سياسة

بعد ضربة القنصلية الايرانية في دمشق: الرد الايراني، ردود فعل، تحليلات، توقعات الأيام القادمة -مقالات مختارة-

تحديث 17 نيسان 2024

————————-

فضيلة الصمت بين إسرائيل وإيران/ أرنست خوري

17 ابريل 2024

كل ما يحيط بالمواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية منذ كانت غير مباشرة، والردّ الأول على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، ثم الردّ الإسرائيلي المتوقّع على الردّ، وربما لاحقاً السلسلة التي لا تنتهي من الردود المتبادلة، صار يُطبق على القلب ويتسبّب باختناق قارئ الأخبار الذي لا يزال يحمل رأساً فوق كتفيه، يراقب مواجهة بين نموذجين يتسابقان على صفة الوكيل الحصري لله على الأرض ويتنافسان على لقب الدولة الدينية الأولى في العالم، ويتشابهان في حصر الديمقراطية والمساواة بفئة من “شعب الله المختار” في الحالة الإسرائيلية، وبفئة ناجية من مطيعي الولي الفقيه في الحالة الإيرانية. نموذجان إقليميان لا يمكنهما أن يحملا في تعريف نظاميهما السياسيين وبنيتيهما وسبب وجودهما وفلسفة حكمهما خيراً وسلاماً وازدهاراً لبلدان هذه البقعة الجغرافية وسكانها، مثل إسرائيل منذ تأسيسها، وإيران كما نعرفها منذ ثورتها عام 1979. دولة فصل عنصري شيّد حكّامها الدمويون طوابقها المرتفعة، ولا يزالون، على أنقاض بلدٍ له أهل، يصطفّ أقوياء العالم دعماً لها لألف سبب تاريخي وسياسي واقتصادي وأيديولوجي ومصلحي، في مقابل بلد وريث حضارة عريقة كإيران، يحكمه رجالٌ أضافوا إلى صفاتهم الدينية مواهب القمع والتخريب في الخارج بشعار تصدير الثورة والقيم الخمينية، وكره الحياة والثقافة والفنون والإبداع، يعتنقون أكثر الأفكار ظلامية وتخلفاً واحتقاراً لآخرين يرونهم أدنى منهم دينياً وحضارياً، وفي ذلك يلتقي كثيرون منهم مع معظم حكام إسرائيل منذ نشأتها.

أمام مشهدٍ محبطٍ إلى هذه الدرجة، كيف لا يصاب القارئ ومتابع الأخبار، ولو من على بُعد آلاف الأميال، بالملل وضيق النفَس عندما يحاول تصوّر مآلات تلك المواجهة؟ مواجهة لا تفجّر حرباً شاملة، إنما توسع حروب الواسطة أفقياً لتضيف بلداناً إلى لائحة ضحايا الاشتباك الأصلي، فتجد ما يسند خوف الخائفين من تورّط وتوريط للأردن مثلاً. وعلى سيرة الأردن، فإن تلك الدولة ليست استثناءً في الحالة العربية الرسمية المستسلمة والمستقيلة من كل شأن عام خارجي وإن كان مرتبطاً عضوياً بأمورها الداخلية. شارك الأردن، ليل السبت ــ الأحد الماضي، في إسقاط طائرات وصواريخ إيرانية عبرت أجواءه في طريقها إلى إسرائيل، بداعي حماية سيادته وأمنه، وليكن له ذلك طبعاً. لكن جديرٌ تذكّر أن عمّان سبق أن وصفت ما يحصل في الضفة الغربية من تهجير يجاهر وزراء في تل أبيب بتنفيذه، بأنه تهديد مباشر للأردن ولوجوده ولأمنه، ولم تتّخذ المملكة أي إجراء حيال هذا التهديد الوجودي كما تقول. أمام الانتهاك الإسرائيلي اليومي للوصاية الهاشمية على الأماكن الدينية في القدس، وهذا دور يكاد يكون سيادياً، لم يلوّح الأردن بقطع علاقاته بإسرائيل، لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا دبلوماسياً، إلى حين توقف الجرائم الإسرائيلية التي تمسّ أمن المملكة، لا بل إن الأردن من البلدان التي يُعتقل فيها منظمو تظاهرات التضامن مع الفلسطينيين في غزّة مثلاً. لم يبادر الأردن إلى ممارسة أي ضغط جدّي مستفيداً من صفته حليفاً مهماً لأميركا في سبيل وقف الإبادة في غزّة، بل إن الأردن من بين بلدان ما يُسمّى الممرّ البرّي للبضائع إلى إسرائيل، تعويضاً عن الطريق البحرية التي صارت مكلفة وخطرة بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. في كل تفصيل، يرفض الأردن أن يكون استثناءً في هذه الاستقالة العربية التي تترك فراغاً تملأه تركيا وإيران وإسرائيل في المنطقة التي يشكل العرب غالبية سكانها وعدد بلدانها.

ضيق النفَس والاختناق والملل سرعان ما تتحوّل إلى ألم في رأس المعدة، فشلل يتسبب به اكتئاب عميق في حال ارتكب القارئ خطيئة من صنف زيارة كوكب أمراض السوشال ميديا. هناك، على مختلف المنصّات، عندما تشاهد آلاف العرب يعلقون على الضرب الإسرائيلي ــ الإيراني، ابتهاجاً أو سخرية، تحليلاً لا يليق بعقل من بلغ عمرُه السنوات الست وانحيازاً لإيران أو لإسرائيل، تقول في سرّك إن صمت الأفراد لا الدول فضيلة حين تتحارب إسرائيل وإيران، في انتظار أن تنشقّ الأرض وتبتلعنا نحن وهؤلاء المتحمّسين جدّياً لإسرائيل أو لإيران.

العربي الجديد

——————-

عن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأولى/ مروان قبلان

17 ابريل 2024

بعيداً عن احتفالات النصر وادّعاءات هزيمة الخصم الصادرة عن إيران وإسرائيل وحلفائهما بشأن نتائج هجمات الأولى يوم 14 إبريل/ نيسان الجاري، ردّاً على استهداف الثانية مبنى مجاوراً للسفارة الإيرانية في دمشق يوم 1 إبريل وقتل ضباط كبار في الحرس الثوري الإيراني، أسفرت المواجهة المباشرة الأولى بين إسرائيل وإيران عن تغيّرات ثلاثة رئيسة، سوف تشكل على الأرجح المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط لسنوات عديدة.

أولها، أن حرب الظلّ المستمرة بين إيران وإسرائيل منذ عقود خرجت إلى العلن، وأن الصدام بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي صار حتمياً. ويعود السبب إلى نجاح الإيرانيين والإسرائيليين في إخراج العرب من معادلة القوى في المنطقة من خلال التشجيع (إسرائيل) أو المساعدة (إيران) في غزو أميركا للعراق، واستكمال ذلك بتدمير أسس الدولة الوطنية العربية في المشرق والذي تولته إيران وإسرائيل معاً خلال ثورات الربيع العربي (في سورية خصوصاً). والواقع أن علاقة “تخادم” إسرائيلية إيرانية مشتركة نشأت منذ الحرب العراقية الإيرانية هدفها إضعاف العدو المشترك (العرب) عبر هزيمة العراق وصولاً إلى غزوه وتدميره (2003). وأنصح هنا، لمزيد من التفاصيل، بقراءة كتاب جاك سترو، وزير خارجية بريطانيا في عهد حكومة توني بلير “The English Job”، أو مشاهدة شهادته المهمّة في برنامج “وفي رواية أخرى” على التلفزيون العربي (يونيو/ حزيران 2021)، وفيها يقول إن إسرائيل كانت مزوّداً رئيساً بالسلاح لإيران في أثناء الحرب مع العراق، وأن تعاوناً استخبارياً مهمّاً نشأ بين الطرفين ساعد في استهداف مواقع عسكرية عراقية مختلفة، بما فيها مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981. في المقابل، وافق آية الله الخميني على هجرة يهود إيران إلى إسرائيل (هاجر نحو 50 ألفا منهم خلال الثمانينيات من دون ضجيج يذكر، فيما كانت أنظار العرب تتركّز على هجرة اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل). وهكذا بعد أن شكّلوا عازلاً “محشوراً” بين إيران وإسرائيل، خرج العرب اليوم من المعادلة، وصارت إيران على حدود إسرائيل، وصار الصدام، بالتالي، حتميّاً بينهما.

ثانياً، طرأ تغييرٌ رئيسٌ على عقيدة إيران العسكرية، ويبدو أن هجوم الأول من إبريل في دمشق نجح في إحراج إيران، وإخراجها من الظلّ، ودفعها إلى التصدّي مباشرة لمهمة الردّ على إسرائيل. منذ انتهاء الحرب مع العراق التي كبّدتها خسائر فادحة، وبسبب ضعفها الناتج عن الحصار والعزلة، تبنّت إيران عقيدة أمنية تقوم على ركنين: الأول، تجنّب المواجهة المباشرة مع خصومها، والاستعاضة عن ذلك بحروب وكالة أقلّ كلفة تخوض فيها إيران حروبها على أرض الآخرين وبدمائهم (تسمّي إيران هذا الدفاع المتقدّم). والثاني، إنشاء ردع غير متناظر مع خصومها بحيث تكبحهم عن مهاجمتها عبر الوكلاء، وتستطيع، في الوقت نفسه، إلحاق الضرر بهم إذا اقتضت الحاجة من دون أن يكونوا قادرين على معاقبتها، باعتبار أن ايران لم تقم بالفعل الحربي المباشر ضدهم. سقطت هذه الاستراتيجية في الأول من إبريل، وصار على إيران أن تخرُج بنفسها لخوض حروبها.

ثالثاً، كشفت المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية المباشرة الأولى عن ملامح تحالف أمني قيد التشكّل يضم دولاً عربية وغربية إلى جانب إسرائيل. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن تفاصيل التصدّي للهجمة الجوية الإيرانية على إسرائيل يوم 14 الجاري شارك فيها، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأردن ودول عربية خليجية. وكان الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، أول من اقترح ربط النظم الدفاعية الجوية للحلفاء في المنطقة للتصدّي للبرنامج الصاروخي الإيراني، لمعالجة مخاوفهم من الاتفاق النووي مع إيران. وصار هذا التوجّه ممكناً مع انتقال إسرائيل عام 2021 من منطقة القيادة الأميركية في أوروبا إلى منطقة القيادة المركزية في الشرق الأوسط، بعد توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020. بهذا المعنى، باتت المنطقة اليوم أمام تحالفيْن يرتصف العرب بينهما: الإيراني والإسرائيلي (من غير الواضح أين يقف الأتراك هنا). هذه هي التحوّلات الرئيسة التي نتجت عن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة الأولى، ما تبقى مجرّد تفاصيل، لكنها تتطّلب أن يفكّر أبناء المنطقة التاريخيون (العرب والإيرانيون والأتراك) في كيف وصلنا إلى هنا، ولماذا؟

العربي الجديد

——————–

لعبة الروليت الروسية” بين إيران وإسرائيل/ علي أنوزلا

17 ابريل 2024

هاجمت إيران، في ليلة 14 إبريل/ نيسان الجاري، إسرائيل مباشرة بعشرات الطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى، ردّاً على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من الشهر، وأدّت إلى مقتل خبراء وعسكريين إيرانيين رفيعي المستوى. وبرّرت طهران هجومها بحق الدفاع عن النفس، خصوصاً بعدما رفض مجلس الأمن إدانة الاعتداء الإسرائيلي على قنصليتها في سورية. ومن الناحية السياسية، هو بمثابة حفظ ماء الوجه بالنسبة لإيران التي تعرّضت مراراً لضربات إسرائيلية أغلبها غير مباشرة، لم تتبنّاها إسرائيل، وجاء ردّها أخيراً ليعلن انتهاء “استراتيجيّة الصبر” التي اعتمدتها طهران في التعاطي مع اعتداءات القوى المناهضة لها في المنطقة، خصوصاً إسرائيل وأميركا، لتجنّب الدخول في مواجهة مباشرة معها، خوفاً من انعكاسات ذلك على تعطيل برنامجها النووي. ومن الناحية المعنوية، كان الهجوم الإيراني ضرورياً بالنسبة لها للحفاظ على مصداقيّة خطابها المعادي لإسرائيل، خصوصاً في وقتٍ تخوض فيها المقاومة الفلسطينية في غزّة، مسنودة بقوى المقاومة في المنطقة، حرباً مفتوحة ومباشرة مع الكيان الصهيوني منذ سبعة أشهر. لكن الهجوم الإيراني، رغم محدودية فاعليته، إلا أنه سيدفع إسرائيل إلى الردّ، وهذا ما يتوعّد به قادتها، حفاظاً أيضاً على مصداقيتهم وحفظاً لماء وجههم أمام رأيهم العام، ما سيؤدّي بالمنطقة إلى الدخول في حربٍ واسعةٍ وشاملةٍ لا أحد يستطيع أن يتنبّأ بآثارها المدمّرة على المنطقة بل وعلى العالم في حال دخلت فيها قوى عالمية كبرى.

حتى كتابة هذا المقال، ما زلنا أمام “حرب المصداقيات”، يريد كل طرفٍ أن يستعيد مصداقية خطابه الذي يقوم على نفي الآخر. وإذا كان الإيرانيون قد تصرّفوا بمنطق حساب “تاجر البازار”، الذي يحتسب الربح والخسارة بدقّة متناهية، فإن ردود فعل الحكومة المتطرّفة في إسرائيل، الغارقة في وحل غزّة، والمدعومة من القوى الغربية التي لا تتوانى في حمايتها ودعمها عسكرياً ومالياً وسياسياً وإعلامياً، غير معروفة، ولا يمكن التحكّم فيها، وهو ما يجعل العالم من جديد على حافّة أزمة عالمية كبرى، ويضع القوى الغربية الكبرى الداعمة لإسرائيل في ورطة كبيرة بسبب ارتهانها لحكومة إسرائيلية متطرّفة تريد أن تجرّ العالم إلى حرب كبرى لتحقيق خرافاتها التوراتية.

وبعيداً عن التهليل للهجوم الإيراني على إسرائيل، أو تَبْخِيس فاعليّته أو السخرية منه، كما عبّر عن ذلك بعض المنهزمين نفسياً، خصوصاً في صفوف المطبّعين والمستسلمين، فإن منطق التحليل الواقعي يدفع إلى اعتبار الهجوم الإيراني شكّل نقلة نوعية في المواجهة بين طهران وتل أبيب، وأسّس لقواعد اشتباك جديدة في معادلة الردع بينهما، رغم أنها ليست المرّة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل مباشرة من إحدى دول المنطقة، فقد سبق لعراق صدّام حسين في بداية تسعينيات القرن الماضي أن قصف مدناً إسرائيليةً بصواريخ سكود. ويومها طلبت أميركا من حليفتها إسرائيل عدم الردّ، وتكفّلت هي بمهمة تدمير نظام صدّام، لكن الوضع اليوم مختلف، لأن طهران تقول إنها تصرّفت حسب منطق القانون الدولي، وراعت في هجماتها أن تكون محسوبة بعناية، تجنّباً للتصعيد والانزلاق نحو الأسوأ.

ثم لا يجب أن ننسى أن الهجوم الإيراني، رغم أنه جاء انتقاماً لمقتل قادتها العسكريين في دمشق، إلا أنه يأتي في سياق أطول وأعنف حرب تخوضها إسرائيل، منذ وجدت في المنطقة، فجّرها “طوفان الأقصى” الذي أفقدها هيبتها العسكرية وحطّم أسطورة جيشها الذي لا يُهزَم. فقد سبق لإسرائيل أن قصفت مراراً وتكراراً قواعد ومواقع إيرانية في سورية واغتالت قادة عسكريين وسياسيين وعلماء إيرانيين في سورية ولبنان وفي مناطق أخرى من العالم، بل وفوق التراب الإيراني. ومع ذلك، كان رد الفعل الإيراني محدوداً لم يصل إلى مستوى (وحجم) الهجوم أخيراً، والذي يعتبر إحدى نتائج تداعيات “طوفان الأقصى” والصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية في غزّة أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية المدعومة غربياً، فأحد دوافع الردّ الإيراني أوجبته المعادلة الجديدة التي فرضتها قوى المقاومة الفلسطينية على الأرض في غزّة والقوى المساندة لها في لبنان واليمن والعراق، بما أن طهران التي تعتبر “عرّابة” محور المقاومة في المنطقة كانت ستجد نفسها في موقف حرج إنْ لم تردّ الضربة التي تعرّضت لها من العدو نفسه الذي تواجهه قوى المقاومة الموالية لها في المنطقة ببسالة نادرة في حربٍ شرسة غير متناظرة وبإمكانات محدودة جداً.

وفي انتظار ما سيأتي، لأن الحرب كما يقال سجالٌ عندما تبدأ لا أحد يمكنه أن يعرف متى وكيف ستنتهي، يمكن جرد بعض حسابات الربح والخسارة المؤقتة من وراء أول مواجهة عسكرية مباشرة إيرانية إسرائيلية في النقاط التالية. بالنسبة لإيران، حفظت ماء وجهها، وانتقمت لضحاياها، وعزّزت ثقة محور قوى المقاومة في وقوفها خلفها، ورفعت منسوب شعبّيتها عند شرائح واسعة من الرأي العام الداخلي وفي المنطقة العربية، حيث يئست الشعوب من تحرّك أنظمتها لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية. وعلى المستوى العسكري، جرّبت قدراتها الهجومية كما اختبرت ردود فعل التصدّي لأسلحتها، وأكّدت نفسها قوة إقليمية كبرى لا يمكن تجاوزها في الاستراتيجيات التي تخطّط لها القوى العظمى في المنطقة. وفي الجانب السلبي، محدودية فاعلية هجومها والتأكيد الإسرائيلي والأميركي على إفشاله يعرّيان الضعف الذي يمكن أن يستغله أعداؤها مستقبلاً للنّيل منها، ولعل هذا ما دفع مسؤولين إيرانيين إلى القول إن الإخطار المسبق بالهجوم كان مقصوداً للحد من فاعليّته لتجنّب مخاطر التصعيد!

أما إسرائيل التي يتوعّد حكّامها المتطرّفون برد جنوني، فقد شكّل الهجوم الإيراني صفعة قوية لكبريائها في المنطقة، وكشف حاجتها الوجودية إلى الحماية الغربية للدفاع عن نفسها وضمان أمنها واستقرارها، بل واستمرار وجودها، وبعث الشكّ في دورها الوظيفي دولة ردع في المنطقة لحليفتها أميركا. ومع ذلك، المستفيد، حتى الحظة مما حدث، هو الدولة العبرية، لأن الهجوم الإيراني، وردود الفعل الغربية، ساهما في فكّ طوق العزلة الدولية الذي كانت في طوْر التشكّل حولها بسبب الجرائم التي ترتكبها في غزّة، ولفت الأنظار، ولو إلى حين، بعيداً عن هذه المجازر التي ما زالت تُرتكب يومياً. وفي حال تطوّر المواجهة بينها وبين إيران، قد يؤدّي ذلك إلى تحوّل في مزاج الرأي العام العالمي الذي ينتقد اليوم جزءٌ كبير منه، خصوصاً في الدول الغربية، الحرب الإسرائيلية على غزّة ويؤيد الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامته دولته المستقلة. وداخل إسرائيل نفسها، فإن حكومتها المتطرّفة بقيادة بنيامين نتنياهو تجد نفسها في موقع المستفيد الأول مما جرى، لأنه سيمنحها الضوْء الأخضر لتوسيع الحرب، بعد أن تغيّرت قواعد الاشتباك التي كسرها هذا الهجوم. وهذا ما كان نتنياهو يسعى اليه عندما نفّذ هجومه على القنصلية الإيرانية في سورية، أي فتح جبهة جديدة تغطّي على فشله في تحقيق أهدافه السياسية المعلنة في غزّة، وتخفيف ضغط الرأي العام الإسرائيلي الذي يطالب برحيله، واستعادة الإجماع الداخلي الذي أحدثه هجوم 7 أكتوبر، ما سيكسبه مزيداً من الوقت للهروب من استحقاق محاسبته ومحاكمته داخلياً. لذلك، يجب انتظار الردّ الإسرائيلي قريباً، سواءً من خلال ضرب إيران مباشرة، أو ضرب أهداف إيرانية في سورية أو بواسطة عملياتٍ نوعية تستهدف شخصيات إيرانية سياسية أو عسكرية أو علمية أو مواقع استراتيجية إيرانية، وهو ما تسعى الإدارة الأميركية إلى كبحه ما أمكن كي لا يكون مبالغاً فيه، حتى لا ينزلق الوضع إلى حربٍ واسعةٍ وشاملة.

وعوداً على بدء، الهجوم الإيراني، كيفما كانت خلفياته وأهدافه وتداعياته، قرار جريء في وقتٍ يقف فيه العالم أجمع وهيئاته ومؤسّساته مكتوفي الأيدي أمام جرائم الحرب التي يرتكبها صهاينة ساديون مجرمون. وأهمية التحرك الإيراني في هذه المرحلة من الحرب الإجرامية التي تقودها إسرائيل ضد الفلسطينيين العزّل الأبرياء، كونه جاء ليرسم معادلة ردع جديدة ومخيفة، تشبه “لعبة روليت روسية”، بين إيران وإسرائيل، قد تؤدّي إلى تهدئة الأوضاع واحتوائها أو إلى تفجيرها. والحلقة الضعيفة داخل هذه المعادلة هي الدول العربية في المنطقة. أما القضية الفلسطينية، الغائبة في كل هذه الحسابات، فإن إرادة الشعب الفلسطيني هي التي ستحسمها، طال الزمن أم قصُر.

العربي الجديد

———————-

حين تصدق إيران نكذّبها!/ حازم صاغية

في معزل عن «زلزلة الأرض تحت أقدام الصهاينة» و»خلخلة بنيان الاحتلال» وباقي ما يقوله الكلام الراقص، يقع الردّ الإيرانيّ على قصف القنصليّة بين تأويلين:

* إمّا أنّه عمل عسكريّ فاشل، فقير الثمار والنتائج، وضعَ إيران في موقعٍ أسوأ من الموقع الذي اختارت الردّ عليه، وأكّد أنّ هجومها ودفاعها، وأنّ وتيرتها العسكريّة المنخفضة ووتيرتها المرتفعة… كلّها تتساوى في إفضائها إلى الفشل. فإذا صحّ أنّ طهران تمكّنت من رسم مشهد ناريّ جميل في سموات الشرق الأوسط، بقي أنّ الجماليّات، في حدود ما نعلم، ليست موضوعنا هنا، كما أنّها آخر هموم حكّام إيران أصلاً.

* أو أنّ ذاك الفشل كان مُخطَّطاً ومدروساً، يُستدَلّ عليه في ما قاله كبار رسميّي النظام الخمينيّ وعسكريّيه، بحيث بدا أنّ إعلان انتهاء العمليّات العسكريّة يكاد يسابق ابتداءها. فحتّى مبدأ «اضرب واهرب» لم ينطبق على السلوك الإيرانيّ الذي آثر أن لا يضرب أصلاً. والراهن أنّ الرسميّين أولئك أكّدوا أنّ الولايات المتّحدة والجيران الإقليميّين غيرُ مقصودين، بل أنّهم أخبروهم بأمر عمليّتهم الجويّة وبتفاصيلها. وهم أيضاً، ومنعاً لتوسّع رقعة القتال وانفلات المعركة وتراجع القدرة على ضبطها، لم يُشركوا في مهمّتهم أذرعهم الأقرب جغرافيّاً إلى إسرائيل. بل ذهبوا أبعد في الطمأنَة، مشدّدين على أنّهم لم يستهدفوا «مواقع اقتصاديّة ومدنيّة» لـ «العدوّ الصهيونيّ»، وأنّهم كانوا في ضرباتهم «دقيقين» بحيث أنّهم لم يصيبوا شيئاً يُذكر. وهكذا، وعلى جناح السرعة انتقل التركيز من حدثٍ بدا كأنّه لم يحدث إلى حدث يتخوّف الجميع من حدوثه، وهو الردّ الإسرائيليّ. أمّا التهجّم على دول ساعدت الدولة العبريّة في ردّها فيفقد كلّ معنى، ما دام أنّ إيران تصرّفت، هي نفسها، كمن يدعو تلك الدول إلى مساعدة الدولة العبريّة.

والحال أنّ التأويلين يلتقيان عند نتيجة واحدة: فأن تفشل إيران أو أن تُفشّل نفسها بنفسها يعنيان أنّها لا تريد أن تخوض حرباً، بغضّ النظر عن الفتك الإباديّ الذي تُنزله إسرائيل بسكّان غزّة، وطبعاً بغضّ النظر عمّا ينسبه الملتحقون بإيران إليها. ولئن قال البعض إنّها تحارب في إطار نزاعها مع إسرائيل في معزل عن غزّة، يبقى أنّ تقديراً كهذا مبالغ فيه لأنّها، حتّى ضمن هذا الإطار، لم تحارب بما يتجاوز «الحفاظ على ماء الوجه».

وعدم الرغبة في الحرب حقّ مشروع لصاحبه المثقَل بانهياره الاقتصاديّ وتآكله التقنيّ وأوضاعه الداخليّة، شرط أن لا يترافق مع ما تفعله إيران حين تحضّ سواها على الحروب وتموّل النزعات الحربيّة في جوارها.

فمن يقود ويرعى لا يستطيع إلى ما لا نهاية دفع جنوده إلى القتال من دون أن يقاتل، أو من دون أن يرغب في تحقيق انتصار يلي قتاله خوفاً من عواقب انتصار كهذا.

فمعادلة الضابط الذي يدفع جنوده إلى استبسالٍ يستنكف هو نفسه عنه معادلةٌ نافرةٌ جدّاً ومجافية لكلّ علم عسكريّ. وأغلب الظنّ أنّ الأسباب التي سمحت باشتغال تلك المعادلة كثيرة، في عدادها الجرائم والآلام التي تُنزلها إسرائيل بالفلسطينيّين، والتي وفّرت بالتالي أساساً للإقبال الواسع على المزاعم التقليديّة الإيرانيّة. لكنّ السبب الأقوى لونٌ من الثقافة السياسيّة يتصدّره مفهوم معيّن للانتصار.

فحين لا تنزل بنا هزيمة كاسحة نَعُدّ الأمر انتصاراً، ونجد ما يعزّز خرافتنا في إسرائيليّين متعجرفين يرون أنّهم يكونون مهزومين حين لا يتحقّق لهم انتصار كاسح. واليوم وقد ألمّت بإسرائيل خسائر فعليّة وكبرى في اقتصادها وصورتها، باتت بضعة أضواء في سمائها كافية للبرهنة على اختراق تاريخيّ كبير حقّقناه، يُنسينا الموت الكثيف والاحتلال والجوع والتهجير ممّا ترتكبه الدولة العبريّة بإفراط من غير أن نُدرجه نحن في خانة الخسائر والمكاسب.

وفي وعي كهذا، تستحيل المحاسبة تبعاً لطغيان الغبش على الصورة وتحوّل الصورة إلى غبش والغبش إلى صورة.

لكنْ هل تستمرّ هذه القدرة على تصديق ما لا يُصدّق بعد كلّ ما حصل؟

للأمانة، لم تكذب علينا إيران هذه المرّة. صحيح أنّ حجّتها بصدد حماستها لسلام المنطقة لا يمكن حملها على محمل الجدّ. إلاّ أنّ ذلك أقرب إلى كونه شكلاً من أشكال التحايُل على قول الحقيقة الصريحة التي قالتها بطرق شتّى، ومفادها أنّها لا تريد أن تحارب. لكنّ بيننا مَن بلغت به الرغبويّة حدّ تكذيب إيران حين لا تكذب. ومؤلمٌ بما فيه الكفاية أن يعاند عقلنا النزول عن حصانه الجامح، فيعلن الانتصار بغمزة عين، ثمّ بغمزة عين أخرى يعلن نهاية العالم، ويمضي على هذا النحو بغضّ النظر عمّا يحدث تحت أنفه وأمام عينيه.

إنّ هذا كلّه باعث على أسى عميق.

الشرق الأوسط

———————–

الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران/ جلبير الأشقر

17/4/2024

ليس من شك في أن إسرائيل سوف تردّ على إطلاق إيران لثلاثمئة وعشرين طائرة مسيّرة وصاروخاً جوالاً وصاروخاً باليستياً على أراضيها بهجمة عظمى على إيران، وذلك لأسباب عدة. أول الأسباب أن الدولة الصهيونية تعمّدت تصعيد هجومها على «الجمهورية الإسلامية» بقصفها للقنصلية الإيرانية الملاصقة لسفارة إيران في دمشق. وقد رأى العالم أجمع عن حق في ذلك الهجوم تصعيداً خطيراً للحرب منخفضة الكثافة التي تخوضها إسرائيل ضد إيران منذ بضع سنوات، لا سيما منذ أن بدأت الأخيرة بمدّ شبكة عسكرية خاصة بها على الأراضي السورية في سياق الحرب التي اندلعت هناك منذ أكثر من عشر سنوات. وتدرك إسرائيل بلا شك أنها لا تستطيع أن تواصل هجماتها على أهداف إيرانية، بل وتصعّدها، دون أن تضطر طهران إلى الردّ.

والحال أن قائدة «محور المقاومة» كما يحلو لإيران أن تصف نفسها، قد أحرِجت إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة بعجزها عن ترجمة وعيدها المتكرر بأفعال متناسبة مع كلامها. فإن أخطر ضربة جرى توجيهها لها قبل الهجوم على قنصليتها، إنما كانت اغتيال القوات الأمريكية لقائد «لواء القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، في بداية عام 2020 بالقرب من مطار بغداد. وقد جاء الردّ الإيراني باهتاً، تمثل بإطلاق إثني عشر صاروخاً على القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار العراقية، لكن بعد توجيه إنذار بالهجوم بحيث لم يُصَب أي جندي أمريكي بجروح (كل الإصابات كانت برضوض في الأدمغة). وقد تمكنّ دونالد ترامب بالتالي أن يستغني عن الردّ حيث كان جلياً أن اغتيال سليماني أخطر من رد الفعل الإيراني، وهو بكل وضوح المآل الذي توخته طهران.

وتشير كافة الدلائل إلى أن قصد إيران بهجومها على الدولة الصهيونية إنما كان مماثلاً، أي رفع العتب عن نفسها بالقيام بالردّ لكن بإبقاء الردّ محدود الفعالية بحيث لا يؤدي إلى ردّ مضاد. فقد أطلقت إيران مئة وسبعين طائرة مسيّرة وثلاثين صاروخاً جوالاً من أراضيها، أي من مسافة 1.500 كيلومتر، وهي تعلم أن اجتياز هذه القذائف لتلك المسافة سوف يستغرق بضع ساعات بحيث تستطيع إسرائيل الاستعداد لوصولها من أجل إسقاط عدد كبير منها حتى قبل دخولها مجالها الجوّي، لاسيما أنها تحظى بمعونة حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. لا بل تقول طهران إنها أبلغت واشنطن بتوقيتها للهجوم بينما تنفي واشنطن ذلك وتؤكد مصادرها على أنها علمت مسبقاً بتوقيت الهجوم من خلال التجسس (ليس واضحاً إن كان التجسس أمريكياً أم إسرائيلياً).

ومهما كان الأمر، فإن النتيجة هي أنه لم تنفجر على أرض الدولة الصهيونية أية من هذه القذائف. بل حتى الصواريخ الباليستية المئة وعشرون التي أطلقتها طهران، لم يصب الدولة الصهيونية منها سوى أربعة! هكذا استطاعت إسرائيل أن تفتخر بإسقاط «99 في المئة» مما أطلقته إيران ضدها. وإذا صحّ أن إبطال القسم الأعظم من الهجوم الإيراني كان متعمداً إلى حدّ ما، فإن درجة إخفاقه تعدّت بالتأكيد ما توقعته طهران بحيث جاء مفعوله الرادع محدوداً للغاية، بل عكسياً ومشجعاً لإسرائيل في الحقيقة على المضي قدماً في تصعيد المواجهة. وبذلك تكون إيران، بضربها أراضي الدولة الصهيونية، إنما وقعت في فخ نصبته لها إسرائيل بتشريعها قيام هذه الأخيرة بصورة سافرة بهجوم مضاد على الأراضي الإيرانية. ولو اكتفت طهران بردّ متناسب مع عملية القنصلية، وذلك بالهجوم على سفارة إسرائيلية في البحرين أو الإمارات المتحدة على سبيل المثال، لبدا ردّها مشروعاً ولا يخوّل إسرائيل بالتصعيد في نظر العالم.

هذا وليس سراً على أحد أن هذه الأخيرة تخطط منذ سنوات لضربة داخل الأراضي الإيرانية، تسعى بها إلى تدمير المنشآت النووية لدى عدوتها اللدود. وقد باتت هذه الضربة ملّحة للغاية في الحساب الإسرائيلي، ذلك أن طهران كثّفت إلى حد كبير تخصيب اليورانيوم منذ أن نقض ترامب في عام 2018 الاتفاق النووي الذي عقده معها سلفه باراك أوباما في عام 2015. فيُقدّر اليوم أن طهران باتت تحوز على ما يكفي من اليورانيوم المخصّب ومن القدرات التكنولوجية لصنع ما لا يقل عن ثلاث قنابل نووية خلال أيام قليلة. وهذا الأمر يضع إسرائيل في حالة طوارئ قصوى، إذ إن فقدان احتكارها الإقليمي للسلاح النووي من شأنه أن يشكّل خسارة استراتيجية عظيمة لها، بل يحرّك لديها عقدة الإبادة التي تراودها بوصفها دولة صغيرة المساحة تواجه أعداءً يدعون إلى إفنائها وتقوم أيديولوجيتها على استغلال كثيف لذكرى الإبادة النازية لليهود الأوروبيين. وتتعزّز بذلك الفرضية القائلة إن ضرب القنصلية كان استفزازاً متعمداً يندرج في تصعيد يصبو إلى خلق فرصة لقيام الدولة الصهيونية بضرب الأراضي الإيرانية، والقدرة النووية الإيرانية بالتحديد.

ويبقى في الميزان الموقف الأمريكي حيث إن إسرائيل عاجزة عن المجازفة بخوض مواجهة كاملة مع خصمها الإيراني بدون ضمانة الحماية التي يوفّرها لها عرّابها الأمريكي. لدى إسرائيل القدرة على ضرب إيران في العمق باستخدام ما لديها من طائرات ف-35 «الشبيحة» أي التي تفلت من رصد الرادارات. فلديها ما يناهز الأربعين من هذه الطائرات التي تبلغ المسافة التي تستطيع اجتيازها محملة بالكامل ما يزيد عن 2.200 كيلومتر، بما معناه مسافة أطول بعد رمي الحمولة في منتصف الطريق. لكن يبقى ضرورياً على الأرجح تزويدها بالوقود جواً أثناء عودتها من ضربة في العمق الإيراني. وهذا الأمر الأخير يتطلب معونة الولايات المتحدة، أو أن يتيح استخدام مجالَه الجوّي أحد حلفاء الدولة الصهيونية العرب الواقعين جغرافياً بينها وإيران إذ لا تستطيع عملية التزويد أن تفلت من الرصد.

لكن الغطاء الأمريكي يبقى ضرورياً لإسرائيل بجميع الأحوال، وقد يبدو مستعصياً بعد تكرار واشنطن لتحذيرها من تصعيد إسرائيلي قد يُفجّر حالة حرب في الشرق الأوسط برمته. أما الخشية الأمريكية، فليست من باب الحرص على السلام بالتأكيد، بل هي في المقام الأول خشية من انغلاق مضيق هرمز واشتعال أسعار النفط وخلق أزمة جديدة في الاقتصاد العالمي. وهو السبب ذاته الذي يجعل واشنطن غير راغبة في تصعيد العقوبات على إيران إلى حد فرض الحظر على تصديرها للنفط. لكن، من جانب آخر، تشارك واشنطن هاجس إسرائيل من تزوّد إيران بالسلاح النووي وقد كرّرت الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض أن ذلك يشكّل في نظرها خطاً أحمر يوجب تدخلها.

لذا يمكن الشك في صدق دعوات جو بايدن، الذي تخطى سلفه ترامب في دعم الدولة الصهيونية إلى حد المشاركة الكاملة بحرب الإبادة التي خاضتها وتخوضها على غزة، دعواته إلى التريّث وعدم التصعيد بينما يؤكد من جهة أخرى أن الولايات المتحدة، وإن لن تشارك في ضربة إسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية، إنما سوف تلتزم بحماية فليونتها الإقليمية، وهو بالضبط ما تحتاج إليه هذه الأخيرة كي تنفذ هجومها. وتدرك إسرائيل أن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تجازف بالمشاركة في هجوم غير مضمون النتيجة قد ينعكس إخفاقه عليها بحيث يحتّم هزيمة رئيسها في الانتخابات الرئاسية في الخريف القادم. أما الخلاصة من كل ما سبق، فهي أن ما يفرضه المنطق الاستراتيجي على طهران إنما هو إسراعها في التزوّد بالسلاح النووي وإشهاره بوصفه أنجع وسيلة ردع تستطيع أن تتزوّد بها.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

————————–

هل كانت مسرحية؟/ سعيد السني

17/4/2024

يوم 2 أغسطس/ آب عام 1990، اندلعت حرب الخليج الثانية.. قام “العراق”، في عهد رئيسه السابق صدام حسين بـ “غزو الكويت”، على خلفية مزاعم استيلاء الأخيرة على النفط العراقي. ثم تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يضم 38 دولة، تحت غطاء أممي، للتحرك بحملة “عاصفة الصحراء” العسكرية (17 يناير/ كانون الثاني- 28 فبراير/ شباط 1991)، التي انتهت بإعلان تحرير الكويت، وانسحاب الجيش العراقي.

قصف الأراضي المحتلة

يعنينا، أن الجيش العراقي، ومع انطلاق عاصفة الصحراء، راح يقصف مواقع إسرائيلية، بصواريخ سكود.. فرحت الجماهير العربية باستهداف الكيان الصهيوني، رغم مرارة الغزو العراقي للكويت. وقتها، أنكر “الاحتلال”، وقوع أي خسائر مادية، أو بشرية، فكانت صدمة للشعوب العربية.

عام 2021، أي بعد 30 عامًا.. اعترف الاحتلال، بأن صواريخ سكود التي أطلقها العراق (43 صاروخًا)، أسفرت عن مقتل 14 إسرائيليًا، وإصابة المئات، وتدمير الكثير من المنشآت. كما أقر “الكيان”، بإثارة هذه الصواريخ الرعبَ في كل الأراضي المحتلة، وأنها كانت تُطلق ليلًا، وتضرب أهدافها بدقة. فـ “الكيان الصهيوني”، يكذب، ويتنفس كذبًا.. هذا أمر معلوم.

ما أشبه الليلة بالبارحة، حين يُعلن الكيان الصهيوني، إسقاط 99% من الصواريخ والمُسيرات الإيرانية (300 طائرة وصاروخ تقريبًا)، التي هاجمته (ليل 13- 14 أبريل/ نيسان)، وأنها لم تُصب أهدافًا في العمق الإسرائيلي، ولم تلحق بالكيان أي خسائر بشرية كانت، أو مادية. لماذا علينا تصديق “جيش الاحتلال” أو حكومته، في إنكار فاعلية الهجوم الإيراني؟. لماذا، وهو يكذب على الدوام، والأمثلة لا تقع تحت حصر؟.

بايدن.. ووعيد خامنئي

هل كان الهجوم الإيراني “مسرحية”؟ بالفعل، ولماذا؟. وهل هذا الهجوم بلا فاعلية؟. إجابة عن السؤال نرصد عددًا من النقاط؛ أولًا: أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام علي خامنئي، استبقه، مُعلنًا، أن عقاب إسرائيل، قادم لا محالة.. ردًا، على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق (1/4/2024)، واغتيال قادة في الحرس الثوري الإيراني، على رأسهم الجنرال محمد رضا زاهدي. وعيد خامنئي، أثار حالة من الرعب والفزع، والارتباك، انتابت “الكيان”، أيامًا، انتظارًا للرد.. إدراكًا لجدية الوعيد.

ثانيًا: أن الرئيس الأميركي جو بايدن، حذرَ “الإيرانيين” مرارًا، وعلنًا، بألا يهاجموا إسرائيل.. قائلًا: لا تفعلوا.. مُشددًا، على التزام “أميركا” بأمن إسرائيل والدفاع عنها، ومارس عليهم ضغوطًا عبر وسطاء، لإثنائهم عن المُضي قدمًا فيما قرروه من رد على إسرائيل.. دون جدوى. فلم تمتثل “إيران” للتحذيرات والضغوط الأميركية، ولم ترتدع، أو تتراجع.

دلالة إسقاط الصواريخ

ثالثًا: أن الولايات المتحدة، سارعت إلى تفعيل “شبكة دفاع” لصد الهجوم الإيراني، شاركت فيها بريطانيا، وفرنسا، وربما غيرهما من دول أوروبا، و”دول عربية”، للأسف. وقد أعلن “بايدن” شخصيًا، أن بلاده أسقطت غالبية المُسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى إسرائيل.

وهذا له دلالة شديدة الوضوح، على أن “الكيان الصهيوني”، ليس بوسعه منفردًا، التصدي لهذا الهجوم الكبير الذي شنته إيران بالمسيرات والصواريخ الباليستية والمُجنحة.. لولا التصدي الأميركي والأوروبي. سواء هاجمت إسرائيل، وردت على إيران.. أم لم ترد، فهذا لا يغير شيئًا، من فاعلية الهجوم الإيراني، ورسالته، بأن العمق الإسرائيلي، لم يعد بمنأى عن الاستهداف، حال تجاوز الاحتلال بحقّ إيران.

اختبار إيراني

رابعًا: أن “الهجوم الإيراني” محسوب بدقة، فإيران، لا تريد التورط في حروب مفتوحة، ترهقها وتُعطل امتلاكها السلاحَ النووي، إن لم تكن قد امتلكته فعلًا. كما، قد يكون هادفًا، لتجريب الصواريخ والمسيرات في عملية عسكرية فعلية، فالأسلحة، يلزمها اختبار عملي للوقوف على مدى فاعليتها.. واختبار دفاعات وقدرات الأعداء أو الأطراف الأخرى في ميدان المعركة المُحتملة.

هذا الهدف الأخير، يستحق بحد ذاته الإقدام على هذا الهجوم.. في ظل توفر سند من القانون الدولي (كون القنصلية المستهدفة في دمشق.. تُعادل الهجوم على الأراضي الإيرانية). هذا الكم من الصواريخ والمُسيرات، لا يعني أن “إيران” استخدمت، كل ما لديها، فقد يكون لديها، ما هو أحدث، وأمضى توفره لوقته، وقد قالت ما يفيد هذا المعنى.

انسياق أعمى

“إيران”، دولة قوية ومهمة، فاعلة في الإقليم، وفي القضية الفلسطينية.. تعرف ما تريد، وكيف تصل لما تريده. بعض الناقمين عليها، في تهوينهم شأن هجومها على إسرائيل.. تُحركهم نزعات طائفية مذمومة، تُسهم عمدًا، أو بدون قصد في توليد، وإشعال نيران الحقد والكراهية بين المسلمين، والعرب، وتمزيقهم إلى سُنة وشيعة.

البعض الآخر، مُنقاد، بلا إدراك، وراء السخافات التي تبثها فضائيات عربية “متصهينة”، تُخاصم المهنية، و”مليشيات إلكترونية”.. ربما “يُديرها” إسرائيليون، أو عرب مثلنا، يحبون “الاحتلال” حبًا جمًا، ويرونه أقرب إليهم من إيران، وبني جلدتهم.

لدينا مشكلة “تربوية” في بيوتنا، ومدارسنا، وبلادنا العربية، اعتمادًا للتلقين والحفظ والاسترجاع، والسمع والطاعة، والولاء.. بما يُنتج أفرادًا، يميلون إلى الانسياق الأعمى وراء “الرأي المُعلب”- الهجوم، مسرحية إيرانية، مثالًا-، يعتنقونه، ويرددونه، مهما كان ساذجًا أو ملفقًا، بما يُغني الفرد عن تشغيل عقله، لتكون كثرة من الناس، يحفظون ولا يفقهون.

الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني، ليس “مسرحية”، بالتأكيد.. بل يتضمن رسائل قوية اللهجة.. نارية، شديدة الاشتعال.. مفادها، أن هذا الكيان، مجرد “أكذوبة كبرى”، وأنه لم يعد في منعة ومأمن، وحصانة. فالمنعة التي استقرت في الأذهان لعقود.. أسقطها “طوفان الأقصى” في الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وها هو المُتبقي منها يتبدد مُجددًا، على خلفية الرعب، والهلع اللذين اجتاحا “الكيان”؛ تحسبًا للهجوم الإيراني، والارتباك الحاصل حاليًا، بشأن الرد على إيران، من عدمه.. إدراكًا بأن الدنيا تغيّرت، وأن ما قبل “طوفان الأقصى” ليس كما قبله.

سعيد السني

كاتب وصحفي

————————–

النصر” المتنقل بين إيران وإسرائيل/ بسام مقداد

2024/04/16

إثر الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية في دمشق، خرج الإيرانيون إلى الشوارع إبتهاجاً بالنصر. وفي الأنباء أن حكومة الحرب الإسرائيلية أجلت الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، عملاً بالنصيحة الأميركية أن الصد الناجح للهجوم كان إنتصاراً يغني عن ضرورة الرد حالياً. الفتوى الأميركية الغربية ب”الإنتصار” استثمرتها حكومة الحرب في ترسيخ الصور التي سارعت لتقديمها للإسرائيليين في الملاجئ عن نجاحها في إفشال الهجوم الإيراني الأول من نوعه على الأراضي الإسرائيلية. وإيران لا تستطيع سوى   “الإنتصار” في خضم المجابهة المتواصلة فصولاً منذ قيام الجمهورية الإسلامية وامتشاقها “القضية الفلسطينية” في التوسع بالمنطقة.

“إنتصار” الطرفين يشير إلى أن ما بدأته إسرائيل في دمشق مطلع الجاري، لم ينته بالرد الإيراني عليه، بل يعلن بداية مرحلة جديدة في حرب إسرائيل المتواصلة على غزة منذ ستة أشهر. كلا الطرفين يدعي أنه فرض قواعد جديدة للعبة: إسرائيل ترى أنها بدأت في دمشق مرحلة الإشتباك مع إيران مباشرة وليس مع أذرعها، وإيران تعتبر أنها نقلت المعركة إلى داخل إسرائيل.

تباشير رد الفعل الأولي على الرد الإيراني  في العالم تشير إلى بداية تراجع في حركة دعم فلسطين في العالم، واستعادة إسرائيل بعض ما فقدته من سمعتها. وبدا واضحاً تراجع صور مأساة غزة إلى خلفية المشهد الملتهب بين إيران وإسرائيل. وقد بدأ تشديد الخناق في بلدان أوروبية على الأنشطة الداعمة لفلسطين، وعادت تظهر في الشارع الغربي تظاهرات مؤيدة لإسرائيل. وفي حال أفصحت إسرائيل عن الأضرار الفعلية التي ألحقها الرد الإيراني أو فبركت صور دمار وقتلى مدنيين، ستكون مأساة غزة الخاسر الأول من الرد الإيراني. سيما إذا قامت إسرائيل بما تجيده من تنظيم حملات إعلامية واسعة للتغطية على جرائمها وتقديم صور ما خلفه الرد الإيراني أو ما فبركته عن أضراره.

المحلل السياسي الروسي المعارض Andrey Nikulin نشر على موقع Kasparov المعارض كذلك نصاً استعرض فيه تفاصيل “الليل الطويل” للهجوم، واستنتج بالقول “يبدو أنها قد بدأت”. قال المحلل، صحيح أن إسرائيل تصدت للهجوم الإيراني، لكن ليس من توقعات جيدة لتطور الوضع في المنطقة. ويستبعد أن ينتهي الأمر بعشرات من “الدراجات الهوائية الطائرة”، إذ حينها سيسخر من الإيرانيين جيرانهم العرب، ومنهم لبنان وسوريا ايضاً.

يستعرض المحلل ما جاء في كلمة نتنياهو للإسرائيليين، وتشديده على جهوزية الجيش الإسرائيلي ليس للدفاع فحسب، بل وللهجوم أيضاً. ويرى أن الأمور تتوقف الآن على قوة الهجوم على إسرائيل والأطراف المشاركة فيه، وأيضاً على الرد الإسرائيلي المحتمل جداً. وحينها فقط سيكون بالمستطاع معرفة ما إن كان الأمر سيتوقف عند جولة واحدة، أم أن المنطقة ستنزلق إلى حرب كبيرة أخرى.

يرى  المحلل أن الهجمات الإيرانية قد تغري إسرائيل لحل “المسألة النووية”، مما سيجعل الغرب وجيران إيران في المنطقة يتنفسون الصعداء ويكتفون بتوجيه توبيخ لطيف لإسرائيل. ويعتقد أن آيات الله  لهذا السبب تأخروا في الرد، حيث المخاطر مرتفعة للغاية، خاصة قبل تجميع القنبلة الذرية الأولى.

ينقل المحلل عن ABC News الأميركية قولها أن بوسع الإيرانيين وحلفائهم إطلاق 400 ـــ 500 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل. وإذا صح هذا الرقم، يفترض المحلل أن الرد الإسرائيلي سيكون بالغ الجدية، ويمنح تل أبيب بطاقة بيضاء لاختيار أي نوع من الردود، ما عدا النووي بالطبع. ولن يتمكن من وقف العسكريين الإسرائيليين سوى السؤال المتعلق بالجدوى أو الضغط الأميركي,

يقارن المحلل قدرات إيران بقدرات إسرائيل وحلفائها، ويتساءل لماذا، وبعد طول تهرب من المواجهة المباشرة مع إسرائيل وعدد من البلدان الأخرى، قررت إيران أن تخوض الآن مثل هذه المواجهة. فقد قامت إيران بتسليم كل أوراقها عملياً للأعداء الذين يمتلكون القرار بإبقاء الوضع عند المستوى الأدنى من الرد، أو إطلاق التصعيد إلى اقصاه.

الصجافي الروسي المعارض Dmitry Kolezev نشر على الموقع عينه وفي اليوم نفسه نصاً تحدث عن إنطباع لديه وكأن مدة الأسبوعين التي فصلت بين الهجوم على القنصلية والرد الإيراني كانت من أجل أن يستعد جميع الأطراف للحدث. لا يؤكد الصحافي هذا الإنطباع، لكنه يقول بأن المدة الفاصلة كانت كافية لكي يستعد الجميع: إيران لتختار الأهداف ووسائل توجيه الضربة، البلدان المجاورة لإقفال أجوائها، إسرائيل لكي ترفع إستعداد نظام الدفاع الجوي لديها إلى الحد الأقصى، الولايات المتحدة لكي ترسل قوات إضافية إلى المنطقة وتعزز قدراتها الإستخبارية.

يضيف الصحافي بالقول أن الجميع كان على أهبة الإستعداد. وتم التنبؤ بالهجوم بدقة تصل إلى ساعة تقريبًا، ليس فقط من خلال المخابرات، ولكن أيضًا من خلال وسائل الإعلام العالمية. ويرى من غير المرجح أن تنجح ضربة معروفة مسبقًا. ويقول أن الأمر حتى الأن أشبه ب”عمل إستعراضي” لحفظ ماء الوجه. لكن مع ذلك يعتبر ما حدث نقلة جدية في الوضع: إيران تهاجم إسرائيل مباشرة، وليس عبر وكلائها. ويرى أن السؤال أيضاً هو كيف سيكون رد فعل إسرائيل على الهجوم، حيث من المحتمل أيضًا أنهم فكروا في خطوات عديدة للأمام وهم يهاجمون القنصلية الإيرانية في سوريا.

المجمع الإعلامي الروسي الكبيرRBC نقل عن عدد من الخبراء في شؤون الشرق الأوسط  آراءهم بشأن الهجوم الإيراني على إسرائيل والتطورات المحتملة التي ستعقبه. في طليعة الخبراء هؤلاء، كان الخبير بالشؤون الإيرانية Nikita Smagin الذي عادة ما تستطلع رأيه المواقع الإعلامية، و”المدن” من ضمنها، حين يتعلق الأمر بإيران.

يعتبر Smagin أن طهران كانت تفترض منذ البداية أن القسم الأكبر من طائراتها المسيرة سيتم إسقاطها. وليس من قبيل الصدفة، برأيه، أن عمليات الإطلاق تمت من الأراضي الإيرانية (تستغرق المسيرة 9 ساعات لبلوغ إسرائيل من إيران، حسب القناة 12 الإسرائيلية)، مما رفع مدة التحليق وسمح لإسرائيل وحلفائها بإسقاط معظم هذه المسيرات، “وهذا ما كانت تفترضه إيران بالتأكيد”. ويعتقد أن مهمة الضربة الإيرانية كانت تقوم بإحداث أقصى ضجيج إعلامي ممكن، من دون إلحاق ضرر جدي بإسرائيل، من أجل عدم إثارة رد فعل عنيف ولا يؤدي بالوضع إلى الحرب.

يقول الموقع أن الباحث العلمي  Guy Burton في جامعة Lancaster البريطانية عبر عن رأي شبيه برأي الخبير السابق. فقد رأى الخبير أن طهران كما يبدو تعتبر أن ردها على قصف القنصلية “متوازن كلياً”. فهي في الواقع قد أبلغت إسرائيل بالضربة مسبقاً، إذ أعلنت عن القصف حين إطلاق المسيرات التي يستغرق بلوغها الأراضي الإسرائيلية بضع ساعات. ورأى الخبير أن إيران، وللمرة الأولى، قررت قصف إسرائيل من أراضيها من دون إشراك أذرعها التي كان بوسعها أن توجه ضربات أيضاً إلى العسكريين الأميركيين في المنطقة.

موقع الخدمة الروسية في إذاعة وقناة التلفزة الفرنسية BFM نقل ايضاً عن عدد من الخبراء بشؤون الشرق الأوسط أراءهم حول الهجوم الإيراني على إسرائيل.

من الخبراء الثلاثة الذين نقل الموقع أراءهم، قال البوليتولوغ الروسي والصحافي Georgy Bovt بأنه ليس بود الأميركيين البتة أن يتجه الوضع الآن نحو التصعيد، وذلك لأن إيران في ردها على القصف الإسرائيلي قد تقوم بهجوم أكبر بكثير مما قامت به. وقد يؤدي التصعيد في النهاية إلى ما قد يجبر الولايات المتحدة نفسها على التدخل.

المدن

———————-

صواريخ الولي الفقيه التي أصابت فلسطين/ سامر القرنشاوي

16.04.2024

لم تكن هناك مفاجأة. إيران أبلغت جيرانها مسبقاً، بل وأبلغت الأميركيين، هذا طبقاً لما سمعناه على نشرات الأخبار، ما أتاح الوقت للاستعداد. لا تحتاج الى دراسة لتعرف أن الطرف المتفوّق هنا ليس الجمهورية الإسلامية التي تخلّت طوعاً عن عنصر المفاجأة.

في الساعات التالية لما شهده فجر الأحد الماضي، 13 نيسان/ إبريل، وعلى رغم أن صواريخ إيران وطائراتها المسيرة لم تسبّب أذىً يُذكر (أوقفت  السلطات الإسرائيلية  الدراسة ومنعت التجمعات الكبيرة ليوم واحد، لكنها لم تنصح مواطنيها بالنزول الى الملاجئ)، ادعت إيران أن ما حصل هو ردّ حازم على الهجوم على قنصليتها في دمشق مطلع الشهر نفسه. بينما يتحدث شركاء من أقصى التركيبة اليمينية الحاكمة في إسرائيل، عن ضرورة الرد المدمر على ما حدث، علماً أن الإسرائيليين، ووافقهم الأميركيون، ادّعوا بأن ما حصل من صدٍّ شبه كامل للصواريخ والمسيرات الإيرانية نصر مؤزر.

نعرفُ أيضاً، وعلى رغم الدعم اللامحدود الذي أعلنه الرئيس الأميركي بنفسه لإسرائيل ضد هذه الهجمة الإيرانية، أن الأميركيين يريدون أن تتوقف الأمور عند هذا الحد؛ هدف يتشاركون فيه مع الإيرانيين. لكن ضغط الولايات المتحدة على نتانياهو بالنسبة الى غزة لم يغير شيئاً يُذكر. أليس رد الفعل الإيراني هذا هو تحديداً ما سعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بضربه القنصلية الإيرانية؟ أليس منطقياً أن نتساءل إن كانت صواريخ إيران ومسيراتها التي لم تنتج، حتى الآن  على الأقل، إلا القليل سوى الضوضاء والأضواء، قد سلمت نتانياهو ما يريد؟

عدا المعروف عن رغبة نتانياهو الحارقة للبقاء في السلطة تفادياً لمساءلات قضائية كانت تتربص به قبل السابع من أكتوبر، ومحاسبة جدية عما جرى في هذا اليوم، هناك كارثة العلاقات العامة التي تواجهها إسرائيل نتيجة الحرب الجارية على غزة. الهجوم الإيراني سمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي المأزوم بالحديث عن جبهة أخرى لا تقف عند أذرع إيران في المنطقة، بل تمتد الى “رأس الأخطبوط” حسب تعبير صكّه الإسرائيليون عن الجمهورية الإسلامية ونفوذها الممتد في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

خطوط بايدن الحمراء

حروب لا تتوقف تبقيه على رأس السلطة هي حلم نتانياهو، لهذا ربما أوضح الأميركيون أنهم لن يدخلوا طرفاً في صراع إسرائيلي-إيراني، على رغم التزامهم بحماية أمن إسرائيل. لا يعني ذلك أن نتانياهو ومن معه من أقصى اليمين الإسرائيلي الديني المتطرف في حكومته، سيلتزمون بخطوط الرئيس الأميركي الحمراء. بل ربما كان رهانهم على حرب أوسع تُضطرُ فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى التدخل لحماية أمن الدولة العبرية (وهو ما شاركت فيه أمام الهجوم الإيراني).

قد يقول البعض إن الجمهورية الإسلامية أثبتت قدرةً على الرد، ربما. لكن الرد حتى الآن بلا أثر حقيقي، اللهم إلا ما يدعيه الإسرائيليون، وفرصة الادعاء هي مكسب إسرائيل الثمين. ما إن أُعلن عن الضربات حتى بدأ المسؤولون الإسرائيليون الحديث عن الخطر الإيراني الداهم، لا على دولتهم فحسب، بل على العالم أجمع، ثم أتبَعَوا ذلك، هم وحلفاؤهم، بذكر هجمات إيرانية أتت من مناطق نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة، وضمني في هذا كله موقف إيران وحلفائها الذي لا يقبل شرعية وجود إسرائيل، ومن ثم حُكماً يسعى الى دمارها.

على مدى أشهر، كانت الصورة السائدة لإسرائيل إعلامياً هي المجرم المعتدي في غزة، وما حصل فجر 14 نيسان سمح لها أن تعود، ولو مؤقتاً،  إلى المكان الذي ضمنته لنفسها لعقود: الضحية المحاصرة. مضحكٌ مبكٍ أن الشخص الوحيد الذي عانى إصاباتٍ خطيرة نتيجة الهجوم الإيراني، طفلة عربية في السابعة من عمرها من بدو صحراء النقب اسمها أمينة محمد حسونة.

لأيام، وربما أسابيع، كان هناك تعاطف دولىٌ واسع مع إسرائيل بعد هجوم حماس في السابع من تشرين الأول، لكن هذا سرعان ما بدّده التزام إسرائيل طريقتها المعتادة في “جز العشب” (تعبير إسرائيلي) في غزة والعقاب الجماعي تدميراً وقتلاً، والتأكد من سقوط عشرات القتلى الفلسطينيين عشوائياً (على الأقل) مقابل كل إسرائيلي قُتل، ناهيك بالتدمير المُمَنهج لكل أساسٍ للحياة في غزة، مع حديثٍ صريح من حلفاء نتانياهو وشركائه في وزارته عن طرد أهل غزة منها وإعادة بناء المستوطنات فيها.

فجاجة خطاب “دواعش اليهود” في أقصى اليمين الإسرائيلي وتوحشه لا جديد فيهما، الكثير كُتب وقيل عنهم في الإعلام الغربي قبل السابع من تشرين الأول، بل وأدانتهم هم وأفعالهم، تحديداً في الضفة الغربية، تصريحات مسؤولين غربيين أيضاً قبل حرب غزة.

لكن مأساة غزة دفعت بذلك كله إلى قلب الصورة إعلامياً. لهذا، مثلاً لا حصراً، وبعد السابع من تشرين الأول، شوهدت مقابلات الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف، بما فيها من تبيان للحقائق ونقدٍ لاذع لإسرائيل، عشرات الملايين من المرات عبر العالم، وسمعنا من يتحدث، لا فقط عن العودة الى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، بل عن فلسطين “من البحر عن النهر”، وعما حصل عام 1948، في عواصم غربية.

فرصة السابع من أكتوبر

رأينا أكاديميين يهود (بينهم إسرائيليون) معروفين بنقدهم العنيف لا فقط لإسرائيل وسياستها بل للفكرة الصهيونية من أساسها، تتاح لهم فرصٌ للحديث في محافل أكاديمية كانت شبه مغلقة أمامهم قبل السابع من تشرين الأول، وبحضور أقوى بكثيرٍ مما سبق في الفضاء الإلكتروني (مثلاً: نورمان فنكلشتين  اليهودي ابن الناجين من المحرقة النازية شديد العداء لإسرائيل).

هذا كله حققه خليط من عذاب أهل غزة وخساراتهم التي تفوق الوصف، ووسائل الإعلام الحديثة عبر الفضاء الافتراضي، ويُهدد بخسارته اليوم الهجوم “الرمزي” الإيراني الذي سعى إليه بنيامين نتانياهو بضربه القنصلية الإيرانية في دمشق. ما أدركه آباء المشروع الصهيوني منذ ولادة هذه الفكرة قبل قرن ونصف القرن تقريباً، هو ضرورة الحفاظ على موقع الضحية في عين الغرب.

 مهما ناقض الواقع ذلك، وخلال جلّ هذا الزمن، إن لم يكن كله، نجح مروّجو المشروع، ثم ثمرته، إسرائيل، في ذلك (بخاصة بتوظيف ذكرى المحرقة النازية). أخيراً، وللمرة الأولى، خسر الإسرائيليون ساحة هذه المعركة، لا لقدراتٍ ثقافية لم نعهدها لدى أتباع جماعة الإخوان المسلمين من حماس، بل لأن إسرائيل هذه المرة إما أخطأت قراءة الواقع أو قررت عمداً تجاهله، مُهديةً القضية الفلسطينية مكسباً كان بعيد المنال قبل ذلك.

لهذا كله، ما كسبه أهل غزة، بكلفةٍ باهظة، تهدد بخسارته صواريخ الولي الفقيه، والوضع الفلسطيني الذي يطفح ألماً وعذاباً سيهُمش أكثر وأكثر تدريجياً إن دفع نتانياهو، كما يريد، المنطقة نحو حربٍ أوسع. الرد الإيراني خدم إسرائيل ولم يؤذها، أما بالنسبة الى فلسطين ومأساتها، فهو يهدد بخسارة ما يواصل أهل فلسطين عموماً وغزة خصوصاً، جبراً لا اختياراً، دفع أفدح الأثمان لاكتسابه حتى قبل أن ينالوا منه ثمرة.

كاتب وأكاديمي مصري

درج

———————-

الهجوم الإيراني على إسرائيل “يقدم لنتنياهو شريان حياة”/ جيريمي بوين

لم تمض أيام قليلة حتى تعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لضغوط هائلة.

بعد مقتل سبعة من عمال الإغاثة من مؤسسة “المطبخ المركزي العالمي” الخيرية على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، في الأول من أبريل/ نيسان، بدا أن صبر الرئيس الأمريكي جو بايدن قد نفد أخيراً تجاه حليفه المزعج.

وفي اليوم نفسه، هاجمت إسرائيل المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق، ما أسفر عن مقتل جنرال إيراني كبير وستة ضباط آخرين على الأقل، وذلك في انتهاك للاتفاقيات القانونية التي تحظر مهاجمة السفارات.

وزعمت إسرائيل، بشكل غير مقنع، أن إيران خسرت هذه الحماية بتحويل المبنى القنصلي الذي دمرته إلى موقع عسكري. وتعهدت إيران بالرد، لكن الهجمات السابقة على كبار القادة الإيرانيين ولدت كلمات أكثر من الأفعال.

خارج إيران، طغى الغضب الذي سببه مقتل فريق المطبخ المركزي العالمي، وهي مؤسسة خيرية مقرها الولايات المتحدة، على الهجوم على دمشق.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

أصدر البيت الأبيض بيانا غاضبا من الرئيس بايدن. لقد كان “غاضبا وحزينا”. لم يكن حادثا منفردا. ولم تفعل إسرائيل ما يكفي لحماية عمال الإغاثة أو المدنيين الفلسطينيين.

وفي اتصال غاضب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، طالب بايدن بتنازلات كبيرة: يجب إغراق غزة بالمساعدات الإنسانية. ويتعين على إسرائيل أن تفتح المزيد من المعابر الحدودية، فضلاً عن ميناء الحاويات في أشدود، الذي يقع على بُعد أقل من ساعة بالسيارة من الأطفال الذين يموتون جوعاً شمالي غزة.

وبالإضافة إلى شعوره بضغط البيت الأبيض، كان نتنياهو أيضاً تحت ضغط من المتطرفين القوميين الذين يبقي دعمهم في البرلمان الإسرائيلي ائتلافه في السلطة. فهم لا يعارضون إغراق غزة بالمساعدات فحسب، بل يعتقدون أن الحرب قدمت لإسرائيل فرصة لا تقدر بثمن، لإعادة توطين اليهود في غزة. كان قد تم إخلاء المستوطنات اليهودية هناك وهدمها من قبل إسرائيل في عام 2005، في إطار انسحاب أحادي الجانب من المنطقة.

وبحلول نهاية الأسبوع الماضي، كانت الولايات المتحدة تزيد من ضغوطها. وقالت سامانثا باور، كبيرة مسؤولي الشؤون الإنسانية في الولايات المتحدة، يوم الخميس، إن من “الموثوق فيه” أن المجاعة تؤثر بالفعل على أجزاء من غزة.

وكان واضحاً لأصدقاء إسرائيل وأعدائها، على حد سواء، أن الحصار الذي فرضته على غزة لمدة ستة أشهر كان سبباً في خلق أزمة الغذاء الأكثر إلحاحاً في العالم. وكانت هناك موجة أخرى من التكهنات، بأن الولايات المتحدة ستضع شروطًا على استخدام الأسلحة التي تزودها بها إسرائيل.

في صباح يوم السبت، قبل ساعات من الهجوم الإيراني على إسرائيل، رددت صحيفة نيويورك تايمز الغضب العميق، خاصة بين الديمقراطيين البارزين في الكونغرس الأمريكي. ودعت إلى وقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل، ووجهت انتقادات لبنيامين نتنياهو.

وتحت عنوان “المساعدة العسكرية لإسرائيل لا يمكن أن تكون غير مشروطة”، انتقدت هيئة تحرير الصحيفة نتنياهو والمتشددين في حكومته، لخرقهم “رابطة الثقة” مع الولايات المتحدة. وأضافت أن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها لا يعني أن الرئيس بايدن “يجب أن يسمح للسيد نتنياهو بمواصلة ألعابه المزدوجة المريبة”.

ثم كان أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل بمثابة شريان حياة لرئيس الوزراء.

وفي إنجاز رائع للتعاون العسكري، ساعدت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون آخرون إسرائيل، على إسقاط أكثر من 300 طائرة بدون طيار وصاروخ أطلقته إيران. لم يكن أي زعيم عربي أشد انتقادا للحرب الإسرائيلية في غزة من العاهل الأردني الملك عبد الله. لكن القوات الجوية الأردنية انضمت إلى العملية، وأسقطت مقذوفات متجهة إلى إسرائيل.

واستُبدلت الدعوات المطالبة بوضع شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل، بعبارات تضامن مدوية.

لقد أتيحت لرئيس الوزراء نتنياهو فرص سياسية جديدة. لقد غابت غزة عن العناوين الرئيسية للأخبار ليوم أو يومين على الأقل.

لكن الضغط على رئيس الوزراء تغير ولم يذهب. وربما تضاعفه تحركات إسرائيل المقبلة.

لقد أوضح الرئيس بايدن تماما ما يعتقد أنه يجب أن يحدث بعد ذلك. على إسرائيل أن تعلن النصر في هذه الحلقة، وأن “تكتفي بهذا الانتصار”، وليس أن ترد. وأعلن مرة أخرى أن الدعم الأمريكي لإسرائيل “صارم”.

وهذا ينسجم مع سياسته الثابتة منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. لقد عمل الرئيس وإدارته بجد لوقف حرب أوسع نطاقا وشاملة في الشرق الأوسط، حتى عندما قاموا بنقل إمدادات ضخمة من الأسلحة إلى إسرائيل، والتي تم استخدامها لإحداث آثار مدمرة ومميتة في غزة.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، قبلت إسرائيل الأسلحة والدعم الدبلوماسي الذي رافقها، وتجاهلت دعوات جو بايدن اليائسة والغاضبة بشكل متزايد لاحترام قوانين الحرب وحماية المدنيين.

بعد أيام قليلة فقط من التعاون العسكري غير المسبوق من جانب حلفائها ضد إيران، يبدو أن إسرائيل عازمة مرة أخرى على تجاهل ليس فقط نصيحة جو بايدن بعدم الانتقام، ولكن أيضا مشاعر مماثلة جدا من الدول الأخرى، التي ساعدت في صد هجوم ليلة السبت.

تماما مثل جو بايدن، نشر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طائرات مقاتلة، وأدان كلاهما إيران، وحث كلاهما إسرائيل على عدم الرد.

إنهم يواجهون معتقدات ومشاعر راسخة في إسرائيل. الأول هو الاقتناع العميق بأن بقاء إسرائيل يعتمد على الرد على الهجمات بقوة ساحقة.

والسبب الآخر هو وجهة نظر بنيامين نتنياهو، التي أعرب عنها مرات عديدة خلال السنوات التي قضاها في السلطة، والتي تعتبر أن إيران هي أخطر عدو لإسرائيل وعازمة على تدمير الدولة اليهودية. ويشارك العديد من الإسرائيليين هذا الرأي.

والآن، وبعد سنوات من العداء منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، شنت إيران للمرة الأولى هجوماً مباشراً على إسرائيل. لقد خرجت حرب سرية طويلة من الظل.

وقالت إسرائيل إن السؤال ليس ما إذا كانت سترد، بل متى وكيف. وتناقش حكومة الحرب كيفية القيام بذلك دون إشعال حرب شاملة. ولكن في النهاية، فإن أي هجوم سيراهن على أن إيران لا تريد حرباً شاملة أيضاً، وسوف ترد وفقاً لذلك. وهذا افتراض خطير. لقد أساء كل من الجانبين بالفعل الحكم على نوايا الطرف الآخر إلى حد كبير.

مرة أخرى، بنيامين نتنياهو وحكومته عازمون على تجاهل رغبات الحلفاء، الذين بذلوا جهداً إضافياً لمساعدة إسرائيل ضد أعدائها. ويطالب حلفاؤه القوميون المتطرفون بشن هجوم ساحق على إيران. وقال أحدهم إن على إسرائيل أن “ترد بغضب وعنف شديد”.

في الوقت نفسه، تستمر الكارثة الإنسانية في غزة. لقد تحول الاهتمام الدولي عنها ولكنه سيعود. ولا يزال الجيش الإسرائيلي يعمل في غزة ويقتل المدنيين. تصاعدت أعمال العنف القاتلة بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية مرة أخرى. الحرب الحدودية بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تتصاعد بسرعة.

وتعهدت إيران بالرد بقوة أكبر إذا هاجمتها إسرائيل. وقال رئيس أركان القوات المسلحة، حسين باقري، إن الهجوم على إسرائيل كان “محدودا” ووعد برد “أكبر بكثير” إذا قامت إسرائيل بالرد.

وقال الأمريكيون إنهم لن يساعدوا إذا هاجمت إسرائيل إيران. لكن من الصعب تصديق أن تعريف جو بايدن للالتزام “الصارم” بأمن إسرائيل من شأنه أن يبقي الولايات المتحدة على الحياد، إذا ردت إيران على هجوم إسرائيلي بهجوم آخر من جانبها.

ويبقى الانزلاق مستمرا نحو حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط وأزمة عالمية أعمق.

بي بي سي

————————

إسرائيل ومأزق التعقيدات الاستراتيجية بين رفح وطهران/ أمال شحادة

على رغم نجاح إسقاط الصواريخ الإيرانية يحذر أولمرت من المضي في إطلاق عملية عسكرية جنوب القطاع

17 أبريل 2024

عاد أمنيون ومسؤولون إسرائيليون ليحملوا متخذي القرار والأجهزة الاستخباراتية مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد بسبب عملية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.

139 يوماً وإسرائيل غارقة في أبحاث تداعيات مختلف القرارات السياسية والأمنية والاستراتيجية لحكومة بنيامين نتنياهو، أو كما بات يسمى “سيد الأمن”، إذ شهدت في ظل هذه الحكومة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عاصفة من الانقلابات الداخلية التي لم تقتصر على المجتمع الإسرائيلي الذي ضربه طوفان مسلح وهو في ذروة الاحتجاج والانفلات في أعقاب خطة الإصلاح القانوني بل أيضاً بين متخذي القرار.

وكل الجهود التي بذلت لرأب الصدع والتماسك في مواجهة حركة “حماس” ومن بينها انضمام رئيس المعسكر الوطني بيني غانتس إلى الائتلاف الوزاري لم تدفع الحكومة والقيادة إلى وضع سياسة حكيمة تضمن الخروج من هذه الحرب بأقل ما يمكن من الضرر، وفي الأقل إعادة الأسرى من قطاع غزة، حتى وصلت إلى فتح جبهة مع إيران، لم يحذر من خطورتها إسرائيليون فحسب، بل قادة دول حليفة لهم أيضاً.

فبعد ساعات من تنفيذ عملية القنصلية في دمشق، حمل سياسيون وأمنيون، متخذي قرار هذه الضربة من تداعياتها على المنطقة وعلى سير القتال في غزة وصفقة الأسرى، واعتبروا تنفيذ العملية ومصادقة الاستخبارات العسكرية عليها إخفاقاً لا يقل بنتائجه عن إخفاقات إسرائيل خلال ستة أشهر في حرب غزة.

مأزق إسرائيلي

اليوم وبعد 48 ساعة ساعة من الرد الإيراني على هذه العملية وعشية تنفيذ رد إسرائيلي محتمل، عاد النقاش إلى النقطة المركزية التي أدت إلى تطورات الوضع، إذ عاد أمنيون ومسؤولون ليحملوا متخذي القرار والأجهزة الاستخباراتية مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد بسبب عملية القنصلية، ووضعها أمام مشهد تابعه العالم لحظة إغراق أجوائها بصواريخ ومسيّرات إيرانية.

وفي الوقت نفسه تعالت الأصوات الداعية إلى التراجع عن قرار الرد على إيران أمام المطالبة التي تعتبر عدم الرد هزيمة لإسرائيل، خصوصاً بعد إطلاق مئة صاروخ باليستي عليها، ورفع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي شعار “لا مجال أمامنا إلا الرد”، مدعوماً بالقيادات السياسية والأمنية.

هنا قال الرئيس السابق لما تسمى “الساحة الفلسطينية في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ميخائيل ميلشتاين إن “إسرائيل في مأزق مضنٍ”، موضحاً أن الخطاب الإسرائيلي يراوح ما بين عمق الانكسار في السابع من أكتوبر وتراجع مكانة البلاد دولياً ونشوة الاحتفاء بإحباط الهجوم الإيراني كهزيمة قاضية لطهران بل بداية نظام إقليمي جديد.

حديث المسؤول الاستخباراتي السابق جاء متوافقاً مع كثيرين ممن أكدوا أن إحباط الهجوم الإيراني كان إنجازاً عسكرياً لامعاً، لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن “البحث الإسرائيلي في تداعيات الحدث يعكس خروجاً دائماً عن التوازن إلى جانب انعدام استراتيجية مبلورة وقصور في التحليل العميق لمنطق اللاعبين في المنطقة. إنها مشكلة أساسية مركزية كامنة في إخفاقات السابع من أكتوبر”.

نجاح عملياتي وتعقيدات استراتيجية

وانضم رئيس معهد أبحاث الأمن القومي تمير هايمن إلى مؤيدي ضرورة الرد على إيران ولكن مع إبقاء الضبابية حول موعد الضربة ونوعيتها لعدم طمأنة طهران، وقال “الرد الإسرائيلي على إيران سيأتي ولكن لا ينبغي لنا أن نخلق الوضوح في شأن هذه القضية، فلنترك الجانب الآخر يعاني حال عدم اليقين. الوقت في أيدينا، يمكن التفكير والتخطيط والتصرف بذكاء، فالنجاح في الدفاع يجعل هذا الأمر ممكناً”.

ولكن أمام النجاح الدفاعي لامس هايمن لب النقاش الإسرائيلي وخلافات الرأي حول مدى ما سينشأ في أعقاب هجوم إيران والرد الإسرائيلي المرتقب، بقوله “ليل السبت سجلت إسرائيل نجاحاً عملياتياً، لكنها من الناحية الاستراتيجية تواجه تعقيدات خطرة”.

وضمن هذا الفشل الذي يتحدث عنه هايمن:

– فشلت إسرائيل والولايات المتحدة في ردع إيران عن الهجوم.

– تمكنت إيران من إلحاق الضرر بإسرائيل من دون إلزام الولايات المتحدة بهجوم مضاد بمشاركة تل أبيب.

–  تحركت إسرائيل ليل السبت للمرة الأولى كجزء من ائتلاف، وهذا أمر فاعل ومهم ولكنه سيحد من حرية التصرف رداً على ذلك.

– التحالف الذي عمل ليل السبت هو الجواب لليوم التالي للحرب في غزة، وهذا هو ما يجب أن نسعى جاهدين للوصول إليه… تشكيل إقليمي ضد إيران وجبهة المقاومة.

درس لإيران أم التدهور إلى حرب شاملة؟

وقوف رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي ليل أمس الإثنين أمام طائرة “أف-35” في قاعدة “نفاتيم” العسكرية يتحدث مع الجنود، ليس صدفة، فهو لم يتحدث بهدف طمأنة الإسرائيليين الذين أدخلتهم قرارات القيادة في حال إرباك وخوف فحسب، بل ليتفاخر أيضاً بقدرات سلاح الجو وجاهزيته وإمكاناته القتالية بعد أن أبلغ بحسم القرار في تنفيذ الرد على الهجوم الإيراني.

وبقوله إن من يطلق كمية كبيرة من الطائرات والصواريخ الباليستية والكروز على إسرائيل عليه أن يعلم أنه سيتلقى رداً على ذلك، يريد هليفي كما رأى بعضهم أن يوضح أن الرد سينفذ لتلقين إيران درساً في عدم التفكير بالهجوم على إسرائيل، مما حذر منه رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

وقال أولمرت، “فهمنا من متخذي القرار أن الهجوم الذي ستنفذه إسرائيل من أجل تعليم إيران درساً يمكن أن يدهورنا إلى حرب شاملة. الهجوم أمر زائد وفقط حاجة سياسية لنتنياهو”.

أولمرت الذي تصدر الأصوات الداعية إلى حل الحكومة والانسحاب من غزة والتوقيع على صفقة أسرى حتى إن كان “بتبييض السجون الإسرائيلية”، وقف اليوم أيضاً في أعقاب النقاش والخلاف ومن ثم قرار الرد على إيران، يطالب بعدم الرد والتراجع عن خطوة أخرى تضاعف تدهور وضع بلاده.

واعتبر كذلك أن الهجوم الإيراني “استهدف النقاش في وعي جميع المشاركين في هذه الدراما بالشرق الأوسط بأن إيران هي العامل الرئيس، فطهران لا تتمثل في وكلائها فقط في الشمال (حزب الله) والجنوب (الحوثيون) أو في سوريا والعراق فحسب، بل هي أولاً وقبل كل شيء القوة الرئيسة التي تملي الخطوات والتي تقرر جدول الأعمال وتناور بين القوات التي تعمل في المنطقة”.

وفيما رأى أولمرت أن ليلة السبت كانت “ليلة النصر الأكبر لسلاح الجو الإسرائيلي وقادته وطياريه”، إلا أنه اعتبر النصر الأكبر للرئيس الأميركي جو بايدن “لأنه أيضاً إنجاز للولايات المتحدة ليس بالوقوف العلني مع إسرائيل فحسب، بل بالإسهام المباشر في هذا الإنجاز العسكري”.

وذهب إلى أن “إسرائيل لم تكُن قادرة على إحباط أكثر من 70 في المئة من الصواريخ والطائرات لولا دعم الأميركيين والبريطانيين، لا سيما في المناطق البعيدة”، موضحاً أن “الفجوة في نسبة نجاح الإحباط قائمة بين ضربة محتملة مؤلمة جداً ’تدمير عدد من قواعد سلاح الجو وعشرات القتلى والشعور بأننا مكشوفون ومن دون حماية‘ وبين نتيجة هجوم إيران الفعلي، وعليه فإن إسهام الولايات المتحدة ليس لينعكس فحسب في الصورة الدولية لتحالف سياسي وعسكري، بل هو إسهام حقيقي لجنود أميركيين ومن دونهم ما كنا سنحصل على صورة النصر الحاسم”.

بين رفح والأسرى والرد على إيران

لكن مع حسم إسرائيل قرار الرد على إيران نوه أولمرت إلى نقاط عدة:

– من المهم جداً عدم انجرار إسرائيل إلى حرب تصريحات متبجحة من النوع المعروف في محيطنا.

– عدم تغييب أهمية بايدن في مواجهة المقاتلات الإيرانية “قبل أن تبدأ أدوات رئيس الحكومة وعصابة الزعران المحيطة به بإطلاق التصريحات والتهديدات والتحذيرات والطلبات”.

– أحياناً يكون من الجدير ضبط النفس حتى عندما يكون هناك هدف مهم، فعندما يتم تنفيذ عملية تصفية في عاصمة دولة عربية يمكن جمع كل قوة ضبط النفس وعدم الانطلاق إلى احتفال التفاخر والغطرسة، لأن هذا أسهم بالضرورة في رد إيران.

– ليل السبت عند هجوم إيران، ألغيت نهائياً قدرة إسرائيل على الدخول إلى رفح، وهنا يجب على نتنياهو أن يقرر إذا كان يريد حماية أميركا من إيران أو أنه يريد شرخاً مكشوفاً وعلنياً وخطراً مع القيادة الأميركية والشركاء في بريطانيا وفرنسا وألمانيا إزاء اقتحام رفح.

ويمضي أولمرت في تحليله بقوله، “هذا الخيار ما زال أمامنا، وضغط إيتمار بن غفير وأعضاء عصابته على نتنياهو سيستمر، ولم يتنازلوا عن مواصلة الحرب في رفح. بايدن حذر من هذه العملية، وبعد ليل السبت بات يمكن أن يدهور الهجوم على رفح، خلافاً لموقف الولايات المتحدة وأوروبا، إسرائيل نحو الهاوية. فإذا حدث ذلك فإنه في المواجهة المقبلة مع إيران التي يمكن أن تكون في وقت قريب، سيضطر نتنياهو وبيني غانتس وغادي أيزنكوت إلى اتخاذ القرارات من دون أن تكون إلى جانبهم الدولة الأقوى في العالم، وأيضاً من دون عقد مجلس الأمن الأميركي جلسة ماراثونية في واشنطن لتنسيق الحماية لدولة إسرائيل التي تصمم حكومتها على إدارة حرب لا حاجة إليها”.

————————-

ماذا نعرف عن نظام الأقمار الاصطناعية الأميركية الذي ساعد إسرائيل في استشعار صواريخ إيران مبكراً؟/ راغدة بهنام

خبراء عسكريون: النظام قادر على التقاط الصواريخ لحظة إطلاقها

16 أبريل 2024

أرجع خبراء عسكريون غربيون سبب سرعة تصدي إسرائيل وحلفائها للصواريخ الإيرانية، بجزء كبير، لأنظمة الرادارات الأميركية المتقدمة والقادرة على استشعار الصاروخ لحظة إطلاقه.

ونقل موقع «دير شبيغل» الألماني عن خبراء في الفضاء والأسلحة، أن استشعار لحظة إطلاق الصواريخ يعطي وقتاً ثميناً لأجهزة الدفاع للتصدي للصواريخ المقبلة.

وقالت أندريا روتر، الخبيرة في الفضاء في جامعة هانس، إن الولايات المتحدة تملك نظاماً يعرف بـ«نظام الأشعة تحت الحمراء الفضائية، وهو يستخدم بشكل أساسي للإنذارات المبكرة والدفاعات الصاروخية، ويحتوي على عدد من الأقمار الاصطناعية المجهزة بأجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء».

ونقل موقع المجلة الألمانية كذلك عن سيدارت كوسال في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» RUSI في لندن، أنه من «غير الواضح أي قدرات استخدمت تحديداً، ولكن من المنطقي الاستنتاج بأنه تم استخدام هذا النظام؛ لأنه جزء أساسي من أنظمة الاستشعارات المبكرة الدفاعية الأميركية».

وشرح الخبير الدفاعي أن الحرارة الناتجة عن إطلاق صاروخ «مميزة»، ويمكن لأجهزة الاستشعار في الفضاء أن تلتقطها. وأشار إلى أن الأميركيين والروس يعملون على تطوير هذه الأنظمة منذ عقود، مضيفاً أن تطويرها «معقد تقنياً وباهظ الثمن» كذلك. ورأى كوسال أن هذا النظام «مفيد بشكل أساسي لاستشعار الصواريخ الباليستية»، ولكن يمكنها أيضاً التقاط صواريخ كروز بعيدة المدى.

وبحسب القوة الفضائية الأميركية، فإن «نظام الأشعة تحت الحمراء الفضائية» SBIRS يعمل بشكل كامل منذ العام الماضي. ولكن قبل ذلك كان فعالاً، وإن بدرجة أقل، وقد التقط في يناير (كانون الثاني) عام 2020 إشارات لصواريخ إيرانية أطلقت على قاعدة عين الأسد الأميركية في محافظة الأنبار بالعراق.

ويتألف النظام الأميركي، بحسب «دير شبيغل»، من ست أقمار اصطناعية أطلق آخرها في أغسطس (آب) عام 2022. وتقع هذه الأقمار في المدار الثابت للأرض على ارتفاع يصل إلى 3600 كيلومتر، ويزن كل منها قرابة 4 أطنان. ويمكن لهذه الأقمار، بحسب الموقع الألماني، أن تراقب بشكل دائم أجزاء من روسيا وشبه الجزيرة الكورية والشرق الأوسط.

وقد صُمم القمران الأخيران ليتمكنا من التصدي بشكل أفضل للاعتداءات السيبرانية، علماً بأن الشركة المصممة للنظام هي شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية المتخصصة في أجهزة الدفاع والفضاء. وفي قلب تصميم هذه الأقمار، أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء القصيرة والمتوسطة، والتي تتمتع بقدرة شديدة الحساسية لالتقاط الحرارة. ولكن التحدي يكمن في ترجمة الإشارات الملتقطة وتفادي الإنذارات الخاطئة. وترسل الرادارات معلومات تلتقطها إلى مركز المعلومات على الأرض ليتم تحليلها وفرزها والتصرف على أساسها.

ولكن هذا النظام رغم قدرته على استشعار الصواريخ بشكل مبكر، فإنه غير كاف وحده، ذلك أنه غير قادر على التوصل لمعلومات تتعلق بمسار الصواريخ وأهدافها المحتملة.

وحتى الآن، بحسب موقع «دير شبيغل»، فإن أجهزة الرادارات على الأرض تعطي معلومات أوفى حول مسار وهدف الصواريخ، رغم أن العمل جار على تطوير أنظمة كهذه في الفضاء.

وهذا يعني، بحسب الخبير العسكري كوسال، أن أنظمة الفضاء ذات الإنذارات المبكرة تلك لا تجدي نفعاً من دون تقنيات عسكرية أخرى.

وتملك الولايات المتحدة مجموعة من تلك الرادارات القادرة على رصد مسار وأهداف الصواريخ، وكذلك إسرائيل التي تشغل نظامين متقدمين على الأقل قادرين على تحديد مسار وأهداف الصواريخ. والمعلومات التي تجمع من كل أجهزة الإنذارات المبكرة تلك، ترسل إلى أجهزة الدفاع، في حال إسرائيل جهازي «آرو – السهم» و«باتريوت».

ولكن في المقابل، فإن هذه الأنظمة الذي تعتمد على الأقمار الفضائية لإرسال استشعار مبكر، لديها نقاط ضعف. ونقل الموقع الألماني عن جوشوا هومينسكي، من معهد الأمن الوطني في جامعة جورج ماسن الأميركية، القول إن روسيا والصين والهند والولايات المتحدة أثبتت عبر اختبارات مثيرة للجدل، أنه يمكن إسقاط الأقمار الاصطناعية من الأرض. وأضاف أنه «إذا أصيبت 3 من الأقمار الاصطناعية التابعة لنظام SBIRS فإن نظام الإنذار المبكر سيتعطل».

وأشار إلى أن البديل قد يكمن في الاعتماد على عدد أصغر من الأقمار الاصطناعية لإرسال التحذيرات، ما يعني بأن خسارة أحد الأقمار الاصطناعية لن تعطل النظام بأكمله، ويمكن استبداله بسرعة.

ويخالف الخبير العسكري من معهد RUSI هذا الرأي، ويستبعد كوسال استهداف النظام الأميركي، ويقول إن استهدافاً قد يكون ممكناً من الناحية التقنية، ولكنه – استراتيجياً – لديه حسابات مختلفة. وأشار إلى أن النظام الأميركي هو جزء من المنظومة الدفاعية الأميركية النووية، واستهدافها سيزيد من احتمالات التصعيد ويدفع أي معتدٍ محتمل إلى «التفكير مرتين» قبل استهدافها.

وتعمل الحكومة الأميركية حالياً، بحسب «دير شبيغل»، على تطوير نظام ثان جديد بقيمة 10 مليارات دولار، ويضم 3 أقمار اصطناعية. والهدف من هذا النظام الجديد تحسين الإنذارات المبكرة خاصة للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الضوء، وتحلق بسرعة أكبر وقادرة على تغيير مسارها في أثناء التحليق. ونقلت عن آرون دان، مدير شركة نورثروب غرونمان المنافسة لـ«لوكهيد مارتن»، والتي صنعت نظام إنذار مبكر أميركياً في المدارات القطبية، أن «كل الصواريخ، ما إذا كانت باليستية أو تفوق سرعتها سرعة الصوت، تنطلق بالطريقة نفسها… ويمكن استشعارها بالأنظمة الموجودة حالياً».

—————————–

الهجوم الإيراني… أفاد إسرائيل وليس نتنياهو/ كفاح زبون

الثقة بالحكومة منعدمة… والمعارضة تطالب بانتخابات مبكرة

15 أبريل 2024 م

على العكس من آمال رئيس حكومتها، يبدو أن إسرائيل هي من استفادت من الهجوم الإيراني عليها وليس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، ورغم حصولهما على مساندة دولية أثناء الهجوم، ليل السبت – الأحد، فإنهما ما زالا غير قادرين على نيل الثقة من الأميركيين والإسرائيليين أنفسهم.

وعلى الرغم من أن دولاً عدة كانت تنظر للحكومة الإسرائيلية على أنها «متشددة متخبطة تقتل المدنيين، وتمنع عنهم المساعدات في قطاع غزة، وتعمل على إطالة أمد الحرب هناك، ويجب أن تستقيل» فإن بعض الحكومات بدأت تخاطب حكومة نتنياهو بوصفها شريكة محتملة في «تحالف دولي وإقليمي ضد إيران»، ويطلبون منها «إظهار الاعتدال بالامتناع عن ضرب إيران»، لكن ذلك يظل تحولاً مؤقتاً أغلب الظن أنه «سينتهي بانتهاء جولة المواجهة الحالية» مع إيران.

وصحيح أن نتنياهو كان شبه منبوذ، ويتلقى كثيراً من الانتقادات، وبعد الضربة جلس في مكتبه ليتلقى الاتصالات من زعماء العالم بدءاً بالرئيس الأميركي جو بايدن الذي كثيراً ما انتقده في الشهور القليلة الماضية، لكن تظل مسألة «الثقة» بنتنياهو وحكومته بعيدة المنال، وفق ما تذهب تقديرات الإعلام العبري،

وقال موقع «تايمز أوف إسرائيل» إن «زعماء من مختلف أنحاء العالم ساروا على خطى بايدن، سواء على مستوى التصريحات أو حتى على مستوى المساعدة الفعلية. لكن ذلك كان في حقيقة الأمر من أجل إسرائيل، وليس نتنياهو الذي لا يثقون به»

وأضاف تقرير نشره الموقع: «قليلون يثقون بحكم نتنياهو في هذا الوقت؛ لذلك، لم يضيّع بايدن كثيراً من الوقت، وفور انتهاء الهجوم أبلغ إسرائيل أن واشنطن لن تدعم هجوماً إسرائيلياً مضاداً».

وكان بايدن قد اتخذ خطوات دراماتيكية مع بدء الهجوم الإيراني على إسرائيل، يوم السبت، فغادر منزله في ديلاوير، وتوجه بالطائرة خصيصاً إلى البيت الأبيض، واجتمع مع كبار فرقه الأمنية، وقرب القوات الأمريكية من وضع هجومي، وأرسل كل بطاريات الاعتراض إلى المنطقة، وأصدر بيانات دعم قوية طوال الليل.

ولم يكن بايدن وحده في هذا المسار، إذ أقدمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا على إعلان دعم بدرجات متفاوتة ليلة الهجمات.

دعوة للتريث

وجاء الدعم لإسرائيل في وقت فقدت فيه المساندة بسبب الحرب التي تشنها على قطاع غزة، ما دعا صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية إلى القول إن «الهجوم الإيراني تحول إلى نعمة لم تكن متوقعة لإسرائيل؛ ما يستدعي التريث، وضبط النفس، ورباطة الجأش».

وقال أتيلا سومفالفي في مقال نشرته «يديعوت أحرنوت» إن «الرد المدروس غير المتسرع من شأنه أن يعطي نتائج أفضل من ردات الفعل الفورية». مبرزاً أن الهجوم الإيراني «الفاشل» منح إسرائيل فوائد لا تحصى ولا تعد، بينها أنه «أصبح يُنظر لإيران الآن على أنها هي المعتدية، والعالم كله ضدها، وأن العالم توقف ولو لحظة عن التركيز على قطاع غزة ما يمثل فرصة لبعض التحسينات الدبلوماسية، بينما أصبح العالم يتفهم السردية الإسرائيلية التي تقول إن (إيران دولة إرهابية)، وأصبح الجميع يتحدث عن الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية الفاشلة، وعن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المذهلة».

وتطرق سومفالفي إلى ما وصفه بـ«إنجاز لم يكن يخطر على بال أحد»، وهو «التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، العمود الفقري الحقيقي لإسرائيل إلى جانب دول غربية ودول معتدلة في الشرق الأوسط، وعمل على منع هجوم إيراني على إسرائيل، وهو أمر غير مسبوق».

ورأى الكاتب أن إسرائيل «إضافة إلى ذلك استعادت بين عشية وضحاها مكانتها بوصفها قوة تكنولوجية عظمى في كل ما يتعلق بالدفاع الجوي، وحسّنت صورتها بشكل كبير في مجال الاستخبارات الدقيقة، وهو ما يعد مهماً جداً لرفع المعنويات بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول)» التي نفذتها «حماس» ضد إسرائيل أو ما يعرف بـ«طوفان الأقصى».

وأضاف: «أصبحت لدى إسرائيل فرصة استثنائية لتغيير الخطاب وتصدر المشهد، وتأطير إيران بشكل سلبي جداً، والأمر يعتمد على قدرات النفوذ لدى النظام الإسرائيلي، فهناك إمكانات هائلة الآن لتحويل كل الأنظار نحو طهران بوصفها (عاصمة الإرهاب العالمية)».

انتخابات مبكرة

وإذا كان قادة العالم يدعمون إسرائيل وليس حكومتها، فإن المعارضة الإسرائيلية في الداخل حتى إن غابت المظاهرات ضد نتنياهو، وخفتت الأصوات التي تهاجمه في قضية الحرب على غزة، لم تسمح للضربة الإيرانية بتغيير مواقفهم.

وحذّر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، الاثنين، من أن حكومة نتنياهو، «تشكل خطراً على إسرائيل، داعياً إلى إجراء انتخابات مبكرة الآن».

وقال لبيد في جلسة كتلته البرلمانية «يش عتيد»: «لقد أصبحت هذه الحكومة ورئيسها، تهديداً وجودياً لإسرائيل… لقد سحقوا الردع الإسرائيلي».

وأضاف: «ينظر أعداؤنا إلى الحكومة، فيشمون منها الضعف، ويرفعون رؤوسهم». وتابع «لقد كنت في واشنطن، الأسبوع الماضي، وحضرت اجتماعات مع جميع كبار المسؤولين الحكوميين هناك، إنهم مصدومون من الحكومة الإسرائيلية». وقال لبيد أيضاً: «إذا لم نُسقط هذه الحكومة في الوقت المناسب، فإنها ستجلب علينا الخراب».

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، فطالب بإجراء انتخابات مبكرة. وقال باراك في تصريح لإذاعة جيش الاحتلال، إن «نتنياهو يتحرك لخدمة مصالحه السياسية الخاصة، ويعمل على إطالة أمد الحرب على أمل الاحتفاظ بمنصبه».

وأضاف: «نتنياهو يرفض القيام بالشيء الصحيح، والتكاتف مع الرئيس الأميركي للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، لحسابات شخصية تتعلق بالبقاء السياسي». وشدد رئيس الوزراء الأسبق على أنه «يجب إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن حتى أثناء الحرب».

وجاء أقوى انتقاد للحكومة من الجنرال المتقاعد، يتسحاق بريك، الذي شبه إسرائيل بـ«سفينة يقودها قباطنة انطفأت روحهم، وتحركهم غريزة الانتقام، وإنقاذ كرامتهم بعد الضربة الشديدة التي أنزلوها على مواطني الدولة في 7 أكتوبر، بينما تبحر داخل عاصفة شديدة قد تغرقها إلى الأعماق».

وأضاف بريك: «يتخذون قراراتهم من دون الأخذ بالحسبان مجمل النتائج الصعبة والعواقب، ودون أدنى حسٍّ بالمسؤولية».

والقبطان الأول، وفق بريك، هو بنيامين نتنياهو الذي «تحركه حسابات صراع البقاء السياسي، وليس حسابات أمن الدولة». وواصل: «القبطان الثاني هو وزير الدفاع، يوآف غالانت، الذي يعمل في واقع متخيل منذ بداية الحرب، بينما القبطان الثالث هو رئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، الذي ينفذ أي شيء وفق أهوائه، وانضم إليهم بيني غانتس، الذي بدلاً من إحداث توازن بين الثلاثة، تحول إلى الساحر الذي يخدم سيده، رئيس الحكومة».

وقال بريك إنه «في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي الخوض في الوحل من دون رؤية أي أفق للحل في قطاع غزة، قرر القباطنة فتح جبهة أخرى ضد إيران، ويقودون مواطني إسرائيل إلى طريق دون مخرج».

——————————-

ماذا كسبت إسرائيل من الهجوم الإيراني؟/ ضياء عودة

17 أبريل 2024

بين من اعتبره “مسرحية” ووصفه آخر بـ”الانتصار” تباينت الآراء حيال الهجوم الذي نفذته إيران ضد إسرائيل، وبعدما أعلن كل طرف عن حصيلة ما جناه على الأرض وفي الجو وفي وقت يواصلان التهديد تثار تساؤلات عن ما حققه الطرفان سياسيا، وكذلك الأمر بالنسبة للخسائر.

تتجه الأنظار الآن إلى إسرائيل، وشكل الرد الذي تهدد بتنفيذه ضد إيران، وما إذا كان سيدفع الأخيرة للهجوم مجددا، خاصة أنها ألمحت إلى ذلك، الاثنين، ووضعته في إطار زمني محدد بـ”ثوانٍ”.

وبينما يتواصل تسرب المعلومات نقلا عن مسؤولين في وقت يشار إلى السيناريوهات المتوقعة، يكاد يطغى التهديد والتهديد المضاد بين إسرائيل وإيران على مجريات الحرب في غزة، والمأساة الإنسانية الحاصلة فيها.

الرد الإيراني جاء بعد أسبوع من إشارات وتلميحات وتأكيدات أطلقها المسؤولون في طهران وشاركوها مع نظرائهم في المنطقة، حسبما أعلنوا بعد تنفيذ “الرد” ليلة السبت.

وكان للتوقيت الذي استغرقته إيران حتى إطلاق المسيرات والصواريخ اتجاه إسرائيل دور في اعتبار معلقين من خبراء وصحفيين وأشخاص عاديين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن ما حصل لم يخرج عن نطاق “المسرحية” والتفاهمات المسبقة.

وزاد من ذلك طبيعة الهجوم وإعلان إسرائيل تصديها لمعظم المسيرات والصواريخ قبل أن تصل إلى هدفها، ودون أن تسفر عن أية خسائر.

ومع ذلك ينظر خبراء تحدثوا لموقع “الحرة” إلى ما حصل بعين مختلفة يتخلل مشهدها على نحو أكبر “مكاسب سياسية” لا تقتصر على طرف دون آخر.

لكنها في المقابل تؤثر على دائرة التركيز والاهتمام الدولي والإقليمي التي كانت منصبة قبل أيام على غزة ورفح والمجاعة التي ضربت من بقي على قيد الحياة.

“بين هجومين”

في تقرير تحليلي على صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” يسلط الكاتب والصحفي الإسرائيلي، يعقوب ماجد، الضوء على المحطات التي سلكتها إسرائيل منذ بداية ضربتها لقنصلية طهران في دمشق، وصولا إلى دفع الأخيرة للرد بالمسيرات والصواريخ.

ويرى أنها صبّت في إطار نجاحها بتحويل موقف الولايات المتحدة، من انتقاد إسرائيل بشأن مساعيها لتنفيذ عملية كبرى في رفح إلى الدفاع عنها بقوة ضد إيران.

من جانب إيران، فقد “بنت ردها لاستعادة الردع أولا وعلى الصورة العسكرية الإسرائيلية التي اهتزت في السابع من أكتوبر ثانيا”، كما يقول الباحث في الشأن الإيراني، محمود البازي.

ويضيف لموقع “الحرة” أنها بنته أيضا من منطلق أن “المواجهات المحدودة قد تمنع الأطراف من الانزلاق للحرب الكلاسيكية المدمرة التي لا يرغب بها الطرفان”.

يعتقد الباحث أن التصدي الأميركي الأردني البريطاني والفرنسي لبعض الصواريخ والمسيرات أظهر للأخيرة أهمية أن “تعود إلى مشروعها القديم في بناء تحالف إقليمي، وبناء منظومة دفاع جوي إقليمية تعمل لصالحها في الدول العربية”.

ولا يستبعد أن “نشهد توجها واندفاعا إسرائيليا غير مسبوق نحو إقناع الدول العربية بالتطبيع”.

بالنسبة لإيران، فهي تدرك أهمية بناء منظومة دفاع جوي مشابهة في عملها بمنظومة القبة الحديدية الناجحة، وفق البازي.

ويوضح أن ذلك يرتبط بفكرة أن “أراضيها التي تبلغ مساحتها 1.6 مليون كيلومتر مكشوفة حاليا”.

من كسب ومن خسر؟

بينما يعتبر البازي أن وصف ما حدث “بالمسرحية” يحول دون فهم ما جرى ولا يسمح بفهم التحولات الإقليمية بعد الضربة الإيرانية يتفق بذات الفكرة المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن.

يوضح شتيرن لموقع “الحرة” أن إسرائيل وبعدما كانت في طريقها للرد خلال الساعات الماضية “يبدو أنها امتنعت عن ذلك بقرار من نتانياهو وفي أعقاب حديثه مع الرئيس الأميركي بايدن”.

ويرى أن ما سبق “سيعود بالكثير من المكاسب على إسرائيل”، وأن “الدفع سيكون في قطاع غزة”، على حد تعبيره.

ويضيف شتيرون: ” من خلال امتناعها عن الرد تقول إسرائيل لحلفائها إنني أفهم احتياجاتهم وطلباتكم بعدم الرد على إيران لكن يجب أن تتفهموا طلباتي بموضوع غزة”.

ويضيف: “ربما في ظل ذلك ومع رفض حماس التقدم بالمفاوضات أن تقوم إسرائيل تقوم بالتصعيد في غزة”.

بلغة المكاسب والخسائر، يشير المحلل الإسرائيلي إلى أن إيران أثبتت أنها “قادرة ولا تخشى من الهجوم المباشر على إسرائيل”.

كما أثبت الإيرانيون أن لديهم إمكانيات، لكن وعند مقارنة ذلك على الطرف المقابل لا يقارن الأمر بالمكتسبات التي حصلت عليها إسرائيل، وفق المحلل الإسرائيلي.

ويشرح بالقول: “المنطقة انقسمت بعد الرد إلى قسمين: عربي إسرائيلي وإيراني. الهجوم الإيراني أثبت فاعلية الائتلاف الذي قدمته أميركيا والذي يشمل دولا عربية وإسرائيل”.

كما أن إسرائيل حظيت، حسب شتيرن، ومن خلال ما أقدمت عليه طهران “بوقوف الدول الغربية إلى جانبها وبقوة، إضافة إلى دول عربية”.

ماذا عن غزة؟

وكان الهجوم الإيراني على إسرائيل أول مواجهة مباشرة وعلنية.

ورغم عدم تحقيقه لنتائج عسكرية فعلية على الأرض كما أكدت الرواية الإسرائيلية، يشير الباحث البازي إلى أنه وبموجبه تكون “جميع الخطوط الحمر بين إسرائيل وإيران قد سقطت”.

وبالهجوم الإيراني الذي حصل السبت أيضا تكون “مواجهات الظل بين الطرفين قد خرجت للعلن”، حسب البازي.

كما يرى أن “تداعيات هذه المواجهة ستغير من شكل الشرق الأوسط وتحالفاته”.

ويوضح سليم بريك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، أن إيران أرادت بهجومها “ردع إسرائيل عن الاستمرار باستهداف جنودها وضباطها”، وأن ذلك يشكل نهاية “الصبر الاستراتيجي”.

ويقول لموقع “الحرة” إن السؤال الأبرز الآن هو: كيف يمكن الرد لحفظ هيبة إسرائيل من غير الانزلاق لتصعيد خطير؟، مردفا: “يبدو أن هذا ما يخططون له الآن”.

بريك يعتقد أن وضع إسرائيل “تحسّن بعد الضربة”، وأن العالم لم يعد يتعامل مع أحداث غزة.

ويوضح أن ما سبق “يقوي مفاهيم التحالف الاستراتيجي في الأمن القومي الإسرائيلي”، و”العمل المشترك مع قوى غربية وعربية ضد إيران في المنطقة”.

وما يزال نتانياهو يؤكد على أهمية شن عمليات برية في رفح من أجل تفكيك ما تبقى من كتائب حركة حماس، على الرغم من الضغوط التي مارستها واشنطن.

وقد كرر مسؤولون أميركيون، الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة لم تر أي بوادر لخطة شاملة من الإسرائيليين بشأن كيفية تنفيذ مثل هذه العملية، بما في ذلك نقل غالبية المدنيين الذين يقدر عددهم بـ 1.4 مليون مدني خارج رفح.

ويعتقد الباحث البازي أن تأخر إسرائيل وتضارب تصريحات مسؤوليها حول الرد على إيران هو “مساومة من جانبها للحصول على دعم أميركي في الهجوم على رفح”.

وتحاول إدارة بايدن ثني نتانياهو عن الهجوم على إيران لاعتبارات عدم رغبتها بحدوث حرب إقليمية واقتراب الانتخابات الأميركية.

ولذلك يتوقع الباحث أن “امتناع إسرائيل عن الرد أو الرد بشكل منسق ومحدود أو الرد عبر هجوم سيبراني فقط سيعني حصول إدارة نتانياهو على الضوء الأخضر لشن هجوم على رفح”.

وفي غضون ذلك يعتبر البازي أن “القول إن الهجوم الإيراني صرف أنظار العالم عن الحرب في غزة هو كلام غير دقيق، لأن الحرب هناك مستمرة منذ سبعة أشهر كما أن قرار الهجوم على رفح تم اتخاذه بشكل نهائي ولا رجعة فيه”.

ويقول إن “التصعيد بين إيران وإسرائيل كان لاعتبارات أمن قومي لكلا الطرفين وليس لصرف أنظار”.

ضياء عودة

الحرة

—————————-

3 أسئلة ملحة قاد إليها الهجوم الإيراني على إسرائيل/ ماري ديجيفسكي

يصعب في هذه المرحلة تحديد ما إذا كان يشكل نهاية الأعمال العدائية أم بداية صراع أوسع نطاقاً

17 أبريل 2024

هل الاعتداء الإيراني يعني انتهاء مرحلة أم بداية مرحلةٍ جديدة؟ وهل كان هدف إيران شن ضرباتٍ قاتلة على إسرائيل، أم أن الغارات كانت محسوبةً بدقة لاستهداف مناطق ذات كثافةٍ سكانية منخفضة؟ وأخيراً: كيف ستتعامل إسرائيل مع الهجوم الإيراني؟

قد يكون من غير المبالغ فيه القول إن الكثير من دول العالم حبست أنفاسها عندما أعلنت إسرائيل في وقتٍ متأخر من مساء السبت الفائت بالتوقيت المحلي، أن الغارات الانتقامية الإيرانية المتوقعة منذ فترةٍ طويلة قد بدأت، مع توجيه مئات المسيرات والصواريخ إليها.

كان الهجوم غير مسبوق، لا بحجمه وحسب، بل لأنه كان لافتاً أيضاً أنه جرى مباشرةً وإلى حد كبير من إيران. وبالتالي، فقد شكل مرحلةً جديدةً شديدة الخطورة، من المحتمل أن تتصاعد لتصبح صراعاً مهدداً للمنطقة، بين دولةٍ ودولة، بدلاً من أن يدور عبر وكلاء. وكانت كافة الأطراف المعنية ــ إيران، وإسرائيل، والدول المجاورة، والدول الأوروبية، وبخاصة الولايات المتحدة ــ تدرك تمام الإدراك العواقب المحتملة، ولم تترك أي مجال للأوهام.

ونتيجةً لقدرات الاستطلاع والاتصالات الحديثة، نُشرت المعلومات الخاصة بالهجوم على نطاق واسع، ما أتاح الوقت – على نحو إيجابي – لأولئك الموجودين في المناطق المستهدفة المحتملة للبحث عن مأوى. إلا أن ذلك يعني في المقابل أن عدداً أكبر من الناس في المنطقة وخارجها، يمكن أن يشهدوا ويشعروا بالخوف بشأن الوضع الذي يتكشف.

ولحسن الحظ، بالنسبة إلى أولئك الذين تابعوا الأحداث طوال الليل أو استيقظوا على الأخبار، فقد تم تجنب كارثة مخيفة. ونجحت دفاعات إسرائيل – بدعمٍ من مساندة جوية أميركية وفرنسية وبريطانية – في تحييد القوة النارية كلها التي أطلقتها إيران. وبحسب إسرائيل، اقتصرت الأضرار على قاعدة جوية في صحراء النقب، ما أدى إلى إصابة طفل. ويمثل ذلك في أقل تقدير، نجاحاً كبيراً لجهود الدفاع الإسرائيلية، ومن المفترض أن يساعد على نحو متفائل في إحباط أي تصعيدٍ إقليمي يُخشى حدوثه كثيراً، أو على الأقل إرجائه.

لكن عند هذه المرحلة يتبدد مقدارٌ كبيرٌ من اليقين، ما يفتح المجال أمام عددٍ كبير من التساؤلات التي يُجرى بلا شك التداول فيها في اجتماعات الطوارئ التي تعقدها الحكومات ودول التحالف في مختلف أنحاء العالم اليوم.

أول هذه التساؤلات هو: هل الاعتداء الإيراني يعني انتهاء مرحلة أم بداية مرحلةٍ جديدة؟ في حين أن الكثير من التقارير تصور ذلك على أنه “تصعيدٌ” كبيرٌ للصراع في غزة، إلا أنني أرى من وجهة نظري أن هذا الوصف ليس دقيقاً تماماً. فالتصعيد الأبرز كان من خلال الغارة الإسرائيلية المفترضة التي لم يتم تبنيها، على مبنى للقنصلية الإيرانية في دمشق في مطلع نيسان (أبريل)، الذي أدى إلى مقتل 13 شخصاً، منهم إثنان من كبار جنرالات “الحرس الثوري الإيراني”.

لقد حُجبت أهمية هذ الحدث في كثير من وسائل الإعلام الغربية، بعد مقتل سبعةٍ من عمال الإغاثة في غزة في اليوم نفسه. ومع ذلك، فإن الهجوم على المباني الدبلوماسية الإيرانية في العاصمة السورية يرقى إلى مستوى اعتداء على أراضٍ سيادية، وهو استفزاز لا يمكن للقيادات الإيرانية أن تتجاهله وأن تسمح لمثل هذا العمل بأن يمر من دون رد.

والآن أكدت إيران من خلال بعثتها لدى الأمم المتحدة، أنها تعتبر الغارات التي شنتها في نهاية الأسبوع قد “حسمت” الأمر – في إشارة إلى أن طهران تعتبر هجومها نهايةً وليس بداية لمزيدٍ من الاعتداءات. وعلى نحو مماثل، أصدرت إيران تحذيراً لإسرائيل ألمحت فيه إلى أنها سترد بـ “انتقام أشد قسوة” إذا ما ارتكبت الحكومة الإسرائيلية “خطأ آخر”. من هنا يبرز السؤال المحوري: هل ستنظر إسرائيل إلى الأمر بنفس الطريقة.

أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فيتعلق بنوايا إيران. فهل كان هدفها شن ضرباتٍ قاتلة على إسرائيل، أم أن الغارات كانت محسوبةً بدقة لاستهداف مناطق هي أقل كثافةٍ سكانية، وإحداث أضرار محدودة؟ بعبارةٍ أخرى، هل كانت تلك الإجراءات رمزية في المقام الأول – وتهدف إلى تبديد أي تصور للضعف على الصعيدين المحلي والدولي، وردع الهجمات الإسرائيلية المستقبلية من دون التسبب بتصعيد التوترات بشكلٍ أكبر؟ أم أن طهران كانت تنوي فعلاً إحداث أضرارٍ كبيرة لكنها فشلت في القيام بذلك؟

تشير تصريحات القادة الإيرانيين التي صدرت منذ هجمات “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى رغبة في تجنب التورط المباشر في الصراع أو تصعيده. وينسحب ذلك على وكيل طهران في جنوب لبنان “حزب الله”. ومع ذلك، كانت هناك رواياتٌ متضاربة في شأن النوايا الحقيقية لإيران.

——————

إسرائيل وإيران: لاعبان خطيران في عصر الصواريخ والمسيرات/ رفيق خوري

لا نهاية في لعبة خطرة مثل هذه مع كيان صهيوني يحكمه عتاة المتطرفين

17 أبريل 2024

طهران استثمرت كثيراً من المال والجهد لبناء ترسانة صواريخ ومسيرات يصل مدى بعضها إلى 2000 كيلو متر

لا أحد في الشرق الأوسط يسلم بفشل أو خسارة أو سوء تقدير فالكل بارع ومنتصر ولكل ترجمته الخاصة للنصر، لكن الوقائع هي الميزان المباشر، والوقت هو الحكم في نهاية المطاف. فلا الهجوم الإيراني على إسرائيل مجرد ممارسة لحق الرد على قصف إسرائيلي القنصلية في دمشق، التي هي أرض إيرانية، وقتل مجموعة من القادة والكوادر في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري. ولا هو، في حد ذاته، محطة على الطريق إلى شرق أوسط جديد، بحسب المبالغات المألوفة.

هو، بالتأكيد، نقلة استراتيجية أوحت طهران نفسها أنها عبور من مرحلة “الصبر الاستراتيجي” إلى مرحلة “الردع”. والرد عليه كان نقلة استراتيجية عبر التركيز على ظهور “منظومة دفاعية إقليمية” والإشارة إلى نوع من حلف إقليمي-دولي، ذلك أن إيران “قطعت نهر الروبيكون” كما كان يقال أيام الرومان وصارت عبارة تستخدم كرمز للقرار الذي لا رجعة بعده، وتخلت عن الحذر حيال المواجهة المباشرة مع إسرائيل والاكتفاء بالمواجهة عبر الوكلاء.

ونتنياهو لجأ إلى استفزاز جمهورية الملالي والمبالغة في تحديها لترد من أرضها على الدولة العبرية على أمل أن يؤدي ذلك إلى حرب واسعة تتورط فيها أميركا وترتاح إسرائيل، لكن إدارة بايدن سكبت ماء بارداً على رأسه الحامي.

ومع ذلك فإنه حقق ثلاثة مكاسب مقابل انكشاف خطر لحال إسرائيل. أولها استعادة التعاطف الغربي والدولي مع إسرائيل بعد خسارة الدعم بسبب توحشها في حرب غزة. وثانيها مسارعة أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى المشاركة في صد الهجوم الإيراني، بالتالي رسم “خط أحمر” في الفضاء أمام أي قوة تفكر في إزالة إسرائيل. وثالثها إثبات الاستعداد لمواجهة موجة واسعة من الصواريخ والمسيرات دفعة واحدة. والثمن باهظ انكشاف حاجة إسرائيل إلى من يحميها.

أما إيران، فإنها قطعت حاجز الحذر من ضرب إسرائيل مباشرة. كما قامت بتجربة صواريخ ومسيرات في الميدان. والثمن المقابل نهاية الخوف الإسرائيلي من هجوم صاروخي، ونهاية المبالغة في القدرة والحديث عن إزالة إسرائيل خلال دقائق عندما يأمر المرشد الأعلى.

لكن الشرق الأوسط صار على حافة حرب واسعة لا أحد يريدها، ولا من السهل وقف الانزلاق إليها مع تكرار الرد والرد على الرد إلى ما لا نهاية. واللاعبان الخطران فيها هما إسرائيل وإيران. طهران فعلت شيئاً لا سابق له هو تأسيس ميليشيات أيديولوجية مرتبطة بالحرس الثوري مهمتها حماية الجمهورية والعمل لنجاح مشروعها الإقليمي في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وبلدان أخرى، وعنوانها “محور المقاومة” ضد إسرائيل، ثم جاء الانخراط المباشر في الحرب.

ومن الصعب الأخذ بالخطاب الإيراني القائل إن عملية الصواريخ والمسيرات مجرد دفاع عن النفس، ولا شيء آخر على “الأجندة”. فلا نهاية في لعبة خطرة مثل هذه مع كيان صهيوني خطر يحكمه عتاة المتطرفين.

والأهم هو أن عصر الصواريخ والمسيرات أحدث تبدلاً جذرياً في الموازين الاستراتيجية والحسابات. فنحن اليوم في حروب لا أحد يتحرك فيها من مكانه، مجرد كبس أزرار. وهذا ما سمح حتى لميليشيات الحوثيين في اليمن بتعطيل الملاحة الدولية في البحر الأحمر على رغم وجود الأساطيل الأميركية والأوروبية، وما جعل ميليشيات عراقية تضرب قواعد أميركية.

وهذا العصر هو الذي استثمرت فيه إيران كثيراً من المال والجهد لبناء ترسانة صواريخ ومسيرات يصل مدى بعضها إلى ألفي كيلومتر. وقبله كانت إسرائيل المولودة في عصر سابق تهيمن على المنطقة في الحروب. أما اليوم، فإنها تواجه لاعباً جديداً في عصر جديد، بحيث صارت في حاجة إلى حماية أميركا. وهي كانت في الماضي ترفض عقد معاهدة دفاعية مع أميركا لئلا تفقد حرية الحركة وإعلان الحروب ساعة تريد.

والأحداث متطورة وسريعة. ومن الخطأ التوقف عند القراءة الأولى في الهجوم الإيراني رداً على القصف الإسرائيلي. ولا بد من قراءات متعددة في قرارات سريعة.

——————-

إيران في مفترق طرق/ خالد الغنامي

17 أبريل 2024

لقد أصبحت إيران عند مفترق طرق، بعد أحداث هذا الأسبوع الساخن، فإما أن تقتنع وتُقنع جماهيرها بأنها قد ردت على إسرائيل، وبهذا تكون قد أبقت قبضتها على المناطق التي تهيمن عليها بأقل الخسائر، وإما أن ينجح الإعلام المضاد لها في إحراجها وإظهار انتقامها على أنه من قبيل الضحك على الذقون. فأي حرب هذه التي لم يمت فيها أحد ونحن نعلم أن مباريات كرة القدم قد تنتهي بموت أفراد. من الضروري أن يُكثف الإعلام العربي سخريته من المسيرات التي لا تحمل أية مواد متفجرة، وتعلق في أسلاك الكهرباء كالطيور الميتة.

باليد الأخرى، لم يكن من الممكن أن لا ترد إيران بعد مقتل محمد رضا زاهدي في دمشق، ليس لأن زاهدي أكثر أهمية من قاسم سليماني، وإنما بسبب التراكمات المغضِبة التي كثُرت وأصبحت مُهينة للغاية، فإسرائيل نفذت خلال السنوات القليلة الماضية عددا من العمليات العسكرية والاستخباراتية ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وكان لا بد من ضربة تحفظ ماء الوجه، ولم يعد من المقبول الاكتفاء بعبارة “نحتفظ بحق الرد” مفتوحة هكذا.

لكن هل لمثل هذه الضربة– وإن لم ترد إسرائيل– أن تحفظ ماء وجه إيران أمام خصومها العرب؟ الجواب هو لا، بل إن الدول العربية مسلوبة القرار قد بدأت في الغليان والتململ وارتفعت أصوات المطالبة بالحرية مهما كانت التكاليف، إلى درجة المطالبة بحرب أهلية في لبنان. إلى هذه الدرجة فاض الصبر.

لكل ما سبق كان لا بد لإيران أن ترد، لكنه رد حظي بكثير من السخرية، لضعفه وهزليته وكيف أن أهدافه قد تكشفت عن رغبة في الإخافة فقط، كما صرح الإيرانيون بعد الهجوم. هذا الموقف، وإن بدا لنا مضحكا لكنه هو بالضبط ما يريده حكام إيران، يريدون أن لا تتزعزع قبضتهم عن مقدرات الدول التي هيمنوا عليها، ولا يريدون أن يخسروا قيمتهم كقوة إقليمية كبيرة تنافس على الصدارة في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه هي لا تريد حربا مع إسرائيل، فهي تعرف أن إسرائيل قادرة على تدميرها وإسقاط نظامها لو أرادت. ولهذا أخبروا الإسرائيليين عن موعد وصول مسيراتهم وصواريخهم لكيلا يصاب أحد، راجين أن تقدر إسرائيل ظرفهم.

هذه الألاعيب الإيرانية التي قد نراها مضحكة، هي ما كان يدور في المكاتب المغلقة أو عبر أجهزة الاتصال خلال العقود الماضية، حتى كشف دونالد ترمب جانبا مما كان يحدث، عندما وصف للعالم كيف خاطبته إيران وعبرت عن ضرورة الاتفاق على عملية انتقام تمثيلية لمقتل سليماني تكون عبر إلقاء بعض الصواريخ والمسيرات على منطقة ليس فيها أميركي واحد.

ومع ذلك فهناك من أخذ حادثة السبت الماضي بجدية أكبر، فالهجوم الإيراني على مواقع إسرائيلية مساء ذلك اليوم كان عبارة عن بداية النهاية لحرب الظل بين الدولتين، بحسب تعبير صحيفة “نيويورك تايمز”.

ومن جهته، صعّد مجلس الحرب الإسرائيلي، بأن كاد يجمع على ضرورة الرد. من الواضح تماما أن إسرائيل تريد الحرب مع إيران هذه المرة ولم يردعها حتى اللحظة إلا تحذير الأميركيين بأن الحرب الشاملة بين إيران وإسرائيل قد تتمدد في المنطقة وتلحق إضرارا كبيرة بكل المنطقة. لهذا قد يبحثون عن حرب من دون أضرار. يمكن أن يكون الرد الإسرائيلي إلكترونيا، بمعنى أن تقوم بأعمال إعاقة إلكترونية وبأعمال تدمير النظم والمعدات الإلكترونية كالرادارات وخطوط الاتصال، ومثل هذه الحرب، لو شُنت على إيران لأعادتها إلى القرن التاسع عشر.

المجلة

——————–

رسالة إيرانية/ خيرالله خيرالله

أبريل 17, 2024

لم يكن أمام إيران من خيار آخر غير الردّ على إسرائيل التي استهدفت قنصليتها في دمشق. للمرّة الأولى تردّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” على إسرائيل من داخل أراضيها، بدل اللجوء إلى أدوات محليّة، آملة أن يكون ذلك درساً للدولة العبرية من جهة، ورسالة إلى الولايات المتحدة من جهة أخرى. فحوى الرسالة الموجهة إلى واشنطن أنّ إيران هي اللاعب الأساسي في المنطقة كلّها، بما في ذلك الخليج العربي والبحر الأحمر، وأنّها صاحبة قرار السلم والحرب في الإقليم.

خطفت إيران حرب غزّة مثلما خطفت قبل ذلك قضيّة فلسطين وقضيّة القدس في غياب طرف إقليمي يتصدّى لها وفي غياب أميركي واضح. لا يعبّر عن هذا الغياب الأميركي أكثر من فشل إدارة جو بايدن في وضع حدّ للحرب الوحشيّة التي تستهدف غزّة وأهلها.

منذ اندلاع حرب غزّة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حرصت إيران على اعتبار أن هذه الحرب حربها، وأنّ “حماس” ليست سوى أداة من أدواتها. لم يكن “طوفان الأقصى” سوى جزء لا يتجزّأ من الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة ومن المشروع التوسّعي الإيراني لا أكثر.

يبدو الردّ الإيراني على إسرائيل التي استهدفت قنصليّة “الجمهوريّة الإسلاميّة” في دمشق بداية وليس نهاية. إنّه بداية ما بدأ في غزّة والحروب التي شنتها إيران في سياق حرب غزّة. الأكيد أن رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو سيفعل كلّ ما يستطيع لجعل الهجوم الإيراني يصبّ في اتجاه إطالة فترة بقائه في موقعه. ليس مستبعداً أن تكون إيران من بين مؤيدي بقاء “بيبي” في السلطة من منطلق أن المطلوب قطع الطريق على قيام حكومة إسرائيلية تمتلك رؤية سياسيّة وتستطيع الدخول في تسوية معقولة ومقبولة مع الشعب الفلسطيني.

مثل هذه التسوية تبدو حتمية، في المستقبل، بعد أن تتجاوز إسرائيل عقدة “طوفان الأقصى”، ويوم تصبح لدى الفلسطينيين قيادة في مستوى الأحداث بعيداً من أوهام “حماس” وحال الاهتراء التي تعانيها السلطة الوطنيّة القائمة حالياً.

كشف الردّ الإيراني أموراً عدّة، في مقدّمها أنّ لا همّ لدى “الجمهوريّة الإسلامية” غير همّ التوصل إلى صفقة مع أميركا ترفع عنها العقوبات. لكنّ ما لا بدّ من التنبّه إليه، بغض النظر عن الفشل الذريع للهجوم الذي شنته إيران، أن العالم بات يعي أكثر من أي وقت خطورة حصول “الجمهوريّة الإسلاميّة” يوماً على السلاح النووي. لم يعد السلاح النووي، إذا امتلكته إيران، خطراً على إسرائيل فحسب، بل هو أيضاً خطر على المنطقة كلّها في ضوء استسهال إطلاق صواريخ ومسيّرات من الأراضي الإيرانيّة في اتجاه إسرائيل وغير إسرائيل وذلك بغض النظر عن السياسة العدوانيّة لتلك الدولة المصرّة على استمرار إحتلالها للقدس والضفة الغربيّة إلى ما لا نهاية، من جهة، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، من جهة أخرى.

كان لافتاً أنّ غير دولة ساهمت في إسقاط الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران في اتجاه إسرائيل. كان لافتاً أيضاً أنّه كانت هناك مشاركة حوثية في إطلاق مسيرات وصواريخ انطلاقاً من اليمن. كذلك، شاركت ميليشيات مذهبيّة عراقيّة تابعة لإيران، إضافة إلى بعض الرشقات في اتجاه الأراضي الإسرائيلية مصدرها “حزب الله” في لبنان، البلد المغلوب على أمره.

كلّ ما في الأمر أن الردّ الإيراني على إسرائيل كان عملية ابتزاز لا أكثر. لا يقلّل من خطورته أنّه كان رداً محسوباً بالتفاهم مع “الشيطان الأكبر” الأميركي الذي لا تزال طهران تسعى إلى التفاهم معه. على الرغم من ذلك، تبيّن أنّ أميركا لا تستطيع الوقوف موقف المتفرّج، مثلها مثل بريطانيا وفرنسا، عندما يتعلّق الأمر بمسيرات وصواريخ تطلقها إيران عبر أجواء دول عربيّة كان يمكن أن تتعرّض بدورها لأخطار جراء ما تحمله هذه المسيرات والصواريخ من متفجرات.

يفسّر الخطر الذي واجه الأردن الدور الجريء الذي لعبه، بالتفاهم مع مجموعة من الدول العربيّة، في التصدي بدوره لما كانت تحمله تلك المسيرات والصواريخ.

كان الأمر دفاعاً عن النفس وتصدياً لاعتداء على بلد آمن يسعى بكل ما لديه من وسائل من أجل وقف حرب غزّة بدل استغلالها والمتاجرة بها كما تفعل إيران.

المهمّ الآن أن تمارس أميركا ودول أخرى تمتلك وزناً ضغوطاً على إسرائيل كي توقف حرب غزّة بدل اعتبار ما فعلته إيران فرصة لاستكمال تلك الحرب. المهمّ أيضاً بدء استيعاب المجتمع الدولي، بما في ذلك الصين، لواقع يتمثّل في أنّ المشروع التوسّعي الإيراني ببعده النووي، يشكل خطراً على المنطقة كلها بما تحويه من ثروات طبيعيّة، في مقدّمتها النفط، وعلى طرق التجارة الدولية. طرق التجارة من مضيق هرمز، إلى مضيق باب المندب… إلى قناة السويس.

ليس مطلوباً حصول رد إسرائيلي على إيران، بمقدار ما أنّ المطلوب بعض التعقل الذي يبدأ بوقف حرب غزّة والسعى إلى وضع غزّة تحت سلطة محايدة بعيداً من نفوذ “حماس” وما شابهها. لا يمكن تجاهل أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” سعت ولا تزال تسعى إلى استغلال حرب غزّة إلى أبعد حدود وإلى جعل العالم ودول المنطقة، خصوصاً الدول العربيّة، تتغاضى عن مشروعها التوسّعي وطموحاتها النووية…

النهار العربي

——————–

إما ردّ إسرائيلي أو تصعيد ضدّ لبنان/ علي حمادة

أبريل 17, 2024

كلما مر يوم وتأخر الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني تقلصت فعالية الرد وأهميته بالنسبة إلى الحدث الأساسي المتمثل باستهداف الأراضي الإسرائيلية مباشرة من إيران. وكلما مر الوقت على الهجوم الإيراني تكثفت الضغوط الأميركية والأوروبية على إسرائيل من أجل ثنيها عن القيام برد يمكن أن يستدرج رداً على الرد، فترتفع نسبة خطر الانزلاق نحو مواجهة أوسع وأكثر خطورة.

من هذه الناحية، يمكن أن يعتبر الإيرانيون أنهم من خلال تنسيق الهجوم على إسرائيل ضمناً مع الولايات المتحدة، وتحاشي التورط في تحقيق إصابات جدية في إسرائيل، كسبوا نوعاً ما على جبهة العلاقة مع إدارة الرئيس جو بايدن. ومن ناحيتهم، يمكن للإسرائيليين إن استجابوا لضغط واشنطن أن يكسبوا بترميم العلاقة المتهاوية مع إدارة الرئيس بايدن والحزب الديموقراطي المنهمك في معركة الانتخابات الرئاسية الصعبة ضد المرشح دونالد ترامب. كما يمكن لإسرائيل استغلال حدث تعرضها لهجوم لا سابق له من قبل إيران مباشرة لكي تنتزع مساعدات عسكرية ومالية قد يتفق الحزبان الجمهوري والديموقراطي للتصويت عليها في الكونغرس. من هنا من المحتمل أن تتراجع احتمالات قيام تل أبيب بهجوم ضد إيران تحت عنوان ترميم قدرة الردع التي تعرض لامتحان جدي يوم 14 نيسان – أبريل الفائت. لكن تستطيع إسرائيل في المقابل أن تستحصل على أسراب جديدة من طائرات “إف-35” المتقدمة، وأن تجدد مخزونها من قذائف المدفعية والدبابات الذي بلغ مستويات منخفضة.

لكن التعويض الأهم الذي يمكن لإسرائيل أن تحصله في هذه المرحلة يتلخص بالحصول على ضوء أخضر أميركي لاستكمال معركة رفح بأسلوب مختلف عما سبق في مناطق أخرى. كما يمكن أن يتراجع الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو بالنسبة إلى ما يسمى “اليوم التالي” في غزة. وأكثر من ذلك، يمكن أن يتراجع الحديث عن إنهاء الحرب بسرعة مع منح الجيش الإسرائيلي مزيداً من الوقت لاستكمال معركة رفح بوتيرة أقل عنفا وكثافة.

فالهدف المتفق عليه بين تل أبيب وواشنطن لا يزال إقصاء حركة “حماس” من قطاع غزة. وتصفية جناحها العسكري كي لا يعود إلى سابق عهده من القوة والحجم. بمعنى آخر، قد يبقى الجناح العسكري في “حماس” قائماً لكن كقوة غير نظامية ومحدودة القدرات مقارنة بما وصلت إليه يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

انطلاقاً مما تقدم، من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل ستعمل في حال الاستجابة لمطلب أميركا عدم الرد على إيران على التركيز أكثر على الجبهة اللبنانية بمواجهة “حزب الله”، لناحية العنف والكثافة والعمق. وهذا الأمر هو خبر سيئ للبنان الذي سيتعين عليه أن يتحمل وزر المواجهة المتدحرجة بين إسرائيل و”حزب الله”. فإذا كانت واشنطن مصرة على عدم توسيع الحرب في لبنان، فإنها تتفهم في مكان ما دوافع إسرائيل لرفع وتيرة المواجهة من أجل إفهام “حزب الله” ومن خلفه إيران أن اللعبة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية يجب على أقل تقدير أن تستقر سريعاً على حالة هدنة طويلة الأمد، تماماً كما كانت الحال إثر حرب عام 2006.

قد تحول إسرائيل اهتمامها الرئيس نحو لبنان، لا سيما أنها تستصعب أمر التعايش مع 100 ألف صاروخ على أبوابها. وقد يشهد لبنان في الأسابيع المقبلة مرحلة عسكرية شديدة الخطورة، وخصوصاً مع اقتراب فصل الصيف أو ما يسمى بفصل الحروب في الشرق الأوسط.

النهار العربي

————————–

ما الفرق بين هجومي إيران وصدّام على إسرائيل؟/ جورج عيسى

أبريل 17, 2024

أثار استهداف تل أبيب للقنصليّة الإيرانيّة في دمشق أوائل الشهر الحاليّ قصفاً هو الأوّل من نوعه الذي تشنّه دولة ضد إسرائيل منذ 33 عاماً. وفي سنة 1991، شنّ العراق بقيادة الرئيس الأسبق صدام حسين عدداً من الهجمات بصواريخ بالستيّة ضدّ إسرائيل رداً على التحالف الدوليّ بقيادة واشنطن لطرد قوّاته من الكويت. فما الفرق بين الهجومين وأيّهما كان أكثر فتكاً وتأثيراً على المستوى الإقليميّ الواسع؟

الهجوم الإيرانيّ… الحجم والدفاعات

في 13/14 نيسان (أبريل)، شنّت إيران هجومها مستخدمة أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة (طائرة بلا طيّار) ضدّ إسرائيل. تضمّن الهجوم بشكل أكثر تحديداً نحو 185 مسيّرة و36 صاروخ “كروز” و110 صواريخ بالستيّة. تمّ اعتراض معظمها باستثناء أربعة صواريخ بالستيّة أصابت مكاناً قريباً من قاعدة نفاطيم الجوّية جنوب إسرائيل وقد أصيبت بأضرار بسيطة بحسب الإسرائيليّين. وذكرت وكالة “إرنا” الإيرانيّة للأنباء أنّ الهجوم استهدف تلك القاعدة لأنّها شكّلت محطّة انطلاق للمقاتلات الإسرائيليّة التي استهدفت القنصليّة. وهناك صاروخ خامس سقط في شمال إسرائيل حيث كان هدفه راداراً إسرائيلياً لكنّه أخطأه بحسب تقرير شبكة “سي بي إس”.

بعد الهجوم أظهرت لقطات فيديو منشورة على مواقع التواصل الاجتماعيّ أنّ مقاتلات “إف-35″ كانت تعود إلى تلك القاعدة بعد تنفيذها طلعات دفاعيّة. وأصيبت فتاة في جنوب إسرائيل بشظايا صاروخ تمّ اعتراضه وكانت حالتها حرجة. باستثناء ذلك، لم تُسجّل أيّ إصابات بشريّة أخرى.

شارك بعض وكلاء إيران في المنطقة بإطلاق الصواريخ، لكنّ الأغلبيّة الساحقة منها أتت من الأراضي الإيرانيّة. وساهمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عمليّات الاعتراض إقليمياً، لكنّ الأمين العام السابق لمجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ الجنرال غيورا إيلاند قال إنّ أكبر مساهمة دفاعيّة من واشنطن أتت على مستوى الاستخبارات التي وصفها بـ”الدقيقة للغاية”.

وقال مسؤولون أميركيّون لشبكة “سي إن إن” إنّ البحريّة الأميركيّة أسقطت 3 صواريخ بالستيّة على الأقلّ من مدمّرتين في شرق المتوسّط، وشاركت مقاتلات أميركيّة أيضاً في العمليّات الاعتراضيّة. بحسب تقرير في “واشنطن بوست” الأحد، ساهم سربان أميركيّان من مقاتلات “إف-15 إي سترايك إيغلز” بإسقاط 70 مسيّرة كانت متوجّهة إلى إسرائيل.

تمّ نقل الأصول الدفاعيّة إلى المنطقة لحماية إسرائيل خلال الأسبوع الماضي على ما أعلنه الرئيس الأميركيّ جو بايدن. من جهتهم، قال الإسرائيليّون إنّ 25 من أصل 30 صاروخ “كروز” تمّ إسقاطها خارج إسرائيل. وذكر مسؤولان أميركيّان في حديث إلى “سي بي إس” أنّ الهدف من هذا الهجوم المتعدّد المستويات كان إنهاك الدفاعات الإسرائيليّة. لكن يبدو أنّ تلك الدفاعات استطاعت التعامل مع هذه الكمّيّات الضخمة من المقذوفات.

هجوم صدّام… أسباب ونتائج

من 17 كانون الثاني (يناير) حتى 23 فبراير (شباط) 1991، قصف العراق إسرائيل بـ39 صاروخاً بالستياً من نوع “سكود”. كان هدف صدام إثارة ردّ إسرائيليّ بهدف توليد شرخ بين أعضاء التحالف الدوليّ الذي شاركت فيه دول عربيّة. انطلقت عمليّة عاصفة الصحراء قبل يوم واحد من بدء الهجوم بصواريخ “سكود”.

كان العدد الأكبر من الصواريخ من نصيب تل أبيب ثمّ حيفا وتوزّعت الصواريخ الباقية على مناطق أخرى. أدّت الهجمات بحسب المكتبة الوطنيّة الأميركيّة للطبّ إلى 1059 إصابة من بينها حالتا وفاة. تمّ إدخال 232 شخصاً إلى غرف الطوارئ بسبب الانفجار حيث كان أحدهم في حالة حرجة. أمّا الآخرون فأصيبوا بنتيجة الزجاج المتطاير والكدمات وردود الفعل النفسيّة. لكن بحسب تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست”، كان هناك تباين كبير في عدد القتلى غير المباشرين للهجمات الصاروخيّة وقد تراوح بين 11 و74.

المقصود بالقتلى غير المباشرين أولئك الذين عانوا نوبات قلبيّة أو أساؤوا استخدام أقنعة الغاز ومادّة الأتروبين تحسّباً لاحتواء الرؤوس الصاروخيّة على غاز الأعصاب. لكن بعد مرور 30 عاماً على ذلك الهجوم، أصدر الجيش الإسرائيليّ تقريراً جديداً أشار إلى سقوط 13 قتيلاً (سقط اثنان مباشرة بفعل الهجوم والآخرون للأسباب الفسيولوجيّة والنفسيّة الأخرى). اللافت للنظر أنّ عدد البيوت المتضرّرة كان كبيراً وتخطّى الـ1300 منزل بحسب التقرير نفسه.

في ذلك الوقت، لم يساعد الحلفاء إسرائيل على الدفاع عن نفسها. ساهمت بطاريات “باتريوت” في التقليل من حجم الخسائر الإسرائيليّة لكن بشكل محدود جداً وفقاً لدراسة أجراها باحثون من برنامج الدفاع والحدّ من الأسلحة التابع لمركز “إم آي تي” للدراسات الدوليّة. مثّلت عوامل أخرى مساهمات أكبر في الحدّ من الأضرار مثل تفكّك بعض الصواريخ وعدم انفجار بعضها الآخر إلى جانب عدم دقّتها. ووجدت تلك الدراسة أنّ ما خفض عدد الضحايا إلى النصف هو التحذير المسبق الذي قدّمته الأقمار الاصطناعيّة الأميركيّة. ويبدو أنّ قسماً من الصواريخ البالستيّة الإيرانيّة واجه أعطالاً. فقد نقلت “إي بي سي” أيضاً عن مسؤولين أميركيّين أنّ ما لا يقلّ عن نصف الصواريخ البالستيّة الإيرانيّة فشلت في الانطلاق أو التحليق أو تحطّمت قبل وصول وجهتها. وهذا ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن ثلاثة مسؤولين أميركيّين أيضاً.

متغيّرات واختلافات أخرى

لم تكن إسرائيل في حينه قد أدخلت منظوماتها الدفاعيّة المتطوّرة جداً كالقبة الحديديّة (70 كيلومتراً) و”مقلاع داود” (300 كيلومتر) وأنظمة “آرو” (2400 كيلومتر). وهي مكّنتها إلى حدّ بعيد من إسقاط الغالبيّة للساحقة من الهجمات. ومنظومة “الباتريوت” خضعت لتحديثات كبيرة منذ ذلك الوقت واستطاعت اعتراض أحد صواريخ “كينجال” الروسيّة الفرط-صوتيّة في أوكرانيا، لكن لم تُستخدم كثيراً في الدفاع عن إسرائيل. بحسب “واشنطن بوست”، أسقطت منظومة واحدة منها في أربيل العراقيّة صاروخاً بالستياً واحداً.

وبالرغم من أنباء أوّلية تحدّثت عن إنذار إيرانيّ مسبق ومحدّد بشأن الهجوم، نفت الولايات المتّحدة أن تكون إيران قد أخطرتها قبل 72 ساعة من بدء الهجوم على إسرائيل. وقبل الهجوم بصواريخ سكود سنة 1991، هدّد صدام باستهداف إسرائيل إذا شنّ التحالف هجوماً عسكرياً ضدّ قواته، لكن يبدو أنّ التحالف لم يأخذ تهديدات الرئيس العراقيّ الأسبق على محمل الجدّ بما أنّ واشنطن تأخّرت قليلاً في منح إسرائيل منظومة “الباتريوت”. كما لم تبلّغ واشنطن تل أبيب بانطلاق الصواريخ حينها إلا قبل ثلاث دقائق. مع ذلك، عزّزت تلك المنظومة نوعاً ما معنويّات الإسرائيليّين.

وكما قصفت إيران الدولة العبريّة للمرّة الأولى منذ وصول الثورة إلى الحكم سنة 1979، مثّل القصف العراقيّ أوّل هجوم يطال المدن الإسرائيليّة البعيدة من الجبهات الأماميّة كما حصل في حروب سابقة. لهذا السبب كان الإسرائيليّون غير جاهزين نفسياً للهجمات العراقيّة بحسب “جيروزاليم بوست”.

النقطة الأهمّ… وسؤال

إحدى نقاط الاختلاف البارزة التي تستحقّ إضاءة خاصّة هي الردّ الإسرائيليّ على كلا الهجومين. سنة 2021، كتب يوسي ملمان تقريراً في صحيفة “هآرتس” تطرّق إلى مختلف الحسابات التي أجرتها إسرائيل في دراستها للردّ على هجوم 1991. من جهة، ضغط الأميركيّون وفي مقدّمهم بوش الأب (وضمنياً وزير الدفاع ديك تشيني) على الإسرائيليّين لعدم الردّ وتهديد التحالف بالانقسام. أيّد معظم الجنرالات الانتقام لكنّ رئيس الوزراء إسحق شامير بدا أقرب إلى توجّه بوش. كان هناك أيضاً تخوّف من عدم دقّة الاستخبارات الإسرائيليّة وقدرة المقاتلات الإسرائيليّة على شنّ هجمات بعيدة المدى. وساد خوف من إمكانيّة أن يردّ صدّام باستهداف مفاعل ديمونا، وهذا ما حصل لكنّ الصاروخ سقط بعيداً منه.

اليوم، يبدو أنّ قدرة أميركا على تقييد إسرائيل أقلّ بكثير من السابق. فمقاتلات ودفاعات تل أبيب أصبحت أكثر تطوّراً بكثير، ما يمنحها هامشاً كبيراً من الحركة. وبوجود ائتلاف نتنياهو في الحكم، تبدو النزعة الإسرائيليّة الحربيّة أكبر من أيّ وقت مضى. وربما رأت إسرائيل في ذلك الوقت أنّ قوة العراق الإقليميّة كانت في طور الأفول بعد الحرب، بعكس رؤيتها للقوّة الإيرانيّة الآن. لغاية كتابة هذه الأسطر، لم تُقدِم إسرائيل على الانتقام. لكنّ التصريحات الصادرة من تل أبيب توحي بأنّ احتمالات الردّ أكبر من احتمالات ضبط النفس، بالرغم من تفضيلات واشنطن المعاكسة، هذا إن لم يكن بسببها. فماذا لو كانت إسرائيل، في ردّها على الردّ، توجّه أيضاً رسالة إلى أميركا تقول فيها إنّ أيّام تلقّي التوجيهات بشأن أمنها القوميّ قد ولّى إلى غير رجعة؟

النهار العربي

————————

الحرس الثوري” يتخذ “إجراءات طارئة” في سورية تجنباً لرد إسرائيلي

17/04/2024

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن “الحرس الثوري” اتخذ “إجراءات طارئة” في منشآته بجميع أنحاء سورية، بعد التهديدات الإسرائيلية بالرد على هجوم السبت الماضي.

ونقلت الصحيفة الأمريكية، اليوم الأربعاء، عن مسؤولين ومستشارين سوريين وإيرانيين، أن “طهران بدأت بإجلاء موظفيها من مواقع في سورية، حيث يتواجد الحرس الثوري الإيراني بشكل كبير”.

وحسب مسؤولين أمنيين سوريين، للصحيفة فإن “الحرس الثوري الإيراني وجماعة حزب الله المدعومة من إيران، قلصا وجود كبار ضباطهما في سورية”.

بينما ينتقل الضباط ذوو الرتب المتوسطة من مواقعهم الأصلية في البلاد، حسب المسؤولين.

وأكدت الصحيفة أن بعض أعضاء “الحرس الثوري” الإيراني قاموا بإخلاء قواعدهم في سورية.

أما الضباط الآخرون يقومون بإخلاء المقرات في الليل عندما تكون الضربات الإسرائيلية محتملة على الأرجح، مؤكدة أنه “لم يبق سوى عدد قليل من الجنود للدفاع عن الترسانات”.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على عمليات “حزب الله” اللبناني، أن الحزب تلقى نصيحة من إيران “باتخاذ إجراءات احترازية في سورية، حيث يمكن لإسرائيل استهداف قواعد الحرس الثوري الإيراني ومستودعاته ومواقع حزب الله هناك”.

واعتبر المصدر أن “حزب الله يقدّر بأن إسرائيل لن تضربه في لبنان رداً على الهجوم الإيراني”.

وقال مسؤولون أمنيون سوريون للصحيفة إن “حزب الله زاد عدد مقاتليه على الحدود السورية مع إسرائيل في الأيام الأخيرة، لجمع معلومات استخباراتية عن هجمات إسرائيلية محتملة على مقاتليه ومنشآته”.

من جانبها، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر في دمشق بأن “الميليشيات التابعة لإيران في محافظة دير الزور في حالة تأهب أمني تحسباً لأي ضربة إسرائيلية رداً على الرد”.

وقالت الصحيفة إن إيران رفعت من مستوى التأهب خشية من الخروقات الأمنية التي ساهمت بتحقيق سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية إصابات موجعة لإيران.

كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن “الحرس الثوري” منح إجازة أسبوع للقياديين والإداريين كافة ضمن المقار والمواقع العسكرية التابعة له في مدينة الزور وأريافها.

ومنح أيضاً إجازة للمسؤولين عن المراكز الثقافية الإيرانية المنتشرة في كل من مدينة دير الزور، ومدينتي البوكمال والميادين وبلدة حطلة، تخوفاً من قصف إسرائيلي.

وتأتي الإجراءات الإيرانية الطارئة في سورية، في وقت تستعد فيه طهران لهجوم إسرائيلي انتقامي، بعد هجومها السبت الماضي بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على تل أبيب.

وتتواصل التحليلات حول طبيعة وتوقيت الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، وسط تأكيدات من قبل مسؤولين إسرائيليين بأن الرد بات “وشيكاً”.

ورغم رفض إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، المشاركة بأي رد إسرائيلي على إيران، لعدم جر المنطقة إلى صراع أوسع، تؤكد حكومة بنيامين نتنياهو أنه “لا خيار لديها سوى الرد”.

ومن الخيارات المطروحة على طاولة مجلس الحرب الإسرائيلي، هو ضرب وكلاء إيران في سورية ولبنان، عبر استهداف مقرات عسكرية وشخصيات قيادية.

وحسب الصحيفة فإن “المنشآت المرتبطة بإيران في سورية، تعتبر خيار يسمح لإسرائيل بالرد، لكنه يتجنب دوامة من التبادلات المتبادلة التي تؤدي إلى حريق أوسع نطاقاً”.

———————

الرد الإسرائيلي “وشيك” وثلاثة خيارات على طاولة نتنياهو

16/04/2024

تتواصل التحليلات حول طبيعة وتوقيت الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، وسط تأكيدات من قبل مسؤولين إسرائيليين بأن الرد بات “وشيكاً”.

ورغم رفض إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، المشاركة بأي رد إسرائيلي على إيران، لعدم جر المنطقة إلى صراع أوسع، تؤكد حكومة بنيامين نتنياهو أنه “لا خيار لديها سوى الرد”.

وبحسب المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، أمس الاثنين، فإن الرئيس بايدن يركز على منع الهجوم الإيراني من أن يتطور إلى صراع إقليمي أوسع.

وعقب اجتماع مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، أمس الاثنين، نقلت تقارير غربية عن مصادر أن القادة الإسرائيليين أجمعوا على ضرورة الرد على الهجوم الإيراني.

وقال مصدر لشبكة “NBCNEWS” الأمريكية إن “الرد الإسرائيلي على الهجوم الانتقامي الإيراني قد يكون وشيكاً”.

كما نقلت الشبكة، اليوم الثلاثاء، عن مسؤولين أمريكيين، توقعاتهم أن يكون الرد الإسرائيلي خلال نهاية عطلة الأسبوع الجاري.

وقال أربعة مسؤولين أمريكيين للشبكة إن الرد الإسرائيلي سيكون “محدود النطاق ومن المرجح أن يتضمن ضربات ضد القوات العسكرية الإيرانية والوكلاء المدعومين من إيران خارج إيران”.

وأضاف المسؤولون أن “الهجوم الإيراني لم يسفر عن مقتل إسرائيليين أو دمار واسع النطاق، لذلك فإن إسرائيل يمكن أن ترد بأحد خياراتها الأقل عدوانية، عبر ضربات خارج إيران”.

وحسب المسؤولين فإن خيارات تل أبيب “يمكن أن تشمل الضرب داخل سورية”.

إلا أنهم توقعوا عدم استهداف مسؤولين إيرانيين كبار في سورية، وإنما استهداف الشحنات أو مرافق التخزين التي تحتوي على أجزاء صواريخ متقدمة أو أسلحة أو مكونات يتم إرسالها من إيران إلى “حزب الله” اللبناني.

من جانبه، توقع مراسل البنتاغون والأمن القومي لمجلة “فورين بوليسي” جاك ديتش، ثلاثة خيارات أمام إسرائيل في ردها على طهران.

الخيار الأول: “مهاجمة البرنامج النووي الإيراني”، وسيكون هذا الخيار “هدفاً على أعلى مستوى من التصعيد”، حسب المجلة.

وقال ديتش إن الهجوم على البرنامج النووي الإيراني، يعني “نهاية التحالف المخصص للدول العربية الذي دعم جهود الدفاع الصاروخي الإسرائيلية ضد إيران”.

كما سيؤدي إلى “جر وكلاء إيران، مثل حزب الله المتمركز في لبنان، إلى مواجهة مباشرة أكثر شراسة مع الإسرائيليين، إضافة إلى إغضاب الحليف الأمريكي”.

أما الخيار الثاني سيكون “استهداف القادة الإيرانيين أو العسكريين أو المواقع داخل إيران أو خارجها”.

وحسب المجلة، فإنه يمكن لتل أبيب أن تضرب أهدافاً على الأراضي الإيرانية لا ترتبط بشكل مباشر بالبرنامج النووي للبلاد.

وعلى سبيل المثال، يمكن أن تستهدف قائداً عسكرياً ذا قيمة عالية مثل العميد الجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية للحرس الثوري الإيراني، الذي كان العقل المدبر للهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار في نهاية هذا الأسبوع.

كما يمكن استهداف المواقع العسكرية أو مستودعات الأسلحة داخل إيران، أو حتى مقرات “الحرس الثوري” الإيراني.

أما الخيار الثالث هو “ضرب وكلاء إيران أو شن هجوم إلكتروني على إيران”.

ووصفت المجلة الخيار الثالث الذي يمكن أن تختاره حكومة نتنياهو بأنه “الرد الأدنى”، كاستهداف وكلاء إيران في الشرق الأوسط أو الانخراط في هجمات إلكترونية ضد إيران.

————-

ليست مسرحية إيرانية… إنه “فيلم أميركي طويل”/ عامر بدران

17 أبريل 2024

لنتخيّل شخصاً أوى إلى فراشه مبكراً، مساء السبت الماضي، ثم استيقظ صباح الأحد، جهّز قهوته، شغّل التلفاز وجلس ليسمع الأخبار، وإذا بمقدمة النشرة تقول: “نقلاً عن مصادر في هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، فإن 99% من الصواريخ والمسيرات تم إسقاطها قبل أن تصل إلى الأجواء والأراضي الإسرائيلية”… فما الذي سيصيبه؟

بالتأكيد سيحاول هذا المواطن أن يفهم الخبر من قنوات أخرى، وسوف يقرأ على شريط الأخبار أن ما يقارب الـ 400 طائرة مسيّرة وصاروخ تم إطلاقها من إيران نحو إسرائيل، وأن مجلس الحرب الإسرائيلي في حالة انعقاد دائم. وسوف يشاهد الفيديوهات التي تصوّر سماء عمّان وسماء القدس وهي مضاءة بشظايا الصواريخ التي يتم اعتراضها. سيطلّ من نافذته ليرى ويستطلع ولن يفهم شيئاً، فالأجواء صافية والناس في الشوارع، وصراخ التلاميذ هو هو في ساحة المدرسة القريبة. سيتصل هذا المواطن المصدوم بأحد أصدقائه ويسأله بخجل، وسيكتشف بعد قليل من الوقت، وقليل من الحيرة، أن حرباً بدأت وانتهت وهو نائم.

هذا ليس مزاحاً ولا هو فصل من مسرحية هزلية، بل حقيقة حدثت في الزمن الذي تتم فيه التضحية بالشعب الفلسطيني في غزة وأجزاء من الضفة، على مدار ستة شهور من حرب حقيقية وطاحنة بحق البشر والشجر والحجر.

ليس مزاحاً، بل حقيقة حدثت على مرأى من الجميع؛ مَن تم إبلاغهم بها من دول الإقليم، قبل حدوثها بثلاثة أيام كما صرّح وزير خارجية إيران، ومَن تم التنسيق معهم من الأمريكيين في واشنطن وفي المنطقة من خلال الخارجية التركية وسويسرا، كما صرّح دبلوماسي تركي لوكالة رويترز، ومَن تم تحذيرهم وبالتالي انتظروا وجهّزوا دفاعاتهم الجوية وجبهتهم الداخلية وكانوا على أهبة الاستعداد.

لكن لماذا تبدأ الحرب وتنتهي في ليلة واحدة، ودون أن يسمع بها من كان نائماً لسوء أو لحسن حظه؟ وما الذي يمكن ملاحظته حول هذا الحدث الذي لا ينسجم مع مفهومنا عن الحروب التي تعودنا عليها أو قرأنا عنها؟ ولكي تكون ملاحظاتنا مفهومة للقارئ علينا أن نؤكد على ملاحظة تأسيسية لكل ما سيتبعها، والذي لا يمكن إدراكه دونها، وهي كالتالي:

إن كانت إسرائيل عدواً لنا كفلسطينيين، وهي كذلك دون أدنى شك، وإن كانت تسعى لاقتلاعنا وتقويض وجودنا على أرض آبائنا وأجدادنا، وهي فعلاً كذلك ولا يختلف عاقلان على هذا التشخيص، فليس بالضرورة أن تكون إيران صديقة لنا.

قد نتساهل قليلاً ونخرجها من دائرة الأعداء الصريحين، لكن بكل ثقة يمكن القول إنها ليست حليفاً ولا صديقاً، ولا يعنيها وجودنا من قريب أو بعيد. أقصد أن مقولة “عدوّ عدوّي هو صديقي” لا تصلح مقياساً للتحليل ولا للفهم، لا في هذه الحالة ولا في كثير غيرها. من هذا المنطلق يمكننا أن نفهم حرباً تبدأ وتنتهي ونحن نيام، ويمكننا فهم كل ما يدور حولها.

إسرائيل التوسعية الكولونيالية تقضم أرضنا يوماً تلو يوم، باستيطانها وبتضييقها سبل العيش على شعبنا الفلسطيني، وهي تفعل ذلك لتحقيق مصالح استراتيجية تخصها. وإيران الكولونيالية تقضم في العراق وسوريا ولبنان، وتقوم بتضييق سبل العيش على الشعوب العربية في هذه البلدان، وهي تفعل ذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.

إسرائيل تحتل فلسطين وأجزاء من سوريا ولبنان. وإيران، كذلك، تحتل العراق وأجزاء من سوريا ولبنان. إسرائيل تستخدم إيران كفزاعة لتحقيق مشروعها في المنطقة، وإيران تستخدم إسرائيل كفزاعة من أجل ذات الغاية وذات الأهداف. هذه لديها حلفاء وعملاء سرّيون وعلنيون من بيننا، أقصد نحن العرب، وتلك لديها أدوات وتشكيلات علنية من بيننا أيضاً. لا هذه ولا تلك يعنيها كم يموت من الفلسطينيين أو السوريين أو اللبنانيين، في سبيل تحقيق مشروعها في المنطقة.

من هذه الملاحظة، ومن افتراض صحّتها، نستطيع مناقشة الملاحظات المتفرّعة عنها والملتصقة بما جرى ليلة السبت الأحد الماضية:

أولاً: يحاول نتنياهو توريط الأمريكيين في هذه الحرب لأسباب لم تعد خافية على أحد، ولتوريطهم لا بد من جرّ إيران، لكن الأمريكيين أذكى من ذلك بكثير، وهم يعرفون هذه النوايا منذ إرسال حاملات طائراتهم إلى المنطقة مع بداية العدوان على غزة، لذلك فقد سمحوا له بأن يتمادى مع الوجود الإيراني في سوريا، ولم يعارضوه إلى أن وقع في خطأ ضرب القنصلية الإيرانية.

ثانياً: على الجانب الآخر، يعتقد الإيرانيون أن أمريكا بايدن مكبّلة لاعتبارات انتخابية، وغير راغبة في إلحاق الأذى بسمعتها أكثر بسبب دموية وهمجية نتنياهو في غزة، لذلك فهي لن تشترك في عدوان إسرائيلي مباشر على إيران، خاصة إن تم استئذانها ووضعها في صورة الردّ الإيراني، لكن الأمريكيين أذكى من الإيرانيين أيضاً، لذلك فقد وافقوا ضمنياً على هذا الرد، وأوصلوا ذلك إلى الإيرانيين عبر سكوتهم طوال أسبوعين من تهديدات إيران وتوعدها.

ثالثاً: لقد قامت إيران بالرد، فقامت أمريكا وحلفاؤها باعتراض 99% من الصواريخ والطائرات المسيّرة قبل وصولها الأجواء الإسرائيلية، وهذه النسبة حسب تصريحات الإدارة الأمريكية نفسها. أي أن 1% فقط هو ما قامت إسرائيل بالتعامل معه، ومع ذلك فقد سقطت بعض الصواريخ على قواعد عسكرية في النقب. لكن المفاجأة كانت في تصريح البيت الأبيض، الذي قال بالحرف: “إسرائيل أظهرت قدرة مذهلة في الدفاع عن نفسها”. فهل يمكن أخذ هذا التصريح على محمل الجد حين يتعلق الأمر بالتعامل مع 1% من الصواريخ؟ ألا يشبه هذا أن تقوم أمّ بحلّ الواجب المدرسي لابنها ثم تقول له: ما أشطرك. أي امتنان ممزوج بالخزي هذا.

رابعاً: قدّرت إيران أن أمريكا لن تشارك في رد مقابل من طرف إسرائيل، أو حتى يمكنها أن تحاول منع إسرائيل من الرد باعتبار أن الطرفين متعادلان الآن ولا أحد خاسر، لكنها لم تتوقع أن تقود أمريكا حلفاً دولياً معادياً لها من أجل فرض عقوبات عليها، وصولاً إلى تطويعها في المستقبل.

كل هذا الذي جرى ويجري منذ بداية الحرب على غزة، يتم بدهاء أمريكي، مع لاعبَين أساسيَين في المنطقة، هما إسرائيل وإيران، وهذان اللاعبان يحاول كل منهما تحصيل أكبر قدر من المكاسب الاستراتيجية في مستقبل المنطقة، ليس فقط على حساب العرب، بل وبدمهم أيضاً.

أما النظام العربي، بغالبية مكوناته، فلا يفعل إلا ما يفعل جمهور كرة القدم؛ يشجّع هذا ويشتم ذاك، ويعتقد أن صوته له قيمة في مسار اللعبة، وسوف تظل الحروب تبدأ وتنتهي وهو نائم. وإلى أن يصبح لاعباً أساسياً، وهذا مستبعد في المدى المنظور، سيظل الشعب الفلسطيني أضحية على مذبح المخططات الأمريكية للمنطقة.

رصيف 22

———————–

هل تسعى إيران إلى استنساخ تجربة “حزب الله” في الأردن؟/ مصطفى الزواتي

17 أبريل 2024

بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، أعلنت كتائب “حزب الله” العراقية أنّها جهّزت أسلحة وقاذفات ضد الدروع وصواريخ تكتيكية لـ”مقاتلين في الأردن” تحت اسم “المقاومة الإسلامية في الأردن”، حيث أشار المسؤول الأمني لكتائب أبو علي العسكري، الإثنين الماضي، في منشور على قناته عبر تطبيق “تلغرام” إلى أنّ “المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدّتها لتجهيز المقاومة في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات لنكون يداً واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين”.

ونظراً إلى حجم التوتر الإيراني إزاء الأردن في الآونة الأخيرة؛ يُطرح السؤال حول سعي إيران فعلياً إلى اختراق الساحة الأردنية مستغلة الاحتجاجات الشعبية، وهل هناك علاقة متشابكة بين الأردن وجماعة الإخوان المسلمين؟ وكيف يمكن لإيران أن تستغل فعلياً الأحداث لصالحها؟

إسرائيل تسعى لخلط الأوراق في المنطقة

البيان الذي أصدره حزب الله العراقي مؤخراً، فسره البعض بأنّه رسالة تهديد لضغوط معينة تتعرض لها إيران في المنطقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ووضع الأردن في خانة المواجهة والصدارة باعتباره حليفاً لواشنطن في المنطقة، فإذا ما زعزع الوضع فيه فسيؤثر على السياسة الأمريكية.

إضافة إلى ذلك، فإنّ الأردن يصنف على أنّه تحت الحماية الأمريكية، لكثير من العوامل التي تؤثر على إسرائيل والمنطقة، وبالتالي فإذا ما استمر التصعيد تجاه إيران، فإنّها قد تختار أن تسير نحو سياسة خلط الأوراق عبر تحريك أذرعها، ومنها التي في الأردن، في المقابل فإنّ واشنطن أمامها خيارات أخرى تتمثل في إشعال فتنة “سنية-شيعية” لن تهدأ، مثل فتنة السنة في العراق والأكراد، وإغلاق الحدود السورية -الأردنية وتحريك الوضع في السويداء، بحسب تحليلات مراقبين ومطلعين.

يقول مؤسس ورئيس مجلس إدارة “مؤسسة المستقبل” في واشنطن انتفاض قنبر، في تصريحات لرصيف22، إنّ “إسرائيل تسعى لاستخدام القضية الفلسطينية للتوسع على حساب الدول العربية الأخرى وهي تستخدم العرب كوقود للنار التي تشعلها في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أنّ القضية الفلسطينية تورطت تورطاً كبيراً بإدخال إيران كعنصر فيها، وحماس ارتكبت خطأً استراتيجياً فادحاً عندما أصبحت أداة بيد إيران، وأنّها ستسحق حماس من أجل مصالحها، وما حصل في سوريا ولبنان أكبر مثال على ذلك.

ويضيف: “طهران تسعى إلى استغلال العواطف العربية والإسلامية لبسط نفوذها في المنطقة تحت شعار القضية الفلسطينية”، ومعتبراً “النظام الإيراني نظام إسلامي شكلياً، لكن في الحقيقة هو نظام قومي-شوفيني-توسعي يستخدم الإسلام كغطاء للتوسع والسيطرة في المنطقة”.

وعن وجود علاقة متشابكة بين إيران وجماعة الإخوان بالأردن، يرى قنبر أنّ “جماعة الإخوان هي حركة إرهابية ليس لها غاية، إلا إثارة الضغينة والفتنة والسيطرة على الحكم وبسط نظام إسلامي-قسري على الشعوب، ولذلك استطاعت الأردن وببراعة إيقاف مدهم، لكنّهم في المقابل أصبحوا ألعوبة بيد إيران”، يقول: “لاحظنا ذلك من خلال الحزب الإسلامي الذي يمثل الإخوان في العراق، والذي أصبح مطية باعتراف قيادات الحزب أنفسهم على وسائل الإعلام، لأنّ من كان يموّلهم قاسم سليماني بسبب علاقتهم مع إيران”.

ويؤكدّ أنّ إيران تستغل هذا النفوذ والعواطف الإسلامية والعربية للسيطرة وبسط نفوذها لأول مرة في التاريخ إلى حدود شرق البحر الأبيض المتوسط.

ويشير إلى أن إيران سابقاً أرادت أن تستغل وجود ضريح جعفر الطيار في الأردن لفتح مزار ديني للإيرانيين للدخول والتغلغل إلى الأردن ولم يحصل ذلك، وأرادت أن تعطي النفط للأردن مقابل التغلغل في الأردن ولم يحصل ذلك، كاشفاً أنّ “ما يحصل الآن أنّ إيران تتغلل في الأردن من خلال الحكومة العراقية الحالية والإطار التنسيقي الذي يحكم العراق، حيث يستغل أفراد الميلشيات كواجهات لفتح مراكز ومواطئ قدم لهم في الأردن”.

ومن هنا يدين كل التصريحات من قبل كتائب حزب الله والمتحدث باسمها أبو علي العسكري بتسليح مسلحين في داخل الأردن الذين يريدون تحويلها إلى سوريا ثانية وجرها إلى الفوضى كما هو اليمن والعراق ولبنان.

التصعيد في سوريا ليس بمعزل عن المساعي والتحركات الإيرانية، وبهذا الصدد هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحدوث عواقب في حال قامت إيران بشن هجوم ضد إسرائيل. حين قال: “إيران تعمل ضدنا منذ سنوات، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها، ولهذا السبب فإن إسرائيل تتخذ إجراءات ضد إيران ووكلائها، دفاعاً وهجوماً… سنعرف كيف ندافع عن أنفسنا وسنتصرف وفقا للمبدأ البسيط: كل من يلحق بنا الضرر أو يخطط لذلك سنلحق به الضرر”. وفقاً لما أفاد به مكتبه.

—————————

================

تحديث 16 نيسان 2024 بعد الرد الايراني

————————

الضربة الإيرانية: تحوّل استراتيجي وفشل عسكري وسياسي

    وقفُ الحرب لا تَوسُّعها هو ما يُنقذ غزة وشعوب المنطقة

        ردّت إيران إذن. بعد تسخين الأجواء لأيام عديدة وبعد تحذيرات وإعلانات طوارئ في دول المنطقة ومجالاتها الجوّية، جاء ردُّ طهران على القصف الاسرائيلي لمُجمّع السفارة الإيرانية في دمشق، عبر طائرات مُسيَّرة «انتحارية» مُحمّلة بالمتفجرات وصواريخ أرض- أرض انطلقت من الأراضي الإيرانية.

        كانت ضربةً مُعلنة وعلنية وبالكاميرا البطيئة مع الساعات التي استغرقتها المُسيَّرات للوصول، وكانت ضربة معدومةَ القيمة عسكرياً إذ لم تُصِب أي هدف عسكري إسرائيلي بأيّ أذى (وحدها طفلة بدوية أُصيبت بجراح نتيجة شظايا)، ذلك حتى وإن شَكَّلَت علامة تَحوُّل في قواعد اشتباكٍ عمرها عقودٌ بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل: إيران تُحرّك ميليشياتها وأذرُعها، أو تدعم حركات المقاومة الفلسطينية؛ وإسرائيل، مدعومةً بالحزم الغربي ضد إيران، تستهدف أذرع إيران ومصالحها في دول المنطقة، لا العمق الإيراني، في معظم الأحيان.

        سيلهجُ المحللون السياسيون الواقعيون بلا شكّ بالحديث عن أهمية هذا التغيُّر في قواعد الاشتباك، وعن أن «ما قبله ليس ما بعده»، أمّا بالنسبة لعموم السوريين والسوريات، والساعين منهم نحو الاستقلال والتحرُّر بشكل خاص، فمن المستحيل ألا نتساءل مجدداً، بمرارة أحياناً وبسخرية أحياناً أخرى، عن الثمن الباهظ الذي دفعناه في سوريا على مذبح الصعود الإيراني الامبراطوري، والهجمات الإسرائيلية على قواعد إيران في بلدنا، والتي باتت حدثاً يومياً في حياة السوريين والسوريات خلال الأعوام الماضية. 

        هل نُذكِّرُ للمرة الألف بالجرائم التي لا تُحصى التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني، وأذرعه الميليشياوية متعددة الجنسيات، على الأرض السورية وبحق السوريين؟ وكيف نشطت إسرائيل على المقلب الآخر في قصف الأراضي السورية وسقط العديد من المدنيين والمدنيات ضحايا لرسائلها المتبادلة مع إيران، مُستفيدةً من براءة نظام الأسد من أي واجبات وطنية بما فيها الدفاعُ عن البلد؟ وهل يحق لنا أن نتساءل إن كان تَغيُّر قواعد الاشتباك سيجرّ علينا مزيداً من الويلات ومزيداً من الاستباحة؟

        نفهم أن يستدعي أي عمل ضد إسرائيل، مهما هزلت نتائجه، تعاطفاً عريضاً من جمهور فلسطيني وعربي ودولي يستهولُ فداحة الإبادة التي تُمارسها الدولة العبرية في قطاع غزة، وعموم فلسطين، منذ أكثر من ستة أشهر، ويستفظعُ التواطؤ الغربي الكامل معها بحجة «حقّها في الدفاع عن النفس»؛ لكن هل نعتقدُ حقاً أن تَوسُّعَ دائرة الحرب سيحملُ في طيّاته خلاص غزة؟ أم أنه سيُحوِّلُ الأنظار بعيداً عنها، بل وقد يُقدّمُ ذرائع جديدة لاسرائيل للمضي في الإبادة والتهجير؟ في كل الأحوال، لا يجوز أن يُنَسبَنَ أو يُنكَرَ إجرامُ النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة عموماً، وسوريا خصوصاً، خلال العقود الأخيرة بحجّة تحرّكٍ قامت به إيران ضد إسرائيل، على طريقة صواريخ صدام حسين العتيدة، والعقيمة، قبل ثلاثة عقود ونصف.

        غيّرت إيران قواعد الاشتباك مع إسرائيل استراتيجياً بهجوم عقيم عسكرياً يبدو، أقلّه حتى الآن، أنه جاء كبالون أكسجين لنتنياهو الذي كان قد قاربَ الاختناق. يترقّبُ العالم بأنفاسٍ محبوسة الأيامَ المقبلة بانتظار ردّ إسرائيلي مُحتمَل، مُتسائلين عن طبيعته ومكانه، ومكان وطبيعة ردّ إيراني مُحتمَل على هذا الردّ الإسرائيلي المُتوقَّع. من جهتنا، كسوريين ديمقراطيين، نراقبُ بقلق وأسى كيفَ أن كل المُعادلات المُحتملة ستعني حُكماً مزيداً من الاستباحة لبلدنا وأهله. الإقليم والعالم على شفير حروب مفتوحة أكثر من أي وقتٍ مضى خلال السنوات السبعين الأخيرة، ورفعُ الأصوات الحربية والإنفاقات العسكرية على أشدّه. لا أحد يريد الحرب، هكذا يُقال؛ ولكن الكل يجهز نفسه لها، هذا ما نراه جميعاً.

        أمام ذلك، فإن الجهد السياسي الضروري، سورياً وعربياً ودولياً، هو التحرّك من أجل وقف الحرب الإسرائيلية الإبادية على قطاع غزّة، والعمل من أجل تحصيل كامل الحقوق الإنسانية والوطنية للشعب الفلسطيني، ولردعِ استباحةِ حقوق ومُقدَّرات شعوب المنطقة وأوطانها، سواء كان بحجّة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، أو بحجّة «قيادة الجمهورية الإسلامية لمحور المقاومة»، أو أي بلطجة إقليمية ودولية أخرى في بلادنا. تَوسُّعُ الحرب لن يفيد غزة، بل وقفُ الحرب فيها هو الكفيل بحمايتها وحمايتنا جميعاً.

موقع الجمهورية

————————-

هل تمتلك إسرائيل شبكة تجسس تجول في أنحاء سوريا؟/ رياض معسعس

16 نيسان 2024

أثارت الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قنصلية إيران في دمشق وأسفرت عن مقتل 7 قادة ومستشارين أبرزهم العميد بـ”الحرس الثوري” الإيراني، محمد رضا زاهدي ونظيره بذات الرتبة حسين أمان اللهي ردود فعل غير مسبوقة، وتهديدات إيرانية بالرد إذ قال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن “إسرائيل النظام الشرير ارتكب خطأ ويجب أن يعاقب، وسيعاقب” وجاء الرد سريعا عاصفا لأول مرة مباشرة من طهران برشقات صاروخية وطائرات مسيرة.

جهنم في الشرق الأوسط

وهذا التصعيد غير المسبوق سيدفع إسرائيل للرد، لأن رد الرد يمكن أن يكون أقسى وأقوى من الرد ويفتح باب جهنم في الشرق الأوسط، وربما هذا ما تبحث عنه حكومة نتنياهو لتوريط أمريكا مرغمة في حرب لا رغبة لها فيها. خاصة وأن أمريكا كان لها الدور الأول في إيصال الخميني إلى سدة الحكم في طهران، بالتخلي عن شاه إيران وتحييد جنرالاته من الجيش. (والإشراف على إخراج الشاه وعائلته من إيران إلى منفاه، وإعطاء الضوء الأخضر للخميني للاتجاه إلى طهران حيث أقلته طائرة فرنسية ليتسلم زمام السلطة في إيران) وفتحت لها الباب عريضا للهيمنة على العراق، ولأن توسيع دائرة الحرب ربما ستزج بقوى أخرى لها وجود مركزي في المنطقة ومتحالفة مع إيران كروسيا التي ربما تستغل هذه الفرصة أيضا لاستخدامها كورقة إضافية في حربها على أوكرانيا، إضافة إلى ما تجره إلى أضرار بالغة في الخليج خاصة وأن لإيران المقدرة للسيطرة على مضيق هرمز الممر الوحيد لناقلات النفط. (ذكر قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني يوم الثلاثاء أن الوجود الإسرائيلي في دولة الإمارات يمثل تهديدا لطهران، وأنها قد تغلق مضيق هرمز في حالة الضرورة)، ورغم تهديد ووعيد الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه “يقف إلى جانب إسرائيل في أي ضربة محتملة ضدها”، إلا أنه في الوقت نفسه دعا إلى التهدئة إذ طلب الأسبوع الماضي من المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط بريت ماكجورك من وزارة الخارجية السعودية والأمارات وقطر والعراق إيصال رسالة إلى إيران تحثها على خفض التوتر مع إسرائيل.

ما هو موقع سوريا في المواجهات الإيرانية الإسرائيلية؟

بدأت العلاقات السورية الإيرانية تأخذ منحى استراتيجيا مع بدء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي حيث اتخذ حافظ الأسد موقفا مغايرا لكل مواقف الدول العربية بالوقوف إلى جانب إيران ضد العراق الذي كان يناصبه العداء العقائدي (بين الإخوة البعثية الأعداء). مع سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 تحت ضربات الغزو الأمريكي، فتحت الولايات المتحدة التي كانت تسيطر على العراق الباب على مصراعيه لدخول عشرات الآلاف من المعارضة العراقية “الشيعية” التي كانت متمركزة في إيران بكل أطيافها، وآلاف العناصر من الحرس الثوري الإيراني الذين قاموا بالسيطرة التامة على مقاليد الحكم، وتكوين قاعدة تمركز فيه. مع انطلاقة شرارات الربيع العربي في العام 2011، ورغم أن النظام السوري كان يستبعد وصول الشرارة إلى هشيمه إلا أنها، ورغم كل الإجراءات التي اتخذها من قتل وتدمير وضرب بكل الأسلحة حتى الكيماوية منها فالثورة وبعد سنتين من اندلاع شرارتها كادت أن تطيح بالنظام المترنح تحت ضرباتها، وكادت أن تهوي بالوريث بشار الأسد من على عرش سوريا بعد أربعة عقود ونيف من الحكم الأسدي. لم يجد بشار الأسد أمامه سوى حليفين: إيران وروسيا، فقام بزيارة إلى طهران لطلب العون، فقامت إيران بإرسال مجموعة كبيرة من الميليشيات الطائفية الباكستانية والأفغانية والعراقية واللبنانية (فاطميون وزينبيون، أبو فضل العباس، حزب الله العراقي، وحزب الله اللبناني) بالإضافة إلى الحرس الثوري الإيراني ما يسمى اليوم بـ (الحلقة النارية يضاف إليها اليوم حماس والجهاد الإسلامي). ورغم الأعداد الكبيرة لهذه الميليشيات لم تتمكن من قمع الثورة التي استمرت بتهديد النظام جديا، قبل أن يستنجد بشار الأسد بحليفه الثاني بزيارة سرية إلى موسكو في العام 2015، وطلب النجدة المستعجلة من فلاديمير بوتين. ودخلت القوات الروسية في المعركة التي أبقت على النظام السوري واقفا بوهن على قدميه. وعلى مدى السنوات العشر الماضية تغلغلت إيران عسكريا في سوريا في شتى المجالات العسكرية، والاقتصادية والمذهبية (حركة تشييع في مناطق نفوذها في دير الزور وشمال حلب، وريف دمشق، وحمص، والقلمون، ودرعا) وكان الكثير من قادتها يجولون في محافظات البلاد، وعلى رأسهم قاسم سليماني الذي قتل بضربة أمريكية قرب مطار بغداد. وتحولت سوريا إلى قاعدة رئيسية لإيران لأنها كانت الحلقة المفقودة لاكتمال “القوس الشيعي” (طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت) لكن وجود القوات الإيرانية في الأراضي السورية أثار مخاوف دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد أن تبين أن إيران تبني قواعدها العسكرية وتتحصن بأسلحة متطورة، وتزود حزب الله اللبناني بالذخائر والأسلحة والصواريخ. وأطلقت حملتها بتوجيه الضربات تلو الضربات للمواقع الإيرانية، ومواقع حزب الله، بما فيها مطارات دمشق وحلب وميناء اللاذقية حيث يتم تفريغ شحنات الأسلحة والذخائر. ورغم كل هذه الضربات التي تعدت المئة ضربة لم يتم الرد من الطرف الإيراني، ولا من قبل النظام (لأن النظام اعتبر أن هذه الضربات موجهة لإيران وليست له). والتزم بترديد عبارة “ببغاوية”، “سنرد في الوقت والزمان المناسبين”.

شكوك إيرانية

الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقع إيرانية، وعلى شحنات عسكرية، وقادة عسكريين، لا يمكن أن تتم إلا بمعلومات استخبارية دقيقة تفيد بموعد تحرك ووصول هذه الشحنات أكان عبر الموانئ، أو المطارات، أو قوافل عابرة للحدود، وأماكن تواجد القادة وتحركاتهم، ومناطق سكنهم، فهل تمتلك إسرائيل شبكة تجسسية تجول في أنحاء سوريا تترصد كل شاردة وواردة. فقبل ضربة القنصلية، استهدفت شققا سكنية في دمشق وحمص أسفرت عن مقتل قادة من الحرس الثوري في منطقة المزة (صادق أويد زادة مسؤول الاستخبارات الإيرانية مع خمسة قادة آخرين)، كما استهدف القيادي رضى موسوي في البناء الذي يقطنه في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق. بعد هذه العمليات أشارت السلطات الإيرانية للنظام السوري أن هناك اختراقا أمنيا، وطالبت باعتقال “الجواسيس التي تعمل لصالح إسرائيل” واتهم عضو اللجنة الأمنية في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري “جهات سورية محلية بالتخابر مع إسرائيل وطالب النظام أن يتحرك بجدية”. تجددت الاتهامات الإيرانية للنظام السوري بعد عمليات اغتيال طالت نحو 18 جنرالاً وقيادياً إيرانياً في فترة وجيزة كان آخرها الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق.

طهران باتت على قناعة أن النظام السوري بعد أن اطمأن أمنياً في الداخل، صار يبحث عن التخلص من النفوذ الإيراني. صحيفة “الجريدة” الكويتية ذكرت أن إيران وجهت اتهامات للنظام السوري بالضلوع في عمليات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل ضد قادتها، ونقلت عن مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: “أن الأجهزة الأمنية الإيرانية رفعت تقريرا للمجلس بشأن احتمال ضلوع السلطات السورية في اغتيال كبار قادتها، وقال المصدر إن إيران قامت مع السلطات السورية بفتح تحقيق مشترك حول مقتل رضا موسوي في منطقة السيدة زينب، وحسب المصدر فإن جهاز الاستخبارات السوري عرقل التحقيق، واضطرت طهران بفتح تحقيق منفصل مع حزب الله، وأظهرت نتائج التحقيق في التقرير أن “الخروقات والتسريبات الأمنية التي أدت إلى اغتيال قادة الحرس في سوريا وكذلك بعض كوادر حزب الله في سوريا ولبنان، تحظى بغطاء سياسي وأمني على مستوى عالٍ، وبشار الأسد لابد أن يكون على علم. وذهب إلى أبعد من ذلك حيث اتهم النظام بفتح قنوات مع تل أبيب للتخلص من الهيمنة الإيرانية، ويضيف يبدو أن هناك شرخا بين الطرفين تفاقم بعد عملية طوفان الأقصى حيث رفض الأسد الانضمام لمحور المقاومة بحجة أنها شاركت في القتال مع المعارضة السورية”.

قاسم سليماني

طهران من جانبها وبعد مقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني الذي كان يتكتم على كل تحركاته، تيقنت أن معلومات رحلته من دمشق إلى بغداد قد كشفت وتم تسريبها مما مكن إدارة دونالد ترامب باصطياده فور خروجه من مطار بغداد.

وترى طهران أن استمرارية النظام وعدم سقوطه هو بجهود إيرانية، وهي أحد أعضاء الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) في محادثات آستانا وسوتشي وتواجدها العسكري والاقتصادي في سوريا هو المقابل لكل الديون المترتبة على نظام الأسد.

واليوم فإن الضربة الصاروخية الإيرانية لإسرائيل تعتبر رسالة ضمنية أيضا موجهة للنظام السوري أن يعيد حساباته في التعامل مع الوجود الإيراني.

كاتب سوري

القدس العربي

————————-

في مأزق العرب بعد الردّ الإيراني/ غازي دحمان

15 ابريل 2024

لم يكن ردّ إيران العسكري على استهداف قنصليتها في دمشق، مساء أول من أمس السبت حتى صباح أمس، مُتوقّعاً حتى لدى دوائر صناعة القرار الأميركية، ولم يكن متوقّعاً من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والظاهر أنّ هذه الأطراف، وجميع التقديرات التي تناولت شكل الردّ الإيراني المحتمل، وقعت في فخّ التنميط، إذ غالباً ما كان صوت الإعلام الإيراني أعلى من صوت قذائفها في ردّها على الضربات الإسرائيلية. ولطالما جرى التشكيك في فعالية الأسلحة الإيرانية، خاصّة الصواريخ البالستية، من ناحيّة دقّتها وحمولتها المتفجّرة، إلى درجة أنّ هناك من كان يعتقد أنّ ما تبثّه إيران من صور وفيديوهات لمناورات عسكرية وعمليات إطلاق صواريخ، فبركات وعمليات مونتاج أكثر منها حقيقة. لكن ثَبَتَ أنّ إيران قادرة فعلاً على تغطية أراضي فلسطين المحتلة كلها بصواريخها وطائراتها المسيّرة، التي عجزت القواعد الأميركية في العراق والأردن وسورية عن اعتراضها، فضلاً عن القبّة الحديدية الإسرائيلية. وبحسب المصادر المفتوحة، فإنّ صواريخ إيرانية عديدة استطاعت الوصول إلى أهدافها وتحقيق إصابات مباشرة. لم يتأكد بعد التقييم النهائي للرد الإيراني، ومعرفة مدى فعاليته، لكن لا بدّ من إدراك أنّ ما استخدمته إيران ليس طاقتها وقدراتها كاملة، وهي فعلت ذلك بهدف إعادة التوازن لمعادلة الردع التي خلخلتها إسرائيل بضربها القنصلية في دمشق، واستهدافها قيادات الحرس الثوري، مطلع إبريل/ نيسان الحالي في سورية، فكان الردّ الإيراني محدود الأهداف في إطار ما يسمّى “الردع مقابل الردع” أو بناء معادلةِ ردعٍ جديدة.

ولكن إذا أردنا فهم العملية الإيرانية وتأثيرها الاستراتيجي، علينا إدراك أنّ طهران لم تستخدم كامل طاقتها، في ظل نقاط ضعف عديدة تنطوي عليها جغرافية الطرف الأخر؛ “إسرائيل”، حيث تتركّز الكتلة السكانية الكبيرة والصناعات الحيوية ضمن مساحة جغرافية صغيرة، ولا تستطيع إسرائيل منع إيران من استهدافها، خصوصاً في حال استخدام أعداد كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيّرة. مهما كان الردّ الإسرائيلي، بشكله وأنماطه وطبيعته، فلن يكسر المعادلة التي رسمتها إيران، ولن يعدلّ الموازين التي لم تعد صالحة لقياس أوزان الفاعلين، ويبدو أنّ إسرائيل ستدخل بعد هذه الضربة في مأزقٍ نفسي، وفي حالة عدم ثقة بقدراتها، في ظل امتلاك إيران مزايا تقنية منافسة وميزاناً جغرافياً وبَشَريّاً يميل إلى مصلحتها بدرجة كبيرة، فضلاً عن شبكة الوكلاء التي أصبحت تحاصر إسرائيل من أكثر من جهة.

في المقلب الآخر، ضربات إيران لإسرائيل رسالة تحذير خطيرة للمنطقة بأكملها، خاصّة الجوار العربي، بعد أن تبين أنّ قوة إيران ليست محصورة بوكلائها في المنطقة، كما كان الاعتقاد سائداً، بل لديها أسلحتها المتطوّرة القادرة على تجاوز كل القواعد الأميركية المدججة بصواريخ الباتريوت وأحدث أجيال الطائرات القادرة على اعتراض المسيّرات والصواريخ، إلا إذا كانت واشنطن متواطئةً مع الإيرانيين لحساباتٍ لا نعرفها (!)

قَرَعَ الردّ الإيراني، غير المسبوق وغير المتوقّع، جرس الإنذار في الشرق الأوسط كلّه، ولا بدّ أن ستتأسس عليه معادلات جديدة ومقاربات جديدة، والمؤكّد أنّ ردود الأفعال في المنطقة ستأخذ في الاعتبار هذا المتغيّر والتداعيات التي ستترتّب عليه، وما يستتبع ذلك من حساباتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ لدى الفاعلين الإقليميين والدوليين. والأكثر من ذلك، كيف ستنظر إيران إلى نفسها بعد الآن، وكيف سيتعامل وكلاؤها مع هذا التطور، وتأثير ذلك على سلوك إيران ووكلائها في المنطقة عموماً. ورغم ضجيج سفن الولايات المتّحدة وحاملات طائراتها في المنطقة، من غير المتوقع أن تُقدِمَ واشنطن على استهداف إيران في هذه الفترة، وستحاول التوصّل إلى تفاهماتٍ معها من دون الدخول في صراع، ليس بسبب الانتخابات الأميركية، كما تروّج تقديراتٌ وتحليلاتٌ كثيرة، ولكن بسبب عدم رغبة واشنطن في الانخراط بحربٍ في الشرق الأوسط، في وقتٍ تحاول فيه الضغط على الصين وهزيمة روسيا في مناطق تعتبرها أكثر أهمية وحيوية لمصالحها العالمية.

في ظلّ ذلك، من المُرجّح توصّل واشنطن وطهران إلى تفاهمات أشمل، على غرار الاعتراف لإيران بحقّ السيطرة على مجالها الحيوي، الذي يقع الجزء الأكبر منه في العالم العربي، وبهذا تكون إيران قد حقّقت هدفها الاستراتيجي منذ قيام الثورة الإيرانية، ورغم أنّ إيران تمارس بالفعل سيطرة مطلقة على مساحات مهمة من العالم العربي ولا تنتظر الاعتراف الأميركي بذلك، لكن سيعزّز الإقرار الأميركي أوراق قوّتها، ليس في المنطقة فحسب، ولكن بوصفها أيضاً، لاعباً مؤثراً في المستوى العالمي.

قبل الردّ، كانت إيران في مأزق. حتى حلفاؤها شكّكوا في قدراتها. بعد الردّ، وَضَعَتِ المنطقة كلّها في مأزق، فالقوة الإيرانية قوّة حقيقية، وذات فعّالية كبيرة، وأوّل المعنيين بهذا المأزق والمتضررين منه هم العرب الذين أصبحوا مُطالبين بالبحث عن مقاربات جديدة. مقاربات لا تكتفي بالدعم الأميركي فقط، وإنما تأخُذ في الاعتبار أيضاً الاعتماد على القوّة الذاتية لصناعة معادلة ردع، إنْ في مواجهة إيران أو في مواجهة إسرائيل التي استهترت بالعرب في استباحتها أهل غزّة.. فهل نفعل؟

العربي الجديد

—————————–

ردُّ إيران العسكري وصبرها الاستراتيجي/ رانيا مصطفى

16 ابريل 2024

أخيراً، وبعد تمهّل أسبوعين، جاء ردّ إيران المتوقّع على القصف الإسرائيلي قنصليتها في دمشق، الذي قتل 16 شخصاً، بينهم اثنان من كبار قادرة الحرس الثوري الإيراني، قصفاً مباشراً على إسرائيل بـ420 مسيّرة وصاروخ، بين كروز وباليستي، وهو ردّ ذو دلالة رمزية قوية بوصفه الاستهداف الإيراني المباشر الأوّل من نوعه لأراضٍِ إسرائيليةٍ ومن داخل إيران، وليس عبر وكلائها، ولكنّه أيضاً ردّ مضبوط ومُنسّق مسبقاً، إذ أعلمت به طهرانُ واشنطن قبل 72 ساعة، وأُفشل بمنظومة الردع الإسرائيلية وحلفائها، خصوصاً الولايات المتحدة، في حين أنّ صواريخ قليلة سقطت في قاعدة لسلاح الجو الإسرائيلي وأحدثت أضراراً طفيفة في البنية التحتية وبعض الإصابات. أعلنت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة “انتهاء الردّ” على قصف القنصلية، وتم فتح الأجواء أمام حركة الطيران في إسرائيل والأردن والعراق ولبنان مباشرة بعد انتهاء العملية، فيما كانت فحوى المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تأكيد واشنطن التمسّك بأمن إسرائيل، وفي الوقت نفسه محاولة لجم الأخيرة عن استفزاز طهران بمزيد من العمليات النوعية والاغتيالات.

بالنسبة لإيران ليس التصعيد في المنطقة في مصلحتها، وكما الولايات المتحدة، تريد للحرب أن تبقى محصورة في غزّة. أصلاً لم تدعم طهران حركة حماس في مقاومتها الاعتداء الإسرائيلي على القطاع، وحاولت التنصّل من أيّ مسؤولية أو علم لها بـ”طوفان الأقصى” ومنعت أذرعها من انخراطٍ مباشرٍ في الحرب، إذ تجري مناوشات بين حزب الله وإسرائيل من دون التصعيد العالي، واكتفت جماعة الحوثي في اليمن بالتضييق على حركة الملاحة في البحر الأحمر التي تخصّ الكيان الإسرائيلي. اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بسبب الدعم الغربي، الأميركي خصوصاً، لا يسمح لإيران بالمواجهة والتصعيد إلى حرب أوسع، خاصة أنّ حلفاءها ليسوا في وارد الانخراط في حرب إقليمية، فالصين تركّز على نموها الاقتصادي واستراتيجية الحزام والطريق، وروسيا منهكة في حربها في أوكرانيا. جاء الردّ الحتمي الذي توعّدت به طهرانُ إسرائيلَ رمزياً لحفظ ماء الوجه، وكان من الممكن تنفيذه فوراً بعد قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية، لكنّ مدّة أسبوعين من الانتظار كانت حافلة بجولات مكّوكية في المنطقة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أجل التنسيق مع الولايات المتحدة عبر الوساطة العُمانية، لاحتواء ردّ إيران الانتقامي، مقابل تحقيق مكاسب تتعلق بإيقاف الاغتيالات الإسرائيلية النوعية لقادة الحرس الثوري، بعد خساراتٍ موجعةٍ، كوادر عديدة من الحرس الثوري في ستة أشهر. تريد طهران تعزيز دورها في الإقليم عبر الحفاظ على أذرعها المنتشرة في أربع دول عربية؛ ورغم حدّة شعاراتها المُعلنة، والتي ترفض الوجود الإسرائيلي في المنطقة، فإنّ العلاقة بين طهران وتل أبيب علاقة منافسة على النفوذ والمصالح الإقليمية.

لا تربط الدولتين حدود مشتركة، ولم يسبق أن احتلت أيّ منهما أراضي في الأخرى، ولدى كلّ منهما برنامج نووي غير معلن، ومطامح نفوذ في المنطقة. رغم العداء المتبادل، وتبادل تسجيل الأهداف العسكرية، إلا أنّ إيران وإسرائيل تتبادلان أيضاً المنفعة من الفوضى الحاصلة في المنطقة؛ فإيران مستفيدة من الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وفي المسجد الأقصى، وتقدّم الدعم السياسي والعسكري واللوجستي لحركات المقاومة في القطاع، رغم أنّه لا يمكن اعتبار تلك الحركات أذرعاً لها، لأنّ قرارها مستقلٌّ بدليل “طوفان الأقصى”، لكنّها، في الوقت نفسه، تعتبر تعزيز العلاقة مع “حماس”، خصوصاً، نفوذاً لها في فلسطين. أمّا باقي الأذرع، أي حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين والزينبيين والفاطميين وغيرهم، فهي تدعم تشكيل جماعات طائفية ضدّ المصالح الوطنية. وهذا التوتير في المنطقة يُضعف إمكانية تشكيل دورٍ مقاومٍ حقيقي للشعوب بإلهائها بصراعات طائفية وبمشكلات يومية وبصراعات مستمرّة مع الفقر والاستبداد. الغرب، خاصّة الولايات المتحدة، يتبنّى دعم إسرائيل كياناً يضمن استمرار توتير المنطقة، وراضٍ عن دور طهران فيها، ويعمل على ضبط إيقاع الاستفزازات بين إسرائيل وإيران، وأن تبقى دون سقف التصعيد.

وجود الكيان الصهيوني، وإشكالية الصراع العربي معه، شكّلا رافعة لطهران لبناء أذرعها الطائفية في المنطقة، في لبنان تحديداً، والتي نمت مع انهيار فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية. وخاض حزب الله حرباً في 2006 ضدّ إسرائيل لتبرير وجوده تنظيماً مسلّحاً في لبنان، في حين أنّ باقي المليشيات في العراق واليمن وسورية كانت بسبب الحرب والفوضى الأمنية الحاصلة، واستغلال العامل الطائفي. إنّ وجود كيان استعماري استيطاني مدعوم من الغرب بشكل لا محدود في فلسطين هو في عمق أسباب عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي، إزالة الكيان هي في مصلحة تقدّم العالم العربي واستقراره، وليست في مصلحة نفوذ إيران. ورفع شعار إبادة إسرائيل هو لتبرير أجندة أذرع إيران “المُقَاوِمَة”، وليس للقيام بفعل المقاومة ذاتها. هنا كان على طهران أنّ تردّ عسكرياً على اعتداء تل أبيب على قنصليّتها لتحفظ ماء وجهها، أمام وكلائها في المنطقة بالدرجة الأولى. تصرّفت طهران بحكمة عبر ردّها الحتمي، لكن المضبوط والمعلن عنه، فلا يصيب أهدافاً تجرّ المنطقة إلى حرب أوسع تهدم كلّ ما بنته إيران، الدولة المنبوذة من الغرب، من نفوذ، فظلّت تواجه الضربات الموجعة بصبر استراتيجي، ولن تضحّي بأذرعها في المنطقة من أجل ردّ عسكري على إسرائيل، فتلك الأذرع التي تقوم بدور إزعاج إسرائيل، وليس إيذائها، هي أوراق مفاوضة إيرانية أمام الغرب للاعتراف بدورها الإقليمي في المنطقة، في أيّ تسوياتٍ مستقبلية، في اليمن ولبنان والعراق وسورية، وكذلك في فلسطين.

العربي الجديد

————————-

استمرار الشكوك حول جدوى الهجوم الإيراني على إسرائيل… ومخاوف من نسيان مأساة غزة/ حسام عبد البصير

16 نيسان 2024

هل انتصرت إيران وثأرت لرموزها الذين قتلوا في قنصليتها في دمشق؟ وهل ما جرى من زحف للمسيرات الإيرانية على الكيان المحتل لصالح غزة وأهلها، الذين يضربون أروع الأمثلة على النضال للشهر السابع على التوالي، دون أن يدعمهم أحد لا بسلاح ولا بدواء، أم أن المواجهة التي انتهت في وقت وجيز نتائجها ضد القضيىة وأهلها؟ على مدار الساعات الماضية احتدم النقاش بين فريقين، أحدهما مع إيران وآخر ضدها، وإن كان كلا الطرفين يتعاطف أفراده مع مليوني غزي ما زالوا يواجهون أبشع جرائم حرب عرفتها الإنسانية في غيبة عن المؤسسات الفاعلة والحكومات المغلوبة على أمرها.

وعن الهجوم الإيراني على إسرائيل، قال علاء مبارك ابن الرئيس الراحل حسني مبارك: “بعد الانتظار الطويل والسهر تأتي النهاية الكوميدية وهي عبارة عن شوية بمب من بتوع العيد لا يودي ولا يجيب”. وأضاف أنه “فيلم هابط تم عرضه بسرية تامة دون علم الكيان المحتل، لم يحقق أي إيرادات ولا أهداف بل ربما تكسب إسرائيل بعض التعاطف الدولي ومحاولة فاشلة لصرف النظر ولو لوقت قصير عن مذابح وجرائم قوات الاحتلال في غزة”.

صدّق الرئيس السيسي على القانون الذي يحمل رقم 19 لسنة 2024 بإصدار قانون رعاية حقوق المسنين، الذي وافق عليه مجلس النواب. وأوضح القانون، الذي نُشر في الجريدة الرسمية، أنه يهدف إلى حماية ورعاية المسن، وكفالة تمتعه بجميع الحقوق الاجتماعية والسياسية والصحية والثقافية والترفيهية وغيرها من الحقوق، وتوفير الحماية اللازمة له وتعزيز كرامته وتأمين حياة كريمة له. كما وافق الرئيس السيسي على الاتفاقية الموقعة بين مصر والوكالة الفرنسية للتنمية، التي تأتي ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لتحسين الصوامع في مصر. وتنص الاتفاقية على تقديم منحة لمصر بحد أقصى يبلغ ستة وخمسين مليونا وسبعمئة واثنين وأربعين ألف يورو لتطوير سعات تخزين صوامع القمح..

ومن أخبار الحكومة: التقى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛ لمتابعة عددٍ من ملفات عمل الوزارة. وتطرَّق رئيس الوزراء إلى ملف إحياء “مسار آل البيت” وتطوير منطقة جنوب القاهرة التاريخية بما يدعم حركة السياحة ويُسهم في إحياء المناطق التراثية؛ لافتا إلى أهمية الحفاظ على تلك المنطقة، ولاسيما في ظل ما تتفرد به من مبان أثرية وتراثية تزخر بها، وكذا التغلب على التحديات التي تعاني منها، والحفاظ عليها من الزحف العشوائي الذي طالها، تحقيقا لتوجه الدولة في الحفاظ على الوجه الحضاري لتلك المناطق بما يُعيد لها عُمقها التاريخي. وأوضح أن اللجنة ستضم في عضويتها الوزارات والجهات المعنية، بهدف تكامل عملها، واتساقه مع الرؤية العامة، التي تستهدف الحفاظ على هذه المنطقة المتميزة.

نصر أم هزيمة؟

تستطيع إيران وفقا لرؤية عبد القادر شهيب في “فيتو” أن تقول إنها ثأرت من إسرائيل التي استهدفت قنصليتها في دمشق، وهي قالت بالفعل ذلك بلسان مندوبها في الأمم المتحدة، وتستطيع إسرائيل أن تقول إنها حققت نصرا بعد أن أحبطت 99 في المئة من الضربة الإيرانية التي تعرضت لها بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهي قالت ذلك بالفعل بلسان متحدثها العسكري ولسان بايدن رئيس الولايات المتحدة، في اتصاله بعد انتهاء الضربة الإيرانية بنتنياهو، فإن نتيجة تلك الضربة تسمح بذلك في وقت واحد، فهي رغم أنها كانت ضربة بنحو ثلاثمئة صاروخ وطائرة مسيرة فإنها لم تلحق بإسرائيل سوى أضرار محدودة، بعد أن تصدت لها دفاعاتها ودفاعات حلفائها الأمريكيين، لكنها في الوقت ذاته أثارت قلق إسرائيل وجعلتها تعلن حالة الطوارئ وتوقف حركةَ الطيران، خاصة أن الإيرانيين أعلنوا أن تلك الضربة أصابت قاعدتين عسكريتين في إسرائيل، لكن مع ذلك فإن تلك الضربة لم تغلق ملف الصراع الأمريكي الإيراني، لأن إسرائيل ترغب في أن ترد على الهجوم الإيراني، رغم أن بايدن طالب نتنياهو بعدم الرد حتى لا يتسع الصراع العسكري في المنطقة.. ولا تقتصر تلك الرغبة على نتنياهو وحده، الذي يعمل بشكل ممنهج على إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها ليستمر في الحكم أطول وقت، وإنما يشاركه في تلك الرغبة أيضا حلفاؤه من المتطرفين في إسرائيل، الذين يطالبون بأن يكون الرد الإسرائيلي على هجوم إيران موجعا بشدة لها. والسؤال هنا ما تداعيات ذلك على الصراع الأساسي، وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى الحرب الوحشية التي يشنها الإسرائيليون للشهر السادس على قطاع غزة، وبالتبعية على جهود الهدنة التي تسعى لها مصر مع قطر وأمريكا، أملا في أن تفضي في ما بعد إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

حققت أهدافها

رغم أن العالم حبس أنفاسه مساء السبت الماضي وهو يشاهد تلفزيونيا مئات المسيرات والصواريخ تنطلق في توقيت متزامن ومنسق من إيران وسوريا والعراق واليمن في اتجاه إسرائيل، ردا على الاستهداف الإسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق منذ أسبوعين، إلا أن الأجواء وفق ما تابع أشرف أبو الهول في “الأهرام” سرعان ما عادت للهدوء بشكل كبير بعد ساعات قليلة، عندما انقشع دخان الهجوم لنكتشف أن شيئا لم يتغير، وأن تسعة وتسعين في المئة من المسيرات والصواريخ تقريبا جرى إسقاطها قبل أن تصل لأهدافها، حسب البيانات الإسرائيلية والأمريكية، والباقي أوقع ضررا محدودا. والحقيقة أن هذه الهجمات لم تكن إلا عملية تبادل رسائل علنية بين طهران وواشنطن، فالإيرانيون من ناحيتهم أرادوا أن يؤكدوا مرة أخرى للأمريكيين أنهم قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، وأن زمن تهميشهم وحصارهم وعزلهم، لا بد أن ينتهى لأنهم يمتلكون القدرة على إشعال المنطقة والعالم، إن أرادوا، وفي أي توقيت يختارونه، وها هي صواريخهم تصل إلى أهدافها على بعد آلاف الكيلومترات، كما أنهم يستطيعون حشد أتباعهم في العديد من الدول لتجاهل حكوماتهم والمشاركة في الغزوات المقدسة، ولكنهم اختاروا مرة أخرى عدم توسيع نطاق الحرب والاكتفاء بمناوشات حزب الله والحوثيين دعما لغزة، رغم أنه كان بإمكانهم إطلاق آلاف وليس مئات المسيرات والصواريخ، وأنه أن الآوان للحصول على المكافآت نتيجة انضباطهم وقدرتهم على التحكم في غضبهم وردود فعل أتباعهم. وعلى الجانب الآخر فالمؤكد أن واشنطن، ورغم أنها وحلفاءها أسقطوا كل المسيرات والصواريخ تقريبا فهمت الرسالة الإيرانية وتحمد الله على أن الغزوة الإيرانية توقفت في بداياتها، لأن التكلفة المادية للتصدي للمسيرات والأسلحة الإيرانية باهظة الثمن، وأن النظام الإيراني يمكن ترويضه والتعايش معه لأنه وببساطة نظام براغماتي.

العدو يعلم

عشنا نعرف أن الحرب خُدعة، ولم نكن نعرف أنها تحولت إلى فُرجة، وقد كان هذا ما جلسنا نتابعه على الشاشات في ليلة عبثية. الحرب خُدعة لأن الذي يريد أن يحارب لا يقول إنه سيحارب، لكنه يخفي ذلك عكس هذا كله، حسب سليمان جودة في “المصري اليوم”، فعلته الحكومة الإيرانية، فأشاعت من حولها أنها بصدد القيام بحرب على إسرائيل، وأنها ستفعل كذا وكذا، وأنها ستنتقم لتدمير قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، ودون مقدمات راح العالم يسمع أن مئة طائرة مُسيرة في طريقها من إيران إلى الدولة العبرية، وأن عددا من الصواريخ سوف يأتي من بعد الطائرات المُسيرة، وأن الطائرات والصواريخ ليست سوى بداية لها ما بعدها.. وكانت هذه هي أعجب عملية عسكرية سمعنا بها في أي وقت، لا لشيء، إلا لأن الكشف عن إطلاق الطائرات المُسيرة في لحظة إطلاقها، وقبل وصولها إلى أهدافها المفترضة في إسرائيل بست ساعات، معناه المباشر أن تأخذ إسرائيل حذرها تماما، وأن تستعد لاعتراض الطائرات المقبلة إليها وإسقاطها، وأن تحمي نفسها ومواطنيها بكل وسيلة ممكنة.. وهذا بالضبط ما جرى. أي عبث إيراني هذا؟ وأي استخفاف بعقول الناس؟ وأي ضحك على الذقون؟ وأي ضحك على النفس؟ وأي ضحك على الإيرانيين أنفسهم؟ إن إسرائيل عندما حولت مبنى القنصلية إلى تراب، وعندما أتت على كل الذين كانوا في داخلها، وعندما قتلت ضابط الحرس الثوري الكبير محمد رضا زاهدي، وعندما قتلت معه مساعده، وعندما أضافت إليهما عددا آخر من الضباط، لم تهلل مسبقا، ولم تعلن مُقدما، ولم تملأ الأجواء صخبا، ولكن الدنيا نامت ثم استيقظت على مبنى القنصلية وقد تمت تسويته بالأرض. أما حكومة المرشد فلأن الدعاية أداة أساسية من أدواتها في المنطقة من حولها، فإنها قادت عملية دعائية من الدرجة الأولى، وأوهمت كل الذين تابعوا عمليتها بأنها ذاهبة إلى ضرب إسرائيل انتقاما لتدمير القنصلية، فلما بلغت العملية منتهاها تبين لكل متابع أنه كان أمام عمل دعائي في المقام الأول، لا عملا عسكريا حقيقيا في أي مقياس. إيران مستعدة للقتال حتى آخر جندي من جنود وكلائها في المنطقة.. ولكنها ليست مستعدة للقتال بنفسها، ولا بجنودها، ولا بأبنائها، وإذا شئت فراجع وقائع عمليتها الفشنك بالمعنى العسكري.

ما أكثرهم

عاد جنرالات المقاهي، كما يطلق عليهم رفعت رشاد في “الوطن” مرة أخرى – وسيعودون دائما- للإدلاء بدلوهم في ما حدث بين إيران وإسرائيل، أرغوا وأزبدوا ولم يعجبهم أن الضربات الإيرانية لم توجع إسرائيل، بالشكل الكافي ولم تشف غليلهم، كان المجال العربي مؤيدا لإيران، ويرى فيها الأمل في مواجهة العدو الصهيوني، الذي دمر وقتل في غزة حتى لم يعد قادرا على فعل المزيد من القتل والتدمير، لأنه لم يعد في غزة طوبة على طوبة، ولم يعد مكان لم يسو بالأرض. الضربات الإيرانية حققت أهدافها، حتى لو لم تدمر منشآت أو لم تقتل بشرا، كانت أول مرة تطلق فيها إيران أسلحتها من أراضيها مباشرة، التي تبعد آلاف الكيلومترات وهو اختبار لمدى قدرات أسلحتها ورسالة إلى إسرائيل، أنها قادرة على أن تطالها الأذرع الإيرانية الأصلية وليست التابعة فحسب، كما أن إيران أرادت اختبار مدى قدرات إسرائيل على التصدي لأسلحتها خاصة المسيرات الأكثر فعالية، التي صارت مطلوبة في كل مكان، وكانت أمريكا وبريطانيا اللتين تصدتا للأسلحة الإيرانية وليس إسرائيل، ما يعني أن إسرائيل يمكن القضاء عليها إذا تخلت عنها أمريكا ولو لبرهة. أصابت إيران إسرائيل والمعسكر الغربي بالذعر عندما أعلنت، وكان ذلك مقصودا، أنها سترد على ضرب إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، وكان من بين أهداف ردها، استمرار وجود الأساطيل الأمريكية في شرق المتوسط وعدم مغادرتها المنطقة في اتجاه الصين، وهو هدف تتعاون في تنفيذه إيران مع الصين وروسيا، ولذلك تقوم الأذرع الإيرانية العربية بضرب أمريكا وإسرائيل في باب المندب، وفي شمال فلسطين المحتلة بقوة ودون خوف.

عالة عليهم

عمليات الكر والفر بين إيران وإسرائيل مسألة تكتيكية في الحروب وليس من المفروض أن تكون الحروب بالسلاح فقط أو مدمرة للغاية، فإذا تحقق الهدف فتكون حققت نصرا. وقد خسرت إيران عددا من المسيرات والصواريخ لكن عملية التصدي لهذه الأسلحة، كما أوضح رفعت رشاد كلفت إسرائيل مليار دولار، وبالتالي لو أن إيران قامت بتكرار تلك العملية بالتنسيق مع أذرعها فإن إسرائيل التي تعيش عالة على أمريكا، لن تتحمل. قلبي مع الجمهور العربي الذي يشاهد فريقين أجنبيين يتصارعان على ممتلكاته ولا يقدر بنفسه على الدفاع عن هذه الممتلكات، فيقوم بتشجيع أحدهما لعله ينتصر أو في سره يقول: اللهم انصرهم على بعض. وأقول لهم إن إيران كانت مدفوعة لكي تقوم بتلك الضربات حتى تحفظ ماء وجهها أمام أتباعها في المنطقة، ولتأكيد مكانتها الإقليمية كدولة كبرى في الإقليم، كما أن تلك الضربات ستجعل إسرائيل تفكر كثيرا قبل أن تقدم على ضرب مصالح إيران في أي مكان. أمران أود الإشارة إليهما، الأول أن المنطقة بأكملها عربية أو غير عربية تكره إسرائيل، ولا تريدها في الشرق الأوسط، والثاني أن الأمم المتحدة والدول الغربية بكامل عددها أدانت ضربات إيران التي لم تصب إسرائيل بأي ضرر، بينما لم تأت على ذكر ضرب القنصلية الإيرانية وقتل مواطنين إيرانيين فيها بأي حرف. هكذا الغرب الاستعماري الذي يردد بايدن نيابة عنه دوما حماية بلاده ودول الغرب جميعا إسرائيل وهي الظالمة دوما.

النضال هوايتهم

قراءة المشهد الحالي من الأحداث، من وجهة نظر الدكتور خالد قنديل في “الأهرام” ليس مستبعدا منها إدراك نية الكيان المحتل في توجيه دفة ما يسمونه ـ زوراـ صراعا، نحو حرب بالمفهوم الكامل للكلمة، من توافر أطراف يتواجهون ويتقاتلون، فحتى هذه اللحظة وحتى كتابة هذه السطور، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر من توجيه الأسلحة الفتاكة بأنواعها تجاه أبناء غزة، وما خلفته ممارسة الإبادة الجماعية من أكثر 33 ألف شهيد وأكثر من 75 ألف مصاب، واستمرار القصف والتدمير والقتل على مدار الساعة، أي الحرب من طرف مسلح تجاه مواطنين عُزل، وأصحاب حق تاريخي ومصيري في الأرض، وعلى الرغم من أن الأوضاع الأخيرة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، دفعت واشنطن لطرح مقترح لوقف إطلاق النار على غزة، بسبب اضطراب موقف بايدن بالانتخابات الرئاسية، لكن تبدو في الأفق دوافع مستجدة وأخرى متراكمة، للدفع نحو توسيع نطاق الحرب في الشرق، ربما كان منها على المستوى النفسي، الهزائم النفسية المضادة للكيان من قبل أبناء غزة وأطفالها الذين يصرون على معانقة الحياة بشكل طبيعي، وقد عرفوا أقسى درجات الوحشية، وهم يلملمون أشلاء ذويهم أو يستخرجون الجثث من تحت أنقاض منازلهم التي تهدمت، ومع كل ذلك مارسوا حياتهم وأقاموا شعائرهم وموائدهم البسيطة في شهر رمضان، بل إن الأطفال استطاعوا أن يستقبلوا عيد الفطر ببهجة وأمل وإقبال على الحياة، صنعوا ألعابهم من حطام الحرب، وجعلوا من جدران البنايات المائلة تجاه الأرض جراء القصف زلاجات يمرحون فوقها، وتبادل من بقي من الأهالي الزيارات في ما بينهم، وقالوا للموت ننتظرك ولكن بطريقتنا.

بين موسكو وغزة

مرة بعد أخرى يطرح السؤال الروسي نفسه تحت وهج النيران في غزة بحثا عن شيء من التوازن الدولي المفتقد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضى وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم والتحكم في مصائره. هناك الآن حسب عبد الله السناوي في “الشروق” خشية واسعة من الانجرار المحتمل إلى حرب إقليمية واسعة تشمل إيران ودولا أخرى تتداخل معها المصالح الاستراتيجية الروسية. ما طبيعة وحدود الدور الروسي إذا ما أفلتت كتل النيران من مكامنها؟ روسيا ليست الاتحاد السوفييتي هذه حقيقة يستحيل إغفالها قبل إصدار الأحكام والتحليق في فراغ التصورات.. لكنها لاعب جوهري لا يمكن تجاهله في العلاقات الدولية. قوة كبرى، لكنها ليست عظمى في أوضاعها الحالية من اقتصاد مستنزف أثر العقوبات المفروضة عليها، وتراجع قدراتها على الإسناد الاستراتيجي فإنه من غير الممكن التعويل عليها في ردع الدور الأمريكي. حاولت السياسة الروسية منذ اندلاع الحرب أن تجد لنفسها دورا مؤثرا بقدر ما تطيقه أحوالها، مدفوعة بمصالحها الاستراتيجية في أكثر أقاليم العالم أهمية وخطورة وتأثيرا على مستقبلها المنظور. أدانت العدوان على غزة دبلوماسيا وسياسيا في المنتديات الأممية، دون أن تدخل طرفا مباشرا في الأزمة المشتعلة بالنيران والمخاوف. إذا ما نشبت حرب إقليمية واسعة يصعب أن يظل الدور الروسي في حدوده الحالية مكتفيا بإدانة العدوان على غزة، أو استخدام حق النقض في مجلس الأمن لإجهاض أي مشروعات قرارات أمريكية تعمل على إدانة المقاومة الفلسطينية، أو تمديد العدوان على غزة والتنكيل بأهلها. وفق موسكو فإن مشروعات القرارات، التي دأبت الولايات المتحدة على طرحها “مسيسة بشكل مبالغ فيه”.

الوقت في صالحها

لم يكن خافيا على أحد المكاسب الاستراتيجية المفاجئة التي جنتها روسيا أثر اندلاع الحرب على غزة. إذ تراجعت، كما يرى عبد الله السناوي أولوية الحرب الأوكرانية في الخطابين السياسي والإعلامي الدوليين، حتى كادت تنسى وسط طوفان المآسي الإنسانية في القطاع المعذب. رافقت حرب غزة بتداعياتها وأجوائها ومساجلاتها أوضاعا عسكرية مستجدة على الجبهة الأوكرانية، لم تعد سيناريوهات كسب الحرب وإذلال موسكو واردة. عاد الحديث عن حلول سياسية، أو الذهاب مجددا إلى التفاوض دون أن تبدى موسكو حماسا، فالوقت يعمل لصالحها وسيناريوهات تقليص تمويل الحرب غير مستبعدة. إذا ما انتهت الحرب على غزة الآن فإن موسكو سوف تتصدر رابحيها. كلما تأكد المأزق الأمريكي المزدوج في حربي غزة وأوكرانيا يستشعر الكرملين ثقة كبيرة في مستقبله المنظور، أن يكسب حربه في أوكرانيا، يحفظ أمنه القومي عند حدوده المباشرة، ويفرض أغلب مطالبه على الحلفاء الغربيين. خسارة الحرب الأوكرانية قد تفضي إلى تفكك الدولة الروسية، وكسبها يساعد إلى حدود بعيدة في استعادة الأوزان الروسية السابقة، أو تأسيس نظام دولي جديد على أنقاض الهيمنة الأمريكية شبه المطلقة. بصورة مباشرة تداخلت روسيا في ملف المصالحة الفلسطينية حتى تكون هناك إجابة أخرى على سؤال اليوم التالي. دعت إلى اجتماع في عاصمتها لفصائل المقاومة، شملت الدعوة الحكومة الفلسطينية، توصلت الاجتماعات إلى مخرجات تساعد على إنشاء حكومة فلسطينية من التكنوقراط، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بضم حركتي “حماس” والجهاد”، غير أن تلك المخرجات تقوضت تماما بإعلان سلطة رام الله حكومة جديدة، دون تشاور مسبق. الأوزان والأدوار كلها الآن على المحك إذا ما جرى الانجراف إلى حرب إقليمية واسعة. المصالح الروسية عند المسافة صفر.. في مرمى النيران مباشرة. انخراط روسيا في أي حرب إقليمية مكلف وأثمانه لا تحتمل.

بينهما ضحية

عندما يتفق البلطجي مع الشرطي تزيد السرقات وتكمم العدالة، ويعتلي الظلم شعارا للمرحلة، وتتوقف كل القوانين الوضعية والأخلاقية والدينية ويسود قانون الغاب، القوى يأكل الضعيف ويسلبه حقوقه ويسرق ممتلكاته ويهتك عرضه، ويتحول إلى فرعون ومارد يلتهم الأخضر واليابس. البلطجي الذي تحول إلى فرعون العالم من وجهة نظر سامي أبو العز في “الوفد” هو إسرائيل التي تعيث في الأرض فسادا وتتحدى المجتمع الدولي وتضرب بقراراته عرض الحائط، غير مبالية بردود أفعاله، لأن جميع السوابق التاريخية تنتصر فيها كجان وتتم معاقبة المجني عليه، لأنه تجرأ وقال لا للظلم ودافع عن أرضه وحقوقه بأعز ما يملك، فداء لوطنه ليعمل عداد الشهداء بكامل قوته دون توقف ويسجل أعلى قراءات. الشرطي الذي يحمي البلطجي، ويدافع عنه هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تلعب دور شرطي العالم، وتحول الحق إلى باطل، والباطل إلى حقوق واجبة التنفيذ، حتى لو كان الثمن لا يصدقه عقل ولا منطق، لترسخ مبدأ الغاب البقاء فيه للأقوى واغتيال المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية، وأموالها وترساناتها وأساطيلها البحرية وجيشها وصواريخها النووية جاهزة وتحت أمر إسرائيل، لحمايتها وتنفيذ مطامعها مهما كان الثمن. الضحية المجني عليها هي شعب فلسطين صاحب الأرض، والمالك الحقيقي لها، وتعد قضية فلسطين أهم القضايا الدولية المعقدة والممتدة جذورها إلى عقود طويلة، وتتعلق بحقوق الأشقاء ووجودهم في دولتهم المحتلة. وانطلق النزاع الإسرائيلي الفلسطيني منذ تأسيس الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين والاستيطان، والدور الذي لعبته الدول الكبرى في الأحداث، لتحتل إسرائيل الأراضي الفلسطينية عبر عدة مراحل تاريخية مختلفة، لتصل إلى ما نحن عليه من محاولاتها تهجير الفلسطينيين بعيدا عن أراضيهم، بإغلاق ملف القضية إلى الأبد.

البلطجي المدلل

إسرائيل التي زرعت في المنطقة بالقوة، نفذت سلسلة من الإجراءات المتفق عليها تضمنت هجمات إرهابية على القرى والمدن الفلسطينية، نفذتها منظمات صهيونية بهدف ترحيل الفلسطينيين وتنفيذ التطهير العرقي، أدت إلى احتلال اليهود لـ78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتشريد مليون فلسطيني بالقوة إلى دول الجوار. ووفقا لسامي أبو العز خلال حرب 1948 نزح 750 ألف فلسطيني إلى مناطق تحكمها إسرائيل والأردن ومصر، ومنحت إسرائيل الجنسية للقابعين داخل حدودها، وشهدت الأراضي المحتلة بعد مذبحة دير ياسين العديد من الانتفاضات في وجه المحتل على مر عقودها، كانت أبرزها انتفاضة الحجارة، وانتفاضة الأقصى، وأخيرا طوفان الأقصى، الذي انطلق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. باختصار.. أمريكا صاحبة اليد الطولى، لا ترى في الوجود إلا فتاها البلطجي المدلل إسرائيل وتبرر كل انتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها دفاع عن النفس، وترى أن إسرائيل البريئة المظلومة هي صاحبة الحقوق الشرعية في الأرض، وأن آلاف الشهداء والمصابين والمختفين تحت الأنقاض والأرامل واليتامى وبحور الدماء في غزة، تجرأوا ودافعوا عن أرضهم وعرضهم، وأزعجوا المحتل الغاصب البريء. ويرى شرطي الزور حامي الحمى أن ما يفعله البلطجي اليهودي في لبنان وسوريا وتدميره للقنصلية الإيرانية أمن قومي لإسرائيل، وأن أي رد فعل من قبل المجني عليهم سوف تتصدى له أمريكا بالقوة، الأمر الذي يهدد استقرار المنطقة، وأن أي رد فعل سيواجه بعنف والمزيد من التدمير والقتل، حتى لو اضطر الأمر لانطلاق حرب عالمية ثالثة.

جديرة بأمريكا

العام الحالي هو موسم الربيع في الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا الولايات الواقعة في الوسط والشرق، الذي يبدأ من 19 مارس/آذار حتى 20 يونيو/حزيران، إلا أنه وفقا لرأي محمود عبد المنعم القيسوني في “الشروق” لن يتميز بما هو معروف في دول العالم، أي شهر تفتح الزهور بألوانها الزاهية، وروائحها العطرية على الأشجار والحدائق العامة والخاصة، والنسيم العليل، وانتشار اللون الأخضر اليانع الجميل، وموسم تزاوج الطيور المهاجرة والمقيمة، فهذا سيحدث، لكن لن يستمتع بها المواطنون والمواطنات، حيث ستحدث ظاهرة صادمة ومزعجة وقبيحة تتكرر كل سبع عشرة سنة، أو كل ثلاث عشرة سنة، خصوصا في هذه الولايات. هي ظاهرة بيئية هائلة بكل معاني الكلمة، حيث تتعرض معظم الولايات الشرقية والوسطى في الولايات المتحدة الأمريكية لهجوم كاسح حاشد من حشرات السيكادا الطائرة (المكتملة النمو التي تشبه الجراد والصراصير (طولها عشرون سنتيمترا، ولها عيون حمراء بارزة من الرأس، وستخرج بأعداد تتعدى التريليون دون مبالغة من باطن الأرض بعد حالة بيات دامت إما سبع عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أسفل سطح الأرض. ظاهرة العام الحالي شاذة لم تحدث منذ عام 1803 حيث سيخرج نوعا هذه الحشرة معا لأول مرة لتغطي بكثافة كامل المسطحات وأشجار وسطوح المنازل والسيارات وعلى أكتاف ورؤوس البشر المتحركين في المساحات المفتوحة، وهي حشرات يسعى ذكورها للتزاوج محدثة صريرا وصخبا يعتبر الأعلى صوتا في عالم الحشرات؛ صرير يتعدى ارتفاعه خمسة وتسعين ديسيبيل (وحدة قياس الضوضاء) صرير قد يسبب نزيفا دمويا في الأذن البشرية.

خطرها داهم

هذه الحشرات التي حدثنا عنها محمود عبد المنعم القيسوني ستضرب ولاية إلينوى وسط القارةالأمريكية وعند إتمام مهمة التزاوج تتساقط الذكور وتموت لتغطي جثثها مساحات هائلة من أراضي الولايات الأمريكية ولتشكل وجبات ضخمة للطيور والزواحف والقوارض بينما تضع إناثها البيض ملتصقا على فروع الأشجار لتتساقط في ما بعد بالميارات وتخترق يرقاتها سطح الأرض لتقضي حسب نوعها إما السبع عشرة سنة التالية، أو الثلاث عشرة سنة أسفل التربة لتنمو خلالها ولتبزغ مكتملة النمو من الأرض عند اكتمال نموها، لتبدأ دورة الحياة من جديد لمدة شهر ونصف الشهر ثم تعود لباطن الأرض. وقد تحرك عدد كبير من علماء الحشرات في دول العالم لزيارة هذه الولايات لدراسة هذه الظاهرة الهائلة على الطبيعة، أما هنا في مصر فالحال مختلف تماما، حيث نواجه كل حين وآخر هجمات هائلة من أسراب حشرات الجراد المقبلة من صحارى جنوب شرق مصر، أو من الجزيرة العربية عابرة البحر الأحمر أو من غرب مصر عابرة المحيط الأطلنطي ودول شمال افريقيا، فهذه الحشرة قادرة على اجتياز مسافة ألف كيلومتر في أسبوع واحد، وتطير في أسراب تتعدى الخمسين سربا والسرب الواحد يتعدى عدده الثمانين مليون حشرة بالغة تغطي أثناء طيرانها أو عند هبوطها علي الأرض مساحة كيلومتر مربع، تستهلك غذاء خمسة وثلاثين ألف شخص في اليوم الواحد، وكل جيل جديد منها يكون أكبر من الجيل السابق بعشرين ضعفا. توابع هذه الحشرات ضارة للغاية، حيث يمكنها تحطيم الأشجار بسبب ثقل تجمعات أعداد هائلة منها على فروع الشجر، كما تفسد النباتات بإفرازاتها الضارة وتدمر المحاصيل الزراعية والمراعي، لذلك فهي خطر مؤكد للأمن الغذائي، ما دفع وزارة الزراعة والإدارة المركزية لمكافحة الآفات إقامة أربع وخمسين قاعدة للمراقبة والمقاومة منتشرة على الحدود والسواحل.

مال سهل

لم يعد السفر والترحال، أو الاجتهاد في مشروع اقتصادي، هو السبيل للحصول على المال، بل بات “العمل الافتراضي” كما أكد الدكتور محمود خليل في “الوطن” هو الطريق الذي يمكن أن يتحقق من خلاله المال لبشر عاديين، والمال الذي يتحقق في هذه الحالة ليس بالقليل، ويصعب قياسه، على سبيل المثال، بما كان يحققه بالأمس من كان يسافر ويعمل في إحدى دول الخليج ويدخر قسما كبيرا من دخله. فالتحقيق المالي يتم على مستويات كبيرة وفي وقت سريع، ربما بخبطة واحدة، الخبطة هنا قد تكون فيديو يتم بثه على موقع يوتيوب، أو تيك توك، أو غيرها من مواقع التواصل، ويستقبله جمهور التواصل الاجتماعي بالترحاب واللايكات والتعليقات، ويتعاظم الترافيك – المرور- عليه، فيحصد صاحبه من الأرباح، ما لا يربحه عن طريق الجهد والعرق في العمل، وما يسبقه من اجتهاد في التعليم من أجل الحصول على الشهادة. ومن يجرب وينجح في الحصول على المال الافتراضي يغري غيره بالدخول في التجربة، فيبدأ سباق محموم بين الأفراد من أجل جمع المال. هذه الطريقة في جمع المال تناغمت مع مناخ عام يدعم فكرة “السمسرة”، فعمل السماسرة بدأ في الانتعاش، وأصبح في كل مجال مساحة للسمسرة، في الطب والهندسة والتعليم والتجارة وغير ذلك. ولم تعد السمسرة لعبة أراض وبيوت وغير ذلك، بل توغلت في كل جوانب الحياة، ولأن المال الافتراضي ظهر في أحضان السمسرة، فقد باتت العلاقة بينهما وطيدة أيضا، إذ لم تعد مسألة جمع المال الافتراضي عن طريق إنتاج محتوى يحظى بمتابعة الجمهور مجرد إجادة في تقديم محتوى، بل لعبة سمسرة أيضا، بعد أن أصبح الترافيك هو الآخر قابلا للشراء. لقد تكاملت الأمور حين التقت حيل السمسرة بألعاب المال الافتراضي.

الرقم مغلق!

وهو يقوم بعمل جرد لأرشيفه الصحافي عثر كارم يحيى في “الأهرام” على مقال في “أهرام” 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بعنوان “النائب العام والاختفاء القسري”، فطالعت اسمه بين السطور: إبراهيم متولي المحامي ومؤسس ورئيس “رابطة أسر المختفين قسريا”، وأب واحد منهم ما زال مصيره مجهولا منذ 2013. مرّ على المقال، الذي كتبه صحافي كان حينها في الجريدة ومواطن مصري اسمه كارم يحيى، ثلاثة من النواب العموم للآن دون رد. ومع أنه يستند لبلاغ جماعي قدمه متولي نيابة عن 10 أسر، بل ما حدث أن مقدم البلاغ، وليس كاتب المقال المحظوظ لليوم، جرى اعتقاله من مطار القاهرة الدولي في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10 سبتمبر/أيلول 2017. وكان المحامي والأب متوجها إلى جنيف مدعوا لدورة مجموعة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري، وتطبيق اتفاقيتها الدولية لحماية جميع الأشخاص من هذا الاختفاء، التي لم توقع عليها السلطات المصرية للآن.. بحلول عيد الفطر، لا بد من تذكرة، وهو ما زال في الحبس الاحتياطي والانفرادي، وبعدما تم “تدويره” في ثلاث قضايا تباعا بالاتهامات ذاتها أعقبت قرارات إخلاء سبيل. أتذكره وأطلب له ولغيره الحرية والسلامة والخروج من (سجن بدر 3 )، الاسم الكودي الجديد “للعقرب الرهيب”. وقد شكا لمحاميه إهمال علاجه من مضاعفات تضخم “البروستاتا” والتهابها التهابا حادا، مع وقائع تعذيب بالكهرباء سبقت خلال اختفائه محتجزا “بالمقار إياها”. ولا أعرف هل جرى التحقيق بشأنها؟ وما النتيجة؟ وأتذكر أيضا مقدمة مقال “أهرام” 2015 على هذا النحو: “انفطر القلب عندما استمعت إلى أم أخبرتني أنها تتصل بابنها المختفي منذ أكثر من عامين على رقم هاتفه المحمول لتقول له في كل عيد، بما في ذلك عيد ميلاده: كل سنة وانت طيب. تصمم على قول التهنئة، وهي تغالب الدموع واليأس وصوت الرسالة المسجلة: (هذا الرقم مغلق أو غير متاح)”.

القدس العربي

—————————

الاحتدام الإقليمي وقنوات التحكم الأمريكي

16 نيسان 2024

رأي القدس

تزاول الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الأيام لعبة دقيقة للغاية. فهي من جهة تزوّد الاحتلال الإسرائيلي بأعتى أنواع الأسلحة لمواصلة الحرب الإبادية على قطاع غزة، وهي من جهة ثانية تجتاز مرحلة مضطربة من العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية بسبب تعنت الأخيرة فيما يتعلّق بأي تصور لما بعد الحرب يقرّ ولو بطرف دولة للفلسطينيين.

لكنها من جهة ثالثة تسهر على اعتراض المسيّرات والصواريخ التي وجهتها إيران على إسرائيل انتقاماً لاستهداف سفارتها في دمشق. وفي الوقت نفسه، ومن جهة رابعة، ومن موقع أنها الترس الحامي لإسرائيل في وجه الضربة الإيرانية، تضغط أمريكا من أجل تحجيم الرد الإسرائيلي على هذه الضربة، إن لم يكن تعليقه أو تأجيله.

يأتي كل ذلك عشية مواجهة انتخابية لعلّها الأكثر خطورة في تاريخ أمريكا، وفي عالم يزداد اضطراباً تتواصل فيه كل من الحرب الروسية – الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة، وتبرز فيه متاهات خارطة مركبة من التهديف المتبادل على امتداد الشرق الأوسط من باب المندب حتى مضيق هرمز وكرمان، ومن بلوشستان حتى صحراء النقب، برّاً وبحراً.

في كل هذا الولايات المتحدة تريد في الوقت نفسه الشيء ونقيضه: دعم الهمجية الإسرائيلية، وحمل هذه الهمجية على شيء من الواقعية بالنسبة إلى اجتراح تصور لمرحلة ما بعد الحرب.

وأيضاً، تحاول إدارة الرئيس جو بايدن التوفيق بين التفاوض مع إيران بما في ذلك حماية هذا التفاوض من الإغارة الإسرائيلية عليه، إنما من دون أي مآل واضح لهذا التفاوض.

لقد مزّق دونالد ترامب الاتفاق الذي وقع عليه باراك أوباما ولم يستطع بايدن في المقابل إحياء الاتفاق بل اكتفى بإحياء ملتبس للتفاوض. ما يهمّ الولايات المتحدة قبل كل شيء آخر هو أن لا ترهقها منطقة الشرق الأوسط في وقت تزداد فيه الحرب الروسية – الأوكرانية تعقيداً.

تدعم أمريكا إسرائيل، مع خطاب مؤدلج لتسويغ هذا الدعم بالمزايدة على الصهيونية نفسها، لكنها تدرك أيضا أنه من مصلحة إسرائيل أن تورّطها في النزاع أكثر فأكثر، غير مكترثة بالوضع الدولي الإجمالي ومصالح الولايات المتحدة على امتداد الكوكب.

لقد أظهرت الأشهر الفائتة أن نظام القبة الحديدية أظهر فعالية أكبر من تجارب الحروب السابقة مع قطاع غزة، وجاءت الضربة الإيرانية لتظهر أن نظام القبة الحديدة هو جزء من شبكة مضادة للصواريخ والمسيّرات تشرف عليها الولايات المتحدة في المنطقة وتنخرط بها حكومات عربية إلى جانب إسرائيل.

في المقابل، أظهرت الحرب أن الفاتورة الدموية الإبادية العالية لا تقترن بفعالية ميدانية تقارن بها وقادرة على فرض الإملاءات الإسرائيلية على مصير القطاع. فهل يؤسس اجتماع المعطيين اليوم لنوع من إرهاق إقليمي عام يمهد للوصول إلى تعليق الحرب الحالية وبأي ثمن يكون هذا وبأي شكل؟

مع الانتقال إلى المواجهة الإسرائيلية الإيرانية المباشرة ولو عن بعد، تكون المنطقة قد وصلت بالفعل إلى مفترق طرق: فإما العد العكسي السريع لنهاية الحرب في غزة وإما اتساع رقعة الحرب وتراجع القدرات والآليات العاملة على كبحها أو تأطيرها، وفي طليعة تلك السياسة التي تعتمدها الإدارة الأمريكية. يصعب الفصل منذ الآن في أي اتجاه سيسلك الواقع الإقليمي من بعد مفترق الطرق هذا، لكن خروج الحرب عن كل تحكم بها، وعن كل سيطرة، ليس بالأمر السهل في منطقة باتت العلاقات بين بلدانها والقوى العظمى في العالم متقاطعة ومحيّرة.

—————————-

محددات استعراض القوة الإيراني/ عمرو حمزاوي

16 نيسان 2024

كان من المتوقع أن ترد إيران عسكريا على قتل إسرائيل لقيادات من الحرس الثوري بتدمير قنصلية طهران في دمشق، وكان من المتوقع أيضا أن يمثل الرد خطوة تصعيدية إضافية في مسارات المواجهة بين البلدين.

أخذ صناع القرار في طهران مجموعة من المحددات الداخلية والإقليمية والعالمية في الاعتبار وهم يعدون للرد الذي جاء أشبه باستعراض منضبط للقوة الإيرانية يبتغي التذكير بقدرات الردع والدفاع واستعادة شيء من الهيبة في الشرق الأوسط دون التورط في حرب مفتوحة مع تل أبيب وحلفائها الغربيين الملتزمين بالدفاع عن أمنها.

داخليا، يواجه نظام الجمهورية الإسلامية أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية مركبة. فمعدلات النمو العام في تراجع منذ سنوات، ونسب البطالة والفقر في ارتفاع، والعلاقات التجارية مع الصين وبدرجة أقل مع روسيا صارت بمثابة شريان حياة وحيد للاقتصاد الإيراني المتراجعة إنتاجيته بسبب العقوبات الغربية والمعتمد على تصدير النفط للصين واستيراد كافة احتياجاته منها ومن روسيا. اجتماعيا، لم تغب العوامل التي دفعت قطاعات واسعة من النساء والأجيال الشابة إلى تجربة التمرد على حكم رجال الدين ورفض القيود الكثيرة المفروضة على الحريات الشخصية والعامة. خبت انتفاضة النساء الأخيرة بفعل العنف الممنهج الذي مارسته السلطات ضد المتظاهرات والمتعاطفين معهم، غير أن المقارعة اليومية بين النساء المتمردات على مظاهر التدين الشكلي المفروض من لدن آيات الله وبين الأجهزة الأمنية المتربصة بهن لم تتوقف أبدا. سياسيا، وعلى الرغم من التماسك الذي تبدو به سلطات وأجهزة الجمهورية الإسلامية، يخيم شبح عدم الاستقرار على إيران بفعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك بفعل غياب إجابة قاطعة على سؤال من سيخلف المرشد الأعلى خامنئي الذي تقدم به العمر ويعاني من صعوبات صحية.

بمثل هذه الوضعية الداخلية، صار لزاما على صناع القرار في طهران التثبت من أن ردهم العسكري على الأعمال العدائية لتل أبيب لن يرتب حربا مفتوحة لا يمكن لهم تحمل كلفتها لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا. غير أن الرد بصيغة ما على إسرائيل كان قد تحول أيضا إلى ضرورة يمليها تجنب المزيد من تراجع شرعية نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل الإيراني الذي يشحنه آيات الله ورجال الدين والحرس الثوري منذ عقود بمقولات تحرير فلسطين والمقاومة والعداء للصهيونية.

إقليميا، ضربت تل أبيب هيبة طهران في مقتل بهجماتها المتكررة على مواقع ومصالح إيرانية منذ نشبت حرب غزة ومن قبلها. وكان الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، عاصمة الحليف الإقليمي الأهم لطهران ومكان تواجد نوعي مؤثر للحرس الثوري وقريب من الوكلاء الإقليميين الآخرين «حزب الله» في لبنان وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، أمرا يستحيل على صناع القرار الإيرانيين عدم الرد عليه أو تركه للوكلاء إن في لبنان والعراق أو في اليمن للرد عليه نيابة عن السيد والراعي الكبير في طهران. إلا أن الحسابات الإيرانية كانت تبحث عن صيغة للرد المنضبط الذي لا يدفع إسرائيل إلى المزيد من التصعيد بأعمال عدائية جديدة إن ضد مواقع ومصالح ووكلاء طهران في الإقليم أو ضد أهداف في الداخل الإيراني.

فطهران كانت تدرك أن المزيد من التصعيد يمكن أن يعني نزوعا إسرائيليا نحو ضربات واسعة ضد الوجود الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وضد الوكلاء الإقليميين الذين استثمرت إيران عسكريا وماليا وسياسيا في بناء وتطوير قدراتهم. بل كانت طهران تدرك أن تل أبيب قد تنتهز فرصة هجوما إيرانيا واسعا ضدها لكي تتحرك لضرب المشروع النووي الإيراني واستدعاء الدعم الغربي لتحركها رافعة لافتة التهديد الوجودي للدولة العبرية. لذلك لم يرد صناع القرار في طهران ردا واسعا، بل بحثوا عن استعراض للقوة مأمون العواقب في اليوم التالي، على الأقل إلى حد ما.

أرادت طهران أن يحمل ردها العسكري أو استعراضها للقوة إدخالا لعامل ردع جديد في معادلة الصراع بينها وبين تل أبيب، وهو قدرتها على مهاجمة إسرائيل بصورة مباشرة من الأراضي الإيرانية. فقد دللت الأعمال العدائية المتكررة من قبل إسرائيل ضد مواقع ومصالح إيران أن لعبة طهران في الرد عبر الوكلاء ومن ساحات مختلفة ليست بكافية لردع الدولة العبرية أو للحفاظ على هيبة إيران في ناظر حلفائها الإقليميين وفي ناظر الأطراف الأخرى التي لها مع طهران علاقات طبيعية كتركيا والإمارات أو تنفتح عليها تدريجيا إن لاستعادة الأمن الإقليمي أو للحفاظ على المتبقي من استقرار في الشرق الأوسط كالسعودية ومصر.

ولا شك في أن صناع القرار في طهران بإدخال الرد المباشر كعامل ردع جديد إزاء إسرائيل كانوا يفكرون في نظرة القطاعات الشعبية المتأثرة بمقولات المقاومة والممانعة على امتداد الإقليم إلى إيران بعد ما غاب دورها منذ نشبت حرب غزة ولم يفعل مبدأ وحدة ساحات المقاومة لحماية الشعب الفلسطيني بعد أن ورطته حماس في السابع من أكتوبر 2023. مثل الرد المباشر من طهران بصيغة استعراض قوة محسوب النتائج والعواقب تجاه تل أبيب، إذا، فرصة لإنقاذ شيء من مصداقية طهران في أعين المقتنعين بمقولات المقاومة بعد أن رتب لا فعل آيات الله ورجال الدين فيما خص غزة شكوكا واسعة في نواياهم وقدراتهم وبدت أطراف إقليمية أخرى كمصر والأردن والسعودية والإمارات أكثر قدرة على الفعل والحركة والمناورة إقليميا ودوليا.

دوليا، استند صناع القرار في طهران إلى محددين هما أولا ضرورة الامتناع عن رد مباشر ضد تل أبيب يستدعي تأييد واشنطن والعواصم الأوروبية لتصعيد عسكري واسع النطاق من قبل إسرائيل في أعقاب الرد الإيراني، وثانيا حتمية الظهور عالميا بمظهر الدولة المعتدى عليها بعد الهجوم على قنصليتها في دمشق، والقنصلية هي وفقا للقانون الدولي العام أرض إيرانية، والتي تعمل حقها في الدفاع الشرعي عن النفس برد منضبط ومحدود على الدولة المعتدية.

تنبع أهمية المحدد الأول من قناعة نظام الجمهورية الإسلامية بحضور التربص والرغبة في عمل عسكري واسع ضدها من قبل إسرائيل التي تريد ومنذ سنوات الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وبحتمية الحيلولة دون إعطاء الفرصة لتل أبيب للحصول على التأييد الأمريكي والأوروبي لمثل ذلك العمل العسكري الذي لا يريده آيات الله ورجال الدين لا اليوم ولا غدا. أما المحدد الثاني فكان من جهة محرك البيان الذي أصدرته بعثة الجمهورية الإسلامية في الأمم المتحدة ليله «هجوم» المسيرات والصواريخ الإيرانية على إسرائيل والذي أكدت به طهران على أن هجومها هو عمل للدفاع الشرعي عن النفس ولا يبتغي المزيد من التصعيد بين البلدين، ومن جهة أخرى كان مبدأ الدفاع المنضبط عن النفس هو فحوى الرسائل الإيرانية للدول العربية المركزية ولتركيا وللغرب في الولايات المتحدة وأوروبا.

وحين توضع كافة محددات الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية كما أدركها صناع القرار في طهران وهم يعدون لردهم المباشر على تدمير تل أبيب للقنصلية في دمشق، سيبدو استعراض القوة المنضبط والخالي من الآثار المدمرة الذي قامت به إيران في الثالث عشر من الشهر الجاري منطقيا ومستندا إلى حساب دقيق لما تقدر عليه الجمهورية الإسلامية ولما لا تستطيعه اليوم، لما أرادته من إدخال عنصر الرد المباشر إلى معادلة مواجهتها مع إسرائيل ولما أرادت تجنبه من حرب مفتوحة وصراع واسع. والأمر هنا يظل بعيدا عن مقولات المقاومة والممانعة مرتفعة الصوت ومنخفضة المضمون مثلما يظل بعيدا عن احتمالية نزوع إسرائيل إلى الرد التصعيدي واسع النطاق وفقا لحسابات الدولة العبرية ومعادلات القوة المعقدة داخل حكومتها ولحظة التهديد الوجودي التي يشعر به مواطنوها منذ السابع من أكتوبر 2023.

كاتب من مصر

القدس العربي

————————–

إجماع في إسرائيل بضرورة الردّ على إيران وخلافات حول الحجم والمكان والزمان.. ودعوات خارجية وداخلية للتريث/ وديع عواودة

16 نيسان 2024

فيما يبدو ميزان الرعب المتبادل بين إسرائيل وإيران في مرحلة تشكّل جديدة، تفيد تصريحات وتسريبات متتالية داخل إسرائيل، بأن قادتها في الائتلاف والمعارضة متوافقون على ضرورة الردّ على إيران بعد هجمتها غير المسبوقة، لكنهم يختلفون على حجم الرد وتوقيته ومكانه، وسط دعوات كثيرة للتريّث واختيار الهدف بعناية والحذر خشية الانزلاق إلى حرب إقليمية، والاهتمام بالحفاظ على التحالف الغربي- العربي الناشئ ضد إيران.

وبالتزامن، سيصل إلى إسرائيل وزيرا الخارجية البريطاني والفرنسي في محاولة لمنع تصعيد جديد محتمل في الشرق الأوسط. وتنقل وسائل إعلام عبرية صباح اليوم الثلاثاء عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قال لوزراء حزبه “الليكود” إن على إسرائيل الردّ على إيران بحكمة بعيدا عن الانفعالية، منوها أيضا لأهمية ترك الإيرانيين في حالة قلق وضغط وهم ينتظرون الضربة الإسرائيلية.

وقالت تسريبات إسرائيلية إن مكتب نتنياهو رفض تلقي مكالمات خارجية من مسؤولين دوليين منذ أمس الإثنين؛ بسبب خوفه من عزمهم ممارسة الضغوط عليهم. ويتوافق المستوى العسكري مع المستوى السياسي في إسرائيل حول حتمية الرد على إيران كما تجلى في تصريحات قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، الذي قال بلهجة قاطعة من قاعدة “نفاطيم” الجوية في النقب: “سيكون هناك رد على هذا الاعتداء الواسع”، وتبعه الناطق العسكري دانيال هغاري الذي قال إن إسرائيل سترد في المكان والزمان المناسبين.

وبعد التحفظات المعلنة من قبل الولايات المتحدة على ردّ عسكري إسرائيلي، وتأكيد ساستها بأنهم لن يشاركوا في عمل هجومي ضد إيران، اهتماما بمصالح أمريكية في المنطقة، وبحسابات داخلية على رأسها الانتخابات الرئاسية المقبلة، تكشف صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اليوم، أنه رغم معارضة الدول العظمى والخوف من التصعيد، يعترف مصدر أمريكي أن الرئيس بايدن لن يمنع نتنياهو من تنفيذ قرار يتخذه بهذا الخصوص.

في المقابل، تفيد وسائل إعلام عبرية أن إسرائيل ورغم استعدادها للرد، تبعث برسائل لعدة جهات دولية وإقليمية أنها ليست معنية بحرب ولا تريد تصدعا في التحالف الدولي الناتج، وعلى ما يبدو هذه محاولة لطمأنة دول معينة والحفاظ على بدء تحسن العلاقات معها، علاوة على الرغبة بتحاشي سوء فهم مع إيران يؤدي لتصعيد خطير كلاهما لا يرغب به. كما قالت الإذاعة العبرية الرسمية اليوم، إن إسرائيل بعثت رسالة تطمين سرية لدول عربية في ظل تهديدات إيرانية لها، مفادها: “لن نقوم بما يزعزع الاستقرار عندكم أو إظهاركم عملاء لنا”.

إيهود باراك: علينا الرد والتحلي بالصبر الاستراتيجي

في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، عبّر رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك، عن المزاج السائد لدى معظم الأوساط الرسمية وغير الرسمية داخل إسرائيل، بإشادته بقدرات الدولة العبرية الجوية في صدّ الهجمة الإيرانية خلال “ليلة المسيّرات” وبدعوته للتريّث والتصرف بحكمة وإطلاق حجر يصيب عدة أهداف في اتجاهات مختلفة.

عن ذلك قال باراك: “علينا الرد، ولكن علينا معاينة الهدف من جملة أهداف ممكنة مع الأخذ بالحسبان عدة اعتبارات: ألا يؤدي الرد لحرب يحقق حلم السنوار، عدم نسيان الحرب على غزة وأهدافها التي لم تتحقق بعد، والمحتجزين”. منبها أيضا للحذر والحرص على عدم اندلاع حرب مع حزب الله، ولضرورة السعي لترميم قوة الردع وترميم العلاقات مع واشنطن في ذات الوقت، بعدما تبينت مجددا حيوية الدعم الأمريكي خلال الأزمة الراهنة مع إيران، علاوة على دعوته للحفاظ على التحالف الناشئ “الغربي- العربي” ضد المحور الإيراني.

وفي نطاق دعوته للتريّث والحذر، لفت باراك إلى أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أخطأت مجددا قبل أيام، بعدما تنبأت بأن إيران لن ترد عسكريا على قصف قنصليتها في دمشق، واغتيال قيادات في الحرس الثوري، مذكّرا بفشلها أيضا في السابع من أكتوبر. وتابع: “لذلك، عندما يقال لك إن هذا رد مقترح ملائم لن يدفع إيران للرد ثانية عليك التشكيك به”.

وفي إطار النقاشات المستفيضة داخل إسرائيل حول سؤال الرد وميزان الرعب المتشكّل من جديد بين إسرائيل وإيران، قال قائد سلاح الجو الأسبق، إلياهو بن نون، في حديث للقناة 12 العبرية: “نحن لا نستطيع القيام لوحدنا بضربة في إيران”. وتبعه زميله قائد الجيش وقائد سلاح الجو سابقا دان حالوتس الذي قال للقناة 13 العبرية، إن الضربة في إيران باتت اليوم أصعب بسبب أن الإيرانيين تخندقوا في السنوات الأخيرة وبنوا منشآتهم العسكرية داخل أنفاق.

وفي هذا المضمار قال النائب من حزب “يش عتيد” المعارض متان كهانا (طيّار عسكري سابق) إن إسرائيل حققت ليلة السبت نجاحا باهرا، لكنها بدون التحالف الإقليمي والتعاون الغربي ودول أخرى، كانت ستصحو على صباح مختلف خطير.

الحذر من الاستعجال

وفي الرأي العام، يدعو مراقبون إسرائيليون كثر للتريث، مقابل دعوات بن غفير وسموتريتش وبعض وزراء الليكود وعدد من المحللين للرد العنيف الفوري ورد الصاع صاعين لإيران.

في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم، يحذّر المعلق السياسي البارز بن درور، من الاكتفاء برد رمزي على هجمة إيران. ويعلل دعوته لرد قوي بالقول إنه للمرة الأولى، ينشأ تحالف غربي- إسرائيلي- عربي، شارك في لحظة الحقيقة ضد إيران، لكن هذا المكسب في خطر؛ لأننا في الشرق الأوسط. زاعما أنه في الظروف الناشئة، فإن ضبط النفس هو ضعف، ويعني استمرار الكيدية الإيرانية ما من شأنه أن يشجع طهران على الاستمرار في زعزعة الاستقرار خاصة في الأردن.

في المقابل يحذر عدد كبير من المراقبين من الرد المستعجل، فيقول على سبيل المثال رون بن يشاي، المحلل العسكري في موقع “واينت”: “علينا عدم العجلة للرد بهجوم على إيران، أولا كي نباغتهم ونجعلهم في حيرة وقلق دائمين، ودفعهم للتساؤل هل يستحق دعم الفلسطينيين كل هذا العناء؟ والسبب الثاني هو البحث عن هدف. على إسرائيل أن لا يؤدي ردها لحرب إقليمية”.

وتبعه بهذه الروح، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول اليوم إن إسرائيل تستعد للرد، والخطر الكبير أن تجر إيران حزب الله عميقا للمعركة. ويوضح أن هناك إجماعا من كل الأطراف داخل الكابينيت بضرورة الرد، وأن الاتجاه هو البحث عن رد يتم اختياره بعناية لا يجر الشرق الأوسط إلى حرب. ويمضي في تحذيراته: “الخطر الكبير يكمن في حزب الله الذي بنته إيران لردع إسرائيل، وكجواب على احتمال استهداف منشآتها النووية. والآن من الوارد استخدامه كردّ على رد إسرائيلي محدود محتمل”.

كما يقول هارئيل إن إيران دفعت موضوع غزة وموضوع المخطوفين للهامش، وإن حماس اقترحت أمس إعادة 20 مخطوفا فقط، ويبدو أنه حان الوقت لصفقة واحدة شاملة بنبضة واحدة.

وفي هذا المضمار، كرّر إيهود باراك انتقاداته التقليدية لسياسات نتنياهو، بقوله إن نجاح حماس في ترميم قواتها العسكرية في مواقع داخل القطاع، هو نتيجة لعدم وجود تصور إسرائيلي لليوم التالي، ونتيجة الشلل الاستراتيجي الذي يقوده نتنياهو، مما يمنح حماس فرصة إعادة بناء قواتها من جديد. وتابع: “علينا الانتباه للمحتجزين”.

ماذا مع المحتجزين؟

وهذا ما تدعو له صحيفة “هآرتس” العبرية في افتتاحيتها اليوم، بقولها إن إسرائيل ترفض الإصغاء لأصدقائها، وتجد نفسها معزولة وهي تبتعد عن صفقة تعيد المحتجزين، وهذا جزء من رفضها لـ”اليوم التالي” وبالأساس السياق الشامل لتسوية القضية الفلسطينية. وتمضي في انتقاداتها لاستراتيجية نتنياهو الفاشلة بالقول: “طيلة سنوات حكمه، سار نتنياهو حسب مفهومية سلام مع العرب دون القضية الفلسطينية، من خلال إضعاف محمود عباس وتقوية حماس، حتى انهار ذلك في السابع من أكتوبر”.

غزة وحماس

يشار إلى أنه وبالتزامن مع تهديدات نتنياهو باجتياح رفح، أعلن أمس عن تأجيل العملية العسكرية ضد المدينة الفلسطينية.

من جهتهم، اعترف مندوبو جيش الاحتلال خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أن كتائب لحماس نجحت بترميم ذاتها في جنوب وشمال القطاع، علاوة على أربع كتائب في رفح، وهذا ما اعتبره إيهود باراك نتيجة مباشرة لفشل سياسات حكومة نتنياهو التي لم تطرح تصورا لليوم التالي للحرب، وسحبت القوات من خان يونس، وسمحت بدخول كمية كبيرة من المساعدات الإنسانية دون مساومة حماس عليها أو استخدامها رافعة للضغط عليها لاستعادة المحتجزين.

ويبدو أن جملة من الحسابات منها إيران والحرب التي لم تحقق أهدافها في غزة، والخوف من حرب إقليمية، والرغبة بالتمسك بتحالف غربي- عربي متشكّل ضد طهران، والرغبة بحفظ ماء الوجه، وترميم الردع والهيبة المتضررة، كل ذلك سيدفع إسرائيل لرد محدود تستطيع إيران امتصاصه.

—————————-

وليام هيغ: الهجوم الإيراني كان متهوراً.. لكنه جاء لخدمة مصالح طهران الإستراتيجية

16 نيسان 2024

إبراهيم درويش

حذر عددٌ من الصحف في بريطانيا من التصعيد، بعد الهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيّرات ضد إسرائيل، رداً على غارة دمرت قنصلية طهران في العاصمة السورية دمشق، بداية الشهر الحالي.

وقالت صحيفة “الغارديان”، في افتتاحيتها، إن على إسرائيل وإيران الابتعاد عن الهاوية والحرب المفتوحة. وأوضحت: “من المقلق أن ما بدأ بهجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريا، في 1 نيسان/أبريل، لم ينته بعملية الوعد الحق الإيرانية فقط. فقد أدى التفجير في دمشق لمقتل اثنين من الجنرالات البارزين، وأدى إلى أول هجوم مباشر ضد إسرائيل من الأراضي الإيرانية، وبالنسبة للنظام الإسلامي، غير المحبوب في الداخل، فإن اجتياز نهر الروبيكون كان صعباً، ومن المستحيل تجنبه”.

وكما قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، فإن بلاده كانت ستتحرك بقوة لو سوّت قوة معادية قنصلياتها بالتراب.

وقالت الصحيفة إن هذه هي لحظة مهمة للشرق الأوسط، و”العالم لا يعرف ما أطلق العنان له هنا، ومن الأرجح ألا يكون شيئاً جيداً. ومن هنا فمن الصائب دعوة قادة العالم حكومة بنيامين نتنياهو لإظهار ضبط النفس”.

ورأت أن الخيار الحكيم بالنسبة لنتنياهو هو ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن: “خذ الفوز”، بعد صد الهجمات، وعدم الرد عسكرياً، وعندها سيكون الزعيم الإسرائيلي قادراً على  تحرير الأسرى لدى “حماس”، ووقف الحرب.

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل نجت بدون أي خدش من 300 صاروخ ومسيّرة أرسلتها إيران، بسبب عيوب الصواريخ، والدعم الدولي والعربي، وتحذيرات إيران المتعددة، وحصانة الدفاعات الإسرائيلية.

وما يهم في العملية أنها كشفت عن اعتماد إسرائيل على شركائها، وهو ما حاول نتنياهو تجاهله خلال الأشهر الماضية. ولو قرر نتنياهو الخيار العسكري فسيختفي التحالف هذا مثل الزهرة النابتة في الصحراء. وستتردد الدول العربية بدعم هجوم مضاد، وبدون أي تقدم على المسار السلمي مع الفلسطينيين.

 وما يهم هو أن الولايات المتحدة عبّرت عن عدم دعمها لتحرك مثل هذا. وستتحول العمليات الانتقامية المضادة إلى روتين لأنها ستتعامل مع الهجمات على تراب البلد كوسيلة للسياسة وليس الحل النهائي في وجه التهديدات الوجودية. وقالت إن التنافس الإيراني- الإسرائيلي يعود لأكثر من عقدين، حيث سلحت إيران جماعات وكيلة لها ضربت إسرائيل بدون أن تتأثر مباشرة، فيما ردت إسرائيل بدون أن تعلن المسؤولية، لكن هجوم “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أخرج المواجهة للعلن. ويجب على القيادة الإسرائيلية تجنّب مصيدة أن الحرب مع إيران محتومة، وأن القتال في مرحلة وليس حالاً سيكون مكلفاً. وهددت إيران بأنها مستعدة للرد على هجوم إسرائيل، ولكن الحرب الواسعة قد تندلع عندما يسيء طرف الوضع.

وحذرت الصحيفة من استهداف إسرائيل النووية المفاعلات النووية الإيرانية، حيث لم تعد طهران ملتزمة باتفاقيات دولية بعد القرار المتهور لدونالد ترامب، سيكون تصعيداً غير مسؤول، فالمواجهة بين إيران وإسرائيل لها بعد أيديولوجي يغطي على طريقة التفكير والحكم على الأشياء.

خطأ فادح

ورأى ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني السابق، بمقال في صحيفة “التايمز”، أن قرار إسرائيل التصعيد رداً على الهجوم الإيراني سيكون خطأ فادحاً، ويعتقد أن التصرف بشدة لن يحل أزمة إيران النووية، بل التحالفات القوية. وقال إن الحكومة البريطانية اتخذت القرار الصائب عندما أمرت مقاتلات سلاح الجو الملكي المشاركة بمواجهة الهجوم الإيراني، يوم السبت، مضيفاً أن إيران لم تكن تريد التسبب بضحايا أو دمار واسع، نظراً للتحذيرات التي قدمتها قبل الهجوم. وكان التحرك رسالة سياسة أرفقت باستعراض عسكري ولامتحان الطريقة التي ستعمل فيها الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

 ولو تسببت الهجمات بمقتل إسرائيليين لكان معظم الشرق الأوسط اليوم في طريقه للحرب، إن لم قد بدأت بالفعل.

وقال إن التحرك الأردني والأمريكي والبريطاني للدفاع مبرر، وهو في حد ذاته رد على الدعوات المطالبة بوقف تصدير السلاح لبلد يستخدمها للدفاع عن نفسه. ولكن التحرك الدولي يزيد الضغط على إسرائيل كي تتصرف بطريقة منطقية في ردّها على أول هجوم غير مسبوق على أراضيها.

وقال إن الحكومة الإسرائيلية المنقسمة ودعوات المتشددين فيها لرد ساحق على إيران قد تدفع إسرائيل لتضييع فرصة الوقوف معها، حيث ضيعت، منذ هجمات “حماس” في تشرين الأول/أكتوبر، الكثير من الفرص، فالقتل المفرط للمدنيين في غزة، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية، والضعف في مواجهة عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وقتل عمال الإغاثة الإنسانية، أثر على موقع إسرائيل في العالم وموقف الرأي العام منها.

ويعتقد أن من الخطأ التخلي عن التميز الأخلاقي والدبلوماسي بعد الهجمات ومرة أخرى. ويرى أن الهجوم الإيراني كان متهوراً، ولكنه بالتأكيد ليس دعوة لحرب شاملة، بل جاء لخدمة مصالح إيران الإستراتيجية، أي مواصلة تسليح الجماعات الوكيلة لها، وتمتين العلاقة مع روسيا، وتطوير برنامجها النووي، وحماية اقتصادها المتداعي.

 فلو أرادت إيران الحرب الشاملة لأعلنت عن واحدة منها، ومنذ بداية حرب غزة، ومن خلال “حزب الله” الذي بنت ترسانته العسكرية. وبالنسبة للمتشددين، فإن الردع يعني مواجهة أي ضربة بأقوى منها، والرد على كل لكمة بلكمة أشد. لكن الردع يعني التحضير للحرب وتقوية التحالفات الدولية والإقليمية، وهذا ما يظهر من كلام بيني غانتس، زعيم المعارضة الإسرائيلية.

ومن هنا فإن التحرك الأسلم أمام الإسرائيليين هو خفض التوتر مع الإيرانيين، وليس الرد بقوة، وهو ما لا يشك أحد به. وبعبارات بايدن “خذ الفوز”، أي عدم الرد بأي شكل على إيران إن التزمت بعدم المواجهة. ويعتقد أن محاولة إسرائيل انتهاز فرصة الهجوم لضرب المشروع النووي، محكوم عليها بالفشل، ليس لأن البرنامج مخفي تحت الأرض، ولأن البلد جبلي ومن الصعب القضاء على البرنامج كاملاً، بل لأن طهران ستعيد بناء المشروع وبقوة وانتقام. والطريقة الوحيدة لوقف المشروع هي الرد والمفاوضات.

وما تحتاجه إسرائيل لمنع إيران من استكمال مشروعها النووي هو تحالف قوي مع الغرب، تكون فيه منفتحة على حل الدولتين، وهي بحاجة لإستراتيجية سياسية وعسكرية، وهو بالضبط ما لم يكن نتنياهو قادراً على تقديمه في حرب غزة. ويقول هيغ إن هجوم إيران، في نهاية الأسبوع، هو أكبر تصعيد في الأزمة الحالية، لكنه جزءٌ صغير جداً من الأزمة النووية في المستقبل، وعلى قادة إسرائيل فهم أن التصعيد ليس إستراتيجية، وأن تكون قوياً لا يكفي.

 لا تحاضروا على إسرائيل

 إلا أن “التايمز” قالت، في افتتاحيتها، إن إلقاء المحاضرات على إسرائيل حول كيفية الرد ليس حلاً، لأن خطر إيران هو على الجميع ويجب العمل معاً لوقف تنمّرها. وقالت إن نظام إيران أوهم بتسجيل انتصار من خلال إرساله مسيرات وصواريخ ضد إسرائيل. ولكن الدفاعات الإسرائيلية والدعم الأمريكي والأردني والبريطاني أثبت أن إيران ليست منافساً لعدوتها الأبدية. وتتوقع تأثر مصداقية إيران كقوة عسكرية في المنطقة، لكن في قادم الأيام.

وقالت إن دعوات خفض التصعيد من حلفاء إسرائيل لا داعي لها، فهي ليست بحاجة إلى خدمة من “حاضنة”. وتعتقد الصحيفة أن قوة إيران كقوة إقليمية نابعة من “الحرس الثوري”، وقد فشل، ليلة السبت، أما القوة الثانية فنابعة من مشروعها النووي. وفي هذا السياق يجب السماح لإسرائيل، وبعيداً عن الخطر النووي القادم من إيران بناء إستراتيجية ردع. فهجمات السبت أعطت وكلاء إيران فكرة أنهم يستطيعون ضرب إسرائيل في أي وقت يشاؤون. والرد الغربي هو أن على إسرائيل عدم الرد، و”هذه نصيحة سيئة، فعدم الرد ليس بديلاً عن الإستراتيجية”. وترى أن جزءاً من الإستراتيجية تقوية التحالف الذي وجدته في الرد على إيران، والذي ضم دولاً عربية، بشكل يؤدي للحد من عزلة إسرائيل في المنطقة، والثمن لهذا سيكون المزيد من المساعدات للفلسطينيين في غزة.

ويمكن لإسرائيل العمل على تخريب القوة الإيرانية من خلال تعطيل الطاقة الكهربائية ووقف إنتاج المسيرات الإيرانية بدون أن تؤدي لحرب واسعة.

وعليه فإن نصيحة الصحيفة لإسرائيل مواصلة حرب الظل، إلى جانب ضرب “حزب الله” اللبناني بقوة.

وربما ساعد الغرب في هذا من خلال تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني كجماعة إرهابية، وليس كجيش تقليدي. وحثت في هذا السياق بريطانيا لتصنيف “الحرس الثوري”.

لحظة خطيرة

 ورأت صحيفة “فايننشال تايمز”، في افتتاحيتها، أن الهجوم الإيراني هو نقطة تحول خطيرة في الشرق الأوسط، وأن على إسرائيل الاستماع لحلفائها الحريصين على أمنها. فقد أخرج الهجوم نزاع الظل بين إسرائيل وإيران للعلن، ويهدد بحرب شاملة ذات تداعيات كارثية على كل المنطقة.

ووصفت قرار طهران بالهجوم المباشر على إسرائيل بأنه مقامرة متهورة. وأن إيران وإسرائيل تسعيان الآن لاستعادة الردع، عبر التصعيد الخطير، ويجب إقناعهما بالتوقف.

وأشارت إلى أن القواعد القديمة للمواجهة في المنطقة قَلَبَها هجوم “حماس” رأساً على عقب.

 وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران وإسرائيل تجنب المواجهة المباشرة فإن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق زاد من الرهانات لمستويات عليا.

وكان هجوم إيران ضخماً، وتم التصدي له. وقد عبّرت إيران أنها لا تريد التصعيد. في وقت يحاول فيه حلفاء إسرائيل، وأمريكا تحديداً، إقناعها بعدم الرد، ويجب عليها الاستماع إليهم.

وترى الصحيفة أن على إسرائيل التعلم من الدرس الأخير، وهو مسارعة حلفائها للدفاع عنها عندما تتعرض للتهديد. وهذا مقارنة بالنقد الذي تعرضت له بسبب الحرب في غزة، ومن بايدن نفسه. وبالتأكيد فإن أمن إسرائيل يعتمد على دعم الغرب وتعاون الحلفاء العرب. وقالت إن الولايات المتحدة والدول العربية تحاول منح إسرائيل مخرجاً من الأزمة بطريقة تستطيع فيها معالجة مظاهر قلقها الأمني وعزل إيران وقمع التطرف الفلسطيني. وجاء الحل على شكل خطة رسمية تنهي الحرب في غزة، مقابل الإفراج عن الأسرى، ومنح الفلسطينيين أفقاً سياسياً وخطوة قوية باتجاه دولة فلسطينية. وبالمقابل تحصل إسرائيل على اعتراف من الدول العربية، بما فيها السعودية. وسيكون هذا بمثابة خطوة نحو حلف أمني إقليمي كانت تريده إسرائيل، وبرعاية أمريكية. إلا أن أمن إسرائيل والتحالفات التي تريدها لا يمكن توثيقها وهي تواصل الحرب على غزة. وأمام إسرائيل خيارات صعبة، وعليها الاستماع لحلفائها.

القدس العربي

————————-

هل سيغيّر هجوم إيران على إسرائيل المنطقة؟

14 – أبريل – 2024

رأي القدس

انطلقت ليلة السبت/الأحد من إيران وللمرة الأولى في التاريخ، 185 طائرة مسيّرة، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ أرض ـ أرض عابرة أجواء الأردن وسوريا والعراق ولبنان في اتجاه أهداف إسرائيلية، في هجوم استمر قرابة 5 ساعات.

أقرّ مسؤول أمريكي كبير لقناة إخبارية أن القوات الأمريكية اعترضت أكثر من 70 طائرة بدون طيار و3 صواريخ باليستية (من قواعدها في سوريا والعراق وكذلك من سفن حربية في البحر المتوسط) وشاركت في الاعتراض طائرات بريطانية (من قاعدة في قبرص) كما ساهمت منظومات الاعتراض الصاروخية الإسرائيلية (آرو) ومنظومة القبة الحديدية في عملية الصدّ، كما أقرت فرنسا بالمساعدة، وقال الأردن إنه اعترض أجساما طائرة انتهكت مجاله الجوي.

تحدثت إيران عن وصول 50٪ من المقذوفات وعن نجاحها في استهداف «المركز الاستخباري» الذي وفّر المعلومات المطلوبة لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقاعدة نوفاطيم (التي أقلعت منها طائرات إف 35 لشن الضربة في الأول من نيسان/إبريل الماضي) قائلة إنها أحدثت أضرارا جسيمة في الموقعين.

الجيش الإسرائيلي، من جهته، تحدث عن إسقاط 99٪ من المقذوفات زاعما أن 7 صواريخ باليستية فقط تمكنت من ضرب إسرائيل، لكن شهود عيان تحدثوا عن «عشرات الطائرات المسيرة» وهو ما يعني أن الرقم الإسرائيلي مبالغ فيه، إضافة إلى أن صافرات الإنذار انطلقت في 750 موقعا إسرائيليا.

التحليلات العسكرية البحتة للهجوم لا تفهم مقاصده الحقيقية، ومن ذلك الكلام عن «خطأ استراتيجي» من إيران عبر قرار بدئها الهجوم بالمسيّرات، التي تحتاج عدة ساعات للوصول، وهو ما «سمح لإسرائيل بالاستعداد» وهذا «التحليل» يتجاهل أن طهران أعلمت بلدان الإقليم، بموعد الهجوم قبل 72 ساعة، وأن البدء بتحريك المسيّرات قبل إطلاق الصواريخ، هو قرار سياسي يستهدف تحقيق المقصود من الإعلان «محدودية» الهجوم، لكنه، رغم كل ذلك، حدث استراتيجي فاصل يغيّر المعادلات السابقة عليه، وفي صلبها أن خرق إسرائيل لقواعد الاشتباك، الذي حصل مثاله في قصف القنصلية في دمشق، سيؤدي إلى رد يعادله.

زلزلت إيران، بهذه العملية، المنطقة بأكملها، فأقفل الكثير من دول الإقليم أجواءه ومنع الطيران، وطالب الكثير من دول العالم المواطنين بعدم زيارة المنطقة، واضطرت الدول الغربية الكبرى للمشاركة الفاعلة في اعتراض الهجوم، وبذلك نصبت إيران ميزانا جديدا للرعب تتحمل إسرائيل مفاعيل خطورته، الإقليمية والعالمية، في حال أرادت رفع مستوى الصراع واستهداف طهران مباشرة.

من جهة أخرى، فقد أعاد الهجوم زخم الدعم الغربي لإسرائيل، وهو ما يمكن أن ينعكس سلبا على الفلسطينيين، سواء في غزة التي دخلت أمس اليوم 190 من الإبادة الجماعية الجارية، او في الضفة الغربية التي تعاني من تصاعد كوابيس التطهير العرقي من المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال وحكومته العنصرية.

معلوم تاريخيا أن حكومات إسرائيل، السابقة والحالية، لا يمكن أن تتوقّف عن الحرب إلا إذا فرض عليها ذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فهل يكون احتمال التصعيد الخطير الذي قد ينفتح على وضع يمكن أن يحرق المنطقة بأكملها، دافعا لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لفرض وقف حكومة الحرب الإسرائيلية، بعد أن امتنع حتى الآن، رغم انغماس إسرائيل في إبادة الفلسطينيين، من هذا القرار؟

—————————

تدخل الأردن في اعتراض الهجوم على إسرائيل.. رسالة برفض التحوّل إلى “ساحة إيرانية

عمان: سعى الأردن من خلال اعتراضه مسيّرات وصواريخ قادمة من إيران ومتجهة إلى إسرائيل السبت، إلى توجيه رسالة بأنه يرفض تمدّد النزاعات إلى أرضه، وبأنه لا يشكّل “ساحة إيرانية”، وفق خبراء.

وأعلن الأردن أنه اعترض “أجساماً طائرة” خرقت أجواءه ليل السبت الأحد تزامنا مع الهجوم غير المسبوق بالصواريخ والمسيّرات الذي شنّته إيران على إسرائيل، في إشارة واضحة الى المقذوفات الإيرانية.

وأكّد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الأحد، أن بلاده “لن تكون ساحة لحرب إقليمية”.

ويقول وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة: “لا علاقة للأردن بصراع النفوذ بين المشروع الفارسي والمشروع الصهيوني، وهو لا يريد أن يكون طرفا في نزاع إقليمي”.

ويضيف أن “الأردن لا يريد استعمال أرضه أو أجواءه في عمل عسكري ضد أي دولة في الإقليم”، مضيفا أن “من حقّه حماية حدوده وأرضه”.

ويشير المعايطة إلى تمدّد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، ورغبة الأردن في “حماية أمنه واستقراره من أي تهديد”، مؤكدا أن “الساحات المحيطة بالأردن أصبحت ساحات إيرانية”.

وعلى الرغم من أن موقفه لم يتزحزح في دعم “القضية الفلسطينية”، يتّبع الأردن سياسة صارمة لجهة حفظ الأمن على أرضه، لا سيّما أنه محاط من الغرب بإسرائيل، ومن الشمال والشمال الشرقي من العراق وسوريا حيث يوجد نفوذ إيراني قوي.

ويقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمعهد الشرق الأوسط، نمرود جورين: “هناك شعور بأن إيران تسعى ربما للتدخّل في الأردن وتغيير الديناميكيات هناك لصالحها، كما فعلت في بلدان أخرى”.

ويؤكد أن “هذا بحدّ ذاته مصدر قلق كبير للأردن”.

دفاع عن السيادة

وأثار تدخّل الأردن في الهجوم الإيراني انتقادات في وسائل الإعلام الإيرانية.

وكتبت وكالة أنباء “فارس” فجر الأحد، نقلا عن مصدر عسكري: “قواتنا المسلّحة ترصد بدقة تحرّكات الاردن خلال عملية تأديب الكيان الصهيوني. وفي حال شارك الأردن في أي أعمال محتملة، فسيكون الهدف التالي”.

واستدعت وزارة الخارجية الأردنية سفير إيران في عمّان وطلبت من بلاده الكفّ عن “التشكيك” في مواقف المملكة.

وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي إنه لو كان “الخطر قادما من إسرائيل، فسيقوم الأردن بالإجراء نفسه الذي قام به، لن نسمح لأي كان بأن يعرّض أمن الأردن والأردنيين للخطر”.

ويقول المعايطة: “الأردن لم يدافع عن إسرائيل، وإنما دافع عن سيادته وعن سلامة أرضه ومواطنيه”.

ومع انتشار تقارير عن احتمال قيام إسرائيل بضربة للردّ على الهجوم الإيراني، أعلن الجيش الأردني في بيان فجر الثلاثاء، أن سلاح الجو الملكي “زاد طلعاته الجوية لمنع أي اختراق جوّي والدفاع عن سماء المملكة”.

وأكد “موقف الأردن الثابت بعدم السماح باستخدام” مجاله الجوي “من أي طرف ولأي غاية”.

ووقّع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994. ورغم مرور نحو 30 عاما عليها، يبقى الرأي العام الأردني إلى حدّ بعيد مناهضا لإسرائيل، التي وصف الملك عبد الله الثاني العلاقة معها مرارا بـ”سلام بارد”.

واتسمت العلاقة بين البلدين في ظلّ حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتوتر.

وإثر اشتعال الحرب في قطاع غزة، استدعت عمّان مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، سفير المملكة لدى إسرائيل، وأبلغت الدولة العبرية بعدم عودة السفير الإسرائيلي الذي كان خارج المملكة.

وأطلقت إيران ليل السبت أكثر من 350 طائرة مسيّرة وصاروخ على إسرائيل ردًا على ضربة استهدفت قنصليتها في دمشق مطلع الشهر الحالي ونسبت الى الدولة العبرية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم “أُحبط”، وإن عددا قليلا جدا من الصواريخ وصل الى إٍسرائيل، من دون التسبّب بأضرار تذكر.

وشاركت القوات الأمريكية ودول أوروبية أخرى متواجدة في المنطقة بإسقاط الصواريخ والمسيّرات.

ويرى المحلل العسكري واللواء الأردني المتقاعد سليمان منيزل، أن “وصول مسيّرات وصواريخ إيرانية إلى سماء عمّان اختراق فاضح للسيادة الأردنية والمجال الجوي الأردني”.

ويوضح أن “اعتراضها كان يجب أن يتمّ بمجرد دخولها الأجواء الأردنية فوق المنطقة الشرقية”، لكن “عددها كان هائلا وقد يكون خارج إمكانات الأردن التصدّي لها (لدى دخولها)، لذلك تمّ التعامل معها ضمن التحالفات الموجودة”.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين، مشاركة بلاده في اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي كانت تستهدف إسرائيل انطلاقا من الأراضي الأردنية.

ويقول جورين: “لعب الأردن دورا أعتقد أنه كان أكبر مما توقّعه كثيرون”.

ويضيف أن ما حدث “يظهر بالتأكيد موقع الأردن ضمن المعسكر المرتبط بالولايات المتحدة في المنطقة، وهو أمر ليس جديدا، لكنه ظهر جليا”.

(أ ف ب)

————————

الأردن واعتراض الهجوم الصاروخي على إسرائيل… أي رسائل لإيران؟

16-04-2024

 “أ ف ب”

سعى #الأردن من خلال اعتراضه مسيّرات وصواريخ قادمة من #إيران ومتجهة الى اسرائيل السبت، الى توجيه رسالة بأنه يرفض تمدّد النزاعات الى أرضه، وبأنه لا يشكّل “ساحة إيرانية”، وفق خبراء.

وأعلن الأردن أنه اعترض “أجساماً طائرة” خرقت أجواءه ليل السبت الأحد تزامنا مع الهجوم غير المسبوق بالصواريخ والمسيّرات الذي شنّته إيران على #إسرائيل، في إشارة واضحة الى المقذوفات الإيرانية. ورصد مصوّرو وكالة فرانس برس وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بقايا صواريخ تساقطت في مناطق عدة في المملكة.

وأكّد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد أن بلاده “لن تكون ساحة لحرب إقليمية”.

ويقول وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة لوكالة فرانس برس “لا علاقة للأردن بصراع النفوذ بين المشروع الفارسي والمشروع الصهيوني، وهو لا يريد أن يكون طرفا في نزاع إقليمي”.

ويضيف أن “الأردن لا يريد استعمال أرضه أو أجواءه في عمل عسكري ضد أي دولة في الإقليم”، مضيفا أن “من حقّه حماية حدوده وأرضه”.

ويشير المعايطة إلى تمدّد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، ورغبة الأردن في “حماية أمنه وإستقراره من أي تهديد”، مؤكدا أن “الساحات المحيطة بالأردن أصبحت ساحات إيرانية”.

ومعظم سكان الأردن من السنة، ونحو نصفهم من أصول فلسطينية، إذ لجأ الى الأردن عبر التاريخ ومنذ نشأة دولة إسرائيل العديد من الفلسطينيين. ووفقا للأمم المتحدة هناك 2,2 مليون لاجئ فلسطيني مسجّلين في الأردن.

وكانت مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الإدارة الأردنية قبل احتلالها من إسرائيل في العام 1967، ثم ضمّها في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

وقاتل الجيش الأردني وفصائل فلسطينية جنبا إلى جنبا في ما عرف ب”معركة الكرامة” عام 1968 التي اعتبرت “انتصارا” على الجيش الإسرائيلي، قبل أن يشهد الأردن مواجهات بين الجيش والفصائل الفلسطينية في ما عرف ب”أيلول الأسود” عام 1970.

واندلعت تلك المواجهات بعد استفزازات وتجاوزات ارتكبتها فصائل فلسطينية مثل التمركز في عمان ومدن رئيسية، ونشر حواجز تفتيش في عدد من المناطق…

وعلى الرغم من أن موقفه لم يتزحزح في دعم “القضية الفلسطينية”، يتّبع الأردن سياسة صارمة لجهة حفظ الأمن على أرضه، لا سيّما أنه محاط من الغرب بإسرائيل، ومن الشمال والشمال الشرقي من العراق وسوريا حيث يوجد نفوذ إيراني قوي.

ويقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط نمرود جورين لفرانس برس “هناك شعور بأن إيران تسعى ربما للتدخّل في الأردن وتغيير الديناميكيات هناك لصالحها، كما فعلت في بلدان أخرى”.

ويؤكد أن “هذا بحدّ ذاته مصدر قلق كبير للأردن”.

دفاع عن السيادة

وأثار تدخّل الأردن في الهجوم الإيراني انتقادات في وسائل الإعلام الإيرانية.

وكتبت وكالة أنباء “فارس” فجر الأحد نقلا عن مصدر عسكري “قواتنا المسلّحة ترصد بدقة تحرّكات الاردن خلال عملية تأديب الكيان الصهيوني. وفي حال شارك الأردن في أي أعمال محتملة، فسيكون الهدف التالي”.

واستدعت وزارة الخارجية الأردنية سفير إيران في عمّان وطلبت من بلاده الكفّ عن “التشكيك” في مواقف المملكة.

وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي إنه لو كان “الخطر قادما من إسرائيل، فسيقوم الأردن بالإجراء نفسه الذي قام به، (…) لن نسمح لأي كان بأن يعرّض أمن الأردن والأردنيين للخطر”.

ويقول المعايطة “الأردن لم يدافع عن إسرائيل، وإنما دافع عن سيادته وعن سلامة أرضه ومواطنيه”.

ومع انتشار تقارير عن احتمال قيام إسرائيل بضربة للردّ على الهجوم الإيراني، أعلن الجيش الأردني في بيان فجر الثلاثاء أن سلاح الجو الملكي “زاد طلعاته الجوية لمنع أي اختراق جوّي والدفاع عن سماء المملكة”.

وأكد “موقف الأردن الثابت بعدم السماح باستخدام” مجاله الجوّي “من أي طرف ولأي غاية”.

ووقّع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل في العام 1994. ورغم مرور نحو 30 عاما عليها، يبقى الرأي العام الأردني الى حدّ بعيد مناهضا لإسرائيل التي وصف الملك عبد الله الثاني العلاقة معها مرارا ب”سلام بارد”.

واتسمّت العلاقة بين البلدين في ظلّ حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بالتوتر.

وإثر اشتعال الحرب في قطاع غزة بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، استدعت عمّان مطلع تشرين الثاني/نوفمبر سفير المملكة لدى إسرائيل، وأبلغت الدولة العبرية بعدم عودة السفير الإسرائيلي الذي كان خارج المملكة.

وأطلقت إيران ليل السبت أكثر من 350 طائرة مسيّرة وصاروخ على إسرائيل ردًا على ضربة استهدفت قنصليتها في دمشق مطلع الشهر الحالي ونسبت الى الدولة العبرية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم “أُحبط”، وإن عددا قليلا جدا من الصواريخ وصل الى إٍسرائيل، من دون التسبّب بأضرار تذكر.

وشاركت القوات الأميركية ودول أوروبية أخرى متواجدة في المنطقة بإسقاط الصواريخ والمسيّرات.

ويرى المحلل العسكري واللواء الأردني المتقاعد سليمان منيزل أن “وصول مسيّرات وصواريخ إيرانية الى سماء عمان اختراق فاضح للسيادة الأردنية والمجال الجوي الأردني”.

ويوضح أن “اعتراضها كان يجب أن يتمّ بمجرد دخولها الأجواء الأردنية فوق المنطقة الشرقية”، لكن “عددها كان هائلا وقد يكون خارج إمكانات الأردن التصدّي لها (لدى دخولها)، لذلك تمّ التعامل معها ضمن التحالفات الموجودة”.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين مشاركة بلاده في اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي كانت تستهدف إسرائيل انطلاقا من الأراضي الأردنية.

ويقول جورين “لعب الأردن دورًا أعتقد أنه كان أكبر مما توقّعه كثيرون”.

ويضيف أن ما حدث “يظهر بالتأكيد موقع الأردن ضمن المعسكر المرتبط بالولايات المتحدة في المنطقة، وهو أمر ليس جديدا، لكنه ظهر جليا”.

النهار

———————————-

إسرائيل والحيرة في الرد على إيران: من الاغتيالات إلى الهجوم المباشر/ نايف زيداني

16 ابريل 2024

إسرائيل تدرس ضرب بنى عسكرية ومستودعات ذخيرة إيرانية واغتيالات

الردّ قد يقسّم على مجالات منها ضربة مباشرة أو في الفضاء السيبراني

أشارت تقارير أميركية إلى أنّ الرد الإسرائيلي قد يكون محدوداً

في الوقت الذي ما زال فيه المسؤولون الإسرائيليون يبحثون كيفية وتوقيت ردّهم على الهجوم الذي شنّته إيران، ليل السبت الأحد، من دون اتخاذ قرار، تتعدد السيناريوهات التي يطرحها الإعلام الإسرائيلي بشأن كيفية الردّ ومكانه، من بينها ما نشره موقع والاه، اليوم الثلاثاء، بأنّ الردّ الإسرائيلي قد يتراوح ما بين ضرب بنى تحتية عسكرية ومستودعات ذخيرة إيرانية واغتيال شخصيات إيرانية.

وذكر الموقع أنّ العالم ما زال بعد مرور ثلاثة أيام على الهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيّرات، يترقب الردّ الإسرائيلي. وفي حين أشارت تقارير أميركية إلى أنّه قد يكون محدوداً، نقل الموقع العبري عن مسؤول إسرائيلي أمني لم يسمّه قوله “بعد تقديرنا أنّ الإيرانيين لم يقولوا كلمتهم الأخيرة، فإنّ الجيش الإسرائيلي يستعد لخطوات إضافية”.

وتابع الموقع أنّ الردّ الإسرائيلي قد يقسّم على مجالات عديدة، منها ضربة مباشرة في إيران أو في الفضاء السيبراني الإيراني، ضد البنية التحتية العسكرية أو البنية التحتية الإيرانية الداعمة للنشاط العسكري أو الانتظار في حالة تأهّب وتنفيذ عملية اغتيال موضعية ضد شخصيات إيرانية في قلب إيران أو ربما الإضرار بالمصالح الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وليس بالضرورة في قلب إيران.

ولمّح المسؤول الأمني إلى أنّ “أي شخص يتخيّل هجمات واسعة على المصالح الإيرانية، عليه أن يفهم نقاطاً مهمة عدة. لقد قرر المستوى السياسي (الإسرائيلي)، حتى الآن، أنّ الساحة الرئيسية للقتال هي قطاع غزّة حيث توجد حاجة ملحّة. والقصد هو ممارسة الضغط على حماس بسبب تعثر عملية المفاوضات لإطلاق سراح المختطفين”.

وأضاف المسؤول الأمني: “لهذا السبب صادق الجيش الإسرائيلي على خطط أمام المستوى السياسي، وينتظر تطورات لا تتعلق به وإنما بالمستوى السياسي”، لكنّه استدرك: “تقرّر الردّ. وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان أدليا برأييهما. لم يتم بعد تحديد طريقة وشكل الردّ، ولكن يجب أن يدعم ذلك مصالح دولة إسرائيل في الوقت الراهن. والآن على الإيرانيين أن يجروا حساباتهم”.

وأردف أنّه لا أحد في المستوى الأمني لديه أيّ نية لتحمل استمرار النشاط الإيراني بشكل مباشر أو من خلال وكلاء إيران ضد إسرائيل، وبالتالي سيتم اتخاذ خطوات تدعم الرؤية الإسرائيلية. و”فيما تشير تقديراتنا إلى أنّ الإيرانيين لم يقولوا الكلمة الأخيرة، فإنّ الجيش الإسرائيلي يستعد لمزيد من التحركات”.

ويوم أمس لاثنين، هدّد رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي، خلال زيارته قاعدة نباطيم الجوية التي تضررت بسبب الهجوم الإيراني، بالرد. وقال: “عندما ننظر إلى الأمام، فإننا ندرس خطواتنا. إطلاق هذا العدد من الصواريخ، وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة نحو دولة إسرائيل، سيقابل بردّ”.

——————————–

في معاني الليلة الإيرانية/ أحمد جميل عزم

16 ابريل 2024

سيبقى ردّ طهران ليلة الأحد الفائت على قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، يوم الأول من إبريل/ نيسان الحالي، مشهداً فارقاً في تاريخ الشرق الأوسط؛ مشهداً فريداً، فيه غرابة وحتى طرافة، على أهميته. وبينما يمكن لطهران وواشنطن والإسرائيليين ادّعاء الانتصار، رغم أنّهم في خنادق متقابلة، سيؤكّد المشهد أنّ منهج حركات التحرّر في فلسطين، والعامل الذاتي الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال، هو الأكثر تأثيراً الذي لا يمكن تجاوزه، فيما باقي المواقف والقضايا متغيّرة ونسبيّة.

افتخر إيرانيون وهتفوا فرحاً وبحماسة، فأسلحتهم (أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصواريخ سكود وصواريخ أرض أرض)، قطعت مسافة ألف كيلو متر لتضرب إسرائيل. في المقابل، تفتخر إسرائيل، ومعها الولايات المتّحدة، أنّها أسقطت 99% من الأسلحة الإيرانية، وجعلت نتيجتها أقرب إلى صفر، ومنعت سقوط خسائر في الأرواح، بينما قتلت الغارة الإسرائيلية في دمشق 16 شخصاً. أضحت المُسيّرات الإيرانية جزءاً من الترسانة الروسيّة في أوكرانيا، وهذه “الأسلحة الثلاثمائة” لم تنطلق من إيران وحدها، بل أيضاً من العراق، ولبنان، واليمن، وسقطت في فلسطين ومُحيطها، بما في ذلك الأراضي الأردنية، ما يعني أنّ إيران قادرة على أن تقول إنها موجودة في كلّ مكان غرباً وشرقاً، لكنّه وجود غير حاسم، فهو لا يحقّق نتائج كبيرة عسكرّياً. لم يحدُث سابقاً أنّ تناقل العالم خبر انطلاق الأسلحة من بلد إلى آخر وأنّها تحتاج من خمس إلى سبع ساعات لتصل إلى أهدافها، وكأنّ الخبر يقول: على المستهدفين الاستعداد وتفادي الخسائر. … هذا مشهدٌ فريد، وجده بعضهم طريفاً. فعادةً، تكون الهجمات مفاجئة ومباغتة. بقيت إسرائيل مستيقظة مع كثير من الترقّب والخوف بانتظار وصول المسيّرات والصواريخ، وتكبّدت خسائرَ ماليّةً ونفسيّةً كبيرةً. والسؤال هنا: هل سبب هذا البطْء عجز السلاح الإيراني وتقدّم المنظومات الدفاعية الإسرائيلية الأميركية؟ أم هو جزء من قواعد اشتباك بـ”خطوط حمراء” متّفق عليها ضمنيّاً بشأن الخسائر التي يُسمَح لكلّ طرفٍ أن يُوقِعها في الطرف الآخر جزءاً من استراتيجيات الطرفين؛ الإيراني من جهة، والإسرائيلي الأميركي، من جهة أخرى؟

إسرائيلياً، لطالما كانت إيران موضوعاً يُثار لحرف الانتباه عن المسألة الفلسطينية. فمثلاً، في خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يُخصّص جزء كبير للهجوم على طهران، ويتذكّره (نتنياهو) العالم وهو يحمل صورةً ترمز للقنبلة النووية الإيرانية المزعومة. ويواصل الإسرائيليون الحديث عن الخطر الإيراني، وأنّه مبرّرٌ لتطبيع عربي إسرائيلي في مواجهة الخطر الفارسي/ الإيراني/ الشيعي، مع تجاهل الموضوع الفلسطيني. وقد كان في آخر تصعيد إسرائيلي مع إيران حرفٌ للانتباه عمّا يحدث في قطاع غزّة، ولاستعادة قدرٍ من التأييد الدولي الغربي لإسرائيل بعد النقد المتزايد للجرائم الإسرائيلية في غزّة والضفّة.

إيرانيّاً، فإنّ مواجهة إسرائيل، ودعم المقاومة ضدّها، جزء من شرعيّة وأيديولوجية النظام الإسلامي فيها، ووسيلة للحصول على التأييد الشعبي داخليّاً وخارجيّاً. وتَحكمُ سياسة طهران إزاء إسرائيل قواعد؛ أوّلها الواقعيّة السياسية التي كثيراً ما تطفو على السطح، فأحياناً يجري التفاهم والالتقاء ضمناً أو صراحةً مع “الأعداء”، كما في صفقة الأسلحة الأميركية إلى إيران بوساطة إسرائيلية في الثمانينيات (إيران كونترا أو إيران غيت) أو الصمت المتواطئ إيرانياً على الهجمات الأميركية في أفغانستان والعراق وإسقاط الأنظمة هناك في بداية هذا القرن. والقاعدة الثانية، اعتماد الحرب بالوكالة، أي دعم الحلفاء لمواجهة إسرائيل والغرب، خياراً مفضّلاً. والقاعدة الثالثة، أنّه إذا اضطرّت إيران لمواجهة صريحة مباشرة مع إسرائيل، تكون وفق سياسة “حافّة الهاوية”، أي تبادل ضرباتٍ محسوبةٍ لا تؤدّي إلى مواجهة شاملة أو موجعة، وما يوضّح هذه القاعدة الثالثة، التصريحات الإيرانية التي توازت مع الهجمات تستعجل التهدئة، إذ أعلنت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، أنّه مع إطلاق المسيّرات والصواريخ باتجاه إسرائيل “يمكن اعتبار الأمر منتهياً” (أي أنّ هذه نهاية الردّ الإيراني)، وأعلنت الخارجية الإيرانية أنّ ما يحدُث هو “إجراء دفاعي”، في رسالة أنّ إيران لا تريد مواجهة.

عربيّاً، وجدت الدول نفسها، من جديد، في موقف شبه المتفرّج على المشهد الإيراني الإسرائيلي الأميركي. قد يجد بعض الدول ما حدث مبرّراً لشراء أنظمة أسلحة كالتي استخدمتها إسرائيل تحسّباً لهجوم إيراني. ستحتفظ ذاكرة مدن وأجيال عربية وفلسطينية، وإسرائيليين، بمشاهد ليلة الهجوم الإيراني، في سياق “تجربة” حرب غزّة، وسيكون لذلك كلّه تبعات في السلوك السياسي والجمعي العربي لاحقاً، خصوصاً على المستوى الشعبي.

أميركياً، تدرك واشنطن، أكثر من أي وقت مضى، حجم الورطة التي تؤدّي إليها السياسات الإسرائيلية، لكن الإدارات الأميركية ما زالت محكومة بمصالحها وحساباتها القديمة، وعلاقاتها مع نخب اللوبي الإسرائيلي، ويتضّح في اللحظة الحالية أنّ واشنطن ستكبح جماح ردّ إسرائيلي أو تقلّل من حجمه، وقد يكون الموقف الأميركي ذريعة لنتنياهو حتى لا يردّ بهجوم حقيقي كبير.

أثبتت ليلة الأحد أنّ القنبلة الحقيقية التي تنفجر في وجه الاحتلال، وفي وجه محاولات التجاهل الدولي، هي المقاومة الفلسطينية الذاتية. ما حدث، منذ 7 أكتوبر (2023) وصولاً إلى ليل 13- 14 إبريل/ نيسان 2024، أنّ العالم يكتشف، مرّة أخرى، أنّ الفلسطينيين قادرون على لعب الدور المركزي في الصراع، وأنّهم “الرقم الصعب”. وما ثبت منذ 7 أكتوبر وحتى ليلة الأحد الفائت أمور، أهمّها أنّه من دون حل القضية الفلسطينية سيبقى القلق في المنطقة ولا يمكن الادّعاء أنّ تطبيع المنطقة ممكن من دون حلّ المسألة الفلسطينية؛ إسرائيل تتلاعب بالمنطقة لمصلحتها، ولا مصلحة لها أكبر من مواصلة الاحتلال والتمدّد في المنطقة. ثمّ اتضح أنّ منطق المقاومة التي تعتمد على العامل الشعبي الفلسطيني، المدعوم من أشقّاء وأصدقاء، وآخرين، سيبقى الأكثر فعّالية، مع الحاجة الماسّة لدعم سياسي عربي رسمي أكبر، ولقيادة رسمية فلسطينية موحّدة.

العربي الجديد

————————————–

هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟

محمود النجار

16 نيسان 2024

“تعادل إيجابي لصالح إيران” .. هكذا وصف بعض المحللين هجوم إيران غير المسبوق على العمق الإسرائيلي، بعدما أطلقت طهران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل حسبما يقول الجيش الإسرائيلي.

وكان الجيش الإيراني قد أعلن أن هجومه بطائرات مسيرة وصاروخية على إسرائيل، أتى “ردا على الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، وحقق جميع أهدافه”.

وسبق طهران أن توعدت برد قاسٍ على الغارة الجوية التي استهدفت قنصليتها في العاصمة السورية دمشق قبل نحو أسبوعين، ما أدى إلى مقتل 13 شخصا، من بينهم سبعة من أعضاء الحرس الثوري الإيراني وستة مواطنين سوريين.

الدولتان بين المكسب والخسارة

متظاهرون يلوحون بالعلم الإيراني والأعلام الفلسطينية أثناء تجمعهم أمام السفارة البريطانية في طهران في 14 أبريل/نيسان 2024، بعد أن شنت إيران هجوماً بالطائرات المُسيرة والصواريخ على إسرائيل.

كان هناك احتفاء إيراني واسع بالهجوم، ولكن على نوري زادة الباحث الإيراني ومدير مركز الدراسات الإيرانية العربية بلندن، يرى أن الهجوم لم يحقق مكسبا في الشارع الإيراني، “بل أظهر ضعفا في النظام الإيراني لأنه لم يدمر إي هدف في إسرائيل، ما أثار سخرية الشارع الإيراني، على حد تعبيره. مشيرا إلى أن طهران لو استمرت في الحرب النفسية لربحت أكثر بكثير” بحسب قوله.

على الجانب الآخر، قال الدكتور إريك روندتسكي الباحث في علوم الشرق الأوسط والمختص بالسياسة الإسرائيلية بمركز موشي ديان بجامعة تل أبيب، إن إسرائيل خسرت بخلق حالة طوارئ غير عادية في الشارع الإسرائيلي إذ كان الجو مشحونا جدا “وبات كثيرون يخشون من تكرار هذه الهجمات في المستقبل”.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة

أما علي نوري زادة فيرى أن نتنياهو بات يشعر بقوة أكثر، مع تعزيز علاقته مع الولايات المتحدة والدول الغربية.

فيما قال الباحث الإسرائيلي إن “بلده خسرت من هذا الهجوم وكسبت في آن واحد، فمن ناحية الخسائر أثبت هذا الهجوم أن إسرائيل لا تدرك أنها تتعامل مع دولة كبيرة في الشرق الأوسط، وعليها ألا تتجاهل موازين القوة في المنطقة حاليا، كما أثبت أن إسرائيل لا تستطيع أن تمنع إيران إذا أرادت توجيه ضربات للداخل الإسرائيلي”.

العودة للحضن الأمريكي والضغوط الداخلية

اعتبر إريك روندتسكي الباحث الإسرائيلي أن للهجوم الإيراني مكاسب أيضا بالنسبة لإسرائيل، قائلا “ربما يكون هذا الهجوم نقطة تحول على المستوى السياسي، لأن إسرائيل تحظى ولأول مرة منذ أشهر بالدعم الغربي، ويمكن أن تعود لحضن هذه الدول خاصة الولايات المتحدة بعد توتر غير مسبوق في العلاقات”.

وقال علي زادة الباحث الإيراني إن طهران خسرت على المستوى السياسي سواء الداخلي أو الخارجي، فقد خسرت إيران دول الجوار ولم يكن هناك تأييد من أي دولة، لافتا إلى ما وصفها بالمحاولات لجر إيران لحرب مباشرة مع الولايات المتحدة.

بينما تدرس إسرائيل الرد على إيران، هل تستطيع واشنطن منع حرب شاملة؟

أشار روندتسكي إلى أن هناك قلقا بالغا في الداخل الإسرائيلي وأن هذا يؤثر بشكل سلبي على الشارع الإسرائيلي، لافتا إلى أن الفترة الأخيرة تشهد غضبا متصاعدة بسبب الضغوط الداخلية المتزامنة مع الحرب، وكذلك عدم إحراز تقدم في ملف المخطوفين في غزة.

كذلك يرى زادة أن المرشد الإيراني علي خامنئي يقع تحت ضغط شديد، ليس فقط في الشارع وإنما أيضا هناك ضغط شديد من شخصيات مسؤولة داخل النظام. فهناك ضغط من قبل الحرس بعد مقتل سبعة من قادة فيلق القدس على أيدي إسرائيل، فرجال الحرس كانوا يطالبون بالانتقام.

رسالة بالنار واستعادة للهيبة

يقول العميد هشام جابر الخبير العسكري والاستراتيجي ومدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في بيروت، في حديث لبي بي سي نيوز عربي، إن المفاجأة في الهجوم هو أنه لم يكن مفاجئا، وقد سبقه أسبوعان من الحرب النفسية، إذ كانت إسرائيل في حالة هلع وهذا سبب أضرارا نفسية ومادية بسبب تعطل كثير من المنشآت ومغادرة كثير من المواطنين إسرائيل.

ويصف جابر العملية التي نفذتها إيران بأنها “رسالة بالنار” – على حد تعبيره – تقول فيها إيران إن لديها القدرة على الوصول للعمق الإسرائيلي، كما أنها استطلاع بالنار لمعرفة مدى قدرة وجهوزية الدفاع الجوي الإسرائيلي.

ما الذي حدث في إسرائيل بعد هجوم إيران؟

ويرى أيضا أن طهران استفادت عسكريا واستراتيجيا أيضا من تغير قواعد الاشتباك تغيرت، أما سياسيا فقد استعادت شيئا من هيبتها التي فقدتها في السنوات الماضية عند اتباع ما يسمى بـ “سياسة الصبر الاستراتيجي”، بحسب وصفه.

ويمضي الخبير العسكري في القول إن إيران أطلقت هذه الكمية المهولة من المُسيرات “فقط لتربك الدفاع الجوي الإسرائيلي”، مشيرًا إلى أن القبة الحديدية لم تكن وحدها تستطيع صد الصواريخ إذ ساعدتها الولايات المتحدة وبريطانيا من خلال قواعد في الشرق الأوسط.

وعن الرد الذي توعدت به إسرائيل، قال جابر إنه “إذا اختارت إسرائيل الرد العسكري فيمكنها أن تصل بصواريخها إلى البر الإيراني، بينما لا تستطيع أن تستمر والوصول للعمق، فبمجرد الوصول للبر سيكون الرد الإيراني قاسيا. ويمكن لإسرائيل أن تقصف إيران بدقة بالطائرات، ولكن لا تستطيع أن تصل تلك الطائرات إلا إذا حلقت فوق الدول العربية وهذا حذرت منه إيران، أو أن تنطلق من قواعد عسكرية أمريكية وهذا لن تسمح به الولايات المتحدة”.

تغيير البوصلة واستعادة الثقة

يرى فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بلندن، أن المكاسب الإسرائيلية أكثر من مكاسب إيران؛ لأن الضربات الإيرانية لم تحدث دمارا في إسرائيل ولا خسائر بشرية، وأيضا لأن الغرب بأكمله يقف الآن مع إسرائيل، والولايات المتحدة تحاول حشد الدعم الغربي على مستوى السلاح والتعاون الاستخباراتي والدعم المالي لإسرائيل.

ويقول جرجس إن باين بدعوته لعقد قمة عاجلة لمجموعة السبع من أجل حشد الدعم لإسرائيل، يصورها على أنها الضحية فيما ما يحدث، على حد تعبيره.

ما هو المزاج السائد في إيران بعد الهجوم على إسرائيل؟

كما أن “نتنياهو سيكسب سياسياً بعدما تحولت الأنظار ولو مؤقتاً عن الأوضاع الكارثية والفظائع التي ترتكب في قطاع غزة” يضيف جرجس مشيرا إلى أن نتنياهو سيستفيد من إعادة ترميم العلاقة مع الغرب وخاصة مع الرئيس جو بايدن بعدما كان الغرب ينتقد إسرائيل كثيرا في الآونة الأخيرة على خلفية الأحداث في غزة،

هذا بالإضافة للمكاسب السياسية الداخلية.

أما بالنسبة للمكاسب الإيرانية من الهجوم، فيقول جرجس إن طهران اكتسبت سياسيا؛ فقد استطاعت تصوير نفسها لشعبها وحلفائها وكذلك أعدائها على أنها تملك إرادة سياسية وتستطيع الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

خسارة استراتيجية لإسرائيل

يرى أستاذ العلاقات الدولية، فواز جرجس، أن ما قامت به إيران أظهر أن إسرائيل لا تستطيع الدفاع نفسها بمفردها إلا من خلال حلفائها الغربيين، بعد أن أسقطت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن معظم صواريخ إيران.

ويضيف أن الهدف الرئيسي لإسرائيل في ضرباتها المتكررة لإيران في الفترة الماضية كان إظهار أن إيران ضعيفة ولا تتجرأ على المواجهة، “لكن الهجمات حطمت هذه النظرة”، بحسب قوله.

ويقول جرجس إن المنطقة في عين العاصفة الآن، فقد صرحت إيران بأنها ستصعّد بشكل كبير، وذلك يجعل المنطقة حاليا على شفا الهاوية سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

بي بي سي

—————————–

التغيرات الجيوسياسية بالشرق الأوسط بعد مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق/ زكي الدروبي

2024.04.16

تعرضت إيران والمليشيات التابعة لها لإذلال ما بعده إذلال، بعد ضربات إسرائيلية عديدة مستمرة تتصاعد يوما بعد يوم، وكان آخرها قتل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني أثناء اجتماع لهم بدمشق.

هذ الاستنزاف الذي تتعرض له إيران أتى في ظرف تاريخي قدمته حماس لليمين المتطرف في إسرائيل على طبق من ذهب، وقد ينعكس إيجابا علينا كسوريين إن لم نستخدم كوقود لصفقة ما.

عملت الإدارات الأميركية المتعاقبة على مراعاة المصالح الإيرانية، مع خلق توازن بينها وبين المملكة العربية السعودية، وفي عهد كلينتون الديمقراطي، ازداد قربا من إيران لدرجة غض النظر عن تمدد نفوذ حزب الله، ووصوله ليكون أمرا واقعا، وأتى عهد أوباما ليكسر هذا التوازن بشكل كامل لمصلحة إيران، من أجل صفقة النووي، وحينها فشل اللوبي الصهيوني في إيقاف مسار أوباما ومنع الاتفاق النووي، ووجد نفسه أمام هذه الحقيقة، الدور الإيراني الإقليمي المرعي من أميركا.

إن القيام بمغامرة عسكرية كبيرة لتصفية الملف النووي الإيراني أمر لا يستطيعه الإسرائيليون بمفردهم، فهذه المنشآت متوزعة على امتداد الجغرافيا الإيرانية، ومحصنة جيدا، وتحتاج لقدرات لا تمتلكها، لهذا بدأت بعمليات استخبارية لإيقاف سرعة تطور النووي الإيراني، ونعرف الكثير من العمليات الاستخبارية التي استهدفت مفاعلات أو علماء ومهندسين، بالإضافة لمتابعتها الوجود الإيراني في سوريا بدقة، وقيامها بعمليات تدمير أي شحنات سلاح متطور قادم إلى سوريا.

بعد انكسار التوازن لمصلحة إيران، بعهد أوباما، وشعور السعودية بالغبن، عملت المملكة على إنتاج خط مواز للعلاقة السعودية الأميركية، فبدأ ولي العهد السعودي ينسج علاقات مع الشرق “روسيا والصين”، من دون أن يسيء للعلاقة الأميركية نفسها، وأوضح بأن الخلاف هو مع الإدارة الديمقراطية نفسها، ونذكر الاستقبال الباهت من ولي العهد السعودي للرئيس الأميركي بايدن، الذي افتتح عهده باستهداف المملكة، وغض النظر عن إيران، وهذه العلاقة مع الشرق سمحت للسعودية بالوصول إلى اتفاق هدنة طويلة مع إيران برعاية صينية، توقف بعدها الاستهداف الحوثي للأراضي السعودية.

بعد عملية حماس، أتت الفرصة الذهبية للإسرائيليين، فبدأوا باستهداف تدريجي متصاعد لمخازن الأسلحة بغض النظر عن مدى تقدمها، وللشحنات الجديدة القادمة في سوريا ولبنان، وبنفس الوقت تصاعد تصفية عناصر وقادة هذه المليشيات، فيما عملت إيران ومليشياتها على ضبط النفس والصبر، فالمشروع بالنسبة لهم أهم من الأشخاص، والحفاظ عليه يقتضي تجرع كأس السم مرات عديدة، ونذكر جميعا ما حصل عقب مقتل سليماني.

بعد العملية الأخيرة ومقتل القيادات الإيرانية رفيعة المستوى في دمشق، أصبحت المعادلة تقول إن الاستهداف سيطول أي شخصية عسكرية من هذه المليشيات في أي مكان بالجغرافيا السورية واللبنانية، مهما كان وزنها، وقد أوقع هذا الفعل إيران بحرج كبير، وبحث وزير خارجية إيران بزياراته المكوكية بين دول المنطقة، مستجديا موافقة أميركية على رد محدود غير ذي أثر، لحفظ ماء الوجه فقط.

فإيران غير قادرة على رد كبير عنيف مباشرة من أراضيها، لأن منظومات الدفاع الجوي الأميركية من باتريوت وغيرها، بالإضافة إلى القدرات العالية بالتشويش والحرب الإلكترونية، الموجودة في العراق وسوريا، بمنتصف الطريق بين إيران والإسرائيليين، ستعيق تقدم هذه الصواريخ أو المسيرات، والتصريحات الآتية من أعلى مستوى في القيادة الأميركية تؤكد “أنها بجانب إسرائيل في أي ضربة محتملة”، طبعاً عدا عن القدرات العسكرية الإسرائيلية نفسها، كما أنها لا تستطيع مهاجمة سفارات صهيونية حول العالم، لأن هناك احتياطات أمنية كبيرة حولها، وبفرض أنها استطاعت تنفيذ عملية ضد سفارة الصهاينة في مكان ما من العالم، فهذا سيزيد من إحراجها وعزلتها حول العالم، خصوصاً وأنها لم تستطع إقناع أحد بأن الهجوم الصهيوني كان على مبنى ديبلوماسي، فقد كان السؤال حاضرا دوما، ماذا تفعل كبار الشخصيات العسكرية في الحرس الثوري الإيراني – اثنان منهم برتبة جنرال – في هذا المكان؟

حتى الرد من خلال أذرعها سيكون محدودا غير ذي أثر، فالنظام الأسدي قطع الطريق على أي ضربة انتقامية من الجولان، وأصبح الروس على الحدود السورية مع الكيان العدو مباشرة، وحزب الله غير قادر على فتح معركة كبيرة، والمليشيا العراقية التي تطلق البيانات عن عمليات الاستهداف التي تنفذها ضد الصهاينة، لن تستطيع فعل شيء حقيقي على الأرض بسبب القدرات التقنية المتطورة لدى إسرائيل، وسيكون هجومها بسيطا محدودا، بسبب الخوف أيضا من الانتقام الأميركي، كما حصل عند قتلها لثلاثة جنود أميركيين.

ما ظهر من الرد الإيراني “المنضبط” حسب توصيف الخارجية الإيرانية، وما تم إعلانه من قبل الخارجية الإيرانية نفسها، عن إبلاغ الولايات المتحدة ودول الجوار بموعد وتفاصيل الهجوم قبل 72 ساعة من انطلاق المعركة، يؤكد أن ما حصل هو إخراج لإيران من حرجها الكبير الواقعة فيه أمام شعبها، وأمام جمهورها في محور المقاومة، ويؤكد المؤكد بأن كيان العدو مرعيا من الدول الغربية، وهذا واضح من المشاركة – حتى لو كانت رمزية – الفرنسية البريطانية في الدفاع، واعتراض الصواريخ.

هذا الواقع يضعف إيران كثيرا، ويظهر أن كل ما صنعه الملالي من مصدات وواقيات وأذرع في المنطقة لم يكن ذا فاعلية، ولم يحميها، وبقيت وميلشياتها قوة مجرمة تجاه شعوب المنطقة، من عراقيين وسوريين ولبنانيين وفلسطينيين ويمنيين، لهذا ستتجرع إيران كأس السم مرة أخرى، كما فعلت ذلك سابقا مرات عديدة، وستركز على إكمال مشروعها في المنطقة، وتحاول إكماله عبر نقل الفوضى أيضا للأردن، لتكون على حدود إسرائيلية أخرى، لتقوية نفوذها في المنطقة، واعتبارها قوة إقليمية يجب استشارتها بكل صغيرة وكبيرة في المنطقة، وحساب حصتها من خيراتها.

من جهته كان أكبر المستفيدين من هذا الحدث كل من بشار الأسد الذي أثبت بأنه خادم مخلص للكيان العدو، ومنع أي عمليات من الجولان باتجاههم، وخلق توترا غير معلن مع إيران، وبالمقلب الثاني استثمر الكيان العدو بالضربة الإيرانية، وأعاد سرد مظلوميته التاريخية وحشد داعمين له من جديد.

في المقابل يتواصل الحراك الأميركي في المنطقة، بهدف إعادة بنائها لتكون خالصة لها بعد التدخل الصيني الروسي فيها، والتحالف الذي بدأ يتشكل مع الأخطبوط الإيراني وأذرعه، ففي سقطرى تبنى قاعدة أميركية لتكون أقرب إلى الشواطئ اليمنية من القاعدة الأميركية بجيبوتي والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في إفريقيا.

كما كشف تحقيق استقصائي لمنصة إيكاد، عن زيادة بطول المدرج الرئيسي في القاعدة العسكرية الإماراتية الموجودة في جزيرة سقرطى، ليصبح طوله 3 كم، أي أنه – حسب التحقيق – “بات قادراً على استيعاب طائرات الشحن العسكري الأميركية الأكبر من طراز C-6 Galaxy وقاذفات B-1 Lancer الإستراتيجية، وهي القاذفات ذاتها التي قامت بهجمات انتقامية مؤخراً في سوريا والعراق”.

برأيي إن إعادة صياغة التحالفات في المنطقة، وتحجيم الدور الإيراني بما يضمن المصالح الأميركية الإسرائيلية، قائم ومتسارع، وأقول إنه تحجيم وليس إنهاء بشكل كلي، لأن دولة إسرائيل وإيران لا تستطيعان العيش بدون عدو خارجي، وستبقى شعارات المقاومة والممانعة مرفوعة، وسيبقى العدو المحتل يقتات من هذا الصراع، ولأن الولايات المتحدة لا تستطيع ضمان المنطقة بدون الفزاعة الإيرانية، وستبقى المنطقة في توتر واستنزاف منعا من صعود قوى في منطقة جغرافية من العالم ذات حساسية كبيرة، تلتفت لبناء مجتمعاتها وتطورها، وبالتالي تشكل خطرا على المصالح الأميركية، ونتنياهو المأزوم سيسعى لإطالة مدة الحرب، وسيكون الدور التالي على حزب الله في لبنان، إذ سيجبر على العودة لما وراء الليطاني، قسرا أو بصفقة ما.

تلفزيون سوريا

——————————-

كيف تنظر تركيا لما حصل بين إيران وإسرائيل؟/ علي أسمر

2024.04.16

بعد زمن طويل من المشاحنات بين إيران وإسرائيل تم خرق قواعد الاشتباك، ودخلنا لمرحلة جديدة في الصراع الإيراني الإسرائيلي، وتتميز هذه المرحلة بالهجوم المباشر بين إيران وإسرائيل بعد أن كانت الهجمات بالوكالة، ويبدو هذا ما أرادته إسرائيل من هجومها بشكل مباشر على القنصلية الإيرانية في وسوريا لخرق ما يسمى بـ”قواعد الاشتباك”، مما اضطر إيران إلى تغيير قواعد اللعبة والتجهيز لضرب إسرائيل مباشرة لحفظ ماء وجهها، وليس لإلحاق الضرر بإسرائيل، وهذا كان واضحا من التنسيق الإيراني الأميركي قبل هذا الهجوم.

جميع الدول تابعت تطورات الهجوم الإيراني على إسرائيل بين مؤيد ومعارض، ولكن تركيا تابعت التطورات بهدوء داعية الأطراف إلى ضبط النفس، ومؤكدة أنها لا تدعم أحد الطرفين في هذه الحرب التي يعدّها بعضهم فخا من الولايات المتحدة لبعض دول المنطقة.

ولكن هذا لم يمنع تركيا من التذكير والتشديد على ضرورة الاعتدال وضبط النفس والتحذير من خطورة انتشار الحرب في غزة إلى كل دول المنطقة، عن طريق بيان رسمي من وزارة الخارجية التركية، إذ طالب البيان بوقف التصعيد والعمل على المسار السياسي لإنهاء الحرب في غزة.

أما الإعلام التركي والصحافة التركية، فتناولت الموضوع من وجهات نظر مختلفة ومتعددة، فبعضهم قال إن ما حصل عبارة عن تمثيلية لا أكثر، وإن هدف هذه التحركات هو خلط الأوراق وخلق فوضى في الشرق الأوسط، وليس له علاقة بما يحصل في غزة، وبعضهم الآخر رأى في الخطوة الإيرانية بصيصَ أمل لانتهاء أسطورة إسرائيل في المنطقة، إذ لم تتجرأ أي دولة منذ زمن طويل على استهداف إسرائيل بشكل مباشر، وقسم من الأتراك شاهدوا بالضربة الإيرانية عملية انتقامية لما كان يحصل في غزة على مدار أشهر.

تنوّع الآراء هو شيء صحي في دولة ديمقراطية مثل تركيا ولهذا أعتقد أن الهجوم الإيراني كان ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا وليس له علاقة بموضوع غزة، وهذا ما يثبته توقيت الهجوم، من جانب آخر لاحظنا من خلال هذا الهجوم، مدى التنسيق الإيراني الأميركي الدقيق والعميق، فقد نسّق الطرفان الهجوم زمنيا ومكانيا، وحتى حددوا نتائج الهجوم قبل بدايته.

الطرفان اتفقا على ألا يسفر هذا الهجوم عن خسائر بشرية، وهذا ما حدث بالضبط، ولأن إيران لم تبتعد خارج بنود الاتفاق مع الولايات المتحدة عملت على كبح جماح إسرائيل، وستحاول أن يكون الرد الإسرائيلي ردا متواضعا كهجوم سيبراني مثلا.

بعض الصحف التركية كصحيفة يني شفق، فسّرت أن في هذا الهجوم بُعداً خاصاً بالنسبة إلى تركيا، وهو حزب العمال الكردستاني فعندما يكون الموضوع إسرائيل، تصبح الولايات المتحدة وإيران عدوتين لدودتين، وعندما يتعلق الموضوع بحزب العمال الكردستاني والأمن القومي التركي، تتحول إيران والولايات المتحدة إلى حلفاء يدعمون حزب العمال بالمال والسلاح ضد تركيا!، وهذا ما رأيناه في شمالي سوريا والعراق على مدار سنوات طويلة، كما يؤكد مرة أخرى التنسيق العميق بين الدولتين تجاه دول المنطقة، وهذا ما يدفع بعض المواطنين بتركيا وبالشرق الأوسط لعدم التعاطف مع إيران في هذه الحرب.

أما صحيفة قرار التركية فكان لها وجهة نظر أخرى أتطابق معها، وهي أن إيران تشكل مخرجا للأزمة الإسرائيلية، فحكومة نتنياهو تمرّ بمرحلة حرجة، وتحتاج إلى مخرج منطقي من هذه الأزمة، فتوسيع رقعة الحرب وشدّ إيران لها سيعزز موقف نتنياهو، وسيجلب إليه دعم وتعاطف غربي كبير، ولا سيما حاليا مع التململ الغربي والأميركي من حكومة نتنياهو التي تضرب المصالح الإسرائيلية والأميركية والغربية عرض الحائط.

أما بالنسبة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فكان يغلب عليها السخرية من تفاصيل الهجوم الإيراني على إسرائيل، حيث شاهدنا كثيرا من الفيديوهات التركية الساخرة حول هذا الموضوع، بسبب عدم وجود عنصر المفاجأة وعدم وقوع ضحايا أو خسائر كبيرة، وبعضهم أيضا استغربَ من الدقة الإيرانية بعدم المساس بأي إسرائيلي في هذا الهجوم! ، وحتى إنَّ بعضهم أخذ يقارن بين المسيّرات التركية والمسيّرات الإيرانية التي لم تصب أيَّ هدف من أهدافها، وكأنها من كرتون، وجميع رواد مواقع التواصل الاجتماعي اتفقوا على الفرق الكبير بين الهجوم الإيراني على السوريين الثائرين ضد النظام السوري والهجوم الإيراني على إسرائيل.

ومع مراقبة كل التفاصيل سنلاحظ أن إيران تحاول محاربة إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة لكي لا تتخطى الخطوط الحمر، ولكي يبقى طريق للعودة، لأن إيران كان عليها أن تردّ على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، ولكن في الوقت نفسه لا تريد أن تتخطى الحدود، أي أن الذي نراه من الممكن أن يكون عبارة عن مزاح حتى الآن وغير حقيقي، لكن يجب ألا ننسى أنه أحيانا يتحول المزاح إلى جد، لذلك تركيا ما زالت متمسكة بالمسار السياسي، وتحاول إقناع كل الأطراف بأن المسار العسكري حل غير واقعي، وأن الحل الأخير والوحيد هو الحل السياسي لهذه الأزمة، ومن هنا نستطيع أن نفهم أن تركيا أتقنت دور الوسيط بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وستحاول لعب هذا الدور مع الأطراف المتعددة في هذه الأزمة أيضا.

———————

في الصراع بين إسرائيل وإيران.. ماذا يدفع السوريون؟/ وفاء علوش

2024.04.16

في موقع غاية في الأهمية وبناء مترف على أوتستراد المزة في مدينة دمشق، وقفت السفارة الإيرانية لعقود متصدرة المشهد قاطعة المجال أمام غيرها من الأبنية ليكون في مثل أهميتها.

يدرك السوريون أنها لم تكن تمثل أزمة قبل الثورة السورية وإنما كانت تتميز بشكل بنائها المزخرف المليء بالفسيفساء، لكن ذلك الأمر اختلف بعد الثورة، وأصبحت جاثمة فوق صدور السوريين مثل مخرز في العين، بسبب التداعيات السياسية وما أضافوه من وسائل حماية حول بناء السفارة في سبيل تحصينها خوفا من رد الفعل الشعبي.

غير أن الضربة لم تأتِ من الشعب اليوم، ذلك أن قوى الشعب لم تعد قادرة على الكفاح بعد أن جردهم العالم من السلاح الوحيد الذي امتلكوه.

لقد فقد السوريون الأمل في أن يحققوا التغيير الذي نشدوه، وأضيفت خسارته إلى لائحة الخسارات التي لا تعد ولا تحصى مما فقد السوريون عبر سنوات الحرب، التي جردتهم من حقهم في الحياة وسلبت هويتهم وملاذهم وموطنهم وأحلامهم.

لم تكن تلك المرة الأولى التي تسدد فيها إسرائيل ضربة جوية بقصد تدمير أهداف معينة بشرية أو غير بشرية بحسب ما تحدده من مستوى الخطورة، ففي الأول من أبريل/نيسان الجاري شنت إسرائيل غارة على سفارة إيران في دمشق بشكل مدمر ضمن هجمات الكر الفر التي تدور بين البلدين في كواليس الحرب المستمرة في سوريا، كما سبق أن استهدف الكيان الإسرائيلي إحداثيات معينة في مدن أخرى بقصد تحييد أهداف إيرانية وشخصيات نافذة في العمليات العسكرية الدائرة في سوريا.

وعلى أن هنالك كثيرا من التكهنات حول كيفية حصول إسرائيل على المعلومات وتوقع وجود جواسيس يزودونها بالإحداثيات، إذ إن زاهدي قد وصل إلى سوريا قبل نحو 24 ساعة من الهجوم وكان يقيم في مجمع السفارة هو واثنان آخران من كبار القادة، غير أن ذلك لا يشكل فارقاً في لعبة السياسية سوى أنه ينذر بتحميل السوريين أعباء جديدة فوق ما حملوه طوال تلك السنوات.

يرى باحثون أن إسرائيل اليوم قد تمادت بتعديها على أراض إيرانية وأن ذلك قد يغلق الباب في أي محادثات دبلوماسية بين البلدين، بينما يرى آخرون أن هذه الحرب الدائرة بين البلدين في الظل هي أساس القضية في الصراع الخفي بين إسرائيل وإيران وهدفها تقويض نفوذ إيران في سوريا، كي لا يؤثر ذلك على مكتسبات الكيان، لكن أحداً لم يذكر في موقع السوريين من هذه الحرب الخفية وكيف تنعكس آثار هذا الصراع على حياتهم السياسية واليومية.

يجد السوريين أنفسهم اليوم بين فكيّ كماشة فهم من جهة يرفضون أي سلوك من طرف الكيان الإسرائيلي باعتباره عدوّا أزليّا، ومن جهة يرفضون الاستيطان الممنهج الذي انتهجته إيران للسيطرة على الأراضي السورية، لكنهم يعرفون جيداً أنهم يدفعون ثمن الصراع بين الطرفين _إن وجد_، وأن أراضيهم أصبحت الملعب الرسمي لصراع القوى العالمية ومساحة لتصفية الحسابات الدولية.

وأيّاً كانت الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران وأذرعها العسكرية في المنطقة من حزب الله والحرس الثوري وما شابه من جهة أخرى، فهي ليست إلا أزمة حول اقتسام الغنائم، لأنهم لو كانوا في حالة حرب أو عداء حقيقي لما كان من الضروري أن تقتصر على هجمات متفرقة ومنفردة بين حين وآخر أو اغتيال شخصيات نافذة في الشأن السوري، وكان من الممكن أن تمتد إلى حرب إقليمية، لكن من الواضح أن إسرائيل تستهدف مواقع حيوية على الأرض السورية من دون أن تنتقل هذه الصراعات إلى مواجهة مباشرة مع إيران.

يضيق اليوم السوريون ذرعاً بالعدد الكبير من القوى الإقليمية المنتشرة على طول وعرض الجغرافيا السورية، يراقبون الصراعات الدائرة بعجز وصمت رهيبين، مع وجود صمت عالمي وعدم تدخل في انتظار أن تنتهي المواجهات من تلقاء ذاتها أو أن يكتب المنتصر النهاية التي تناسبه.

لم تكتفِ إيران باحتلال البلاد بميليشياتها العسكرية وأعوانها، بل كان ذلك مقدمة لاحتلال سوريا اجتماعياً وتغيير الوجه الثقافي لسوريا والقضاء على هويتها التاريخية وتحقيق تغيير ديمغرافي فيها، وحتى وإن اختلف السوريون اليوم على ولاءاتهم السياسية لكنهم يتفقون على رفض شكل الاحتلال الإيراني الذي أخذ منهم بلادهم وأملاكهم، وأصبح يعتقد أنه مالك الأرض وأن السوريين يأتون في المرتبة الثانية وأنه ورعاياه لهم الأولوية عن المواطنين الأصليين.

تدّعي إيران أنها موجودة في الأراضي السورية لحمايتها من الطغاة القادمين لاحتلالها ولإنقاذ السوريين من المؤامرة المعدة ضدهم، وإذا ما افترضنا صحة هذه الفرضية فهل من الممكن أن تتراجع إيران في حصونها بعد أن تعترف أنها نقلت حربها مع إسرائيل وأميركا إلى أراضي الدولة التي تدخلت لحمايتها؟ وهل من الممكن أن ترفض أن تتسبب بأذى ومقتل السوريين الذين تدعي أنها تهتم لأمرهم؟ الإجابة ثابتة بالتجربة أن إيران أسهمت في قتل وتشريد السوريين بالفعل، ولا يمكن أن تعبأ في خسارة أرواح السوريين طالما أن ذلك يحقق هدفها في مد نفوذها.

لا يوجد داعٍ بالطبع لذكر موقف النظام السوري، ذلك أن الرأي المتفق عليه أنه غير معني بالأمن القومي السوري ولا يعنيه تغيير الهوية السورية من عدمها، وأنه قدم التنازلات المختلفة في سبيل بقائه في رأس السلطة، وكي لا يضحي بمكتسابته هو والعائلة وأنه قد وقع على تنازل ضمني في مقابل ضمان حصته من الغنيمة.

أين يوجد موقع السوريين من كل ذلك اليوم؟ وكيف لهم أن ينهضوا من تحت كل ذلك العبء، لقد دفع السوريون ثمن الصراع على السلطة في عهد الانقلابات وفي عهد الأسد الأب في صراعه مع المنقلبين من العائلة، ويدفعون اليوم ثمن بقاء الابن على كرسي النظام، والحقيقة أنهم بحاجة إلى ثورة تستطيع أن تعيد لهم السلم الأهلي الذي سلبه النظام في معركة حفاظه على السلطة.

—————————–

الردّ الإيراني قد يدمّر لبنان..هكذا/ عمر قدور

2024/04/16

إيران مضطرة للرد، لكنها لا تريد الحرب. تلخّص هذه العبارة ما كان عليه الرد الإيراني على اغتيال قادة للحرس الثوري في قصف إسرائيلي لمبنى قنصلي إيراني في دمشق. في التفاصيل، كان واضحاً جداً أن الهجوم الإيراني خالف كافة القواعد التي تحيط عادة بهجوم يُراد به إيذاء الخصم، فتوقيت الهجوم كان مفضوحاً، وانعدمت فيه عناصر المفاجأة الخاطفة الأخرى. ثم أُعلن عن نهاية الرد في استكمال لإبداء “طيب النوايا”.

نجا لبنان من استخدامه منصة من منصات الرد الإيراني، وهذا مبرر إضافي حتى لأنصار الحزب كي يحتفلوا بالرد الذي لن يكابدوا تبعاته. وجرى كثيراً تداول الاستنتاج القائل أن الرد الإيراني أرسى قواعد اشتباك جديدة، إذ انطلق من الأراضي الإيرانية، وكأن حضور الأصيل يعفي الوكيل أو على الأقل يمنحه إجازة من مهامه. وذلك قد يكون صحيحاً لو لم تحمل تفاصيل الرد الإيراني ما يخالفه ويعزز مكانة الحزب في التراتبية الإيرانية، ويثقل بها على لبنان ومستقبله.

يجدر التوقف مليّاً عند استغراق المسيّرات الإيرانية “وحتى الصواريخ” وقتاً طويلاً بمعايير الحروب الحديثة كي تصل إلى أهداف إسرائيلية، ما يمنح الخصم قدرة على التصدي للهجوم المعادي. هذا البطء يبقى مستحِقاً التفكير حتى إذا لم تكن المسيَّرات والصواريخ التي أُطلقت ليل السبت هي أحدث ما في الترسانة الإيرانية، وحتى إذا كانت طهران قادرة دفعة واحدة على إطلاق كمية أكبر مما أطلقته، وأخيراً حتى إذا أُخِذت في الحسبان مشاركة قوات أمريكية وغربية في التصدي للرد الإيراني، فهذه المشاركة هي من الثوابت التي لا يجب التعويل على زحزحتها في المدى المنظور.

الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل هو بمثابة عبء آخر على لبنان، فالدعم أشد فاعلية إزاء الصواريخ التي تُطلق من إيران، أو حتى من العراق واليمن. ومن المعلوم أن فارق الدقائق يُحسب له حساب في الحروب الحديثة، ويلعب دوراً أساسياً في إبطال مفعول الخطر المقبل من الخصم. أي أن إيران، لتخفف من تأثير الدعم الغربي لإسرائيل في أية مواجهة مقبلة، بحاجة ماسّة إلى منصة إطلاق صواريخ ومسيّرات محاذية لإسرائيل، بحيث تستطيع فعلاً سدّ ثغرة البطء التي تتسبب بها الجغرافيا مع تكنولوجيا لا تضاهي نظيرتها الإسرائيلية.

نذكّر بأن الميليشيات الإيرانية في سوريا غير قادرة على لعب الدور المناط بحزب الله، لأن الشريك الروسي في الاحتلال لن يقبل “بل سيعيق” أي هجوم إيراني ضخم انطلاقاً من الأراضي السورية، والتنسيق الجوي بين موسكو وتل أبيب في ما يخص الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا يتكفّل بمزيد من التوضيح. أي أن أقصى فائدة حربية تتوخاها طهران من سوريا حالياً هي بقاؤها ممراً للأسلحة المرسلة إلى الحزب، ولا ترى ضيراً في أن تقصف إسرائيل قسماً منها أثناء العبور مقابل نجاة القسم الآخر.

أهمية ترسانة الحزب الصاروخية للردع الإيراني معروفة من قبل، لكن “بخلاف ما يُظنّ” أتى الرد الإيراني يوم السبت ليؤكّد عليها بينما يبدو انطلاقه من الأراضي الإيرانية استهلالاً لقواعد اشتباك جديدة. بذلك لا يكون الردّ الإيراني رمزياً لمجيئه من الأراضي الإيرانية، بل هو معنوي ومحدود لأن قادة الحرس الثوري لم يوعزوا لقوات حزب الله باستخدام ترسانتها من المسيّرات والصواريخ التي لا تبعد عن الأهداف الإسرائيلية سوى حفنة صغيرة من الكيلومترات. النقطة المهمة هي أن تل أبيب صار لديها منذ ليل السبت مثال تستغله، إذ تخاطب حلفاءها بالقول: ماذا لو كانت مئات المسيّرات والصواريخ آتية من لبنان؟ من الذي سيعترضها ويحمي أمن إسرائيل؟

السؤال السابق والإجابة عليه غير مرتبطين بالتوتر الحالي على خلفية الحرب في غزة، هو في الأصل سؤال لم يأخذ طريقه إلى صدارة الاهتمام، وغارات إسرائيل على مواقع إيرانية في سوريا طوال العقد الأخير هي في هذا السياق، ومن أجل منع تفاقم الخطر الإيراني على حدودها الشمالية. على ذلك، يغالط حزب الله إذ يصوّر الأمر كأن التهدئة في غزة ستقود تلقائياً إلى التهدئة بينه وبين إسرائيل، فالمطروح هو العكس من قادة تل أبيب، خاصة مع انتهاء العمليات الكبرى في غزة والاحتفاظ بجاهزية القوات الإسرائيلية بما فيها قوات الاحتياط.

بؤرة الصراع الإيراني-الإسرائيلي هي في الملف النووي الإيراني، والنخبة الإسرائيلية السياسية متفقة على عدم السماح لطهران بامتلاك السلاح النووي. الردع الإيراني الذي يبدأ من الجنوب هو أيضاً للدفاع عن المشروع النووي، إذ من المفهوم أن أي استخدام إسرائيلي للقوة “على النحو الذي استخدمته ضد المشروع النووي العراقي مثلاً” سيُقابل بعشرات ألوف الصواريخ التي لم يكن يمتلكها صدام حسين، ولم يكن قريباً جغرافياً إلى هذا الحد كي تكون أسلحته أقوى فاعلية.

بالتزامن مع تطورات الشهور الأخيرة في المنطقة، لم يعد الملف النووي على نار هادئة، إذا صدقت التسريبات عن امتلاك إيران كمية من اليورانيوم تقترب بدرجة تخصيبها من إنتاج ثلاث قنابل نووية، من دون امتلاك القدرة حتى الآن على استخدامها قتالياً، وهناك تكهنات تشير إلى امتلاك القنبلة بجهوزية قتالية في غضون سنة على الأكثر. هذا يجعل ترسانة الحزب تالياً محط اهتمام إسرائيلي ملحّ، إذا كان هناك قرار جازم بعدم السماح لإيران بامتلاك النووي، لأن تل أبيب أقدر على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية متى حيَّدت الخطر الآتي من الشمال.

بالتأكيد لا نودّ التهويل، لكن الخطر على لبنان ماثل، ونعود إلى التأكيد على أنه غير مرتبط بالتطورات في غزة. الخطر على لبنان تشرحه “مع شديد الأسف” تصريحات مسؤولين إسرائيليين لوّحت بمصير غزة، والتصعيد الإسرائيلي بهدف استجلاب ردّ فعل مماثل من الحزب أو طهران يشرح أن التخلص من ترسانة الحزب ضمن أولويات تل أبيب. الردّ الإيراني إذا كان يهدف إلى تقديم رسالة ترهيب لإسرائيل فهو يسلّط الأضواء أكثر فأكثر على الأداة التي يلوّح بها، والرهان على رعاية دولية تنقذ لبنان في الوقت المناسب هو بمثابة اختراع لبناني يساعد على تجرّع الخطر لا أكثر، فالرعاية الموهومة لم تنقذ لبنان مما ألمّ به طوال نصف قرن على الأقل. ربما، فيما هذا تحديداً، يُستحسن تصديق الوكلاء على ترسانة الصواريخ الذين يسخرون من الغرب ومبعوثيه إلى بيروت.

المدن

————————

سوريا أحد خيارات الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني

2024/04/16

نقلت شبكة “إن بي سي نيوز” عن مسؤولين أميركيين أن الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم الإيراني سيكون “محدود النطاق”، وقد يذهب باتجاه استهداف قوات إيران ووكلائها في سوريا.

وأوضحت الشبكة الأميركية أن هذا التقييم يستند إلى “محادثات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين جرت الأسبوع الماضي، قبل أن تشنّ إيران هجومها على إسرائيل”.

وقال المسؤولون الأميركيون إنه “بينما كانت إسرائيل تستعد لهجوم إيراني محتمل، أطلع المسؤولون الإسرائيليون نظرائهم الأميركيين على خيارات الرد المحتملة”. وشددوا على أنه “لم يتم إطلاعهم على قرار إسرائيل النهائي” بشأن كيفية الرد. وأضافوا أنه “ليس من الواضح متى سيحدث الرد الإسرائيلي، لكنه قد يحدث في أي وقت”.

وتراوحت السيناريوهات التي تم الاطلاع عليها بشأن الرد الإيراني المحتمل على استهداف قنصليتها في دمشق (قبل وقوعه)، بين “هجوم متواضع من قبل إيران، إلى هجوم واسع النطاق يؤدي إلى سقوط ضحايا إسرائيليين وتدمير منشآت إسرائيلية”، وفق ما قال المسؤولون للشبكة الأميركية.

وليل السبت/الأحد، تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران في اتجاه إسرائيل.

ولأن الهجوم الإيراني لم يسفر عن مقتل إسرائيليين أو دمار واسع النطاق، كما قال المسؤولون الأميركيون، فإن إسرائيل يمكن أن ترد بأحد خياراتها “الأقل عدوانية”، مثل توجيه ضربات ضد “أهداف خارج إيران”.

ونقلت “إن بي سي نيوز” عن 3 مسؤولين أميركيين قولهم إن الخيارات يمكن أن تشمل “عمليات داخل سوريا”، معربين عن اعتقادهم بأن الرد “لا يُتوقع أن يستهدف مسؤولين إيرانيين كبار، بل بدلاً من ذلك سيتم استهداف بنية تحتية أو مرافق تخزين تحتوي على أجزاء صواريخ متقدمة، أو أسلحة يتم إرسالها من إيران إلى حزب الله”.

وأضاف المسؤولون أن الولايات المتحدة “لا تنوي المشاركة في الرد العسكري”، متوقعين أن تقوم إسرائيل بمشاركة المعلومات حول العملية مع واشنطن مقدما، وتحديداً إذا كان من الممكن أن يكون لها “تداعيات سلبية على الأميركيين في المنطقة”.

من جهتها، تعتزم الولايات المتحدة دعم إسرائيل بحزمة عقوبات جديدة على إيران. وكشف تقرير لموقع “أكسيوس” الثلاثاء، أن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين تعتزم إعلان عقوبات جديدة ضد طهران، وستضغط في هذا الإطار على نظرائها من دول العالم الذين يزورون واشنطن خلال الفترة الحالية، لحضور اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، المستمرة حتى 20 نيسان/أبريل.

واعتبر التقرير أن القرار يعد بمثابة “رسالة خفية” موجهة لإسرائيل، مفادها أن هناك أكثر من طريقة للإضرار بالنظام الإيراني، في ظل سعي إسرائيل للرد على الهجوم الذي تعرضت له من طهران.

وقالت يلين الثلاثاء، إن “أفعال إيران تهدد الاستقرار في الشرق الأوسط، وقد تتسبب في تداعيات اقتصادية” وأضاف أن “أميركا ستستخدم العقوبات وتعمل مع الحلفاء لمواصلة عرقلة أنشطة إيران الخبيثة والمزعزعة للاستقرار”، مشيرة إلى أن وزارتها “استهدفت أكثر من 500 فرد وكيان على صلة بالإرهاب الذي تمارسه إيران ووكلاؤها منذ 2021”.

—————————

صحيفة أميركية:الضربة الإيرانية هائلة..والحلفاء العرب قاموا بدور مهم

 2024/04/16

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن الضربة الإيرانية على إسرائيل السبت كانت هائلة بكل المقاييس، وأشارت إلى الدور الأميركي والعربي في مساعدة تل أبيب على صد الهجوم.

واعتبر المقال الذي أعده الصحافي ياروسلاف تروفيموف أن “القدرة على صد الهجوم يعود إلى مزيج من نظام الدفاع الجوي المتطور والمساعدات الحاسمة التي قدمتها الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الغربيين والعرب، حيث لعبت الطائرات الحربية الأميركية والبريطانية والأردنية دوراً مهما بشكل خاص في إسقاط الطائرات بدون طيار”.

وبحسب “وول ستريت جورنال”، طلب مسؤولون أميركيون من حكومات عربية تبادل المعلومات الاستخبارية حول خطط إيران لضرب إسرائيل والمساعدة في اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يتم إطلاقها من إيران ودول أخرى باتجاه إسرائيل، فيما جرى نقل المعلومات إلى الولايات المتحدة، “ما أعطى واشنطن وإسرائيل تحذيراً مسبقاً حاسماً”.

وتناول المقال رأي الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن جوناثان شانزر، الذي أشار إلى أنه “على الرغم من الغضب الشعبي إزاء مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين فقد ساعد الأردن وشركاء آخرون في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية”.

كما تناول المقال رأي محلل شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك الذي قال: “لقد كثف شركاؤنا الإقليميون جهودهم على الرغم من التوتر الكبير للغاية بينهم وبين إسرائيل منذ 6 أشهر، وبينهم وبين الولايات المتحدة حيث توسلوا إلى الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً لكبح جماح الإسرائيليين”.

وأضاف: “بغض النظر عن مدى كره دول المنطقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإنها تكره الحكومة الإيرانية أكثر، ومن المرجح أن يمنحهم الدور الحيوي الذي يلعبه هؤلاء الشركاء العرب إلى جانب الولايات المتحدة وآخرين في توفير المعلومات الاستخباراتية وفتح مجالهم الجوي، وفي حالة الأردن، فإن لإسقاط الأسلحة الإيرانية تأثيراً جديداً على حكومة تل أبيب مع تطور الأزمة لصياغة ردود الفعل”.

وقد أكد الأردن أنه اعترض “أجساماً طائرة” خرقت أجواءه ليل السبت الأحد، متعهداً التصدي لأي تهديد “من أي جهة كانت”، فيما نفت مصادر من السعودية مشاركة الرياض في التحالف ضد الهجوم الإيراني.

أما الإمارات فقد دعت “إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، لتجنب التداعيات الخطيرة وانجراف المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الاستقرار”.

واقع استراتيجي جديد

 وطرح كاتب المقال ياروسلاف تروفيموف سيناريو مختلف يتمثل بقيام طهران بشن حرب شاملة، وقال: “سواء كان بوسع إسرائيل ومؤيديها تكرار هذا الأداء في ظل ظروف حرب شاملة، فالقصف الإيراني الذي تم الإخبار عنه بوضوح مقدماً كان عكس الهجوم المفاجئ. وهذا سؤال تصعب الإجابة عنه وكذلك قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها دون مساعدة خارجية”.

وأضاف: “هذا هو الاعتبار الرئيسي في الوقت الذي تدرس فيه تل أبيب وواشنطن الرد على ما يعتبر واقعاً استراتيجياً جديداً، خلقه أول هجوم عسكري مباشر لإيران على إسرائيل منذ الثورة الإسلامية عام 1979”.

وتقف إسرائيل بين خيارين بالنسبة لتروفيموف، الذي أشار إلى أن “الرد بقوة على الأراضي الإيرانية قد يؤدي إلى عمليات انتقامية أكثر تدميراً. لكن عدم الرد على الإطلاق أو بشكل ضعيف للغاية يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تآكل الردع، ما يجعل إسرائيل وغيرها أكثر عرضة للهجمات الإيرانية المستقبلية”.

ونقلت الصحيفة عن المحلل الحكومي الإسرائيلي السابق نداف بولاك قوله إن “إيران بدأت مرحلة جديدة. لقد توقفت عن الاختباء خلف الوكلاء وأصبحت الآن معرضة لهجوم مباشر من إسرائيل. وفي المستقبل لن تتمكن تل أبيب من الجلوس واعتراض كل شيء بهدوء”.

وأشار إلى أن “الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن للغاية ومحدودة الكمية وقد تسبب الكونغرس من خلال تعطيله حزمة المساعدات العسكرية لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان في خلق تعقيد إضافي، كما لم يستهلك هجوم السبت سوى جزء صغير من ترسانة الجمهورية الإسلامية الهائلة من المسيرات والصواريخ”.

وأضاف: “استمد الجيش الإيراني معلومات استخباراتية قيمة من مراقبة كيفية عمل الدفاعات الجوية لإسرائيل والولايات المتحدة”.

————————–

إسرائيل مصرة على الردّ..وتناقش التوقيت والنطاق

2024/04/15

نقلت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين أن كابينت الحرب “لا يزال يصرً على الرد على الهجوم الإيراني”، فيما يواصل مناقشة “توقيت ونطاق مثل هذا الرد”.

وأوضح المسؤولان أن الكابينت يدرس “الخيارات الدبلوماسية لزيادة عزل إيران دولياً إلى جانب إمكان الرد العسكري المحتمل”. ويدفع الوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت نحو “رد سريع” على الهجوم الإيراني، فيما يحجم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن حتى الآن.

ويرى غانتس أنه “كلما تأخرت إسرائيل في ردها على هجوم إيران، زادت صعوبة حشد الدعم الدولي لمثل هذا الهجوم”. وفي حين يعتبر أعضاء كابينت الحرب أن الحكومة الإسرائيلية تتمتع حالياً بدعم دولي من حلفائها وتسعى إلى استغلال ذلك، فإن تل أبيب تدرك أن الرد قد يؤدي إلى سلسلة من الرد والرد المضاد وتصعيد إقليمي شامل، بحسب الشبكة.

في المقابل، يشدد مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية على أنه “لا يمكن السماح بمرور أول هجوم من إيران على إسرائيل من دون رد”، في ظل تأثير ذلك على قوة الردع الإسرائيلية التي تآكلت في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ومن بين الخيارات العسكرية التي يتم النظر فيها، شنّ هجوم على منشأة إيرانية من شأنه أن يبعث برسالة إلى إيران وحلفائها، مع تجنب وقوع ضحايا، لعدم جرّ إيران إلى رد مضاد.

وذكر مراسل القناة (12) الإسرائيلية أن القيادة السياسية في إسرائيل ناقشت “مستويات مختلفة” من الرد على إيران، بما في ذلك الرد بشكل محدود أو رد قوي.

وبحسب التقرير، فإن بعض الردود المحتملة التي ناقشها الكابينت يمكن تنفيذها بشكل فوري. وشدد على أن الهدف الذي حددته الحكومة الإسرائيلية هو “ضرب إيران من دون التسبب في حرب شاملة”. وأوضح أن تل أبيب تبقى مقيدة بعملية “تتم بالتنسيق مع الجانب الأميركي”.

وفي السياق، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، على أنه “ليس أمام إسرائيل خيار سوى الرد” على الهجوم الإيراني. وأضاف أن تل أبيب “لن تكون قادرة على قبول واقع جديد بحيث تُستهدف بصواريخ باليستية دون أن ترد”.

وذكرت مصادر أميركية أن غالانت شدد كذلك على أن إسرائيل لن تستطيع الرضوخ لقواعد اشتباك جديدة تفرضها إيران وتكون طهران بموجبها قادرة على الرد على الهجمات الإسرائيلية في سوريا، عبر شنّ هجوم من أراضيها على أهداف في إسرائيل.

وكان الرئيس الرئيس الأميركي جو بايدن قد أبلغ نتنياهو “بوضوح شديد”، خلال محادثة هاتفية أجريت بعيد الهجوم الإيراني، ب”وجوب التفكير ملياً وإستراتيجياً في مخاطر التصعيد”، وأوضح أن الولايات المتحدة لا تدعم ولن تنضم إلى هجوم إسرائيلي للرد على إيران.

ونقل أوستن لغالانت رسالة مشابهة لتلك التي نقلها بايدن لنتنياهو، مشدداً على ضرورة “فعل كل شيء لتجنب المزيد من التصعيد في المنطقة”.

في المقابل، نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان قوله لنظيره البريطاني ديفيد كاميرون الإثنين، أن إيران لا تريد زيادة التوترات لكنها سترد بشكل فوري وبقوة أكبر من ذي قبل إذا قامت إسرائيل بعمل انتقامي.

————————–

الضربة الإيرانية لم تقع/ فاروق يوسف

2024/04/16

إيران تكذب دائما. تلك هي عادتها. نظام سياسي قائم على أوهام العقيدة التي ستغير العالم. عداء ذلك النظام للعالم ضروري من أجل بقائه. تتمنى إيران لو أنها استطاعت أن تلحق الضرر بأيّ جزء حيوي من العالم. غير أن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر. ومَن يدرك عمق العزلة التي تعيشها إيران لا بد أن يجد تفسيرا لذلك العداء. أما حين يكذب النظام على الشعوب الإيرانية وشعوب أخرى وقعت تحت تأثير آلته الدعائية فإنه يفعل ذلك بتأثير جنونه العقائدي. فليس من مصلحة ذلك النظام أن يعترف بأن دخوله إلى سباق التسلح لن يحقق لإيران تفوقا إلا على دول ضعيفة شاء حظها العاثر أن تكون هدفا للغزاة الجدد كما هي حال العراق.

تكذب إيران في ما تفعله وما لا تفعله على حد سواء. فالهجوم الذي قالت إنها قامت به بمسيّرات وصواريخ بالستية على إسرائيل بقي عالقا في الهواء فيما يؤكد قادة حرسها الثوري أن ذلك الهجوم قد حقق أهدافه. فهل هي أهداف معنوية كما كان الحال يوم انتقمت لمقتل سليماني بقصف قاعدة أميركية غرب العراق بعد الاتفاق المسبق مع الولايات المتحدة؟ عن طريق الكذب ترفع إيران معنويات مواليها ومناصريها من المخيبين والمهزومين وكارهي أوطانهم وهوياتهم. أليس الأمر كذلك ما دامت المسيّرات والصواريخ لم تصل إلى الأرض؟ ولكن ماذا يحدث لو اكتفى الحرس الثوري بإنتاج أفلام فيديو عن هجوم صاروخي متخيل؟ ستكون التكلفة أقل وسيصدقه مَن يريد أن يصدق.

الأسوأ أن الهجوم كان حقيقيا وفشل. ما يعني أن إيران تكذب في قوتها وأن كل لهاثها في سباق التسلح ما هو إلا مضيعة للوقت وهدر لأموال الشعوب الإيرانية. لقد قيل إن كل المعدات التي استعملتها إيران في هجومها قد تم إسقاطها قبل أن تصل إلى أرض العدو. وهو ما يعني أن إيران بدت عارية وأن كل ما تقوله عن قدرتها على الرد بالمثل هو مجرد هراء. وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي لم تختبئ فيها وراء وكلائها في المنطقة حيث قامت بإطلاق عدد من المسيّرات والصواريخ من أراضيها إضافة إلى ما أطلقه وكلاؤها من العراق واليمن فإن ذلك لا يعني أنها لا تعرف حدود ما يمكن أن تفعله خشية أن تجرّها أفعالها إلى حرب شاملة، هي غير مستعدة لتحمل تبعاتها. فحين يصرح أحد جنرالاتها الكبار بأنها ستكون حربا محدودة فهو يقصد أنها لن تستفز إسرائيل إلى الدرجة التي تدفع بها إلى الرد.

حرب محدودة الغرض منها رفع المعنويات. كان الغرض دعائيا. غير أن الفضيحة التي تكمن في التفاصيل لا يمكن إخفاؤها. فبعد طول انتظار عبر سنوات من قصف إسرائيل لمواقع إيرانية في سوريا ومقتل الكثير من الضباط والخبراء العسكريين الإيرانيين جاء الرد الإيراني شبيها بمسرحية متفق على حكايتها. ليلة من الفزع الذي عمّ المنطقة التي أغلقت بلدانها مجالاتها الجوية فيما كانت أطراف اللعبة تعرف حقيقة ما يحدث. وإذا ما كانت المسيّرات قد شكلت في أوقات سابقة عنصر تهديد لأمن دول مجاورة لإيران فإنها في الحالة الإسرائيلية استعادت صفتها الواقعية باعتبارها ألعابا يتسلى الأطفال بإطلاقها. كانت مسيّرات إيران عبارة عن دمى تم اصطيادها قبل أن تصل إلى أهدافها.

تتفهم الولايات المتحدة أن الحكاية كلها حكاية معنويات. لذلك قال الرئيس جو بايدن إن الولايات المتحدة لن تشارك في أيّ عمل عسكري تقوم به إسرائيل ضد إيران فيما كان يعبر عن تضامنه معها في مواجهة العدوان. إسرائيل التي فوجئت بسماجة الرد الإيراني وخفته لن تتورط في حرب، هي في غنى عنها في الوقت الذي تستمر فيه في حربها في غزة وتستعد لتوجيه ضربة ماحقة إلى لبنان إذا ما خرج حزب الله عن حدود ما هو مسموح به من فعاليات يثبت من خلاله وجوده على الساحة اللبنانية. تقدر إسرائيل أن كل ما يفعله حزب الله ضدها هو نوع من شراء الوقت في مواجهة خصومه اللبنانيين. كما أن إيران كانت واضحة في منع حزب الله من الانخراط في حرب ضد إسرائيل.

كانت ليلة فزع انتهت بالفكاهة. لا أعتقد أن أحدا في العالم تعامل بجد مع مسألة قيام إيران بالرد على إسرائيل. مَن يعرف النظام الإيراني جيدا يدرك حقيقة أنه لن يجرؤ على المس بأمن إسرائيل، لأنه لا يملك ما يؤهله للقيام بذلك وهو ما كشفت عنه مغامرته الأخيرة، كما أنه يدرك أن نهايته ستحل إذا ما حوّل الفكاهة إلى نوع من اللعب الجاد.

كاتب عراقي

العرب

————————-

ثرثرة مسيرات وصواريخ إيرانية في سماء الشرق الأوسط/ د. هيثم الزبيدي

2024/04/15

من أفضل المصطلحات الدبلوماسية التي تلجأ إليها الدول للاعتراف بعدم قدرتها على المواجهة التامة أو الجزئية مع عدو صاحب إمكانات أكبر هو “الاحتفاظ بحق الرد”. منذ سنوات يكرر السوريون هذا القول مع كل غارة إسرائيلية على أراضيهم تستهدف، من بين ما تستهدف، المعدات العسكرية الإيرانية المخصصة لاستخدام محتمل من قبل الحرس الثوري المتواجد على الأراضي السورية أو في طريقها إلى حزب الله في لبنان. إيران نفسها استفادت من “الاحتفاظ بحق الرد”، باعتبار أن الأهداف التي تتم مهاجمتها هي أهداف عسكرية سورية “تصادف” وجود مستشارين إيرانيين فيها.

في أجواء التصعيد في المنطقة بسبب حرب غزة، قررت إسرائيل تصفية الجنرال محمد رضا زاهدي وهو القائد المكافئ لقاسم سليماني الذي أوكلت له مهمة تنسيق استهداف إسرائيل من سوريا ولبنان. سليماني كان رجل إيران الأول في العراق وشمال الجزيرة السورية، بينما تركت مهمة الساحل السوري والإطلالة الإيرانية على الجولان وتوجيه وتسليح حزب الله لزاهدي. ردت إيران في حينها على استهداف الولايات المتحدة لسليماني باستعراض قوة ضعيف من خلال توجيه ضربات محدودة بصواريخ سكود لقاعدة أميركية في العراق بنتائج متواضعة لا تتعدى ارتجاجات في الرأس لبعض الجنود الأميركيين. لم تتعلم طهران من خطأ كشف حدود قدرتها، فأقدمت على حشد المئات من مسيراتها وصواريخها البالستية وصواريخ كروز، وأعدّت على مدى أسبوعين لهجوم الرد على تصفية زاهدي. الرد الإيراني، رغم كل إبهاره البصري، كان أقل تأثيرا حتى من هجمات صاروخية لحماس وحزب الله على إسرائيل. ضيعت إيران فرصة الاحتفاظ بأوراقها، مثل أي لاعب بوكر يتعمد الإيهام بدلا من كشف الأوراق، وأقدمت على الرد. كان الأجدر بها أن تلجأ إلى المصطلح الدبلوماسي الفريد من نوعه: الاحتفاظ بحق الرد.

ثمة معطيات عسكرية وتنظيمية وجغرافية كثيرة ساعدت على إيهام إيران بأن قدراتها توفر لها إمكانية الرد. تمكنت بعض الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي زودت بها طهران الحوثيين، من اختراق الدفاعات جنوب السعودية. ثم زادت جرأة الإيرانيين ووكلائهم عندما نجحوا في توجيه ضربة مذهلة لمنشآت أرامكو النفطية عام 2019. كانت القراءة الإيرانية لهذا الهجوم تحديدا هي أن الولايات المتحدة لم ترد لأسباب عملياتية، أي أنها لا تمتلك السلاح المناسب، في حين أن الحقيقة هي أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت تمارس لعبة سياسية مع السعودية والخليج. ومن غير الواضح لماذا لم تتمكن -أو حتى تحاول- الدفاعات الأرضية السعودية من التصدي للمسيرات وصواريخ كروز المهاجمة.

زاد الوهم الإيراني بما تراه من نجاحات روسية في أوكرانيا. تمكنت المسيرات الإيرانية بأيدٍ روسية من تسجيل نجاحات كبيرة في ضرب الأهداف الأوكرانية. في هجوم الأمس، مرت مسيرات إيرانية فوق مدن عراقية في طريقها إلى أهداف إسرائيلية والتقطتها عدسات الكاميرات، وكانت المسيرات من نفس فئة “شاهد” التي تستخدم في مهاجمة أوكرانيا. الافتراض الإيراني أن هذه المسيرات نجحت في أوروبا، فلماذا لا تنجح في الشرق الأوسط؟ فاتت الإيرانيين طبيعة الجغرافيا مترامية الأطراف لأوكرانيا ما يعقد مهمة الدفاع الجوي هناك مقارنة ببلد مثل إسرائيل محدود المساحة وعلى بعد أكثر من ألف كيلومتر من أقرب حدود إيران إليه، وأن المسيرات وصواريخ كروز مرغمة على المرور بأجواء بلدين على الأقل وربما ثلاثة، هي العراق والأردن وسوريا، قبل أن تدخل المجال الجوي الإسرائيلي.

ثم لدينا أمثلة تاريخية مشابهة لطبيعة التصدي لكل أنواع الأسلحة التي استخدمتها إيران. ففي مرحلة متأخرة من الحرب العالمية الثانية، ابتكر الألمان نوعين من الصواريخ. الأول هو صواريخ كروز في – 1، التي تحلق مثل الطائرة ثم تنقض على أهدافها. والثاني هو صواريخ في – 2 البالستية، التي تطلق إلى ارتفاعات شاهقة ثم تعود لدخول الأجواء بأشبه ما يكون لعودة رحلة من الفضاء. استخدم الألمان صواريخ كروز في – 1، لكن البريطانيين تصدوا لها بكمائن جوية من مقاتلات تمكنت من إسقاط العديد منها. واستلزم أمر التصدي للصواريخ البالستية من أشباه في – 2 عقودا لنصل إلى حرب تحرير الكويت عام 1991، ولتتمكن صواريخ باتريوت من التصدي لصواريخ سكود (وهي النسخة المتطورة والشبيهة بالصواريخ الألمانية).

ما حدث بالأمس هو خليط من الاثنين. إذ قامت المقاتلات الأميركية والبريطانية والأردنية، وبالتأكيد الإسرائيلية، بالتجوال في كمائن جوية بهدف إسقاط صواريخ كروز البطيئة نسبيا، بينما تولت صواريخ “القبة الحديدية” الإسرائيلية وباتريوت الأميركية إسقاط الصواريخ البالستية. أما مسيرات “شاهد” الانتحارية، فهي بطيئة وتعتمد على أسلوب الإغراق في إطلاقها، ما يجعل مهمة مواجهتها عسيرة بحكم العدد وليس القدرات. وحتى هذه، بتوفر حاملتي طائرات أميركيتين بعشرات من الطائرات المقاتلة المتطورة، وعدد إضافي من الطائرات البريطانية القادمة من قبرص وطائرات أردنية تدافع عن أجواء البلاد، بالإضافة إلى كل التحسينات التي أدخلتها إسرائيل على صواريخ “القبة الحديدية” للتصدي للصواريخ الصغيرة التي تطلقها حماس من غزة أو المقذوفات والمسيرات التي يطلقها حزب الله، كان تحييد المسيرات مسألة شبه محسومة، مهما بلغ عددها. وفي كل الأحوال، فإن كل الأسلحة الإيرانية كانت مكشوفة منذ لحظة إطلاقها، وتوفر للإسرائيليين والأميركيين وحلفائهما ما يكفي من الوقت للرصد والتصدي.

يمكن القول إن الأسلحة الإيرانية الحالية صالحة لتهديد الخليج بحكم الجغرافيا، ولكنها بوضعها الحالي عاجزة عن توجيه ضربة مؤذية لإسرائيل. لو كانت إيران متأكدة من أن مغامرتها بالرد تستحق المجازفة بوكيل من عيار حزب الله، لكان الحزب بإمكانياته الصاروخية وقربه الجغرافي، هو الأداة الأفضل للرد. وكما ذكرنا في مقالة الأسبوع الماضي، فإن دم زاهدي لا يستحق التضحية بحزب الله وبنفوذه في لبنان. بين سوء التقدير العملياتي والفجوة في القدرات المتاحة، وعدم الارتياح من زج حزب الله في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، بل والولايات المتحدة والغرب، شاهدنا عرضا عسكريا وسياسيا هزيلا، كان الأفضل منه هو الاستمرار بالتلويح بالرد والحق في الرد.

هذا لا يعني أن الخطر الإيراني يمكن الاستهانة به. إيران تدرك الآن، أكثر من أمس والأسبوع السابق، أن وكلاءها وميليشياتها المنتشرة في الشرق الأوسط هم السلاح الأهم في فرض النفوذ والتخويف، بل والإيهام النفسي والإعلامي لشعوب المنطقة بأن إيران وحلفاءها هم من يتصدى للإسرائيليين ومن ينتقم للفلسطينيين في غزة.

اليوم سيُثار الكثير من اللغط في المنطقة عن “مسرحية” إيرانية – أميركية – إسرائيلية تم الإعداد لها، أو عن تصدٍ “بطولي” من إيران لإسرائيل، أو عن جولة أولى في أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل بعد أكثر من 40 سنة من الثرثرة من على منابر حسينيات ومساجد طهران عن الطريق إلى القدس الذي يمر بكربلاء. الحقيقة المؤكدة الوحيدة هي أن إيران تتحكم في المنطقة بسلاح ميليشياتها وبأدواتها الدعائية والإعلامية والتبشيرية المذهبية، وليس بصواريخ بالستية أو صواريخ كروز أو مسيّرات. ما شهدناه هو ثرثرة مسيّرات وصواريخ لا تختلف في تأثيرها على إسرائيل عن ثرثرة التهديدات اللفظية الجارية منذ أربعة عقود.

كاتب من العراق مقيم في لندن

العرب

————————-

ردت إيران… لكنّ الثمن تدفعه غزّة/ خيرالله خيرالله

024/04/15

ردّت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران على الضربة التي تلقتها من إسرائيل في دمشق. لا ينفي ذلك وجود واقع لا يمكن الهرب منه على الرغم من أنّ الرد الإيراني كان أقرب إلى فيلم أعد له سيناريو محكم بين واشنطن وطهران بشكل مسبق.

يتمثّل الواقع القائم في أن غزّة تدفع الثمن. دفعت ثمن “طوفان الأقصى” وتدفع الآن ثمن الرد الإيراني على إسرائيل. في النهاية أزالت إسرائيل غزة من الوجود فيما العالم يتفرّج على وحشيتها وفيما تتصرّف “حماس” وكأنّها حققت انتصارا تريد البناء عليه.

ترفض الحركة أخذ العلم بما حلّ بغزّة وأهلها. انضمت “حماس”، التي يبدو مصير غزّة وأهلها همّها الأخير، إلى بعض العرب الذين هم على عداء مستمرّ مع الحقيقة. هؤلاء يرفضون التعلّم من تجارب الماضي القريب. هؤلاء مثل “حزب الله” الذي يعتبر الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على إسرائيل… كما حصل في مرحلة ما بعد انتهاء حرب صيف العام ألفين وستة. بالنسبة إلى “حماس” يبدو الانتصار على غزّة، في غياب القدرة على إعادة الحياة إلى “الإمارة الإسلامية” التي أقامتها فيها، بديلا من الانتصار على إسرائيل!

لا تستطيع الحركة الاعتراف بأنّها تسببت بتدمير القطاع وأنّ حجم الخراب الذي تعمّدت إسرائيل إلحاقه بغزّة يجعل منها أرضا طاردة لأهلها لسببين على الأقل. أولهما حجم الدمار الذي تعرّض له القطاع والأضرار البيئية التي لحقت به، والآخر غياب الرغبة في إعادة بناء غزّة. تبدو هذه الرغبة واضحة في غياب أي تصور لمرحلة ما بعد نهاية الحرب. لا يوجد طرف عربي أو غير عربي مستعد لإنفاق مليارات الدولارات في غياب مشروع واضح يتعلّق بمستقبل غزّة ومن يسيطر عليها.

في انتظار اليوم الذي تفيق فيه “حماس” على واقع غزّة وما أدّى إليه هجوم “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، نشهد حاليا حربا إيرانيّة – إسرائيليّة ذات طابع معقد. لا يعرف العالم كيف التعاطي مع هذه الحرب التي طغت على حرب غزّة. وحدهم العرب الشرفاء ما زالوا يفكرون في غزّة وفي كيفية التوصّل إلى وقف لإطلاق النار يوقف الوحشية الإسرائيليّة ويسمح بالتفكير في وضع حد للكارثة التي حلّت بالغزاويين الذين يعاني قسم منهم من الجوع.

هربت إسرائيل من حرب غزّة إلى مكان آخر. استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت المسؤولين عن منطقة الشرق الأوسط وما هو أوسع منها في “فيلق القدس” التابع لـ“الحرس الثوري” الإيراني. على رأس هؤلاء كان محمد رضا زاهدي الذي يعتبر المسؤول الأوّل في “فيلق القدس” عن ملفات سوريا ولبنان وربّما ملفات أخرى. وضع بنيامين نتنياهو إدارة جو بايدن في موقف حرج. لا تستطيع الإدارة الأميركيّة التخلي عن إسرائيل بعدما قررت إيران الرد، خصوصا أنّها استهدفت أراضي إسرائيليّة.

هربت إسرائيل إلى ضرب إيران مباشرة في دمشق وهربت إيران إلى حروب على هامش حرب غزّة انطلاقا من أراضيها ومن جنوب لبنان ومن اليمن. في الوقت ذاته، توفّر “حماس” كلّ ما يطلبه “بيبي” من أجل متابعة حربه على الغزاويين. في النهاية توجد ضحيّة وحيدة لـ“طوفان الأقصى” الذي تسبّب بحرب غزّة. هذه الضحيّة هي غزة نفسها وأهلها مع خوف دائم من امتداد هذه الحرب إلى الضفّة الغربيّة. أسوأ ما في الأمر أنّ كلّ الجهود المبذولة عربيّا من أجل وضع حدّ للمأساة لا تجد صدى في عالم غاب عنه المنطق والشعور الإنساني.

يظلّ أسوأ ما في الأمر أن لدى “حماس” حسابات خاصة بها. لا تعرف الحركة أنّها انتهت وأن لا مجال لعودة “الإمارة الإسلاميّة” التي أقامتها في غزة طوال سبعة عشر عاما قضت فيها كلّيا على كلّ مظهر حضاري في القطاع ووضعت نفسها في خدمة اليمين الإسرائيلي عبر الصواريخ التي كانت تطلقها بين حين وآخر. دعمت “حماس” موقف اليمين الإسرائيلي الذي كان ولا يزال يقول “إنّ لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه”.

يعيش العالم على وقع الردّ الإيراني الذي استهدف إسرائيل من دون أن يستهدفها. سبقت الردّ مفاوضات دارت بين “الشيطان الأكبر” الأميركي و“الجمهوريّة الإسلاميّة” من أجل جعل هذا الردّ من النوع الذي لا يستدعي تورطا أميركيا أو صداما مباشرا مع إيران. يستفيد رئيس الحكومة الإسرائيلية من هذا الوضع. لا يسمح الوضع الداخلي الإسرائيلي في ظلّ التهديد الإيراني بأي تحرك ضدّه. يستفيد “بيبي” أيضا من التهديدات الإيرانيّة كي يتابع حربه على غزّة التي باتت ضمانة له من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

قبل تسعة عشر عاما انسحبت إسرائيل من غزّة، كان في الإمكان تحويل القطاع، الذي كان فيه مطار دولي في مرحلة معيّنة، إلى مكان معقول يظهر للعالم أن في استطاعة الفلسطينيين إقامة نواة لدولة فلسطينية ناجحة ومسالمة في الوقت ذاته. فشلت السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، بقيادة محمود عبّاس (أبومازن) في أن تكون في مستوى الحدث. ما لبثت أن رضخت للانقلاب الذي نفذته “حماس”، وهي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين. يدفع الغزاويون إلى يومنا هذا ثمن الانقلاب الذي نفذته “حماس” والذي كرّس الانقسام الفلسطيني. أكثر من ذلك، يدفع أهل غزّة ضريبة التفاهم الذي قام في الماضي بين “حماس” واليمين الإسرائيلي، وهو تفاهم في أساسه رفض الجانبين قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة في يوم من الأيّام.

يظلّ الخوف الكبير، إلى اليوم، من أن ينسى العالم غزّة وأهلها في حال تطورت الحرب الإيرانيّة – الإسرائيليّة وأخذت المنطقة إلى مكان آخر، وفي حال استخدام إسرائيل أسلحة غير تقليديّة… وفي حال وجدت أميركا نفسها عاجزة عن إقناع “الجمهوريّة الإسلاميّة” بأن ثمة خطوطا لا يمكن أن تتجاوزها، بما في ذلك تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، على سبيل المثال وليس الحصر!

إعلامي لبناني

العرب

————————

الغارديان تكشف السر: لماذا تعمدت طهران تجنب عنصر المفاجأة؟

“شاهد الإيرانية بدون طيار” مداها يصل إلى 2000 كم

طائرة شاهد بدون طيار.. سلاح إيران المنخفض التكلفة والفتاك المفضل، بهذا العنوان تحدث تقرير “الغارديان” اللندنية عن دفعة الطائرات المسيرة التي تم اطلاقها من إيران صوب اسرائيل مساء السبت، وقالت إن السلاح بعيد المدى الذي تم إرساله في الهجوم على اسرائيل بات معروفًا باسم “AK-47” في طهران

وفي توصيف هذه الطائرات قال التقرير :”الطائرات بدون طيار مزودة برؤوس حربية يصل وزنها إلى 50 كجم، ويصل مداها إلى 2000 كيلومتر ، وعندما أطلقت طهران العشرات من الطائرات بدون طيار المحملة بالمتفجرات لمهاجمة إسرائيل، لم يمض وقت طويل قبل أن يتم سماعها ورصدها في سماء إيران، وذلك من خلال مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت، والتي ظهرت خلالها هذه الطائرات فوق مدن كرمانشاه وخوزستان في إيران.

تم رصدها في العراق

وسرعان ما تم تصويرهم عبر الحدود في السليمانية العراقية ومدينة كربلاء، وقال مصدران أمنيان عراقيان لرويترز: “رُصدت عشرات الطائرات بدون طيار وهي تحلق من إيران باتجاه إسرائيل فوق المجال الجوي العراقي”.وشوهدت الطائرات بدون طيار التي انطلقت من إيران وهي تحلق على ارتفاع منخفض أثناء مرورها فوق العراق.

أصبحت الطائرة بدون طيار القاتلة بعيدة المدى معروفة باسم “AK-47” في طهران، وهي رخيصة الثمن، ويتم إنتاجها بكميات كبيرة وجاهزة للتصدير في جميع أنحاء العالم إلى مناطق الصراع حيث يكون للنظام مصلحة خاصة.

إن أزيزهم الذي يشبه جزازة العشب مألوف جدا بالفعل بالنسبة للأوكرانيين الذين يتعرضون باستمرار لهجوم من الطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع التي تطلقها روسيا.

تصدير شاهد لروسيا

يعتمد الروس بشكل أساسي على صواريخ “شاهد” المجهزة برؤوس حربية يصل وزنها إلى 50 كيلوجرامًا ويصل مداها إلى 2000 كيلومتر، لمهاجمة شبكات الطاقة ومخازن الحبوب.

وقد تم بالفعل استخدام شاهد عدة مرات من قبل وكلاء إيران في الشرق الأوسط، ولا سيما من قبل ميليشيات الحوثي التي اعتمدت عليها ضد التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، ومؤخراً في سلسلة من الهجمات على السفن التجارية الغربية في البحر الأحمر.

وتفيد التقارير أن أسطول الطائرات بدون طيار التابع للنظام السوري يضم أيضاً طائرات شاهد.

تجنب عنصر المفاجأة عمداً

ومن خلال إطلاق الطائرات بدون طيار من إيران، على بعد أكثر من 1000 كيلومتر صوب إسرائيل، يبدو أن طهران تجنبت عمداً عنصر المفاجأة.

ويبدو أن الطائرات بدون طيار التي كانت تمر فوق العراق تحلق على ارتفاع منخفض للغاية، في محاولة واضحة لتجنب الرادار المحلي.

ولم يكن من الواضح مساء السبت ما إذا كان إطلاق الطائرات بدون طيار سيعقبه إطلاق المزيد من صواريخ كروز أو الصواريخ الباليستية.

إذا كان هدف إيران هو التغلب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية، فربما تكون قد أطلقت طائرات بدون طيار بطيئة نسبيا قبل وقت طويل من إطلاق الصواريخ، في محاولة لضمان وصول الأسلحة إلى إسرائيل في نفس الوقت تقريبا.

———————–

التلغراف: ماذا ستفعل إسرائيل بعد الهجوم الإيراني؟

طهران حققت هدفها دون أن تطلب “الحرب الشاملة”

من المحتمل أن تتوقف خطوات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التالية على مدى الضرر الذي سيلحقه الهجوم الإيراني على اسرائيل، وقد تكون هناك أسباب تدفع نتانياهو إلى إعلان الحرب على إيران، وفقاً لتحليل صحيفة “التلغراف” البريطانية.

كان الهجوم الإيراني الضخم، والذي شمل مئات الطائرات بدون طيار بالإضافة إلى الصواريخ وفقا للتلفزيون الرسمي، تصعيدا غير مسبوق في هذا الصراع، ويمكن أن يكون سببا ودافعاً لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعلان الحرب على الجمهورية الإسلامية.

من المحتمل أن تتوقف خطوات نتنياهو التالية قبل كل شيء على مدى الضرر الذي أحدثه هجوم ليلة السبت وما استهدفه القادة الإيرانيون بالضبط.

أحد العوامل الحاسمة فيما يتعلق بما يمكن أن يحدث بعد ذلك هو مدى قدرة إسرائيل وحلفائها على اعتراض الطائرات بدون طيار وأي صواريخ قبل أن تصل إلى أهدافها.

حفظ ماء الوجه؟

إذا تمكن عدد صغير فقط من الطائرات بدون طيار أو الصواريخ من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية صباح يوم الأحد وضرب بعض الأهداف العسكرية، ربما قواعد في الشمال ذي الكثافة السكانية المنخفضة، فإن هذا قد يسمح لإيران بالشعور بأنها حققت هدفها دون إغراق المنطقة بأكملها في الحرب.

إن حقيقة قيام إيران على ما يبدو بإطلاق الطائرات بدون طيار من أراضيها يعد تصعيدا خطيرا للغاية، لكن هذه الخطوة ستوفر أيضا الكثير من الوقت لنتانياهو، الذي يفترض أنه فكر بعناية في العواقب المحتملة لشن الهجوم على القنصلية في دمشق الأسبوع الماضي، وهو السبب وراء الانتقام الإيراني يوم السبت.

هجوم جريء ومدروس

ربما كان هذا هو بالضبط ما كانت طهران تهدف إليه: هجوم جريء ومصمم يمكنها أن تدعي أنه أعاد قوة الردع ضد إسرائيل، لكنه لا يصل إلى حد إشعال حرب شاملة مع إسرائيل.

الاحتمال الأول

قد يطلق نتانياهو رداً مماثلاً تنفذ فيه إسرائيل غارات جوية على أهداف في إيران، على غرار تلك التي قد تكون في خط النار في إسرائيل، مثل القواعد العسكرية أو المباني الحكومية.

ومن الخيارات الواضحة الأخرى للانتقام الإسرائيلي شن ضربات جوية على مقر الحرس الثوري الإسلامي أو قواعده حول إيران.

عند تلك النقطة، قد يوقف الجانبان الأعمال العدائية، مع شعور كل منهما بأنهما اتخذا موقفهما.

السيناريو الأكثر إثارة للقلق

والسيناريو الأكثر إثارة للقلق هو الذي تطغى فيه مجموعة من الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، مما يؤدي إلى مقتل وإصابة أعداد كبيرة من الناس في مدن مثل تل أبيب، التي تستضيف المقر العسكري الإسرائيلي كيريا.

وفي هذا السيناريو، من الصعب أن نرى كيف يمكن لنتانياهو أن يتجنب اتخاذ إجراءات أكثر جذرية رداً على ذلك.

السيناريو الكابوس

ولا تزال هناك احتمالات لاندلاع حرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل، وهو السيناريو الكابوس الذي من شأنه أن يفرض تكاليف باهظة على الأرواح البشرية على الجانبين، وربما يجر الولايات المتحدة وبريطانيا إلى المعركة.

فرصة لتدمير النووي الإيراني؟

والعامل الرئيسي الآخر هو البرنامج النووي الإيراني، الذي تعمل إسرائيل منذ سنوات على تفكيكه عبر ضربات سرية. وقد تكون هذه الأزمة الجديدة فرصة لتدمير البرنامج النووي بأكمله مرة واحدة وإلى الأبد.

ويقول الخبراء إن إيران لن تكون مستعدة عسكريا لمثل هذه الحرب، كما أنها تخضع بالفعل لعقوبات غربية معوقة.

هناك أيضا معارضة داخلية هائلة للنظام الإيراني، كما انعكس في حركة الاحتجاج الهائلة في عام 2022.

اسرائيل والغرب في خطر

لكن هناك شيئاً مختلفاً تماماً بشأن هذا الهجوم: فقد ورد أنه تم إطلاقه مباشرة من الأراضي الإيرانية، ويزعم النظام أنه يشمل صواريخ، وليس فقط طائرات بدون طيار.

ويمكن القول إن هذا لا يتناسب مع نمط سلوك إيران السابق، حيث شنت هجمات سرية على إسرائيل أو اعتمدت على وكلاء إقليميين لتنفيذ أوامرها.

وهذا يعني أن إسرائيل ـ والغرب ـ أصبحا الآن في منطقة مجهولة وخطيرة إلى حد غير عادي.

—————————

7 ساعات إلى إسرائيل!/ محمد الرميحي

رغم انّ العالم حبس أنفاسه انتظاراً للردّ العسكري الإيراني على قصف اسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (ابريل) الجاري، الّا انّ الحملة الصاروخية والطائرات المسيّرة التي قيل انّها بلغت في مجموعها اكثر من 300 طائرة وصاروخ، ليلة السبت- صباح الأحد الماضي، جاءت وكأنّها عملية متفق عليها، ذكّرتني بفيلم غاندي الشهير “9 ساعات إلى راما”، فقد عرفت قبل الهجوم بساعات طويلة، وكانت الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية \ الأميركية مستعدة لها إلى درجة اعتراض معظمها قبل وصولها الى الأجواء الإسرائيلية، وما تسرّب منها بحسب ما نقلته وكالات الأنباء، أحدث اضراراً جانبية، ولقد كشف كثيرون انّ العملية متفق عليها.

العملية تلك تذكّرنا بالاتفاق الأميركي \ الإيراني بعد مقتل قاسم سليماني في مطار بغداد، في كانون الثاني (يناير) 2020، إذ عرف العالم بعد ذلك انّ الردّ الإيراني الموجّه ضدّ الاميركيين كان متفقاً عليه إرضاءً للرأي العام بالانتقام، بسبب ضغوط الرأي العام الإيراني وشهوته أساساً، وكذلك شريحة كبيرة من الرأي العام العربي. فبعد طول حديث عن “محور المقاومة” كان لا بدّ من عملية عسكرية تنطلق من كل من إيران والعراق وسوريا واليمن، وهي التي حملت اكثر من 300 طائرة وصاروخ إلى الأجواء الإسرائيلية السبت الماضي، وقابلها بعضهم بالفرح، اما القسم الأكثر فقد اكتشف مباشرة انّها رمزية لا اكثر.

التدخّل المباشر لإيران بعد الهجوم على القنصلية عمل مبرر لإرضاء الرأي العام، الذي سوف يقتنع كما اقتنع جمهور قبله عام 1990، بأنّ نظام صدام حسين سوف يمحي إسرائيل من الوجود!، وهي أمان وأوهام يبدو انّ بعضهم ما زال يعيش ويقتات منها.

الساحة تنمّ عن مجموعة تطورات بعضها عرفناه في السابق وبعضها جديد، منها:

أولاً: تضخيم القوة العسكرية الإيرانية إلى درجة التصديق بها، بالضبط كما تمّ لنظام صدام حسين قبل عام 1990، إذ قيل انّه القوة الثالثة في العالم، فصدق، وقد قيل عن القوة العسكرية الإيرانية حتى قبل أسابيع، انّها قوة ثالثة عالمية او رابعة، من اجل إغرائها او إغراء جمهورها باستخدامها، تمهيداً ربما للقضاء عليها في وقت مقبل.

ثانياً: الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق كان محسوباً من أجل إثارة إيران و استدراجها إلى الردّ المباشر، وليس من خلال أذرعتها في لبنان او سوريا او اليمن او العراق، كما كانت تفعل. وبخطوة إيران في هجوم السبت الماضي، قدّمت خدمة سياسية لبنيامين نتنياهو، كان يتنظر مثلها، هو الذي كان شبه محاصر من الدول الغربية سياسياً، بسبب عناده وأعماله الإجرامية التي أثارت قطاعاً واسعاً في الغرب، فوجدنا الإدارة الأميركية ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني وغيرهم يهرعون لمناصرة إسرائيل، وتصبح المذابح الإسرائيلية في غزة خلف الصورة او بالكاد يُلمّح لها، وتتداعى الدول السبع الكبرى للتشاور في كيفية مناصرة إسرائيل وإدانة “الاعتداء الإيراني” عليها. وهكذا قدّمت إيران، ربما دون ان تقصد، خدمة جليلة للحكومة الإسرائيلية التي وجدت أيضاً تأييداً لها في الداخل الإسرائيلي، وابتعدت فكرة الانتخابات المبكرة وغيرها من الأفكار التي كانت تهدّد الداخل الإسرائيلي.

ثالثاً: فشلت الغارة الإيرانية في تحقيق أي أهداف عسكرية، فقد حُيّدت تلك الصواريخ قبل وصولها، وما تسرّب منها أحدث أضراراً طفيفة، ما زاد الثقة في الداخل الإسرائيلي بأنّه بعيد من أي خطر حقيقي، كما أصبحت أذرع إيران اهدافاً شرعية للصلف الإسرائيلي المقبل.

رابعاً: هل تقوم إسرائيل بالردّ على تلك الهجمة الصاروخية، رغم محدودية الضرر؟ ام انّ هناك اتفاقاً خلف الأبواب مفاده “لقد أرضيتم غرور جمهوركم وعليكم قلب الصفحة، لأنّ المشروع الذي تدعون له وصل إلى نهايته، فقد استخدمتم اذرعاً أشاعت الاضطراب في الجوار، وتدخلتم تدخّلاً مباشراً في شؤون الآخرين من دون نتائج لها معنى، غير خراب الأوطان”. ذلك الرأي تتبنّاه الولايات المتحدة، ولكن هل يلقى آذاناً صاغية في طهران، او هل يقتنع به نتنياهو وحكومته؟ قد يكون الأخير يفكر في امر آخر، وهو فرصة لتحطيم القوة النووية الإيرانية، وهي هاجس لكل من إسرائيل والغرب، ويستفيد من التعاطف الحاصل، بعد الهجمة الصاروخية، ويذهب إلى تصفية المشروع التوسعي بأكمله، أم ترى إيران الرسمية انّ ما دعت اليه وناصرته في العقود الماضية هو امر أكبر كثيراً من قدرتها او طاقتها، وتقلب الصفحة من خلال مفاوضات، بخاصة انّ الإدارة الأميركية القادمة في الغالب جمهورية لا تحمل أي تعاطف او خطط لاستيعاب إيران كما هي خطط الإدارة الحالية.

خامساً: لقد انتقلت الساحة السياسية \ العسكرية في الشرق الأوسط، وبين إيران وإسرائيل، من التستر خلف أذرع طهران في الصراع إلى العلن والمباشرة، فهل تسنح الفرصة، وهي فرصة ضيّقة، لوفاق تاريخي، يكون عنوانه، كما توافق العالم، “حل الدولتين” أي أن لا قدرة لدولة في الصراع على ان تنتصر على الأخرى بشكل نهائي، والحل العقلاني هو الوفاق الصعب!

التفسير انّ اليهود اصبحوا منذ الثورة الفرنسية جزءاً من النسيج الأوروبي الأبيض، الثقافي والاستعماري، ما جعلهم في لحظة تاريخية فارقة يصنعون لهم دولة في الشرق الأوسط. شكهم تاريخي في إمكان ان يبادوا من جديد من تلك القوى الغربية كما حدث لقرون، فتحوطاً كان عليهم ان يخلقوا دولة، ومدججة بالسلاح ويأتي اليها كل يهودي يرى انّها ملجأ له، وعلى الغرب ان يساعدها تحت كل الظروف، كما تمّ بالفعل عندما ساعدت الدفاعات البريطانية، وخصوصاً الأميركية في إفشال الحملة الإيرانية.

لذلك كله ولأسباب أخرى، فإنّ دخول إيران في حرب مفتوحة مع إسرائيل عملية انتحارية وتكاد تكون مستحيلة، مهما سمعنا من ضجيج. بل يذهب المتابع في التحليل الى انّ القومية الإيرانية والقومية الصهيونية، ربما تكونان صنوين، تساعد بعضهما الأخرى في الوقت اللازم. وقد لا يزال البعض يذكر انّ إسرائيل عام 1981 قامت بتسهيل شحن الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إيران، بل انّ إيران، وقبل قصف إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 81، قامت بقصفه عام 80، لكنها لم تدمّر سوى المنشآت الثانوية، وهذا الامر اصبح موثقاً في اكثر من كتاب منشور.

ما يُكتب ويُقال علناً عن حرب إسرائيلية \ إيرانية طويلة، عدا المناوشات، ما هو الّا ضجيج لاستهلاك البسطاء وتمرير الوقت، فلن تقوم حرب بين إسرائيل وإيران مباشرة وفي العلن، سوف تكون مستترة وبالوكالة إلى حين، فالطرفان لا يريدان ذلك، وقد تكون لهما مصلحة مشتركة في إضعاف القوى الإقليمية الأخرى!

النهار العربي

———————–

هل تستطيع واشنطن منع الانزلاق نحو حرب شاملة؟

بينما تدرس إسرائيل الرد على إيران

بي. بي. سي.

استخدمت حكومة الحرب الإسرائيلية عبارات مجربة وموثوقة لوصف إمكانية ردها على إيران، وقالت إن إسرائيل ستردّ “بالطريقة، وفي الوقت الذي تختاره”.

أما بيني غانتس، زعيم المعارضة الذي انضم إلى حكومة الحرب بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فقد شدد على تماسك إسرائيل وحلفائها الغربيين، وقال: “إسرائيل ضد إيران، العالم ضد إيران، هذه هي النتيجة .. هذا إنجاز استراتيجي يجب علينا الاستفادة منه من أجل أمن إسرائيل”.

لم تستبعد الكلمات التي استخدمها غانتس أي هجوم آخر قد تنفذه إسرائيل على أهداف تابعة لإيران، أو حتى ضربة إسرائيلية علنية تكون الأولى من نوعها داخل الأراضي الإيرانية (لطالما استهدفت إسرائيل البرنامج النووي الإيراني مراراً وتكراراً، بهجمات إلكترونية واغتيالات ضد مسؤولين وعلماء إيرانيين، لكنها لم تتبنى ذلك علانية)، وقد يكون هناك وقت أيضاً للرد الدبلوماسي الذي يريده الرئيس جو بايدن من مجموعة السبع التي تضم الدول الغربية الكبرى.

بدأ التصعيد الأخير للحرب التي بدأت في منطقة الشرق الأوسط قبل أسبوعين، عندما تم استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق بغارة جوية يُرجّح أنها إسرائيلية، في الأول من أبريل/نيسان، وأدت إلى مقتل جنرال إيراني كبير ونائبه ومساعدين آخرين.

ولم يتم تنسيق قرار الهجوم مع الأمريكيين، ويبدو أن إسرائيل قيّمت فرصة استهداف كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، على أنها فرصة تستحق المخاطرة.

وتقدم إسرائيل “حجة غير مقنعة” مفادها أن وجود كبار ضباط إيرانيين في المباني الدبلوماسية يجعل المبنى هدفاً مشروعاً، والأهم من ذلك هو حقيقة أن إيران اختارت تفسير الغارة الجوية على أنها هجوم صريح على أراضيها.

وبسرعة كبيرة، تطور الموقف، وبدا واضحاً أن إيران سترد، وحتى إنها لم ترسل تهديداتها بالوكزات والغمزات هذه المرة، بل بتصريحات واضحة لا لبس فيها من مرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي.

حصلت إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهم على الكثير من التحذيرات، وحتى بايدن الذي كان في رحلة إلى ولايته ديلاوير نهاية الأسبوع، حصل على الوقت الكافي للعودة إلى البيت الأبيض، فيما اختارت إيران أن تبدأ الهجوم ليس بالصواريخ الباليستية الأسرع من الصوت، بل بطائرات دون طيار بطيئة تم رصدها على شاشات الرادار لمدة ساعتين قبل أن تقترب من أهدافها، ومع ذلك، كان الهجوم من جانب (إيران) ألد أعداء إسرائيل، أكبر مما توقعه العديد من المحللين.

هناك الكثير من الأسباب التي تجعل العديد من الإسرائيليين يتوقعون رداً من جانبهم، إذ أنه ولأول مرة، تقوم إيران بإطلاق أسلحة – حوالي 300 طائرة دون طيار وصواريخ كروز وصواريخ باليستية – من أراضيها مباشرة باتجاه إسرائيل، ولكن تم اعتراض جميع التهديدات تقريباً بواسطة دفاعات جوية إسرائيلية هائلة، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وأعلنت الدول الحليفة لإسرائيل أنها ساعدت في اعتراض التهديدات الإيرانية خلال الليل وخاصة الولايات المتحدة، إذ كرر الرئيس الأمريكي جو بايدن وعده بتوفير الأمن “الثابت” لإسرائيل، قائلاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي: “نحن ندعمك”.

لكن في المقابل يريد الأميركيون ضبط النفس من جانب إسرائيل. وأرسل الرئيس بايدن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسالة واضحة مفادها: “لقد تم إحباط الهجوم الإيراني، وإسرائيل انتصرت، فلا تصعدوا الأمر أكثر من خلال الرد بضربات عسكرية على الأراضي الإيرانية”، وأخبرني أحد كبار الدبلوماسيين الغربيين أنه من الضروري الآن رسم خط لوقف المزيد من التصعيد.

ويبدو أن رسم هذا الخط هو أمل إيران أيضاً، إذ أشارت الجمهورية الإسلامية إلى أن الهجوم الإسرائيلي على دمشق قد تم الرد عليه، ولن تقوم طهران بتصعيد آخر إلا إذا تعرضت لهجوم مرة أخرى، ويبدو أن الإيرانيين يريدون تهدئة الأزمة وخفض التهديدات التي استمرت لمدة أسبوعين والتي بدأت بالضربة الإسرائيلية على مجمعهم الدبلوماسي في دمشق.

ربما كان الهدف الإيراني هو إحداث ضرر أكبر مما حدث خلال هجومها، أو ربما كانت صريحة بشأن أنها ستمنح إسرائيل أسباباً أقل للرد على الهجوم.

أرادت إيران استعادة شعور “الرادع” الذي فقدته عندما هاجمت إسرائيل القنصلية في دمشق، إلا أن هذا الهدف قد يكون أكثر صعوبة الآن، بعد أن استطاعت إسرائيل وحلفاؤها اعتراض جميع الصواريخ التي أطلقت بإتجاههم تقريباً، إذ تقول إسرائيل إنها استطاعت وحلفائها اعتراض الغالبية العظمى من أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ أطلقتها إيران.

ولم يكن الهجوم واسع النطاق على إسرائيل، إذ أنه كان من الممكن أن تطلق إيران المزيد من الأسلحة باتجاه إسرائيل، خاصة أنها تعمل على بناء قدراتها الصاروخية منذ سنوات، وكان من الممكن أيضاً أن يشارك حزب الله في لبنان – أقوى حليف لإيران والذي يمتلك ترسانة من الصواريخ والقذائف – في هجوم شامل، لكنه لم يفعل.

قد يشعر رئيس الوزراء نتنياهو ببعض الرضا عن الطريقة التي أدى بها الهجوم الإيراني إلى إزالة غزة من العناوين الرئيسية، ما يمكن أن يمنحه فترة راحة من المسؤولية عن الكارثة الإنسانية، وعن إخفاق إسرائيل في تحقيق أهدافها الحربية المتمثلة في تحرير الرهائن والقضاء حماس.

وقبل بضعة أيام فقط، كان التركيز الدولي منصباً على الخلاف بين بايدن ونتنياهو بشأن المجاعة التي أحدثها الحصار الإسرائيلي على غزة، أما الآن، يتحدث بايدن ونتنياهو عن الوحدة، ويمكن لنتنياهو أيضاً أن يقدم نفسه كزعيم حازم ومقبول يحمي شعبه، على الرغم من أن أعدائه الكثيرين في إسرائيل، والذين يطالبون برحيله ويقولون إن سياساته المتهورة وغير المسؤولة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هي التي دفعت حماس إلى الاعتقاد بأن إسرائيل في موقف خطر.

أما الموقف الذي لم يتغير حتى الآن، هو أن الأميركيين يريدون إيجاد وسيلة لوقف الانزلاق نحو حرب شاملة في الشرق الأوسط.

لقد تم تجاوز الخطوط الحمراء: هجوم إسرائيل على موقع دبلوماسي إيراني، وهجوم إيران المباشر على إسرائيل، والذي تلاه وعلى الفور، مطالبات من بعض اليمينيين الإسرائيليين بالرد، ولن تتوقف تلك المطالبات.

وستكون مهمة الدبلوماسيين في مجموعة السبع هي منع المنطقة من الدخول في صراع مدمر أوسع نطاقاً، لقد كان الإنجرار بطيئاً، ولكنه كان يسير خلال الستة أشهر الماضية بشكل ثابت في اتجاه واحد نحو الكارثة.

إذا أخذت إسرائيل بنصيحة الرئيس بايدن بعدم الرد، فقد يتمكن الشرق الأوسط من التقاط أنفاسه، ولكن ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن تكون هذه هي النهاية لهذه الحالة الخطيرة.

————————-

هل صرف «الهجوم الإيراني» أنظار العالم عن مأساة غزة؟

غزة: «الشرق الأوسط»

16 أبريل 2024 م

كان الهجوم الإيراني على إسرائيل بمثابة اختبار للدفاعات الجوية لتل أبيب، ولكنه أصلح، على الأقل مؤقتاً، علاقة تل أبيب الممزقة مع واشنطن، وأبعد الحرب والمجاعة التي تلوح في الأفق في غزة عن عناوين الأخبار الرئيسية، ووضعها في أسفل جدول الأعمال الدبلوماسي.

وفي غزة، حيث يعاني جميع السكان المدنيين تقريباً من النزوح والجوع بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب، كان هذا التحول في الاهتمام ملموساً بشكل حاد، بحسب ما نقلته صحيفة «الغارديان» البريطانية.

«التعاطف تحول إلى إسرائيل»

وقال بشير عليان، وهو موظف سابق في السلطة الفلسطينية يبلغ من العمر 52 عاماً، ويعيش الآن في خيمة في رفح مع أطفاله الخمسة: «كانت الدول والشعوب متعاطفة معنا، لكن التعاطف الآن تحول إلى إسرائيل. إسرائيل أصبحت الضحية بين عشية وضحاها».

ولفت عليان إلى أن عائلته تعيش على المساعدات الغذائية التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا»، وتأكل وجبتين فقط في اليوم، مؤكداً أنه فقد 20 كيلوغراماً (44 رطلاً) من وزنه في ستة أشهر.

وأضاف قائلاً: «إن الضغوط الدولية التي كانت تمارس على إسرائيل لجلب المزيد من المساعدات ووقف العدوان على غزة أصبحت الآن شيئاً من الماضي».

وتابع: «قضايا إيران ليست قضايانا. إنها تسعى فقط إلى تحقيق مصالحها الخاصة».

وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، يكثف الضغوط على إسرائيل لحماية عمال الإغاثة، وتسهيل عملهم، والسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، خاصة بعد مقتل سبعة عمّال إغاثة من منظمة «وورلد سنترال كيتشن» في غارة إسرائيلية في غزة.

وأصبحت رئيسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باور، الأسبوع الماضي أول مسؤولة في البلاد تؤكد أن المجاعة بدأت تترسخ في قطاع غزة. وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، جرت مناقشات حول شرعية مبيعات الأسلحة لإسرائيل، في ظل الظروف السائدة في القطاع.

وفي مواجهة هذه الضغوط، زعمت إسرائيل أنها ستقوم «بإغراق» غزة بالمساعدات، وتحسين التنسيق مع العاملين في المجال الإنساني حتى يتمكنوا من توصيل المساعدات دون التعرض للهجوم، وفتح المعابر مباشرة إلى شمال غزة، حيث تبلغ المجاعة أقصى حد، والسماح بوصول المواد الغذائية عبر ميناء أشدود.

وكان الالتزام بهذه التدابير متفاوتاً، حيث أصبح أحد المعابر الشمالية مفتوحاً الآن، ولكن الأمم المتحدة لم يُسمح لها بعد باستخدامه.

التخلي عن غزة

وقد أجبر الهجوم غير المسبوق الذي شنته إيران خلال عطلة نهاية الأسبوع، رداً على غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، الولايات المتحدة وحلفاء آخرين على وضع خلافاتهم جانباً، والوقوف بجانب إسرائيل.

وقالت تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة غيشا، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية أنشئت للدفاع عن حرية الفلسطينيين في التنقل، وخاصة أولئك الذين يعيشون في غزة: «مع تحول كل الأنظار نحو التصعيد الخطير بين إسرائيل وإيران، نشعر بالقلق من تخلي الدول عن غزة».

وأضافت: «إن الخطوات التي تم اتخاذها في الشهر الماضي لتوسيع نطاق وصول المساعدات غير كافية على الإطلاق، ولا تعالج الأزمة بشكل هادف، ولكن تقلص الضغط الدولي على إسرائيل يخاطر بأرواح المزيد من سكان غزة. لا يمكن للعالم أن يصرف نظره عن هذه الكارثة».

ويبدو أن الولايات المتحدة أصبحت مشتتة للغاية بعد الهجوم الإيراني، لدرجة أن المسؤولين الرئيسيين بالكاد يتابعون شحنات المساعدات التي زعموا الأسبوع الماضي أنها تمثل أولوية لهم.

وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، أمس (الاثنين)، إن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتقديم المزيد من المساعدات للمدنيين في المنطقة.

وأضاف في مقابلة مع شبكة «إم إس إن بي سي»: «المساعدات زادت بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية فقط… هذا مهم، ولكن يجب أن يستمر».

وأكد كيربي أيضاً أن نحو 2000 شاحنة مساعدات وصلت إلى غزة خلال الأسبوع الماضي، وهو رقم أعلى بكثير من أرقام الأمم المتحدة لتلك الفترة. وحتى لو كان صحيحاً، فإن هذا الرقم أقل بكثير من ذلك الذي قالت الأمم المتحدة إنه ضروري لتخفيف المجاعة التي تلوح في الأفق في غزة، والذي يقدر بـ500 شاحنة مساعدات يومياً.

هجوم رفح

وهناك أيضاً مخاوف متزايدة من أنه مع تركيز العالم على الهجوم الإيراني، فإن إسرائيل قد تفي بتعهدها بشن هجوم على رفح.

وقال مصدران إسرائيليان لشبكة «سي إن إن» بالأمس إن إسرائيل كانت بصدد اتخاذ أولى خطواتها نحو شن هجوم بري على رفح بجنوب قطاع غزة هذا الأسبوع، لكنها أرجأت تلك الخطط في الوقت الذي تدرس فيه الرد على الهجوم الإيراني الأخير.

غير أن أحد المسؤولين الإسرائيليين أكد على أن إسرائيل ما زالت مصممة على شن الهجوم البري على رفح، لكن لم يتضح بعد توقيت تنفيذ عمليات إجلاء المدنيين، وشن الهجوم المزمع.

ووصفت حكمت المصري، وهي مواطنة من غزة لجأت إلى رفح خلال الأشهر الماضية، احتمالية شن هجوم إسرائيلي على المدينة الجنوبية بـ«الكارثة».

وتابعت: «رفح هي الرئة التي يتنفس من خلالها جميع سكان قطاع غزة. إنها نقطة العبور الوحيدة لدخول المساعدات. أين سيذهب كل هؤلاء اللاجئين في حال مهاجمة إسرائيل لها».

ويعيش أكثر من مليون شخص في خيام وملاجئ مؤقتة في رفح، بعد فرارهم من القتال في أقصى الشمال. وقالت الولايات المتحدة إن إسرائيل لا يمكنها المضي قدماً في العملية ما لم تكن لديها خطة واضحة لحماية المدنيين.

الشرق الأوسط

———————————

الحنكة والحكمة في التصرف الإيراني/ فؤاد مطر

16 أبريل 2024

جاءت «الثؤيرة» ليلة الأحد 13 أبريل (نيسان) 2024، رداً من إيران على أكثر العمليات الإسرائيلية ضدها على أرض سورية متناثرة وفي قلب دمشق العاصمة المتوارثة الهويات الوافدة، لتؤكد من جهة أن إيران ترجمةَ لتصريحات في أعلى درجات التحدي لفظاً بأمل تحويله فعلاً، لا بد أن تردّ الصاع صاعيْن وربما أكثر على العملية التي استهدفت نخبة من قيادات «حرسها الثوري» كانوا في مبنى قنصلية إيران في دمشق أو في مبنى سكني تابع للقنصلية ويجاور مبناها يتم استعماله عند استضافة القيادات المتقدمة في «الحرس الثوري»، إذ يستوجب الحرص عدم إقامتهم في فنادق، ذلك أن إسرائيل دَرَجَت على اعتداءات تقوم بها طائرات تخترق الأجواء اللبنانية ذهاباً للضرب وإياباً بعد تنفيذ عمليات في دمشق وضواحيها وفي مناطق من الساحل السوري، وتستهدف هذه الاعتداءات قيادات متقدمة في «الحرس الثوري» وعناصر متقدمة في «حزب الله» تتوجه من لبنان للتشاور أو لتسلُّم تعليمات وشحنات من السلاح والذخيرة يتم نقلها إلى مناطق في الجنوب والبقاعات البعلبكية حيث النفوذ القوي والمؤثر عند الاستحقاقات للحزب.

والقول إن الذي حدث هو «ثؤيرة»، أي إنها لم تكن ثأراً كالذي قيلت في شأنه عبارات تحذيرية رداً على عملية القنصلية في دمشق، مثل قول كبير المستشارين العسكريين للمرشد خامنئي، إن السفارات الإسرائيلية لم تعد آمنة بعد الذي حدث للقنصلية في دمشق، والتي كان سبعة من ضباط الحرس أبرزهم العميد محمد رضا زاهدي قد لقوا حتفهم في تلك العملية الشبيهة بعملية تصفية صالح العاروري، أحد قادة حركة «حماس» الذين يترددون على لبنان وينشطون سياسياً وإعلامياً منه، وذلك في شقة إحدى العمارات في الضاحية الجنوبية ببيروت. بل حتى رمز الدبلوماسية الإيرانية وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، من خلال جولة له سبقت عملية الصواريخ والمسيَّرات وشملت العاصمة العُمانية مسقط ودمشق أشار إلى أن إسرائيل استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق بأسلحة أميركية، واكتفى بالإشارة إلى السلاح وتفادى القول إن العملية تمت بضوء أخضر ساطع، أو خافت لا فرق، من جانب الإدارة الأميركية، كمن يتعمّد التمني على هذه الإدارة أن تعد الثأر من جانب إيران على عملية القنصلية يستهدف إسرائيل فقط، وبالتالي فلا يكون رد الفعل الأميركي أن ما يصيب إسرائيل يؤلم إدارة بايدن التي تعاملت مع حرب الإبادة والتهجير والتجويع من جانب إسرائيل نتنياهو، كأن الغزيين مثل الهنود الحمر في الزمن الأميركي الغابر، وأن ما تفعله إسرائيل بالغزيين هو نوع من الدفاع عن المصير.

لقد سبقت عملية الصواريخ والمسيَّرات الإيرانية تهديدات كلامية كثيرة لم تأخذ طريقها إلى ترجمة القول إلى فعْل منذ عملية تصفية قاسم سليماني، رمز الحضور الإيراني المسلح في دول وكيانات عربية تَصلح أحوالها وتركيبتها السكانية لزرع ظاهرة «الحرس الثوري» مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين الغزّية التي بات شأن كل من «حركة حماس» و«حركة الجهاد الإسلامي» فيها أقوى من شأن «السلطة الوطنية الفلسطينية» التي تستند من حيث القدرات إلى «حركة فتح» التي لم تعد بثورية الستينات والسبعينات وباتت كوادرها على درجة من الترهل، فضلاً عن أن حراك سُلطتها بات مقتصراً على الشأن السياسي. ثم تأتي عملية الصواريخ والمسيَّرات المفاجئة من حيث الوسائل، لا من حيث الفعل، لترمي في ساحة الصراع الحاصل في الإقليم، وبالدرجة الأهم منه الجانب الفلسطيني – الإسرائيلي من هذا الصراع، أن الجانب المتصل ﺒ«الحرس الثوري» في إيران بات قوة ضاربة في أجزاء من الوطن العربي، وأنه بات يملك من القدرات العسكرية، وبالذات ما يتصل بالتصنيع، ومنها مسيَّراته التي حتى بعملياته التي استهدفت قاعدة إسرائيلية بالغة الأهمية كانت توصيفاً عملية ثؤيرية، أي ليست الثأر الذي عكستْه عشرات التصريحات التي أدلى بها كبار أهل الحكم في إيران ومنهم المرشد خامنئي نفسه، الذين عدّوا إسرائيل دولة باتت على أهبة طريق الزوال.

تبدو عمليات الصواريخ والمسيَّرات، من حيث الفعل وعنصر المفاجأة، مثل تلك العملية التي نفَّذتها حركة «حماس» يوم السبت 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأشعلت حرب الإبادة والتهجير والتجويع المستمرة نتيجة خشية نتنياهو من عوائد إيقافها أو ارتضاء تسوية تُرضي القتيل وتفرض أميركا وحليفاتها على القاتل الارتضاء والتسليم بصيغة الدولتين حلاً لا حل غيره. كما أن هذه العملية تزيل من المشهد الراهن عُقدة الصواريخ التي أمر الرئيس (الراحل) صدَّام حسين بتوجيهها إلى إسرائيل فيما إيران الثورية لا تفعل خطوة مماثلة. وها هي ذي قد فعلت مع الأمل ألا تدفع ثمناً كالذي أدفعه للعراق نظامُ صدَّام حسين. وهذا رهن اقتناع الإدارة الأميركية بالتفسيرات الإيرانية أن عملية الصواريخ والمسيَّرات هي رد محقّ على عملية القنصلية في دمشق يوم الاثنين 1 أبريل 2024 (أي قبل ثلاثة عشر يوماً من الثؤيرة ليلة الرابع عشر من الشهر نفسه)، وأن أي دولة بما في ذلك الولايات المتحدة يمكن أن تعتمد مبدأ الرد بالمثل أو ربما شبيهاً له في حال حدث استهداف لرموز وطنية سيادية في أي مكان. وكانت إيران بمرشدها ورئيس جمهوريتها وحرسها الثوري وقيادة قواتها المسلحة، متنبهة سلفاً وحريصة على التوضيح، ومن هنا أخذت بصيغة الرد على أن يكون ثؤيرة تستهدف القاعدة التي انطلقت منها الطائرات التي دمرت مبنى القنصلية وتفادي استهداف أحياء سكنية ومدارس ومستشفيات، وترْك أمر اعتبار العملية ثأراً كامل الأوصاف لمنابرها الإعلامية في الداخل والخارج. وهذا إلى أن يستتبع الفعل الثؤيري وفي مدى ليس بعيداً ما هو ثأر من جانب إسرائيل يداوي به رئيس حكومتها نتنياهو ما أمكن مداواته لجراحه ومخاوفه نتيجة اتساع فجوة التوافق بينه وبين الحليف الأميركي وسائر المتعاطفين معه الذين يرون أنه لولا عملية القنصلية لكانت عملية الصواريخ والمسيَّرات لن تتم. وهؤلاء ربما يرون في الفعل الإيراني نوعاً من لمس خفيف لقواعد لعبة الصراع في المنطقة وملامح من رجاحة التخطيط ودقة التصرف بحنكة وحكمة المقتدر. واعتماد العملية ثؤيرة… وليست ثأراً وفق قاعدة العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.

الشرق الأوسط

————————

إيران تمتحن الردع الأميركي/ سام منسى

15 أبريل 2024

الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل (نيسان) الحالي، قد بيّن وفق حجمه وطبيعته مدى نجاح الردع الأميركي ضد إيران أولاً، وما إذا كانت الولايات المتحدة استفادت من الدروس التي استقتها من انخراطها في كثير من نزاعات المنطقة وحروبها. في سياق الدروس، لا بدّ من ذكر أنه إبان العقدين الأخيرين، شهدت الولايات المتحدة متغيراً أساسياً تمثل في ارتفاع حدة التجاذب السياسي الشرس بين الجمهوريين والديمقراطيين، ما انعكس تقلباً في السياسة الخارجية بين رئيس وآخر مما أفقدها الثبات المعتاد في سياسات الدول الكبرى، وهزّ ثقة شركائها وحلفائها بها.

اليوم، لا بد من الاعتراف أنه حتى هذه الساعة، حققت استراتيجية واشنطن خلال حرب غزة نجاحاً ملحوظاً تجلى في منع توسيع رقعة الحرب، وردع إيران من الانخراط بها مباشرة عبر الحشد العسكري غير المسبوق في المنطقة من جهة، وفي ردع الميليشيات الحليفة لها من استهداف المنشآت الأميركية بعد قصف طائراتها الحربية مواقع الجماعات المدعومة من طهران في العراق وسوريا. أقنعت قدرة واشنطن واستعدادها لتدمير مجموعة واسعة من الأهداف بشكل حاسم، الإيرانيين بتجميد هجماتهم على المواقع الأميركية، أقله راهناً. لكن يصعب القول إن الولايات المتحدة نجحت في إرغام إيران على التراجع عن استخدام أدواتها.

أما بشأن الدروس التي استقتها الولايات المتحدة على مدى العقود الأربعة الفائتة، فإنه لن تقيّم نتائجها ما دام لا نعرف بعد كيف ستنتهي الحرب في غزة، وتصعب الإجابة الحاسمة ما إذا كانت واشنطن تعلمت واستفادت من التجارب، علماً بأن المحطات التي مرّت بها لا تبشر بالخير، إن لم يكن التغيير الذي نتلمسه خلال حرب غزة سيبقى بعدها حقيقياً ومستداماً.

حرب العراق في سنة 2003 انتهت بجعل العراق يدور في الفلك الإيراني، وفشلت واشنطن رغم كل ما تكبدته من آلاف الضحايا ونفقات بمليارات الدولارات. هذا بالإضافة إلى فشل مقولة نشر الديمقراطية التي تهاوت ليس في العراق الذي نبت فيه مئات من أشباه صدام حسين فحسب، إنما أيضاً فيما آلت إليه الحرب على «القاعدة» و«طالبان» في أفغانستان وكان ختامها الانسحاب المخزي والتفاوض مع «طالبان».

الدرس الأفغاني وحرب العراق كشفا للأميركيين سذاجة سياسة مكافحة الإرهاب التي اعتمدت المقاربات الأمنية فقط، واعتبار أن القضاء على قادة المنظمات المتشددة العنيفة هو السبيل لاقتلاع هذه الآفة. هذا ليس خطأ واشنطن الوحيد في التعامل مع الإرهاب، بل يضاف إليه تغييبها عن راداراتها على مدى عقود الإرهاب الذي رعته وترعاه إيران. في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ»، عدّ باراك أوباما أن التطرف «الشيعي» عقلاني وهو إرهاب دولة يجري برعاية إيران التي تعي ما تريده وتخطط له، ويسهل ذلك التعامل معها، بينما التطرف «السنّي» لا عقلاني لا راعي له أو قيادة، ويتسم بالرعونة والعشوائية والرغبة الانتحارية، وهو من دون أهداف.

من هذا الباب، ندخل إلى الموقف من الحرب في سوريا الذي أتاح للنظام السوري ممارساته الوحشية بحق الشعب السوري الذي هجر ونزح بالملايين داخل البلاد وخارجها، وفتح الأبواب مشرّعة لإيران وروسيا أن تمسكا بمفاصل النظام ومقدرات البلاد من دون منازع. سياسة واشنطن تجاه الحرب السورية لم تكن أكثر من صدى لسياسة بنيامين نتنياهو تجاه النظام، وتبين فشلها وآثارها السلبية على بلاده بعدما تحولت سوريا مرتعاً للميليشيات الحليفة لإيران. أما لبنان، فقد بقي متروكاً لعقود لسوريا وبعدها لإيران، وأضحى ترسانة أسلحة لـ«حزب الله» وأداة رئيسية من أدوات إيران في المنطقة.

الموقف من النظام السوري وإهمال لبنان وتركه فريسة لإيران وسياساتها ينسحب على سياسة واشنطن من الحوثيين التي بررتها بحجج واهية ملتبسة، تركت الحركة تصل إلى ما وصلت إليه من قوة، باتت معها قادرة على عرقلة مسار التجارة الدولية في البحر الأحمر.

حرب غزة كانت جرس الإنذار الذي أيقظ واشنطن وجعلها تعي المخاطر المتمادية منذ عقود على أمن الإقليم، ووصلت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى حليفتها الاستراتيجية إسرائيل. أدركت واشنطن أولاً أن سياسة تخفيض البصمة العسكرية في المنطقة لن تنجح، هذه السياسة التي تحولت إلى بند في استراتيجية الأمن القومي التي نشرتها إدارة بايدن في عام 2022 ومفاده ضرورة «التحول من استراتيجية تقودها الولايات المتحدة ومدعومة من الشركاء إلى استراتيجية يقودها الشركاء ومدعومة من الولايات المتحدة». وأدركت واشنطن ثانياً خطورة السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة، واعترفت الإدارة الحالية بعد عملية 7 أكتوبر التي نفذتها «حماس» ضد إسرائيل من دون مواربة بدور إيران بالأنشطة المخربة في الشرق الأوسط ومحيطه، وحمّلتها مسؤولية أعمال وكلائها وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن. وأدركت ثالثاً أنها لا تستطيع مواصلة الدعم الأعمى لعشوائية ووحشية الحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

على الرغم من أن واشنطن لا تستطيع محو جميع الظروف التي تصب في صالح إيران، فإنها تستطيع العمل على احتواء مخاطر وكلاء إيران وتهديداتهم عبر سياسة الردع التي اعتمدتها حتى الآن، مصحوبة بالزخم الدبلوماسي الهادف إلى التسوية الدائمة وتعزيز أمن شركائها وحلفائها، وتقليل احتمال نشوب صراع أميركي – إيراني يؤجج الشرق الأوسط بأكمله والضغط المتواصل على إسرائيل لوقف الحرب. من هذه الزاوية، يبرز التباين إلى حد الخلاف مع إسرائيل باعتبار أن المقاربة الأميركية المعلنة والصريحة، تعد أن أمن إسرائيل وسلامتها لن يتحققا إلا عبر السلام الدائم مع الفلسطينيين وجيرانها العرب، ووعي واشنطن للدور الإيراني ومحاولة احتوائه بالسلام الدائم. بينما اليمين الصهيوني المتشدد وهذه الحكومة الإسرائيلية، بعكس التوجه الأميركي يريان الأمور بالعدسة الأمنية فقط من دون أي رؤية سياسية، وترجمته في الحرب المجنونة الدائرة على «حماس» في غزة.

ملامح نهاية الحرب ستظهرها نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار، وشكل ومدة وطبيعة الهدنة المتوقعة. الأهم هو من سيتولى الأمن في المناطق التي ستخليها إسرائيل إضافة إلى العقدة الرئيسية في هذه الحرب المتعلقة ببقاء «حماس» في القطاع أم خروجها منه ودلالاته على مستقبل الصراع في المنطقة بانتصار إيران أو خسارتها لهذه المعركة. هذا كله يتوقف ما إذا اقتنعت الولايات المتحدة أنها الدولة الكبرى، وبمقدورها ردع إيران، وتطويع نتنياهو اللذين يتقاطعان على استمرار حال المراوحة وتأجيج المخاطر.

الشرق الأوسط

—————————-

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية/ مأمون فندي

15 أبريل 2024

حرب غزة، وتقدم إيران في إنتاج اليورانيوم المخصب، وإدارتها لمعارك بالوكالة من اليمن ولبنان والعراق وسوريا، كل هذه عوامل جديدة تعجِّل بحتمية المواجهة بين إيران وإسرائيل. في عام 2007، كتبت في هذه الصحيفة عن حتمية المواجهة بين إيران وإسرائيل، ومرَّ أكثر من عقد من الزمان ولم تحدث المواجهة المباشرة؛ فلماذا الكتابة عنها الآن، خصوصاً أن توقعاتي يومها لم تكن أفضل مما هي عليه الآن؟ في تصوري أن ثمة مجموعة من العوامل استجدَّت على المشهد الإقليمي تجعل المواجهة أقرب إلى الحتمية، خصوصاً فيما يتعلق بهزيمة إسرائيل الاستراتيجية في حربها على غزة التي دخلت في شهرها السابع الآن، ولذلك يبحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مخرج؛ بتوسيع الحرب إقليمياً، على أمل أن هذا سيشتري له بعض الوقت، في انتظار مجيء دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

الحرب على غزة خلقت سياسة استراتيجية مختلفة، ليس على مستوى الإقليم فقط، وإنما على مستوى الحوار الاستراتيجي العالمي برمته، ولا شك أن إيران استفادت من هذا السياق أكثر من إسرائيل.

استطاعت إيران، ومن خلال ذراعها في اليمن، أن تؤكد أنها قادرة على التأثير في تعطيل الملاحة بالبحر الأحمر، كما أن سلوك إسرائيل في غزة الذي بلغ مستوى الإبادة الجماعية جعل كثيراً من الدول العربية غير راغبة في الدخول بالتحالف الأميركي فيما يخص أمن البحر الأحمر. أن تستطيع مجموعة بدائية، مثل حركة بدر الدين الحوثي، أن تعطل الملاحة من باب المندب إلى قناة السويس، ودور إيران في ذلك، تزيد من غضب العالم تجاه إيران، وقد تستغل إسرائيل حالة الغضب هذه للدخول في حرب مع إيران من أجل غسل سمعتها التي تلطخت تماماً بمفاجأة «طوفان الأقصى» وعدم قدرة مخابراتها على توقُّع هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفشل الجيش الإسرائيلي في الرد على هذا التهديد في توقيته، كل ذلك جعل سمعة الجيش والمخابرات في إسرائيل محل شك عالمي كبير. ولاستعادة صورتها القديمة الخاصة بالجيش الذي لا يُقهر والمخابرات التي لا تنام لا بد لإسرائيل أن تدخل مواجهة جادة مع دولة إقليمية كبيرة، وإيران هي الهدف المناسب. فهل تستطيع؟

الأمر الثاني والأهم أن إيران اليوم قادرة على إنتاج عشر قنابل نووية، وهي على عتبة الإعلان أو الاختبار، حسب تقارير متخصصة. في عام 2007، وعندما كتبت عن حتمية المواجهة كانت تقديرات الفريق المتخصص في تقييم البرنامج النووي الإيراني داخل «معهد الدراسات الاستراتيجية» بلندن، أن إيران قادرة على تركيب ثلاث وحدات من محركات الطرد المركزي، قوام كل منها 164 محركاً، ولكن في تلك الفترة كانت إيران قادرة على تثبيت وحدة واحدة، وغير قادرة على ضبط التنسيق بين الوحدات الأخرى لإنتاج كمية كافية من الهكسا فولورايد واليورانيوم المخصَّب التي تستطيع معها بناء قنبلة واحدة.

لم يكن الفريق الذي يعمل في هذا المجال سياسياً، ولكنه كان فريقاً علمياً له جانب سياسي، وكلهم علماء، وزار بعضهم إيران للتأكد من هذه القدرات؛ فإذا كانت إيران قادرة على إنتاج قنبلة (لنَقُل) في 2010؛ فترى كم من القنابل تستطيع إنتاجها بعد 14 عاماً من السيطرة على التقنية والإلمام بمشاكل محركات الطرد المركزي؟ في تقديري أن إيران يمكن أن يكون لديها ما يقرب من عشر قنابل الآن، وهذا ليس تقديري وحدي، ولكن أيضاً تقييم علماء متخصصين.

في 2014، أعلنت إيران أنه سيتم تركيب 3 آلاف جهاز طرد مركزي جديد في منشأة ناتانز. وبالطبع لم تكن ساذجة عندما ادعت أنها تمتلك 3 آلاف جهاز طرد مركزي، أي ما يعادل 18 وحدة، فهذا كافٍ لكي تستطيع تخصيب كمية من اليورانيوم قادرة على إنتاج أكثر من قنبلة نووية واحدة.

ولكي أوضح النقطة، لا بد أن أعرّج على شرح تعقيدات عملية التخصيب التي أظن أن إيران وبعد عقد من الزمن تملك ناصيتها، وسأحاول هنا تبسيط عملية التخصيب المعقدة ليفهمها القارئ العادي.

بدايةً يحتوي اليورانيوم العادي في المناجم على 0.7 في المائة من الـU235 أيزوتوب. أما البقية العادية فهي تمثل U238؛ نسبة الـ0.7 في المائة هي التي تُستخدم في التخصيب. عملية التخصيب هي محاولة رفع الـU235 إلى نسبة 5 في المائة، بدلاً من 0.7 في المائة، وهذا ما تحتاج إليه المفاعلات الحديثة. ويتم التخصيب إما عن طريق جهاز طرد مركزي، أو عن طريق التجميع الداخلي. وهي محاولة لعزل، على الأقل، 85 في المائة من الـU238 النقي عن طريق إدخال الهكسا فلورايد في طريقين (Streams 2)؛ طريق يتم فيها تخصيب اليورانيوم، والطريق الأخرى يتم فيها التنضيب.

بعد الوصول إلى مستوى التخصيب اللازم، يوضع اليورانيوم المخصَّب في مراكز الطرد للحصول على تركيز U235 بنسبة 5 في المائة.

في 2014، ذكرت إيران أن درجة النقاوة التي توصلوا إليها لـU235 هي 35 في المائة، أي أقل بكثير من النسبة المطلوبة (85 في المائة)، وكذلك لم يتوصل الإيرانيون إلى تركيز لـU235 بنسبة أكثر من 3 في المائة، أي أقل أيضاً من النسبة المطلوبة (5 في المائة). وتؤكد دراسات استراتيجية أن إيران اليوم تمتلك حقاً الـ18 وحدة التي أعلنت عنها، وبذلك تكون قادرة في الوقت الحالي، من حيث الخبرة البشرية والتقنية، على تشغيلها في وقت واحد كمرحلة أولى من المراحل المتعددة والمعقدة للوصول إلى اليورانيوم المخصَّب.

بعد العملية الاستخباراتية التي قامت بها إسرائيل وأعلن عنها نتنياهو عام 2018 بشكل مسرحي عرض فيها الوثائق، وتباهى بقدرات المخابرات الإسرائيلية، أصبحت هناك قناعة داخل إسرائيل بأن حصول إيران أو إعلان إيران عن حصولها على القنبلة مسألة أشهر. هذه القناعة التي تزايدت بعد «طوفان الأقصى» نتيجة خوف إسرائيل من التهديد الوجودي هي التي تجعل المواجهة تقترب من حتميتها.

أما إدارة المعارك بالوكالة، خصوصاً من الجبهتين اللبنانية والسورية، فهو أمر يسبب قلقاً وجودياً لإسرائيل، ولذلك تكون حتمية الحرب قريبة هذه المرة. فقدرات «حزب الله» اليوم ليست تلك التي واجهتها إسرائيل عام 2006؛ فقد دخل الحزب عالم المسيّرات وأثبت قدرة جيدة في تضليل «القبة الحديدية»، كما أن الإسناد الحوثي اليوم يُعدّ قيمة مضافة، هذا علاوة على القدرات الإيرانية في سوريا التي لا نعرف عنها الكثير.

بعد كل هذا العرض، وفي ظل مأزق نتنياهو الداخلي، تصبح الحرب مع إيران مطلباً إسرائيلياً أكثر من كونه إيرانياً.

الشرق الأوسط

————————-

إيران وإسرائيل… رسائل النار والأسئلة/ غسان شربل

15 أبريل 2024

حجزت ليلة 13-14 أبريل (نيسان) الحالي مقعداً مميزاً في ذاكرة المنطقة. منذ زمن طويل لم تُصب غرف الأخبار في الصحف والمنصات والتلفزيونات بهذه الدرجة من الحمى. ربما منذ ليلة 19-20 مارس (آذار) 2003 حين انهمرت الصواريخ الأميركية على بغداد مفتتحة رحلة إطاحة نظام صدام حسين. ولا مبالغة في القول إن الليلة الجديدة كانت أشد إثارة وأخطر. الليلة القديمة كانت واضحة وحاسمة، فالآلة العسكرية الأميركية الهائلة لم تشعل الحرب لتخسرها.

كانت الليلة الجديدة مثيرة وخطرة ومفتوحة على العواقب الوخيمة. كشفت هشاشة الشرق الأوسط. وقابليته للانزلاق. أغلقت أجواء وأظلمت مطارات وحلقت طائرات. ورأى أبناء الشرق الأوسط الرهيب أسراباً من طيور النار تعبر أجواء الخرائط متمهلة أو مسرعة. وفي المقابل أقلعت طائرات وصواريخ من هنا وهناك وهنالك لتصطاد الطيور المسافرة ومنعها من الوصول إلى الأهداف التي كانت تأمل بالانقضاض عليها. ليلة طويلة سهر فيها قادة دول وقادة جيوش و«جنرالات» فصائل وميليشيات.

لم تكن ليلة «الضربة الكبرى» التي دار الهمس حولها في غرف الممانعة من سنوات. وجوهرها انطلاق مطر من الصواريخ على إسرائيل من أرض إيران ومعها من أرض الخرائط التي باتت تملك مفاتيحها. لم تفتح أبواب الحرب على مصاريعها ولم تدشن الانهيار الكبير. كانت رداً يقل عن مشروع حرب. وضربة بمعنى حدوثها وانخراط إيران المباشر فيها لا بمعنى خسائرها البشرية. كانت أشبه بالتذكير بالقدرة على تسجيل سابقة حصول هجوم إيراني مباشر على أرض إسرائيل.

لم تكن ليلة الحريق الكبير أو الضربة القاصمة لكنها ليلة أكدت أن تغييراً مهماً طرأ على قواعد اللعبة السابقة وفتح الباب للتساؤل عن «قواعد الاشتباك» الجديدة. والحقيقة أن الليلة بدأت قبل حلول الظلام. فحين يقطع سيد البيت الأبيض عطلته ويعود للاجتماع بأركان قيادته، على العالم أن يسهر. وهذا ما حدث.

بدأ الشهر الحالي برسالة متفجرة لا يمكن فهم الليلة الجديدة من دون الرجوع إليها. ففي اليوم الأول اتخذ لاعب مغامر اسمه بنيامين نتنياهو قراراً بالغ الخطورة. عدَّ اجتماع سبعة من أبرز ضباط «الحرس الثوري» في دمشق فرصة لا تفوت. لم يتوقف عند حصانة القنصلية الإيرانية التي التقوا فيها. دمر القنصلية على من فيها ضارباً عرض الحائط بكونها أرضاً إيرانيةً. قرار صعب يكاد يذكر بقرار دونالد ترمب قتل قاسم سليماني قرب مطار بغداد.

أسئلة كثيرة طرحها قرار نتنياهو. هل تعب من تبادل الضربات مع الملاكمين الوكلاء فقرر استدعاء الملاكم الكبير الذي يحركهم إلى الحلبة؟ هل اختار استدراج إيران إلى مواجهة وجهاً لوجه بعيداً عن حروب الظل؟ هل أراد تذكير الغرب أن الخطر الوجودي الكبير على إسرائيل يأتي من ضباط «الحرس» المتحلقين حول المرشد وليس من يحيى السنوار وأنفاقه؟ هل قرر المخاطرة بإطلاق حريق كبير بدل الانشغال بصاروخ من اليمن ومسيّرة من العراق وحرب مشاغلة من لبنان؟ هل نصب لإيران فخاً يصعب عليها الابتعاد عنه وتفاديه؟

كان من الصعب ألا ترد إيران على هجوم القنصلية. تحدى نتنياهو صورتها في الداخل الإيراني وعلى مستوى الإقليم وتحدى هيبتها. في المقابل لا تريد إيران الذهاب إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل لا يمكن أن تبقى أميركا خارجها. قلّب المسؤولون الإيرانيون الأمر نحو أسبوعين ثم جاء الرد الذي أدخل في المعادلة قدرة إيران على مهاجمة إسرائيل مباشرة من دون التسبب بما يبرر إطلاق حرب.

سينشغل السياسيون والعسكريون في أكثر من مكان بتفسير معاني ليلة الرسائل. وجهت إيران رسالةً إلى إسرائيل لكن بعدما وجهت رسالة إلى أميركا مفادها أنها لا تسعى إلى توسيع الحرب. وفي ليلة الصواريخ والمسيّرات وجهت أميركا إلى إسرائيل رسالة واضحة هي أن انتقاد سلوك نتنياهو في غزة لا يعني الطلاق معه أو التساهل حيال ما يمس أمن إسرائيل. ولم تكن أميركا هي الطرف الغربي الوحيد الذي تصدى للصواريخ والمسيّرات الإيرانية بل شاركتها بريطانيا وفرنسا.

تحوّلت الرسالة الأميركية رسالة غربية. رسمت هذه الرسالة حدوداً لأي محاولة إيرانية للتفكير في ضربة مباشرة مؤلمة لإسرائيل. هذا إضافة إلى أن ليلة الصواريخ والمسيّرات أطلقت أيضاً رسالة عسكرية تؤكد تفوق التكنولوجيا الغربية والإسرائيلية مقارنة بالتكنولوجيا العسكرية الإيرانية. رسالة من هذا النوع لا بد من أن تستوقف أيضاً «حزب الله» اللبناني.

وعلى الصعيدين السياسي والدبلوماسي أظهرت ليلة الصواريخ والمسيّرات وجود مظلة غربية صارمة فوق أمن إسرائيل في مواجهة التحديات التي تستهدفها، سواء انطلقت من غزة أو طهران. أكدت كذلك أن موضوع ضمان أمن إسرائيل ليس مطروحاً للمراجعة في الدوائر الغربية مهما بلغت التحفظات والخيبات من نهج نتنياهو في التعامل مع غزة وموضوع السلام وحل الدولتين.

السؤال الذي طُرح غداة هجوم القنصلية كان واضحاً. هل ترد إيران وتستهدف الأرض الإسرائيلية وكيف وبأي مقدار؟ وغداة الليلة الإيرانية الأخيرة طرح سؤال مشابه وهو هل ترد إسرائيل على الأراضي الإيرانية وكيف وبأي مقدار؟

دعمت واشنطن نتنياهو بلا تردد في مواجهة الهجوم الإيراني. لكنها سارعت إلى التوضيح أنها لا تؤيد رداً إسرائيلياً ولن تشارك فيه إذا حصل. سيكون الانتظار مثقلاً بالأسئلة؟ هل يستطيع نتنياهو عدم الرد وماذا عن الصقور في حكومته؟ وإذا تجاوب مع النصيحة الأميركية ما هو الثمن الذي يطلبه؟ هل يطالب علاوة على الدعم العسكري والاقتصادي بإطلاق يده في رفح أم يطالب بعدم الذهاب سريعاً باتجاه تكريس حل الدولتين كمعبر إلزامي نحو المستقبل؟ هل يطالب بإعادة تشكيل التوازنات والعلاقات على مستوى المنطقة؟ وهل يطالب بصيغة لوقف المواجهة التي تحولت في شهرها السابع حرب استنزاف مكلفة خصوصاً بعد الكلام أن ليلة المسيّرات والصواريخ كانت أيضاً «ليلة المليار» لأنها كلفت إسرائيل نحو مليار دولار؟

لا بد من الانتظار لمعرفة ماذا استنتج المتحاربون من ليلة الأسئلة ورسائل النار في أجواء الشرق الأوسط الرهيب.

الشرق الأوسط

————————

فورين بوليسي: سلبيات وإيجابيات 3 خيارات أمام إسرائيل للرد على إيران

طائرات إف 16 إسرائيلية تحلق في تشكيل فوق البحر الأبيض المتوسط خلال عرض جوي (رويترز)

فجأة اختفت غزة عن الأنظار، وأصبح العالم ينتظر ليرى ما إذا كانت إسرائيل ستشن هجوما مضادا أو، بمعنى أصح، كيف سترد على هجوم إيران، وإلى أي مدى سيذهب الرئيس الأميركي جو بايدن لاحتواء الموقف، لتبرز 3 خيارات أمام إسرائيل، حسب مجلة فورين بوليسي الأميركية.

المجلة حذرت في تحليل لمحررها لقضايا الدفاع والأمن جاك ديتش من أن تعهد القادة الإسرائيليين بشن هجوم مضاد ينبغي ألا يعميهم عن التفكير المتأني في كيفية القيام بذلك كي لا يخسروا الدعم الدولي الذي حظوا به على أثر الهجوم الإيراني.

    أولا: مهاجمة البرنامج النووي الإيراني

قد تكون طهران قادرة على إنتاج قنبلة نووية في غضون بضعة أشهر، حسبما أشار بعض كبار المسؤولين الأميركيين العام الماضي. وهذا يجعل المنشآت النووية الإيرانية هدفا جذابا للإسرائيليين، على الرغم من كونها هدفا على أعلى مستوى من التصعيد.

ويعلق مايكل مولروي، وهو مسؤول دفاعي أميركي سابق على هذا الخيار بقوله إن نجاح إسرائيل في ضرب منشآت الأسلحة النووية الإيرانية أو القاعدة الصناعية الدفاعية لإيران سيكون بمثابة تأكيد على أن إيران قد ارتكبت خطأ إستراتيجيا في شن هجومها على إسرائيل.

لكنها لو فشلت في تحقيق ذلك، فإن جوناثان لورد، وهو مسؤول دفاع أميركي سابق ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، يرى أن ذلك سيمثل انتكاسة كبيرة لإسرائيل كما أنه سيهدد التحالف مع الدول العربية، حسب قوله.

ويحذر بلال صعب، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس في لندن ومسؤول دفاعي أميركي سابق من أن مثل تلك الخطوة قد تسبب توترات وبعض التناقضات بين الأميركيين والإسرائيليين، موضحا أن آخر شيء ينبغي لإسرائيل القيام به الآن هو خسارة الحليف الأميركي “في وقت حرج وخطير للغاية”، وفق تعبيره.

يمكن لإسرائيل أن تضرب أهدافا على الأراضي الإيرانية لا ترتبط بشكل مباشر بالبرنامج النووي للبلاد. على سبيل المثال، يمكن أن تستهدف قائدا عسكريا ذا قيمة عالية مثل قائد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده، الذي يتهم بأنه كان العقل المدبر للهجوم بالمسيرات والصواريخ الذي تعرضت له إسرائيل.

كما يمكن لإسرائيل أيضا ملاحقة المواقع العسكرية أو مستودعات الأسلحة داخل البلاد، أو حتى مقرات الحرس الثوري الإيراني.

ويرجح مولروي أن تختار إسرائيل الرد مباشرة في إيران، رغم أنه من المحتمل أن تحاول الولايات المتحدة ثنيها عن ذلك لاحتواء الموقف.

وترى المجلة أن قضاء إسرائيل على هدف عالي القيمة قد يمنحها مزيدا من الوقت، وقد يكون كافيا لإرسال إشارة رادعة إلى إيران بدون إغضاب واشنطن.

ومع ذلك، لا يزال هناك خطر الفشل العملياتي في مهاجمة زعيم مثل حاجي زاده أو منشأة تابعة للحرس الثوري الإيراني في ظل التأهب العالي للإيرانيين.

كما أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ودول أخرى من أجل التصرف بهدوء قد تثني إسرائيل عن الاستجابة السريعة.

إذا كان القادة الإسرائيليون قلقين بشأن تصاعد التوترات مع إيران، فقد يختارون الرد الأدنى أي استهداف من تطلق عليهم واشنطن وكلاء إيران في الشرق الأوسط أو الانخراط في هجمات إلكترونية ضد طهران.

وفي هذا الإطار، ترى المجلة أن حزب الله هو أقرب وأهم جماعة وكيلة لإيران في المنطقة، وقد شنت إسرائيل بالفعل ضربات انتقامية ضد الجماعة المسلحة في لبنان على مدى الأشهر الستة الماضية، لكنها قد تختار شن حملة عسكرية أكثر كثافة.

لكن ذلك، وفقا للمجلة، يحمل في طياته مخاطر خاصة بالنسبة لإسرائيل، إذ يحاول حزب الله منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجنب الانجرار إلى حرب شاملة مع إسرائيل.

ولكن المجلة تنقل عن أحد كتابها قوله إن حزب الله إذا قرر الانخراط في حرب شاملة، فسيمثل ذلك تصعيدا دراماتيكيا، في ظل ترسانته الصاروخية الكبيرة ومقاتليه المدربين بشكل جيد والمتمرسين في القتال.

ولا شك أن الجماعة ستتكبد خسائر فادحة، ولكن الأمر نفسه قد يحدث لإسرائيل، وفقا للمجلة.

ومع ذلك، تقول فورين بوليسي إن إسرائيل تجد نفسها مضطرة للرد على طهران بعد أن تجرأت على ضربها مباشرة على أرضها، مشيرة إلى أن نتنياهو ربما يجد ضغوطا كبيرة من المتشددين في حكومته الحربية من أجل رد أقوى.

المصدر : فورين بوليسي

————————

لماذا أبلغت طهران دولا بالمنطقة قبل الهجوم على إسرائيل؟ محللون إيرانيون يجيبون/ أحمد حافظ

أهداف الرد الايراني ٢ – خاص بمقابلات يمنع من الاستخدام بمواد أخرى

15/4/2024

قال محللون إيرانيون إن طهران أبلغت واشنطن بالهجوم على إسرائيل السبت الماضي حتى لا تشتعل حرب إقليمية في المنطقة، وإنه سيكون منحصرا في الرد على العدوان الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق، ويتناسب معه.

وأضافوا -في مقابلات خاصة مع الجزيرة نت- أن الدعم القوي الذي يقدم لإسرائيل من الغرب ومن دول بالمنطقة يبقيها قوية ومستمرة، ويخدم أجندتها، وأن القانون الدولي يحتم على إيران أن تبلغ الدول التي ستمر منها المسيّرات نحو إسرائيل.

وكانت إيران شنت هجوما السبت الماضي بإطلاق عشرات المسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل، وذلك ردا على قصف قنصليتها بالعاصمة السورية قبل نحو أسبوعين.

وقال القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن بلاده قامت بعملية محدودة ناجحة وضربت المواقع التي كانت منطلقا لاستهداف قنصليتها في سوريا. ووجه تحذيرا لإسرائيل بأنها إذا هاجمت المصالح الإيرانية في أي مكان فإن إيران سترد بهجوم مضاد.

الأهداف الإيرانية

وعند سؤال الجزيرة نت عددا من المحللين والخبراء في إيران عن تحقق الأهداف الإيرانية من الهجوم على إسرائيل، لخصها أولا مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان في النقاط التالية:

    هذه الطريقة التي مارستها القيادة العسكرية الإيرانية حيال إسرائيل كانت مهمة جدا بالنسبة لتاريخ الصراع، وأوجدت قواعد جديدة له، وقضية التفوق العسكري الذي كانت تسوقه إسرائيل منذ أن نشأت حتى الآن سقطت، وإيران استطاعت أن تحقق الكثير من النصر على إسرائيل.

    ما حدث أعطى رسائل مهمة، سواء للولايات المتحدة أو إسرائيل أو الدول الإقليمية أيضا، مفادها أن إيران قوة لا يمكن أن يستهان بها، لأن ما حدث مساء السبت الماضي أن سماء المنطقة كانت تعج بالمسيرات والصواريخ، فما تم تحقيقه استطاعت به إيران أن تغير قواعد الاشتباك.

    ما تم تحقيقه كان مهما جدا بالنسبة لإيران داخليا، لأن هناك مطالبات جماهيرية بتحقيق مثل هذا الإنجاز، وهناك ارتياح كبير لدى كافة الأوساط الإيرانية الشعبية والرسمية والدينية، فكان من المهم بالنسبة لإيران أن تُظهر مثل هذه القوة.

أهداف الرد الايراني ٢ – خاص بمقابلات يمنع من الاستخدام بمواد أخرى

محللون إيرانيون: قضية التفوق العسكري الذي كانت تسوقه إسرائيل منذ أن نشأت حتى الآن سقطت (الجزيرة)

وأيد هذه الأهداف مسؤول اللجنة السياسية في جمعية الدفاع عن الشعب الفلسطيني حسين رويران، فقال إن هدف إيران كان واضحا، وهو “إعادة الاعتبار للردع الإيراني، والتعامل بالمثل مع الكيان الصهيوني، وإيجاد قواعد اشتباك جديدة قائمة على عدم المس بأي إيراني في المنطقة بأكملها، لأن ذلك سيدفع إيران للرد مرة أخرى على هذا الكيان”.

واتفق مع الرأيين السابقين العميد المتقاعد في الحرس الثوري الإيراني منصور حقيقت بور، غير أنه قال “إن الرد الأخير لم يكن شديدا، وكان بالإمكان أن يكون أكثر حدة وأكثر إيلاما، لكنه كان فريدا من نوعه لأنه كسر هيبة إسرائيل على الصعيد العسكري”.

كما أنه ذهب أبعد من ذلك عندما قال “إننا حققنا الهدف المرسوم للعملية، ولذلك لا ننوي التصعيد ومواصلة العمليات، لكن ردنا سيكون أكثر عنفا في حال ارتكابها (إسرائيل) خطأ آخر، وحينها لا يمكن لإسرائيل أو أميركا والأطراف الأخرى المتحالفة معهما والمسيطرين على مقدرات العالم أن يحصوا الخسائر الناجمة عن العمليات الإيرانية”.

وعن محدودية الرد الإيراني، يرى حقيقت بور أن “إيران لا تنوي اليوم زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية بمنطقتنا، وكلما تمكنا من معاقبة العدو فإن ذلك سيقربنا من الهدف الأولي” فقد أعلنا للعالم أننا لا نريد مواصلة العملية إلا في حال ارتكبت إسرائيل خطأ آخر.

وقال رويران إن إيران أرادت فقط الرد على اعتداء طال أرضها، وأنها لا ترغب في إشعال حرب بالمنطقة، و”ضمن هذه الرؤية أبلغت إيران الولايات المتحدة بأن ما ستقوم به هو رد يتناسب مع العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق”.

أما صدقيان فذهب إلى تفاصيل أكثر عندما قال إن الإيرانيين قالوا منذ البداية بشكل واضح إن هذه العملية لم تكن واسعة، وإنها محدودة ولها أهداف محددة، وبالتالي هذا العدد الهائل من المسيرات كان يشغل -من الناحية العسكرية- المضادات الأرضية والطائرات الإسرائيلية والقبة الحديدية وباقي أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، “وبالتالي يبدو لي أن هناك إنجازا كبيرا قد تحقق، وأنا أعتقد أن آثاره ستظهر نتائجه مستقبلا”.

الرد الإيراني أثار استغرابا عند المتابعين والمحللين في المنطقة، خاصة مع إعلان إسرائيل عدم وجود أي خسائر نتيجة هذا الهجوم، وأن هذا الكم الكبير من المسيّرات سقط قبل الوصول إليها، لكن المسؤول السابق في الحرس الثوري الإيراني تحدى أن “تسمح إسرائيل للصحفيين والمراسلين المستقلين بتفقد المراكز التي أعلنت إيران أنها استهدفتها، فإذا قبلوا بدخول الصحفيين المستقلين إلى تلك المراكز حينها يمكن القبول بأن مزاعمهم صحيحة، وأنا على ثقة من أنهم لن يسمحوا بذلك”.

أما الباحث السياسي رويران فيرى أن السردية المعلنة هنا مهمة جدا، وإسرائيل تحاول القول إن هذا الهجوم الواسع لم يؤد إلى نتيجة “في حين أن الهجوم عليها هو في حد ذاته غير مسبوق، وكل المحاولات الإسرائيلية من أجل ثني إيران عن الرد لم تنفع”.

وأضاف “في تصوري، أن هذا الكلام يأتي ضمن التمويه الإعلامي الذي تمارسه إسرائيل، لأن إيران أولا أعلنت أنها لم تستهدف تجمعات إنسانية ولا مواقع اقتصادية، فقط استهدفت مواقع عسكرية، ونحن نعلم أن التصريح في إسرائيل عن إصابة هذه المواقع ممنوع أساسا. والكل يعرف أن مقص الرقيب العسكري يمنع نشر الكثير من المعلومات”.

السياق الذي جاء فيه الهجوم الإيراني على إسرائيل من الصعب إخراجه عن العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من 6 أشهر، لذلك يرى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية أن الإيرانيين قالوا إن هذه العملية تنحصر في الرد على الهجوم الذي شنته طائرات إسرائيلية على البعثة الدبلوماسية الإيرانية في دمشق “لكن بالتأكيد ستكون هناك تداعيات لهذه الضربة تخدم المقاومين وفصائل المقاومة في غزة، وتخدم أيضا الشعب الفلسطيني سواء كان في الضفة أو في القطاع” حسب قول صدقيان.

أما رويران فاختلف عن الرأي السابق، وقال إن “ظاهر الأمر يقول إن دخول إيران كان تحت مسمى الرد على العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق، لكن محور المقاومة واحد واستبشر خيرا، وقام بإطلاق الكثير من المقذوفات على الكيان الصهيوني، سواء من لبنان أو من العراق أو من اليمن”.

ولكن هذا الحدث في الوقت نفسه “بما أنه كبير وغير مسبوق وواسع جدا، مما اضطر الغرب إلى التعهد بالدفاع الكامل عن إسرائيل، ولمواجهة النيران الإيرانية يجب أن تكون هناك تعبئة غربية، فيمكن القول إن إسرائيل وحدها غير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام إيران” ومن أجل ذلك “أعطى الهجوم جرعة أمل للفلسطينيين، واستبشارهم به يعكس ذلك”.

أما عن سير المعركة في غزة، فيري حقيقت بور أن الهجوم الإيراني “خفّف بالفعل من الوطأة العسكرية والأعمال القتالية في القطاع، وأظهرت العملية أن الفلسطينيين هناك ليسوا وحدهم”.

وأضاف أنه على الرغم من أن سلوك العالم الإسلامي لم يرتق إلى المستوى المنشود خلال الأشهر الماضية فإن إيران أظهرت قدرتها على أن تؤدي دورا فاعلا في فلسطين، ففي بيت المقدس احتفل الناس بوصول الصواريخ الإيرانية واستقبلوها بسرور ورفعوا أيديهم بالدعاء لتسدد أهدافها بنجاح.

وعن موقف دول المنطقة من الهجوم الإيراني، خاصة أن المسيرات والصواريخ المتجهة نحو إسرائيل ستمر بالمجال الجوي لهذه الدول، قال رويران “إن إيران أخبرت هذه الدول بسبب الجانب القانوني الذي يفرض عليها ذلك، وهذه الدول أسهمت بشكل أو آخر في الدفاع عن إسرائيل، وهي في تصوري معروفة وتاريخها معروف للجميع، وليست بحاجة إلى ذكر أسماء”.

وأضاف أن إسرائيل قوية ومستمرة بسبب وجود الكثير من الحكومات في المنطقة التي تخدم الأجندة الإسرائيلية “وهذا يوضح الازدواجية القائمة بين الشعوب الذين يقفون مع فلسطين وكثير من الدول التي تحمي الكيان الصهيوني، ولكن هذه الحالة شاذة وغير مستقرة ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد”.

ويذهب العميد المتقاعد في الحرس الثوري حقيقت بور أبعد من الرأي السابق ويرى أن الدول التي تتحرك في الملعب الإسرائيلي، وتحولت إلى باحات خلفية لإسرائيل، وتعمل خادمة لديها في أوقات الشدة والأيام العسيرة، لا شك أنها ستكون مضطرة لدفع الضريبة مستقبلا، ولن تُمحى أعمالها وأفعالها من ذاكرتنا وذاكرة شعوب العالم”.

لكن صدقيان لا يتفق مع الرأيين السابقين، ويرى أن إيران لم تتحدث عن ذلك، لكنها حذرت من استخدام أجواء الدول العربية أو الدول المجاورة -سواء كانت عربية أو غير عربية- من أجل الاعتداء على إيران.

المصدر : الجزيرة

————————

بينها هدف ينذر بتصعيد كبير.. 3 خيارات أمام إسرائيل للرد على إيران

16 أبريل 2024

تزايدت التوقعات خلال الأيام القليلة الماضية بشأن الرد الإسرائيلي على هجوم إيران غير المسبوق، وسط تأكيد القادة الإسرائيليين على أنه “ليس لديهم خيار سوى الرد”.

وأشارت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إلى ثلاثة خيارات محتملة أمام إسرائيل، من بينها استهداف البرنامج النووي الإيراني.

وحسب المجلة، فإن هجوم إيران غير المسبوق على الأراضي الإسرائيلية، قد يزيد الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من أجل القيام برد أقوى.

ويحث الخبراء وفق المجلة إسرائيل على عدم التسرع في اتخاذ القرار، حتى في الوقت الذي تدعو فيه أصوات داخل حكومة الحرب الإسرائيلية إلى رد سريع.

ويقول جوناثان لورد، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد “CNAS”، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، إن من المرجح أن ترد إسرائيل، “لكن ليس هناك حاجة إلى التسرع”.

وأثارت المجلة مجموعة من التساؤلات في تقريرها حول الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم الإيراني، حيث تشير إلى 3 طرق للرد، منها ما قد يكون شديد الخطورة ويؤدي إلى تصعيد إقليمي، ومنها ما قد تحاول إسرائيل من خلال تبني نهج قد يقلل من مخاطر حرب إقليمية.

الخيار الأول: مهاجمة البرنامج النووي الإيراني

تؤكد مجلة “فورين بوليسي” أن تسارع البرنامج النووي الإيراني منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي قبل 6 أعوام، وتنامي إمكانية طهران في إنتاج سلاح نووي في غضون بضعة أشهر، قد يجعل المنشآت النووية هدفا لعملية عسكرية إسرائيلية.

لكنها عادت لتقول إن “هذا قد يكون هدفا على أعلى مستوى من التصعيد”.

ويعتبر المسؤول الدفاعي الأميركي السابق مايكل مولروي، أنه “إذا ردت إسرائيل على إيران، فقد يكون ذلك من خلال ضرب منشآت الأسلحة النووية الإيرانية المشتبه بها أو استهداف قاعدتها الصناعية الدفاعية”.

ويضيف: “إذا نجحوا في تنفيذ أي منهما أو كليهما بنجاح، فسيؤكد ذلك لإيران على أنها قد ارتكبت خطأ استراتيجيا في شن هجوما على إسرائيل”.

شدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، على أن بلاده سوف ترد على الهجمات الإيرانية، وذلك وفقا لما ذكر موقع “تايمز أوف إسرائيل”، في نسخته الإنكليزية.

لكن، وفق المجلة فإنه من الصعب استهداف محطة “نظنز” التي تعتبر إحدى أكبر المنشآت النووية الإيرانية، حتى من خلال أكبر قنبلة خارقة للتحصينات، بسبب وجودها في منطقة جبلية بسلسلة جبال زاغروس وعلى عمق كبير في الأرض.

ويؤكد هذا لورد، والذي يقول: “الشيء الوحيد الأسوأ من موقع برنامج إيران النووي المحتمل هو أن تقوم إسرائيل بمحاولة تدميره وتفشل في ذلك”.

ومن المرجح أن يؤدي هجوم مباشر على البرنامج النووي الإيراني إلى نهاية “التحالف المؤقت” مع الدول العربية التي ساعدت في صد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل هذا الأسبوع، وفق “فورين بوليسي”.

وقد يؤدي أيضا إلى جر وكلاء إيران، مثل حزب الله اللبناني، إلى مواجهة مباشرة أعنف مع إسرائيل، حسب ما يقول خبراء.

ومع إشارة الولايات المتحدة بالفعل إلى أنها لن تدعم هجوما مباشرا على إيران، يتعين على الإسرائيليين حسب الخبراء، الحذر من المبالغة في إثارة غضب الإدارة الأميركية خاصة خلال عام الانتخابات.

الخيار الثاني: استهداف القادة الإيرانيين أو مواقع داخل إيران أو خارجها

وفق “فورين بوليسي”، يمكن لإسرائيل أن تضرب أهدافا على الأراضي الإيرانية لا ترتبط بشكل مباشر بالبرنامج النووي، من خلال استهداف قائد عسكري ذي قيمة عالية مثل قائد القوات الجوية للحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، والذي كان العقل المدبر للهجوم الذي استهدفها قبل أيام.

ويقول لورد: “يمكنها أن تلاحق الرجل الذي نظم هذا العرض الضخم من الألعاب النارية. كما أنه دائما كان في أذهان إسرائيل كهدف”.

ويمكن لإسرائيل أيضا ملاحقة المواقع العسكرية أو مستودعات الأسلحة داخل البلاد، أو حتى مقرات الحرس الثوري الإيراني، حيث يقول مايكل مولروي: “من المرجح أن يختاروا الرد مباشرة في إيران، رغم إن من المحتمل أن تحاول الولايات المتحدة ثنيها عن هذا الإجراء لاحتواء ومنع توسع الصراع”.

خلف الكواليس.. إسرائيل توجه “رسائل” لدول عربية بشأن “الرد على إيران”

 وجهت إسرائيل رسائل من وراء الكواليس إلى الدول العربية في المنطقة، مفادها أنها لن ترد على الهجوم الإيراني بما يعرضها أو يعرض أنظمتها للخطر، بحسب تقرير لهيئة البث الإسرائيلية الثلاثاء.

وقد تتجه إسرائيل للرد بحملة اغتيالات متصاعدة ضد قادة الحرس الثوري الإيراني الموجودين خارج إيران، في دول مثل العراق وسوريا، على غرار استهداف قنصلية طهران في دمشق، وفق المجلة.

لكن، تُظهر هجمات إيران هذا الأسبوع، إلى خطر تصعيد ملحوظ في المنطقة، لهذا وفق “فورين بوليسي”، فإن استهداف شخصية عالية القيمة قد يدفع إسرائيل إلى الانتظار لبعض الوقت وربما لأسابيع أو أشهر.

وعلى الرغم  إن نتانياهو قد لا يحظى بدعم الإدارة الأميركية لمثل هذه العمليات، فإنها قد تكون كافية لإرسال رسائل ردع إلى إيران دون زيادة التوتر مع واشنطن.

ومع ذلك، لا يزال هناك خطر حدوث فشل عملياتي في استهداف شخصية عسكرية رفيعة المستوى، أو منشأة تابعة للحرس الثوري الإيراني، حيث العديد من القادة العسكريين الإيرانيين مختبئين، حسب المجلة.

ويذكر ماكنزي: “إيران الآن في مستوى عالٍ من التأهب. وسيكون القادة في المخابئ”.

كما أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ودول أخرى من أجل التصرف بهدوء قد تثني عن الرد السريع، حسب “فورين بوليسي”.

الخيار الثالث: ضرب وكلاء إيران أو شن هجوم إلكتروني

إذا كان القادة الإسرائيليون قلقين بشأن تصاعد التوترات مع إيران، ترجح “فورين بوليسي” أن يختاروا ردا أقل حدة يتضمن استهداف وكلاء إيران في الشرق الأوسط أو شن هجمات سيبرانية واسعة.

وحسب المجلة، فإن إيران تعرضت للإهانة خلال هجومها الأخير على إسرائيل، بعد أن نجح القليل جدا من الطائرات المسيرة أو الصواريخ في ضرب الأراضي الإسرائيلية، مما ألحق أضرارا بالمصداقية الدولية لطهران.

نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، قوله لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الثلاثاء، إن رد إيران سيكون “قاسيا” على أي تحرك يستهدف مصالحها.

ويقول ماكنزي: “إذا كان على إسرائيل فعل شيء ما، فكل ما تفعله يجب أن يكون مصمما لتعزيز تفوقها التكنولوجي على إيران”.

وحسب المجلة، قد تختار إسرائيل أيضا شن حملة عسكرية أكثر كثافة ضد حزب الله اللبناني، وهي الجماعة الأقرب والأهم بالنسبة لإيران في المنطقة.

ومع ذلك، فإن هذا يحمل مخاطر على إسرائيل، بالنظر إلى ترسانة الصواريخ التي يمتلكها وتفوق ترسانة حماس، والتي تتجاوز نحو 100 ألف صاروخ.

الحرة / ترجمات – دبي

———————–

“هجوم وشيك”.. هل تتجه إسرائيل لضرب إيران في الساعات المقبلة؟

15 أبريل 2024

أفاد تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، بأن مسؤولين غربيين يتوقعون أن ترد إسرائيل بشكل وشيك على الهجمات الإيرانية، اعتبارا من اليوم الاثنين، بينما تتجه الأنظار إلى اجتماع مجلس وزراء الحرب، الذي يرتقب أن يحسم في قرار الرد على طهران من عدمه.

وذكرت الصحيفة الأميركية، أن إسرائيل والولايات المتحدة، تتدارسان حاليا كيفية الرد على “الوضع الاستراتيجي الجديد” الناجم عن الهجوم الإيراني المباشر وغير المسبوق على الأراضي الإسرائيلية.

وتعليقا على تقرير وول ستريت جورنال، تحدث محللون إسرائيليون لموقع “الحرة” عن “غياب المؤشرات على أي رد قريب”، رغم أنهم لم يستبعدوا إمكانية ضرب إيران، وذلك “في الزمان والتوقيت المناسبين”.

المحلل الإسرائيلي، شلومو غانور، يرى أن مجلس وزراء الحرب سيصدر خلال الساعات المقبلة القرار والحل الأنسب فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، غير أنه يشير إلى أنه “مبدئيا إسرائيل سترد على مثل هذا الهجوم الذي يعد مسا بأمنها وسيادتها”.

ويخوض مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي نقاشا ساخنا بشأن كيفية وتوقيت الرد على الهجوم الإيراني، حسبما قال مسؤولان إسرائيليان مطلعان على المداولات لشبكة “سي إن إن”.

وقال المسؤولان إن حكومة الحرب لا تزال مصممة على الرد على الهجوم الإيراني، ولكن مع اجتماعها بعد ظهر الاثنين، يواصل أعضاؤها مناقشة توقيت ونطاق هذا الرد. وبالإضافة إلى الرد العسكري المحتمل، تدرس حكومة الحرب أيضا خيارات دبلوماسية لزيادة عزلة إيران على الساحة الدولية.

في سياق متصل، يقول غانور إن “طريقة الرد وأسلوبه ومكانه وتوقيته، سيتم اختيارها فيما بعد”، مشيرا إلى أن “غزة تأتي حاليا على رأس الأولويات الاستراتيجية من خلال السعي لطي ملف الرهائن، يليها الوضع على الجبهة الشمالية والحرب ضد حزب الله، وأخيرا يأتي المشروع النووي الإيراني”.

ويشدد غانور، على “ألا مؤشرات توحي بتوجه إسرائيل للرد على طهران في الوقت الراهن”، موردا أن قيادة الجبهة الداخلية “سمحت للمؤسسات التعليمية باستئناف الدراسة، كما أن الحياة عادت إلى صورتها الطبيعية، الاثنين”.

ضغوط الرد

ومنذ تصدي الدفاع الجوي الإسرائيلي وحلفائه للمسيرات والصواريخ الإيرانية، تعالت دعوات الرد بالداخل الإسرائيلي. وفي هذا السياق، أوردت صحيفة “واينت”، أن مسؤولين في الجيش يدعمون مهاجمة إيران ردا على هجومها على إسرائيل ، كاشفة أنه عرضوا موقفهم على القادة السياسيين في المشاورات الأخيرة.

وإلى جانب المسؤولين العسكريين، أفاد موقع “أكسيوس” بأن، الوزيرين، بيني غانتس وغادي أيزنكوت، وكلاهما رئيسا أركان سابقين للجيش الإسرائيلي، اقترحا شن هجوم مضاد على الفور. كما طالب الوزيران، بتسالئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، برد صارم على الهجوم.

وأوضح الموقع الأميركي، أن غانتس وأيزنكوت، زعما أنه كلما طال انتظار إسرائيل، كلما أصبح من الصعب الحصول على الشرعية الدولية لشن هجوم مضاد.

في هذا الجانب، يقول غانور، إن الاعتداء الإيراني “مثل مساسا بسيادة إسرائيل او لا يمكن أن تمر عليه دون رد، بغايات الحفاظ على سيادتها وتفوقها التكنولوجي والعسكري بالمنطقة والحفاظ على قوة الردع، حتى لا تفسح المجال لتعرض مكانتها لأي خطر”.

وأكد تقرير وول ستريت جورنال، أن توجيه إسرائيل ضربة عسكرية قوية لإيران على أراضيها قد يؤدي لرد انتقامي إيراني مدّمر. وفي المقابل، فإن عدم الرد نهائيا من قبل إسرائيل أو الرد بشكل ضعيف، يمكن أن يقوض قدرتها الردعية ويجعلها أكثر عرضة لهجمات إيرانية مستقبلية.

وصرح نداف بولاك، المحلل الإسرائيلي السابق في الحكومة والأستاذ الحالي في جامعة ريخمان، قائلا: “لقد بدأت إيران مرحلة جديدة، حيث لم تعد تعتمد على الوكلاء لمهاجمة إسرائيل، بل أصبحت الأخيرة الآن هدفا مباشرا لهجماتها”.

وأضاف بولاك لوول ستريت جورنال: “في المستقبل، لن يكون بمقدور إسرائيل الجلوس ساكنة دون اتخاذ أي إجراء حيال ذلك”.

وكان مسؤولون إسرائيليون، على رأسهم رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، قد قالوا إن “من يؤذينا سنؤذيه” وإنه في حال شنت إيران هجوما من أراضيها على إسرائيل، فإن الأخيرة “سترد في عمق إيران”.

وأطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصاروخ على إسرائيل، ردا على ضربة استهدفت قنصليتها في دمشق، واتهمت إسرائيل بالمسؤولية عنها.

وقال مسؤول إسرائيلي لـ”سي أن أن”، إنه من بين الخيارات العسكرية التي يتم النظر فيها خلال اجتماع مجلس الحرب، شن هجوم على منشأة إيرانية، وهو ما من شأنه أن “يبعث برسالة مغ تجنب التسبب في وقوع إصابات”.

ولكن المسؤولين الإسرائيليين يدركون، وفق الشبكة، أن ذلك سيكون أمرا صعبا، ومن هنا يأتي الجدل الدائر. ولا يزال توقيت القرار غير واضح.

المحلل الاستخباراتي والأمني، آفي ميلاميد، يؤكد من جانبه، “ألا مؤشرات علنية أو مكشوفة حتى الآن على الاستعداد لشن هجوم على إيران”، لافتا إلى التباين في المواقف بين القادة الإسرائيليين بشأن الرد من عدمه، وأيضا طبيعته وحجمه.

ويضيف ميلاميد في تصريح لموقع “الحرة”، أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن “نية إسرائيل التنسيق مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بهذا الموضوع”.

ويشير إلى أن “واشنطن تضغط على حكومة نتانياهو من أجل الامتناع عن أي خطوة، سواء من خلال الرد بنفس الحجم أو الامتناع بشكل كلي عن ضرب إيران”.

دعوات الخارج وحسابات الداخل

وتوالت الدعوات الغربية لإسرائيل بعدم الرد على الهجوم الإيراني، وقال ثلاثة مسؤولين أميركيين، إن إدارة بايدن تواصل حث إسرائيل، سرا وعلنا، على عدم التسرع في الرد على طهران، حسبما نقله موقع “أكسيوس”.

كما أعلنت واشنطن، الأحد، إنها لن تشارك في أي رد إسرائيلي محتمل على إيران. وحضّ الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على “التفكير مليا” في مخاطر أي تصعيد.

وطالبت ألمانيا، الاثنين، إسرائيل بإعمال الدبلوماسية الآن للاحتفاظ “بالانتصار الدفاعي” الذي حققته خلال الهجوم الإيراني، مشيرة إلى أن على جميع الأطراف العمل على منع تصاعد الصراع في المنطقة.

من جهته، أكد الرئيس الفرنسي، الاثنين، أن بلاده ستبذل كل ما بوسعها لتجنب المزيد من التصعيد في الصراع بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط، بينما قال وزير الخارجية البريطاني، إن بلاده حثت إسرائيل على عدم الرد بعد الهجوم الإيراني.

في هذا السياق، يؤكد المحلل الإسرائيلي، أن الضغوط الغربية على إسرائيل، تأتي خشية توسيع دائرة القتال وامتدادها إلى حرب إقليمية، مما سيجعلها تنظر بإمعان وتمهل قبل أخذ أي خطوة عسكرية تصعيدية.

ويضيف، أن اتخاذ أي خطوة دون مساندة أميركية واضحة، معناه فقدان التنسيق مع هذا الحليف المهم، وأيضا التأييد والمساندة من باقي الدول الغربية، مع تصعيد خطر زج الشرق الأوسط نحو حرب إقليمية وتوسيع دائرة القتال نحو جبهات جديدة.

من جانبه، يعتبر، مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي، أن إسرائيل “غير معنية بالتصعيد”، بل سوف تسعى قطعا إلى استثمار العدوان الإيراني عليها خير استثمار على الصعيدين الدولي والاقليمي.

ولكن في الوقت ذاته، لا يمكن أن تسمح بأن يمر هذا “الاعتداء الاستعراضي مرور الكرام”، وفقا للمتحدث ذاته، خاصة، بعد أن “كسرت إيران حاجزا جديدا بتوجيهها ضربات مباشرة هذه المرة”، لذلك فسوف تقوم بـ”عمل موجع ومحدود في العمق الإيراني. قد يحدث  بعد فترة من الزمن وقد لا تعلق عليه الحكومة”، على حد تعبيره

وذهب تحليل لمجلة “فورين بوليس”، إلى أن فشل الهجوم الإيراني يقلّل من احتمالية توجيه إسرائيل لرد، خاصة أن لإسرائيل وجيشها ما يكفي بالفعل من المشاكل، في ظل استمرار الحرب مع حماس، والتراجع الحاد لسمعة البلد دوليا.

ويلفت كاتبا التحليل، إلى تراجع دعم إسرائيل في الولايات المتحدة، ومعه تقاربها مع دول الخليج العربي، لافتا أيضا إلى أن الإسرائيليين العاديين يريدون العودة إلى حياة أكثر طبيعية، خاصة بعد تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة كبيرة من كل من الحرب والتعبئة الضخمة لجنود الاحتياط.

لكن بالرغم من كل هذه العوامل التي تجعل من الرد الإسرائيلي “أكثر تعقيدا وصعوبة”، لا يستبعد التحليل  إمكانية توجه إسرائيل لضرب إيران، “إن لم  يكن حاليا فمستقبلا”.

ويقول التقرير، إن إسرائيل قد تذهب أيضا للاكتفاء بالعودة لاستراتيجيتها المعتادة المتمثلة في استهداف العناصر والممتلكات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان، وربما توسيع نطاق ذلك مستقبلا ليشمل العراق واليمن بشكل متزايد.

الحرة / خاص – دبي

—————————-

رد متفاوض عليه وليست حربا مفتوحة/ طوني فرنسيس

15 أبريل ,2024

بعد مرور أسبوعين على غارة تدمير “القنصلية الإيرانية” لدى دمشق وعلى سيل من تهديدات طهران ردت إيران على الهجوم الإسرائيلي من أراضيها وأراضٍ تهيمن عليها أذرعتها في العراق واليمن، فأطلقت على مدى 5 ساعات نحو 185 مسيرة متفجرة و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض – أرض نحو إسرائيل التي قالت إنها أسقطت قسماً كبيراً منها في أجواء العراق وسوريا بمشاركة القوات الأميركية. فيما أصاب قسم آخر مواقع في إسرائيل أبرزها مطار عسكري في النقب، قالت إيران إنه مخصص لطائرات F35.

لقد كانت هذه المرة الأولى في تاريخ إيران التي تهاجم فيها إسرائيل، وهي التي تقول منذ عام 1979 بتحرير القدس وتدمير “الكيان الصهيوني”، وتتعرض لهجمات إسرائيلية استخباراتية ومباشرة في داخل إيران نفسها. وفي سوريا، حيث تنشر ضباطها وميليشياتها، وحيث تتعرض تلك الميليشيات التي أسهمت في قيامها وتمويلها إلى حملات إسرائيلية منتظمة بلغت أقصاها في حرب غزة الكارثية.

هذه المرة لم تكن القيادة الإيرانية قادرة على مواصلة دفن رأسها في الرمال بحجة “الصبر الاستراتيجي” مع أن آراء كثيرة ظهرت في إيران دعت إلى تجنب الرد خوفاً من تداعيات أكثر خطورة على وضع داخلي هش يعاني فيه الاقتصاد صعوبات جمة، وتتدهور الحالة المعيشية وتنهار العملة الوطنية، إذ بات الدولار الأميركي يساوي 67 ألف تومان .

كان لا بد للقيادة الإيرانية من رد تستعرض فيه قواها، ليس لاستعادة قدرة الردع تجاه إسرائيل فحسب، بل لاستعادة الهيبة في الداخل الإيراني، وكذلك لتطمين الأذرع والوكلاء أنها ما زالت قوية بعد أن اهتزت ثقة مريدي نظام الملالي بسياسته وبحساباته منذ اندلاع حرب غزة وتبيان واقع “محور المقاومة” المتفكك، هو الذي أرادته طهران قوتها المسلحة في وجه الأنظمة والمجتمعات العربية تحت عنوان مواجهة إسرائيل.

لم يعد احتمال التراجع وارداً بعد أن ظهر المرشد علي خامنئي متكئاً على قناصة “دراغانوف” الروسية في خطبة عيد الفطر ليكرر “وعده الصادق” بالرد على استهداف إسرائيل الأرض الإيرانية في القنصلية. قالت صحيفة “خراسان” الأصولية، إن ظهوره هذا مع القناصة “جعل الرد حتمياً” وكان إعلاناً بأن “وقت الدبلوماسية انتهى”.

لقد بات عدم الرد اعترافاً بالفشل. قد يراه البعض تواطؤاً مع إسرائيل على الإزعاج في تمزيق المشرق العربي. على أن الرد في حد ذاته لن يلغي هذا الاحتمال الذي بات ركناً في السياسة الخارجية الإيرانية. والرد الصاروخي والمسير لن يلغي واقع 40 سنة من الممارسة الإيرانية تجاه دول المشرق سادها اعتقاد أن إسرائيل ليست الهدف الفعلي لإيران، وأن الهدف هو وضع اليد على هذا المشرق ونواحٍ عربية أخرى، بالاستفادة من شماعة القضية الفلسطينية.

لكن المجزرة الفلسطينية لم تستدع استنفاراً للصواريخ الإيرانية. فقط بعد هدم القنصلية في الأول من الشهر الجاري هدد الإيرانيون بالانتقام لكنهم قبل التنفيذ أودعوا رسائلهم إلى الولايات المتحدة في مسقط واتخذوا من دمشق، وليس بيروت هذه المرة، منبراً لتأكيد العزم على الرد، فيما كانت العاصمة السورية تنأى بنفسها عن موجبات المحور الإيراني في تهييج الجبهات، ويتولى راعيها الروسي بناء مزيد من مواقع المراقبة على تلال الجولان لضمان استمرار الهدوء على جبهة يحاول وكلاء إيران إشعالها.

لم يعد الرد الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي فعالاً عندما صار قيد التداول الإعلامي والتفاوض. كثرة الجدل والتوقعات حوله أفقدته تماماً عنصر المفاجأة، وتحول إلى نقطة تفاوض مكشوف بين إيران والغرب وإسرائيل ضمناً حول الحجم والتوقيت والأهداف.

* نقلا عن “اندبندنت” عربية

———————–

انتهت المسرحية والآن عودة الى اللعبة!/ علي حمادة

15 أبريل ,2024

بعيداً عن صيحات النصر في كل من طهران وتل ابيب، وكما كان متوقعاً سارعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى مد يد المساعدة للنظام الإيراني لإنزاله عن شجرة التصعيد التي علق فوقها، وذلك من خلال ترتيبات الرد “المدروس” على مجزرة القنصلية الإيرانية في دمشق والتي تم الاتفاق حولها مسبقاً.

والحال أن الرد الإيراني أتى مضبوطاً ضمن اطار التفاهمات الاستخبارية المعهودة بين إيران وأميركا، تماماً مثل التفاهمات التي تمت بعد اغتيال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب القائد السابق لـ “فيلق القدس” قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني (يناير ) 2020 . يومها أتى الرد بعد خمسة أيام مضبوطاً و”مدروساً” وفق ما كشف عنه الرئيس ترامب نفسه. هذه المرة بدأت تفاصيل السيناريو تتكشف مبكرة جداً. فمن المعلومات التي بدأ الاميركيون يسربونها، الى مضمون تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان، يمكن الجزم بأن الرد الإيراني جرت مسرحته بين طهران وواشنطن ليأتي كنوع من رد الاعتبار لإيران بعد الضربات المؤلمة التي تلقتها علناً في سوريا وسراً داخل حدودها، بما لا يؤدي الى انفلات الأمور وانفجار حرب إقليمية واسعة.

باختصار، هذه خلفية الهجوم الإيراني على إسرائيل. والهجوم لن يغير من طبيعة الحرب الإسرائيلية على غزة. فالحرب التي تغير شكلها من حرب شاملة الى حرب توغلات ومطاردات لحركة “حماس” والفصائل الفلسطينية المقاتلة الى جانبها مستمرة ولم يطرأ عليها أي تغيير. كما ان الخطط المعدلة لاجتياح رفح لا تزال على الطاولة. والحرب طويلة. اما بالنسبة الى حرب الاستنزاف مع “حزب الله” في لبنان فلم ولن يطرأ عليها أي تغيير في العمق. لا بل ثمة تقديرات لمصادر دبلوماسية غربية في بيروت تشير الى أن إسرائيل سوف تصعّد وتيرة المواجهة لرفع الثمن الذي يدفعه “حزب الله” نيابة عن ايران. وتعتبر المصادر الدبلوماسية المذكورة أن تل ابيب سوف تدخل تعديلاً موقتاً على الحرب التي تخوضها فوق الأراضي السورية ضد “الحرس الثوري” الإيراني، بحيث تكثف من استهداف قيادات الفصائل الإيرانية على الأراضي السورية وفي مقدمتها “حزب الله”، بما في ذلك تكثيف الضربات على البنى التحتية باعتبار ان الهدف هو محاصرة التمدد الايراني على الأرض. أما العودة الى استهداف مقار دبلوماسية فسيتوقف لمدة في مقابل مواصلة إسرائيل الضرب على اهداف عسكرية إيرانية غير سيادية كالقنصلية والسفارة. ودائما بحسب المصادر المشار اليها آنفا تعتبر تل ابيب انها لا تملك ترف التراجع عن استهداف التمدد الإيراني العسكري والأمني في سوريا ولبنان.

من هنا ستبقى جبهة لبنان مشتعلة. ويرجح ان ترتفع سخونة المواجهات مع “حزب الله”. اما بالنسبة الى الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني، فمن المرجح ان تضطر الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو للتراجع عنه تحت الضغط الشديد من الإدارة الأميركية التي يخوض رئيسها معركة انتخابية قاسية جدا. ولكنها ستستعيض عن الرد بتفعيل “حرب الظلال” ضد ايران، لاسيما في الداخل الذي يعتبر نقطة الضعف الكبيرة لأمن النظام.

يمكن الاستنتاج انه مع الرد الإيراني طويت صفحة مجزرة القنصلية الإيرانية. لكن صفحة المواجهة بأشكال أخرى مفتوحة من قطاع غزة، الى لبنان وسوريا وصولا الى الداخل الإيراني نفسه. ولا ننسى ان القضية الأخطر ستبقى مطروحة على الطاولة: القنبلة النووية الإيرانية العتيدة!

* نقلا عن “النهار”

———————

ردّ إيران: نجاح للردع وهزالة للنتائج الميدانية وتثبيت التفوق الإسرائيلي وآفاق التصعيد/ رياض قهوجي

15 أبريل ,2024

وردت إيران بعد طول انتظار ووجهت أول ضربة مباشرة من أراضيها ضد إسرائيل منذ ولادة الدولة العبرية. فحتى تاريخ 13 نيسان (أبريل)، كانت طهران تحارب إسرائيل وتستهدفها عبر وكلائها في المنطقة. ورغم ضربات إسرائيل المتكررة لقيادات الحرس الثوري الإيراني وقواعده في سوريا على مدى السنوات الماضية، كانت إيران تلجأ دائماً إلى الرد بواسطة ميليشياتها في محور الممانعة.

وبعدما اعتبرت القيادة الإيرانية أن استهداف قنصليتها هو اعتداء مباشر على سيادتها، وجدت نفسها محشورة ومضطرة للرد مباشرة من أجل الحفاظ على هيبة ردعها وإظهار نفسها أمام دول الجوار عامة وأعضاء محور الممانعة خاصة كقوة إقليمية لها قدرات عسكرية كبيرة. ويمكن القول إن طهران تمكنت من تحقيق هذين الهدفين. لكنها في الوقت عينه كشفت عن أماكن ضعف وقوة في قدراتها ستؤثر حتماً على التعاطي الإسرائيلي والإقليمي والدولي معها في المرحلة المقبلة.

أهم ما كشفه الهجوم الإيراني مدى القلق الدولي والإقليمي من تداعيات حرب إقليمية. فالحرب النفسية التي كانت تمارسها إيران على تل أبيب لم تؤثر على إسرائيل فحسب، بل أثرت على غالبية القوى الدولية التي سعت لمنع الهجوم أو الحد من زخمه والتحضير لاستيعاب تبعاته منعاً لتطوره. فالوضع الاقتصادي العالمي لا يتحمل حرباً كبيرة في الشرق الأوسط، بخاصة في المنطقة الغنية بالنفط والغاز نظراً إلى آثارها على الأسواق العالمية.

وأظهرت المواجهات العسكرية الأخيرة أن إسرائيل، بفضل الدعم الأميركي – الغربي غير المحدود، لا تزال الدولة الأقوى عسكرياً في المنطقة. فلقد تمكنت شبكة دفاعها الجوية والتي تعتبر الأكثر تطوراً عالمياً من صد المسيرات والصواريخ الجوالة التي أطلقتها إيران والتي بلغ عددها مجتمعة نحو مئتين. بل إن جزءاً كبيراً منها أسقطته المقاتلات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية فوق الأراضي السورية والعراقية، بينما تكفلت منظومات إسرائيل للدفاع الجوي مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود من تولي أمر ما وصل منها إلى أجواء إسرائيل. أما الصواريخ البالستية التي أطلقتها إيران والتي قدر عددها بحوالى 110 صواريخ فقد تمكنت منظومات أرو-3 الإسرائيلية بمساندة منظومات الباتريوت الأميركية من تدمير 103 منها بالجو، فيما سقط فقط سبعة صواريخ في داخل قاعدة جوية إسرائيلية ومحيطها في صحراء النقب مخلفة أضراراً مادية خفيفة ولم تؤد إلى إغلاق القاعدة. لم يسقط أي إصابات ولا خسائر في البنية التحتية والعتاد الإسرائيلي رغم ضخامة الرد الإيراني، والذي ترافق مع قصف صاروخي من جانب “حزب الله” في لبنان.

لا بد من أن القيادات العسكرية والسياسية الإيرانية أدركت بوضوح محدودية قدراتها أمام التقدم التكنولوجي العسكري الأميركي-الإسرائيلي. فأفضل مسيراتها وأشهرها وهي شاهد-136، لم تصب أي هدف، كما حال صواريخها الجوالة. كما أن صواريخها البالستية البعيدة المدى مثل شهاب-3 وخيبر وغيرها تم اعتراض أكثر من 90 في المئة منها. فعدد كبير من القيادات الإيرانية لم يشهد نتائج جهد عسكري أميركي-إسرائيلي مشترك ميدانياً، وهذه فرصة لها لإعادة حساباتها. يبقى أن نرى في وقت ما فعالية ما تتغنى به إيران من امتلاكها منظومة دفاع جوي مكونة بمعظمها من صواريخ مصنعة محلياً وهي نتاج هندسة عكسية لصواريخ صينية أو روسية مثل اس-300. فإذا ما قررت إسرائيل الرد فهي تستطيع أن تقصف إيران بصواريخ بالستية متقدمة طراز أريحا-3 وصواريخ جوالة طراز بوباي يمكن إطلاقها من طائرات حربية أو غواصات الدولفن-2 الألمانية الصنع والتي تملك إسرائيل خمساً منها ويصل مداها حتى 1500 كلم. كما أن إسرائيل تملك أسراباً من مقاتلات الجيل الخامس الشبحية طراز اف-35 ومقاتلات إف-15 وإف-16 مخصصة للعمليات البعيدة والتي يمكنها ضرب العمق الإيراني إذا ما تأمن لها التزود بالوقود جواً.

السؤال الذي سيناقش في إسرائيل في الأيام المقبلة هو: هل يجب أن ترد إسرائيل رغم الضغط الأميركي بتجنب الرد على إيران منعاً للتصعيد؟ فهناك انقسام في الآراء حيث يدعو البعض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عدم التحرك ضد تمنيات الشريك الأميركي حفاظاً على دعمه المهم لأمن إسرائيل واستمرار تفوقها العسكري في الشرق الأوسط. ويعتبر هذا المعسكر أن الرد الإيراني كان هزيلاً وفشل في تدمير أي أهداف عسكرية في إسرائيل، وبالتالي لا يستأهل الرد. أما المعسكر الآخر والذي يقوده اليمين المتشدد وبعض الجنرالات، فيعتبر أن عدم الرد سيضر بهيبة الردع الإسرائيلي ويشجع إيران وحلفاءها على التمادي في استهداف إسرائيل. كما يعتقد هذا الطرف أن عدم الرد سيخلق قواعد اشتباك جديدة تعتبر فيها إيران أي استهداف لقيادات الحرس الثوري في سوريا ولبنان مبرراً لقصف الأراضي الإسرائيلية مباشرة.

قد تقرر القيادة الإسرائيلية ممارسة اللعبة الإيرانية، أي أن تحتفظ بحق الرد وتتوعد به لممارسة حرب نفسية ضد إيران لفترة من الزمن قبل أن تقرر شكل الرد وآليته أو للحصول على تنازلات من محور الممانعة ولاعبين إقليميين ودوليين. وقد تجد في ما حصل فرصة لتصعد من حجم عملياتها ضد “حزب الله” والتركيز أكثر على الجبهة مع لبنان. فقد شهدت هذه الجبهة سخونة إضافية في الأيام الأخيرة مع تراجع حجم العمليات على جبهة قطاع غزة، ما يؤشر لاستعداد حكومة الحرب الإسرائيلية لإمكان التفرغ لحسم الوضع على الجبهة الشمالية. وقد تساهم نتائج الهجوم الإيراني الهزيلة عسكرياً من ناحية النتائج الميدانية في إقناع طهران بالبقاء بعيداً وعدم التدخل المباشر لنجدة “حزب الله” إذا ما شنت إسرائيل عملية عسكرية كبيرة لإضعافه في لبنان وسوريا.

وشكلت التهديدات التي وجهتها إيران للأردن بعدم تدخله في هجومها على إسرائيل فرصة للمراقبين لمعرفة التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة، والتي تجعلها عرضة للانزلاق إلى حرب إقليمية ما لم تنته حرب غزة. فالأردن، بعكس العراق، مارس حقه السيادي ضمن القانون الدولي في الدفاع عن أجوائه وتصدى للمسيرات الإيرانية التي حلقت في أجوائه. فلقد اعتادت إيران على انتهاك أجواء الدول التي تضم ميليشيات محور الممانعة من دون أن تقول حكومات هذه الدول أي شيء. وهددت إيران بمعاقبة أي من دول الجوار تسمح لإسرائيل وأميركا باستخدام أجوائها لضرب أراضيها. تجدر الإشارة إلى أن المقاتلات والقاذفات الأميركية تستطيع توجيه ضربات لإيران انطلاقاً من قواعد خارج الشرق الأوسط. أما إسرائيل فقدرات مقاتلاتها محدودة في العمليات الطويلة المدى من دون دعم لوجستي غربي. لذلك، فإن كل محاولة من قبل إيران أو إسرائيل لاستهداف الآخر ستواجه مشكلة تحليق مسيراته وطائراته وصواريخه الجوالة في أجواء دول الجوار، الأمر الذي سيؤدي لتوسع دائرة الحرب إقليمياً.

أهم ما حققه نتنياهو في مواجهته الأخيرة مع إيران هو صرف انتباه المجتمع الدولي عن حرب غزة والمأساة الإنسانية المتفاقمة هناك ومن تنكيل في الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً. وبات واضحاً أن نتنياهو المتسلح بتأييد غالبية الإسرائيليين للاستمرار في الحرب ضد “حماس”، يؤخر الحسم في غزة لمصلحة توسيع الحرب على جبهات أخرى من أجل شراء الوقت والبقاء فترة أطول في السلطة. كما تسعى طهران لتحقيق مكاسب إقليمية أخرى عبر سياسة توحيد الساحات، التي يبدو أنها قد تضم ساحاتها قريباً، لتكون المرة الأولى منذ تأسيس ما يعرف بمحور الممانعة.

*نقلاً عن “النهار”

————————–

إيران وإسرائيل… حدود الانتصار والهزيمة/ إيلي القصيفي

استخدام طهران أوراقها أصبح أكثر صعوبة ودونه مخاطر عليها

أ ف ب

16 أبريل 2024

إذا أُخذ الهجوم الإيراني على إسرائيل بنحو 300 طائرة مسيرة وصاروخ ليل السبت– الأحد بذاته، معزولا عن إطاره الاستراتيجي في لحظة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإن القول بانتصار إسرائيل وهزيمة إيران لا تعوزه الدلائل والحجج. لكن إذا ما وضع الهجوم الإيراني ذاك في نطاقه الاستراتيجي الأوسع، فإن حسابات الانتصار والهزيمة تلك تتبدل، ويصبح السؤال: هل حققت إسرائيل انتصارا مطلقا على إيران؟ وهل هزمت إيران هزيمة كاملة؟

الأكيد أن نجاح إسرائيل ليل السبت- الأحد في إحباط الهجوم الإيراني بمؤازرة “ائتلاف دولي– إقليمي” منحها “صورة نصر” لم تتمكن حتى الآن من تحقيقها بقطاع غزة في حربها ضد حركة “حماس”. لكنّ الإسرائيليين أنفسهم يتجاذبهم سؤال عما إذا كان عليهم قياس نجاحهم أو انتصارهم بالنظر إلى نتائج الهجوم الإيراني الميدانية أو نواياه لناحية تصميم طهران على إلحاق الضرر بإسرائيل على الأمد البعيد.

في الواقع، إن “الغزوة الإيرانية” لم تخرج في إطارها العام عن المتوقع، خصوصا أن “وابل” التسريبات والاتصالات التي سبقتها أماتت عنصر المفاجأة فيها أو قلصته إلى حدود دنيا، لأن إسرائيل، ورغم علمها بـ”محدودية” الهجوم الإيراني لم تكن متيقنة تماما من أنها ستحبطه بنسبة “99 في المئة” كما أعلنت بعده. أي إن احتمال أن تقع أضرار في إسرائيل جراء الصواريخ الإيرانية كان احتمالا واردا، وبالتالي فإن الهجوم الصاروخي الإيراني اختبر المنظومة الدفاعية الإسرائيلية ولم يكن نجاحها على النحو الذي حصل أمرا مفروغا منه.

لذلك فإن الهجوم الإيراني إياه وإن يكن يحمل في طياته تعقيدات وحسابات مركبة، خصوصا إذا ما وضع في نطاقه الاستراتيجي الكلي، فإنه يمكن القول بالنظر إلى ممهداته ونتائجه إنه كان حدثا “جانبيا” قياسا إلى الحدث الأساسي في المنطقة راهنا، وهو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومراوحاتها الميدانية وضبابية مخارجها و”اليوم التالي” لها. مع العلم أنه لا يمكن التقليل أبدا من وقع هذا الهجوم على إسرائيل لناحية تعرضها للمرة الأولى منذ 1973 لهجوم من دولة إقليمية، بالتالي فإن مجرد شن إيران هجومها ضد إسرائيل هو بحد ذاته حدث “استثنائي” بغض النظر عن نتائجه.

حدث مفتوح

ولذلك فإن دوائر القرار في تل أبيب لا يمكنها اعتبار الهجوم “منتهيا” كما قالت بعثة طهران لدى الأمم المتحدة في نيويورك عقب انتهائه، بل هو حدث مفتوح إلى حين تأكد إسرائيل، ومعها حلفاؤها الغربيون، من عدم تكراره. ولذلك فإن هذا الهجوم فتح على ديناميات جديدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني، وهو صراع لم يعد- بعد ليل 13-14 أبريل/نيسان- يعني إسرائيل وحدها بل يعني حلفاءها الدوليين ودول المنطقة أيضا.

لا بد هنا من العودة إلى استراتيجية إيران في التعامل مع الأحداث الراهنة في المنطقة والتي يتيح تشريحها فهما أعمق وأدق لهجومها على إسرائيل ليل السبت– الأحد ردا على قصف الأخيرة قنصليتها في دمشق، ما أدى إلى مقتل 7 ضباط في “الحرس الثوري”، أبرزهم على الإطلاق محمد رضا زاهدي أهم قيادات “الحرس” في المنطقة.

إذاك يجب القول ابتداء إن إيران لم تكن تتمنى أبدا أن تضطر إلى شن هجوم على إسرائيل بل كانت تفضل أن تتابع تفاصيل “المأزق” الإسرائيلي في غزة وأن تدفع باتجاه تعميقه ما وسعها ذلك. مع أن قدرتها على التأثير في واقع المعارك على أرض القطاع معدومة، كما أن حجم تأثير وكلائها على مجريات هذه المعارك أصبحت معروفة وهي تكاد تكون معدومة أيضا، ليس بالنظر إلى موازين القوى العسكرية بين الأطراف المتحاربة وحسب بل بالنظر أيضا إلى أن إيران ووكلاءها الإقليميين يخوضون القتال بسقف محدد لا يصل إلى حد مؤازرة “حماس” بالمطلق.

أي إنهم غير مستعدين لخوض حرب فعلية ضد إسرائيل لإرباكها على أرض القطاع وتشتيت مجهودها الحربي تشتيتا حقيقيا. وهذا عائد أساسا إلى حسابات معقدة تقيمها إيران التي لا تريد أن تنجر إلى الحرب، ولا تريد أن يتضرر وكلاؤها، وبالأخص “حزب الله”، ضررا فادحا وقويا، خصوصا بعدما بدا منذ بداية الحرب من أن الولايات المتحدة موجودة في المنطقة لردع طهران وحلفائها من الميليشيات الإقليمية عن مجرد التفكير في توسيع الصراع قبل المبادرة إليه أصلا.

والحال، فإن ما تقدم يستحضر بقوة مفهوم “الصبر الاستراتيجي” الإيراني والذي أدخلت “الغزوة الإيرانية” ليل السبت– الأحد تعديلات اضطرارية عليه، ولكنها لم تشكل خروجا عليه أو إسقاطا واستبعادا له، فهو لا يزال جوهر الاستراتيجية الإيرانية للتعامل مع التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها طهران في خضم الحرب الحالية. إذ إن إيران تراهن بالدرجة الأولى على فشل إسرائيل في الوصول إلى “انتصار مطلق” ضد “حماس” في غزة، وذلك على الرغم من الضرر الكبير الذي طال البنية العسكرية للحركة الفلسطينية وللأعداد الهائلة من المدنيين الفلسطينيين الذي قتلوا جراء الحرب والدمار الماحق الذي لحق بالقطاع.

رهانات طهران

لكن إيران لا تقيم حساباتها وفقا لذلك، فما يعنيها أولا وأخيرا أن تستطيع القول إن إسرائيل لم تحقق “انتصارا مطلقا” كما وعد بنيامين نتنياهو، أي إن الجيش الإسرائيلي لم يستطع القضاء على “حماس” وفق الشعار الشهير الذي أطلق في تل أبيب عقب “هجوم 7 أكتوبر”. فبقاء “حماس” ولو ضعيفة على طاولة المفاوضات وبصورة من الصور في ترتيبات “اليوم التالي” يضمن لإيران عدم خسارتها الورقة الفلسطينية المهمة جدا بالنسبة إليها كأداة خطابية وعملانية أساسية لتحقيق استراتيجيتها التوسعية في المنطقة. لكن ذلك لم يعد مضمونا بالنسبة لإيران أقله بالشكل الذي كان ساريا قبل “7 أكتوبر”. فالسؤال لم يعد حول ما إذا كانت “حماس” ستبقى أم لا، بل كيف ستبقى وبأي قوة، وهل سيكون بوسعها أن تعيد بناء قدراتها مرة جديدة؟

وهنا يحضر التصميم الإسرائيلي على الاستمرار في الحرب، إن لم يكن للقضاء كليا على “حماس”، وفق الهدف المعلن في بدايتها، فلإضعافها إلى أبعد مدى ممكن ولتحييد أي إمكانية لها لإعادة بناء نفسها. وهذا لا يعني أن الحرب يمكن أن تستمر أو تستأنف بوتيرتها الأولى، أي بالقصف الكثيف والمركز والهجوم البري الواسع، لكنها ستتواصل، بحسب ما يظهر من التصريحات الإسرائيلية، على شكل عمليات “جراحية” وهجمات موضعية ضد أهداف لـ”حماس”، سواء حصل الهجوم على رفح أم لا. أي إن تل أبيب ستخوض حربا عسكرية- أمنية “طويلة” مع “حماس” بغض النظر عن فرص التوصل إلى هدن طويلة ومجددة أو حتى إلى وقف لإطلاق النار بالمعنى التقليدي للكلمة، لكن غالب الظن أن إسرائيل ستتمسك بحرية التحرك الأمني في القطاع إلى أن يتم التوصل إلى “حل نهائي” للحرب وفق المنظور الإسرائيلي، إن لم يكن للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

لذلك فإن إيران تضغط للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار لكي تحمي “حماس” ما أمكنها ذلك. لكن أدواتها في ذلك ضئيلة، خصوصا أنها ووكلاءها مردوعون عن الضغط العسكري المفتوح على إسرائيل، وبالتالي ليس بين يديها سوى الرهان على تناقضات الحرب نفسها، وبالتحديد على تناقضات الساحة الإسرائيلية، والتناقضات الأميركية الإسرائيلية في إدارة الحرب و”اليوم التالي”، وأيضا على ضغط الشارع الغربي لإنهاء الحرب. لكن هذا أيضا غير مضمون النتائج لإيران، بالنظر إلى أن تراجع وتيرة القصف في غزة “حيّد” نوعا ما الشارع الغربي، كما أن الهجوم الإيراني على إسرائيل قد يؤثر في توجهاته. وبالحد الأدنى فقد أكد أنه لا يمكن الرهان على أن يتحول التناقض الأميركي الإسرائيلي الذي بدا أخيرا بشأن إدارة الحرب وبالأخص لجهة الهجوم على رفح، إلى تناقض حاسم في مجريات الحرب، أي في دفع إسرائيل إلى التخلي عن خطتها لتطويق “حماس” وتحييدها عسكريا وسياسيا.

أين يتركز الصراع؟

 عند هذه النقطة تحديدا يتركز الصراع الإسرائيلي الإيراني الآن، أي عند مستقبل الحرب في غزة ومجريات “اليوم التالي”، وهذه كلها لا تعني إيران لأسباب فلسطينية حصرا، بل لأسباب متصلة بكامل مشروعها الإقليمي، لأن هزيمة “حماس” في غزة تعني بداية تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة وبالتالي إضعاف وكلاء إيران الإقليميين داخل بلدانهم، وهذا ما سيضطرهم إلى التشدد أكثر واستخدام المزيد من أدوات ضعط وهو ما قد يرتد عليهم في نهاية المطاف.

وهنا تكمن حساسية المحدودية التي بدا عليها الهجوم الإيراني ليل السبت– الأحد على إسرائيل. فإيران التي كانت تتوعد بإزالة إسرائيل وتبالغ تبعا لذلك بتقدير أو تصوير قدراتها العسكرية بدت في تفاوت نوعي كبير إزاء المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، أي إن صورتها كدولة تمتلك برنامجا صاروخيا وكـ”دولة عتبة” نوويا اهتزت اهتزازا كبيرا، وإن كان يمكنها القول إن محدودية الضربة مقصودة وإن في حوزتها صواريخ “أذكى” وأكثر تطورا وفتكا لم تستخدمها فيها، لكن الصورة أيضا مهمة، وما علق في أذهان شعوب المنطقة والعالم أن إيران لا تقوى على إيذاء إسرائيل بقوة أو أنها مكبلة ومردوعة عن فعل ذلك. وهذا في النهاية ليس أمرا تفصيليا بالنسبة لدولة مثل إيران تقيم جزءا رئيسا من اتسراتيجيتها على الصورة والدعاية السياسية، داخليا وخارجيا.

بيد أنه في اللحظة الراهنة وفي ما يتصل بالهجوم تحديدا، فإن إسرائيل تستطيع القول إنها استعادت جزءا رئيسا من صورة ردعها التي تهشمت في هجوم السابع من أكتوبر، كما تأكدت من صلابة التزام أميركا والغرب بأمنها ومن تقدم الخطة الأميركية لإدماجها في المنطقة، وقد شكل التصدي “الجماعي” لهذا الهجوم اختبارا لإمكانات هذا الاندماج وفوائده بالنسبة لإسرائيل.

إيران وحيدة

وفي المقابل فإن إيران بدت وحيدة لا حلفاء دوليين لها مستعدون للدفاع عنها عسكريا. غير أن إيران تأكدت من عدم استعداد أميركا لكسر قواعد الاشتباك معها تحت عنوان عدم تحول الصراع في غزة إلى حرب إقليمية، لكن مع ذلك فإن هذا العنوان غير كاف لإيران لتطمئن أنه يمكنها إبرام صفقات رابحة ومن موقع قوة مع واشنطن، فكلما خسرت إيران ورقة من أوراقها وكلما انكشفت حدود قوتها تصبح واشنطن أكثر استعداد للتشدد إزاءها، أي إنها لا تستطيع تعويض ضعفها بالرهان على حاجة الولايات المتحدة للتهدئة في المنطقة وبالتالي للاتفاق معها.

ثمة شيء يتغيّر على هذا الصعيد، وليس من السهل الظن أنه يمكن العودة في غزة والمنطقة إلى ما قبل “السابع من أكتوبر”، فصحيح أن لإيران أوراق قوة كثيرة في المنطقة، لكن الصحيح أيضا أن تحريكها أصبح أكثر صعوبة من ذي قبل ودونه مخاطر عليها تحديدا.

المجلة

—————————

الأردن و”تأطير النوايا” الإيرانية: لسنا مسرحا لأي تجاذبات/ مالك العثامنة

16 أبريل 2024

المسيرات كانت تحمل رسائل سياسية أكثر مما حملت من ملح البارود. هكذا يمكن قراءة “ليلة المسيرات” التي انطلقت من الأراضي الإيرانية وانتهكت الأجواء العراقية والأردنية وصولا إلى أهدافها “الغامضة” في إسرائيل، على صيغة “صفعة”، كما وصفها “المرشد” علي خامنئي.

“الصفعة” التي وجدت مجالها في مساحات نكات كثيرة عن حجم الأذى الذي ألحقته طائرات إيران المسيرة عن بعد بإسرائيل.

لكن العملية لم تكن بهذه السطحية التي يتصورها كثيرون، فإيران وظفت الحرب بصيغة سياسية، وما أظهرته في العلن على شكل ضربة عسكرية، كانت خلف كواليسه رسائل سياسية مرسلة بعناية ليتم التقاطها بعناية أكثر من قبل حزمة متلقين كان أولهم واشنطن، وتجلى ذلك بوضوح لا التباسات فيه حين حددت طهران مواعيد الهجوم بدقة وسربتها “دون تحفظات” مع تأكيدات موازية بأن الضربة “حق انتقامي” مشروع ويحفظ “ماء الوجه” بعد أن قصفت إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت عددا من قيادات “الحرس الثوري”.

قياسات محسوبة

تسريبات مواعيد الهجوم لا يمكن وصفها برسالة حسن نوايا قدر ما يمكن وصفها بتأطير النوايا وتحديدها مما جعل الدفاعات الجوية الإسرائيلية قادرة على التصدي “السهل” من دون خسائر فادحة قد تجلب ردا أكثر فداحة وتدميرا من الولايات المتحدة وإسرائيل.

حسب الوارد من الأرقام، فإن إيران أطلقت 185 طائرة مسيرة و133 صاروخا، تم إسقاطها في المجمل، ولم تكن الخسائر المادية في إسرائيل تتجاوز إصابة شخص بجروح طفيفة، إضافة إلى أضرار محدودة بمنشأة عسكرية.

عملية “تأطير النوايا” لتحسين شروط التفاوض غيرت أيضا في كل معادلات “اليوم التالي” التي أشغلت القوى الدولية والإقليمية في وضع السيناريو المثالي لها، فـ”تأطير النوايا” الإيرانية كشف عن دلالاته بأن إيران لا تربط عمليتها العسكرية “الغريبة نوعيا” بغزة مباشرة، بل وحسب تصريح أكثر غرابة من رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري الذي وصف الهجمات بأنها “تحذيرية”.

مما يضع مفهوم “التحذير” في حالة ارتباك، نظرا لأن “التحذير” يسبق الفعل بالتراتب المنطقي، لكن “التحذير” الإيراني من أي هجمات إسرائيلية على إيران جاء بعد العملية.

تحذير باقري اللاحق للفعل، ترافق مع تصريح “رسمي” إيراني انطلق من نيويورك هذه المرة، وقبل انتهاء آخر مسيرة إيرانية من الوصول إلى الأجواء الإسرائيلية من خلال مندوب إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني الذي لم يوفر وقتا ليعلن انتهاء العملية العسكرية وإغلاق “القضية” قبل انتهائها فعليا.

هذا “الإغلاق المبكر” قبل انتهاء ساعات دوام الطائرات المسيرة كان مؤشرا على قلق إيراني من أي تصعيد محتمل ومباشر من إسرائيل “يجر معه واشنطن إلى حرب إقليمية”.

إسرائيليا، فإن القياسات الإيرانية المحسوبة على “تأطير النوايا” قد لا تقرأها تل أبيب بالنوايا ذاتها، فالهجوم وفقا للحسابات الإسرائيلية العسكرية وبعد “جرح 7 أكتوبر/تشرين الأول” المفتوح على الالتهابات، كان هجوما مباشرا على إسرائيل يعيد التذكير بالهجوم الصاروخي “البائس” أول تسعينات القرن الماضي من قبل صدام حسين وهو تطور خطير يفتح مجال “الاستباحات” في دولة تعيش قلقا وجوديا منذ تأسيسها عام 1948.

الرد الإسرائيلي كان محتملا “مع خفة الاحتمالات بمرور الوقت” برد مباشر، لكن واشنطن دفعت بكل قوتها السياسية ورسائلها المباشرة إلى “فرملة” أي اندفاعات في مجلس الحرب الإسرائيلي، وهو ما يوحي بالتقاط واشنطن لبرقيات طهران في “تأطير النوايا” لديها.

الردود الإسرائيلية

الردود غير المباشرة قد تكون عبر عمليات “استخبارية نوعية” تستهدف مصالح إيرانية، مثل قواعد “الحرس الثوري” المنتشرة في سوريا والعراق، أو برد أكثر تصعيدا يستهدف جنوب لبنان وقواعد “حزب الله” الذي يواجه أيضا مأزقا أمنيا وسياسيا حرجا في الداخل اللبناني على تداعيات ملتبسة جدا في مقتل قيادي بحزب “القوات اللبنانية” وبطريقة تلقي التهم مباشرة على “سوريا وحزب الله” ويهدد مقتله ما تبقى من سلم أهلي بالغ الهشاشة في لبنان.

إسرائيل لديها خبرة في العمليات العسكرية الأمنية الجراحية وهو ما يجعل ردودها قاسية أيضا في استهدافات نوعية تتصيد قيادات “الحرس الثوري” خارج إيران تحديدا، وربما عمليات تخريب “نوعية” مقيدة ضد مجهول تعمل على تخريب منشآت حيوية إيرانية في الجغرافيا الإيرانية نفسها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية وهو ما يمكن أن يكون تصعيدا خطيرا ينعكس على الإقليم كله مما يتطلب حسابات هندسية بالغة الدقة في عمليات من هذا النوع.

إيران، التي استطاعت خلال سنوات مضت توظيف خلاياها الإعلامية ببراعة ومهارة للتأثير على “الجمهور” العربي المحتقن والغاضب، وبتمرير رسائل التضليل الإعلامي المقلقة لأمن دول المنطقة حاولت أثناء العملية وبعدها أن تثير القلق في الأردن، عبر رسائل مسربة يتم نفيها لاحقا، وهو ما أثار غضب عمان التي سارعت منذ الساعات الأولى للعملية العسكرية الإيرانية بحسم موقفها كدولة ذات سيادة بالتصدي للمسيرات الإيرانية التي تعبر الأجواء الأردنية.

وحسب مصدر رفيع المستوى في العاصمة الأردنية، فإن الأردن مصمم على أنه لن يكون مسرحا لأي تجاذبات لا من الشرق ولا من الغرب. وهي إجابة استباقية لسؤال لم نسأله: “ماذا لو كانت الهجمات قادمة من إسرائيل إلى طهران؟”.

المصدر نفسه أكد أن السياسة الأردنية لديها أولوية قصوى لا تتوقف بضرورة وقف إطلاق النار الفوري في غزة، لأن استمرار العمليات العسكرية في غزة حتى اليوم هو ما يقود إلى كل تصعيد خطير، وهو- حسب المصدر- ما كان الأردن ينبه إليه مبكرا منذ سنوات، مضيفا أن التوسع الإقليمي لأي حرب سيهدد الأمن والسلم في العالم كله.

رسائل قبل موسم التسويات

“عملية نيسان” الإيرانية التي تحاول طهران بحذر أن لا ترتبط مباشرة بـ”عملية 7 أكتوبر الحمساوية”، كانت في مجملها رسائل تحريك، ربما لموسم تسويات قادم قد يعيد طرح حل الدولتين على الطاولة من جديد، لكن بصيغ أكثر ابتكارا، وغزة هذه المرة لن تكون “ملحقا” في ملفات التسوية بقدر ما ستكون عنوانا لأي تسويات قادمة، وهو ما يرى فيه الأردن فرصة لخلق مسار جاد وواضح “غير قابل للعكس حسب المصدر الأردني” للوصول إلى حل الدولتين.

وبإشارة إلى “عملية نيسان” الإيرانية، تؤكد عمان أن الهدف هو التسوية العادلة التي تمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه في دولة قابلة للحياة، وأنه “لا ينبغي أن نسمح بتوجيه الأنظار عن غزة وما يحدث فيها من عدوان مستمر”.

التوظيف الإيراني للعملية التي أعلنت نهايتها قبل أن تنتهي فعليا، لم ينته بعد. وحسب القراءات اليومية في الإعلام الموجه، فإن طهران ستحاول تحقيق مكاسبها الإعلامية الخاصة بالتأثير أولا على الرأي العام الإيراني ثم توسيع الرؤية وتلقيمها في منصاتها التابعة لها في العالم العربي سعيا لترويج قدرات طهران وتعظيمها، وخلق “حالة انتصار” ولو وهمية في الشارع العربي يمكن استثماره فيما بعد لخلق الاضطرابات الأمنية في بعض العواصم.

مما يعني ان “تأطير النوايا” الإيراني الموجه إلى واشنطن تحديدا، يحتاج تأطيرا أكثر وضوحا في الإقليم للوصول إلى تسويات حقيقية تضمن أمن الجميع بلا استثناء.

————————-

“رسائل” من الأسد: لسنا معنيين بالتصعيد الإيراني-الإسرائيلي/ مناف سعد

13 أبريل 2024

كيف يمضي الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته أسماء وبعض قادة الجيش أوقاتهم وسط التصعيد وتبادل التهديدات بين إيران ووكلائها من جهة، وأميركا وإسرائيل وحلفائهما من جهة ثانية، غداة قصف تل أبيب القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قائد “الحرس الثوري الإيراني” في سوريا ولبنان اللواء محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، مطلع الشهر الجاري؟ وما الرسائل السياسية التي تريد دمشق إرسالها إلى حلفائها وخصومها والوسطاء العرب؟

ظهرت صور وأخبار على وسائل إعلام رسمية سورية وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي قريبة من السلطات، يمكن تفسيرها على أنها تتضمن خمس “رسائل” سياسية:

1- الأمور عادية والحياة طبيعية في دمشق بعد 12 يوما من القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية فيها، في وقت يلجأ قادة “الحرس” الإيراني الى مقرات سرية في دمشق أو غادروا الى طهران تجنيا للاغتيالات الإسرائيلية.

2- دمشق ليست معنية وليست طرفا في الصراع العسكري المحتمل بين طهران وتل أبيب، في اشارة الى القوات الحكومية والجولان. (ميليشيات إيران موجودة في شمال شرقي سوريا قرب القوات الاميركية ومناطق اخرى في سوريا)

3- تسلم دمشق نصائح من دول عربية بضرورة البقاء خارج الصراع العسكري واستمرار النهج المستمر منذ 7 أكتوبر في غزة.

4- التقليل من تواتر الاتصالات الرسمية بين الأسد والمسؤولين الإيرانيين مقابل زيادتها مع مسؤولين عرب، سواء بمناسبة عيد الفطر أو شهر رمضان.

5- عدم ادلاء بتصريحات رسمية تتضمن التلويح بالرد أو الانتقام من استهدافات إسرائيل لمسؤولين إيرانيين في دمشق والأراضي السورية.

ننشر هنا الأخبار والصور كما ظهرت في وسائل إعلام رسمية وقريبة من دمشق، حسب تسلسلها الزمني منذ قصف القنصلية في 1 أبريل/نيسان:

أفاد بيان رسمي سوري، بأن الأسد أجرى “اتصالا هاتفيا بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وقدم خلال الاتصال أصدق التعازي باستشهاد عدد من المستشارين العسكريين في الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية بدمشق”، وأنه أعرب “باسمه وباسم الشعب السوري عن عميق التعاطف والمواساة لعائلات الشهداء وللشعب الإيراني العزيز”.

في 7 أبريل، أفاد حساب الرئاسة السورية على موقع “إكس”، بأن “الأسد والسيدة أسماء الأسد يشاركان في إفطار جماعي بالمدينة القديمة في طرطوس، أقامته جمعيات وفعاليات أهلية بمشاركة أبناء المجتمع”. وبثت صورا وفيديوهات لهما بين المشاركين في مكان قريب من موقع غارة إسرائيلية استهدفت مسؤولا إيرانيا.

بثت “وكالة الأنباء السورية الرسمية” (سانا) في 8 أبريل، خبرا عن لقاء الأسد مجموعة من “علماء الشام”، حيث قال إن “التزام المؤسسة الدينية السورية بالفهم الصحيح للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أسهم بشكل رئيس في تعليم الناس الإسلام كما أنزله الله تعالى”.

في 8 أبريل، وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، إلى دمشق قادما من مسقط، ولم يكن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في استقباله بمطار العاصمة السورية.

بعد ذلك، أعلنت الرئاسة السورية أن الأسد التقى عبداللهيان وبحث معه “قصف الكيان الصهيـوني للمدنيين في قطاع غزة”. وأن “هذه الوحشية والدموية غير المسبوقة دليل على فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه العسكرية”.

لم يتضمن البيان الرسمي أي إشارة إلى قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية أو رد طهران المحتمل على ذلك.

في 10 أبريل، أدى الأسد صلاة العيد في جامع التقوى بدمشق. وبثت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات له وهو يتبادل الأحاديث مع مشايخ دمشقيين.

وبثت وسائل إعلام رسمية بعد ذلك، اتصالات الأسد مع قادة عرب، بين الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، لتبادل التهنئة بعيد الفطر. ولم يعلن عن اتصال بين الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

في 11 أبريل، أعلن عن قيام وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس بـ”زيارة ميدانية إلى عدد من تشكيلاتنا العاملة في المنطقة الساحلية، التقى خلالها قادة التشكيلات والقادة الميدانيين، ونقل إليهم تهنئة الرئيس بمناسبة عيد الفطر السعيد”. لم يعلن عن جولات ميدانية في جنوب سوريا أو شرقها حيث تقيم ميليشيات تابعة لإيران.

في أول أيام عيد الفطر، نشرت وسائل إعلام سورية، صورا للأسد وعقيلته لدى “مشاركتهما أطفال وشباب جمعية المبرة النسائية، وبيوت لحن الحياة، عيد الفطر السعيد” في دمشق.

في 12 أبريل، بثت مواقع وحسابات قريبة من السلطات صورة للرئيس السوري بشار الأسد وعائلته في دمشق القديمة. وأفادت: “السيد الرئيس بشار الأسد وعائلته في دمشق القديمة اليوم ثالث أيام عيد الفطر السعيد”.

وبثت حسابات الرئاسة السورية على منصة “إكس”، أن الأسد والشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات “يتبادلان التهنئة بعيد الفطر خلال مكالمة هاتفية بينهما”.

في 13 أبريل، بثت “وكالة الأنباء السورية الرسمية” (سانا) قائمة بأسماء القادة الذين تبادل الأسد معهم التهاني بالعيد. لم يتضمن الخبر اسم الرئيس الإيراني، وشمل كثيرا من القادة والمسؤولين العرب.

المجلة

————————

في دوافع وشبهات الرد الإيراني المحدود/ ماجد كيالي

16 أبريل 2024

شكّل رد طهران على مهاجمة إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، في مطلع هذا الشهر، مفاجأة. فهذه المرة لم تستخدم إيران العبارة المعهودة عن “الرد في المكان والزمان المناسبين”، وإن انتظرت قرابة الأسبوعين. وهي عبارة ظلت ترددها طوال السنوات الماضية بالشراكة مع نظام بشار الأسد لدى تعرضهما لهجمات إسرائيلية.

مصدر المفاجأة أيضا أتى من واقع أن إيران تلقت سابقا كثيرا من الضربات الإسرائيلية القوية، استهدفت بعض المفاعلات النووية في إيران ذاتها واغتيال شخصيات قوية ومركزية في “الحرس الثوري” وفي الميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان والعراق، ضمنها اغتيال محسن فخري زاده مهندس مشروعها النووي (أواخر 2020 قرب طهران)، ورضي موسوي الرجل الثاني في الحرس الثوري الإيراني (24/ 12/ 2023- دمشق)، إضافة إلى عشرات الضربات التي استهدفت قوافل ومخازن الأسلحة في سوريا والعراق ولبنان.

على ذلك، فنحن هنا إزاء تحول على غاية من الأهمية في سلوك إيران، التي كانت تفسر عدم ردها على اعتداءات إسرائيل بإحالة ذلك إلى ما تسميه “الصبر الاستراتيجي”، وعدم الرد على استدراجات إسرائيل لها، بإيحاء أنها تهيئ ذاتها لمعارك مصيرية، بما يشبه كلام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عن “التوازن الاستراتيجي” الذي تبين عن مجرد دعاية لا أكثر، الغرض منها التغطية على تعزيز قوة النظام في الحكم، وعلى مستوى الإقليم.

إذن، فقد استطاعت إسرائيل هذه المرة استدراج إيران إلى المواجهة مباشرة، بعد أن زادت من استفزازها طوال الأشهر الستة الماضية، بالتوازي مع الحرب التي تشنها ضد فلسطينيي غزة، رغم أن إيران، على لسان قادتها من المرشد إلى الرئيس ووزير الخارجية، أعلنوا مرارا وتكرارا، عزوف إيران عن التدخل في تلك الحرب، والنأي عن شعار “وحدة الساحات” الذي كانت قد صكته مع أطراف محور المقاومة والممانعة، الذي تبين في التجربة أنه مجرد شعار للتلاعب والتورية والابتزاز لا أكثر.

في الواقع فإن إيران لم تكتف بذلك، إذ أثبتت امتثالها أيضا عبر وضع حدود لمداخلات “حزب الله” في حرب إسرائيل ضد غزة، باعتباره درة جماعاتها الميليشياوية في المشرق العربي، سيما أن هذا “الحزب” لعب دوره، كأداة إقليمية لإيران، في سوريا وحتى في العراق، إضافة إلى دوره في لبنان. لذا فهي تعتبره بمثابة جزء من أمنها القومي، ولا تريد التضحية به في تلك الحرب الطاحنة في غزة، رغم أن إسرائيل ظلت توجه الضربات لقواعده، ومناطق انتشاره في لبنان، بل ووسعت ذلك إلى بعلبك والبقاع والضاحية الجنوبية، وطبعا في سوريا.

هكذا، ثمة عوامل عديدة ضغطت على صانع القرار الإيراني باجتياز تلك العتبة، والرد على الاعتداءات الإسرائيلية، ضمنها، شعور إيران بأنها باتت تفقد مصداقيتها، في “محور المقاومة والممانعة”، وهو أمر جاء بطريقة خجولة على لسان بعض قياديي حركة “حماس”، في الأشهر الأولى من هجوم إسرائيل على غزة، بل إن موقف هذا المحور بات ضعيفا، بعد كل ذلك الاستفراد الوحشي بقطاع غزة طوال أكثر من ستة أشهر.

يأتي في ذلك، أيضا، تزايد وتصاعد الهجمات الإسرائيلية على مواقع إيرانية، ما رجّح في القيادة الإيرانية، ربما، كفة أصحاب خيار الرد المباشر، ولو بشكل محدود، على شكل مسيرات، وصواريخ.

ثمة عامل آخر، وهو شعور إيران بأن الأوضاع لا تسير على النحو الذي توخته فلسطينيا، وعلى مستوى الإقليم، إذ إن حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، خلقت نوعا من التضامن العالمي، الدولتي والمجتمعي، مع قضية الفلسطينيين، ما نجم عنه وضع مطلب إقامة دولة فلسطينية على رأس جدول الأعمال العالمي. أما على الصعيد الإقليمي فإن الولايات المتحدة استعادت زمام المبادرة باتجاه إعداد صفقة ذات طابع سياسي وأمني واقتصادي على مستوى الإقليم، بالتوازي مع تسوية حرب غزة، وإحياء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، ما سيضع إيران في زاوية ضيقة، ويضيع كل ما راهنت عليه، أو ما بنته طوال العقود الماضية.

في كل حال، نحن إزاء تطور جديد في موقف إيران، وهو أحد أهم تداعيات حرب إسرائيل ضد غزة، مع ذلك فثمة شبهات عديدة لا بد من طرحها. أولها أنه إذا كان الرد الإيراني سياسة خالصة في مواجهة إسرائيل، بعيدا عن الاعتبارات الثلاثة السابقة، فكان الأولى بها القيام بذلك في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي كان بمثابة فرصة سانحة، في وقتها، وفقا للمنطق الذي طالما روجت له، عن قدرتها على تسوية إسرائيل في الأرض في غضون أيام. وثانيها، أن هذه الضربة لو كانت جدية، أو لو كانت إيران ستذهب فيها بعيدا، لكانت أطلقت يد “حزب الله” في شن هجمات واسعة على إسرائيل. وثالثها، أن إيران تفعل كل ما تفعله، وضمنه استغلال القضية الفلسطينية، وهي تشتغل من أجل تحصين النظام فيها، وتعزيز نفوذها الإقليمي، إذ من غير المعقول أنها تريد مقاومة إسرائيل أو إضعافها، بينما هي عملت على تفتيت أو تصديع بنى الدولة والمجتمع في المشرق العربي، في العراق ولبنان وسوريا، بما فيه تشريد أكثر من عشرة ملايين سوري من بلدهم؛ فذلك يقوي إسرائيل ولا يضعفها.

في الغضون، لا ننسى أن إسرائيل ضربت المفاعل النووي العراقي (1981) في ظل الحرب العراقية- الإيرانية، ما احتسب لصالح إيران، في حين جرى التفاوض بـ”صبر استراتيجي” أميركي على المفاعلات النووية الإيرانية، ولا ننس أن الولايات المتحدة سلمت العراق لإيران (2003) على طبق من فضة، بعد إسقاط نظام صدام عبر ميليشياتها الطائفية المسلحة، ولا ننسى أن تزايد نفوذ إيران في سوريا تم بسماح أو بسكوت إسرائيلي (وأميركي).

ثمة ملاحظتان هنا. الأولى أننا لا نملك ترف المفاضلة بين طرفين عدوين، إسرائيل إزاء الفلسطينيين والمشرق العربي، وإيران إزاء سوريا والعراق ولبنان واليمن. والثانية، الخشية من أن ذلك الهجوم غير الجدي، وغير المجدي، قد تستثمره حكومة نتنياهو لاستعادة صورة إسرائيل كضحية، ولكسر التضامن الدولي مع الفلسطينيين، واستدرار الحماية والسلاح من الأطراف الدولية، ولتبرير الإمعان في حرب غزة وربما الهجوم على رفح.

على أية حال، من المبكر التقرير بشأن إلى أين ستذهب إيران أو إسرائيل من هنا. فهل ستواصل إيران، ما فعلته، أم ستكتفي بالوقوف عند تلك الحدود، حفاظا على مكانتها وهيبتها؟

وبالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، السؤال هو: هل انتهت فترة السماح لإيران؟ أو هل آن أوان تحجيمها، بعد أن أنجزت ما أنجزته لهما في المشرق العربي، وتحسبا من “7 أكتوبر” جديد من لبنان أو من إيران؟ هذا ما يفترض تبينه من الرد أو عدم الرد الإسرائيلي في قادم الأيام.

المجلة

—————————

الاستعراض الإيراني والرد الإسرائيلي/ إبراهيم حميدي

15 أبريل 2024

ماذا كشف الهجوم الإيراني على إسرائيل؟ كيف سترد تل أبيب على أول حملة جوية من داخل الأراضي الإيرانية؟

يمكن الحديث عن نقاط محددة كشفتها غزوة المسيرات والصواريخ، هنا بعضها:

أولا، استعراض عسكري: بعد قصف تل أبيب القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل قادة من “الحرس الثوري” الإيراني، أعلن “المرشد” علي خامنئي أن إسرائيل “ستدفع الثمن”. بعدها، جرت وساطات تسمح لطهران بتوجيه ضربة انتقامية من دون أن تؤدي إلى تفجر حرب إقليمية. وفي ليلة 13-14 أبريل/نيسان، أطلقت إيران علنا أكثر من 300 من مسيراتها وصواريخها، ما أعطى الوقت الكافي لإسرائيل وحلفائها لقطع الطريق عليها. واضح من كل ذلك رغبة إيرانية بـ”استعراض” في الإقليم.

ثانيا، فجوة عسكرية: قد يكون لدى إيران قدرات صاروخية و”مسيراتية” أكثر تطورا من التي استخدمت، لكن الحملة، أظهرت الفجوة العسكرية الهائلة بين الطرفين. بالفعل، لم يصل إلا القليل من المسيرات والصواريخ إلى إسرائيل، من دون حصول أي تدمير أو إصابات بشرية.

ثالثا، حلفاء إسرائيل: بعد انتقادات علنية وضمنية من الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحربه في غزة، عادت إدارة بايدن وقدمت مع بريطانيا وفرنسا، دعما عسكريا كاملا، وشاركت في حملة مضادة لإسقاط المسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى إسرائيل. أكد الهجوم الإيراني الدعم الغربي المطلق لإسرائيل.

رابعا، حلفاء إيران: أظهر الهجوم الشقوق في “حلف الممانعة”. فبعض الوكلاء لم يكونوا قادرين على المشاركة سوى برشقات رمزية وبيانات صحافية (فصائل عراقية لم تكن تريد إحراج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عشية لقائه بايدن)، بعضهم الآخر نأى بنفسه عن التصعيد. كان واضحا أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد أن يكون طرفا في المواجهة الإيرانية- الإسرائيلية، مع أن قسما من الحرب كان يحصل في الأجواء السورية.

خامسا، المسارح العربية: كانت سوريا والعراق ولبنان (والأردن) ساحات للمواجهة الإسرائيلية- الإيرانية. طائرات أميركا وحلفائها استخدمت الأجواء العربية في سوريا والعراق على الأقل، لإسقاط المسيرات والصواريخ ما أظهر حجم الانكشاف الجوي وغياب السيادة فيهما. أمصار عربية بين فكي إيران وإسرائيل.

سادسا، روسيا: موجودة عسكريا في سوريا ولديها منظومة صواريخ “إس 400″، و”إس 300″، و”إس 300 متطورة”، لكنها كانت غائبة عن المواجهة العسكرية. فضلت الحياد بين “حليفين”، فهي تريد إبقاء إيران ضعيفة وبحاجة لها في سوريا والشرق الأوسط، باعتبار أن موسكو تحتاج مسيرات إيران في أوكرانيا، ولا تريد المس بكينونة إسرائيل.

سابعا، الردع: كانت إيران تريد استعادة الردع بعد قصف قنصليتها في دمشق واستهداف كبار علمائها وقادتها في إيران والإقليم. إسرائيل أيضا تريد استعادة الردع بعد هجوم “حماس” غير المسبوق من غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول. أظهرت حملة 13 أبريل، فشلا إيرانيا في استعادة الردع وقدرة إسرائيلية على توفير مظلة جوية هائلة في دائرة واسعة من جوارها الإقليمي.

لكن، هل يكفي إسرائيل استيعاب الهجوم الإيراني أم إنها تريد تأكيد الهيمنة والفوقية الإسرائيلية في الشرق الأوسط؟ كيف سترد تل أبيب على هذا الهجوم؟

بداية، هذا الهجوم- رغم استعراضيته- غير مسبوق، لأنه يمس “فكرة إسرائيل” وكينونتها، بشكل يفوق في أبعاده الحروب العربية السابقة في 1948 و1967 و1973 وغيرها. لذلك، قد تسعى تل أبيب إلى عمل لاستعادة الردع والفوقية، وهنا بعض الاحتمالات:

أولا، ضرب وكلاء إيران: تشمل الخيارات العسكرية لتل أبيب ضربات لحلفاء إيران ووكلائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن. سبق وأن شنت ضربات كثيرة مماثلة، وقد تفكر في توجيه حملة أعمق وأشمل ولأيام أطول على أصول “الحرس” الإيراني في ساحات عربية قديمة أو جديدة، وقد توسعها لتصل إلى “الحوثيين” في اليمن. وهو ما يطرح أسئلة عن الجدوى وأهمية مشاركة أميركا وعدم مس استقرار العراق وتوازنات إقليمية.

ثانيا، ضربات مباشرة لإيران: إذا قامت إسرائيل بالانتقام من إيران نفسها، فإن مستوى الدعم من الولايات المتحدة ودول أخرى سيكون حاسما في تحديد ما إذا كانت الأزمة ستتصاعد إلى ما هو أبعد من إسرائيل وإيران فقط. فتنفيذ عمل كهذا يتطلب مشاركة أميركية مباشرة في عمل القاذفات الإسرائيلية، ما يطرح احتمال رد طهران على مصالح أميركية (أو غيرها) في المنطقة.

ثالثا، غزة و”حزب الله”: طوى الهجوم الإيراني قسما كبيرا من الانتقادات لانتهاكات إسرائيل في غزة. ستتراجع الأصوات الغربية (والعربية) الناقدة لتل أبيب. قد تعتبر حكومة نتنياهو هذا “تفويضا” لاستكمال الحرب وأهدافها في غزة وربما في عملية رفح المتنازع عليها مع إدارة بايدن. قد تختار تصعيدا عسكريا لمستوى جديد ضد “حزب الله” في لبنان، ذراع طهران الرئيسة في الإقليم، ما يفتح أيضا الرد الإيراني.

رابعا، البرنامج النووي: إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وقعت اتفاقات مع إيران حول البرنامج النووي في 2015. ادارة الرئيس دونالد ترمب انسحبت من الاتفاق في 2018. ادارة بايدن فاوضت طهران للعودة، لكنها لم تصل لاتفاق وماتت المفاوضات في 2022. إسرائيل دمرت البرنامج النووي العراقي في 1981 والبرنامج النووي السوري في 2007. هل تسعى تل أبيب لتدمير البرنامج النووي الإيراني؟ أي هجوم يتطلب انخراطا أميركيا. هل ادارة بايدن في هذه “المرحلة”؟

خامسا، عقوبات وحصار: ستسعى إسرائيل لدفع دول غربية لفرض عقوبات على كيانات إيرانية وتصنيف “الحرس” منظمة إرهابية. تم طرد إيران من منظمة المرأة التابعة للأمم المتحدة، ستعمل تل أبيب على طردها من مؤسسات أممية أخرى، لفرض مزيد من العزلة الدولية على طهران.

سادسا، تحالفات إقليمية: أحد الردود قد يكون بتفعيل الاتصالات لتشكيل تحالف إقليمي بغطاء دولي ضد إيران وتهديداتها. حرب غزة أرجأت بعض الاتصالات. الهجوم الإيراني ستستغله إدارة بايدن لاستئناف الاتصالات لمأسسة التعاون. بدأ الحديث عن ذلك، إذ أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن الهجوم أظهر ضرورة تشكيل “جبهة دولية”، و”تحالف إقليمي”، ضد تهديدات إيران.

مثلما كان هجوم 7 أكتوبر لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة، سيكون استعراض إيران في 13 أبريل نقطة انعطاف كبيرة ستظهر ملامحها في اتصالات وغارات ومفاوضات وصفقات تحصل في المرحلة المقبلة، خصوصا ما تبقى قبل انشغال إدارة بايدن في انتخابات آخر العام.

المجلة

———————

بلاد ما بين المتصارعين/ عالية منصور

14 أبريل 2024

منذ اللحظات الأولى للحرب على غزة تعيش المنطقة والعالم هاجس توسع رقعة الحرب، وبعد مضي أكثر من 6 أشهر على الحرب لم تتسع رقعتها بل اتسعت رقعة الفوضى والفلتان الذي تعيشه المنطقة. وعند كل حدث أمني أو خروج فريق من الأفرقاء عن قواعد الاشتباك المتفق عليها، يعود هاجس توسيع الحرب ليرتفع… دول تسحب رعاياها وأخرى تحذر، وتبقى شعوب هذه المنطقة بانتظار مصيرها.

مضى أسبوعان منذ أن ضربت إسرائيل مبنى ملاصقا للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت عددا من قيادات “الحرس الثوري” أثناء اجتماعهم، ومنذ تلك اللحظة والعالم يترقب الرد الإيراني.

ارتفع منسوب الحذر من الانتقام الإيراني، حيث أعلنت مصادر إيرانية ووسطاء أميركيون وأوروبيون أن الرد الإيراني سيكون خلال 48 ساعة، ولكن أليس عنصر المباغتة من أهم عناصر الحروب والعمليات العسكرية؟

إن اغتيال القيادي في “الحرس الثوري” محمد رضا زاهدي ليس الاغتيال الأول الذي تنفذه إسرائيل بحق قيادات إيرانية، فقد سبق ووصل الموساد إلى داخل إيران واغتال شخصيات عديدة، وقد يكون أشهر هذه الاغتيالات هو اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي الإيراني، عام 2020.

ومع ذلك لم تحصل أي حرب مباشرة بين طهران وتل أبيب، ولطالما كانت حروب إيران مع إسرائيل من خلال الميليشيات التابعة لها، ومن خارج أراضيها، فما الذي تغير اليوم؟

لقد باتت إيران تسيطر بالكامل على سوريا ولبنان، كما تسيطر على العراق، وتحاول جاهدة دخول الأردن، وتسيطر من خلال “الحوثيين” على الممرات في البحر الأحمر، وتمشي بخطى واثقة لتكون دولة نووية، فهل يمكن القول إنها ستغامر بخسارة كل هذه “المكاسب” لمشروعها التوسعي وتدخل حربا مباشرة مع إسرائيل؟

في المقابل، لقد صار التهديد الإيراني لإسرائيل من أكثر من جهة وجبهة، حتى إن عملية “طوفان الأقصى” ما كانت لتتم بهذا الشكل لولا التأثير الإيراني والدعم لـ”حماس”.

ولذلك، حتى اللحظة، يبدو أن أكثر المتحمسين للرد الإيراني هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن كانت الولايات المتحدة قد بذلت جهدا كبيرا كوسيط بين إيران وإسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول الفائت لمنع توسع رقعة الحرب، فإنه لم يعد بمقدور الرئيس الأميركي جو بايدن كبح جماح الجنون الإسرائيلي إن قامت إيران بأي رد لا تراه تل أبيب مقبولا ضد إسرائيل، كما أن بايدن نفسه لم يبذل جهدا كبيرا لكبح جماح إيران ولجم مشاريعها التخريبية والتوسعية في المنطقة.

تدرك إيران ذلك جيدا، فطهران لا ترسم سياساتها وفقا لما يريده الجمهور، فهي لا تقيم وزنا لحقوق الإيرانيين، لتدخل بهكذا مغامرة إرضاءً لآخرين أو حفظا لماء الوجه.

ولكن السؤال: إن قررت إيران الرد عبر وكلائها، وذهبت إلى ما هو أبعد من خطف سفينة أو رشقة من الصواريخ أو سرب من الطائرات المسيرة، فهل تتضمن الوساطة الأميركية بين الطرفين أي تل أبيب وطهران أن ينحصر الرد الإسرائيلي على الميليشيات الإيرانية ولا يصل إلى داخل إيران؟

في كلتا الحالتين تبدو هذه المنطقة الواقعة بين طهران وتل أبيب وكأنها أرض خالية من البشر والساسة، حلبة صراع بين دولتين توسعيتين، ومصير كل من فيها متعلق بالمبارزة الحاصلة بين الطرفين.

————————

الانتقام يحمل مخاطر كبيرة”.. ما سيناريوهات الرد الإسرائيلي على إيران؟/ خير الدين الجابري

2024/04/16

أمضت حكومة الحرب الإسرائيلية اليومين الماضيين وقتها في مناقشة كيفية الرد على أول هجوم مباشر لإيران على إسرائيل وقع يوم 14 من أبريل/نيسان 2024، وذلك بعدما كانت تل أبيب قد قصفت مبنى تابعاً للسفارة الإيرانية في دمشق، وقتل في تلك الغارة عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني مطلع أبريل/نيسان الجاري.

وتضمن الهجوم الإيراني أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار، تم اعتراض معظمها بمساعدة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن. ويرى الإسرائيليون أنه يجب على الدولة أن تتخذ نوعاً من الإجراءات لتثبت لإيران أن مثل هذا الهجوم غير المسبوق والاستعراض للقوة لا يمكن أن يمر دون عواقب، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يؤخذ في الاعتبار عدم الغرق بحرب مفتوحة٬ حيث تهدد طهران بأنها ستضرب مرة أخرى “بقوة أكبر” إذا ردت إسرائيل؛ لذلك فإن جميع الخيارات الإسرائيلية لا تخلو من المخاطر الكبيرة.

ما سيناريوهات الرد الإسرائيلي على إيران؟

الدمار الذي خلفته الضربات الإيرانية كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير لولا مساعدة أمريكا وبريطانيا والأردن وفرنسا لإسرائيل، لكن من وجهة نظر نتنياهو وقادة الجيش، فإن هناك خطاً أحمر كبيراً تم تجاوزه فيما يتعلق بنظريات الأمن والردع الإسرائيلية.

الأسئلة المهمة حول الرد هي كيف ومتى٬ ففي حين أن تصريحات غالانت وغانتس أشارت ضمناً إلى أن الرد الإسرائيلي المباشر على طهران ليس وشيكاً، فإن نتنياهو لم يتخذ قراراً رسمياً بعد. وقد أوضح المتحدث العسكري الرئيسي، دانييل هاغاري، أن إسرائيل تبقي خياراتها مفتوحة. وقال للصحفيين يوم الأحد: “خلال الساعات القليلة الماضية، وافقنا على خطط عملياتية للعمل الهجومي والدفاعي”.

وأفادت القناة 12 الإسرائيلية، الإثنين 15 أبريل/نيسان 2024، بأن مجلس وزراء الحرب ناقش مجموعة من خيارات الرد على إيران في اجتماعه الإثنين، بهدف إيذاء طهران لكن دون التسبب في حرب شاملة. وفي تقرير لم تذكر مصدره، قالت القناة إن نية إسرائيل هي الشروع في عمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي قالت إنها لن تشترك مع إسرائيل في أي هجوم مباشر على إيران.

ورجحت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، الإثنين 15 أبريل/نيسان، رداً إسرائيلياً سريعاً على إيران، فيما قال موقع “واللا” الإسرائيلي، إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أكد لنظيره الأمريكي لويد أوستن ضرورة الرد على طهران. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين وغربيين (لم تسمّهم) قولهم إنهم يتوقعون أن “ترد إسرائيل بسرعة على الهجوم الإيراني”.

ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي ومصدر آخر مطلع، لم يسمهما، قولهما إن “غالانت قال لأوستن في مكالمة هاتفية، الأحد 14 أبريل/نيسان 2024، إنه ليس أمام إسرائيل خيار سوى الرد على الهجوم غير المسبوق الذي شنته إيران بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل”. وأضاف غالانت خلال الاتصال أن إسرائيل أيضاً “لن تكون قادرة على قبول وضع، ترد فيه إيران بهجوم من أراضيها على إسرائيل في كل مرة تقوم فيها تل أبيب بهجمات في سوريا”.

– قصف منشأة إيرانية

من جانبها٬ نقلت شبكة “CNN” الأمريكية، الإثنين 15 أبريل/نيسان، عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم إن حكومة الحرب تجري نقاشاً ساخناً حول كيفية وتوقيت الرد على الهجوم الإيراني، مؤكدين أنها لا تزال مصممة على ذلك. وقالت المصادر إن غانتس يعتقد أنه كلما تأخرت تل أبيب في الرد على الهجوم الإيراني، أصبح من الصعب حشد الدعم الدولي لمثل هذا الهجوم. وقد حذرت العديد من الدول “إسرائيل” بالفعل من تصعيد الوضع بشكل أكبر من خلال الرد العسكري.

بشأن الخيارات العسكرية التي يتم النظر فيها، بحسب مصادر CNN، فإن حكومة الحرب الإسرائيلية تدرس الهجوم على منشأة إيرانية كرسالة لكنه سيتجنب التسبب في وقوع إصابات. لكن المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن ذلك سيكون أمراً صعباً، ومن هنا يأتي الجدل الدائر، ولا يزال توقيت القرار غير واضح، بحسب الشبكة الأمريكية.

– قصف مواقع عسكرية تقليدية أو مصانع طائرات مسيّرة

في السياق٬ قالت المحللة الإسرائيلية، سيما شاين، والتي كانت تعمل رئيسة لقسم البحث والتقييم في جهاز الموساد، وتدير حالياً برنامجاً حول إيران في معهد دراسات الأمن القومي ومقره تل أبيب، إن رد الدولة العبرية المحتمل “سيكون وفقاً لنفس المعايير: على المواقع العسكرية، وليس المدنية والاقتصادية”، حسبما صرحت لوكالة الأنباء الفرنسية.

وقال الخبير الأمني الفرنسي ستيفان أودراند إنه حتى مع إسقاط إسرائيل وحلفائها معظم الصواريخ والمسيّرات، فإن هذا الحدث “يعيد كتابة العلاقات” بين الخصمين. ورأى أودراند أنه لاحتواء خطر التصعيد، “يجب على الإسرائيليين أن يكتفوا بضربات على مواقع تقليدية، على مواقع أُطلقت منها صواريخ، على مصانع طائرات مسيّرة”.

– استهداف مواقع إيرانية بالمنطقة أو ضرب الحلفاء

ويرجح خبراء آخرون أن يكون الرد الإسرائيلي على إيران خارج إيران نفسها٬ بضرب أهداف لها في سوريا على سبيل المثال٬ أو استهداف مواقع لحلفائها في المنطقة؛ حيث قال الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د.عمر الرداد، في تصريح لفرانس برس: “أعتقد أن الرد الإسرائيلي سيكون عبر مواصلة ضرب أهداف عسكرية، بما فيها تلك التابعة للميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا ولبنان والعراق، بالإضافة إلى عمليات نوعية داخل إيران. وربما تكون هذه العمليات أوسع من العمليات السابقة، وأن تكون عملية كبيرة على غرار ما فعلته إيران”، مضيفاً أن “حكومات غربية وأوساط الرأي العام أصبحت تتقبل شن عمليات ضد إيران”٬ على حد تعبيره.

ما هي القضايا التي يجب على إسرائيل التفكير بها قبل الرد على إيران؟

هناك ثلاثة عوامل رئيسية يجب على إسرائيل أن تدرسها قبل أن ترد، وفقاً لراز زيميت، الباحث في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي الذي يركز على إيران.

يقول زيميت لصحيفة الغارديان البريطانية:

    أولاً، كيف سترد إيران، لأنها أوضحت تماماً أن الانتقام الإسرائيلي سيقابل برد فعل أكثر قسوة.

    ثانياً، الموقف الأمريكي.. بايدن غير مهتم بالتصعيد الآن ويريد إنهاء هذه الجولة من القتال بسبب الانتخابات،

    ثالثاً، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحاول إسرائيل تجنب فتح جبهات جديدة حتى تتمكن من التركيز على قتال حماس والجهاد في غزة. يجب أخذ ذلك كله بعين الحسبان قبل اتخاذ أي قرار حول الرد.

لكن ضرب أهداف داخل إيران قد يشعل حرباً شاملة

تقول صحيفة الغارديان٬ من شبه المؤكد أن أي هجوم مباشر على أهداف عسكرية أو بنية تحتية داخل إيران سيؤدي إلى حرب شاملة، على الرغم من أن بعض الشخصيات المتشددة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد تنظر إلى التطورات التي جرت نهاية هذا الأسبوع باعتبارها فرصة سانحة لملاحقة المنشآت النووية الإيرانية.

كما أن الإجراءات السرية التي استخدمتها إسرائيل بالفعل ضد إيران عدة مرات ـ الهجمات السيبرانية، أو ضرب الأصول الإيرانية في دول ثالثة مثل سوريا، أو عدم إعلان المسؤولية عن هجوم على موقع لتصنيع الطائرات بدون طيار على سبيل المثال- من بين الأوراق أيضاً.

وسيكون من الصعب على طهران إلقاء اللوم مباشرة على تل أبيب في مثل هذا الهجوم، لأن ذلك يعني الاعتراف بأن البلاد عرضة للعمليات الإسرائيلية على أراضيها.

هل إسرائيل مستعدة بالفعل للحرب مع إيران، في ظل انشغالها بغزة؟

المحللون والضباط العسكريون السابقون واثقون من أن إسرائيل ستخرج في وضع أفضل من إيران إذا ذهب الجانبان إلى الحرب: فقد استعدت البلاد لسيناريو متعدد الجبهات لسنوات. ومع ذلك، فمن المؤكد أن صراعاً أوسع يشارك فيه حزب الله في لبنان سيكون التهديد الأكثر خطورة الذي يواجه إسرائيل منذ حرب يوم الغفران عام 1973.

وتتطلب الحرب الإقليمية كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة وصواريخ الدفاع الجوي، مع ظهور بعض التقارير التي تفيد بوجود نقص بالفعل في الذخائر بسبب الحرب في غزة. وبدون التحذير المسبق الذي تم تقديمه بشأن ضربات نهاية هذا الأسبوع، فمن المرجح أن يتم التغلب على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور متعدد الطبقات.

كما ستتوقف الحياة الطبيعية في إسرائيل: 75% من الجيش يتكون من جنود احتياط. ومن المرجح أن تتأثر البنية التحتية الرئيسية مثل محطات الطاقة وإمدادات المياه والنقل، وسيكون التأثير على الاقتصاد القوي هائلاً.

وما استعدادات إيران نفسها للحرب؟

تعد إيران واحدة من أكثر الدول عسكرة في المنطقة، حيث يبلغ عدد جيشها الدائم ما لا يقل عن 580 ألف جندي ومخزون من 3000 صاروخ باليستي، وفقاً للتقديرات الغربية. ومع ذلك، أوضح المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، خلال الأشهر الستة الأخيرة من الحرب في غزة، أن إيران لا ترغب في الانجرار إلى صراع أوسع. ويعاني اقتصاد إيران وشعبها بالفعل من العقوبات واسعة النطاق التي فرضتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

السؤال الأكبر: هل ستتورط الولايات المتحدة في حرب إسرائيلية إيرانية؟

نتيجة الحرب سوف تعتمد إلى حد كبير على مقدار الدعم الذي قد تكون الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية لإسرائيل، على استعداد لتقديمه. وقد استنفدت مواردها بالفعل بسبب الحرب في أوكرانيا، إلى درجة أن المسؤولين الإسرائيليين اشتكوا من أنهم لا يتلقون الأسلحة المطلوبة من الولايات المتحدة، كما أن بايدن يكره الخوض في صراع في الشرق الأوسط، وخاصة في عام الانتخابات. وقالت الولايات المتحدة صراحة إنها لن تنضم إلى إسرائيل في أي هجوم مباشر على إيران. لكن عموماً لا أحد يستطيع التنبؤ بالحروب ومآلاتها ومفاجآتها٬ ولا يوجد شك لدى إسرائيل في دفاع أمريكا عنها لو تعرضت لهجوم قوي وحقيقي من إيران أو غيرها.

عربي بوست

————————–

كيف فضحت هجمات إيران نقاط ضعف إسرائيل؟/ ديفيد هيرست

2024/04/16

علم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تماماً ما كان يفعله عندما أمر بالهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أسبوعين، وهو ما تسبب في مقتل العميد محمد رضا زاهدي، بالإضافة إلى قادة آخرين في الحرس الثوري الإيراني.

ذهب هذا الهجوم إلى مدى أبعد من التكتيكات الحالية المتمثلة في الحد من تدفق الأسلحة إلى حزب الله، أو التصدي للمجموعات المدعومة من إيران من ناحية حدودها الشمالية. بل كانت هذه محاولةً للتخلص من القيادة الإيرانية في سوريا.

بعد 6 أشهر، تسير الحرب في غزة على نحو سيئ؛ تواجه القوات البرية الإسرائيلية مقاومةً فلسطينيةً عنيدةً لم تظهر أية إشارة على الاستسلام أو الهرب، وسط معدلات هائلة من الدمار والمعاناة الحقيقية لشعبها.

وإذا كان هناك شيء آخر، فهو أن المزاج بين مقاتلي حماس قد تصلب. إذ يشعرون أنهم نجوا من الأسوأ وليس لديهم شيء يخسرونه. والشعب في غزة لم ينقلب ضدهم، واحتلال رفح، حسب ما يدعون، لن يشكل فارقاً بالنسبة إليهم. بل إنهم يزدرون إسرائيل استناداً إلى قوة كتائب حماس. فبعد مثل هذا الهجوم، مازالت لديهم إمدادات غير محدودة من المجندين والأسلحة.

هجمات إيران.. ورسائل متعددة

ومع تعطل هجوم إسرائيل في غزة، تتزايد المعارضة ضد قيادة نتنياهو، وثمة ضغط حقيقي من أجل عقد اتفاقية قد تبدأ في إعادة المحتجزين أحياءً.

وأصبح الخلاف مع أكبر داعميه، وهو الرئيس الأمريكي جو بايدن، علنياً الآن، الإضافة إلى أنه يفقد دعم الرأي العام العالمي بسرعة الآن أكثر من أي وقت مضى. وصارت إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، دولة منبوذة.

ومرة أخرى كان لزاماً على إسرائيل أن تلعب دور الضحية، من أجل الحفاظ على أسطورة أنها تناضل من أجل وجودها. فهل من وقت أفضل لنتنياهو، المقامر، لكي يرمي النرد ويهاجم القنصلية الإيرانية، وهو يعلم تمام العلم ما يعنيه ذلك؟

كانت الولايات المتحدة على علم أيضاً بما كان يفعله نتنياهو، وهو محاولة جرها إلى هجوم ضد إيران للمرة الثالثة على الأقل خلال 14 عاماً. ولهذا السبب، أبلغت الولايات المتحدة الإيرانيين مباشرة أنه لا علاقة لهم بالضربة، ولم تعلم بها إلا عندما كانت الطائرات في الجو.

تمهلت إيران الوقت المناسب، وشاهدت ما حدث في مجلس الأمن، عندما استخدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا حق الفيتو ضد بيان صاغته روسيا يدين الهجوم على القنصلية. ثم قالت إنها لن تهاجم إسرائيل إذا كان هناك وقف إطلاق نار في غزة. جرى تجاهل هذا أيضاً. ثم طلبت كل دولة غربية من إيران ألا تضرب إسرائيل. وكان لدى بايدن نصيحة واحدة لإيران: “لا تفعلوا”.

وعندما وقع، كان الهجوم مصمماً بحرص لإرسال عدد من الرسائل إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والمنطقة العربية.

أرادت طهران أن تشكل سابقة مفادها أنها قادرة على ضرب إسرائيل مباشرة دون إثارة حرب شاملة. وأرادت أن تبلغ إسرائيل بأنها قادرة على ضربها. وأرادت أن تبلغ الولايات المتحدة أن إيران قوة في الخليج جاءت لتبقى وتسيطر على مضيق هرمز. وأرادت أن تبلغ كل نظام عربي يتملق إسرائيل بأن نفس الأمر قد يحدث له.

هجمات إيران

لم تصل سوى حفنة من الصواريخ إلى هدفها، لكن كل رسالة أرسلوها وصلت. وهكذا كان الهجوم بمثابة نجاح استراتيجي وانتكاسة لسمعة إسرائيل باعتبارها الفتى الوحيد المستأسد في المنطقة.

بدأ إيصال هذه الرسائل المتعددة مع استيلاء الحرس الثوري الإيراني على السفينة MSC Aries التي تحمل العلم البرتغالي، والتي، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا)، تديرها شركة رئيسها الملياردير الإسرائيلي المولد إيال عوفر.

وبعد ذلك أطلقت أسراباً من الطائرات المُسيرة الرخيصة على إسرائيل، وأبلغت الجميع بأن لديهم 8 ساعات ليتأهبوا فيها، ما كلف إسرائيل أكثر من مليار دولار كي تُنشِّط منظومات دفاعها الجوي، وذلك حسب ما أبلغ العميد الإسرئيلي ريم أمينوح موقع Ynet. وذلك على الأرجح هو الجزء الأصغر من الفاتورة.

وقد عُرف أن ما لا يقل عن 4 بلدان ساعدت إسرائيل في إسقاط المسيرات: وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن. والأرجح أن خامس البلدان هي السعودية، لأنها كانت على مسار الطيران من جنوب العراق إلى إسرائيل، وقد تكون مصر سادس هذه البلدان.

كانت هذه جهود دفاع جوي رئيسية، وهي من نفس البلدان، وفقاً لما ذكره بعض الأوكرانيين بمرارة أمس الأحد 14 أبريل/نيسان، التي تختار ألا تقدم لهم الإمدادات. بكل تأكيد لن يكون ممكناً القيام بتلك الجهود بانتظام.

في المقابل، استخدمت إيران حوالي 170 طائرة مسيرة رخيصة، في حين أن 25 صاروخاً من أصل 30 صاروخ كروز، أسقطتها إسرائيل. كانت هذه هي الطُعم. أما الأسلحة فكانت صواريخ باليستية، وتجاوز عدد صغير منها دفاعات إسرائيل، وأصاب قاعدة نفاطيم الجوية جنوب إسرائيل.

    אל-קודס הקדושה תהיה בידי המוסלמים, והעולם המוסלמי יחגוג שחרור פלסטין. pic.twitter.com/PB3wZk1jcN

    — Khamenei.ir (@khamenei_ir) April 14, 2024

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إن هذه الصواريخ تسببت في أضرار هيكلية طفيفة. لن نعرف أبداً، لكن الرسالة التي وصلت إلى إسرائيل هي أن إيران لديها القدرة على شن هجوم ضدها وإصابة أهدافها من مسافة بعيدة، دون الحاجة إلى استخدام حزب الله، أو أنصار الله الحوثيين في اليمن، أو حلفائها في العراق.

كانت الأسلحة المستخدمة عينة مجانية من قوتها النارية الحقيقية. وبعد ذلك الهجوم، حذرت إيران الولايات المتحدة قائلة إن إسرائيل إذا ردّت بالمثل، فستكون قواعدها عبر مياه الخليج وفي العراق أهدافاً لها، مثلما كانت في أعقاب اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في 2020.

كانت الرسالة التي أرسلتها إلى الولايات المتحدة بنفس القوة: ومفادها أن إيران مستعدة لمهاجمة إسرائيل بصواريخ باليستية وتحدي الغرب، بما في ذلك توجيه تحذير مباشر لبايدن. ويمكنهم أن يفعلوا نفس الأمر ضد أي حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج. لا تريد إيران أية حرب، لكنها قادرة على الرد.

وبناءً عليه، إذا لم تكن تريد الحرب، فالرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة هي أن عليها كبح جماح طفلتها المراهقة العنيدة، إسرائيل، الطفلة التي دللها والداها لفترة طويلة، والتي تعتقد أنها تستطيع أن تفعل بالمنطقة ما يحلو لها.

أخطاء السياسة الخارجية

نتنياهو الآن في مأزق ما بين الرد أو الامتناع؛ إذ بوسعه اختيار إرضاء اليمين المتطرف وشن هجوم مضاد ساحق على إيران، لكنه لن يحصل على مساعدة أمريكا في ذلك، التي بدونها سيجد صعوبة في شق طريقه عبر المجال الجوي بين تل أبيب وطهران.

إضافة إلى ذلك، إذا هاجم نتنياهو إيران، فإنَّ علاقته المهتزة مع الولايات المتحدة سوف تتدهور من سيئ إلى أسوأ، وسيأتي هذا الهجوم الكبير وسط معارضة حقيقية من المؤسسة الدفاعية والأمنية، وهو ما منعه من فعل شيء مماثل في عام 2010.

لكن إذا لم يفعل نتنياهو شيئاً، فإنه سيبدو أضعف مما هو عليه بالفعل، وسيمنح المزيد من الشعبية لبيني غانتس، زعيم المعارضة وزميله في مجلس الوزراء الحربي الذي تحدث يوم الأحد 14 أبريل/نيسان، عن هجوم دبلوماسي ضد طهران، وهي بالضبط نفس الصيغة التي استخدمتها الدول العربية، في الوقت الذي تلقت فيه هزيمة عسكرية ساحقة من إسرائيل.

وعلى نحو مماثل، تجد الولايات المتحدة للمرة الخامسة خلال 3 عقود أحد الركائز الرئيسية لسياستها الخارجية تنهار بين يديها.

فقرار الإطاحة بطالبان في أفغانستان، وغزو العراق، والإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، ومحاولة الإطاحة ببشار الأسد؛ كل هذه الكوارث في السياسة الخارجية يفوقها الخامس الآن قرار دعم الغزو الإسرائيلي لغزة.

وواشنطن بطبيعة الحال بطيئة في إدراك حجم سوء التقدير الذي ارتكبته عندما دعمت إسرائيل إلى أقصى حد بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد استغرقت بعض الوقت أيضاً في إدراك حجم الخطأ الفادح الذي ارتكبته في غزو العراق.

شهد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمام الكونغرس بأنَّ الولايات المتحدة ليس لديها أي دليل على أنَّ إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وهو ما يذكرنا تذكيراً مخيفاً بخطاب كولن باول في الأمم المتحدة الذي قال فيه إنَّ لديه أدلة على أسلحة الدمار الشامل التي كان يمتلكها صدام حسين. كان خطاب باول في عام 2003 بمثابة لحظة حاسمة في خسارة الولايات المتحدة لمصداقيتها الدولية، التي تزايدت وتيرتها كل عام منذ ذلك الحين. قد ندم باول لاحقاً على ما قاله. ويبدو أنه مُقدَّر لأوستن فعل الشيء نفسه بعد فوات الأوان.

الهاوية

لقد قادت إسرائيل الآن مؤيديها إلى الهاوية، حيث لا يوجد سلام أو حتى احتمال لتحقيقه، ولا توجد هزيمة لحماس، ولا يوجد احتمال لتشكيل حكومة ما بعد الحرب، ويتضاءل الردع أمام جميع الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة، مع احتمال نشوب حرب إقليمية منخفضة المستوى على جميع حدود إسرائيل في وقت واحد.

ربما كان الشيء الأكثر غباءً الذي فعلته مصادر أمنية إسرائيلية يوم الأحد، 14 أبريل/نيسان، هو التبجح علناً بشأن التعاون الذي حصلت عليه من سلاح الجو الأردني الذي ساعدها على إسقاط الطائرات المُسيَّرة وصواريخ كروز الإيرانية.

وتفاخرت مصادر إسرائيلية باعتراض صواريخ متجهة إلى القدس المحتلة على الجانب الأردني من غور الأردن، وأخرى بالقرب من الحدود السورية؛ إذ كانت الرسالة التي أرادت إسرائيل إيصالها هي أنه على الرغم من المظاهر، فإنَّ لها حلفاء في المنطقة مستعدون للدفاع عنها.

لكن هذه لعبة حمقاء إذا أرادت إسرائيل الحفاظ على النظام الملكي الأردني الضعيف للغاية، ومحاربة تيار الرأي العام الراغب في اقتحام الحدود.

هجمات إيران

طائرات عسكرية أردنية – رويترز

ربما كان الأردن ذا وجهين في الماضي، إذ مرر الملك حسين معلومات استخباراتية إلى صديقه مُدخِّن السيجار، رئيس الوزراء السابق الراحل إسحاق رابين.

لكن هذه هي المرة الأولى التي يمكنني تذكرها والتي ينضم فيها الجيش الأردني، الذي لا يزال يحمل اسمه الأصلي منذ وقت التحرير من الإمبراطورية العثمانية باسم “الجيش العربي”، بالفعل إلى القتال لحماية حدود إسرائيل. وهذا خطأ فادح.

وفي الوقت الذي كان سكان الأردن، سواء من الفلسطينيين أو سكان الضفة الشرقية، يهتفون لتلك الصواريخ أثناء توجهها نحو أهدافها، كان الجيش الأردني يُسقِطها نيابةً عن إسرائيل.

لا تقيم إسرائيل علاقات إلا مع القادة العرب الذين يتحدّون إرادة شعوبهم ويفرضون عليها حكمهم الفاسد. وربما يوفر التحرك الأردني يوم السبت 13 أبريل/نيسان، المساعدة لإسرائيل على المدى القصير، لكنه على المدى الطويل يسبب مشكلات على أطول حدود إسرائيل.

وربما تحتفل إسرائيل بحقيقة أنَّ لديها حلفاء حقيقيين، لكنها بذلك تقوض شرعية أصدقائها بدرجة قاتلة.

لقد أوصلت إيران رسالتها، وأصبحت إسرائيل أضعف نتيجة لذلك. فهذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها لهجوم مباشر من إيران التي أعطتها، مثل حماس، الانطباع بأنها غير مهتمة بالتورط في حرب. وهذه هي المرة الأولى أيضاً التي يطلب فيها بايدن من إسرائيل عدم الرد. وبعد مثل هذا الهجوم، تبدو الصورة سيئة؛ فإسرائيل تحتاج إلى آخرين للدفاع عنها، وليست حرة في اختيار كيفية الرد.

كما يترك هذا الهجوم حاميتها، الولايات المتحدة، تبحث عن خيارات سياسية. فكل شيء، في هذه اللحظة، يبدو سيئاً.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

————————-

الرد الإيراني.. خلفياته وتأثيره على المقاومة الفلسطينية/  زياد بو مخلة

2024/04/15

منذ استهداف الطائرات الإسرائيلية القنصلية الإيرانية بدمشق، مطلع أبريل/نيسان الجاري، والذي أدّى إلى مقتل 7 ضباط في الحرس الثوري؛ بينهم قائد العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، دخل العالم في حالة ترقب كبير لطبيعة وحجم الرد الإيراني المتوقع، خاصة مع ما رافق ذلك من سيولة غير مسبوقة في التغطية الإعلامية     والتحليلات السياسية والاستراتيجية، لتداعيات هذا الأمر على التوازنات الإقليمية والدولية وإمكانية أن يدفع الرد إلى توسع رقعة الحرب الدائرة منذ 7 أشهر في قطاع غزة.

أتت عملية “الوعد الصادق” -كما وصفها الحرس الثوري الإيراني- كرد على الاستهدافات الإسرائيلية المتعاقبة للمستشارين الإيرانيين في سوريا، والعملية الأخيرة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق خاصة. وحظي الرد الإيراني بتفاعل كبير على مختلف وسائل التواصل الاجتماعية وبين النخب العربية والإسلامية بين من اعتبره حدثاً غير مسبوق وبين من وصفه بـ”المسرحية”، وهو ما يؤكّد حجم التناقض الذي يشق العالم العربي والإسلامي في تقييم الدور الإيراني في الحرب الدائرة خصوصاً وفي المنطقة عموماً، ويعكس الجدل الكبير الذي يرتبط بتقدير موقع إيران في الأمة الإسلامية وطبيعة مشروعها.

وبعيداً عن كل المواقف المتشنجة من جهة أو المغالية من جهة أخرى في تناول الموقف من إيران، كان الوصف الرسمي للرد الإيراني، سواء مع ما جاء على لسان وزير الخارجية اللهيان أو قيادة الحرس الثوري، هو الأدق والأوضح في فهم طبيعة الرد وحدوده وخلفياته.  

فقد أبلغت ايران الولايات المتحدة أن العملية ستكون محدودة، وأنّها تأتي في إطار الدفاع عن النفس، ولن تشمل أهدافاً اقتصادية أو مدنية، وهو ما يؤكّد أنّ إيران كانت -ومازالت- حريصة على عدم توسع الحرب الدائرة في قطاع غزة، وأنّها تحركت في ضوء كسر دولة الاحتلال لقواعد الاشتباك، ولضمان عدم عودة الاحتلال الإسرائيلي لخرق المعادلة، وهي التي اختارت منذ الأيام الأولى -أي إيران- تحديد قواعد للاشتباك بينها وبين الاحتلال من خلال حليفيها في المنطقة (حزب الله في لبنان وجماعة أنصار الله في اليمن) دون التدخل المباشر في الحرب.

الرد جاء كذلك في سياق الدفاع عن سيادة إيران كدولة إقليمية مؤثرة في المنطقة وليس في ارتباط مباشر بطوفان الأقصى، حيث فهمت طهران استهداف القنصلية وما سبقه من اغتيالات على أنّه توجه من إسرائيل لاستصغارها وإهانتها أمام حلفائها أولاً ومنافسيها ثانياً وخصومها ثالثاً، وهو ما جعل إيران في تقديرنا، تحرص من خلال عمليتها على  كسر هذا التوجه برسم قواعد جديدة للاشتباك غير التي كانت قائمة، ومزيد من إرهاق قوة الردع لدى دولة الاحتلال.

الرد الإيراني.. خلفياته وتأثيره على المقاومة الفلسطينية

صورة لإطلاق صاروخ إيراني من أصفهان ضمن الهجوم الذي استهدف الاحتلال الإسرائيلي – رويترز

 ورغم أنّ الرد الإيراني جاء في سياق ما ذكرناه من حفاظ على هيبة إيران كلاعب إقليمي أساسي، فإنّه بالمحصلة يخدم المقاومة الفلسطينية ويعزّز موقفها من ناحية إثباته هشاشة إسرائيل وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بمفردها، وحاجتها الدائمة للرعاية الغربية الأمريكية التي تحول عملياً دون سقوطها. ومن جانب أنّه زاد في التضييق وفضح محور التطبيع والدول الراعية له.

لقد أثبتت العملية الإيرانية أمرين مهمين: الأول أنّ العقل الإيراني عقل بارد و”براغماتي” لا تأخذه سخونة الأحداث والمواقف، ويحافظ على خطة سيره الاستراتيجي، وبالعودة للماضي القريب فقد حافظت إيران على علاقتها مع حماس رغم موقف الأخيرة من الثورة السورية، لأهمية هذه العلاقة وما توفره من مكاسب متبادلة للطرفين، واليوم لا تريد إيران أن تقطع شعرة معاوية مع الغرب والولايات الأمريكية خاصة، وتريد أن تحافظ على موقف قوي لإدارة مفاوضاتها فيما يخص ملفها النووي، فضلاً عن ملفات إقليمية أخرى مهمة، ولن تنساق لحرب مدمرة غير قادرة على تحمل أعبائها، وتضرب بالنتيجة خط سيرها الاستراتيجي. والثاني أنّ الدول بشكل عام والدول العريقة في السياسة والتي تملك مشروعاً بشكل خاص -مهما اختلفنا معها أو اتفقنا- تقودها مصالحها أولاً ومصالحها دائماً، ولا تتجاوب مع رغبة الجماهير إلا بما يخدم أهدافها.

لكن في المقابل يجب فهم حالة “التهكم” التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالعملية الإيرانية أولاً في إطار الموقف من إيران بشكل عام، فالشعوب العربية مازالت حديثة عهد بالدور الإيراني في سوريا ودعمها لنظام الأسد وما ارتكبه من جرائم في حق شعبه، فضلاً عن دورها في كل من لبنان واليمن والعراق، ولا يجب هنا التجني على وعي الشعوب بنسبته لأجندات مناوئة لإيران أو انسياق خلف أجندات مشبوهة، فنفس هذه الشعوب دعمت واحتفت بنصر المقاومة اللبنانية سنة 2006، وتحتفي بما يقدمه الحوثيون اليوم نصرة لغزة. وثانياً في سياق أنّ الرد جاء غير متناسب مع حالة “البروباغاندا” التي رافقت التهديد برد قوي ومؤثر. ولا أظنّ أنّ عاقلاً في هذه الأمة يتمنى لإيران الدخول في حرب مدمرة ويرغب في رؤية الاحتلال الإسرائيلي يحتفي بنجاحه في رد الهجوم الإيراني.

وبالنتيجة فإنّ إيران نجحت في كسر قواعد الاشتباك وتحافظ على معادلة ردع مهمة مع دولة الاحتلال، ولكن يبدو أنّ تداعيات العملية الإيرانية، مازالت غير قابلة للتقدير الدقيق من ناحية طبيعة الرد الإسرائيلي المتوقع ومدى التزام نتنياهو  بالسياسة الأمريكية بعدم توسيع الحرب، رغم أنّ الموقف الأمريكي في هذا السياق جاء ملتبساً بتعبيره عن ترك تحديد طبيعة الرد للحكومة الإسرائيلية. فقد يجد نتنياهو في العملية المبرر لتوسيع الحرب بما ينقذه من مستنقع غزة ويزيد من عمره السياسي، ويفرض على أمريكا والدول الغربية الدخول فيها، ولكنّه يمكن كذلك أن يستثمر ما حصله من دعم وترميم لعلاقاته مع بعض الدول الغربية بعد العملية، لمواصلة حربه في غزّة واجتياح رفح، بغية تحقيق مكاسب لم يحققها بعد ولن يحققها.

———————–

بعد ضربة إيران.. هل تتوسع الحرب في الشرق الأوسط؟!/ زيد إسليم

2024/04/14

في ظل التحولات الكبيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز نية الاحتلال الإسرائيلي لدفع المنطقة بأكملها إلى حرب إقليمية. من خلال استمرار سلسلة من الأعمال العسكرية الهمجية ضد الفلسطينيين في غزة، وعرقلة مسار المفاوضات، بجانب زيادة التدخلات والضربات العسكرية في سوريا، لبنان، العراق، واليمن، تهرب إسرائيل إلى الأمام عن طريق جر إيران، وليس أذرعها فقط لمواجهة مباشرة.

منذ تأسيسها، لعبت إسرائيل دوراً محورياً في تهديد استقرار الشرق الأوسط، حيث رفضت بشكل مستمر أية محاولات حقيقية للسلام، مفضلة بدلاً من ذلك فرض هيمنتها على المنطقة. تستفيد إسرائيل في سعيها هذا من دعم أمريكي شامل يشمل المجالات العسكرية والدبلوماسية. على مر السنين، أدى هذا النهج إلى تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما زاد الأوضاع تعقيداً ودفع الصراع الإقليمي نحو المزيد من التصعيد.

المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم، يشير إلى أن إسرائيل قد تخلت تماماً عن التزاماتها بموجب اتفاقيات أوسلو، ما يدل على أن السلام لم يكن أبداً هدفاً حقيقياً للسياسة الإسرائيلية. فعوضاً عن دعم بناء قيادة فلسطينية قوية وموحدة، اعتمدت إسرائيل، خاصة خلال الفترات الخمس التي تولى فيها نتنياهو منصب رئيس الوزراء، استراتيجية “فرّق تسد”. هذه السياسة كانت واضحة في تعاملات إسرائيل مع الفلسطينيين، خاصة عندما بدأ الفلسطينيون في تسوية خلافاتهم الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حماس وفتح. ففي كل مرة كانت هناك محاولة لتوحيد الصف الفلسطيني، كانت إسرائيل تشن عمليات تخرب هذه الوحدة.

حتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة في عام 2005، والذي قدم على أنه خطوة نحو السلام، لم يكن في الحقيقة جزءاً من تسوية شاملة، بل كان استراتيجية لإعادة ترتيب السيطرة الإسرائيلية وتعزيز الانقسامات الفلسطينية، ما يؤكد استمرارية سياساتها التي تهدف إلى إضعاف أي شريك فلسطيني محتمل في مفاوضات السلام. من خلال هذه الأفعال، أظهرت إسرائيل بوضوح أنها غير راغبة في وجود شريك فلسطيني حقيقي يمكن أن يهدد سيطرتها على المنطقة.

ويبدو أن واقع اليوم يشير إلى أن الهمجية والعدوان الإسرائيلي لن يقف عند حدود فلسطين، فها هي إسرائيل ونتنياهو تحديداً، يدفعان لإشعال حرب إقليمية، حيث تقوم إسرائيل بشن عمليات عسكرية نشطة على 5 جبهات من غزة، سوريا، لبنان، العراق، واليمن، وإيران.

ولعل الفارق البارز في الأحداث (ضربة إيران) التي شهدتها المنطقة أمس يكمن في تحول مسار من مجرد اشتباكات بين إسرائيل وفواعل ما دون الدولة إلى أول صدام مباشر بين دول في الشرق الأوسط خلال الأشهر  الستة الماضية، حيث كسرت قواعد الاشتباك أمس بين إيران وإسرائيل، وتحولت من مجرد من مواجهات بين الاحتلال وأذرع إيران إلى صدام مباشر، ممثلاً برشقات صاروخية مباشرة من إيران على الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سابقة تُعد الأولى منذ هجمات العراق خلال حرب الخليج عام 1991.

هذا التحول لم يكن دون تكلفة، حتى وإن لم تظهر آثار دمار واسعة في إسرائيل. البعد الاقتصادي لهذه المواجهة يكشف عن أعباء مالية ضخمة. وفقاً لتقرير من “يديعوت أحرونوت”، أنفقت إسرائيل في ليلة واحدة مبلغاً يقدّر بحوالي 5 مليارات شيكل (1.35 مليار دولار) لصد هجوم مكثف من المسيّرات والصواريخ الإيرانية. هذا المبلغ المهول يقابله تقديرات تفيد بأن إيران أنفقت فقط حوالي 10% من هذا الرقم، مما يبرز التفاوت الكبير في النفقات بين الجانبين ويعكس العبء الاقتصادي الذي قد تتحمله إسرائيل في حال توسع نطاق النزاع.

بينما رمزياً، تعتبر هذه الرد تذكيراً بقدرة إيران على إمكاناتها لتكبيد إسرائيل خسائر كبيرة بشكل مباشر، ما يحمل دلالات استراتيجية قد تؤثر على مجريات الصراع المستقبلي في المنطقة. لكن رغم ذلك، يظل السؤال مطروحاً حول كيفية استجابة الأطراف المختلفة لهذه التحديات الجديدة والمتصاعدة.

لكن هذا التطور الأخير، يظهر تغييراً خطيراً في توازن الردع بالمنطقة، ما يعزز من احتمالية تحول العمليات العسكرية المحدودة إلى حرب إقليمية مفتوحة—وهو سيناريو أصبح الآن أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى.

————————-

إيران تشنّ هجومًا على إسرائيل ردًّا على قتلها قادةً في فيلق القدس/ مايكل يونغ

 15 نيسان/أبريل 2024

ماذا حدث؟

في ليل 13-14 نيسان/أبريل الجاري، نفّذت إيران هجومًا على إسرائيل، ردًّا على قتلها عناصر رفيعي المستوى في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، من ضمنهم قائد فيلق القدس في سورية ولبنان محمد رضا زاهدي، ورئيس هيئة الأركان العامة لفيلق القدس في سورية ولبنان حسين أمان اللهي، وقائد العمليات المتعلّقة بفلسطين محمد هادي حاجي رحيمي. وقد أطلق الإيرانيون نحو 200 صاروخ وصواريخ كروز وطائرات مسيّرة على إسرائيل، لكن أعلن المسؤولون العسكريون الإسرائيليون عن تدمير معظمها، وأنها لم تلحق سوى أضرار طفيفة.

كان الردّ الانتقامي الإيراني متوقّعًا، حتى إن مسؤولين أميركيين تنبّأوا بالتوقيت المحدّد للهجوم المرتقب إلى وسائل الإعلام. الحملة الترويجية الكبيرة الذي سبق هذه العملية، والتطمينات الإيرانية بأن الاستجابة ستسعى إلى تجنّب نشوب صراع إقليمي، وإدراك إيران أن إسرائيل والولايات المتحدة ستتمكّنان من رصد إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة في وقتٍ مبكر واعتراض عددٍ كبير منها، كلّها عوامل تشير إلى أن الإيرانيين أرادوا على الأرجح إحداث تأثير نفسي أكثر من التسبّب بالكثير من الموت والدمار.

في هذا الصدد، من المنظور الإيراني، ما من صور كثيرة تُعدّ أقوى من مشهد الصواريخ التي تحلّق فوق المسجد الأقصى في القدس. فهذا الأمر يرمز على أفضل وجه إلى طموحات إيران بتحرير أحد أقدس المواقع في الإسلام من السيطرة الإسرائيلية، ويجسّد في الوقت نفسه نقاط ضعف إسرائيل في وجه محور المقاومة بقيادة إيران.

أين تكمن أهمية المسألة؟

لطالما افترضت إسرائيل أن ضمان أمنها لا يتحقّق إلّا إذا كان ميزان القوة العسكرية بينها وبين أعدائها يميل بشدّة لصالحها. هذا يعيد إلى الأذهان فكرة “الجدار الحديدي” التي تحدّث عنها أولًا المفكِّر الصهيوني التصحيحي زئيف جابوتنسكي، الذي جادل في مقال في العام 1923 بأن الاستيطان اليهودي لفلسطين يجب أن يمضي قدمًا خلف “جدار حديدي” من التفوّق العسكري الإسرائيلي الكاسح. وهذا لأن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على الوجود اليهودي في فلسطين، “هي الجدار الحديدي، أي القوة الصلدة في فلسطين التي لا تذعن إلى أي ضغط عربي. بتعبير آخر، تكمن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى اتفاقية في المستقبل في التخلّي عن كل فكرة تسعى إلى إبرام اتفاقية في المرحلة الراهنة”.

واليوم، عمَدت إسرائيل إلى تمديد هذا المبدأ ليشمل المنطقة بأكملها. وعلى الرغم من أن جابوتنسكي كان عدوًا للحركة العمّالية الصهيونية التي هيمنت في نهاية المطاف على الحياة السياسية الإسرائيلية طيلة عقود، تبنّت القيادة والجيش الإسرائيليَّين منذ مدّة فكرة “الجدار الحديدي”. لهذا السبب كان الردّ على الهجمات التي شنّتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر شرسًا للغاية. يمثّل هذا أيضًا الأساس المنطقي لِما يُعرف بـ”عقيدة الضاحية” التي صاغها الجنرال الإسرائيلي غادي أيزنكوت، وهو حاليًا وزير في الحكومة الإسرائيلية. هذه الاستراتيجية، التي برزت للمرة الأولى في العام 2006 خلال الحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان، ترتكز على قيام إسرائيل بتدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية لخصومها بشكلٍ غير متكافئ لثنيهم عن مهاجمتها مجدّدًا.

لكن إسرائيل تجاوزت خطًّا أحمر إيرانيًا حين قصفت مجمّع السفارة الإيرانية في دمشق يوم 1 نيسان/أبريل. فيما قبل الإيرانيون نوعًا ما القتل الإسرائيلي الممنهج لشخصيات من الحرس الثوري وعناصر من حزب الله على مرّ السنين في سورية، يمكن تبرير ذلك بأن إيران كانت ماضية بنجاحٍ في إقامة بنية تحتية عسكرية في جنوب سورية قادرة على استهداف إسرائيل والجولان المحتلّ. وبالتالي، من غير المنطقي تعريض هذا المجهود للخطر من خلال الدخول في مواجهة واسعة مع إسرائيل، وربما حتى مع الولايات المتحدة.

أما الهجوم على مجمّع السفارة فقد حمل بُعدًا مختلفًا. فهو لم يؤكّد فقط استعداد إسرائيل لتجاهل الحماية الدبلوماسية (على الرغم من أن مؤيّدي إسرائيل جادلوا بأن المبنى الذي قُتل فيه قياديّو الحرس الثوري، لم يكن، من الناحية التقنية، مبنى دبلوماسيًا)، بل وقع أيضًا في سياق أوسع بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر،سعت خلاله إسرائيل إلى تعديل قواعد الاشتباك في سورية ولبنان بما يصبّ في مصلحتها، مقلّصةً هامش المناورة المتاح أمام إيران وحزب الله. بعبارة أخرى، دخلت هذه الخطوة في صميم التنافس بين إسرائيل وإيران على الهيمنة الإقليمية، وكان واضحًا أن طهران لن تسمح بحدوث ذلك.

الأكثر مدعاةً للقلق أن قصف مبنى القنصلية ربما كان أيضًا محاولةً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجرّ الولايات المتحدة إلى صراعٍ مع إيران. فمن الأولويات الإسرائيلية إضعاف الإيرانيين وبرنامجهم النووي بشكلٍ حاسم، لكن تحتاج إسرائيل إلى انخراط الولايات المتحدة في حملة القصف على الجمهورية الإسلامية لينجح ذلك، مع أملها أيضًا بالإطاحة بالقيادة الإيرانية. لقد نجحت واشنطن في تفادي ذلك مرارًا وتكرارًا. وبحسب شبكة NBC News ، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن قلقه إزاء نية نتنياهو الدفع نحو حربٍ أوسع، لذلك سعى سريعًا إلى تقييد خيارات إسرائيل.

ما هي التداعيات في المستقبل؟

في المستقبل القريب، كان النبأ الأساسي في صبيحة يوم 14 نيسان/أبريل المحادثة التي أجراها بايدن مع نتنياهو وتطرّق فيها بوضوح إلى مسألتَين اثنتَين: الأولى أن إيران لم تتمكن من التسبّب بأضرار كبيرة، ولذلك يتعّين على إسرائيل اعتبار أنها حقّقت نجاحًا. فقد نُقِل عن بايدن قوله: “حقّقتم فوزًا. فاقبلوا بهذا الفوز”. أما الثانية فهي أن الولايات المتحدة لم ترَ، في ضوء الفشل الإيراني، أيّ داعٍ للتوجّه نحو مزيدٍ من التصعيد والتسبّب بصراعٍ على صعيد المنطقة. تبعًا لذلك، إذا قرّرت إسرائيل الردّ على إيران، فإن إدارة بايدن لن تشارك في أي عملية من هذا القبيل.

لم يتّضح بعد كيف سيكون الردّ الإسرائيلي. فقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن التشنّجات مع إيران “لم تنتهِ”، بعدما كان نتنياهو قد صرّح، مساء 13 نيسان/أبريل، أن “مَن يؤذينا سنؤذيه. سندافع عن أنفسنا ضدّ أي تهديد وسنفعل ذلك بكل حزم وتصميم”. من الممكن أن يقرّر نتنياهو الردّ من تلقاء نفسه، ولكن إذا كان الهدف إعادة إرساء ردعٍ متكافئ، فهو لا يستطيع أن يسمح بأن تكون الاستجابة دون المستوى المطلوب. تشير كل الدلائل إلى أن إيران تحتفظ بمجموعة واسعة من الوسائل لإلحاق الأذى بإسرائيل وإنهاكها من خلال تكبيدها الكثير من الجروح الصغيرة. علاوةً على ذلك، لا تزال قوات نتنياهو تقاتل في غزة، لذا من شأن تصعيد النزاع إقليميًّا أن يزيد من تعقيدات المعركة الطاحنة ضدّ حركة حماس.

عمومًا، تبدو إسرائيل، لأوّل مرّة في تاريخها، مكشوفةً على نحو خطير. ربما لا تواجه البلاد تهديدًا وجوديًّا، ولكنها تجني ثمار سياسة انتهازية تقوم إلى حدٍّ كبير على تجاهل الحقوق الفلسطينية والعربية، وتقطع الطريق على جميع السُّبل التي قد تُرغم إسرائيل على التنازل عن أراضٍ تحتلّها. لقد استغلّ الإيرانيون ذلك جيّدًا، وحتى لو لم تتسبّب هجماتهم الأخيرة بدمار واسع، فإن الضربات المقبلة، ولا سيما تلك التي تُنفَّذ من دون إنذار مسبق، قد تكون أكثر دموية. وهذا في حدّ ذاته كافٍ لتقول إيران إنها أعادت فرض توازن الردع، حتى لو لم يتبيّن بعد ما إذا كانت أي هجمات إضافية ضدّ مسؤولين إيرانيين في سورية ستستدعي ردًّا مماثلًا انطلاقًا من الأراضي الإيرانية.

هذه النظرة التي توحي بالعجز هي ما يثير سخط القادة الإسرائيليين. لطالما أظهرت إسرائيل نفسها في موقع قوّة. وقد نجح الإيرانيون في خدش تلك الصورة. يصعب أن نرى كيف يمكن لنتنياهو أن يأخذ باقتراح بايدن “القبول بالفوز”، في حين أن طبيعة الهجوم الإيراني تشير إلى أقل من ذلك.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

———————————–

بين إيران وإسرائيل.. حرب الانتخابات الرئاسية الأميركية/ منير الربيع

2024.04.15

تسعى إيران لأن تكون ناخباً أساسياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما تسعى لأن تكون شريكة أساسية في أي صيغة سياسية مستقبلية لوضع المنطقة في المرحلة المقبلة انطلاقاً من قطاع غزة. هذان السببان أجّلا الردّ الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق.

ما إن وقعت الضربة تصاعدت التهديدات الإيرانية بالردّ العنيف والمدوي. في حين سارعت الولايات المتحدة الأميركية لإيصال رسائل تنفي أي علاقة لها بالعملية. تدخلت أميركا مع إيران لتخفيف حدة الردّ ولتجنب توسيع الصراع. التقطت طهران الإشارة، ورفعت مطلباً واضحاً أن البديل عن الردّ وتجنبه يمكن أن يتحقق بضغط أميركي جدي على إسرائيل للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

تزامنت العملية على القنصلية مع استهداف إسرائيلي لمجموعة من المطبخ العالمي ما أحدث أزمة بين تل أبيب ودول عديدة، فارتفع منسوب الضغط على إسرائيل، ووجد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه محرجاً ومطوقاً، بمواقف خارجية، وبصراعات داخلية بينه وبين المعارضة، وبينه وبين أعضاء حكومته. استغلت إيران هذه الظروف كلها ووسعت من هامش مفاوضاتها مع الأميركيين الذين أيضاً يرفضون أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح، هنا حصل التضارب مجدداً بين نتنياهو وبايدن الذي انتقد بوضوح كل المسار الذي يسلكه رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ما تسعى إليه إيران هو انتزاع وقف لإطلاق النار في غزة، ووقف لمسار العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوبي لبنان بالإضافة إلى مواصلة التفاوض مع أميركا على معالجة وضع اليمن والملاحة في البحر الأحمر. تراهن إيران على حجم الضغوط الأميركية الكبرى على نتنياهو، والتي تبدأ من محاولة فرض هدنة إنسانية تتطور إلى وقف لإطلاق النار. وكانت إيران وحلفاؤها قد استبقوا أي محاولة لوقف النار بالقول إنه بمجرد وقفها فهذا يعني هزيمة إسرائيل وانتصار المقاومة في غزة، وهو ما تسعى إليه حركة حماس أيضاً من خلال التمسك بشروطها وعدم التراجع، بالإضافة إلى رفض مسألة البحث في مرحلة ما بعد الحرب وما يحكى خارجياً عن “كيفية إدارة القطاع”.

 إيران تسعى مع الولايات المتحدة الأميركية للحصول على ضمانات بوقف استهداف إسرائيل لحلفائها في المنطقة، وخصوصاً لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، إلى جانب وقف استهداف القوات الإيرانية في سوريا. أي هدنة في غزة ستكون إيران مهتمة بأن تنسحب على كل الساحات الأخرى، وهي تطالب بضمانات بعدم مضي إسرائيل باستهداف حزب الله في لبنان، خصوصاً بعد الكثير من الإشارات الإسرائيلية والأميركية نقلاً عن إسرائيليين بأن وقف الحرب في غزة سيدفع إسرائيل إلى التصعيد ضد لبنان. حتى الآن أميركا لم تنجح في الحصول من إسرائيل على هذا التعهد. إذ تهدف إسرائيل لاستمرار الحرب وإطالتها وفق ادعاء مواجهة النفوذ الإيراني والذي يدعيه الإسرائيليون في سوريا من خلال عملياتهم المستمرة.

تقف إيران إلى جانب جو بايدن في انتخاباته، وهي توصل له رسائل بأن وقف إطلاق النار في غزة وعدم الرد على الضربة الإسرائيليية للقنصلية الإيرانية من شأنهما تعزيز حظوظه الانتخابية. في المقابل نتنياهو يسعى للوقوف انتخابياً بوجه بايدن ويريد أن يكون عنصراً مؤثراً في العملية الانتخابية ولذلك يسعى لإطالة أمد الحرب. هنا يتحول الصراع إلى ما بين نتنياهو من جهة وبايدن وإيران من جهة أخرى. ما سيؤدي إلى الدفع باتجاه إسقاط حكومة الحرب الإسرائيلية والذهاب إلى انتخابات مبكرة بناء على دعوة بني غانتس وزعيم المعارضة يائير لابيد. لكن إسقاط الحكومة وانتظار الوصول إلى لحظة الانتخابات، سيكون نتنياهو محشوراً ومجروحاً، ويمكن أن يذهب إلى خيارات غير متوقعة تسهم في تفجير الوضع بالمنطقة ككل.

تلفزيون سوريا

—————————

إيران الوصيّة على الأسد/ حسن النيفي

2024.04.14

في الوقت الذي يأخذ فيه السؤال عن ماهيّة ردّ طهران المفترض على استهداف إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من شهر نيسان الجاري حيّزاً كبيراً لدى وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وألوانها، يجنح كثير من الساسة والمتابعين إلى تفسير صمت نظام الأسد حيال الحرب على غزة وانضباطه الكامل بما يسمى قواعد الاشتباك مع الكيان الصهيوني، على أنّه إرهاصات عملية نحو انتهاج سياسة الابتعاد التدريجي عن إيران، ويعزّز هؤلاء زعمهم بما يشاع عن خروقات أمنية بالغة الدقّة والأهمية أتاحت لإسرائيل تحديد هدفها بدقة عالية، ما يعني أن تلك الخروقات المزعومة لا يمكن أن تحصل إلّا من جهات أمنية رفيعة المستوى وليست بعيدة عن الدائرة الأمنية الضيّقة المحيطة برأس النظام في دمشق.

قبل نفي أو تأكيد هذا الزعم تنبغي الإشارة إلى أن الرهان على انفكاك نظام الأسد عن إيران لم يكن وليد الظرف الراهن، بل هو رهان عربي قديم يعود إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، إذ تمكّن حافظ الأسد طوال سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) من إيهام دول الخليج بأنه صمّام الأمان الذي يحول دون استهداف الخميني لأمن الخليج العربي، كما تمكّن من إيهام كثيرين بأن نظامه يجسّد عماد التوازن الرادع لأي انفلات أمني يمكن أن تفضي إليه مواجهة عربية إيرانية في المنطقة، تلك كانت استراتيجية الأسد الأب التي ضمنت له ديمومة الابتزاز المالي الموازي لمنطق الاستعلاء والصلف الذي اتسم به خطابه السياسي المناور ونهجه البراغماتي المُستمَد من منطق الممانعة والمقاومة الافتراضية التي ما تزال تنطلي على جمهور كبير من العرب.

وقد كان لتوقف الحرب بين طهران وبغداد – آنذاك – نتائج كارثية من الجانب الاقتصادي على نظام دمشق، إذ توقّف شريان الابتزاز المالي الذي كان يعتاش عليه حافظ الأسد من دول الخليج، ومرت سوريا بسنوات عجاف نتيجة الشح الاقتصادي الذي تزامن مع حصار أميركي أوروبي أدّى إلى فقدان معظم الحاجيات المعيشية للمواطن السوري، إلى أن جاءت حرب الكويت (1990 – 1991) وأعادت لنظام الأسد فرصة الانتعاش من جديد عبرَ انخراطه بالتحالف الدولي في حربه على العراق.

يمكن التأكيد على أن هواجس العرب من الخطر الإيراني ما تزال قائمة طالما أن استراتيجية إيران التي أسسها الخميني ما تزال قائمة هي الأخرى، إلّا أن تلك المخاوف ربما يرتفع منسوبها أو ينخفض وفقاً لسياسات الدول الكبرى حيال إيران، وتحديداً السياسة الأميركية التي شهدت في عهد الحزب الديمقراطي عبر حكومتي ( أوباما وبايدن) انفتاحاً صريحاً ومهادنة لا لبس فيها حيال طهران، وبات الخطاب الأميركي يوحي بوضوح نحو المضي في احتواء خطر إيران عبر الإقرار بمصالحها في المنطقة والتفاهم معها بدلاً من التصادم أو الإجهاز عليها، الأمر الذي أجّج من جديد مخاوف دول الخليج من سطوة المدّ الإيراني وتداعياته على أمن تلك الدول واستقرارها، وهكذا عاد من جديد استحضار فكرة (الوسيط أو صمّام الأمان المزعوم) إلى الأذهان، وقد بدأت الترجمة العملية لتلك الفكرة بإعادة البحرين والإمارات فتح سفارتيهما في دمشق أواخر العام 2018، وفي العام 2021 أقدم الأردن على إعادة علاقاته مع نظام دمشق، بعد زيارات متبادلة لبعض وزارتي البلدين، ثم تبنّى مشروع ما سُمّي (خطوة مقابل خطوة) الذي لاقى دعماً روسياً وخليجياً وأميركياً بآن معاً، في مسعى يهدف إلى تعويم الأسد ودمجه في المحيط العربي، ثم تكللت تلك المساعي بعودة العلاقات السعودية مع دمشق موازاة مع إعادة الأسد إلى الجامعة العربية وحضوره قمة جدة في شهر أيار/مايو من العام الماضي. ولعل ما لا يمكن نكرانه أن الانعطافة العربية تجاه الأسد جسّدت قناعة معظم الدول العربية بأن بشار الأسد ليس المقصود بذاته، بل يمكن أن يكون بوابة لاسترضاء إيران، وبهذا تعود استراتيجية الأسد الأب من جديد ليستثمرها الابن، ولكن في ظروف مختلفة جذرياً عما كان عليه الأمر من قبل، سواءٌ بالنسبة إلى سوريا أو الدول العربية الأخرى.

على أي حال، ثمة جملة من المعطيات ربما تكون موجعة للعرب، ولدول الخليج والأردن على وجه التحديد، ولهذا يمكن التأكيد على أن جميع الذين يبدون التوسّم خيراً بالأسد، دواخلهم تضمر خلاف ذلك، ولكن ما الذي يجبرهم على “تجريب المُجرّب” كما يقال؟ أهو الجهل بطوّية نظام دمشق؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك، ولا صلة لهذا الأمر أيضاً بأي جانب مصلحي ذي صلة بالتنمية أو الاقتصاد أو أي مصلحة مجتمعية أخرى، بل يمكن التأكيد على أنها المصلحة الأمنية أولاً، وأمن أنظمة الحكم على وجه التحديد، إذ إن هذا الجانب هو البوصلة التي توجّه سياسات معظم الأنظمة العربية، بعيداً عن أي مصالح أو مواقف أو مبادئ حتى ولو طالت مصائر شعوبها. لعل العصا الإيرانية ما تزال الكابوس الذي يقض مضاجع معظم دول المنطقة، وطالما استمر الرادع الأميركي في مهادنة تلك العصا ومغازلتها فلا غرابة أن يكون الأسد محطة عبور نحو التماس الأمان وفقاً للمثل للقائل: “كلب الأمير أمير”.

ثمة أمور ثلاثة لا ينبغي أن تغيب عن ذي لب، يحيل الأول إلى أن عضوية العلاقة بين دمشق وطهران لم يعد الأسد فاعلاً بالتحكّم بسيرورتها، أعني أن إيران تجاوزت مرحلة الشريك للأسد في حكم سوريا وباتت بمنزلة الوصيّ عليه، وبهذا لم يعد الظن بقدرة الأسد على الابتعاد أو الاقتراب في العلاقة قائماً. ويحيل الأمر الثاني إلى أن انضباط الأسد والتزامه بالصمت حيال ما يجري في غزة ليس أمراً جديداً، وهل استطاعت قوات الأسد الردّ ولو لمرة واحدة على القصف الإسرائيلي المتكرر منذ سنوات داخل الجغرافيا السورية؟ ألا يعلم رأس النظام قبل سواه أنه مدين لإسرائيل في بقائه بالسلطة بعد كل هذا الخراب؟ وهل سمحت السلطات السورية لمظاهرة واحدة مناصرة لغزة في أيٍّ من مناطق سيطرتها؟ أما الأمر الثالث فيؤكّد أن إيران ليست محتاجة للأسد عسكرياً، ولا تريد من الأسد أن يبادر بأي مشاغبة حيال إسرائيل، ما تريده إيران هو الجغرافيا السورية، تماما كما لبنان والعراق واليمن، تريد دولاً تجعل منها مسارح لمعارك خارج حدودها بالوكالة، ولتبق هذه الدول مرتعاً للخراب والموت والدمار، وبهذا ستبقى سوريا مجالاً حيوياً لإيران طالما استمر الأسد في السلطة، والاعتقاد بتجريف نفوذ إيران من البلاد السورية مع استمرار السلطة الحالية هو ضرب من الوهم.

——————–

هل يخدم النزاع الإقليمي نتنياهو؟/ سميح صعب

أبريل 16, 2024

اشتعال الشرق الأوسط على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خرج من دائرة التحذيرات ليصير واقعاً على الأرض منذ قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (أبريل) الجاري، ما أسفر عن مقتل مسؤول “فيلق القدس” في الحرس الثوري الجنرال محمد رضا زاهدي وستة من مساعديه، وما استتبع ذلك من رد إيراني ليل السبت الماضي.

وضع الهجوم على القنصلية النظام الإيراني أمام معادلة صعبة، وشكّلت له أكبر تحدٍ منذ اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد في كانون الثاني (يناير) 2020. ومنذ هجوم حركة “حماس” على غلاف غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، والحرب الإسرائيلية على القطاع، نجحت طهران بالتنسيق غير المباشر مع الولايات المتحدة، في منع امتداد النزاع، وبقيت جبهات “المساندة” في جنوب لبنان وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ضمن سياق “مضبوط”.

وتمكن الضغط الإيراني على فصائل الحشد الشعبي في العراق، من وقف الهجمات على قواعد ينتشر فيها جنود أميركيون على الأراضي العراقية والسورية، بعد الهجوم بمسيّرة على موقع مراقبة أميركي في شمال الأردن في وقت سابق من العام، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين، والردّ الأميركي بقصف عنيف لمواقع تابعة لفصائل عراقية موالية لإيران في العراق وسوريا، لتلي ذلك فترة من الهدوء.

وفي وقت تواجه إسرائيل مأزقاً في غزة، بعدما تحول القتال إلى حرب استنزاف ومن دون أن تحقق أياً من الأهداف الأساسية التي حدّدتها الحكومة الإسرائيلية، تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإبرام هدنة موقتة تتيح تبادلاً للأسرى وإدخالاً لمواد الإغاثة بكميات كبيرة إلى غزة، للحؤول دون تفشي الجوع الذي يهدّد فعلاً غالبية سكان القطاع.

ومع اشتداد الضغوط الأميركية على نتنياهو ووصول العلاقات الأميركية-الإسرائيلية إلى أسوأ حالاتها بسبب عدم الإصغاء لمطالب الولايات المتحدة، ووسط تصاعد ضغط الشارع من أجل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإجراء انتخابات مبكرة، ارتأى نتنياهو الانتقال إلى تفجير نزاع إقليمي مع إيران، مدركاً أنّ الإدارة الأميركية، ستكون مضطرة للوقوف مجدداً خلف إسرائيل، لأنّ الرئيس جو بايدن لن يخاطر في سنة الانتخابات الرئاسية، بالتخلّي عن الدولة العبرية، إذا ما اندلعت حرب إقليمية.

الحرب الإقليمية، هي وسيلة نتنياهو لتخفيف الضغط الدولي عن إسرائيل بسبب حربها الدامية على غزة التي أسفرت عن سقوط أكثر من 33 ألف فلسطيني وتدمير نسبة 60 في المئة من المساكن وتشريد أكثر من 1.8 مليون شخص يواجه معظمهم خطر الموت قصفاً أو جوعاً.

كانت الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق، أكبر من أن يمتصها النظام في طهران، وتجاوزت بنتائجها ضربات سابقة، كانت إيران تؤثر عدم الردّ المباشر عليها، أو تردّ عليها في سياقات “حرب الظل” المندلعة مع إسرائيل منذ 2010، وتخللتها عمليات اغتيال إسرائيلية لمسؤولين إيرانيين أو عمليات تخريب لمصانع ومنشآت وهجمات سيبرانية على مرافق مختلفة، وكانت طهران تردّ بهجمات على سفن يملكها رجال أعمال إسرائيليون في مياه الخليج، أو عبر زيادة الدعم لحلفاء إيران في المنطقة.

الغارة الإسرائيلية على القنصلية، أجبرت إيران على الردّ بنفسها وبشكل مباشر من أراضيها. ربما أخطأ نتنياهو في تقدير أنّ طهران لن تتجرأ على مثل هذا الردّ، وبأنّها ستكتفي بردود من قبل “حزب الله” في لبنان أو الحوثيين في اليمن.

وربما يكون نتنياهو أيضاً قد سعى عمداً إلى دفع إيران إلى التخلّي عن سياسة “الصبر الاستراتيجي” وتدخل في نزاع مباشر مع إسرائيل، ليعيد خلط الأوراق وليصور إيران على أنّها هي من تسبب في حرب غزة، من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي، وتالياً ليست “حماس” سوى أداة في خدمة المشروع الإيراني في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، يحرف النزاع الإقليمي المباشر مع إيران وجهة التركيز العالمي على القضية الفلسطينية كما تبدّى في الأشهر الستة الأخيرة. وجهة كهذه تتيح لنتنياهو وللمتشددين في حكومته تنفيذ أجندتهم الخطيرة في غزة والضفة الغربية.

النهار العربي

———————-

قراءة هادئة في معركة غير مفاجئة/ راغب جابر

أبريل 16, 2024

لم تقع الحرب بين إيران وإسرائيل، والأرجح أنها لن تقع أبداً. ما جرى ليل السبت – الأحد لم يكن حرباً على الإطلاق. كان اشتباكاً منتظراً ومعروفاً بشكل كبير لدى مجموعة غير قليلة من الأطراف المعنيين. حتى المواطن العادي كان يعرف أن إيران ستهاجم من أرضها مباشرة بالطائرات المسيرة والصواريخ وهي أسلحتها الفعالة والوحيدة، إذ لا تملك طائرات مقاتلة يمكن أن تطير في أجواء يسيطر عليها أعداؤها. كاد قادة إيران السياسيون والعسكريون المفرطون في تصريحاتهم العسكرية والتهديد بالتدمير والإزالة من الوجود يجاهرون بخططهم وأهدافهم الكثيرة المحتملة في حرب اعتبروها حرباً نفسية تلاعباً بأعصاب الإسرائيليين الذين استنفروا كل إمكاناتهم وحشدوا تأييداً غربياً واسعاً إلى صف قواتهم التي وضعت في حال تأهب.

حصل الاشتباك الذي اعتبره بعضهم مسرحية متفقاً على فصولها بين الطرفين برعاية أميركية أخرجتها بالشكل الذي خرجت به لتعلن كل من إيران وإسرائيل أنها انتصرت في المعركة وحققت أهدافها، فيما اعتبره بعض آخر منعطفاً مهماً في الصراع في الشرق الأوسط، إذ دخلت إيران رسمياً في حلبة الصراع مع إسرائيل وباتت طرفاً مؤثرا فيه، بعدما كانت مشاركاتها تقتصر سابقاً على ميليشياتها المنتشرة في المنطقة ، فيما راح آخرون إلى حد اعتبار أن إيران تورطت في معركة خاسرة أتت نتائجها في غير مصلحتها، لا بل صبت في مصلحة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

قراءة هادئة في الحدث يمكن أن تقود إلى بعض الاستنتاجات المنطقية التي تفسر ما حدث وما يمكن أن يحدث ومن ربح ومن خسر وكيف؟

السؤال الأول البديهي الذي يطرح هو من ربح: إيران أم إسرائيل؟ الجواب البديهي الذي جرى على الألسن وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن الهجوم الإيراني لم يحقق أهدافه، على الأقل تلك التي أعلنها قادة إيران قبل الهجوم، وأن طهران لم تستطع تحقيق أي أهداف ذات قيمة عبر هجوم أعدت له على مدى أقل من أسبوعين بقليل، وجعلت العالم يقف على رجل ونصف بانتظار الرد الساحق الماحق على قصف مبنى قنصليتها في دمشق وقتل سبعة من قياديي حرسها الثوري. في المقابل، ضج الإعلام الإسرائيلي والغربي والعربي بأخبار إسقاط معظم الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى أجواء فلسطين المحتلة أو فوقها.

لكن كانت لإيران ومحورها وجهة نظر مخالفة تماماً، فإعلام هذا المحور روج لنظرية أن إيران حققت أهدافها المرسومة تماماً، وقد حرص القادة الإيرانيون بعد العملية على القول إن الهدف لم يكن أبداً قصف المنشآت الاقتصادية والحيوية ولا إيقاع إصابات في الأرواح، بل كان إيصال رسالة بأن إيران لن تسمح بعد اليوم لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية، وأنها سترد مباشرة على أي اعتداء، وكذلك تأكيد قدرتها على الوصول إلى مفاعل ديمونا النووي وتهديده ما دامت استطاعت إيصال صواريخ إلى قاعدة نتافيم الجوية القريبة من المفاعل، رغم كل الدعم الدفاعي الذي تلقته إسرائيل من حلفائها.

إسرائيل اعتبرت نفسها رابحة في هذه المعركة السريعة التي لم تؤد إلى خسائر في الأرواح، بل إلى أضرار طفيفة في القاعدة الجوية لم تؤثر على حركة الطائرات فيها، علماً أن معظم الطائرات الإسرائيلية كانت في الجو منذ انطلقت الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية من قواعدها في إيران والعراق واليمن، في رحلة طويلة مكشوفة وتحت رقابة الأقمار الاصطناعية الأميركية والبريطانية والفرنسية، فضلاً عن الإسرائيلية وطائرات التجسس والأساطيل الغربية في البحرين المتوسط والأحمر والمحيط الهندي.

لم تتصد إسرائيل بمفردها وبقواها الذاتية للهجوم الإيراني، كان هناك تحالف غربي تقوده أميركا إلى جانبها، هذا التحالف تشكل أساساً من أميركا وبريطانيا ثم من فرنسا وألمانيا اللتين سارعتا للحاق به كي لا تفوتهما فرصة الاصطفاف مع إسرائيل في ما يعتبره الغرب حرباً وجودية عليها. هذا يعني أن إسرائيل باتت بحاجة دائمة لمن يحميها، وتستطيع إيران أن تزعم أنها واجهت إسرائيل وحلفاءها في هذا الهجوم الليلي.

يعرف نتنياهو منذ الآن أن إسرائيل كدولة بحاجة إلى مظلة حماية أميركية – غربية دائمة، وأن لذلك ثمناً بدأت بوادره بالظهور عندما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لن يرفض رداً إسرائيلياً على إيران ولن تشارك قواته فيه. أكثر فأكثر تبرز حاجة إسرائيل للحماية بعدما شعر العالم بعجزها عن حماية نفسها وعن إنهاء حربها في جيب محاصر في غزة طوال أكثر من ستة شهور.

قد تكون المعركة الجوية عوّمت نتنياهو الذي كان على وشك الغرق وشدت من العصب الداخلي حوله وحول زمرة اليمين المتشدد، لكن ذلك قد لا يكون لزمن طويل، وهو سيكون قريباً في مواجهة مع الرئيس الأميركي حول كيفية إدارة حرب غزة وحل الدولتين الذي يرغب الرئيس الأميركي في الوصول ولو إلى اتفاق إطار حوله ينقذ معركته الانتخابية الرئاسية التي تترنح في مواجهة خصم شعبوي معارض للحروب هو دونالد ترامب.

أبعد من ذلك، أتت المعركة لتؤكد أن المنطقة ما زالت حديقة خلفية لأميركا التي ربما تكون تخلت عن فكرة مغادرتها إلى مناطق أخرى. إسرائيل في المنظورين الأميركي والغربي أهم من أوكرانيا، الخط الأحمر الاميركي الوحيد ربما هو إسرائيل. روسيا لم تعد ذات فعالية أمنية وعسكرية في المنطقة، وجودها في سوريا هو وجود أمني داخلي، حرب أوكرانيا أتعبتها وأبعدتها، وقاعدتها في حميميم هي قاعدة مراقبة ليس إلا. أما الصين فلا يعوّل عليها إلا في التجارة.

النهار العربي

———————-

تصاعد الصراع يضع دول الخليج أمام خيارين.. المخاطرة أو الاسترضاء؟

16/04/2024

تتخوف دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، من تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط، ما يجعلها أمام خيارين، وفق تقارير غربية.

وخلال السنوات الماضية حاولت دول الخليج تجنب اتخاذ قرار بشأن “المنافسات الجيوسياسية الأمريكية”، كحرب أوكرانيا أو الصراع مع الصين.

لكن التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران بالشرق الأوسط، قد يضطرها إلى اختيار أحد الجانبين، إما الولايات المتحدة وإسرائيل أو إيران.

وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال“، اليوم الثلاثاء، فإنه في حال تصاعد الصراع الإسرائيلي- الإيراني، سيكون أمام دول الخليج خيارين.

الخيار الأول: “السماح للقوات الأمريكية بشن هجمات من قواعد في بلدانها والمخاطرة بالانتقام الإيراني”.

والثاني هو “محاولة استرضاء إيران والبقاء على الهامش”.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب بأن السعوديين والإماراتيين تبادلوا المعلومات الاستخبارية مع واشنطن، عقب الهجوم الإيراني، ما أسهم في “رد دفاعي ناجح للغاية”.

ورغم ذلك، أكد المسؤولون أن السعودية والإمارات لم تعطيا لواشنطن كل ما تريده، كما منعا من استخدام مجالهما الجوي لاعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار.

وعقب الهجوم الإيراني، دعت الرياض وأبو ظبي إلى ضبط النفس وتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحرب وتحقيق الاستقرار عبر القنوات الدبلوماسية.

وتعمل دول الخليج منذ أشهر على المناورة بين علاقتها مع واشنطن وبين علاقتها مع طهران، حيث رفضت السعودية والإمارات المشاركة في التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة هجمات الحوثيين للسفن بالبحر الأحمر.

كما منعت الكويت البنتاغون من شن غارات جوية ضد الحوثيين من قواعد في أراضيها، كما يقول مسؤولون دفاعيون أمريكيون وعرب للصحيفة.

وكذلك عملت الدولتان على تهدئة الصراع في المنطقة وخاصة بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني.

ووفقاً لمسؤولين عرب وآخرين في “حزب الله”، فإن “مسؤولين سعوديين وإماراتيين التقوا في الأسابيع الأخيرة مع مسؤولين من جماعة حزب الله اللبنانية في محاولة لتهدئة صراعها مع إسرائيل”.

وقال مسؤول سعودي كبير للصحيفة إن ولي العهد، محمد بن سلمان، “لا يريد أن تصرف الحرب انتباهه عن خططه الطموحة لتحويل اقتصاد المملكة”.

وأضاف المسؤول: “هذه الحرب والتصعيد الحالي يعرضان خططه لخطر أكبر”، مشيراً إلى أن “محمد بن سلمان يعلم أن دول الخليج ستكون أول المتضررين إذا توسعت الحرب”.

لكن “في حال انخراط الولايات المتحدة بشكل أعمق في الأسابيع المقبلة في مواجهة مباشرة مع إيران، فمن المرجح أن تجد الحكومات العربية مجال المناورة الخاص بها يتقلص”، حسب المسؤولين.

وتوقع الخبير السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، أن تحافظ أبو ظبي على علاقاتها مع إيران وإسرائيل على الرغم مما تعتبره تصرفات مزعزعة للاستقرار من قبل البلدين.

وقال للصحيفة إن “الطريق الأكثر حكمة في الوقت الحالي هو الابتعاد عن كل شيء، ومواصلة التركيز على مصلحتها الوطنية وأمنها ومحاولة الابتعاد عنها”.

وأضاف: “لا نريد أن نتورط في هذا بطريقة أو بأخرى. هذه هي الأولوية رقم 1 في دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول الخليج العربي”.

————————

لماذا سرّب بايدن مكالمته مع نتنياهو حول إيران؟.. سيناتور أمريكي يجيب

16/04/2024

اتهم السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، الرئيس الأمريكي جو بايدن، بتسريب مكالمته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول الرد على إيران، إلى الصحافة.

وقال روبيو، في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، إن تسريب بايدن لتفاصيل المكالمة جاء “من أجل استرضاء النشطاء المؤيدين للإرهاب المناهضين لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي”.

وكانت تقارير غربية كشفت أمس، أن نتنياهو تلقى اتصالاً من بايدن بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل.

وكشفت وكالة “رويتزر” أن بايدن قال لنتنياهو إن “الولايات المتحدة لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد ضد إيران”.

وأشارت الوكالة إلى أن نتنياهو ألغى الرد على إيران في اللحظات الأخيرة بعد الاتصال مع بايدن.

وقال السيناتور الأمريكي إن “الولايات المتحدة كانت تعلم بالفعل أن إسرائيل سترد، لذلك كان هذا جزءاً من لعبة سياسية كانت إدارة بايدن تلعبها”.

وأضاف: “هناك سبب واحد فقط لتسريب ذلك، وهو أنه عندما ترد إسرائيل، يمكن للبيت الأبيض أن يقول: لقد طلبنا منهم ألا يفعلوا ذلك، وعلى الأقل بطريقة أو بأخرى، لاسترضاء ما يسمون بنشطاء السلام”.

وأشار روبيو إلى أن “لعبة بايدن” ومكالمته مع نتنياهو “ستشجع أعداء إسرائيل في الشرق الأوسط”، وخاصة إيران و”حزب الله”.

—————————

الهجوم الإيراني في الميزان الإسرائيلي… مكاسب تُبيح تخطي “انكسار الصورة”؟/ محمد وازن

15 أبريل 2024

“سينال الكيان الخبيث عقابه على أيدي رجالنا البواسل، وسنجعلهم يندمون على هذه الجريمة ومثيلاتها، بحول من الله وقوّة”، هذه الجملة كانت جزءاً من تعقيب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي الخامنئي، بعد قصف مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، بداية نيسان/ أبريل الجاري.

مساء السبت 13 نيسان/ أبريل، بدأ “الرد” الإيراني في شكل هجوم متنوع على إسرائيل، من خلال إطلاق قرابة 60 طناً من المتفجرات، عبارة عن 350 من القذائف المتعددة، والتي شملت 36 صاروخ كروز، 110 صواريخ أرض أرض، 185 مُسيّرة، واستمر الهجوم نحو خمس ساعات، واستطاعت إسرائيل صد 99% من الهجوم، وفق روايتها.

بدأ الهجوم الإيراني وانتهى، وبقيت تساؤلات عديدة في الشارع الإسرائيلي، لعل أبرزها: ما هي احتمالات الرد الإسرائيلي؟ هل يكون الهجوم بداية حرب أوسع وأشمل ومواجهة مباشرة مع إيران؟ هل يعكس الهجوم نجاح منظومة الدفاع الإسرائيلية؟ هل يعني الهجوم تخلّي إيران عن صبرها الإستراتيجي تجاه إسرائيل؟ وهل من الممكن أن تستغل إسرائيل الهجوم لتحقيق مكاسب أخرى أبعد من فكرة الرد أو المواجهة مع إيران؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذا التقرير من واقع ما رصدناه في تعليقات المحللين والمراقبين الإسرائيليين.

هل ترد إسرائيل على الهجوم؟

بعد الهجوم الإيراني – غير المؤثر من الناحية العملية – ترقّب كثيرون رداً سريعاً من قبل تل أبيب، خاصة أن الحكومة الحالية عادةً ما تتعجل الرد العسكري على أي هجوم. في هذه الحالة، كان رد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأوّلي أربع كلمات فقط: “اعترضنا وتصدينا، معاً سننتصر” بينما عقّب وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، على الهجوم بقوله: “العالم كله رأى الليلة من هي إيران، وكان احتواء الهجوم مثيراً للإعجاب وأسفر عن عدد قليل من الإصابات”. وأضاف: “المعركة لم تنته بعد، علينا أن نكون يقظين ومنتبهين لتعليمات الجيش الإسرائيلي، لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية والاستعداد لأي سيناريو”.

واجتمع مجلس الحرب الإسرائيلي، مساء الأحد 14 نيسان/ أبريل الجاري، لساعاتٍ، لدراسة الرد على الهجوم الإيراني. وبحسب ما نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، انتهى الاجتماع إلى تأييد الرد على إيران، لكن الاختلاف كان بخصوص طبيعة الرد نفسه وتوقيته، وتتم دراسة عدة سيناريوهات للرد، بحسب مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أكد للصحيفة أن إسرائيل عازمة على الرد، مضيفاً “السؤال هو كيف يمكننا الرد بالطريقة الأكثر فعالية وبطريقة نواصل بها اكتساب الشرعية وربما نحصل على شيء في ما يتعلق بالتطبيع والتحالف الدولي ضد إيران، نحن نحاول كسر هذه الدائرة برمتها”. لفتت الصحيفة أيضاً إلى أن أمريكا أوصت بعدم الرد، وترى أن نجاح اعتراض الهجوم الإيراني هو انتصار إسرائيلي في حد ذاته.

وبعد اجتماع مجلس الحرب، أفاد مسؤولان إسرائيليان، للإعلام المحلي، بأن فكرة هجوم إسرائيلي مضاد تم إلغائها بسبب محدودية الضرر الذي سبّبه الهجوم الإيراني. علماً أنه قبل انعقاد الاجتماع، قال وزير الحرب، بيني غانتس: “شنّت إيران هجوماً على إسرائيل، وقابلت قوة النظام الأمني الإسرائيلي. إيران مشكلة عالمية. إنها تحدٍ إقليمي وخطر على إسرائيل، وقد وقف العالم بشكل واضح جنباً إلى جنب مع إسرائيل لمواجهة هذا الخطر. العالم ضد إيران – هذه هي النتيجة، وهذا إنجاز إستراتيجي، يجب علينا تعزيزه من أجل أمن إسرائيل “. في حين أوصى رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، بعدم الرد على الهجوم الإيراني.

مسألة التحذير من رد متهور على الهجوم الإيراني شغلت بال عدد غير قليل من المحللين في إسرائيل، من بينهم الكاتب عيران عتسيون، الذي حذّر حكومته التي وصفها بالفاشلة، في تحليله الهجوم عبر موقع “زمان يسرائيل”، من خطر الرد المتهور والاستجابة لأصوات تزعم أن الوقت حان لتقويض أحلام إيران النووية والرد بشكل ناجز على هجومها الأخير، متسلحين بالشرعية الدولية التي اكتسبتها تل أبيب بعد اعتداء إيران الأخير.

كتب عتسيون: “يجب أن نقول بوضوح إن إسرائيل لا تستطيع تحمّل تكاليف تنفيذ هجوم كبير على إيران دون الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والقانوني القاطع من الولايات المتحدة التي اشتبهت في أن نتنياهو حاول جرها على مدار العقدين الأخيرين إلى حرب ضد إيران، ولا يمكن لأي رئيس أمريكي تحمل تبعات الانجرار لهذه الحرب”.

أكدت افتتاحية صحيفة “هآرتس” الأمر ذاته إذ دعت إلى ضرورة عدم التهور والرد الذي قد تكون عواقبه وخيمة، خاصة لو شنّته إسرائيل منفردةً. وجاء في الافتتاحية: “إن الهجوم على إيران من دون دعم حلفاء إسرائيل، بقيادة الولايات المتحدة، يشكّل عملاً غير مسؤول وغير شرعي، وقد يؤدي إلى انزلاق المنطقة بل والعالم إلى حرب شاملة، وهذا هو السبب الذي دفع رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، إلى ممارسة ضغوط شديدة على نتنياهو لتجنب الهجوم على إيران”.

هل يفيد الهجوم الإيراني إسرائيل؟

زخم كبير داخل إسرائيل، سواء بين المحللين أو المراكز البحثية وغيرها، حول تحليل الهجوم الإيراني، البعض رآه نجاحاً وإثبات للقدرات الإسرائيلية، مثل مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تامير هيمان، الذي قال: “سجلت إسرائيل نجاحاً عملياتياً كبيراً. كل شيء سار بصورة جيدة، إذ توفرت معلومات استخباراتية مسبقة للاستخبارات العسكرية، ومنظومة اعتراضية ممتازة لسلاح الجو”.

اعتبر هيمان، في تحليله للهجوم من الناحية الإستراتيجية، أن الوضع كان ليصبح أكثر تعقيداً إذا فشلت تل أبيب وواشنطن في ردع إيران، ما قد يسفر عن تكرار الهجوم. كما رأى أن من مظاهر نجاح إسرائيل قدرتها على صد الهجوم ضمن ائتلاف وتحالف، ما يُعد مفيداً في نظره لليوم التالي للحرب على غزة، وهو ما تطمح إسرائيل للوصول إليه – منظومة عمل إقليمية ضد إيران وأذرعها في المنطقة.

العدالة الاجتماعية ضرورةٌ ملحّة

بينما يحسب المتطرّفون أنّهم يحملون لواء العدالة، لكنّهم في الواقع، يتحدّون جوهرها، وهو أنّ لكلّ امرئٍ الحق في الشعور بأنّ رأيه وكيانه ووجوده أشياء مُقدَّرة، ولو اختلف مع الآخر.

سردية الانتصار الإسرائيلي والهزيمة الإيرانية تبناها عدد كبير من المحللين الإسرائيليين، بينهم المحلل والخبير العسكري، رون بن يشاي، الذي أكد، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن إيران هُزمت، وإسرائيل نجحت عسكرياً وسياسياً، حاثاً على دراسة أي رد محتمل على الهجوم، تفادياً لنشوب حرب إقليمية. شدد بن يشاي على أن إيران فشلت في تحقيق أهدافها، بعدما تعاونت إسرائيل مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين.

ومن الأهداف التي حققتها إسرائيل بعد هذا الهجوم الإيراني، في وجهة نظر بن يشاي، الحصول على فرصة من أجل استعادة الشرعية السياسية على الساحة الدولية والتي تقلّصت منذ عملية “طوفان الأقصى”. أشاد المحلل الإسرائيلي أيضاً بقدرات النظام الدفاعي في صد الهجوم.

هناك وجهة نظر مضادة لهذه السردية ترى الهجوم فشلاً إسرائيلاً ونجاحاً لإيران. هذا ما قال به الكاتب والمحلل الإسرائيلي، آرييل شميدبرغ، في موقع “والا” الإسرائيلي القريب من الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية. كتب: “ومن ناحية أخرى، هناك أيضاً فشل كبير في ما يتعلق بقدرة إسرائيل والولايات المتحدة على ردع إيران، والجدير الانتباه إلى تهديدات كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، من منصب رئيس الوزراء إلى الأقل، كما لم ينجح الرئيس الأمريكي، في إيقاف طهران وإحباط الهجوم على إسرائيل. لقد أظهرت إيران قوة هائلة وشجاعة غير مسبوقة ليلة الهجوم، وللأسف هذا دليل على انهيار ميزان الرعب. كما أن ميزان الرعب ضد حزب الله في لبنان لم يكن ‘متوازناً’ تماماً في الأشهر الأخيرة”.

هل حققت إيران هدفها؟

إقدام إيران على تغيير طريقة تعاملها مع إسرائيل، عبر أذرعها في المنطقة، يعد تغييراً لقواعد المواجهة واللعبة. وهو ما اعتبره البعض انتصاراً وذكاءً يُحسب لطهران. حتّى بعد الهجوم، وصف بعض الإسرائيليين إيران بأنها أكثر عقلانية وذكاء من إسرائيل، من بينهم البروفيسور ليئور ستيرنفيلد الذي يُدرِّس تاريخ إيران الحديث في قسم التاريخ وبرنامج الدراسات اليهودية بجامعة ولاية بنسلفانيا، ومؤلف كتاب “بين إيران وصهيون… اليهود الإيرانيون في القرن العشرين”.

في مقالة مطولة على موقع “سيحاه ميكوميت”، قارن ستيرنفيلد بين العقلية الإسرائيلية والإيرانية في آخر واقعتين، واعتبر أن إسرائيل في هجومها على السفارة الإيرانية في دمشق تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وفي المقابل أسهب الأكاديمي الإسرائيلي في مدح التعامل الإيراني مع الأزمة، بدايةً من فتح طهران قنوات اتصال مع الولايات المتحدة، ومطالبتها بإجبار إسرائيل على وقف الحرب في غزة، وتأخير ردها على حادث السفارة، لافتاً إلى أن إيران لا تريد تأجيج المنطقة وإشعال حرب إقليمية فيها، مدللاً على ذلك بأن الهجوم كان من خلال مسيّرات تستغرق ساعات حتى تصل للهدف فيما كان بإمكان إيران استخدام صواريخ باليستية طويلة المدى تستغرق من 10 إلى 12 دقيقة لإصابة الهدف، ما يعني أنها لم ترد استهداف تجمعات سكنية إسرائيلية. دلل على ذلك أيضاً بالإشارة إلى كبح طهران جماح حزب الله و إثناءه عن استخدام الصواريخ الطويلة المدى والتي يمكنها الوصول إلى حيفا نفسها.

وفي حين لم يرقَ الهجوم الإيراني إلى وصفه بأنه “حرب” حقيقية على إسرائيل، استخدم الباحث الإسرائيليّ في معهد دراسات الأمن القومي، راز تسيميت، مصطلح “حرب إيران الأولى” في  وصف الهجوم، في مقالة له في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بعنوان: “حرب إيران الأولى… لماذا تم التخلي عن ‘الصبر الإستراتيجي’؟”. رأى تسيميت أن إيران فضّلت استعادة قوة الردع ضد إسرائيل على حساب المواجهة العسكرية، مضيفاً “الهجوم ينذر بمرحلة جديدة في المواجهة الإستراتيجية بين البلدين وتغيير في قواعد اللعبة بينهما، لسنوات، فضّلت إيران العمل ضد إسرائيل من خلال وكلائها في الشرق الأوسط من أجل عدم تحميلها المسؤولية، طريقة الرد الإيراني تهدف إلى ردع إسرائيل وإنهاكها وإحاطتها بـ’حلقة من النار'”.

واستعرض تسيميت أسلوب الرد الإيراني على إسرائيل خلال العقد الأخير من خلال وكلاء إيران، وذكر عدد من الحوادث مثل واقعة أيار/ مايو 2018، إذ أطلق فيلق القدس أكثر من 30 صاروخاً من الأراضي السورية على مواقع الجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان رداً على مقتل أفراد من الحرس الثوري الإيراني. ثم لفت الباحث الإسرائيلي إلى حادثة اغتيال قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان، حسن مهدوي، معتبراً أنها كانت الحادثة التي دفعت إيران لتغيير اعتبارات المواجهة مع إسرائيل، وهي التخلي عن سياسة “الصبر الإستراتيجي”.

وجهة نظر ثالثة في إسرائيل لا يمكن تجاهلها تركز على أهمية الهجوم في تسليط الضوء على الشعور الإيراني بالانتصار والنشوة، وهو ما تحدّث عنه الكاتب والمحلل الإسرائيلي، أمير بار شالوم، في موقع “زمان يسرائيل”، في مقالة بعنوان: ” لقد استيقظت إيران على شعور بالنشوة العسكرية بينما إسرائيل ما تزال تفكر في خطواتها”، تحدث فيه عن شعور إيران بالابتهاج والنشوة صبيحة الهجوم على إسرائيل،  وأن هذا الشعور لم يحدث منذ الحرب العراقية الإيرانية، إذ أثبتت إيران أنها قوة إقليمية، ولديها قوة عسكرية.

أضاف بار شالوم: ” ثقة الإيرانيين (المفرطة) بأنفسهم زادت بشكل كبير، وهو ما دفع قائد الحرس الثوري إلى إرسال تحذير صباح الهجوم إلى الولايات المتحدة بعدم التعاون في عملية الرد الإسرائيلية، وإلا فسيتم ابتلاع قواعدها في العراق وسوريا، ولم ترد الولايات المتحدة على هذا التهديد”.

فرصة إسرائيل لتحالف جديد؟

“ضع إسرائيليين اثنين في غرفة واحدة وستخرج بثلاثة آراء”، هذه المقولة الإسرائيلية الشهيرة قد تكون دقيقة إلى حد كبير في تناول الهجوم الإيراني الأخير. فكما رآه بعض الإسرائيليين تراجعاً لتل أبيب وتجرؤاً إيرانياً، اعتبره البعض الآخر فرصة ذهبية بل وهدية غير متوقعة من إيران، من هؤلاء الكاتب، أتيلا سومفالفي.

كتب سومفالفي، في مقالته المنشورة على النسخة الإنكليزية لموقع “يديعوت أحرونوت”، أن الهجوم الإيراني “الفاشل” على حد وصفه، له العديد من المكاسب للجانب الإسرائيلي من ضمنها إظهار إيران للعالم كله على أنها دولة معتدية، وصرف التركيز عمّا يحدث في غزة، لتكون فرصة لتحقيق بعض التحسينات الدبلوماسية، وكذلك حديث العالم عن نجاح أنظمة دفاع إسرائيل الجوية، واستعادة صورتها في مجال الاستخبارات، بسبب المعلومات الدقيقة التي تنبّأت بالهجوم.

وأسهب عدد غير قليل من أصحاب الأقلام الإسرائيلية في الحديث عن ضرورة استغلال الحدث في تدشين تحالف إقليمي دولي ضد إيران، والعمل على تعزيز علاقات تل أبيب مع بعض الدول. رأت الكاتبة الإسرائيلية، تل شنايدر، بحسب ما نشر موقع “زمان يسرائيل”، أن إسرائيل لا تستطيع أن تدير شؤونها بمفردها، وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار الدول الأخرى عند اتخاذ قراراتها العسكرية والسياسية والإقليمية.

أردفت شنايدر: “التحالف الدفاعي الإقليمي الذي يضم عدة دول – بما فيها إسرائيل – أصبح حقيقة واقعة، ومن دون هذه المساعدات، وخاصة المساعدات الأمريكية، لكان شكل إسرائيل مختلفاً هذا الصباح… هذا التحالف الإقليمي الإستراتيجي ضروري بالنسبة لإسرائيل مثل الهواء للتنفس؛ العلاقات مع الأردن حاسمة. إمكانية التحالف المستقبلي مع المملكة العربية السعودية أمر حيوي لا مثيل له”.

واعتمد الكاتب والمحلل الإسرائيلي، عوديد غرانوت، في صحيفة “يسرائيل هيوم” مصطلح “التحالف المعتدل” كإحدى نتائج الهجوم الإيراني الأخير، وأبرز في مقالته ضرورة تقوية التحالف مع بعض الدول الجارة لإسرائيل مثل الأردن الذي لم يكترث لتحذيرات إيران من اعتراض صواريخها، وحول حث الحكومة الإسرائيلية على ضرورة تقوية العلاقات مع الحكومة الأردنية قائلاً “المساعدات المقدمة من الأردن جديرة بالثناء، وعلى الرغم من الأزمة بينها وبين إسرائيل، وتوتر العلاقة بين الملك ونتنياهو إلا أن التعاون الأمني بين البلدين لا يزال قائماً على أساس المصلحة المشتركة. فمثلًا، يحتاج الأردن إلى الدعم الإسرائيلي ضد الميليشيات الموالية لإيران، على حدوده الشمالية، كما تحتاج إسرائيل إلى وقف محاولات الأردن إدخال ‘الإرهابيين’ والذخائر عبر الحدود المشتركة”. كما حث الكاتب على ضرورة دفع ملف التطبيع مع السعودية للأمام استغلالًا للحدث الجاري، إذ تحتاج السعودية دائماً لتقوية محورها السني ضد المحور الشيعي بقيادة إيران.

رصيف 22

————————–

=================

مقالات ما قبل الرد الايراني

=================

نظام طهران أمام أخطر تحدٍ خارجي في العقود الأخيرة/ بكر صدقي

11 نيسان 2024

أن تضرب دولة معادية سفارة بلدك فهذا يعني أنها تعتدي على أراضيك، أي على سيادة دولتك. الأمر بهذا الوضوح والبساطة، فلا يحتمل أي اجتهاد أو جدل. صحيح أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم كعادتها غالباً، لكن العالم كله يعرف من المعتدي. فهذا الهجوم يختلف عن عشرات الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا طوال العقد الأخير، وحتى عن اغتيالات قامت بها الأجهزة الإسرائيلية لعلماء إيرانيين على الأراضي الإيرانية، فبقيت تحت جنح الظلام ولم تحرج القيادة الإيرانية كحالها اليوم.

المشكلة أن إيران التي واظب مسؤولوها كل يوم على التهديد برد قاس منذ قصفت إسرائيل قنصليتها في دمشق، تدرك أنها لن تتحمل أكلاف أي رد مكافئ للاعتداء الإسرائيلي، ولا هي قادرة على تقبل الصفعة بلا رد، ولن يجدي أي رد تقليدي «في المكان والزمان المناسبين» بواسطة وكلائها عبر الإقليم في ترميم هيبتها المجروحة كدولة، مع احتمال تحوّلها إلى الصبي الذي يتلقى الصفعات بصورة روتينية ولا يجرؤ حتى على الاعتراض اللفظي.

القيادة الإيرانية لا تريد الحرب، وقد التزمت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، بقواعد اشتباك مقبولة أمريكياً وإسرائيلياً، وحين قتل بعض وكلائها ثلاثة جنود أمريكيين في شمال شرق الأردن، قبل حين، في خروج على تلك القواعد، ألزمت ما يسمى «المقاومة الإسلامية في العراق» بالتوقف عن استهداف الأهداف الأمريكية» والتزمت هذه فأوقفت هجماتها ذات الأغراض الإعلامية. وما زال حزب الله ملتزماً بمستوى منخفض من التحرشات الصاروخية على المناطق الحدودية، وحده الحوثي مستمر في هجماته على السفن العابرة في البحر الأحمر، ويتلقى الضربات من التحالف الغربي بصورة متناسبة.

ما هو غير متناسب يأتي من الجيش الإسرائيلي الذي تحركه الحكومة المتطرفة، فيرفع سقف أهدافه باستمرار محمياً من أي مساءلة أممية بفضل الغطاء الأمريكي والبريطاني والفرنسي، الدول الثلاث التي صوتت في مجلس الأمن لمنع إدانة إسرائيل على استهدافها القنصلية الإيرانية الموجودة داخل حرم السفارة في دمشق. فبخلاف واشنطن، واضح أن نتنياهو يريد توسيع رقعة الحرب لأنه أفلت من العقاب على كل جرائمه وانتهاكاته للقانون الدولي وقواعده المتعارف عليها، بما في ذلك استهدافه لطوابير المدنيين الواقفين لاستلام مواد الإغاثة، ومؤخراً قتله لأعضاء «المطبخ الدولي» السبعة في اليوم نفسه الذي قصفت فيه القنصلية الإيرانية في دمشق. نتنياهو يريد توسيع رقعة الحرب، ليس فقط في نوع من هروب إلى الأمام من الاستحقاقات الداخلية أمام عجز جيشه عن تحقيق أهدافه المعلنة، القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن، مقابل نجاحه في قتل المدنيين واستهداف المستشفيات وتحويل قطاع غزة إلى خرابة كبيرة، بل أيضاً لجر الولايات المتحدة لصراع عسكري مباشر مع إيران وحزب الله كحالها مع ميليشيات الحوثي في اليمن.

إيران التي ورثت منهجية «الرد في المكان والزمان المناسبين» و«لن نسمح لإسرائيل بجرنا إلى معركة بشروطها» من الدكتاتور السوري الراحل حافظ الأسد، بوصفها «عدة شغل» الممانعة، تقف اليوم أمام خيارات كلها بمرارة العلقم. ذلك أن المنهجية المذكورة كانت تعتمد على تحريك منظمات عسكرية للقيام بعمليات محدودة لا تسبب الأذى لإسرائيل، لكنها تقدم خدمة دعائية لإيديولوجيا الممانعة التي تحظى بجمهور عربي واسع يتقبل هذا التخدير عن طيب خاطر. كذلك كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مستفيدة من ذلك المستوى المنخفض من الصراع لأنه يقدم لها ما تحتاجها من ذرائع للتشدد مع الفلسطينيين، في الحرب أو في المفاوضات على حد سواء.

سترد طهران على الاعتداء الإسرائيلي لأنها لا تستطيع ألا ترد، لكنها لا بد أن تتجنب في الوقت نفسه رداً أكبر من إسرائيل وربما بمعية الولايات المتحدة هذه المرة، فتصبح الحرب التي لطالما أبعدتها عن حدودها إلى أراضي دول إقليمية أخرى، على أراضيها هذه المرة، في الوقت الذي تفتقد فيه إلى إجماع وطني في ظل الثورات الشعبية الدورية التي تندلع كل بضع سنوات، وفي ظل الصراع المحتمل في قلب النظام على خلافة خامنئي.

في هذه الحالة لا يبقى أمام إيران إلا الرد بالطريقة التقليدية نفسها، أي بمناوشات محدودة عبر وكلائها الإقليميين، وهذا النوع من الردود لا يكفي لترميم صورتها الجريحة بعد ضربة دمشق، وهو ما يمكن أن يشجع نتنياهو على تكرار عمليات نوعية مماثلة لا تقيم وزناً للقوانين الدولية.

الغريب هو هذا التأخر في الرد الإيراني. مضى إلى الآن أسبوع كامل وما زالت القيادة الإيرانية في طور إطلاق التهديدات. وهو ما يعني أنها لا تملك خططاً جاهزة تنتظر الأوامر بالتنفيذ للرد على تحديات كبيرة، كما تفعل إسرائيل في حالات أقل من حالة إيران اليوم.

الخلاصة أن صورة إيران كدولة إقليمية كبيرة ذات طموحات امبراطورية تهيمن على أربع عواصم عربية، قد تلقت ضربة كبيرة. أما واليها على دمشق فهو «بطبيعة الحال» غير معني بأن العاصمة التي «يحكمها» تعرضت لهجوم صاروخي من العدو الإسرائيلي الغاشم، فهو معتاد على ذلك، ولن يضيره تلقي المزيد من الضربات كل يوم، فوزير خارجيته قد قام على أي حال بوظيفته الروتينية في إصدار بيان إدانة روتيني بدوره. بقي فقط أن يتلقى التوبيخ المألوف من حليفه الإيراني على التسريب الاستخباري المحتمل بشأن اجتماع قادة الحرس الثوري في القنصلية الذين قتلتهم إسرائيل في هجومها الأخير.

كاتب سوري

القدس العربي

————————-

إيران وإسرائيل وشعرة الصِدام المباشر/ د. جبريل العبيدي

هل ستقطع الضربة الإسرائيلية الأخيرة شعرة الصدام المباشر؟ خصوصاً وهي أوجعت وأثخنت جراح إيران، وسرّعت من عجلة سياسة التصعيد والتصادم، التي تحاول جرها إليها الضربات الإسرائيلية المتتالية التي لا تريد أي تقارب إيراني – أميركي يجعل من إيران تهرب بمشروعها النووي من العقوبات الأميركية، ولهذا دأبت إسرائيل على شنّ ضربات عسكرية واستخباراتية من حين لآخر ليس آخرها ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل العشرات من قيادات «الحرس الثوري»، مما جعل إيران في حالة حرج شديد أمام أنصارها في المنطقة، خصوصاً أن الضربة الإسرائيلية الغادرة موجعة فعلاً وتستوجب الرد من منظور إيراني ولو بعد حين، خصوصاً بعد تهديدات عبّر عنها المرشد الإيراني علي خامنئي، في تغريدة قائلاً: «إن إسرائيل ستندم بإذن الله على جريمة اعتدائها» وكرر القول: «إن إسرائيل ستتلقى صفعة». في حين هدد رئيس أركان الجيش الإيراني، ووصف ما حدث بأنه «انتحار ارتكبته إسرائيل»، و«لن يبقى من دون رد» من قبل إيران.

في مقابل التصريحات النارية الإيرانية، أعلنت إسرائيل حجب نظام تحديد المواقع «GPS» في مناطق «إسرائيل»؛ من أجل عرقلة الصواريخ والطائرات من دون طيار، تحسباً لأي رد إيراني محتمل فوق إسرائيل، الأمر الذي يستبعده أغلب المحللين كون الرد سيكون خارج إسرائيل غالباً على أحد المواقع الأمنية التي تستخدمها خارجها.

فالرد لا بد أن يكون مباشراً ليكون مقنعاً لحلفاء إيران، وبهيبة إيران، ويبتعد عن الردود الشكلية «المسرحية» السابقة، من خلال ضربات تنفذها جماعات مرتبطة أو متعاطفة أو محسوبة على إيران، فأزمة الرد الإيراني معقدة؛ بسبب أن ساسة إيران لا يرغبون في اتساع دائرة الضربات لتصبح حرباً مفتوحة الاحتمالات، وكذلك هي الرغبة الأميركية أيضاً، ولكن إيران أصبحت مُحرَجة داخلياً وخارجياً أمام أنصارها الذين يطالبونها بضرورة الرد، والرد الموجع، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، فإيران لم تنتقم لمقتل قاسم سليماني وهو قائد حرسها، سوى بضربات صاروخية على قاعدة أميركية كانت خاوية… فكيف سيكون حجم ردها لمقتل جنرال أقل حجماً من سليماني؟!

لعل من الأخطاء السياسية الإيرانية، التمجيد المفرط لقاسم سليماني، ونثر تماثيله في المدن الإيرانية، وكأن إيران توجّه رسالة للعالم بأنها مستمرة في مشروع قاسم سليماني في الجوار الإيراني والعالم، مما انعكس سلباً على الوجه الجديد الذي تقدمه إيران للعالم بصيغة «صفر مشاكل».

إيران اليوم أمام خيارات محدودة وصعبة وضيقة، وإلا ستكون أي أخطاء مفتوحة على حرب غير مرغوب فيها حالياً، وهي التي كانت تعلن الصدام في محاولات سابقة للصِدام مع العالم وقواه السياسية وأعرافه ومؤسساته، في ظل اتهامات لإيران بالوقوف وراء الهجوم على ناقلات النفط، وتهديد الملاحة العالمية، ودعم جماعات مسلحة بالمال والسلاح، بل وزودتها بتقنية عسكرية متطورة مثل الطائرات المُسيّرة والصواريخ بعيدة المدى.

إيران قدراتها العسكرية لا تؤهلها لمواجهة عسكرية كبيرة مع إسرائيل؛ نظراً لتطور قدرات إسرائيل، خصوصاً القدرات الجوية والدفاعات الجوية، إضافة إلى دعم حليفة إسرائيل الاستراتيجية، أميركا، التي حركت أساطيلها لمجرد الحرب في غزة، ناهيك من وضعَي إيران الاقتصادي والسياسي، وجميعها عوامل تحد من حجم الرد الإيراني مهما كانت قوة وشدة التصريحات بالرد الموجع، الذي غالباً ما سيقوم به «حزب الله» بالنيابة، وإن كانت ستكون مغامرة إيرانية بتقديم «حزب الله» قرباناً لإسرائيل في ظل وجود حكومة حرب نتنياهو التي مستقبلها السياسي رهينة باستمرار الحرب، خصوصاً أن إيران أمدّت «حزب الله» بالذخائر بعيداً عن الحرب في غزة.

في ظل المناخ المشحون والتصريحات الانفعالية، هل سيكون مفاعل ديمونة ضمن بنك الأهداف المحددة للرد الإيراني؟ أم ستكتفي طهران بضربات خارج إسرائيل؟، ليبقى السؤال: كم مرة استخدمت إيران «شعرة» معاوية في صراعها مع إسرائيل؟ أم ستمتنع إيران عن الرد أصلاً لتحقيق مصالح استراتيجية أكبر، تمكّنها من امتلاك الوقت لتخصيب مزيد من اليورانيوم يعزز موقفها التفاوضي، أم أن التيار المتشدد سيذهب بإيران إلى الحرب كما فعل تيار نتنياهو بإسرائيل للبقاء في السلطة وبعيداً عن الملاحقة القضائية؟.

الواقعية السياسية تحتم على إيران التعقل والتريث في الرد، ودراسة بنك الأهداف، ودراسة الخيارات؛ لأن هناك في إسرائيل مَن يجر المنطقة للحرب ليس نتنياهو آخرهم، بل هناك من المتشددين في الطرفين وراء الحرب المقبلة.

الشرق الأوسط

—————————

قصف سورية… حزنٌ ليس على الضبّاط الإيرانيين/ أرنست خوري

10 ابريل 2024

من علامات الشرّ الذي يجسّده النظام السوري، أنه يدفع سوريين يحبّون بلدهم، وغير سوريين لا يتمنّون إلا الخير لسورية، إلى أن يفرحوا علناً أو في سرّهم كلما قصفت طائرة إسرائيلية هدفاً هناك، أي بصورة دورية منذ 11 عاماً، وبوتيرة شبه يومية منذ ستة أشهر. غالباً ما يكون المقصوف غير سوري، بل إيرانياً وما هو على شاكلته، أكان لبنانياً من حزب الله أم عراقياً يتبع لمليشيات طائفية لا مستقبل تقترحه على العراق والمنطقة والعالم سوى التخلف والعودة إلى أسوأ ما دوّنه التاريخ.

حجّة السعداء بقصف إسرائيل أهدافاً إيرانية في سورية بسيطة ومقنعة للوهلة الأولى: رجال نظام إيران وأتباعهم من حزب الله ومليشيات الحشد الشعبي قتلوا السوريين وعذّبوهم وهجّروهم وأهانوهم ودمّروا بلدهم وتلاعبوا بنسيجه الاجتماعي والطائفي والديمغرافي لإنقاذ بشّار الأسد بوصفه البائع النموذجي لبلد ولشعب في مقابل بخس، هو بقاؤه حاكماً من بين أربعة أو خمسة حكام لسورية. علماً أن الوطن ليس نشيداً ولا قصيدة، بل شعب وأرض، فإن حكّام طهران قضوا على سورية ــ الوطن بهذا المعنى، جنباً إلى جنب مع الروس والعصابة الأسدية وعصابات كثيرة من دمويين اتّخذوا لأنفسهم أسماء دينية، أرادوا اقتراح بديل لنظام الأسد، فجعلوا كثيرين يحتارون مَن يختارون، الدواعش و”النصرة” وبقية السلفيين من حملة الألقاب المرعبة، أو المرعب الأسدي وعرّابيه الأجانب؟

المنطق البسيط إذاً يجعل الشعور بالرضا على الأقلّ طبيعياً بالنسبة لملايين السوريين من ضحايا بقاء نظام الأسد بفضل حكّام طهران، في كل مرّة يسمعون عن غارة تصيب هدفاً إيرانياً منذ بدأت النزهات الإسرائيلية في سماء المدن السورية يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2013. لكن المنطق البسيط قد لا يحمل حكمة كافية للتعاطي مع حالاتٍ كثيرة، كتجاهل أن حقيقة استباحة البلد بهذا الشكل تُضعف احتمالات بناء سورية جديدة. ليست إسرائيل وحيدة في استباحة سورية؛ فالقصفان، الأميركي والتركي، في شمال هذا البلد وغربه وشرقه، يسري عليهما كثير مما يُقال عن الذي تفعله الدولة العبرية، مع فارق ملحوظ في الحجم والأضرار بعيدة المدى تزرعها إسرائيل في بلد مهم كسورية، وهي تحتلّ أصلاً إحدى أكثر مناطقه ثراءً في الموارد الطبيعية والبشرية والمزايا الجغرافية ــ السياسية، كالجولان.

تحويل النظام السوري البلد إلى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات إسرائيلية ــ إيرانية بلغ ذروته هذه الأيام. فرضية أنّ من يوفر المعطيات والإحداثيات للطائرات الإسرائيلية ضباط رفيعو المستوى من النظام لها ما يسندها في سياق إدراك أركان السلطة المهترئة في دمشق أن الأمور خرجت عن سيطرتهم التي لم تعد تغطّي سوى مساحات جغرافية ضيقة وقطاعات محدودة وموارد اقتصادية شحيحة لمصلحة بقية الحكام الفعليين، من إيرانيين وروس بدرجة أقل. يبقى أنّ من يحمل جواز سفر سورياً، ومن عرف سورية ومن زارها وعاشر ناسها المعذّبين وأحبّ مدنها وأريافها، ومن يدرك أهميتها في استقرار تلك المنطقة من الشرق الأوسط أو لا استقرارها، لا بد أن يكون على يقينٍ في منطقه المركَّب أن القصف الإسرائيلي المتواصل لدمشق وأريافها وحلب وحماة وحمص ودير الزور ودرعا واللاذقية وطرطوس، لا يجدُر أن يثير إلا الحزن العميق، لا على الضباط الإيرانيين طبعاً، بل على سورية نفسها، وعلى البؤس الذي وصلت إليه أحوالها بوصفها مساحة جغرافية غير صالحة للعيش ومرشّحة أن تبقى كذلك لزمن غير معلوم مداه.

القصف الإسرائيلي المتواصل لأهداف في سورية هو من النوع الذي يدفع مزيداً من أبناء البلد للمغادرة من دون عودة، ويجذب زبائن إضافيين إلى سوق الحروب الدائمة. زبائن تُفتح أراضي الله واسعةً أمامهم بالتدرّج في البلدان العربية، منذ انتصرت “الثورة” في طهران، وقرّرت أن يكون التصدير شعارها، تصدير الثورة أو التخريب بعبارة أخرى، وبيننا ملايين ممن يقفون في طوابير طالبي الموت.

————————–

بشّار الأسد الذي “أنقذ” بلاده/ عبير نصر

10 ابريل 2024

وفق مفهوم “الالتباس السياسي”، الذي يتّجه نحو الواقعية الفجّة وفنّ قنص الفوائد، يصحّ القول إنّ الذهنية البراغماتية لنظام الأسد تبنّت الطابع الوظيفي للأزمات، ليتحوّل المستبطَن في الخطاب المُعلن، والحبك الخبيث في توظيف المأساة، إلى متنٍ قوي يتحكّم في ما يَصعُب مخالفته أو تغييره. ولا يتعلق المستبطَن “السام” بالهامش الآخر، المقموع والمختلِف، بل بالتصدّعات السردية في رواية المنتصِر التي تعمّمها باعتبارها وقائعَ وحقائقَ مطلقة.

كذلك الأمر، فإنّ الحفاظ على العرش الأسدي تطلّب من سيّده، على الدوام، إظهار مستوى غير مسبوق من المراوغة والدهاء، في حين يُجمع كثيرون على أنّ بشار الأسد ليس كوالده المُحنّك بما يَكفي لمنْع الحرب من الوقوع أو إشعالها متى أراد ذلك، والذي كان حليفاً استراتيجياً للإيرانيين، فلا ضير من دعمهم في حربهم ضد صدّام حسين، ولكنه في المقابل كان يقصقص أجنحتهم في لبنان، على يقينٍ ضمني بأنّه إذا فتح لهم الباب فإنهم لن يتوقفوا عند العتبة. في السياق، يبدو الأسد الابن “ذكياً” على نحوٍ خادع، إذ نادراً ما يُعثر على بحثٍ يتناول هذه الشخصية المُريبة من دون شعاراتية أو شحنة عاطفية زائدة تُوقع المتلقي في فخّ التناقض، ما يُبعد العقل عن التأمّل في ديكتاتورٍ “فريدٍ من نوعه”، عندما وجد نفسَه وسط ملابساتٍ لا أول لها ولا آخر جَهِدَ في صناعة الأزمات المستعصية التي تُمكّنه من أن يقاسي، ظاهرياً، الحدّ الأدنى من العقوبات لتحصيل أقصى الفوائد المجزية. هو الذي تبنّى المقولة الشهيرة: “الطغاة يجلبون الغزاة”، ثم اجتهد في تطويرها من مَثَلٍ متداول غير مُتَّفقٍ عليه إلى حقيقةٍ مُسلَّمٍ بها ومفادها: “الطغاة/ الضعفاء يصنعون الحلفاء/ الأعداء”، كأنّه يتطلع إلى نوعٍ جديدٍ من الاستعمار “الناعم” مدفوع القيمة، مشكور الهمَّة.

هذا حساب الحقل، وهو في حالة دائمة من الاستثناء، أما حساب البيدر، فتنازلات الأسد بطبيعتها المُلتَبَسة، والتي تتعامل مع الوقائع بطريقةٍ نفعية عملاتية، تكشف النقاب عن نموذج تثبيت حكم العائلة رؤيةً ذرائعيةً تعتمد في قيمتها على قدرة التحقّق، لتظلّ الأزمات السياسية معلّقة وقابلة للانعكاس المفيد، كونها لا تخرُج عن التصوّرات العامة لاسترتيجية دعم الدكتاتورية الأسدية، وأوهام صناعة الاستقرار. من هذا المنطلق النفعي المقتصر على المصالح الآنية والأنانية معاً، وخلافاً للأسد الأب الذي تميّز بقدرته الخارقة على المناورة والمساومة، إذ لم يترك قضيةً إلا وفاوض عليها، حتى لو كان الطرفُ إسرائيلياً، لكنه في النهاية مات ولم يُوقّع. ربما لأنه لم يُردْ ذلك. على خلافه، وجد الابن نفسه، ومنذ البداية، مضطراً إلى صنع سياسته الخارجية الخاصة بعيداً عن إرث والده، وكلّ ما احتاج إليه، خلال العقد الفائت الملتهب، إعلان تغييرات تجميلية “شوّهت” نظامه، في حين كان المشهد السياسي يزداد سوداوديةً وتأزّماً، فمحاباته الإيرانيين، مثلاً، كانت تزعج الأميركيين، وكان هذا ما يُريده، كان يتوقّع مقابلاً، رغم معرفته أنّ إيران ستتمكّن من البلاد، لأنّها تنظر إلى الملفّ السوري جزءاً من رؤيةٍ سياسية أيديولوجيةٍ طويلة الأمد، لذا ترى التطبيع العربي مع بشّار الأسد بمثابة انتصار شخصي لها، لكن، هل يملك الأخيرُ متسعاً من الوقت لالتقاط أنفاسه، ولعابه، والتفكير في السيناريوهات المطروحة حول الاستهداف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، بينما أقصى ما يقوم به، وكعادته، هو الصمت الذي يسبق عاصفة القِطاف، والمشحون بلغةٍ استنكارية “رقيقة” للهجمات الإسرائيلية على مُنقذِه وحليفهِ الاستراتيجي؟

وفي حين أكّد الرئيس الإيراني أنّ الهجوم الإسرائيلي “لن يمر من دون ردّ”، بالتوازي مع إصدار إسرائيل تعليماتٍ لسفاراتها بضرورة تعزيز إجراءاتها الأمنية، حتى إنّ المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، دان الاستهداف بشدة، رغم أنّه لم يدن جرائم الأسد في حقّ السوريين منذ توليه المنصب، ولأنّ قيمة أيّ كارثة تكمن في ما تقدّمه من منفعةٍ وما تُشبع من حاجة ملحّة، اكتفت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) باستعراضٍ دعائي ممجوجٍ للتصريح العاطفي المجّاني لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ومن مقرّ السفارة الإيرانية: “كيان الاحتلال الإسرائيلي لن يكون في مقدوره التأثير على العلاقات بين إيران وسورية” (!).

وعليه، السؤال المُلحّ الواجب طرحه هنا: هل يمكن لسياسة “قمّة تلو قمّة” المستندة إلى مبدأ “خطوة مقابل خطوة” أن تنجح مع الأسد، رغم الجولات المكّوكية صفرية المحصول، التي لم تنجز أيّ اتفاق أو توافق على بند دستوري واحد يسمح بفتح ثغرةٍ في جدار الأزمة السورية المصمتة؟ خاصّة أنّه يمكن، وببساطة شديدة، التقاط الذبذبات الصريحة لموجة براغمات الأزمات التي تفضح فكر الأسد ومعتقده، بعد تجدّد أمله بغنائم مرتقبة إثر تسلّمه دعوة رسمية من ملك البحرين للمشاركة في القمّة العربية المزمع عقدها في مايو / أيار المقبل في المنامة.

على أي حال، تُؤكّد مخبوءات الذهنية الأسدية ودلالاتها الرمزية على مفهوم القابلية للتطبيق للسياسات الملتبسة والأزمات المعلّقة باعتبارها معايير جدارة. ولعلّ الجواب على السؤال المذكور آنفاً يتّضح بالتوازي مع مأساة غزّة التي شكّلت هدية غير متوقعة للأسد الذي قدّم دمشق طرفاً مفيداً: “لا مظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي… ولا إدانة صريحة”، في انتظار “المكافأة على الحياد” بغضّ النظر عن سجلّه الوحشي. ولا شك أنّ صمته المطبق يُجسّد براءة ذمّة حيال الحرب الدائرة، باعتباره مرتكزاً ثابتاً لا يمكن تغييره، ليثبت للعالم أنّه صمام أمان المنطقة الملتهبة، وأنّ نظامه قادرٌ على أن يكون طرفاً مُحرّكاً لمستنقع الصراع العربي الإسرائيلي، ولو عن طريق الانبطاح والطأطأة، بل يمكن المغالاة في التحليل وتأكيد أنّ الأسد استخلص من “طوفان الأقصى” ورقةَ حسن سلوك هو أكثر احتياجاً إليها في قمّة المنامة، التي لا تحمل أيّ مباغتة صادمة خارجة عن العادة، ويُفترض أنّها ستكون أقلّ سخونةً بكثير من سابقتها القمّة العربية في جدّة. والورقة في جوهرها مُنجَزٌ عملاني مهمٌّ يحمله جزار دمشق بين يديه من شأنه أن يزيده ثقة واسترخاء، بعد تبنّيه مسار الدفع باتجاه تطويق الحرب بالتزامه الصمت تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة وعدم السماح لمليشيات إيران باستهداف إسرائيل انطلاقاً من سورية، وهذا ما حصل بالفعل.

نافل القول، حين تكون العواصف السياسية التي تلوك سورية في حالة تَغيّر يكون العرش الأسدي غير آمن البتّة، لذا تعتبر الذاتيّة المتطرفة والأنانية الصارخة إحدى سمات بشار الأسد المميّزة، هو الذي يعتبر المأساة السورية ليست أكثر من رؤيةٍ إشكالية ليس لها علاقة بالواقع، فالحقائق التي لا تجعل من النفعية والجدوائية معياراً لتبرير تنازلاته المُهينة التي وصلت إلى حدّ بيع البلاد، لا يمكن اعتبارها من المسلّمات الثابتة حتى لو خضعت للتجربة والقياس. بهذا المعنى تتحول القمم العربية، واحدةً تلو أخرى، إلى صندوق مليء بالعروض والبنود، والسكاكر ربما، ينتقي منها الأسد على نحو تجريبيّ بحت ما هو أكثر نفعاً له في هذا الموقف أو ذاك. إذ كيف يمكن أن تعوّل على حاكم سايكوباتي يُنكر بشدة أن يكون قد سبّب إزهاق حياة السوريين وتدمير البلاد. جاء ذلك في حوارٍ سابق مع صحيفة البايس الإسبانية لدى سؤاله عن الكيفية التي ينظر بها إلى نفسه بعد عشر سنوات. فأجاب بثقة مطلقة: “عندها سأكون أنا الشخص الذي أنقذ بلاده”.

العربي الجديد

—————————

نحن وإيران جيران ويا لها من جيرة/ فاروق يوسف

إيران اليوم ليست مجرد جارة سوء للعرب بل صارت جزءا من واقع مشؤوم وبغيض أطبق مثل كابوس عليهم من غير أن تظهر في الأفق صورة أخرى تبشر بخير قليل.

الثلاثاء 2024/04/09

قد يكون القادم أسوأ

حتى حين تُضرب إيران فإن العرب يدفعون الثمن. تلك حصة سيئة من قدر جغرافي صار يضغط على العرب فزادوه سوءا بسبب سياسات أنظمة لا تكترث بمصير الشعوب التي ابتليت بها وبجوعها إلى الحكم.

ليست سوريا وحيدة في ذلك. فما جرى في دمشق قبل أيام حين استهدفت الصواريخ بيتا يقيم فيه قادة فيلق القدس الإيراني يمكن أن يقع في لبنان والعراق من غير أن تقوى الدولتان على الدفاع عن سيادتهما على أراضيهما والتي هي سيادة ناقصة بسبب التغلغل الإيراني.

وكما تحارب إيران بالوكالة فإنها تتلقى العقاب بالوكالة أيضا. وهو ما تواطأت عليه إيران وخصومها، سواء كانوا في إسرائيل أو في الولايات المتحدة. حين قُتل قاسم سليماني فإن الضربة الأميركية وقعت على الأراضي العراقية أما حين سمحت الولايات المتحدة لإيران بالرد فإن الأخيرة وجهت صواريخها إلى الأراضي العراقية.

وفي ذلك يتساوى العراق وسوريا. فبعد أن صار البلدان قاعدتين عسكريتين إيرانيتين جاز لخصوم إيران أن يوجهوا الضربات إليهما من غير التفكير بسيادتهما التي جرى تعليقها بسبب ظرف موضوعي يقع خارج الإرادة الوطنية التي صارت جزءا من ماض لا يمكن استعادته.

ليست إيران اليوم مجرد جارة سوء للعرب بل صارت جزءا من واقع مشؤوم وبغيض أطبق مثل كابوس عليهم من غير أن تظهر في الأفق صورة أخرى تبشر بخير قليل. ومثلما أن الجغرافيا لا يمكن تغييرها فإن الأنظمة السياسية الخانعة أسقطت من حساباتها إمكانية الخروج من ذلك الكابوس أو هي لا ترغب في أن تُخرج شعوبها منه.

ذلك يعني أن المستقبل سيكون أسوأ. فلو لجأت إيران إلى التصعيد ردا على القصف الإسرائيلي فإنها لن ترد من أراضيها بل ستكلف ذيولها بالقيام بذلك الرد. ومن أجل تجنيب حزب الله عقابا قد يؤدي إلى إلحاق أضرار فادحة به وهو ما لا تتحمله إيران فقد يتم اللجوء إلى الميليشيات العراقية الجاهزة لتقديم خدمات من ذلك النوع على غرار ما فعلته حين تبرعت بقصف القواعد العسكرية الأميركية في العراق تحت شعار المطالبة برحيل القوات الأجنبية.

ولكن أثر القصف القادم من العراق سيكون محدودا على إسرائيل. وهو ما يعني أن الرد الإيراني سيكون صعبا بالمقاسات التقليدية. فلا حزب الله وقد استوعب مغزى الإشارات الإسرائيلية يقدر على تسخين جبهة إسرائيل الشمالية ولا حركة حماس التي شلتها الحرب المستمرة منذ شهور في إمكانها أن تصفع إسرائيل انتقاما لمقتل قادة فيلق القدس. لذلك لن يكون مستبعدا أن تتحول البوصلة إلى الأردن بعد أن تأكدت حركة حماس أن لها جمهورا هناك، تحكمه العاطفة ولا يملك قدرة على التمييز بين مصلحة الأردن والرغبة في الزج به في معركة، تعرف قيادته أنه سيخرج منها خاسرا.

لا تشكل التظاهرات التي شهدها محيط السفارة الإسرائيلية في عمان خطرا على إسرائيل. معظم سكان العاصمة الأردنية هم من أصل فلسطيني. ذلك مؤشر على رعاية أردنية غير محدودة. لكن الأردن كدولة له حساسية إزاء مسألة الولاء. تلك حساسية لا تتعلق بالقضية الفلسطينية بل بحركة حماس التي لم تتفاعل إيجابيا مع كل ما فعلته القيادة الأردنية من أجلها في مواجهة إسرائيل. لقد كان الأردن محقا حين شعر بأن التظاهرات المناصرة لحماس تشكل خطرا على أمنه القومي.

كان الأردن دائما مهددا بفكرة الوطن البديل. وليس مستبعدا أن تكون إيران وقد التقت مخططاتها مع أهواء حماس، مسؤولة عن اختراق جبهة صامتة لتضرب عصفورين بحجر واحد. فإذا كانت إيران قد عجزت عن اختراق النظام السياسي في الأردن من خلال حركة الإخوان المسلمين فإنها راهنت على الجمهور الفلسطيني الذي يناصر حماس تحت ضغط الكوارث التي تحدث في غزة. من جهة أخرى فإن إيران وقد أقرت بأنها لا تملك الأدوات التي تؤهلها للانتقام من إسرائيل فقد قررت أن تُلحق الأردن بقائمة الدولة الفاشلة.

أخطأ فلسطينيو الأردن حين انجروا وراء عاطفتهم ولم ينتبهوا إلى أن تلك العاطفة كانت فخا إذا ما تم النظر إليها بعين واقعية. ليس الأردن دولة حرب منذ توقيعه معاهدة السلام وهو لذلك ليس مستعدا لكي يكون جبهة حرب بديلة عن الجبهتين السورية واللبنانية اللتين احتمت إيران بصمتهما من أجل أن لا ينالها المزيد من العقاب.

كاتب عراقي

العرب

—————————

إلى أين تذهب حرب الاغتيالات المتجدّدة؟/ سميرة المسالمة

08 ابريل 2024

تفتح حرب الاغتيالات الإسرائيلية لقيادات إيرانية باب التكهّنات لمروحة من الاحتمالات الممكنة للردود عليها، مع ملاحظة أن هذه الحرب لا تأتي من باب التقليل من المكانة التي تحتسبها إسرائيل أو حليفتها الولايات المتحدة لإيران في المنطقة، بل تأتي لتأكيد أن الصراع العربي الإسرائيلي في مفهومه السابق جرى تنسيقه، وتجاوزته إسرائيل بعد جولات التطبيع العربي المتواترة معها، ليحلّ مكانه الصراع الإسرائيلي مع “محور المقاومة” الذي تتزعّمه إيران، وهو الواقع الراهن المقلق لأمنها، الذي تريد تبديد أدواته الفاعلة، من خلال التصفيات التي تسارعت وتيرتها بعد عملية حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، طوفان الأقصى، واغتالت قيادات إيرانية وموالية من الصف الأول لقادة متحكّمين في الملف العسكري في سورية ولبنان.

ومع اختلاف غاية إيران وهدفها في صراعها مع إسرائيل عن أسباب الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، فإن غرض محاولات الأخير لاستدراج إيران إلى معركة مباشرة معه وضع حد لمسايرة واشنطن طهران في ملفها النووي من جهة، ووضع قيود ضابطة لأدواتها المحلية، ومليشياتها الطائفية في كل من فلسطين ولبنان وسورية والعراق، لضمان عدم عرقلة نهج التطبيع العربي ــ الاسرائيلي، وتنامي سوقها الاقتصادية المهيمنة على المنطقة.

وقد تعلّمت إيران درساً موجعاً من حربها مع العراق التي استمرت ثماني سنوات (1980—1988)، من دون تحقيق أي منجز لأيٍّ من الطرفين اللذين تكبّدا خلال الحرب خسائر بشرية قدّرت بمليون ضحيّة من جنود ومدنيين، وكذلك اقتصادية فاقت 400 مليون دولار، ما أدّى بإيران إلى استنباط طرق جديدة في إدارة صراعاتها مع محيطيها، العربي والإسرائيلي، باعتمادها على أدوات محليّة رعتها ودعمتها عقائدياً ومالياً وعسكرياً، وتحوّلت إلى ذراع لها يدير مصالحها ويضمن حصتها في التحالفات المحلية والدولية.

الرغبة الإيرانية في بقاء المواجهات غير مباشرة مع إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، هي ما يجعلها تحافظ على وجودها العسكري خارج حدودها، في سورية ولبنان والعراق واليمن، أي تحويلها إلى ساحات مواجهة إقليمية ودولية، حيث تمكّنها هذه المواجهات خارج حدوها من تجنيب شعبها في إيران من مآلات الحرب، وبالتالي، تجنّب الغضب الشعبي على النظام الحاكم، وفي الوقت ذاته، الإبقاء على أبواب التفاوض ونوافذه مفتوحة، سواء لجهة استخدام الملفّ النووي الإيراني الذي تخشاه كل من إسرائيل ودول خليجية، أو ملف التهدئة في الساحات المفتوحة في كل من تلك الدول التي تدير شؤونها بيد مليشياتها المحليّة.

لقد خبرت إيران التكلفة المرتفعة للضربات الإسرائيلية في أراضيها، سواء لجهة فقدانها هيبتها أمام شعبها، وارتفاع عدد الضحايا، أو لجهة أن هذه الضربات تعطي المزيد من الجرأة لمعارضي النظام بالثورة عليه، ما يزيد من اتّساع رقعة التظاهرات ضده في مختلف المحافظات، وهذا ما يجعل أي ثمنٍ تدفعه خارج حدودها أقلّ بكثير من التكلفة في حال انتقال الصدام إلى داخل الحدود الإيرانية، وهو الأمر الذي يفسّر حفاظ إيران على ساحات حرب خارجية لها، تستطيع من خلالها تبريد جبهات النيران التي تفتحها إسرائيل عليها، والردّ من خلالها، بأقل تكلفة ممكنة، وهو ما جرى في حروب حزب الله ضد إسرائيل سابقاً.

ولا تسعى إسرائيل بضرباتها الجوية على أهداف إيرانية في سورية أو لبنان، أو اغتيالاتها لشخصيات إيرانية أو قريبة منها مؤثرة في المعادلة العسكرية أو النووية، لإعلان حربٍ مفتوحة معها، بالقدر الذي يمكن عدّه مجرّد محاولة لاستدراج إيران إلى التخلّي عما تسمّيه “الصبر الاستراتيجي”، وذلك لتعطيل أي تسوية محتملة بشأن الملف النووي مع الجانب الأميركي، وبالتالي مع المجتمع الدولي عموماً، الذي تراه إسرائيل يعوق هدفها بتحوّلها إلى دولة طبيعية رائدة في منطقة الشرق الأوسط، والذي يشكّل، في كل وقت، وعلى مختلف الأصعدة، تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل من ناحية، ولاستقرار الحلفاء الخليجيين المحتملين لها من ناحية تالية. فبينما تعاملت إيران على مدار سنوات سابقة بنوع من الاحتواء الدبلوماسي للاستفزاز الإسرائيلي، بغرض إبقاء سياسة تكريس المواجهات غير مباشرة بين الطرفين، والحفاظ عليها خارج ما تسمّى “الحرب الصفرية” التي تطمح إلى هزيمة أحد المتصارعين بدخول الجيوش النظامية، كطرفين متقابلين خاضعين لقياس النصر والهزيمة، ذهبت إسرائيل إلى التصعيد مع حركة حماس إلى أقصى درجة بفتح حرب إبادة على الشعب الفلسطيني، بما يسمح بتصفية القضية الفلسطينية، ولعل محاولات تأزيم الصراع مع إيران بهدف تعرية حقيقة التحالف الإيراني مع “حماس”، وأيضاً مع ما يسمّى “حلف الممانعة”.

تدرك إيران حجم قوتها بواقعية مطلقة، التي لا تقارَن بقوتي إسرائيل والولايات المتحدة جبهة مقابلة لها، وهذا ما أبعدها على مدار عقود الخلاف عن أي مواجهةٍ مفتوحةٍ معهما، ما يعني أنها، على عكس خطابها الإعلامي الذي تجاهر به، سواء لجهة إبادة إسرائيل، أو موت أميركا، فهي لا تعمل من أجل أن تكون أحد الخياريْن الموجودين على الأرض (إسرائيل أو إيران)، بل تسعى لأن تكون الخيار الآخر في المنطقة، عبر تأكيد موقعها الوجودي الذي لم تغامر به يوماً طوال 45 سنة من عمر الثورة الإسلامية في إيران، ولكن ذلك كله “ربما” لا يعني أنها لن تردّ على إسرائيل، بما لا يذهب بها إلى “حربٍ مفتوحة”، كما هي سياستها منذ عقود، وأيضاً لا يبقيها تعضّ على الجرح من دون أن تصرخ معبّرة عن غضبها، ولو شكلياً.

—————————-

الغرب بين استهداف سفارة المكسيك وإيران/ حسين مجدوبي

8 – أبريل – 2024

خلال الأحداث الأخيرة التي وقعت ابتداء من 2022 فقد الغرب الكثير من أخلاقه السياسية، بسبب مواقفه المزدوجة تجاه قضايا حساسة للغاية مثل الحرب الأوكرانية وقضية السفارة المكسيكية في الإكوادور، ويحدث هذا في وقت مفصلي من تاريخ تطور العلاقات الدولية بسبب التغييرات الجوهرية التي تمس الخريطة الجيوسياسية باقتراب نهاية هيمنة الغرب.

في هذه الصفحة، عالجنا كما عالجت مقالات في هذه الجريدة ومنابر أخرى، ازدواجية المعايير لدى الغرب في تباكيه على ضحايا الحرب الأوكرانية التي تشنها روسيا ضد هذا البلد، ثم صمت غالبية أعضائه، ولاسيما التيار الأنكلوسكسوني عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني ووصلت إلى الإبادة. وكيف عمل هذا التيار على تضخيم ضحايا الحرب الأوكرانية وتبرير ضحايا المحرقة الجديدة، التي يشهدها العالم في القرن الواحد والعشرين، كما ذهب إلى ذلك عدد من رؤساء العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية مثل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا والكولومبي غوستافو بيترو.

وانضاف مؤخرا حادث آخر إلى قائمة الأحداث التي تبرز الكيل بمكيالين في السياسة الدولية، فخلال الأسبوع الماضي، حدث هجومان على تمثيليات دبلوماسية، الأول استهدف القنصلية الإيرانية في سوريا، والثاني يتعلق باقتحام قوات شرطة دولة الأكوادور في أمريكا اللاتينية السفارة المكسيكية، لاعتقال النائب السابق لرئيس الحكومة خورخي كلاس، الذي منحته المكسيك اللجوء السياسي ساعات قبل الهجوم يوم الجمعة الماضي، انتفضت أمريكا اللاتينية ضد قرار رئيس الأكوادور دانييل نوبوا، ونددت به، بل حتى المعارضة في الإكوادور اعتبرته خرقا سافرا للاتفاقيات الدولية حول التمثيليات الدبلوماسية. وانضم الغرب مسرعا إلى هذه الإدانة. غير أن المثير للتساؤل، وإن كان الأمر في حالة الغرب لم يعد مثيرا للاستغراب، هو لماذا في الأسبوع نفسه، ندد الغرب باقتحام الشرطة لسفارة المكسيك لاعتقال مسؤول سياسي متهم بالفساد، وهدد بعقوبات ضد الإكوادور، والتزم الصمت في حالة الهجوم الإسرائيلي على التمثيلية الدبلوماسية الإيرانية في العاصمة دمشق، الذي خلف قتلى؟ بل قامت دول مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا بمعارضة المقترح الذي تقدمت به روسيا لإدانة إسرائيل في مجلس الأمن، ولا يفكر الغرب في التنديد، بل في محاولة تهدئة الوضع خوفا من الانجرار إلى حرب شاملة تريدها إسرائيل، لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط. استهداف إسرائيل إيران يعتبر عملا إرهابيا بكل المقاييس، ولا يدخل في نطاق الحرب، وإحجام الغرب عن التنديد يعني أنه يؤيد العمل الإرهابي، هذا الإرهاب الذي قام بمحاربته بعد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية. كان من شأن تنديد الغرب بهذا الهجوم ولو في حده الأدنى تهدئة طهران، لكن لم يحصل.

في غضون ذلك، لا يوجد اختلاف بين الأمس واليوم، وربما المستقبل في تصرفات هذا الغرب، بمعنى سياسة الكيل بمكيالين التي تفتقد للأخلاق. إذ يكشف التاريخ كيف أن هذا الغرب خاصة الأنكلوسكسوني كان في طليعة دول العالم التي عادة ما تتخذ مواقف في العمق دينية مسيحية – يهودية مضادة لكل ما يتعلق بنهضة عربية وإسلامية، وإن كان يجري تغليفها بمبررات سياسية. وهذه السياسة ليست وليدة العقود السابقة، خاصة بعد انفجار الصراع العربي – الإسرائيلي، بل هي تعود إلى الماضي، وهي ممتدة من الحروب الصليبية إلى يومنا هذا. ومن أبرز الأمثلة في هذا الشأن، كيف عاش الغرب، خاصة أوروبا ما بين القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الأولى ثقافة حقوق الإنسان والحريات الليبرالية، لكنه في المقابل انطلق في غزو مناطق من العالم وتحويلها الى مستعمرات. وشهدت هذه المستعمرات جرائم حرب خطيرة، مثلما حدث في المغرب والجزائر والكونغو، إضافة إلى أكبر عملية تجارة العبيد في العالم التي يطلق عليها من باب التخفيف «الرواج الثلاثي» بينما في الأصل والعمق «الموت الثلاثي».

تجري كل هذه التطورات في وقت يشهد فيه العالم تحالفات جديدة وانقلابات عسكرية وطموحات لدول بهدف إثبات ذاتها والدفاع عن مصالحها في العالم. وإذا كانت أمريكا اللاتينية سباقة إلى إعادة النظر في العلاقات مع الغرب، ثم آسيا، يأتي الآن الدور على افريقيا، ولعل منطقة الساحل الافريقي خير عنوان لهذا التغيير الجيوسياسي، من خلال قرار دول، طرد الفرنسيين والأمريكيين. ومنذ أسبوعين فقط، قامت حكومة النيجر مثلا بطرد القوات الأمريكية من أراضيها بعدما فعلت ذلك مع القوات الفرنسية خلال يوليو/تموز الماضي. واتهمت النيجر الغرب بتشجيع الإرهاب في منطقة الساحل لتعزيز نفوذه. ومن يمتلك ذاكرة قوية خاصة في المقارنة بين الأحداث السياسية، تكفيه استعادة تجربة «الجيش السري للحلف الأطلسي» وما نفذه من عمليات إرهابية في السبعينيات والثمانينيات في دول مثل بلجيكا وإيطاليا، لمنع اليسار من الوصول إلى السلطة. هذه المقارنة ستلقي الضوء على دور بعض القوات الغربية التي لا تحارب الإرهاب، بل تفاقمه.

ترتفع الكثير من الأصوات في الغرب محذرة من أن سياسة الكيل بمكيالين لم تعد تنفع، ويجب ضرورة إعادة النظر في هذه السياسة. ومن أبرز هذه الأصوات التيار اليساري في الحزب الديمقراطي الأمريكي، الذي يندد بما يعتبره انخراط واشنطن في تأييد جرائم إسرائيل في فلسطين. ومن أوروبا، يبقى الصوت الأبرز هو صوت رئيس الحكومة وزير الخارجية الفرنسية الأسبق دومينيك دو فيلبان الذي يحذر الغرب من انتفاضة ما يصطلح عليه «الجنوب الشامل». لا يمكن للغرب تطبيق سياسة الكيل بمكيالين في القضايا الدولية، ثم يتباكى بشأن ما يعتبره الاكتساح الصيني والتركي والروسي لبعض مناطق العالم.

كاتب مغربي

القدس العربي

—————————–

قائمة الانتقام الإيراني طويلة ولكنها محدودة/ د. هيثم الزبيدي

الضعف العربي الذي يستثير شهية إيران لا يوفر لطهران فرصة بسط النفوذ الكامل على المنطقة؛ أمامها قوتان أكبر وأهم: الولايات المتحدة وإسرائيل.

الاثنين 2024/04/08

على الورق، تبدو قائمة الأهداف التي يمكن أن تستخدمها إيران للرد على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق طويلة. هناك الكثير من القنصليات والسفارات الإسرائيلية في المنطقة الممتدة من أذربيجان إلى قلب الخليج والشرق الأوسط. الترسانة الإيرانية الكبيرة من الصواريخ البالستية والمسيرات يمكن أن تستهدف الكثير من الأهداف العسكرية الإسرائيلية في إسرائيل نفسها أو في المناطق الرمادية التي تتواجد فيها إسرائيل، مثل الجزء المحتل الذي تم ضمه من هضبة الجولان السورية أو مزارع شبعا. قد تكرر طهران جريمتها في أربيل مطلع العام الجاري عندما استهدفت الأبرياء من العراقيين بحجة مختلقة تدّعي وجود مركز للموساد في كردستان العراق، أو تستهدف قواعد وأهدافا أميركية كثيرة في المنطقة بحجة التحالف المفتوح بين إسرائيل والولايات المتحدة. المشكلة تكمن في أن أيّا من هذه الأهداف لن يحقق لها الغاية بأن تستعرض قوتها في الإقليم وتمنع هجمات إسرائيلية أو أميركية مشابهة.

خيارات توجيه الأوامر للميليشيات الموالية لإيران للقيام بالهجوم نيابةً عن طهران تبدو إشكالية. على الطرف الجنوبي من البحر الأحمر وصل الحوثي إلى أقصى ما يمكن أن يفعله دعما لإيران. لا تزال المسيّرات والصواريخ الحوثية تستهدف السفن والناقلات في البحر الأحمر وخليج عدن، لكن فكرة أن يكون اليمن قاعدة لاستهداف إسرائيل مباشرة تبدو عصية على التنفيذ. لو تحركت ميليشيات الحشد الشعبي واستهدفت إسرائيل أو القوات الأميركية في المنطقة، ستكون الحكومة العراقية أول المساءَلين: وحدة الساحات التي تتحدث عنها إيران هي منطق خطر، لأن إسرائيل والولايات المتحدة يمكن أن تعلنا عن توحيد ساحاتهما بدورهما، وتعتبرا ما يحدث انطلاقا من العراق أهدافا مشروعة لهجماتهما.

بقي خيار حزب الله. يرتبط هذا الخيار بأسئلة أهم: هل حان الوقت الذي تزج فيه إيران بحزب الله في حربها مع الغرب وإسرائيل؟ ما هي العواقب؟ هل يستحق دم الجنرال علي رضا زاهدي التضحية بحزب الله وبسيطرته على لبنان؟ بدخول حزب الله المواجهة المفتوحة، سيطوي الغرب ملف سمعة إسرائيل السيئة واستهدافها الإجرامي للمدنيين الفلسطينيين في غزة وقتلها لموظفي الإغاثة الأجانب، وينظر إلى الحرب الدائرة في غزة على أنها جزء من حرب إقليمية واسعة تقودها إيران لانتزاع السيطرة على المنطقة من أيدي حكوماتها ومن داعميهم الغربيين. ما نسمعه من تصريحات من قادة الميليشيات العراقية وحماس عن الأردن يعزز هذا الاعتقاد.

الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق لحظة حاسمة في تشكيل تاريخ المنطقة. لا يمكن الاستهانة بما حققته إيران من انتشار ونفوذ في المنطقة منذ انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988، وانكسار العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991 واحتلاله واستلام السلطة في بغداد من قبَل حكومة موالية لإيران ابتداء من عام 2003. أي مراقب موضوعي سيقول إن إيران اليوم إمبراطورية، بنفوذ يمتد من جنوب الخليج في اليمن، وسيطرة شبه مطلقة على العراق، وتواجد على البحر المتوسط عبر تحالف مع النظام السوري وسيطرة على لبنان من خلال حزب الله، دون نسيان أن غزة نفسها تطل على المتوسط من حافة إسرائيل الجنوبية وهي إلى حد الساعة لا تزال تحت سيطرة أو رحمة حماس، الحليف المخلص لإيران. وفيما عدا الأردن، بكل القلق الذي يصاحب هشاشة تركيبته السكانية ومشاكله الاقتصادية، تبدو منطقة الهلال الخصيب التاريخية تحت السيطرة الإيرانية المباشرة أو شبه المباشرة.

 لكن هذه اللحظة الحاسمة قد تكون النقطة التي يفهم منها أهل المنطقة حدود القدرات الإيرانية. لا شك أن إيران قوية. هي القوة الأهم تسليحا الآن في منطقة الشرق الأوسط بلا منافس إقليمي، بعد خروج العراق من معادلة التوازن الإستراتيجي. السعودية ليست بوارد التنافس مع إيران بعد دروس حرب اليمن والهجمات على منشآت أرامكو في بقيق وخريص. بقية الخليج مهموم بأمنه الذاتي. مصر تحافظ على مبدأ “مسافة السكة” اللفظي دون أي محاولة لجعله فكرة عملية. لكن هذا الضعف العربي الذي يستثير شهية إيران، لا يوفر لطهران فرصة بسط النفوذ الكامل على المنطقة؛ فأمامها قوتان أكبر وأهم: الولايات المتحدة وإسرائيل.

إسرائيل تحارب اليوم في غزة وتنتقم من حماس. لكنها تعرف أن عدوها الحقيقي هو إيران. ليس لأن إيران تريد تحرير فلسطين، بل لأن إيران تريد الاستيلاء الكامل على المنطقة. الصراع بين إسرائيل وإيران هذا أساسه مهما تحدث النظام الإيراني عن أن “الطريق إلى القدس” تمر بكربلاء حينًا وبدمشق حينا آخر وبصنعاء أو بيروت أحيانا أخرى، ومهما تحدث الإسرائيليون عن سلام وتطبيع وعلاقات هادئة مع الجوار. ما تخشاه إيران ليس القوة الإسرائيلية الغاشمة التي تستهدف الأبرياء والمباني في غزة، بل قدرة إسرائيل على توجيه ضربات مؤذية حاسمة ضد مشاريع إيران الإستراتيجية مثل تعطيلها أو تفجيرها منشآت نووية وعسكرية إيرانية، أو اغتيال الخبراء واستهداف قادة الحرس المفصليين وتوجيه ضربات دقيقة لقادة سياسيين وعسكريين موالين من حماس وحزب الله. العجز الإيراني المرتبط بفارق الإمكانيات يزداد وضوحا كل يوم. انظر إلى الطريقة التي استهدف بها الإسرائيليون نائب رئيس حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله، أو دقة الصواريخ التي دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق من دون أن تمس أبنية السفارة الملاصقة له. زد على ذلك أن إيران أو أيّا من حلفائها لم يتمكنوا إلى اليوم من استهداف قادة إسرائيليين كبار (أو أميركيين في سياق الرد على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في بغداد).

أضف إلى ذلك فارق السمعة. سمعة الإسرائيليين اليوم بالحضيض، ولكن ما هو وضع سمعة إيران. من الطريف أن تشتكي إيران من استهداف مقر دبلوماسي لها في دمشق. النظام الإيراني بدأ عهده باحتلال السفارة الأميركية في طهران، واستهدفت تنظيمات موالية له سفارات العراق والولايات المتحدة في بيروت والسفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس. ثم إن السفارات والقنصليات مقرات لدبلوماسيين مدنيين. ماذا يفعل جنرالات إيرانيون من الحرس الثوري ومسؤولون من حزب الله في مبنى دبلوماسي في دمشق؟

القوة العسكرية الأميركية لا تقارن بأية قوة أخرى في العالم. تستطيع الولايات المتحدة أن تستنزف روسيا في أوكرانيا مثلا بمجرد إرسال فارق مخزونات الأسلحة الأميركية إلى القوات الأوكرانية. وتتقدم واشنطن تكنولوجيّا على كل منافسيها بأجيال. وتمتلك من القدرات الاستخبارية والبشرية والتقنية ما يمكنها من التقاط وتصفية القيادات المشاكسة: صدام حسين، وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وأبوبكر البغدادي وخلفائه من داعش، وأنور العولقي ومن خلفه من القاعدة، وسليماني والمهندس من بين قائمة أطول.

مشكلة الولايات المتحدة تكمن في التشوش السياسي لقادتها وسوء تقديراتهم. ولعل تاريخ الحضور الأميركي في الشرق الأوسط مليء بالمطبات وانعدام الرؤية لدى الرؤساء؛ من تخلي جيمي كارتر عن نظام الشاه، إلى إسقاط جورج بوش لنظام صدام حسين، إلى غفلات باراك أوباما في مواجهة الربيع العربي أو توقيع الاتفاق النووي مع إيران، إلى صمت دونالد ترامب على ضرب السعودية، وصولا إلى تذبذب السياسة في عهد جو بايدن.

والآن أضف إلى ذلك أن قادة المنطقة، وخصوصا في الخليج، لا يثقون بأن هناك سياسة أميركية متسقة يمكن البناء عليها مستقبلا على الرغم من الاعتماد الإستراتيجي على الحماية الأميركية في مواجهة التهديد الإيراني. بل إن المفارقات تبلغ مداها لجميع الأطراف عند النظر إلى فوضى التحالفات والمواقف العدائية، مَنْ مع مَنْ وضدّ مَن في الشرق الأوسط.

قد تفاجئنا إيران باستهداف مواقع لتنفيذ انتقامها من إسرائيل. لا شك أنه من المبكر الجزم بذلك. لكن بعوامل قوتها الأكبر من قوة الدول العربية ولكن الأقل من قوتيْ إسرائيل والولايات المتحدة، تبدو طهران محشورة في المواءمة بين عنجهيتها وقدراتها الحقيقية. حتى هجوم الابتسامات الدبلوماسية التي جعلها تحل مشاكلها العالقة مع السعودية ودول الخليج انقلب عليها، إذ صارت مجبرة على شطب الأهداف في الخليج من قائمة الانتقام. قائمة طويلة لكنها محدودة في الوقت نفسه.

العرب

——————————

هل تغيّر المشهد الإقليمي بعد ضربة القنصلية الإيرانية؟/ عمار ديوب

05 ابريل 2024

تنتهج إيران سياسة “الصبر الاستراتيجيّ” في العلاقة مع الولايات المتّحدة والكيان الصهيوني، بغرض الاستمرار في فرض هيمنتها على دول عربية كثيرة. ترافق هذا “الصبر” مع شبه اتفاق إيراني صهيوني على أن تضبط إيران وكلاءها وتحرّشهم بدولة الاحتلال، في مقابل صمت الأخير عن التمدّد الإيراني. لم يتغيّر الأمر حينما اغتالت الولايات المتحدة قاسم سليماني، في أواخر عام 2020، ولم يتغيّر بعد “طوفان الأقصى”، إذ أعلنت إيران أنّها لا تدعم تلك العملية، واتفقت دول المنطقة كافّة على حصر الحرب في غزّة، وإمعاناً في ذلك أَرسلت الدول العظمى بوارجها إلى البحر الأبيض المتوسط، ولم تغيّر عمليات حزب الله هذه المعادلة في جنوب لبنان ولا عمليات الحوثيين في اليمن، ولا العمليات التي انطلقت من العراق أو من سورية، وتوقّف التوتّر الحاصل بعد مقتل ثلاثة جنودٍ أميركيين في الأردن في الأشهر الأخيرة. بالتالي، لا تزال إيران تنتهج الاستراتيجيّة ذاتها.

يبدو أنَّ الخلاف بين إيران ودولة الاحتلال هو على حجم التمدّد الإيرانيّ، لا سيما في سورية، ولهذا شنّ الاحتلال مئات العمليات ضد القواعد الإيرانيّة بين 2013 و2023، وضدّ شحنات الأسلحة أو طرق إمداداتها عبر سورية، وصولاً إلى حزب الله في لبنان. ويدفع الخلافُ في هذا الموضوع إيران إلى الاستمرار بالتموضع المكثّف في المنطقة، ويدفع الكيان الصهيوني للاستمرار في استهداف تلك التموضعات، وانتقل أخيراً، لا سيّما بعد “7 أكتوبر”، إلى استهداف شخصياتٍ قياديّة نافذة في الحرس الثوري وحزب الله وحركة حماس. عمليّة ضرب مبنى تابع للسفارة الإيرانيّة في حي المزّة في دمشق كانت أخطرها بسبب نوعيّة القادة المُستَهدَفين، ليطرح الإعلام، وسياسيون كُثر في المنطقة، تساؤلات من قبيل: هل انتهى الصبر الاستراتيجي الإيرانيّ؟ وهل تنتقل دولة الاحتلال من جزِّ العشب إلى الحرب؟ وهل تُستدرج إيران للمخاطرة والتدخّل في الحرب، فتخاطر بكلّ مكتسباتها في المنطقة؟

لا تبدو إيران في وارد أن تغيّر استراتيجيّها، وتصريحات الدبلوماسيّة الإيرانيّة وحتى قادة الحرس الثوري وفيلق القدس لا تتجاوز التهويل من خطر العملية، وأنّها تَنقض الأعراف الدبلوماسية، باعتبار أنّ المكان المستهدف تابع للسفارة، وقد رفضت كلّ من أميركا وفرنسا وبريطانيا بياناً من مجلس الأمن للتنديد بالعملية. أن يوجد في المبنى المستهدف سبع شخصيات إيرانية قيادية (ثلاثة من قياديي فيلق القدس وأربعة مستشارين) يُضعِف الصفة الدبلوماسية للاجتماع وكذلك للمكان ذاته، ويثير القلق الشديد لدى دولة الاحتلال، ويؤشّر إلى خفايا كبرى تتعلّق بدراسة الوضع في غزّة، وفي المنطقة، وربما يشير إلى خطّة أمنيّة ما، تتعلّق بمواجهة دولة الاحتلال، التي لا تتوقّف عن الحديث عن حربٍ ضد حزب الله، لا سيما أنّ إيران تَعلم أنّ هذه فرصة ثمينة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومعه اليمين الإسرائيلي، ليستفيد من الدعم الغربي، وليهرب من الفشل في غزّة، ومن السجن أيضاً، في حال توفّرت نهاية ما للحرب.

العمليات الأخيرة داخل سورية نوعيّة بالفعل، لا سيما، في 26 مارس/ آذار بدير الزور، وفي 29 مارس/ آذار في المزّة في دمشق، وخساراتها موجعة لإيران، ولكنّ ذلك لن يُغيّر من الاستراتيجيّة الإيرانيّة، وإن كان يستدعي ردّاً محدوداً للغاية، وربما يكون بالتوافق بين دولة الاحتلال وإيران، كما كان الأمر بين طهران وواشنطن بعد مقتل قاسم سليماني، وهو ما أفشاه ترامب، الذي قال إنّ “الردّ الإيراني المنضبط كان متّفقاً عليه”. يبدو المشهد الإقليمي في حالة ثبات، فالحرب مستمرّة في غزّة، ومشاريع “اليوم التالي” تتدفق حولها كالينابيع يوميّاً، ولن يكون آخرها الكلام عن إرسال قوات عربية، وإيران لا تفكّر مطلقاً بتغيير صبرها الاستراتيجي المزمن، والولايات المتّحدة المتعبة من فرط هيمنتها على العالم لديها خطر أكبر هو الصين، خصوصاً في موضوع تايوان، وروسيا في أوكرانيا، وليست بوارد السماح لدولة الاحتلال بشنّ حربٍ إقليميّة، وإن سعى إليها نتنياهو بكلّ الطرق، ومنها العمليات النوعية المذكورة. هناك ثباتٌ أيضاً في علاقات بعض الدول العربية بدولة الاحتلال، إذ لم تغيّر من سياساتها الاستسلاميّة رغم كلّ ما يجري في غزّة، وحافظ الاتفاق الإيراني السعودي على حاله، وفقاً لاتفاق بكّين، وكذلك التهدئة في اليمن، والتشاور بشأن تبادل النفوذ بين الدول العربية، وهناك انفتاحٌ تركي واسعٌ على الدول العربية.

إذاً، الخطر الوحيد والممكن على المشهد الإقليميّ، هو الخطر الصهيوني، وأن يقوم نتنياهو بعملية ضد حزب الله في لبنان، وهذا لن يُشطب قبل أن يتوقف العدوان على غزّة، وهذا لا يزال بلا نهاية قريبة، كما يبدو، فالاحتلال يريد اجتياح رفح، وما يستوقفه تجدّد الحرب في باقي مدن القطاع، والممانعة الأميركية، وعدم جهوزية جيش العدوّ، والكلفة الكبيرة في حال الاقتحام، ودراسة خطط عديدة لشكل الاقتحام. لا تشكّل الدول العربية أي أخطار تؤدي إلى تغيّر في المشهد الإقليمي، وحتى الوضع في الأردن، لا سيما مع استمرار التظاهرات، ودخول إيران على خط إثارتها، كما تتحدث بعض التقارير الصحافية. هناك رفضٌ عربي وأميركي واسعٌ لتغيير المشهد، والعملية الأخيرة في حي المزّة بدمشق، هي رسالة دقيقة للغاية، حول رفض أي تغييراتٍ في المشهد الإقليميّ.

التظاهرات المستقلّة في الأردن، أي غير المثارة خارجيّاً، وغير المدعومة من تظاهرات عربية للتضامن مع غزّة، لن تتطوّر بشكل كبير، فالمشهد ثابت منذ 7 أكتوبر. وغالباً، سيُطوَّق المشهد الأردني، ويُمنع من أن يصبح مشهداً إقليمياً. إذاً الخطر الوحيد حالياً أن يغزو نتنياهو لبنان، وهذا احتمالٌ قائم.

العربي الجديد

————————-

هل تلعب إيران دوراً داعشياً في المنطقة؟/ د. فيصل القاسم

5 – أبريل – 2024

بالرغم من كل المناوشات بين إسرائيل وإيران في المنطقة وآخرها الهجوم الإسرائيلي على سفارة طهران في دمشق، إلا أن المصالح المشتركة بين الطرفين لا يمكن أن تخفى على أحد، ويكفي أن إيران اليوم صارت أفضل أدوات إسرائيل في المنطقة. كيف؟ سؤال يبدو غريباً على ضوء الصراع المتصاعد بين الجانبين في الفترة الأخيرة، وهذا صحيح، لكن يكفي أن إسرائيل اليوم صارت تتقاسم مع إيران العداء للعرب. ولعبة تقاسم العداء هذه ليست جديدة، بل تحدث عنها كاتب المستقبليات الأمريكي الشهير جورج فريدمان، مسؤول الاستخبارات السابق، في اليوم الأول من هذا القرن أي قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، حين قال إن «أهم تحالف في بداية القرن الحادي والعشرين هو التحالف الإيراني الأمريكي الإسرائيلي». وقد تمثل ذلك كما بدا لاحقاً في توزيع الأدوار بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران في المنطقة. وكلنا يتذكر الخدمات الجليلة التي قدمتها إيران لأمريكا في العراق وأفغانستان فيما بعد، وكيف كوفئت إيران بالتمدد داخل العراق وسوريا ولبنان واليمن بكل حرية، لا بل أفرجت لها أمريكا عن مليارات الدولارات مؤخرا. لكن كل شيء بحساب ومربوط بوقت محدد، فترك الحبل الأمريكي والإسرائيلي على الغارب لإيران كي تسرح وتمرح في المنطقة لفترة من الزمن ليس من دون مقابل وهذا يقودنا الآن إلى السؤال التالي: ما هي أوجه الشبه بين إيران وداعش في المنطقة؟ الجواب ليس صعباً أبداً، تعالوا فقط ننظر إلى الوظيفة التي لعبها تنظيم داعش منذ سنوات ونقارنه بالدور الإيراني.

هل تتذكرون قبل أعوام كيف اجتاح الدواعش العديد من بلدان المنطقة وسيطروا على أجزاء كبرى منها بسهولة فائقة؟ هل تتذكرون كيف سيطروا على الموصل في العراق بلمح البصر وكيف تمددوا في أنحاء متفرقة من العراق وسوريا، وكيف أزالوا الحدود بين البلدين في لحظة ما؟

هل كان ذلك نتيجة قوة التنظيم الخارقة، أم بتسهيل من القوى الكبرى التي تريد إعادة ترتيب وجه المنطقة وتقسيمها والسيطرة عليها بشكل جديد؟ فكما وجد العرب أن الغزاة الإيرانيون لا يقلون خطرا عن إسرائيل، أدرك الكثيرون في المنطقة أيضاً أنهم مستعدون للتحالف مع الشياطين ضد الدواعش بعدما رأوا ما فعلوه على أرض الواقع في أكثر من مكان.

هنا بدأ التدخل الدولي بقيادة أمريكا بالمنطقة بشكل مكثف وأكثر قوة، بدليل أن واشنطن شكلت تحالفاً دولياً كبيراً للتصدي للإرهاب الداعشي في سوريا والعراق وباقي المنطقة، وهو مازال قائماً حتى اليوم. اللعبة واضحة وبسيطة إذاً، أي أن القوى الكبرى تطلق علينا كلابها، ونحن بها من كلابها نستنجد كما قال أحمد مطر. وهذا ما حدث بالضبط مع داعش التي سلطوها على المنطقة، ثم جاءوا بحجة تخليص المنطقة من ويلاتها وخطرها.

ألا تنطبق لعبة الفزاعات الاستراتيجية نفسها اليوم على دور إيران ووظيفتها، على ضوء الحملة الإسرائيلية المتصاعدة ضد الوجود الإيراني في سوريا وغيرها؟ هل يا ترى كان لإيران أن تدخل إلى سوريا بهذه البساطة والسهولة مع عشرات الميليشيات الطائفية وتعيث دماراً وتخريباً وقتلاً وتهجيراً ونهباً وسلباً من دون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي؟ مستحيل، خاصة وأن من عادة إسرائيل أن تذهب إلى أقاصي الدنيا لتدمر هدفاً يمكن أن يشكل تهديداً لها بعد عشرات السنين من خلال ضربات استباقية شاهدناها في مناطق نائية جداً، وخاصة أفريقيا، فكيف تسمح لإيران وميليشياتها إذاً أن تصل إلى الجولان لتهدد إسرائيل مباشرة دون أن يكون هناك هدف إسرائيلي لاحق من وراء السماح لإيران بالتدخل في سوريا؟ هكذا يقول المنطق السياسي والاستراتيجي البسيط.

وهذا المنطق بدأ يتضح اليوم على ضوء الضربات القاصمة التي أخذت توجهها إسرائيل لإيران داخل إيران نفسها، ناهيك عن العراق وسوريا ولبنان، وكان آخرها استهداف السفارة الإيرانية بدمشق وإزالة مبنى القنصلية عن وجه الأرض. لهذا من حق السوريين اليوم أن يفرحوا بتقليم أظافر إيران في سوريا، لكن عليهم أن لا ينسوا أن الذين يقلمون أظافر إيران في سوريا اليوم هم أنفسهم الذين كانوا قد سمحوا لها بالدخول إلى سوريا في المقام الأول لأداء بعض المهمات كدق أسافين طائفية بين الشيعة والسنة وتفتيت البلاد وتهجير العباد، وهي إحدى الوظائف التي أداها تنظيم داعش أيضاً.

هل يختلف الدور الذي تلعبه إيران يا ترى إذاً عن دور داعش، وكيف أن اللاعبين الكبار يبدأون بالتخلص من أدواتهم بعد أن تنفذ المهمات المطلوبة منها؟ دلوني على فصيل أو جماعة أو تنظيم أو حتى نظام استخدمته أمريكا لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها إلا وقضت عليه فيما بعد بدءاً بمجاهدي أفغانستان وانتهاء بفصائل المعارضات العربية في مناطق عدة وخاصة في سوريا. كلنا شاهد الدعم الذي قدموه لتلك الفصائل السورية لفترة من الفترات وجعلوها ترابط على أبواب دمشق كجيش الإسلام وغيره، ثم في لحظة ما أعطوا الأوامر بسحق تلك الفصائل ومحوها عن الخارطة بعد أن أنهت المهام المنوطة بها. ألم تسمعوا بالمثل القائل إن المظلة تصبح عبئاً على حاملها بعد أن يتوقف المطر؟

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي

——————————-

بانتظار الرد الإيرانى/ عبد الحليم قنديل

5 – أبريل – 2024

من مخازي المشهد العربي الراهن، أن أحدا لم يخرج بعد تدمير طائرات الاحتلال لقنصلية طهران في دمشق، وسأل عن رد سوريا على العدوان الداهس لسيادتها وسوابقه التي لا تحصى، ولا عن رد أي طرف عربي آخر، بل كانت الأسئلة كلها عن رد إيران، وربما يعبر السؤال المعوج عن تسليم صار مستقرا بحقائق الهوان العربي، وكأن دمشق ليست عاصمة لبلد عربي ولا لنظام، بل محض جغرافيا، صارت مجرد عنوان بريدي، ومحلا مختارا رخوا لتلقي الضربات في حرب الكيان ضد إيران، التي تتواصل حلقاتها من سنوات، وتفاقمت حمم النار فيها بعد طوفان الأقصى وحرب غزة الجارية فصولها.

وقد لا نكون بحاجة لشروح مضافة عن الذي جرى ويجري، وهو لم يبدأ اليوم، ولا مع حرب سوريا بعد دفن ثورتها، بل تعود الأصول إلى نحو خمسين سنة مضت، مع الاستثمار العكسي لنتائج ومغزى النصر في حرب أكتوبر المصرية السورية، وقرار الرئيس السادات بإخراج مصر الرسمية من جبهة الصراع ضد كيان الاحتلال، وعقد ما يسمى معاهدة السلام قبل 45 سنة، وفتح سفارة للكيان الصهيوني في القاهرة، وفي العام ذاته 1979، الذي قامت فيه ثورة الخميني الإيرانية، وأغلقت سفارة العدو في طهران، وحولتها إلى سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان التحول أكبر من عقد معاهدات وحركة سفارات، كان إيذانا بانسحاب مصر من المشرق العربي عموما، وغض الطرف عن أحواله، التي راحت تتفجر تباعا، من حرب لبنان الأهلية بدءا من عام 1975، إلى غزو العراق للكويت عام 1990، وإلى تحطيم سوريا بعد العراق.

كان الغياب المصري يخلي الساحات، بينما كان يزحف الدور الإيراني، فكل فراغ تتركه خلفك يحتله غيرك، ولم يكن من طرف آخر مؤهلا لاتصال دور عربي جامع موحد في المشرق، ولا لحمل مسؤولية مشروع عربي في أدنى درجاته، اللهم إلا من أطراف الفوائض المالية ودفاتر الشيكات، ومن دون مضامين بناء أو تماسك لتكوينات فسيفسائية بطبيعتها، وهكذا وجدت إيران ومشروعها طريقا خاليا ممهدا، خصوصا أن الأطراف البديلة للدور المصري القديم، انغمست حتى الآذان في اللعبة الطائفية، وكان ذلك ما يسوغ للدور الإيراني، ويفتح الأبواب واسعة لتوحشه، وتدفقت عشرات مليارات الدولارات على مشايخ وجماعات تكفير، تنفذ بالوعي أو من دونه حملات «فرق تسد» طائفية لحساب الغير المتربص، وتكفر الشيعة العرب بالجملة، خصوصا بعد مشاركة نظم عربية وازنة في دعم المجهود الحربي الأمريكي لغزو العراق عام 2003، الذي ترك فراغا ملأته إيران، وكانت جملة التطورات مواتية تماما للنظام الإيراني، الذي يرتكز في جوهره إلى تفسير خاص لمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، ويعد المذهبية الشيعية عنصر تماسك قومي غالب في إيران المتعددة القوميات، بينما التمذهب والتطييف يمزق نسيج المجتمعات العربية المجاورة، وهكذا راحت إيران تضيف إلى توابعها وجماعاتها، سواء في أقطار المشرق العربي، وعلى حواف الخليج العربي، وتمد حضورها الاستراتيجي إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وإلى العنق الجنوبي للبحر الأحمر عبر الحوثيين المتشيعين في اليمن، وهكذا تكونت ملامح الصورة الراهنة، بما فيها تفريغ أوضاع أقطار عربية ضحية من معاني الاستقلال الذاتي، أو حتى الحفاظ على مبنى الدول بعد نفاد معانيها، إضافة لتردي ظروفها إلى قيعان الفشل المقيم المزمن، وتحولها إلى جغرافيا مفتوحة لصدامات إيران مع إسرائيل، ومع أمريكا أحيانا، وبالذات مع تصاعد القوة العسكرية الإيرانية، وتطور برامجها الصاروخية والنووية، وكان طبيعيا أن تصل القصة إلى ذروتها، وأن يجري التسليم عمليا بأيلولة قيادة قضايا المنطقة المركزية إلى طرفها الإيراني بعد غياب وتنائي قلبها المصري.

ولست بالطبع مع شطط المساواة بين إيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي، فإيران في البدء والمنتهى من حقائق المنطقة الأصلية، وتوحش نفوذها ومشروعها، ليس له من سبب جوهري إلا غياب المشروع العربي المقابل المجاور، وميل أغلب الأنظمة العربية القائمة إلى الاحتماء بالمظلة الأمريكية، وإلى تفاهم مرئي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي نفسه، ورفعها لرايات عروبة مريبة، عروبة فارغة من أي معنى للعروبة، وتفرط ـ ربما تخون ـ قضية الأمة، وبالذات في عنوانها الفلسطيني، الذي التمس فيه المشروع الإيراني دفئا خاصا، عملت عليه السياسة الإيرانية بذكاء ودأب، إلى أن صارت طهران هي الداعم الأول ماليا وعسكريا لجماعات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، بينما النظم العربية الوازنة تخلت عن المقاومة، بل عملت ضدها، وتواصل خيبة البحث عن السلام كخيار استراتيجي، وتغفل عن، بل وتصادم تطورا محسوسا على الصعيد الشعبي، جعل المقاومة أولا في لبنان، ثم بعدها في فلسطين، هي الخيار الاستراتيجي الجديد العائد، الذي أنجز تحرير الجنوب اللبناني، ثم تحرير غزة الأول عام 2005، وبوسعه ـ بإذن الله ـ كسب تحرير غزة النهائي في الحرب الجارية اليوم، التي تجد الأنظمة العربية نفسها معزولة عن مجراها، اللهم إلا من باب تقديم بعض المساعدات الإنسانية، والعودة لتكرار معزوفة حل الدولتين، أو إقامة دولة فلسطينية، لن يفتح لها باب النور بغير المقاومة المسلحة، وبغير برنامج كفاح فلسطيني موحد، يصوغ الغايات النهائية والمرحلية، فقد سقطت كل مراهنات الخيار السلامي البائس، من كامب ديفيد إلى وادي عربة وأوسلو وأخواتها، ناهيك عن صفقات التطبيع واتفاقات أبراهام وأشباهها، وهو ما يضع سيرة الأنظمة العربية في مأزق، يكاد يشبه مأزق كيان الاحتلال الإسرائيلي نفسه، كذا مأزق أمريكا شريكته في حرب الإبادة، ومع المأزق الجامع لحلفاء المسرح الإجرامي، تكاد إيران هي الأخرى تصل إلى حائط مسدود، فقد لا ينكر أحد دورها في دعم جماعات المقاومة، لكن سيرة الصراع تجاوزت حتى حدود الدور الإيراني، فلم تعلم طهران بعملية طوفان الأقصى المزلزلة قبل الشروع في التنفيذ، وقد كانت تفترض العلم المسبق والإجازة أو المنع بحكم كونها رأسا لما تسميه محور الممانعة، وليس ببعيد ذلك الخلاف العلني الذي دار، ورفضت فيه حركة حماس مزاعم إيرانية، هدفت إلى تجيير طوفان الأقصى لصالح طهران، وادعت أن العملية الفلسطينية الخالصة كانت ثأرا لاغتيال قاسم سليماني قيادي الحرس الثوري الإيراني، وقد تجد حركات مقاومة فلسطينية نفسها مدفوعة لحفظ خيوط مع طهران، فلا توجد حركة مقاومة في التاريخ تصد يدا تدعمها، وحركات المقاومة الفلسطينية بلغت حدا مميزا من الرشد، وإلى حد امتناعها عن الدخول في ملاسنات علنية مع أطراف عربية تخذلها، وليس من مصلحتها، ولا صالح قضيتها الفلسطينية من باب أولى، أن تدخل في مماحكات مع أطراف تبدي رغبة في دعمها، وعلى أن يكون الشعار والغاية فلسطين أولا، فالمنطقة مزدحمة بعشرات من القضايا والإشكاليات والمآزق والمآسي، لا يصح لقضية التحرير الفلسطيني المقدسة أن تتوه في دهاليزها، وتحرير فلسطين يبدأ من فلسطين، وليس من أي مكان آخر، وعقيدة المقاومة الفلسطينية هي فلسطين وقدسها وأقصاها وكنائسها وأرضها من النهر إلى البحر، وقد أثبت الشعب الفلسطيني مقدرة لا تنفد على الفداء والتضحية، ورد اعتبار قضيته في العالمين، وجعلها قضية العالم الأولى اليوم، والعنوان الأبرز لتحركات ومظاهرات أحرار الدنيا، حتى في عواصم الغرب المتواطئ بالخلقة مع كيان الاحتلال الصهيوني، وهو ما لا نشهد له مثيلا في أغلب عواصم العرب المحكومة بالخفافيش، ومن دون إنكار حقيقة تعلق قلوب الشعوب العربية بالهم الفلسطيني، ففلسطين توحد العرب، ولكن ليسوا هم الذين يحررونها اليوم، ولا الإيرانيون طبعا، المحكومون بسقف مصالح المشروع والدور الإيراني، أيا ما كانت المزاعم الأيديولوجية، وعند نقطة معينة من تطور الكفاح الفلسطيني، كالتي نشهدها اليوم، لم يكن غريبا أن تبدي طهران ميلا للتراجع، والإعلان عن عدم رغبتها في خوض حرب شاملة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، مع ضبط أسقف انخراط حزب الله بالذات، وتبادل الرسائل الضاغطة مع واشنطن، وعلى نحو ما فعلت بعد تدمير قنصلية طهران في دمشق، وقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، ومن دون رد إيراني، قد يتلكأ قليلا أو كثيرا، لكنه ـ في ما نعتقد ـ لن يصل إلى حد إشعال حرب واسعة، تشارك فيها طهران بسلاحها المباشر، ربما رغبة من طهران في مواصلة ما تسميه الصبر الاستراتيجي، وعلى أمل أن يتاح لها قطف بعض ثمار معركة الدم الفلسطيني، الذي يهزم السيف الإسرائيلي والأمريكي بإذنه تعالى.

كاتب مصري

القدس العربي

———————————

 إسرائيل تعلن الحرب على إيران فهل تواصل طهران سياسة تجنبها؟/ فاطمة الصمادي

إن كانت إيران تتوعد بالرد وهي تبتلع الضربة تلو الأخرى مفضِّلة حرب الظل مع إسرائيل، ومؤكدة على تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يحاول جرها إلى حرب واسعة مفتوحة، إلا أن الهجوم الأخير على قنصليتها في دمشق يتجاوز حدود المساحة الرمادية بكثير، وجاء بعد تدرج في الضربات وحساب لردود الفعل الإيرانية؛ مما يجعل طهران ملزمة برد يحمل توقيعها.

4 أبريل 2024

“الكيان الصهيوني سيندم على جريمته وسيُجازى عليها بيد المجاهدين” جاء هذا التهديد واضحًا في رسالة التعزية التي أرسلها آية الله علي خامنئي معزِّيًا بالجنرال محمد رضا زاهدي ورفاقه الذين قُتلوا في هجوم إسرائيلي استهدف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. وأعلن الحرس الثوري الإيراني أن الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، يوم الاثنين الأول من أبريل/نيسان 2024، أدى إلى مقتل قائديْن في الحرس الثوري و5 مستشارين عسكريين آخرين، وقال بيان الحرس: إن الهجوم أدى إلى مقتل العميد محمد رضا زاهدي، أحد قادة فيلق القدس البارزين، ومساعده، العميد محمد هادي حاج رحيمي.كما قتل في الهجوم 5 مستشارين عسكريين آخرين، وتحدثت وكالات الأنباء عن أن عدد القتلى في الهجوم الإسرائيلي بلغ 11 قتيلًا، هم 8 إيرانيين وسوريان ولبناني واحد. ويعد زاهدي من أبرز قادة الحرس المكلفين بسوريا ولبنان والمسؤولين عن ملف التسليح والتنسيق مع حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة، ولديه سجل طويل في هذه المؤسسة مما يجعله أهم شخصية عسكرية إيرانية يتم اغتيالها بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد، مطلع العام 2020.

واعتبرت هيئة البث الإسرائيلية أن هذه الضربة “رسالة من الجيش إلى حزب الله اللبناني”. وأضافت أن الجيش الإسرائيلي انتظر مغادرة القنصل الإيراني، ثم استهدف محمد رضا زاهدي القائد في فيلق القدس، مشيرة إلى أن العملية تمت بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.

    محمد رضا زاهدي تولى مناصب عسكرية متعددة داخل الحرس الثوري الإيراني خلال ما يزيد عن 40 عامًا.

    وُلِد في أصفهان عام 1960، وانضم إلى الحرس منذ تأسيسه في مطلع الثمانينات من القرن العشرين.

    خلال الحرب العراقية-الإيرانية، شغل عدة مناصب في الحرس الثوري، بما في ذلك قيادة فرقة الإمام الحسين الـ14.

    شغل منصب قائد القوات البرية في الحرس.

    في عام 2005، تولى قيادة قاعدة “ثأر الله” حتى عام 2008، وهي القاعدة المسؤولة عن منطقة طهران.

    في عام 2008، انتقل إلى فيلق القدس وأصبح من كبار القادة حتى عام 2016، ثم شغل منصب قائد لقوة القدس في الحرس الثوري لسوريا ولبنان.

    عمل كنائب للعمليات في حرس الثورة الإسلامية عام 2017 لمدة ثلاث سنوات.

    وضعته وزارة الخزانة الأميركية على قائمة العقوبات، عام 2010، بتهمة “دعم الإرهاب” على خلفية دوره في مجموعات حليفة لإيران في مقدمتها حزب الله اللبناني.

وقد سارعت الولايات المتحدة الأميركية لترسل رسالة إلى طهران تنفي “أي تورط لها في العملية” وفقًا لمسؤول أميركي تحدث لموقع أكسيوس، بل نفت علمها مقدمًا بالعملية. وقال الموقع: إن إسرائيل أخطرت البيت الأبيض قبل دقائق قليلة من تنفيذ الضربة، من دون أن تطلب الضوء الأخضر الأميركي ودون تحديد أن الهدف هو مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، كما وصل الإخطار عندما كانت الطائرات العسكرية الإسرائيلية في الجو بالفعل.

وتوعد المتحدث باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، إسرائيل بأنها ستشهد في وقت قريب ضربات أكثر فتكًا. وقال: إن “جبهة المقاومة ستقوم بواجبها ضد الاحتلال الإسرائيلي قريبًا”. وصدر تهديد آخر عن كبير مستشاري خامنئي والقائد السابق للحرس الثوري، رحيم صفوي؛ إذ صرَّح بأن “الجريمة الإسرائيلية لا تُغتفر وأن العقاب مؤكد”. فالهجوم وفق ما يراه القيادي السابق في الحرس الثوري، حسين كنعاني مقدم، “يعني استهداف الأراضي الإيرانية، وهذا يمنح الحق لإيران ومحور المقاومة بأن يجعلا جميع سفارات وقنصليات إسرائيل حول العالم ضمن بنك أهدافهما”.

ويأتي اغتيال زاهدي مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وعقب هجوم على ميناء إيلات وحديث عن إصابة قاعدة بحرية عسكرية إسرائيلية، وعلَّقت الصحافة الإسرائيلية على الهجوم بأن “إيلات لم تعد آمنة”، وتبنَّت “المقاومة الإسلامية في العراق” الهجوم الذي تم بالمسيرات وقالت إنها قصفت “هدفًا حيويًّا في الأراضي المحتلة بالأسلحة المناسبة”. وأعقبته بهجوم بالمسيرات أيضًا على مطار حيفا، صباح الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2024.

وإن كانت إيران تتوعد بالرد وهي تبتلع الضربة تلو الأخرى مفضِّلة حرب الظل مع إسرائيل، ومؤكدة على تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يحاول جرها إلى حرب واسعة مفتوحة، إلا أن الهجوم الأخير على قنصليتها في دمشق يتجاوز حدود المساحة الرمادية بكثير؛ فقد جاء بعد تدرج في الضربات وحساب لردود الفعل الإيرانية، فمنذ مطلع العام 2024 نفذت إسرائيل 29 ضربة ووصل عدد الضربات في 2023 إلى 40ضربة و28 ضربة عام 2022 وكذلك الحال عام 2021. وقد استهدفت في معظمها أهدافًا وشخصيات إيرانية.    

تقدم إيران نفسها لمواطنيها على أنها القوية في الإقليم، ولكن تكرر الاستهداف لنخبتها العسكرية فضلًا عن مواقعها الحيوية، يجعل عدم الرد كمن يسحب من رصيد قوته دون أن يودع فيه في المقابل، وقد بدأت الأصوات التي تطالب طهران بالرد تتصاعد حتى داخل التيار الأصولي الداعم لحكومة رئيسي، كما أن الاستهداف المتكرر يجعل موقفها حساسًا أمام حلفائها والمجموعات التي تتبع لها إذ يعول جميعهم على “إيران القوية القادرة”. وهذه الضربات الموجعة المتتالية التي تلقتها إيران في سوريا تصيب صورتها كدولة قوية أمام منافسيها في الإقليم، وتطرح أسئلة بخصوص قوة الردع الإيرانية.

الرد والمعادلة الصعبة

ليس من المستبعد أن يأتي الرد الإيراني بتكثيف لهجمات محور المقاومة المنخرط بنسب مختلفة في مساندة غزة، ولكن طهران اليوم تحتاج إلى وصفة رد تحمل توقيعها، مع ضبط لإيقاعها بحيث لا تقود إلى الحرب التي تسعى طهران لتجنبها. وفي المجموع هناك سيناريوهات محتملة للرد الإيراني، يمكن سرد أهمها:

السيناريو الأول: أن تواصل إيران إستراتيجيتها القديمة في عدم الرد المباشر أو القيام بعمليات دون الإعلان عنها، مع سجل للاستهدافات الإسرائيلية توثقه طهران منتظرة الفرصة السانحة لتوجيه ضربة ترد على القديم والجديد، وهذا الاتجاه تدعمه التقديرات التي ترى بضرورة تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يسعى بشتى الطرق لجر إيران إلى مواجهة مدمرة. وهذه السياسة المحتاطة التي نشأت تبعًا لمعطيات كثيرة تشكل في بعض جوانبها مأزقًا لطهران، خاصة فيما يتعلق بصورتها وقدرتها على الردع وحجم الضرر والخسائر التي لحقت بإيران ماديًّا ومعنويًّا جرَّاء هذه الهجمات.

السيناريو الثاني: البقاء في دائرة حرب الظل ولكن بمستويات أعلى من السابق، وقد يشمل ذلك استهداف مصالح وسفارات وشخصيات إسرائيلية، وقد نشهد تصاعدًا في حرب السفن ومهاجمة أهداف إسرائيلية في البحر بمستوى يتجاوز إرسال الرسائل إلى إيقاع خسائر فعلية.

السيناريو الثالث: رفع مستوى عمليات محور المقاومة في مساندة غزة ومواجهة إسرائيل، وهذه يعني تصاعد العمليات كمًّا ونوعًا، وقد سبق للقائد في الحرس الثوري، مجتبى أبطحي، أن قال: إن مشاركة المحور في المواجهة لا تتجاوز الـ5% من قوته. والعيون هنا تتجه إلى حزب الله رغم ما يحيط بمشاركته من إشكاليات وعقبات داخلية، وكذلك تتجه إلى أنصار الله الذين يواصلون الدخول بصورة أعمق إلى بؤرة المواجهة. 

السيناريو الرابع: سيناريو المواجهة الواسعة، وهو السيناريو الذي تسعى إيران لتجنبه ويسعى نتنياهو لجعله أمرًا واقعًا، وإذا ما وقع فلا أحد في المنطقة سيكون بمنأى عن تبعات هذه المواجهة التي ستكون مكلفة للكثيرين.

فاطمة الصمادي

باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة في الشأن الإيراني، حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة علامة طباطبائي في إيران. لها عدد من الكتب والأبحاث المتعلقة بالشأن الإيراني. تعمل حاليا باحثا أول في مركز الجزيرة للدراسات وتشرف على الدراسات المتعلقة بإيران وتركيا ووسط آسيا.

——————————-

خيارات إيران المُرّة/ مروان قبلان

03 ابريل 2024

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا واضحاً أنّ عملية طوفان الأقصى ستغيّر المشهد السياسيّ والعسكريّ في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها، وستستمرّ في التفاعل إلى سنوات عديدة مقبلة، تاركةً تداعياتٍ كبرى على مستقبل القضية الفلسطينية، وعلى الصراع الدائر على المشرق العربي وأمن منطقة الخليج والممرات المائية ومكانة العرب، وعلى تركيا، وعلى إيران وإسرائيل في الإقليم وطبيعة التفاعل بينهما، وعلى الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط والعلاقة مع القوى الكبرى، وعلى دور التكنولوجيا وتغيّر طبيعة الحرب والتداعيات على الرأي العام العالمي والموقف من إسرائيل. وأخيراً، تأثير الحرب على منظومة القيم والأعراف والقوانين الدولية. كلّ هذه القضايا، وغيرها، ستكون مادّة للبحث والدراسة خلال الأشهر والسنوات القادمة. لكنّ الموضوع الذي يطرح نفسه حالياً بقوّة، بوصفه أحد أبرز تداعيات الحرب على غزّة، هو التغيير الكبير الذي طرأ على علاقة إيران بإسرائيل منذ 7 أكتوبر، واحتمال انتقال حرب الظلّ بينهما إلى مواجهةٍ مفتوحةٍ، خاصة بعد الهجمات الواسعة التي شنّتها إسرائيل في أسبوع على أهداف إيرانية أو مرتبطة بها في سورية: دير الزور وريفها (26 مارس/ آذار)، وشرق حلب (29 مارس)، وأخيراً الهجوم المدوّي على القنصلية الإيرانية في دمشق (1 إبريل/ نيسان).

خلال عقد (2013-2023)، شنّت إسرائيل مئات الهجمات (جوية في معظمها) داخل الأراضي السورية، مستفيدة من حالة الفوضى فيها لمنع نقل أسلحة من إيران إلى حزب الله، تعتبرها إسرائيل كاسرةً للتوازن. ومنذ سبتمبر/ أيلول 2015، جرى التوصل إلى صيغة تحكم هذه الهجمات بين روسيا وإسرائيل، مفادها عدم تدخّل إسرائيل في الحرب في سورية بين النظام والمعارضة، في مقابل إطلاق يدها ضد شحنات الأسلحة الإيرانية المتّجهة إلى حزب الله. على الهامش، جرى التوصّل إلى تفاهم آخر بين إسرائيل وحزب الله، التزم به الطرفان إلى حد كبير حتى 7 أكتوبر، مفاده تحييد لبنان عن الصراع في سورية، وامتناع إسرائيل عن استهداف عناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سورية، باعتبار أنّ وجودهم هناك لا يستهدف إسرائيل، بل قوات المعارضة السورية. الخرق الوحيد بهذا الشأن حصل عام 2015 عندما قتلت إسرائيل جهاد مغنيّة (نجل القيادي السابق في حزب الله عماد مغنيّة) وخمسة من رفاقه نتيجة وجودهما في منطقة حدودية قريبة من الجولان السوريّ المحتلّ، وردّ حزب الله يومها باستهداف دورية إسرائيلية على الحدود مع لبنان أسفرت عن قتل جنديين، وطويت الصفحة.

بعد 7 أكتوبر انهارت كلّ هذه التفاهمات، إذ لم تعد إسرائيل تُطْلِعُ روسيا على هجماتها في سورية قبل وقوعها بوقتٍ كافٍ، بل صارت تفعل ذلك في طريق العودة، كما أطلقت إسرائيل العنان لأجهزتها الأمنية والعسكرية لاستهداف ضبّاط الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والمليشيات الحليفة على امتداد الأراضي السورية. وقد تكاثفت هذه الهجمات، خلال الأسبوع الماضي، وفق تقديرات إسرائيلية مفادها إخراج إيران من مخبئها، ووضع حدّ لحرب الوكالة التي تمارسها باستخدام المليشيات التي تتمترس وراءها، بحيث تُلحق أضراراً بخصومها من دون أن تتكبّد هي أي خسائر. يبدو هذا الأمر أنّه انتهى الآن. وكانت واشنطن أوّل من دفع نحو مقاربة تحميل إيران مسؤولية تصرّفات حلفائها عندما قتلت قاسم سليماني في مطار بغداد عام 2020، لكن إسرائيل رفضت الانضمام إليها حينها التزاماً منها بتفاهماتها مع حزب الله، وهو ما كشف عنه الرئيس ترامب أخيراً. في هذا السياق، جاء استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل قائد عمليات فيلق القدس في سورية ولبنان ونائبه، ردّاً على سقوط طائرة مسيّرة في القاعدة البحرية في إيلات، انطلقت على الأرجح من العراق. استهداف إيران بشكل مباشر قد يدفعها، كما تعتقد إسرائيل، إلى ضبط هجمات حلفائها في سورية ولبنان، كما فعلتْ في العراق إثر الهجوم الأميركي الواسع عقب استهداف قاعدة البرج 22 في الأردن، في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي. هذا يعني أنّ إيران باتت أمام خيارين أحلاهما مرّ: السكوت والانكفاء أو الردّ والمواجهة، وفي كليهما انتحارٌ لها، ما يُفسّر تَحفّظ المرشد الإيراني على “طوفان الأقصى” وعدم حماسته لها.

العربي الجديد

——————————

عملية دمشق الإسرائيلية: إعلان حرب على إيران؟

3 – أبريل – 2024

رأي القدس

نفّذت إسرائيل، يوم الإثنين الماضي، عملية عسكرية كبيرة في العاصمة السورية دمشق أدت إلى مقتل ثمانية إيرانيين (حسب وكالة الأنباء الفرنسية) بينهم ثلاثة من قادة «فيلق القدس» وأربعة «مستشارين» ومدني.

في تصريحه حول الموضوع أكّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن جريمة قصف القنصلية الإيرانية في دمشق «لن تمر دون رد» كما رأت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة فيها «انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي والمبدأ الأساسي، المتمثل في حرمة المباني الدبلوماسية والقنصلية» في المقابل، فإن «القناة 12» الإسرائيلية استخدمت هذه المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية للاستنتاج بأن الهجوم على القنصلية الإيرانية هو بمثابة «هجوم على أراضي إيران».

أحد المواقع السورية («كلّنا شركاء») نشر ما قال إنها «تسريبات أمريكية» حول القصف من «مصدر أمريكي مطلع على الضربة قبل دقائق من إجرائها» أكدت أن المعلومات الاستخباراتية التي وصلت الإسرائيليين كانت عن اجتماع طارئ للقيادات العليا لـ«الحرس الثوري» الإيراني وقيادات من تنظيم «الجهاد الإسلامي» وأن «مجلس الحرب» الإسرائيلي عجّل بالموافقة على القصف رغم معرفته بأن المبنى ذا الطوابق الأربعة الموجود بين السفارتين الإيرانية والكندية، هو مدني، وهو ما يفسّر مقتل مدنيين سوريين من سكان البناية. كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قد سبق «التسريبات» بتأويل موقع العملية بأن «المبنى كان متنكرا على أنه مدني» فيما وصفت إذاعة جيش الاحتلال المبنى بأنه «بمثابة المقر العسكري للحرس الثوري».

قبول هذه المعطيات عن كون المبنى مدنيا لا ينفي طبعا الحساسية الكبرى للضربة، وخصوصا إذا علمنا أن السفير الإيراني هو أحد سكان تلك البناية المقصوفة، والأغلب، من تاريخ معرفتنا بعلاقة إسرائيل السيئة بالقوانين الدولية، أن قادة جيش الاحتلال ما كانوا ليتورعوا عن تنفيذها حتى لو كانت تجري في القنصلية فعلا.

غير أن كشف هذه المعلومة تغيّر طريقة تحليلها، فرغم توافق وسائل إعلام الطرفين على أن القصف استهدف القنصلية، وأنه يعتبر إعلانا للحرب، فإن رد المستوى السياسيّ والعسكري الأعلى في إيران سيتعامل مع هذه التفصيل بدقة في حال قرر الرد على إسرائيل، وهو ما سيحصل على الأغلب.

صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية الإيرانية اعتبرت الحدث «مرحلة جديدة من المواجهة مع إسرائيل» لكنّها ركزت على مساءلة القيادة العسكرية عن سبب تركزها «في مبنى لا يملك القدرة على الدفاع». ورأت الصحيفة أنه كان على القيادة «توقع الأسوأ» وأن الحديث عن احترام إسرائيل للقانون الدولي غير منطقي، فإذا كانت دول العالم تعترض على انتهاك إسرائيل القانون الدولي فذلك لأنها على علاقة متبادلة معها ورغم ذلك فإن إسرائيل لا تحترم تلك الحقوق «فكيف الحال مع إيران التي لا تعترف بوجود إسرائيل».

تميل الآراء في الصحف الإيرانية إلى توقع حصول رد إيراني مع وجود ما يشبه الاتفاق حول «طبيعة الرد» فالقائد السابق لبحرية «الحرس الثوري» العميد حسين علائي، يرى في مقال صحافي أن أفضل مسار للرد هو أن تتخذ إيران «إجراءات قانونية ودولية ودبلوماسية واسعة النطاق» ناصحا بعدم الحديث عن أي رد فعل من إيران أو قوى المقاومة و«عدم إظهار أي تسرع في الرد» أما إبراهيم متقي، الأستاذ في جامعة طهران، فيرى أن رد الفعل الإيراني يجب أن يأتي «ضمن آليات الردع المتبادل» على أن يكون الهدف خارج فلسطين المحتلة وأن «يركز على العمليات المشتركة والحرب التركيبية» وكلا الاتجاهين يشير إلى أن النخب السياسية في إيران لا تحبّذ حربا إقليمية واسعة.

القدس العربي

—————————

غارتان إسرائيليتان ووالدتان سوريتان… وقلق في تحالف إيران وروسيا والأسد/ أندرو تابلر

09 أبريل 2024

في الأول من أبريل/نيسان قصفت إسرائيل، كما ورد، ما تدعي إيران أنه قنصليتها في دمشق، فقتلت قائد “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني” في سوريا ولبنان، محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، وخمسة ضباط آخرين في “الحرس الثوري”، وستة مدنيين سوريين لم تذكر أسماؤهم، ولا يزال نظام الأسد يرفض إلى الآن الإفصاح عن هوياتهم. أما إسرائيل فردت بالقول إن المبنى المؤلف من أربعة طوابق كان “مبنى عسكريا لقوات فيلق القدس مموها في هيئة مبنى مدني”. وبينما ينتظر العالم رد إيران الذي هددت به، فإن نظرة فاحصة على ورقة نعيٍ لأم سورية وابنها قتلا في الغارة تشير إلى أن المبنى نفسه (على الأقل) لم يكن جزءا من أراضي القنصلية أو السفارة بشكل رسمي.

وتسلط هذه الحادثة الضوء على العلاقات المعقدة والسرية بين إيران وإسرائيل في سوريا والتي منعت حتى الآن الأسد من الانخراط في حرب غزة. بيد أن التشابه الرئيس بين إعلان النعي هذا وإعلان سبقه ينعى أما سورية أخرى وابنها، كانا قد قتلا في غارة إسرائيلية يوم 7 فبراير/شباط في حمص، يثير القلق في دمشق وأماكن أخرى، ويثير مخاوف في دمشق وخارجها بشأن دقة الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت الإيرانيين وأعضاء “حزب الله” في سوريا.

تصاعد الهجمات الإسرائيلية… والوفيات السورية

تشير التقارير مفتوحة المصدر إلى أن إسرائيل نفذت أكثر من 50 غارة جوية في سوريا خلال الأشهر الستة التي تلت هجوم “حماس” على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقد تضمنت خمس غارات جوية على مطار حلب، واثنتين على مطار النيرب العسكري المجاور، وأربع غارات على مطار دمشق، وواحدة على مطار المزة العسكري. وبحسب ما أفادت تلك التقارير فقد استهدفت جميعها أهدافا إيرانية، بما في ذلك مستودعات للأسلحة. وعلى الرغم من أن الغارات الجوية الإسرائيلية على المطارات والمنشآت في سوريا ليست بالأمر الجديد خلال ثلاثة عشر عاما من الحرب السورية المستمرة، إلا أن وتيرة الضربات أصبحت ضعف ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر.

وتظهر التقارير نفسها أن الاستهداف الإسرائيلي قد تغير أيضا. فمنذ السابع من أكتوبر، كان هناك ارتفاع حاد في الغارات الجوية الإسرائيلية على “الحرس الثوري” الإيراني وقيادات الجماعات المتحالفة مع إيران العاملة في سوريا، بما في ذلك استهداف 18 ضابطا في “الحرس الثوري”، ونحو 32 عنصرا من “حزب الله” اللبناني، وواحد من حركة “حماس”. وبالمقارنة، لم يقتل إلا اثنان من ضباط “الحرس الثوري” الإيراني، كما لم يقتل أحد من “حزب الله” اللبناني أو من حركة “حماس” بسبب الضربات الإسرائيلية بين يناير وأكتوبر من عام 2023.

لكن العدد الأكبر من القتلى بسبب الغارات الإسرائيلية المعلن عنها في سوريا منذ 7 أكتوبر كان من السوريين. فقد لقي ما يقرب من 75 مواطنا سوريا مصرعهم في الغارات الجوية الإسرائيلية المبلغ عنها، حيث قتل 45 منهم (أو 60 في المئة) في الأسبوعين الأخيرين فقط على أثر الضربة الإسرائيلية الهائلة في 29 مارس/آذار التي استهدفت مدينة حلب.

سلبية الأسد خلال حرب غزة

لعل مثل هذا العدد المتزايد من الضحايا السوريين كان سيشكل، قبل الحرب السورية، إغراء للأسد للدخول في صراع غزة لدعم كل من إيران و”حماس”، غير أن الأسد بقي، منذ 7 أكتوبر، بعيدا عن الصراع في غزة إلى حد كبير- باستثناء ربما كلامه الصارم وإشاراته المستمرة إلى سيادة نظامه على بلد لم بعد يسيطر عليه منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث لم تطلق قواته سوى نحو 20 إلى 30 صاروخا أو هجمة صاروخية من سوريا باتجاه الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، سقطت جميعها تقريبا، بحسب ما ورد، “في مناطق مفتوحة” ولم تسفر عن وقوع إصابات في صفوف الإسرائيليين- وهو ما يُقرأ في واشنطن وفي أماكن أخرى على أنه شيفرة من نوع ما تشير إلى أن الأسد يريد أن يبقى بعيدا عن الصراع في غزة. وكانت إسرائيل قد ردت بقصف مدفعي وبعض الغارات الجوية على مواقع الإطلاق عموما.

من السهل أن نفهم سبب بقاء الأسد على هامش الحرب في غزة. إن نظام الأسد، الذي يعاني من النقص والتضخم المفرط والذي فقد السيطرة العسكرية على معظم الموارد الزراعية والوقود الأحفوري في البلاد، هو نظام منهك. فقواته العسكرية منتشرة بشكل ضعيف، وتتعرض لهجوم متزايد من قبل تنظيم “داعش” في وسط سوريا، و”هيئة تحرير الشام” في الشمال الغربي للبلاد. وفي حين انصب معظم اهتمام وسائل الإعلام على التقارير التي تفيد بأن واشنطن تطور خططا للانسحاب من سوريا في مرحلة ما، فمن غير المرجح في الحقيقة أن يتمكن نظام الأسد من الاستيلاء على شرق سوريا الغني بالموارد والاحتفاظ به دون التوصل إلى اتفاق مع “حزب العمال الكردستاني” الذي يسيطر على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهو الأمر الذي لم تكن دمشق مستعدة للقيام به حتى الآن إلا وفق شروط تتمثل في اندماج “قوات سوريا الديمقراطية” في صفوف الجيش العربي السوري بشكل كامل.

وبحسب ما ورد فقد دفع كل ذلك اثنين من حلفاء الأسد- وهما روسيا والإمارات العربية المتحدة- إلى حث الأسد على البقاء بعيدا عن الصراع في غزة. إذ لا يريد أي منهما تعريض سيطرة النظام الهشة على أجزاء البلاد التي يفترض أنه يسيطر عليها للخطر، إضافة إلى فرص النظام في الحصول على أموال إعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليها والتي تمنعها حاليا عقوبات “قيصر” الأميركية، إلى جانب حيرة الجهات الأردنية وفي الخليج العربي بخصوص التدفقات الكبيرة للكبتاغون التي تستمر في الخروج من الأراضي السورية باتجاه الأردن وخارجه.

وتتمتع كل من موسكو وأبوظبي بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، التي لم ينصب تركيزها منذ ما يقرب من عقد من الزمن على الحرب السورية وحسب، ولكن أيضا على التسوية التي تبقي الأسد مسيطرا على البلاد بينما تلعب إيران دورا ثانويا. إن استمرار التقسيم الفعلي لسوريا بين الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران، وخصوصا الميليشيات التابعة لإيران والتي أمضت شهورا في توجيه ضربات للقوات الأميركية في شرق سوريا (ما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وتبعها عدد من الضربات الانتقامية الأميركية) يعطي سببا وجيها للنصيحة التي قدمتها موسكو وأبوظبي.

قلق بشأن دقة الضربات الإسرائيلية

لا يزال من غير المعروف كيف يمكن أن تكون هذه المشورة مرتبطة بفعالية الضربة الإسرائيلية الأخيرة في سوريا. يتكهن بعض المتهكمين بأن نظام الأسد، الذي يتطلع بشدة إلى استعادة أراضيه، سيكون سعيدا عندما تقوم إسرائيل بإضعاف وتدمير المصالح الإيرانية في سوريا لصالح روسيا المثقلة بالحرب الأوكرانية. وأن موسكو في محادثاتها مع إسرائيل ستكون سعيدة للغاية بتمرير نوايا الأسد الهزيلة خلال حرب غزة وما بعد الحرب إلى الجانب الإسرائيلي. الأمر الذي أدى إلى ظهور شائعات تقول إن تلك الأطراف ذاتها تقوم على الأرجح بتمرير معلومات استخباراتية بشرية وغيرها من المعلومات التي يمكن أن تساعد إسرائيل على استهداف قادة إيران و”حزب الله” في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، فإن العلاقة العسكرية الوثيقة بين موسكو وطهران خلال حرب أوكرانيا تقلل من أهمية هذه النظرية، ما يعني أن مثل هذا السلوك المراوغ من قبل موسكو قد ينجم عنه خطر فقدان الوصول إلى المسيرات الإيرانية وغيرها من الذخائر التي تشتد حاجة روسيا إليها.

لكن إسرائيل معروفة بامتلاكها أساليبها الخاصة في الحصول على معلومات دقيقة عن الاستهداف في سوريا والتي يعود تاريخها إلى ما قبل الحرب السورية بفترة طويلة. وأبرزها الضربة التي وجهتها إسرائيل عام 2007 لمفاعل الكبر النووي التابع لنظام الأسد، والذي يقال إن كوريا الشمالية عملت على بنائه. الأمر المثير للاهتمام بخصوص تفاصيل الأم السورية وابنها اللذين قتلا في الأول من أبريل هو أنه يبدو أن العائلة ربما تكون أجّرت شقة في المبنى الذي تعرض للتدمير الآن لإيرانيين يعملون من خارج السفارة والقنصلية الإيرانية المجاورة. ومن المثير للاهتمام أيضا التفاصيل الرئيسة التي نشرت في ورقة النعي والتي تشير إلى أن الابن درس الهندسة في الولايات المتحدة في جامعة فرانكلين بولاية أوهايو. ظاهريا، لا يعد هذا أمرا غريبا، ذلك أن عددا من السوريين الذين سئموا من سياسات بلادهم المتصدعة درسوا في الولايات المتحدة وأبلوا بلاء حسنا على مر عقود من الزمن، ما جعل سوريا ثاني أكبر مصدر للأطباء المولودين خارج الولايات المتحدة.

وما يشاع الآن أن الأمر الذي يثير القلق في دمشق هو أوجه التشابه بين حالة هذه العائلة وحالة أم سورية أخرى وابنها كانا قد قتلا في غارة إسرائيلية يوم 7 فبراير في حمص، أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة ثلاثة عشر آخرين- بمن فيهم ثلاثة من قادة “حزب الله”.

وبحسب التقارير، فقد كانت تلك الأم قد أجرت أيضا شقة في مبنى مكون من ثلاثة طوابق لقيادي إيراني أو قيادي في “حزب الله”- المبنى يقع على بعد مئتي متر فقط من قصر المحافظ وخمسمئة متر من فرع أمن الدولة السوري. وقد يكون أحد دروس هذه الضربة وما سبقها مباشرة أن التقارير التي أشارت في فترة سابقة إلى أن إيران قد سحبت قادتها من سوريا خوفا من الضربات الإسرائيلية تبدو متسرعة في أحسن الأحوال بالنظر إلى تفاصيل ضربة الأول من أبريل.

ومثل الضحايا السوريين في غارة الأسبوع الماضي في دمشق، أشارت التقارير إلى أن ابن الفقيدة الذي قتل في حمص كان يقيم في الولايات المتحدة الأميركية أيضا- وكان يتأهب للعودة إلى هناك عبر بيروت عندما وقعت تلك الضربة الصاروخية.

قليلة هي الأشياء في سوريا التي تبدو على حقيقتها، ولكن في الحرب السورية وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يبق هناك سوى عدد أقل من الأسرار الحقيقية.

المجلة

———————–

تذكرة سفر إلى القدس/ عالية منصور

07 أبريل 2024

قبل نحو أسبوع وفي تصعيد جديد، شنت إسرائيل هجوما على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، أسفر عن مقتل عدد من قوات “الحرس الثوري” الإيراني بينهم قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان وفلسطين، العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه العميد محمد هادي حاجي رحيمي، ومنذ تلك اللحظة بدأت التكهنات بكيفية الرد الإيراني ومكانه.

وفيما تبيانت الآراء حول حتمية الرد الإيراني، فمن الواضح أن طهران تدرك أن التصعيد والخروج عن قواعد اللعبة المرسومة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لن يكون في مصلحتها، وأن أي رد خارج هذه الحدود سيجرها إلى حرب أوسع ومخاطرة بخسارة مكتسباتها خلال الأربعين عاما الماضية.

وقد توقفت هجمات إيران عبر ميليشياتها على القوات الأميركية في سوريا والعراق، بعد أن تسببت في مقتل 3 جنود أميركيين في فبراير/شباط الماضي، يومها جاء الرد الأميركي من خلال عشرات الضربات الجوية على مواقع ميليشيات في سوريا والعراق تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وبدا واضحا من خلاله أن الطرفين- أي الولايات المتحدة الأميركية وإيران- لا يرغبان في المواجهة المباشرة ولا الانزلاق نحو حرب أوسع.

وبينما نقلت الصحافة الإسرائيلية خبر إخلاء إسرائيل 7 من سفاراتها وممثلياتها تحسبا لرد إيراني، فإن إيران تدرك أن أي عمل ضد المصالح الإسرائيلية سيتبعه رد إسرائيلي قد يطال الداخل الإيراني، وستكون فرصة جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المأزوم داخليا وخارجيا والذي يسعى للخروج من مأزق غزة بتوسيع رقعة الحرب، كما حذر من أن كل من يلحق الضرر بإسرائيل أو يخطط لذلك سيلحق به الضرر.

كذلك التصعيد في البحر الأحمر لا يبدو أمرا مرجحا، خصوصا بعد إعلان الإدارة الأميركية عن عزمها النظر في إلغاء تصنيفها الأخير لجماعة “أنصار الله الحوثية” كمنظمة إرهابية، حيث نقلت وكالة “بلومبرغ” للأنباء عن المبعوث الخاص للرئيس بايدن إلى اليمن تيم ليندركينغ قوله: “آمل أن نتمكن من إيجاد مخارج دبلوماسية، بمعنى إيجاد طرق لخفض التصعيد تسمح لنا بشطب التصنيف في نهاية المطاف، وبالطبع إنهاء الضربات العسكرية على القدرات العسكرية للحوثيين”، وهذا بطبيعة الحال يعني أن مفاوضات أميركية إيرانية تجري حول الأمر، مما يجعل أي تصعيد إيراني ضد المصالح الأميركية في البحر الأحمر أمرا مستبعدا الآن.

أما في لبنان وفي الخطاب الذي ألقاه بمناسبة “يوم القدس العالمي”، فقد قال أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله: “كونوا أكيدين ومتيقنين بأن الرد الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق آت لا محالة على إسرائيل”. ولكنه قال أيضا: “أين ومتى وكيف وحجم الردّ، هذه أمور نحن لسنا معنيين بالسؤال عنها ولا التدخل بها”. بمعنى أوضح هو لم يتلق بعد أي تعليمات من طهران بالرد، أو بتغيير “قواعد الاشتباك” وتوسيع رقعة الحرب.

يبقى الرد الإيراني الأكثر احتمالا في تسريع وتوسيع برنامجها النووي دون أن تخاطر بتعريض نفوذها في المنطقة لمخاطر كبرى. فعلى المستوى السياسي والاستراتيجي تدرك طهران أن مصلحتها تكمن في الاحتفاظ بحق الرد، أما على المستوى الشعبوي والجماهيري فباستطاعة “حزب الله” أن يوزع ما شاء من تذاكر سفر إلى القدس، وهو ما فعله، إذ وزع الحزب أثناء خطاب نصرالله على الجمهور في ضاحية بيروت الجنوبية تذاكر سفر إلى القدس إلا أن موعد الرحلة لم يحدد، بل كتب على التذكرة: “تذكرة إلى القدس. تاريخ الذهاب قريبا.. ستثمر الدماء انتصارات وسنعبر”.

تذاكر السفر هذه ذكرتني بمفاتيح الجنة التي كان الخميني يوزعها قبل أن يزج بشباب وأطفال إيرانيين إلى جبهات القتل أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

وبين مفاتيح الجنة وتذاكر السفر نحو نصف قرن من تغييب العقول والمتاجرة بالدين وفلسطين، ونحو نصف قرن من مخطط إيراني لم يتزعزع من نشر الفوضى والسيطرة على دول عربية بالمباشر أو من خلال ميليشياتها، نصف قرن وشعوب المنطقة ودولها تدفع ثمن طموح إيران وأطماعها.

المجلة

——————————-

شرارة من دمشق وردّ خلال ساعات.. سيناريوهات التصعيد الإيراني – الإسرائيلي المحتمل

2024.04.12

يترقب العالم بحذر، تبعات القصف الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، مطلع شهر نيسان الجاري، وما يمكن لإيران أن تفعله في سياق الرد على الهجوم، وحفظ ماء الوجه، بعد مقتل أحد قادتها البارزين و5 من مستشاريها بفعل الضربة الإسرائيلية.

وخلال الساعات الـ 24 الماضية، زادت التوقعات بأنّ إيران قد تردّ على الضربة الإسرائيلية في غضون فترة قصيرة، في حين يتأهب العالم للتصعيد المحتمل، إذ دعت عدة دول رعاياها لعدم السفر إلى الشرق الأوسط، مع المطالبة بضبط النفس.

توقعات بهجوم إيراني خلال ساعات

ونقلت شبكة “سي بي إس”، عن مسؤولين أميركيين قولهم، إنّ الهجوم الإيراني على تل أبيب وشيك وقد يقع اليوم ويستهدف مواقع عسكرية داخل إسرائيل، عبر 100 صاروخ وطائرة مسيرة.

وكذلك نقلت “القناة 13” الإسرائيلية عن مصادر أميركية توقعها أن يكون رد إيران على إسرائيل اليوم.

عبر وسيط.. إيران تبلغ أميركا بموقفها من الرد على هجوم القنصلية في دمشق

وفي الوقت نفسه، أشارت وسائل إعلام مقربة من الحرس الثوري الإيراني، إلى أن أنظمة الدفاع الجوي في مختلف أرجاء البلاد في جاهزية عالية.

من جهتها، قالت وكالة “بلومبيرغ”، نقلاً عن مصادر مطلعة، إنّ إسرائيل تستعد لهجوم إيراني محتمل مباشر أو عبر وكلائها في غضون الـ48 ساعة المقبلة، مضيفة أن الهجوم قد ينفذ بمسيرات وصواريخ على أهداف حكومية وقد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة، في حين تحضّر الولايات المتحدة دفاعاتها وتنقل معدات عسكرية إضافية إلى المنطقة.

وسبق أن قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إنّ رد بلاده المحتمل على قصف إسرائيل للقسم القنصلي في السفارة الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق، يعتبر “دفاعاً مشروعاً لمعاقبة المعتدي”، بحسب وصفه.

في غضون ذلك أبلغت إيران، الولايات المتحدة الأميركية، بأنها سترد على الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في دمشق بطريقة تهدف إلى تجنب تصعيد كبير، حيث قالت وكالة “رويترز”، إنّ وزير الخارجية الإيراني نقل رسالة إيران إلى واشنطن عبر سلطنة عمان التي زارها يوم الأحد الماضي.

ما سيناريوهات الرد الإيراني؟

ما تزال آلية الرد الإيراني المحتمل على إسرائيل غير واضحة، على الرغم من أن تقييماً استخبارياً أميركياً نشرته وكالة “بلومبيرغ”، هذا الأسبوع، أشار إلى أن “إيران قد تكون مستعدة لشن ضربات عالية الدقة باستخدام الصواريخ البالستية أو الطائرات بدون طيار على أهداف داخل إسرائيل”.

الكشف عن وثيقة عثر عليها بين أنقاض القنصلية الإيرانية بدمشق

أما صحيفة “تليغراف”، فقد ذكرت أن “الهجوم المباشر من الأراضي الإيرانية على إسرائيل، من شأنه أن يرقى إلى مستوى عمل من أعمال الحرب، ويمكن القول إنه سيكون بمثابة رد فعل مبالغ فيه على الضربة الأولية في دمشق، التي استهدفت القوات الإيرانية في الخارج، وليس أهدافاً داخل إيران نفسها”.

ويبدو أن هناك سيناريو آخر، أكثر انسجاماً مع سلوك إيران السابق، يتمثل بإصدار أوامر لمجموعة من الوكلاء في جنوب لبنان أو سوريا، مثل “حزب الله”، بإطلاق هجمات صاروخية أو طائرات بدون طيار واسعة النطاق عبر الحدود ضد إسرائيل.

بدوره يرى الأستاذ المساعد البارز بجامعة الكويت، الزميل غير المقيم بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة، بدر السيف، أن إيران في وضع محفوف بالمخاطر، قائلاً لوكالة “بلومبيرغ”، إنها “لعنة” سواء استجابت إيران أم لم تستجب.

في السياق نفسه، قال مدير مبادرة “سكوكروفت” لأمن الشرق الأوسط في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، جوناثان بانيكوف: “إن الهجوم باستخدام الصواريخ الباليستية أو الطائرات بدون طيار ضد أهداف داخلية إسرائيلية سيكون الخيار الأكثر تأثيراً وخطورة من ضمن الخيارات المتاحة لطهران”.

وتابع: “في حين أن إيران قد تسعى إلى منع التصعيد إلى حرب واسعة النطاق، على سبيل المثال، من خلال ضرب أهداف عسكرية أو استخبارية فقط، بدلا من الأهداف المدنية، إلا أن هذه خطوة لا تزال محفوفة بالمخاطر، بالنظر إلى أن إيران تحاول تجنب صراع أوسع من المرجح أنها غير مستعدة له”.

ووفق “بلومبيرغ”، فإن من بين السيناريوهات للرد الإيراني المحتمل، إطلاق طهران لوابل من الصواريخ من سوريا على مواقع في مرتفعات الجولان.

على عكس التوقعات، يعتقد الخبير في شؤون الجيش الإيراني بمجموعة “متحدون ضد إيران النووية”، كسرى عرابي، أنه “على الرغم من كل الضجيج الذي أحدثه النظام الإيراني، فإن توجيه ضربة مباشرة لإسرائيل من قبل الحرس الثوري الإيراني لا يزال غير محتمل إلى حد كبير”.

وأضاف عرابي في تصريح لصحيفة “تليغراف”: “بدلاً من ذلك، ينخرط الحرس الثوري الإيراني حالياً في شن حرب نفسية واسعة النطاق، بهدف جعل الخوف من الهجوم أسوأ من الهجوم الفعلي.

ومن المرجح أن يفكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الرد بالمثل إذا تعرضت أهداف عسكرية أو حكومية إسرائيلية لقصف إيران، لتشمل الأهداف، حسب صحيفة “تليغراف”، مقر الحرس الثوري الإيراني في طهران، أو قواعد أخرى محتملة للحرس الثوري، مثل منشآته الجديدة في محافظتي سيستان وبلوشستان.

واشنطن تطلب التوسط مع إيران لخفض التصعيد

وفي وقت سابق أجرى المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، بريت ماكجورك، اتصالاً مع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والعراق لطلب التوسط مع إيران لخفض التصعيد مع إسرائيل.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مطلع على الوضع في سفارة الولايات المتحدة في سوريا قوله إن المبعوث الأميركي أجرى اتصالاً مع وزراء خارجية الدول الأربع ليطلب منهم تسليم رسالة إلى إيران تحثها على خفض التوترات مع إسرائيل، في أعقاب الضربة الجوية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق.

وقال المصدر إن المبعوث الأميركي ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكجورك، طلب من وزراء الخارجية العرب الاتصال بوزير الخارجية الإيراني لنقل رسالة مفادها أنه يجب على إيران التهدئة مع إسرائيل، مشيراً إلى أن الوزراء العرب فعلوا ذلك.

استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق

في الأول من نيسان/ أبريل الجاري، استهدفت مقاتلة إسرائيلية من طراز “إف-35″، مبنى القنصلية الإيرانية الكائن على “أوتوستراد المزة” غربي مدينة دمشق، ما أدى إلى تدميره بالكامل.

كذلك أسفرت الغارة عن مقتل القيادي البارز في “الحرس الثوري الإيراني” محمد رضا زاهدي ونائبه وخمسة من المستشارين الإيرانيين في سوريا، إضافة إلى 6 سوريين لم يعلن النظام عنهم.

توعد إيراني وتهديد إسرائيلي

ويوم الأربعاء، ذكر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن إسرائيل “يجب أن تُعاقب وستعاقَب” على مهاجمتها مقر القنصلية الإيرانية بدمشق.

وفي كلمة بمناسبة عيد الفطر، قال خامنئي إن “النظام الشرير ارتكب خطأ ويجب أن يعاقب، وسيعاقب”، معتبراً أن الهجوم “انتهاك صارخ للاتفاقيات الدولية التي تنص على حرمة المباني الدبلوماسية”.

وذكر المرشد الإيراني أن “القنصليات والسفارات في أي دولة هي بمنزلة أراضٍ لتلك الدولة، والهجوم على قنصليتنا يعني الهجوم على أراضينا”، وفق ما نقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية.

ورداً على وعيد خامنئي، هدد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إيران بقصف أراضيها، حيث قال في تغريدة عبر منصة “إكس”، إنه “إذا شنت إيران هجوماً من أراضيها، فسترد إسرائيل في داخل إيران”.

————————–

أحوال الانتقام الإيراني ومتاهاته../ علي سفر

2024.04.12

للانتقام أحوال، أولها أنه يجب ألا ينسى، وإذ حدث ونسي، فإن هذا يكشف عن عدم وجود نية للقيام به!

وثانيها أنه يجب أن يبقى حاضراً على الألسنة، ويدرب في قلوب الخصوم الرعب، ويبقيهم في مآزق الانتظار، والقلق من كل تحركات المنتقم.

وثالثها يتعلق بضرورة ألا يتأخر كثيراً، وإلا فإن همة الترقب المحفوف بالتشجيع ستفتر، وسيصبح وقعه إن حصل، وكأنه لم يحصل!

طبقاً لهذا فإن المقولة الإنجليزية عن أن “الانتقام وجبة تؤكل باردة” لا يظهر أنها صالحة لكل زمان ومكان. ففي البلاد التي يتميز سكانها بدمهم الحار، ستختلف التقديرات حول درجات البرودة والسخونة، ما سيؤدي إلى الجدال حول تقييم الرد.

كل ما سبق، يُحمل على صدق المنتقم، في رغبته بالنيل من غريمه. ولكن إذا تبدى للجمهور عدم جديته في هذا الشأن، وتفضيله نقل المسؤولية عن القضية إلى الأتباع، فإن صورته سوف تتزعزع، وصولاً إلى سقوط المهابة، ونهاية الاحترام.

رجالات الولي الفقيه، لا تبدو مهجوسة بالانتقام من إسرائيل على قصفها المتكرر لقواعد الحرس الثوري في سوريا، وخاصة تلك التي أدت إلى مقتل قادته.

وتتفرد حادثة قصف القنصلية في دمشق قبل أكثر من أسبوع عن الحوادث السابقة، في أنها تنال من رمزية الوجود الإيراني ذاته، حيث وضعته الطائرات القاصفة وسط العدسة المركزة. وغيرت بذلك قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنياً بين الطرفين، فهذه أول مرة يتجاوز فيها الاستهداف الجماعات العاملة في محور الممانعة، ويتوجه لطهران بشكل واضح وجلي.

وقد كُتب وقيل الكثير منذ وقوع القصف، عن فكرة تغيير القواعد، لكن حتى تاريخ كتابة هذه السطور، لا يظهر أن الطرف “المعتدى عليه” ينوي الاستجابة للتغيير، والقيام بما يمليه عليه الظرف المستجد.

كما أن اللجوء إلى الأدوات المعتادة كاستخدام ورقة حزب الله اللبناني، أو جماعة الحوثي، أو الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية، في سياق تداعيات ما حصل، لا يبدو مفيداً، خاصة أن هذه الأدوات مشغولة ومشتبكة في أدوارها المرسومة، لخدمة مشروع الخامنئي ذاته.

تعقيدات المشهد الحالي، مع استمرار طهران في محاربة الآخرين عبر هذا الأسلوب، لا توحي بإمكانية أن تستجيب بالشكل الذي يرغب به أصحاب نزعات “الهوبرة”، فكل خطوة يجب أن تحسب بدقة في مواجهة جيش الكيان الصهيوني، الذي ما انفك يذكّر الأعداء، بأنه قادر على القتال على عدة جبهات في الوقت نفسه. كما أن نتنياهو يريد وبشدة، أن يذهب إلى حرب واسعة، يخربط فيها اصطفاف المعارضين ضده. وحين يصبح الهدف إيرانياً، فإن شهوة التدمير ترتفع أكثر فأكثر في رأسه، بعد أن ظل لسنوات طوال يهدد بتدمير المشروع النووي المعادي، والأسلحة التي ستولد في مفاعلاته!

أتباع الولي الفقيه وجمهوره المؤيد في الدول العربية وقد توسع خلال السنوات الماضية ليضم في صفوفه فئات قومجية ويسارية وإسلامية، هم وحدهم من يطرقون طبولاً كبيرة، توحي بأن الرد القادم سيكون مزلزلاً! مع أن المعطيات المدروسة لا توحي بتوفر وسائل الانتقام، فأي هجوم على أهداف إسرائيلية سيؤدي إلى توسيع الحرب، طالما أن حماية إسرائيل، رغم المجازر المرتكبة في غزة، صارت غاية مقدسة عند الأميركيين والأوروبيين وغيرهم، بعد أحداث السابع من تشرين الأول الماضي.

كما أن الإدارة الأميركية كررت على الأسماع أنها ليست متورطة بقصف القنصلية، ورغم أن محاولات المسؤولين الإيرانيين تحميل واشنطن طرفاً من المسؤولية، عبر القول بأن السلاح المستخدم (أي طائرة F35 وصواريخها) هو أميركي، فإن السبيل الوحيد المتاح للاستخدام، كدريئة يمكن استخدامه لذر الرماد في العيون، هو القيام بقصف محدود الأثر، على بعض القواعد الأميركية في العراق وسوريا، بالأسلوب ذاته الذي انتقمت به طهران لمقتل قاسم سليماني، مع احتمال أن توجه بعض الصواريخ نحو أهداف في كردستان العراق!

هذا السيناريو المحتمل، يأخذ في شكله العام طابع صفقات يمكن للمتحاربين أن يعقدوها فيما بينهم، من أجل الحفاظ على السلامة، وعلى الصورة والمهابة أمام الجمهور.

وإذا تم استبعاد الجوانب الأيديولوجية والشعاراتية لأي صراع، فإن إدارة هذا الأخير تنحو لأن تصبح نوعاً من “البزنس” الذي تراعي فيه المصالح الآنية والاستراتيجية. لهذا يمكن تصديق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما تحدث عن صفقة تم ترتيبها بين بلده وبين الحرس الثوري، بعد مقتل سليماني، كي ينتقم الإيرانيون دون أن يؤذوا الجنود الأميركيين الرابضين في قواعدهم.

هل ستتآكل مسننات عجلة الرد الموعود مع مرور الوقت، في حال لم تعقد صفقة من أجله؟

نعم سيحدث هذا، وسيُحال إلى تعابير فانتازية يكررها أزلام محور الممانعة على الشاشات، مثل “الصمت الاستراتيجي” “والتربح من ضربات الخصوم” وغير ذلك من ترهات.

————————–

تعمّق الجرح الإيراني مستمر/ محمد فواز

2024.04.11

منذ أيام طوفان الأقصى الأولى فتحت أوراق الاستراتيجية لغالبية اللاعبين فحيّد النظام السوري نفسه عن المعركة بشكل شبه تام، كما أن إيران بدت مربكة وقد زجت في سياق لم تحسب له حساب فسارعت للملمة الأوراق ولم تتوان عن الإعلان عن أنها لا تريد فتح حرب شاملة مع إسرائيل بل تكتفي بالمساندة، وبين هذين الخطين تستغل إسرائيل المشهد لضرب صف قيادي ميداني أساسي لحزب الله وكذلك تقطيع أوصال محور المقاومة من خلال تكثيف الضربات لقيادات إيران العسكرية في سوريا مستغلة المؤشرات التي تطرحها إيران بعدم رغبتها في التوسع وكذلك صمت النظام السوري الذي يتوقع أن يستمر.

آخر هذه الضربات وأخطرها كانت ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق بداية نيسان الجاري والتي أسفرت عن 16 قتيل حتى يوم الأربعاء بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” موزعين بين ثمانية إيرانيين وخمسة سوريين ولبناني يتبع لحزب الله معظمهم عسكريين باستثناء اثنين من المدنيين.

أبزر من طالهم الاغتيال هو العميد محمّد رضا زاهدي وهو قائد فيلق حرس الثورة لسوريا ولبنان بحسب قناة العالم الإيرانية كما قضى معه مساعده العميد محمد هادي حاج رحيمي إضافة إلى مستشارين آخرين. على إثره وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الهجوم على السفارة لن يمر دون رد، بينما أكد سفير إيران لدى سوريا حسين أكبري على أن الهجوم تم بطائرتين مقاتلتين من طراز إف-35، مضيفا أن “هذا الهجوم سيكون له ردنا العنيف”.

الاستهداف الأخير يعتبر نوعي بكل المقاييس، فالشخصية المستهدفة نوعية ومن القلاقل المتبقين من جيل قائد فيليق القدس السابق قاسم سليماني، والاستهداف طال منشأة دبلوماسية إيراني أي الاستهداف يعتبر مباشرا للأراضي الإيراني وكلا الأمرين يعطي انطباعا بأن إسرائيل لا تأبه بالرد الإيراني بل هي تستجلب الرد الإيراني لتوسيع الحرب القائمة حاليا.

كل قواعد الاشتباك التي روج الإيراني بأنه يحافظ عليها في السنوات الأخيرة تقهقرت من التجرؤ على قيادات الحرس الثوري وتوابعه ذات الرتب العليا إلى استهداف الأراضي الإيراني عبر منشآتها الدبلوماسية. فالإيراني الذي تفوق تاريخيا لأنه يقدم نفسه كراعي للمقاومات والميليشيات التي تستعد أن تضحي وتخاطر أمسك اليوم من اليد نفسها عبر إدراك إسرائيل بأنه هذه المرة غير مستعد لرفع السقف والانجرار لحرب أوسع فيكون بذلك توسيع الضربات إلى قياداته ونقاطه الحساسة مفتوحا، فاحتمالية الرد الإيراني القاسي تفيد إسرائيل عبر توسيع الحرب وعدم الرد أيضا يفيد إسرائيل فيكمل في عملياته تجاه إيران خاصة في سوريا التي لا تستطيع إيران تركها لذتها ولكونها شريان المحور الأساس.

بالمقابل، فإن إيران مأزومة في العمق فهي إن ردت دخلت في نفق لا تريده وإن لم ترد ظهرت بضعف غير مقبول لذلك توعدت بالرد، وهو ما سيكون، ولكن وفق قاعدتين الأولى أن يكون الزمان مناسبا والثانية أن يكون الحجم متوازنا فيكون بحجم الضربة التي تلقتها الجمهورية الإسلامية ولكن دون مستوى يؤدي إلى انفلات عقد الحرب، وفي هذا توازن من الصعب تحقيقه.

ففي لبنان نموذج مصغر، حزب الله يوازن بين الرد وعدم الرد الموسع لعدم الانجرار للحرب فيظهر حتى الآن بأنه الأضعف مقارنة بإسرائيل التي تقصف المدنيين دون أن يكون الحزب قادراً على فعل ذلك فيكتفي بالعسكريين للحسابات المذكورة. ينطبق الأمر نفسه، ولكن بشكل موسع على إيران فهي لن تستطيع أن تضمد جرحها العسكري بسهولة وهي تقف اليوم أمام تحدي مصيري ولا تضمن توقف الضربات الإسرائيلية، بل من المفترض أن تتوقع توسعها في حال التراجع.

ليس هذه معضلة إيران وحدها مع طوفان الأقصى، فبالإضافة للضربة التي تلقتها في فلسطين عبر العمل الدولي على ضرب حماس وخوف إيران من إبعادها شبه التام عن قلب مشروعها، فلسطين، أخرج الطوفان رئيس النظام السوري بشار الأسد رسميا من محور المقاومة وهو ما توضح عمليا من خلال غيابه التام ميدانيا وسياسيا وكذلك إعلاميا. فقد غاب الأسد تماما عن فعالية “منبر القدس” التي ضمت قادة محور المقاومة من كل الدول، وألقوا خطاباتهم في يوم واحد بمناسبة “ذكرى يوم القدس العالمي”.

وفي هذه الفاعلية تحدث كل من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، أمين العام لحركة “النجباء” أكرم الكعبي، وزعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي، دون أن يكون هناك أي وجود للنظام السوري ولو بمستوى متدن وفي هذا إعلان من المحور نفسه عن فقدانه أحد نقاط ارتكازه الأهم بشار الأسد.

حتى لو صوّر المحور بأنه وبغرض تكتيكي يبعد النظام السوري عن المحور بالتنسيق معه وبأن أي من الوقائع لم ولن تتغير، فإن الواقع بخلاف ذلك فإن سحب الأسد يده من إيران في سوريا عمّق وسهّل الطريق للنيل منها ومن وحلفائها في سوريا دون اكتراث من النظام.

إن كل يوم يمر على طوفان الأقصى تتراجع فيه إيران خطوة إلى الخلف، ولكنها تحاول التعويض من خلال مكتسبات سياسية عبر التواصل المكثف مع الولايات المتحدة وفتح خطوط تواصل موازية منها التواصل الاستخباري بين حزب الله والإمارات وغيره من الخطوط التي عززتها الحرب ولم تضعفها وتعول عليها إيران للالتفاف على الخسائر، ولكن النهج الإيراني في العقود الأخيرة أثبت لها بأن التراجع العسكري على الأرض لا بد من انعكاسه سياسيا مهما تكثّف التواصل السياسي.

———————–

مَن يستفزّ الآخر.. طهران أم تل أبيب؟/ إبراهيم الحريري

2024.04.10

يعيش كيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر لحظاته التّاريخية حنقاً لدرجة أنّ تل أبيب بدأت بكسر قواعدها السياسيّة ولم تعد بتعهدات أحد في حماية أمنها وحدودها المزعومة.

ومن هذه الزاوية تحاول إيران الدّخول للعبة جديدة تبدو فيها أكثر راحة من إسرائيل المضطربة نتيجة حربها على غزّة وهنا تعمل طهران على تحقيق مكاسب جديدة لم تكن متاحة سابقاً بالنسبة لها في المنطقة وتبدو أكثر تمرّداً في ظل المعطيات الجديدة.

استفزاز متبادل

دأبت إيران منذ بداية الحرب على غزّة على إثبات وجودها واستفزاز كل من الكيان الإسرائيلي وأميركا من خلال ضربات كثّفتها ميليشيات إيران ضد القواعد الأميركية في سوريا ومن خلال أعمال محدودة من حدود لبنان عبر ذراعها (حزب الله) وبعض القصف من سوريا باتجاه الجولان المحتل .

لكن يبدو أن كل هذه التحركات ليست هي ما بدأ يستفز تل أبيب التي كانت تقصف مواقع إيران في سوريا قبل حربها على غزّة وثمّة تحركات أخرى تقوم بها طهران وتراقبها تل أبيب عن كثب بدأت تتصاعد ولولا أنها تحركات جادّة لما تعاملت معها إسرائيل بهذا القدر من الجديّة أيضاً.

ترى تل أبيب أن إيران تعمل على تقوية وجودها العسكري في سوريا ولبنان بشكل غير مقبول بالنسبة لها فالميليشيات وحزب الله باتت جيشاً منظّماً يستطيع تشكيل ضغط عسكري فعلي متى شاءت طهران بذلك ولذا فإن جميع ضربات تل أبيب السابقة كانت رسائل لإظهار جديّتها في استعدادها لرفع السقف في مواجهة رغبة طهران في المنطقة.

تبدو رغبة إيران ظاهرة بفرض وجود عسكري خارج نطاق الميليشيات أو إبقاء الميليشيات مع تنظيمها وتزويدها بمقومات الجيوش أمّا العمل على ذلك فيمكن أن يظهر من خلال عمليات نقل وتصنيع الصواريخ التي تقوم بها طهران في سوريا رغم هدوء الجبهات مع فصائل المعارضة.

لماذا تصعّد تل أبيب ضد إيران في سوريا؟

تبدو سوريا منطلق عمليات طهران في المنطقة الساحة الأبرز من حيث تشكيل البنية العسكريّة أو تشكيل خطوط إمداد لحزب الله في لبنان ولذا فإن وضع حد لإيران في سوريا سيقوّض كامل وجودها في المنطقة.

عطلت الطائرات الإسرائيلية مطارات سوريا عدّة مرات وكثّفت ضرباتها على مواقع تتبع لإيران بشكل غير مسبوق حتّى انتهى المطاف بقصف قنصلية إيران وهو تصعيد لا يستهدف البنية العسكرية بقدر استهداف المخططات التي يتم رسمها.

عملية استهداف القنصلية في دمشق هي محاولة لاستفزاز إيران ومعرفة سقفها فالركود الذي تبديه طهران يستفز إسرائيل أكثر من أي تحرك مباشر في المنطقة.

ترغب تل أبيب بمعرفة نوايا وجديّة طهران لذلك تستمر باستفزازها بينما تحاول إيران اعتبار خسائرها أمراً طبيعياً في مرحلة البناء لمشروع أكبر لن تعطله ضربة هنا وضربات هناك، ولكن هذا الأمر قد يختلف بعد الضربة الأخيرة التي تريد تل أبيب بالفعل من خلالها وصول طهران لاتخاذ قرار بالرد ولا سيما أن تل أبيب تحدثت عن رفع جاهزيتها لردٍّ إيرانيٍّ محتمل.

كيف سترد إيران على استهداف قنصليّتها في دمشق؟

إيران ورغم احتفاظها بحق الرد بشكل دائم إلا أنها تبدو ماضية في مشروعها أو مشاريعها في المنطقة وهو ما يعتبر ردّاً بالنسبة لها فهي ليست بصدد الانشغال وفتح مواجهة شاملة أو جزئية مع تل أبيب المستفزَّة.

الوجود الإيراني في سوريا ولبنان والتوجه الجديد نحو الأردن كل هذا يعتبر ردّاً كما أن خروج وجود إيران عن إطار الوجود المحدود إلى سيطرة شبه مطلقة يعتبر إنجازاً بالنسبة لها وليس رداً فقط.

موقف واشنطن

أمّا عن رؤية واشنطن التي تكرر تخوفها من اندلاع صراع إقليمي فهي تلعب دور الضابط لكلا الطرفين عوض أن تضع نفسها كندٍّ لإيران.

تصريحات نقلها موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي أكدت أن واشنطن أبلغت طهران بعدم درايتها بالضربة الأخيرة بينما قال وزير خارجية إيران إن بلاده بعثت برسالة لواشنطن بصفتها الحامية لتل أبيب عقب استهداف القنصلية في دمشق.

تبدو الولايات المتّحدة من خلال تصريحاتها أكثر رغبة بالتهدئة من التصعيد لكنّها في ذات الوقت قد تفكّر بحلٍ يردع إيران عن تجاوز الحد المسموح أو المقبول لها في المنطقة.

على أية حال فإن تل أبيب يبدو أنها غير آبهة بأخذ الموافقة من واشنطن إزاء قراراتها في استهداف إيران في المنطقة حيث نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أن تل أبيب أخطرت واشنطن بضربتها للسفارة وطائراتها في الجو وهو ما لا يتعارض مع نفي واشنطن لدرايتها أو عدم رغبتها بتنفيذ الضربة فالقرار حينها كان متّخذاً والإخطار مجرّد حركة إرضاء بين الحلفاء.

تبقى هذه الرواية محل شكّ فالتنسيق بين واشنطن وتل أبيب قد يكون أعمق بكثير من التصريحات الظاهرة وهنا أيضاً تضع الولايات المتحدة ضمن دائرة الرد الإيراني فترفع جاهزيتها لأي رد محتمل.

تظهر إيران كندٍّ حقيقي بالنسبة لتل أبيب التي لم تعد تتقبّل زيادة وجودها في المنطقة بينما تتقبل واشنطن ذلك بشكل أكبر وكذلك تتقبله روسيا ولذا فإن تل أبيب تحاول قلع شوكها بيدها مستخدمة أكثر أساليبها جنوناً.

———————-

هل انهارت خطوط الدفاع لدى طهران في دول المنطقة؟/ رائد المصري

2024.04.09

أقامت إيران خطوطاً دفاعية عسكرية عنها وعن أراضيها داخل دول المنطقة، لتمتد بنفوذها من بحر قزوين الى ساحل المتوسط شرقاً، بحيث يكون استهدافها شبه مستحيل بالمباشر من قبل الغرب والولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل، وتكون هذه الأذرع العكسرية المُقامة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، كفيلة بإشغال الأميركي والإسرائيلين.

ومن هنا تعزَّز الحضور المسلَّح لقوى الأحزاب والميلشيات في هذه الدول على حساب سيادة هذه البلدان، عبر التقسيم العامودي الفئوي والطائفي والمذهبي، تحت ستار تحرير فلسطين والقدس كعنوان أبرز يمكن أن يستمر إشعاعه حتى آخر الدهر.

وفي ظل الحرب الصامتة التي كانت تخوضها مع الإسرائيلي في الاستهدافات التي قتلت العديد من المسؤولين والأدمغة الإيرانية من قادة البرامج النووية والفيزيائية في داخل إيران وخارجها.

لكن ما الذي تغيَّر بعد حرب غزة..؟ ولماذا انتقلت المواجهة لتصبح علنية بين الجمهورية الإيرانية وإسرائيل..؟ هل هو بسبب فشل وحدة الساحات، أم بسبب نقمة الشعوب الواقعة تحت سطوة الأحزاب المسلحة والممارسات الميليشياوية بعد تفكيك الدولة وانهيار مؤسساتها، كما سوريا ولبنان..؟

فقد اتخذت المواجهة بين إيران وإسرائيل مؤخراً مساراً مختلفاً عن قواعد الاشتباك المعمول بها، التي حكمت العلاقة بين الطرفين لسنين مضت، بخاصة في ظل تزايد النفوذ والوجود الإيراني على الأراضي السورية تحت عنوان مستشارين عسكريين لمساعدة النظام، وحتى عند انسحاب جيش النظام السوري من لبنان بتاريخ 26 نيسان 2005 إثر اغتيال الرئيس الحريري، لم تكن رغبة إيران الانسحاب الكامل من لبنان، بل إعادة تموضع الجيش في البقاع حتى يستمر في إشغال الاميركي، وإبقائه كخط دفاعي أول قبل التأكد وتجهيز حزب الله في ترسانته العسكرية، ليخوض غمار حرب تموز 2006 من بعدها، بعد تعثُّر كل اتفاقيات طهران مع الغرب بما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية والنووي والصواريخ البالستية.

فإيران تعترف بالأهمية الاستراتيجية التي تحتلها الجغرافيا السورية كعامل مساعد ومكمِّل لمشروعها الإقليمي، لا بل تعتبر أن سوريا هي حلقة الوصل لإيذاء إسرائيل وابتزاز أميركا والغرب، وبالتالي حكماً فإن وجودها في دمشق يُعتبر خط دفاع أول مع لبنان، وأساسي في مشروعها وتوسع نفوذها، ولهذا كانت الاستماتة كبيرة في الدفاع عن النظام السوري واستقراره والحفاظ على وجوده.

وفي خضم ذلك، رفعت تل أبيب منسوب المواجهة مع طهران بعد عملية طوفان الأقصى، التي اعتبرتها مسؤولة مباشرة عمَّا جرى، ولا بدَّ من تغيير قواعد الاشتباك واللعبة القائمة، للوصول إلى تفكيك وضرب كل القادة الإيرانيين العسكريين المسؤولين في سوريا أو لبنان، والموجودين باستمرار على حدودها، هذا ما توضَّح من خلال نوعية العمليات والاغتيالات التي قامت بها إسرائيل في سوريا ولبنان مؤخراً، لضرب التركيبة الهرمية العسكرية لطهران، بعد أن نجحت واشنطن في تحييد قاسم سليماني، واعتبار أن الطريق صار معبَّداً للقضاء على الفريق المتبقِّي الناشط والمخطط لمسرح العمليات العسكرية في غزة وسوريا ولبنان.

أيضاً إيران كانت مستعدة وتنبَّهت لخطورة هذه الاستهدافات لقادتها العسكريين، وهو ما دفعها لاتخاذ آليات وترتيبات أمنية مختلفة، خشية الاختراق والتسرُّب الحاصل في المعلومات الأمنية، وهذا يوضح أن العملية التي استهدفت وجود الضباط الإيرانيين وقادة قوة القدس في سوريا ولبنان داخل مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق، وتحت حماية القانون الدولي يجعله كجزء من السيادة الإيرانية، يأتي كل ذلك في إطار الإجراءات الأمنية الجديدة التي اتخذتها طهران لتخفيف الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة، لكن حجم الضغط الدولي الغربي والعربي على تل أبيب وارتباكها في الداخل، دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إسقاط كل الاعتبارات الدولية، وأن يذهب إلى خرق قواعد الاشتباك المعمول بها في الضربات المتبادلة بينه وبين الجانب الإيراني.

هذا الاستهداف الخطير للقنصلية الإيرانية في دمشق، والصفعة القاسية التي لحقت بمؤسسات طهران العسكرية والأمنية، وضعها مع قادتها أمام تحدِّي الدفاع وضرورة الرد، لأنها تعرضت لاعتداء واضح ومباشر، وهشَّمت صورة فيلق القدس الممتد على هذه الجغرافيا الإستراتيجية، حتى لو صرح وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بأنه يحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، وكذلك حتمية الرد الإيراني تحولَّت إلى قضية اعتبارية للنظام الإيراني وقوة ردعه، لأنها عملية حصلت على أراض إيرانية باستهداف مباشر، وليس كعمليات استهداف علماء البرامج النووية التي حصلت سابقاً والتي لم تخرج عن سياق دائرة الصراع الكلاسيكي والاتهامات.

حجم الانكشاف العسكري والأمني الإيراني كان كبيراً، خصوصاً أن الشعارات الإيديولوجية والعقائدية التي يرفعها النظام، تقود معها وتحت عباءتها كل محور ما يسمَّى بـ “الممانعة”، خاصة في ظل حجم الخسائر الكبيرة التي حصلت في غزة والمواجهة مع حزب الله التي كلفته كثيرا سياسياً وأمنياً ومادياً وبشرياً، بالتالي فإن عملية الرد الإيراني لا بدَّ وأن تكون مباشرة وبأدوات إيرانية عسكرية وأمنية، وليس بوساطة أذرعها في الإقليم، فالسكوت عن الرد يجعل التطاول الإسرائيلي أوسع وأكبر، وقد يفتح الباب لضرب وتصدُّع مشروع طهران الإقليمي في المنطقة بسبب التراخي تجاه إسرائيل، خصوصاً ما يتعلَّق بعامل الصدقية التي تكرِّس له إيران مفاهيمها لقيادة المنظومة، باعتبارها قوة كبرى قادرة على المواجهة، وبالتالي فهي اليوم مجبرة على الدفاع عن مشروعها في الاستمرار في قيادة الإقليم، أقله في مياه الخليج العربي ومداخل البحر الأحمر وباب المندب.

أخيراً، من البدهي والثابت أن خطوط اتصال قد جرت بين واشنطن وطهران على خلفية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، بغية التأكيد والحرص على عدم توسُّع الحرب في المنطقة، وفق رغبات نتياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وهو حتماً ما قد يدفع الطرفين للتوصُّل إلى تفاهمات وتسويات بالرد على هذا الاستهداف من دون توسُّع، أو السماح له بالتطور نحو حرب شاملة قد تحقق ما يرغب فيه نتنياهو من توريط لواشنطن وطهران فيها مباشرة، ففي كلا الحالتين فإن إيران هي الخاسرة على مستوى الإقليم، سواء لناحية تطويع أذرعها العسكرية والمنتشرة في الإقليم واستهدافهم الواحد تلو الآخر، أو بالاكتفاء بالرد المحدود، وهو ما يسقط كل المفاهيم الاعتبارية في إنشاء الفصائل والأذرع العسكرية في دول المنطقة، التي صارت دون جدوى بل عبئاً كبيراً على التسويات في الإقليم، ومن دونهم فإن طهران هي ذئب من دون أنياب.

———————-

قراءة في الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا.. الخاسرون والرابحون/ حسن الشاغل

2024.04.07

باتت الضربات العسكرية التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي على مراكز نفوذ القوات الايرانية الموجودة في سوريا روتيناً متكرراً، حيث تجاوز عدد الضربات المئات.

وارتفعت وتيرة الضربات بشكل مكثف بعد عملية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول 2023، حيث اغتالت إسرائيل في 25 كانون الأول 2023 رضي موسوي في دمشق، وهو ضابط برتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني، وفي 1 نيسان 2024 اغتالت محمد رضا زاهدي ومحمد عادي حاجي رحيمي إلى جانب مجموعة من قادة الميليشيات بغارة على القنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق، وقد سبق هذه العملية بثلاثة أيام وبالتحديد بتاريخ 29 آذار 2024 تنفيذ إسرائيل لضربات على مطار حلب الدولي، حيث تم استهداف مجموعة من مقاتلي حزب الله اللبناني.

وتختلف أهمية وخلفيات كل استهداف بحسب موقع ووزن الشخصية المغتالة، فعلى سبيل المثال قصف القنصلية الإيرانية واغتيال شخصيات كبيرة ومؤثرة في الجيش لا يشبه ضرب النقاط العسكرية، فقصف القنصلية بهذا الشكل محرم دولياً، وتوجد قوانين وأعراف دولية موقع عليها ضمن اتفاقية فيينا تحمي الممثلات الدبلوماسية للدول من أي اعتداءات أو تجاوزات. لكن يجب ألا ننسى أن أيران ليست بعيدة عن خرق هذه القوانين وهي تشبه إسرائيل بهذا السلوك، فقد سمحت القوات الإيرانية لمجموعة من المتظاهرين بحرق القنصلية السعودية في إيران عام 2016.

تحاول هذه المقالة وضع قراءة أولية للضربات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد القوات الإيرانية على الأراضي السورية، لتحديد الخاسرين والرابحين من هذه الضربات التي توحي بأنها لن تتوقف على المدى القصير، بل ستكون مكثفة في قادم الأيام.

الرابحون

وفي ظل الضربات العسكرية الجوية التي تنفذها إسرائيل داخل الأراضي السورية ضد مراكز نفوذ القوات الإيرانية وما يرتبط بها من ميليشيات،من هم أبرز الرابحين أو المستفيدين من ذلك؟

ليس من المفاجئ اذا قلنا أن النظام السوري هو أكبر المستفيدين من الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية، لأن ذلك قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا والذي سيقابله انفتاح خليجي. لطالما طالبت بعض الدول الخليجية من النظام السوري بتقليص النفوذ الإيراني مقابل استثمارات ودعم برامج التعافي المبكر – قد تدعمها السعودية والإمارات بدرجة أولى عن طريق منظمات دولية، وذلك منعاً لتعرضهم للعقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

وبهذه المعادلة يحقق النظام خرقاً كبيراً باستعادة جزء من عافيته الاقتصادية والسياسية ومن نفوذه على بعض مؤسسات الدولة. لكن من غير الممكن في الوقت الحالي التنبؤ بخصوص قدرة النظام على تقليص النفوذ الإيراني على الرغم من الضربات الموجعة المستمرة التي تتلقاها القوات الإيرانية.

كما أنه من الصعب التنبؤ برغبة النظام في التخلي عن إيران، مقابل التقرب من دول الخليج، لأن الأخيرة لم تكن يوماً حليفاً استراتيجياً له، في حين أن طهران كانت ولا تزال حليفاً استراتيجياً تاريخياً من الصعب التضحية به بشكل كامل.

وفوق كل ذلك عملت إيران خلال عقود على تثبيت نفوذها في سوريا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول بأننا أمام سيناريو تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وليس التخلي عنه، بما يضمن حدوث فراغ قد تملؤه دول مجاورة خليجية عبر الدعم المالي، لاسيما أن روسيا منشغلة في حربها على أوكرانيا وصراعها مع حلف الناتو.

والرابح أو المستفيد الثاني هو السعودية التي عانت في الحقيقة من التهديدات الإيرانية لاسيما التي وقعت على منشآت النفط. واستطاعت الرياض بعد صراع طويل دام لعقود مع طهران أن توقع في عام 2023 اتفاقاً مع إيران برعاية صينية لتجميد الخلافات بين الدولتين ولو بشكل مؤقت ولتطبيع العلاقات السياسية أيضاً، وبما لا يسمح لأي من الدولتين بارتكاب أية أعمال عدائية ضد بعضهم البعض.

ولطالما شكلت المليشيات الشيعية الموالية والمنتشرة في العراق واليمن ولبنان وسوريا قلقاً للسعودية، تأتي الضربات الإسرائيلية على الميليشيات والقادة الإيرانيين في سوريا كخدمة لأمنها الوطني، لأنها تضعف من قوتهم وتنسيقهم وتساهم في تشتتهم، وبذات الوقت تحافظ الرياض على اتفاقها مع إيران بما يحفظ الدولة من أي عملية تصعيد، لانحصار المواجهة بين إسرائيل وإيران.

والأردن هو ثالث أكبر الرابحين، لأن المملكة ترى في تحشد القوات الإيرانية على حدودها مصدر تهديد لأمنها القومي. وإضعاف النفوذ والميليشيات الإيرانية داخل الأراضي السورية عبر الضربات الجوية الإسرائيلية من أهم الأدوات الفعالة لوقف التمدد الشيعي الإيراني إلى داخل الحدود الأردنية. وبذلك تعتبر عمان كل العمليات الموجهة ضد القوات الإيرانية والمرتبطة بها في سوريا لصالح الأمن القومي الأردني.

الخاسرون

لا شك أن للضربات التي تتعرض لها القوات الإيرانية في سوريا انعكاسات سلبية جمة عليها: أولاً، فهي تضعف من عقيدة الحرس الثوري الإيراني من حيث إن غالبية الشخصيات التي اغتيلت هي شخصيات متعصبة لسياسة الخميني والحرس الثوري.

ثانياً، تضعف من فعالية الحرس الثوري، حيث يخسر أكثر الضباط خبرة وفعالية من بين الذين خدموه في سوريا، وتحييدهم سيخلق فراغاً يصعب تعويضه في القريب العاجل.

ثالثاً، سوف تؤدي الضربات إلى بعثرة القوات الإيرانية في سوريا بشكل كبير، بسبب التخوف من عمليات الاغتيال المستمرة، ومن الممكن أن نشهد انسحاب شخصيات رفيعة من سوريا، إلا أن إيران لن تتنازل بسهولة.

رابعاً، استياء الرأي العام الإيراني من اغتيال قاداتهم وعدم الرد من قبل الحكومة.

خامساً، سوف تساهم هذه العمليات إذا استمرت وصعدت من بنك الأهداف وهو متوقع بعد سيناريو وصول ترامب إلى البيت الأبيض إلى تخفيض النفوذ العسكري الإيراني لدرجة أن تنخفض درجة تأثيره على المعادلة السورية.

سادساً، ستخسر إيران مراكز نفوذها على المؤسسات السورية بعد تقييد حركتها.

وإلى جانب إيران تبرز جماعة حزب الله اللبناني من بين الأطراف الأكثر تضرراً من الضربات الإسرائيلية على سوريا، حيث يعتبر عناصر حزب الله هدفاً مباشراً للضربات العسكرية، الأمر الذي يُرغِمُ الحزب على تخفيض عدد قواته في سوريا خوفاً من ضربات أوسع قد تقضي على عدد أكبر من عناصره، وبذلك تتلاشى مراكز قوته في البلاد.

وفي النتيجة، يعيش النظام السوري حالة استقرار في الوقت الحالي، ونسبة عودة العمليات العسكرية الداخلية في سوريا تكاد تكون معدومة في الوقت الحالي وعلى المدى المتوسط، وهذا يعني عدم حاجة النظام للقوات الإيرانية والميليشيات المرتبطة بها، بقدر ما أصبحت عائقاً أمام انفتاح النظام على دول الخليج العربي. ومن المهم الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق لم تكن لولا وجود مساندة ودعم دولي يدعم تقليص النفوذ والقوات الإيرانية في سوريا، لأن إسرائيل من المستبعد أن تقوم بهذه الضربة إذا لم يكن بحوزتها موافقة دولية ضمنية.

—————————–

بين أبو ظبي وطهران.. ماذا قررت إسرائيل وإيران؟/ العقيد عبد الجبار عكيدي

2024.04.06

اقتضت قواعد الاشتباك بين إسرائيل من جهة وبين إيران وأذرعها من جهة أخرى، طيلة الفترة الماضية انضباطاً على نحو معيّن لم يؤد إلى حرب مفتوحة بين الطرفين، على الرغم من الاستهدافات الجوية الإسرائيلية المتكررة لتموضعات أذرع إيران في سوريا، إلّا أنها كانت تظهر دائماً على أنها اعتراض أو احتجاج إسرائيلي على تجاوز الميليشيات الإيرانية ما هو مسموح به من جانب تل أبيب.

لكن واقع الحال يشير إلى أن ضراوة الضربات الجوية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة بدأت تنذر بأن المواجهة بين الجانبين يمكن أن تتطور إلى أشكال أخرى، هذا على الأقل ما تؤكّده الهجمات الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي على مواقع في حلب، أدت إلى مقتل أكثر من خمسة وثلاثين شخصاً، ثم الضربة الجوية الثانية خلال الأسبوع ذاته، والتي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق يوم الاثنين في الأول من نيسان الجاري، لتؤكّد أن الضربات الإسرائيلية لم تعد مجرّد تحذير أو إنذار لأذرع إيران بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، بل باتت استهدافاً نوعياً يطول رموزاً سيادية، ما يعني أن التصعيد الإسرائيلي في هذه المواجهة بات يحمل أكثر من تساؤل، إذاً ما الذي يدفع بحكومة الكيان الصهيوني إلى رفع وتيرة المواجهة؟

يمكن بداية الوقوف عند أمرين اثنين:

1 – يشير الأول إلى عدم فصل ما يجري على الساحة السورية من مواجهات بين إسرائيل وأذرع إيران عمّا يجري في غزة، بل يمكن التأكيد على أن فشل حكومة نتنياهو في إحراز أي منجز عسكري حقيقي منذ بدء عملية طوفان الأقصى وحتى الآن، عدا التدمير شبه الكامل لمعالم غزة، ومجازر الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وهذا بالمفهوم العسكري لا يُعتبر نصراً عسكرياً، أمر يجعل نتنياهو في موقف حرجٍ أمام الرأي العام الإسرائيلي وأمام خصومه السياسيين أيضاً، فضلاً عن عدم قدرته على إعادة الأسرى الإسرائيليين من حوزة حماس، وهو ما بدأ يؤجج الشارع الشعبي الإسرائيلي ضدّه، ولا نستبعد بالطبع قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى، الأمر الذي لم يعد يتيح للحكومة الإسرائيلية المزيد من المناورة سوى الهروب إلى الأمام وترحيل أزمة نتنياهو إلى خارج الحدود، والسعي إلى تحقيق منجز عسكري عبر عمليات نوعية كاستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق مؤخراً.

2 – ويحيل الأمر الآخر إلى الاستعصاء الدبلوماسي في عملية وقف العدوان على غزة، إذ إن مجمل أساليب التوحّش التي يمارسها الكيان الصهيوني لم تجبر حركة حماس على الرضوخ لشروط نتنياهو، الذي يريد أن ينتزع من حماس استسلاماً يستثمره في حل معضلاته السياسية والأزمات التي تواجهها حكومته، الأمر الذي دفع به إلى ممارسة المزيد من الضغط على إيران – عبر استهداف معالمها أو رموزها السيادية – في مسعى لجعلها تضغط على الحركة نحو إبداء المزيد من المرونة أو الاستجابة للوساطات وفقاً للشروط الإسرائيلية.

الواضح أن نتنياهو مصر على توسيع دائرة الحرب والخروج بها عن نطاق قطاع غزة أياً كانت الأسباب، وأنه بتوجيه هذه الضربة القوية لقادة إيرانيين مهمين ودلالات مكان استهدافهم، قد حظي بدعم واضح من مجلس الحرب، مع وجود قاعدة جماهيرية عندها هذا التوجه، والقناعة الكبيرة أن الضربة الموجعة التي وجهتها حماس لإسرائيل في السابع من أكتوبر لم تكن تعبر بها عن نفسها فقط، بل هي مؤشر على توسع وتنامي قوة محور إيران في المنطقة، وأنه لولا التحرك الإسرائيلي المتضخم والوحشي بعد طوفان الأقصى، واستخدام فائض القوة العسكرية وارتكاب كل تلك المجازر، لكان احتمال تحرك القوى التابعة لإيران أكبر، فإسرائيل أصبحت تعتبر أنه لا يكفي فقط تقويض قوة حماس بل يجب اضعاف المحور بالكامل.

هذه الاستراتيجية الإسرائيلية مناسبة لكل خصوم محور إيران في المنطقة، من العرب وغيرهم، أيضاً هي مناسبة لروسيا التي تتمنى اتساع رقعة التوتر في المنطقة أكثر من أجل انشغال الغرب في هذه الدائرة عما يجري في أوكرانيا.

إذاً هناك أكثر من طرف لديه هذه الرغبة بتوسيع دائرة المعركة، باستثناء الإيرانيين والأميركيين، فما يجري يعاكس استراتيجية واشنطن حيث انتهجت إدارة الرئيس جو بايدن سياسة إطفاء كل الحرائق في المنطقة منذ مجيئها قبل أربع سنوات، من أجل التفرغ لملفات جيواستراتيجية أهم بالنسبة لها، ولكن إسرائيل وإيران أساء كل منهما تقدير إمكانيات الطرف الآخر وردة فعله، ما دفع الأمور لتخرج عن السيطرة بهذا الشكل.

فإيران التي كانت تعتقد أن واشنطن وتل أبيب تخشيان مواجهتها، بل وتعتبرانها حاجة ضرورية لهما، وفي نفس الوقت إسرائيل أساءت تقدير قوة محور إيران عندما تفاجأت بضربة حماس في السابع من أكتوبر، لتكتشف أن هذه القوة أصبحت كبيرة، فأدركت أنه يجب ضربها ليس فقط في غزة، وإنما في سوريا ولبنان والعراق، وإن اضطر الأمر في طهران.

إسرائيل التي لم تكن منزعجة من احتلال إيران شبه الكامل للعراق ولبنان واليمن، كما غضت النظر طيلة السنوات الماضية عن احتلال ميليشياتها لسوريا، باعتبارها تدخل ضمن نطاق المواجهة الشيعية السنية في المنطقة، وعامل زعزعة لاستقرار الدول العربية التي لجأ بعضها للتطبيع مع الكيان الصهيوني لحماية نفسها من تمادي تلك الميليشيات، أصبحت (أي إسرائيل) على ما يبدو تخشى أن يخلق انتشار هذا العدد الكبير من القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا فارقاً في ميزان القوة الذي تحرص إسرائيل -مدعومة من الغرب- على تفوقها فيه على كل دول المنطقة، أياً كان وضع تلك الدول.

إيران من جانبها أدركت تماماً جدية إسرائيل بضرب مصالحها في المنطقة فما أقدمت على أي تحرك، وبدأت بتقديم التنازلات ونفي علاقتها بعملية طوفان الأقصى، كما لم ترد على أي من الضربات الكثيرة التي تلقتها من إسرائيل، رغم أنها ردت على الضربات الأميركية، لكنها لم تجرؤ على فعل ذلك مع الإسرائيليين، لأنها تقرأ بشكل جيد اختلاف الموقف الإسرائيلي والموقف الأميركي بخصوص التصعيد، فموقف تل أبيب متوتر وغاضب ومتحفز للضرب على نطاق أوسع وتحاول جاهدة استفزاز إيران.

يعزز ذلك ما تسرب من معلومات عن زيارة وفد من حزب الله لدولة الإمارات مؤخراً، حيث تلقى رسالة إسرائيلية تطالب بنزع سلاحه وتسليمه للجيش اللبناني، بينما وافق الحزب على الانسحاب من الخط الأزرق، وهو ما لم تقبل به تل أبيب، ما يعني مؤشراً واضحاً على نوايا إسرائيلية بالتصعيد، تقابلها تنازلات إيرانية تؤكد اطلاعهم على خطورة العاصفة التي تتهددهم، ولذلك فغالباً ما سيسعى محور طهران للانحناء لها بدل مواجهتها، ولعل هذا ما أبلغته القيادة الإيرانية لوفد حماس الذي زار طهران الأسبوع الماضي!

—————————-

لماذا ستحتفظ إيران بحق الرد؟/ محمد السلوم

2024.04.05

منذ بدء الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة قبل قرابة ستة أشهر وإيران تتحرك، كعادتها، بذكاء لا يمكنك إلا أن تبدي إعجابك به، إعجاب قد يجرّ عليك كثيراً من الانتقاد، وأنت ابن الثورة السورية التي نالت ما نالت على يدي إيران قبل غيرها، ولكنني أجد أن التقليل من شأن الدهاء الإيراني كان وما يزال واحداً من المشكلات التي أوقعتنا في عدد من المطبات.

بشكل أو بآخر، يمتد النفوذ الإيراني اليوم على أربع دول عربية، هي العراق وسوريا ولبنان واليمن. وكل من هذه الدول تم استغلالها إيرانياً في خضم الحرب الحالية، أو لنقل تجييرها لصالح تعزيز الموقف الإيراني الإقليمي في المنطقة وفرض نفسها لاعباً رئيسياً في تهدئة المنطقة أو إشعالها.

تبدو لبنان واليمن الأكثر تورّطاً في الحرب الحالية حتى الآن، ويحلو لنا معشر السوريين المعارضين، وكنوع من رد الفعل العاطفي، أن نصف ما تفعله أذرع إيران في كل من الدولتين بأنه ضحك على اللِّحى وتهريج، محاولين السخرية منه والتقليل من شأنه. ولكن الواقع ليس كذلك مطلقاً.

فالصواريخ والطائرات المسيّرة التي تبدو بدائية ولا قيمة لها في يد جماعة الحوثي استطاعت حتى الآن أن تخلق فوضى عالمية في حركة الملاحة البحرية، فوضى نتج عنها ارتفاع كبير في أجور النقل البحري وتأخير في سلاسل الإمداد، لتضاعف من الأعباء على اقتصادات العالم المنهكة أصلاً، ناهيك عن أن محاولة الرد العبثي على الحوثيين هي محاولة منهِكة ومكلِفة عسكرياً واقتصادياً، ففي حين تحتاج إيران لعنصر حوثي واحد يحمل صاروخاً عتيقاً على الكتف أو طائرة مسيّرة بكلفة قد لا تتجاوز 100 دولار، لإيقاف حركة التجارة عبر البحر الأحمر؛ فإن أميركا وحلفاءها يتوجب عليها إنفاق مئات ملايين الدولارات عبر استنفار العديد من القطع البحرية العسكرية وخلق تحالف دولي عسكري وتنفيذ غارات جوية متلاحقة على دولة منهكَة مدمَّرة أصلاً بفعل حرب داخلية قاربت عامها العاشر، من دون أن يكون لذلك كله أثر حقيقي في إيقاف الخطر الحوثي الميليشياوي الطابع. ولعل إدراك واشنطن عبثية محاولة إيقاف هذا الخطر هو ما دفعها لإجراء محادثات سرية مع إيران في عُمان في بداية العام الحالي 2024، كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخراً، حيث طلبت واشنطن من إيران استخدام نفوذها لإيقاف الهجمات الحوثية، في خطوة تعكس العجز وربما السذاجة الأميركية أمام الدهاء الإيراني.

في لبنان لا تختلف الحال كثيراً، فالجبهة الجنوبية مع إسرائيل والتي ما كانت تشهد إطلاق رصاصة واحدة باتت معتادة على عشرات الصواريخ يومياً، التي يطلقها حزب الله باتجاه مستوطنات الشمال الإسرائيلي، صواريخ مرة أخرى، نتحدث عنها معشر المعارضين السوريين، ساخرين مقللين من شأنها، ولكن الواقع مجدداً ليس كذلك. فحزب الله ومن خلفه إيران لا يريدان حرباً حقيقية على جبهة لبنان، ولكنهما في الوقت نفسه لا يريدان هدوءاً تاماً، يريدان شيئاً بين هذا وذاك، حالة من اللاستقرار، وهذا اللاستقرار مرهق لإسرائيل على عكس حزب الله، أو لنقل على عكس الشعوب العربية عامة التي اعتادت اللاستقرار. ففي حين تبدو حاضنة حزب الله في الجنوب اللبناني أكثر استعداداً للتعايش مع الوضع الحالي، عبر تكرار نزوح تم اعتياده سابقاً، وامتلاك خيارات مختلفة كالذهاب إلى الضاحية أو الأقارب في مناطق أخرى من لبنان تحت شعار “عسكري دبر راسك”، يبدو الوضع على الجانب الإسرائيلي مختلفاً، حيث تقدّم إسرائيل نفسها بوصفها “دولة مسؤولة عن مواطنيها”، فمنذ بدء الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر زاد عدد النازحين من المستوطنات الشمالية الإسرائيلية على ربع مليون مستوطن نازح، هؤلاء لم يذهبوا إلى الضاحية الجنوبية في تل أبيب أو إلى منازل أقاربهم، هؤلاء تم وضعهم في فنادق في إيلات في الجنوب ومناطق أخرى، وتتكفل ميزانية الدولة بالإنفاق عليهم، في ظل رفضهم القاطع العودة إلى منازلهم قبل فرض الأمن التام، الأمن الذي بددته صواريخ حزب الله التي تزيد أمديتها أو تنقص بشكل محسوب مع تطور المعركة تصعيداً أو تهدئة، ومن يراقب الإعلام العبري يعرف جيداً كم تؤرّق هذه القضية إسرائيل اقتصادياً وأمنياً، الأمر الذي يدفع مسؤوليها العسكريين والأمنيين لتكرار تهديداتهم بتحويل بيروت إلى غزة ثانية، عبر تصريحات للاستهلاك الداخلي. وهنا تحاول واشنطن مرة أخرى التدخّل لإيجاد حل عبر مبعوثها آموس هوكشتاين، الذي لم تتوقف زياراته بين الطرفين منذ بدء الحرب، محاولاً التوصّل لصيغة تحيّد حزب الله من المعادلة وتبعد قواته عن الحدود عدة كيلومترات، جهود يبدو أنها لم تسفر حتى الآن عن شيء هي الأخرى.

أما العراق، فلا يبدو لي متمايزاً كثيراً عن إيران، التي أنهكته عبر ميليشياتها وسيطرتها على خيراته ومؤسساته السياسية والعسكرية والحزبية.

في سوريا يبدو الوضع مختلفاً، ولأكثر من سبب، فأولاً الوجود الإيراني في سوريا لا يستند إلى وجود مذهبي حقيقي على الأرض، كما هي الحال في اليمن والعراق ولبنان، فالوجود الشيعي في سوريا يكاد يكون رمزياً بعكس الدول الأخرى، وهنا قد يحتجّ بعضهم بالقول إن إيران تعمل على تنشيط التشيّع في سوريا منذ سنوات، وهذا صحيح، ولكنه لم يصل إلى المرحلة الكافية لخلق ما يمكن تسميته “حاضنة شعبية”، ما زالت إيران في مرحلة شراء الذمم وإنفاق الأموال محاولةٍ صُنعَ حاضنة، وهي تعلم جيداً أن من تشيعوا اليوم بالمال يمكن لهم غداً أن يغيروا ولاءهم بالمال أيضاً، كما فعل بعضهم سابقاً مع تنظيم “داعش” والمعارضة والنظام وغيرهم. ولكنها تدرك أيضاً أن العمل هنا سيأخذ وقتاً أطول، ولذلك هي بحاجة لصبر أكبر، من خلال استهداف أطفال هؤلاء، لخلق جيل لا يحتاج للمال ليكون “حاضنة” تماماً كما يفعل الجولاني في الشمال الآن، وكما حاول “داعش” أن يفعل من قبله مع “أشبال الخلافة”. أمام فقدان العمق المذهبي الذي يمكن استخدامه وادعاء تمثيله، فإن الوجود الإيراني في سوريا مرتبط بالنظام الحاكم، وتحديداً بشخص بشار الأسد. وكما عجزنا في المعارضة عن تقديم بديل مقنع لبشار الأسد، يبدو أن إيران تواجه المعضلة نفسها، ولم تجد بديلاً عنه بعد، أما إذا كانت لا ترغب في إيجاد بديل، فتلك خطيئة قد تدفع ثمنها غالياً.

وجه الاختلاف الثاني هو أن الوجود الإيراني في سوريا ليس وحيداً، إذ يواجه منافساً حقيقياً يتمثل في الوجود الروسي، وعلى عكس الوجود الروسي الذي يمكنه استبدال بشار الأسد بشخص آخر من خلال نفوذه العتيق في الجيش والأجهزة الأمنية، والترحيب الدولي ربما؛ تبدو إيران مجبرة على خيار التمسّك بالأسد. فالأسد يضمن استمرار النفوذ الإيراني في سوريا، كما يضمن عدم الصدام بين الطرفين فيها، وهو صدام لا يريده أي منهما في الوقت الحالي، الذي تشكّل فيه روسيا داعماً لإيران سياسياً أمام أميركا وعقوباتها وتهديداتها، كما تشكّل فيه إيران داعماً عسكرياً لموسكو في حربها على أوكرانيا، وفي محاولتها التحكّم بأسعار الطاقة عالمياً.

وغير خافٍ على المتابع للمشروع الإيراني، أنه لا يمكن لإيران أن تفرّط بسوريا، فخسارة كهذه تعني فقدان الاتصال الجغرافي الذي عبّدته بدماء الحرس الثوري الإيراني والميزانية الإيرانية من طهران إلى بيروت ولسنوات طويلة، ولذلك فهي مُجبَرة على الصبر لدرجات لا يمكن لنا تخيلها، وينبغي ألا نستغرب لو وصل هذا الصبر إلى مرحلة التضحية بعشرات من قاسم سليماني، صبر يحلو لأتباع إيران تسميته “الصبر الاستراتيجي”، وهو كذلك بالفعل.

والذي التقط هذه المعادلة بكل فوضويتها وأدرك أن سوريا هي الخاصرة الرخوة في المشروع الإيراني هي إسرائيل.

وهنا يمكننا أن نلاحظ كيف زادت إسرائيل تدريجياً من قوة ضرباتها للنفوذ الإيراني في سوريا، والتي قد لا تتوقف بتوقّف الحرب الحالية على غزة، إلى الدرجة التي وصلت إليها باستهداف قنصليتها في قلب دمشق (1 نيسان/ إبريل) مستهدفة رجالات من الصف الأول في فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وهي المرحلة التي بدأت قبل قرابة 10 أيام، حينما شنت إسرائيل قصفاً عنيفاً على مواقع الميليشيات الإيرانية في دير الزور (26 آذار/ مارس)، قصفاً دفع بإيران ونظام الأسد، لشدته، لاتهام أميركا بالوقوف خلفه، قبل أن تعلن إسرائيل عبر وسائل إعلام أنها من نفّذته، ثم أعقبه قصف مماثل على أهداف إيرانية في حلب (29 آذار/ مارس).

هذا المستوى من العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران ما كان يحدث سابقاً، ففي حالة سليماني مثلاً رفضت إسرائيل المشاركة باستهدافه خشية العواقب، كما ذكر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. أما الآن فالأمر مختلف، باتت إسرائيل هي المنفّذ المباشر لأنها تدرك أن إيران عاجزة عن الرد عليها في سوريا، وربما لأن أوراقها باتت مكشوفة بالكامل أمام إسرائيل، إذ مجرد أن تفقد إيران “صبرها الاستراتيجي” وترد على إسرائيل في سوريا سيكون رأس الأسد هو أول الرؤوس المتدحرجة، باعتباره الممثّل الرسمي لـ “الدولة”، في حين يغيب هذا الممثّل الرسمي عن أذرع إيران في لبنان واليمن مثلاً متخذاً شكلاً ميليشياوياً، ومع تدحرج رأس الأسد، سيتدرج الوجود الإيراني في سوريا بالكامل، وربما المشروع الإيراني في المنطقة برمته. نعم للأسف، الأمر كله مرتبط بهذا الرأس، الذي يبدو أن بقاءه في مكانه في الوقت الحالي يحقق مصالح الجميع.

لأجل ما تقدّم ستحتمل إيران الضربة تلو الأخرى، محتفظة بحق الرد، وإذا ما ردّت فلن يخرج ردّها عن أسلوب الأسد بـ”الرد في إدلب”، من خلال استهداف إسرائيل على يد ميليشياتها في العراق بطائرات مسيّرة لا يعلم حتى مطلقوها إلى أين تصل، أو اليمن عبر محاولة استهداف إيلات بصواريخ باليستية من ستينيات القرن الماضي، أو عبر قصف مباشر لأربيل بزعم اكتشاف مقار للموساد، أو تنفيذ هجوم إلكتروني على مواقع إسرائيلية، أو عمليات قرصنة بحرية، أو بعض عمليات الإعدام لجواسيس مفترضين، أو استهداف قواعد أميركية في العراق، هو في كل الأحوال رد باهت ومُبلَّغ عنه سابقاً، كما حدث مع ردّها على قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق بعد مقتل قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020.

وكما ستصبر إيران استراتيجياً على الضربات الإسرائيلية في سوريا؛ ستصبر كذلك على إمكانية وجود من ينقل تحركات رجالاتها إلى إسرائيل داخل الأجهزة الأمنية السورية، من المحسوبين على روسيا، رغبة في تجنّب الصدام مع موسكو للأسباب التي ذكرتها سابقاً.

تدرك طهران اليوم أن إسرائيل أمسكتها من اليد التي توجعها، سوريا، وتدرك أيضاً أن “الاحتفاظ بحق الرد” ليس سلاحاً لا نهائياً كما هي الحال لدى بشار الأسد، حيث يزداد عليها الضغط الشعبي للرد بشكل ما، رد لا يدفع إيران لارتكاب خطأ استراتيجي يُذهِب كل صبرها الاستراتيجي أدراج الرياح!

وأمام حفل عض الأصابع العالمي هذا، ينتظر الجميع، ونحن بينهم، من سيصرخ أولاً، إيران أم أميركا وإسرائيل، صراخ سيترتب عليه الكثير، فإن صرخت واشنطن وتل أبيب أولاً حازت إيران تنازلات عديدة في ملفات العقوبات والملف النووي وغيره مع تسويق إعلامي عن انتصار المقاومة والاقتراب من القدس، أما إن صرخت إيران فستفقد أول ما تفقد، سوريا ثم لبنان، فاتحةً البابَ أمام إعادة ترتيب كامل للمنطقة.

————————–

كيف امتلك بيدرسن الجرأة لإدانة قصف القنصلية الإيرانية؟/ عمر كوش

2024.04.05

كان مستغرباً أن تصدر إدانة لاستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، من طرف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، وتحذيره من أن ذلك “يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على سوريا والمنطقة”.

وجه الغرابة هو أن بيدرسن لم يقم بإدانة أي جريمة من الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق المدنيين السوريين منذ أن جرى تعيينه في نهاية 2018. والغريب أكثر أن يدعو، دون تحديد الجهة، إلى ضرورة “احترام مبدأ حرمة المباني الدبلوماسية والقنصلية وموظفيها في جميع الأحوال وفقاً للقانون الدولي”، ولم يطالب أبداً نظام الأسد باحترام حرمة المباني السكنية وصورة حماية المدنيين في النزاعات والحروب، مثلما تنص عليه مواثيق ومبادئ الأمم المتحدة. كما أنه لم يسبق له أن ذكر شيئاً عن القانون الدولي والإنساني بخصوص الجرائم المرتكبة في سوريا، مع العلم أن مهمته تنحصر في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيها، ولا علاقة له أبداً بالصراع الإقليمي والدولي خارجها، وبالتالي لا معنى لتحذيره من تصاعد العنف والمخاطر في المنطقة، في وقت لم يقم بفعل أي شيء يمكنه إيقاف العنف في سوريا طوال أكثر من خمس سنوات قضاها في مهمته ولم تجد نفعاً، بل راح يكرر في إحاطاته أمام مجلس الأمن الدولي التذكير بما آل إليه الوضع الاقتصادي الكارثي والمزري في سوريا، بالاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وبأن أكثر من 16.7 مليون سوري بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.

طبعاً لم يمتلك بيدرسن الجرأة التي تمكنه من مجرد الإشارة إلى أن إسرائيل هي من قصفت مبنى القنصلية الإيرانية، مثلما لم يملك الجرأة طوال السنوات الماضية، لتحميل النظام المسؤولية عن تعطيل سير مهمته نفسها، حيث عقدت لجنته الدستورية ثماني جولات صفرية المحصول، ولم تنجز أي اتفاق أو توافق على بند دستوري واحد، وذلك بسبب تسويف النظام وتمنّعه عن الدخول بأي مفاوضات جديّة للبحث عن حل سياسي للصراع في سوريا. إضافة إلى أن بيدرسن، ورغم أن صرف أكثر من عام على محاولاته وزياراته ولقاءاته، لم يحصل على مجرد موافقة، ولو شفهية، من طرف نظام الأسد على حضور اجتماعات الجولة التاسعة للجنته الدستورية، الذي دعا لانعقادها في جنيف نهاية شهر نيسان/ مايو الجاري، وذلك بحجة لا علاقة له بسوريا والصراع الدائر فيها وعليها، إنما تعود إلى مؤازرة نظام الأسد للرفض الروسي عقد اجتماعات اللجنة في جنيف، على خلفية موقف الحكومة السويسرية من الغزو الروسي لأوكرانيا.

إذاً، من أين جاءت بيدرسن الجرأة المفاجئة حتى يقوم بإدانة استهداف القنصلية الإيرانية، ويطالب باحترام القانون الدولي؟ هل أراد مغازلة نظام الملالي الإيراني القابض على صدور الإيرانيين، كي يثمّن موقفه، ويقابله بممارسة ضغوط على نظام الأسد، كي يلين موقفه، ويقرر المشاركة في اجتماعات لجنة بيدرسن الدستورية؟ ربما عوّل بيدرسن على بيع هذا الموقف لنظام الملالي بالنظر إلى معرفته مدى تأثير ساسته وملاليه على نظام الأسد، الذي ما يزال يسيطر على بعض المناطق في سوريا، بفضل إسناد عسكري إيراني بالدرجة الأولى وروسي بالدرجة الثانية.

يمتلك هذا التقدير وجاهة، لأن نهج بيدرسن قام منذ بداية مهمته على استعداده الكبير للمقايضة وبيع المواقف، مقابل تسيير شؤون مهمته حتى ولو بشكل إجرائي فقط. ولعل القبول الذي تحظى به مهمته لدى الروس والإيرانيين ونظام الأسد، مرده إلى أنه تجنب على مدى سنوات بحث القضية الجوهرية، التي حددها بيان جنيف عام 2012 والقرار الأممي 2254، والمجسدة في تشكيل هيئة حكم انتقالي، غير طائفي، تملك صلاحيات تنفيذية كاملة، وبدلاً من ذلك راح يتمسك باللجنة الدستورية، التي هي بالأساس اجتراح روسي من أجل ضرب مسار جنيف التفاوضي وفق القرارات الأممية.

الناظر في مسيرة بيدرسن التي أمضى فيها أكثر من خمس سنوات كمبعوث أممي خاص إلى سوريا، يلاحظ أن ما يعنيه بالمقام الأول هو استمرار مهمته، حتى ولو بقيت محصلتها معدومة النتائج، الأمر الذي انعكس في تصرفه كموظف، همّه الأساس يتركز على ما يناله من مقابل مادي على مهمته، لذا لجأ إلى مهادنة جميع الأطراف منذ البداية، وخاصة الروس والإيرانيين ونظام الأسد، فيما لم يكترث كثيراً بالمعارضة السورية بمختلف هيئاتها، لكونه يعي تماماً أنها تابعة، ولا تملك قرارها السوري المستقل، وكانت جاهزة على الدوام  للمشاركة في كل الاجتماعات والجولات، ولا تشترط شيئاً، وذلك بعد أن تحولت إلى ورقة رخيصة بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولم تقم بفعل أي شيْء يخدم قضية السوريين، التي لا تعنيه في حقيقة الأمر.

غير أن ما ساعد بيدرسن على تسويفاته هو مواقف القوى الدولية الفاعلية، وخاصة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، التي لم يعد يعنيها كثيراً منذ سنوات التوصل إلى حلّ سياسي للقضية السورية بموجب القرارات الأممية، ولجأت إلى اللامبالاة حيال ما يجري في سوريا، وبالتالي، فإن بيدرسن استند في كل ذلك إلى التوجهات الدولية، ولم يعد يكترث إذا كانت توجهاته تخالف قرارات الأمم المتحدة الذي بنيت مهمته على أساسها، وراح يقبل إملاءات الساسة الروس والإيرانيين ومراوغتهم، التي لم تفضي سوى إلى إفشال مساعي الحل السياسي الأممية.

لا يخفى على أحد، ومن بينهم بيدرسن، أن إيران تستخدم المقار الدبلوماسية من قنصليات وسفارات، لأغراض عسكرية، وخاصة تلك الواقعة في مدن وعواصم البلدان العربية، وبات الحرس الثوري هو من يديرها وليست الخارجية الإيرانية، لكن بيدرسن أراد ركوب الموجة، خاصة أن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق يشكل فرصة مناسبة له كي يثبت للساسة الإيرانيين (ومن ورائهم الساسة الروس) تعاطفه معهم، ووقوفه في صفهم، علهم أن يقابلوه بمكافأة على هذا الموقف، تترجم عبر دعم سعيه لعقد جولة تاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية، والقبول بمكان بديل عن جنيف لعقدها.

———————-

حزب الله واليوم التالي: الالتفاف على الأزمات الكبرى بحوارات هامشية/ صهيب جوهر

2024.04.04

يعيش حزب الله أزمة سياسية في المنطقة أهمها أنه بات يلمس تضعضع في الجبهة الداخلية في لبنان وسوريا، لذا فمثل هذه المنغصات في حالات الحرب تصبح نتائجها أكثر خطورة من الحرب العسكرية، خصوصاً لدى مقاربة الحزب للموضوع من زاوية أمنية. لأن أي اختلال في التوازن الداخلي والخارجي سيؤدي إلى انهيارات متتالية على خط العلاقات السياسية بين قوى اجتماعية وسياسية مختلفة، وستكون نتائجها وتداعياتها سلبية ومؤثرة جداً.

من هذا المنطلق يروج الحزب إياه لسردية تقوم على أنه يعكف على إنتاج وثيقة سياسية لبنانية تحاكي هواجس الأطراف وتكرس “لبنانية الحزب”، وعلى الرغم من صعوبة تصديق هذا الكلام لموانع كثيرة، إلا أن الحزب في الذكرى الـ42 لانطلاقته كفصيل يتبع للحرس الثوري الإيراني، يختبر اليوم مستوى غير مألوف من المعارك العسكرية في الميدان اللبنانية، فالحزب الذي أعلن نفسه “مقاومة وحيدة” في تصفيته للمجموعات المقاومة الأخرى في جنوب لبنان، أعاد تكريس وجوده في معاركه الميدانية مع حركة أمل فصيلاً شيعياً على الأرض.

أما في نهاية تسعينيات القرن الماضي فأعاد ترسيخ قوته بصفته المسؤول الأول عن تحرير جنوبي لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، أما في 2006 عزز دوره الداخلي في معادلة “توازن الردع” بقتاله أكثر من شهر في وجه دبابات الميركافا، ومع دخوله أتون وأد الثورة في سوريا، اكتسب مقاتلو الحزب لنحو عقد من الزمن أساليب قتالية جديدة وفّرها لهم قتال من نوع آخر على الأرض في وجه معارضة مسلحة مستجدة على القتال تواجه مجموعة طائفية متمرسة.

إضافة لتجاربه في تصدير القتال والمعارك والخلايا المتنقلة بين اليمن والعراق ودول الخليج، وبات يجاهر صاحب النفوذ الأكبر في لبنان وسوريا والعراق واليمن، من هذا المنطلق خسر الحزب كل أرصدته الشعبية التي اكتسبها جماهيرياً في دول المنطقة مع أول مجزرة ارتكبها مقاتلوه في حمص السورية، ما سبّب حالة عداء بينه وبين أكبر مكونات المنطقة وهو المكون السني.

مع زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى الإمارات، بدا حزب الله أمام مسارات جديدة وبخطاب مستحدث في تاريخ انتمائه الإيراني، عبر حديثه عن صياغة عوامل الاستمرار لليوم التالي بعد انتهاء الحرب في غزة والجنوب، وهو يوحي أن انعكاسات هذه الحرب لن يقتصر على غزة والقضية الفلسطينية فحسب، بل يطول خريطة المنطقة، وتحديداً كل ما يتعلق بمصير دول الطوق لإسرائيل. وبالتالي فإن لبنان وسوريا معنيان بشكل مباشر بأي ترتيب سياسي محتمل، لا سيما أنه من خلال وجوده في جنوبي الليطاني وقرى القنيطرة فهو يشكل خطراً على أمن إسرائيل في الجليل الأعلى والجولان.

من هنا يشيع حزب الله أجواء في الصالونات السياسية تشير إلى أنه بات بحاجة إلى استغلال الموقف والمبادرة من جهة، والتجاوب مع المبادرات من جهة أخرى، وحاجته الماسة إلى حسم كل خياراته في الشروط الموضوعة على الطاولة وأهمها حضوره الإقليمي وترسانته الصاروخية، بالإضافة إلى تنفيذ اتفاق حدودي يشبه اتفاق الحدود البحرية لتحويل المنطقة إلى منطقة آمنة لأن أقل من ذلك لن يكفي لاستكمال دورة الانفتاح وترتيب المشهد المقبل.

وثمة اعتقاد أن الخوف الأبرز الذي يواجه الحزب وقاعدته هو التهويل الحاصل والذي قد يتحول إلى اتساع مطرد في رقعة النار الإسرائيلية في ظل التباين المستمر بين إسرائيل وإدارة بايدن على كيفية خوض معركة رفح، في ظل ما يحكى عن رغبة أميركية بمنع نتنياهو من القيام باجتياح عسكري واسع لرفح. في المقابل، يسعى نتنياهو ومعه كل أركان حكومة اليمين إلى التصعيد في جبهات مختلفة للتعويض عن ذلك، ومن هنا أتت عملية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.

من هنا يحاول حزب الله اللعب على عامل الفراغ القاتل والوقت المتقطع لخلق مسارات واختراقات سياسية في سوريا ولبنان عبر مجموعة من التحركات وهي:

أولاً: يسعى حزب الله من خلال بعض الأكاديميين والمثقفين الذين يدورون في فلكه فتح ثغرة في جدار العلاقة مع بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة السورية والحوار معها في أفق الحل السياسي المحتمل في سوريا، وهذه الحوارات التي يحاول الحزب تعزيزها في المرحلة المقبلة عنوانها الرئيسي تخفيض التوتر القائم بينه وبين جزء محدد من قوى المعارضة السورية، وعلى الرغم من أن تلك الحوارات الحاصلة لم تصل إلى أي مكان لكنها جزء من سردية الحزب الحاصلة منذ معركة غزة والتي تقوم على فكرة “التوحد ضد العدو الأكبر”، وهذه التحرك يتزامن مع محاولات السعودية استضافة مؤتمرات حوار بين نظام الأسد وبين المعارضة والتي تحتاج لتنسيق مسبق مع روسيا وتركيا وقطر.

ثانياً: على المستوى الإقليمي تكرس مراكز الحوار والدراسات التابعة لحزب الله كل نشاطها الإقليمي لخلق حوارات مع مراجع دينية سنية في العالم الإسلامي بهدف تبريد الجو، وعلى الرغم من عدم استجابة الأزهر أو مراجع دينية خليجية لمشروع الحوار واللقاء، تفاعلت بعض الجماعات الإسلامية، كما شارك علماء دين مقربين من إيران في المؤتمر السنوي لاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعد سنوات من الانقطاع بسبب الثورة السورية.

ثالثاً: على المستوى اللبناني فتح حزب الله وحماس حواراً رئيسياً حول سبل استنهاض الساحة السنية اللبنانية في أي مشروع للمقاومة في المستقبل، من هنا يجري البحث عن طرق استنهاض الجماعة الإسلامية بعد مشاركتها جناحها المسلح في أعمال القتال وإطلاق الصواريخ، ورفدها على صعد عدة بهدف خلق حليف سني لبناني بعد الحرب يسهل على الحزب التغلغل بالبيئة السنية بسلاسة تامة، من هنا أتت حالة الاعتراض السياسي من نواب سنة على الجماعة لاستقطابها شبان لبنانيين من مختلف المناطق في جناحها العسكري.

وعليه فإن حزب الله المأزوم سياسياً في لبنان بعد انكفاء جزء من الحلفاء وتحديداً الحليف المسيحي جبران باسيل وتياره وتمترس المعارضة اللبنانية خلف جبهة “رفض سليمان فرنجية”، يسعى اليوم الحزب لتكريس التفاف على أزماته بالتفكير باليوم التالي في مساحات أخرى تخفف من حجم خسارته المتوقعة، لذا فإن الحزب بات يدرك أنه أمام مقصلة التاريخ المفصلية، فإما الالتحاق بقطار التسويات المنطقة الذي تسعى ايران لركوبه وإما سيخوض آخر حروبه وحيداً دون حليف وازن.

—————————–

ضد النظام.. مع سوريا/ عدنان علي

2024.04.03

لا يختلف كل من يملك حدا أدنى من العقل والضمير والرؤيا السليمة على أن النظام الحاكم في دمشق، قد ارتكب جرائم كبرى بحق شعبه، قتلا ونهبا وحبسا وتشريدا خلال العقود الماضية، وفتح البلاد بعد العام 2011 لتدخلات خارجية كثيرة، تسببت في استباحة أراضيها، وتبديد مقدراتها، وهدر سيادتها وكرامتها.

ومن هنا، نشأت وتراكمت عداوات وأحقاد ضد هذا النظام ورموزه وكل من نصره واحتشد معه لتثبيته في الحكم ضد إرادة كثير من السوريين الذين ثاروا ضده، باحثين عن الحرية والكرامة والمشاركة في السلطة والثروة التي ظلت حكرا على القلة من رموز النظام والمتمسحين به، بينما عانت الأكثرية من الحرمان والاستباحة أمام تغول أجهزة الأمن وشبيحة الاقتصاد ممن خصهم النظام بالامتيازات، على قاعدة الشراكة معهم في الاستيلاء على الثروات العامة، وكل مصادر توليد الدخل.

خلط الأمور

كل هذا وكثير غيره مفهوم ومستحق، غير أن بعضا ممن يصنفون أنفسهم في ضفة المعارضين للنظام، باتت تختلط عليهم الأمور بين معاداة هذا النظام المتجبر على شعبه، والبلد المسمى سوريا، بما يعني من أرض وجغرافيا وتاريخ، والناس الذين ما زالوا يعيشون فيه، وجلهم من المغلوبين على أمرهم، ويعانون الأمرين: ضنك العيش وسطوة النظام.

وهذا الخلط كان حاضرا في العديد من المواقف والأحداث التي مرت على البلاد خلال السنوات الماضية، من قبيل إظهار الفرح والشماتة كلما شنت إسرائيل عدوانا على الأراضي السورية، ضد ما تقول إنها أهداف لإيران وميليشياتها، برغم ما يعلم الجميع من حقيقة أن إيران وميليشياتها، ما كانت لتتدخل بهذا الحجم في سوريا خلال السنوات الماضية، لولا وجود ضوء أخضر إسرائيلي – أميركي واضح وجلي، لتمكين النظام من الصمود في وجه المعارضة، وإبقاء جمرة الحرب السورية الداخلية متقدة، بما يخدم في المحصلة إسرائيل وأهدافها، في إضعاف سوريا، وإخراجها نهائيا من معادلة الصراع مع إسرائيل.

ودليل ذلك أن إسرائيل لم تضرب أي هدف لإيران وميليشياتها في سوريا في ذروة تدخلهم لصالح النظام بين عامي 2011 و2018، وبدأت باستهدافهم بعد ذلك لأنها أرادت أن تحد من تعاظم الوجود الإيراني بعد أن أنجز مهمته في إنقاذ نظام الأسد من السقوط.

والواقع أن الفهم الصحيح يتطلب أيضا إضافة الى الحقيقة السابقة، الانتباه إلى أن إسرائيل لم تقصف يوما أي هدف لدى النظام يخص أدوات بطشه بشعبه، مثل مقارّ أجهزة المخابرات، أو ورش تصنيع البراميل المتفجرة أو الضباط الكبار الضالعين في ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري، وهي تقصف ليس فقط ما تقول إنها مواقع لإيران وميليشياتها، بل أهداف في جيش النظام ومؤسساته تخص الصراع مع إسرائيل، مثل مراكز البحوث العلمية ومواقع الدفاع الجوي والمطارات، أي أن جل ما يضرب في المحصلة هو أهداف سورية، وكثيرا ما يكون بين الضحايا مدنيون أبرياء.

بطبيعة الحال، ثمة كثيرون ممن يؤلمهم استهداف مقدرات بلدهم بهذا الشكل، خاصة مع التزام النظام بعدم الرد على هذه الاعتداءات خوفا من انخراط إسرائيل في جهود إزاحته عن السلطة، برغم ما بينهما من تفاهمات ضمنية بعدم تهديد كل جانب للآخر بشكل جدي، وهي تفاهمات تعود إلى حقبة الأسد الأب، منذ تسليمه مرتفعات الجولان لإسرائيل عام 1967 حين كان وزيرا للدفاع، واستمرت بعد ذلك وصولا إلى الأسد الابن الذي التزم بها بحذافيرها، برغم تعمد إسرائيل إهانته المرة تلو الأخرى، لعلمها بمدى عجزه ومدى تشبثه بالسلطة ولو على أنقاض البلد وكرامته الوطنية.

وبطبيعة الحال، كان الأمر سيبدو مختلفا، لو أن استهداف المصالح الإيرانية في سوريا كان بأيدٍ سورية، وليس على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يبطش اليوم بوحشية منقطعة النظر بأهلنا المدنيين في قطاع غزة، ويحتل أراضيَ سورية.

الدراما والتفاوض مع النظام

وبرز هذا الخلط أيضا بين النظام والبلد في الجدل الذي أثير مؤخرا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بشأن عرض “تلفزيون سوريا” لمسلسل “كسر عضم” بحجة أن معظم الممثلين المشاركين في المسلسل هم من الموالين للنظام، بما يسهم تاليا في الترويج لرواية النظام حول ما يجري في سوريا، وفق المنتقدين.

ودون الدخول في القضايا التي يطرحها المسلسل والتي تبدو ناقدة للوضع في سوريا، وتضيء على الفساد الذي ينخر النظام وأجهزته الأمنية، لكن ليس إلى درجة تحميل رأس النظام مسؤولية هذا الفساد، فإن عرض المسلسل بحد ذاته، وهو يعرض أيضا على العديد من المحطات التلفزيونية الأخرى، من الصعب أن يدخل في هذا التصنيف الذي يروج له المنتقدون، لأسباب عدة في مقدمتها أن تلفزيون سوريا يقول منذ البداية إنه يتوجه إلى عموم السوريين، وليس المعارضين فقط، بما لا يخرج عن مبدأ مناصرة تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والكرامة.

وفي حالة هذا المسلسل، جرى المبالغة من جانب بعضهم لدرجة الدعوة لمقاطعة التلفزيون؛ ربما لأهداف أخرى، لا علاقة لها بالمسلسل، لأن عرض مسلسل لا يساوي في الأهمية مثلا إجراء مفاوضات بين المعارضة والنظام بهدف التوصل إلى تسوية سياسية كما يحدث منذ سنوات.

ومن قال إن الموقف المعارض يقتضي مقاطعة كل ما يجري في مناطق سيطرة النظام، أو مناطق الخصم والعدو بشكل عام. وقد يعرض التلفزيون مسلسلا أو فلما أميركيا يتعاطى بسلبية مع القضايا العربية، وعليه فقط واجب الإشارة إلى ذلك، ثم يتولى محللون ونقاد تفنيد العمل من الناحية الفنية، علما أنه لا يمكن اعتبار الفنانين السوريين المشاركين في هذا العمل أو الجهة المنتجة، يمثلون فعلا رؤية النظام السوري، ولعل النظام نفسه غير راض عن هذا العمل الذي جرى تصويره بالكامل خارج سوريا.

والواقع أن مفهوم مقاطعة النظام، أو الشماتة بما يجري داخل سوريا، يكتسي بعض المراهقة وعدم النضج السياسي، خاصة في حالة الموقف من إسرائيل، حيث يجاهر بعضهم بتفضيله إسرائيل على نظام الأسد، بينما لا تولي تشكيلات المعارضة أهمية تذكر لقضية الصراع مع إسرائيل، وتترك بذلك الساحة للنظام للمزاودة في قضية مواجهة إسرائيل، برغم الخدمات الجليلة التي تقدمها له الأخيرة منذ عقود.

——————–

الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران/ زكي الدروبي

2024.04.01

يختلط الأمر على متابعي الأخبار بشأن العلاقة الإيرانية الأميركية، فهل هي علاقة عداء أم تحالف؟ ولماذا هذا التناقض الظاهر في العلاقة؟ وللإجابة على هذه الأسئلة، لابد من استعراض تاريخ الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران الخمينية.

يمكن فهم الاهتمام الأميركي بالمنطقة لامتلاكها احتياطيات النفط والغاز الضخمة، ودورها في تنمية الاقتصادات وازدهارها، ولكون النفط والغاز أحد الحوامل الرئيسية للدولار الأميركي، بعد صدمة نيكسون 1971، وإلغائه تغطية الذهب للدولار الأميركي، وبما يعزز مركزية الدولار كعملة عالمية في التجارة والأسواق، ولمنع استخدامهما كسلاح اقتصادي ضدها وحلفائها و… الخ. بالإضافة للموقع الجيواستراتيجي، وإشرافها على ممرات مائية مهمة في حركة التجارة العالمية، وبضرورة إبعاد إيران والعرب عن روسيا، فقد نبه بريجنسكي الرئيس الأميركي كارتر بأن “أكبر نقطة ضعف” للولايات المتحدة، تكمن في القوس الممتد من بنغلادش عبر الهند وباكستان إلى عدن في اليمن، ونفس النصيحة قدمها لكارتر أيضا هنري كيسنجر.

لهذا عملت أميركا على إبعاد خطر تشكيل تكتل شرق أوسطي من حواف العالم القديم (إيران وتركيا والدول العربية) يتحالف من عمق العالم القديم (روسيا)، ودعمت الانقسامات بين تركيا وإيران والدول العربية، وبين الدول العربية نفسها، وإن كان أتاتورك وخلفاؤه قد ابتعدوا عن الجنوب، فإن الشاه رضا بهلوي سعى للتمدد غربا، وأطلق عام 1935على دولته اسم “إيران”، تيمنا بالعرق الآري، وتقربا من هتلر، بسبب منع البريطانيين له من التمدد غربا وهذا ما كلفه في النهاية منصبه، بعد تدخل عسكري بريطاني روسي، واضطر للتنازل عن العرش إلى ابنه، ونفي خارج البلد، وبعد مدة انطلقت الثورة الإيرانية لتطيح بالشاه، وتأتي بأصحاب العمائم، وتعمق الشرخ مع جيرانهم العرب بشعار تصدير الثورة.

حاولت أميركا الدفاع عن حليفها الشاه الإيراني، لكنها لم تستطع إنقاذه، فخمنت بأن أصحاب العمائم لن يستطيعون إدارة الدولة، وبنفس الوقت سيكونون – بسبب مرجعيتهم الإسلامية – عائقا أمام التمدد الشيوعي.

في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، خشي ريغان الجمهوري من توجه إيران للاتحاد السوفيتي، إن تم منع تزويدها بقطع التبديل لقواتها العسكرية، فقدم لها السلاح، فيما عرف لاحقا بفضيحة “إيران غيت”، وهو نفسه – ريغان – الذي أغرق أو أصاب بأضرار جسيمة نصف الأسطول الإيراني خلال يوم واحد (عملية فرس النبي 18 نيسان\ أبريل 1988).

وسمح بوش الأب الجمهوري للشركات الأميركية باستيراد النفط الإيراني، وعملت إدارته على دعم إصدار تقرير نهائي من الأمم المتحدة ألقى باللوم على العراق لإشعاله الحرب الإيرانية\العراقية، وسعت إدارته أيضاً إلى إقناع إيران بلعب دور في حرب الخليج.

وفي عهد الديمقراطي بيل كلينتون، ورغم رؤية إدارته آنذاك، بأن إيران وراء عمليات حماس الانتحارية في إسرائيل في آذار\ مارس 1996، ووراء تفجير قاعدة الخبر السعودية ومقتل 19 أميركيا في حزيران\يونيو من نفس العام، وغيرها من العمليات الإرهابية، وسعيها لتطوير برنامجها النووي، لكن الرد اقتصر على إصدار أمر تنفيذي بقطع كلفة أشكال التجارة والاستثمار مع إيران من قبل الشركات الأميركية، ومن ضمنها طبعا مشتريات النفط الإيراني، والتي كانت تشكل حوالي 20% من صادرات إيران.

وحسب ديفيد هيل وكيل وزارة الخارجية الأميركية الأسبق، تحولت سياسة إدارة كلينتون تجاه إيران من الضغط والاحتواء، إلى المغازلة العلنية مع انتخاب محمّد خاتمي رئيساً لإيران، والقادم مما كان يسمى “المعسكر المعتدل”، وساهمت في تعزيز المعسكر السوري – الإيراني في لبنان من خلال مراعاة الأسد على مدار ثماني سنوات في التسعينات خلال مفاوضات السلام، وغضّ الطّرف عن سلاح “حزب الله”، والذي تحول من حالة إرهابية خطيرة إلى قوّة وطنيّة وإقليميّة كبيرة، واستمر الدبلوماسيون الأميركيون يؤكدون على ضرورة تطبيق اتفاق الطّائف، وتجريد الميليشيات من سلاحها “حزب الله”، وانسحاب القوّات الأجنبية “إسرائيل وسوريا”، إلا أنها بقيت أقوالا فارغة دون أي فعل.

مع وصول بوش الابن للسلطة، وبعد أحداث 11 أيلول\ سبتمبر 1991، أظهر الإيرانيون رغبة في التعاون مع أميركا ضد عدوهم المشترك “طالبان”، وخلال اجتماعات سرية بين مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين ونظرائهم الأميركيين في جنيف، قدموا للأميركيين خرائط ومعلومات تفصيلية عن قوات طالبان وتحركاتها، وأعطوهم نصائح بكيفية التعامل معهم، حسب “ريان كروكر” وكان آنذاك مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية الأميركية.

وفي العراق وبعد انهيار نظام صدام، أرسل “كروكر” إلى بغداد لتشكيل مجلس الحكم العراقي، ومرر لسليماني أسماء المرشحين الشيعة المحتملين للمجلس، من خلال سياسيين عراقيين، وعند التشكيل تخلى عن المرشحين الذين وجدهم سليماني مرفوضين بشكل خاص، وقال “كروكر” إن “تشكيل مجلس الحكم كان في جوهره مفاوضات بين طهران وواشنطن”.

 وبعد وصول أوباما للحكم، أطلق يد إيران في المنطقة مقابل الاتفاقية النووية، وقال في نهاية عام 2014 إن “إيران يمكن أن تصبح قوة إقليمية ناجحة للغاية إذا وافقت طهران على اتفاق طويل الأمد لكبح برنامجها النووي”.

في اليمن، لم تقدم إدارة أوباما أي دعم لجهود مكافحة التمرد الحوثي الذي تمدد واحتل العاصمة اليمنية أواخر 2014، وحين تحركت السعودية ومعها التحالف العربي لحماية أمنها القومي، مارست أميركا الضغوط لإيقاف الحرب، وعندما كانت القوات المشتركة على مشارف تحرير الحديدة، واقتربت لحظة الحسم، ازدادت الضغوط، وتعالى صراخ الغرب محذرين من “مأساة إنسانية وشيكة”، و”موت محدق بالملايين جراء المجاعة باعتبار الحديدة شرياناً حيوياً للعون الإنساني”، وتحولت الحديدة فيما بعد إلى شريان رئيسي للحرس الثوري الإيراني، وحزب الله لإمداد الحوثي بالأسلحة والصواريخ والمسيرات التي يهدد بها اليوم أمن الملاحة العالمي، ورغم استهداف صواريخ ومسيرات الحوثي لعدة سنوات منشآت حيوية في السعودية، إلا أن الإدارة الأميركية لم تفعل ما ينبغي لحماية حليفتها، واستمرت في مغازلة الإيراني.

وفي الوقت الذي عمل فيه ترامب على محاصرة إيران بالعقوبات، وقتل أحد أهم الشخصيات العسكرية الإيرانية (قاسم سليماني)، قام في أيار 2020 بسحب أنظمة صواريخ باتريوت، وبعض الطائرات والجنود، الذين نشروا في المملكة العربية السعودية في أيلول 2019 عقب الهجمات الحوثية على منشآت نفطية وحيوية سعودية، كرسالة للسعودية بسبب عدم تعهدها تخفيف الإنتاج وتخفيض أسعار النفط، والتي سببت مشاكل للشركات الأميركية.

    الاستراتيجية الثابتة للولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران، هي الاحتفاظ بها ضمن محورها، أو على حيادها ومنعها من الارتماء في حضن آخر غير حضنها، واستخدامها فزاعة ضد جيرانها العرب

وفي عهد بايدن سحبت الولايات المتحدة أنظمة الدفاع الجوي، وبطاريات باتريوت من المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي كانت فيه ميليشيات الحوثي تستهدف منشآت حيوية ونفطية سعودية وإماراتية، وفي عهده أيضا، تم تحرير 6 مليار دولار إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية مقابل تحرير خمسة سجناء أميركيين في إيران، وكان بايدن قبلها قد أفرج عن مبلغ مليارين و700 مليون دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في العراق في حزيران\يونيو 2023، ثم تلاها الإفراج عن مبلغ 10 مليارات دولار لطهران من العراق في تموز\يوليو 2023، كما ارتفعت صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير خلال الفترة الماضية في محاولة أميركية لتعويض النقص في إمدادات الطاقة بسبب حرب أوكرانيا، والعقوبات على النفط الروسي.

من الاستعراض السابق، نجد أن الاستراتيجية الثابتة للولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران، هي الاحتفاظ بها ضمن محورها، أو على حيادها ومنعها من الارتماء في حضن آخر غير حضنها، واستخدامها فزاعة ضد جيرانها العرب، كجزء من استراتيجيتها العالمية لمحاصرة المنافسين الصاعدين للولايات المتحدة سواء روسيا أو الصين، عبر أساطيلها البحرية ونفوذها في دول القوس الجنوبي على المحيط الهادئ، بدءا من بحر اليابان مرورا ببحر الفلبين وبحر الصين الشرقي والجنوبي وخليج البنغال وصولا إلى بحر العرب.

——————–

شظايا القنصلية الإيرانية/ إبراهيم العلوش

07/04/2024

يشكو السوريون من تجاهل معاناتهم من وراء قصف المواقع الإيرانية، وآخرها قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي كان قريبًا من أحد قصور الأسد، فهل أصابت شظايا القصف قصر الأسد المطل على المكان؟

في 1 من نيسان الحالي، قصفت طائرة “F35” مبنى ملاصقًا للسفارة الإيرانية على أوتوستراد المزة بدمشق، وقتلت نحو 15 شخصًا، أبرزهم الجنرال محمد رضا زاهدي وعدد من معاونيه، ويعتبر زاهدي بمنزلة المندوب السامي الإيراني في سوريا ولبنان. وتم القصف في غفلة من رادارات نظام الأسد وأعوانه الروس.

يتجاهل نظام الأسد القصف شبه اليومي على مواقع في دمشق وغيرها من المدن السورية، ولم يخرج الأسد إلى العلن، ولم يستنفر بقايا جيشه من أجل الرد على انتهاك السيادة السورية، كما تردد وسائل إعلام النظام، بينما كنا نجده يخرج بشكل شبه يومي عندما خرج السوريون للتظاهر مطالبين بالإصلاح، وكان يتمرجل على المتظاهرين بإطلاق النار عليهم وإلقاء الخطابات وتحشيد “الشبيحة” وعناصر المخابرات والجيش ضد المتظاهرين السلميين.

وابتكر في أثناء مقابلاته المطولة تلك تعابير مثل “المؤامرة الكونية”، و”البكتيريا”، و”الإرهاب”، و”سندويش بندر”، حتى وصل إلى مصطلح “هندسة السكان” (الطائفية)، وما إلى ذلك مما كان يردده مع أعوانه الإيرانيين وجماعة “حزب الله” والقاعدة الاستعمارية الروسية في حميميم.

إذًا، لم يخرج بشار الأسد للدفاع عن الإيرانيين، ولم يلقِ خطابًا تاريخيًا في رثاء المندوب السامي الإيراني الذي قتل في أوتوستراد المزة، وعلى بعد عدة مئات من الأمتار عن قصر “الشعب”، أو عدة كيلومترات عن أبعد مقر له في دمشق. هل نتوقع أن الشظايا المتطايرة من مقر المندوب السامي الإيراني لسوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي قد طالت بشار الأسد؟

الإصابات الدقيقة في القصف تدل على وجود مصادر مخابراتية متعددة ومن قلب المكان، وهذا ما تصرح به بعض القيادات الإيرانية، في تلميح صار شبه علني إلى ضلوع نظام بشار الأسد في تسريب معلومات الاجتماعات ومواعيدها وتحرك الشخصيات الإيرانية، خاصة أن المنطقة المقصوفة تعج بفروع المخابرات المدججة بكل أنواع أجهزة التنصت والمراقبة.

استعان بشار الأسد بالإيرانيين من أجل استكمال مشروع الهندسة السكانية في سوريا والتخلص من “الخونة والعملاء”، الذين وصل عددهم إلى نصف عدد السوريين، بحسب ما تبرزه إحصاءات اللاجئين والمهجرين في المدن والبلدان المختلفة، عدا عن القتلى والمختفين في سجون المخابرات الذين وصل عددهم إلى مليون سوري.

شهدت منطقة بلاد الشام والعراق صراعًا طويلًا بين عرب الغساسنة الذين كانوا يحاربون لمصلحة الرومان، وعرب المناذرة الذين كانوا يحاربون لمصلحة الفرس، وكانت الحروب لا تنتهي بينهما قبل الإسلام، ولكن الاجتياح الإيراني لبلاد الشام الذي تسبب به نظام الأسد لم يحصل تاريخيًا مثله منذ انتصار المناذرة على الغساسنة قبل نحو قرن من ظهور الإسلام، وقد اجتاحوا بلاد الشام لمصلحة الفرس في “يوم حليمة” حيث وصلوا إلى بصرى الشام، والمناذرة كانوا أشبه بـ”الحشد الشعبي العراقي” والميليشيات الإيرانية التي تهيمن على العراق، وتجتاح سوريا لمصلحة الدولة الفارسية.

وهذا ما دفع المرشد الإيراني خامنئي إلى تقليد قاسم سليماني وسام “ذو الفقار” وتم تلقيبه بـ”داريوس الصغير”، لأنه استعاد الأمجاد الفارسية في العراق والشام وبلدان أخرى. رغم أن مجيء الإسلام قوض النفوذ الفارسي والنفوذ الروماني، وذابت حروب الوكالة بين الغساسنة والمناذرة، ولكنها اليوم تتجدد مع الميليشيات الإيرانية، ويتسع نفوذها إلى أبعد من انتصارات “يوم حليمة” ليصل إلى بيروت، وكما قالت العرب، “ليس يوم حليمة بسر”، كذلك فإن النفوذ الفارسي لم يعد سرًا.

صحيفة “الجريدة” الكويتية نقلت، في 4 من نيسان الحالي، عن مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن نظام الأسد متواطئ في قتل المسؤولين الإيرانيين، وقد قام سابقًا بعرقلة التحقيق المشترك حول مقتل الجنرال رضا موسوي خلال العام الماضي، ورجحت المصادر أن يكون الأسد شخصيًا متورطًا في هذا التسريب، سواء كان عن طريق أجهزة مخابراته، أو عن طريق العسكريين السوريين العاملين مع روسيا.

شظايا القصف على القنصلية الإيرانية أصابت السوريين الذين لا يتفقد أحوالهم أحد، لأن نظام الأسد ضحى بمصيرهم وبمصير كل السوريين باستقدام الإيرانيين لحماية كرسيه، ولكن الشظايا هذه المرة ربما أصابت الأسد أيضًا، فالاتهامات بالتواطؤ لا تغيب عن الإيرانيين ولا عن المحللين.

نظام الأسد مستفيد من طرد الإيرانيين وميليشياتهم إذا ضمن الولاء الإسرائيلي والعربي له، وإذا تمت عملية إعادة تدوير نظامه، خاصة أنه رجع إلى الجامعة العربية بتعهدات سرية ليست لمصلحة الإيرانيين حتمًا، فهل آن أوان دفع ثمن التطبيع العربي مع نظامه بالتواطؤ على الإيرانيين الذين أنقذوا نظامه مع الروس؟

————————–

قلق متصاعد في سوريا من استخدام دمشق “ساحة للرد الإيراني”/ مصطفى رستم

يرى الشارع أنه حان الوقت لتطبيق شعار وحدة الساحات في حين تحدث مراقبون عن فقدان عبارات التهديد “صدقيتها”

الخميس 11 أبريل 2024

ملخص

تحدث مراقبون عن سيناريوهات “إما الرد بالمثل أي عبر استهداف مباشر لمقار السلك الدبلوماسي الإسرائيلي في أحد بلدان العالم، أو الرد من أراض سورية أو لبنانية أو عراقية

للوهلة الأولى ظن السوريون أن نبأ قصف السفارة الإيرانية “كذبة الأول من أبريل”، إذ حصل القصف في هذا التاريخ، لكن أهل حي المزة الدمشقي وسط العاصمة كانوا الأقرب من حقيقة المشهد، بعدما سوت ضربة تل أبيب البناء المجاور لمبنى السفارة أرضاً، المكان المخصص لإقامة السفير الإيراني، مستهدفة قادة فيلق القدس من أبرزهم محمد رضا زاهدي ونائبه.

“أسبوع قضى وما زال يترقب الإسرائيليون والأميركيون الرد الآتي، حتى فقدت عبارات التهديد الكثيرة هيبتها”، بحسب أوساط سياسية سورية انتقدت “تكرار التهديدات الإيرانية التي لم ترق إلى مستوى التنفيذ”، بينما يرى السفير الإيراني لدى سوريا حسين أكبري أن إسرائيل “خائفة للغاية من انتقام إيران الحاسم”، محذراً الدول الأعضاء في مجلس الأمن والأمم المتحدة من “السكوت على الجرائم”، بحسب وصفه.

في المقابل قدر رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد حسين باقري رد بلاده بأنه سيكون “بأعلى نسبة من الضرر”، ولم يخف اقتراب موعد الرد وذلك خلال تشييع زاهدي، قائلاً “نحن من يحدد الزمان ونوعية الرد، وسنقوم به في الوقت المناسب”. في حين تتأهب الولايات المتحدة للرد، وتوقع مسؤول كبير في الإدارة الأميركية رداً إيرانياً خلال هذا الأسبوع.

وبالنسبة إلى خريطة الرد الإيراني ومداه، تحدث مراقبون عن سيناريوهات “أشبعت دراسة إما الرد بالمثل أي عبر استهداف مباشر لمقار السلك الدبلوماسي الإسرائيلي في أحد بلدان العالم، وهو الخيار الأقرب ولكن ليس سهلاً، وكذلك ليس في متناول اليد خصوصاً مع زيادة التشدد الأمني الحالي، أو الرد من أراض سورية أو لبنانية أو عراقية، وهو الخيار الأقرب والمتوقع”.

وبحسب خبراء عسكريين، “في حال اتخاذ طهران أراض غير أراضيها مجالاً حيوياً لشن أي هجوم، فهذا يعد استمراراً لنهج الرد عبر أذرعها في المنطقة، والاستمرار بسياسة حرب الوكالة المتبع منذ زمن. في حين يتوقع الشارع الإيراني من السلطات موقفاً أكثر صرامة، إذ جاءت الضربة كصفعة في عقر دار الدبلوماسية المحظور ضربه بالقوانين الدولية”.

وثمة حقيقة لا يمكن إغفالها حيال تأخر إيران بالرد المنتظر بعد كل هذه المدة، بحسب خبراء عسكريين، “كتكتيك يهدف إلى جعل الرد مفاجئاً للمعنيين وللرأي العام”. وتطرقت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء إلى اقتراب الرد الإيراني، وحددت مصادر خاصة أماكن عسكرية وحكومية على الأراضي الإسرائيلية يمكن استهدافها بصواريخ عالية الدقة أو بطائرات من دون طيار خلال الأيام القليلة المقبلة. في حين كتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر حسابه على منصة “إكس” إن “إسرائيل سترد وتهاجم إيران في حال شنت إيران هجوماً من أراضيها”.

يوم مقتل قاسم سليماني في الثالث من يناير (كانون الثاني) من عام 2020 من الولايات المتحدة، لم ترد بشكل سريع لكن جاء الرد بطريقة مباشرة وعلى أراض عراقية ومقتصراً على هدف أميركي بهجوم على قاعدتين للقوات الأميركية غرب العراق بـ12 صاروخاً بالستياً، أدت إلى حدوث أضرار في القاعدتين (عين الأسد وحرير) وإصابة جنود أميركيين، بعدها طالبت بالتهدئة.

في المقابل كشف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سراً في خطاب موجه لداعميه بالانتخابات الرئاسية، أنه “كان عليهم أن يردوا لحفظ ماء وجههم، وهذا أمر طبيعي، ثم أبلغونا أنه سيتم إطلاق 18 صاروخاً على قاعدة أميركية في العراق عين الأسد، لكنها لن تستهدفها مباشرة بل ستستهدف محيط القاعدة”.

وعلى رغم الاختراقات الأمنية التي تتوالى على القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها، والضربات المتلاحقة على مواقعها في شمال وجنوب سوريا، تظل هي الأرض المواتية لشن هجمات من المتوقع أنها محدودة وسريعة، والأقدر على التحرك بحرية تامة.

ولعل زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق الأخيرة وتدشينه مقر القنصلية الجديد، تأتي لدراسة طريقة الرد وشكله النهائي. وفي حال كان الرد عبر الأراضي السورية، فنحن أمام سيناريو خطر وأيام ساخنة، وفق السياسي العراقي غيث التميمي، الذي كتب عبر صفحته الخاصة “احتمالية الرد الإيراني في الجولان السوري المحتل واردة جداً في سياق زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق، لكن في حال وقوع هذا السيناريو فإنه يعني تسليم سوريا لإسرائيل بعد غزة”.

ويعتقد الباحث في الشؤون الإيرانية نبيل العتوم أن “محاولة الحديث عن ضربة من الداخل الإيراني، يدفع إسرائيل إلى الرد بضرب برامج إيران الثلاثة النووي والصاروخي والطائرات المسيرة، ولعل وقف إطلاق النار في غزة هو ثمن اشتراط على إيران بعدم الرد وتلميع صورة إيران”.

——————–

ضربة القنصلية تكشف عن “فجوة اتصالات” بين واشنطن وإسرائيل

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) يشعرون بالإحباط لأن إسرائيل لم تخطر الولايات المتحدة قبل شن هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق.

ونقلت الصحيفة عن 3 مسؤولين أمريكيين، اليوم الجمعة، أن وزير الدفاع، لويد أوستن وغيره من كبار مسؤولي الدفاع يعتقدون أنه كان ينبغي على إسرائيل إبلاغهم مسبقاً بسبب آثار الضربة على القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة.

“المعرفة المسبقة كانت ستسمح للبنتاغون بتعزيز دفاعات الأفراد الأمريكيين”، حسب أحد المسؤولين.

وكانت ستتيح لهم أيضاً “وضع الأصول، بما في ذلك السفن الحربية التي تحمل أنظمة دفاع صاروخية، بطريقة يمكن أن تساعد في حماية كل من إسرائيل والقوات الأمريكية من الرد الإيراني المحتمل”.

ومنذ الضربة التي حصلت في الأول من أبريل وأسفرت عن مقتل 7 قادة من “الحرس الثوري” تهدد إيران بالرد وتقول إنه “قادم وقريب”.

وعلى أساس ذلك دخلت إسرائيل في “حالة تأهب”.

وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة، التي بعثت بقائد قيادتها المركزية إلى تل أبيب أمس الخميس، لبحث الاستعدادات.

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين لـ”واشنطن بوست” إن الوزير أوستن اشتكى مباشرة إلى نظيره الإسرائيلي، وزير الدفاع يوآف غالانت، خلال مكالمة هاتفية في 3 أبريل/نيسان، حول قضية “عدم الإخطار” المسبق بالضربة.

ولم تكشف قراءة البنتاغون للمحادثة عن هذه التفاصيل.

واكتفت بالقول في وقت سابق إن أوستن “أكد دعم الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل ضد مجموعة من التهديدات الإقليمية”.

وتزيد هذه الحادثة من حدة التوترات الشديدة بالفعل بين واشنطن وأقرب حلفائها في الشرق الأوسط بشأن الحملة التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، وتسلط الضوء على “فجوة في الاتصالات”.

وكثف المسؤولون الأمريكيون انتقاداتهم لطريقة تعامل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الحرب، وما يقولون إنه فشل إسرائيل في حماية المدنيين وضمان حصول سكان غزة على ما يكفي من الغذاء والماء والرعاية الطبية.

وقال الميجور جنرال باتريك رايدر، المتحدث باسم البنتاغون، إن الجنرال مايكل إريك كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، كان في إسرائيل يوم الخميس.

وأضاف أن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ضد التهديدات من إيران ووكلائها هو “صارم، وسأترك الأمر على هذا النحو”.

واتخذت إسرائيل خطوات تشير إلى أنها تستعد للرد الإيراني، بما في ذلك وقف إجازات جنود الاحتياط وتعزيز وحدات الدفاع الجوي.

وكتب وزير دفاعها غالانت على “إكس” يوم الخميس أنه تحدث مرة أخرى مع أوستن و”عرض بالتفصيل استعداد إسرائيل واستعداداتها للدفاع عن مواطنينا”.

وأضاف أن “إسرائيل لن تتسامح مع أي هجوم إيراني على أراضيها. إن الهجوم الإيراني المباشر سيتطلب رداً إسرائيلياً مناسباً ضد إيران”.

وجاء في بيان “البنتاغون” لمكالمتهم أن أوستن أبلغ غالانت أن “إسرائيل يمكن أن تعتمد على الدعم الأمريكي الكامل للدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية”.

————————————

أين وصلت تهديدات إيران بالرد على ضربة القنصلية بدمشق؟

يواصل المسؤولون الإيرانيون إطلاق التهديدات المتعلقة بالرد على ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، في وقت تؤكد إسرائيل على “حالة التأهب” من جانبها، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

وقالت مصادر إيرانية لوكالة “رويترز“، اليوم الجمعة، إن طهران نقلت لواشنطن أنها سترد على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها “على نحو يستهدف تجنب تصعيد كبير”.

وأضافت المصادر أن “طهران لن تتعجل”، في وقت تضغط فيه لتحقيق مطالب تتضمن إحلال هدنة في غزة.

المصادر أشارت إلى أن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، نقل رسالة إيران إلى واشنطن في أثناء زيارته الأخيرة إلى سلطنة عمان، والتي كثيراً ما توسطت بين طهران وواشنطن.

واعتبرت “رويترز” أن الرسائل الدبلوماسية مؤشراً عن نهج حذر تتبعه إيران.

ويأتي ذلك في وقت تحسب فيه (إيران) كيفية الرد على هجوم الأول من أبريل على نحو يردع إسرائيل عن الإقدام على أعمال أخرى كهذه لكن يتفادى تصعيداً عسكرياً قد تنجر إليه الولايات المتحدة.

ماذا عن إسرائيل؟

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانييل هاغاري في مؤتمر صحفي إن إسرائيل “في حالة تأهب ومستعدة للغاية لمختلف السيناريوهات، ونحن نقوم بتقييم الوضع باستمرار”.

وأضاف حسبما نقلت عنه صحيفة “تايمز أوف إسرائيل“: “نحن مستعدون للهجوم والدفاع باستخدام مجموعة متنوعة من القدرات التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي”.

كما تابع بالقول: “ومستعدون أيضاً مع شركائنا الاستراتيجيين”، في إشارة إلى قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا، الذي وصل إلى إسرائيل، صباح الخميس.

وجاء وصول كوريلا بهدف إجراء تقييم مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق هرتسي هاليفي “حول التحديات الأمنية المستمرة في المنطقة”، وفق وسائل إعلام عبرية.

ونقلت “تايمز أوف إسرائيل” عن هاغاري قوله أيضاً: “علاقتنا الاستراتيجية مع القوات المسلحة الأميركية قوية ومتماسكة”.

واعتبر أن “الهجوم من الأراضي الإيرانية سيكون دليلاً واضحاً على النوايا الإيرانية لتصعيد الوضع في الشرق الأوسط والتوقف عن الاختباء خلف الوكلاء”.

وفي حديثه مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مساء الخميس، أكد وزير الدفاع يوآف غالانت مرة أخرى أن “إسرائيل لن تتسامح مع أي هجوم إيراني على أراضيها”، وشكره على تعاون الولايات المتحدة المتزايد.

وفي قراءة للمكالمة، قال مكتب غالانت إنه أبلغ نظيره الأمريكي أن “الهجوم الإيراني المباشر سيتطلب رداً إسرائيلياً مناسباً ضد إيران”.

وجاء ذلك بعدما توعد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، إسرائيل مجدداً أنها سوف “تنال العقاب”.

وأشار إلى أن “القنصليات والسفارات في أي دولة هي بمثابة أراض لتلك الدولة والهجوم على قنصليتنا يعني الهجوم على أراضينا”.

وكانت ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق قد أسفرت عن مقتل 7 قادة من “الحرس الثوري” الإيراني، أبرزهم محمد رضا زاهدي.

وهي الهجوم الأول من نوعه على هذا المستوى، حيث كانت جميع الاستهدافات الإسرائيلية السابقة تطال قادة بعينهم داخل شقق سكنية أو ضمن مواقع عسكرية.

——————————-

==================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى