مراجعات الكتب

“مثل برق خبا” لشاكر الأنباري… سيرة ثقافية

صدر عن “دار تأويل” كتاب “مثل برقا خبا/ سيرة ثقافية لكاتب جوال” للروائي العراقي شاكر الانباري.. وجاء في في تعريفه:

“هذا الكتاب يلخّص، إلى حد ما، تجربتي في الكتابة، وما رافقها من انتقالات حياتية في الزمان والمكان، وما أنتجت تلك التجربة من روايات، وقصص، ومقالات، وعمل تحريري وإعلامي، ووجهات نظر في الأحداث التي عاصرتها، أو كنت شاهدا عليها، أو مشاركا فيها على امتداد أربعين سنة تقريبا. وهو سيرة مثقف عراقي جوّال عاش في أكثر من بلد، وتمثّل أكثر من لغة وثقافة، وظل الكتاب رفيقا دائما في تلك الرحلة الشاقة، رحلة الحياة، قراءة وتأليفا ونقدا وترجمة. عن القراءة وأنواعها، وجذوة التمرد الأولى، والابتداء كل مرة من الصفر، والمنطقة الخضراء، وشارع المتنبي، والمشاهير في إصداراتهم. عن الأحلام المتغيرة بين عقد وعقد، وكيف استحالت إلى أوهام. عن البدايات الأولى، والمسير المتعثر لبلوغ التوازن الروحي، وصياغة رؤية فردية حول السرد وأنماطه، ومنه الرواية. لكل ذلك، يجد القارئ، من خلال تلك الخلطة السردية الحرة، رؤية عامة حكمتني وتبعتها في مسيرتي الإبداعية خاصة، حتى بلغت خمس مجموعات قصصية، وإحدى عشرة رواية منشورة. قصص، وحكايات، ومتون، وهوامش، وآراء، وشروحات، وكل ما يصوغ الجوهر الروحي للفرد منذ ولادته وحتى مماته. وأعتقد من جانبي، أن هذه السيرة تهمّ الأجيال الجديدة في العراق وهي لم تعش تجربة مماثلة، ولن تعيش، لأن التاريخ لا يكرر نفسه، وقد جرت مياه كثيرة في أرض الرافدين خلال العقود الماضية. تغيرت وجوه، وانمحت مدن، وتحطمت أحلام، وغادر الصحب والخلّان، وما زال المرجل يغلي، كما عهدناه، منذ أن فتحنا عيوننا على شمس هذا المكان.

من الكتاب:

أظن أن الإيمان بجدوى، وضرورة قراءة الكتب، هاجس شائع تحت الظروف كلها. البشرية تحمل هذه البديهية في جيناتها. هو تفاعل داخلي شبيه بالإدمان على مخدر ما. وإدمان القراءة يكاد يشبه إدمان الكحول. مدمنو الكحول إن لم يجدوا ما يشربونه يتجهون في حالات شاذة إلى البدائل، قناني العطور، البنزين، الأدوية المصنوعة من السوائل المهدئة، وهكذا. هو وباء جميل على أية حال.

صديق لي سجن أكثر من سنة في سجن “إيفين” سيء السمعة منذ الشاه حتى الآن، أي بعد مجيء الخميني للسلطة، قال إنه اضطر بسبب شحة الكتب إلى قراءة كتب الأدعية، ومنها دعاء كميت، وحياة الأئمة، ونهج البلاغة وفتاوى الخميني، وغير ذلك من كتب، فهي الوحيدة المتوفرة لديهم. صديقي كان علمانيا لا يطيق كلمة الأديان والمذاهب.

صديق آخر وجد نفسه في مدينة سويدية منعزلة فيها مكتبة عامة، بين كتبها نسخ باللغة العربية، فكان يقضي ساعات كل يوم يقرأ محمد عبد الحليم عبدالله، وجرجي زيدان، وجبران خليل جبران، والمنفلوطي، ثم التهم نجيب محفوظ كما لو كان يلتهم قرصا من البيتزا الإيطالية. رغم أن بعض تلك الكتب تمثل نمطا بائدا من الأدب، تجاوزته الذائقة المعاصرة. لكن صديقي ينعم بوباء ليس له علاج، وباء القراءة.

وفي مرحلة طفولة القراءة، وكما جربتها أنا نفسي، كان المرء يلتهم كل ما تقع عليه يداه من كتب. ألف ليلة وليلة، كتب طه حسين، روايات ديستويفسكي، أغاثا كرستي، أرسين لوبين، تولستوي، همنغواي، ماركس، لينين، ولا يتحول إلى قارئ انتقائي إلا بعد أن تقلبه تجارب الحياة رأسا على قفى. حينها يستطيع تمييز العميق من السطحي، المفتعل من الحقيقي. والكتب تتحول أحيانا إلى هوس. خاصة حين تكون بديلا عن حياة ضيقة، شاحبة، منغلقة، تعيسة.

ثمة أشخاص مهووسون باقتناء الكتب لكنهم لا يقرؤونها. ثمة أشخاص لا يمتلكون نقودا لشراء الكتب التي يرغبون في قراءتها فيسرقونها. نادرا ما تكون سرقة الكتب صفة ذميمة، هي طريفة أكثر مما هي ذميمة.

لنا عشرات الأصدقاء يتندرون عن سرقة الكتب في مرحلة من حياتهم بسبب عدم امتلاك النقود لشرائها.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى