتدفعها للتصعيد خلال الفترة الزمنية القصيرة التي وصل إلى البيت الأبيض فيها، في ملفات شرق المتوسط واليونان والموضوع الأرمني دون أن يقدم أي مؤشر حقيقي باتجاه التراجع عن هذه المواقف والسياسات. دون التوقف مطولا عند تصريحات بايدن وهو يقود حملاته الانتخابية حول ضرورات التغيير السياسي في تركيا.

تلفزيون سوريا

—————————–

عام آخر من الصمود/ عبد الرحمن مصطفى

يجيء اليوم عام جديد، ليكون شاهدا على صمود شعبنا وإصراره على الاستمرار في ثورته ومعركته ضد كل الدول والميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي حاكت لثورته المؤامرات.

أقول، إنّ شعبنا العظيم حقق انتصارات تاريخية في ظل دعم عدة دول لنظام الإبادة، تلك الدول التي أرادت أن تقول لشعوبها إنّ من يريد القيام بثورة فسيلقى مصير السوريين، فجاء الرد من الشعب السوري مزلزلاً، إنَّ الحقّ أبقى وأقوى من أن يُهزم، وما تعيشه اليوم الشعوب التي ترزح تحت ظل الأنظمة الاستبدادية من انفراجة على صعيد الحريات، فسببه إدراك هؤلاء الحكّام أنّ صمود الشعب السوري وإصراره على نيل كامل حريته دون قيد أو شرط قد يكون ملهما لشعوبهم.

يجيء اليوم عام جديد، ليكون شاهداً على أنّ سعي نظام الأسد وحليفتيه المحتلتين روسيا وإيران لمحاصرة الشعب السوري وتجويعه لن يزيد شعبنا إلّا إصرارا على مواصلة الكفاح، إذ إنّ الثورة السورية ثورة أفكار ترسخت يوما بعد يوم في هذا الشعب، نقلها الآباء للأبناء وسينقلها الأبناء للأحفاد.

يجيء اليوم عام جديد، وما زال أشقاؤنا وأصدقاؤنا يقفون بكل قوة مع ثورتنا وحقنا المشروع في الحرية والعيش الكريم، فكم اختلط دم شهدائنا في الجيش الوطني مع أشقائهم في الجيش التركي على أرض سوريا لدحر الإرهاب وتحرير الأرض.

وكم وقفت معنا الكثير من الدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة وما زالت ترفض التطبيع مع المجرم القابع في دمشق على جماجم الأطفال والنساء.

يجيء اليوم عام جديد، وما زال شعبنا في المناطق المحرّرة يناضل ليس فقط لنيل حريته، بل من أجل حرية إخوانهم الذين يعيشون أسرى في المناطق التي يحتلها نظام الأسد، والمناطق التي يحتلها تنظيم PKK الإرهابي وذراعه السوري PYD.

يوما بعد يوم، نثبت للعالم أنّ شعبنا الثائر قادر على أن يكون بديلا عن نظام الإبادة في دمشق، وأنّ سوريا ليست عقيمة من أن تلد قياديين مدنيين وعسكريين وسياسيين ينهضون بدولتهم وشعبهم، وخير دليل ما نراه في الشمال السوري من نموذج مشرق للإدارة المدنية يفوق نموذجي الإدارة في مناطق الأسد وتنظيم PKK الإرهابي.

لا أقول إنّنا حققنا المأمول وبنينا المدينة الفاضلة، إذ كان أمامنا في الحكومة السورية المؤقتة تحديات كبيرة في العام المنصرم، وكانت خياراتنا إمّا أن نجلس دون عمل حتّى لا نخطئ، أو أن نعمل بكل طاقتنا لخدمة شعبنا، نخطئ في جانب، وننجح في جوانب عديدة، وهذا ما تم بالفعل، فالخدمات التي تقدّم في المناطق المحررة التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة من كهرباء وماء ومحروقات واتصالات ومؤسسات للحبوب وإكثار البذار وأفران، كانت نتاج تضافر جهود الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية التابعة لها ومنظمات عديدة، وبوصلتنا الأولى هي خدمة شعبنا في المناطق المحررة.

إنّنا في الحكومة السورية المؤقتة ندرك أنّ ما تم إنجازه في عام 2021 غير كاف، ويجب أن نقدّم المزيد والمزيد لشعبنا في المناطق المحررة، لذلك كان لابد من وضع خطّة من شأنها تحقيق حد مقبول من التنمية، وأن يكون عام 2022 عام التطور والبناء، وبناء الإنسان قبل كل شيء، فكانت أولى قراراتنا أن تعمل الحكومة السورية المؤقتة بكامل وزاراتها وكوادرها من مقرها في الداخل السوري، وبهذا أنجزنا الخطوة الأهم في أن نكون بين أهلنا وشعبنا، نعمل معاً ونبني معاً.

سيشهد عام 2022 تطورات ملموسة في عمل الحكومة السورية المؤقتة، ابتداء من مراقبة أسعار المواد الغذائية والتموينية لضمان عدم الارتفاع الفاحش، وصولا لتنظيم أكبر للمجالس المحلية والقضاء والجيش الوطني.

يجيء اليوم عام جديد، وكلنا أمل أن يكون عام الانتصار والتحرير، وأن تكون سوريا خالية من الغزاة والطغاة والبغاة، وأن تدرك الدول المطبّعة مع نظام الأسد أنّ سوريا عظيمة بأبنائها لا بمستبديها، وأنّ المكسب الحقيقي هو الشعب لا السلطة.

كلي أمل وتفاؤل بأن يكون العام الجديد عام الحل السياسي الشامل وفق القرارات الدولية والقرار 2245، والذي يدعو لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.

في مطلع العام الجديد أتقدّم بالتهنئة لأمّهات الشهداء وذويهم أولا، ولشعبنا السوري الصامد، ولجيشنا الوطني، وللمجالس المحلية، وللمنظمات العاملة في الشمال السوري، وللدول التي مازالت ثابتة على مواقفها في دعم الثورة السورية العظيمة.

وكذلك أهنئ الصحفيين والإعلاميين مؤسسات وأفراداً، فهم الدرع الذي يحمي الثورة ويحافظ على صورتها من التشويه.

كل عام وأنتم بخير

——————————-

موتى بلا جثث..في البحر المتوسط

لم يحمل عام 2021 أوضاعاً أفضل بالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء في العالم، بل ازدادت أعداد الكوارث والضحايا بنسب مرتفعة في البحر الأبيض المتوسط، وجهة المهاجرين الهاربين من الحروب والصراعات والازمات الاقتصادية والاضطهاد من بلادهم والشاهد الاول على أحلام تحولت إلى سراب.

خاض المهاجرون غير الشرعيين مجازفة الحياة والموت بكثرة عام 2021 من شمال أفريقيا ومن لبنان وسوريا وتركيا، ظناً منهم أن البحر سيكون رحيماً وأن أمواجه العاتية ستنقلهم الى بر الامان في بلاد الغرب، لكن هذا السيناريو الجميل هو ليس سوى خدعة ترويها عصابات التهريب عبر “قوارب الموت” المهترئة وغير المجهزة بهدف جمع الاموال من طالبي الهجرة غير الشرعية.

أما الحقيقة فترويها الارقام وأعداد الضحايا والمفقودين جراء الحوادث الدموية التي وقعت في عام 2021 في البحر الابيض المتوسط، الذي شهد على عشرات الجثث العائمة وآلاف الجثث الأخرى المفقودة.

بالارقام

وسجلت المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين مصرع أو فقدان نحو 1600 شخص في البحر الأبيض المتوسط منذ بداية 2021 حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا من دول شمال أفريقيا أو تركيا. أما في الربع الأول من السنة، فقد غرق 300 شخص على الأقل أو أنهم قد فقدوا في وسط البحر الأبيض المتوسط، وهو رقم يُعد مرتفعاً مقارنةً في الفترة نفسها من عام 2020 عندما غرق حوالى 150 شخصاً أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط.

أما أرقام المنظمة الدولية للهجرة فتفيد بأنه في منتصف تموز/يوليو ازداد عدد المهاجرين الذين قضوا في البحر المتوسط خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا إلى أكثر من الضعف وناهز 900 شخص.

وأشارت المنظمة إلى وفاة ما لا يقل عن 741 شخصاً على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط بينما فقد 149 شخصاً حياتهم أثناء عبورهم غرب البحر المتوسط، وتوفي ستة أشخاص على طريق شرق البحر المتوسط من تركيا إلى اليونان.

وأضافت المنظمة أن عدد الأشخاص الذين حاولوا العبور إلى أوروبا عبر البحر المتوسط ارتفع بنسبة 58 في المئة بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو عام 2021 مقارنة بالفترة  ذاتها من العام 2020.

حوادث وضحايا

هذه النسب والأرقام المرتفعة للضحايا المهاجرين تروي مآسيهم “غير المرئية” و”غير الموثقة” في قلب البحر، بعد أن تتعرض قواربهم المهترئة للانقلاب والغرق نتيجة لعوامل عديدة من بينها الطقس السيئ والحمولة الزائدة.

وبدأ العام بتسجيل أول حوادث غرق قوارب المهاجرين في 20 كانون الثاني/يناير، إذ لقي  43 شخصاً على الأقل مصرعهم قبالة ساحل ليبيا، فيما أُبلغ عن نجاة 10 أشخاص وقام أمن السواحل بنقلهم إلى شاطئ زوارة.

وفي واحدة من أكبر الحوادث التي سجلت خسارة في الأرواح في وسط البحر المتوسط بداية 2021 أيضاً، رصدت منظمة “إس أو إس ميديتيرانيه” الأوروبية الإغاثية غير الحكومية في 23 نيسان قبالة السواحل الليبية حوالى عشر جثث طافية على المياه بجانب زورق مطاطي انقلب رأساً على عقب، ويحمل 130 مهاجراً.

وفي 16 نيسان، لقي 41 مهاجراً على الأقل حتفهم إثر غرق مركبهم قبالة سواحل محافظة صفاقس شرق تونس. وقبلها بأيام، انتشلت دوريات خفر السواحل التونسي جثث 20 مهاجراً تعود ل11 رجلاً و8 نساء ورضيع، فيما اعتبر 17 آخرون في عداد المفقودين.

وفي 23 تموز/يونيو، غرق مركب يقل 45 لاجئاً سورياً أثناء توجهه إلى إيطاليا وأُنقذ 37 منهم. ونقلت وكالة “الاناضول” عن مصادر في وزارة النقل والبنى التحتية التركية أن مسؤولي سفينة تجارية تركية كانت في موقع الحادث أشاروا إلى نفاد وقود المركب الذي يقل لاجئين سوريين وغرقه جراء الأحوال الجوية السيئة.

وفي 27 تموز أيضاً، قضى ما لا يقل عن 57 مهاجراً كانوا يسعون الى بلوغ أوروبا عبر البحر المتوسط غرقاً قبالة سواحل ليبيا. وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن القارب غرق قبالة مدينة الخمس على بعد 120 كلم من العاصمة طرابلس على الساحل الغربي.

وفي واحدة من أكثر حوادث حطام السفن دموية عام 2021، لقي أكثر من 75 لاجئاً مصرعهم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر بعد انقلاب القارب الذي كان يقلهم نتيجة عاصفة أدت لأمواج عاتية قبالة سواحل ليبيا أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.

ومؤخراً، انضم اللبنانيون إلى طابور المهاجرين إلى أوروبا، إذ أنقذ عناصر البحرية اللبنانية في 20 تشرين الثاني زورقاً يقل عشرات اللاجئين الذين غادورا لبنان متجهين غرباً عبر البحر الأبيض المتوسط، لكنه تعطل قبالة الساحل.

وهذه تعدّ أحدث رحلة لأشخاص يائسين، معظمهم من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، يبحرون نحو قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي وأحيانا تركيا، سعياً للهروب من الانهيار الاقتصادي المتفاقم في لبنان حيث يعيش حوالي 75 في المئة من السكان حالياً تحت خط الفقر، وفقاً لوكالة “أسوشيتد برس”.

إيطاليا الوجهة الاولى

وفي مفارقة لا بد من الاضاءة عليها، رغم أن إيطاليا سجلت أرقاماً كبيرة في أعداد ووفيات فيروس كورونا في عام 2021، إلا أن هذا لم يردع المهاجرين غير الشرعيين من محاولة الوصول اليها. وقد سجلت أرقام مفوضية الاجئين وصول 12839 مهاجراً ولاجئاً إلى إيطاليا تليها إسبانيا (9،160 وافداً) فاليونان (2،320).

ووفقاً لمفوضية اللاجئين، وصل ما يقارب ال25000 مهاجر ولاجئ إلى أوروبا، 23367 منهم وصلوا عن طريق البحر إلى إيطاليا واليونان وإسبانيا وقبرص ومالطا. ووصل 1583 لاجئاً ومهاجراً آخر إلى القارة الأوروبية عن طريق البر ولا سيما في اليونان وإسبانيا.

دعوات أممية

وفي ظل ارتفاع حدة الحروب والنزاعات في دول عربية وفي العالم والتي يعقبها عادةً ازدياد أعداد النزوح والهجرة عبر البحر، وكي لا تتكرر معاناة غرق قوارب المهاجرين التي تتصدر النشرات بشكل دائم مؤخراً، تكرر مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة دعوتهما للمجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عاجلة لوضع حد للخسائر في الأرواح التي يمكن تجنبها في عرض البحر. ويشمل ذلك إعادة تنشيط عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط وتعزيز التنسيق مع جميع الجهات الفاعلة في مجال الإنقاذ والتوقف عن إعادة الاشخاص إلى موانئ غير آمنة وإنشاء آلية إنزال آمنة ويمكن التنبؤ بها، يعقبها إبداء ملموس للتضامن من الدول الأوروبية والبلدان المستقبلة لأكبر عدد من الوافدين.

وتجدد مفوضية اللاجئين دعوتها بشكل مستمر إلى دول الاتحاد الأوروبي بحل معاناة المهاجرين العالقين على حدودها، لا سيما مع وجود عدد كبير من النساء والاطفال من دون مأوى مناسب وطعام وماء ورعاية طبية.

وفي المقابل، طلبت 12 من الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بينها النمسا واليونان وبولندا والمجر من المفوضية الأوروبية تمويل بناء حواجز على حدودها لمنع دخول المهاجرين.

ووقّع وزراء داخلية كل من النمسا وبلغاريا وقبرص والتشيك والدانمارك وإستونيا واليونان والمجر وليتوانيا ولاتفيا وبولندا وسلوفاكيا رسالة بهذا الشأن، وأرسلوها إلى المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون.

وفيما ردت يوهانسون على الرسالة المشتركة بأن البلدان لها الحق في بناء أسوار على حدودها، لفتت إلى أنه كان يفترض التركيز على المقترحات المتعلقة بميثاق الهجرة واللجوء، وهي خطة إصلاح اقترحتها المفوضية وتثير انقساماً بين الدول الأعضاء.

لم يكن عام 2021 رحيماً على المهاجرين غير الشرعيين، وهي مسألة وقت فقط حتى نسمع عن غرق قارب آخر يحمل العشرات منهم، وفي حال لم توضع سياسات جديدة وأنظمة مراقبة لعمليات تعقب أوسع للقوارب والمهربين، سيبقى البحر الأبيض المتوسط “مقبرة المهاجرين”.

ويشهد البحر الأبيض المتوسط العديد من عمليات التهريب نحو أوروبا عبر البحر خصوصاً في فصل الصيف عندما تكون المياه دافئة والطقس ليس عاصفاً، إلا أن هذا لا ينفي استمرار ظاهرة الهجرة غير الشرعية في فصل الشتاء.

وتتعرض الكثير من القوارب لحوادث غرق في البحر نتيجة لعوامل عديدة من بينها الطقس السيئ والحمولة الزائدة. ويتعرض الكثير من المهاجرين غير الشرعيين إلى الاستغلال من قبل المهربين أو للتعذيب وإساءة المعاملة أو يتم احتجازهم مقابل دفع فديات.

وانطلقت قوارب المهربين بشكل كبير عام 2021 من شمال أفريقيا ومن لبنان وسوريا وتركيا، وهي محملة بالآلاف من دون أي وسيلة أمان أو إنقاذ.

المدن

————————

================

تحديث 03 كانون الثاني 2022

————————-

حصاد صفري لعام يمضي/ نبيل العلي

لم يحمل عام 2021 أيّ جديد للسوريين، ولم يشهد في واقع الأمر أيّ تقدّم يخصّ أزمتهم، بل كان عام 2021 عامًا مقلقًا لطرفي الصراع، المعارضة والنظام، فعلى الرغم من أن حدة القتال وقوّة الحرب قد انخفضت إلى حدودٍ دنيا، فقد ظل كلا الطرفين قلقًا مما سيأتي، ومما يخطط له المجتمع الدولي والدول العظمى لسورية وأزمتها.

دخلت المعارضة السورية عام 2021 على أمل أن يضغط المجتمع الدولي على النظام السوري وحلفائه، ليسيروا قدمًا بالحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، ليقتربوا خطوة من حلمهم بدولة ديمقراطية تعددية، لا تتحكم فيها الأجهزة الأمنية بمصاير البشر، وتكون السلطة فيها تداولية غير محصورة بعائلة وطائفة واحدة، ودخل النظام السوري عام 2021 على أمل أن يُقنع المجتمع الدولي بأنه المنتصر عسكريًا، وأن المعارضة محض إرهابيين ومتآمرين، وأنه لم يرتكب جرائم ضد الإنسانية، وأنه جدير بالحكم ويجب الاعتراف به وإعادة قبوله دوليًا، والسماح للأموال بالتدفق من أجل إعادة الإعمار.

كلا الطرفين لم يحقق شيئًا مما يريد، فالمعارضة السورية بقيت ضعيفة غير فاعلة وغير قوية لتفرض رؤيتها وشروطها، وظلّت علاقاتها الدولية مفككة وشكلية، واستمرّت في الاعتماد على الخارج دون أن يكون لها وزن أو تأثير ذاتي، بينما فشل النظام في إقناع الغرب بأنه جدير بالحكم ويجب تأهيله، وفشلت دعايته القوية في قلب المعادلات أو في جذب الغرب نحو مصيدته.

استمرت القضية السورية كواحدة من أعقد القضايا الدولية، على صعيد حجم المأساة الإنسانية، وعلى صعيد حركة اللجوء العالمي، وعلى صعيد توتر السياسة الدولية وتصادم المصالح الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، كما استمرت سورية ملعبًا لخمسة جيوش تتبع لقوى إقليمية مهمة ودولية كبرى، وباتت الأزمة السورية في حقيقة الأمر تشكّل تهديدًا للمنطقة ككل.

النظام وحلم إعادة التأهيل:

ظهرت عام 2021 مجموعة من المؤشرات التي توحي بأن المجتمع الدولي يرغب في إعادة تأهيل النظام وقبوله والاستسلام لحقيقة وجوده وحكمه لسورية، بالرغم من كل المآسي التي عاشتها سورية خلال أكثر من عشر سنوات ونصف، فقد وافقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على اتفاقيةٍ، تسمح بتمرير الغاز والكهرباء من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسورية، تُخالف بشكل صريح وواضح عقوبات قانون قيصر التي أقرتها الولايات المتحدة ذاتها، وكذلك لم تعترض الولايات المتحدة على إعادة سورية إلى عضوية منظمة “الإنتربول”، وخشيت المعارضة السورية أن يستغل النظام السوري هذه العضوية ليطالب الإنتربول باعتقالها.

كذلك زار سورية مسؤولون كبار من دول حليفة للولايات المتحدة، وأجروا محادثات مع النظام السوري، ولم تطلب الولايات المتحدة من تلك الدول الحليفة وقف مثل هذه الزيارات، واكتفت بأن قالت “لا نُشجع التطبيع” مع النظام السوري، بدلًا من “نرفض التطبيع” التي كانت تستخدمها.

وفي السياق نفسه، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية إعفاءات تتعلّق ببعض الأنشطة مع سورية، وسمحت لبعض المنظمات الإنسانية غير الحكومية بالتعامل مع النظام السوري، وصار السوريون يسوّقون بأن الولايات المتحدة تقدّم تنازلات مجانية لصالح النظام السوري، وبات هناك قناعة بأن الملف السوري صار خارج اهتمامات إدارة الرئيس بايدن.

لكن، قبل نهاية العام، تبيّن أن الواقع غير ذلك، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تُطبّع مع النظام السوري، ولن تخفف عنه العقوبات والضغوط، حيث قال المبعوث الأميركي للملفّ السوري، إيثان غولدريش، بعد اتصالات مع نظرائه الأوروبيين (الاتصالات الثنائية التي أجراها المبعوث الأميركي مع نظرائه): إن رفع العقوبات عن دمشق ليس على طاولة الحوار مع روسيا، وإن بلاده ضد التطبيع مع دمشق، وإن ما تفعله هو تقديم إعفاءات من نظام العقوبات الأميركي لأغراض إنسانية.

كذلك لم تؤدِ زيارات المسؤولين العرب إلى سورية، إلى تطبيع العلاقات بين بلدانهم وسورية، ولم تؤد إلى عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بل كانت خطوة ينتظر بعدها العرب خطوات من النظام السوري، مثل تسهيل عبور المساعدات الإنسانية، وإطلاق السجناء، وعودة اللاجئين، ودفع عمل اللجنة الدستورية والعملية السياسية.

في حقيقة الأمر، من الصعب تأهيل الأسد، فلا الولايات المتحدة ولا أوروبا قادرة على مواجهة المجتمع الدولي وشعوبها بقبولها نظامًا قاتلًا أقلق العالم لعشر سنوات، وانتشرت جرائمه في كل الدنيا وصارت معروفة لكل صغير وكبير، على الأقل من منطلق أخلاقي يصعب تأهيله، هذا إن لم نتحدث عن المنطلقات السياسية والأمنية العالمية، لكن النظام اعتاد على تحوير الحقائق وتزويرها دائمًا، ويقتطع الأحاديث ويزوّر في الأحداث، ويسعى لأن يوحي للعالم بأنه بات قاب قوسين أو أدنى من القبول العالمي على نطاق واسع، وهو ما لن يناله على المدى المنظور دون تغيير سياسي حقيقي.

المعارضة الضعيفة:

فشل النظام السوري في فرض أجندته، أو أمنياته، على المجتمع الدولي، ولم يستطع خداعهم بالحصول على تنازلات أو مكافآت منهم، دون أن ينفذ شروطهم، ولم يقابله في الطرف الثاني أي نجاح أو إنجاز للمعارضة السورية، فلا الاهتمام الدولي المفقود بها تحسّن، ولا هي استطاعت أن تصنع فرقًا في اللجنة الدستورية المكلفة أمميًّا بكتابة دستور جديد لسورية، وظلّت المعارضة معارضات مشرذمة، بسبب اختلاف الأيديولوجيات والمصالح والداعمين.

خلال العام 2021، واصلت المعارضة السورية مشاركتها في اجتماعات اللجنة الدستورية، وحضرت الدورة السادسة من الاجتماعات، وكانت إيجابية بطروحاتها ورغبتها في تحقيق تقدّم في العملية الدستورية، وحاورت النظام السوري بالقانون والمنطق والحجة، ووافقت أن تأخذ بعض ملاحظات النظام السوري حول المبادئ الدستورية التي طرحتها للنقاش، لكن هذه الإيجابية قوبلت بالرفض الكامل من النظام السوري، الذي قلب الطاولة في اليوم الأخير من الاجتماعات، ورفض كلّ ما طُرح، وعاد إلى دمشق غير مهتم بنظرة المجتمع الدولي لرفضه هذا. وضعف المعارضة، وعدم قدرتها على فرض أجندة، وعدم قدرتها على إرغام النظام على احترام القرارات الأممية وعلى السير بالعملية الدستورية التي تبنتها الأمم المتحدة وجميع الدول التي لها علاقة بالقضية السورية، كل ذلك نابع من عدم جدّية المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري وعلى حليفه الروسي، للمضي بكتابة دستور جديد يرسم بداية الحل السياسي للقضية السورية.

الحليف الروسي لم يغيّر مواقفه خلال 2021، وظلّ داعمًا للنظام السوري دون تحفظات، متهمًا المعارضة السياسية السورية بالإرهاب، هذا الحليف الذي لا يرى بديلًا للنظام السوري، ولا شريكًا آخر لضمان مصالحه، كما لا يرى في إيران خطرًا يهدد مصالحه أو يهدد سورية، على عكس ما ترى المعارضة السورية.

إيران واحدة من المستفيدين في عام 2021، فقد حيّدها الروس عن العمليات العسكرية، ليستأثروا بالقوة والتحكم العسكري، وكي لا يكون لإيران مخالب عسكرية في سورية تُخرّب على الروس، لكن إيران براغماتية وباطنية في الوقت نفسه، فقد حوّلت تغلغلها العسكري إلى تغلغل اجتماعي، وعملت على اللعب عبر التغيير الديموغرافي والتشييع، بالإضافة إلى محاولتها السيطرة التدريجية على اقتصاد الدولة الهش أساسًا، وهي ربما سعيدة بعدم الاستقرار السياسي والعسكري الذي تعانيه سورية، فهو أفضل مناخ بالنسبة إليها لاختراق المجتمع واللعب بالتوازنات المجتمعية.

نهاية عام وبداية آخر:

مع اقتراب دخول الحرب السورية عامها الحادي عشر، ومع نهاية عام 2021، ما زالت المعادلة القلقة هي المسيطرة على سورية، ولا حلّ يظهر في الأفق، وتُبدي المعارضة السورية قناعة عالية بأنه لا حل دون توافق روسي-أميركي، ضمن حلّ أممي عماده القرار 2254.

يبدو أن السوريين سينتظرون كثيرًا، نظامًا ومعارضة، حتى تتعب روسيا وإيران وتقتنعا بأن إرادة الشعوب يجب أن تُحترم، وحتى تقتنع الدول الإقليمية بعدم قدرتها على الاستمرار كجارة لدولة ممزقة ومفككة، وحتى تقتنع أوروبا بأن الوقت قد حان لحلّ القضية السورية التي بدأت أزمة اللجوء منها تتسبب في صداع دائم له، وحتى تقتنع الولايات المتحدة بأن القضية السورية هي جزء من القضايا الدولية التي يجب أخذها بعين الاعتبار وكأولوية.

مركز حرمون

——————————

يوميات القراءة في عام 2021 … طعام وأوراق عائلية ودفاتر تجار/ محمد تركي الربيعو

في الأيام الأخيرة من كل عام نبدأ بمراجعة ما عشناه من تجارب وأحداث وأفكار، وفي هذا السياق يبدو من المفيد الوقوف أحيانا على ما قرأناه، إذ يتيح لنا هذا الطقس معرفة إلى أين وصلنا؟ وما الجديد في الكتب التي اقتنيناها وقرأنا جزءا منها، على أمل قراءة الباقي في وقت لاحق، وقد لا يأتي في الغالب. كما أن النظر في علاقتنا بالكتب يقدم لنا فرصة إجراء مقارنة بين يوميات القراءة في العام المنتهي، مقارنة بالأعوام التي سبقته. ولأن تاريخ القراءة هو حصيلة مئات أو آلاف التواريخ الشخصية، يمكن القول، على صعيد كاتب هذا المقال، الذي اعتاد في السنوات الست الأخيرة على إعداد مادة أسبوعية، تتناول كتاباً جديدا في الغالب، أن تكون المقالة الأخيرة لهذا العام بمثابة فرصة للاطلاع على يومياته كقارئ (قبل أن يكون كاتبا) في عام 2021 وما الجديد فيها مقارنة بالسنوات السابقة.

في هذا السياق، تبدو لنا يوميات القراءة قد اختلفت على صعيد بعض المواضيع والأفكار عن السنوات السابقة، وإن بقيت ثيمة القصص والحكايا الأنثروبولوجية تحكمها في الغالب، لكن ذلك لم يمنع من ظهور مستجدات غير متوقعة على صعيد شراء الكتب وقراءتها في الفترة الماضية.

طقس تقليدي

في السنوات الأخيرة، حاولنا قراءة كل ما يكتب أو يترجم تقريباً حول الأنثروبولوجيا في العالم العربي، وكانت بدايات 2021 استمرارا لهذا الاهتمام، كما بدا من خلال قراءة كتابين، الأول للأنثروبولوجي الأمريكي ناداف سامين، الذي قدم مادة جديدة تمثلت بدراسة ظاهرة إرسال مئات الرسائل للعلامة السعودي حمد الجاسر، للسؤال عن النسب. وفي السياق ذاته، حمل كتاب» العشيرة والدولة في بلاد المسلمين» جديداً على صعيد اعادة قراءة دور القبيلة في هذا العالم، فخلافا لمن كان يرى أن القبيلة تصعد في ظل انهيار الدولة، دار تصوّر جل المشاركين حول أن عودتها في القرن العشرين هو وليد الدولة، ولذلك فهي لا تعد رديفا أو بديلاً عنها. وفي موازاة هذا الاهتمام ومع استمرار وباء كورونا، حاولنا استكمال قراءة السلسلة المهمة، التي أصدرها مشروع «كلمة للترجمة» حول تواريخ الأوبئة وكيف تعامل المؤرخون مع هذه الظاهرة، إذ يرى مثلا بول سلاك مؤرخ التاريخ الاجتماعي المبكر في أكسفورد في كتابه «الطاعون» أنه لا يمكن نفي دور الأوبئة في الأحداث الاجتماعية، لكن في المقابل وجد أن هناك بعض الحتميات في هذا الشأن، وأن قدوم الطاعون في أوروبا لم يكن السبب الوحيد في تطور بعض الأحداث، بل ربما سرّع في نشوء بعض التطورات، وهذا ما نراه فعلاً على مستوى كورونا، الذي سرّع ووسع من دور وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهو سيناريو لم يكن يتوقعه أشد المتفائلين قبل عقد أو أكثر تقريبا.

رائحة الطعام وعالم بلا جهاديين

وعلى الرغم من أن القراءات في عالم الطعام لم تكن جديدة، لكنها حملت هذا العام رائحة مختلفة، فعالم الطعام لم يعد مجرد حامل للتغيرات والروائح الثقافية الجديدة، بل أصبح في بعض المدن التي هرب لها اللاجئون العرب (السوريون بالأخص) المكان الأغنى الذي يمكن من خلاله رصد هذه المجتمعات الوليدة حديثاً، كما غدت المطاعم هي القنوات الاجتماعية الأكثر فعالية للتعبير عن الهوية والثقافة والعلاقة بالآخر، وبدا أن ذاكرة الطعام توفر عشرات الحكايا والقصص عن ماضينا وواقعنا، في الوقت الذي غدت فيه الذاكرة الاجتماعية وحتى العائلية عصية على الفهم أو الجمع. ولذلك كان لا بد من الخوض في القراءات في هذا الجانب، خاصة مع انخراط كاتب هذا المقال في تجربة ميدانية صغيرة مع الأنثروبولوجي الفرنسي فرنك ميرميه حول الطعام السوري، والهوية في مدينة إسطنبول، وهنا تبدو يوميات أي قارئ هي عبارة عن تفاعل ومزيج مع الأحداث والقصص والأعمال، وقد ساقنا الغوص في التاريخ الثقافي واليومي للطعام إلى نصوص عديدة تعنى بهذا الشأن «في المطعم… حكايات في بطن الحداثة» للمؤرخ الألماني كريستوفر ربات، الذي كشف فيه كيف أن بدايات علماء وأدباء كبار من أمثال جورج أورويل وأرفينغ غوفمان، انطلقت من المطعم كمؤسسة ومختبر ميداني لفهم الواقع وتحولاته. وربما من القصص العجيبة التي سنكتشفها في هذا العالم، تلك التي تقول إن السياسي السوري البورجوازي فخري البارودي افتتح مطعما صغيرا في مدينة عمان خلال الأربعينيات، بسبب أوضاعه المادية الصعبة، لكن مصيره كان الفشل، وربما هذه القصة الحزينة للبارودي، فتحت مسارا موازيا للقراءة في كل ما كتب عن البارودي، لنصل إلى أحد الكتب الجديدة التي أعادت نشر رحلاته في أوروبا (والتي جاء على ذكرها في سيرته وفي أوراقه المنشورة من قبل دعد الحكيم بشكل مزاجي) لكن إخراج الكتاب ومقدمته وأسلوب تحقيقه، جعلتنا نحجم عن إكماله ونتحسر على سعر شرائه، وبالعودة لمسار الطعام، سنعثر في نهاية هذا العام على ما يشبع شغفنا، وهي سيرة بلقيس شرارة، التي تطرقت في بعض فصولها لتاريخ المذاق في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين وربما قبل ذلك بقليل. اللافت أيضا في عالم القراءة لهذا العالم أنه بدا دون رائحة أو وجود للجهاديين، مقارنة بالفترة الممتدة بين 2015 ـ 2018 التي عرفت بفترة قراءة كتب الصداقة والجهاد والسوق الديني، وفق تعبير أوليفيه روا، وهو ما قد يعكس غياب النقاش حول هذا الجانب بعد سقوط «خلافة الموصل الأخيرة» التي فتحت أيضا بوابات السؤال عن ذاكرة ومستقبل المنطقة في ظل الدمار الذي عاشته وما تزال.

نصوص محلية

ولعل الانكباب على تاريخ الطعام وتفاصيله، أعاد ترتيب الأولويات والخيارات بعد النصف الثاني من هذا العام، فبعد أن كان النص المترجم يحظى بالأولوية، بدا في يومياتنا للقراءة خلال هذه الفترة ميل أكثر من السابق نحو النصوص المحلية، وربما قد يعود ذلك للشعور بأن الحديث في الحداثة والتغيرات الحضرية والعنف والكتابة والتاريخ لا يكون من خلال الانطلاق مما هو عام أو من تواريخ أخرى، بل يتوجب النظر إليها من زوايا التواريخ المحلية، ولذلك غدا الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة والسير الذاتية والأوراق العائلية ودفاتر التجار شيئاً أساسيا في جدول القراءة في هذه الفترة. وهنا لن يقتصر الأمر على قراءة الكتب الصادرة حديثا، بل سيكون موضوع الكتاب هو محور الاهتمام بغض النظر عن تاريخه، لكن هذا الاهتمام بالمحلي لا يعني أنه وليد فترة قصيرة، بل هو وليد فترات أبعد أحيانا، وإن فرضت أجنداتها في هذا العام، وهو ما وجدته في قراءة نص التاجر الحلبي «كمال حائك ويومياته» في القرن السادس عشر، الذي جاء في سياق اهتمامات السنة السابقة بنصوص العامة في المدن العربية العثمانية، فخلافا لما ذهبت إليه دانا السجدي من أن نص البدير الحلاق (القرن الثامن عشر) قد يكون الأول على مستوى نصوص العامة، نعثر في نص التاجر الحلبي، الذي حقق عن المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، أن هناك عاميا آخر قد سبق البدير وكتب عن أوضاع المدينة وطقوسها وأهلها. كما سيترافق الاهتمام بهذه اليوميات مع اهتمام آخر بالأوراق العائلية، وهنا سيلعب نص «أفندي الغلغول» دوراً في تفجيرها داخل يومياتنا القرائية (على الرغم من صدوره قبل عشر سنوات) فبعد الاطلاع على هذا الكتاب الذي تناول حياة أسرة بيروتية خلال مئة سنة، من خلال ما تركه الجد والأولاد من أوراق صغيرة ومبعثرة وصور، بدا البحث عن تلك النصوص التي تحاول نقل الهامش العائلي وجعله متناً ونصاً لفهم ما جرى في فترات زمنية معينة، كما أن هذا النوع من القراءات كان يلبي أو يشبع شعور الخوف من فقدان قصصنا وذاكرة مدننا، الذي نعيشه اليوم، في ظل الحصار الذي تعانيه بعض المدن العربية على صعيد الذاكرة وحتى الواقع، ولذلك رمى بنا أفندي الغلغول إلى أوراق العائلات والسير أينما وجدت، لنجدها تارة لدى سعاد العامري في رواية «دمشقي» وأخرى لدى محمد شعير في الأوراق التي كشفها عن محفوظ وولعه بكرة القدم، ومرة لدى خيري الذهبي وسيرته في كفرسوسة والحلبوني في دمشق خلال الخمسينيات، أو لدى تاجر دمشقي بدر الدين الشلاح، الذي ستكشف رسائله مع ابنه راتب الشلاح، أن المدينة العربية لطالما صنعت الأساطير حول أبنائها خلافا لما يقال عادة عن عقلانيتها مقارنة بالريف، وأن العائلات الدمشقية بقيت منعزلة وترفض الزواج الخارجي، ولا نعرف لماذا؟ هل لأسباب اجتماعية أم محاولة منها للدفاع عن وجودها مع تغير موازين القوى في المدينة؟ لكن الاهتمام بيوميات التاجر الدمشقي لن تتوقف هنا، فكثيرا ما تنقلنا الكتب الجيدة من ضفة لأخرى، كما جرى مع هذا الكتاب بعد همس أحد الأصدقاء بمعلومة تقول، إن من كتب هذه اليوميات ليس التاجر، فهو عامي ولم يكمل دراسته، بل هو الكاتب السوري نجاة قصاب حسن، وقد غيرت هذه المعلومة من جدول القراءة لدينا، فبدلاً من استكمال البحث في دروب العائلات، كنا نسير نحو نصوص نجاة حول سيرته الدمشقية، علنا نعثر في أسلوبه على دليل يربطنا بالشلاح. وعلى الرغم من محاولات قصاب حسن أن يقلد حلاق القرن الثامن عشر، وهو يتحدث عن دمشق، لن يتمكن من أن يمتلك أسلوب البدير أو الشلاح (العامة) لكننا سنكتشف معه عشرات الأسماء السورية التي تستحق القراءة والاهتمام بنصوصها، وفي مقدمتها شاكر مصطفى. أما الاكتشاف الغريب في هذه السيرة (نجاة قصاب حسن) بعد مرور سنوات طويلة على صدروها، معرفة أن الجزء الثالث من الكتاب والذي بشرنا به المؤلف في الجزء الأول، لم يطبع رغم مرور 26 سنة على صدور الجزء الثاني!

عالم الرواية.. الضيف الجديد

لم تخل قراءتنا في السابق من نصوص روائية، لكن الجديد لهذا العام شعورنا بأن الرواية السورية اليوم تبدو وكأنها تحمل إمكانيات أفضل وأكثر قدرة على التخيل لفهم ما جرى في البلاد، وربما هذا الشعور سيدفعنا إلى إعادة ترتيب أولويات القراءة، والمشتريات أيضاً؛ فبعد أن كانت الكتب الفكرية تحتل 90%، جاء معرض إسطنبول الأخير لنكتشف أن 60% من مشترياتنا انصبت على الروايات، وبالأخص تلك التي ألفها كتاب شبان، فهؤلاء الروائيون الجدد بدوا أحيانا أكثر قدرة على رصد ما يجري على الأرض، كما أن بعض الأعمال الروائية السورية حملت مهمة التأريخ لمدننا الصغيرة، وهذا ما نراه مثلاً من خلال أربعة نصوص روائية كتبت في السنة الأخيرة فقط عن مدينة القامشلي الصغيرة والقرى المحيطة بها، والطريف في رواياتنا هذه أن هموم الأجيال بدت متحكمة في خطاب الذاكرة وصورة المدينة، إذ بدا الجيل الكبير (نزار آغري، عيسى الشيخ حسن) مهموما بجمع بقايا الماضي، وبقيت صورة المدينة لديه تتمثل في الأحياء التقليدية، بينما ظهر الجيل الآخر من الروائيين (ريدي مشو، محمد خليل) أكثر شجاعة على رصد الواقع وعلى رسم صورة أخرى للمدينة، تظهر فيها هذه المرة بعض الأحياء المهمشة (حي العنترية) وهي تلعب أدوراً أخرى على صعيد المشهد اليومي الروائي، ولذلك استطيع القول إن الرواية باتت تحظى بمساحة أكبر في يومياتنا القرائية لهذا العامن بعد أن كانت مكانتها ثانوية مقارنة بالنصوص الفكرية والمترجمة، ولا أعرف إن كان ذلك أمراً شخصيا أم تحولاً عاماً؟

وفي النهاية، يستحضرني كتاب المؤرخ الفلسطيني طريف الخالدي «أنا والكتب» الذي حاول فيه، من خلال الحديث عن قصصه مع القراءة والكتب، أن يدفع قارئه للبوح بقصصه الموازية وذكرياته ويومياته. وهذه اليوميات في القراءة أيضا، ليست هي الهدف بحد ذاتها، فهي يوميات مثقلة بالقراءة بحكم عمل كاتبها في الحقل الثقافي، والقدرة على شراء الكتب، واستعمال العلاقات الشخصية أحيانا لاقتنائها، واستخدام التقنيات الحديثة، وأهمها الكيندل، الذي اشترته له زوجته بعد مقاومة لسنوات، ما ساهم في تغير يوميات قراءته بعد أن أصبح بالإمكان توفير بعضها بكبسة زر؛ وإنما الهدف من هذه اليوميات دعوة القارئ للخوض ولو للحظات في يومياته لهذا العام مع القراءة ومسارها، فالتاريخ اليوم هو تاريخ الأشياء الصغيرة وقصصنا وذاكرتنا ويومياتنا، التي تستحق التدوين والكتابة أو التذكر حتى لو بدت بسيطة..

كاتب سوري

القدس العربي

————————-

====================

تحديث 04 كانون الأول 2022

———————-

2022 سنة عودة سوريا إلى أنقاض «الحضن العربي»/ توفيق رباحي

عندما سأل صحافيون جزائريون الرئيس عبد المجيد تبون الشهر قبل الماضي عن القمة العربية المرتقبة في الجزائر في آذار (مارس) المقبل واحتمال مشاركة سوريا فيها، قال بلا تردد: من المفترض أن تشارك، لأن القمة فرصة جامعة والجزائر ليست دولة تفرقة.

في اللغة الرئاسية والدبلوماسية، عبارات «من المفترض» و«قمة جامعة» و«لسنا دولة تفرقة» تعني أن الجزائر لا تمانع حضور سوريا القمة المنتظرة، وستعمل من أجل ذلك.

بوضع الرد في سياق أوسع، الجزائر لم تكن من البداية داعمة لعزل النظام السوري وتعليق عضويته في جامعة الدول العربية في 2011. ولاحقا لم تتخذ أيّ إجراء عقابي ضده من قبيل طرد السفير أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي.

على صعيد النخب الثقافية والإعلامية الجزائرية، كان التعاطف مع النظام السوري مثيرا للاستغراب بتناقضه اللافت. إذ أن المثقفين والإعلاميين ذاتهم الذين هللوا لسقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، اعتبروا محاولة الشعب السوري تكرار التجربة التونسية والمصرية من أجل حياة حرة وكريمة، اعتبروها مؤامرة خارجية لتحطيم سوريا! وهكذا كانت الجزائر، شعبيا ورسميا، من أكثر البلدان العربية تعاطفا مع نظام بشار الأسد.

اجتماعيا واصلت الجزائر، ببعص الاستحياء، استقبال أعداد من اللاجئين السوريين الذين صعب عليهم شق طريقهم نحو أوروبا. وواصلت غض الطرف عن جهودهم للاسترزاق في المجتمع كلٌّ كيفما تيسَّر له.

نهاية عزلة النظام السوري عربيا ليست فقط أمنية الجزائر وحدها. هناك دول مثل سلطنة عمان والإمارات والأردن ومصر والبحرين، قطعت أشواطا في التطبيع مع النظام السوري. وهناك دول أخرى تعمل في صمت في الاتجاه ذاته وتترقب التطورات. سيكتمل مسعى التطبيع ويصبح أكثر بروزا وواقعية عندما تلتحق به السعودية. وهذه مسألة وقت أيضا. الرياض تفضل التأني الموثوق على الاندفاع المحفوف بالخطأ. النتيجة النهائية مضمونة في صالح الأسد ونظامه والسؤال هو «متى» وليس «هل».

على الأغلب ستكون 2022 هي سنة بداية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، حتى وإن بطريقة محتشمة تبدأ صغيرة وهامشية لتأخذ مسارها الطبيعي في وقت لاحق.

هناك جهود تُبذل في هذا الاتجاه وتنسيق بين الدول التي أنهت مقاطعتها لنظام الأسد وأعادت فتح سفاراتها في دمشق. تقود مصر والأردن هذه الجهود، لكن عُمان والإمارات هما قوة الدفع المؤثرة. لم تكن هذه الدول لتمضي في مسعاها لولا موافقة أمريكية، أو عدم ممانعة على الأقل. واشنطن تغض الطرف لأنها منشغلة بقضايا أهم من سوريا، أبرزها الصين وروسيا. وتغض الطرف طمعا في أن حلفاءها العرب ينجحون في انتشال سوريا من أحضان إيران وروسيا. لكن الحسابات الأمريكية هذه غير دقيقة، لأن الطريقة التي اختارها العرب لإعادة تأهيل نظام الأسد تعطيه الانطباع بالانتصار والقوة، وتحفِّزه على فرض إملاءاته وشروطه التي منها الحفاظ على علاقات دافئة مع إيران لأنها كانت شريكا حاسما في تمكين الأسد من استعادة السيطرة على بلد أوشك أن يضيع منه في وقت ما.

غير أن التطبيع العربي يعيقه استمرار العقوبات الأمريكية التي تحظر التعامل مع نظام الأسد. لهذا من المرجح أن يبقى التطبيع رمزيا وسياسيا أكثر منه اقتصاديا، وهو أمر يُرضي الأسد والعرب الساعين إلى التقارب معه، إلى حين، في انتظار مزيد من الليونة الأمريكية. وهذه مسألة وشيكة عبَّر عنها جيمس جيفري مبعوث إدارة ترامب إلى سوريا بالقول إن إدارة بايدن أقل حماسا لمعاقبة الأسد بموجب قانون قيصر، وقوله أيضا إن الأردنيين واثقون من أن واشنطن لن تعاقبهم على تقاربهم مع نظام الأسد (رويترز).

كل الظروف باتت مواتية، ووسط هذا المزاج لن يكون من المستغرب رؤية سوريا تشارك في القمة العربية المقبلة التي ستُعقد في بلد تتحمس سلطاته لإنهاء عزلة نظام الأسد.

القراءة الأخرى لعودة سوريا المرتقبة، تكمن في كون مدّ الثورات المضادة هو المهيمن الآن. توافقَ خوف بعض القادة العرب من العدوى مع صمت المجتمع الدولي فتشكلت الوصفة المثالية لوأد أحلام الشعوب العربية في التغيير. المجتمعات التي أبهرت العالم بثوراتها السلمية، اقتيدت بعد سنوات قليلة إلى جحيم من القمع والطغيان أخطر من ذلك الذي ثارت عليه. أسوأ ما هنالك أن المجتمع الدولي ذاته الذي أبدى إعجابه بتلك الثورات السلمية، وقف متفرجا عليها، وأحيانا شريكا، وكل أنواع الانقلابات تقضي على أحلامها الواحد تلو الآخر.

صحيح أن مرحلة ما بعد الثورة لم ترق إلى مستوى طموحات الناس، وشهدت استحواذ تيارات الإسلام السياسي على المشهد، لكن طريقة العلاج التي لجأت إليها الثورات المضادة، كانت خاطئة وعنيفة، بل إجرامية في بعض الأحيان، وشكّلت نموذجا يتكرر الآن في السودان مثلا حيث يبدو قتل المتظاهرين السلميين أمرا طبيعيا ومقبولا. وسيتكرر في دول أخرى بلا أي رادع.

يتردد في وسائل الإعلام الدولية أن بشار الأسد انتصر لكن سوريا خسرت. ويتردد أنه سيقود ما تبقَّى من شعبه على جبال من الأحزان والخراب الإنساني والمادي. هذا الكلام ينطبق على «الحضن العربي» المزعوم الذي يشبه كثيرا سوريا التي سيقودها بشار الأسد. أين هذا «الحضن»؟ جامعة الدول العربية فقدت كل شيء، وأصبحت أسوأ من أن تُغري بالانتماء إليها. لم يبق منها إلا الاسم وتلك الاجتماعات الوزارية والقمم العرجاء التي تُعقد على عجل ووراء أبواب موصدة كأنها عار يخشاه أصحابه. هي الآن مجرد نادٍ صدئ بلا ماضٍ وبلا مستقبل.

كاتب صحافي جزائري

—————————

لبنان 2021″ يسابق الأسد في هواية النشاط الإجرامي المنظم والفساد/ صهيب جوهر

انتهى العام 2021 بهزيمة الرئيس السوري بشار الأسد في جائزة من جوائز العام 2021، لصالح الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي منحه مشروع “مكافحة الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)، لقب شخصية العام 2021، لدوره في تعزيز النشاط الإجرامي المنظم والفساد، وهذه الخسارة لا يمكن فصلها عن تراجع أداء الأسد في كل الميادين وحتى في أبشعها وأحقرها لصالح نماذج جديدة قريبة وبعيدة.

ولا يمكن التغاضي أصلاً عن تجارب حلفائه في لبنان في تعزيز الإجرام والجريمة المنظمة، حيث استطاعت الطبقة الحاكمة الحليفة له أن تغتال ملايين اللبنانيين معنوياً ونفسياً واجتماعياً وأعدمت بجرائمها المنظمة أي روح للحياة عبر وقاحتها المنقطعة النظير.

لبنانياً يغادر العام 2021 غير محزون عليه، ويطل عام جديد وسط تخوف أن يكون هذا العام نسخة طبق الأصل مطورة عمن سبقه، وأكثر ما يخشاه اللبنانيون أن يستنسخ وحول العام الراحل بعدما أورثه التركة الثقيلة نفسها للمجموعة الحاكمة والتي دمرت بفسادها حياة اللبنانيين وأنهت أحلامهم وأعمارهم سنة تلو الأخرى.

ولن تستعصي على السلطة سنة جديدة تضمها إلى باقة المآسي والانهيارات التي كبدتها للبلاد والعباد، والأكيد أن المجموعة الحاكمة المغطاة بسلاح حزب الله راعي المافيا، ستكون أكثر شراسة وستستمر بإجرامها في ظل المعارك المفصلية والمصيرية لإعادة تثبيت سطوتها وسلطتها.

فالأكثرية الحاكمة، رئاسياً ونيابياً ووزارياً، تدخل عام 2022 معتركاً وجودياً على أكثر من جبهة، لاسيما وأنه سيكون عام “الثأر الشعبي” في صناديق الاقتراع، أو بين جماعاتها الذين بدؤوا يأكلون بعضهم بعض بعدما أفلسوا الدولة من مواردها وتركوا خزائنها صفرية يأكلها الصدأ والانهيار والارتطام الكبير.

وكان العام 2021، عام المعارك في الجسم القضائي، من جريمة انفجار مرفأ بيروت يوم 4 من آب والتي باتت تتصدّر المشهد القضائي والسياسي المحلي والخارجي، وخاصة أن هذا الملف الشائك شهد تجاذبات وتعطيلاً وعرقلة وحملات واتهامات وصولاً إلى دماء في الشارع وكله تحت عنوان إزاحة القاضي بيطار، مروراً بأحداث الطيونة ومعارك خلدة وليس انتهاءً باغتيال لقمان سليم والجرأة السياسية في استخدام القضاء لترهيب الصحفيين والناشطين المعارضين لسلطة الأمر الواقع.

وفي جريمة العصر أي انفجار مرفأ بيروت جرى تقديم 25 دعوى وطلب ردّ ونقل ومداعاة وإجراءات قضائية مختلفة بهدف عرقلة عمل المحقق العدلي طارق بيطار وإعاقة التحقيق من قبل نواب ووزراء، كما جرت العديد من رسائل التهديد للمحقق العدلي (أبرزها من وفيق صفا)، وتعرّض البيطار لحملات سياسية وإعلامية شديدة، اتّهمته بالتسييس والاستنسابية والعمل وفق أجندات خارجية والتنسيق مع سفراء دول، بغية التشكيك في أدائه.

لكن الثابتة السياسية الأصيلة (حتى اللحظة) أن التحقيق العدلي في الجريمة باتت مقدسات مسيحية لا يجرؤ أحد على المساومة عليها، على الأقل بصورة علنية، لدرجة أنه كان القاسم الوحيد الذي اجتمع عليه حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، رغم صراعاتهما الدائمة، فامتنعا معاً عن تأمين النصاب في أي جلسة نيابية تسحب من القاضي البيطار صلاحية التحقيق مع الوزراء المتهمين، عبر تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وهذا الملف الصراعي بات ورقة مساومة من فريق رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل باتجاه الثنائي الشيعي، وصولاً إلى الطرح في كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون الأخيرة في حديثه عن اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة، وعن رغبته في إجراء تعديلات دستورية، وهذا العنوان الحقيقي الذي يمكن أن يرسم حوله مسارات سياسية استبقت منذ فترة بنقاشات في غرف مغلقة داخلية وخارجية.

وكل ذلك دفع باتجاه عودة طرح نظام الفدرالية نظاماً بديلاً عن النظام الحالي القائم على التوافقية الطائفية، وخاصة أن هذا الطرح تعزز عبر سلسلة أحداث ، أبرزها حادثة اعتداء مجموعات من حركة أمل على بلدة مغدوشة ومزاراتها الدينية شرق صيدا، وحادثة الطيونة-عين الرمانة، التي دخلت فيها مجموعات من الثنائي رافعة شعارات طائفية إلى معقل القوات اللبنانية في عين الرمانة.

لم تمر هذه الحادثة مرور الكرام مسيحياً، بل شكلت تراكماً جديداً ضد حزب الله، ترجم على شكل كلام علني عن نظام جديد، بعدما عجز النظام الحالي عن حماية وجود جميع الفئات.

لكن البعض بات يعتقد أن تفسيرات خطاب عون وذهابه للمطالبة باللامركزية الموسعة على أنه جزء من الابتزاز والمساومة لحزب الله نتيجة تعطيله الحكومة في نهاية عهد عون، إلا أن النقاش الحقيقي الذي يشغل الصالونات، حتى بات الكلام يتمحور حول موعد إجراء طاولة حوار لبنانية برعاية أجنبية لمناقشة عقد اجتماعي جديد للبنانيين، أو ما يفضل أن يسميه البعض مؤتمرًا تأسيسيًا جديداً يعطي كل الأطراف حقها وحجمها وقد يفضي إلى المثالثة.

بالمشهد الآخر يبدو الصراع الشيعي-المسيحي صغيراً أمام ما تعيشه بيئة “السنة المعذبين” وفق توصيفات النخب “المسلمة”، وخاصة أن الأداء الضعيف للرئيس نجيب ميقاتي وفقدان التوازن السياسي وابتعاد شخصيات وازنة عن المشهد معطوفة على اعتكاف زعيم تيار المستقبل عن الساحة السياسية، ما أدى إلى نشوء نزعة خوف وقلق لدى السنة والذين يوصفون بحماة الاعتدال الوطني وميلهم الدائم للدولة الوطنية، وعدم شعورهم بالضعف بكونهم بحراً في محيط أكثري على الرغم من تحالف أقليات نشأ عقب انطلاق قطار الربيع العربي، لكن التسريبات تقول إنَّ الرجل عائد لخوض تجربة جديدة بعد أن كرس نفسه حاجة لبنانية ومطلباً إقليمياً يخشى من الفراغ.

فيما الأميركي المهتم ببعض الاستحقاقات اللبنانية يدرك أن المجموعة الحاكمة ستكون أمام تقاطع خيارات مفصلية في مسار مفاوضات الترسيم البحري مع إسرائيل تحت وطأة استعجال واشنطن حسم الاتجاهات والقرارات في هذه العملية قبيل آذار المقبل، مع ما سيقتضيه ذلك من تضييق هامش المناورة أمام الطبقة الحاكمة ودفعها إلى تحديد موقفها في هذا الاتجاه أو ذاك تحت طائل المخاطرة بانسحاب الوسيط الأميركي من طاولة المفاوضات، وإطلاق إسرائيل يدها في التنقيب من دون حسيب أو رقيب في الآبار والمناطق المتنازع عليها.

في منتصف الشهر يصل المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، لاستكمال المباحثات في ملف الترسيم وإنجازه في مهلة وضعها هوكشتاين لنفسه: نهاية شهر آذار الحالي أي قبيل وصول الشركة المعتمدة إسرائيلياً للتنقيب وخاصة أن الجانب الإسرائيلي بات حريصاً على إنهاء الملف لتحقيق إنجاز داخلي في هذا الملف بعد الفشل في تحقيق خروقات جديدة في مشروعات التطبيع.

بالمقابل فإن آذار نفسه هو موعد لوصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، وفي حال الاتفاق على الترسيم يصبح العمل باتفاقيات نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا إلى لبنان، سهلاً ومتاحاً وسيمنح الأميركيون استثناءات قيصر للدول المعنية، ولدى الأميركيين موقف أساسي من ملف الترسيم العالق: وهو استحصال لبنان على 860 كلم مربع، وخاصة أن المسؤولين يطالبون بالحفاظ على حقل قانا الذي يمتد أكثر من 860 كلم في البحر، لكن التسريبات تقول إن الموفد أنهى في زيارته الأخيرة الاتفاق، والإعلان عنه سيكون في شباط القادم بطريقة أو أخرى.

الخلاصة تقول إن المسؤولين في لبنان يتسابقون مع بشار الأسد في الهوايات المفضلة له، الإجرام الجماعي والإفلاس المالي والأخلاقي وعقد النقص العابرة للكواكب واحتضان أدوات الجريمة المنظمة، في النهاية هم امتداد لمدرسته البعثية العبثية!

تلفزيون سوريا

———————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى