سياسة

في البحث عن حل،  “الثورة السورية في عامها الـ 13”

المعارضة واختلاجات الحل في سوريا/ فايز سارة

28 أذار 2024

عدا عن أن الأمر يستحق أن يكون مطروحاً، فإن مناسبة الذكرى السنوية الـ13 لثورة السوريين ضد النظام السوري، حركت نقاشات سورية وعربية ودولية حول ضرورة الوصول إلى حل في سوريا بعد كل ما أصاب السوريين وبلدهم من كوارث وأذيات، يصعب تصورها، وليس معايشتها على نحو ما حدث، خصوصاً أن بابها لا يزال مفتوحاً على الأسوأ، بما يشبه كرة الثلج وهي تتسارع في المتحدر.

ولا يحتاج إلى تأكيد، أن الجميع يعرفون بالتجربة والبرهان، ومنذ العام الأول لثورة السوريين، أن النظام السوري أعاق حصول أي تسوية في سوريا، مصرّاً على الذهاب إلى الحل الأمني – العسكري نحو نهايته، وهو ما أكدته تجارب الدول التي قامت بمبادرات حل وبينها المملكة العربية السعودية والأردن، وتركيا، ووصلت إليه تجارب المبعوثين إلى سوريا من محمد الدابي إلى كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي ودي مستورا، وصولاً إلى المبعوث الحالي غير بيدرسون الذي يتحاشى إعلان فشله أملاً في الاستمرار بوظيفته، وما توفره من مزايا ليس إلا.

وسط معرفة العالم رفض النظام السوري الذهاب إلى حل، ووسط دعم روسي وإيراني غير محدود ومساندة صينية معلنة لموقف النظام من الحل، مضت السنوات الـ13 من دون تحقيق أدنى تقدم في الموضوع، بالتزامن مع تأكيد روسيا رفض التدخلات الدولية من جهة، وضرورة أن يكون الحل سورياً – سورياً من خلال تفاهم النظام والمعارضة، رغم وصف موسكو أغلب قوى المعارضة بـ«الإرهاب» و«الارتباط بالغرب»، باستثناء المحسوبة عليها مثل منصة موسكو والجماعات المشاركة في «أستانا»، وكل ما سبق يؤكد أن موقف روسيا غير متوازن ومنحاز وغير عملي في موضوع الحل السوري.

ويتصف الموقف الأميركي – الأوروبي بصدد الحل بـ«الالتباس»، وهي سياسة غالباً ما كانت حاضرة حتى في الأوقات التي بلغت فيها سياسة الطرفين حد الحسم، وبدل الذهاب إلى حل في سوريا، تم التوصل إلى اتفاق حول كيماوي النظام أقل ما يمكن القول فيه إنه كان لصالح النظام، إن لم نقل إنه شجع النظام على استخدام الكيماوي مرات كثيرة لاحقاً حسب تأكيدات دولية معلنة، وكان الأغرب في الموقف الأميركي – الأوروبي نصائح الطرفين للمعارضة السورية القريبة منهم، وهي الائتلاف الوطني، أن يتواصلوا مع روسيا، وأن يتفاعلوا مع أطروحاتها.

وإذا كانت قد تغيرت موازين العلاقات الغربية – الروسية في السنوات الأخيرة، وتحولت من التفاهمات إلى المواجهات على جبهة الصراع في الحرب الأوكرانية، فإن الموقف الأميركي – الأوروبي لم يشهد تغييرات جوهرية، بل حافظ على مبدأ أنه لا حل قريباً، وأضاف أنه لا تطبيع مع النظام، وأكد أن الحل يجب أن يستند إلى القرار الدولي 2254، وتوج الأمر بفرض عقوبات أميركية – أوروبية على النظام بأشخاصه ومؤسساته، أثبت النظام أنه قادر على تجاوزها على نحو ما يفعل حلفاؤه الروس والإيرانيون، بل أكثر؛ لأن النظام ليس لديه ما يخسره.

لقد سعت مبادرات إقليمية عربية – تركية في السنوات الأخيرة لفتح ثغرات في الجدار الصلب لرفض النظام للحل السوري عبر عودته إلى الجامعة العربية، وبدء تطبيع العلاقات معه، لقاء قيامه بخطوات تغييرية في علاقاته الإقليمية وأخرى في مساره نحو الحل، غير أن النتائج لم تتجاوز اللقاءات البروتوكولية والأمنيات التي لم تبدل في سياسات وتوجهات دمشق.

وسط العبث الإقليمي والدولي، ورفض النظام التعامل الإيجابي مع الحل، تتواصل مساعٍ سورية تبذلها شخصيات وقوى في المعارضة، وسط مزاعم عن تأييد أو تشجيع غير معلن من أطراف إقليمية ودولية لمبادرة باتجاه حل سوري – سوري يبدأ مع النظام في دمشق، ويطور تفاهمات تحقق خرقاً في الانسداد القائم، وتشجع الأطراف المختلفة على الانخراط في مسار حل، يوقف الكارثة السورية التي غمرت الشعب والبلد على السواء.

ورغم أن الفكرة قد لا تتجاوز حدود الأمنيات مقارنة بالوقائع والمواقف المعروفة، فإنها تثير كثيراً من ملاحظات عامة، وأخرى تتصل بالطرفين المعنيين، حيث المعارضة بما فيها من شخصيات وممثلي جماعات، والنظام السوري في الجهة المقابلة، وكلها تجعل السير نحو الحل صعباً؛ لأن من يسير في هذه الطريق عليه أن يفكر باحتمالاته وتكاليفه، ومن سوف يدفعها.

أولى الملاحظات العامة أن الموضوع السوري صار في أدنى اهتمامات المحيط الإقليمي والدولي المنشغل بصدامات عنيفة؛ أحدها يمس الاستقرار الأوروبي، ويهدد بتوسع الحرب الأوكرانية إلى شاملة ومدمرة، وحرب إسرائيل ضد الفلسطينيين، ورغم أن من الصعب تجاوز الحربين، فإن لدى الأطراف الإقليمية والدولية مسائل أخرى تشغلها، منها الصراع الصيني – الأميركي في جنوب شرقي آسيا، ومشروع إيران النووي وتمددها وميليشياتها في الخريطة العربية.

الملاحظة العامة الثانية تمثلها الصعوبات السياسية والمادية المحيطة بالحل الذي راكم وقائع وحيثيات بينها تعدد وتنوع أطراف الصراع والقوى الإقليمية والدولية المتدخلة فيه، وفي الحالتين ثمة قوى كثيرة، وقوى رئيسية، وقوى فرعية، ولا شك أن أغلب القوى الرئيسية، وإن كانت غير قادرة على الوصول إلى حل، فإنها يمكن أن تربك إذا طرح، وقد تعطله، وثمة تجارب شاهدة في المسار السوري وفي مسار الجوار اللبناني.

ولا تقلّ الصعوبات المادية أهمية عن شقيقتها السياسية، حيث تحولت سوريا إلى بلد مدمر في معظم المستويات وكل القطاعات، ومنها السكن والتعليم والقضاء والصحة والمرافق والخدمات والأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية على السواء، ولا تتوفر معطيات رقمية حول مقدار الخسائر التي لحقت بالبنية المادية، وتتراوح تقديرات كلفة إعادة الأعمار ما بين 600 و1400 مليار دولار.

وأبرز الملاحظات المتصلة بأطراف الحل اثنتان؛ أولاهما أن الطرفين ليس لهما فاعلية ودور عملي في الحل، بعد أن دمرا في السنوات الماضية أي إمكانية للحصول على ثقة السوريين والعالم، فصار الطرفان خارج الحسابات، وصار القرار مسؤولية قوى خارجية، حيث الروس والإيرانيون على رأس النظام، وتركيا وأمريكا وهامش عربي محدود على رأس قسم كبير من المعارضة، ولا شك أن تعرض النظام والمعارضة لضغوطات شديدة يمكن أن يقود أياً منهما، وبخاصة التشكيلات المسلحة، إلى انشقاقات وصراعات داخلية دموية.

وإذا كان لا بد من تدقيق في وضع مجموعة المعارضة الساعية إلى حل مع النظام، فإن هيكلها الأساسي يشمل شخصيات من الائتلاف وتشكيلات قريبة منه، أبرزها الهيئة العليا للمفاوضات واللجنة الدستورية ومجموعة أستانا، وغالبية هؤلاء ممن تبادلوا الأدوار في قيادات المعارضة منذ تشكيل الائتلاف الوطني عام 2012، وأغلبهم له علاقات بمديري الملف السوري في الدول المتدخلة في سوريا، ولا سيما تركيا والولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الأوروبية والعربية، والشائع أن معظم المستقلين لهم مثل تلك الروابط، ويرغبون في لعب دور قيادي في المرحلة المقبلة.

وبغض النظر عما يقال في موضوع سعي غالبية المجموعة للتمسك بمناصبهم ودورهم والعمل للبقاء في مركز القرار، فإن من المهم الإشارة إلى مسار تحالفاتهم المتبدلة داخل الائتلاف والتشكيلات القريبة منه، وعلاقاتها مع تشكيلات الظل الإسلامية، ثم التوقف عند إجمالي تجاربهم في المسؤوليات القيادية، التي تولوها في سنوات العقد الماضي، والتي لم تتمخض عن نتائج ذات أهمية كما في «أستانا» واللجنة الدستورية، وقد عملوا على استمرارها سنوات تحت حجج وادعاءات، تقارب الادعاءات، التي يروجونها في سياق تبرير مساعيهم فتح خط مفاوضات مع النظام بدمشق، وهم يعرفون أن محادثات المعارضة مع النظام، لن تكون لها نتائج ذات معنى حول الحل في سوريا.

كلمة أخيرة، تستحق أن تكون خاتمة، خلاصتها أن ما من معارضة في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مهما كانت قوية، استطاعت تغيير أو إسقاط نظام في أي بلد من دون الاستعانة بطرف أو أطراف من الجوار أو الأشقاء والأصدقاء. فكيف إذا كانت المعارضة في ضعف ودمار وأمراض المعارضة السورية؟!

إن القدرة على التغيير مرهونة بمعرفة الواقع والعمل الجدي على تغييره، بما يضمن خلق أدوات ومسارات توفر فرصة الوصول إلى الأهداف.

الشرق الأوسط

————————————

سوريا.. سيناريوهات في الأفق البعيد/ بشير البكر

الإثنين 2024/02/26

تقادم الوضع في سوريا، وبلغ درجة كبيرة من التعفن والإهمال. وأصبحت المنطقة التي كانت مركز تأثير كوني، معزولة منسية، مستباحة للقوى الدولية الاقليمية، ومصنفة عالمياً على أنها ساحة للارهاب، وتصنيع وتوريد المخدرات. وعلى هذا باتت محاولة استشراف المستقبل معقدة. ليس بوسع أحد، مهما امتلك الخبرة والمعلومات، أن يتنبأ، ولو على نحو تقريبي، بما يمكن أن يحدث خلال الأعوام الخمسة المقبلة. ويبدو أنّ كل تشخيص للموقف، هو من قبيل طرح الاحتمالات، وتخيل السيناريوهات الممكنة، على مدى عقد من الزمن. وما يجمع بين القراءات كلها هو عدم الجزم، كون البلد أصبح أرض رمال متحركة، قابلة لأن يعاد تشكيل معطياتها، وفق حسابات الأطراف الدولية، التي تمتلك مفاتيح الجغرافية السورية المقسمة إلى أربع مناطق نفوذ دولي ومحلي.

“مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، عقد ندوتين من أجل الإحاطة بالوضع داخل سوريا، على ضوء تشابك سياسات الفاعلين الإقليميين والدوليين الخارجية. وشارك المبادرة مع مركز “دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة”، ضمن مشروع لمناقشة التطورات المستقبلية المتوقعة للصراع الجاري في سوريا وعليها. وقام فريق من الباحثين بإعداد تقرير يشخص الأوضاع الداخلية في مناطق السيطرة الأربع، من الجوانب السياسية والاجتماعية والمعيشية والعسكرية. وشملت المبادرة تكليف عدد من الباحثين بتحضير أوراق سياسيات عن الفاعلين المباشرين في الصراع الدائر في سوريا وعليها (الولايات المتحدة – روسيا – تركيا – إيران – الدول العربية – الاتحاد الأوروبي – إسرائيل).

تمثلت المبادرة بعقد ندوة عبر شبكة الإنترنت شارك فيها عشرون باحثًا، ناقشوا السيناريوهات المحتملة للصراع الجاري في سوريا، خلال السنوات العشر المقبلة، وتلتها ندوة ثانية، حضوريًا، في إسطنبول في تشرين الثاني الماضي، شارك فيها قرابة أربعين باحثًا، ناقشوا السيناريوهات المحتملة في سوريا خلال عقد مقبل، على ضوء تشابك الأوضاع الداخلية مع سياسات الفاعلين الخارجيين في الشأن السوري، والتي تتأثر الى حد بعيد بسياسات هؤلاء الفاعلين على الساحة الدوليين. وخلص البحث والمناقشات، إلى ترجيح احتمالات لأربعة سيناريوهات، على مدى عشر سنوات مقبلة، بدرجات متباينة وآجال زمنية مختلفة. لكن العمل لم ينته بعد، ويواصل مدير “مركز حرمون”، سمير سعيفان، عقد لقاءات مع خبراء وباحثين وناشطين من داخل سوريا وخارجها، من أجل إغناء الورقة والخروج بحصيلة متكاملة، يتم اعتمادها كمرجعية.

تتلخص سيناريوهات البحث على النحو التالي. الأول، سيناريو الجمود أو اللا سيناريو. وبمقتضاه تستمرّ الأوضاع القائمة حاليًا، من دون تغيير يذكر في خرائط مناطق السيطرة الأربع، وتبقى القوات والميليشيات الأجنبية موجودة في سوريا، ومنها القوات الأميركية المتمركزة في قواعد متعددة شرقي سوريا، إلى أجَل يمتد سنوات، وقد تصل إلى عشر سنوات وأكثر، وتبقى سوريا مقسّمة، تسيطر على كل منها قوى الأمر الواقع. بينما يطرح السيناريو الثاني، احتمال انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات.

ويفترض السيناريو الثالث، التوصل إلى مبادرة تركية عربية، لاقتراح حلّ وسط مقبول من الفاعلين الخارجيين، مع احتمال بقاء رئيس النظام بشار الأسد إلى أجل محدّد، وهي فترة سلام سلبيّ يهيمن عليها النظام. ويقوم السيناريو الرابع على احتمال التغيير الديموقراطي، وتصفه الورقة بـ”سيناريو الأمل السوري”، وهو يفترض تحقيق انتقال سياسي إلى نظام ديموقراطي، يحقّق ما حلم به السوريون، وقاموا من أجله في 2011.

تعكس الورقة ما قبل النهائية جهداً كبيراً، يعبّر عن نفسه من خلال تنوع وغنى وتعدد الأفكار التي حملتها. وفي تفاصيلها، لا تترك نقطة من دون أن تسلط الضوء عليها، من زواياها كافة، وتطرح الاحتمالات المتعددة حيال كل حالة. وباعتبار أنها حملت عنوان سيناريوهات، فإنها تركت المجال مفتوحاً أمام التعديلات والإضافات. ويمكن على سبيل المثال، التنبؤ بانعكاسات لحربي روسيا على أوكرانيا، واسرائيل على غزة، بحيث تؤثر الحربان في الوضع السوري بقوة.

وفي ضوء ذلك يمكن أن تتغير مقاربة الارهاب. فالورقة ترى أن “مع استمرار جمود الأوضاع السياسية من حول الصراع في سوريا، سيستمر تركيز الولايات المتحدة على هزيمة الإرهاب أولًا”، وبالتالي، لن تضغط الإدارة الأميركية على النظام وداعميه إلى الدرجة التي تؤدي إلى سقوطه. قد لا يصمد هذا الاستنتاج كثيراً أمام مخرجات الحرب على غزة. خصوصاً أن هناك بعض المؤشرات إلى تغير زاوية النظر الأميركية والاسرائيلية إلى الإرهاب على ضوء الحرب على غزة، لتحل الفصائل المدعومة من إيران محل “داعش” في سلم الأولويات، لا سيما أن الأخيرة لا تشكل أي خطورة على اسرائيل.

نتائج الحرب على أوكرانيا مرشحة لإحداث تغيرات مهمة في وضع روسيا. ورغم أنها متقدمة ميدانياً بعد مرور عامين، فإن الفاتورة كبيرة بسبب الخسائر البشرية والاقتصادية، وفشل الحرب في تحقيق أهدافها السياسية. والأمر ذاته في حال نقلت اسرائيل الحرب إلى لبنان، لتستهدف حزب الله حليف طهران الرئيسي. وفي الحالتين، سيسهم ذلك في تحريك الموقف في سوريا، ومن المؤكد، لن يكون ذلك في صالح النظام المتهالك، الذي يستمر في في البقاء حياً، بفضل روسيا وإيران.

يطرح السيناريو الثاني احتمال الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، وحصول تقارب بين “قسد” والنظام ضد تركيا، لكن التقارب بين تركيا والنظام في المدى المنظور غير مستبعد. وهذا أقرب للتحقق، وإذا حصل، فإنه يخلط الأوراق على أكثر من صعيد، ويمكن أن يشكل تغيير الوضع في شرق سوريا مصلحة مشتركة للطرفين. وهذا يعني تقويض مشروع الإدارة الذاتية الكردية القائم على ربع مساحة الجغرافيا السورية، ويسيطر على ثلاث محافظات (الرقة، دير الزور، الحسكة)، تشكل ثروة سوريا النفطية والغازية، وهي مصدر أساسي للحبوب والقطن.

ومن شأن ذلك أن يعزز وضع النظام، ويحظى بتأييد إيراني روسي عربي، وفي حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية المرتقبة، وسيكون تنفيذ هذا السيناريو أسهل، كون ترامب غير معني بدعم “قوات سوريا الديموقراطية” بقدر الرئيس الحالي جو بايدن، وسبق لترامب أن تفاهم مع أنقرة العام 2019 على عملية “نبع السلام”، ضد قوات “قسد” في مناطق من ريفي الرقة والحسكة، في تل أبيض ورأس العين. لكن قراءة الورقة بين السطور تستبعد أي دور للنظام، لأن “الآلية الدولية غير قادرة على إعادة تأهيل نظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

الورقة غنية بالتفاصيل والمعطيات، وسيقدم نشرها مرجعاً لا غنى عنه في قراءة الوضع السوري. ومن بين النتائج التي تخلص إليها، ثمة مسألة مفزعة تتعلق ببداية “تكون أربعة مجتمعات موازية”، تبعاً لتباين توجهات قوى السيطرة في سياساتها وأيديولوجياتها ومرجعياتها ومناهج تعليمها. يزداد نفوذ إيران وأيديولوجيتها المذهبية الدينية، وكذلك تأثير الميليشيات الشيعية. في المقابل تنشر قوات “قسد” فكر عبد الله أوجلان، وتُدخله في مناهج التعليم في جزءٍ من مناطق سيطرتها في محافظة الحسكة، وتفرض سياسات وتنظيمات وأفكارًا وثقافة خاصة بها، وتترك أجزاء أخرى من مناطق سيطرتها في دير الزور والرقة لنفوذ العشائر وقيمها وثقافاتها. وتسيطر” هيئة تحرير الشام” بفكرها الديني المتشدد، على منطقة سيطرتها في إدلب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى فصائل “الجيش الوطني” بتوجهاتها الدينية على مناطق سيطرتها، في حين “برزت لدى بعضها توجهات قومية تركمانية، لم تكن موجودة في سوريا قبل 2011. وتظهر بوضوح تأثيرات السيطرة التركية والمؤسسات التركية في المناطق الثلاث”.

المدن

—————————–

خمسة + واحد وأكثر في الصراع السوري/ سميرة المسالمة

25 مارس 2024

لم يملّ مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، من ترديد “أنّ ما من حلّ عسكري في سورية”، وهي العبارة التي تحمل المضمون الذي ردّده من سبقه من زملائه المستقيلين من المنصب نفسه، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا، وسبقتهم إلى النتيجة نفسها جامعة الدول العربية في بداية انطلاقة الثورة السورية عام 2011  وتوسّع التدخلات في مساراتها عربياً وإقليمياً ودولياً.

وعلى الرغم من التأكيد الأممي عبر التصريحات والبيانات، “أن الحلّ في سورية هو سياسي”، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار تصاعد دور السلاح من الطرفين (النظام والمعارضة) بداية، ليتطور بأدواته وآلياته وأهدافه مع التدخل الدولي في مسار الصراع السوري، وهو ما أدّى إلى تحوله من صراع داخلي إلى صراع إقليمي ودولي، خرجت بموجبه فاعلية القوى المحلية، سواء على صعيد التصعيد العسكري أم خفضه، لتصبح بيد الدول التي تدعم الجهات المسلحة التي تكاثرت في سورية، وتنوّعت مشاريعها على حساب مصلحة السوريين، ووجود دولتهم الواحدة والمستقلة.

مع أهمية التسليم بأن الصراع في سورية بحكم تعدّد مستوياته واختلاف مصالح الدول التي تؤجّج جبهاته، يجب أن يذهب، في يوم ما، إلى  مسار الحل السياسي، ولكن هذا الحل لا يعتمد، في أساسه، على الطرفين المتصارعين الممثلين في اللجنة الدستورية (النظام السوري مقابلاً أو متنازعاً مع هيئة التفاوض السورية لقوى الثورة والمعارضة)، سواء اجتمعت أم بقي النظام على تعنّته، ووضع العراقيل في وجه اجتماعاتها، وعلى الرغم من أن اللجنة الدستورية هي “تفصيلة” صغيرة جداً في  الصراع السوري، كانت منذ تأسيسها مجرّد مؤشّر على نيّات الدول “الداعمة” للصراع بقبول التفاوض فيما بينها عبر الأدوات السورية التي تقف وراءها.

فالحل السياسي الذي صار تيمة يرددها المبعوث الأممي هو المطلوب فعلياً، لوقف حالة الانهيار السوري وتداعياته على محيطه، لكنه أيضاً بعد 13 عاماً (الحلّ) يجب النظر إليه على مستويات مختلفة، في مستواه الأول يبدأ من الحل بين الدول المتدخلة في الصراع السوري، والتي توجد بجيوشها على الأرض السورية وصارت (خمسة + واحد) أخيراً بحسب تصريح رسمي من بيدرسون، هذا إضافة إلى جيش الأسد والمليشيات والفصائل والمنظمات الإرهابية.

فبعد الوجود العسكري لإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة (وإسرائيل) في الأراضي السورية سواء من كان بإرادة السلطة الحاكمة أو لمحاربتها، انضم أخيراً الجيش الأردني إلى واجهة العمل العسكري داخل المناطق السورية، في عمليات تستهدف عصابات تصنيع المخدرات وتهريبها، وذلك لإبعاد خطرها عن أراضيه ومجتمعه، وهذه الجيوش الستة ليست على جبهتين متضادتين فقط، أي مع النظام أو ضده، بل هي في جبهات متداخلة ومتقابلة ومتقاطعة داخل سورية وخارجها، وتتقاطع مع عدة ملفات دولية كل منها لها عداوات وصداقات تقربها من الجيش الآخر أو تبعدها عنه.

ما يتطلب حلولاً دولية على درجات متنوعة مؤداها الوصول إلى مصالحهم التي يتنازعون عليها، وإنهائها، لعودة هذا الصراع إلى محليته، واختصاره بين جيش النظام وأدواته الأمنية اللذين مارسا القمع والعنف في أبشع صوره، ولا يزالان، ضد عموم السوريين المطالبين بحقهم في حياة مواطنية طبيعية في بلدهم.

فإيران ومليشياتها الطائفية السباقة إلى التدخل العسكري في سورية لها أهداف عديدة من وراء حماية النظام السوري، أهمها بقاؤه درعاً واقياً في صراعها مع إسرائيل وامتداداً حيوياً لذراعها (حزب الله) اللبناني من جهة، وأرضاً ممتدة لنفوذها من العراق إلى سورية ولبنان، وكذلك استخدام أراضيها ساحة خارجية تتلقى فيها الضربات الإسرائيلية والأميركية، ما يبعد الخطر عن النظام الإيراني في بلده، ورغم أن الصراع السوري جاء طارئاً على ملف التفاوض الإيراني – الأميركي إلا أنه قد يفيد في تثقيل التفاوض لمصلحة إيران التي لا ترغب إسرائيل في وجودها على الحدود الجنوبية لسورية،

وروسيا التي تريد فرض تعدد القطبية في العالم، ترى في وجودها العسكري إضافة نوعية لتوزيع تقاسم العالم مع الجانب الأميركي، وتعد حماية الأنظمة الديكتاتورية خير وسيلة لمواجهة المشروع الغربي في نشر الديمقراطية في دول صديقة لاشتراكيتها المهدورة، ما يعني أن الحل السياسي في سورية ليس معطلاً في مستواه المحلي الأدنى لأسباب تتعلق “بعته” النظام السوري، أو هشاشة المعارضة فقط، ولكن لأسباب تتعلق بأكثر من ملف روسي- أميركي- أوروبي، ودخلت حرب روسيا على أوكرانيا لتغير في أولويات روسيا والعالم ومنها أولوية الحل في سورية الذي يقع على هامش أي تفاهمات كبرى.

وسارعت تركيا إلى دخول حلبة الصراع في سورية، جهة ذات مصالح متعدّدة من الحيلولة دون نشر الفوضى على حدودها، إلى استفادتها من الأراضي السورية لتكون ساحة معركة لها تعيق عبرها تقدّم المشروع الكردي العابر للحدود، من خلال حرب استباقية على كرد سورية، تعطي درساً رادعاً لكرد تركيا وطموحاتهم، إضافة إلى ما نتج عن ذلك من مناطق نفوذ تركية في سورية يصعب التخلي عنها من دون مقابل يضمن مصالحها، في مواجهة النظام السوري من جهة، والوجود الأميركي الذي يرفرف علمه فوق مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية، إضافة إلى تحجيم النفوذ الإيراني.

ومصالح إسرائيل ليست جديدة على الوضع السوري الذي تريده كما هو متمسكاً بتعهداته تجاه جبهاته معها، وبقاء مقاومة النظام السوري مجرد حبر على ورق، لا تقدّم شيئاً سواء على الصعيد الفلسطيني أم لجهة إلزامها تنفيذ القرارات الأممية وانسحابها من الجولان السوري.

ولن تُرضي الأردن التعهدات الإعلامية التي لم تمنع شحنات المخدرات من الوصول إلى أسواقه، أو عبورها إلى الدول الخليجية، التي صارت نقاط الجمارك فيها شبه متفرغة لكشف خطط المهربين لمنع تسلل بضائعهم الممنوعة إلى أسواقهم.

كل هذه الجهات الست مضافاً إليها عدد آخر من الدول المتدخلة بطرق مباشرة وغير مباشرة في الملف السوري في حاجة إلى جملة تفاهمات يلتقون حولها، قبل أن تلتقي مصالحهم مع مصلحة الحلّ السوري الذي لن يخرج عمّا تريده الولايات المتحدة التي تتفرّج على مسرح الأحداث من كرسي المخرج مرّة ومن كرسي المتفرّج الذي لم يدفع ثمن تذكرة دخوله أساساً.

العربي الجديد

———————————–

الثورة السورية بين جمعتين وأحد عشر عاماً/ حسام جزماتي

2024.03.25

تساءل قيادي إسلامي سوري عما حدث بين جمعة «كلنا جبهة النصرة»، التي نظّمها متظاهرون في الرابع عشر من كانون الأول 2012، وبين جمعة «سنعيدها سيرتها الأولى» التي خرج فيها محتجون على قيادة «هيئة تحرير الشام»، وريثة «جبهة النصرة» نسبياً، في مناطق سيطرتها قبل عدة أيام.

أتت الجمعة الأولى احتجاجاً على تصنيف الولايات المتحدة الأميركية هذا التنظيم الإسلامي المقاتل بالإرهاب. ولم يقتصر رفض ذلك على الحراك في الشارع بل تعداه إلى التمثيل السياسي الرسمي للمعارضة وقتئذ، وقادة فصائل من «الجيش الحر»، وضباط منشقين فاعلين. بشكل بدا معه التعاطف مع «الجبهة» محل إجماع، أو شبه إجماع، ثوري. وكان على الاسم الرديف للجمعة، أو البديل، أن يشرح سبب الرفض بالقول إنه لا إرهاب في البلد إلا إرهاب الأسد.

والحال أن شيئاً جاداً لم يتغير في نظرة السوريين إلى التصنيف الخارجي بالإرهاب وتشكيكهم بمبرراته، بل في موقفهم من هذه الجماعة السلفية الجهادية التي بدت للكثيرين، في تلك الأيام، ثلة من فدائيين متفانين «باعوا أرواحهم» وقدِموا لدعم إخوتهم المظلومين كما يدل الاسم «النصرة»، دون طموح في الحكم أو أطماع في أي من «شؤون الدنيا». وما تغير هو هذا بالضبط. فعبر سنوات من تحولات التنظيم، أفكاراً وحجماً ومشروعاً وقواعد، أبرزت الحلقة الضيقة من قيادته وجهاً شديد الدنيوية بالتحكم في مقدرات الأراضي التي سيطرت عليها، ولحماية ذلك من المنافسة أنشأت ذراعاً أمنياً تميز بقبضة قمعية مطلقة باتت تضاهي ما عرفه السوريون عن أجهزة المخابرات الأسدية. وهو ما سوّغ لمحتجي اليوم اعتبار «جهاز الأمن العام» هذا جهة تقوم على إرهاب الناس وتستحق مماثلتها بنظائرها لدى النظام.

وفي الواقع تحمل سيرة هذا الجهاز مفارقة طريفة رغم فظاعته. فقد كان «الأمن والأمان»، كما تقول ثنائية تسلطية مألوفة، هو السلعة الأبرز التي طرحتها «الهيئة» لتسويق وجودها في الداخل والخارج. ثم كان ما ارتكبه «الأمن العام» من انتهاكات هو سبب أزمتها الحالية في وجه مطالبات جادة بحله ومحاسبة المسؤولين عنه، وصولاً إلى إقالة قائد «الهيئة» أبي محمد الجولاني، حامي الجهاز.

فقد مرّ وقت قريب روّجت فيه السلطات في إدلب لقبضتها الأمنية بوصفها «درع المحرر» الحصين ضد عملاء النظام والدواعش وعصابات الجريمة، وأساس الاستقرار الذي أتاح لسكان إدلب أن يتمتعوا بإنارة طريق هنا وافتتاح مول هناك وإنشاء دوّار في أحد تقاطعات المدينة. ورغم أن هذه لم تكن ضمن أولويات الأهالي، الطامحين في استعادة مناطقهم والعودة إليها أساساً أو في العيش فوق خط الفقر ريثما يحصل ذلك؛ إلا أن جهاز «الهيئة» الإعلامي قدّمها بوصفها علامات على النهضة وبناء «المؤسسات» التي لم تكن لتستطيع بسط نفوذها لولا الأمن الذي تتمتع به المنطقة، بالمقارنة، أساساً، مع مناطق سيطرة الفصائل المنضوية في «الجيش الوطني».

وقد كانت هذه المحاججة أساس خطاب «الهيئة» لسكان تلك المناطق حين هاجمتها بهدف الاستيلاء عليها في عدة مناسبات، واعدة إياهم بتخليصهم من «الفوضى» وبتوحيد «المحرر» تحت سلطة مركزية واحدة تنشر «الأمان».

في حين أن «الأمن»، أي الطرف الآخر من الثنائية، كان البضاعة التي عرضتها قيادة «الهيئة» على زوارها من الباحثين والصحفيين الأجانب، بالقول إن استمرارها، بل ودعم جهاز أمنها، هو الضمانة لعدم تحول إدلب إلى بؤرة ينطلق منها الجهاد العالمي نحو الغرب. وهو ما أفصح عنه تقرير أعدّه بعض باحثي «مجموعة الأزمات الدولية» بعنوان «احتواء الجهاديين العابرين للحدود في شمال غرب سورية

» لم يهتم لأثر تقوية «جهاز الأمن العام» على حياة السكان.

لكن يبدو أن عمودي دعاية «الأمن والأمان» تقوّضا الآن. فقد تبين لسكان المناطق المحررة أن ثمن الحماية من تجاوزات الفصائل كان، في الحقيقة، تنظيم هذه التجاوزات بيد فصيل كبير. وكذلك لم يعد بإمكان أحد، من زوار إدلب، تجاهل احتجاجات السكان ضد جهاز الأمن الذي ربما يكون محل تقديره النفعي.

في تظاهرات يوم الجمعة الفائت الكثير من سمات «سيرتها الأولى» إلى درجة مقلقة أحياناً. فمن جهة يزداد عدد المحتجين وتنضم نقاط جديدة إلى التظاهر وتُرفع شعارات سبق أن أشهرت ضد بشار الأسد، في حين ينظم أنصار الجولاني مسيرات مضادة تنادي له بالروح والدم. ومن جهة ثانية يبدو الفارق واضحاً بين تواضع إمكانات المتظاهرين وسيارات الدفع الرباعي التي يُخرجها عناصر «الهيئة» تأييداً. ومن جهة ثالثة يتوه الإعلام الرسمي للجماعة بين تجاهل ما يجري أو تغطية اللقاءات الإصلاحية أو التستر وراء أخبار غزة كالعادة.

وجه الشبه الأهم هو انطلاق المحتجين من خلفيات متباينة؛ فمنهم بقايا الحراك المدني الثوري، ومنهم متشددون على يمين «الهيئة» أو من كوادرها السابقين الذين غادروها لأسباب أيديولوجية، وأعضاء في «حزب التحرير» الإسلامي. تجمع بين هذه الشرائح المختلفة الآن مطالب موحدة تتمثل في «رفع الظلم» الذي مارسه «الأمن العام» لكنهم قد لا يتفقون كثيراً في ما هو بعد ذلك. وهو ما تستغله أجهزة الجولاني المتنوعة لتسألهم، أيضاً، عن البديل الذي يرشحونه.

وكما في «سيرتها الأولى» لا يملك المعارضون بديلاً ناجزاً الآن. وهم يدعون إلى تسليم قيادة المنطقة لمجلس جماعي يضم عدداً من المشايخ والأكاديميين والمقاتلين والوجهاء. وخلافاً لما يتهمهم به خصومهم فهم لا يطالبون بتفكيك الأجهزة الإدارية القائمة في إدلب، بما فيها «حكومة الإنقاذ السورية»، بل بتخليصها من الهيمنة ومنحها الاستقلالية. ومهما قيل عن مدى صورية هذه «المؤسسات» إلا أن الجولاني استطاع عبرها تنظيم عدد كبير من المنتمين إلى قطاعات مختلفة، وهو يعمل على حشدهم الآن في اجتماعات ومؤتمرات مؤيدة تشكّل، بمجموعها، حاضنة كبيرة من المرتبطين وذوي المصالح المقتنعين ببقاء الوضع الراهن، يضاف إليهم الرماديون وجماعة «بدنا نعيش» المتعبون من احتمال التغيير أصلاً.

————————-

الثورة التي لم تنجح ولن تفشل/ حسام جزماتي

2024.03.18

يتعرض أنصار الثورة السورية لاختبار سنوي، في ذكرى انطلاقتها، يطلب منهم تقديم جردة حساب عن أعوامها التي تتطبّق بثقل واحداً إثر آخر فيما يتراجع وضع البلاد، في كل مناطق السيطرة المختلفة، إلى حال لا ينفع معها التجاهل طويلاً ولا تعد بحل قريب.

في مواجهة ذلك اختار عدد من الفاعلين التحرر من الأمل تباعاً. فسلّموا بهزيمة الثورة استناداً إلى حقيقتين أساسيتين؛ أولاهما عجزها عن إسقاط النظام بعد أن أعلنت أن ذلك هدفها المركزي، والثانية فشلها في تقديم نموذج فعلي لحكم بديل يبلور شعاراتها الجذابة في مناطق سيطرتها. وفي المقابل يتمسك ناشطون آخرون بصلاحية هذه المبادئ، حتى وإن حاصرتها هياكل الاستبداد المتعددة التي لم تعد تقتصر على النظام، مراهنين على «قوة الحق» التي تكتنزها القيم، دون أن يعصمهم ذلك من شبهة التعنت الثوري وإنشائيته عندما لا يسعفهم الواقع الكالح بأدلة تبعث على التفاؤل.

غير أنه من حسن حظ هؤلاء، وجمهور الثورة عموماً، أن مؤشر السنوات لا يسير دوماً نحو الأسوأ. ففي امتحان هذا العام كثير مما يمكنهم الارتكاز عليه كما تدل، مثلاً، التظاهرات التي خرجت يوم الجمعة الفائت، المصادف 15 آذار.

فمن جهة أولى أبرزت التظاهرة الكبيرة، في ساحة السبع بحرات بإدلب، حضوراً مهيمناً لعلم الثورة الأخضر. وإذا لاحظنا أن «هيئة تحرير الشام» وأذرعها هم الجهة الداعية لهذه التظاهرة أمكن أن نقدّر وزن هذا العلم وما يمثله حتى اضطرت «الهيئة» إلى الانضواء تحته بعد أن كان أسلافها في «جبهة النصرة» يتشفّون بانتزاعه عن الساريات ودعسه تحت الأقدام لصالح رايتهم الخاصة. ومهما قيل عن دوافع قيادة «الهيئة» للتستر برموز الثورة، وهو صحيح، فإن النتيجة العملية هي أن هذه الجماعة، بعد أن فككت الكثير من فصائل الثورة وخوّنتها وكفّرتها، اضطرت أخيراً إلى تبني شيفرتها بالتدريج.

ناهيك عن التظاهرة الإدلبية الموازية التي نُظِّمت في ساحة الساعة بالمدينة، وفي عدد من مدن وبلدات ريفها، ضد هيمنة «الهيئة». فكانت أقرب إلى شعارات الثورة في المضمون، بالدعوة، بعد قليل من الترجمة، إلى تداول السلطة وحكم القانون والعدالة واحترام حقوق الإنسان، كما هو هدف الاحتجاجات التي تتهم قيادة «الهيئة» بالتسلط مؤخراً.

أما المناطق التي تسيطر عليها «الحكومة السورية المؤقتة» و«الجيش الوطني» فلا تتوقف فيها التظاهرات الحرة التي ترفع شعارات ضد الفوضى الفصائلية التي تخرج عن أي قانون في الغالب. ورغم البطء الشديد في إنجاز تحول ذي بال في هذا الشأن فإن التأكيد الدائم على المسار الصحيح، الذي يتضمن بناء حكم منظم، ما زال يمنح المحتجين شرعية رفض «الزعرنات» التي صارت محل تبرؤ فاعليها المتبدلين في كل مرة، وهي في طريقها الصعب إلى التناقص.

وقد أضافت السويداء إلى جردة هذا العام نكهتها الخاصة. ولا سيما بعد أن وصلت الاحتجاجات فيها إلى الانضواء تحت علم الثورة، مع بعض بيارق الحدود الخمسة المحلية، كما بدا من تظاهرات يوم الجمعة نفسه. وغاب العلم الرسمي الأحمر بعد أن كان يعني لبعض المحتجين توازناً ضرورياً وتأكيداً على الهوية الوطنية. في ما يبدو أنه قناعة وصلت إليها المحافظة بأنه لا ثورة موضعية دون اندراجها في الحراك العام الذي انطلق قبل ثلاثة عشر عاماً وجرى الاحتفال بذكراه في ساحة الكرامة بالسويداء.

وربما لا نبالغ إذا قلنا إن الإحساس الأعمق بحتمية التغيير كان في مناطق لم تشهد أي تظاهرة لتحيته ورفع علمه، وهي مناطق حكم بشار الأسد التي تشهد ما لا يقل عن احتضار مديد. فبعد سنوات خدّاعات من وهم قدرة النظام على قمع الثورة مستخدماً وحشيته المعروفة، وأعوام أخرى من أوهام الإفلات من تبعات هذه الجريمة في المجتمع الدولي بالاستعانة بالحلفاء الروس والإيرانيين، وحلم ليلة صيف بدعم اقتصادي عربي؛ وجد سكان مناطق النظام أنفسهم أمام واقع مرّ دون أفق. وسواء أكانوا من مواليه أو معارضيه أو من الرماديين فقد رسّخت السنوات القليلة الماضية قناعتهم بأنه لن يستطيع إدارة شؤون البلاد بالحد الأدنى الكافي لتأمين الحاجات والخدمات الأساسية. ومن جهته لم يقصّر بشار الأسد، بـ«صراحته» المعتادة، في إخماد أي آمال في تحسن الأوضاع المعيشية كلما أتيح له ذلك. تاركاً لرعاياه الرضا بالنصيب أو دخول السجن ومواجهة مصير سابقيهم، وللفضائيات الخارجية أن تزفّ لهم أن رئيسهم صار تاجر كبتاغون.

وفي إطار أوسع يمكن سحب أجزاء مما قيل آنفاً عن سوريا على مسار الربيع العربي كله. فبعد أن رصّ أعداؤه صفوفهم استطاعوا تطويقه ولكن بفجاجة من القمع العاري والرشاوى السياسية والشخصيات الركيكة. وبمقارنة حال النظام العربي، قبل هزّة الربيع الجذرية، بوضعه اليوم؛ نقرأ تمثيلاً فعلياً للمقولة المنسوبة إلى ماركس: «يعيد التاريخ نفسه مرتين؛ مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة».

ورغم أن المهزلة الأسدية بمفاعيل مأساة فإن الثورة السورية، التي لم تنجح، لم تفشل أيضاً. وهي لن تهزم مع أنها لا تملك من مقومات النجاح إلا قوة الحق وبعض المساعي الطيبة المتناثرة، وصلف الخصم الذي جعل من أمر بقائه احتمالاً يصعب أن يتعايش معه أحد.

تلفزيون سوريا

———————————-

في ذكرى الانتفاضة… سوريا يمكن أن تشعل اضطرابات إقليمية/ حايد حايد

آخر تحديث 21 مارس 2024

تنحدر سوريا وهي تحيي الذكرى الثالثة عشرة للانتفاضة إلى مرحلة أشد قتامة، دون أن يكون ثمة أمل في التحسن. فالبلاد تعاني من تصاعد أعمال العنف على نحو لم تشهده منذ عام 2020، ويشترك في ذلك مختلف الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية ووحدهم المدنيون من يكابد وطأة هذا التصعيد.

هذا الواقع الكئيب ليس عرضيا، بل هو نتيجة مباشرة لميل صانعي السياسات إلى إدارة الصراع في البلاد بدلا من حله. ويتفاقم هذا النهج المعيب بسبب تركيزهم المتقطع على سوريا، على نحو ما يفعله مصاب بداء ألزهايمر، إذ لا يتذكرون البلاد إلا في الأزمات الكارثية. ويشبه هذا النهج القائم على رد الفعل اللعب بأعواد الثقاب في منطقة تتأرجح على حافة صراع شامل.

منذ أكتوبر/تشرين الأول، شهدت سوريا أكبر تصعيد في القتال منذ أربع سنوات بمتوسط أكثر من 300 حادث في الشهر. وتستهدف الحملة العسكرية المستمرة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه في شمال غربي سوريا المناطق المدنية تحديدا في إدلب وما حولها. ومع أن النظام يشن غارات جوية وهجمات بالطائرات المسيرة الانتحارية، فإنه يعتمد إلى حد كبير على الهجمات البرية التي يستخدم فيها قاذفات الصواريخ وأسلحة المدفعية. واستهدفت هذه الهجمات العشوائية، التي ترقى إلى مستوى جرائم حرب، أماكن معروفة كالمستشفيات والمدارس والأسواق ومخيمات نازحين من مناطق أخرى. ونتيجة لذلك، فر نحو 120 ألف شخص من المنطقة، أكثرهم ممن نزحوا سابقا عدة مرات، ومنهم من نزحوا بسبب الزلازل المدمرة التي ضربت البلاد في فبراير/شباط الماضي.

تبرز الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة الوضع الهش في سوريا. وقد أدى توسع هذا الصراع إلى اشتداد حدة التوترات بين الجهات الأجنبية في البلاد مما أدى إلى سلسلة من الهجمات المتبادلة بينها. وتواجه إسرائيل هجمات متزايدة بالصواريخ والطائرات المسيرة، مع توسع الهجمات الآتية من مناطق بعيدة عن الحدود. وردا على ذلك، كثفت تل أبيب هجماتها فنفذت ضربات شبه يومية واستهدفت قادة بارزين في الحرس الثوري الإيراني.

وبالمثل تصاعدت الهجمات على القوات الأميركية في سوريا، لزيادة الضغط الهادف لوقف إطلاق النار في غزة وطرد هذه القوات من البلاد، فأدى ذلك إلى ردود انتقامية اميركية ضد الجماعات المهاجمة.

وفي هذا الوقت كثف الجيش التركي هجومه على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يقودها الأكراد، ردا على هجوم نسب إلى حزب العمال الكردستاني في أنقرة خلال أكتوبر. وتسببت الغارات الجوية التركية، التي استهدفت البنية التحتية الحيوية، في حرمان قرابة مليون شخص من الماء والكهرباء أسابيع عدة. كما أن الصراع المستمر بين قوات العشائر المحلية و”قوات سوريا الديمقراطية” في دير الزور، يزيد من تفاقم الوضع في الشمال الشرقي من سوريا. وتنشأ هذه التصعيدات من المظالم التي طال أمدها، إذ فشلت الإدارة الذاتية، التي تعاني من ضائقة مالية، في توفير الخدمات الحيوية التي تضمن حقوق الناس الأساسية.

كما كثف تنظيم “داعش” عملياته التي لم تقتصر على الأهداف العسكرية وحسب، بل استهدفت المدنيين أيضا.

وفي خضم هذه التحديات، لا يزال السوريون يعانون من ضائقة لا مثيل لها. فارتفع عدد الأفراد المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء سوريا من 15.3 مليون شخص عام 2023 إلى 16.7 مليون شخص. كما أن ارتفاع مستوى التضخم وتدهور قيمة العملة وارتفاع أسعار السلع الأساسية الحاد، يزيد على نحو متواصل معدلات الفقر والاعتماد على المساعدات الإنسانية. ولكن على الرغم من هذه الاحتياجات المتزايدة، أجبرت الأمم المتحدة بسبب النقص الحاد في تمويلها من الجهات المانحة على تعليق المساعدات الغذائية المنتظمة في سوريا، تاركة الملايين عرضة للجوع.

أما من الناحية السياسية، فقد تعثرت العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، دون أن تحقق أي تقدم منذ منتصف عام 2022. وبالمثل، وصلت جهود التطبيع العربية مع الأسد إلى طريق مسدود. ويبدو أن تردد النظام في تنفيذ الخطوات المقترحة، مثل مكافحة المخدرات وتسهيل عودة اللاجئين، أدى إلى تعليق جهود التطبيع هذه، مع خيبة أمل الأسد في تعزيز الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، تعثرت محادثات التطبيع بين دمشق وتركيا بسبب إعادة انتخاب الرئيس أردوغان وتضارب أولويات البلدين، فلم يحدث أي تقدم يذكر.

تبين هذه الأزمات بوضوح شديد هشاشة الأوضاع في سوريا وانحدارها الحتمي نحو مزيد من التدهور، وهو ما يؤكد الحاجة الماسة للتخلي عن النهج الحالي لإدارة الصراع. وإذا كان السوريون يتحملون وطأة هذه الأزمات المتفاقمة، فإن تأثير الفراشة الذي تولده هذه الأزمات يتجاوز حدود البلاد، كما يُظهر لنا التاريخ الحديث.

إن التأثيرات المتتابعة التي خلفها هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر تجسد كيف يمكن لحدث واحد أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي على نطاق واسع وبطرق لا يمكن التنبؤ بها. هذا الحدث هو جزء من سلسلة من الأحداث غير المتوقعة، بما في ذلك تضحية البوعزيزي بنفسه التي أشعلت الربيع العربي واستيلاء “داعش” السريع على الموصل، مما سمح للجماعة بتهديد الأمن العالمي.

توضح هذه الأمثلة أن هجوم 7 أكتوبر ليس حدثا منعزلا، بل حلقة في سلسلة من الأحداث ذات تأثيرات واسعة النطاق لا يمكن التنبؤ بها، والتي تفاقمت بسبب عدم الاستقرار في المنطقة.

ولعل التدخل العسكري المباشر للكثيرمن الدول في الصراع السوري هو ما يفسر لماذا يشار إلى البلد غالبا على أنه مقبرة التنبؤات، فيما تسلط الشبكة المعقدة من الصراعات المتداخلة في سوريا الضوء على مدى خطورة الوضع الجاهز في كل لحظة لأن ينفجر، مع ما يحمله ذلك من عواقب بعيدة المدى. والإصرار على النهج الحالي الذي لا يتعامل مع سوريا إلا عندما يكون ذلك مناسبا، لن يؤدي إلا إلى تسريع العد التنازلي، معرضا مصير المنطقة برمتها للخطر.

المجلة

—————————–

سوريا.. “الهروب” وخيار الأسد ليس الحل/ بدر جاموس

2024.03.19

نعيش اليوم في الذكرى 13 للثورة السورية العظيمة، الثورة التي غيرت وجه المنطقة وأسقطت الأقنعة عن المواقف والإرادات السياسية الدولية والإقليمية، والأهم من ذلك كشفت حقيقة النظام السوري، وأصبح وجهاً لوجه أمام حقيقته المخزية بالقتل، والتهجير، والتدمير لشعبه وأرضه.

منذ العام 2011 حين قرر السوريون التعبير عن أنفسهم، مرّ هذا الشعب بكثير من التجارب المرة. وعلى الرغم من كل التحديات التي واجهته، فإن إرادة الحرية والحياة ظلت صامدة طوال سنوات من النضال، إلى أن حول النظام السوري هذا البلد إلى بؤرة استقطاب للإرهاب لخلط الأوراق وقتل إرادة الشعب السوري بشتى الأساليب، وبدأت على يد النظام السوري انتشار الجماعات الأصولية بكل تنوعاتها، ليدفع الشعب السوري أثماناً باهظة بعد أن تحول جزء من الجغرافيا السورية إلى بيئة ملائمة للتطرف والإرهاب، في محاولة خبيثة من النظام وداعميه بأجهزتهم الأمنية إلى تحويل صورة الحرية النبيلة إلى شكل من أشكال التطرف والعنف، وكانت نتيجة الصراع بين قيم الحرية والعدالة وبين الاستبداد، مئات الآلاف من الشهداء والجرحى وموجة نزوح هي الأكبر من نوعها في القرن الحادي والعشرين، أثقلت كاهل دول الجوار وأوروبا وربما يمكن القول العالم بكامله.

 بعد 13 عاماً من الحرب والدمار اليومي بحق السوريين، ثمة أرقام صادمة للإنسانية، كانت على مدى سنوات عناوين عريضة لهذا العالم.

بلغ عدد القتلى على يد قوات الأسد وداعميه، أكثر من مليون شهيد، من بينهم 20113 طفلا و 16378 امرأة، بينما وصل عدد المعتقلين في سجون النظام إلى 150 ألفا، وجرى تهجير 13 مليون سوري، نتيجة هذه الحرب الظالمة على الشعب السوري، والسبب إصرار هذا الشعب على الانتقال من الدولة البوليسية المجرمة إلى دولة مدنية آمنة ومستقرة.

وعلى الرغم من معرفة الشعب السوري بتركيبة هذا النظام وطبيعته المتوحشة فإنه قرر فعلاً بكل مكوناته أن يقف ضد هذا النظام، رغم الكلفة التي تفوق قدرة الشعب السوري على التحمل، ومع ذلك ما زال على طريق الحرية ومؤمنا بقضيته.

أمام هذه الأرقام المرعبة والمعيبة بحق الإنسانية والمجتمع الدولي يتساءل المرء كيف يمكن للعالم الحر والمتحضر الصمت أمام كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري، كيف يمكن للعالم أن يتهرب من مسؤولياته الأخلاقية والسياسية أمام أشنع نظام عرفه التاريخ الحديث في الشرق الأوسط.

دفع الشعب السوري ثمن المنطق الدولي الأعرج، الذي يقبل بسلطة الأمر الواقع والوحشية اللامحدودة، ودفع ثمن

ضعف الإرادة الدولية، والخوف الدولي من انفلات المجرم، ولم يبق للسوريين سوى قرار الاعتماد على أنفسهم من أجل التخلص من هذا النظام.

وعلى الرغم من كل ما جرى، من خذلان في بعض الأحيان ومن هروب من المسؤوليات على المستوى الدولي في كثير من الأحيان، ومن تغير المزاج الدولي والإقليمي بسبب تراكم الأزمات الدولية، فإن المعارضة السورية ظلت مؤمنة بالحل السياسي من أجل بناء دولة لكل السوريين، رغم معرفتها بأن هذا النظام لا يقبل الشراكة ولا يقبل حلولا سياسية، لكن كان وما زال الخيار الأمثل للمعارضة هو خيار الحل السياسي، وفق النقاط الست التي وضعها المبعوث الأممي للأزمة السورية كوفي عنان (2012)، وطالما كانت المعارضة السورية وخصوصا هيئة التفاوض التي تشكلت في الرياض في كانون الأول ديسمبر عام 2017 مستعدة للحوار السياسي وتطبيق القرارات الدولية، ومن أجل هذا تشكلت الهيئة بشكلها الموسع لتشمل كل القوى السياسية والعسكرية المؤمنة بالحل السياسي وكان دائما الهدف هو تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ،2254 والقرار 2118 والتأكيد على هيئة الحكم الانتقالي في سوريا، إلا أن هذا لم يحدث نتيجة التراخي الدولي في كثير من الأحيان، وبعض التناقضات حول الرؤية الدولية القاصرة، حيال ما يجري في سوريا.

وبالرغم من مرور أكثر من تسع سنوات على إصدار القرار 2254 فإن الهيئة ما تزال تتطلع لحل سياسي وفق القوانين والقرارات الدولية، لأن إيمان المعارضة بالشرعية الدولية كان المنهج الذي رأت فيه الحل لتحقيق الأمن والسلام في سوريا، على اعتبار أن هذا القرار يمثل الإرادة الدولية من أجل العبور إلى منطق الدولة في سوريا، ولكن للأسف مجلس الأمن الدولي المسؤول الأول عن تطبيق القرارات الدولية، وهو من يتحمل مسؤولية فشل العملية السياسية.

ليس في مصلحة أحد اليوم، أن يعطل العملية السياسية، التي باتت الحل الوحيد على الطاولة، بينما تتجه الدولة السورية إلى مزيد من الانهيار والفوضى، ويعاني الشعب السوري من أسوأ حالة معيشية لم تشهدها سوريا في تاريخها، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، والسبب هو تعطيل الحل السياسي وسطوة النظام على السوريين الذين أصبحوا رهينة.

في الأعوام الأخيرة وتحديداً عام 2022 ومع توقف مسار المفاوضات السياسية، بين وفدي النظام السوري والمعارضة، تحوّل تراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري، إلى مستوى آخر من التراجع، يتمثل في التعود على الحالة السورية، وهو أخطر ما يعانيه المسار السياسي، باعتبار أن القضية أخذت طابع السكون، لكن مرة أخرى يخطئ المجتمع الدولي، في تقييم الوضع في سوريا، إذ أثبتت المظاهرات السلمية التي اندلعت فجأة في محافظة السويداء للعالم أجمع أن التصور بسكون الأزمة السورية، ما هو إلا وهم تحاول الدول أن تعيشه؛ للتهرب من مسؤولياتها، وما هو إلا نوع من لملمة القضية بأي شكل. ولم يتوقف الأمر عند مظاهرات السويداء السلمية ضد النظام، بل أثبتت المظاهرات السلمية في رأس العين والراعي وجرابلس وعفرين واعزاز والباب أن إرادة السوريين لم تنكسر وأننا مستمرون حتى تحقيق أهداف ثورتنا العظيمة.

إن النمط الدولي الجديد الذي يرتكز على تأجيل حل القضايا المصيرية للشعوب، بات قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أية لحظة، وما حدث في غزة أكبر دليل على ذلك، ولا شك أن سوريا بدورها الجيوسياسي في المنطقة، هي أيضا قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أية لحظة، في وجه العالم بمستوى أكثر خطورة على الأمن والسلم الدوليين، خصوصاً في ظل الجحيم الاقتصادي الذي يعاني منه الشعب السوري في الداخل وهشاشة الدولة السورية، تبعاً لسنوات الحرب، وبقاء الصراع معلقاً من دون حل، وتداخل الصراعات الدولية على الأرض السورية، كل هذه المعطيات من شأنها أن تحول سوريا إلى مستنقع غير قابل للحياة.

موقع سوريا الإستراتيجي، المطل على أوروبا من نافذة البحر المتوسط، وجوارها لدولة مثل تركيا (عضو في حلف الناتو)، وكونها بوابة تجارية بين دول الخليج وتركيا وأوروبا، يؤهلها أن تلعب دوراً أكثر نفعاً وفاعلية في النظام الدولي، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بإرادة دولية حقيقية، تعيد للسوريين حقوقهم، وتضمن دمجهم في بناء مستقبل بلادهم، بمشاركة الأصدقاء والأشقاء، أما الأشقاء العرب فلم  تكن حساباتهم صحيحة بالتوجه إلى التطبيع مع النظام، خصوصاً أن بعض الدول ما تزال تعاني من تهرب النظام من وعوده بوقف تصدير الكبتاغون وعودة اللاجئين بطريقة آمنة، وهذا أيضاً لم يحدث ولن يحدث في ظل نظام الأسد، ما يعني أن هذا نوع من التطبيع المجاني وعلى حساب مصلحة الشعب السوري.

إن ما حدث من تحول خطير في العامين الماضيين في التفكير العربي كان بمثابة صدمة على مستوى المعارضة وعلى مستوى السوريين، إذ تدافعت بعض الدول للتطبيع مع النظام السوري بصورة دراماتيكية مؤسفة، رغم اليقين أن مثل هذه المحاولات لم ولن تكون الحل في سوريا، ذلك أن هناك قضية شعب مظلوم، وحقوق مسلوبة ومعتقلين ما زالوا في السجون، ودولة مفككة، تحكمها ميليشيات منفلتة على الأرض السورية ودولة لا تملك قرارها حتى على مناطق سيطرتها، كل هذا لن يسهم في محاولات استيعاب النظام أو التطبيع معه ما دامت هذه المشكلات العميقة لدى الشعب السوري من دون حلول.

ومع ذلك، في كل عام يتجدد الأمل لدى الشعب السوري، بالحل السياسي، ومهمتنا في هيئة التفاوض، التي نعمل عليها دون كلل، أن نعيد المسار السياسي، إلى قيد الحياة بمساعدة السوريين وما تبقى من الأشقاء والأصدقاء والداعمين، من أجل طيّ صفحة أبشع نزاع في القرن الحادي والعشرين.

وهيئة التفاوض اليوم هي أكثر قوة وإيماناً بالحل السياسي من أجل تحقيق تطلعات الشعب السوري، وهي اليوم أكثر تصميماً من قبل، على الرغم من كل الظروف الإقليمية والدولية، إلا أن هذه المهمة لا يمكن إنجازها من دون وحدة الشعب السوري، ووقوفهم جنباً إلى جنب من أجل استعادة حقوقنا.

إن المعركة مستمرة مع النظام وهي معركة طويلة، لأنها صراع بين قيم الأمن والاستقرار وبين فوضى النظام، معركة بين الحرية وبين الاستبداد، والعدالة مقابل الظلم، وهذا يتطلب بطبيعة الحال وحدة السوريين من أجل العبور إلى الضفة الآمنة، سوريا التي يتشارك فيها كل السوريين، ويتساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، سوريا التي لا تشكل أي خطر لا على الشعب ولا على الجوار.. وليس لدى الشعب السوري سوى خيار الانتصار.. مهما طال الزمن.

تلفزيون سوريا

———————————

سوريا… أوجاع التفاهمات والتناقضات/ إبراهيم حميدي

المكان الوحيد الذي تتجاور فيه أرضا وجوا خمسة جيوش أجنبية

آخر تحديث 18 مارس 2024

في كل ذكرى سنوية جديدة لانطلاق الاحتجاجات السورية قبل 13 عاما، يقف السوريون مطولا عند السنة الأولى وما قبلها، والمظاهرات الأولى وما بعدها. ربما لأن كل ما يتبادر للذهن بعد مرور تلك السنة، هو محاولة عابثة وموجعة لتفكيك اللغز السوري وتعقيداته المتشابكة بين القوى الإقليمية والدولية.

ربما يشكل الفراق بين الدول الغربية والعربية إزاء التعاطي مع دمشق، آخر تجليات ذلك اللغز. الموقف الموحد والراسخ قبل عقد من الزمن، بات مواقف مختلفة ومتفاوتة الأبعاد.

بالتزامن مع 15 مارس/آذار، اليوم الرسمي لاندلاع الاحتجاجات، جرت اتصالات وزيارات عربية وأرسلت برقيات رفيعة إلى الرئيس السوري بشار الأسد بمناسبة بدء شهر رمضان المبارك. تتلخص الرسالة السياسية بأن الدول العربية التي قررت في شهر مايو/أيار الماضي إعادة دمشق إلى الجامعة العربية بعد عقد من تجميد عضويتها، ودعوة الأسد إلى القمة العربية في جدة، لا تزال مستمرة في خيار التطبيع رغم المطالب والتحفظات والخيبات التي خلفها عدم التزام دمشق بـ”خريطة الطريقة” المشروطة التي أقرتها الدول العربية لاستئناف العلاقات، وشملت عناوين كثيرة أبرزها: التعاون في محاربة المخدرات، واتخاذ خطوات لإعادة اللاجئين، والتعاون بشكل إيجابي في المسار السياسي واللجنة الدستورية، إضافة إلى إبعاد إيران وتنظيماتها عن الحدود الجنوبية مع الأردن وخط فك الاشتباك مع إسرائيل.

في المقابل، أعلنت الدول الغربية الكبرى والتي تُعرف بـ”الرباعية” (أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) في الذكرى الثالثة عشرة، عن موقف مناقض لهذا المسار. حيث جددت تمسكها بـ”اللاءات الثلاث”: “لا للتطبيع مع نظام الأسد، لا للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، لا لرفع العقوبات، قبل تحقيق تقدم جوهري في المسار السياسي وفق القرار الدولي 2254”. كما تحدثت عن المساءلة والمحاسبة والسلاح الكيماوي وضرورة عودة اللاجئين.

أما عن التفاصيل غير المعلنة، فقد سعت فرنسا إلى عقد اجتماع مشترك بين “الرباعية الغربية” ودول عربية رئيسة في باريس قبل أسابيع، لكن الدول العربية رفضت حضور الاجتماع الذي يبحث المسار السياسي ومنعكسات حرب غزة والوجود الإيراني والمساعدات الإنسانية. المبرر العلني للرفض العربي جاء لأن اجتماع باريس كان يجب أن يُعقد بعد اجتماع اللجنة الوزارية العربية لمتابعة تنفيذ “خريطة الطريق”. الدول العربية ذاتها التي رفضت حضور اجتماع باريس، لم توافق ببساطة على عقد اللجنة الوزارية العربية مع وزير الخارجية فيصل المقداد على هامش الاجتماع الوزاري العربي الأخير في القاهرة، بسبب “الخيبة” من سلوك دمشق إزاء ملفات المخدرات واللاجئين واللجنة الدستورية.

وهذا يعني أن السبب غير المعلن لمقاطعة العرب اجتماع باريس، أن الفجوة تتسع بين الموقفين العربي والغربي إزاء سوريا وإيران، وأن الأمر لم يعد يقع ضمن توزيع الأدوار بين الكتلتين.

لا شك أن حرب أوكرانيا واتخاذ عدد من الدول العربية موقفا حياديا بين روسيا والغرب ثم حرب غزة والغضب العربي من الموقف الغربي، زادا من الفجوة بين مواقف الدول العربية والغربية من الملف السوري، تلك الدول التي كانت تتبنى موقفا متطابقا قبل عقد.

هذا ليس التناقض الوحيد في سوريا. هناك تناقضات كثيرة، وهنا بعضها: أميركا التي تصنف “حزب العمال الكردستاني” تنظيما إرهابيا، تتعاون مع “وحدات حماية الشعب” الكردية المؤيدة لـه شمال شرقي سوريا، في الوقت الذي تعتبر فيه تركيا، حليفتها في “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، هذه “الوحدات” امتدادا لـ”العمال” المصنف “إرهابيا” وتحاربه. أيضا، “هيئة تحرير الشام” التي تصنفها دول غربية ومجلس الأمن تنظيما إرهابيا، تتلقى مساعدات أممية من دول غربية. المفارقة وصلت في وقت من الأوقات إلى أن فصائل سورية تتلقى دعما من “وكالة الاستخبارات المركزية” الأميركية (سي آي إيه) لتحارب عبر ذلك الدعم فصائل أخرى تتلقى دعما عسكريا من وزارة الدفاع  الأميركية (البنتاغون).

ومن المفارقات الغريبة في سوريا أيضا، أن دولا عربية وقعت الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، تتعاون وتدعم الحكومة السورية المتحالفة مع إيران والتي تعمل ليل نهار لمنع التطبيع العربي وإفشال هذه الاتفاقات. أيضا، لا تفعل السلطات السورية الكثير لمنع إسرائيل من استهداف قادة حليفتها إيران في دمشق وفي مناطق سيطرتها. وبوتين صديق اسرائيل منذ طفولته، لاتشوش صواريخه وراداراته المتطورة في سوريا، على غارات إسرائيل ضد “خبراء” ايران، شريكته في حرب أوكرانيا، في شوارع المدن السورية. بوتينن أيضا، منع دمشق من شن عملية عسكرية في إدلب، كي لايغضب “صديقه” اردوغان.

ليس صعبا إيجاد تفسيرات للغز السوري. لكن التفسير الأساسي أن الأراضي السورية هي المكان الوحيد في العالم الذي تتجاور فيه بشكل مباشر ووجها لوجه القوى الدولية الكبرى واللاعبون الإقليميون البارزون الفاعلون في مجلس الأمن الدولي و”مجموعة العشرين”.

إنه المكان الوحيد الذي تتجاور فيه أرضا وجوا، جيوش أميركا (وبريطانيا وفرنسا) وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل وليس فقط عبر الوكلاء والحلفاء. المكان الوحيد الذي تتقاسم فيه هذه الجيوش ثلاث “دويلات” في دولة واحدة هجر نصف شعبها، وتجبر هذه الجيوش على التنسيق في سمائها، لطلعات طائراتها المقاتلة والقاذفة… فوق رؤوس السوريين. أنها أوجاع التناقضات والتفاهمات بين مصالح الاخرين.

المجلة

——————————-

في معنى استمرار الثورة السورية/ راتب شعبو

13 مارس 2024

لم تكن التجمّعات التي تهتف بإسقاط نظام الأسد من مناطق خارج سيطرته، داخل سورية أو خارجها، هي ما يُبقي الثورة السورية حيّة، أو هي ما يبرّر الكلام عن استمرار الثورة. يقتضي النشاط الثوري مواجهة السلطة الحاكمة في مناطق سيطرتها، ويقتضي تحدّي السلطات المباشرة التي تمتلك أجهزة الفرض وقوة اتخاذ القرارات. أما تسقيط سلطة من خارج النطاق الجغرافي لفعاليتها، فلا ينتمي إلى العمل الثوري، سيما إذا كان الأهالي أو السكّان الذين تسيطر عليهم هذه السلطة في حالة ركود. وما يزيد في نفي الصفة الثورية عن هذه الأنشطة، أنها تحدُث في ظلّ سلطاتٍ لا تقل سوءاً عن السلطة الأخرى التي يجري تسقيطها. أكثر من ذلك، يمكن القول إن مثل هذه الأنشطة “الثورية” تعمل على تبييض صفحة السلطات الفعلية المسيطرة على المجال الجغرافي الذي تحدُث فيه، ذلك أنها توجّه رسالة صريحة تقول إن السلطة التي ينشطون في ظلها لا تستوجب الثورة، إنما هي بالأحرى منصّة انطلاق ثورية ضد السلطة الأخرى.

إذا قسنا على هذا المبدأ، نجد أن الثورة السورية غير مستمرّة، وأن ما نجده من أنشطة “ثورية” في كل مكان خارج سيطرة نظام الأسد لا تخرج عن إحياء الذكرى. مع ذلك، هناك ما يجعل الثورة حيّة، وهو الواقع “الشاذّ” الذي انتهت إليه الحال في سورية. الشذوذ هنا هو بالقياس إلى المعايير الدولية التي تقتضي وجود دولٍ لها محدّدات معروفة، معايير لا محلّ فيها لاستيعاب السلطات السورية الناشئة التي لا تجد لها تعريفاً “نظامياً” في القانون الدولي. تتعثّر المعايير الدولية أمام الحالة السورية الراهنة التي تتوزّعها سلطات عديدة ليست “الدولة السورية” سوى واحدة منها. فهذه “الدولة”، وإن كانت لا تزال تتمتّع باعتراف قانوني دولي، لا تمتلك في الواقع ما يسند هذا الاعتراف، لا القبول الشعبي العام ولا الولاية الكاملة على الأرض، وهي لذلك دولة عاجزة، وعاجزة عن تجاوز عجزها، الأمر الذي يُبقي المشكلة السورية على أجندة المجتمع الدولي.

هذا الواقع الشاذ هو ما يرفع الوضع السوري إلى مستوى “قضية”، وهو ما يجعل التغيير في سورية ضرورة يصعب تجاوزها، لأن الحال السوري يبقى، في نظر القوانين والأعراف والمنظمّات الدولية، مشكلة مستمرّة تحتاج إلى حل. هذا الواقع الشاذ قانونياً هو ما يفسّر الوقائع الغريبة والمتناقضة التي نلاحظها في البلاد التي لا تزال تسمّى سورية، على شاكلة أن الأمم المتحدة تنتظر قراراً من نظام الأسد لفتح معبر باب الهوى، مثلاً، وهو معبر يقع كلياً خارج سيطرته، ولا يملك أي سلطة عليه سوى سلطة القانون الدولي. وفي الوقت نفسه، تجد الأمم المتحدة (ممثلة القانون الدولي) صامتة أمام انتهاك القانون الدولي بوجود سلطات مستجدّة على الأرض السورية محمية من دول خارجية. إذا أضفنا هذا إلى العدد الهائل من اللاجئين والنازحين السوريين، ندرك بأي معنىً يمكن الكلام عن استمرار الثورة. والمفارقة أن نظام الأسد يساهم في زيادة شذوذ الواقع السوري عن المعايير الدولية، من خلال رعايته تصنيع المخدّرات وتهريبها، ما يجعله يغرق أكثر في سعيه إلى تفادي الغرق.

على هذا، يمكننا أن نقول إن ما يجعل الثورة السورية مستمرّة شكل فشلها بالمقارنة مع أشكال فشل الثورات العربية الأخرى. الفشل المصري مثلاً أكثر انسجاماً مع المعايير الدولية، فقد اتّخذ هذا الفشل شكل انقلاب عسكري نجح في الحفاظ على الدولة متماسكة مع بسط سلطتها على كامل الأرض، وهكذا يمكن للعالم إغلاق ملفّ التغيير في مصر إلى أن تنشأ حركة جماهيرية جديدة تعيد فتح الملفّ. ينطبق هذا الحال، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتة، على البحرين والجزائر ولبنان والعراق، غير أن هذا الأمر متعذّر فيما يخصّ الملف السوري بسبب تفكّك الدولة السورية وتقطّع مجالها الجغرافي الموزّع على سلطات مستجدّة لا تتمتّع أي منها، بما في ذلك “الكيان الأسدي”، بما يعطيها شرعية دولية كاملة، وقد استنفد الوضع السوري طاقته الداخلية القادرة على إحداث تغييرٍ جذريٍّ لما استقرّ على الأرض، وصار، بالتالي، رهينة توافق إراداتٍ خارجيةٍ لا تزال ترعى “الشذوذ” السوري الذي سيبقى، بوصفه شذوذاً، يطرق باب الحلول. لا يختلف الحال في ليبيا واليمن عن الحال السوري إلا من حيث إنه أطيح رأسا السلطة في هذين البلدين، ولكن من دون أن تتمكن إحدى القوى الناشئة من حسم المعركة والسيطرة على كامل البلاد.

وكما يبدو الوضع السوري الراهن شاذّاً في المعايير الدولية ويتطلب حلاً، كذلك هو في المعايير الداخلية، فالسوريون خارج مناطق النظام يعيشون في ظل سلطات “شاذّة” غير معترف بها دولياً وما ينعكس عليهم من عدم اعتراف بشهاداتهم العلمية وغير العلمية وعدم اعتراف بهوياتهم ووثائقهم… إلخ، فضلاً عن تشابه حال القمع السياسي والتشبيح بين المناطق، وإن اختلفت الدرجات.

الواقع الذي تنتجه الاحتجاجات الشعبية المستمرّة في السويداء منذ أكثر من ستة أشهر، ضد نظام الأسد، والاحتجاجات التي بدأت أخيراً في معظم مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، يرسم بداية للخروج من الاستقطاب حول السلطات القائمة إلى الاستقطاب ضدّها، وهذا أمر حيوي فيما يتعلّق بتجاوز الانقسامات السورية على المستوى الشعبي. الخط الصحيح الذي ينبغي أن يرتسم في المجال السياسي السوري هو الذي يفصل المحكومين عن الحاكمين، فقد بات هذا هو خطّ الصراع الأساسي الذي تشوّش على مدى السنوات الماضية بخط آخر من الصراع بين السلطات القائمة التي تتشابه في آليات سيطرتها، وتتشابه في محاولة استجرار شرعيتها لدى محكوميها بادّعاء أنها تحميهم من السلطة الأخرى.

تشابك نضالات السوريين ضد السلطات الحاكمة في مناطقهم، يَعد، إذا ما استمرّ وتصاعد، برتق ما تمزّق من النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، ويجعل في المتناول أرضية سورية مشتركة يمكن أن يحطّ عليها حلٌّ دولي متوازن.

العربي الجديد

————————————

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى