سياسة

استثناءات العقوبات الأميركية… «ألغام» سورية وأسئلة إقليمية -مقالات مختارة-

الاستثناء الأميركي وفيدرالية الأمر الواقع في سورية/ سميرة المسالمة

فتح القرار الأميركي المتضمن الموافقة على السماح بأنشطة استثمارية في مناطق من الشمال السوري في 12 قطاعا حيويا، من دون أن تخضع لعقوبات، المجال لنقاشات كثيرة حول الرسائل السياسية والاقتصادية والأمنية التي يحملها مضمون القرار، ومكان تنفيذه، وكذلك أفق ما يستوجبه مثل هذا القرار من تغييراتٍ في بنية النظام السياسي لسورية، كي لا يكون أداة لتعميق تفتيت سورية، في وقت يمكن فيه استخدامه أداة اقتصادية للتعافي المبكّر لمناطق عانت من نزاع طويل الأمد ومتعدّد المستويات والقوى.

وحيث يمكن قراءة القرار من زاوية ما، أنه تنفيذاً للرؤية الأميركية – الأوروبية لشكل النظام السياسي في سورية ما بعد التسوية المحتملة، بأنه نظام “لامركزي، أو فيدرالي في درجةٍ ما”، وهو يفتح المجال أمام تنمية مناطقية تقرّرها الأطراف المحلية حسب مضمون وثيقة  تحت مسمى “اللاورقة” التي صدرت عن المجموعة المصغرة المشكّلة من أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن في (24 يناير/ كانون الثاني 2018).

والقرار، بشكله العام والمجرّد، يمكن عدّه خطوة مهمة في تفعيل ما يسمى التعافي المبكر لمناطق شهدت سنوات من النزاع المسلح المدمّر لبنيتها التحتية وقدراتها الخدمية، لكن السؤال يكون في هذه الحالة عن مدى قدرة أي جهةٍ الاستفادة منه، مع وجود صراعٍ راكد تحت الرماد بين القوى العسكرية المسيطرة على الشمال المستهدف من القرار، وهي  قوات سوريا الديمقراطية، وفصائل مسلحة مدعومة تركياً، وقوات الجولاني (جبهة النصرة) وبعض من وحدات الجيش التركي، ما يعني عدم توفر البيئة الآمنة للاستثمار، وبالتالي تعطيل مفاعيله الاقتصادية على الأرض، ما لم تعمَد هذه القوى إلى إيجاد جسور تواصلٍ بينها تؤدّي إلى انفتاح سياسي يسمح بانسياب التدفقات الاستثمارية وضمان أمنها. أي يمكن وصف القرار الأميركي بأنه “تحريض” للقوى الرئيسية (مجلس سوريا الديمقراطي وتركيا) على التفاوض وإيجاد تفاهمات مشتركة، تمكنهم من تحقيق منطقة خضراء أمنية لاستثمارات أجنبية أو محلية، وهو ما تترتب عليه إعادة رسم خريطة الخلافات البينية بين قوى الأمر الواقع، وترسيم حدود التماسّ مع بقية الأطراف وفقاً للقرار الذي يحظر التعامل مع النظام أو الجهات المعاقبة أميركياً، وهي جبهة النصرة من جهة، والنظام السوري ومعه كل من روسيا وإيران من جهة ثانية.

وربما هنا لا يمكن تجاهل قراءة النظام القرار أنه إعلان رسمي من الولايات المتحدة بالاعتراف الكامل لخروج هذه المناطق من مظلة حكومة النظام السوري، وهو أمر فعلياً يتناقض مع كل البيانات الرسمية الدولية بشأن وحدة الأراضي السورية، التي تستوجب التعامل مع كامل أجزائها بالقوانين ذاتها، وبالتالي بالعقوبات ذاتها، حسب ما يعنيه بيان وزارة خارجية النظام الذي اعتبره “مؤامرة وطالب المواطنين في الشمال السوري بإسقاطها”، أو بمعنى آخر التساوي مع مناطق النظام في تحمّل أعباء الحرب التي خاضها النظام ذاته ضد السوريين في الشمال المستهدف بالقرار.  ويعني هذا أن القرار يضعنا من جديد أمام قراءاتٍ مختلفة تبدأ من تفسيره الاقتصادي، ولا تنتهي عند تفسيره السياسي، بأنه تعاملٌ أميركي مع فيدرالية الأمر الواقع، وإنما يمكن أن يكون سبباً في وضع حد للخلاف التركي – الكردي من منظور المصالح المتبادلة، للاستفادة من القرار باتجاهاتٍ سياسيةٍ وعسكرية واقتصادية ومجتمعية، وأيضاً لإجبار النظام على إعادة قراءة مسار التسويات المقبلة في ظل توسيع هامش الحريات الاقتصادية التي يعنيها ويستهدفها القرار.

من هنا تكمن أهمية العودة إلى الحوار بين القوى والشخصيات السورية الذي جرى نهاية الأسبوع 13 و14 مايو/ أيار في استوكهولم بشأن مستقبل النظام السياسي في سورية، للتأسيس لإجماعات وطنية حول الشكل الأمثل للنظام، ومدى قدرته على معالجة واقع مناطق سورية، وفقاً لاحتياجاتها المختلفة، فذلك هو المدخل الذي يسهم في معرفة التحدّيات الحقيقية التي تواجهنا على هذا الصعيد، وضمن الخيارات المطروحة كان لنظام “اللامركزية” حظّه الوافر في النقاشات التي كان القاسم المشترك بين المشاركين هو ضرورة ألا نعيد إنتاج النظام المركزي الحالي للتداول.

والأساس عندي هو تحديد (وضبط) المعنى، أو المقصد، من أي طرح يقدّم، سواء تحت مسمّى اللامركزية أو كما طرحته في أكثر من مقال سابق بتسميته الصريحة “الفيدرالية”، منعا للتلاعب، والمخاتلة. وتلك هي وظيفة الدستور، أو النصوص الدستورية، بالرغم من أن المصطلحات تخضع دائماً لتوظيفات سياسية متباينة، تبعا لطبيعة النظام الحاكم، ومدى تمثله قضايا المواطنين. وللفيدرالية (أو اللامركزية) التي تطرح خيارا ملائما لسورية ما بعد الحرب إيجابيات وسلبيات، كأيّ نظام آخر، والحكم في هذا الأمر مدى تلبية أي نظام لحاجات المجتمع، وحاجات التطور في البلد المعني. ولكن حتى ترجح كفّة الإيجابيات فيها يُفترض أن تنطلق من وجود نظام ديمقراطي، لأن الديمقراطية كنظام هي التي تدعم وترسخ الكيانات الفدرالية، التي لا تسمح بإعادة إنتاج النظام المركزي، الاستبدادي، وكل نظام مركزي هو استبدادي، بشكل أو بآخر، بهذه الدرجة أو تلك. وطبيعي أن الديمقراطية لا تتأتى فقط من انتخابات، وإنما هي ترتكز على مكانة المواطنة، وتعدّد السلطات، (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، واستقلاليتها، بحيث لا تطغى سلطةٌ على غيرها، في نوع من تقاسم السلطة، أو تحديد حدود كل سلطة.

ولعلّ من المفيد التذكير أن البلدان الكبيرة والقوية، السائدة في العالم، تتبنّى النظام الفيدرالي، وهذا ينطبق على الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا والنمسا، والبلدان الفدرالية تبدو أكثر وحدة، وعصية على التجزئة، من البلدان التي تتبنّى المركزية، وهذا ما ثبت في التجربة. ومثلا لو أن السودان يتبنّى نظام الفيدرالية لما تعرّض للاهتزاز وخروج جزء من أرضه ومجتمعه عنه. والفدرالية (أو اللامركزية) المطروحة للنقاش لا تعني مجرّد تقسيماتٍ إدارية، أو شكلية، أو مجرّد وسيلة لتعزيز هيمنة المركز، وإنما هي تعني أساسا المشاركة في الحكم، أو تقاسم السلطة، بين المركز والأطراف، أي بين السلطة المركزية والسلطات الفرعية، كما يعني ذلك الإنصاف في تقاسم الموارد، والمشاركة في تقرير السياسات وتحديد الخيارات.

وتعد حقوق المواطنة الفردية والجماعية، والمقصود هنا المواطن الفرد، الحرّ، والمستقل، والمتساوي مع غيره، هي أحد أساسيات النظام الفيدرالي، لأنه من دونه يصبح ذلك النظام بمثابة سلطةٍ مركزية، سواء كانت واحدة، أو كانت تمثل عدّة مراكز قوى سلطوية. ويمكن التأكيد أنه لا معنى أيضا لنظام فدرالي لا تتمثّل عبره جموع المواطنين، بكل انتماءاتهم، ومع تنوعهم، لأن النظام الفيدرالي القائم على الإقصاء لأي سببٍ يحمل بذور ضعفه وانهياره، ومعنى التمثيل هنا على الصعيدين المحلي والعام.

صحيحٌ أن القرار الأميركي تعامل مع بدهية أنّ الشمال منفصلٌ عن باقي أجزاء سورية التي يهيمن عليها النظام، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه تشجيعٌ على الانفصال، بقدر ما يمكن أن يكون القرار للحضّ على تسريع خطا التفاوض، لإنتاج نظام سياسي يحافظ على وحدة سورية من جهة، وعلى استقلالية القرار المناطقي التنموي من جهة مقابلة، وليس أنسب من الفيدرالية لتكون محلّ نقاش جادّ بين السوريين أفراداً وجماعات، وعلى طاولة تفاوض اللجنة الدستورية بعيداً عن الاتهامات المسبقة، والتأويلات المجحفة للمصطلح، والقياس على التجارب الناجحة لبلدانٍ اختبرها السوريون في أزمات لجوئهم المروّعة.

العربي الجديد

—————————

استثناءات “قانون قيصر “… شكوك حول الجهات المستفيدة

وسط تجاذب القوى الفاعلة في شمال سوريا على وقع تطورات الحرب الأوكرانية وانسداد أفق الحل السياسي للأزمة السورية، اتخذت الولايات المتحدة الأميركية قراراً جديداً من شأنه أن يزيد التصعيد في المنطقة، لا سيما أن القرار الجدلي أثار تحفظات شديدة عليه من قبل اللاعبين الرئيسيين في مناطق شمال شرقي وشمال غربي سوريا، رغم أنه في الوقت نفسه قد يكون ترك القرار لكل طرف هامشاً معيناً للاستفادة من تفاعلاته الاقتصادية على أرض الواقع نتيجة تشابك المصالح والتعقيدات الكبيرة التي تحيط بالممارسات التجارية في تلك المنطقة التي تنتشر عليها قوات من خمس دول هي أميركا وروسيا وإيران وتركيا وسوريا.

وبعد أخذ ورد استمر لأشهر عديدة بسبب البيروقراطية التي تتبعها وزارة الخزانة الأميركية، وافقت الأخيرة، قبل أيام، على استثناء بعض المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية من “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات قاسية على دمشق، حيث سمحت بأنشطة في 12 قطاعاً، بما فيها الزراعة والبناء والتمويل في مناطق شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” ومناطق شمال غربي سوريا انتزعتها تركيا من تنظيم “داعش”.

وأصدرت الخزانة، الخميس 12 أيار (مايو)، بياناً جاء فيه أنها سمحت ببعض الاستثمارات الأجنبية في المناطق الواقعة شمال سوريا والخارجة عن سيطرة حكومة النظام، والتي اعتبرتها استراتيجية تهدف لهزيمة تنظيم “داعش” من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وأوضحت أنها لم تسمح بأي معاملات مع حكومة النظام أو تلك المصنفة بموجب العقوبات الأميركية خلال الحرب التي استمرت 11 عاماً.

وسمحت الرخصة أيضاً بشراء منتجات نفطية مثل البنزين في المنطقة، باستثناء المعاملات التي تشارك فيها حكومة النظام السوري أو تلك المصنفة بموجب العقوبات الأميركية. كما أنها لم تسمح باستيراد النفط السوري المنشأ أو المنتجات البترولية إلى الولايات المتحدة.

وبحسب البيان، فإن المناطق التي تسري فيها الرخصة كالآتي: منطقة منبج باستثناء ناحيتي الخفسة ومسكنة. ومنطقة الباب باستثناء نواحي تادف ودير حافر ورسم حرمل الإمام وكويرس شرقي وعين العرب. ومنطقة أعزاز باستثناء نواحي تل رفعت ونبل. ومنطقة جرابلس.

وكذلك تشمل الرخصة محافظة الرقة مركز المدينة باستثناء نواحي معدان وتل أبيض. ومدينة الطبقة باستثناء ناحية المنصورة.

وتمتد الرخصة إلى محافظة دير الزور لتشمل مركز المدينة باستثناء مناطق غرب الفرات ونواحي التبني وموحسن وخشام، ومدينة الميادين باستثناء مناطق غرب الفرات وناحية العشارة. ومدينة البوكمال باستثناء مناطق غرب الفرات وناحية الجلاء.

وتصل أخيراً إلى محافظة الحسكة حيث تشمل جميع أنحاء المحافظة باستثناء حي المالكية ومدينة القامشلي وقضاء رأس العين.

ويستثني القرار كما هو واضح إلى جانب المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، كلاً من منطقتي عفرين في ريف حلب التي سيطرت عليها تركيا في عملية غصن الزيتون عام 2018 بعد ما طردت القوات الكردية منها، ومنطقة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” المصنفة على قوائم الإرهاب العالمية.

وفي حين كانت أطراف سورية مثل “قوات سوريا الديموقراطية” تترقب بفارغ الصبر صدور القرار بعد ما بذل اللوبي الموالي لها في واشنطن جهوداً حثيثة لإمراره، كانت أطراف محلية وإقليمية أخرى مثل حكومة دمشق وتركيا تتخوفان من صدور القرار بسبب تداعياته المحتملة على وحدة الأراضي السورية من جهة، ولأنه سيعزز من نفوذ الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً ويكرسها كقوة أمر واقع تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي في مناطق سيطرتها، من جهة ثانية. ويبدو أن القرار بصياغته وحيثياته لم يلبِ تطلعات الأكراد كما أنه لن يخيب آمال أنقرة بالكامل.

ومن حيث القطاعات التي شملها القرار الأميركي فهي قطاعات لم يكن العمل فيها ممنوعاً في وقت سابق، على مستوى الأفراد والمؤسسات، غير أنّ الجديد هو ضمان القدرة على تحويل الأموال واستيراد مستلزمات الإنتاج اللازمة لتنفيذ أعمالهم، حتى لو كانت تقنيات ومعدّات عالية التقنيّة، وأيّ معدات أو معاملات ضرورية لتنفيذ الأعمال في تلك القطاعات، التي تم تقييدها سابقاً بموجب قوانين العقوبات الأميركية.

وبموجب اللائحة تستطيع الشركات الأميركية والمؤسسات المرتبطة بها الدخول للعمل في مناطق شرق وشمال سوريا ضِمن القطاعات المحدّدة. علماً أنّ الجالية السورية في الولايات المتحدة الأميركية كانت قد طالبت بمثل هذه اللوائح منذ سنوات عدّة في سبيل افتتاح مؤسسات اتصال والمساهمة بأعمال البناء والإسكان وضمان تحويل الأموال بطرق شرعية ومُرخَّصة، وفق ما ذكر مركز جسور للدراسات في تقرير له حول القرار الأميركي.

ولاحظ المركز أن القرار يأتي في سياق التعافي المبكِّر، فالدول الغربية كانت قد توافقت على ضرورة الدفع بهذه العجلة من خلال مشاريع متوسطة الأمد في سوريا بعيداً من إعادة الإعمار الذي ترفضه ما لم يكن هناك حلّ سياسي. وبالأصل، تهدف عملية التعافي المبكر إلى دعم قدرة المجتمعات المحلية على الاعتماد على نفسها وتحريك عجلة الإنتاج بما يضمن تقليل الاعتماد على الأعمال الإغاثية والمعونات الإنسانية؛ الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى تخفيفِ العبء عن كاهل المانحين من جهة، وإضعافِ قدرة التنظيمات المتطرِّفة على تجنيد الشباب لأسباب مالية من جهة أخرى.

ومن المتوقَّع أن تُفضي اللوائح المُعلَن عنها إلى تعزيز دخول مؤسسات غير ربحية بشكل أكبر لدعم برامج التعافي المبكر وإقامة مشاريع صغيرة تطور من بِنْية القطاع العامّ وتساهم في تطوير البِنَى التحتية. كذلك يُتوقَّع أن تدخل بعض الشركات والأفراد في سبيل دعم عملية الإسكان وإنشاء مشاريع أكبر حجماً من الماضي، كما قد تشهد المنطقة تدفُّق تقنيات اتصال ومَيْكَنَة زراعية وصناعية متطوِّرة نسبياً، وافتتاح مكاتب حوالات رسمية مرخَّصة.

في المقابل، وعلى رغم أن مسؤولة أميركية صرحت قبيل صدور القرار بأن أنقرة لن تعارض رفع العقوبات عن مناطق “قسد”، حيث قالت القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، خلال اجتماع “التحالف الدولي لمكافحة داعش” في مدينة مراكش المغربية، أن “أنقرة تعتبر “قسد” جماعة إرهابية، لكنها لن تعارض الترخيص”، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سارع بنفسه إلى انتقاد القرار حيث قال عقب صلاة الجمعة أنه “لا يمكن أن نقبل قرار واشنطن الخاطئ بشأن إعفاء مناطق سيطرة التنظيم من العقوبات على سوريا”. وفق ما نقلت وكالة “الأناضول”.

وأشار إلى أن الإدارات الأميركية قدمت في السنوات الأخيرة كل أنواع المساعدات منها أسلحة وذخائر ومعدات لـ “قسد” رغم تحذيرات تركيا.

ولم يكتف أردوغان بذلك، بل تعمد اللجوء إلى التصعيد كاشفاً أن تركيا ستعلن عملية عسكرية ضد حزب “العمال الكردستاني” شمال شرقي سوريا على غرار عملية “المخلب” الجارية الآن في شمال العراق، بغض النظر عمن يقف وراء تلك التنظيمات “المعادية”.

بدوره اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الاستثناءات الأميركية بخصوص العقوبات على سوريا محاولة لشرعنة حزب “العمال الكردستاني” و”قسد”.

ووصف أوغلو حسب الوكالة التركية الإعفاءات الأميركية من عقوبات “قانون قيصر” بخصوص بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بـ “الانتقائية” وتنطوي على “تمييز”.

وانتقد أوغلو استثناء إدلب من الرخصة الأميركية مشيراً إلى أن “إدلب هي المنطقة الأكثر حاجة لدعم المجتمع الدولي في ما يتعلق بالمرونة في العقوبات، كونها تضم ملايين النازحين، وأن تركيا تواصل بناء منازل الطوب في المنطقة لإيواء النازحين”.

ويعتقد مراقبون أن أنقرة رغم عدم رضاها بالكامل عن القرار الأميركي، إلا أنها لم تعرقل صدوره، لا سيما أنه يشمل مناطق خاضعة لسيطرتها، وهي بأمس الحاجة إلى فتح آفاق الاستثمار فيها بما من شأنه أن يساهم في تنفيذ خطة الرئيس التركي بإعادة مليون لاجئ سوري إلى سوريا.

من جهتها، انتقدت وزارة الخارجية السورية الجمعة قراراً أميركياً يسمح ببعض الاستثمارات الأجنبية في مناطق بشمال سوريا خارج نطاق سيطرة الحكومة، وتعهدت “بهزيمة” هذه الخطوة. وفي بيان صدر اليوم الجمعة، قالت وزارة الخارجية والمغتربين السورية إن دمشق “مصممة على هزيمة هذه المؤامرة الجديدة”، وحثت المواطنين في شمال البلاد على “إسقاطها”.

ووصفت الوزارة القرار بأنه جزء من سياسة “هدامة” تنتهجها الولايات المتحدة في سوريا.

وفي اتصال هاتفي مع الصحافيين، رفض مسؤولون أميركيون تأكيدات بأن الخطوة الأميركية يمكن أن تعتبر تعزيزاً لجهود بعض الدول العربية لإنهاء عزلة الأسد، وكرروا القول إن واشنطن ليست لديها النية لرفع العقوبات المفروضة عليه.

ومع ذلك فقد حذّر مركز جسور للدراسات من أن الخطوة الأميركية ورغم أنها تستبعد مناطق النظام السوري والأفراد المُعاقَبين والمحظورين وكذلك الأنشطة النفطية من أيّ استثناء من العقوبات، إلّا أنّ الشكوك لا تزال قائمة حول إمكانيّة استفادة النظام من هذه الاستثناءات من خلال التشابُكات الكبيرة بين مناطقه والمناطق الخارجة عن سيطرته؛ بخاصة في مجال العملات الأجنبية، والموادّ الأولية.

النهار العربي

——————————

استثناءات العقوبات الأميركية… «ألغام» سورية وأسئلة إقليمية/ لندن: إبراهيم حميدي

لو أن شخصاً أسس مشروعاً استثمارياً في القامشلي، الخاضعة لسيطرة حلفاء واشنطن، شمال شرقي سوريا، ووظف فيه عمالاً من «المربع الأمني» التابع لدمشق، هل يعتبر هذا خرقاً للعقوبات الأميركية أم لا؟

ولو أن شخصاً أسس مشروعاً استثمارياً في أعزاز، الخاضعة لحلفاء أنقرة، في ريف حلب شمال البلاد، وحصل على مواد أولية من تل رفعت المجاورة، هل يكون قد خرق العقوبات الأميركية أم لا؟

القرار الذي اتخذته وزارة الخزانة الأميركية الخميس، للسماح بأنشطة استثمارية في 12 قطاعاً، من بينها الزراعة والتشييد والتمويل، سيطرح أمام واشنطن مثل هذه الأسئلة التفصيلية في الفترة المقبلة.

فمن حيث المبدأ، كثفت إدارة الرئيس جو بايدن جهودها في الأشهر الأخيرة للتشاور مع حلفائها العرب والإقليميين والسوريين لبلورة قرار يقع ضمن استراتيجيتها السورية، التي يأتي في رأس أولوياتها «منع عودة «داعش». والعنوان العريض للقرار هو السماح بأعمال استثمارية في قطاعات معينة، واستثنائها من عقوبات «قانون قيصر» والإجراءات العقابية الأميركية، في مناطق «خارج سيطرة النظام السوري»، بهدف «تعزيز الاستقرار» ومنع عودة ظهور «داعش»، وتقديم أوكسجين في مناطق نفوذ خاضعة لسيطرة أميركا وحلفائها وتركيا وأنصارها.

لكن التدقيق في تفاصيل قرار وزارة الخزانة، والإيجازات الرسمية الأميركية، يشير إلى أن الإجراء سيواجه تحديات كبيرة، ويتضمن الكثير من الألغام، لأنه ينطوي على الكثير من التناقضات، وهنا بعضها:

– أولاً، النفط، إذ يسمح القرار الأميركي بعمليات شراء المنتجات النفطية مثل البنزين، لكنه لا يسمح بالتعاملات مع الحكومة أو الأفراد الخاضعين للعقوبات أو لقرار منع توريد المنتجات النفطية السورية إلى الولايات المتحدة، بل إنه نص على أن عمليات الاستثمار يجب ألاّ تشمل قطاع النفط المدرج على قائمة العقوبات.

والمشكلة، أن منطقة شرق الفرات تضم 90 في المائة من ثروات النفط السوري، وأكثر من نصف الغاز، وهي تنتج حالياً 90 ألف برميل يومياً، يذهب قسم منه إلى مناطق الحكومة السورية عبر «أمراء حرب» ووسطاء معروفين بالنسبة إلى واشنطن. لذلك، فإن تطبيق القرار الجديد سيكون عرضة لاختبارات كثيرة ومناطق رمادية.

– ثانياً، الاعتراف السياسي. فقد شنت أنقرة (ودمشق) هجوماً شديداً على القرار الجديد، لأنه يدعم «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تعتبرها تركيا امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنف «تنظيماً إرهابياً» لديها. لكن مسؤولين أميركيين أكدوا في إيجاز صحافي أول من أمس، أن القرار «ليس خطوة سياسية، بل خطوة اقتصادية وخطوة استقرار للمساعدة في تحسين ظروف الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق غير الخاضعة للنظام». وأضافوا: «هذه الخطوة لا تعزز أو تدعم أو تؤيد الحكم الذاتي في أي جزء من سوريا. الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بشدة بوحدة أراضي سوريا».

وكان مسؤولون أتراك انخرطوا مع نظرائهم الأميركيين في مناقشة هذا القرار، ولم تكن أنقرة راضية عن صيغته النهائية، مع أنه شمل مناطق خاضعة لنفوذها في ريف حلب. ولا شك في أن هذا الأمر سيكون بنداً أساسياً خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن في الساعات المقبلة.

– ثالثاً، الإعمار – الاستقرار. فقد أعلنت واشنطن أنها «ستواصل معارضة إعادة الإعمار الموجهة من قبل أو من أجل نظام الأسد، التي لن تخدم سوى المصالح الضيقة للنظام وليس مصالح الشعب السوري». وتتفق واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في عدم دعم الإعمار في سوريا قبل تحقيق حل سياسي جديد بموجب القرار الدولي 2254. لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إن القرار الجديد يرمي إلى «دعم الاستقرار» و«التعافي». فما الحدود العملية لدى تأسيس مشاريع استثمارية بين «الإعمار» و«الاستقرار»؟

– رابعاً، الحيز الجغرافي. فقد فصّل القرار خريطة المناطق التي تشملها الاستثناءات في مناطق خاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا، ومناطق «الجيش الوطني السوري» المعارض المدعوم تركياً، واستثنى قرى ومناطق صغيرة تابعة لدمشق أو لـ«هيئة تحرير الشام» المصنفة في مجلس الأمن الدولي «تنظيماً إرهابياً». وأبلغني مسؤول أميركي أول من أمس أن «المفتاح هو التأكد من أن أي شخص يسعى للاستفادة من الترخيص لا يتعامل مع أشخاص تم تحديدهم في إطار العقوبات، كما أنه لا يسمح بالأنشطة في المجالات التي لم تتم تغطيتها». لكن، هل الحدود البشرية والجغرافية واضحة بين القرى والبلدات، وبين السوريين والسوريين… كما لو أنها بين دول فيها حواجز جمركية؟

– خامساً، التطبيع – التقسيم. قال مسؤولون أميركيون إن «التفويض لا يسمح بأي نشاط مع الحكومة السورية، أو الأشخاص الخاضعين للعقوبات»، وإنه «لن نرفع العقوبات عن نظام الأسد أو أصدقائه، ولن نطبع العلاقات مع نظام الأسد حتى يتم إحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي للصراع وفق القرار 2254». لكن، هل يعتبر هذا خطوة إضافية من واشنطن في التعاطي مع الواقع في سوريا؟ هل هي خطوة إضافية لتثبيت «الحدود» بين مناطق النفوذ الثلاث، بل التعاطي مع جزرها الصغيرة و«تقسيم المقسم»؟

أسئلة كثيرة طرحها القرار الأميركي الجديد، كثير منها طرح خلال المشاورات المغلقة التي قام بها مسؤولون أميركيون مع نظرائهم العرب والإقليميين. والفرق أنه أصبح قراراً أميركياً تنفيذياً، تلتزم به المؤسسات الأميركية، وما على الأطراف السورية والمعنية إلا التعاطي مع فرصه وتحدياته ومخاطره.

الشرق الأوسط

———————-

تكويع” أميركي في شرقي الفرات/ سمير صالحة

ما تكاد تهدأ الأمور بين أنقرة وواشنطن في ملفات خلافية ثنائية وإقليمية كثيرة لا تعد ولا تحصى، وما إن تبرز بوادر أمل وتفاؤل حول احتمال حدوث اختراقات وانفراجة جديدة في العلاقات بين البلدين، حتى تنفجر الأوضاع مجدداً وتعود الأمور إلى ما كانت عليه من تباعد وتأزم. الحرب في أوكرانيا كانت فرصة للانفتاح والتعاون بين تركيا وأميركا. تبعها الكثير من اللقاءات السياسية والعسكرية التي واكبها تصريحات ومواقف إيجابية وتفاهمات حول ضرورات التهدئة ومتطلبات الشراكة، لكن خطوة أميركية واحدة قبل أيام كانت كافية بإشعال الجبهات مرة أخرى بين الطرفين.

 قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يعقب على قرار وزارة الخزانة الأميركية بإصدار تراخيص تسمح بتمويل مشاريع اقتصادية واستثمارات أجنبية في مناطق تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” في شمال شرقي سوريا، إنه لا يمكن قبول مثل هذا القرار الخاطىء وإننا سنقوم بما ينبغي للقضاء على التنظيمات الإرهابية دون التوقف عند الجهات التي تديرها أو تدعمها. ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أيضاً لا يمكن تجاهله “هي خطوة أميركية من جانب واحد ومحاولة لمنح هذه المجموعات المرتبطة بحزب العمال المزيد من المشروعية”.

اللافت أولا هو مكان الإعلان عن هذا القرار الأميركي حيث اجتماع دولي في مراكش لبحث خطط الحرب على “تنظيم الدولة”، وحيث تستغل واشنطن الفرصة لتجديد تمسكها بقسد ومسد ورقتها الوحيدة في الملف السوري. واللافت ثانياً هو توقيت الإعلان عن مثل هذه الخطوة حيث كان الحديث يجري عن تفاهمات أميركية تركية بشأن تزويد أنقرة بصفقة مقاتلات جديدة من طراز إف 16 وترميم وتحديث العشرات من هذه الطائرات كخطوة حسن نية تمهد لحلحلة في ملف صواريخ إس 400 الروسية التي اشترتها تركيا وتحولت إلى نقطة خلاف وتوتر أثر في بقية الملفات في علاقات البلدين.

حسبنا للوهلة الأولى أن القرار الأميركي هدية من إدارة بايدن على طريق تصحيح المسار عبر إلزام “قسد” بالتخلي عن تمسكها بفكر وطروحات وخطط حزب العمال الكردستاني، ودفعها لقبول وتبني ما تقوله وتريده تركيا في خطط أمنها القومي الحدودي في شرقي الفرات وإبعاد حليفها عن الحدود التركية لنحو 30 كلم استجابة للطلب التركي تمهيداً لفتح الطريق أمام المطلب التركي القديم الجديد في تفعيل خطة المنطقة الآمنة على طول الشريط الحدودي مع سوريا خصوصاً وأن أنقرة أعلنت عن استعداداتها لتسهيل عودة مليون لاجئ سوري إلى أراضيهم في إدلب وجوارها وفي إطار خطة إنمائية إنسانية سياسية متعددة الأهداف والجوانب. فتقدم واشنطن على خطوة تعيد العلاقات مع تركيا إلى خط البداية غير عابئة بما قد تقوله وتفعله أنقرة. قيادات العدالة والتنمية تريد تسجيل تقدم ما في المشهد السوري وقيادات البيت الأبيض تذهب بالاتجاه الآخر الذي يعرقل الخطط والأهداف التركية في شمال سوريا

الرد التركي على الخطوة الأميركية لم يتأخر عبر رفضها والتلويح بأن الموقف الحقيقي سيكون في الميدان من خلال المزيد من العمليات العسكرية في شمالي سوريا ضد المجموعات الإرهابية تماما كما يجري اليوم في شمالي العراق. لكن حجم الغضب التركي جاء في اليوم الثالث من التريث وانتظار توضيحات من البيت الأبيض لم تحصل أنقرة عليها، حيث سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعلان تحفظ بلاده على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي وهو الهدف الأميركي الأوروبي الجديد لقلب توازنات اللعبة في أوكرانيا وشرق أوروبا وحوض البحر الأسود. لا تقدم أنقرة على خطوة من هذا النوع ووسط هذه الظروف لإرضاء موسكو التي ترفض توسع الأطلسي شرقا، رغم أنَّ الموقف التركي هذا قد يتحول إلى الخشبة التي سيفرح لها الكرملين للخروج من مستنقع واشنطن الذي حفرته في الحديقة الخلفية لروسيا. وأنقرة تقول أيضا إن السبب في رفع البطاقة الحمراء هو الدعم الذي تقدمه الدول الإسكندنافية لمجموعات قسد وحزب العمال واستقبال قياداتها وكوادرها بشكل علني، فكيف تثق بدول تنسق مع مجموعات تعتبرها تركيا إرهابية ولماذا تفتح الطريق أمامها في تكتل حلف شمال الأطلسي؟ ردة الفعل التركية هي في إسكندنافيا وستكون أكبر في الاجتماع التركي الأميركي المرتقب بعد أسبوع وربما ستفجر الوضع في قمة الأطلسي المنتظرة قريبا، لكن صداها وصل إلى شرق الفرات وموسكو ودمشق وطهران أيضا.

نفذت تركيا عملية “غصن الزيتون” و”نبع السلام” ضد مجموعات “قسد” بضوء أخضر أميركي قبل 4 أعوام. واشنطن تقول العكس هذه المرة الضوء الأخضر هو لحليفها الكردي في سوريا، فما الذي دفع الإدارة الأميركية لإغضاب أنقرة على هذا النحو وهي في أمسّ الحاجة إلى حليف يوجد اليوم في قلب كل حساباتها ومعادلاتها الإقليمية؟

تقول واشنطن إنه لا نوايا لديها لرفع العقوبات عن نظام الأسد، قبل حدوث تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي في سوريا. لكنها تقول أيضا إن هدف هذه الخطوة هو مساعدة منطقة كانت تخضع في السابق لسيطرة تنظيم “الدولة” في إطار استراتيجية ضمان هزيمة داعش. ترد أنقرة: مع من ناقشتم مثل هذا القرار قبل الإعلان عنه وأنتم تدركون حساسية الملف وخطورة مشروع “قسد” في سوريا؟

وصف الإعلام التركي القرار الأميركي الأخير في شرقي الفرات بالفضيحة. يلخص هذا خطورة ما يجري بالنسبة لتركيا وهو الرد المختصر على تسريبات دبلوماسية أميركية تقول إنَّ أنقرة لن تعارض الترخيص لشركات أجنبية تعمل في إطار عشرات المشاريع بملايين الدولارات لإحياء مناطق نفوذ قسد اقتصادياً وإنمائياً وتعزيز فرص استقلالها السياسي والأمني عن الجغرافيا السورية، بينما هي كانت تنتظر من واشنطن أن تدعمها في خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، وتقديم التمويل المادي لإعمار مناطق شمال غربي سوريا.

الإجماع هو شرط أساسي داخل منظومة الأطلسي لقبول أعضاء جدد. أنقرة تملك إذا ورقة الفيتو وهي لن تتردد في لعبها ضد الجميع مهما كان الثمن لعرقلة انضمام السويد وفنلندا الهدف الاستراتيجي الأميركي الأول اليوم في المواجهة مع روسيا. فما الذي يدفع البيت الأبيض لاتخاذ قرار تحريك أحجار شرقي سوريا؟ عملية عسكرية تركية مرتقبة لا مفر منها ضد “قسد” ومجموعات حزب العمال التي تستهدف المواقع التركية بين الحين والآخر؟ شعور واشنطن أن ورقة داعش لم تعد تعمل في سوريا والعراق وأنها ستسقط من يدها قريبا لأنها استنزفت إقليميا ودوليا؟ تحرك تركي جديد في الملف السوري بالتنسيق مع موسكو لا يمكن فصله عن خطة إعادة مئات الآلاف من اللاجئين إلى شمالي سوريا وهو ما سيشمل مناطق نفوذ قسد أيضاً شئنا أم أبينا. فهل اكتشفت واشنطن وجود خطة تركية روسية إيرانية بالتفاهم مع النظام ومدعومة من قبل بعض العواصم العربية نحو حلحلة أكبر في الملف السوري ستكون على حساب مصالحها ومصالح حليفها وحصتهما هناك؟

تكويع تركي أميركي يومي في مسار العلاقات الثنائية والإقليمية. واشنطن منزعجة من مواقف أنقرة التي لا تعطيها ما تريده في الملف الأوكراني حيث تواصل تركيا إعلان تمايزها وحياديتها وتمسكها بعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع روسيا، وتركيا ترى أن واشنطن هي من يعرقل جهود الوساطة التي تبذلها على خط موسكو – كييف خصوصاً بعد فرضها لدور الأمين العام للأمم المتحدة أمام أية طاولة حوار في الأزمة الأوكرانية ودعمها خطط سحب البساط من تحت قدم أنقرة وتضييق الخناق على تحركاتها الهادفة لحماية مصالحها مع طرفي النزاع.

——————————

إعفاءات قيصر:تركيا كانت تعلم/ عقيل حسين

كما كان متوقعاً، فقد أقرت الإدارة الأميركية اعفاءات خاصة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال وشمال شرق سوريا من العقوبات الاقتصادية، ما يسمح بعمل الشركات المحلية والأجنبية في هذه المناطق، باستثناء تصدير النفط إلى خارج البلاد.

ورغم أنها تشمل مناطق النفوذ التركي شمال البلاد، إلا أن انقرة هاجمت بشدة هذه الاعفاءات بسبب تطبيقها في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باستثناء بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.

المناطق المستثناة

كما ينص القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية على إعفاء جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، باستثناء محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية، وكذلك مدينة عفرين، الأمر الذي انتقده وزير الخارجية التركية مولود تشاويش أوغلو بشدة، معتبراً أن هذه الاعفاءات تنطوي على “تمييز”.

ورغم أن القائمين على إصدار القرار الأميركي حاولوا إظهار التوازن من خلال استثناء المناطق الإشكالية بين المعارضة والإدارة الذاتية، وخاصة عفرين وتل رفعت، من هذه الاعفاءات، إلا أن أوغلو رأى أن ذلك يمثل انتقائية وهو “أمر سببه واضح وذو دلالة”. واعتبر أن إدلب هي المنطقة الأكثر حاجة لدعم المجتمع الدولي في ما يتعلق بالمرونة في العقوبات.

تحفظات ولكن..

موقف تركي متوقع “لكنه لا يعدو أن يكون للاستهلاك السياسي والإعلامي فقط” حسب مصدر سوري معارض أكد ل”المدن”، أن تركيا ستكون أكبر المستفيدين من هذه الخطوة، وأنها كانت على اطلاع مسبق بها وحاولت بالفعل أن تشمل أيضاً منطقة إدلب.

وقال المصدر: “منذ أربعة أشهر على الأقل والمسؤولون الأميركيون عن الملف السوري يعدون مسودة قرار الاعفاءات الذي صدر أخيراً بعد التشاور والاتصال مع مختلف الأطراف، سواء الائتلاف أو منظمات المجتمع المدني المعارضة، وكذلك قسد والمجلس الوطني الكردي”.

وأضاف أن “تركيا كانت بصورة كل ذلك إلا أنه لم يُطلب منها إبداء الرأي من قبل الجانب الأميركي، لكنها كانت حاضرة بشكل غير مباشر من خلال القوى السياسية السورية المعارضة المقربة منها والتي عملت الولايات المتحدة على أخذ مقترحاتها بعين الاعتبار”.

وكشف المصدر أن النص الاساسي لقرار الاعفاء كان يستثني، إلى جانب إدلب وعفرين “منطقة غصن الزيتون”، أجزاء من منطقة “نبع السلام” التي سيطرت عليها تركيا نهاية 2019 بعد طرد قوات قسد منها، لكن القوى والشخصيات المعارضة نجحت في إقناع العاملين عليها بأن ذلك سيزيد من الموقف السلبي تجاه القرار، وسيعزز من التصور المسبق منه باعتباره موجهاً لخدمة الإدارة الذاتية الكردية، ما جعل واشنطن تقتصر على عدم شمل عفرين بالاعفاءات إلى جانب تل رفعت “لإظهار التوازن”.

واعتبر المصدر أن تركيا ورغم تصريحاتها القوية ضد الاعفاءات إلا أنها لم تطلب من الائتلاف والحكومة المؤقتة رفضها أو تسجيل موقف سلبي منها لدى الإدارة الأميركية، بسبب المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها شركاتها باعتبارها المصدر الرئيسي إن لم يكن الوحيد للسلع والمنتجات المستهلكة في شمال سوريا، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها قسد، لكن التحفظ الحقيقي لدى أنقرة هو أن هذه الاعفاءات تشمل القطاع المصرفي ما يسمح للبنوك بافتتاح فروع لها في هذه المناطق وإجراء التحويلات المباشرة إليها دون المرور بتركيا أو اقليم كردستان.

تطمينات أميركية

وإلى جانب التحفظ السابق، تخشى تركيا أن يمهد ذلك إلى اعتراف سياسي بحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الارهاب، خاصة وأن الإعلان عن الاعفاءات تزامن مع طلب واشنطن من أعضاء التحالف الدولي ضد داعش، خلال اجتماعهم الأخير في المغرب الأسبوع الماضي، جمع 350 مليون دولار “من أجل تنمية مناطق شرق الفرات”.

لكن الخارجية الأميركية أكدت الجمعة، أن الاعفاءات الأخيرة لا تعني دعم “الاستقلال الذاتي” لمناطق شمال شرق سوريا، مشددة على موقفها الداعم للحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

تطمينات غير كافية

لكن الدبلوماسي السوري المعارض بسام بربندي يرى هذه التطمينات غير كافية ولا مقنعة، وأن التحفظات التي يبديها معارضون سوريون وكذلك المسؤولون الأتراك حيال الاعفاءات الأميركية “مبررة” ويجب التعامل معها بجدية.

ويقول في تصريح ل”المدن”: “هذا القرار بمثابة تأسيس لأرضية تقسيم سوريا، واعترافاً غير مباشر بسلطة حزب قومي متطرف لا يمثل حتى الكرد السوريين فضلاً عن بقية المكونات في شمال شرق سوريا، ولذلك أنا أستغرب من جهة التعاطي الإيجابي من قبل قسم كبير من المعارضة معه، وأتفهم الرفض التركي له من جهة أخرى”.

ويضيف “كان يجب أن يسبق هذه الخطوة إجبار حزب الاتحاد على القبول بإجراء انتخابات تشمل جميع القوى السياسية في منطقة سيطرته بحيث تؤدي إلى تمثيل حقيقي للسكان هناك وتقاسم السلطة فيها بشكل تمثيلي عادل يؤدي إلى إقرار عقد اجتماعي وسياسي يضمن الحفاظ على وحدة سوريا”، مضيفاً أن ما جرى بالمقابل “مخالف لكل ما تعلن عنه الولايات المتحدة ويدعم سلطة حزب متسلط ولديه أجندة مشبوهة”.

ولذلك يرى بربندي أن أنقرة محقة في موقفها الرافض لهذه الاعفاءات لأنها ترى أن أي دعم ل”قسد” هو دعم لحزب العمال الكردستاني، وعليه يستبعد أن تبادر الشركات التركية للعمل في هذه المناطق، على الرغم من الحماس الذي تبديه أطراف في المعارضة مرتبطة بأنقرة للقرار سواء سياسياً أو اقتصادياً.

بالتزامن، يرى الكثيرون من المعارضين السوريين، أن الاعفاءات الأميركية باتت امراً واقعاً وعلى المعارضة أن تستفيد منها وألا تسمح لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يهيمن على الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، بالتفرد بجني المكاسب.

——————————-

الخارجية الأميركية لتلفزيون سوريا: استثناءات العقوبات لا تدعم الحكم الذاتي

بهية مارديني

واجهت الاستثناءات من عقوبات “قانون قيصر” التي منحتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً لمناطق تحت سيطرة المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” العديد من الانتقادات، واعتبر بعض المعارضين السوريين أن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة يكرس حكم “قسد” في منطقة تقطنها أكثرية عربية، وسط مخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقسيم سوريا.

ويرى المعارضون للخطوة الأميركية الأخيرة أن تركيز واشنطن على الملف الاقتصادي لن يحل الأزمة الحاصلة في سوريا، وأن المطلوب من واشنطن هو المساعدة في عقد اجتماعي جديد في منطقة الجزيرة السورية يرضي كل المكونات، إضافة إلى أن إدلب التي لم تشملها الاستثناءات الأخيرة تحتاج إلى كل الدعم حيث تضم أكثر من مليوني نازح ومهجر ممن أنهكهم نقص المساعدات، وهي النسبة الكبرى من النازحين في مناطق السيطرة السورية.

وأعلنت

وزارة الخزانة الأميركية، في الـ 12 من الشهر الجاري عن القطاعات التي يسمح للأجانب الاستثمار بها، والمناطق المستثناة من عقوبات “قيصر” في مناطق شمال شرقي وشمال غربي سوريا.

وأخرجت الولايات المتحدة من قائمة العقوبات “قطاعات الزراعة والاتصالات والبنية التحتية (كهرباء – ماء – نفايات) والبناء والطاقة النظيفة والتمويل والنقل والتخزين، إضافة إلى القطاعات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليم والتصنيع والتجارة”.

ما العقوبات التي تم استثناء شمال شرقي سوريا منها؟ ومن سيستثمر هناك؟

وبحسب البيان، فإن المناطق المشمولة بالاستثناء:

محافظة حلب

    منطقة منبج باستثناء ناحيتي الخفسة ومسكنة.

    منطقة الباب باستثناء نواحي تادف ودير حافر ورسم حرمل الإمام وكويرس شرقي وعين العرب.

    منطقة اعزاز باستثناء نواحي تل رفعت ونبل.

    منطقة جرابلس

محافظة الرقة

    مركز المدينة باستثناء نواحي معدان وتل أبيض.

    الطبقة باستثناء ناحية المنصورة.

محافظة دير الزور

    مركز المدينة باستثناء مناطق غربي الفرات ونواحي التبني وموحسن وخشام.

    الميادين باستثناء مناطق غربي الفرات وناحية العشارة.

    البوكمال باستثناء مناطق غربي الفرات وناحية الجلاء.

محافظة الحسكة

    باستثناء حي المالكية ومدينة القامشلي وقضاء رأس العين.

وحول الرؤية الأميركية لطبيعة هذه الاستثناءات وأهدافها أكد المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية صامويل وربيرغ في تصريحات خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن هذا الترخيص العام الـ 22 في سوريا “لا يعزز أو يدعم أو يؤيد الحكم الذاتي في أي جزء من سوريا”.

وشدد على التزام واشنطن بوحدة أراضي سوريا على النحو المبين في قرار مجلس الأمن رقم 2254.

تحسين الظروف الاقتصادية

وأوضح  وربيرغ أن هذا الترخيص العام يهدف إلى “تحسين الظروف الاقتصادية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري في شمال شرقي وشمال غربي سوريا من خلال تشجيع استثمارات القطاع الخاص، وتهدف لمنع عودة ظهور داعش من خلال التخفيف من انعدام الأمن الاقتصادي المتزايد واستعادة الخدمات الأساسية في المناطق المحررة من الجماعة الإرهابية”.

وأضاف: “هذا الترخيص اقتصادي بحت وليس سياسياً، وهو لدعم جهود تحقيق الاستقرار بما في ذلك استعادة الخدمات الأساسية، وتعزيز فرص كسب العيش لمساعدة السوريين على العودة إلى الحياة الطبيعية، وتقديم الدعم للأفراد العائدين من النزوح وكذلك المجتمعات التي تستقبلهم”.

جزء من استراتيجية القضاء على داعش

وأشار المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية في هذا الصدد إلى أن هذا الاستثناء وما سبق من أهداف “مكونات حاسمة في استراتيجيتنا لمحاربة داعش. وقد لاحظنا اهتماماً من الشركات الخاصة، بما في ذلك تلك العاملة في دول الجوار، للعمل في بعض مناطق شمالي سوريا. وسيساعد استثمار القطاع الخاص في هذه المناطق على تقليل احتمالية عودة داعش إلى الظهور من خلال مكافحة الظروف اليائسة التي تمكّن شبكات التجنيد والدعم التابعة للجماعة الإرهابية”.

إدلب وعفرين

وبرر وربيرغ عدم شمل إدلب وعفرين بالاستثناءات بأن الأخيرة تهدف في المقام الأول إلى “استكمال وتعزيز برامج الاستقرار الموجودة أصلاً في المناطق المحررة من داعش من أجل منع عودة ظهور المجموعة”.

المدن الصناعية في الشمال السوري.. خطوة للنهوض وجذب المستثمرين

العمل مع الشركاء

وشدد وريبرغ على أن الولايات المتحدة على علم بأن ملايين السوريين في مختلف أرجاء البلاد بحاجة ماسة إلى المساعدات خاصة في ظل ازدياد حدة انعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وصعوبة ظروف الحياة اليومية، مضيفاً: “لهذا نحن نعمل مع شركائنا الآن في الأمم المتحدة لضمان إعادة تفويض معبر باب الهوى هذا العام وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى كل السوريين”.

وأثارت الاستثناءات الأخيرة حفيظة تركيا التي وصفت خطوة واشنطن بـ”الانتقائية والتمييزية”. حيث إنها اعترضت على شموله مناطق في حلب والحسكة ودير الزور، خاضعة في معظمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) باستثناء مناطق “اعزاز والباب” في منطقة “درع الفرات”.

تلفزيون سوريا

———————

“الإدارة الذاتية” تدرس إصدار قانون للاستثمار بعد الاستثناء الأمريكي

أعلنت “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، اليوم الأحد، عزمها إصدار قانون للاستثمار، بعد استثناء الولايات المتحدة الأمريكية المنطقة من عقوبات “قيصر”.

وقال الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد في “الإدارة الذاتية”، سلمان بارودو، إن “الإدارة بصدد إصدار قانون للاستثمار بعد استثناء مناطقها من عقوبات قيصر”.

وأضاف بارودو لموقع “نورث برس“، أن قانون الاستثمار حال إصداره سيخلق جواً من الثقة للمستثمرين والشركات الأجنبية الذين كانوا يخشون الاستثمار في المنطقة بسبب العقوبات الأمريكية.

وسيركز قانون الاستثمار الجديد، حسب بارودو، على “المشاريع الزراعية ومشاريع الاكتفاء الذاتي”، بهدف تحسين الوضع المعيشي للسكان وتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.

وأشار المسؤول في “الإدارة الذاتية”، إلى استفادة المنطقة من القرار الأمريكي من خلال أمرين، الأول “انتعاشها اقتصادياً”.

أما الأمر الثاني هو “منع استغلال تنظيم الدولة الإسلامية للوضع الاقتصادي في المنطقة وإعادة تنظيم صفوفه”.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية سمحت للشركات بالاستثمار في مناطق شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، إضافة إلى عدد من مناطق المعارضة السورية في شمال غرب البلاد.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية نشرت التفويض في موقعها على الإنترنت، حيث يسمح بالأنشطة في 12 قطاعاً اقتصادياً مختلفاً في المناطق الخاضعة للحماية الأمريكية في شمال شرق سورية، وأجزاء من مناطق المعارضة السورية في شمال وشمال غربي البلاد.

وبموجب قرار الخزانة سيتم السماح للشركات الأجنبية الآن بالاستثمار في قطاعات مثل الزراعة والاتصالات والخدمات الصحية والتعليم، كجزء من جهد أوسع لتحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في السابق.

وذلك ما يسري على مناطق في “درع الفرات” و”نبع السلام”، التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني”، وتخضع للإدارة التركية، ما عدا منطقة عفرين ومحافظة إدلب.

ولاقى القرار الأمريكي رفضاً تركياً، إذ وصفه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنه “قرار خاطئ”.

وقال أردوغان، في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، الجمعة الماضي، إن “وحدات حماية الشعب تنظيم إرهابي تماماً مثل حزب العمال الكردستاني، ولا يمكن أن نقبل قرار واشنطن الخاطئ بشأن إعفاء مناطق سيطرة التنظيم من العقوبات في سورية”.

——————————–

استثناءات “قيصر”… فرص معيشية تُفاقم فرقة السوريين/ عدنان عبد الرزاق

سمح القرار الأميركي باستثناء مناطق سورية محددة من عقوبات قانون “قيصر” والسماح بأعمال استثمارية في قطاعات معينة، ليمنح المواطنين في هذه المناطق فرصة جديدة للحياة وتحسين معيشتهم، لكنه يبقى قراراً منقوصاً، بسبب العقبات التي تواجه تنفيذه.

ويعد عدم وجود مصارف في بعض الأماكن بالشمال السوري من أبرز التحديات التي تقلل من فرص استفادة معظم السوريين من القرار الأميركي، بالإضافة إلى استبعاد المناطق المحررة التي تشرف عليها تركيا من قرار الاستثناءات.

ويأتي ذلك وسط مخاوف من ترسيخ القرار الأميركي لتقسيم البلاد التي تعاني من صراعات متواصلة منذ أكثر من 10 سنوات.

ويرى وزير الاقتصاد بالحكومة السورية المعارضة عبد الحكيم المصري أن قرار وزارة الخزانة الأميركية باستثناء مناطق سورية محددة من عقوبات قانون “قيصر” والسماح بأعمال استثمارية في قطاعات معينة، بهدف تعزيز الاستقرار ومنع عودة ظهور تنظيم “داعش”، خطوة مهمة لكنها غير كافية.

وأشار إلى أن الاستثناءات لم تشمل جميع المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، رغم أنها بأمس الحاجة للإعمار والتنمية ومن يقطنها هم سوريون يتطلعون لفرص العمل والاستثمار، بصرف النظر عن الجهات المشرفة أو المسيطرة.

ويعتبر الوزير المعارض خلال حديث خاص لـ”العربي الجديد”، أن إبعاد مناطق “عفرين وتل أبيض وإدلب” عن الاستثناء الأميركي سيخلق أزمات “ربما لا تعيها واشنطن” التي أضافت منطقة الباب بريف مدينة حلب، شمال غرب سورية، للمناطق المستثناة، كي لا تكشف أن هدف قرارها يصب في مصلحة قسد التي تسيطر على معظم مناطق شمال شرق سورية وهي، برأي الوزير، خزان سورية النفطي والمائي والغذائي.

وأضاف: لو جاء قرار الاستثناء لجميع المناطق الخارجة عن سيطرة بشار الأسد لرأينا فيه مصلحة لجميع السوريين.

وحذر من أن يؤدي القرار إلى أزمة كثافة سكانية في بعض الأماكن، إذ ستتم الهجرة إلى المناطق المستثناة من القرار والتي هي عملياً تحت الهيمنة الأميركية، في حين تزيد معاناة المناطق التي أبعدتها وزارة الخزانة.

وأشار إلى أنه في المناطق المستبعدة الكتلة السكانية الأكبر (إدلب فيها نحو 2.5 مليون نسمة، ومنطقتا رأس العين وتل أبيض فيهما نحو 300 ألف، ولا يقل قاطنو عفرين وما حولها عن 500 ألف).

وحول واقعية القرار وإمكانية نجاحه على الأرض، يضيف الوزير بالحكومة المؤقتة المعارضة أن “هناك مشاكل كثيرة، فمثلاً لا توجد مؤسسات مالية ومصرفية شمال غرب سورية، وتلك المؤسسات تأتي في صلب احتياجات المستثمرين ورجال الأعمال المتوقع جذبهم، كما لا يتم الاعتراف دولياً بالوثائق الصادرة عن حكومة المعارضة (شهادة منشأ، إجازات استيراد وتصدير)، وهذا أيضاً سيعيق العمليات التجارية ويؤثر على التطلعات بإقامة مدن أو مناطق صناعية”.

مسار هبوط الليرة السورية في الآونة الأخيرة

ووصلت مخاوف بعض المحللين من أن يكون بالاستثناء الأميركي بداية لتقسيم سورية، أو اقتسام نفوذ على الأقل لقوات “الأمر الواقع” على الأرض.

ويصف الباحث السوري أسامة قاضي قرار وزارة الخزانة الأميركية بـ”الترميمي والمنقوص”، لأنه لم يترافق مع تأمين بنية قانونية ويبقي على سيطرة “المليشيات”، ما يحد من آمال نتائجه بجذب الاستثمارات وإقامة الصناعات وتنمية الزراعة.

ورجح أن “السوريين الأميركيين” أكثر المستفيدين من القرار، لأنهم ربما يستثمرون ببعض الأعمال، من دون مخاوف من العقوبات ومن دون موافقة مكتب “الأوفاك” المعني بالأصول الخارجية أو وزارة الخزانة.

ويرى قاضي خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، ضرورة حل “حكومة الإنقاذ” حتى يشمل قرار الاستثناء كامل شمال غرب سورية، وبالتالي جعل الحكومة المؤقتة المعارضة هي المسيطرة وصاحبة القرار والنفوذ.

وفي الوقت الذي عبرت خلاله تركيا إلى جانب حكومة بشار الأسد، عن امتعاضهما من الاستثناء، رحبت قوات سورية الديمقراطية، واعتبرته بداية للازدهار المأمول، بل وسارعت “قسد” عبر ما يسمى “هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية”، للإعلان عن التحضير لإصدار قانون جديد للاستثمار لجذب الأموال، بحسب تصريح الرئيس المشارك للهيئة سلمان بارودو، لوكالة “نورث برس”.

وقال بارودو: “ننوي إصدار قانون جديد للاستثمار، بعد استثناء المنطقة من العقوبات الأميركية المفروضة بموجب قانون قيصر، وأصبح من الممكن إنشاء المشاريع في المنطقة”، مؤكدًا أن الاستثناء سيساهم في إنعاش المنطقة اقتصاديًا.

وأشار إلى أن “الإدارة الذاتية” ستركز في الطرح الاستثماري على المشاريع الزراعية ومشاريع الاكتفاء الذاتي لتحسين الوضع المعيشي للسكان وتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة”.

ويصف مسؤول بـ”الإدارة الذاتية” طلب عدم ذكر اسمه، المناطق المستثناة من عقوبات قانون “قيصر” بالأهم سورياً، فالمناطق التي تسيطر عليها “الإدارة” تنتج اليوم، ورغم معوقات الإنتاج الزراعي، الحصة الأكبر سورياً من القمح والشعير، كما لا يقل إنتاج النفط اليومي عن 110 آلاف برميل نفط، إضافة إلى 13 ألف أسطوانة غاز من معمل رميلان.

وحول توقعاته لوجه المنطقة مستقبلاً، يضيف المسؤول متحدثا لـ”العربي الجديد”: أولاً التقسيم غير وارد وليس من مبررات للمخاوف التي نسمعها، وربما إدارة المنطقة والفيدرالية هي قمة الطموح.

وكانت تركيا قد رفضت قرار الخزانة الأميركية لسببين، الأول إبعاد المناطق التي تشرف عليها من الاستثناء، والثاني أن القرار شمل مناطق يسيطر عليها من تسميهم أنقرة بالإرهابيين.

ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن استثناء قرار وزارة الخزانة الأميركية، هو “خدمة للمليشيات الكردية التي تسيطر بالقوة على شمال شرق سورية، بل ويؤكد الرغبة الأميركية بترسيخ تقسيم سورية”.

ويضيف كاتب أوغلو متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أن “تفرّد (قسد) بالثروات والمقدرات السورية، واستثناءها من العقوبات لتجذب الاستثمارات وتستمر بسرقة حقوق السوريين، يعتبر شرعنة أميركية وبداية لتأسيس كيان دولة داخل الدولة”.

—————————–

 إعفاءات قيصر..هل تستثمر السعودية في مناطق الإدارة الكردية؟

تداولت صفحات إخبارية أنباء عن اعتزام شركة سعودية متخصصة بمجال إعادة التدوير، على الاستثمار في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة عن السماح بالاستثمارات الأجنبية في مناطق محددة، من دون أن تخضع هذه الاستثمارات لعقوبات قانون قيصر.

وفي التفاصيل المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتحضر “الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير/سرك”، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي (حكومي)، للتوقيع على عقد استثماري للعمل في مجال إعادة تدوير مخلفات البناء في شمال شرق سوريا.

وفي الوقت الذي لم تُعلق فيه الشركة (سرك) السعودية على هذه الأنباء، نفى الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد في الادارة الذاتية التابعة لقسد سلمان بارودو ل”المدن”، وجود معطيات بهذا الخصوص.

وفي وقت سابق، كشفت الإدارة الذاتية عن نيتها استصدار قانون جديد للاستثمار، على خلفية الاستثناءات الأميركية من قيصر، وعن ذلك أكد بارودو أن “قانون الاستثمار قيد المناقشة الآن”.

ولم تستبعد مصادر مطلعة على الشأن الكردي دخول الاستثمارات السعودية إلى مناطق سيطرة قسد، مشيرة إلى تقديم المملكة الدعم للقوات الكردية في وقت سابق.

غير أن المصادر ذاتها أشارت إلى تغير المعطيات السابقة، وذلك في إشارة إلى التقارب الأخير بين أنقرة والرياض، والذي ظهر جلياً من خلال الزيارة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية أواخر نيسان/أبريل، وهي الزيارة الأولى له منذ توتر العلاقات السعودية- التركية على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشفجي، في العام 2018 بقنصلية بلاده في إسطنبول.

وتوقع الخبير بالشأن الكردي فريد السعدون دخول استثمارات أجنبية إلى منطقة شرق الفرات. وقال ل”المدن”: “سيكون لهذه الاستثمارات نتائج إيجابية على كل الأطراف السورية، وحتى على حكومة دمشق، وخصوصاً أن المنطقة تتعامل بالليرة السورية”.

وأضاف أن “الاستثمار بالليرة السورية يؤدي إلى إنعاش العملة المحلية، وتخفيف الضغط النقدي على مصرف سوريا المركزي في سبيل الحفاظ على ثبات سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ويساعد حكومة دمشق على تخفيف آثار العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية”.

والأرجح أن تقوم الولايات المتحدة بدفع الحلفاء المفترضين لها في المنطقة إلى الاستثمار في مناطق شمال شرق سوريا، وأرياف حلب (درع الفرات) لإرضاء تركيا التي قد يساعدها تدفق الاستثمارات الأجنبية على تنفيذ مخطط إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، بشكل طوعي.

——————————-

الشمال السوري بين التهديد التركي والاستثناء الأميركي من العقوبات/ شفان إبراهيم

تتضارب التوقعات حول تأجيل الضربة التركية في شمال سورية (أو تنفيذها) وما بين جدّية الإدارة الأميركية في استثناء هذه المنطقة من تداعيات عقوبات قانون قيصر، أو عدّها كغيرها من الوعود والتصريحات الأميركية بشأن المنطقة، فالرئيس أردوغان والإعلام التركي يقرعان طبول الحرب على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تزعم تركيا أنها استكمال لمشروع المنطقة الآمنة التي تسعى إلى تنفيذها، وجدد الرئيس أردوغان الحديث لوسائل إعلام تركية عن اقتراب موعد عملية عسكرية جديدة في شمالي سورية، مؤكداً أن بلاده تقوم بـ”خطوات لازمة” في المنطقة، وأنهم لا “يريدون أن يزعجهم أحد”، وأنهم مزّقوا الممر المراد تشكيله على حدودهم، في إشارة إلى عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ودرع الربيع والمخلب في سورية، والقفل في العراق.

ويشهد الشمال السوري تسخيناً ميدانياً، سواء في مناطق سيطرة “قسد” في شمال تل تمر وعين عيسى واستمرار المسيرات التركية باستهداف مواقع أو شخصيات عسكرية ومدنية، أو قصف بعض نقاط تمركز الجيش السوري في غرب تل تمر، عدا عن اشتباكات بالرشاشات الثقيلة على محوري ريف إدلب وريف حلب الغربي، فيما استهدفت فصائل المعارضة تجمّعات الجيش السوري على محور الفوج 46 غربي حلب. في المقابل، قصفت القوات الحكومية السورية بالمدفعية ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وأطراف شرقي جبل الزاوية في ريف إدلب، حيث انتشار قواعد ونقاط تمركز القوات التركية. وفي الجانب الآخر من معادلة إدارة المناطق الحدودية الشمالية، فوّض الرئيس الأميركي بايدن وزير الدفاع لويد أوستن بالصلاحيات المطلوبة لاتخاذ القرارات بشأن الترخيص للشراكات المستثناة في الشمال السوري من العقوبات. وقال بيان صادر عن البيت الأبيض إن الرئيس “بموجب السلطة المخولة له وفق دستور وقوانين الولايات المتحدة، فوّض وزير الدفاع بالسلطة والمهام المخوّلة للرئيس لتفويض الدفاع الوطني للتنازل عن قيود معينة على تكلفة مشاريع البناء والإصلاح لدعم حملة مكافحة داعش في العراق وسورية.. ويتضمن اتخاذ أي قرارات متعلقة، وتقديم أي إخطارات متعلقة بالترخيص بشأن العقوبات للكونغرس”.

في قراءة الموقفين – الحدثين: أولاً، التعزيزات العسكرية للجنوب التركي المحاذي لمنبج وتل رفعت، حيث تسيطر “قسد” منذ 2016، أو القصف المدفعي على باقي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فإن خمس مُحدّدات مرتبطة مرتقبة حول تلك العملية، أولها: من خلال سياقات المسارات السياسية لسورية والمؤتمرات الدولية، قضية مياه سد الفرات، العمليات العسكرية السابقة، والتهديدات المستمرّة. الواضح أن تركيا لن تسمح بوجود كيان سياسي مرتبط عضوياً بـ”العمال الكردستاني”، كما أن مستقبل المنطقة الكردية سيبقى مرهوناً بمدى التوافق والمصالح التركية معها ونوعية وآلية إدارة المنطقة وحجم النفاذ الاقتصادي لأنقرة في كامل الشمال السوري. وثانيتها: إصرار تركي على تنفيذ مشروعها “الحلم” في إبعاد “قسد” 30 كلم لا يزال يراود مخيلة القيادة التركية السياسية والعسكرية. وثالثتها: غضب تركي رسمي لعدم تنفيذ واشنطن وموسكو التفاهمات والتعهدات مع أنقرة بالشكل الكامل، خصوصا الاتفاقيات خلال عملية نبع السلام. لذلك يتكرّر سيناريو التلويح بالعمليات العسكرية بين حين وآخر، ورابعتها: مخاوف تركية من استغلال إيران سياسة ملء المكان في حال حدوث أي انسحاب روسي ولو جزئي، والتي عبرت وزارة الخارجية السورية عن رفضها العلني تلك العمليات. وذكرت أن التدخل العسكري يُعتبر “تناقضاً مع تفاهمات مسار أستانة ومخرجاته وتهديداً لسلم المنطقة وأمنها، وأن تلك الهجمات ستؤدي إلى نسف التفاهمات السابقة برعاية دولية، في ما يخصّ خطوط مناطق خفض التصعيد”، والذي تشترك موسكو في مخاوفها مع أنقرة من تمدد قوات إقليمية عديدة إلى هناك، خاصة أن تل رفعت يقع بالقرب من بلدتي “نبل والزهراء” ذواتي الغالبية الشيعية والتي توجد فيها قوات إيرانية، وهما بلدتان تحاذيان الطريق العام الرابط بين حلب وأعزاز الحدودية مع تركيا التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وليس من مصلحة إيران والقوات الحكومية السورية أن تسيطر تركيا على تل رفعت، لأن ذلك سيعني ربط الطريق البرّي بين حلب وتركيا لتنشيط حركة التجارة. وخامستها: لا يمكن إعادة سبب تأخر تنفيذ تركيا تهديداتها إلى إنها قضية تتعلق بالتحضيرات اللوجستية فحسب، بل ثمّة شبكة معقدة من العلاقات وتوفير “الأمان السياسي” لتسويغ العملية، ومحاولة تركيا الحصول على موافقة أغلب الأطراف الفاعلة في الشأن السوري. ولعل تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف عن نية أميركا تقسيم سورية عبر دعم الكرد، قرأته تركيا إشارة إلى موافقة ضمنية لأي عملية عسكرية تركيا في “شرق الفرات”، والابتعاد عن غربه. لذا، يدخل التهديد التركي في منحيين، أولهما: الضغط على واشنطن وموسكو للإيفاء بالتزاماتهما، وفي حال تحققها، ربما تؤجّل العملية، في الوقت الراهن. أو إن التنفيذ التركي لن ينتظر موافقة الدولتين، ولن تكون عملية واسعة النطاق، بالرغم من إنها أحد أبرز الأهداف التركية المرحّلة، وتبقى ضمن عمق التطلعات المستقبلية وبنيتها إلى حين الحصول على ظروف استراتيجية لجانبها تشكل صلابة الاعتماد عليها لتنفيذ مخططها.

جديد التهديدات التركية، هذه المرّة، يدور حول نوعيتها من حيث التوقيت والسياق العام المرتبط بالحرب الروسية على أوكرانيا، والتي جعلت موسكو مشغولة عن الملف السوري إلى حدٍ ما، ورغبة تركيا باستغلال أي فراغ محتمل أو ضعف للوجود الروسي والسرعة لملء المكان. لذا، ارتفاع حدّية الخطاب والتهديدات التركية الحقيقية ضد مناطق نفوذ “قسد” هي رسالة توكيد قوة أنقرة ووجودها في الساحتين، الإقليمية والدولية، تمكّنها من لعب أي دور ينيطه بها من الغرب، وإمكانيتها العمل منفردة عنه، خصوصا خلال الأحداث أخيرا، ولعبها دور “فاعل الخير” بين موسكو وكييف”، ودور أنقرة في مواجهة التحدّيات المتربصة بقضايا الغاز والطاقة في أوروبا، والظهور بدور القوي في حلف الناتو، ورفضها انضمام فنلندا والسويد لها، ما لم تتحقّق مطالبها، خصوصا ضد “قسد”، إضافة إلى أبرز ورقة قوة بيدها (اللاجئون السوريون) والتهديد المستمر بإعادة مليون سوري إلى الداخل، وأحد أبرز متطلبات تنفيذ المشروع هو ما تسميها أنقرة “المنطقة الآمنة”.

ثانياً: قرار الاستثناء: واضح أن قرار إعفاء الشركات من العقوبات في الشمال السوري يتطوّر، وإن ببطء، لكن التنفيذ يتطلب جملة من الشروط، في مقدمتها، في المرحلة الأولى، تقريب هياكل الحكم المحلية في الشمال السوري، فوجود شركات أميركية – أوروبية يعني، بالضرورة، وجود قانون ونظام سياسي يحميان تلك الشركات، في حين أن أغلب القوانين الموجودة والقرارات يُمكن لها أن تتغير في أيّ لحظة، وتلك الشركات العالمية تمتلك رؤوس أموال ضخمة جداً، غالباً ما تساهم في صناعة القرارات الدولية، لن تدخل في منطقةٍ من دون تغيير جذري في بنيتها السياسية والإدارية. وهو ما يتطلب تعديلا كاملا في الوثائق السياسية والعقد الاجتماعي والتشبيك الإداري، وإيجاد صيغة تفاهم بين القوى العسكرية – السياسية الموجودة في شمال شرق غرب سورية. إذ إن الوضع الإداري والحوكمي وآلية اتخاذ القرارات ومزاجية تعديل أي قرار أو اتفاق، وعدّم وجود أسّ قانوني رصين وتوافق سياسي محلي خاصة في شمال شرق سورية، يجعل من عمل تلك الشركات محل خطورة. وإذا كان الوضع في الشمال الشرقي معقدا ومتداخلا، ويشهد دوماً توترات سياسية، وتكرارا للمطالب الشعبية ذاتها دوماً، لكن الشمال الغربي يئن تحت صراع الأجنحة الحكومية، ورُبما جاز القول إن “مجموع الحكومات” في الشمال الغربي يشكل ضعفاً في بنية عمل الشركات. ونجاح القرار الأميركي يرتبط بتغيير بنية العملين، الإداري والسياسي، في الشمال السوري، والفصل بين السلطات، ما يتطلب حكماً تغير النمطية والقوانين في كامل الشمال السوري، وضرورة توفير مناخ سياسي ومصالحات داخلية.

ثالثاً: الربط بين الموقفين – الحدثين: هذه الشركات ستدخل حتماً مباشرة أو عبر وسطاء وممثلين من شركات محلية تركية، أو في كردستان العراق، فالمنطق السياسي والإداري يقول إن دول الجوار هي أكثر الدول استعداداً للمشاركة في القرار. ويرتبط الشمال السوري بجملة من المعابر مع تركيا وكردستان العراق، وحتّى لو استمرّ الفيتو التركي على معبر تل كوجر/ اليعربية، فإن معبر بيشبابور- سيمالكا يُمكنه لعب دور رئيسي وأساسي في حركة تلك الشركات. ويتطلب هذا الأمر إجراء مراجعات واضحة في سياسات الهياكل الحكومية السياسية والإدارية والعسكرية لكامل الشمال السوري، وحصول التوافق الكردي – الكردي ثم الكردي مع باقي المكونات، سيسهل عمل الإدارة الذاتية داخلياً، ومع المعارضة السورية، وتالياً تركيا التي ستسعى إلى استثمار ضخم في قرار الاستثناء. ومن الممكن ولادة نظام سياسي جديد للشمال السوري ربما يكون مخالفا للفيدراليات أو اللامركزيات بشكلها المتعارف عليه، لأن تطبيق القرار سيعني نقل الشمال إلى طوْر جديد، وأقل التغيرات أنه لن يكون لتركيا الحق بالقيام بأي تدخل عسكري، طالما أنها تحفظ دورها الاقتصادي في المنطقة، وتزيل ما تسميها “التهديدات على أمنها القومي”.

العربي الجديد

——————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى