سياسة

عن ما يحدث في “حي الشيخ جراح” في القدس المحتلة -متابعة يومية، مقالات وتحليلات تناولت الحدث

#انقذوا_حي_الشيخ_الجراح

#الأقصى

#الشيخ_جراح

حيّ الشيخ جراح نموذجاً لممارسة عنصرية مديدة/ ليندا ماهر

لا تبدو مصادفة أن يتصاعد هذا الاستهداف الممنهج ضد الفلسطينيين مع صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أكد أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أو فصل عنصري. فالوقائع في الحي المقدسي تتولى بدورها تثبيت ما دأب الفلسطينيون على المعاناة منه على مدى عقود

تتصاعد وتيرة الوقائع الدامية التي يشهدها حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث يمارس مستوطنون يهود تحميهم الشرطة الاسرائيلية عمليات اخلاء قسري للسكان الفلسطينيين أدت الى حصول صدامات ووقوع جرحى وضحايا بالعشرات.

وهنا لا تبدو مصادفة أن يتصاعد هذا الاستهداف الممنهج ضد الفلسطينيين مع  صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أكد أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أو فصل عنصري. فالوقائع في الحي المقدسي تتولى بدورها تثبيت ما دأب الفلسطينيون على المعاناة منه على مدى عقود وذكرته مؤخراً المنظمة الدولية في تقريرها.

كل الصور والفيديوهات الواردة من وقائع تجري في هذا الحي كشفت للعالم حجم الشراهة الاستيطانية الإسرائيلية.

هنا خلفية عن أحداث الأيام الأخيرة والتقرير الدولي:

من صدامات الأيام الأخيرة في القدس

أثار تقرير “هيومن رايتس ووتش”، الصادر بتاريخ 27  نيسان/ أبريل 2021، الرأي العام العالمي، لما تضمنه من نتائج تحقيقات ميدانية، قامت بها المنظمة، تؤكد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جرائم ضد الإنسانية، مثل جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد” وجريمة اضطهاد الشعب الفلسطيني.

يعيش حوالي 6.8 مليون يهودي إسرائيلي و6.8 مليون فلسطيني في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وهي منطقة تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة. السلطات الإسرائيلية هي القوة الحاكمة الوحيدة التي تمارس سلطة رئيسية في هذه المنطقة، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني محدود، فتمنح امتيازات ممنهجة لليهود في أغلب مناحي الحياة، وتميّز ضدّ الفلسطينيين، لإبقاء الهيمنة الإسرائيلية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض، ولتحقيق ذلك نزَعت ممتلكات الفلسطينيين، واخضعتهم، وعزلتهم، وفصلتهم قسرًا بحكم هويتهم.

أتى تقرير “هيومن رايتس ووتش” في وقت تشرع فيه السلطات الإسرائيلية إقامة مشاريع استيطانية في قلب التجمعات الفلسطينية شرقي القدس، فشهدت شوارع حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية اضطرابات منذ منتصف شهر رمضان بين الفلسطينيين والمستوطنين على خلفية دعوى قانونية طويلة الأمد ضد عائلات فلسطينية تواجه خطر الإخلاء من منازلها المقامة على أراض يطالب بها المستوطنون، بحجة شرائهم أرض “كرم الجاعوني” التي يقام عليها الحي من جمعيتين استيطانيتين عام 1885 وهم لجنة اليهود السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل( لجنة اليهود الأشكناز)، أي قبل إقامة الحكومة الأردنية على هذه الأرض مساكن لإيواء 28 عائلة فلسطينية من الذين هجروا عام 1948 من أراضيهم.

توالت هتافات المستوطنين خلال الأيام الماضية في وجه الفلسطينين “عودوا إلى الأردن”، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية شبانًا فلسطينيين واستخدمت خراطيم المياه وسائلاً كريه الرائحة لتفريق الحشود، وأصيب عشرات الفلسطينيين في مواجهات عنيفة ودامية في ساحات المسجد الأقصى أثناء تأديتهم صلاة التراويح وخلال الاحتجاجات على الإخلاء المحتمل لعائلات فلسطينية لصالح مستوطنين يهود في حي الشيخ جراح.

الأبارتهايد والاضطهاد

حدد القانون الجنائي الدولي جريمتين ضد الإنسانية والتي تعد من أشنع الجرائم في القانون الدولي، لحالات التمييز والقمع المنهجيين: الفصل العنصري والاضطهاد. فعلى مرّ السنوات، فصل المجتمع الدولي مصطلح الفصل العنصري، “الأبارتهايد”، عن سياقه الأصلي في جنوب أفريقيا، وفرض حظرًا عالميًا على ممارسته، واعترف به كجريمة ضدّ الإنسانية وفقًا للتعريفات المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1973 ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998. وما بعد محاكمات الحرب العالمية الثانية اعتبرت جريمة الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية، وصُنفت كإحدى أخطر الجرائم الدولية، بنفس خطورة الفصل العنصري.

من الأفعال اللاإنسانية التي حددتها اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي، الابعاد القسري، ونزع ملكية العقارات، وخلق محتجزات ومعازل مفصولة، وحرمان الناس من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، وهذا ما يحصل في السنوات الأخيرة مع أهالي حيّ الشيخ جراح خصوصًا وأهالي القدس عمومًا، فقد تم تهديدهم بإخلاء منازلهم ونزع ملكيتها منهم، إضافةً إلى كافة أنواع الانتهاكات في حقوقهم من المستوطنين اليهود،  فيعد استخدام القوة والعنف والإرهاب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لإخراج السكان من منازلهم وإحلال مستوطنات إسرائيلية غير قانوني وتحديًا للمجتمع الدولي وخرقًا لاتفاقيات جنيف ذات الصلة وجريمة ضد الإنسانية بموجب مبادئ وأحكام المحكمة الجنائية الدولية ويعاقب عليها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

كما ذكر تقرير “هيومن رايتس ووتش” الجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بجريمتي الاضطهاد والأبرتهايد، ومن أبرزها: منع الفلسطينيين من زيارة القدس، وإخضاعهم للمحاكم العسكرية وإجراء محاكمات غير عادلة، وحرمانهم من بناء منزل، ومن حرية الرأي والتعبير، عدم السماح بالعودة للاجئين أو المهاجرين أو النازحين.

دولة قومية للشعب اليهودي:

كل ذلك كان يجري ضمن إطار الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية وهو ضمان الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين في كل مناطق إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.  ففي عام 2018، أقرّ “الكنيست” قانونًا ذا مكانة دستورية أكّد أن إسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي”، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة “خاص بالشعب اليهودي”، واعتبر “الاستيطان اليهودي” قيمة وطنية. وللحفاظ على سيطرة اليهود الإسرائيليين، اعتمدت السلطات الإسرائيلية سياسات تهدف إلى تخفيف ما وصفته علنًا بـ “التهديد” الديمغرافي الذي يشكله الفلسطينيون، في حين أن فلسطين تعد دولة طرف في كل من نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري، يُستخدم مصطلح الفصل العنصري” الأبارتهايد” بشكل متزايد فيما يتعلق بإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عادة على سبيل الوصف أو المقارنة وليس بالمعنى القانوني، وغالبًا للتحذير من أنّ الوضع يسير في الاتجاه الخاطئ.

لم ينشأ نظام الأبارتهايد بين ليلة وضُحاها وإنما تأسس واتضحت معالمه بمرور الزمن، وتراكُم هذه الخطوات بمرور السنين وانعكاسها على نطاق واسع في القوانين والممارسة والدعم الجماهيري والقضائي الذي حظيت به، كلها تؤسس للاستنتاج المؤلم أن هذا النظام قد تجاوز السقف الذي يقتضي تعريفه كنظام أبارتهايد. وكل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة – يقوم نظام واحد يعمل وفق مبدأ: تحقيق وإدامة تفوق جماعة اليهود على الفلسطينيين. ولا يخرج هذا عن منطق نظام الفصل العنصري.

نتائج تقرير هيومان رايتس ووتش

يعتمد التقرير على سنوات من البحث والتوثيق من قبل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى، بما في ذلك العمل الميداني الذي أجري في سياق هذا التقرير. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا قوانين إسرائيلية، ووثائق تخطيط حكومية، وتصريحات لمسؤولين، وسجلات الأراضي في إسرائيل. ومن ثم، تم تحليل هذه الأدلة بموجب المعايير القانونية لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد. راسلت هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2020 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتمست وجهات نظر الحكومة بشأن القضايا المطروحة، لكنها لم تتلق ردًا حتى تاريخ نشر التقرير.

لا يقارن التقرير إسرائيل بجنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري أو تحديد ما إذا كانت إسرائيل “دولة فصل عنصري” إنما، يقيّم التقرير ما إذا كانت أفعال وسياسات محددة تنفذها السلطات الإسرائيلية اليوم ترقى في مناطق محددة إلى جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد كما يعرّفهما القانون الدولي. وبناءً لذلك بينت النتائج أن الحكومة الإسرائيلية أظهرت نيتها الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، اقترنت هذه النية بالقمع المنهجي للفلسطينيين والأفعال اللاإنسانية ضدهم، والتي ترقى إلى جريمة الفصل العنصري.

المسؤولون الإسرائيليون ارتكبوا جريمة الاضطهاد. تستند هذه النتيجة إلى نية التمييز الكامنة وراء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، والانتهاكات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي شملت المصادرة الواسعة للأراضي بملكيّة خاصة، والمنع الفعلي للبناء أو العيش في العديد من المناطق، والحرمان الجماعي من حقوق الإقامة، والقيود المجحفة المفروضة منذ عقود على حرية التنقل والحقوق المدنية الأساسية. هذه السياسات والممارسات تحرم ملايين الفلسطينيين بشكل متعمد وبشدّة من حقوقهم الأساسية، ومنها الحق في الإقامة، والملكية الخاصة، والوصول إلى الأراضي والخدمات والموارد، وذلك على نطاق واسع وبشكل منهجي بحكم هويتهم كفلسطينيين.

لطالما طلب الفلسطينيون من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إجراء تحقيقات ميدانية، تكشف حقيقة النظام الإسرائيلي الذي يدعي الديمقراطية، ويمارس سياسات عنصرية، إلا أنه تم تجاهل هذه المطالب بشكل متكرر، وأهمل هذا الملف من جانب المنظمات الدولية الحكومية، فتقرير “هيومن رايتس ووتش” خطوة متقدمة لصالح الشعب الفلسطيني، لما يتضمن من نتائج مبنية على تحقيقات ميدانية، تؤكد على تعرض الشعب الفلسطيني لسياسة الفصل العنصري والاضطهاد. كما يكتسب التقرير أهميته من حقيقة أن المنظمة التي اصدرته هي أكبر منظمة حقوق انسان في العالم ومقرها في نيويورك، أي في عمق صناعة القرار الأميركي والدولي وفي عمق مراكز اللوبي الاسرائيلي.

يفرض ذلك التقرير على المجتمع الدولي اتخاذ خطوة جدية وسريعة، ضد نظام الفصل العنصري، كما يتوجب على السلطة الفلسطينية استخدام هذا التقرير أمام المحكمة الجنائية الدولية، كي لا يتم تجاهله وسحبه من طاولة التداول الدولي، كما حصل في تقرير (الإسكوا) عام 2017 الذي فضح الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وتناول بالتحديد جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد”، ما أدى إلى استقالة “ريما خلف” المديرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة (الإسكوا).

درج

——————————

عن حيّ الشيخ جراح ويعقوب الذي قال لنا كلّ شيء/ أحمد عيساوي

كلام يعقوب الذي لا يقتصر على اعتراف بسرقة المنزل الذي لا يمتلكه، بل يتجاوزه إلى حقّ “الاسبقيّة” في السرقة، تتزاحم فيه مفردات العمارة والمكان والزمان والهوية…

ثمّة كلامٌ كثير يمكن أن يُقال في ما ترتكبه عصابات المستوطنين الصهاينة مدعومةً بقوات الاحتلال في الأحياء الشرقية لمدينة القدس منذ بداية شهر رمضان 2021، فمشاهد العنف والبربرية المشحونة بالعداء تجاه المقدسيين تستعيد صور هبّات شعبية كثيرة، كانت هوية المدينة القديمة عنوانها الأول ومحورها الأساسي. لكنّ الانتفاضة الاخيرة تفرض لحظتها الاستثنائية : تلك التي تتكثّف فيها كل دلالات “التخلّي” العربي عن فلسطين بوصفها قضية تاريخية مركزية وتحيلها إلى واقع رسميّ مرّ لا صوت يعلو فيه فوق صوت التطبيع.

من بين جميع المقاطع المصوّرة التي يشاركها المقدسيون على شبكات التواصل الاجتماعي، ثمّة مشهد لا يشبه أيّ مشهد آخر، تفوّق على هتافات باب العامود وإزالة الحواجز، على قنابل المولوتوف، على الاشتباك من مسافة صفر، على كلّ ما يمكن عدّه شكلاً من أشكال المقاومة اليومية. ولهذا التفوّق البصري والفرادة الصوتية أسبابٌ لا علاقة لها بتمظهر العنف الجسديّ الذي يحتلّ مساحة واسعة من يوميّات الفلسطينيين. محادثةٌ من نصف دقيقة، تدور أحداثها في حي الشيخ جرّاح المقدسي بين مستوطن إسرائيلي اسمه يعقوب وسيّدة فلسطينية اسمها منى الكرد، يستنكر فيها يعقوب طلب الكرد مغادرة منزل عائلتها ويعلّل هجومه على البيت بعبارة “إذا لم أقم أنا بسرقة المنزل سيقوم غيري بهذا الفعل”.

لعبارة يعقوب معانٍ ودلالات كثيفة وفيها تتبلور مفاهيم كثيرة، كالجريمة والحقيقة والإنكار والسفالة. وهي إذ تنطوي على اعتراف واضح وصريح من المستوطن بفعل السرقة، فإنّها تقدّمه في إطار يجعل من هويّة السالب صاحب حقّ ومن المسلوب شاهداً على هذا الحقّ. قرّر يعقوب (المستوطن) أنه يمتلك القدرة على صوغ حقيقةٍ متخيّلة، تشبه إلى حدّ ما، في مقاربة الهزل والجدّ، رغبة يعقوب (النبي) في حصوله على البكوريّة في سفر التكوين وفي ذهابه إلى التحايل على بصر والده اسحاق وضعف أخيه عيسو وتعبه وجوعه، من أجل تحقيق ذلك. تحايل يعقوب على أبصارنا جميعاً في حي الشيخ جرّاح وقدّم مثالاً صارخاً على تاريخ دولة اسرائيل وحاضرها في نشأتها وقيامها على شعار الحقّ للقوة لا القوّة للحقّ وفي استمراريتها على ممارسات القتل والترهيب والتهويد. دولةٌ تنتقم بشكل يوميّ من البشر والحجر والشجر، لا يثنيها أحد، أو شيء أو قانون عن متابعة الجريمة المنظّمة منذ عام 1948.

كلام يعقوب الذي لا يقتصر على اعتراف بسرقة المنزل الذي لا يمتلكه، بل يتجاوزه إلى حقّ “الاسبقيّة” في السرقة، تتزاحم فيه مفردات العمارة والمكان والزمان والهوية: بيتٌ مقدسي تمتلكه عائلة فلسطينية بموجب اتفاق مبرم بين الحكومة الاردنية ووكالة الغوث عام 1956، يتعرّض لهجوم من قطعان المستوطنين في لحظة تسعى فيها إسرائيل إلى طمس هوية القدس وتفكيك كلّ صلاتها الاجتماعية وشبكاتها الأهلية كمقدّمة لإلحاق المدينة القديمة بمشاريع الضم الاستيطانية وتثبيت هويّة جديدة، يهودية، فيها. تلك الهويّة الاختزالية، الانتقائية والعنصريّة هي هويّة إسرائيل المبتغاة التي تقوم على ضرب هويّة أولى، أصليّة وراسخة.

على أنّ كلام يعقوب التافه والمستفزّ في آن، والذي واجهته منى الكرد بإصرارها على البقاء ورفضها أي تهجير جديد ونكبة ثانية، لا يعدو مجرّد تعبير ذاتي وفرديّ فيه خيانه لأساليب الإنكار المتكرّرة التي يلجأ إليها المستوطنون لتبرير استيلائهم على أراضٍ وممتلكات فلسطينية، بل ترجمة صادقة لخلاصات جمعيّة تعني عدم الاكتراث في ما يصدر عن المتلقّي في لحظة المواجهة أو في لحظة الاستكانة. ما يُقال اليوم في وجه 50 عائلةٍ مهدّدة بالطرد من حي الشيخ جرّاح بقرار من محكمة تابعة للاحتلال، يُقال بجرأة تلامس الوقاحة وبأسلوب يستدعي فيه المجرم كلّ معاني اللامبالاة وعدم الاكتراث للحقائق والوقائع.

ولعلّ قوّة المقطع المصوّر وبلاغة معانيه وكثافتها وحضور كلّ التناقضات فيه بين السالب والمسلوب، بين المجرم والضحيّة، بين صاحب الحقّ والمعتدى عليه، أكسبت المشهد فردانيّة خاصّة وجعلت بوح يعقوب أصدق تعبير عن معاش المقدسيين ومأساتهم.

درج

—————————–

ابتسامة المقدسي وهي تمتدح إسرائيل/ عمر قدور

أصبحت بمثابة ظاهرة صورُ المقدسيات والمقدسيين المبتسمة لحظة قيام الشرطة أو القوات الإسرائيلية باعتقالهم، بل قد لا يتأخر كثر في وصفها بانتفاضة الابتسامات. وكما هو متوقع، سيكون من السهل اعتبار هذه الابتسامة سلاحاً مقاوِماً، ومن الأسهل تالياً وصفها بابتسامة التحدي، لتُسجن في إطار الوصف، وليتغلّب التسييس القسري الضيق على رحابة تلك الوجوه المبتسمة ابتساماتٍ لصيقة بالحياة لا تلهث وراء أن يُقبض عليها في صورة وإطار.

سرعان ما سيأتي التسييس المقابل، المتربص بدوره، فابتسامة الفلسطيني تصبح بموجبه تعبيراً عن الارتياح لما يلي الاعتقال، حيث يدرك الفلسطيني أو الفلسطينية شروط السجن الذي سوف “ينعم” به. بالطبع يجهر هذا النوع من التسييس بمرجعيته التي تقارن أحوال المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بأحوال نظرائهم في سجون الأنظمة العربية، سواء كانوا من مواطني تلك الدول أو من اللاجئين الفلسطينيين إليها الذين يذوقون في السجون العربية أصنافاً من القهر والتعذيب تتميز بها عن الإسرائيلية.

وفق المقارنة السابقة، تأتي ابتسامات المقدسيين والمقدسيات كأنما تمتدح إسرائيل، فأصحابها ذاهبون إلى اعتقال هو نزهة بالمقارنة مع السجون العربية. وما يعرفه الفلسطيني عن “رخاء” السجون الإسرائيلية ينزع عن ابتسامته فرضية التحدي التي يسوقها المتحمسون لابتسامته، لتكون ابتسامة العارف بكافة تبعات فعله، وهو ما ينزع عنها أيضاً فرضية العفوية “على الأقل في الابتسامات الأولى التي رصدتها الكاميرا”، وافتراض العفوية مهمَل بطبيعته لأنه لا يخدم التسييس والتسييس المقابل.

في وسعنا أن نضيف إلى الوصف ما يظهر من نضارة في تلك الابتسامات، نضارة ليست ابنة اللحظة، نضارة لا بد أن يكون لها عُمر مطابق لعيش قريب جداً من العيش الطبيعي، إذا لم يكن ذلك العيش الذي صار يُسمى عادياً بمقاييس العصر. لا نلمح في غضون الابتسامات إرثاً من القهر يعكّر صفوها، وهذه الملاحظة “لمن يشاء” يسهل تسجيلها لصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي احتفظ لأولئك الشبان والشابات بقدرتهم غير المقيَّدة أو المحدودة على الضحك، وصولاً إلى الضحك منه وعليه.

نستطيع تالياً القول أن شباناً في بلدان عربية لا يستطيعون الابتسام لحظة الاعتقال، ومن المؤكد أنهم لو فعلوا سيدفعون ثمن ابتساماتهم غالياً جداً فوق التعذيب المتوقع أصلاً، وهم إذا ابتسموا يصعب أن تصدر عنهم تلك الابتسامة النضرة الصافية. إن إرثاً متوالياً من القمع والقهر في هذه البلدان سيجعل من الصعب أو المستحيل صدور تلك الابتسامة التي تضمر عدم التعرض لذلك الإرث، من دون أن نحجب عن أصحابها أنواعاً أخرى مختلفة من المعاناة الخاصة.

نستذكر بهذه المقارنة إرث سلطات الاستبداد العربية الذي في إحدى نتائجه يحرم ضحاياه من القدرة الطبيعية على الابتسام والضحك، وأن تقترن هذه القدرة بسياق معيشي اعتيادي، لا أن تُنتزع من ذلك السياق خلسة أو عنوة. من هذا التفصيل، الذي قد يبدو صغيراً أو هامشياً، تنفتح نافذة أخرى للمقارنة بين إسرائيل وأنظمة القمع، من دون “الهرولة” إلى امتداحها عطفاً على عدم التمييز بين طبيعة الطرفين وما ينجم عنها.

كان السلوك الأسدي آخر وأقرب مثال فاقع للمقارنة، فمنذ انقلاب الأسد عام1970 لم يسلم السوري والسوري الفلسطيني، ثم اللبناني والفلسطيني في لبنان، من براثن تلك الآلة الجهنمية التي تعمل خارج السياسة، بل تعمل ضد السياسة ومن أجل استبعادها نهائياً. لم يكن هناك في أي وقت لدى الأسد الأب أو الابن هدف سياسي يُراد تحقيقه، كان الهدف دائماً هو احتكار السلطة ومغانمها، مع العمل بشتى الوسائل وأقساها على عدم بروز منافسين يهددون ذلك الاحتكار، وفي مقدمها الوسائل الوقائية الاستباقية.

تبرز واحدة من المغالطات الشائعة في النظر إلى حكم الأسد كمعاقِب للسوريين عندما يتجرؤون على “اقتراف” السياسة، فهنا يُنظر فقط إلى العنف المفرط الذي قابل به الحكم محاولات الاعتراض بدءاً من السبعينات وصولاً إلى الثورة. هي نتيجة مختزلة جداً لا تلحظ مثلاً أن إفقار الشرائح الأوسع لا يحركه جشع احتكار الثروة فحسب، بل أيضاً الإمعان في قهر معظم السوريين، ولا تلحظ في مثال آخر الحضورَ المستدام الطاغي لأجهزة المخابرات، أو الاعتقالات الموصوفة بـ”العشوائية” وهي ليست عشوائية على الإطلاق ما دامت تؤدي وظيفة القهر المعمم.

من دون الإسهاب في سرد كل ما راكمه حكم الأسدَيْن من مقومات البؤس والقهر، لا يصعب علينا استخلاص ما يشبه البديهية من حيث ارتباط الضحك بالحد الأدنى من الحرية، ولا يصعب الانتباه إلى أن ثقافة الاستبداد معادية للفرح وللمرح بطبيعتها، سواء امتلكت أيديولوجيا معادية لهما أو اكتفت بالجشع الذي لا يشبع إلى السلطة. في المحصلة، هناك شعوب بغالبيتها الساحقة تتمنى لو تتاح لها تلك الابتسامة النضرة الصافية التي لا يتخللها خوف سابق، أو خوف مما سيأتي. في الواقع رأينا بعضاً من الفرح والمرح في لحظات قليلة من الإحساس بالحرية رافقت الانتفاضات والثورات العربية هنا وهناك، قبل الانقضاض عليها سريعاً من أعداء الحرية والفرح معاً.

لنتخيَّلْ أن يواجه أحدٌ ما نتنياهو مشبِّهاً إياه ببشار الأسد، وكيف سينتفض هذا اليميني المتطرف الفاسد إحساساً حقيقياً منه بالإهانة. لا نستبعد أن يتمنى نتنياهو في قرارة نفسه لو يستطيع إبادة الفلسطينيين والتنكيل بهم كما يفعل بشار بالسوريين، بل لا نستبعد إن كان يتمنى في قرار نفسه لو يستطيع التنكيل بخصومهم “اليهود” ليستأثر بالسلطة بلا منازع، إلا أن وجود نظام سياسي يكبّله، مثلما يكبّل أي مسؤول إسرائيلي آخر، سواء تجاه الفلسطينيين أو تجاه الخصوم السياسيين.

السياسة، لا الجشع إلى السلطة والاستئثار بها، هو ما يحكم السلوك الحكومي الإسرائيلي. من ذلك، استخدام وسائل ضغط محددة ضد الفلسطينيين، من أجل انتزاع مكاسب محددة أيضاً. إن قوة القهر الموجودة تعمل حثيثاً، من دون العمل أوتوماتيكياً أو خارج الهدف المحدد والمتغير بحسب الظروف، ولا غرابة في أن يكون أسوأ ما في تاريخ الممارسات الإسرائيلية مستلهماً من ممارسات الحروب الأهلية، أي على قاعدة “حرب الوجود” التي تغنى بها العرب من دون ممارستها.

تتعيش المقارنة بين إسرائيل وأنظمة القمع المجاورة، وتالياً امتداح إسرائيل، على الاستعداد المطلق للطرف الثاني من المقارنة لاستخدام شتى أصناف العنف، بينما يفترض أصحابها قدرة إسرائيل على ارتكاب الأفعال نفسها لولا ترفّع حكامها عن الانحطاط إلى مستوى الجيران. إلا أن بنية النظام الإسرائيلي لا تسمح بتحقق أسوأ مخيال عربي عن وحشيته، ولا تسمح بالتحول إلى نظام قمعي مشرقي، هذا التحول ينسف أساس وجود إسرائيل وجاذبيتها الضرورية لاستقطاب يهود العالم. هو أيضاً ينسف انتماء إسرائيل إلى المنظومة الغربية، ورغم كل ما قيل “بحق أو بغير حق” عن تجاهل الغرب الممارسات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين فإن هذا التجاهل لا يرقى إلى تجاهل الغرب نفسه تلك الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها الأنظمة العربية. على الأقل يعاتب الغرب تل أبيب بناء على القيم المشتركة بين الجانبين، في حين لا قيم مشتركة تجمعه بأي طاغية عربي، ولا رأفة أيضاً بشعوب المنطقة التي لا يُنظر إليها كشريك.

تُقارَن إسرائيل بالقيَم التي ينسبها قادتها إليها وبانتمائها للمنظومة الغربية، ومن الخطأ الإصرار على مقارنتها بمجموعة من مهووسي السلطة في الجوار. هذه المقارنة التي تطل من مناسبة لأخرى تمتدح إسرائيل بغير وجه حق، وتمتدح الأنظمة بوضعها في مقارنة غير مستحقة. ربما تجوز المقارنة يوماً، عندما يتمكن أبناء المنطقة من الابتسام كما يفعل المقدسيون، وحتى ذلك الحين لا معنى لانتشار وسم “أنقذوا حي الشيخ جراح”، لا معنى له إذ يُكتب بالعربية. 

المدن

——————————-

من كربلاء إلى القدس: الجريمة المقدسة والفساد المقدس/ حازم الأمين

تحضر الجريمة في كربلاء في موازاة الجريمة في القدس، تماماً مثلما تحضر الأخيرة في موازاة جريمة اتفاقات ابراهام بوصفها تفويضاً للمستوطن بالسطو على حي الشيخ جراح.

 نظرياً قد لا يجمع رابط بين الوقائع الدموية التي يشهدها العراق، وتلك التي تجري في فلسطين، سوى دمويتهما ومشرقيتهما! لكن المرء إذا ما أعمل مزيداً من سوء النوايا بأنظمة هذا الإقليم البائس، وهو ما عليه أن يفعله، سيعثر على مزيد من العلاقات العنفية التي تربط عواصم هلال البؤس والاستبداد، من القدس إلى بغداد، ومن طهران إلى دمشق، مروراً ببيروت النائمة بدورها على انهيار وانفجار واحتمالات مجاعة.

نيران إسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، وفرق موت عراقية مدعومة من طهران تقتل الناشط والصحافي إيهاب وزني برصاصة في رأسه في مدينة كربلاء (المقدسة)، ورصاصة أخرى تصيب الصحافي أحمد الحسن في مدينة النجف (الأشرف)! وبين النجف عاصمة (التشيع الأولى)، والقدس (ثاني القبلتين)، جرائم موازية في محيط المسجد الأموي في دمشق، هناك حيث يستعد رئيس النظام السوري بشار الأسد لإجراء انتخابات يجدد فيها العهد على مزيد من الجرائم، وليس بعيداً منه يقيم صديقه وحليفه في بيروت ميشال عون جمهورية “الفساد المقدس” المحمي بسلاح المقاومة، وهو السلاح الذي يمت بعلاقة قرابة مع سلاح فرق الموت العراقية.

قد يبدو مشهد العلاقات بين فوهات البنادق المشرقية معقداً، إلا أنه في لحظة كهذه مكشوف إلى حدود مذهلة. فالموت الذي يخلفه متشابه إلى حدٍ كبير. في الفيديو الذي ظهر فيه قتلة إيهاب وزني في كربلاء عناصر قد يخطؤها المرء فيعتقد أنها لمستوطن يغزو حي الشيخ جراح. الوجوه مكشوفة وهويات أصحابها معروفة لدى الناس في كلا الموقعتين. في بيروت الفساد الذي صار دموياً بعد انفجار المرفأ بدوره مكشوفة وجوه أصحابه. القتلة الذي تسببوا بكارثة تدمير المدينة معروفون، ولا يوارون وجوههم. أما المهزلة الدمشقية المتوجة بانتخابات التجديد لبشار الأسد، فهي بدورها قصة جريمة معلنة لا يشيح فيها القاتل وجهه عن الكاميرا.

لا يمكن مقاومة الشبه الذي تنطوي عليه الجريمة المعلنة في العراق والسطو المعلن والمصور في حي الشيخ جراح. قتلة الصحافي أحمد عبد الصمد في البصرة (جنوب العراق) أُعلنت أسماؤهم وبدل أن يتواروا عن الأنظار لجأوا إلى بغداد حيث تحميهم فصائل من الحشد الشعبي، تماماً مثلما فعل ذلك المستوطن الذي راح يقول للسيدة الفلسطينية أنه ما لم يحتل منزلها فسيأتي غيره ليحتله. ألا يردنا هذا الفعل إلى ذاك؟ انعدام الحاجة لتورية وجه القاتل في كلا الحالين هو مرحلة جديدة من مراحل الجريمة.

بين “القتل المقدس” في العراق، و”السلاح المقدس” في بيروت، يترنح أهالي حي الشيخ جراح في القدس بين عسف الجريمة الإسرائيلية وطموحات استثمار أنظمة الاستبداد، المستعينة بالظلامة الفلسطينية، لكي تقتل في كربلاء وتعيث فساداً وموتاً في بيروت، وتهين أهل دمشق المنكوبة بانتخابات هزلية. إنه الجسر المشرقي عينه، ذاك الذي جرى بناؤه في موازاة الحرب على “داعش”. الجسر الذي تطلب بناؤه إزالة الموصل وحلب والرقة وعشرات المدن، والذي ادعى أصحابه أنهم بصدد فتح الحدود للوصول إلى خط المواجهة مع إسرائيل، فاذا بهم يقيمونه لنجدة بشار الأسد في دمشق ولإيصال ميشال عون إلى بعبدا، أما القدس فليست جزءاً من الهموم. وهم اذ يتلقون الضربة الإسرائيلية تلو الضربة، “يؤجلون” الرد إلى حين اكتمال الجريمة!

نعم تحضر الجريمة في كربلاء في موازاة الجريمة في القدس، تماماً مثلما تحضر الأخيرة في موازاة جريمة اتفاقات ابراهام بوصفها تفويضاً للمستوطن بالسطو على حي الشيخ جراح. وتحضر أكثر إذا ما أراد المرء رصد مستويات العنف كممارسة سياسية وحيدة في هذا المشرق البائس. العنف كعلاقة “ضرورية” بين أنظمة صارت تدرك أن لا سبيل لبقائها سوى بالمزيد منه، وأن الحروب هي ضمانة استمرارها، وأن الجريمة هي الرسالة الوحيدة التي تخاطب عبرها مجتمعاتها. نعم من كربلاء إلى القدس هذا هو المشهد.  

درج

———————–

حيّ الشيخ جراح “نكبة” فلسطين الجديدة

—————————

وقائع حي الشيخ جراح في ميزان اتفاقات ابراهام

إذا صحت مقولة الكرد عن أنفسهم “لا صديق للكرد إلا الجبال”، فيمكن اجتراح مقولة موازية للفلسطينيين: “لا صديق للفلسطينيين إلا الفلسطينيين”.

لنضع ما يحصل في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية في ميزان اتفاقات “ابراهام” التي يفترض، وبحسب ما هو معلن، أن الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اشترطتا فيها وقف الزحف الاستيطاني، في مقابل الاعتراف بإسرائيل ومباشرة علاقات ديبلوماسية معها! هذه المعادلة على ما فيها من ضيم بحق الفلسطينيين ومن اعتداء على حقوقهم، تم انتهاكها من قبل الدولة التي تحتفل إمارات الخليج وممالكه بمباشرة علاقات معها. علماً أن واقعة الحي المقدسي لم تحرك بالدول الموقعة على اتفاقية ابراهام ساكناً، ولم تشعرها بأن ما وقعت عليه تم انتهاكه.

إنما لهذه المعادلة وجه آخر تتحول فيه الملهاة إلى مأساة. فالاتفاقية تضمنت الاعتراف بإسرائيل في اللحظة التي أعلنت فيها الأخيرة ضم القدس! وهو ما يعني أن “ثاني القبلتين” غير مشمولة بشرط وقف “الزحف الاستيطاني”، وهو ما قد يعطي المفاوض الإسرائيلي، في حال قررت حكومتا أبو ظبي والمنامة الانتفاض لكرامة الاتفاق الذي وقعتاه، ورقة صلبة مفادها أنهما اعترفتا بإسرائيل التي ضمت القدس. ونحن هنا نتحدث عن القدس كلها، لا قسمها الغربي! ووقف الزحف الاستيطاني يعني مناطق الضفة ولا يشمل القدس.

والحال أن شراهة المستوطنين الزاحفين على “الشيخ جراح”، وما تنطوي عليه دعاويهم من أبعاد خرافية وعنصرية والتهامية، كشف إلى حدٍ كبير الورطة التي وضعت أبو ظبي والمنامة نفسيها فيها، لجهة أنهما حيال شريك سيواصل انتهاك اتفاق جعلتاه “إنجازاً” وتواصلان الاحتفال به في إعلامهما والتسويق له بوصفه اختراقاً في جدار الصراع المستعصي. فإسرائيل التي باشرت اقتلاع العائلات الفلسطينية من ذلك الحي هي بعينها التي وقعت الاتفاقات. أقدمت على الفعلتين باليد ذاتها، أي بيد اليمين المتحالف مع اليمين الديني. إنها يد بنيامين نتانياهو الممسكة بإسرائيل منذ 4 دورات انتخابية، وهذا تفصيل لم يثر بحكام الجيل الجديد في الخليج حساسية ولم يدفعهم إلى الحذر، ذاك أنهم انقادوا في حينها وراء “صفقة القرن” التي انقضى زمنها مع رحيل ترامب، ولم يبقَ منها سوى اعترافهم بإسرائيل وعاصمتها القدس!

لكن ما يحصل في حي الشيخ جراح يتعدى فاجعتنا باتفاقات ابراهام، فالخرافة الإسرائيلية القائمة على “دولة الناجين” ترنحت مرة أخرى، وظهر على نحو جلي ومصور وموثق أن الخرافة يتم ابتذالها في حي صغير في القدس الشرقية. هؤلاء المستوطنون يصرفون حكاية اليهود في أوروبا الوسطى والشرقية في مشهد انتهاكي مواز في القدس الشرقية. الوقائع نفسها. أحكام قضائية بالإخلاء ومصادرة الأملاك، والترحيل إلى مخيمات محاصرة. إنها خيانة يرتكبها أحفاد الناجين، بحق الملايين ممن شملتهم تلك الإبادة.

وهنا أيضاً يحضر نتانياهو بوصفه ابن المؤرخ الذي لطالما احتقر خرافة الناجين. نتانياهو الذي يشبه زمنه ووجوه زمنه، بدءاً من فلاديمير بوتين ومروراً بدونالد ترامب، ووصولاً إلى بشار الأسد الذي يقصفه ويحميه في آن واحد. نتانياهو الذي وقع اتفاقيات ابراهام، والذي يفاوض الإخوان المسلمين (القائمة الموحدة) ليكونوا الممثلين الحصريين لعرب الـ48 في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي. الرجل غير معني بأي التزام يتعدى مصالحه المباشرة.

إذا صحت مقولة الكرد عن أنفسهم “لا صديق للكرد إلا الجبال”، فيمكن اجتراح مقولة موازية للفلسطينيين: “لا صديق للفلسطينيين إلا الفلسطينيين”. الانتفاضة الأولى أثبتت ذلك، وتدفق السلاح في الانتفاضة الثانية وغرقت فلسطين بانقسام ما زال متواصلاً إلى اليوم.

ومرة أخرى تبدو مهمة “إعادة فلسطين إلى الفلسطينين” ملحة وضرورية، ذاك أن عدالة القضية يمكن أن يظهرها مشهد المواجهة “حي الشيخ جراح” أكثر مما يمكن أن تفعله مواجهة مع “حماس” على خطوط القتال في غزة. كما يمكن هذا المشهد أن يكف يد الراغبين في بيع القدس إلى نتانياهو مقابل وعود جاريد كوشنير السياحية.

——————————-

حيّ الشيخ جراح: النكسة في قلب النكبة/ ليندا ماهر

“دخلت الشيخ جراح وأنا عمري أربع سنوات، كنا لاجئين من حيفا، ليس لدينا طعام وشراب وعمل، ووضعنّا الاقتصادي سيء؛ فكان الشيخ جراح جنتّي وملجئي بعد كل ما حصل… فإخلائي لمنزلي وتهجيري القسري يعني تجريدي من ذكرياتي”

18 فرداً من عائلة حماد من ضمنهم 8 أطفال مهددون بالتهجير من منزلهم في حي الشيخ جراح في شمال مدينة القدس، في حال تم الاستيلاء على منزل العائلة الكبير. بيأسٍ شديد وواضح في نبرات عارف حماد (70 عامًا) يقول لـ”درج”:” الشيخ جراح تعني لي عمري كله، لا أستطيع الكلام عن الموضوع، الظلم الذي أشعر به يمنعني من الكلام؛ لكننّا سنبقى صامدين في هذا البيت حتى آخر نفس”.

يشير حماد إلى أن ما يحصل الآن في الشيخ جراح هو نفسه ما حدث خلال نكبة فلسطين عام 1948 يقول:”” تهجرت عائلتي في النكبة من حيفا، وولدت أنا في عام 1951، وبحسب ما كان يرويه جدي ووالدي عن أحداث النكبة، فهي نفسها ما يحصل معنّا الآن وكأن الزمن يكرر نفسه، وهجرتهم ترتسم أمام عيني. أتخيل المنفى، ومغادرة البيوت، والأرض، فتنفيذ هذه القرارات الجائرة ستجعلنّا مشردين من جديد، وسنصبح مهاجرين ولاجئين جدد”. يؤكد حماد أن الهدم أهون عليه من إخلاء البيت، ففي النهاية تبقى قطعة الأرض ونستطيع أن نبني عليها من جديد.

 يواجه أهالي حيّ الشيخ جرّاح شمال البلدة القديمة للقدس منذ أكثر من 40 عاماً مُخطّطاً إسرائيليّاً لتهجيرهم من بيوتهم وبناء مستوطنة فوق أراضيهم. بدأت قصة هذا الحي عام 1956، عندما اتفقت الحكومة الأردنية مع الأونروا على إسكان 28 عائلة فلسطينية من لاجئي النكبة، فوق أرضٍ تسمى “كرم الجاعوني” في الشيخ جراح، ووفق الاتفاقية، وبعد 3 سنوات من الإقامة في بيوتهم الجديدة، تُسجّل ملكية البيوت والأرض بأسماء العائلات في الطابو الأردنيّ، لكن ذلك لم يحصل أبداً!

بداية المشكلة

 بعد الاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس عام 1967، اقدمت جمعيات استيطانية، لجنة من طائفة السفارديم ولجنة من الكنيست (لجنة اليهود الأشكناز) على احتلال منزل عائلة الشنطيب التي كانت في زيارة للكويت خلال الحرب، وقامت نفس الجمعيات بالاستيلاء على مغارة في الحي بدعوى انها مغارة “شمعون الصديق”، باعتبارها مكاناً مقدساً، وتم تحويل منزل الشنطي الى مكتب لهم. ثم قدمت الجمعيات الإستيطانية طلبات للمحاكم الإسرائيلية لإخلاء بقية الأهالي بيوتهم بادعاء ملكيتها لقطعة الأرض التي يسكنون فوقها (حوالي 18 دونماً)، ومنذ ذلك العام توالت جلسات المحاكم الإسرائيلية، والتي ظهر فيها بشكل واضح التواطؤ مع الجمعيات الاستيطانيّة، إذ رفض القضاة النظر في طلبات السّكان الفلسطينيّين لإثبات الملكيّة.

في العام 2008، هُجّرت عائلة أم كامل الكرد من منزلها، وفي العام 2009، هُجّرت عائلتا الغاوي وحنون، وفقدت عائلة نبيل الكرد نصف منزلها. واليوم تستوطن في المنازل عائلات مستوطنين. وفي مطلع عام 2021، أصدرت محكمة اسرائيلية قراراً جديداً يُمهل 4 عائلات من الحيّ حتى آيار/ مايو القادم لإخلاء منازلهم (كرد، قاسم، جاعوني، سكافي)، و3 عائلات أخرى حتى آب/أغسطس القادم (حماد، ديجاني، داودي). حسب تقرير صدر من الائتلاف الأهلي لحقوق الإنسان في القدس في 31 يناير/ كانون الثاني 2021 تم تصنيف عائلات الشيخ جراح وعدد الأفراد المهددين بإخلاء بيوتهم:

الشيخ جراح جنتي وملجئي

تنهيدة ألم طويلة خرجت من صدر السبعيني المهدد بإخلاء منزله قبل مايو/ آيار 2021 نبيل الكرد، عندما تَحدَّث عن حياته وطفولته في حيّ الشيخ جراح فيقول: “دخلت الشيخ جراح وأنا عمري أربع سنوات، كنا لاجئين من حيفا، ليس لدينا طعام وشراب وعمل، ووضعنّا الاقتصادي سيء؛ فكان الشيخ جراح جنتّي وملجئي بعد كل ما حصل، تربيت وكبرت فيه وتعلمت في مدارسه وصليت في مساجده، وتزوجت من بناته. كل ذرة تراب وشجرة وحجر في هذا الحيّ تعني لي الكثير، هذا وطني الصغير، فإخلائي لمنزلي وتهجيري القسري يعني تجريدي من ذكرياتي وتاريخي في هذا الحيّ”.

يعتبر الكرد أن ما يحصل معه الآن في الشيخ جراح هو “تهجير للمرة الثانية”؛ لأن المرة الأولى كانت عندما  تم منعه هو وعائلته من بيته الذي بناه في الحيّ واستولى المستوطنون على نصفه في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، وتغريمه مبلغ 97 ألف شيكل (حوالي 30 ألف دولار)، وإعطائه أوامر بهدم البيت وإدخال المستوطنين للعيش فيه. يقول الكرد:” الأرض التي بنيت عليها البيت، كلها ملكي؛ وأعيش حاليًا مع عائلتي المكونة من 8 أفراد في مساحة حوالي 75 متراً، بينما استولى على الشقة التي بنيتها للتوسع مستوطن جاء من أميركا قبل 13 عاما، بحجة أن البيت الذي أسكن فيه حاليًا والذي منحني اياه اتفاق الحكومة الأردنية والأونروا، كانت والدته هي التي قامت ببنائه”.

عام 2016، أجرى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عملية مسح أظهرت أن 818 فلسطينيًا معرضون لخطر التهجير بسبب قضايا الإخلاء المرفوعة ضدهم في القدس الشرقية. وكشف مسح مُتابع في عام 2020 أن ما لا يقل عن 218 أسرة فلسطينية لديها قضايا إخلاء مرفوعة ضدها، معظمها من قبل منظمات المستوطنين، مما يعرض 970 شخصًا، من بينهم 424 طفلًا، لخطر التهجير. تم تحديد غالبية الحالات الجديدة في منطقة بطن الهوى بسلوان، والتي تعتبر المجتمع الذي يضم أكبر عدد من الأشخاص المعرضين لخطر النزوح، بسبب حالات الإخلاء المستمرة. بين عامي 2017 و 2020، طردت قرابة 15 أسرة، تضم 62 فلسطينيًا، من منازلها في البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح في القدس الشرقية.

الشيخ جراح قضية سياسية وليست قضية محاكم

يقطن 32 فردًا من أسرة الصبّاغ، بينهم ستة أطفال، في منزل العائلة، بينما يلحق الضرر بـ19 فردًا آخر وخمس أُسر من العائلة، بسبب القضية التي رُفعت عليهم في محكمة الصلح منذ عام 2010. العائلة قدمت طلباً للمحكمة المركزية للبحث في ملكية الأرض عام 2012، والتي بدورها رفضت الطلب لازدياد لتأخرهم 15 عاماً في رفع القضية، ثم توجهوا للمحكمة العليا والتي كان ردها “لا يحق لكم المطالبة بالملكية”. يقول محمد الصباغ (70 عامًا):” استطاع المحامي أن يُحول القضية من المحكمة العليا إلى محكمة الصلح عندما استلمنّا قرار الإخلاء في 3 يناير/ كانون الثاني 2019، وتم تجميد القرار إلى حين النظر في قضيتنّا مرة أخرى في محكمة الصلح؛ ولكن للأسف كان ردها هي الأخرى عدم أحقيتنّا في المطالبة بالملكية، فقمنّا باستئناف القرار في المحكمة المركزية، ووافقت على البحث في القضية مرة أخرى؛ لكن بعد دفع مبلغ 35 ألف شيكل (10 آلاف دولار)، وما زلنّا ننتظر لغاية الآن قرارها”.

وفي العام 1967، وبعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية وضمّها إلى إقليمها في مرحلة لاحقة، سنّت قانون أنظمة القضاء والإدارة في العام 1970، والذي يجوز بموجبه للإسرائيليين رفع الدعاوى للمطالبة بالأراضي والممتلكات التي يُدِّعى أن يهودًا كانوا يملكونها في القدس الشرقية قبل إقامة دولة إسرائيل في العام 1948. وفي المقابل، يُحرم اللاجئون الفلسطينيون من حقهم في استرداد أراضيهم وممتلكاتهم فيما بات يُعرف اليوم بإسرائيل.

في الوقت الذي وافقت المحكمة المركزية على طلب الإخلاء للعائلات السابقة ما زال الصباغ ينتظر قرار المركزية ويقول: “نحن في صراع مع القضاء الإسرائيلي منذ عام 1972، وقضيتنّا قضية سياسية وليست قضية محاكم”.

ملكية غير شرعية

ووفقًا للقانون الصادر في العام 1970، سجّلت منظمتان إسرائيليتان الأرض في منطقة كرم الجاعوني باسميْهما، بناءً على صكوك الملكية التي تعود إلى العهد العثماني، وذلك على الرغم من طعن الأسر الفلسطينية في صحة هذه الصكوك. ثم باعت هاتان المنظمتان حقوقهما في تلك الأرض لشركة “نحلات شمعون الدولية”، وهي شركة خاصة مسجّلة في الولايات المتحدة. وقد رفعت هذه الشركة العديد من الدعاوى القضائية على مدى السنوات الماضية لإخلاء الأسر الفلسطينية من حي الشيخ جراح.

وبسبب تبرير الإسرائيليين ملكيتهم لأرض الشيخ جراح من عام 1850 منذ أيام الحكم العثماني، عن طريق وثيقة تم تزويرها في المحاكم؛ توجه أهالي الحي إلى تركيا ليثبتوا عدم صحة هذا الأمر، فلم يجدوا أي ورقة أو وثيقة تؤكد هذا الأمر، فمنذ عام 2009  يطالب عبد الفتاح سكافي (70 عامًا) في جلسات المحكمة المتعلقة بخصوص قضيته لإخلاء بيته، أن يحضر مسجل الأراضي لكن دون جدوى أو تغيير جذري في مجرى القضية.

درج

————————–

انتفاضة القدس: أبعد من مأزق الاحتلال وحرج العالم

كان أمراً طبيعياً أن تتطور قضية حي الشيخ جراح في القدس المحتلة من مجرد دليل جديد على الطابع الاستعماري والاستيطاني الذي قامت عليه ركائز الكيان الصهيوني قبل نكبة 1948 وبعدها، إلى سلسلة مترابطة من البراهين المتجددة على مظاهر المأزق الذي تواجهه دولة الاحتلال، على أصعدة داخلية وإقليمية ودولية في آن معاً.

وإذا كان المظهر الداخلي الأول قد تجلى في خضوع حكومة الاحتلال إلى اشتراطات مجموعات الضغط الاستيطانية وتسعير القضية مجدداً أمام المحكمة الإسرائيلية، فإن المأزق سرعان ما تجسد في تخبط سلطات الاحتلال بين ارتكاب العدوان تلو العدوان ضد باحات الأقصى، والتماس تأجيل النظر في القضية أمام المحكمة، ومنع غلاة المستوطنين من إحياء الاحتفالات بما يُسمى «يوم القدس» قبل الاضطرار إلى السماح لأعداد منهم بالاحتفال تحت رعاية شرطة الاحتلال وبذريعة حماية أعضاء الكنيست المتطرفين الذين توافدوا على المدينة القديمة لهذا الغرض.

ومن الواضح أن انتفاضة الأقصى الجديدة هذه، وليس هبة حي الشيخ جراح وحدها، وضعت بنيامين نتنياهو وغالبية القيادات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الاستمرار في الرضوخ لضغوطات الاستيطان، أو الانزلاق أكثر فأكثر نحو مواجهة الانتفاضة الفلسطينية في غمرة حرج متزايد أمام ضغوطات أصدقاء الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين لم يعد في وسعهم تغطية همجية الاحتلال.

على صعيد إقليمي كانت الهمجية ذاتها قد أحرجت أصدقاء الاحتلال الجدد من الأنظمة العربية التي تهافتت على التطبيع مع كيان لا يواصل احتلال الأرض وضمها وإقامة المستوطنات عليها وانتهاك القانون الدولي كل يوم فحسب، بل يطرد السكان الأصليين من بيوتهم وأملاكهم أو يهدمها على رؤوسهم، مسقطاً ورقة التوت ذاتها التي تذرع بها المطبعون في لهاثهم إلى تبرئة الاحتلال وتجميل وجوهه القبيحة النكراء. صحيح أن بعض وسائل الإعلام التابعة لتلك الأنظمة قد بذلت كل جهد للهرب إلى أمام في قضية الشيخ جراح وانتفاضة القدس المتجددة، ولكن من الصحيح أيضاً أن ذلك الهروب كان ورطة في حد ذاته.

وعلى صعيد خارجي، وضمن جبهة مناصري دولة الاحتلال في مجلس الأمن الدولي، فإن اللهجة الخجولة في حث الحكومة الإسرائيلية على ضبط النفس أو الالتزام بالمواثيق الدولية كانت تخفي مزيجاً من الحرج والضيق إزاء سياسات التنكيل والعنف وانتهاك المقدسات. ولم يكن اتصال مستشار الأمن القومي الأمريكي بنظيره الإسرائيلي سوى الوجه المعلن لارتباك الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة وأنها ترث حصيلة ثقيلة من انحياز أعمى لدولة الاحتلال كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد اعتمدته على حساب الحقوق الفلسطينية.

وأمام جلل الحدث والزخم الشعبي الهائل الذي أسفرت عنه شتى أشكال الحراك الشعبي الفلسطيني في باحات الأقصى والبلدة القديمة وسائر فلسطين، لا يكفي أن تدعو السلطة الوطنية إلى انعقاد مجلس الأمن الدولي أو منظمة التعاون الإسلامي أو الجامعة العربية، والمطلوب أن تكون مؤسسات السلطة كافة في حال استنفار ميداني شامل وفي قلب الحراك، وتوفير كل الوسائل الكفيلة بتصليب المقاومين وإسناد الانتفاضة.

القدس العربي

——————————–

في القدس/ الياس خوري

القدس، أي فلسطين، هي الموضوع.

هنا أعاد المقدسيات والمقدسيون رسم الخريطة.

الخرائط التي رسمها ترامب ونتنياهو على الورق، والتي أُطلق عليها اسم صفقة القرن، تمزقت تحت أقدام الناس.

وتشظت الفقاعة الإسرائيلية العربية المسماة «اتفاق أبراهام» وبدت مشاهد التوقيع في واشنطن وحفلات التطبيع في دبي وأبوظبي أشبه برسوم متحركة، لم تصمد على الورق الذي رُسمت عليه، وتبخرت مع انتهاء المشاهد التلفزيونية المملة.

في القدس أي في فلسطين، في باب العامود وفي الشيخ جرّاح وشارع صلاح الدين، أعلن الفلسطينيات والفلسطينيون أن فلسطين هي المقاومة، وأن من اعتقد أنه دفن المقاومة تحت ركام الانهيار العربي الكبير ليس سوى واهم لا يحسن قراءة لغة الحياة وبلاغة مقاومة الموت.

في القدس أي في الأقصى، تستعاد روح انتفاضة الأقصى، ونرى قناديل الضوء وهي تكسر عتمة ليل العرب الطويل.

في الشيخ جرّاح لم نعد في حاجة إلى قراءة الكتب التي تصف وقائع النكبة الكبرى التي جرت سنة 1948. فالنكبة تجري كل يوم في فلسطين، لكنها تتخذ شكلها الأكثر صفاقة ووحشية في القدس.

هبة القدس التي صنعت مناخاً تضامنياً في أراضي 1948 هي الإشارة الأولى إلى أن فلسطين تفتح أبواب انتفاضتها الثالثة الكبرى، فعربدة المستوطنين لم تعد تحتمل، وانتفاخ إسرائيل بالقوة المطلقة، والشعور الوهمي الذي أعطتها إياه خيانات أنظمة الذلّ العربية بأن صفحة فلسطين قد طويت وتحللت في براميل النفط، يتلاشى تحت الأقدام.

قضية فلسطين تدور في فلسطين أولاً، وقرارها بيد شعبها وحده.

لا أدري كيف اعتقدوا أن شعباً كاملاً سوف يرضى بالتحول إلى بقايا وأشلاء؟

هذا الاقتناع المستجد في إسرائيل وفي العالم العربي يعود إلى سببين:

السبب الأول هو الانهيار العربي الذي صنعته الثورة المضادة، حين نجحت في سحق الرياح الديموقراطية التي هبت مع انتفاضات الشعوب.

والسبب الثاني هو الهوان السلطوي الفلسطيني الذي يتخذ شكل الانقسام، ويتجسد في التنسيق الأمني المشين، وفي الاستبداد السلطوي، كأن نظام أوسلو هو نظام عربي آخر. كما يأخذ هذا الهوان مظهره الأكثر فداحة في فقاعة الرأسمالية الطفيلية الفلسطينية المتخلجنة، التي بنت اقتصاداً تابعاً لإسرائيل، وغذت الأوهام النيوليبرالية، وقدمت نموذجاً لمدينة فلسطينية بنيت على نسق المستوطنات الإسرائيلية.

الرهان على انهيار العرب حقيقي وغير حقيقي في آن معاً. وهذا لا يعود فقط إلى أن القوى الحية في الشعوب لا يمكن أن تموت، بل يعود أيضاً إلى البجاحة التي تحكم تصرفات منتصري الساعة المنقلبة. ولعل ذروة الاستخفاف بعقول الناس هي «اتفاقات أبراهام»، التي تفوقت على كل مشاريع التطبيع السابقة، وحولت التطبيع تبعية، وأخذت بعض الحكام إلى الانتشاء بالهزيمة، والافتخار بتاج العار.

كما أن كمية المهانات التي كان على الناس أن تحتملها وسط الإفقار وأشباح المجاعة والتهجير، لم تعد تحتمل.

أما هوان «روابي» السلطة، فهو المسألة.

فالسلطة التي تجددت على إيقاع هزيمة الانتفاضة الثانية، بعد موت ياسر عرفات والانقلاب عليه، أسست لنظام استبدادي انفجر من داخله في الانقسام. كما فقدت القدرة على تقديم مشروع سياسي يحمل حداً أدنى من التماسك. مشروعها الفعلي كان الاستسلام لوهم الاستسلام، أي للوهم الذي غذاه الأمريكان بأن الرضوخ لمطالب الرباعية الدولية، وتحويل جهاز الشرطة إلى أداة قمع برعاية الجنرال دايتون، وتشريد شباب «كتائب شهداء الأقصى» واعتقالهم، سوف يقود إلى سلام ناقص، يعطي الفلسطينيين ما يشبه الدولة.

ووصلت الأمور إلى ذروة الاستخفاف عندما تم تأجيل الانتخابات الفلسطينية بحجة أن إسرائيل لن تسمح بها في القدس. وكلنا يعرف أن سبب التأجيل لا علاقة له بالقدس لا من قريب أو بعيد، بل هو الحيلة الأخيرة لمنع التغيير، الذي شكل عماده الأساسي مروان البرغوثي، الأسير الذي يقود بلاده الأسيرة، وسوف بفتح انتخابه الباب لعودة لغة المقاومة، وعودة الفدائيين إلى قيادة العمل الوطني.

الوهم قاد السلطة إلى الوهن.

القدس التي تنتفض لم تطلب إذناً لا من الإسرائيليين ولا من السلطة. والسلطة التي ادعت «حرصاً انتخابياً» على القدس، لا أثر لها في الهبة المقدسية، بل إن الهتافات التي اشتعلت بها الحناجر شكلت إدانة واضحة للسلطة ولموقفها التخاذلي.

القدس التي قرر الأمريكيون والإسرائيليون اعتبارها «العاصمة الأبدية»، لدولة لن تكون أبدية، لأن التاريخ لا يعترف بأبدية أحد، هذه المدينة التي تقدست بدماء شهدائها، تحولت في ليلة القدر إلى شجرة اختلف الناس في تسميتها، بعضهم أسماها فوَّاحة الليل أو شجرة الليل أو مسك الليل، وبعضهم الآخر أسماها شجرة الكولونيا، ولها اسم آخر غير متداول، لكنه الأجمل، هو شجرة ليلة القدر. تحمل هذه الشجرة أزهاراً صغيرة بيضاء تشبه القناديل، تتفتح في الليل وتنشر رائحتها العطرة، وفي النهار تقفل أزهارها.

يجب التمييز بين هذه الشجرة وشجرة أخرى شبيهة تنتج أزهاراً أكبر حجماً من شجرة ليلة القدر، ويطلق عليها بالإنكليزية اسم «بوق الملائكة». فشجرة الأبواق سامة، أما شجرة ليلة القدر فأزهارها الصغيرة لا تحمل سوى الرائحة العطرة، وتتفتح عندما يُليِّل الليل.

لَيَّل ليلُنا العربي والفلسطيني.

ولم يعد أحد قادراً على الرؤية وسط العتمة.

وفي ليالي القدس التي بدأت بمواجهات باب العامود، ولدت لنا ألوف أشجار ليلة القدر. رجال القدس ونساؤها تحولوا إلى أشجار تحمل قناديل الحرية. أعلن الفلسطينيات والفلسطينيون أنهم قدر مدينتهم، فامتلأت فلسطين بالقناديل البيضاء المضرجة بالدم، ورأينا كيف تصرخ الأشجار وتواجه المحتلين معلنة أن جذورها عميقة في الأرض، ولا يُمكن اقتلاعها.

في القدس تنفست فلسطين عبير الانتفاضة.

والقدس لم تنتظر ولن تنتظر، لكنها تعرف أن أشجار ليلة القدر ستملأ فلسطين كلها برائحة الحرية.

———————–

حيّ الشيخ جراح وأمثولة آيخمان/ نجوى بركات

– يعقوب، أنت تعرف أنّ هذا ليس بيتك.

– أجل، ولكنّك تعلمين أنّكِ، وإن خرجتُ، فلن تعودي إليه، فما هي مشكلتك، أنا لم أفعل هذا، أنت تصرخين عليّ، وأنا لم أفعل ذلك.

– ولكنّك تسرق بيتي!

– إنْ لم أسرقه أنا، سيسرقه شخصٌ آخر.

– ليس مسموحاً لأحد أن يسرقه.

– هو ليس لي كي أعيده…

– يعقوب، أتسمع ما أنت قائل؟ ليتك تعيد الاستماع إلى حوارنا، وسترى كم أنّه شاذّ ومُقهر. تدخل إلى منزلٍ ليس لك، وأنت مدركٌ ذلك تماماً. تأهله وأنت تعرف أنّ له أهلاً. وإذ يطالبك أهلُه ألّا تفعل، تبرّر أنّك، في هذا الفعل، إنّما تسبق إليه آخرَ. أتّهمك بسرقة بيتي، يا يعقوب، فلا تعترض على فعل السرقة، بل تجيبني قائلاً إنّك لست السارق، وإنّك، حتى لو أردتَ إرجاعَه إليّ، فلا يمكنك أن تفعل لأنّه ليس ملكك. أحسنتَ، يا يعقوب، هو بالفعل ليس لك لأنّه ملكي، لكنّك تنتفض معترضاً: لا، لم يعد لكِ، لقد سبق أن سُرق منك، وقد أُعطي لنا. أنا أو سواي، ما الفرق عندك؟ أجل، يا يعقوب، أنت تسرق بيتي كما سرق أبناء شعبك بيوتَ فلسطين كلّها..

– فلسطين، في معظمها، بيعت لنا، أنتم تخلّيتم عنها.

– لا يا يعقوب، ركّز معي. لا أحد يبيع وطناً مهما باع من أرضه. الوطنُ ليس ملكية فردية كما تعرف، وهو ليس فقط مجموعة مساحاتٍ وممتلكات. ولأسلّم معك فرضاً أنّنا بعنا كلَّ ما نملك في فلسطين، فهل يصحّ أنكم اشتريتم بلداً بأمّه وأبيه؟ هذا مستحيل، يا يعقوب، أنت تعرف، وأراك مقتنعاً بما أقول لأنّك تُخفض رأسك. لا تُجبني بأنّ ما جرى قد جرى، ومن غير الممكن العودة إلى الوراء، لأنّ ما فعلتموه، يا يعقوب، هو سرقة استدعت احتلالاً بالقوة، ولأنّكم، رغم كلّ ما سلبتم، ما زلتم تلاحقوننا على قلّة ما تبقّى. حتى متى، يا يعقوب، حتى متى؟

– اسمعي، قضية الحيّ المقدسي الشرقي، الشيخ جرّاح، ستبتُّ بها المحاكمُ القانونية.

– محاكمُكم! اسمعني أنتَ، يا يعقوب، أنت تعرف أنّ دولتك، بمستوطنيها وجنودها وشرطتها وحرسها، لم تتوقّف يوماً عن عمليات الهدم والإخلاء، وعن قمعنا واضطهادنا وأسرنا وقتلنا. دولتك، يا يعقوب، تريد ببساطة محوَنا كي تنسى جريمتها، فتقول إنّ التاريخ بدأ معها، وإنّنا نحن الدخلاء على أرضنا. إسرائيل تريد ابتلاع فلسطين كلّها، لكنّها لا تدري كيف تتخلّص من الحسك العالق في حلقها. نحن هو هذا الحسك يا يعقوب، نحن البشر الذين لا ننسى، ونبقى نحمل اسمَ الأرض التي عليها وُلدنا ونلغو بلغتها. حتى اسمنا بات سكّيناً وشوكة. أنتم تسمّوننا عرباً، ولا تبوحون حتى لأنفسكم وسرّاً بأنّنا فلسطينيون، وبأنّنا أهل هذي البلاد وملحها.

– نحن نسرق بيوتكم، حسناً، لكنّ حياتنا سُرقت منا! لا تنسي كم اضُّطهدنا وأُبِدنا!

– أنا لم أنسَ، يا يعقوب، لكن يبدو أنّكم أنتم من نسيتم. أهي عاقبة الضحيّة دوماً أن تكون جلّادَ ضحيّة أخرى؟ والحق يقال، يا يعقوب، إنّي أودّ شكرك شخصياً والشدّ على يدك، لأنّك من بين قلّةٍ قليلةٍ جدا تعترف بالسرقة، وإنْ تناست عواقبها من تهجير وتمييز واضطهاد وقتل. أوَ تدري، أنا لا أريد منك سوى أن تعتذر عما ارتكبتَ بحقّي، فلا تكرّر على مسمعي أنّك لم تفعل شيئاً، وأنّه ليس ذنبك. تذكّر، يا صديقي، النازيَّ أدولف آيخمان وما كتبته الفيلسوفة حنة آرندت بعد حضور محاكمته، عن تفاهة الشرّ، وقد رأت أنّه شخص عادي لا يشكل أيّ استثناء. لا هو كان معادياً للسامية، أو يتبنّى أيديولوجيّة الحزب النازيّ الذي انضمّ إليه طمعاً بتحسين معيشته. وحتى كلامه جاء إدارياً رسميّاً ولغته نمطيّة سطحيّة، كأيّ موظف بيروقراطيّ ينفّذ أوامر رؤسائه دونما تفكير أو تساؤل أو تحليل.

لا تكن مثل آيخمان، يا يعقوب. قل هذا لشعبك، لا تكونوا مثله، معصوبي القلوب أصمّاء الضّمير.

العربي الجديد

————————-

قصّة الشيخ جراح تختصر القضية الفلسطينية/ ماجد عزام

تختصر قصة حي الشيخ جراح في القدس المحتلة القضية الفلسطينية بكل أبعادها وجوانبها التاريخية الفكرية السياسية والواقعية، حيث بشاعة وهمجية الاستعمار الإسرائيلي وعناد وصمود وثبات الشعب الفلسطيني الهائل وذاكرته العصية على النسيان وإرادته العصية على الكسر والانحناء.

يقع حي الشيخ جراح في القدس القديمة، ويطل على المسجد الأقصى والحرم المقدسي مباشرة، ويمثل منذ عقود مع أحياء سلوان ووادي الجوز ومحيط الحرم أهدافاً استراتيجية للاحتلال الإسرائيلي والجمعيات الاستيطانية المتطرفة التي لم تعد هامشية أو منبوذة، وإنما تموضعت مع الوقت في صلب الطبقة السياسية الحاكمة التي تزداد تطرفاً يوماً بعد يوم.

إذاً، وضع حي الشيخ جرّاح على بؤرة استهداف الاحتلال بأذرعه وأدواته المختلفة بشكل مكثف في الفترة الأخيرة. أما البيوت محل الاستهداف الآن فيبلغ عددها 28 ويقطنها 500 مواطن فلسطيني بما فيهم أطفال ونساء وشيوخ، علماً أنها بنيت في منتصف خمسينيات القرن الماضي باتفاق بين الحكومة الأردنية – الحاكمة للضفة الغربية آنذاك – ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، واستند الاتفاق أساساً إلى قاعدة تمليك البيوت للعائلات مقابل التنازل عن بطاقة لاجئ وتقديمات ومساعدات وكالات الأونروا.

وللأسف طوال عشرة أعوام تقريباً لم يتم توثيق العقود بشكل رسمي أو الانتهاء من الإجراءات البيروقراطية لإنجاز العملية بالشكل القانوني السليم إلى أن وقعت النكبة الثانية -حزيران/ يونيو 1967- التي احتلت إسرائيل خلالها كامل أراضي فلسطين التاريخية بما فيها القدس طبعاً، وبدأ المستوطنون باكراً جداً ومنذ بداية سبعينيات القرن الماضي في تزوير أوراق لإثبات ملكيتهم المزعومة لأراضي وممتلكات الحي والمدينة قبل العام 1948، وقاموا بالتشكيك بالتالي في ملكية الأهالي لبيوتهم في غياب وثائق أردنية رسمية تثبت ذلك.

بعد ذلك انطلقت الهجمة الاستيطانية الشرسة ضد الحي ومحيط الحرم بشكل عام على عدة مستويات تحديداً القضائي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي أي مع نهاية الانتفاضة الثانية وبداية حقبة اتفاق أوسلو المشؤوم الذي أوجد بيئة سياسية وأمنية مؤاتية لإسرائيل سمحت لها بمضاعفة الاستيطان ثلاث مرات على الأقل في عهده غير الميمون.

مع الوقت تصاعدت الهجمة ضد حي الشيخ جراح بالتوازي مع سطوة وهيمنة اليمين المتطرف التامة على الحياة السياسية في إسرائيل خلال العقود الثلاث الأخيرة، وبلغت الذروة في السنوات القليلة الماضية وتحديداً منذ اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وسعي هذه الأخيرة لترجمة ذلك عبر فرض الحقائق والوقائع على الأرض بما فيها التهجير والتهويد في الشيخ جراح ومحيط الحرم القدسي الشريف.

يقود المتطرفون من جماعتي لاهافا وعطيريت كوهنيم الهجمة الميدانية في الشيخ جراح بمساعدة المؤسسات الإسرائيلية السياسية والأمنية بعدما باتوا في متن الطبقة السياسية ولم يعودوا هامشيين أو منبوذين.

جماعة لاهافا متماهية تماماً مع تيار الصهيونية الدينية الكاهاني العنصري الفاشي الذي قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتبييضه في الانتخابات الأخيرة، علماً أن قادته مسؤولين مباشرة عن التصعيد الأخير في الشيخ جراح، بل حاول أحد رموزه إيتمار بن غفير نقل مكتبه البرلماني إلى الحي قبل أن يقوم المقدسيون بطرده.

في الشهور الماضية بدت قضية البيوت المستهدفة في الحي وكأنها وصلت إلى نهاية مسارها القانوني أو للدقة السياسي والقانوني بأحكام شبه نهائية بمصادرة عدة بيوت من الحي ضمن مخطط للاستيلاء عليه بشكل تام.

هنا لا بد من التأكيد على حقيقة مهمة مفادها أن إسرائيل لا تملك الشرعية لا هي ولا محاكمها للحسم في ملكية البيوت أو حسم مصير الحي وسكانه والقدس عموماً كون المدينة محتلة تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية القانونية ذات صلة.

اشتدت الممارسات الاحتلالية الاستيطانية بالتزامن مع شهر رمضان وتركزت في باب العامود أولاً مع بدء الشهر الكريم حيث قام الاحتلال بإغلاق ساحاته لمنع المقدسيين من إقامة الصلوات والشعائر والاحتفالات الرمضانية، ثم انتقلت الأحداث بعد ذلك إلى الشيخ جراح بالتزامن مع موعد إخلاء البيوت مطلع أيار/ مايو الجاري ومنه إلى جاره الحرم الشريف، علماً أن هبّة الأقصى الأخيرة ارتبطت مباشرة بالاعتصامات والفعاليات المتضامنة مع أهل الشيخ جراح.

طوال الشهور والسنوات بل والعقود الماضية واجه المقدسيون وحدهم الهجمة، بل الهجمات الإسرائيلية ضدهم وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بقيادة ميدانية محلية من رجال دين وموظفي الأوقاف والمرابطين ووجهاء المدينة.

تلقى المقدسيون المساعدة دائماً من إخواننا وأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 وعلى كل المستويات، أيضاً. وهنا لا بد من تذكر شيخ الأقصى رائد صلاح الذي يتم التنكيل به قضائياً وشيطنته سياسياً وإعلانياً لدفاعه عن المسجد الأقصى ودعمه للمقدسيين في مواجهة حملات المصادرة والتهويد والاستيطان للمدينة، بينما كان موقف قيادة السلطة خجولاً ومتواضعاً في أحسن الأحوال، وعملياً تركت المقدسيين لمصيرهم ولم تتحرك جدياً إلا في الأيام الأخيرة أي في الدقيقة التسعين من المعركة السياسية والإعلامية والقضائية والميدانية لأهالي الشيخ جراح دفاعاً عن بيوتهم وممتلكاتهم.

ورغم المواقف الجيدة والسقف السياسي المرتفع، إلا أن سلطة غزة تبدو عاجزة فعلياً عن نجدة المقدسيين، حيث لا إمكانية فعلية لخوض معركة استنزاف طويلة المدى بالصواريخ أو حرب تقليدية أو شبه تقليدية مع الاحتلال.

شهدنا في قصة الشيخ جراح – كما القضية الفلسطينية – تلكؤ وتأخّر أردني – وعربي – في دعم أهالي الحي بالوثائق اللازمة أو تقديمها منقوصة وغير مستوفية الأركان.

في السياق، وجّهت هبة الشيخ جراح صفعة للمطبّعين الذين زعموا أن هرولتهم للعلاقات مع الاحتلال أتت بحجة حماية الفلسطينيين ومنع خطة الضمّ الإسرائيلية المستمرة في الحي والقدس والضفة الغربية بشكل عام ولكن بشكل غير رسمي أو مُعلن.

كما وجّهت من جهة أخرى صفعة للمتنطعين من أذرع إيران الطائفية الموتورة المتشدقين بدعمهم للشعب الفلسطيني رغم أنهم لا يردّوا فعلياً على الهجمات والضربات الإسرائيلية المتلاحقة ضدهم للاحتفاظ بسيطرتهم واحتلالهم للمدن والأراضي العربية في سوريا والعراق ولبنان.

عموماً أتى التراجع القضائي الإسرائيلي الأخير- أول أمس الأحد – أمام أهالي الحي نتيجة ضغوط ورسائل سياسية رسمية من الحكومة إلى المحكمة العليا، كما ترجمة للواقع الميداني الذي فرض فيه المقدسيون إرادتهم.

يجب الانتباه كذلك إلى أن الانتصارات الأخيرة في باب العامود والشيخ جراح والحرم القدسي هي تكتيكية ومرحلية ولكنها بالتأكيد مهمة ومبشّرة جداً على المستوى الاستراتيجي.

في كل الأحوال اختصرت هبّة وقصة الشيخ جراح القضية الفلسطينية، حيث الاستعمار الصهيوني المنتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية والصمود الأسطوري الهائل للشعب الفلسطيني وبؤس القيادة، بل القيادات الفلسطينية وعجزها حتى عن التوحد وإنهاء الانقسام ونجدة المقدسيين على كل المستويات ضمن برنامج وطني يلحظ إدارة واعية ومصممة للصراع، كما التخاذل بل التواطؤ العربي والنفاق والانحياز الدولي للجلاد على حساب الضحية. ومع ذلك وفي النهاية ستفرض الإرادة نفسها في الميدان حيث الانتصار حتمي للشعب الفلسطيني “إن شاء الله” كما الهزيمة وتفككك واندثار المشروع الاستعماري الصهيوني.

تلفزيون سوريا

——————–

حي الشيخ جراح.. ومهزلة الشعارات العلمانية/ فاطمة ياسين

في شهر حزيران من العام 1967 كان لواء المظليين الإسرائيلي الاحتياط 55، هو الوحدة التي دخلت المدينة القديمة في القدس وتولت احتلالها، اتصل ضابط مخابرات اللواء إيريك أخمون مع القيادة وبصوت يحمل اهتزازا خاشعا وانفعالا روحيا واضحا قال لهم عبر جهاز اللاسلكي وهو يصعد درجات السلم الحجرية بجوار حائط البراق: إنني شخص غير متدين ولم أكن كذلك يوما ولكني الآن أنزل درجات حائط المبكى إنه حائط المبكى!. يتحدث العسكري غير المتدين بخشوع الكاهن عن جدار مقدس لدى طائفته وينقل هذا الشعور إلى القيادة العسكرية ثم تذاع ليسمعها الجميع، مع عرض لمشاهد الجنود يتقدمون بسرعة في تشكيل قتالي داخل المدينة القديمة. خلطت إسرائيل تديُّن أخمون الملتبس بعلمانية مريبة مستمدة ربما من تعاليم “سفر التثنية”، وباشرت منذ تلك اللحظة التي نقلت فيها مشاعر أخمون الجياشة بتغيير الوقائع على الأرض، بما يتناسب وحجم الاهتزاز العاطفي لمجتمع “غير متدين” إزاء أثر ديني قديم. وضعت إسرائيل  كثيرا من نقاط العلام وأقامت الأسوار وحاولت حصر كل ما هو عربي في بقعة ضيقة، وخلقت مبدأ سياسياً ينسخ كل الحروب السابقة وتطلعات الشعب الفلسطيني ينص على أن إسرائيل يمكن أن تعيد أراضي احتلتها مقابل العيش بسلام وسط العالم العربي.

أرادت إسرائيل أن تحصر الخلاف بتفاوت وجهات النظر حول الحدود، وقد اعتبرت وجودها قد أصبح حقيقة نهائية وهي تنتصر في حرب كبرى خاطفة على دول محلية كبرى، واعتمدت على إيديولوجيا متناقضة تستند فيها إلى التاريخ الأسطوري للشعب اليهودي كما هو مدون في التوراة، وإلى راهن مدني متحضر ذي شكل ديمقراطي على النمط الغربي، ومدجج بتسليح متقدم، وهي تمتلك التكنولوجيا اللازمة لإنتاجه، بما يمكنها من المحافظة على كيانها الحالي بعيدا عن التهديد، وطوال حياة إسرائيل القصيرة تمسكت بهذين المبدأين بشدة دون أن تلتفت إلى التناقض المنطقي بينهما، ولكن ضابط المخابرات أخمون عبر عنه بدقة. نجحت إسرائيل بتسويق مبدئها الجديد ووصلت به إلى قرار واضح من الأمم المتحدة، وراهنت على الوقت الذي وقف لصالحها حتى أصبح الخلاف الحدودي حقيقة واقعة، عُقد من أجلها مؤتمر مدريد قبل ثلاثين عاما، فكان نقطة علام جديدة في تاريخ القضية الذي شهد التحول الجديد في جوهرها، والذي طرح سؤالين: أين هي فلسطين؟ وأين هي حدودها؟ ولجعل الإجابة على ذلك غير ممكنة، عمدت إسرائيل إلى تفتيت الكيان الباقي من أرض فلسطين إلى أجزاء صغيرة غير قابلة لتشكيل كيان واحد، وكان المؤسف إمكانيتها شق الشارع الفلسطيني إلى قسمين كبيرين معزولين فكريا وجغرافيا وأمعنت مع الوقت في ترسيخ هذا الانشقاق الذي كان رهانها منذ البداية.

بداية هذا الشهر تضامن المجتمع الإسرائيلي بقوة مع ضحايا حادثة جبل ميرون قرب صفد، الذي وقع خلال احتفالات دينية إسرائيلية في عيد الشعلة نتيجة حادث تدافع وتزاحم، ولم يقتصر التعاطف على الجانب الإنساني بل تعدى ذلك ليظهر جوهر المجتمع الإسرائيلي الديني والمتعصب، الذي يسمح بمثل هذا الاكتظاظ في ظروف صحية غير طبيعية، وفي ظل الإنذارات السابقة المتكررة التي كانت تصدر كل سنة حول خطورة المكان وإمكانية تعرض المحتفلين للخطر، ولكن عبء الواجب الديني طغى على مواجهة الخطر عند رجل الحكومة “العلماني” وعند المتدين العادي. في هذا الحادث لم تفلح إسرائيل في التغطية على حقيقة مبدئها الديني الذي يقود العلماني ويوجهه ويوحي له بما يفعل، ثم يأتي القرار الإسرائيلي بمنع ممارسة الانتخابات في مدينة القدس الشرقية تحت الذرائع الدينية نفسها لتمنع حدثا ديمقراطيا يفترض أن تشارك في صنعه وإنجاحه أيضا، ولكن إسرائيل القائمة على الفكر المتخيل والتراث الأسطوري لم تكتفِ بوضع عوائق جديدة في وجه أي شكل لجغرافيا فلسطينية يمكن أن تولد، لكنها تخلق اليوم إشكالا جديدا في مدينة القدس الشرقية، بعد أن حولت قضية فلسطين والقدس إلى جملة اسمية هي القدس الشرقية، والآن في أحداث حي الشيخ  جراح تسعى إلى مزيد من التفتيت والمحاصرة في سياق ذات الخطة القديمة التي دأبت على استعمالها منذ أكثر من سبعة عقود..

لا يمتلك المقدسيون ولا سكان حي الشيخ جراح أي أيديولوجيا ولا حتى أسلحة للدفاع عن حيهم، فيدافعون بابتسامات عفوية ويسلمون أيديهم ليتم تقييدها قبل جرهم إلى المعتقلات، لا نتوقع أن تنتصر الابتسامات مهما بلغت درجة براءتها وعفويتها، ولكن يمكن أن تستمر المقاومة، وهي العامل الذي لا تريده إسرائيل لكنها من جهة أخرى تدفع بمزيد من الشبان والفتيان للانغماس  بأجسادهم في أوساط تجمعات رجال الشرطة، وتستطيع كسبا للوقت أن تؤجل اجتماع اللجنة الدستورية العليا، ويمكنها أن تنفث خوفها عبر إعلامها من مناسبة عيد الفطر لربط توقيت ديني إسلامي بانفجار الأوضاع فتوحي بأن الأمر يتم بإدارة إرهابيين، ويمكن أن يتيح لها هذا الادعاء استقدام مزيد من رجال الشرطة وقد تستقدم الجيش أيضا لفرض هدوء تبتلع بعده قطعة أخرى من القدس الشرقية وقد تبدأ بالبحث عن تسمية أخرى لما تبقى من المدينة بذرائع تاريخية ذات عناوين علمانية جذابة.

تلفزيون سوريا

———————-

المقاومة تتوعد “سنجعل عسقلان جحيماً”… قصف إسرائيلي عنيف على غزة وانسحاب من الأقصى

واصلت إسرائيل غاراتها الجوية العنيفة على قطاع غزة المحاصر، صباح الثلاثاء 11 أيار/ مايو، متسببة بمقتل 27 فلسطينياً على الأقل، بينهم تسعة أطفال وسيدة، فيما اضطرت شرطة الاحتلال إلى الانسحاب من المسجد الأقصى عقب أيام من الاشتباكات العنيفة مع المصلين الفلسطينيين المرابطين فيه.

وكانت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، قد بدأت باستهداف القدس المحتلة، بشكل معلن للمرة الأولى بصواريخ من طراز A120، عقب مهلة منحتها لقوات الاحتلال لمغادرة المسجد الأقصى ووقف الانتهاكات بحقه.

وجاء الرد الإسرائيلي وحشياً عقب استخدام الصواريخ التي تحمل رؤوساً متفجرة ذات قدرةٍ تدميريةٍ عالية، في ساعة متقدمة من مساء الاثنين 10 أيار/ مايو.

وأعقب القصف المتبادل أربعة أيام متتالية من اعتداءات  الشرطة الإسرائيلية بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والرصاص المطاطي على المواطنين الفلسطينيين الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم بإلقاء الحجارة والكراسي على قوات الاحتلال.

صعّدت شرطة الاحتلال، التي دعمت المستوطنين المتطرفين للاستيلاء قسراً ودون وجه حق على منازل فلسطينيين في حي الشيخ جراح، اعتداءاتها، الاثنين، بإلقاء قنابل الصوت والغاز على الفلسطينيين المرابطين في الأقصى منعاً لخطة لاقتحامه من قبل ألفي مستوطن من “القوميون اليهود” في الذكرى الـ54 لاحتلال القدس الشرقية، في ما يُحتفى به في إسرائيل تحت عنوان “يوم القدس” أو “يوم توحيد القدس”.

الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى

وفشل المستوطنون في دخول الأقصى، كما اضطرت قوات الاحتلال إلى مغادرته فجر الثلاثاء إذ دخل الفلسطينيون من باب حطة مكبرين ومحتفلين.

قصف مستمر

إلى ذلك، شنت إسرائيل المزيد من الغارات الجوية على مواقع للمقاومة الفلسطينية في بلدة جباليا، شمال غزة، وورشة صناعية شرق خان يونس، جنوب غزة، صباح الثلاثاء. بالإضافة إلى استهداف العديد من المنازل السكنية.

    Israeli aerial forces continue to target overcrowded civilian neighborhoods in the #Gaza Strip.

    A while ago, an apartment in a residential building in the middle of Gaza city was targeted. Two Palestinians were reported killed. pic.twitter.com/z3nWEnByig

    — Euro-Med Monitor in oPt (@EuroMedoPt) May 11, 2021

وأفاد متحدث باسم جيش الاحتلال بأن الصواريخ استهدفت نحو 130 موقعاً في غزة، بما في ذلك مبنى استخبارات حماس ومنزل قائد ميداني بالحركة ونفقان حدوديان حفرهما نشطاء، وموقع خلية لمطلقي صواريخ مضادة للدروع تابعة لحماس بالقطاع.

إسرائيل تستهدف غزة بقصف وحشي

وردت المقاومة الفلسطينية، ممثلة في حركة حماس والجهاد الإسلامي والقسام وفصائل مسلحة أخرى، بإطلاق العديد من رشقات الصواريخ باتجاه إسرائيل وبعض المستوطنات الإسرائيلية. وتوعدت كتائب القسام: “سنجعل عسقلان جحيماً”. وأضافت الكتائب أنها وجهت “ضربة صاروخية كبيرة” لعسقلان المحتلة رداً على “استهداف البيت الآمن على رؤوس ساكنيه”غرب غزة، مؤكدةً إصابة سبعة إسرائيليين وتصدع بعض المباني.

واجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكبار قادته الأمنيين والعسكريين في وزارة الدفاع لبحث التطورات. علماً أن صحيفة “معاريف” كانت قد نقلت عن مصادر رسمية أن العملية التي أُطلق عليها “حارس الأسوار” ضد غزة ستستمر عدة أيام  بناءً على قرار المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

    بدأنا عملية #حارس_الأسوار التي كنا نستعد لها. حتى اللحظة قصفنا أكثر من 130 هدفًا وموقعًا إرهابيًا من شمال وحتى جنوب قطاع غزة!!

    كما تم القضاء على 15 ناشطًا تخريبيًا من المنظمات الإرهابية في قطاع غزة وعلى رأسها حماس

    — افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) May 11, 2021

أطفال في عداد الضحايا

حتى الآن، أُبلغ عن سقوط ما لا يقل عن 27 فلسطينياً جراء القصف على غزة، بما في ذلك تسعة أطفال وسيدة، بالإضافة إلى 103 مصابين على الأقل. زعم جيش الاحتلال أن 15 من الضحايا كانوا مسلحين.

    هؤلاء القتلى من الاطفال هم الاهداف الاسرائيلية المراد تدميرها من اجل مستقبل #إسرائيل#CrimesAgainstHumanity #FreePalestin #القدس pic.twitter.com/KWZNFkVq7E

    — Nabeel Rajab (@NABEELRAJAB) May 11, 2021

وتداول ناشطون صوراً مروعة لبعض الضحايا من الأطفال، مبرزين أن ثلاثة منهم من أسرة واحدة، ما زاد الشجب لهجمات إسرائيل.

    #BREAKING at least 3 children murdered in an Israeli strike north of Gaza pic.twitter.com/QtsxOGS4Tg

    — Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 10, 2021

في غضون ذلك، أصاب نحو 200 صاروخ أطلقت من غزة باتجاه إسرائيل ستة مدنيين إسرائيليين، نُقل اثنان منهم إلى المستشفى في حالة متوسطة.

الداخل المحتل ينتفض

كان لافتاً حجم الدعم الذي قدمه فلسطينيو الداخل المحتل لغزة والأقصى، حيث خرجت تظاهرات ونُظمت وقفات حاشدة في الناصرة وشفاعمرو وأم الفحم وجلجولية وبلدات مجد الكروم ودير حنا ونحف ودبورية وغيرها.

وُصفت التحركات بأنها “أوسع حركة احتجاج في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948”.

    أوسع حركة احتجاج في الأراضي المحتلة عام 1948م.

    من يلعب بالنار تحرقه وشعبنا قادر أن يلقن الاحتلال ومن يراهن عليه الدرس القاسي. #القدس_خط_احمر #سيف_القدس pic.twitter.com/seAoWTwdTe

    — Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 11, 2021

وفي اللد المحتلة، سقط أول شهيد في الداخل المحتل برصاص مستوطن وأُصيب آخر خلال فض جيش الاحتلال تظاهرة حاشدة لدعم غزة والقدس المحتلة والأقصى.

    שכונת רמת אשכול, לוד, לפני כמה דקות pic.twitter.com/qkgqGbRVU1

    — רועי שרון Roy Sharon (@roysharon11) May 10, 2021

وأشارت تقارير إعلامية إلى اعتقال شرطة الاحتلال عشرات المواطنين العرب على خلفية التظاهرات في الداخل المحتل.

    اضطرت قوات الاحتلال إلى مغادرة المسجد الأقصى فجر الثلاثاء بعدما أفشل المرابطون في الأقصى، بشجاعتهم، مخطط “القوميون اليهود” في الاحتفال بـ”يوم توحيد القدس” عبر اقتحام وتدنيس أولى القبلتين

ووقعت مناوشات بين فلسطينيين ومستوطنين وجنود إسرائيليين في شارع بن غوريون بحيفا، فجر الثلاثاء.

    صباح الخير للشباب الصغار في حيفا. #حيفا التي ظن الاحتلال أن جيلها الجديد قد نسي أو تلاشى!

    عشرات المعتقلين من صبية أشعلوا الأرض حتى ساعة مبكرة من صباح اليوم في شارع “بن چويون”. #القدس_تنتفض pic.twitter.com/hbIBjYQHUe

    — Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 11, 2021

كما اندلعت اشتباكات حامية، صباح الثلاثاء، بين مواطنين فلسطينيين وجنود الاحتلال في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، على بُعد 10 كم جنوب القدس. وأفاد ناشطون وتقارير إعلامية متطابقة بوقوع حالات اختناق عديدة بين المواطنين الفلسطينيين جراء قنابل الغاز التي أطلقها جيش الاحتلال، علاوة على إصابة شاب فلسطيني بالرصاص.

وكان الهلال الأحمر الفلسطيني قد رفع مستوى الطوارئ إلى الدرجة الرابعة، تحسباً لاستمرار الاشتباكات في القدس الشرقية المحتلة، والمستجدات في الضفة الغربية وغزة.

وتعاملت فرق الطوارئ الطبية التابعة للهلال الأحمر مع 714 حالة، 520 منها في القدس الشرقية، منذ بدء الاشتباكات الحالية في 7 أيار/ مايو الجاري، بما في ذلك أكثر من 338 حالة نُقلت لمستشفيات القدس، وسط اعتداء قوات الاحتلال الاسرائيلي على الكوادر الطبية التابعة له، ما أدى إلى إصابة اثنين منهم.

وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد جلسة طارئة، مساء الاثنين، لبحث المواجهات في القدس. وفشل المجلس في إصدار بيان يدعو “إسرائيل إلى وقف “أنشطة الاستيطان والهدم والطرد للفلسطينيين في القدس” بسبب الولايات المتّحدة التي اعتبرته “غير مناسب” في الوقت الحالي.

رصيف 22

—————————–

===========================

عن ما يحدث في “حي الشيخ جراح” في القدس المحتلة -متابعة يومية، مقالات وتحليلات تناولت الحدث

=====================

تحديث 12 أيار 2021

————————-

من نقل المواجهة من القدس إلى غزة؟/ حازم الأمين

ربما علينا أن ننتظر الهدنة وما ستخلفه في فيينا، لنعرف بعدها مصير أهل حي الشيخ جراح، وما إذا كان بقي متسع من الطاقة لاستئناف “مومنتوم” القدس.

جور إسرائيل وتعسّفها صار مشهداً مصوراً وثابتاً ومعروضاً أمام أنظار العالم. والفلسطيني ضحية لا لبس فيها ولا نقاش حول عدالة قضيته. هذا أتاح فرصة لولادة فلسطينية بعد انسداد مديد أصاب القضية.

وسط هذا المشهد، قررت حركة “حماس” اختطاف الـ”مومنتوم” الفلسطيني الذي أطلقته ظلامة أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. نقلت الحركة المدعومة من إيران المواجهة من القدس إلى غزة، وحولتها من انتفاضة مدنيين بمواجهة سلطة احتلال جائرة، إلى مواجهة صاروخية. إسرائيل رحبت بهذه الخطوة، ذاك أنها قدمت لها فرصة للتخفف من أعباء المقدسيين، وأتاحت لها إشاحة الأنظار عن موبقات المستوطنين الذين أذهلت وقاحتهم وجشعهم العالم، وتحويلها إلى المواجهة الصاروخية التي اشتعلت في القطاع.

“حماس” بدورها لم تعدَم مصفقين، ذاك أن الداء الشعبوي متحكم بأمزجة ممانعين وبمن اعتقد أنه شفي من هذا الداء وإذ به يستيقظ على وقع أصوات صواريخ القسام!

في بداية المواجهة المقدسية كنا أمام احتمال انتفاضة ثالثة، تحمل من ملامح الانتفاضة الأولى أكثر مما تحمل من ملامح الانتفاضة الثانية. كنا أمام احتلال سافر ووقح، وأمام أحكام قضائية إسرائيلية كان بدأ يتشكل رأي عام عالمي حول تعسفها وعدم عدالتها. العالم كان بدأ يتجاوز في موقفه الاحتلال إلى نظامه القضائي، وإذ بنا اليوم أمام مواجهة صاروخية سينكفئ العالم فيها عن الاندراج في انحيازات لأطرافها. أما المقدسيون فسيجدون أنفسهم في سياق حرب صاروخية لا تتيح مجالاً لأدوار المدنيين.

كانت المرة الأولى التي يلتحم فيها فلسطينيو الـ48 مع المقدسيين ومع أهالي الضفة. تقاطروا إلى المسجد الأقصى، وتحدوا سلطة الاحتلال، وعندما قطع الأخير الطريق عليهم، قطعوها هم عن الإسرائيليين المتوجهين إلى تل أبيب. أمام هذا المشهد لا تملك حكومة إسرائيل الكثير لتفعله. القمع هنا مجرد من أي ادعاء بالخطر. قمع عار من أي حق، الفلسطيني فيه ضحية لا لبس فيها، وهو مُدافع عن حقه ببيته الذي ولد فيه. وبسرعة مذهلة بدأت تظهر ملامح الانتفاضة الثالثة، ومن علاماتها اقتصار المواجهة على مدنيين فلسطينيين في مقابل مستوطنين مسلحين، وبين الجهتين يقف الشرطي الإسرائيلي المسلح والمدافع عن منتهك الحقوق. ونجم عن هذا مشاهد يندى لها الجبين لجهة وضوح وجه الجاني فيها وانكشافه.

انتظر بنيامين نتانياهو هدية من رفح، وسرعان ما وصلته. هذه دوامة نعيشها منذ عقود طويلة، فالرجل يعيش على وقع المجزرة المتواصلة بحق الفلسطينيين. نقل المواجهة من القدس إلى غزة فرصة هائلة للرجل المختنق بالعجز عن تشكيل حكومة. الحرب تفتح له آفاقاً وتكسر الاستعصاء. وفي المقابل، تؤمن لـ”حماس” ولمحور الممانعة فرصة لتحويل الاختناق إلى قدر وإلى نموذج يواصلان عبره حكم البؤر الأهلية التي يحكمانها.

المقدسيون هم الضحية النموذجية لهذه الصيغة من المواجهة. فالتصفيق للصواريخ سيتوقف مع الهدنة التي ستخرج منها “حماس” “منتصرة”، ونتانياهو سيكون قد اشتغل على نصاب سياسي يتيح له تشكيل حكومة، أو إجراء انتخابات خامسة يحقق فيها تغييراً في عدد مقاعده في الكنيست، معتمداً على رصيد المواجهة العسكرية التي قتل فيها المزيد من المدنيين. ونتانياهو يجيد توظيف الدماء في مستقبله السياسي منذ فوزه الأول في الانتخابات في أعقاب مجزرة قانا. 

كما ترافق الحدث المقدسي مع كلام في إسرائيل عن ميليشيات يمينية بدأت تظهر، وعن تصعيد للعسكرة ترافق مع شحنات كراهية مضاعفة جعلت من مشهد المستوطن الجائر في حي الشيخ جراح نموذجاً لـ”المواطن الإسرائيلي العادي والمقبول من قبل المنظومة السياسية والأخلاقية”. إنه الإسرائيلي العادي، والمقترع الذي يسعى نتانياهو إلى سرقته من الأحزاب الدينية.

وراء هذا الصدام مشهد أوسع. مفاوضات في فيينا بين الإيرانيين والأميركيين تخلف قلقاً في تل أبيب، وقد تشعر الأخيرة معها بأن توسيع المواجهة العسكرية يضع مزيداً من العقبات أمام المتفاوضين، لكن في المقابل تجيد إيران التفاوض على حافة الهاوية. ورفع منسوب الشروط في ظل الوقائع الميدانية، أمر مغر لمفاوض لا تمت المواجهة الميدانية لحدود بلده بصلة مباشرة.

إنها اللحظة التي لطالما كابدها الفلسطينيون طوال مسار مأساتهم مع الاحتلال، ومع موظفي قضيتهم على طاولات مفاوضات لا تمت لمصالحهم ولظلامتهم مع المستوطنين بصلة. نقل مواجهة الاحتلال من القدس إلى غزة يعني نقلها من مواجهة بين مقدسي يعيش تحت الاحتلال ومستوطن جائر ووقح، إلى مواجهة بين تل أبيب وطهران، على وقع مفاوضات فيينا التي تقلق إسرائيل، لكن أيضاً على وقع استعصاء سياسي في إسرائيل دام لأربع دورات انتخابية متتالية.

ربما علينا أن ننتظر الهدنة وما ستخلفه في فيينا، لنعرف بعدها مصير أهل حي الشيخ جراح، وما إذا كان بقي متسع من الطاقة لاستئناف “مومنتوم” القدس.      

المدن

——————————

البحث عن فلسطين خارج حي الشيخ جراح/ طارق اسماعيل

ولأن الوجدان العربي عموماً يسهل استلابه متى حضرت فلسطين، يصير مفهوماً أثر صواريخ “سكود” العراقية التي لم تعرف طريق فلسطين، إلا في اللحظة التي شعر فيها صدام حسين بالخطر على نظامه، إبان تحرير الكويت من الغزو العراقي…

 لم يكن ينقص الفلسطينيين ونكبتهم المستمرة، والتي يرفع حي الشيخ جراح رايتها راهناً، إلا تعاطف جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) وسمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية)، وها هما قد فعلاها، لكن وقع هذا التعاطف من وجدانين لم تسكنهما القضية الفلسطينية من قبل، يمكِّن المرء من أن يراكم على الجرح الفلسطيني صرختين جديدتين فوق الصرخات التي استثمرت في فلسطين منذ نكبتها الكبرى عام 1948.

وعلى متن القضية ذاتها، بحثت أنظمة الاستبداد العربي عن شرعيتها المفقودة من باب فلسطين، وبدت الأخيرة مشاعاً خصباً لتلك الأنظمة التي شظَّتها في القرن الماضي إلى فلسطينات، آل مصير العبث فيها وبقضيتها إلى تناحر فلسطيني- فلسطيني حيناً، أو فلسطيني- عربي أحياناً. ولم يعد ترفاً أن يعثر المرء وهو يُعيد  تلك القضية إلى بداياتها وتعرُّج مساراتها لاحقاً، على فلسطين سورية، وأخرى عراقية أو ليبية وجزائرية ويمنية. وهي فلسطينات دفعت ثمن تشظيها وولاءاتها المتنافرة من حساب ذلك الوطن الذي اختارته الصهيونية أرضاً لميعادها، ووحده لبنان  تبدَّى في شطر من ذلك الماضي فلسطينياً، وهو الشطر الذي شهد مأساته حين تحول  مسرحاً للصراع اللبناني-  الفلسطيني، والذي حاز المسيحيون بغالبيتهم مشقته التي حفرت في وجدانهم كرهاً لفلسطين وقضيتها.

ولأن الوجدان العربي عموماً يسهل استلابه متى حضرت فلسطين، يصير مفهوماً أثر صواريخ “سكود” العراقية التي لم تعرف طريق فلسطين، إلا في اللحظة التي شعر فيها صدام حسين بالخطر على نظامه، إبان تحرير الكويت من الغزو العراقي، ومثله، بل سابق عليه، نظام البعث في سوريا الذي ورث “الناصرية” في محاكاة الجمهور العربي كما لو أن فلسطين وتحريرها قضيته الأولى، فيما لم يكن ذلك إلا سياقاً عميقاً في تجذير القمع والاستبداد على شعبه، وباسم فلسطين الذي وُسِم به أحد أكثر فروع مخابراته دمويةً. وليس بلا دلالات أيضاً  أن السلام الباهت والمتهافت الذي صنعه ياسر عرفات في أوسلو من خلال إقامة دولة على جزء من أرض فلسطين، جفف لاحقاً مصادر الاستثمار العربي  في القضية الفلسطينية إلى حدودها الدنيا.

عام 1979 شهد انتصار الثورة الإيرانية التي باشرت انتصارها  بإطلالتها على قضية العرب الأولى، وكانت سفارة فلسطين أولى بشائرها، ومن المكان الذي كانت تحتله السفارة الإسرائيلية في عهد الشاه، لكن الدخول الإيراني على فلسطين وقضيتها بعد الأفول العربي الذي صنعه اتفاق أوسلو، تكثف منذ تسعينات القرن الماضي من خلال الحركات الإسلامية التي تأثرت بإيران وثورتها. وفيما كان استثمار الأنظمة العربية الممانعة يجد ضالته بفدائيي الخارج، وغالباً كمحاولات لتدجين الدول التي استضافت الشتات الفلسطيني بشقيه العسكري والمدني، وفق رؤية الممانعة  للصراع مع إسرائيل، كانت إيران ترث العرب، بالبندقية الفلسطينية، وبالدم الفلسطيني، ولكن من  داخل الدولة الفلسطينية الصغيرة التي انتهت إليها ثورة ياسر عرفات.

كان أبو عمار في بداياته ثورياً صادقاً كحال بدايات كل الثوريين في العالم، لكنه انتهى مستثمراً بين مستثمرين كثر في القضية الفلسطينية، ولم تكن هزيمته اللبنانية التي أسست لها إسرائيل، وكتب خواتيمها النظام السوري، إلا المؤسِس الصلب لذهابه إلى أوسلو التي أنتج اتفاقها الشهير الدولة الصغيرة على أرض فلسطين كبديل أخير عن الوطن، الذي كان لأكثر من عقد من تاريخه الأرض التي تحكم عرفات بقرار شعبها، وببندقية “الثورة” التي حكم بها نصف لبنان، ووضع نصفه الآخر تحت تهديدها.

درجات

———————————-

الغارديان: أحداث القدس وغزة متوقعة فهي نتاج للمظالم والظلم المتراكم/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: علقت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها على أحداث القدس الأخيرة وقصف غزة بأنها متوقعة وهي نتاج للمظالم والظلم. وجاء عنوان افتتاحيتها “نزاعات قديمة تنتج عنفا جديدا” حيث قالت إن الأطفال كانوا من بين 28 شخصا قتل (زاد العدد) في غزة أثناء شهر رمضان المبارك. وقتلت امرأتان إسرائيليتان في القصف الصاروخي من غزة الذي قامت به الجماعات المتشددة.

وفي القدس استخدمت الشرطة القنابل الصوتية والقنابل المطاطية والغاز المسيل للدموع في داخل واحد من أقدس الأماكن المقدسة عند المسلمين، مخلفة 300 جريح فلسطيني.

وتساءلت هل سيكون الوضع أسوأ؟ نعم، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد بزيادة كثافة الغارات، ودخلت إسرائيل وحماس ثلاث حروب، ومع أنهم يحضرون للمخرج إلا أن الأحداث عادة ما تتخذ مسارها الخاص.

وقالت إن الاشتعال كان نتيجة قرار السلطات الإسرائيلية منع الفلسطينيين التجمع في بوابة دمشق بعد صلوات التراويح خلال شهر رمضان، كما يفعلون عادة. بالإضافة لعنف متفرق بين الفلسطينيين واليهود وخطط لإخلاء مئات الفلسطينيين من بيوتهم التي عاشوا فيها لعقود بحي الشيخ جراح في القدس الشرقية ومنحها لليهود. وبحسب القانون الإسرائيلي يمكن لليهود إثبات الملكية قبل حرب 1948 واستعادة ممتلكات في المدينة. ولا يمكن تبرير هذا عندما لا يوجد قانون مشابه يسمح للفلسطينيين باستعادة بيوتهم التي خسروها. ووصفت الأمم المتحدة إخلاءهم بأنه يصل لجريمة حرب.

وتعلق الصحيفة أن الأساليب القاسية التي استخدمتها الشرطة في الشيخ جراح والمسجد الأقصى تعكس ثقافة عدم الخوف من العقاب. وفقط في اللحظة الأخيرة قرر اليمين المتطرف تغيير مسيرته من الأحياء الإسلامية في المدينة المقدسة.

كل هذا حدث وسط أزمتين سياسيتين، فرئيس الوزراء نتنياهو يحاول التمسك بالسلطة في وقت يجري منافسوه محادثات بينهم لتشكيل ائتلاف ويواجه محاكمات بتهم الفساد. وبنفس الوقت قرر الرئيس محمود عباس تأجيل الانتخابات التي أعلن عنها لأجل غير محدد والتي كان من المتوقع أن تخسرها حركته فتح لصالح حركة حماس. وعندما حرمت من صندوق الاقتراع عادت الحركة المتشددة لأسلوبها القديم وتأكيد زعم القيادة.

لكن الوقود لهذه الجولة هو قديم وعمره عقود، فقد تعمق الغضب على الاحتلال ونشأ “جيل الحصار” في غزة، وهو شريط صغير من الأرض حشر فيه السكان بدون عمل ولا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب. وزاد الحنق، كوفيد-19 والتباين في عمليات اللقاح بين إسرائيل والمناطق المحتلة التي تسيطر عليها إسرائيل بدون توفير الحماية لمن يعيشون فيها. كما أن توسع الاضطرابات بالمدن العربية داخل إسرائيل في يوم الإثنين يكشف عن عمق وحجم الغضب ضد الظلم المتراكم والذي قاد منظمة هيومان رايتس ووتش لاتهام قادة إسرائيل بممارسة سياسة الفصل العنصري (أبارتيد) وردت الحكومة غاضبة التصنيف.

وترى الصحيفة أن الأولوية يجب أن تمنح لخفض التصعيد من أجل حماية حياة المدنيين الذين عوملوا بدرجة عالية من عدم الاحترام، سواء من الحكومة الإسرائيلية أو الجماعات الفلسطينية المتشددة. وعلى المجتمع الدولي وضع ثقله. ودعم دونالد ترامب نتنياهو في كل حركة. ولكن هناك إدارة في واشنطن تستطيع معالجة هذه الأمور بجدية. وشجبت مصيبة الجماعات المتشددة ولكن عليها أن تكون واضحة مع السلطات الإسرائيلية، ليس حول ردها العسكري ولكن أفعالها التي قادت بشكل متوقع لاندلاع العنف.

القدس العربي

————————

إسرائيل في حالة إرباك وانتقادات ذاتية واسعة بعد المفاجأة وخسارة المعركة على الوعي في بدايتها/ وديع عواودة

الناصرة- “القدس العربي”: في ذروة الصدمة التي ألمت بإسرائيل بسبب الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة وثقيلة الوزن والمشاركة الواسعة لفلسطينيي الداخل بالهبة الشعبية نصرة للقدس، وربما بسبب هذه الصدمة عبر عدد كبير من المعلقين عن انتقاداتهم للمستويين السياسي والعسكري نتيجة “الانجرار لحرب أرادتها حماس” وعدم الاستعداد للمواجهة خاصة تدابير حماية المدنيين في بعض المناطق والمعركة على الوعي.

كما وجهت بعض الأوساط السياسية والإعلامية إصبع الاتهام لرئيس حكومة الاحتلال بتوريط البلاد في مواجهة خطيرة من أجل البقاء في الحكم عبر منع المعسكر المناهض له تشكيل حكومة بديلة لحكومته. ودعا المعلق البارز في القناة 13 إلداد يانيف قادة رؤساء الأحزاب المعارضة لنتنياهو لتشكيل حكومة وإسقاط نتنياهو الذي يشعل البلاد ومن شأنه استدراج حزب الله ومئات الصواريخ للمعركة في سبيل البقاء في سدة الحكم.

وتابع مستعرضا حقيقة ما جرى بعيدا عن السرب الإعلامي الإسرائيلي: “سنكون عندئذ في الملاجئ ثلاثة شهور. نتنياهو هو مشعل هذه النار بدءا من قيامه وصديقه النائب المتطرف بن غفير بالاستفزاز في الشيخ جراح والحواجز في باب العمود وإلقاء قنابل صوتية داخل المسجد الأقصى وفي رمضان ومن ثم محاولة اعتراض قوافل المسافرين إلى القدس قبل أسبوع. نتنياهو أشعل الحريق”.

تحليلات

 ويؤكد مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” العسكري يوسي يهوشواع أن جيش الاحتلال لم يقدر جيدا أن وجهة حماس نحو حرب وأن ضربة البداية ستكون بهذا الشكل. وقال إن الهدف الذي حدده رئيس أركان الجيش الإسرائيلي للعدوان الحالي على غزة هو “عدم الاكتفاء بإعادة الردع وإنما تعزيز الردع. لذلك، وإثر النتائج غير المرضية حتى الآن، يتوقع أن تستمر العملية العسكرية فترة حتى الوصول إلى الإنجاز المطلوب”، وتابع “لكن علينا الاعتراف أن نقطة البداية الإشكالية ستضع مصاعب أمام الغاية الطموحة”.

واعتبر زميله المحلل العسكري أليكس فيشمان أن إسرائيل الآن في حالة حرب وهذه ليست جولة ولا أياما قتالية مسوغا ذلك بالإشارة لإغلاق المطار الدولي في اللد واستهداف بنية تحتية إستراتيجية لشركة أنبوب إيلات – أشكلون، استهداف مكثف لمراكز سكانية، هي حرب بين إسرائيل وحماس. وتابع “رفضت إسرائيل توجهات دولية لوقف إطلاق النار وصادقت على درجات تصعيد أخرى في القتال من دون تاريخ لنهايتها”.

ووجه رئيس الجناح السياسي – الأمني الأسبق في وزارة الأمن الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد انتقادات قاسية لحكومة نتنياهو لعدم تبني استراتيجية للتعامل مع قطاع غزة وقيامها بإضعاف الرئيس عباس والتعاون غير المباشر مع حركة حماس. وهذا ما أكده أيضا رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق رئيس معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب عاموس ياديلن الذي أشار لنهاية الوهم “وعودة القضية الفلسطينية لتنفجر في وجوه الإسرائيليين بعدما ظنوا أنها تبخرت” محذرا من أن استمرار إدارة الصراع تعني تحول إسرائيل لدولة غير ديموقراطية أو غير يهودية.

أما إذاعة جيش الاحتلال فأكدت أن إسرائيل وقعت في مصيدتين الأولى مع صواريخ غزة وقالت إنها تستطيع التعامل وتدبر ذاتها معها بنهاية المطاف لكن المصيدة الثانية أخطر وهي دخول فلسطينيي الداخل على الخط بقوة أكبر مما كان في الانتفاضة الثانية عام 2000 مثلما أشارت هي الأخرى لانهيار مفهوم إضعاف عباس وتقوية حماس ضمن نظرية “فرق تسد“ بين الفلسطينيين.

هذه النكبة أيها الحمقى

واعتبر الكاتب المعلق في صحيفة “هآرتس“ روغل ألفير أن ما يجري الآن ويشاهده الإسرائيليون هو “دولتهم ثنائية القومية الموجودة في ذروة حرب أهلية وتتعرض للتمزيق، تحترق وتدفن تحت خرائبها”. وتابع مخاطبا الإسرائيليين ناقدا ومعاتبا “حتى اليوم ظننتم أن مثل هذا يحدث في إفريقيا فقط أو في أمريكا اللاتينية أو في ميانمار. الاختباء داخل البيوت في الليالي ومواجهات وتبادل رصاص في الشوارع وحتى اليوم اعتقدتم أن هذا يحدث فقط داخل القرى العربية ولذا شعرتم أنكم محصنون وحتى اليوم سمعتم عن ذلك من آباء أو أجداد دون شروحات مفصلة”.

 عندما ينهار الردع

ويوجه المحلل العسكري البارز في موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت“ رون بن يشاي عدة انتقادات ذاتية ضمن مقال بعنوان “عندما ينهار الردع ويتحلل نظام الحكم تتأتى مخاطر الحرب الأهلية”. وينبه بن يشاي وهو ضابط في الاحتياط إلى أن إيران التي تراقب فشل المفهوم الإسرائيلي العام وترى مفاجأة صواريخ غزة قادرة على إلحاق ضرر أكبر بكثير بإسرائيل، معتبرا هو الآخر أن فقدان سيطرة إسرائيل مقابل المواطنين العرب فيها يظهر إلى أين دهورنا هذا النظام الحاكم المشغول بالتمسك بكراسيه.

ويشير إلى أنه منذ يوم الإثنين الماضي وحماس تواصل مفاجأتها لإسرائيل مرة تلو المرة وأن هذا ينبغي أن يقلق الإسرائيليين ويضيف “إطلاق الصواريخ المكثفة نحو تل أبيب جاء تتمة مباشرة لقرار حماس إطلاق صواريخ نحو القدس. وفي الحالتين هناك مثال على تآكل قوة الردع مقابل الإرهابيين وهذه مشكلة استراتيجية تستدعي معالجتها فورا وإلا فإنه من شأن إيران وحزب الله الاستنتاج بأن ما تستطيع حماس القيام به هم قادرون على مضاعفته مع أضرار أكبر”.

واعتبر رون بن يشاي أن استهداف حماس لمركز إسرائيل بالصواريخ دلل على وجود تقديرات استخباراتية معطوبة حول قدرات حماس والجهاد الإسلامي الصاروخية في منذ حرب “الجرف الصامد“ عام 2014″. وقال بن يشاي إن الجيش والمستوى السياسي وأوساطا إعلامية مالت للاستخفاف بقدرات إطلاق الصواريخ الثقيلة بعيدة المدى من غزة حتى وقعت المفاجأة خاصة إزاء دقة هذه الصواريخ وأوزان المواد المتفجرة المحمولة فيها. وتابع “ربما هناك من يدعي أن الجيش كان يعرف ولا توجد هنا مفاجأة ولكن كان ينبغي على المؤسسة الحاكمة تهيئة الإسرائيليين من ناحية الوعي لأن هذه الهجمات كان من الممكن أن توقع عددا أكبر من الضحايا ولكن ما حصل هو ضربة لإسرائيل من ناحية الوعي وإنجاز إضافي لحماس والجهاد الإسلامي”.

“حارس الأسوار”

كما قال إن الإسرائيليين شهدوا في اليوم الأول من عملية “حارس الأسوار“ انهيار المفهوم العام للجيش والمستوى السياسي والقائل إنه كلما تحسنت أحوال سكان القطاع وتم تخفيف ضائقتهم الاقتصادية والصحية ستكون حماس مستعدة أكثر للموافقة على تسوية وتهدئة للمدى البعيد مع إسرائيل. ويضيف “باسم هذا المفهوم العام قمنا بتقديم رشاوى لحماس بأموال قطرية وقمنا برد معتدل على استفزازاتها. انهار هذا المفهوم ورفضنا تصديق انهياره بالتدريج حتى جاءت المفاجأة باستهداف القدس وتل أبيب بصواريخ أفهمتنا أن الوضع الاقتصادي المتحسن في غزة لا يقلل من حجم الطموحات السياسية والجهادية لـ”الإخوان المسلمين“ الفلسطينيين وحلفائهم ويبقى أن نرجو أن يزال هذا المفهوم عن الطاولة واستبداله بتوجه عملي أكثر واستراتيجي أكثر للقضية الفلسطينية بشكل عام ولغزة بشكل خاص”.

 المفاجأة الثانية

ويشير رون بن يشاي أيضا لمفاجأة فلسطينية ثانية تتمثل بحالة الفوضى داخل البلدات العربية في إسرائيل منوها أن “المشاركين فيها ليسوا عشرات من المتهورين بل جماهير عنيفة داسوا القانون ومن لم يشارك فيها انتصارا للأقصى لتعرضه للخطر فقد صمت ولم يبادر لوقفها. هذه الحقيقة ينبغي أن تفحص للعمق وتعالج وليس فقط على مستوى الشرطة”.

ويتبنى رون بن يشاي انتقادات آخرين وجهت للحكومة الإسرائيلية بإهمال واقع حياة المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل وقال إن صرف النظر عن جرائم القتل بينهم يعتبر خطأ لأن الجريمة هناك عادت كيدا مرتدا على الإسرائيليين أيضا وللبلدات اليهودية وللمدن المختلطة كما حصل في اللد والرملة وعكا وحيفا.

ويقول إن الشرطة ارتكبت أخطاء كثيرة في الأزمة الراهنة وهي تكابد النقص في عدد عناصرها وقدراتها وقامت أوساط يمنية متطرفة بسلسلة استفزازات في القدس ولكن ينبغي أن نعترف بأنهم ليسوا الدافع المركزي للأحداث في القدس وداخل الحرم. ويزعم رون بن يشاي أن ما حصل هو بمبادرة مواطنين عرب في إسرائيل أشعلوا النار ولم يخجلوا من الزعم لاحقا بأنهم ضحية اعتدي عليهم. ويضيف “الأحداث في اللد والرملة والتي أطلق فيها مواطنون عرب الرصاص على رجال شرطة وكذلك حاجة الشرطة لاقتحام الحرم القدسي كل ذلك يدلل على أن تسخين الأوضاع من شأنه أن يؤدي لحرب أهلية حقيقية بين الطوائف وربما هناك حاجة للقيام بخطوات أخرى كإدخال الجيش للفصل بين اليهود وبين العرب في المدن المختلطة لمنع التدهور”.

ويحذر من تحديين أولهما ازدياد التوتر الديني بين اليهود والعرب والثاني انحلال النظام الحاكم (حكم نتنياهو) وانشغاله بالكرسي وإهماله الكامل طيلة سنوات للقضية الفلسطينية علاوة على تفاقم العنف والجريمة في البلدات العربية في السنوات الأخيرة. ويخلص رون بن يشاي للقول “الحكومة في السنوات الأخيرة لم تهتم بكل هذا حتى انفجر الواقع في وجهنا وفاجأنا وينبغي وضع حد لذلك وإسرائيل بحاجة لحكومة سريعا وليس لجولات انتخابية جديدة وعلى الجيش والشرطة فعل كل ما هو مطلوب لترميم قوة الردع المتبخرة”.

حماس كدولة عدة

من جهته دعا المستشرق صاحب التوجهات اليمينية دكتور مردخاي كيدار للاستيقاظ والاعتراف بـ”دولة حماس“ كدولة عدو معتبرا أن الحل الوحيد بتفكيك السلطة الفلسطينية. ويقول في مقال نشرته “معاريف“ أمس إن إسرائيل خبرت تجارب مماثلة للأزمة الراهنة التي شارك فيها مواطنون عرب فيها واستنكرت أوساط عالمية مواقفها منوها لوجود مركب جديد غير مسبوق هذه المرة – إنذارات حماس والجهاد الإسلامي: إنذار حماس لإسرائيل بالانسحاب من الشيخ جراح حتى الساعة السادسة مساء في العاشر من الشهر الجاري.

وتابع “فعلا عند السادسة مساء أطلقوا الصواريخ نحو القدس ولاحقا جاء إنذار الجهاد الإسلامي. هناك جديد إضافي وهو إطلاق صواريخ نحو العاصمة ونحو العمق الإسرائيلي وهذا كان حتى الآن فقط بعد تصعيد في المواجهات السابقة. وتجديد آخر يتمثل بتهديدات مباشرة من قبل الذراع العسكري لحماس الذي ينذر إسرائيل”.

ويخلص للقول إن “هناك مثلبة بالاعتراف بغزة كدولة تتمثل بكونها جائزة لدولة إرهاب ومع ذلك هناك امتيازات مضاعفة بذلك خاصة تفكيك السلطة الفلسطينية لقسمين في غزة وفي الضفة ولاحقا إمكانية التقدم نحو حل حقيقي للقضية الفلسطينية- حل الإمارات الثماني واحدة في غزة وسبع أخرى في الضفة الغربية. قيام دولة غزة مع كل الإشكاليات المترتبة عنها سيخدم مصلحة حيوية لإسرائيل وعلى رأسها حل السلطة الفلسطينية وعلى إسرائيل أن تسارع بالاعتراف بدولة غزة قبل أن تطرح حماس إنذارا جديدا مدعوما بصواريخ بضرورة قبولها والاعتراف بها كدولة حتى الساعة السادسة”.

أما المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس“ عاموس هارئيل فقال إنه في الأسابيع الأخيرة تساءل عدد من الأطراف السياسية والأمنية التي لا تؤيد نتنياهو: هل يصعد نتنياهو المواجهات العسكرية قصدا بهدف الحصول على ربح سياسي. وتابع في تأكيد اتهامه “الكل قال لا. أكثر من ذلك، على الرغم من الخصومة الشخصية بينه وبين غانتس كان نتنياهو ينسق بصورة كبيرة مع وزير الدفاع طوال الأزمات الأخيرة في القدس والمناطق، وأيضا في الساحة الإيرانية. مع ذلك، لا شك في أن التصعيد الحالي يخدمه. فهو يصعب على نفتالي بينت ويائير لبيد تشكيل ائتلاف في الأيام المقبلة، وسيلقي بظله على محاولات الحصول على تأييد القائمة المشتركة وراعم في الداخل أو في الخارج. في هذه الأثناء أصدر لبيد وبينت وجدعون ساعر بيان تأييد للخطوات العسكرية الصارمة التي اتخذتها الحكومة”.

ويقول إن “المفارقة أنه ربما عن غير قصد تقدم “حماس” الآن خدمة أخيرة لنتنياهو. استمرار الحريق في المناطق يمكن أن يدفن حكومة التغيير قبل أن تولد”. ويضيف “يبدو أنه بمرور كل يوم، وخصوصا إذا جرى هذا تحت إطلاق النار تتقلص فرص نجاح الكتلة التي توحدت ضد نتنياهو. في المقابل، نتنياهو في وضع لا يُحسد عليه. كما تعلم إيهود أولمرت قبله، من الصعب أن تكون رئيسا للحكومة لا يتمتع بشعبية وفي الوقت عينه يقوم بخطوات أمنية خطرة بينما الكثير من المواطنين يشككون في رجاحة رأيه”.

القدس العربي

—————————–

كيف يُهزَم وجه القوّة في زهرة المدائن؟/ جلبير الأشقر

كثُرَ الحديث في الأيام الأخيرة عن انتفاضة فلسطينية جديدة تعمّ عموم فلسطين بين البحر والنهر، بل وتمتد إلى ضفة النهر الأخرى، إلى الأردن حيث تراكمت أسباب الغضب الشعبي بالغةً درجة الغليان. ولا شكّ في أن الانتفاضة هي أمضى سلاح يحوز عليه الشعب الفلسطيني للضغط على الدولة الصهيونية والنظام العالمي المساند لها. ونقصد هنا بالانتفاضة «ثورة الحجارة» ذلك الفعل التاريخي الرائع الذي قام به شعب فلسطين منطلقاً من غزة في أواخر عام 1987 وبالغاً ذروته في العام التالي، كاسباً عطف الرأي العام العالمي إلى حدّ أن تعبير «الانتفاضة» العربي بات سارياً في شتّى لغات العالم، ومُحدِثاً أزمة عميقة داخل المجتمع الصهيوني، بما فيه جيش العدوان الإسرائيلي المسمّى زوراً «جيش دفاع» ومسبّباً حرجاً كبيراً لدى كافة الحكومات الغربية.

وقد وظّفت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ذلك الزخم العظيم الذي نتج عن الانتفاضة كي تعلن قيام «دولة فلسطين» التي اعترفت بها على الفور عشرات الدول، بما حدا بإدارة رونالد ريغان الأمريكية على بدء حوار رسمي مع المنظمة (ولو أفسد أبو عمّار مغزى هذا الانتصار بقبوله آنذاك بالشرط المُهين الذي فرضه عليه وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز، متمثلاً بإعلانه أن المنظمة «تتخلّى عن كافة أشكال الإرهاب»). والحقيقة أن انتفاضة عام 1988 حققت أكبر قدر من الإنجازات للقضية الفلسطينية، بما جعل إدارة جورج بوش الأب تفرض على حكومة إسحاق شامير الليكودية الدخول في مفاوضات مدريد في عام 1991. وقد أثّرت الانتفاضة في المجتمع الصهيوني بحيث عاد حزب العمل إلى الحكم في انتخابات سنة 1992 بقيادة إسحاق رابين، ودخل من ثم هذا الأخير في مفاوضات أوسلو (وهي فرصة أخرى أفسدها أبو عمّار بتوهّمه بأن تأجيل بعض المطالب الفلسطينية الأساسية، بما فيها تجميد الاستيطان، سوف يفضي في نهاية المطاف إلى قيام «دولة فلسطين المستقلة» في الأراضي المحتلة سنة 1967). يبقى مع ذلك أن انتفاضة عام 1988 أنجزت للقضية الفلسطينية أعظم إنجاز شهدته منذ حرب 1967 وسيطرة حركات الكفاح المسلّح على منظمة التحرير الفلسطينية في السنة التالية.

أما «انتفاضة الأقصى» التي أشعلها آرييل شارون باستفزاز متعمّد حين قام بتدنيس الحرم الشريف بصحبة كتيبة حراسة مكوّنة من ألف شرطي إسرائيلي في أيلول / سبتمبر عام 2000، فكان يمكن أن تكون محطة ثانية جبّارة في النضال من أجل وقف الاستيطان الصهيوني في أراضي 1967 وقلبه، وفرض الانسحاب الإسرائيلي من تلك الأرضي، لولا جرى تبديد الفرصة بالوقوع في فخ استخدام السلاح في وجه الصهاينة. نقول الوقوع في الفخ، إذ إن إسرائيل تخشى «الحجارة» أكثر بكثير مما تخشى الأسلحة النارية، وذلك لسبب لا يحتاج فهمه إلى عبقرية استراتيجية. فإن الدولة الصهيونية متفوّقة عسكرياً على الشعب الفلسطيني، بل وعلى المحيط العربي برمّته، لكنّها ضعيفة معنوياً في وجه انتفاضة شعبية عزلاء، لاسيما أنها مرتهنة بالدعم الغربي وبالتالي بالرأي العام الغربي. وفي أي معادلة استراتيجية، ينبغي على الضعيف أن يلجأ إلى وسائل «لا تناظرية» بخوضه المعركة بالأشكال التي يستطيع بها التعويض عن تفوّق الخصم في أدوات القوة المعتادة.

فجاءت الحصيلة على عكس ما أنجزته «ثورة الحجارة» إذ أتاحت «انتفاضة الأقصى» لآرييل شارون الوصول إلى الحكم (وكان قد قام باستفزازه وعينُه على الانتخابات الإسرائيلية التي كان مزمعاً إجراؤها في بداية عام 2001) ومن ثم شنّه هجوماً وحشياً على الضفة الغربية بوجه خاص، بما فاق عنف الاحتلال الأول لعام 1967، ثم قضاءه على أبو عمّار بعد وضعه تحت الإقامة الجبرية في «المقاطعة». وقد نجم عن ذلك انحطاط كبير في طبيعة «السلطة الوطنية» الفلسطينية التي باتت تحت قيادة أبو مازن تتعايش مع الاحتلال الصهيوني في «تعايش سلمي» طويل الأمد، لا يُزعج الاحتلال على الإطلاق، بل سمح له تكثيف العملية الاستيطانية، وخلق مناخاً أتاح لأنظمة الغدر العربية السير قدماً على درب «التطبيع» بينما كانت «السلطة» تغرق في الفساد الاستبدادي وصولاً إلى هذا الدرك الذي تمثّل أخيراً بإلغائها انتخابات أدركت أنها سوف تخسرها.

وقد بتنا جميعاً نتمنّى انتفاضة شعبية فلسطينية جديدة، فجاءت الاستفزازات الصهيونية الأخيرة في زهرة المدائن، متمثلة بمحاولة اقتلاع أهل الشيخ جراح من ديارهم وبسائر الاستفزازات المتعلقة بالحرم الشريف، جاءت لتفجّر الغضب الشعبي الذي كان قد بلغ الذروة. وقد دخلت فلسطين مجدّداً على درب انتفاضة تمنّينا، ولا زلنا نتمنّى، أن تعادل انتفاضة 1988، بل أن تفوقها. غير أن هذه الانتفاضة الجديدة مهدّدة بالتحوّل عن مسار 1988 الجبّار نحو مسار 2001 الفاشل، وذلك من خلال توخّي قادة «حماس» و«الجهاد» الاستفادة من عزلة «السلطة» ومن نقمة الشعب الفلسطيني كي يبدوا بمظهر أبطال الساعة، وذلك بتوجيههم إنذاراً إلى إسرائيل وهم عالمون تمام العلم أن الدولة الصهيونية لا تكترث لإنذاراتهم، بل أن أنجع طريقة للحؤول دون تراجع إسرائيل عن أمر ما هو قيام «حماس» أو «الجهاد» بالمطالبة به مصحوبة بإنذار.

وبالطبع، انتهى الإنذار فانطلقت الصواريخ، وانفرج بنيامين نتنياهو الذي رأى في الأمر فرصة لإعادة إحياء شعبيته على غرار سلفه شارون، فشنّ هجمة وحشية جديدة على غزة، مصوّراً ما يجري وكأنه حرب بين طرفين مسلّحين وليس قمعاً وحشياً لشعب أعزل من قِبَل دولة استعمارية مدجّجة بالسلاح. وقد انقلب المنحى الدبلوماسي الغربي إلى إدانة إطلاق الصواريخ من غزة و«مطالبة الطرفين بوقف العنف» بعد أن كان يدين إسرائيل لممارستها القمع وجرائم الحرب (بما فيها الاستيلاء على المساكن والممتلكات) في القدس. فإن إطلاق الصواريخ من غزة، إذ يدغدغ المشاعر نظراً للسخط الشديد المشروع ضد الصهاينة، إنما لا يعدو كونه «فشة خلق» أي تنفيساً للمشاعر بكلفة باهظة، ليس أقلها ما يزيد عن عشرين قتيلا سقطوا في غزّة ليل الإثنين من جراء القصف الصهيوني المجرم. فبقي لنا أن نتمنّى أن يغلب العقل الاستراتيجي على العاطفة في المواجهة الدائرة كي يدرك الجميع أن المعركة التناظرية، السلاح في وجه السلاح، ليست في مصلحة الشعب الفلسطيني، بل تكمن مصلحته في الالتزام باستراتيجية «ثورة الحجارة» التي تخشاها إسرائيل أكثر من أي وجه آخر من أوجه المعركة.

كاتب وأكاديمي من لبنان

————————

جراح حي الشيخ جرّاح/ علي أنوزلا

في عز موسم الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي دشّنته دولة الإمارات في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحت عنوان “صفقة القرن”، تغنّى المطبعون برواية ظلوا يردّدونها على أسماعنا لإقناعنا بصواب فعلهم، أن التطبيع هو الطريق الأوحد والأخير إلى السلام مع كيان غاشم مغتصب مجرم، وهو منزلةٌ بين المنزلتين، ما بين الاستسلام لأمر واقع فرض بقوة الحديد والنار، أو الاستجداء للمحتل والتملّق إليه، لعل وعسى بكل ما يفيد الفعلان من توسل مذل وتَرَجّ مهين. رواية المطبعين القريبة إلى السذاجة يصعب أن يقبلها العقل، أو يطمئن إليها القلب، أو يحترمها ذكاء من له القدرة على التمييز البسيط بين الغباء والخيانة، كانت وما زالت تقول إن فعل التطبيع سيمنح القدرة لأصحابه على التأثير على المحتل، ويمنحهم القرب منه التوسّل إليه، لثنيه عن مزيد من التنكيل بضحيته واغتصاب حقوقه. وهكذا تم ترويج الشعار الصهيوني المضلل والمخادع “التطبيع مقابل السلام”، لكن السلام مع دول بعيدة لم تُغتصب حقوقها ولم يُنكل بشعوبها، سلام بين من لا يملك مع من لا يستحق وعلى حساب أصحاب الحق المغيّبين.

وكان يجب أن ننتظر حتى ينتفض أهل حي منسي في مدينة القدس الشريف، الشيخ جرّاح، لتتساقط كل أوراق التوت عن عورات المطبّعين، ويعاد نَكْءُ الجراح التي لم تندمل قط منذ نكبة 1948، لنعيد اكتشاف حقيقة الكيان الصهيوني العنصري والمغتصب الذي قام على نهب الحقوق من أصحابها وتقتيلهم، حتى يخفي معالم جريمته التاريخية النكراء. وكأن هناك من بيننا من لا يزال يبحث عن دليل الإدانة للجرائم التاريخية، وتلك اليومية التي ترتكب عن سبق إصرار وترصد، بدعوى تنفيذ وصايا نصوص أسطورية، تبرّر للمغتصب جرائمه، وتمنحه شرعية مزيفة لطرد أصحاب الحق الأصليين، وتهجيرهم وتشريدهم واعتقالهم وقتلهم، عندما يرفضون أن يُخلوا بيوتهم ويهجروها طوعا واستسلاما لقطعان همجٍ من المستوطنين القادمين من أصقاع الأرض، بحثا عن وهم كبير صنعته لهم آلة الدعاية الصهيونية، وزينته لهم نصوص أسفار توراتية مفترى عليها، ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد وضعت هبّة حي الشيخ جرّاح أنصار التطبيع والمهرولين إليه أمام التناقضات الصارخة التي تقوم عليها روايتهم المتهافتة على تبرير الاستسلام لعدو تاريخي غاشم، يصعب تغطية، وبالأحرى تبرير، فعله الاستيطاني والاحتلالي الهمجي. ووجد المتهافتون على التطبيع أنفسهم أمام خيارين صعبين، إما دفن رؤوسهم في الرمل، فهم “صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ”، لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون ولا يرجعون، أو “مُذَبْذَبونَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ”، مثل الشاة العائرة بين غنمين، ضُرب على سمعهم، فهم لا يسمعون، وختمت على أبصارهم غشاوة، فأصبحوا متحيّرين في أمرهم، يعلمون أنهم يعملون السوء بغير جهالة، ولكنهم لا يتوبون، مثلهم مثل من تبوّل في الموقد الذي ينير طريقه، فصار تائها في سيره حائرا من أمره، ومتعجرفا متكبّرا، لا يريد الاعتراف بخطيئته.

عندما أراد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة تبرير تطبيع علاقات بلاده مع الكيان الصهيوني، قال، بسذاجة مذهلة، إن مكتب الاتصال المغربي، الذي اعترف بأن المغرب ظل يحتفظ به في تل أبيب، ويدفع إيجاره شهريا، على رغم قطع المغرب علاقاته رسميا مع الكيان الصهيوني، طيلة العقدين الماضيين، كان يقوم بـ”أدوار إيجابية” في التوسط بين بعض الباعة الفلسطينيين المتجولين أو أصحاب محلات تجارية صغيرة، عندما كانوا يلجأون إليه مشتكين من مضايقات سلطات الاحتلال، فيتوسط لهم لدى الإسرائيليين! كان هذا لسان حال الوزير المغربي، المتلهف إلى التطبيع. وصدر تصريحه في عز “موسم التطبيع” تحت الرعاية الأميركية غير المباركة، فماذا كان جواب حكومة بلده التي يرأس عاهلها “لجنة القدس”، وهو يرى المقدسيات والمقدسيين يُهانون ويذلّون ويشرّدون ويعتقلون ويقتلون؟ بعد صمت طويل لم يسعف أصحابه في إخفاء حرجهم وخذلانهم، صدر بيان خجول، وليته لم يصدر، يدعو الضحية إلى الحوار مع جلادها للتنازل له عن بيتها من دون حتى أن يضمن له كفّ شرها الذي يلاحق الفلسطينيين في الملاجئ والشتات لانتزاع هويتهم الوطنية، بعدما انتزع منهم أرضهم الفلسطينية.

وعلى الرغم من مآسي أهالي حي الشيخ جرّاح، ومعهم آلاف المقدسيين والفلسطينيين الذين هبّوا إلى نجدتهم، وسقط منهم الشهداء والجرحى والمعتقلين، إلا أن الفضل يعود لهم ولصمودهم الذي فتح أعين العالم على حقيقة الكيان الصهيوني الغاصب، عندما أعاده إلى طبيعته الأولى التي قامت عليها دولته العنصرية كيانا محتلا، وأعاد إلى القضية الفلسطينية وهجها الإنساني والعالمي، قضية عادلة لشعبٍ مظلوم، لكنه جبار صامد لا يقهر. وفي المقابل، إذا كان لهبّة حيٍّ صغير في القدس أن تفعل فعلتها في واقعنا المتخاذل والمتواطئ بصمته، وتعرّي زيف كل خطابات التطبيع والاستسلام، فإن الفضل الكبير لأهل هذا الحي سيبقى هو كل هذه الجراح غير المندملة التي فتحوها في وجداننا ووعينا التاريخي، حتى لا ننسى التمييز بين الجلاد والضحية، وبين الصديق والعدو والصديق ذي الوجهين الذي لا هو صديق ولا هو عدو.

————————–

القدس عروس عروبتكم .. هل من غيرة لحمايتها؟/ محمد صالح المسفر

يا مدينة بيت المقدس، تركوك، حكامنا الميامين، لتستبيح عرضك وحرماتك وتحطم كبرياءك جحافل مواليد مفرخة “الكيبوتس”. يا مدينة العرب الغابرين والحاضرين، يا دار عيسى بن مريم، موطن دعوته وحواراته مع الطغاة. يا موئل الرسول محمد في معراجه ومسراه. يا أخت مكة والمدينة. تركوك، حكامنا الميامين، ليعبث بك قطعان المستوطنات المدجّجون بالسلاح عشية ليلة القدر، ليفرّقوا جمع العابدين الساجدين من أبناء فلسطين، ويخرجوهم من محراب العبادة بالقوة المسلحة.

(2)

سيُعقد مجلس جامعة الدول العربية للنظر في مسألة الاعتداء على أهلنا في القدس، وستجتمع منظمة العمل الإسلامي للهدف نفسه، والناتج عن اجتماع المؤسستين شجب وإدانة، ومناشدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة كبح جماح العدوان الإسرائيلي، والرابح إسرائيل، لأن حلفاءها من العرب لا يريدون كبح جماحها في هذه المعركة.

استثير “الزعيم!”، محمود عباس، فبادر يدعو مجلس الأمن في نيويورك، لإنقاذ أهل القدس وحي الشيخ جرّاح من عدوان قطعان المستوطنات الصهاينة، وهو يعلم علم اليقين أن مجلس الأمن لا جدوى من قراراته، ما لم تسندها القوة العربية والإسلامية. كان القرار الواجب أن تتخذه السلطة العباسية لحماية المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية ومدينة القدس من عبث الصهاينة وعدوانهم أن تُلغي الاتفاقات الظالمة التي وقعها الجانب الفلسطيني مع القيادات الإسرائيلية، منذ “أوسلو” في 1993. وأن يعلن المصالحة الفورية مع أهل غزة، وأن يسمح بمقاومة العدوان الإسرائيلي على سكان الضفة الغربية، ولو بالحجر والمقلاع. سلطة رام الله هي التي يجب أن تُحاسب فلسطينيا وعربيا على عدم حماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته وتراثه التاريخي من عبث العابثين وقوى الاحتلال. السلطة التي لا تستطيع حماية شعبها والحفاظ على سلامة أراضيها ليست جديرة بأن تحكم. وعلى محمود عباس أن يتنحى عن قيادة الشعب الفلسطيني، لصالح القوى التي ستأخذ على عاتقها التصدّي للعدوان الإسرائيلي وإزالة المستوطنات وتحرير الأرض وحماية المقدسات الإسلامية في فلسطين.

(3)

كانت دولة قطر أول من بادر، عربيا، ودان العدوان الإسرائيلي على المصلين في الحرم القدسي الشريف وحي الشيخ جراح بأشد العبارات. ولو كان بينها وبين إسرائيل أي علاقات دبلوماسية لقطعتها، ولجمّدت كل مجالات التعاون مع الكيان الإسرائيلي، تضامنا مع الشعب الفلسطيني، كما فعلت عام 2008 على إثر العدوان الإسرائيلي على غزة. ولقد دعت دولة قطر على لسان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، المجتمع الدولي إلى تحرّك جاد وفعال وعاجل، لوقف تلك الممارسات التي ترقى إلى اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

بمواقفها النبيلة تجاه القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من الحصار المفروض من بعض الدول العربية، إلى جانب إسرائيل، على قطاع غزة، أرسلت قطر منحتها إلى مائة ألف أسرة فلسطينية في قطاع غزة هذا الأسبوع، في وقت تحاصر دول عربية أهلنا في القطاع، وتحجُب عنهم كل عون، تحت ذريعة محاربة حركة حماس التي تتصدّى لكل عدوان إسرائيلي.

الواجب الديني والإنساني والعربي يقتضي من دولتين خليجيتين قطع علاقتهما حديثتي العهد مع إسرائيل، لإشعارها بأن الاعتداء على الشعب العربي الفلسطيني ومقدساته، والعدوان على أي قطر عربي، خط أحمر لا يجوز لأي كيان تجاوزه. وقرار مثل هذا يمنح تلكما الدولتين المنخرطتين في علاقات مع هذا الكيان العدواني قيمة عربية ودولية يعتد بها، ولا يجب التذرّع بأن السلطة الفلسطينية، المغلوبة على أمرها، هي البادئة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إنه عمل مدان بكل المعايير.

دوليا، دانت تركيا العدوان على الحرم القدسي، كما دانت الاعتداءات المتكرّرة منذ مطلع شهر رمضان، سواء في حي الشيخ جرّاح أو باب العامود أو أيٍّ من مدن فلسطين المحتلة، وكذلك إيران وباكستان. وسارت مسيرات شعبية في بعض عواصم العالم الإسلامي، احتجاجا على ما تفعله إسرائيل بأهلنا في الأرض المقدسة، إلا العواصم العربية، فقد ضربت عليها الذلة والمسكنة.

وعندي اليقين لو أن القادة العرب وخاصة الذين يقيمون علاقات مع دولة العدوان إسرائيل اتخذوا إجراءات رادعة تجاهها، كقطع هذه العلاقات، وإلغاء كل اتفاق اقتصادي أو أمني أو غير ذلك معها، فلا جدال عندي في أن العالم سيتغير موقفه تجاه إسرائيل، ولن يضحّي بمصالحه مع سوق عربي كبير، 350 مليون نسمة، وموارد طبيعية وثروات مالية وأماكن روحانية، على امتداد العالم العربي وأخص هنا مكة والمدينة وبيت المقدس.

آخر القول: فليدرك حكامنا قوتهم الحقيقية المؤثرة إذا صلحت النيات، وتوفرت الإرادة السياسية عندهم بأنهم قادرون على صناعة التاريخ، وليعلموا أن العالم كله يقف إلى جانب أصحاب الإرادة القوية، والنموذج أمامكم إيران.. كلهم يتسابقون على ودّها، على الرغم من أنها لا تملك من وسائل القوة ما تملكون، يا عرب.

————————

هيومن رايتس ووتش” وإسرائيل .. ماذا بعد؟/ كارم يحيى

بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل، يكون قد مرّ عشرون عاماً على مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية، الذي أعاد، بفضل نضالية الانتفاضة الفلسطينية الثانية وجاذبيتها، وقوة دفع المنظمات غير الحكومية، وفي المقدمة حركات مناهضة العولمة الرأسمالية/ الليبرالية الجديدة، أعاد الاعتبار إلى حقيقة أن الصهيونية عنصرية. وبحق، كان “ديربان 2001” في المحصلة الختامية، وعلى الرغم مما شهده من صراعات دولية، ضربة معاكسة ضد خطيئة وجريمة عام 1991، أي إلغاء الأمم المتحدة قرار جمعيتها العامة رقم 3379 في 1975 الذي أدان الصهيونية بوصفها من أشكال العنصرية. واليوم، على مدى الأسابيع التي تفصلنا عن مناسبة إحياء الأمم المتحدة الأكبر والأهم لمؤتمر ديربان، يستحق الاهتمام والتفكير على نحو خاص تقرير كبرى المنظمات الحقوقية الأميركية، هيومن رايتس واتش، وصدر أخيراً، وحمل عنوان نسخته الإنكليزية (213 صفحة) وصف “الأبارتهايد”، ومع ترجمة إلى العربية تحت عنوان: “تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد”.

يتمنّى المرء أن يأخذ هذا التقرير/ الوثيقة الدولية اهتماماً ونقاشاً من مناصري الشعب الفلسطيني، يليق بأهميته وسياقه وتوقيته. فقد تنبهت صحيفة جيروزاليم بوست، من جانبها وبموقعها في صفوف اليمين الإسرائيلي، إلى أنها المرّة الأولى في تاريخ المنظمة الحقوقية الأميركية (43 سنة) يُوجَّه الاتهام إلى إسرائيل بجريمة الأبارتهايد. إلا أن هذا الحرج يتجاوز تل أبيب إلى سلطات ومؤسسات رسمية عربية. وفي الظن أن الصمت العربي الرسمي إزاء التقرير تتعدّد أسبابه. فالحرج هنا لا يتعلق وحسب بأن السلطات الاستبدادية في الدول العربية في حالة عداء مع حقوق الإنسان وتقارير (وبيانات) منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها بشأن ما ترتكبه من جرائم وانتهاكات ضد مواطنيها، ولطالما ظلت تغازل مشاعر الجماهير عندها باتهام المنظمة الحقوقية الأميركية بأنها “تخدم أهداف إسرائيل”. بل يضاف إلى هذا أن التقرير، في لغته واستخلاصاته وتوصياته، ما يحرج المطبّعين والمتعايشين العرب مع عنصرية إسرائيل قدامى وجدداً، سواء من أسهموا في تمرير إلغاء القرار الأممي بعنصرية الصهيونية قبل ثلاثين عاماً، أو تبرأوا من هذا الإلغاء حينها. وربما كانت السلطة الفلسطينية، برئيسها ورئيس وزرائها ووزارة خارجيتها، هي الوحيدة في النطاق الرسمي العربي التي أصدرت رد فعل على التقرير إلى حينه. وصحيحٌ أنها رحبت به، لكنها تجاهلت التوصيات الموجهة إليها بوقف جميع أشكال التنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية، وبإدراج الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الفصل العنصري والاضطهاد، في القانون الجنائي الوطني الفلسطيني. وهنا يحق التساؤل: هل لدى السلطة الفلسطينية، بما هو معلوم من أحوالها، تصور عن كيفية الاستفادة من مثل هذا التقرير والبناء عليه؟

لإدراك أهمية هذا التقرير، يتعين التذكير بتطورين مترابطين على المسرح الدولي. فمكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أعلن في مارس/ آذار الماضي فتح تحقيق بشأن الأوضاع في فلسطين. وهذا بعد شهر من قرار المحكمة أن ولايتها القضائية تشمل الجرائم الدولية الجسيمة المرتكبة في الأراضي الفلسطينية بكاملها، بما في ذلك القدس الشرقية، سواء المتعلقة بالفصل العنصري أو الاضطهاد. ويعكس نص تقرير “هيومن رايتس وواتش”، وتوصياته الموجهة إلى المحكمة الدولية والأمم المتحدة، طموحاً بأن يدرج هذا الجهد/ التقرير في صلب (وسياق) محاكمة عنصرية إسرائيل سياسات ومؤسسات وقوانين وممارسات ومسؤوليها وعقابهم، إلا أن هذه العملية التي انطلقت متأخرةً متباطئةً، وأصبح يعزّزها تقرير كبرى المنظمة الحقوقية الأميركية، تستأهل التفكير في بناء حركة إسنادٍ عالميةٍ تقوم أساساً على تحالفات بين مكونات المجتمع المدني في أنحاء الكرة الأرضية، وبما في ذلك تيارات داخل الحقوقيين ومناهضي العولمة.

تنفتح قراءة النص الكامل للتقرير على جملة ملاحظات، يمكن البناء عليها في مناصرة الشعب الفلسطيني. وعلى سبيل المثال، إنه يعترف بوحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاضطهاد والفصل والتمييز العنصري ونتائجه، سواء أكان في الضفة الغربية والقدس أو قطاع غزة أو فلسطين المحتلة عام 1948، أو حتى ما يزيد على خمسة ملايين خارج كل أرض فلسطين التاريخية. ويستخلص التقرير أن ما يواجهه الفلسطينيون ليس مجرّد احتلال تعسفي وحسب، بل تمييز وفصل واضطهاد على أسس وبدوافع وسياسات ممنهجة عنصرية، وإن لم يغفل مسؤولية سلطة الاحتلال عن الأوضاع اللاإنسانية للفلسطينيين، ولكونهم فلسطينيين في قطاع غزة، تماماً كما في الضفة الغربية والقدس وفلسطين المحتلة عام 1948.

وعلاوة على جهد فريقه المميز في جمع شهادات وأقوال من 40 مقابلة خاصة، وملاحظات وافرة خلال زيارات ميدانية متعدّدة، ودراسات حالة مهمة لمحافظة سلفيت من الضفة الغربية وقرية كفر عقب في محيط القدس الشرقية المحتلة ومدينة الناصرة في فلسطين 48، يستند التقرير إلى تراث يتضح كم أصبح مهماً ووازناً من عمل منظمات المجتمع المدني والحقوقي والمناهض للاحتلال في إسرائيل، فضلاً أيضاً عما أصبح عليه تراكم أعمال (ونتائج) نظيرتها الفلسطينية.

ويلفت النظر أيضاً هذا التأسيس المهم للجرائم العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، انطلاقاً من حقل القانون الدولي، بما في ذلك إحالات تاريخية على محاكمات النازية (نورمبرغ)، وصولاً إلى ميثاق نظام روما للمحاكمة الدولية 1998 وما تلاه. ومع هذا، لا يستخدم التقرير مطلقاً كلمة أو مصطلح “الصهيونية”، كأنه يتجنب حرج استخدامها بالسلب في سياق ثقافي استعماري أميركي غربي، ما زال يعتبرها زوراً “حركة تحرّر لليهود”. وعلى النقيض من هذا التجنب والحرج، التقرير حافل بإحالاتٍ سلبيةٍ تدين عنصرية النصوص القانونية المؤسسة لإسرائيل وقادة الحركة الصهيونية، واعتباراً من عام 1948، وفي مقدمتهم بن غوريون. وقد أنعش التقرير الذاكرة العالمية، وليس ذاكرة الضحايا الفلسطينيين والعرب فقط، باستشهادات من أقوالهم وأفعالهم العنصرية. والنص في ذلك لا يفرق عن حق بين رموز “الحمائم” و”الصقور” الإسرائيليين منذ 73 عاماً، ويضع تحت الضوء الدور العنصري لمؤسسات صهيونية لها سمعة تاريخية سابقة لتأسيس الدولة العبرية، وما زالت قائمة وفاعلة، كالوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية والصندوق القومي اليهودي. وقد شخّص بالأمثلة المعيشة أمس واليوم استمرار تورّطها في السياسات والممارسات التمييزية العنصرية ضد الفلسطينيين، وعلى كامل أرض فلسطين التاريخية.

ينتهى التقرير بـ49 توصية، يتوجّه عديد منها إلى السلطات الإسرائيلية، ولا ينتظر بالطبع أن تنفذ واحدة منها، لكن تلك الموجّهة إلى المجتمع الدولي، وخصوصاً إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (ثمانية لكل منهما) تستحق الانتباه. فتقرير المنظمة الحقوقية الأميركية، نصاً وتوصيات، يعارض بوضوح “صفقة القرن” الترامبية واعتراف واشنطن بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها. كذلك يضع الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة بايدن، أمام أكثر من اختبار، بتوصيته إصدار الرئيس بايدن بياناً رسمياً يعرب عن القلق بشأن ارتكاب السلطات الإسرائيلية جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، فضلاً عن المناداة بربط المساعدات العسكرية والأمنية والاقتصادية باتخاذ السلطات الإسرائيلية خطواتٍ ملموسة، ويمكن التحقق منها باتجاه إنهاء ارتكاب هذه الجرائم العنصرية ضد الإنسانية، فضلاً عن المطالبة بتفعيل عقوبات ضد إسرائيل ومسؤوليها. وفي ذلك تمايز طالما تمت المناداة به بين واشنطن الرسمية، ومعها المجمع العسكري الصناعي ومصالح الشركات الكبرى، و”أميركا أخرى” تجتهد للسير في اتجاه معاكس للتراث الاستعماري الإمبريالي.. والعنصري أيضاً.

قيل الكثير في أن للأدبيات الحقوقية لغتها وأسقفها التي تختلف عن غيرها، ولكن يتعين الوعي هنا بأن منظمة حقوقية أميركية كبرى تقدم خطاباً أكثر تقدّماً وتجاوزاً لبؤس الخطاب العربي الرسمي اليوم عن إسرائيل وعنصريتها. كذلك يتعين أيضاً الوعي بهذا الاقتراب الحذر الذي يعكسه تقرير “هيومن رايتس ووتش” الجديد وتوصياته من الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل. هو بالفعل اقترابٌ حذر، كما هو حال تجنب التصريح بـ”الصهيونية”، وكذا التردّد والارتباك في الدعوة، بوضوح وبحسم، إلى إنفاذ حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وأيضاً النأي عن المطالبة بوقف الهجرة الصهيونية اليهودية أو تقييدها. لكن بالقطع، إن شيئاً ما يجري في التيار الرئيسي بين منظمات حقوق الإنسان الأميركية والعالمية الكبرى تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وعنصرية المشروع الصهيوني كما تترجمه إسرائيل، ويجب التفكير والعمل من أجل استثماره والبناء عليه. وفي القلب والعين من هذا، سياقا المحكمة الدولية وإحياء عشرينية “ديربان”. والمهمة ليست سهلة، في ظل غلبة الهجوم المضاد وشراسته على انتفاضات الشعوب وثوراتها في منطقتنا (الربيع العربي)، وما يصحبه من ضرب المجتمع المدني وتقويضه عندنا. لكنها تستحق التفكير والمحاولة.

—————————-

ما هو قبل المقدّس في القدس/ أرنست خوري

الحدث المقدسي يفتح عيوناً كثيرة أغمضها التعب والأخطاء والملل واليأس حيال قضية فلسطين بما هي مسألة تحرّر وطني عالقة. في ما يجري اليوم تكثيف لكل ما يخص الحكاية: تهجير أصحاب الأرض من منازلهم، هذه المرة ليس من خلال القتل والمجازر، بل من خلال ما يحب العالم أن يسمعه: المحاكم و”سلطة إنفاذ القانون”، أي جنود وعناصر شرطة يطبقون المبادئ التأسيسية لإسرائيل: التمييز العنصري، التغيير الديمغرافي، محو أثر السكان الأصليين، التهويد، تأبيد حكم الأبرتهايد لكي يصبح “عادياً”، واستعمار كل الأرض. وما أدراك كيف تكون القرارات القضائية في مكان مثل إسرائيل، حين يتعلق الأمر بغير إسرائيليين أولاً، وبغير يهود ثانياً، وبفلسطينيين ثالثاً، ممن يشكل وجودهم تذكيراً يومياً بفضيحة دولة قامت على أرض لها أصحاب، وعلى أجساد بشر أُحِلَّ أناس مكانهم بكل أشكال العنف. حصل ذلك في معظم الأرض الفلسطينية منذ نكبة 1948، وقد حطّ رحاله في القدس منذ 1968. صحيح أن أي بقعة في غزة أو في النقب أو في أريحا تساوي أهميتها نظرياً أيّ شبر في الخليل أو في يافا أو الجليل أو القدس، إلا أن “حتميات” التاريخ والجغرافيا (إن وُجدت) وصدف الحياة والأديان، كلها جعلت من القدس شيئاً له ما يسمونه “خصوصية”. قد يكون في ذلك ظلم، إلا أن الأمور تسير على هذا النحو دائماً، وإلا ما كان هناك شيء اسمه عاصمة أو مركز. تكثيف عناصر قضية ما، لا بد أن تكون له نقطة ارتكاز، يُفضل أن تقع جغرافياً في وسط البقعة، لكن ذلك لم يعد شرطاً.

الحدث المقدسي إذاً لا هو مفاجئ ولا هو طارئ ولا غريب. جولات مواجهة الاضطهاد العرقي في المدينة لم تهدأ منذ 53 عاماً، والمنازل ظلت في القلب منها. حتى الانتفاضات التي اتخذت من المسجد الأقصى عنواناً عريضاً لها، فإنها لم تكن ردة فعل دينية مقدسة بالنسبة إلى كثيرين، بل مسألة منازل ووجود لبشر في أرضهم. الدفاع عن هذا المكان بالنسبة إلى مسلمين ولغير مسلمين كثيرين، لعرب ولغير عرب أعدادهم وازنة، ليس دفاعاً عن إلهٍ أو دينٍ لا يحتاجان لدفاع من أحد على كل حال. الدفاع عن المسجد حتى بالنسبة إلى غير مؤمنين يصبح نخوةً تتصل بالوجود، أي إن هذا المبنى هو لنا، أكنا نرغب في أن نصلي فيه أو اعتبرناه رمزاً عمرانياً عاماً أو تجسيداً ثقافياً لهوية شعب، فهو لنا، ملكية عامة وخاصة في آن واحد، كان يمكن أن نفتحه لكل شعوب الأرض ودياناتهم لو كان المكان محرراً، لو لم يكن هناك مستعمِر يستوطنه ثم يعرض على أصحاب الأرض إذناً لهم بدخوله لساعة في اليوم أو لمرة في الأسبوع وبشروطه. عندما تُختصَر قضية الأقصى في حيّز ديني مقدس حصراً، سنخسر حتماً. الأقصى مثل القدس، قضية استعمار وإنسان وتهجير ومنازل وأصحاب أرض ومستوطن تفوّض المحكمة الإسرائيلية إليه إجبار صاحب المنزل في الشيخ جراح على إجلاء البيت، وإلا عاد في المرة الثانية بصحبة الجرافة والدبابة وشرطة مدججة بالسلاح لتنفيذ أحكام تستند إلى وثائق محرّفة أو مختلقة أو مبنية على أمر واقع فرضه الاحتلال منذ عقود بالإرغام على التوقيع والإجبار على البيع والمغادرة.

إنهم بضعة عشرات الآلاف من المقدسيين المقيمين في المدينة، لكنهم عبء على المستعمِر. التخلص ممن بقي منهم مسألة وجودية لإسرائيل. سرديتها لا تكتمل فصولها من دون شطب “الأغيار”. من لا تُفتح عيناه أمام هذه الحقيقة، فهو لا عينين له. أما من يعترف بها، ثم يستدرك بأن كل الخطأ حاصل في طريقة “إدارة” القضية الفلسطينية، وأن الحل “سياسي” بعيداً عن النضال والمواجهة، فذاك غالباً لن يُسمع له صوت تعليقاً على الحدث المقدسي الحالي. غداً إن هدأت الأوضاع، سيبدأ هذا الفلان الكتابة والكلام من الصفر، وكأن شيئاً لم يحصل، وسيخبرنا أن منطق المواجهة هو ما أوصل الفلسطينيين إلى حيث هم. ستسأله عن الجدوى التي حصدتها مفاوضات الحل السلمي وعن رمي إسرائيل بنود أوسلو في المزبلة، حينها على الأرجح سيغيّر الموضوع، وسيصوّب على صواريخ تنطلق من غزة وتخطئ هدفها أحياناً.

——————-

هَبَّة القدس”: الصراع على معادلة ردع جديدة

تندرج مساعي إسرائيل إلى إحلال السكان اليهود مكان الفلسطينيين في حي “الشيخ جراح” ضمن خطة تهويد القدس بالكامل، لكن مقاومة المقدسيين جعلت إسرائيل تتحمل تكلفة سياسية وعسكرية ودبلوماسية قد تؤسس لمعادلة ردع جديدة.

شهدت القدس في العشر الأواخر من رمضان (2021) مواجهات كبيرة بين الفلسطينيين من جهة وقوات الشرطة الإسرائيلية -وأحيانًا بمشاركة عناصر التنظيمات اليهودية المتطرفة- من جهة أخرى؛ وهي المواجهات التي اصطلح الفلسطينيون على تسميتها “هَبَّة القدس”.

تفجرت المواجهات إثر ثلاثة تطورات رئيسة:

    صدور قرارات قضائية إسرائيلية قضت بإخلاء 12 منزلًا فلسطينيًّا في حي “الشيخ جراح”، الذي يعد أحد أحياء القدس الشرقية، من قاطنيها وتسليمها للسكان اليهود.

    إغلاق شرطة الاحتلال مدرجات حي “رأس العامود”، التي تعد من المعالم الوطنية الفلسطينية المهمة في القدس، والتي تمثل محطة يلتقي عندها الفلسطينيون المتجهون إلى الأقصى.

    السماح للجماعات اليهودية المتطرفة بتنظيم مسيرات استفزازية في الأحياء الفلسطينية من المدينة واقتحام شرطة الاحتلال المسجد الأقصى.

أعادت الشرطة الإسرائيلية فتح مدرجات “رأس العامود” في مسعى منها لتطويق الاحتجاجات، وفرضت قيودًا قلَّصت من فرص إسهام المسيرات التي تنظمها الجماعات اليهودية في خلق بؤر احتكاكات مع المقدسيين في تفاقم التصعيد؛ لاسيما أن الحكومة تراجعت عن السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى (10 مايو/أيار2021) وعدَّلت من خط سير مسيرة “الإعلام السنوية” التي ينظمها أتباع التيارات الدينية اليهودية المتطرفة، والتي تتم سنويًّا بمناسبة ما يُعرف بـ”يوم القدس”.

ويعتبر عدم تراجع إسرائيل عن قرار إخلاء المنازل الفلسطينية في حي “الشيخ جراح” السبب الرئيس الذي يؤجج الأوضاع في المدينة المقدسة، وقد تدخلت الحكومة الإسرائيلية لدى المحكمة العليا وأقنعتها بتأجيل صدور قرارها بالمصادقة على قرار المحكمة المركزية في المدينة بشأن إخلاء المنازل لمدة شهر، لكن الفلسطينيين اعتبروا الإجراء ليس كافيًا، لأن المحكمة العليا يمكنها أن تصادق في أي وقت لاحق على قرار الإخلاء، في حال قدَّرت سلطات الاحتلال أن ردَّة الفعل الجماهيرية لن تكون كبيرة بالحجم الذي يهدد بإشعال الأوضاع مجددًا في المدينة.

مخطط “القدس الكبرى”

الجدير بالذكر أنه سبق لسلطات الاحتلال أن طبقت قرارًا قضائيًّا بإخلاء منزلين في حي “الشيخ جراح” في 2008؛ إلا أن الفلسطينيين يرون أن قرار الإخلاءات الجديد في الحي يأتي في سياق مخطط إسرائيلي أوسع وأعمق يهدف لتهويد المدينة وتكريس السيطرة عليها، ويطلق عليه اسم “القدس الكبرى”، كانت قد وضعته الحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع بلدية الاحتلال في المدينة في 2018، بُعيد إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة. يرمي مخطط “القدس الكبرى” إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:

أولًا: توسيع السيطرة اليهودية على الحيز الجغرافي في تخوم القدس لتكريس فصل المدينة عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية عبر بناء طوق من المستوطنات يلف المدينة من الشمال والشرق والجنوب.

ثانيًا: الحفاظ على تفوق ديمغرافي لليهود؛ بحيث لا تقل نسبة تمثيلهم عن 72% من إجمال سكان المدينة مقابل 28% للفلسطينيين.

ثالثًا: تفتيت الوجود الفلسطيني في المدينة عبر إيجاد جيوب استيطانية يهودية في قلب الأحياء الفلسطينية داخل القدس الشرقية.

ويفسر السعي لتحقيق الهدف الثالث تحديدًا قرار إخلاء بيوت الفلسطينيين في حي “الشيخ جراح”، مع العلم بأن الجمعيات الاستيطانية رفعت دعاوى مماثلة للسيطرة على منازل في الأحياء الفلسطينية الأخرى في القدس الشرقية، والتي تشمل: البلدة القديمة، وسلوان، والطور، ورأس العامود، وبيت حنينا. لأن تكوين جيوب استيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية المقدسية يمكِّن إسرائيل من قطع التواصل الديمغرافي والجغرافي الفلسطيني وتفتيته؛ وهي تفترض أن استقرار هذه الجيوب سيردع الفلسطينيين عن مواصلة البقاء في هذه الأحياء؛ ما سيساعد سلطات الاحتلال على استكمال مخطط تهويد المدينة.

بحسب اتفاقات أوسلو، فإن قضية القدس من قضايا الحل الدائم، والتي يجب أن تُبحث بين الطرفين في خطوة متقدمة في مسار عملية السلام المفترضة، لكن إسرائيل وجدت في إرجاء البحث في هذه القضايا الجوهرية ومنها ما يتعلق بالقدس، فرصة لتسريع تغيير الوقائع بالقوة على الأرض.

ارتبط توقيت تصعيد الإجراءات الإسرائيلية في القدس، بشكل أساس بتعاظم تأثير التيار الديني اليهودي المتطرف على دائرة صنع القرار في إسرائيل؛ وهو التيار الذي يُبدي حماسًا، استنادًا إلى منطلقات عقائدية، لإنجاز تهويد المدينة، كما عكست ذلك نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

فقد أسفرت هذه الانتخابات عن حصول تحالف حزب الصهيونية الدينية والحركة الكاهانية على تمثيل مهم في الكنيست؛ وهو التحالف الذي يدعم حركات الهيكل اليهودية التي تطالب ببناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. وعلى الرغم من أن هذا التحالف قد خاض الانتخابات في قائمة مستقلة إلا أنه ارتبط بتحالف مع حزب الليكود الذي يقوده رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي جاهر بأن هذا التحالف سيكون ضمن أي ائتلاف سيشكِّله في المستقبل.

ومما يدل على دور هذا التحول السياسي في تأجيج الأوضاع في المدينة حقيقة أن إيتمار بن غفير، زعيم الحركة الكاهانية، أسهم بشكل خاص في استفزاز مشاعر الفلسطينيين عندما أصرَّ على تدشين مكتب ميداني له في قلب “الشيخ الجراح”، فضلًا عن أن أعنف المواجهات اندلعت في المدينة إثر المسيرات التي نظمتها في تخوم الحي منظمة “لاهافا” المتطرفة، التي يقودها بنتسي غوفشتين، وهو من قادة “الحركة الكاهانية”.

آليات التحرك الفلسطيني

ردَّ الفلسطينيون بالمواجهة الشعبية لقوات الاحتلال ما أجبر الأخيرة على فتح مدرجات “باب العامود” وتأجيل صدور القرار بإخلاء المنازل في “الشيخ جراح”، وإلغاء مخطط اقتحام الأقصى. كما ساند فلسطينيو الداخل المقدسيين من خلال المشاركة في المظاهرات التي نظَّموها والاعتصام في الأقصى إلى جانب تنظيم مظاهرات داخل إسرائيل. أما السلطة الفلسطينية فقد تعهدت بطرح ملف الإجراءات الإسرائيلية في القدس أمام محكمة الجنايات الدولية. أما حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة فقد قررت إرساء معادلة ردع جديدة، تقوم على الرد العسكري من القطاع على أي استهداف إسرائيلي للقدس؛ وهو ما اتضح في البيان الذي تلاه محمد الضيف، قائد الذراع العسكرية للحركة، ورئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية. وقد أُطلقت من غزة (10 مايو/أيار 2021) عشرات الصواريخ على العمق الإسرائيلي، سقط بعضها في القدس المحتلة، وهو تطور لم يحدث إلا خلال الحرب التي شنَّتها إسرائيل على قطاع غزة في 2014، في حين شنَّت إسرائيل حملة عسكرية جوية على غزة فأوقعت، حتى تاريخ نشر التقدير، 28 شهيدًا، من بينهم 10 أطفال، وأكثر من مئة جريح.

رفض دولي للتهجير

يعد الأردن، الذي يحوز الحق في الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس بموجب اتفاق “وادي عربة”، الطرف الإقليمي صاحب القدرة الأكبر على التأثير على الأوضاع في المدينة. وإلى جانب تنديده بالخطوات الإسرائيلية واستدعائه السفير الإسرائيلي في عَمَّان، فقد زود الأردن السلطة الفلسطينية بوثائق تثبت ملكية العوائل الفلسطينية المهددة بالطرد من “الشيخ جراح” للمنازل التي تعيش فيها؛ إلى جانب إعلانه عن تحرك مشترك مع السلطة لوضع ملف حي “الشيخ جراح” أمام الجنايات الدولية. كما أصدرت معظم الدول العربية، وضمنها دول توصلت إلى اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، بيانات تنديد بما يجري في القدس. وعلى الصعيد الدولي، فقد صدرت مواقف دولية قوية ضد قرار إخلاء البيوت في “الشيخ جراح”، كان أهمها، البيان الصادر عن “اللجنة الرباعية”، التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والذي طالب بالامتناع عن تنفيذ مخطط الطرد.

وقد قادت أحداث القدس إلى أول مواجهة دبلوماسية علنية بين إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإسرائيل التي طالبت واشنطن بعدم التدخل وعدم التعليق على سلوكها في القدس، وقد وصف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شابات، هذا الطلب بأنه “مكافأة للمشاغبين”.

توازن جديد

عدة عوامل رئيسية ترجِّح كفة وقف التصعيد العسكري بين حماس وإسرائيل وتراجع إسرائيل المؤقت عن مواصلة تهويد مدينة القدس. من جهة إسرائيل، أدت التطورات المتلاحقة إلى نشوء وضع دبلوماسي وعسكري يلحق بها أضرارًا كبيرة تفوق الجدوى من السيطرة على بعض المواقع في الشيخ جراح؛ فإلى جانب إسهام الأحداث في القدس في اندلاع مواجهة عسكرية كبيرة بين فصائل المقاومة بغزة وإسرائيل، فإنها أطلقت احتجاجات شعبية في الضفة الغربية ضد قوات الاحتلال رغم تدخل السلطة الفلسطينية أحيانًا لضبطها ومواجهتها في أحيان أخرى. كما أن شرارة الأحداث وصلت إلى المدن والبلدات الفلسطينية داخل إسرائيل، لاسيما المدن المختلطة، التي يعيش فيها جنبًا إلى جنب العربُ واليهودُ، سيما: اللد وحيفا ويافا.

ودبلوماسيًّا، فإن إسرائيل تخوض حملة دبلوماسية وسياسية مكثفة بهدف التأثير على توجهات الولايات المتحدة والقوى العظمى الأخرى بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة إقناعها بأن تأخذ بعين الاعتبار خطوطها الحمراء عند استئناف العمل بهذا الاتفاق، فليس من مصلحتها تسليط الأضواء على ما يجري في القدس وغزة والضفة الغربية بشكل يمس بمكانتها الدولية، سيما في ظل ما تنقله وسائل الإعلام الدولية من استهداف مباشر للمدنيين، وضمنهم أطفال في قطاع غزة.

داخليًّا، تشهد إسرائيل أزمة سياسية داخلية غير مسبوقة، بسبب العجز عن تشكيل حكومة على أساس نتائج الانتخابات الأخيرة، وهي الرابعة خلال سنتين، وليس لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شرعية داخلية قوية لخوض غمار حرب واسعة ضد قطاع غزة أو القيام بإجراءات أمنية في الضفة أو ضد فلسطينيي الداخل قد تفاقم الأوضاع سوءًا. لذا، فإن إسرائيل تواصل عمليات القصف في غزة وفي الوقت ذاته تسمح للأطراف الدولية والإقليمية بالتوسط بينها وبين حركة حماس. أما بخصوص الشيخ جراح، فكما جمَّدت إسرائيل تنفيذ قرار المحكمة بإخلاء قرية “الخان الأحمر” الفلسطينية في تخوم القدس لدواع أمنية، فإن بإمكانها تأجيل تنفيذ قرار إخلاء المنازل في “الشيخ جراح” إلى أمد بعيد في حال صدر.

فيما يتعلق بحركة حماس والفصائل الفلسطينية، فعلى الرغم من أن ردها العسكري على ما يجري في القدس قد قوبل بارتياح واحتفاء كبير في الرأي العام الفلسطيني، فإنها ستحرص ما استطاعت على عدم السماح لإسرائيل باستغلال التصعيد الحالي للمس بمقدراتها وكوادرها العسكرية، لاسيما أن سقف ردِّ حماس العسكري وغايته عودة الوضع في القدس إلى ما كان عليه في السابق. كما أن تحول المواجهة الحالية إلى مواجهة واسعة على غرار حرب 2014، التي تعمدت إسرائيل خلالها المس على نطاق واسع بالبنى التحتية والتجمعات السكانية الفلسطينية، سيولِّد الحاجة بعد انتهائها، إلى مشاريع إعادة إعمار فضلًا عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية سوءًا في القطاع وتقلص من هامش الحركة السياسي للحركة وحكومتها.

من هنا، فإنه من غير المستبعد أن تنجح جهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والأمم المتحدة حاليًّا في تطويق المواجهة ووضع حدٍّ لها. ولكن ما يجب أخذه بالاعتبار أن أطراف التصعيد تسعى للخروج منه بشروطها. بالنسبة للطرف الإسرائيلي، فهو معني برفع التكلفة البشرية لدى الطرف الفلسطيني، بتكثيف ضرباتها على القطاع، لتعزيز سياسة الردع التي يعتمدها في عقيدته الأمنية، وكذلك عدم تكريس أو الاعتراف بأية معادلة جديدة في الصراع خاصة تلك التي تربط غزة بالقدس. في حين أن هذه الأخيرة هي غاية حماس والفصائل في غزة، وستعتبر تراجع إسرائيل عن إجراءاتها بخصوص القدس نصرًا لها، وسواء نجحت المقاومة في أن تجعل ضمن شروط الهدنة المتوقعة تعهد إسرائيل بالتخلي عن تهويد القدس أم لا، فإن التحول الجديد هو أن إسرائيل ستأخذ في المستقبل بعين الاعتبار أن أية إجراءات قادمة لتهويد القدس قد تؤدي إلى احتجاج الفلسطينيين في غزة والضفة وداخل إسرائيل واحتمال أن تجدد المقاومة الفلسطينية شنَّ هجمات صاروخية للدفاع عن القدس، ويقد ينشأ بذلك ميزان ردع جديد يقيد تصرفات إسرائيل في القدس.

————————–

تل أبيب تحت الصواريخ..من يدفع الثمن الباهظ؟

قصفت كتائب “القسام” فجر الأربعاء، مدينة تل أبيب ومطار بن غوريون بمئة صاروخ، رداً على استهداف الاحتلال الإسرائيلي للأبراج السكنية في غزة، وذلك للمرة الثانية بعد صلية صواريخ أولى أطلقت خلالها “القسام” 130 صاروخاً على تل أبيب ومحيطها.

قُتلت إمرأة إسرائيلية وأصيب 26 آخرين بينهم إثنان إصابتهما خطيرة، إثر القصف الصاروخي الذي نفذته المقاومة مساء الثلاثاء، واستهدف تل أبيب.

وقالت “كتائب القسام” في بيان: “الآن وتنفيذا لوعدنا.. كتائب القسام توجه ضربة صاروخية هي الأكبر لتل أبيب وضواحيها ب130 صاروخاً رداً على استهداف العدو للأبراج المدنية”.

وبثّت وسائل إعلام إسرائيلية ومنصات مقاطع مصورة لدوي صفارات الإنذار في مدن مختلفة بينها تل أبيب وعسقلان، بالإضافة إلى إطلاق القبة الحديدية عشرات الصواريخ لاعتراض رشقات صاروخية كبيرة أطلقتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة.

كما نشرت منصات إسرائيلية مقاطع مصورة جديدة وثقت احتراق حافلة إسرائيلية بالكامل عقب إصابتها بصاروخ بشكل مباشر أطلق من غزة، وسقط في مدينة حولون قرب تل أبيب.

    תיעוד: כך נראה האוטובוס שספג פגיעה ישירה בחולון. צילום: אבשלום ששוני pic.twitter.com/KjpeQDX0dq

    — מעריב אונליין (@MaarivOnline) May 11, 2021

وتوعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة بدفع “ثمن فادح”، على خلفية قصفٍ صاروخي غير مسبوق طال تل أبيب. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي: “نحن في خضم معركة، بالأمس واليوم هاجم الجيش الإسرائيلي المئات من أهداف حماس والجهاد”.

وأضاف نتنياهو “قضينا على العشرات من القادة بمن فيهم كبار القادة، وهدمنا المباني والأبراج التي كان يستخدمها الإرهابيون، وسنواصل الهجوم بكل قوتنا”.

من جانبه، قال غانتس إن هناك الكثير من الأهداف في قطاع غزة، “هذه مجرد بداية”، مضيفاً أنه يعرف “الساحة الغزاوية”، وأن فصائل المقاومة فيها “تضررت بقوة وستواصل التضرر بسبب قرارهم إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل”.

بدوره، قال كوخافي إن الجيش الإسرائيلي قصف أكثر من 500 هدف في غزة، “تضمنت مواقع تصنيع أسلحة”، مضيفاً “ضربنا وقتلنا العشرات من الناشطين، بينهم قادة، ودمرنا مبان وبنى تحتية. على الجانب الآخر في غزة الواقع صعب”. وهدد كوخافي بتوسيع المعركة في قطاع غزة حال اقتضت الضرورة، وبجعل حركتي “حماس” والجهاد” تدفعان “ثمناً غير مسبوق”.

وبحسب القناة “13” الإسرائيلية، فقد أطلقت فصائل المقاومة في غزة 630 صاروخاً، امتد مداها من الجنوب وصولا إلى منطقة تل أبيب.

وخلّف القصف الصاروخي حتى الآن 3 قتلى، منهم اثنان في عسقلان (جنوب) وثالث في مدينة “ريشون لتسيون” (وسط)، إضافة إلى 26 جريحاً بينهم إصابات وصفت بالحرجة. وفي المقابل، استشهد 31 فلسطينياً جراء غارات إسرائيلية عنيفة متواصلة على قطاع غزة.

وقال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية مساء الثلاثاء، إن “القدس رسخت ميزان قوة جديداً داخلياً وخارجياً”؛ مؤكداً أن “المقاومة جاهزة” إذا أرادت إسرائيل “التصعيد”. وكشف عن اتصالات تلقتها حركته من أطراف لم يحددها، لإنهاء التصعيد في قطاع غزة. وقال إن حركة حماس “تلقّت عدة اتصالات مع قادة ومسؤولين في المنطقة تطالب بالعودة للهدوء”.

وأوضح هنية أن حماس ردّت بأن “الذي أشعل النار في القدس والأقصى هو الاحتلال، وبالتالي هو المسؤول عن كل التداعيات والتفجير الحاصل في القدس والضفة وغزة”. وأضاف أن “الشعب الفلسطيني حقق النصر في معركة الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى”. وتابع: “شعبنا الفلسطيني توحّد بكل مكوناته وتياراته في هذه المعركة، ووقف للدفاع عن المقدسات، وأرغم الاحتلال أن يدفع بمستوطنيه بعيدا عن المسجد الأقصى”.

وفي إشارة للصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية باتجاه إسرائيل، قال هنية: “غزة لبّت النداء، وما كان لها أن تتأخر عن القدس وعن المسجد الأقصى”. وشدّد على أن “معادلة استفراد الاحتلال بالقدس واستباحتها لم تعد مقبولة علينا كشعب ولا كمقاومة (..) فالعدو يحاول أن يبقي غزة بعيدة عن معادلة الصراع”.

وأكد هنية أن “معادلة ربط غزة بالقدس ثابتة ولن تتغير، فعندما نادت القدس لبت غزة النداء”. وأضاف “قررنا أن نستمر ما لم يوقف الاحتلال كل مظاهر العدوان والإرهاب في القدس والمسجد الأقصى المبارك”.

وفي السياق، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن دعمها “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحق الفلسطينيين في العيش بسلام”، مشيرة إلى “أسفها لوقوع خسائر بشرية بين الإسرائيليين والفلسطينيين بسبب التصعيد بين الطرفين”. ودعا المتحدث باسم الوزراة نيد برايس “جميع الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية إلى ضبط النفس والتزام الهدوء”.

وحذّر المنسق الأممي الخاص لعملية السلام بالشرق الأوسط تور وينسلاند من انجراف إسرائيل وفلسطين “إلى حرب شاملة”. وقال في تغريدة: “أطفئوا النار فوراً، فإننا ننجر نحو حرب شاملة”. وأكد أن كل الأطراف تحمل مسؤولية خفض التوتر، مبيناً أن “الشعب يدفع ثمن الحرب التي تؤدي إلى الدمار في غزة”.

—————————

الجامعة العربية تشكل لجنة..وقطر تدين العدوان على القدس وغزة

طلبت جامعة الدول العربية من المحكمة الجنائية الدولية المضي قدماً في تحقيقها بشان جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وقررت جامعة الدول العربية الثلاثاء خلال اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، تشكيل لجنة وزارية عربية لمتابعة التحرك العربي ضد السياسات والإجراءات الإسرائيلية “غير القانونية” في مدينة القدس، وذلك على خلفية التطورات والمواجهات الأخيرة.

وقرر المجلس تشكيل لجنة وزارية عربية من كل من: الأردن، السعودية، فلسطين، قطر، مصر، المغرب، للتحرك والتواصل مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول المؤثرة دوليا، لحثها على اتخاذ خطوات عملية لوقف السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة.

وقال وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أوقع شهداء وجرحى أطفال ومدنيين، اعتداء إجرامي مدان ومرفوض، ويساهم في تأزيم الأوضاع ويصب مزيداً من الزيت على نار الاوضاع المشتعلة في القدس المحتلة.

وانطلقت الثلاثاء، الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب، لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على القدس المحتلة. وترأس الاجتماع دولة قطر، الرئيس الحالي لمجلس الجامعة.

وقال الوزير القطري إن “مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى  يشهدان حملة تصعيدية شرسة تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تتمثل في ارتفاع وتيرة التهويد والاستيطان لتصل إلى مرحلة لا يمكن وصفها إلا بالتطهير العرقي ضد الفلسطينيين وكل ما هو غير يهودي”.

وأضاف “ليست المسألة عملية تملك فردي لبعض المنازل في حي الشيخ جراح بل هي حلقة ضمن مخطط تنفذه الجمعيات الاستيطانية الراديكالية في الأحياء العربية وتعتبره فريضة دينية ووطنية لاقتلاع العرب والحلول مكانهم، وذلك بدعم من الحكومة الإسرائيلية وحتى القانون الإسرائيلي”.

ولفت إلى “قيام إسرائيل منذ قرارها ضم القدس بعمليات استيطان وتهويد واسعة، فلم يبقَ إلا الحرم القدسي الشريف الذي يريدوننا أن نعتاد على اقتحام المستوطنين له واعتدائهم على المصلين فيه تحت حماية السلاح”.

وقال إن دولة قطر “تدعو الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ككل بأن يواجه هذا النهج العنصري المقيت والمستمر منذ عقود ضد المقدسات والشعائر الدينية الإسلامية والمسيحية كذلك، وتبدأ هذه المواجهة بوقف كافة أشكال الدعم لقوات الاحتلال الإسرائيلي”. وأضاف أن قطر “تعوّل على هذا الاجتماع لإعلان موقف عربي موحد وفاعل من أجل وقف هذه الاعتداءات والانتهاكات”.

من جهته، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن اجتماع الجامعة اليوم “ليس فقط لإدانة ما يجري في القدس المحتلة، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة بوجه عام، ولكن لنبعث برسالة واضحة للعالم بأن الوضع في فلسطين غير قابل للاستمرار على هذا النحو”.

وأضاف أن “الهدوء، الذي طالما ادعى الاحتلال وجوده ليس إلا هدوًء على السطح، يخفي تحته عناصر لانفجار وتصعيد لن تقف آثاره عند حدود المنطقة. وقد أرينا بالأمس فقط كيف يمكن أن يؤدي التصعيد الإسرائيلي إلى هجمات عشوائية منفلتة لا تعكس سوى الرغبة في استعراض القوة وتسجيل النقاط السياسية في الداخل على حساب دماء الأطفال في غزة”.

وتابع أبو الغيط أن “ما شهدناه هو -بكل وضوح وصراحة- استفزاز مفتعلة من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي طاول أقدس المقدسات الإسلامية، وفي أقدس الأشهر لدى المسلمين”.

وأكد الأمين العام أنه “خلال الأسابيع الماضية، لم تكن هناك واقعٌة واحدة بدأ فيها العنف من الجانب الفلسطيني”، مضيفاً أنه “لم تكن هناك حادثة واحدة بادر فيها الفلسطينيون إلى الاستفزاز أو التصعيد”.

ورأى أبو الغيط أن “الانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية كلها لا تجري في فراغ، فنحن أمام حكومة صارت خاضعة بالكامل لأجندة ُعتاة المستوطنين، وُغلاة المتطرفين من الأحزاب الدينية في إسرائيل”.

بدوره، قال وزير الخارجية المصرية سامح شكري إن “مصر تعلن رفضها التام واستنكارها لتلك الممارسات الإسرائيلية الغاشمة، وتعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي، وتقويضاً لفرص التوصل إلى حل الدولتين، وتهديداً جسيماً لركائز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وأكد شكري أن “انتهاك حرمة المسجد الأقصى في هذه الأيام المباركة، وبهذه الطريقة، يُعد استفزازاً لمشاعر المؤمنين في كل العالم الإسلامي، فالشعوب لا تنسى”.

وقال: “لعل في هذا الالتفاف وراء أهل القدس في هذه الأيام العصيبة ينفي تماماً أي مقولات تدعي أن الشعوب العربية لم تعد تهتم بالقضية الفلسطينية، كما أن في اجتماعنا اليوم في بيت العرب، ما يدحض هذا الادعاء”.

وأشار شكري إلى أن بلاده “تحركت بشكل مكثف خلال الأيام القليلة الماضية، فقامت بنقل رسائل إلى إسرائيل وكافــة الدول الفاعلة والمعنية لحثها على بذل ما يمكن من جهود لمنع تدهور الأوضاع في القدس، غير أننا لم نجد الصدى اللازم”. غير أنه لفت إلى أن “مصر لا تزال تجري اتصالاتها المكثفة مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة من أجل ضمان تهدئة الأوضاع في القدس”.

وفي السياق، تسلّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الثلاثاء، رسالة خطية من الرئيس الأميركي جو بايدن. وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيان، إن رسالة الرئيس الأميركي “تناولت آخر التطورات السياسية والأوضاع الراهنة والعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ودولة فلسطين”.

من جهة ثانية، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي الثلاثاء، الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وغزة وأراضي ال48 إلى التوحد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وقال في سلسلة تغريدات باللغة العربية: “الفلسطينيون، سواء في غزة أم في القدس أم في الضفة الغربية وسواء كانوا في أراضي 1948 أو في المخيمات، يشكلون بأجمعهم جسداً واحداً”.

وأضاف “ينبغي أن يتجهوا إلى استراتيجية التلاحم، بحيث يدافع كلّ قطاع عن القطاعات الأخرى، وأن يستفيدوا حين الضغط على تلك القطاعات من كل ما لديهم من مُعدّات”.

    الفلسطينيون، سواء في #غزة أم في #القدس أم في الضفة الغربية وسواء كانوا في أراضي 1948 أو في المخيمات، يشكلون بأجمعهم جسداً واحداً، وينبغي أن يتجهوا إلى #استراتيجية_التلاحم، بحيث يدافع كلّ قطاع عن القطاعات الأخرى، وأن يستفيدوا حينَ الضغطِ على تلك القطاعات من كل ما لديهم من مُعدّات.

    — الإمام الخامنئي (@ar_khamenei) May 10, 2021

بدوره، هاجم وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الثلاثاء، إسرائيل بسبب استخدامها العنف ضد الفلسطينيين في المسجد الأقصى بالقدس. وقال ظريف في تغريدة، إن “الهجوم على المسجد الأقصى وقتل المصلين أكبر دليل على الطبيعة العنصرية الإجرامية للكيان الغاصب الذي كان دائما السبب الرئيسي لانعدام الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وتابع أن “هناك حلاً وحيداً عادلاً للقضية الفلسطينية.. يتمثل في إحالتها إلى إرادة أبناء هذه الأرض والاحتكام إلى استفتاء شعبي يحدد مستقبلها ومصيرها”. وأكد وقوف إيران “دائما وأبدا إلى جانب الفلسطينيين، داعمة لقضيتهم محتضنة لمطالبهم، مؤيدة لمقوماتهم الشرعية”.

————————–

الشيخ جراح يقاوم..ويكسب تعاطفاً أوروبياً-أميركياً

زار قناصل دول أوروبية حي الشيخ جراح في القدس لمعاينة وضع الأسر الفلسطينية المهددة بالطرد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ظل رفض فلسطيني قوبل بعنف من الاحتلال.

وعقد ممثلون من الاتحاد الأوروبي لقاء مع العائلات الفلسطينية استمعوا خلاله إلى شكاوى تلك العائلات، والأوضاع التي يعيشونها تحت تهديد السلطات الإسرائيلية.

وطالب الفلسطينيون ممثلي الاتحاد الأوروبي بالضغط على إسرائيل لوقف سياسات إخلاء البيوت وإجلاء سكانها أو هدم البيوت العربية داخل القدس المحتلة.

وقالت قناة “الجزيرة” إن هناك نوعاً من الارتياح لدى السكان لهذه الزيارة، لكن التهديد ما زال سيفاً مسلّطاً على رقابهم لأن إسرائيل لم تتخذ قراراً بعد بإلغاء قرارات الإخلاء، وإنما أجّلت الجلسة التي كانت مقررة للمحكمة العليا شهراً وذلك تحت الضغط الدولي.

ويسود التوتر في حي الشيخ جراح وسط القدس المحتلة عقب تهديد القوات الإسرائيلية عدداً من العائلات المقدسية بإخلاء منازلها لمصلحة جمعيات استيطانية.

وكان من المقرر أن تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية الخميس، قراراً نهائياً بخصوص إجلاء 4 عائلات فلسطينية من الحي لمصلحة مستوطنين يدّعون ملكيتهم للأرض إلا أنها أعلنت تأجيلها مدة شهر. وحتى اللحظة تلقّت 12 عائلة فلسطينية في الحي قرارات بالإخلاء صدرت عن محكمة الصلح والمحكمة المركزية الإسرائيليتين.

وطالب أهالي الحي، الأوروبيين بخطوات عملية مثل فرض عقوبات على إسرائيل إذا ما استمرت في انتهاكها حقوق الفلسطينيين.

وكان المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند قد عبّر عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة المتعلقة بطرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح وأحياء أخرى في القدس الشرقية المحتلة، وحثّ إسرائيل على وقف عمليات الهدم والإخلاء بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.

ووصفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية ما يجري في حي الشيخ جراح من محاولة طرد فلسطينيين من بيوتهم بأنه يظهر “وقاحة مشروع إسرائيل الاستعماري”. وأشارت إلى أن الشيخ جراح تحول بشكل عملي إلى “ساحة حرب”، حيث يقوم مستوطنون مسلحون تحت حماية الشرطة الإسرائيلية بترويع وإرهاب السكان الفلسطينيين، وهم نفس المستوطنين الذين يريدون طرد العائلات الفلسطينية.

فقد أصبح حي الشيخ جراح النقطة الأخيرة المشتعلة في المشروع التوسعي الإسرائيلي. والتهديد بالإخلاء هو جزء مما يسميه الفلسطينيون “نكبتهم المستمرة”، وذلك لأن طرد ما نسبته 80 في المئة من سكان فلسطين التاريخية الأصليين في الفترة ما بين 1947 و1949 لم يكن حدثاً واحداً، فهو الواقع الذي شاهدناه في الخان الأحمر وعراقب قبل ذلك، وبهذه الطريقة تم توطيد كل مستوطنة من تل أبيب في عام 1948 إلى معاليه أدوميم وغفعات حماتوس في الضفة الغربية..

فلا يزال المشروع الاستيطاني الصهيوني مستمرا ويعمل على طرد الفلسطينيين واستخلافهم بيهود- صهاينة.

وسألت في ختام المقال: “متى سيفتح العالم عينيه على هذا الظلم ويرد بطريقة مناسبة؟ ولا نريد الكلام الفارغ عن الجانبين، بل نريد تضامنا للتخلص من الأبارتايد”.

من جهته، قال موقع “ذا هيل” الإخباري الأميركي إن الغضب في أوساط الديمقراطيين الأميركيين يتصاعد إزاء تصرفات إسرائيل في المنطقة. وذكر في تقرير لكاتب عمود البيت الأبيض بالموقع نيال ستانادج، أن جيلاً سابقاً من الديمقراطيين كان يميل بشدة إلى فكرة أن إسرائيل حليف قوي للولايات المتحدة، كما كان انتقاد واشنطن لتل أبيب خافتاً حد الصمت أو معدوماً وغالباً ما كانت هي نفسها بمثابة الحصن الذي يحمي إسرائيل ضد اللوم والانتقاد الدوليين.

لكن من المرجح أن يكون التقدميون الصاعدون اليوم أكثر ميلاً لعقد مقارنات بين محنة الشعب الفلسطيني والظلم الذي مورس على السود الأميركيين، أو مقارنة مواقف إسرائيل وسلوكها بما عرفته حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وذكر الموقع أن 3 من كبار الشخصيات في اليسار الأميركي أدانت خلال عطلة نهاية الأسبوع ما جرى بالمسجد الأقصى وحي الشيخ جرّاح بالقدس وفي غزة، وهم كل من السيناتور الاشتراكي الديمقراطي بيرني ساندرز، والنائبتان الديمقراطيتان بمجلس الشيوخ إليزابيث وارين وألكساندريا أوكاسيو كورتيز.

ولم يكن هذا النوع من الانتقادات الصريحة للسلوك الإسرائيلي حكراً على اليسار المتشدد فقط حيث غرد السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن بدوره الأحد، معتبراً أن مساعي إسرائيل لإخلاء حي الشيخ جراح قسراً سيكون بمثابة انتهاك للقانون الدولي، محذرا البيت الأبيض من أن “هذه اللحظة ليست وقت التصريحات الفاترة”.

ويرى الموقع الأميركي أن انتقاد إسرائيل بسبب تجاوزاتها في غزة والقدس المحتلة قد يزداد حدة مع مرور الوقت لكن من المستبعد أن يكون لذلك تأثير على سياسة إدارة بايدن التي تفاعلت مع الأزمة الحالية من خلال تصريحات يرجح أنها لن تُرضي منتقدي إسرائيل من الديمقراطيين.

ويرى “ذا هيل” أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يبدو أنه قد يتأثر سلباً بما يجري حالياً، خاصة أن الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي يضم هو أيضاً أصواتاً مؤيدة بشدة إسرائيل.

فقد انتقدت النائبة عن ولاية نيويورك ريتشي توريس حركة “حماس” بسبب هجماتها الصاروخية، قائلة إن هذه الهجمات “تؤكد الحاجة لمنظومات دفاع صاروخي، مثل القبة الحديدية التي تحمي المدنيين الإسرائيليين -عرباً ويهوداً- من إرهاب حماس”.

لكن بالرغم من تصريحات كهذه يقول الموقع إن هناك مؤشرات واضحة وفي تزايد من داخل الحزب الديمقراطي بأن إسرائيل لم تعد قادرة على الاعتماد على الحزب للحصول في كل مرة على دعم فوري، وهذا في حد ذاته “تغيير كبير” قد يتردد صداه لسنوات مقبلة.

————————-

ميا خليفة تدعم فلسطين.. وتنتقد أميركا

انتقدت النجمة الاميركية من أصل لبناني، ميا خليفة، الدعم المالي الأميركي لاسرائيل، وأعلنت تضامنها مع الفلسطينيين واصفة ما يتعرضون له بأنه “جرائم ضد الانسانية”.

وقالت ميا في تغريدة لها في “تويتر” ان ما تشاهده من صور من فلسطين هو “جرائم ضد الانسانية تمولها الولايات المتحدة بـ3.8 مليار دولار سنوياً”.

    All I see are crimes against humanity that the United States is funding with an annual $3.8B. #freepalestine 🇵🇸 pic.twitter.com/X9hy7uSv2d

    — Mia K. (@miakhalifa) May 10, 2021

ونشرت أربعة صور تظهر أطفالاً فلسطيين قبالة مجموعة من الجنود الاسرائيليين، وصورة جندي اسرائيلي يثبت قدمه على بطن طفلة فلسطينية، وطفل فلسطيني مقتول ورفع والده جثته، كذلك صورة مُصَلٍّ فلسطيني في المسجد الأقصى محاطاً بثلة من جنود الاحتلال.

وانتقدت خليفة أيضاً حظر “انستغرام” لصورة نشرتها بسبب خرق قوانين التطبيق، كما أعلنت تضامنها مع عارضة الأزياء الأميركية من اصل فلسطيني، بيلا حديد، التي عبرت عبر سلسلة قصص في “إنستغرام”، عن حزنها تجاه الأحداث الأخيرة التي تواجهها العائلات الفلسطينية داخل حي الشيخ جراح بالقدس.

وروّجت ميا، التي تحظى بمتابعة 23,7 مليون شخص في “انستغرام”، لملصقات الدعوات إلى مسيرة احتجاجية في لوس أنجيليس، في 15 أيار/مايو الجاري، تحت عنوان “احتجاجاً على النكبة 73: مقاومة حتى التحرير”، وهاشتاغ “حياة الفلسطينيين مهمة”. 

وميا خليفة، وهي معلّقة رياضية الآن بعدما كانت في السابق نجمة افلام اباحية، ظهرت مساء الاثنين في بثٍ حي ومباشر عبر تطبيق “إنستغرام” دعماً لفلسطين ولإنقاذ حي الشيخ جراح من التهويد. وأشاد ناشطون بمشاركة خليفة في البث ومساهمتها في نقل الصورة الحقيقة لما يجري في فلسطين لمتابعيها في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكشفت خليفة تعرضها للتضيق من قبل سياسة تطبيق “إنستغرام”، بعد محاولتها نشر مقاطع فيديو تظهر وحشية قوات الاحتلال الإسرائيلي مع الشعب الفلسطيني.

وأشارت الى أن التطبيق يمنعها من نشر أي فيديو يتعلق بفلسطين والشعب الفلسطيني وما يجري في حي الشيخ جراح، وبأن سياسة التطبيق تؤكد تواطؤه مع الاحتلال.

وأشار مغردون الى أن خليفة حاولت تسجيل موقف إيجابي اتجاه ما يجري في فلسطين في وقت التزم فيه عدد من المشاهير والمؤثرين العرب، الصمت، خوفًا، أو بحجة أنهم لا يتعاطون الشؤون السياسية.

—————————-

الشيخ جراح: موجة جديدة من الانتفاضات العربية؟/ شادي لويس

هل يصح لنا أن ننسب احتجاجات الشيخ جراح إلى موجة ثالثة من الربيع العربي؟ أم أن الموجة الثانية التي قاطعها الوباء، لم تنتهِ بعد حتى يبدأ غيرها؟ ولماذا نحتاج في الأساس إلى تلك المرجعية؟ أليس للاحتجاجات الفلسطينية دوراتها المستقلة، السابقة على الربيع العربي بعقود، بل والملهِمة له؟ لا تخلو الاستعارات “الموجية” من اختزال يسعى إلى فرض بنية مبسطة للتقسيم التاريخي، أو علاقة عضوية بين الأحداث، علاقة خطية تتقدم نحو الأمام. فالموجة في جزء منها، منتج لإلحاح أيديولوجي استهلاكي، يسعى إلى إنتاج موجات جديدة من كل شيء، من البضائع والموضات والنظريات، حتى الحركات الاحتجاجية.

إلا أن البلاغة الفارغة للموجة، وللرمزيات السياسية لفصول السنة، لا ينبغي أن تصدنا عن فحص العلاقة بين احتجاجات القدس وبين انتفاضات شهدتها الجزائر والسودان وقبلهما لبنان. فحص غير معني بفصل الأصل عن الفروع، أو بتحديد أواصر النسب، بل بالتشابهات والتماثلات الظرفية والمتعلقة بالسياق. تذكرنا احتجاجات الشيخ جراح بالانتفاضة الثانية، فشرارة الانطلاق من القدس، والشعور الفلسطيني العام بانغلاق الأفق، هي عوامل مشتركة بين الإثنين بلا شك. والانتفاضة الثانية امتداد للأولى بأشكال الكثيرة، الصِّلة الجامعة بينهما تكمن على الأقل في ذاكرة مشتركة عابرة للسنين، ومتجاوزة للتقسيمات التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين، في الداخل والشتات، وبين داخل وداخل آخر. إلا أن تلك الصِّلة، على متانتها، تحمل قطيعتها داخلها. فعبر عقدين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، تغير الواقع الفلسطيني بشكل جذري، الفصل شبه النهائي بين الضفة وغزة أصبح أمراً واقعاً كانقسام القيادة الفلسطينية، ترسيخ التعاون الأمني مع السلطة في رام الله، وفي المقابل تأكيد وضع القطاع كمعسكر ضخم للعقاب.

بالقدر نفسه، شهدت المنطقة بأكملها تحولات عميقة، لا حاجة إلى إعادة سردها. وفي العام الأخير، قادت سلسلة من عمليات التطبيع الرسمية مع إسرائيل، إلى تحول غير مسبوق في الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية. فإلقاء اللوم على القيادات الفلسطينية وتشويه الفلسطينيين عموماً، لطالما كانت أدوات تكتيكية وظّفتها الأنظمة العربية لمواءمة المزاج الشعبي مع تحولات سياساتها الخارجية. إلا أن الخطابات التطبيعية الأخيرة تذهب أبعد من هذا، بنبذ القضية إجمالاً ونفي عدالتها، لا مجرد الاكتفاء بلوم أصحابها.

تأتي احتجاجات الشيخ جراح في هذا السياق المغاير، وكعرض مركّب له، كاشفة عن الخصائص التي تتشاركها مع الانتفاضات العربية. فغياب القيادة السياسية، ولامركزية الحراك أو تعدد مراكزه المحلية، ليس مجرد علامة على العفوية. فالقيادة الفلسطينية حاضرة في الحقيقة وحضورها ثقيل في ظل الانقسام، إلا أن الاحتجاجات تتحرك بمعزل عنها، بل وربما على الرغم منها وضدها، ولو بشكل ضمني. ومن اللافت للنظر في هذا الخصوص، هو الدور المتزايد التي يلعبه فلسطينيو الداخل في الاحتجاجات الأخيرة، والفئات العمرية الأصغر سناً منهم على وجه التحديد. الاعتماد المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي في الحشد والتنظيم والتوثيق والدعاية وتدوير الرسائل، يؤكد على الدور الجوهري للصورة وللرقمي وللشبكي، وكذا تكشف عن حدود هذا كله وهشاشته، كما حدث في الانتفاضات العربية القريبة. ومع أن الوسائل الرقمية أثبتت فاعليتها الرمزية، فإن الترويج السياسي يشهد رقابة غير مسبوقة من قِبَل المنصات الرقمية. أما الانتصارات المحققة عبرها، فتظل في معظمها معنوية وتكتيكية ومؤقتة. ففي ظل الاختلال الهائل في ميزان القوى، لا يمكن تمني أكثر من هذا. وبالتبعية، تصدت إسرائيل للضغط، باللعب على عامل الوقت، في تذكير بعودة الأنظمة العربية من بوابة الثورات المضادة بعد امتصاصها للانتفاضات الجماهيرية.

وثمة سبب آخر لتضمين الشيخ جراح في سياقها الاحتجاجي العربي. فتجاوز التقسيمات الفاصلة بين الفلسطينيين، جاء مصحوباً بتواصل مع جمهور إقليمي أوسع، هو في معظمه جمهور الانتفاضات العربية. لا يأتي هذا التواصل عبر وسائل الإعلام، كما في الماضي، أو من خلال الحكومات العربية أو الأحزاب السياسية المعارضة، بل بتواصل مباشر، جماعي وفردي، عابر للحدود، داخل الوطن العربي وفي المهجر، عبر شبكة من العلاقات الافتراضية التي تطورت في معظمها خلال عقد الانتفاضات العربية. لا يعني هذا حكماً بالنجاح أو الفشل، ولا توقعاً للمآلات، بل ببساطة هو إقرار بأن الثورات التي هزت منطقتنا قبل عشرة أعوام، لم يُغلَق بابها بعد.

————————-

القدس كشفت الجميع/ خيرالله خيرالله

يكشف تجدّد رفض الفلسطينيين الأمر الواقع الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه في القدس أمورا عدّة. في مقدّم هذه الأمور، بعيدا عن المزايدات والشعارات الفارغة وصواريخ “حماس” المضحكة المبكية، أنّ الشعب الفلسطيني موجود ولا يزال يقاوم. ليس في استطاعة أيّ جهة إلغاء الشعب الفلسطيني. هذه باختصار عبارة تختزل كلّ ما جرى وما زال يجري، خصوصا في القدس.

ما تشهده القدس من دفاع للمواطنين الفلسطينيين عن بيوتهم وأرضهم في حي الشيخ جراح يؤكّد الحاجة إلى تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار حقوق شعب موجود على خريطة الشرق الأوسط. لا بدّ في نهاية المطاف من خيار الدولتين مع ما يعنيه ذلك من قيام دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقيّة المحتلّة في العام 1967.

كشف الفلسطينيون الذين هبّوا لنصرة حيّ الشيخ جرّاح والقدس بمقدساتها المسيحية والإسلاميّة كلّ من ادّعى المتاجرة بقضيتهم. كشفوا قبل كلّ شيء السلطة الوطنيّة الفلسطينية التي تذرّع رئيسها محمود عبّاس (أبومازن) بالقدس من أجل تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى أجل غير مسمّى. تغطّى بالقدس لتأجيل الانتخابات بعد رفض إسرائيل مشاركة أهل المدينة فيها. يبدو أن إسرائيل صارت تقرّر هل تجري انتخابات فلسطينية أم المطلوب تأجيل مثل هذه الانتخابات. هذه هي نقطة الضعف الرئيسية في منطق السلطة الوطنيّة. كلّ ما في الأمر أن “أبومازن” اكتشف أن “فتح” لن تفوز في الانتخابات وأن لائحة “فتح” ستواجه منافسة من لائحتين فتحاويتين أيضا هما لائحة ناصر القدوة ولائحة محمّد دحلان.

كشفت القدس “حماس” التي أخذت قطاع غزّة رهينة، وحوّلته سجنا في الهواء الطلق لمليوني فلسطيني. سارعت “حماس” إلى نجدة إسرائيل وذلك بإطلاق صواريخ من غزّة. لا نفع لهذه الصواريخ في الوقت الحاضر سوى خدمة إسرائيل التي تبحث عن عدوّ خارجي تبرّر به سياسة الاستيطان وسياسة الاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية في القدس.

تسعى “حماس” إلى استغلال الثورة الشعبيّة على الاحتلال في القدس كي تؤكّد أنّها موجودة. نعم إن “حماس”، التي تنتمي إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، موجودة. لكنّها موجودة لانّ كلّ ما فعلته منذ تأسيسها صبّ في خدمة اليمين الإسرائيلي.

كشفت القدس أيضا إيران التي تحتفل سنويّا بـ”يوم القدس”. لم تستطع إيران في يوم من الأيّام تقديم خدمة إلى القدس وإلى الفلسطينيين باستثناء التهديد بإزالة الكيان الصهيوني في دقائق. كلّ ما فعلته “الجمهوريّة الإسلاميّة” هو إطلاق الشعارات والمزايدة على العرب. كلّ ما فعلته عمليا هو محاربة ياسر عرفات عن طريق “حماس” والعمليات الانتحارية التي نفّذتها في مرحلة معيّنة بهدف واضح كل الوضوح هو أخذ إسرائيل إلى اليمين أكثر. ليس صدفة أنّ بنيامين نتانياهو في موقع رئيس الوزراء منذ 12 عاما… ولا قضيّة لديه سوى القضاء نهائيا على خيار الدولتين!

الفلسطينيون يرفضون الأمر الواقع الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه في القدس

كشفت القدس إسرائيل حيث فراغ سياسي لا سابق له. لا همّ لدى الأحزاب الإسرائيلية، في معظمها، سوى التخلّص من “بيبي” الذي ضاقت أكثرية الإسرائيليين ذرعا به. يؤكّد ذلك تفضيل اليميني المتطرّف نافتالي بينيت التعاون مع الوسطي يائير لابيد على التعاون مع نتانياهو من أجل تشكيل حكومة جديدة. لا وجود في إسرائيل، التي أجريت فيها أربع انتخابات في سنتين، لقيادة سياسيّة قادرة على اتخاذ قرار في شأن التسوية مع الفلسطينيين. لا يوجد، إلى الآن، سياسي إسرائيلي يمتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأن الشعب الفلسطيني لن يختفي من الوجود بين ليلة وضحاها وأنّ لديه حقوقه “غير القابلة للتصرّف” باعتراف الأمم المتحدة.

الأكيد أنّ لا وقت للإدارة الأميركية الجديدة للاهتمام بالشأن الفلسطيني – الإسرائيلي. لم تقل الإدارة يوما بلسان أيّ مسؤول فيها إنّ هناك أولويّة لهذا الشأن. الإدارة منشغلة حاليا بأمور أخرى، بينها إيران والصين وروسيا، والأهمّ من ذلك كلّه الوضع الداخلي في الولايات المتحدة. من دون تحسّن الاقتصاد خلال أشهر ومن دون تقدّم كبير في مواجهة “كوفيد – 19” وآثاره ستخسر الإدارة مجلسي الكونغرس في انتخابات لا يفصل عنها سوى سنة ونصف سنة. هذا معناه أن إدارة بايدن ستتحوّل إلى بطة عرجاء لا أكثر. وهذا ما يشغل بال الرئيس الأميركي قبل أيّ شيء آخر.

ثمّة من سيسأل أين العرب؟ هناك عرب تستخدمهم إيران للمتاجرة بالقضيّة الفلسطينية تحت شعار “المقاومة والممانعة”. على رأس هؤلاء النظام السوري الذي لا يريد الاعتراف بأنّه انتهى وسيبقى يمارس هوايته المفضّلة، أي إعطاء كل التبريرات كي يكون الاحتلال الإسرائيلي للجولان أبديّا. وهناك عرب آخرون صادقون. ليس بين هؤلاء العرب من يريد بيع الفلسطينيين أوهاما… باستثناء أدوات إيران المنتشرة بشكل ميليشيات مذهبيّة في كلّ أنحاء المشرق العربي وصولا إلى اليمن!

من يسأل أين العرب، عليه أن يسأل نفسه أوّلا هل تركت إيران أيّ دولة عربيّة تهتم بفلسطين بعدما أفلتت ميليشياتها في المنطقة؟ لا توجد فضيحة أكبر من فضيحة ابتزاز المملكة العربيّة السعوديّة عن طريق اليمن وصواريخ الحوثيين… والسعي إلى إسقاط الحكومة العراقيّة برئاسة مصطفى الكاظمي عن طريق اغتيالات تنفّذها مجموعات ذات انتماءات معروفة كما حصل أخيرا في كربلاء.

ليس أمام الفلسطينيين سوى أخذ أمورهم بأيديهم. وهذا ما فعلوه. لا خيار آخر أمامهم بعد انكشاف الأمور إقليميا ودوليا وحتّى في الداخل الفلسطيني.

في نهاية المطاف، لا بدّ أن يأتي اليوم الذي سيتوجب فيه على إسرائيل مواجهة الحقيقة، بما في ذلك أن القدس الشرقيّة محتلّة وأنّ الاحتلال لا يمكن أن يستمرّ إلى الأبد. ما الذي يمكن لإسرائيل عمله، بكلّ جبروتها، في مواجهة ما يصل إلى ثمانية ملايين فلسطيني بين البحر والنهر، بين البحر المتوسّط ووادي الأردن، هذا عدا الفلسطينيين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم؟

عاجلا أم آجلا، لا مفرّ من أصوات عاقلة في إسرائيل نفسها، أصوات تعترف بأنّ لا مفرّ من التعاطي مع الواقع وأنّ القدس العربيّة كشفت الجميع. كشفت أنّها مدينة محتلّة تمتلك من يدافع عنها ومن يضع حدّا لجنون استمرّ طويلا، جنون غذّاه التطرف داخل إسرائيل وخارجها، أي ما يسمّى حلف المتطرّفين في المنطقة!

إعلامي لبناني

العرب

————————–

عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة…/ حازم صاغية

في مدينة القدس، في حيّ الشيخ جرّاح وباب دمشق، أو باب العامود، تُداس اليوم أنبل المعاني التي استقرّت عليها إنسانيّتنا. سكّان يُراد طردهم من أرضهم وإذلالهم وإهانة كلّ ما قدّسوه أو احترموه دفعة واحدة. هذا ما يغدو جائزاً لمجرّد أنّهم عرب ومسلمون. غيرهم، لأنّهم يهود، يصير من الجائز لهم أن يحلّوا محلّهم. القصّة لا تكتمل من دون بضع إضافات أساسيّة: إنّ المرتكبين مستوطنون لكنّهم محميّون بالقوّات الأمنيّة الإسرائيليّة. فوق هذا، هم ممثّلون في الحكومات الإسرائيليّة عبر أحزابهم المتطرّفة والمتعصّبة. بدورها، وفي الوقت نفسه، تعاني إسرائيل صعوبة التوصّل إلى حكومة جديدة تضع حدّاً لدوّامة الانتخابات المتعاقبة.

بلغة أخرى، لا يُراد فقط تحويل الفلسطينيّين أكباش محرقة للسعار الاستيطانيّ المتصاعد، بل يراد أيضاً تحويلهم أكباش محرقة لتأزّم كبير يضرب الحياة السياسيّة في إسرائيل نفسها، ويحضّ الأطراف الرديفة والموازية، أي المستوطنين، على المبادرة. شيء من الفاشيّة يقيم في هذه العلاقة التي يرعاها المأزوم بنيامين نتنياهو.

وصف أحوال القدس، وصراع الفلسطينيّين والمستوطنين ونتانياهو، لا يستدعي بالضرورة عصبيّة قوميّة ولا عصبيّة دينيّة. إنّه يستدعي فحسب انحيازاً أخلاقيّاً إلى أصحاب الحقّ من الضحايا أينما كانوا. إنّه يستدعي الولاء لقيمة المساواة بين البشر. واليوم، يُسجَّل للنخبة السياسيّة الإسرائيليّة أنّها تدفع بلدها إلى مكان طارد لكلّ حقّ، لكنّها تدفعه أيضاً إلى مكان يتزايد عدد الذين يخجلون بصداقته ويمسكونه بأطراف أصابعهم.

صحيح أنّ مقدّمات هذا السلوك كامنة في نشأة الدولة العبريّة والظروف التي أحاطتها، لا سيّما الحروب والطرد والتهجير الجماعيّين للفلسطينيّين. لكنّها مقيمة أيضاً في الثنائيّة الصعبة التي شاء معظم الإسرائيليّين الأوائل أن يقيموا عليها دولتهم: اليهوديّة والديمقراطيّة معاً وفي وقت واحد. هكذا تولّت يهوديّة الدولة، عاماً بعد عام، قضم ديمقراطيّتها. فالأولى، ككلّ تحديد دينيّ، تضيّق وتحوّل الاختلاف إلى تراتُب وإلى أسوار عازلة، فيما الثانية، بطبيعة تعريفها الكونيّ، تشمل الآخر وتوسّع وترى إلى الأفراد بوصفهم أفراداً وإلى المواطنين بوصفهم مواطنين متساوين.

الوجهة المعاكسة لتغلّب الديمقراطيّ على اليهوديّ لم يُكتب لها التحقّق. زمن الهويّات كرّس تلك الاستحالة، أمّا ترجمته في منطقتنا فكانت تصدّع السلام الفلسطينيّ – الإسرائيليّ بعد مصرع إسحق رابين ثمّ الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية. بعد ذاك دخلت إسرائيل في أزمة سياسيّة مستدامة كان من ثمارها ذاك التضخّم الشعبويّ الذي عبّر عنه زعيم تكتّل ليكود. لكنْ لا بدّ أن يضاف إلى ذلك كلّه استفحال الأجواء الطائفيّة والقمعيّة في الجوار العربيّ لإسرائيل. لنتخيّل، مثلاً، نتنياهو يتباهى – وهذا، بالمناسبة، ليس تخيّلاً محضاً: إنّني أعامل عَرَبي أفضل ممّا يعامل بشّار الأسد عربه. أهجّر مقدسيّين؟ هو هجّر نصف شعبه ما بين داخل البلد وخارجه وضربه بالسلاح الكيماويّ والبراميل. صدّام حسين قبله ضرب شعبه أيضاً بالكيماويّ…

في المقابل، تقع قضيّة عرب القدس على تقاطع عريض لقضايا عادلة: إنّها حقوق إنسانيّة تتّصل بالاقتلاع القسريّ للسكّان، وهي حقوق وطنيّة تتّصل بالاحتلال وبالإبادة السياسيّة لجماعة قوميّة، لكنّها إلى ذلك إحدى المعارك الدائرة اليوم عالميّاً ضدّ رُهاب الإسلام، كما أنّها واحدة من معارك السكّان الأصليّين، وهي أيضاً عالميّة النطاق، للبقاء في أرضهم ولتطوير ثقافتهم الخاصّة. فوق هذا، وفي مواجهة الحجج التي تسند حقّها إلى وعود دينيّة موغلة في القِدم، هي معركة عقل وتقدّم وتنوير. وفي مواجهة الآلة القمعيّة والتقنيّة، هي صراع الإنسانيّ ضدّ البربريّ.

هكذا، وبتلك المواصفات وسواها، لن يكون من الصعب على قضيّة المقدسيّين أن تخاطب ضمائر العالم، وأن تؤثّر في قرارات بعض الحكومات المؤثّرة في الغرب، وهي تفعل اليوم وإن ببطء لا يواكب حركة الحدث. وبالمعنى نفسه، فالهبّة تبقى قابلة للتطوير إلى مقاومة مدنيّة تخترع أدوات تنظيميّة خاصة بها، مقاومة سوف يصعب على من لا ينحاز إليها أن ينحاز ضدّها.

لكنّ طرفين متلازمين يتهدّدان تلك الصيرورة الواعدة: الصاروخ الذي يأتي من قطاع غزّة وصاروخ المبالغات الكلاميّة الظافرة، وبيروت وضاحيتها ومعهما دمشق وطهران أكبر منصّاته. هذان الصاروخان في وسعهما أن يقدّما الدعم الأكبر للمستوطنين اليهود ولنتانياهو، وأن يمنحا إسرائيل «فرصة» حرب أخرى مع غزّة تضيع فيها القدس وقضيّتها، فضلاً عن إرجاع الانتفاضة الراهنة مجرّدَ دورة أخرى من دورات المواجهة المكلفة والتي يستحيل على الفلسطينيّين، الضعفاء في أدوات القوّة، كسبها. فهناك طرفان لا غير يمكنهما أن يكسبا في هذه الحال: المستوطنون وحلفاؤهم في إسرائيل، وأنظمة الممانعة البارعة في استثمار الدم الفلسطينيّ. هذه المرّة ينبغي أن لا يُسمح لهم بذلك.

الشرق الأوسط

———————–

هؤلاء المشاهير وقفوا إلى جانب فلسطين

في فيديو “إسرائيل دولة أبارتهايد” وصف روجر ووترز عملية إجلاء العائلات الفلسطينية بأنها تشبه “ممارسات الإبادة الجماعية”.

آراء

هؤلاء المشاهير وقفوا إلى جانب فلسطين/ علي سعادة

ميزة الأحداث الكبيرة دائما أنها تغربل دائما المواقف، الغث من السمين، وتكشف عن حقيقة كل شخص.

وأكثر قضية تكشف ما يختبئ في العقول والنفوس هي فلسطين، إذ يكون المرء أمام ثلاثة خيارات:

– التزام الصمت والمتابعة وغالبا ما يكون قلبه مهموما ما ومقبوضا لما يجري في فلسطين لكنه لا يعرف كيف يعبر عن ذلك أو يخشى التعبير عنه،

– أو أن يعلن موقفه الداعم والمؤيد بشكل صريح ومفتوح دون مواربة وبكل صدق،

– أو أن يأخذ مقعده إلى جانب جنود وجنرالات وأحذية جيش العدو فيبرر له كل جرائمه ويتهم الضحية بكل ما يجري.

وهذا الأخير لا أمل يرتجى منه ولا يعول عليه فقد باع روحه للشيطان كما فعل “فاوست” في مسرحية غوته الشهيرة، ولن تنجح في إعادته إلى معدنه الأصلي وإلى جادة الصواب حتى لو أنفقت ما في الأرض جميعا.

ومن بينهم مغردون ونشطاء وإعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي غالبتهم من دول الخليج العربي، أراحوا أنفسهم من قضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين، وأسقطوا على فلسطين وشعبها كل ما في جعبتهم من خيانات وجبن ونفاق على فلسطين وشعبها.

وقضية حي الشيخ جراح في القدس والانتفاضة الرمضانية لأهالي القدس، تكشفت الغطاء عن أسماء كثيرة كبيرة لم يصدر عنها أي موقف أو أية إشارة داعمة لقضية العرب الأولى وقبلتهم الأولى وثالث المساجد التي تشهد إلهيا الرحال.

وبشكل عام لا بأس من وضع قائمة الشرف بأسماء من وقفوا إلى جانب فلسطين في محنتها الحالية ومن بينهم نجوم رياضة وفنانون ومبدعون وسياسيون عرب وأجانب، نذكر منهم:

عضو الكونغرس الأميركي ماري نيومان، محمد أبو تريكة، عصام الحضري، أحمد حسن، رياض محرز، أشرف حكيمي، فرانك ريبري، بول بوغبا، فريدريك عمر كانوتيه، محمود تريزيغيه، حمود عبد الرازق شيكابالا، أحمد حسن كوكا، هند صبري، أحمد مكي، محمد هنيدي، عمرو واكد، روجر ووترز، يوسف الشريف، إليسا، محمد عساف، شكران مرتجى، دوا ليبا، إسماعيل تمر، ناصيف زيتون، كندة علوش، درة، حمو بيكا، الشيف بوراك، بيلا حديد، أنور حديد، فيولا ديفيس، أحمد سعد، جورج وسوف، لينا هيدي، ألكسندرا ميراي، زياد عيتاني، تامر حسني، بسمة وهبة، حفيظ دراجي، حمادة هلال، فتحي عبد الوهاب، عمرو مصطفى، محمد رمضان، نوال الزغبي، كارول سماحة، راغب علامة وآخرون.

وفي فيديو غاضب للمغني البريطاني روجر ووترز عضو فرقة الروك “بينك فلويد” بعنوان: “إسرائيل دولة أبارتهايد”، وجه ووترز كلامه إلى الرئيس الأميركي جو بايدن قائلا “ما شعورك حين تكون في منزلك الذي تعيش فيه عائلتك منذ مئات السنين ثم يأتي أحمق ويقول: هذا منزلي. أنا مستوطن وسآخذ منزلك. هذا أمر لا يصدق”.

ووصف ووترز عملية إجلاء العائلات الفلسطينية بأنها تشبه “ممارسات الإبادة الجماعية”.

* علي سعادة كاتب صحفي أردني

المصدر | السبيل

——————————–

يُقال إن ما يجري في القدس هو البداية لزوال إسرائيل/ حسن منيمنة

“السؤال الذي لا جواب عنه في أوساط من يريد لإسرائيل الزوال، هو كيف يعتزمون أن يصرّفوا أعداد اليهود الذين يقطنون أرض فلسطين”

هل هي الرغبات، إذ تنتقي من الوقائع ما يمكنّها من نسج روايات تحاكي ما تاق إليه أصحابها دون جدوى، أم هل هي مناسبة استعادة بعض الوهج لمن جعل موضوع القدس شعاره فيما هو يقاتل “وكلاء إسرائيل” من أطفال درعا وحلب والموصل ومأرب؟ هو الدم الفائر دون شك، ومن حقّه أن يفور، غير أنه ليته لم يكن مقتصداً في فورانه يوم كان قادراً على درء الشر حيث اختار أن يتعامى عنه.

ما يجري في القدس من سعي إلى إخراج عائلات من منازلها يدعو إلى مطلق الإدانة. طرد الناس من ديارهم، مهما كانت الظروف والمبررات، أمر مرفوض أخلاقياً، وما لم تتوافر المعطيات القطعية التي تستوجبه، فإنه اعتداء على حقوق الإنسان. يضاف إليه هنا في الحالة المقدسية أنه لا يمكن الاطمئنان إلى خطوات السلطات الإسرائيلية، لما هي عليه من نية صريحة للاحتفاظ بكامل القدس، غربيها الإسرائيلي وشرقيها الفلسطيني المحتل، ولما عُهد منها من مجاراة المتشددين  اليهود في الاستيلاء على أملاك الفلسطينيين والاستقواء عليهم وإذلالهم.

الواجب إزاء المقدسيين المهددين بالطرد دون تحفظ هو الإقرار بحقوقهم وأولوية صون كرامتهم. وبأن الاعتداء على أي منهم هو عدوان على الإنسانية جمعاء. هي مبادئ لا تخفى عن العقلاء في إسرائيل نفسها، ولا يسع هؤلاء التزام الصمت أو الفتور في المواقف.

حجة المتشددين اليهود في سعيهم اختراق هذا الحي الفلسطيني هو أن بعض منازله كانت قبل عقود ملك لعائلات يهودية. ربما، وإن كانت الوثائق التي تجول حول هذه القضية تنفي تفاصيل عدة مزعومة.

ولكن، مهلاً. هل بالفعل يريد هؤلاء المستوطنون ومن يمولهم تحقيق سابقة أن المستندات التي تشير إلى ملكية ما، في زمن ما، تستوجب إعادة الأملاك إلى أصحابها الأوائل؟ هل إسرائيل ومحاكمها وعلاقتها الدولية قادرة على تحمل عاصفة الدعاوى القضائية من أصحاب العقارات والحقوق من الفلسطينيين، بناءاً على سابقة هذا الحي المقدسي؟ أم هل أن الأمر، قبل أن يخرج عن السيطرة، كان مراعاة وحسب، لأغراض التعبئة والولاء الانتخابي، لمطالب جماعات، عند الهامش العقائدي الإسرائيلي، من أصحاب مقولة “لنا، ولا نعبأ بغيرنا”.

ليست كل إسرائيل محكومة بهذه الذهنية. إسرائيل، كغيرها من الدول والمجتمعات، تضع ذاتها أولاً دون شك. و “الذات” هنا ملتبسة. هي يهودية، دون أن تحسم معنى اليهودية. وقانون يهودية الدولة، على ما ينضوي عليه من إشكالات وانزلاقات، لم يقطع في تعريف “اليهودية”.

هل هي اليهودية “الناموسية” الدينية، والتي يصرّ عليها رجال الدين؟ أو يهودية الولادة لأم يهودية دون اعتبار للدين؟ أو اليهودية الثقافية، القائمة على الانتماء والصفة الذاتية والولاء والقيم؟ الإسرائيليون منقسمون حول الاقتصار على الهوية الثقافية، ولكنهم مجمعون على البناء عليها. والبعض منهم، صادقاً، لا يراها على تناقض مع احترام حقوق غير اليهود من الإسرائيليين. أي لا يرى مانعاً في التعايش مع الفلسطينيين في إسرائيل، مع الإقرار بالغلبة للهوية اليهودية.

ربما قد يثير هذا التوصيف الخالي من التجريح غضب البعض (الكثيرين؟) في المحيط العربي. أن يكون ثمة قناعة بمقام أعلى لليهودية، كدين أو كهوية قومية، هو “العنصرية” التي يعترض عليها من أطلق لنفسه عنان الشتائم والطعن والإسقاط بحق إسرائيل واليهود والصهيونية.

ما يجري تغييبه هنا هو التشابه، لا بل التطابق، بين الصهيونية والقومية العربية، والتي ترى بدورها أن العروبة لا تتناقض مع بقاء المجموعات العرقية الأخرى، مع إقرار هذه المجموعات بتفوّق الهوية العربية على ما عداها، والتي تجعل من الدعوة إلى التكافؤ بين النزعات القومية مؤامرة مرفوضة تستهدف العروبة. وهذا التشابه التطابق متحقق كذلك بين القناعة الدينية اليهودية بأن الدين اليهودي متقدّم على المسيحية والإسلام، ليس زمانياً وحسب، بل من حيث أنه هو الدين الحق، وأن ما تلاه أصداء له تشهد وحسب على علائه.

ليت المنادين بأعلوية العروبة أو الإسلام يقلعون عن الرمي بالعنصرية من، يتطابق معهم بالقناعات، حين يجعل موضوع أعلويته اليهود كأمة أو اليهودية كدين. ليس من باب انتفاء كامل أوجه العنصرية عنه، ولكن لأنهم، وفق معاييرهم هم، هم بهذا النعت أولى.

إسرائيل تزخم بالشحن الفئوي، لسياق تاريخها الذاتي، الحقيقي والمتخيل، ونتيجة أزماتها مع جوارها، ولهول المحرقة التي عاش مرحلتها الكثير من مؤسسيها، والتي ضاعفت في وشم ثقافتها بالتوجس من الأغيار. ثم يأتي فرسان العرب في انتصار كلامي بمعظمه لمن تشرّد من أهل فلسطين، ويتوعدون الإسرائيليين بالطرد والقتل والترحيل.

السؤال الذي لا جواب عنه في أوساط من يريد لإسرائيل الزوال، هو كيف يعتزمون أن يصرّفوا أعداد اليهود الذين يقطنون أرض فلسطين. هل بإبادتهم عن بكرة أبيهم؟ الأصوات الداعية إلى ذلك ليست نادرة. هل بإبقائهم فيها كأهل ذمة، مع مصادرة أملاكهم لإعادتها إلى أصحابها؟ أم هل تحزم حقائبهم ويدفع بهم إلى الخارج، “السؤال الذي لا جواب عنه في أوساط من يريد لإسرائيل الزوال، هو كيف يعتزمون أن يصرّفوا أعداد اليهود الذين يقطنون أرض فلسطين”من حيث أتوا”؟

ولكن، من أين أتوا؟ بعيد نكبة خروج مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم عام ١٩٤٨، استقبلت إسرائيل عدداً مماثلاً، ربما أزيد قليلاً أو أنقص قليلاً، من اليهود المطرودين، جهاراً أو مراوغة، من المحيط العربي. أحفاد هؤلاء هم القسم الأكبر من يهود إسرائيل اليوم، أبناء بلاد لم يعرفوا غيرها.

هل الفكرة أن “يعود” هؤلاء إلى اليمن حيث اختطف أيتام أجدادهم لينالوا حظوة الدين الإسلامي؟ أم إلى العراق حيث “فرهدوا” ثم أرغموا على القبول بالفتات مقابل أملاك وحياة كانت عامرة على مدى ألفيتين من سنوات الحضور؟ أم إلى سوريا والتي أبقاهم فيها النظام رهائن ومادة مقايضة؟ أم إلى مصر التي اقتطعوا منها عنوة بعد أن كانوا من صلبها؟ أم هل يرحّلوا جميعاً إلى الدول الغربية، حيث يكثر في صفوف المهاجرين من المجتمعات الإسلامية من يضمر لهم الأذى؟

محاولة الاستيلاء على المنازل المقدسية هي مسألة حقوقية، قضائية. وعلى الرغم من الانحياز العام النظري والإجرائي لصالح المتشددين، فإن الرصيد التاريخي للقضاء الإسرائيلي يشهد على سعي متواصل للموازنة بين اعتبارات البقاء، والتي تدعو إلى تفهّم التشدد وربما مراعاته، واعتبارات الإنصاف، والتي تسعى إلى الالتزام المبدئي بالقيم العالمية وحقوق الإنسان.

لم يكن التوفيق من نصيب القضاء الإسرائيلي، ولا الثقافة الإسرائيلية ككل، في تحقيق هذه الموازنة بالكمّ الغالب، بل لا تزال إسرائيل تواجه مأزق أنها دولة احتلال.

الأسس المعنوية للصورة الذاتية الإسرائيلية هي أن قيام إسرائيل يأتي لتصحيح الأذى الذي طال الشعب اليهودي عبر التاريخ، من أسْرٍ ونفي واضطهاد. والمفارقة، الأليمة بالنسبة للعديدين، هي أن إسرائيل اليوم هي بموقع الجلاد لما يعاني منه الشعب الفلسطيني من أسر ونفي واضطهاد. هي مفارقة تستوطن ثنايا الثقافة الإسرائيلية، سرّاً وجهاراً.

الكثر في إسرائيل يفضلون أن يتنصلوا من المسؤولية، ليلقوا اللوم على الفلسطينيين أنفسهم، دينهم، مناهجهم التربوية، قياداتهم الفاسدة، القوى الخارجية التي توظّف قضيتهم لأغراضها.

البعض في إسرائيل يشهر أنه لا يعبأ. هي سنّة التاريخ، يوم لك ويوم عليك. هل المطلوب أن يتحمّل الشعب اليهودي المآسي على مدى القرون، ثم يطالب بأن يرتقي، دون غيره، إلى الملائكية. لا، أزمة التعايش في المنطقة لم تبتدئ عند النكبة ولم تتوقف عندها، بل لا حساب لحقوق الفلسطينيين إلا بجردة كاملة لحقوق الجميع، من كافة الأديان والأعراق واللغات.

هي قلة ربما في إسرائيل، ولكنها تحاكي الضمير العام في مجتمعها وثقافتها، تلك التي تأبى بأن تكون إسرائيل ظالمة. محامون إسرائيليون يتطوعون للدفاع عن أصحاب الحقوق من الفلسطينيين، وشباب وكهول ينشطون لمد اليد للدعم والتأييد.

إسرائيل، كمجتمع وكدولة، قد تأخرت، تلكأت، في السعي إلى فرز هذه التوجهات، وتورّطت بأن أمست دولة احتلال، فأضافت إلى إشكالية التجاذب بين يهوديتها وديمقراطيتها، مسألة أنها تتحكم بمصير مجتمع مختلف عنها، لا يريدها ولا تريده.

هذه بالفعل قضية وجودية لإسرائيل. البعض، في جوارها، ممن لا يريدون لها الخير بأي شكل، يغبط بأن ما يجري بالقدس هو بداية النهاية لإسرائيل. وقد يكون بالفعل كذلك.

ليس المقصود هنا وجود إسرائيل كدولة وكقوة قاهرة قادرة على فرض نفسها، أو كمجموع سكاني غالبيته من اليهود، مهما كان التعريف. إسرائيل هذه حقيقة باقية، ليست مرشّحة البتة أن تزول تلبية لأماني الأعداء.

إسرائيل المعرّضة للزوال هي التي تتقاسمها التوجهات، بين من لا يعبأ بمآل غيره، ومن يعبأ مبدئياً ويتنصل فعلياً، ومن يريد أن يتحمل المسؤولية ويرتقي.

صواريخ غزة وشتائم الإعلام لا تنفع المقدسيين في شيء. ولكنها تأتي لتصادق دعاة الانعزال والتفرد، ولتدفع المترددين بين المبدأ والواقعية إلى أحضان منطق القوة. قد تتحول إسرائيل في نهاية المطاف إلى ما يشبه معظم جوارها في غلبة الهوى وطمسه للحق وامتناعه عن الاعتبار.

المقدسيون مستحقون لمطلق التأييد في مواجهة ظلم الطرد. والفلسطينيون مستحقون لكامل المساعدة للتخلص من الاحتلال والسعي إلى إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، وإن كانت الاحتمالات الموضوعية لحل الدولتين قد تراجعت إلى ما يقارب الامتناع. والإسرائيليون بدورهم مستحقون للدعم في سعيهم الذاتي إلى إيجاد الصيغة التي توافق بين القيم العالمية والاطمئنان إلى سلامة عائلاتهم ومستقبلهم. وبدورها مجتمعات المنطقة ككل، بحاجة إلى مساحة تنفس يبتدئ فيها سعي مقابل لهذه الصيغة.

ليس ثمة من يمد اليد من خارج المنطقة لتحقيق ذلك. أي أن الخروج من الأزمة هنا هو حصراً مسؤولية الناس هنا. ولا يكون ذلك إلا بالقناعة بأن الجميع باقٍ. وأن “الزوال” إن طال إسرائيل، فهو زوال اختلافها عن الأحادية الفكرية القاطعة في جوارها.

————————-

خط عسقلان – إيلات.. قصة خزان الوقود الذي استهدفته المقاومة، وكيف يصبّ ذلك في مصلحة مصر؟

استهدفت الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة خط أنابيب إيلات – عسقلان بصورة مكثفة، فما قصة هذا الخط وعلاقته بالتطبيع بين إسرائيل والإمارات؟ وكيف يصبّ استهدافه في صالح مصر؟

تأتي قصة استهداف خط أنابيب إيلات – عسقلان من جانب الصواريخ التي بدأت تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة المحاصر رداً على الاعتداءات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة، كدليل واضح على تطور القدرات العسكرية التي تمتلكها تلك الفصائل، خصوصاً حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم القطاع.

وأمس الثلاثاء 11 مايو/أيار قال مسؤول حكومي إسرائيلي وآخر في قطاع الطاقة لرويترز إن خطاً لأنابيب الوقود مملوكاً لشركة حكومية إسرائيلية أصيب في هجوم صاروخي، بينما أظهر مقطع فيديو بثته القناة 12 بالتلفزيون الإسرائيلي ألسنة اللهب تتصاعد مما يبدو أنه مستودع ضخم للوقود بالقرب من مدينة عسقلان الساحلية جنوب تل أبيب.

وبينما ذكرت القناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي أن عمليات التشغيل في محطة للطاقة في عسقلان لم تتأثر، إلا أن “كتائب القسام” -الجناح العسكري لحماس- قصفت اليوم الأربعاء 12 مايو/أيار مجدداً حقل صهاريج “كاتسا” جنوب عسقلان، الذي لا تزال النيران تشتعل فيه النيران منذ أمس، بـ20 صاروخاً من طراز Q20 رداً على قصف غزة.

متى بدأت قصة خط إيلات – عسقلان؟

تعود قصة تشييد خط أنابيب إيلات – عسقلان إلى ستينيات القرن الماضي وكان الهدف منه هو نقل النفط من إيران -التي كانت تحت حكم الشاه في ذلك الوقت وتتمتع بعلاقات وثيقة مع تل أبيب- إلى ميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة ثم ينقل النفط من خلال خط أنابيب من إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا والولايات المتحدة.

وكان الهدف من ذلك الخط هو تفادي المرور في قناة السويس المصرية في ظل حالة العداء والحرب بين مصر -والدول العربية وقتها- وإسرائيل، ومع قيام الثورة في إيران عام 1979 وانتهاء حكم الشاه انتهى خط الأنابيب واختفى من الوجود، أو هذا ما كان يبدو.

ففي العام نفسه تقريباً وقّعت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد التي أنهت حالة الحرب بين البلدين وأقيمت علاقات دبلوماسية بينهما وأصبحت قناة السويس الممر الملاحي الأهم، ليس فقط للمنطقة ولكن لحركة التجارة العالمية بشكل عام، وتمثل القناة أحد أهم مصادر الدخل من النقد الأجنبي لمصر، إضافة بالطبع للأهمية الاستراتيجية الضخمة والتي توفرها القناة لمصر.

وفي هذا السياق، أظهرت أزمة السفينة العملاقة إيفرغيفن التي علقت في مجرى القناة وأغلقت الممر لمدة أسبوع في مارس/آذار الماضي، لتصبح هيئة قناة السويس وبالتبعية مصر في بؤرة الاهتمام العالمي لتعيد التذكير بالأهمية البالغة للقناة للعالم كله.

ما علاقة التطبيع الإماراتي بخط أنابيب عسقلان؟

بمجرد أن وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاق التطبيع بينهما، بل بمجرد أن تم الإعلان عن هذا التطور منتصف أغسطس/آب 2020 من خلال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عاد الحديث مجدداً عن إحياء خط أنابيب إيلات –  عسقلان، لكن هذه المرة بهدف نقل النفط الإماراتي والخليجي المتجه شمالاً إلى أوروبا والأمريكتين دون المرور بقناة السويس.

وذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنه لم يكد يجف حبر التوقيع على اتفاق تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل حتى وقع البلدان على اتفاقية هامة في مجال نقل وتسويق النفط.

“فقد وقع البلدان قبل أيام قليلة اتفاقاً مبدئياً يتعلق بشحن النفط الخام والمنتجات النفطية القادمة من دولة الإمارات، ثالث أكبر منتج للنفط في أوبك، إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب للنفط في إسرائيل يربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وليس عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد المصري”.

وكان من الطبيعي أن يثير هذا الإعلان حفيظة القاهرة التي يرتبط رئيسها عبدالفتاح السيسي بتحالف استراتيجي مع ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد، ولم يكن متصوراً أن توجه أبوظبي -ما وصفه البعض- بطعنة كهذه لمصر التي يواجه اقتصادها بالفعل ظروفاً صعبة زادتها جائحة كورونا سوءاً.

لكن على أية حال أعاد ذلك التطور خط الأنابيب إيلات – عسقلان إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، حيث كانت إسرائيل قد قامت ببنائه بالفعل بالاشتراك مع إيران عام 1968 لكن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وضعت نهاية لتلك الشراكة وأصبح البلدان في حالة عداء مستحكم وقامت إسرائيل لاحقاً بتأميم الخط.

وفي عام 2016 أمرت محكمة سويسرية إسرائيل بدفع 1.1 مليار دولار أمريكي إلى إيران، بالإضافة إلى الفوائد المترتبة على المبلغ، لكن إسرائيل لا تزال ترفض دفع المبلغ متذرعة بقانون إسرائيلي يمنع “المتاجرة مع العدو”.

وحسب موقع بلومبرغ الإخباري، يعامل الجيش والمسؤولون الإسرائيليون المعلومات المتعلقة بما يتم نقله عبر خط الأنابيب على أنها سرية للغاية، ثم جاء التوقيع على الاتفاقية التي أحيت الخط في أعقاب التطبيع الإماراتي، وحضر التوقيع وزير الخزانة الأمريكي السابق ستيفن منوشين في أبوظبي.

ووقتها قالت شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية في بيان نقلته رويترز “إنها تجري مفاوضات متقدمة مع لاعبين رئيسيين في الغرب والشرق لإبرام اتفاقيات خدمة طويلة الأجل معهم”.

وقال رئيس الشركة إيريز كالفون إن الاتفاقية “ستزيد من حجم تعامل الشركة مع اللاعبين الإقليميين والدوليين، وهي بلا شك تعتبر في غاية الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية لإسرائيل؛ لأن الاتفاقية تتضمن استثمارات مشتركة على المدى الطويل”.

وقال مصدر مطلع على الصفقة لرويترز إنه إذا تحولت الصفقة الأولية إلى اتفاق نهائي، فقد تصل قيمتها إلى 800 مليون دولار على مدى عدة سنوات. وقال المصدر إن إمدادات الخام قد تبدأ بالتدفق اعتباراً من بداية عام 2021.

ولا تقتصر تلك الاتفاقية على نقل النفط الإماراتي والمشتقات النفطية القادمة من الإمارات إلى الأسواق الأوروبية والغربية بل أيضاً تشمل إمكانية نقل نفط دول أخرى إلى القارة الأوروبية.

كما تشمل الاتفاقية إمكانية نقل النفط القادم من دول حوض البحر الأسود والمتوسط باتجاه الأسواق الآسيوية، ما يختصر الوقت والنفقات والتعقيدات الناجمة عن مرور شحنات النفط عبر قناة السويس.

هكذا يصبّ ضرب عسقلان في مصلحة مصر

خط الأنابيب لنقل النفط والمشتقات البترولية الأخرى بين إيلات وعسقلان إذن خط قائم ويعمل بالفعل، وليس مجرد مشروع قيد الإنشاء، وعلى الرغم من وجود بيانات معلنة عن حجم وقيمة ما يتم نقله بالفعل منذ مطلع العام الجاري، ومدى تأثير ذلك سلباً على إيرادات هيئة قناة السويس، فإن الحرائق الضخمة التي لا تزال مشتعلة في خزانات الوقود العملاقة في ميناء عسقلان بعد أن استهدفتها صواريخ المقاومة يفتح باب التكهنات.

ومن المهم هنا التوقف عند تصريحات الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس المصرية، في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث قال إن “مشروع عسقلان يؤثر على قناة السويس ونفكر في بدائل”، بحسب صحيفة المصري اليوم (مستقلة).

ربيع أرجع حديثه عن التأثير السلبي على دخل القناة إلى “مشروع عسقلان الخط البري والسكة الحديد”، قائلاً إنه “يستغرق 5 سنوات للانتهاء منه، وتفكر مصر في بدائل لهذا المشروع الذي سوف يؤثر على سفن البترول المارة في قناة السويس بنحو 16%”.

قناة السويس مهددة من قبل خطط إسرائيل بعد التطبيع الإماراتي/رويترز

ولم يوضح وقتها موقف خط الأنابيب إيلات – عسقلان القائم بالفعل، الذي أشارت التقارير الإسرائيلية والأمريكية العام الماضي إلى بدء تشغيله فعلياً مطلع العام الجاري، لكن التقارير الصادرة عن الهيئات الاقتصادية والنفطية الدولية أشارت بالفعل إلى أن خط الأنابيب بدأ بالفعل في استقبال النفط الإماراتي.

وفي مطلع فبراير/شباط الماضي، نشرت هيئة قناة السويس بياناً ردت فيه على تلك التقارير مقللة من تأثير خط أنابيب إيلات – عسقلان على دخل قناة السويس، دون أن تنفي وجود مثل هذا التأثير جملة وتفصيلاً.

فقد أوضح بيان الهيئة أنه “من المتوقع ألا يتعدى نسبة ذلك التأثير (12% إلى 16%) من حجم تجارة البترول الخام المتجهة شمالاً وليس من إجمالي حركة التجارة العابرة للقناة، وبما يمثل نحو 0.61% فقط من إجمالي حركة التجارة المارة بقناة السويس لمختلف أنواع السفن”، بحسب تقرير لشبكة سكاي نيوز العربية ومقرها أبوظبي.

الخلاصة هنا أن استهداف خط أنابيب إيلات – عسقلان واشتعال النيران في صهاريج التخزين العملاقة في ميناء عسقلان يصبّ في مصلحة مصر ويمثل ضربة اقتصادية موجعة لكل من إسرائيل والإمارات -أصحاب الأموال المستثمرة في خط الأنابيب- حتى وإن لم تكن للقاهرة علاقة مباشرة بهذه النتيجة للتصعيد الحالي الذي يجمع منتقدو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو -في الداخل والخارج- على مسؤوليته المباشرة عنه.

——————————

ماذا كسبت فصائل المقاومة من التصعيد الأخير ضد إسرائيل؟ 5 أهداف تحققت بالتدخل العسكري في أزمة القدس

عربي بوست

مع تصاعد الأحداث في فلسطين خلال الأيام الماضية دخلت حركات المقاومة على خط الأزمة وقصفت بلدات إسرائيلية بعدد من الصواريخ بعد تهديد من قبل قادتها العسكريين لأجل سحب المستوطنين من القدس لكن دون جدوى من قبل تل أبيب ما تسبب في توتر الوضع الحالي.

الاشتباك الذي فعلته حركات المقاومة في قطاع غزة مع الحدث دفع البعض للتساؤل عن السبب وراء إقدام حماس وغيرها من الفصائل المسلحة على الدخول في المعركة في الوقت الذي كان المقدسيون يدافعون وحدهم في القدس. فهل كان الأولى إبقاء الاحتجاجات والتظاهرات السلمية في داخل الخط الأخضر دفعاً عن المسجد الأقصى أم تطور الأوضاع عسكرياً؟

حماس وباقي حركات المقاومة المسلحة لم تأخذ وقتاً طويلاً للرد على هذه التساؤلات بل جاءت الإجابة على لسان قادتها العسكريين والسياسيين أن القدس خطاً أحمر ولا يمكن أن تتجاوزه إسرائيل وعليها عدم استفزاز باقي الشعب الفلسطيني، لكن تل أبيب لم تعِ رسالة محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحركة حماس، الذي توعد بالرد العسكري وأعقب تصريحَه تصريحٌ مماثل لأبوعبيدة المتحدث العسكري باسم القسام.

مظاهرات حاشدة في عواصم عالمية دعما لفلسطين – مواقع التواصل الاجتماعي

التدخل العسكري من قبل الفصائل المسلحة لتخفيف الضغط على سكان الداخل الفلسطيني قوبل بترحيب كبير من قبل فلسطينيي الخط الأخضر الذي هتفوا للقسام وباقي الحركات المسلحة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اندلعت المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مدينة اللد التي فرضت فيها السلطات الإسرائيلية حظر التجوال لأول مرة منذ عقود.

هذه الأحداث رفعت بشكل كبير من رصيد حركات المقاومة في غزة لدى الشارع الفلسطيني، وأيضاً جعلت إسرائيل لأول مرة في تاريخ الصراع مع الفلسطينيين تقف في موقف رد الفعل وليس المبادر.

وبصرف النظر عما ستنتهي إليه جولة القتال الحالية فإن الفصائل الفلسطينية في غزة ترى أنها تمكنت بالفعل من تحقيق عددٍ من الإنجازات، خاصة فيما يتعلق بتسجيل نقاط تكفل لها مزيداً من التأييد بين الجمهور الفلسطيني، كما يرصد تقرير لجيروزاليم بوست العبرية.

فما المكاسب التي حققتها الفصائل الفلسطينية بعد التصعيد الأخير؟

أولاً، نجحت الفصائل المسلحة في الاستفادة من الاحتجاجات المندلعة بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس منذ بداية شهر رمضان المبارك.

إذ بجانب أهدافها الأصلية، تحولت الاحتجاجات المشتعلة على حواجز الشرطة الإسرائيلية عند باب العمود، والفعاليات الجارية لمقاومة الإجلاء المخطط لعدد من العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جرَّاح، ومواجهة اقتحامات اليهود لحرم المسجد الأقصى الشريف، إلى مظاهرات حاشدة في دعم حركة حماس ورفاقها من فصائل المقاومة.

وعندما أصدر أبوخالد محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، تهديده لإسرائيل بسبب حملتها على أهالي حي الشيخ جرَّاح، تعالت الهتافات بين عديد من الفلسطينيين في القدس بترديد شعارات الإشادة به وبموقف الحركة.

وزع عناصر من “كتائب عز الدين القسام” الجناح المسلح لحركة “حماس” في غزة، الجمعة، وجبات إفطار على المارة في شوارع القطاع. وأفاد مراسل الأناضول، أن عناصر من “القسام” انتشروا على مفترقات طرق بمدينة غزة قبيل أذان المغرب، وبدأوا توزيع وجبات تضمنت زجاجات مياه وتمورا على سائقي المركبات المتوجهين إلى بيوتهم، ممن تأخروا عن موعد الإفطار. ( Ali Jadallah – وكالة الأناضول )

ثانياً، أمكنَ قرارُ حماس وباقي الفصائل بإطلاق الصواريخ على القدس المحتلة يوم الإثنين 10 مايو/أيار الحركةَ من إبراز صورتها بوصفها حركة “مقاومة” ذات مصداقية وعزمٍ على فعل أي شيء لدعم الفلسطينيين في القدس، ومنع إسرائيل من تنفيذ مخططها الرامي إلى “تهويد” المدينة” و”تغيير الوضع القانوني والتاريخي” القائم في المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف.

ثالثاً، تبدو حركات المقاومة الآن في نظر العديد من الفلسطينيين على أنها الفصيل الفلسطيني الوحيد المستعد للوقوف ضد إسرائيل لـ”الدفاع” عن ثالث الأماكن المقدسة، و”التصدي” للمؤامرات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، لا سيما أن كلَّ ذلك يأتي في وقتٍ لم تتجاوز ردود فعل السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية حدَّ التشدق بالكلام حول حماية المسجد الأقصى والفلسطينيين في القدس المحتلة، دون بادرة فعل أو تحرك.

رابعاً، بعدما ربطت حركات المقاومة نفسها بالاحتجاجات الجارية في القدس، لفتت الانتباه أكثر فأكثر إلى مدى عجز رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن التعامل مع الأزمة. ومن ثمَّ، يبدو عباس الآن لدى عديد من الفلسطينيين زعيماً ضعيفاً فشل في وقف “العدوان” الإسرائيلي على المسجد الأقصى والقدس.

ويزيد على ذلك، أن كثيراً من الفلسطينيين أخذوا يهاجمون رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 85 عاماً وينددون بالتنسيق الأمني المستمر بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. وهكذا، عبر الاحتجاجات عند باب العمود وفي حي الشيخ جرَّاح ولدى الحرم القدسي، تعالت هتافات العديد من الفلسطينيين بشعارات الإدانة لرئيس السلطة باعتباره “عميلاً” للولايات المتحدة، و”متعاوناً” مع سلطة الاحتلال.

عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقيادي الفتحاو ي المنشق محمد دحلان/أرشيفية، رويترز

خامساً، مكَّنت الجولة الأخيرة حركةَ حماس من العودة إلى مركز الصدارة، حيث يبذل الوسطاء المصريون والقطريون والأمم المتحدة جهود التفاوض معهم للتوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار بين فصائل المقاومة وسلطة الاحتلال الإسرائيلي.

ماذا كسبت سياسياً أيضاً؟

وبينما يقول عباس والسلطة الفلسطينية إنهما يعملان مع عديد من الأطراف الدولية لإنهاء الهجوم على قطاع غزة، فإن قادة حماس، خالد مشعل وإسماعيل هنية، هم أيضاً يتلقون الاتصالات من زعماء العالم من أجل محاولة التوصل إلى هدنة جديدة.

ينظر منتقدو حماس إلى تحركاتها الدبلوماسية على أنها علامة أخرى تؤكد أن للفلسطينيين قيادتين منفصلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يقول هؤلاء إن تلك الجهود تأتي في سياق سعي حماس لإبراز شرعيتها على الساحة الدولية.

وفي هذا السياق، يُذكر أن قرار عباس في أواخر أبريل/نيسان بتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الفلسطينية، التي كان من المقرر عقدها في 22 مايو/أيار و31 يوليو/تموز على التوالي، حرمَ حماس من فرصة إظهار مدى قوتها والتأييد لها من خلال صناديق الاقتراع.

بحسب التصور الأمني ​​الإسرائيلي فإنَّ الانتخابات تشكل تهديداً. إذا فازت حماس في الانتخابات مجدداً، فستزداد ثقة بنفسها لدرجة تصعيد التحدي ضد إسرائيل/ انتخابات 2006، وفا

لكن أحداث الأسابيع القليلة الماضية أتاحت لحركة حماس الإبانة للجميع أنها لا تزال طرفاً رئيسياً في الساحة الفلسطينية وأنها تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين.

كانت حماس تخطط لخوض الانتخابات البرلمانية بقائمة تحمل شعار “القدس موعدنا”. ومن ثم، فهي كانت تأمل في جعل القدس الموضوعَ الرئيسي لحملتها الانتخابية وإبراز نفسها على أنها “المدافع” عن المسجد الأقصى، وتجديد الوعود بمواصلة القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي “حتى تحرير القدس”.

تتفاخر حماس الآن بأنها الطرف الفلسطيني الوحيد الذي أوفى بعهده بالرد على إسرائيل إذا استمرت في حملاتها القمعية في القدس. والرسالة التي ترسلها حماس للفلسطينيين من ذلك هي أن “(القدس موعدنا) ليست مجرد شعار فارغ”.

من جهة أخرى، وبعد أن أعلن عباس قراره بتأجيل الانتخابات متذرعاً برفضِ إسرائيل السماح بإجراء التصويت في القدس، دعت حماس الفلسطينيين إلى تصعيد “المقاومة الشعبية” ضد إسرائيل، لا سيما في القدس الشرقية والضفة الغربية

————————–

بايدن يتحرك لتهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.. موقع آكسيوس: مبعوث أمريكي خاص سيصل المنطقة

عربي بوست

كشف موقع “axios” الإخباري، الأربعاء 12مايو/أيار 2021، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم إرسال مبعوث مع تصاعد المواجهات بين إسرائيل والفلسطينيين.

الموقع قال إنه من المتوقع أن يتوجه نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية هادي عمرو إلى تل أبيب الأربعاء.

من جانبه، تحدث مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى نظيره المصري عباس كامل، وقال البيت الأبيض إن سوليفان ناقش “خطوات لإعادة الهدوء خلال الأيام المقبلة” مع المسؤولين المصريين، كما تحدث سوليفان مع نظيره الإسرائيلي مئير بن شبات.

أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فتواصل مع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن بلينكن لم يمارس أي ضغوطات على تل أبيب لوقف الغارات على غزة، لكنهم أكدوا أن الولايات المتحدة لا تريد تصعيداً للأمور.

يأتي هذا في وقت تتزايد فيه التصعديات، حيث  قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأربعاء، برجاً سكنياً وسط مدينة غزة، هو الثاني منذ بدء التصعيد مساء الإثنين الماضي، وأسفرت الغارات الإسرائيلية المتواصلة على القطاع عن وقوع أضرار اقتصادية “بالغة” في منشآت مدنية وسكنية متعددة.

بينما ارتفع عدد الشهداء إلى 35 فلسطينياً وأصيب نحو 900 بجروح، جراء غارات إسرائيلية عنيفة متواصلة على غزة، ومواجهات بالضفة الغربية والقدس المحتلة، وفق وزارة الصحة وجمعية “الهلال الأحمر” الفلسطينيتين.

بايدن فلسطين إسرائيل

أفاد مراسل وكالة الأناضول بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت بعدة صواريخ برج “الجوهرة” المكون من 9 طوابق، في شارع الجلاء وسط مدينة غزة.

كما أوضح المراسل أن الصواريخ الإسرائيلية تسببت بتدمير كبير في المبنى حتى بات على وشك الانهيار، كما أحدثت أضراراً كبيرة في المباني والمنشآت المجاورة له

————————

اليمين الإسرائيلي يركز استهدافاته نحو القدس والأقصى/ عدنان أبو عامر

فرض الهجوم الفلسطيني المسلح الأخير بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وأسفر عن مقتل أحد المستوطنين الإسرائيليين، نفسه على الأحداث الدائرة في القدس المحتلة خلال الأيام الأخيرة، باعتباره علامة تحذير من المقاومة الفلسطينية قبل نهاية شهر رمضان، ولذلك أعربت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن قلقها إزاء التوترات المتزايدة، وقررت تعزيز قواتها بالضفة الغربية، مع خشية من تنفيذ هجمات “دفع الثمن” من المستوطنين اليهود.

يعتقد الإسرائيليون أننا أمام تهديد لحماس بإشعال المنطقة، خاصة مع ما شهدته الأيام الماضية من تصعيد أمني مدروس، ولذلك تقرر تعزيز قوات الاحتلال وسط تحذيرات بانفجار الأوضاع في حال جرى الاقتحام الجماعي لليهود للمسجد الأقصى، بزعم أنه إذا حدث هذا الاقتحام، فإن الفلسطينيين سيحاولون زيادة زخم الأحداث، من خلال تفجير الأوضاع بالضفة الغربية.

تزامن ذلك مع تجدد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في إطار الجهود المبذولة للتصعيد العسكري؛ مما دفع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لزيادة اليقظة في جميع أنحاء دولة الاحتلال، لأن ما يحصل يثير مخاوفها من تصعيد محتمل في الضفة الغربية؛ وفي مستوطنات غلاف غزة، يخشون من تصعيد جديد، بعد عدة ليال صعبة وعنيفة هناك في الأسابيع الأخيرة، خاصة أننا نشهد أواخر شهر رمضان.

وقد نقلت الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن لديها مخاوف من قيام ناشطي اليمين المتطرف بتنفيذ عمليات دفع الثمن ضد الفلسطينيين، وفي هذه الحالة نتوقع أن تؤدي الأحداث لزيادة سخونة القطاع بأكمله، وهذا أمر مخيف، ويستعد له الجيش والأجهزة الأمنية.

تطورات الأحداث الأمنية الأخيرة كان آخرها الهجوم على مفرق تفوح، عندما أطلقت أعيرة نارية على مستوطنين، قتل أحدهم، والثاني في حالة حرجة، والثالث بجروح طفيفة، وفي وقت سابق، وقعت محاولة طعن في مفرق غوش عتصيون نفذتها شابة فلسطينية مسلحة بسكين طعن ضد جنود إسرائيليين، كما وقعت محاولة تنفيذ عملية طعن ضد شرطي وجندي عند المدخل الجنوبي لبيت لحم، مع العلم أن أحداث غزة الأخيرة اعتمدت على ما يحدث في القدس، وكأنها ذريعة حماس لإطلاق الصواريخ على الغلاف، وكان من المستحيل عدم تفسير هذه الدعوة على أنها اصطفاف إسرائيلي مخيف مع رواية حماس للأحداث، ثم جاء الطي المخيف للحواجز على درج باب العامود، وقدم لحماس صورة انتصار، وتمت الموافقة على طلبها بأن إطلاق النار في غزة مصدره سلوك إسرائيل في القدس.

لقد عبرت السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عن “حظيرة صامتة وخاضعة”، وقدمت قيادتها سلوكا أشبه بـ”عار الاستسلام أمام التنمر الفلسطيني”، واستسلمت دون أن تطرف عينها، ودون أن تأخذ في الاعتبار أن حماس قد تجد ذريعة جديدة لتحريض المنطقة، مع العلم أن إسرائيل وحماس تلقتا تذكيرًا هذا الأسبوع بمدى سهولة الانزلاق لمواجهة أخرى في قطاع غزة، وهي تشكل فرصة لإحصاء عدد الجولات التي خاضها الجانبان في السنوات الماضية، وفي كل جولة كادتا تقتربان من حافة الهاوية، ما يؤكد مدى عمق الأزمة بينهما.

في الوقت ذاته، تزعم محافل يمينية إسرائيلية أن الحكومة تحني رأسها أمام صواريخ غزة، بعد أن استسلمت في قضية الحواجز في باب العامود بالقدس، وأعطت الفلسطينيين إنجازًا أخلاقيًا آخر من شأنه أن يجلب على الإسرائيليين مزيدا من المواجهات، فما يمكن رؤيته من نتيجة نهائية في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والقدس والعالم العربي بأسره، عنوانه “هُزمت إسرائيل”.

لقد تمت إضافة موضوع الحواجز عند باب العامود في القدس، إلى البوابات الإلكترونية في الحرم القدسي، وصفقات تبادل الأسرى مع الفصائل الفلسطينية، والانتفاضتان الأولى والثانية، وغيرها من المعالم الكئيبة في أيام “الاستسلام” الإسرائيلي، وهي أحداث دفع الإسرائيليون أثمانها باهظة، رغم ما تم تسويقه من الكثير من المعلومات الخاطئة عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وكان لافتا أن الاحتفالات التي شهدها باب العامود بعد إزالة الحواجز الإسرائيلية مباشرة، تمثلت بهتافات مئات من الشبان الفلسطينيين، تأييدا لمحمد الضيف وكتائب عز الدين القسام، وأنشدوا “خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود”، وهذا يعني أن الهزيمة والاستسلام الإسرائيلي أمام النصر الفلسطيني البطولي، أعطيا الفلسطينيين إنجازًا أخلاقيًا آخر، من شأنه أن يجلب الكثير من العنف في المستقبل.

لقد شكلت أحداث القدس الفرصة المناسبة لإشعال مزيد من الأحداث في غزة والضفة الغربية، وكل المدخلات والمؤشرات بدت ملحوظة حقًا، وقد تكون مثل تلك الهجمات بمثابة وقود لهجمات لاحقة، من خلال محاكاة هذه الهجمات، أو كجزء من مخطط تصعيد متطور.

رصد الإسرائيليون مباشرة بعد الهجمات الأخيرة في الضفة الغربية، كيف بدأت آلة الدعاية لحماس بالعمل على مدار الساعة، ورحب المتحدثون باسمها بهذه الهجمات، وربطوا على الفور بينها وبين الأحداث العنيفة التي وقعت في القدس حتى وقت قريب، علما بأن الحركة تدرك أن الأسبوعين المقبلين مليئان بالمواعيد والتواريخ الحساسة، وتحاول ركوبها لزيادة التوترات، ودفع عجلة التصعيد إلى الأمام.

عاش الفلسطينيون والإسرائيليون في الأيام الأخيرة جملة من التواريخ الحساسة، فقد مرت الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، كما تصادف ليلة القدر، ليلة السابع والعشرين من رمضان، وفي 28 من رمضان حل ما يسمى “يوم القدس اليهودي”، وهو ما شهد محاولات اقتحام يهودية مكثفة، واشتباكات عنيفة مع المرابطين في القدس، وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فبعد أيام قليلة سيأتي ذكرى يوم النكبة، وكل ذلك من شأنه أن يجعل من الاضطرابات في القدس أحداثا قابلة للاشتعال بين حين وآخر.

لم يتوقف التصعيد الأمني العسكري على القدس المحتلة، بل تطورت على صعيد الهجمات المسلحة الأخيرة في الضفة الغربية، وإطلاق الصواريخ من غزة، مما يعني أن جهود الجيش الإسرائيلي لمنع موجة جديدة من العمليات العسكرية لم تنجح بعد، خاصة مع التهديدات الأخيرة التي أطلقها قائد كتائب القسام.

يتحرك الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع كالعادة بين التكتيكي والاستراتيجي، وتبحث حماس عن طريقة لإبقاء اسمها في العناوين الرئيسية، ولا يوجد شيء مثل القدس كفيلة بتزويدها بالبضاعة اللازمة، إذ إن حماس تدرك جيدا أن القدس أمر مختلف تمامًا، حيث إن العاطفة الدينية تزداد في رمضان.

هذا بالضبط ما حاول فعله محمد ضيف، قائد الجناح العسكري لحماس، حين سعى لردع إسرائيل عن الاستمرار بقراراتها ضد المقدسيين، حيث أرادت حماس أن تظل ذات صلة، وحاملة لنجمة القدس، وتأمل أن يكون ذلك كافياً لإثارة الروح المعنوية خلال الأعياد، خاصة أيام القدس والنكبة.

وهكذا يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال استئناف إطلاق النار في غزة، أما في الضفة الغربية، فترفع العمليات الفلسطينية المسلحة ذات الطابع الشعبي، وسط ربط واضح بينها وبين أحداث القدس، من خلال هجمات فردية على الأرض، لذلك قرر الجيش تعزيز قواته الإضافية، على افتراض أن الهجمات هي محاولات ملهمة ومحاكاة، وبحلول نهاية رمضان في منتصف مايو، ستكون المنطقة شديدة الانفجار.

يبذل جيش الاحتلال جهودًا كبيرة للحد من العمليات، وقد انتقد كبار الضباط سلوك الجنود في المنطقة، حيث يُعرف مفترق “تفوح” في الضفة الغربية الذي وقعت فيها العملية الفدائية الأخيرة بأنها نقطة إشكالية، وواضح أن سياسة الجيش جاءت، ومزعجة في الغالب، لأن ما ينتهجه الجيش ليس طريقة للتغلب على الهجمات الفلسطينية المسلحة.

كل ذلك يؤكد أن الإسرائيليين يجدون أنفسهم أمام برميل من المتفجرات، حيث يستعد الفلسطينيون لنشاطات كبيرة في القدس، وستكون محور الأحداث في حي الشيخ جراح، بسبب ما قد تصدره المحكمة العليا، بعد عقود من الصراع القانوني والأحكام التي لا تنتهي، من أحكام نهائية بشأن إخلاء الفلسطينيين من المنازل، حتى جاء تهديد الضيف الذي بقي صامتاً منذ حرب غزة 2014، مما حمل تحذيرا لإسرائيل بأنها إذا تجرأت على إخلاء المقدسيين من منازلهم، فلن يمر ذلك دون إجابة على الأرض.

الخلاصة أننا أمام تطورات متلاحقة على مدار الساعة، ولعل ما تكتسبه القدس المحتلة، والمسجد الأقصى، من أهمية استثنائية، يختلط فيهما البعد السياسي مع الديني، يجعل الأحداث قابلة للانفجار في أي لحظة، دون أن يمتلك الإسرائيليون بوليصة تأمين لئلا تندلع الأوضاع الأمنية بحيث تصل إلى انتفاضة ثالثة عنوانها القدس المحتلة.

————————

إسرائيل ودوافع ذهابها إلى “حرب لبنان الثّالثة” وإنهاء التّهديد الإيراني: أهداف وعواقب/ رياض قهوجي 

تستمر إسرائيل بشن هجماتها العلنية والسرية ضد مواقع الحرس الثوري الإيراني وميليشياته الحليفة في سوريا، برغم تقارير صحافية تحدثت عن قرار إسرائيلي بوقفها نتيجة ضغوط أميركية. فالوقائع على الأرض تشير الى تصعيد إسرائيلي مستمر في وتيرة هذه الهجمات برغم حماوة المفاوضات، إن كان في فيينا بين إيران والقوى العظمى لإعادة إحياء الاتفاق النووي، أم في المنطقة بين دول عربية ودول ما يسمى بمحور الممانعة – سوريا، إيران والعراق.

من يراجع تاريخ المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وعقيدتها يستنتج بسهولة أن حجم تأثير العوامل الخارجية ـ وحتى الأميركية منها ـ على قرارها في الحرب والسّلم له حدود. فلقد أقدمت إسرائيل منذ تأسيسها، في أكثر من مناسبة، على شن عمليات عسكرية صغيرة وكبيرة، وحتى حروب من دون التنسيق مع حلفائها في الغرب أو حتى موافقتهم.

فالقادة الإسرائيليون يشددون دائماً على أهمية احتفاظهم بحق تقدير ما حجم الخطر الذي يتهدد إسرائيل وكيفية التعامل معه. وهذا أكثر ما يقلق الولايات المتحدة، إذ إن هناك اختلافاً بين تقييمها وتقييم إسرائيل لخطر البرنامج النووي الإيراني وتمدّد الحرس الثوري وميليشياته على طول حدود إسرائيل الشمالية. وما كثرة الاجتماعات خلال الأسابيع الأخيرة بين القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين مع نظرائهم الأميركيين، سوى محاولة للوصول الى تقييم مشترك وتوحيد الصورة في ما يخص التهديدات وطريقة التعامل معها.

لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الطرفين قد اتفقا أو سيتفقان على كل شيء. فمقاربة إسرائيل للتهديد الإيراني تختلف كثيراً عن المقاربة الأميركية. ففي حين أن إسرائيل باتت تحت التهديد المباشر للنيران الإيرانية، فإن الأراضي الأميركية لا تزال بعيدة عن ذلك. وفي حين أن أميركا تستطيع أن تتعايش مع إيران نووية كما تتعايش اليوم مع دول مثل كوريا الشمالية، لا تستطيع إسرائيل التعايش مع إيران نووية ستشكل تهديداً وجودياً للدولة العبرية. فمجرد امتلاك إيران سلاحاً نووياً سيزيد من حجم الخطر على إسرائيل، وهذا سيثني آلاف اليهود حول العالم عن الهجرة الى إسرائيل، لا بل قد يؤدي الى هجرة معاكسة من داخل إسرائيل خوفاً من حرب مدمّرة. وعليه، فإن إسرائيل مستعدة للذهاب مسافة أبعد من أميركا في جهودها المختلفة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.

الخطر الإيراني الآخر الذي سيدفع إسرائيل باتجاه مغامرة عسكرية كبيرة هو أن تتمكن إيران من كسر عامل الردع الإسرائيلي عبر حشد قوات عسكرية كبيرة على حدودها الشمالية مجهزة بأسلحة حديثة ومتطورة، وتحديداً كميات كبيرة من طائرات من دون طيار هجومية، وصواريخ جوالة وبالستية دقيقة، وصواريخ أرض – جو ومضادة للسفن. وهذا ما تعمل إسرائيل على منعه عبر ضرباتها المتكررة ضد أهداف داخل سوريا وضد ناقلات نفط تستخدم لتأمين حاجات النظام السوري والميليشيات الإيرانية. ويبدو أن إسرائيل باتت تعتبر أن حجم هذا التهديد قد تعدى الخطوط الحمر، وهو ما يبرّر انطلاق التدريبات العسكرية الأكبر في تاريخ الدولة والتي ستستمر  أسابيع عدة، وتحاكي حرباً كبيرة على الجبهتين الشمالية والجنوبية لإسرائيل.

وتشكل المناورات غطاءً جيداً لانطلاق حرب مباغتة. فهي تكون قد حشدت جنودها مسبقاً، وراقبت ردود فعل القوة المعادية، وهيأت الرأي العام المحلي والداخلي لوجود خطر كبير تستعد هذه الدولة للتعامل معه. وإسرائيل تستعد وتروّج منذ انتهاء “حرب لبنان الثانية” في صيف 2006 الى ما تسميه “حرب لبنان الثالثة”، والتي قد تشمل جنوب سوريا وشرقها، وتصفها جهات إسرائيلية بأنها ستكون حرباً مدمرة ولن تستثني أي منطقة في لبنان وسوريا فيها أهداف لـ”حزب الله” وميليشيات الحرس الثوري الإيراني.

يبنى القرار الإسرائيلي الدخول في أي مواجهات عسكرية على معادلة الربح والخسارة ومقارنة حجم المخاطرة بحجم التهديد. فإذا ما اقتنعت القيادات الإسرائيلية بأن حجم التهديد الإيراني في لبنان وسوريا قد بلغ حجماً يهدد هيبة الردع ووجودها كدولة آمنة، فإنها ستعتبر أن حجم المخاطر مبرر. فهي تدرك أن “حزب الله” والميليشيات الأخرى قد بنت ترسانة كبيرة من الصواريخ التي ستستهدف العمق الإسرائيلي، وبالتالي ستكون هناك خسائر مادية كبيرة، بالإضافة الى خسائر بشرية. ولذلك، فإن هدف أي حرب إسرائيلية مقبلة سيكون الآتي:

• توجيه ضربات كبيرة وشاملة بأسرع وقت ممكن ضد كل منشآت الصواريخ ومنصات إطلاقها بهدف تدمير أكبر كم منها قبل استخدامها أو تصنيعها.

• تدمير شبكة الدفاع الجوي والإنذار المبكر لمجموعات الحرس الثوري و”حزب الله” في سوريا ولبنان، من أجل تأمين استمرارية السيطرة الجوية المطلقة للطائرات الإسرائيلية.

• تدمير البنية التحتية، بخاصة الجسور والأنفاق والطرق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وخطوط الفايبر أوبتك للاتصالات والموانئ البحرية والجوية، لمنع الطرف الآخر من الاستفادة منها واستخدامها.

• شنّ عمليات برية للسيطرة على مناطق محددة لتشكيل مناطق أمنية بعمق جغرافي جيد، تنسحب منه إسرائيل لاحقاً ضمن قرار دولي يكون تحت البند السابع يمنع وجود أي مجموعات مسلحة داخلها.

• إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا نتيجة قرار دولي تحت البند السابع.

تسعى إيران، منذ فترة تحت راية “تحرير القدس”، الى تثبيت نفسها عسكرياً على حدود إسرائيل الشمالية، لتعزز قدرتها على تهديد إسرائيل من أجل ابتزازها بقبول دور طهران كلاعب إقليمي أساسي يسيطر على قرار ما يُسمى بمحور الممانعة، وبأن تتحول قوة عسكرية كبيرة وربما نووية. فإيران لا تسعى الى شن حرب على إسرائيل، بل الى تشكيل تهديد جدي على حدودها كأداة ضغط. لكن الفكر العسكري الإسرائيلي يرفض التعايش مع أي قوة إقليمية تمتلك القدرة على أن تهدد إسرائيل وجودياً، بخاصة أن هذا الخصم يملك ويتفاخر بأيديولوجيا قائمة على شعار إزالة إسرائيل من الوجود. فإسرائيل لا تعتبر وجود مجموعات مسلحة ببعض الصواريخ والأسلحة على حدودها تهديداً أمنياً مهماً. لكن امتلاك أسلحة نوعية تهدد سيطرتها على الأجواء والمياه وتكسر هيبة الردع لديها، يحوّل طبيعة التهديد وجودياً، وبالتالي يتخطى الخط الأحمر. كما أن إسرائيل اليوم تسيطر سيطرةً أفضل على انتشار فيروس كورونا على أراضيها نتيجة برنامج التلقيح المتقدم لديها والذي وضعها بالمرتبة الأولى عالمياً.

يبدو أن إيران ماضية في تحقيق أهدافها العسكرية في كل من سوريا ولبنان. فهذه سياسة لا تشكل أي تهديد مباشر لها، كون أي هجوم إسرائيلي سيستهدف أراضيَ وبنية تحتية لدول أخرى، تحديداً لبنان وسوريا. ومن المستبعد أن تتدخل إيران مباشرةً في أي حرب إسرائيلية مستقبلية على سوريا ولبنان، والمرجح أنها ستبقى خارجها كما فعلت عام 2006. ويعاني لبنان، كما سوريا، من عزلة دولية وغضب خارجي نتيجة فساد منظوماتهما السياسية. فكلاهما يعتبران دولتين فاشلتين، لا تملكان السيطرة على قرارات السلم والحرب، وهناك قناعة دولية تترسخ يوماً بعد يوم بأن طهران هي من تتحكم بقرار لبنان السياسي وتؤثر كثيراً في صنع القرار في دمشق. كما أن هناك غضباً شعبياً على السلطة الحاكمة في البلدين، وتحديداً حلفاء إيران. وبالتالي فإن إسرائيل قد تجد في هذه الأجواء عاملاً مساعداً لعمل عسكري كبير لتحقيق أهدافها. وحجم تداعيات العمل العسكري من خراب ودمار وتهجير سيكون كبيراً بشكل يولّد ضغطاً دولياً على إسرائيل لوقفها، وأيضاً على إيران لسحب ميليشياتها ووقف تسليح عملائها، وهو ما تريده تل أبيب ودول أخرى.

النهار العربي

————————-

فلسطين في “معركة” السوشيال ميديا.. تضامن متعدد اللغات والوسوم/ أحمد خواجة

نجح الناشطون والمغرّدون العرب إلى حد ملموس في كسب “معركة” وسائل التواصل الاجتماعي فيما يخصّ الأحداث التي تشهدها القدس، وتحديدًا في محيط المسجد الأقصى، وفي حي الشيخ جرّاح الذي تعمل قوات الاحتلال على تهجير أهله منه، كذلك بخصوص العدوان على غزة، فتُرجمت الوسوم إلى اللّغات المختلفة، وسجلت أرقامًا عالية جدًا في مختلف أنحاء العالم، واستخدمتها مجموعات متنوعة من الناشطين في كل مكان، للتعبير عن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في وجه آلة القتل والتهجير الإسرائيلية، وقد كان لافتًا مشاركة عدد كبير من الفنانين والوجوه العامة، ولاعبي كرة القدم، ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم عبر هذه الوسوم، لإظهار تعاطفهم وتضامنهم الكبير مع الفلسطينيين وقضيتهم.

    share

    لم يقتصر التضامن مع القضية الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة على الجانب الإنساني، بل أشارت الكثير من المشاركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى مقاربات سياسية لافتة بخصوص جرائم إسرائيل وواقع الاستعمار والفصل العنصري 

من أبرز الوسوم المستخدمة والفعالة جاء وسم “#انقذوا_حي_شيخ_الجراح”، الذي كان باكورة الشعارات التي رفعها الناشطون الفلسطينيون ومن ثم العرب، لتتم ترجمته إلى أكثر من سبعة لغات، ويحقّق انتشارًا كبيرًا بكل هذه اللّغات،  وقد استخدم بشكل أساسي للمطالبة بحماية سكان حي الشيخ جراح الفلسطينيين.

    share

    بكل اللغات العالم —

    —- #انقذوا_حي_الشيخ_جراح

    —-#셰이크_자라_지역_구하기

    —-#シェイクの近所を救う。

    —- #Save_SheikhJarrah_neighborhood

    —- #savesheikhjarrah

    —- #Спасти_район_ШейхДжарра

    —- #ŞeyhJarrah_mahallesini_kurtar

    — Mazen Taha ♪ (@Mazigo23) May 10, 2021

    share

    Israel is not a country. It is just a long list of war crimes. #FreePalestine pic.twitter.com/W2vgUBpKbL

    — Andy Ratto (@andyratto) May 11, 2021

وظهرت خلال الأيام الأخيرة عدة وسوم جديدة، أبرزها كان “PalestiniansLivesMatter “، وعمد الناشطون بشكل أساسي من خلاله إلى إجراء المقاربة حول تضامن العالم غير المحدود مع جورج فلويد من خلال وسم “BlackLivesMatter “، في مقابل الصمت تجاه ما يجري مع الفلسطينيين. وقد انتشر هذا الوسم بشكل سريع ووصل إلى النجوم والمشاهير حول العالم، فاستخدمه المحامي والحقوقي الهندي المعروف واريث باتان، الذي يمتلك أكثر من 200 ألف متابع على تويتر، للتأكيد على تضامنه مع الفلسطينيين ودعوته إلى الصلاة من أجلهم. مع الإشارة إلى أن الناشطين الهنود أطلقوا وسم #IndiaStandsWithPalestine أي الهند تقف بجانب فلسطين، للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، بالرغم من أنهم في خضم أزمة صحية كارثية مع تفشي فيروس كورونا الواسع وتسجيل أرقام قياسية بالإصابات في بلادهم.

    share

    #FreePalestine

    Kenya stand with Palestine — pic.twitter.com/FATaDqdlK9

    — Feyzal Haji (@HajiFeyzal) May 11, 2021

    share

    This horrible world we live in, you Don’t see any mainstream media covering this because they don’t give a Fuck #PrayForPalestine pic.twitter.com/67tAdDmdYj

    — Anthony Fowler ———— (@afowler06) May 11, 2021

وبعد ساعات من إطلاق وسم “غزة تحت القصف”، ظهر الوسم نفسه باللغة الإنجليزية #GazaUnderAttacK، الذي لقي بدوره رواجًا كبيرًا في العديد من الدول، فاستخدمه الصحفي الباكستاني المقيم في بريطانيا معتصم الحق، فوق مقطع فيديو قام بنشره لمتظاهرين في العاصمة البريطانية لندن، خرجوا لإعلان التضامن مع الفلسطينيين وحملوا الأعلام الفلسطينية.

    share

    Supporting Palestine isn’t a political thing, it a human thing —-♥️#FreePalestine pic.twitter.com/Yg9qchezXP

    — ——– (@AllezAllezAIlez) May 11, 2021

    share

    Former leader of the Labour party @jeremycorbyn speaking at the protest in London in solidarity of Palestine. #PalestinianLivesMatter #SheikJarrah #Gaza pic.twitter.com/0aa6Njjopu

    — Ihtisham Ul Haq (@iihtishamm) May 11, 2021

واستخدم ناشط من إيرلندا وسم #freepalestine، وعلّق على صور تظهر مقاومة الفلسطينيين للاحتلال بالقول “دعم فلسطين هو ليس أمر سياسي، بل هو أمر إنساني”. بينما استخدم بطل الملاكمة البريطاني أنطوني فاولر، الفائز بالميدالية الذهبية في بطولة العالم في العام 2013، وسم #PrayForPalestine عندما نشر مقطع فيديو لطفل فلسطيني ينتقد الصمت العالمي إزاء الإرهاب الذي يتعرضون له، وعلّق فاولر بالقول “نحن نعيش في عالم مريع. وسائل الإعلام لا تغطي بشكل جيد ما يجري، لأنها ببساطة لا تأبه لما يحصل هناك”.

    share

    Israeli terrorist organization attacks Palestine #IndiaStandwithPalestine#Israil_is_a_terrorist_state pic.twitter.com/BhSrIEqADd

    — Babar Ali (@BABARALI052) May 12, 2021

    share

    1500 Palestinians face expulsion in #Jerusalem. 200 protesters have been injured. 9 children have been killed. Sanctions on South Africa helped free its black people – it’s time for sanctions on Israel to free Palestinians. Join the call. #SheikhJarrah https://t.co/f9R6LYljez

    — Mark Ruffalo (@MarkRuffalo) May 11, 2021

ومن بين المشاركات الملحوظة حضر نجم المنتخب الجزائري وفريق مانشستر سيتي الإنجليزي، رياض محرز، الذي نشر صورة تحوي علم فلسطين مع إشارة نصر، واستخدم وسمي #فلسطين، و#أنقذوا _ حي الشيخ _جرّاح باللغة الإنجليزية، وقد قام عدد من نجوم الدوري الإنجليزي بوضع إعجاب على التغريدة، كلاعبي ليفربول أوريجي وأرنولد، في الوقت الذي كان نجمي المنتخب المغربي حكيم زياش  ونور الدين مرابط يقومان ببث مباشر على انستغرام لجمع التبرعات للشعب الفلسطيني. أما النجم المصري محمد صلاح لاعب نادي ليفربول، فقد ناشد رئيس وزراء بريطانيا عبر تويتر، للتدخل لوقف العمليات العدائية ضد الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن الكيل قد طفح، وقد قام بتغيير صورته الشخصية على صفحته على تويتر، ووضع صورة جديدة يظهر فيها المسجد الأقصى.

    share

    Prayers for all —

    May justice and peace reign! Aameen #AlAqsaUnderAttack #PalestiniansLivesMatter https://t.co/YobPuxGzJG

    — Waris Pathan (@warispathan) May 10, 2021

    share

    I’m calling on all the world leaders including on the Prime Minister of the country that has been my home for the past 4 years to do everything in their power to make sure the violence and killing of innocent people stops immediately. Enough is enough. @BorisJohnson

    — Mohamed Salah (@MoSalah) May 11, 2021

    share

    pic.twitter.com/RkgCm43Oee

    — Mohamed Salah (@MoSalah) May 11, 2021

    share

    ——– #Palestine #SaveSheikhJarrah pic.twitter.com/t1JdD24chc

    — Riyad Mahrez (@Mahrez22) May 10, 2021

كما استخدم المخرج الأمريكي مارك روفالو  الوسم المتعلق بالشيخ جراح باللغة الإنجليزية للتعليق على الأحداث، فقال إن 1500 مواطن فلسطيني محتجز في الأقصى، وتسعة أطفال قُتلوا في غزة، وقال إن العقوبات التي فُرضت في السابق على جنوب أفريقيا ساهمت في تحرير المواطنين الأصليين، وبالتالي يجب اليوم فرض عقوبات على إسرائيل لردعها.

    share

    Turkish football team players of Fenerbahce wear “Free Palestine” jerseys before a league match with Demir Grup Sivasspor to express solidarity with Palestinians under Israeli attack.#FreePalestine #SavePalestine pic.twitter.com/XJQHSKRIHa

    — SJ Jahid Hasan——– (@SjJahidHasan1) May 11, 2021

    share

    حكيم زياش & مرابط في بث مباشر الآن عبر الانستغرام لجمع التبرعات من أجل فلسطين. pic.twitter.com/qKs02VGcRY

    — Amr (@Amr21DS) May 11, 2021

فيما استخدم فيصل حجي من كينيا وسم #FreePalestine ونشر صورة يافطة تجمع العلمين الفلسطيني والكيني وقد كُتب عليها الكينيون يقفون إلى جانب فلسطين، مع اقتباس لعبارة نيلسون مانديلا “حريتنا ستبقى ناقصة طالما لم يحصل الفلسطينيون على حريتهم”. كما  نشر الناشط المقيم في نيويورك أندي راتو عبر الوسم نفسه معتبرًا أن إسرائيل هي ليست دولة، بل مجرد  سلسلة من الجرائم المتتالية.

    share

    Heartbreaking. pic.twitter.com/kKOq2UkiMd

    — Sadio Mané (@SMane_Officiel) May 11, 2021

بدوره، نشر جاهد حسن من تركيا صورًا تظهر لاعبي فريق فنربغشة التركي لكرة القدم، وهم يرتدون قمصانًا كُتب عليها “فلسطين حرة”، قبل إحدى مبارياتهم في الدوري التركي، للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين في وجه آلة القتل الإسرائيلية. في السياق نفسه، كان لافتًا تضامن نجم نادي ليفربول ساديو ماني مع فلسطين، عندما شارك صورة كُتب عليها “فلسطين حرة” وكتب معلقًا “ما يحصل يكسر القلب”.

    share

    Speak up. Risk position and privilege. Doesn’t have to be on social media but it has to be somewhere. Write the letter. Sign the petition. Do it at work. Do it at home. War crime after war crime. #SaveSheikhJarrah #GazaUnderAttack https://t.co/QOzdkXU6V7

    — Naomi Klein (@NaomiAKlein) May 10, 2021

    share

    Devastating to follow the developments in Jerusalem and Gaza… #SaveSheikhJarrah https://t.co/jYx9HP1ewl

    — Greta Thunberg (@GretaThunberg) May 10, 2021

ومن بين المشاركات عبر وسم “انقذوا الشيخ جراح” باللغة الإنجليزية، ووسم “غزة تحت القصف” أيضًا، جاء ما نشرته الكاتبة نعومي كلاين وحظي بانتشار واسع، إذ دعت إلى التضامن، ليس فقط عبر السوشيال ميديا،  بل بالتحرك أيضًا وكتابة رسائل التضامن وتوقيع العرائض، رفقة مشاركتها لمقطع فيديو من المسجد الأقصى. ومن بين 8.228 حالة إعادة نشر لما قالته كلاين، شاركت الناشطة البيئية الشهيرة غريتا ثونبيرغ ما قالته كلاين، وعبرت عن الشعور بالأسى لمتابعة التطورات في القدس وغزة.

 ————————

نافذة مفتوحة على القدس وأخرى على المخيم/ باسل عبد العال

يدور العالم حول عالمه، ويظل الفلسطيني يراوح مكانهُ في هذه الكرة الأرضية التي ما إن تضربها بإصبعك حتى تدور، لتبحث فيها عن بلادك الضائعة بين اللونين الأزرق والبني، أين بلادي على الخريطة؟ وربما أصبحنا نسخر من أسئلتنا لنسأل: أين المخيم على الخريطة الناقصة؟ راوح مكانك. لا إجابة عن السؤال الخطأ في العالم الخطأ. أسكن في المخيم منذ ولدت، في مخيم نهر البارد شمال لبنان، على الطرف السوري، على الحدود التي لا تحدّها حدود، بين الجنسيات التي تتشابه في كل شيء، وتختلف جغرافياً. عند مدخل مخيمي كُتبت عبارة لافتة للنظر، هي: “هذا المخيم هو الأبعد عن فلسطين”. مقارنة بالمخيمات الأخرى، هو الأبعد، نعم. لكن هذا المخيم هو الأقرب إلى فلسطين الروح، لأن العادات والتقاليد فيه ما زالت ثابتة على العادات القديمة في فلسطين؛ المأكل والمشرب ولهجات القرى، هي هي، لأنه المخيم الوحيد الذي ليس له احتكاك مباشر بالجوار اللبناني.

كنتُ أجلس ذات نهار على الكنبة بين النعاس وبين الصحو، أنام وأصحو. شعرت بالهاتف يرتج ارتجاجاً، فقد نسيته صامتاً. فتحت الخط، وإذ بلهجة فلسطينية اخترقت أذني من الوهلة الأولى. تفضّل. مرحبا باسل. أهلاً. أنا شاب من القدس وأعمل إعلامياً في إذاعة. أهلاً وسهلاً، لهجتك لا تختلف عن لهجتي. آه والله أين تسكن يا باسل؟ قلت: في مخيم نهر البارد. صمت، وقال: آسف لا أسمعك، كررتُ له ما ذكرت، قال: هذا مخيم؟ قلت نعم، مخيم في شمال لبنان، قال “ما بعرفش…”

وأردف: أول مرة أتكلم مع شاب من مخيم نهر البارد، واستغربت بأن لهجتك فلسطينية أصلية ” قح زيّنا يعني”… قلت له نعم، لا تختلف بيننا وبينكم، نحن في الشتات فلسطينيون. قال: يا رجل، الفلسطينيون في المخيمات الأخرى في لبنان لهجتهم قريبة إلى اللهجة اللبنانية، لهجتك أنت فلسطينية. المهم، أريد منك أن تحدثني عن المخيم، وعن ظروفكم؟ أريد أن أعرف أكثر عن المخيمات في لبنان، وأريد أن أسافر إلى لبنان كي أعيش في بيروت، فأنا أحب العيش في مدينة مثل بيروت. قلت له مستغرباً: أنت في القدس، وتبغي السفر إلى بيروت كي تعيش فيها؟ قال: بلادي طبعاً عزيزة علينا جميعاً وقدسيتها فينا، وأنت تعرف أننا نفديها بالدم واللحم. لكن أحنّ إلى السفر. سفرك يا صديقي طبيعي، لكن بالنسبة إلى سفرنا الطويل نحن اللاجئين، فهو ليس طبيعياً… فنحن على سفر دائم في المخيم.

بين القدس ومخيم نهر البارد مسافة بعيدة وقريبة من نواحٍ عدة. لم أشعر بالبعد من الوهلة الأولى في التواصل المستمر مع مجد. لكن المجد يا مجد هو أنني لم أتخلَّ عن لهجتي، ولم أتركها تضيع في بلاد الشتات، وهذا ما اعتبرته تحرراً من النسيان الذي قد يجعل الإنسان المشرد، إنساناً عادياً ويتكلم بلهجة منفاه على أنّه وطنه. توقعت أن مجد، ابن القدس، أو ابن ما بين رام الله والقدس، سيسألني في التواصل الثاني، ماذا تأكل؟ أو ماذا طبخت أمك اليوم؟ وسأقول له: مسخّن فلسطيني. ربما سيتفاجأ من جوابي هذا، ويقول لي: يا رجل المسخّن نحن نطبخه هنا. ربما لن يصدق من تواصلنا الثالث أنّ ثوب أمي مطرز بالكنفة الفلسطينية. ولن يصدّق أنني أعيش في مخيم نهر البارد، فيحسبني جارهُ المقدسي، وأمزح معه. يسعدني التواصل مع مجد. يجعلني أعيش متخيلاً نفسي في فلسطين. لكن تخذلني النافذة التي تثبت لي في كل مرة أنني في المخيم، وأضِيق بين نافذتين: نافذة مفتوحة على القدس، وأخرى مفتوحة على زواريب المخيم. ومن سوء حظي أنني مخيّر بإغلاق وفتح الأولى، ولست مخيراً بالتحكم بالثانية، إلا في داخلي النابض بها. وتسعفني ذاكرتي إلى مقولة غسان كنفاني “خيمة عن خيمة بتفرق”. لكن لو سمح لي هنا أن أقول: “نافذة عن نافذة بتفرق”، ويبقى المخيم فلسطين المؤقتة التي تدفعنا إلى تذكّرها الدائم، وتذكّر أحداثها ولا سيما في المواجهات الحالية في القدس (ساحة باب العامود)، حيث خرج الشبّان في مخيم نهر البارد كي يتضامنوا مع شبّان القدس، ووقفوا في ساحة المخيم. وأنا أمرّ من هناك، من شارع السوق الذي يفضي إلى ساحة المخيم التي تحتوي على علم فلسطين، وصورة ياسر عرفات، وخريطة فلسطين، همستُ في داخلي بعد تواصلي مع مجد: يا ليتها كانت ساحة باب العامود، ونحن في مخيم نهر البارد نجتمع بها بعد الإفطار. و”دعسة على راس نتنياهو هناك”. يا ليتها كانت يا مجد، تلك الصرخات تمتزج مع صرخاتنا هنا، يا ليتها كانت يا مجد.

لا نريد للقدس أن تأتي إلى المخيم، بل نريد للمخيم أن يعود إلى القدس. ولو حاولنا نحن في دواخلنا أن نصنع قدسنا بأيدينا، بالفيديو المنشور الذي تدور فيه الكاميرا بتقنية عالية تُشعرنا أننا هناك. نتفحص المكان، ونتحسس حجارة القدس عبر شاشة الهاتف. هذا الحضور التقني جعلني مراراً أتصل بمجد، كي أسأله إذا كان يستطيع أن يرسل شاباً من أصدقائه القريبين من الحرم أو من السور كي يكتب اسمي على ورقة بيضاء، ويأخذ صورة ويرسلها إلي؛ كي أثبت لنفسي أن اسمي وصل قبلي إلى هناك، عابراً جسراً إلكترونياً وفضاءً أزرق. ذات نهار مخيميّ سألني مجد المقدسي: ماذا تقرأ يا صديقي الآن؟ قلت له: الآن فتحت ديوان محمود درويش كي أبحث عن قصيدته الرائعة “في القدس”. هذه القصيدة تختصر مدينة القدس كاملة، قال: اقرأ بعض الأبيات منها، فقرأت: “في القدس/ كنت أَمشي فوق مُنْحَدَرٍ وأَهْجِسُ: كيف/ يختلف الرُّواةُ على كلام الضوء في حَجَرٍ؟ / أَمِنْ حَجَر شحيحِ الضوء تندلعُ الحروبُ؟”

حتى انقطع الاتصال بيني وبين مجد، مع انقطاع التيار الكهربائي في المخيم، وصمتُّ.

——————————-

========================

11052021

——————————–

حيّ الشيخ جراح نموذجاً لممارسة عنصرية مديدة/ ليندا ماهر

لا تبدو مصادفة أن يتصاعد هذا الاستهداف الممنهج ضد الفلسطينيين مع صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أكد أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أو فصل عنصري. فالوقائع في الحي المقدسي تتولى بدورها تثبيت ما دأب الفلسطينيون على المعاناة منه على مدى عقود

تتصاعد وتيرة الوقائع الدامية التي يشهدها حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث يمارس مستوطنون يهود تحميهم الشرطة الاسرائيلية عمليات اخلاء قسري للسكان الفلسطينيين أدت الى حصول صدامات ووقوع جرحى وضحايا بالعشرات.

وهنا لا تبدو مصادفة أن يتصاعد هذا الاستهداف الممنهج ضد الفلسطينيين مع  صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أكد أن إسرائيل هي دولة أبارتهايد أو فصل عنصري. فالوقائع في الحي المقدسي تتولى بدورها تثبيت ما دأب الفلسطينيون على المعاناة منه على مدى عقود وذكرته مؤخراً المنظمة الدولية في تقريرها.

كل الصور والفيديوهات الواردة من وقائع تجري في هذا الحي كشفت للعالم حجم الشراهة الاستيطانية الإسرائيلية.

هنا خلفية عن أحداث الأيام الأخيرة والتقرير الدولي:

من صدامات الأيام الأخيرة في القدس

أثار تقرير “هيومن رايتس ووتش”، الصادر بتاريخ 27  نيسان/ أبريل 2021، الرأي العام العالمي، لما تضمنه من نتائج تحقيقات ميدانية، قامت بها المنظمة، تؤكد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جرائم ضد الإنسانية، مثل جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد” وجريمة اضطهاد الشعب الفلسطيني.

يعيش حوالي 6.8 مليون يهودي إسرائيلي و6.8 مليون فلسطيني في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وهي منطقة تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة. السلطات الإسرائيلية هي القوة الحاكمة الوحيدة التي تمارس سلطة رئيسية في هذه المنطقة، إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني محدود، فتمنح امتيازات ممنهجة لليهود في أغلب مناحي الحياة، وتميّز ضدّ الفلسطينيين، لإبقاء الهيمنة الإسرائيلية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض، ولتحقيق ذلك نزَعت ممتلكات الفلسطينيين، واخضعتهم، وعزلتهم، وفصلتهم قسرًا بحكم هويتهم.

أتى تقرير “هيومن رايتس ووتش” في وقت تشرع فيه السلطات الإسرائيلية إقامة مشاريع استيطانية في قلب التجمعات الفلسطينية شرقي القدس، فشهدت شوارع حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية اضطرابات منذ منتصف شهر رمضان بين الفلسطينيين والمستوطنين على خلفية دعوى قانونية طويلة الأمد ضد عائلات فلسطينية تواجه خطر الإخلاء من منازلها المقامة على أراض يطالب بها المستوطنون، بحجة شرائهم أرض “كرم الجاعوني” التي يقام عليها الحي من جمعيتين استيطانيتين عام 1885 وهم لجنة اليهود السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل( لجنة اليهود الأشكناز)، أي قبل إقامة الحكومة الأردنية على هذه الأرض مساكن لإيواء 28 عائلة فلسطينية من الذين هجروا عام 1948 من أراضيهم.

توالت هتافات المستوطنين خلال الأيام الماضية في وجه الفلسطينين “عودوا إلى الأردن”، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية شبانًا فلسطينيين واستخدمت خراطيم المياه وسائلاً كريه الرائحة لتفريق الحشود، وأصيب عشرات الفلسطينيين في مواجهات عنيفة ودامية في ساحات المسجد الأقصى أثناء تأديتهم صلاة التراويح وخلال الاحتجاجات على الإخلاء المحتمل لعائلات فلسطينية لصالح مستوطنين يهود في حي الشيخ جراح.

الأبارتهايد والاضطهاد

حدد القانون الجنائي الدولي جريمتين ضد الإنسانية والتي تعد من أشنع الجرائم في القانون الدولي، لحالات التمييز والقمع المنهجيين: الفصل العنصري والاضطهاد. فعلى مرّ السنوات، فصل المجتمع الدولي مصطلح الفصل العنصري، “الأبارتهايد”، عن سياقه الأصلي في جنوب أفريقيا، وفرض حظرًا عالميًا على ممارسته، واعترف به كجريمة ضدّ الإنسانية وفقًا للتعريفات المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1973 ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998. وما بعد محاكمات الحرب العالمية الثانية اعتبرت جريمة الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية، وصُنفت كإحدى أخطر الجرائم الدولية، بنفس خطورة الفصل العنصري.

من الأفعال اللاإنسانية التي حددتها اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي، الابعاد القسري، ونزع ملكية العقارات، وخلق محتجزات ومعازل مفصولة، وحرمان الناس من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، وهذا ما يحصل في السنوات الأخيرة مع أهالي حيّ الشيخ جراح خصوصًا وأهالي القدس عمومًا، فقد تم تهديدهم بإخلاء منازلهم ونزع ملكيتها منهم، إضافةً إلى كافة أنواع الانتهاكات في حقوقهم من المستوطنين اليهود،  فيعد استخدام القوة والعنف والإرهاب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لإخراج السكان من منازلهم وإحلال مستوطنات إسرائيلية غير قانوني وتحديًا للمجتمع الدولي وخرقًا لاتفاقيات جنيف ذات الصلة وجريمة ضد الإنسانية بموجب مبادئ وأحكام المحكمة الجنائية الدولية ويعاقب عليها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

كما ذكر تقرير “هيومن رايتس ووتش” الجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بجريمتي الاضطهاد والأبرتهايد، ومن أبرزها: منع الفلسطينيين من زيارة القدس، وإخضاعهم للمحاكم العسكرية وإجراء محاكمات غير عادلة، وحرمانهم من بناء منزل، ومن حرية الرأي والتعبير، عدم السماح بالعودة للاجئين أو المهاجرين أو النازحين.

دولة قومية للشعب اليهودي:

كل ذلك كان يجري ضمن إطار الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية وهو ضمان الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين في كل مناطق إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.  ففي عام 2018، أقرّ “الكنيست” قانونًا ذا مكانة دستورية أكّد أن إسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي”، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة “خاص بالشعب اليهودي”، واعتبر “الاستيطان اليهودي” قيمة وطنية. وللحفاظ على سيطرة اليهود الإسرائيليين، اعتمدت السلطات الإسرائيلية سياسات تهدف إلى تخفيف ما وصفته علنًا بـ “التهديد” الديمغرافي الذي يشكله الفلسطينيون، في حين أن فلسطين تعد دولة طرف في كل من نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري، يُستخدم مصطلح الفصل العنصري” الأبارتهايد” بشكل متزايد فيما يتعلق بإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عادة على سبيل الوصف أو المقارنة وليس بالمعنى القانوني، وغالبًا للتحذير من أنّ الوضع يسير في الاتجاه الخاطئ.

لم ينشأ نظام الأبارتهايد بين ليلة وضُحاها وإنما تأسس واتضحت معالمه بمرور الزمن، وتراكُم هذه الخطوات بمرور السنين وانعكاسها على نطاق واسع في القوانين والممارسة والدعم الجماهيري والقضائي الذي حظيت به، كلها تؤسس للاستنتاج المؤلم أن هذا النظام قد تجاوز السقف الذي يقتضي تعريفه كنظام أبارتهايد. وكل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة – يقوم نظام واحد يعمل وفق مبدأ: تحقيق وإدامة تفوق جماعة اليهود على الفلسطينيين. ولا يخرج هذا عن منطق نظام الفصل العنصري.

نتائج تقرير هيومان رايتس ووتش

يعتمد التقرير على سنوات من البحث والتوثيق من قبل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى، بما في ذلك العمل الميداني الذي أجري في سياق هذا التقرير. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا قوانين إسرائيلية، ووثائق تخطيط حكومية، وتصريحات لمسؤولين، وسجلات الأراضي في إسرائيل. ومن ثم، تم تحليل هذه الأدلة بموجب المعايير القانونية لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد. راسلت هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2020 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتمست وجهات نظر الحكومة بشأن القضايا المطروحة، لكنها لم تتلق ردًا حتى تاريخ نشر التقرير.

لا يقارن التقرير إسرائيل بجنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري أو تحديد ما إذا كانت إسرائيل “دولة فصل عنصري” إنما، يقيّم التقرير ما إذا كانت أفعال وسياسات محددة تنفذها السلطات الإسرائيلية اليوم ترقى في مناطق محددة إلى جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد كما يعرّفهما القانون الدولي. وبناءً لذلك بينت النتائج أن الحكومة الإسرائيلية أظهرت نيتها الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، اقترنت هذه النية بالقمع المنهجي للفلسطينيين والأفعال اللاإنسانية ضدهم، والتي ترقى إلى جريمة الفصل العنصري.

المسؤولون الإسرائيليون ارتكبوا جريمة الاضطهاد. تستند هذه النتيجة إلى نية التمييز الكامنة وراء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، والانتهاكات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي شملت المصادرة الواسعة للأراضي بملكيّة خاصة، والمنع الفعلي للبناء أو العيش في العديد من المناطق، والحرمان الجماعي من حقوق الإقامة، والقيود المجحفة المفروضة منذ عقود على حرية التنقل والحقوق المدنية الأساسية. هذه السياسات والممارسات تحرم ملايين الفلسطينيين بشكل متعمد وبشدّة من حقوقهم الأساسية، ومنها الحق في الإقامة، والملكية الخاصة، والوصول إلى الأراضي والخدمات والموارد، وذلك على نطاق واسع وبشكل منهجي بحكم هويتهم كفلسطينيين.

لطالما طلب الفلسطينيون من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إجراء تحقيقات ميدانية، تكشف حقيقة النظام الإسرائيلي الذي يدعي الديمقراطية، ويمارس سياسات عنصرية، إلا أنه تم تجاهل هذه المطالب بشكل متكرر، وأهمل هذا الملف من جانب المنظمات الدولية الحكومية، فتقرير “هيومن رايتس ووتش” خطوة متقدمة لصالح الشعب الفلسطيني، لما يتضمن من نتائج مبنية على تحقيقات ميدانية، تؤكد على تعرض الشعب الفلسطيني لسياسة الفصل العنصري والاضطهاد. كما يكتسب التقرير أهميته من حقيقة أن المنظمة التي اصدرته هي أكبر منظمة حقوق انسان في العالم ومقرها في نيويورك، أي في عمق صناعة القرار الأميركي والدولي وفي عمق مراكز اللوبي الاسرائيلي.

يفرض ذلك التقرير على المجتمع الدولي اتخاذ خطوة جدية وسريعة، ضد نظام الفصل العنصري، كما يتوجب على السلطة الفلسطينية استخدام هذا التقرير أمام المحكمة الجنائية الدولية، كي لا يتم تجاهله وسحبه من طاولة التداول الدولي، كما حصل في تقرير (الإسكوا) عام 2017 الذي فضح الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وتناول بالتحديد جريمة الفصل العنصري “الأبارتهايد”، ما أدى إلى استقالة “ريما خلف” المديرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة (الإسكوا).

درج

——————————

عن حيّ الشيخ جراح ويعقوب الذي قال لنا كلّ شيء/ أحمد عيساوي

كلام يعقوب الذي لا يقتصر على اعتراف بسرقة المنزل الذي لا يمتلكه، بل يتجاوزه إلى حقّ “الاسبقيّة” في السرقة، تتزاحم فيه مفردات العمارة والمكان والزمان والهوية…

ثمّة كلامٌ كثير يمكن أن يُقال في ما ترتكبه عصابات المستوطنين الصهاينة مدعومةً بقوات الاحتلال في الأحياء الشرقية لمدينة القدس منذ بداية شهر رمضان 2021، فمشاهد العنف والبربرية المشحونة بالعداء تجاه المقدسيين تستعيد صور هبّات شعبية كثيرة، كانت هوية المدينة القديمة عنوانها الأول ومحورها الأساسي. لكنّ الانتفاضة الاخيرة تفرض لحظتها الاستثنائية : تلك التي تتكثّف فيها كل دلالات “التخلّي” العربي عن فلسطين بوصفها قضية تاريخية مركزية وتحيلها إلى واقع رسميّ مرّ لا صوت يعلو فيه فوق صوت التطبيع.

من بين جميع المقاطع المصوّرة التي يشاركها المقدسيون على شبكات التواصل الاجتماعي، ثمّة مشهد لا يشبه أيّ مشهد آخر، تفوّق على هتافات باب العامود وإزالة الحواجز، على قنابل المولوتوف، على الاشتباك من مسافة صفر، على كلّ ما يمكن عدّه شكلاً من أشكال المقاومة اليومية. ولهذا التفوّق البصري والفرادة الصوتية أسبابٌ لا علاقة لها بتمظهر العنف الجسديّ الذي يحتلّ مساحة واسعة من يوميّات الفلسطينيين. محادثةٌ من نصف دقيقة، تدور أحداثها في حي الشيخ جرّاح المقدسي بين مستوطن إسرائيلي اسمه يعقوب وسيّدة فلسطينية اسمها منى الكرد، يستنكر فيها يعقوب طلب الكرد مغادرة منزل عائلتها ويعلّل هجومه على البيت بعبارة “إذا لم أقم أنا بسرقة المنزل سيقوم غيري بهذا الفعل”.

لعبارة يعقوب معانٍ ودلالات كثيفة وفيها تتبلور مفاهيم كثيرة، كالجريمة والحقيقة والإنكار والسفالة. وهي إذ تنطوي على اعتراف واضح وصريح من المستوطن بفعل السرقة، فإنّها تقدّمه في إطار يجعل من هويّة السالب صاحب حقّ ومن المسلوب شاهداً على هذا الحقّ. قرّر يعقوب (المستوطن) أنه يمتلك القدرة على صوغ حقيقةٍ متخيّلة، تشبه إلى حدّ ما، في مقاربة الهزل والجدّ، رغبة يعقوب (النبي) في حصوله على البكوريّة في سفر التكوين وفي ذهابه إلى التحايل على بصر والده اسحاق وضعف أخيه عيسو وتعبه وجوعه، من أجل تحقيق ذلك. تحايل يعقوب على أبصارنا جميعاً في حي الشيخ جرّاح وقدّم مثالاً صارخاً على تاريخ دولة اسرائيل وحاضرها في نشأتها وقيامها على شعار الحقّ للقوة لا القوّة للحقّ وفي استمراريتها على ممارسات القتل والترهيب والتهويد. دولةٌ تنتقم بشكل يوميّ من البشر والحجر والشجر، لا يثنيها أحد، أو شيء أو قانون عن متابعة الجريمة المنظّمة منذ عام 1948.

كلام يعقوب الذي لا يقتصر على اعتراف بسرقة المنزل الذي لا يمتلكه، بل يتجاوزه إلى حقّ “الاسبقيّة” في السرقة، تتزاحم فيه مفردات العمارة والمكان والزمان والهوية: بيتٌ مقدسي تمتلكه عائلة فلسطينية بموجب اتفاق مبرم بين الحكومة الاردنية ووكالة الغوث عام 1956، يتعرّض لهجوم من قطعان المستوطنين في لحظة تسعى فيها إسرائيل إلى طمس هوية القدس وتفكيك كلّ صلاتها الاجتماعية وشبكاتها الأهلية كمقدّمة لإلحاق المدينة القديمة بمشاريع الضم الاستيطانية وتثبيت هويّة جديدة، يهودية، فيها. تلك الهويّة الاختزالية، الانتقائية والعنصريّة هي هويّة إسرائيل المبتغاة التي تقوم على ضرب هويّة أولى، أصليّة وراسخة.

على أنّ كلام يعقوب التافه والمستفزّ في آن، والذي واجهته منى الكرد بإصرارها على البقاء ورفضها أي تهجير جديد ونكبة ثانية، لا يعدو مجرّد تعبير ذاتي وفرديّ فيه خيانه لأساليب الإنكار المتكرّرة التي يلجأ إليها المستوطنون لتبرير استيلائهم على أراضٍ وممتلكات فلسطينية، بل ترجمة صادقة لخلاصات جمعيّة تعني عدم الاكتراث في ما يصدر عن المتلقّي في لحظة المواجهة أو في لحظة الاستكانة. ما يُقال اليوم في وجه 50 عائلةٍ مهدّدة بالطرد من حي الشيخ جرّاح بقرار من محكمة تابعة للاحتلال، يُقال بجرأة تلامس الوقاحة وبأسلوب يستدعي فيه المجرم كلّ معاني اللامبالاة وعدم الاكتراث للحقائق والوقائع.

ولعلّ قوّة المقطع المصوّر وبلاغة معانيه وكثافتها وحضور كلّ التناقضات فيه بين السالب والمسلوب، بين المجرم والضحيّة، بين صاحب الحقّ والمعتدى عليه، أكسبت المشهد فردانيّة خاصّة وجعلت بوح يعقوب أصدق تعبير عن معاش المقدسيين ومأساتهم.

درج

—————————–

ابتسامة المقدسي وهي تمتدح إسرائيل/ عمر قدور

أصبحت بمثابة ظاهرة صورُ المقدسيات والمقدسيين المبتسمة لحظة قيام الشرطة أو القوات الإسرائيلية باعتقالهم، بل قد لا يتأخر كثر في وصفها بانتفاضة الابتسامات. وكما هو متوقع، سيكون من السهل اعتبار هذه الابتسامة سلاحاً مقاوِماً، ومن الأسهل تالياً وصفها بابتسامة التحدي، لتُسجن في إطار الوصف، وليتغلّب التسييس القسري الضيق على رحابة تلك الوجوه المبتسمة ابتساماتٍ لصيقة بالحياة لا تلهث وراء أن يُقبض عليها في صورة وإطار.

سرعان ما سيأتي التسييس المقابل، المتربص بدوره، فابتسامة الفلسطيني تصبح بموجبه تعبيراً عن الارتياح لما يلي الاعتقال، حيث يدرك الفلسطيني أو الفلسطينية شروط السجن الذي سوف “ينعم” به. بالطبع يجهر هذا النوع من التسييس بمرجعيته التي تقارن أحوال المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بأحوال نظرائهم في سجون الأنظمة العربية، سواء كانوا من مواطني تلك الدول أو من اللاجئين الفلسطينيين إليها الذين يذوقون في السجون العربية أصنافاً من القهر والتعذيب تتميز بها عن الإسرائيلية.

وفق المقارنة السابقة، تأتي ابتسامات المقدسيين والمقدسيات كأنما تمتدح إسرائيل، فأصحابها ذاهبون إلى اعتقال هو نزهة بالمقارنة مع السجون العربية. وما يعرفه الفلسطيني عن “رخاء” السجون الإسرائيلية ينزع عن ابتسامته فرضية التحدي التي يسوقها المتحمسون لابتسامته، لتكون ابتسامة العارف بكافة تبعات فعله، وهو ما ينزع عنها أيضاً فرضية العفوية “على الأقل في الابتسامات الأولى التي رصدتها الكاميرا”، وافتراض العفوية مهمَل بطبيعته لأنه لا يخدم التسييس والتسييس المقابل.

في وسعنا أن نضيف إلى الوصف ما يظهر من نضارة في تلك الابتسامات، نضارة ليست ابنة اللحظة، نضارة لا بد أن يكون لها عُمر مطابق لعيش قريب جداً من العيش الطبيعي، إذا لم يكن ذلك العيش الذي صار يُسمى عادياً بمقاييس العصر. لا نلمح في غضون الابتسامات إرثاً من القهر يعكّر صفوها، وهذه الملاحظة “لمن يشاء” يسهل تسجيلها لصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي احتفظ لأولئك الشبان والشابات بقدرتهم غير المقيَّدة أو المحدودة على الضحك، وصولاً إلى الضحك منه وعليه.

نستطيع تالياً القول أن شباناً في بلدان عربية لا يستطيعون الابتسام لحظة الاعتقال، ومن المؤكد أنهم لو فعلوا سيدفعون ثمن ابتساماتهم غالياً جداً فوق التعذيب المتوقع أصلاً، وهم إذا ابتسموا يصعب أن تصدر عنهم تلك الابتسامة النضرة الصافية. إن إرثاً متوالياً من القمع والقهر في هذه البلدان سيجعل من الصعب أو المستحيل صدور تلك الابتسامة التي تضمر عدم التعرض لذلك الإرث، من دون أن نحجب عن أصحابها أنواعاً أخرى مختلفة من المعاناة الخاصة.

نستذكر بهذه المقارنة إرث سلطات الاستبداد العربية الذي في إحدى نتائجه يحرم ضحاياه من القدرة الطبيعية على الابتسام والضحك، وأن تقترن هذه القدرة بسياق معيشي اعتيادي، لا أن تُنتزع من ذلك السياق خلسة أو عنوة. من هذا التفصيل، الذي قد يبدو صغيراً أو هامشياً، تنفتح نافذة أخرى للمقارنة بين إسرائيل وأنظمة القمع، من دون “الهرولة” إلى امتداحها عطفاً على عدم التمييز بين طبيعة الطرفين وما ينجم عنها.

كان السلوك الأسدي آخر وأقرب مثال فاقع للمقارنة، فمنذ انقلاب الأسد عام1970 لم يسلم السوري والسوري الفلسطيني، ثم اللبناني والفلسطيني في لبنان، من براثن تلك الآلة الجهنمية التي تعمل خارج السياسة، بل تعمل ضد السياسة ومن أجل استبعادها نهائياً. لم يكن هناك في أي وقت لدى الأسد الأب أو الابن هدف سياسي يُراد تحقيقه، كان الهدف دائماً هو احتكار السلطة ومغانمها، مع العمل بشتى الوسائل وأقساها على عدم بروز منافسين يهددون ذلك الاحتكار، وفي مقدمها الوسائل الوقائية الاستباقية.

تبرز واحدة من المغالطات الشائعة في النظر إلى حكم الأسد كمعاقِب للسوريين عندما يتجرؤون على “اقتراف” السياسة، فهنا يُنظر فقط إلى العنف المفرط الذي قابل به الحكم محاولات الاعتراض بدءاً من السبعينات وصولاً إلى الثورة. هي نتيجة مختزلة جداً لا تلحظ مثلاً أن إفقار الشرائح الأوسع لا يحركه جشع احتكار الثروة فحسب، بل أيضاً الإمعان في قهر معظم السوريين، ولا تلحظ في مثال آخر الحضورَ المستدام الطاغي لأجهزة المخابرات، أو الاعتقالات الموصوفة بـ”العشوائية” وهي ليست عشوائية على الإطلاق ما دامت تؤدي وظيفة القهر المعمم.

من دون الإسهاب في سرد كل ما راكمه حكم الأسدَيْن من مقومات البؤس والقهر، لا يصعب علينا استخلاص ما يشبه البديهية من حيث ارتباط الضحك بالحد الأدنى من الحرية، ولا يصعب الانتباه إلى أن ثقافة الاستبداد معادية للفرح وللمرح بطبيعتها، سواء امتلكت أيديولوجيا معادية لهما أو اكتفت بالجشع الذي لا يشبع إلى السلطة. في المحصلة، هناك شعوب بغالبيتها الساحقة تتمنى لو تتاح لها تلك الابتسامة النضرة الصافية التي لا يتخللها خوف سابق، أو خوف مما سيأتي. في الواقع رأينا بعضاً من الفرح والمرح في لحظات قليلة من الإحساس بالحرية رافقت الانتفاضات والثورات العربية هنا وهناك، قبل الانقضاض عليها سريعاً من أعداء الحرية والفرح معاً.

لنتخيَّلْ أن يواجه أحدٌ ما نتنياهو مشبِّهاً إياه ببشار الأسد، وكيف سينتفض هذا اليميني المتطرف الفاسد إحساساً حقيقياً منه بالإهانة. لا نستبعد أن يتمنى نتنياهو في قرارة نفسه لو يستطيع إبادة الفلسطينيين والتنكيل بهم كما يفعل بشار بالسوريين، بل لا نستبعد إن كان يتمنى في قرار نفسه لو يستطيع التنكيل بخصومهم “اليهود” ليستأثر بالسلطة بلا منازع، إلا أن وجود نظام سياسي يكبّله، مثلما يكبّل أي مسؤول إسرائيلي آخر، سواء تجاه الفلسطينيين أو تجاه الخصوم السياسيين.

السياسة، لا الجشع إلى السلطة والاستئثار بها، هو ما يحكم السلوك الحكومي الإسرائيلي. من ذلك، استخدام وسائل ضغط محددة ضد الفلسطينيين، من أجل انتزاع مكاسب محددة أيضاً. إن قوة القهر الموجودة تعمل حثيثاً، من دون العمل أوتوماتيكياً أو خارج الهدف المحدد والمتغير بحسب الظروف، ولا غرابة في أن يكون أسوأ ما في تاريخ الممارسات الإسرائيلية مستلهماً من ممارسات الحروب الأهلية، أي على قاعدة “حرب الوجود” التي تغنى بها العرب من دون ممارستها.

تتعيش المقارنة بين إسرائيل وأنظمة القمع المجاورة، وتالياً امتداح إسرائيل، على الاستعداد المطلق للطرف الثاني من المقارنة لاستخدام شتى أصناف العنف، بينما يفترض أصحابها قدرة إسرائيل على ارتكاب الأفعال نفسها لولا ترفّع حكامها عن الانحطاط إلى مستوى الجيران. إلا أن بنية النظام الإسرائيلي لا تسمح بتحقق أسوأ مخيال عربي عن وحشيته، ولا تسمح بالتحول إلى نظام قمعي مشرقي، هذا التحول ينسف أساس وجود إسرائيل وجاذبيتها الضرورية لاستقطاب يهود العالم. هو أيضاً ينسف انتماء إسرائيل إلى المنظومة الغربية، ورغم كل ما قيل “بحق أو بغير حق” عن تجاهل الغرب الممارسات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين فإن هذا التجاهل لا يرقى إلى تجاهل الغرب نفسه تلك الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها الأنظمة العربية. على الأقل يعاتب الغرب تل أبيب بناء على القيم المشتركة بين الجانبين، في حين لا قيم مشتركة تجمعه بأي طاغية عربي، ولا رأفة أيضاً بشعوب المنطقة التي لا يُنظر إليها كشريك.

تُقارَن إسرائيل بالقيَم التي ينسبها قادتها إليها وبانتمائها للمنظومة الغربية، ومن الخطأ الإصرار على مقارنتها بمجموعة من مهووسي السلطة في الجوار. هذه المقارنة التي تطل من مناسبة لأخرى تمتدح إسرائيل بغير وجه حق، وتمتدح الأنظمة بوضعها في مقارنة غير مستحقة. ربما تجوز المقارنة يوماً، عندما يتمكن أبناء المنطقة من الابتسام كما يفعل المقدسيون، وحتى ذلك الحين لا معنى لانتشار وسم “أنقذوا حي الشيخ جراح”، لا معنى له إذ يُكتب بالعربية. 

المدن

——————————-

من كربلاء إلى القدس: الجريمة المقدسة والفساد المقدس/ حازم الأمين

تحضر الجريمة في كربلاء في موازاة الجريمة في القدس، تماماً مثلما تحضر الأخيرة في موازاة جريمة اتفاقات ابراهام بوصفها تفويضاً للمستوطن بالسطو على حي الشيخ جراح.

 نظرياً قد لا يجمع رابط بين الوقائع الدموية التي يشهدها العراق، وتلك التي تجري في فلسطين، سوى دمويتهما ومشرقيتهما! لكن المرء إذا ما أعمل مزيداً من سوء النوايا بأنظمة هذا الإقليم البائس، وهو ما عليه أن يفعله، سيعثر على مزيد من العلاقات العنفية التي تربط عواصم هلال البؤس والاستبداد، من القدس إلى بغداد، ومن طهران إلى دمشق، مروراً ببيروت النائمة بدورها على انهيار وانفجار واحتمالات مجاعة.

نيران إسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، وفرق موت عراقية مدعومة من طهران تقتل الناشط والصحافي إيهاب وزني برصاصة في رأسه في مدينة كربلاء (المقدسة)، ورصاصة أخرى تصيب الصحافي أحمد الحسن في مدينة النجف (الأشرف)! وبين النجف عاصمة (التشيع الأولى)، والقدس (ثاني القبلتين)، جرائم موازية في محيط المسجد الأموي في دمشق، هناك حيث يستعد رئيس النظام السوري بشار الأسد لإجراء انتخابات يجدد فيها العهد على مزيد من الجرائم، وليس بعيداً منه يقيم صديقه وحليفه في بيروت ميشال عون جمهورية “الفساد المقدس” المحمي بسلاح المقاومة، وهو السلاح الذي يمت بعلاقة قرابة مع سلاح فرق الموت العراقية.

قد يبدو مشهد العلاقات بين فوهات البنادق المشرقية معقداً، إلا أنه في لحظة كهذه مكشوف إلى حدود مذهلة. فالموت الذي يخلفه متشابه إلى حدٍ كبير. في الفيديو الذي ظهر فيه قتلة إيهاب وزني في كربلاء عناصر قد يخطؤها المرء فيعتقد أنها لمستوطن يغزو حي الشيخ جراح. الوجوه مكشوفة وهويات أصحابها معروفة لدى الناس في كلا الموقعتين. في بيروت الفساد الذي صار دموياً بعد انفجار المرفأ بدوره مكشوفة وجوه أصحابه. القتلة الذي تسببوا بكارثة تدمير المدينة معروفون، ولا يوارون وجوههم. أما المهزلة الدمشقية المتوجة بانتخابات التجديد لبشار الأسد، فهي بدورها قصة جريمة معلنة لا يشيح فيها القاتل وجهه عن الكاميرا.

لا يمكن مقاومة الشبه الذي تنطوي عليه الجريمة المعلنة في العراق والسطو المعلن والمصور في حي الشيخ جراح. قتلة الصحافي أحمد عبد الصمد في البصرة (جنوب العراق) أُعلنت أسماؤهم وبدل أن يتواروا عن الأنظار لجأوا إلى بغداد حيث تحميهم فصائل من الحشد الشعبي، تماماً مثلما فعل ذلك المستوطن الذي راح يقول للسيدة الفلسطينية أنه ما لم يحتل منزلها فسيأتي غيره ليحتله. ألا يردنا هذا الفعل إلى ذاك؟ انعدام الحاجة لتورية وجه القاتل في كلا الحالين هو مرحلة جديدة من مراحل الجريمة.

بين “القتل المقدس” في العراق، و”السلاح المقدس” في بيروت، يترنح أهالي حي الشيخ جراح في القدس بين عسف الجريمة الإسرائيلية وطموحات استثمار أنظمة الاستبداد، المستعينة بالظلامة الفلسطينية، لكي تقتل في كربلاء وتعيث فساداً وموتاً في بيروت، وتهين أهل دمشق المنكوبة بانتخابات هزلية. إنه الجسر المشرقي عينه، ذاك الذي جرى بناؤه في موازاة الحرب على “داعش”. الجسر الذي تطلب بناؤه إزالة الموصل وحلب والرقة وعشرات المدن، والذي ادعى أصحابه أنهم بصدد فتح الحدود للوصول إلى خط المواجهة مع إسرائيل، فاذا بهم يقيمونه لنجدة بشار الأسد في دمشق ولإيصال ميشال عون إلى بعبدا، أما القدس فليست جزءاً من الهموم. وهم اذ يتلقون الضربة الإسرائيلية تلو الضربة، “يؤجلون” الرد إلى حين اكتمال الجريمة!

نعم تحضر الجريمة في كربلاء في موازاة الجريمة في القدس، تماماً مثلما تحضر الأخيرة في موازاة جريمة اتفاقات ابراهام بوصفها تفويضاً للمستوطن بالسطو على حي الشيخ جراح. وتحضر أكثر إذا ما أراد المرء رصد مستويات العنف كممارسة سياسية وحيدة في هذا المشرق البائس. العنف كعلاقة “ضرورية” بين أنظمة صارت تدرك أن لا سبيل لبقائها سوى بالمزيد منه، وأن الحروب هي ضمانة استمرارها، وأن الجريمة هي الرسالة الوحيدة التي تخاطب عبرها مجتمعاتها. نعم من كربلاء إلى القدس هذا هو المشهد.  

درج

———————–

حيّ الشيخ جراح “نكبة” فلسطين الجديدة

—————————

وقائع حي الشيخ جراح في ميزان اتفاقات ابراهام

إذا صحت مقولة الكرد عن أنفسهم “لا صديق للكرد إلا الجبال”، فيمكن اجتراح مقولة موازية للفلسطينيين: “لا صديق للفلسطينيين إلا الفلسطينيين”.

لنضع ما يحصل في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية في ميزان اتفاقات “ابراهام” التي يفترض، وبحسب ما هو معلن، أن الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اشترطتا فيها وقف الزحف الاستيطاني، في مقابل الاعتراف بإسرائيل ومباشرة علاقات ديبلوماسية معها! هذه المعادلة على ما فيها من ضيم بحق الفلسطينيين ومن اعتداء على حقوقهم، تم انتهاكها من قبل الدولة التي تحتفل إمارات الخليج وممالكه بمباشرة علاقات معها. علماً أن واقعة الحي المقدسي لم تحرك بالدول الموقعة على اتفاقية ابراهام ساكناً، ولم تشعرها بأن ما وقعت عليه تم انتهاكه.

إنما لهذه المعادلة وجه آخر تتحول فيه الملهاة إلى مأساة. فالاتفاقية تضمنت الاعتراف بإسرائيل في اللحظة التي أعلنت فيها الأخيرة ضم القدس! وهو ما يعني أن “ثاني القبلتين” غير مشمولة بشرط وقف “الزحف الاستيطاني”، وهو ما قد يعطي المفاوض الإسرائيلي، في حال قررت حكومتا أبو ظبي والمنامة الانتفاض لكرامة الاتفاق الذي وقعتاه، ورقة صلبة مفادها أنهما اعترفتا بإسرائيل التي ضمت القدس. ونحن هنا نتحدث عن القدس كلها، لا قسمها الغربي! ووقف الزحف الاستيطاني يعني مناطق الضفة ولا يشمل القدس.

والحال أن شراهة المستوطنين الزاحفين على “الشيخ جراح”، وما تنطوي عليه دعاويهم من أبعاد خرافية وعنصرية والتهامية، كشف إلى حدٍ كبير الورطة التي وضعت أبو ظبي والمنامة نفسيها فيها، لجهة أنهما حيال شريك سيواصل انتهاك اتفاق جعلتاه “إنجازاً” وتواصلان الاحتفال به في إعلامهما والتسويق له بوصفه اختراقاً في جدار الصراع المستعصي. فإسرائيل التي باشرت اقتلاع العائلات الفلسطينية من ذلك الحي هي بعينها التي وقعت الاتفاقات. أقدمت على الفعلتين باليد ذاتها، أي بيد اليمين المتحالف مع اليمين الديني. إنها يد بنيامين نتانياهو الممسكة بإسرائيل منذ 4 دورات انتخابية، وهذا تفصيل لم يثر بحكام الجيل الجديد في الخليج حساسية ولم يدفعهم إلى الحذر، ذاك أنهم انقادوا في حينها وراء “صفقة القرن” التي انقضى زمنها مع رحيل ترامب، ولم يبقَ منها سوى اعترافهم بإسرائيل وعاصمتها القدس!

لكن ما يحصل في حي الشيخ جراح يتعدى فاجعتنا باتفاقات ابراهام، فالخرافة الإسرائيلية القائمة على “دولة الناجين” ترنحت مرة أخرى، وظهر على نحو جلي ومصور وموثق أن الخرافة يتم ابتذالها في حي صغير في القدس الشرقية. هؤلاء المستوطنون يصرفون حكاية اليهود في أوروبا الوسطى والشرقية في مشهد انتهاكي مواز في القدس الشرقية. الوقائع نفسها. أحكام قضائية بالإخلاء ومصادرة الأملاك، والترحيل إلى مخيمات محاصرة. إنها خيانة يرتكبها أحفاد الناجين، بحق الملايين ممن شملتهم تلك الإبادة.

وهنا أيضاً يحضر نتانياهو بوصفه ابن المؤرخ الذي لطالما احتقر خرافة الناجين. نتانياهو الذي يشبه زمنه ووجوه زمنه، بدءاً من فلاديمير بوتين ومروراً بدونالد ترامب، ووصولاً إلى بشار الأسد الذي يقصفه ويحميه في آن واحد. نتانياهو الذي وقع اتفاقيات ابراهام، والذي يفاوض الإخوان المسلمين (القائمة الموحدة) ليكونوا الممثلين الحصريين لعرب الـ48 في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي. الرجل غير معني بأي التزام يتعدى مصالحه المباشرة.

إذا صحت مقولة الكرد عن أنفسهم “لا صديق للكرد إلا الجبال”، فيمكن اجتراح مقولة موازية للفلسطينيين: “لا صديق للفلسطينيين إلا الفلسطينيين”. الانتفاضة الأولى أثبتت ذلك، وتدفق السلاح في الانتفاضة الثانية وغرقت فلسطين بانقسام ما زال متواصلاً إلى اليوم.

ومرة أخرى تبدو مهمة “إعادة فلسطين إلى الفلسطينين” ملحة وضرورية، ذاك أن عدالة القضية يمكن أن يظهرها مشهد المواجهة “حي الشيخ جراح” أكثر مما يمكن أن تفعله مواجهة مع “حماس” على خطوط القتال في غزة. كما يمكن هذا المشهد أن يكف يد الراغبين في بيع القدس إلى نتانياهو مقابل وعود جاريد كوشنير السياحية.

——————————-

حيّ الشيخ جراح: النكسة في قلب النكبة/ ليندا ماهر

“دخلت الشيخ جراح وأنا عمري أربع سنوات، كنا لاجئين من حيفا، ليس لدينا طعام وشراب وعمل، ووضعنّا الاقتصادي سيء؛ فكان الشيخ جراح جنتّي وملجئي بعد كل ما حصل… فإخلائي لمنزلي وتهجيري القسري يعني تجريدي من ذكرياتي”

18 فرداً من عائلة حماد من ضمنهم 8 أطفال مهددون بالتهجير من منزلهم في حي الشيخ جراح في شمال مدينة القدس، في حال تم الاستيلاء على منزل العائلة الكبير. بيأسٍ شديد وواضح في نبرات عارف حماد (70 عامًا) يقول لـ”درج”:” الشيخ جراح تعني لي عمري كله، لا أستطيع الكلام عن الموضوع، الظلم الذي أشعر به يمنعني من الكلام؛ لكننّا سنبقى صامدين في هذا البيت حتى آخر نفس”.

يشير حماد إلى أن ما يحصل الآن في الشيخ جراح هو نفسه ما حدث خلال نكبة فلسطين عام 1948 يقول:”” تهجرت عائلتي في النكبة من حيفا، وولدت أنا في عام 1951، وبحسب ما كان يرويه جدي ووالدي عن أحداث النكبة، فهي نفسها ما يحصل معنّا الآن وكأن الزمن يكرر نفسه، وهجرتهم ترتسم أمام عيني. أتخيل المنفى، ومغادرة البيوت، والأرض، فتنفيذ هذه القرارات الجائرة ستجعلنّا مشردين من جديد، وسنصبح مهاجرين ولاجئين جدد”. يؤكد حماد أن الهدم أهون عليه من إخلاء البيت، ففي النهاية تبقى قطعة الأرض ونستطيع أن نبني عليها من جديد.

 يواجه أهالي حيّ الشيخ جرّاح شمال البلدة القديمة للقدس منذ أكثر من 40 عاماً مُخطّطاً إسرائيليّاً لتهجيرهم من بيوتهم وبناء مستوطنة فوق أراضيهم. بدأت قصة هذا الحي عام 1956، عندما اتفقت الحكومة الأردنية مع الأونروا على إسكان 28 عائلة فلسطينية من لاجئي النكبة، فوق أرضٍ تسمى “كرم الجاعوني” في الشيخ جراح، ووفق الاتفاقية، وبعد 3 سنوات من الإقامة في بيوتهم الجديدة، تُسجّل ملكية البيوت والأرض بأسماء العائلات في الطابو الأردنيّ، لكن ذلك لم يحصل أبداً!

بداية المشكلة

 بعد الاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس عام 1967، اقدمت جمعيات استيطانية، لجنة من طائفة السفارديم ولجنة من الكنيست (لجنة اليهود الأشكناز) على احتلال منزل عائلة الشنطيب التي كانت في زيارة للكويت خلال الحرب، وقامت نفس الجمعيات بالاستيلاء على مغارة في الحي بدعوى انها مغارة “شمعون الصديق”، باعتبارها مكاناً مقدساً، وتم تحويل منزل الشنطي الى مكتب لهم. ثم قدمت الجمعيات الإستيطانية طلبات للمحاكم الإسرائيلية لإخلاء بقية الأهالي بيوتهم بادعاء ملكيتها لقطعة الأرض التي يسكنون فوقها (حوالي 18 دونماً)، ومنذ ذلك العام توالت جلسات المحاكم الإسرائيلية، والتي ظهر فيها بشكل واضح التواطؤ مع الجمعيات الاستيطانيّة، إذ رفض القضاة النظر في طلبات السّكان الفلسطينيّين لإثبات الملكيّة.

في العام 2008، هُجّرت عائلة أم كامل الكرد من منزلها، وفي العام 2009، هُجّرت عائلتا الغاوي وحنون، وفقدت عائلة نبيل الكرد نصف منزلها. واليوم تستوطن في المنازل عائلات مستوطنين. وفي مطلع عام 2021، أصدرت محكمة اسرائيلية قراراً جديداً يُمهل 4 عائلات من الحيّ حتى آيار/ مايو القادم لإخلاء منازلهم (كرد، قاسم، جاعوني، سكافي)، و3 عائلات أخرى حتى آب/أغسطس القادم (حماد، ديجاني، داودي). حسب تقرير صدر من الائتلاف الأهلي لحقوق الإنسان في القدس في 31 يناير/ كانون الثاني 2021 تم تصنيف عائلات الشيخ جراح وعدد الأفراد المهددين بإخلاء بيوتهم:

الشيخ جراح جنتي وملجئي

تنهيدة ألم طويلة خرجت من صدر السبعيني المهدد بإخلاء منزله قبل مايو/ آيار 2021 نبيل الكرد، عندما تَحدَّث عن حياته وطفولته في حيّ الشيخ جراح فيقول: “دخلت الشيخ جراح وأنا عمري أربع سنوات، كنا لاجئين من حيفا، ليس لدينا طعام وشراب وعمل، ووضعنّا الاقتصادي سيء؛ فكان الشيخ جراح جنتّي وملجئي بعد كل ما حصل، تربيت وكبرت فيه وتعلمت في مدارسه وصليت في مساجده، وتزوجت من بناته. كل ذرة تراب وشجرة وحجر في هذا الحيّ تعني لي الكثير، هذا وطني الصغير، فإخلائي لمنزلي وتهجيري القسري يعني تجريدي من ذكرياتي وتاريخي في هذا الحيّ”.

يعتبر الكرد أن ما يحصل معه الآن في الشيخ جراح هو “تهجير للمرة الثانية”؛ لأن المرة الأولى كانت عندما  تم منعه هو وعائلته من بيته الذي بناه في الحيّ واستولى المستوطنون على نصفه في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، وتغريمه مبلغ 97 ألف شيكل (حوالي 30 ألف دولار)، وإعطائه أوامر بهدم البيت وإدخال المستوطنين للعيش فيه. يقول الكرد:” الأرض التي بنيت عليها البيت، كلها ملكي؛ وأعيش حاليًا مع عائلتي المكونة من 8 أفراد في مساحة حوالي 75 متراً، بينما استولى على الشقة التي بنيتها للتوسع مستوطن جاء من أميركا قبل 13 عاما، بحجة أن البيت الذي أسكن فيه حاليًا والذي منحني اياه اتفاق الحكومة الأردنية والأونروا، كانت والدته هي التي قامت ببنائه”.

عام 2016، أجرى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عملية مسح أظهرت أن 818 فلسطينيًا معرضون لخطر التهجير بسبب قضايا الإخلاء المرفوعة ضدهم في القدس الشرقية. وكشف مسح مُتابع في عام 2020 أن ما لا يقل عن 218 أسرة فلسطينية لديها قضايا إخلاء مرفوعة ضدها، معظمها من قبل منظمات المستوطنين، مما يعرض 970 شخصًا، من بينهم 424 طفلًا، لخطر التهجير. تم تحديد غالبية الحالات الجديدة في منطقة بطن الهوى بسلوان، والتي تعتبر المجتمع الذي يضم أكبر عدد من الأشخاص المعرضين لخطر النزوح، بسبب حالات الإخلاء المستمرة. بين عامي 2017 و 2020، طردت قرابة 15 أسرة، تضم 62 فلسطينيًا، من منازلها في البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح في القدس الشرقية.

الشيخ جراح قضية سياسية وليست قضية محاكم

يقطن 32 فردًا من أسرة الصبّاغ، بينهم ستة أطفال، في منزل العائلة، بينما يلحق الضرر بـ19 فردًا آخر وخمس أُسر من العائلة، بسبب القضية التي رُفعت عليهم في محكمة الصلح منذ عام 2010. العائلة قدمت طلباً للمحكمة المركزية للبحث في ملكية الأرض عام 2012، والتي بدورها رفضت الطلب لازدياد لتأخرهم 15 عاماً في رفع القضية، ثم توجهوا للمحكمة العليا والتي كان ردها “لا يحق لكم المطالبة بالملكية”. يقول محمد الصباغ (70 عامًا):” استطاع المحامي أن يُحول القضية من المحكمة العليا إلى محكمة الصلح عندما استلمنّا قرار الإخلاء في 3 يناير/ كانون الثاني 2019، وتم تجميد القرار إلى حين النظر في قضيتنّا مرة أخرى في محكمة الصلح؛ ولكن للأسف كان ردها هي الأخرى عدم أحقيتنّا في المطالبة بالملكية، فقمنّا باستئناف القرار في المحكمة المركزية، ووافقت على البحث في القضية مرة أخرى؛ لكن بعد دفع مبلغ 35 ألف شيكل (10 آلاف دولار)، وما زلنّا ننتظر لغاية الآن قرارها”.

وفي العام 1967، وبعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية وضمّها إلى إقليمها في مرحلة لاحقة، سنّت قانون أنظمة القضاء والإدارة في العام 1970، والذي يجوز بموجبه للإسرائيليين رفع الدعاوى للمطالبة بالأراضي والممتلكات التي يُدِّعى أن يهودًا كانوا يملكونها في القدس الشرقية قبل إقامة دولة إسرائيل في العام 1948. وفي المقابل، يُحرم اللاجئون الفلسطينيون من حقهم في استرداد أراضيهم وممتلكاتهم فيما بات يُعرف اليوم بإسرائيل.

في الوقت الذي وافقت المحكمة المركزية على طلب الإخلاء للعائلات السابقة ما زال الصباغ ينتظر قرار المركزية ويقول: “نحن في صراع مع القضاء الإسرائيلي منذ عام 1972، وقضيتنّا قضية سياسية وليست قضية محاكم”.

ملكية غير شرعية

ووفقًا للقانون الصادر في العام 1970، سجّلت منظمتان إسرائيليتان الأرض في منطقة كرم الجاعوني باسميْهما، بناءً على صكوك الملكية التي تعود إلى العهد العثماني، وذلك على الرغم من طعن الأسر الفلسطينية في صحة هذه الصكوك. ثم باعت هاتان المنظمتان حقوقهما في تلك الأرض لشركة “نحلات شمعون الدولية”، وهي شركة خاصة مسجّلة في الولايات المتحدة. وقد رفعت هذه الشركة العديد من الدعاوى القضائية على مدى السنوات الماضية لإخلاء الأسر الفلسطينية من حي الشيخ جراح.

وبسبب تبرير الإسرائيليين ملكيتهم لأرض الشيخ جراح من عام 1850 منذ أيام الحكم العثماني، عن طريق وثيقة تم تزويرها في المحاكم؛ توجه أهالي الحي إلى تركيا ليثبتوا عدم صحة هذا الأمر، فلم يجدوا أي ورقة أو وثيقة تؤكد هذا الأمر، فمنذ عام 2009  يطالب عبد الفتاح سكافي (70 عامًا) في جلسات المحكمة المتعلقة بخصوص قضيته لإخلاء بيته، أن يحضر مسجل الأراضي لكن دون جدوى أو تغيير جذري في مجرى القضية.

درج

————————–

انتفاضة القدس: أبعد من مأزق الاحتلال وحرج العالم

كان أمراً طبيعياً أن تتطور قضية حي الشيخ جراح في القدس المحتلة من مجرد دليل جديد على الطابع الاستعماري والاستيطاني الذي قامت عليه ركائز الكيان الصهيوني قبل نكبة 1948 وبعدها، إلى سلسلة مترابطة من البراهين المتجددة على مظاهر المأزق الذي تواجهه دولة الاحتلال، على أصعدة داخلية وإقليمية ودولية في آن معاً.

وإذا كان المظهر الداخلي الأول قد تجلى في خضوع حكومة الاحتلال إلى اشتراطات مجموعات الضغط الاستيطانية وتسعير القضية مجدداً أمام المحكمة الإسرائيلية، فإن المأزق سرعان ما تجسد في تخبط سلطات الاحتلال بين ارتكاب العدوان تلو العدوان ضد باحات الأقصى، والتماس تأجيل النظر في القضية أمام المحكمة، ومنع غلاة المستوطنين من إحياء الاحتفالات بما يُسمى «يوم القدس» قبل الاضطرار إلى السماح لأعداد منهم بالاحتفال تحت رعاية شرطة الاحتلال وبذريعة حماية أعضاء الكنيست المتطرفين الذين توافدوا على المدينة القديمة لهذا الغرض.

ومن الواضح أن انتفاضة الأقصى الجديدة هذه، وليس هبة حي الشيخ جراح وحدها، وضعت بنيامين نتنياهو وغالبية القيادات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الاستمرار في الرضوخ لضغوطات الاستيطان، أو الانزلاق أكثر فأكثر نحو مواجهة الانتفاضة الفلسطينية في غمرة حرج متزايد أمام ضغوطات أصدقاء الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين لم يعد في وسعهم تغطية همجية الاحتلال.

على صعيد إقليمي كانت الهمجية ذاتها قد أحرجت أصدقاء الاحتلال الجدد من الأنظمة العربية التي تهافتت على التطبيع مع كيان لا يواصل احتلال الأرض وضمها وإقامة المستوطنات عليها وانتهاك القانون الدولي كل يوم فحسب، بل يطرد السكان الأصليين من بيوتهم وأملاكهم أو يهدمها على رؤوسهم، مسقطاً ورقة التوت ذاتها التي تذرع بها المطبعون في لهاثهم إلى تبرئة الاحتلال وتجميل وجوهه القبيحة النكراء. صحيح أن بعض وسائل الإعلام التابعة لتلك الأنظمة قد بذلت كل جهد للهرب إلى أمام في قضية الشيخ جراح وانتفاضة القدس المتجددة، ولكن من الصحيح أيضاً أن ذلك الهروب كان ورطة في حد ذاته.

وعلى صعيد خارجي، وضمن جبهة مناصري دولة الاحتلال في مجلس الأمن الدولي، فإن اللهجة الخجولة في حث الحكومة الإسرائيلية على ضبط النفس أو الالتزام بالمواثيق الدولية كانت تخفي مزيجاً من الحرج والضيق إزاء سياسات التنكيل والعنف وانتهاك المقدسات. ولم يكن اتصال مستشار الأمن القومي الأمريكي بنظيره الإسرائيلي سوى الوجه المعلن لارتباك الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة وأنها ترث حصيلة ثقيلة من انحياز أعمى لدولة الاحتلال كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد اعتمدته على حساب الحقوق الفلسطينية.

وأمام جلل الحدث والزخم الشعبي الهائل الذي أسفرت عنه شتى أشكال الحراك الشعبي الفلسطيني في باحات الأقصى والبلدة القديمة وسائر فلسطين، لا يكفي أن تدعو السلطة الوطنية إلى انعقاد مجلس الأمن الدولي أو منظمة التعاون الإسلامي أو الجامعة العربية، والمطلوب أن تكون مؤسسات السلطة كافة في حال استنفار ميداني شامل وفي قلب الحراك، وتوفير كل الوسائل الكفيلة بتصليب المقاومين وإسناد الانتفاضة.

القدس العربي

——————————–

في القدس/ الياس خوري

القدس، أي فلسطين، هي الموضوع.

هنا أعاد المقدسيات والمقدسيون رسم الخريطة.

الخرائط التي رسمها ترامب ونتنياهو على الورق، والتي أُطلق عليها اسم صفقة القرن، تمزقت تحت أقدام الناس.

وتشظت الفقاعة الإسرائيلية العربية المسماة «اتفاق أبراهام» وبدت مشاهد التوقيع في واشنطن وحفلات التطبيع في دبي وأبوظبي أشبه برسوم متحركة، لم تصمد على الورق الذي رُسمت عليه، وتبخرت مع انتهاء المشاهد التلفزيونية المملة.

في القدس أي في فلسطين، في باب العامود وفي الشيخ جرّاح وشارع صلاح الدين، أعلن الفلسطينيات والفلسطينيون أن فلسطين هي المقاومة، وأن من اعتقد أنه دفن المقاومة تحت ركام الانهيار العربي الكبير ليس سوى واهم لا يحسن قراءة لغة الحياة وبلاغة مقاومة الموت.

في القدس أي في الأقصى، تستعاد روح انتفاضة الأقصى، ونرى قناديل الضوء وهي تكسر عتمة ليل العرب الطويل.

في الشيخ جرّاح لم نعد في حاجة إلى قراءة الكتب التي تصف وقائع النكبة الكبرى التي جرت سنة 1948. فالنكبة تجري كل يوم في فلسطين، لكنها تتخذ شكلها الأكثر صفاقة ووحشية في القدس.

هبة القدس التي صنعت مناخاً تضامنياً في أراضي 1948 هي الإشارة الأولى إلى أن فلسطين تفتح أبواب انتفاضتها الثالثة الكبرى، فعربدة المستوطنين لم تعد تحتمل، وانتفاخ إسرائيل بالقوة المطلقة، والشعور الوهمي الذي أعطتها إياه خيانات أنظمة الذلّ العربية بأن صفحة فلسطين قد طويت وتحللت في براميل النفط، يتلاشى تحت الأقدام.

قضية فلسطين تدور في فلسطين أولاً، وقرارها بيد شعبها وحده.

لا أدري كيف اعتقدوا أن شعباً كاملاً سوف يرضى بالتحول إلى بقايا وأشلاء؟

هذا الاقتناع المستجد في إسرائيل وفي العالم العربي يعود إلى سببين:

السبب الأول هو الانهيار العربي الذي صنعته الثورة المضادة، حين نجحت في سحق الرياح الديموقراطية التي هبت مع انتفاضات الشعوب.

والسبب الثاني هو الهوان السلطوي الفلسطيني الذي يتخذ شكل الانقسام، ويتجسد في التنسيق الأمني المشين، وفي الاستبداد السلطوي، كأن نظام أوسلو هو نظام عربي آخر. كما يأخذ هذا الهوان مظهره الأكثر فداحة في فقاعة الرأسمالية الطفيلية الفلسطينية المتخلجنة، التي بنت اقتصاداً تابعاً لإسرائيل، وغذت الأوهام النيوليبرالية، وقدمت نموذجاً لمدينة فلسطينية بنيت على نسق المستوطنات الإسرائيلية.

الرهان على انهيار العرب حقيقي وغير حقيقي في آن معاً. وهذا لا يعود فقط إلى أن القوى الحية في الشعوب لا يمكن أن تموت، بل يعود أيضاً إلى البجاحة التي تحكم تصرفات منتصري الساعة المنقلبة. ولعل ذروة الاستخفاف بعقول الناس هي «اتفاقات أبراهام»، التي تفوقت على كل مشاريع التطبيع السابقة، وحولت التطبيع تبعية، وأخذت بعض الحكام إلى الانتشاء بالهزيمة، والافتخار بتاج العار.

كما أن كمية المهانات التي كان على الناس أن تحتملها وسط الإفقار وأشباح المجاعة والتهجير، لم تعد تحتمل.

أما هوان «روابي» السلطة، فهو المسألة.

فالسلطة التي تجددت على إيقاع هزيمة الانتفاضة الثانية، بعد موت ياسر عرفات والانقلاب عليه، أسست لنظام استبدادي انفجر من داخله في الانقسام. كما فقدت القدرة على تقديم مشروع سياسي يحمل حداً أدنى من التماسك. مشروعها الفعلي كان الاستسلام لوهم الاستسلام، أي للوهم الذي غذاه الأمريكان بأن الرضوخ لمطالب الرباعية الدولية، وتحويل جهاز الشرطة إلى أداة قمع برعاية الجنرال دايتون، وتشريد شباب «كتائب شهداء الأقصى» واعتقالهم، سوف يقود إلى سلام ناقص، يعطي الفلسطينيين ما يشبه الدولة.

ووصلت الأمور إلى ذروة الاستخفاف عندما تم تأجيل الانتخابات الفلسطينية بحجة أن إسرائيل لن تسمح بها في القدس. وكلنا يعرف أن سبب التأجيل لا علاقة له بالقدس لا من قريب أو بعيد، بل هو الحيلة الأخيرة لمنع التغيير، الذي شكل عماده الأساسي مروان البرغوثي، الأسير الذي يقود بلاده الأسيرة، وسوف بفتح انتخابه الباب لعودة لغة المقاومة، وعودة الفدائيين إلى قيادة العمل الوطني.

الوهم قاد السلطة إلى الوهن.

القدس التي تنتفض لم تطلب إذناً لا من الإسرائيليين ولا من السلطة. والسلطة التي ادعت «حرصاً انتخابياً» على القدس، لا أثر لها في الهبة المقدسية، بل إن الهتافات التي اشتعلت بها الحناجر شكلت إدانة واضحة للسلطة ولموقفها التخاذلي.

القدس التي قرر الأمريكيون والإسرائيليون اعتبارها «العاصمة الأبدية»، لدولة لن تكون أبدية، لأن التاريخ لا يعترف بأبدية أحد، هذه المدينة التي تقدست بدماء شهدائها، تحولت في ليلة القدر إلى شجرة اختلف الناس في تسميتها، بعضهم أسماها فوَّاحة الليل أو شجرة الليل أو مسك الليل، وبعضهم الآخر أسماها شجرة الكولونيا، ولها اسم آخر غير متداول، لكنه الأجمل، هو شجرة ليلة القدر. تحمل هذه الشجرة أزهاراً صغيرة بيضاء تشبه القناديل، تتفتح في الليل وتنشر رائحتها العطرة، وفي النهار تقفل أزهارها.

يجب التمييز بين هذه الشجرة وشجرة أخرى شبيهة تنتج أزهاراً أكبر حجماً من شجرة ليلة القدر، ويطلق عليها بالإنكليزية اسم «بوق الملائكة». فشجرة الأبواق سامة، أما شجرة ليلة القدر فأزهارها الصغيرة لا تحمل سوى الرائحة العطرة، وتتفتح عندما يُليِّل الليل.

لَيَّل ليلُنا العربي والفلسطيني.

ولم يعد أحد قادراً على الرؤية وسط العتمة.

وفي ليالي القدس التي بدأت بمواجهات باب العامود، ولدت لنا ألوف أشجار ليلة القدر. رجال القدس ونساؤها تحولوا إلى أشجار تحمل قناديل الحرية. أعلن الفلسطينيات والفلسطينيون أنهم قدر مدينتهم، فامتلأت فلسطين بالقناديل البيضاء المضرجة بالدم، ورأينا كيف تصرخ الأشجار وتواجه المحتلين معلنة أن جذورها عميقة في الأرض، ولا يُمكن اقتلاعها.

في القدس تنفست فلسطين عبير الانتفاضة.

والقدس لم تنتظر ولن تنتظر، لكنها تعرف أن أشجار ليلة القدر ستملأ فلسطين كلها برائحة الحرية.

———————–

حيّ الشيخ جراح وأمثولة آيخمان/ نجوى بركات

– يعقوب، أنت تعرف أنّ هذا ليس بيتك.

– أجل، ولكنّك تعلمين أنّكِ، وإن خرجتُ، فلن تعودي إليه، فما هي مشكلتك، أنا لم أفعل هذا، أنت تصرخين عليّ، وأنا لم أفعل ذلك.

– ولكنّك تسرق بيتي!

– إنْ لم أسرقه أنا، سيسرقه شخصٌ آخر.

– ليس مسموحاً لأحد أن يسرقه.

– هو ليس لي كي أعيده…

– يعقوب، أتسمع ما أنت قائل؟ ليتك تعيد الاستماع إلى حوارنا، وسترى كم أنّه شاذّ ومُقهر. تدخل إلى منزلٍ ليس لك، وأنت مدركٌ ذلك تماماً. تأهله وأنت تعرف أنّ له أهلاً. وإذ يطالبك أهلُه ألّا تفعل، تبرّر أنّك، في هذا الفعل، إنّما تسبق إليه آخرَ. أتّهمك بسرقة بيتي، يا يعقوب، فلا تعترض على فعل السرقة، بل تجيبني قائلاً إنّك لست السارق، وإنّك، حتى لو أردتَ إرجاعَه إليّ، فلا يمكنك أن تفعل لأنّه ليس ملكك. أحسنتَ، يا يعقوب، هو بالفعل ليس لك لأنّه ملكي، لكنّك تنتفض معترضاً: لا، لم يعد لكِ، لقد سبق أن سُرق منك، وقد أُعطي لنا. أنا أو سواي، ما الفرق عندك؟ أجل، يا يعقوب، أنت تسرق بيتي كما سرق أبناء شعبك بيوتَ فلسطين كلّها..

– فلسطين، في معظمها، بيعت لنا، أنتم تخلّيتم عنها.

– لا يا يعقوب، ركّز معي. لا أحد يبيع وطناً مهما باع من أرضه. الوطنُ ليس ملكية فردية كما تعرف، وهو ليس فقط مجموعة مساحاتٍ وممتلكات. ولأسلّم معك فرضاً أنّنا بعنا كلَّ ما نملك في فلسطين، فهل يصحّ أنكم اشتريتم بلداً بأمّه وأبيه؟ هذا مستحيل، يا يعقوب، أنت تعرف، وأراك مقتنعاً بما أقول لأنّك تُخفض رأسك. لا تُجبني بأنّ ما جرى قد جرى، ومن غير الممكن العودة إلى الوراء، لأنّ ما فعلتموه، يا يعقوب، هو سرقة استدعت احتلالاً بالقوة، ولأنّكم، رغم كلّ ما سلبتم، ما زلتم تلاحقوننا على قلّة ما تبقّى. حتى متى، يا يعقوب، حتى متى؟

– اسمعي، قضية الحيّ المقدسي الشرقي، الشيخ جرّاح، ستبتُّ بها المحاكمُ القانونية.

– محاكمُكم! اسمعني أنتَ، يا يعقوب، أنت تعرف أنّ دولتك، بمستوطنيها وجنودها وشرطتها وحرسها، لم تتوقّف يوماً عن عمليات الهدم والإخلاء، وعن قمعنا واضطهادنا وأسرنا وقتلنا. دولتك، يا يعقوب، تريد ببساطة محوَنا كي تنسى جريمتها، فتقول إنّ التاريخ بدأ معها، وإنّنا نحن الدخلاء على أرضنا. إسرائيل تريد ابتلاع فلسطين كلّها، لكنّها لا تدري كيف تتخلّص من الحسك العالق في حلقها. نحن هو هذا الحسك يا يعقوب، نحن البشر الذين لا ننسى، ونبقى نحمل اسمَ الأرض التي عليها وُلدنا ونلغو بلغتها. حتى اسمنا بات سكّيناً وشوكة. أنتم تسمّوننا عرباً، ولا تبوحون حتى لأنفسكم وسرّاً بأنّنا فلسطينيون، وبأنّنا أهل هذي البلاد وملحها.

– نحن نسرق بيوتكم، حسناً، لكنّ حياتنا سُرقت منا! لا تنسي كم اضُّطهدنا وأُبِدنا!

– أنا لم أنسَ، يا يعقوب، لكن يبدو أنّكم أنتم من نسيتم. أهي عاقبة الضحيّة دوماً أن تكون جلّادَ ضحيّة أخرى؟ والحق يقال، يا يعقوب، إنّي أودّ شكرك شخصياً والشدّ على يدك، لأنّك من بين قلّةٍ قليلةٍ جدا تعترف بالسرقة، وإنْ تناست عواقبها من تهجير وتمييز واضطهاد وقتل. أوَ تدري، أنا لا أريد منك سوى أن تعتذر عما ارتكبتَ بحقّي، فلا تكرّر على مسمعي أنّك لم تفعل شيئاً، وأنّه ليس ذنبك. تذكّر، يا صديقي، النازيَّ أدولف آيخمان وما كتبته الفيلسوفة حنة آرندت بعد حضور محاكمته، عن تفاهة الشرّ، وقد رأت أنّه شخص عادي لا يشكل أيّ استثناء. لا هو كان معادياً للسامية، أو يتبنّى أيديولوجيّة الحزب النازيّ الذي انضمّ إليه طمعاً بتحسين معيشته. وحتى كلامه جاء إدارياً رسميّاً ولغته نمطيّة سطحيّة، كأيّ موظف بيروقراطيّ ينفّذ أوامر رؤسائه دونما تفكير أو تساؤل أو تحليل.

لا تكن مثل آيخمان، يا يعقوب. قل هذا لشعبك، لا تكونوا مثله، معصوبي القلوب أصمّاء الضّمير.

العربي الجديد

————————-

قصّة الشيخ جراح تختصر القضية الفلسطينية/ ماجد عزام

تختصر قصة حي الشيخ جراح في القدس المحتلة القضية الفلسطينية بكل أبعادها وجوانبها التاريخية الفكرية السياسية والواقعية، حيث بشاعة وهمجية الاستعمار الإسرائيلي وعناد وصمود وثبات الشعب الفلسطيني الهائل وذاكرته العصية على النسيان وإرادته العصية على الكسر والانحناء.

يقع حي الشيخ جراح في القدس القديمة، ويطل على المسجد الأقصى والحرم المقدسي مباشرة، ويمثل منذ عقود مع أحياء سلوان ووادي الجوز ومحيط الحرم أهدافاً استراتيجية للاحتلال الإسرائيلي والجمعيات الاستيطانية المتطرفة التي لم تعد هامشية أو منبوذة، وإنما تموضعت مع الوقت في صلب الطبقة السياسية الحاكمة التي تزداد تطرفاً يوماً بعد يوم.

إذاً، وضع حي الشيخ جرّاح على بؤرة استهداف الاحتلال بأذرعه وأدواته المختلفة بشكل مكثف في الفترة الأخيرة. أما البيوت محل الاستهداف الآن فيبلغ عددها 28 ويقطنها 500 مواطن فلسطيني بما فيهم أطفال ونساء وشيوخ، علماً أنها بنيت في منتصف خمسينيات القرن الماضي باتفاق بين الحكومة الأردنية – الحاكمة للضفة الغربية آنذاك – ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، واستند الاتفاق أساساً إلى قاعدة تمليك البيوت للعائلات مقابل التنازل عن بطاقة لاجئ وتقديمات ومساعدات وكالات الأونروا.

وللأسف طوال عشرة أعوام تقريباً لم يتم توثيق العقود بشكل رسمي أو الانتهاء من الإجراءات البيروقراطية لإنجاز العملية بالشكل القانوني السليم إلى أن وقعت النكبة الثانية -حزيران/ يونيو 1967- التي احتلت إسرائيل خلالها كامل أراضي فلسطين التاريخية بما فيها القدس طبعاً، وبدأ المستوطنون باكراً جداً ومنذ بداية سبعينيات القرن الماضي في تزوير أوراق لإثبات ملكيتهم المزعومة لأراضي وممتلكات الحي والمدينة قبل العام 1948، وقاموا بالتشكيك بالتالي في ملكية الأهالي لبيوتهم في غياب وثائق أردنية رسمية تثبت ذلك.

بعد ذلك انطلقت الهجمة الاستيطانية الشرسة ضد الحي ومحيط الحرم بشكل عام على عدة مستويات تحديداً القضائي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي أي مع نهاية الانتفاضة الثانية وبداية حقبة اتفاق أوسلو المشؤوم الذي أوجد بيئة سياسية وأمنية مؤاتية لإسرائيل سمحت لها بمضاعفة الاستيطان ثلاث مرات على الأقل في عهده غير الميمون.

مع الوقت تصاعدت الهجمة ضد حي الشيخ جراح بالتوازي مع سطوة وهيمنة اليمين المتطرف التامة على الحياة السياسية في إسرائيل خلال العقود الثلاث الأخيرة، وبلغت الذروة في السنوات القليلة الماضية وتحديداً منذ اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وسعي هذه الأخيرة لترجمة ذلك عبر فرض الحقائق والوقائع على الأرض بما فيها التهجير والتهويد في الشيخ جراح ومحيط الحرم القدسي الشريف.

يقود المتطرفون من جماعتي لاهافا وعطيريت كوهنيم الهجمة الميدانية في الشيخ جراح بمساعدة المؤسسات الإسرائيلية السياسية والأمنية بعدما باتوا في متن الطبقة السياسية ولم يعودوا هامشيين أو منبوذين.

جماعة لاهافا متماهية تماماً مع تيار الصهيونية الدينية الكاهاني العنصري الفاشي الذي قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتبييضه في الانتخابات الأخيرة، علماً أن قادته مسؤولين مباشرة عن التصعيد الأخير في الشيخ جراح، بل حاول أحد رموزه إيتمار بن غفير نقل مكتبه البرلماني إلى الحي قبل أن يقوم المقدسيون بطرده.

في الشهور الماضية بدت قضية البيوت المستهدفة في الحي وكأنها وصلت إلى نهاية مسارها القانوني أو للدقة السياسي والقانوني بأحكام شبه نهائية بمصادرة عدة بيوت من الحي ضمن مخطط للاستيلاء عليه بشكل تام.

هنا لا بد من التأكيد على حقيقة مهمة مفادها أن إسرائيل لا تملك الشرعية لا هي ولا محاكمها للحسم في ملكية البيوت أو حسم مصير الحي وسكانه والقدس عموماً كون المدينة محتلة تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية القانونية ذات صلة.

اشتدت الممارسات الاحتلالية الاستيطانية بالتزامن مع شهر رمضان وتركزت في باب العامود أولاً مع بدء الشهر الكريم حيث قام الاحتلال بإغلاق ساحاته لمنع المقدسيين من إقامة الصلوات والشعائر والاحتفالات الرمضانية، ثم انتقلت الأحداث بعد ذلك إلى الشيخ جراح بالتزامن مع موعد إخلاء البيوت مطلع أيار/ مايو الجاري ومنه إلى جاره الحرم الشريف، علماً أن هبّة الأقصى الأخيرة ارتبطت مباشرة بالاعتصامات والفعاليات المتضامنة مع أهل الشيخ جراح.

طوال الشهور والسنوات بل والعقود الماضية واجه المقدسيون وحدهم الهجمة، بل الهجمات الإسرائيلية ضدهم وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بقيادة ميدانية محلية من رجال دين وموظفي الأوقاف والمرابطين ووجهاء المدينة.

تلقى المقدسيون المساعدة دائماً من إخواننا وأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 وعلى كل المستويات، أيضاً. وهنا لا بد من تذكر شيخ الأقصى رائد صلاح الذي يتم التنكيل به قضائياً وشيطنته سياسياً وإعلانياً لدفاعه عن المسجد الأقصى ودعمه للمقدسيين في مواجهة حملات المصادرة والتهويد والاستيطان للمدينة، بينما كان موقف قيادة السلطة خجولاً ومتواضعاً في أحسن الأحوال، وعملياً تركت المقدسيين لمصيرهم ولم تتحرك جدياً إلا في الأيام الأخيرة أي في الدقيقة التسعين من المعركة السياسية والإعلامية والقضائية والميدانية لأهالي الشيخ جراح دفاعاً عن بيوتهم وممتلكاتهم.

ورغم المواقف الجيدة والسقف السياسي المرتفع، إلا أن سلطة غزة تبدو عاجزة فعلياً عن نجدة المقدسيين، حيث لا إمكانية فعلية لخوض معركة استنزاف طويلة المدى بالصواريخ أو حرب تقليدية أو شبه تقليدية مع الاحتلال.

شهدنا في قصة الشيخ جراح – كما القضية الفلسطينية – تلكؤ وتأخّر أردني – وعربي – في دعم أهالي الحي بالوثائق اللازمة أو تقديمها منقوصة وغير مستوفية الأركان.

في السياق، وجّهت هبة الشيخ جراح صفعة للمطبّعين الذين زعموا أن هرولتهم للعلاقات مع الاحتلال أتت بحجة حماية الفلسطينيين ومنع خطة الضمّ الإسرائيلية المستمرة في الحي والقدس والضفة الغربية بشكل عام ولكن بشكل غير رسمي أو مُعلن.

كما وجّهت من جهة أخرى صفعة للمتنطعين من أذرع إيران الطائفية الموتورة المتشدقين بدعمهم للشعب الفلسطيني رغم أنهم لا يردّوا فعلياً على الهجمات والضربات الإسرائيلية المتلاحقة ضدهم للاحتفاظ بسيطرتهم واحتلالهم للمدن والأراضي العربية في سوريا والعراق ولبنان.

عموماً أتى التراجع القضائي الإسرائيلي الأخير- أول أمس الأحد – أمام أهالي الحي نتيجة ضغوط ورسائل سياسية رسمية من الحكومة إلى المحكمة العليا، كما ترجمة للواقع الميداني الذي فرض فيه المقدسيون إرادتهم.

يجب الانتباه كذلك إلى أن الانتصارات الأخيرة في باب العامود والشيخ جراح والحرم القدسي هي تكتيكية ومرحلية ولكنها بالتأكيد مهمة ومبشّرة جداً على المستوى الاستراتيجي.

في كل الأحوال اختصرت هبّة وقصة الشيخ جراح القضية الفلسطينية، حيث الاستعمار الصهيوني المنتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية والصمود الأسطوري الهائل للشعب الفلسطيني وبؤس القيادة، بل القيادات الفلسطينية وعجزها حتى عن التوحد وإنهاء الانقسام ونجدة المقدسيين على كل المستويات ضمن برنامج وطني يلحظ إدارة واعية ومصممة للصراع، كما التخاذل بل التواطؤ العربي والنفاق والانحياز الدولي للجلاد على حساب الضحية. ومع ذلك وفي النهاية ستفرض الإرادة نفسها في الميدان حيث الانتصار حتمي للشعب الفلسطيني “إن شاء الله” كما الهزيمة وتفككك واندثار المشروع الاستعماري الصهيوني.

تلفزيون سوريا

——————–

حي الشيخ جراح.. ومهزلة الشعارات العلمانية/ فاطمة ياسين

في شهر حزيران من العام 1967 كان لواء المظليين الإسرائيلي الاحتياط 55، هو الوحدة التي دخلت المدينة القديمة في القدس وتولت احتلالها، اتصل ضابط مخابرات اللواء إيريك أخمون مع القيادة وبصوت يحمل اهتزازا خاشعا وانفعالا روحيا واضحا قال لهم عبر جهاز اللاسلكي وهو يصعد درجات السلم الحجرية بجوار حائط البراق: إنني شخص غير متدين ولم أكن كذلك يوما ولكني الآن أنزل درجات حائط المبكى إنه حائط المبكى!. يتحدث العسكري غير المتدين بخشوع الكاهن عن جدار مقدس لدى طائفته وينقل هذا الشعور إلى القيادة العسكرية ثم تذاع ليسمعها الجميع، مع عرض لمشاهد الجنود يتقدمون بسرعة في تشكيل قتالي داخل المدينة القديمة. خلطت إسرائيل تديُّن أخمون الملتبس بعلمانية مريبة مستمدة ربما من تعاليم “سفر التثنية”، وباشرت منذ تلك اللحظة التي نقلت فيها مشاعر أخمون الجياشة بتغيير الوقائع على الأرض، بما يتناسب وحجم الاهتزاز العاطفي لمجتمع “غير متدين” إزاء أثر ديني قديم. وضعت إسرائيل  كثيرا من نقاط العلام وأقامت الأسوار وحاولت حصر كل ما هو عربي في بقعة ضيقة، وخلقت مبدأ سياسياً ينسخ كل الحروب السابقة وتطلعات الشعب الفلسطيني ينص على أن إسرائيل يمكن أن تعيد أراضي احتلتها مقابل العيش بسلام وسط العالم العربي.

أرادت إسرائيل أن تحصر الخلاف بتفاوت وجهات النظر حول الحدود، وقد اعتبرت وجودها قد أصبح حقيقة نهائية وهي تنتصر في حرب كبرى خاطفة على دول محلية كبرى، واعتمدت على إيديولوجيا متناقضة تستند فيها إلى التاريخ الأسطوري للشعب اليهودي كما هو مدون في التوراة، وإلى راهن مدني متحضر ذي شكل ديمقراطي على النمط الغربي، ومدجج بتسليح متقدم، وهي تمتلك التكنولوجيا اللازمة لإنتاجه، بما يمكنها من المحافظة على كيانها الحالي بعيدا عن التهديد، وطوال حياة إسرائيل القصيرة تمسكت بهذين المبدأين بشدة دون أن تلتفت إلى التناقض المنطقي بينهما، ولكن ضابط المخابرات أخمون عبر عنه بدقة. نجحت إسرائيل بتسويق مبدئها الجديد ووصلت به إلى قرار واضح من الأمم المتحدة، وراهنت على الوقت الذي وقف لصالحها حتى أصبح الخلاف الحدودي حقيقة واقعة، عُقد من أجلها مؤتمر مدريد قبل ثلاثين عاما، فكان نقطة علام جديدة في تاريخ القضية الذي شهد التحول الجديد في جوهرها، والذي طرح سؤالين: أين هي فلسطين؟ وأين هي حدودها؟ ولجعل الإجابة على ذلك غير ممكنة، عمدت إسرائيل إلى تفتيت الكيان الباقي من أرض فلسطين إلى أجزاء صغيرة غير قابلة لتشكيل كيان واحد، وكان المؤسف إمكانيتها شق الشارع الفلسطيني إلى قسمين كبيرين معزولين فكريا وجغرافيا وأمعنت مع الوقت في ترسيخ هذا الانشقاق الذي كان رهانها منذ البداية.

بداية هذا الشهر تضامن المجتمع الإسرائيلي بقوة مع ضحايا حادثة جبل ميرون قرب صفد، الذي وقع خلال احتفالات دينية إسرائيلية في عيد الشعلة نتيجة حادث تدافع وتزاحم، ولم يقتصر التعاطف على الجانب الإنساني بل تعدى ذلك ليظهر جوهر المجتمع الإسرائيلي الديني والمتعصب، الذي يسمح بمثل هذا الاكتظاظ في ظروف صحية غير طبيعية، وفي ظل الإنذارات السابقة المتكررة التي كانت تصدر كل سنة حول خطورة المكان وإمكانية تعرض المحتفلين للخطر، ولكن عبء الواجب الديني طغى على مواجهة الخطر عند رجل الحكومة “العلماني” وعند المتدين العادي. في هذا الحادث لم تفلح إسرائيل في التغطية على حقيقة مبدئها الديني الذي يقود العلماني ويوجهه ويوحي له بما يفعل، ثم يأتي القرار الإسرائيلي بمنع ممارسة الانتخابات في مدينة القدس الشرقية تحت الذرائع الدينية نفسها لتمنع حدثا ديمقراطيا يفترض أن تشارك في صنعه وإنجاحه أيضا، ولكن إسرائيل القائمة على الفكر المتخيل والتراث الأسطوري لم تكتفِ بوضع عوائق جديدة في وجه أي شكل لجغرافيا فلسطينية يمكن أن تولد، لكنها تخلق اليوم إشكالا جديدا في مدينة القدس الشرقية، بعد أن حولت قضية فلسطين والقدس إلى جملة اسمية هي القدس الشرقية، والآن في أحداث حي الشيخ  جراح تسعى إلى مزيد من التفتيت والمحاصرة في سياق ذات الخطة القديمة التي دأبت على استعمالها منذ أكثر من سبعة عقود..

لا يمتلك المقدسيون ولا سكان حي الشيخ جراح أي أيديولوجيا ولا حتى أسلحة للدفاع عن حيهم، فيدافعون بابتسامات عفوية ويسلمون أيديهم ليتم تقييدها قبل جرهم إلى المعتقلات، لا نتوقع أن تنتصر الابتسامات مهما بلغت درجة براءتها وعفويتها، ولكن يمكن أن تستمر المقاومة، وهي العامل الذي لا تريده إسرائيل لكنها من جهة أخرى تدفع بمزيد من الشبان والفتيان للانغماس  بأجسادهم في أوساط تجمعات رجال الشرطة، وتستطيع كسبا للوقت أن تؤجل اجتماع اللجنة الدستورية العليا، ويمكنها أن تنفث خوفها عبر إعلامها من مناسبة عيد الفطر لربط توقيت ديني إسلامي بانفجار الأوضاع فتوحي بأن الأمر يتم بإدارة إرهابيين، ويمكن أن يتيح لها هذا الادعاء استقدام مزيد من رجال الشرطة وقد تستقدم الجيش أيضا لفرض هدوء تبتلع بعده قطعة أخرى من القدس الشرقية وقد تبدأ بالبحث عن تسمية أخرى لما تبقى من المدينة بذرائع تاريخية ذات عناوين علمانية جذابة.

تلفزيون سوريا

———————-

المقاومة تتوعد “سنجعل عسقلان جحيماً”… قصف إسرائيلي عنيف على غزة وانسحاب من الأقصى

واصلت إسرائيل غاراتها الجوية العنيفة على قطاع غزة المحاصر، صباح الثلاثاء 11 أيار/ مايو، متسببة بمقتل 27 فلسطينياً على الأقل، بينهم تسعة أطفال وسيدة، فيما اضطرت شرطة الاحتلال إلى الانسحاب من المسجد الأقصى عقب أيام من الاشتباكات العنيفة مع المصلين الفلسطينيين المرابطين فيه.

وكانت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، قد بدأت باستهداف القدس المحتلة، بشكل معلن للمرة الأولى بصواريخ من طراز A120، عقب مهلة منحتها لقوات الاحتلال لمغادرة المسجد الأقصى ووقف الانتهاكات بحقه.

وجاء الرد الإسرائيلي وحشياً عقب استخدام الصواريخ التي تحمل رؤوساً متفجرة ذات قدرةٍ تدميريةٍ عالية، في ساعة متقدمة من مساء الاثنين 10 أيار/ مايو.

وأعقب القصف المتبادل أربعة أيام متتالية من اعتداءات  الشرطة الإسرائيلية بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والرصاص المطاطي على المواطنين الفلسطينيين الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم بإلقاء الحجارة والكراسي على قوات الاحتلال.

صعّدت شرطة الاحتلال، التي دعمت المستوطنين المتطرفين للاستيلاء قسراً ودون وجه حق على منازل فلسطينيين في حي الشيخ جراح، اعتداءاتها، الاثنين، بإلقاء قنابل الصوت والغاز على الفلسطينيين المرابطين في الأقصى منعاً لخطة لاقتحامه من قبل ألفي مستوطن من “القوميون اليهود” في الذكرى الـ54 لاحتلال القدس الشرقية، في ما يُحتفى به في إسرائيل تحت عنوان “يوم القدس” أو “يوم توحيد القدس”.

الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى

وفشل المستوطنون في دخول الأقصى، كما اضطرت قوات الاحتلال إلى مغادرته فجر الثلاثاء إذ دخل الفلسطينيون من باب حطة مكبرين ومحتفلين.

قصف مستمر

إلى ذلك، شنت إسرائيل المزيد من الغارات الجوية على مواقع للمقاومة الفلسطينية في بلدة جباليا، شمال غزة، وورشة صناعية شرق خان يونس، جنوب غزة، صباح الثلاثاء. بالإضافة إلى استهداف العديد من المنازل السكنية.

    Israeli aerial forces continue to target overcrowded civilian neighborhoods in the #Gaza Strip.

    A while ago, an apartment in a residential building in the middle of Gaza city was targeted. Two Palestinians were reported killed. pic.twitter.com/z3nWEnByig

    — Euro-Med Monitor in oPt (@EuroMedoPt) May 11, 2021

وأفاد متحدث باسم جيش الاحتلال بأن الصواريخ استهدفت نحو 130 موقعاً في غزة، بما في ذلك مبنى استخبارات حماس ومنزل قائد ميداني بالحركة ونفقان حدوديان حفرهما نشطاء، وموقع خلية لمطلقي صواريخ مضادة للدروع تابعة لحماس بالقطاع.

إسرائيل تستهدف غزة بقصف وحشي

وردت المقاومة الفلسطينية، ممثلة في حركة حماس والجهاد الإسلامي والقسام وفصائل مسلحة أخرى، بإطلاق العديد من رشقات الصواريخ باتجاه إسرائيل وبعض المستوطنات الإسرائيلية. وتوعدت كتائب القسام: “سنجعل عسقلان جحيماً”. وأضافت الكتائب أنها وجهت “ضربة صاروخية كبيرة” لعسقلان المحتلة رداً على “استهداف البيت الآمن على رؤوس ساكنيه”غرب غزة، مؤكدةً إصابة سبعة إسرائيليين وتصدع بعض المباني.

واجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكبار قادته الأمنيين والعسكريين في وزارة الدفاع لبحث التطورات. علماً أن صحيفة “معاريف” كانت قد نقلت عن مصادر رسمية أن العملية التي أُطلق عليها “حارس الأسوار” ضد غزة ستستمر عدة أيام  بناءً على قرار المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

    بدأنا عملية #حارس_الأسوار التي كنا نستعد لها. حتى اللحظة قصفنا أكثر من 130 هدفًا وموقعًا إرهابيًا من شمال وحتى جنوب قطاع غزة!!

    كما تم القضاء على 15 ناشطًا تخريبيًا من المنظمات الإرهابية في قطاع غزة وعلى رأسها حماس

    — افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) May 11, 2021

أطفال في عداد الضحايا

حتى الآن، أُبلغ عن سقوط ما لا يقل عن 27 فلسطينياً جراء القصف على غزة، بما في ذلك تسعة أطفال وسيدة، بالإضافة إلى 103 مصابين على الأقل. زعم جيش الاحتلال أن 15 من الضحايا كانوا مسلحين.

    هؤلاء القتلى من الاطفال هم الاهداف الاسرائيلية المراد تدميرها من اجل مستقبل #إسرائيل#CrimesAgainstHumanity #FreePalestin #القدس pic.twitter.com/KWZNFkVq7E

    — Nabeel Rajab (@NABEELRAJAB) May 11, 2021

وتداول ناشطون صوراً مروعة لبعض الضحايا من الأطفال، مبرزين أن ثلاثة منهم من أسرة واحدة، ما زاد الشجب لهجمات إسرائيل.

    #BREAKING at least 3 children murdered in an Israeli strike north of Gaza pic.twitter.com/QtsxOGS4Tg

    — Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 10, 2021

في غضون ذلك، أصاب نحو 200 صاروخ أطلقت من غزة باتجاه إسرائيل ستة مدنيين إسرائيليين، نُقل اثنان منهم إلى المستشفى في حالة متوسطة.

الداخل المحتل ينتفض

كان لافتاً حجم الدعم الذي قدمه فلسطينيو الداخل المحتل لغزة والأقصى، حيث خرجت تظاهرات ونُظمت وقفات حاشدة في الناصرة وشفاعمرو وأم الفحم وجلجولية وبلدات مجد الكروم ودير حنا ونحف ودبورية وغيرها.

وُصفت التحركات بأنها “أوسع حركة احتجاج في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948”.

    أوسع حركة احتجاج في الأراضي المحتلة عام 1948م.

    من يلعب بالنار تحرقه وشعبنا قادر أن يلقن الاحتلال ومن يراهن عليه الدرس القاسي. #القدس_خط_احمر #سيف_القدس pic.twitter.com/seAoWTwdTe

    — Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 11, 2021

وفي اللد المحتلة، سقط أول شهيد في الداخل المحتل برصاص مستوطن وأُصيب آخر خلال فض جيش الاحتلال تظاهرة حاشدة لدعم غزة والقدس المحتلة والأقصى.

    שכונת רמת אשכול, לוד, לפני כמה דקות pic.twitter.com/qkgqGbRVU1

    — רועי שרון Roy Sharon (@roysharon11) May 10, 2021

وأشارت تقارير إعلامية إلى اعتقال شرطة الاحتلال عشرات المواطنين العرب على خلفية التظاهرات في الداخل المحتل.

    اضطرت قوات الاحتلال إلى مغادرة المسجد الأقصى فجر الثلاثاء بعدما أفشل المرابطون في الأقصى، بشجاعتهم، مخطط “القوميون اليهود” في الاحتفال بـ”يوم توحيد القدس” عبر اقتحام وتدنيس أولى القبلتين

ووقعت مناوشات بين فلسطينيين ومستوطنين وجنود إسرائيليين في شارع بن غوريون بحيفا، فجر الثلاثاء.

    صباح الخير للشباب الصغار في حيفا. #حيفا التي ظن الاحتلال أن جيلها الجديد قد نسي أو تلاشى!

    عشرات المعتقلين من صبية أشعلوا الأرض حتى ساعة مبكرة من صباح اليوم في شارع “بن چويون”. #القدس_تنتفض pic.twitter.com/hbIBjYQHUe

    — Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) May 11, 2021

كما اندلعت اشتباكات حامية، صباح الثلاثاء، بين مواطنين فلسطينيين وجنود الاحتلال في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، على بُعد 10 كم جنوب القدس. وأفاد ناشطون وتقارير إعلامية متطابقة بوقوع حالات اختناق عديدة بين المواطنين الفلسطينيين جراء قنابل الغاز التي أطلقها جيش الاحتلال، علاوة على إصابة شاب فلسطيني بالرصاص.

وكان الهلال الأحمر الفلسطيني قد رفع مستوى الطوارئ إلى الدرجة الرابعة، تحسباً لاستمرار الاشتباكات في القدس الشرقية المحتلة، والمستجدات في الضفة الغربية وغزة.

وتعاملت فرق الطوارئ الطبية التابعة للهلال الأحمر مع 714 حالة، 520 منها في القدس الشرقية، منذ بدء الاشتباكات الحالية في 7 أيار/ مايو الجاري، بما في ذلك أكثر من 338 حالة نُقلت لمستشفيات القدس، وسط اعتداء قوات الاحتلال الاسرائيلي على الكوادر الطبية التابعة له، ما أدى إلى إصابة اثنين منهم.

وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد جلسة طارئة، مساء الاثنين، لبحث المواجهات في القدس. وفشل المجلس في إصدار بيان يدعو “إسرائيل إلى وقف “أنشطة الاستيطان والهدم والطرد للفلسطينيين في القدس” بسبب الولايات المتّحدة التي اعتبرته “غير مناسب” في الوقت الحالي.

رصيف 22

—————————–

====================

تحديث 13 أيار 2021

————————-

رسالة تضامنية من السوريين/ات والفلسطينين السوريين/ ات مع مع حي “الشيخ جراح” الصامد

https://docs.google.com/forms/d/e/1FAIpQLSd66idEDra3s-YVTQzQwnpDIJR0knsN1J1ubLejmLScob5l6w/viewform

—————————–

ابتسامة المقدسي وهي تمتدح إسرائيل/ عمر قدور

أصبحت بمثابة ظاهرة صورُ المقدسيات والمقدسيين المبتسمة لحظة قيام الشرطة أو القوات الإسرائيلية باعتقالهم، بل قد لا يتأخر كثر في وصفها بانتفاضة الابتسامات. وكما هو متوقع، سيكون من السهل اعتبار هذه الابتسامة سلاحاً مقاوِماً، ومن الأسهل تالياً وصفها بابتسامة التحدي، لتُسجن في إطار الوصف، وليتغلّب التسييس القسري الضيق على رحابة تلك الوجوه المبتسمة ابتساماتٍ لصيقة بالحياة لا تلهث وراء أن يُقبض عليها في صورة وإطار.

سرعان ما سيأتي التسييس المقابل، المتربص بدوره، فابتسامة الفلسطيني تصبح بموجبه تعبيراً عن الارتياح لما يلي الاعتقال، حيث يدرك الفلسطيني أو الفلسطينية شروط السجن الذي سوف “ينعم” به. بالطبع يجهر هذا النوع من التسييس بمرجعيته التي تقارن أحوال المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بأحوال نظرائهم في سجون الأنظمة العربية، سواء كانوا من مواطني تلك الدول أو من اللاجئين الفلسطينيين إليها الذين يذوقون في السجون العربية أصنافاً من القهر والتعذيب تتميز بها عن الإسرائيلية.

وفق المقارنة السابقة، تأتي ابتسامات المقدسيين والمقدسيات كأنما تمتدح إسرائيل، فأصحابها ذاهبون إلى اعتقال هو نزهة بالمقارنة مع السجون العربية. وما يعرفه الفلسطيني عن “رخاء” السجون الإسرائيلية ينزع عن ابتسامته فرضية التحدي التي يسوقها المتحمسون لابتسامته، لتكون ابتسامة العارف بكافة تبعات فعله، وهو ما ينزع عنها أيضاً فرضية العفوية “على الأقل في الابتسامات الأولى التي رصدتها الكاميرا”، وافتراض العفوية مهمَل بطبيعته لأنه لا يخدم التسييس والتسييس المقابل.

في وسعنا أن نضيف إلى الوصف ما يظهر من نضارة في تلك الابتسامات، نضارة ليست ابنة اللحظة، نضارة لا بد أن يكون لها عُمر مطابق لعيش قريب جداً من العيش الطبيعي، إذا لم يكن ذلك العيش الذي صار يُسمى عادياً بمقاييس العصر. لا نلمح في غضون الابتسامات إرثاً من القهر يعكّر صفوها، وهذه الملاحظة “لمن يشاء” يسهل تسجيلها لصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي احتفظ لأولئك الشبان والشابات بقدرتهم غير المقيَّدة أو المحدودة على الضحك، وصولاً إلى الضحك منه وعليه.

نستطيع تالياً القول أن شباناً في بلدان عربية لا يستطيعون الابتسام لحظة الاعتقال، ومن المؤكد أنهم لو فعلوا سيدفعون ثمن ابتساماتهم غالياً جداً فوق التعذيب المتوقع أصلاً، وهم إذا ابتسموا يصعب أن تصدر عنهم تلك الابتسامة النضرة الصافية. إن إرثاً متوالياً من القمع والقهر في هذه البلدان سيجعل من الصعب أو المستحيل صدور تلك الابتسامة التي تضمر عدم التعرض لذلك الإرث، من دون أن نحجب عن أصحابها أنواعاً أخرى مختلفة من المعاناة الخاصة.

نستذكر بهذه المقارنة إرث سلطات الاستبداد العربية الذي في إحدى نتائجه يحرم ضحاياه من القدرة الطبيعية على الابتسام والضحك، وأن تقترن هذه القدرة بسياق معيشي اعتيادي، لا أن تُنتزع من ذلك السياق خلسة أو عنوة. من هذا التفصيل، الذي قد يبدو صغيراً أو هامشياً، تنفتح نافذة أخرى للمقارنة بين إسرائيل وأنظمة القمع، من دون “الهرولة” إلى امتداحها عطفاً على عدم التمييز بين طبيعة الطرفين وما ينجم عنها.

كان السلوك الأسدي آخر وأقرب مثال فاقع للمقارنة، فمنذ انقلاب الأسد عام1970 لم يسلم السوري والسوري الفلسطيني، ثم اللبناني والفلسطيني في لبنان، من براثن تلك الآلة الجهنمية التي تعمل خارج السياسة، بل تعمل ضد السياسة ومن أجل استبعادها نهائياً. لم يكن هناك في أي وقت لدى الأسد الأب أو الابن هدف سياسي يُراد تحقيقه، كان الهدف دائماً هو احتكار السلطة ومغانمها، مع العمل بشتى الوسائل وأقساها على عدم بروز منافسين يهددون ذلك الاحتكار، وفي مقدمها الوسائل الوقائية الاستباقية.

تبرز واحدة من المغالطات الشائعة في النظر إلى حكم الأسد كمعاقِب للسوريين عندما يتجرؤون على “اقتراف” السياسة، فهنا يُنظر فقط إلى العنف المفرط الذي قابل به الحكم محاولات الاعتراض بدءاً من السبعينات وصولاً إلى الثورة. هي نتيجة مختزلة جداً لا تلحظ مثلاً أن إفقار الشرائح الأوسع لا يحركه جشع احتكار الثروة فحسب، بل أيضاً الإمعان في قهر معظم السوريين، ولا تلحظ في مثال آخر الحضورَ المستدام الطاغي لأجهزة المخابرات، أو الاعتقالات الموصوفة بـ”العشوائية” وهي ليست عشوائية على الإطلاق ما دامت تؤدي وظيفة القهر المعمم.

من دون الإسهاب في سرد كل ما راكمه حكم الأسدَيْن من مقومات البؤس والقهر، لا يصعب علينا استخلاص ما يشبه البديهية من حيث ارتباط الضحك بالحد الأدنى من الحرية، ولا يصعب الانتباه إلى أن ثقافة الاستبداد معادية للفرح وللمرح بطبيعتها، سواء امتلكت أيديولوجيا معادية لهما أو اكتفت بالجشع الذي لا يشبع إلى السلطة. في المحصلة، هناك شعوب بغالبيتها الساحقة تتمنى لو تتاح لها تلك الابتسامة النضرة الصافية التي لا يتخللها خوف سابق، أو خوف مما سيأتي. في الواقع رأينا بعضاً من الفرح والمرح في لحظات قليلة من الإحساس بالحرية رافقت الانتفاضات والثورات العربية هنا وهناك، قبل الانقضاض عليها سريعاً من أعداء الحرية والفرح معاً.

لنتخيَّلْ أن يواجه أحدٌ ما نتنياهو مشبِّهاً إياه ببشار الأسد، وكيف سينتفض هذا اليميني المتطرف الفاسد إحساساً حقيقياً منه بالإهانة. لا نستبعد أن يتمنى نتنياهو في قرارة نفسه لو يستطيع إبادة الفلسطينيين والتنكيل بهم كما يفعل بشار بالسوريين، بل لا نستبعد إن كان يتمنى في قرار نفسه لو يستطيع التنكيل بخصومهم “اليهود” ليستأثر بالسلطة بلا منازع، إلا أن وجود نظام سياسي يكبّله، مثلما يكبّل أي مسؤول إسرائيلي آخر، سواء تجاه الفلسطينيين أو تجاه الخصوم السياسيين.

السياسة، لا الجشع إلى السلطة والاستئثار بها، هو ما يحكم السلوك الحكومي الإسرائيلي. من ذلك، استخدام وسائل ضغط محددة ضد الفلسطينيين، من أجل انتزاع مكاسب محددة أيضاً. إن قوة القهر الموجودة تعمل حثيثاً، من دون العمل أوتوماتيكياً أو خارج الهدف المحدد والمتغير بحسب الظروف، ولا غرابة في أن يكون أسوأ ما في تاريخ الممارسات الإسرائيلية مستلهماً من ممارسات الحروب الأهلية، أي على قاعدة “حرب الوجود” التي تغنى بها العرب من دون ممارستها.

تتعيش المقارنة بين إسرائيل وأنظمة القمع المجاورة، وتالياً امتداح إسرائيل، على الاستعداد المطلق للطرف الثاني من المقارنة لاستخدام شتى أصناف العنف، بينما يفترض أصحابها قدرة إسرائيل على ارتكاب الأفعال نفسها لولا ترفّع حكامها عن الانحطاط إلى مستوى الجيران. إلا أن بنية النظام الإسرائيلي لا تسمح بتحقق أسوأ مخيال عربي عن وحشيته، ولا تسمح بالتحول إلى نظام قمعي مشرقي، هذا التحول ينسف أساس وجود إسرائيل وجاذبيتها الضرورية لاستقطاب يهود العالم. هو أيضاً ينسف انتماء إسرائيل إلى المنظومة الغربية، ورغم كل ما قيل “بحق أو بغير حق” عن تجاهل الغرب الممارسات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين فإن هذا التجاهل لا يرقى إلى تجاهل الغرب نفسه تلك الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها الأنظمة العربية. على الأقل يعاتب الغرب تل أبيب بناء على القيم المشتركة بين الجانبين، في حين لا قيم مشتركة تجمعه بأي طاغية عربي، ولا رأفة أيضاً بشعوب المنطقة التي لا يُنظر إليها كشريك.

تُقارَن إسرائيل بالقيَم التي ينسبها قادتها إليها وبانتمائها للمنظومة الغربية، ومن الخطأ الإصرار على مقارنتها بمجموعة من مهووسي السلطة في الجوار. هذه المقارنة التي تطل من مناسبة لأخرى تمتدح إسرائيل بغير وجه حق، وتمتدح الأنظمة بوضعها في مقارنة غير مستحقة. ربما تجوز المقارنة يوماً، عندما يتمكن أبناء المنطقة من الابتسام كما يفعل المقدسيون، وحتى ذلك الحين لا معنى لانتشار وسم “أنقذوا حي الشيخ جراح”، لا معنى له إذ يُكتب بالعربية. 

المدن

————————–

هل نشهد انتفاضة ثالثة في فلسطين؟/ عمار ديوب

ليست قضية الفلسطينيين المهددين بالطرد من منازلهم في حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة قضية عقارات تحاول أن تستملكها جماعاتٌ صهيونية بادّعاءاتٍ زائفة، هي قضية الشعب الفلسطيني والعربي، منذ تحالفت ضده أوروبا وأميركا، وتمَّ تصنيع الصهيونية لتكون جيشاً متقدّماً لتلك الدول في العالم العربي، وضده بالتأكيد.

انفجرت هذه القضية، وجاءت بعد أن ألغى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الانتخابات في القدس، حيث رفض رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، السماح بإجرائها. وأبو مازن يبتغي تأبيد سلطته، وهناك إمكانية لإطاحته، لو جرت الانتخابات، وبالتالي أنقذه نتنياهو. أبو مازن وحركة فتح ومنظمة التحرير وكل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة تتحمّل مسؤولية كبرى في إمعان اليمين الصهيوني في محاولة السيطرة على القدس، فقد كانت المدينة المقدسة إحدى قضايا التفاوض المؤجلة مع منظمة التحرير وسلطة رام الله، ولكن ضعف دفاع السلطة “الفاشلة” عنها سمح بذلك الإمعان.

لا تكمن القضية فقط في حي الشيخ جرّاح، بل في كل أرض فلسطين، بما فيها الأراضي التي احتلت عام 1948. الفلسطينيون محاصرون ومهدّدون بالطرد، انطلاقاً من دعوات متكرّرة إلى الصهاينة بتحويل إسرائيل دولة لليهود فقط. هذا يعني أن ما يفعله الصهاينة في الشيخ جرّاح ليس جديداً ومستقلاً بذاته، بل هو تتويج لسياساتٍ استيطانية، قَطّعت أراضي أسر فلسطينية عديدة وفي عدة بلدات، سيما في الضفة الغربية، وفي القدس والأحياء المحيطة بها، والتي تحاول إسرائيل، بكل السبل والاحتيال، طرد سكانها الأصليين منها، تهيئة لإعلان إسرائيل دولة لليهود. وهذا لن يتحقق، والبداية الآن في حي الشيخ جرّاح والقدس؛ فهل تتغيّر السياسات الفلسطينية نحو إطلاق انتفاضةٍ ثالثة، تُجبِر العالم وإسرائيل على طرح سياساتٍ جديدة، تبدأ بتفكيك المستوطنات، والتراجع عن طرد الفلسطينيين من منازلهم وأرضهم وحياتهم، وتنتهي بتفكيك الدولة الصهيونية، لصالح تشكيل دولةٍ واحدةٍ في فلسطين.

قضية استعادة فلسطين، والآن بيوت المهجّرين، تقف عائقاً أمام تفعيلها فلسطينياً وإقليمياً وعالمياً سلطات رام الله وغزة التي تمنع الشعب من الانتفاضة، حيث تقمعه. وبالتالي لن تتورّط تلك السلطات بإشعال انتفاضة، وهي تعمل من أجل إدامة سلطاتها، وضبط الشارع الفلسطيني وفقاً لمصلحتها. الحل يكون بمبادراتٍ شعبية، ومن خارج السلطات والفصائل الفلسطينية؛ ففي تلك اللحظة، وحينما يشتد ساعد تلك المبادرات يبدأ الشعب الفلسطيني وعناصر الفصائل بالانشقاق عنها وشحذ التضامن الفلسطيني الفلسطيني في كل المناطق، وسيتسع التضامن العالمي الواسع؛ أهل القدس وحي الشيخ جرّاح ومناطق عديدة في فلسطين بدأوا بالانتفاضة، وأغلب الظن أن مناطق أخرى ستلحق بهم. وهناك حالياً رفض دولي كبير ضد خطوة التهجير الجديدة، وإسرائيل تتعرّض لضغوط شديدة، وقد تُنقذِها الحكومات العربية المطبعة معها، والتي لن تكتفي بقمع شعوبها المؤيدة حق الفلسطينيين، بل وستعمل على دعم إسرائيل بأشكال متعدّدة للخروج من هذه الأزمة؛ ألم تطبّع دول عربية أخيراً، والسياسات الاستيطانية على قدم وساق!

أَوقفت إسرائيل البت بقضية عائلات حي الشيخ جرّاح إلى عدة أسابيع، لتستخدم سلطات الأمر الواقع في غزة والضفة لكسر الاحتجاجات، وتمرير الزمن بسبب الضغوط الدولية، وبحثاً عن تفجيرٍ سلبي للوضع، تكون نتيجته إخماد الانتفاضة التي تتسارع، وتلقى دعماً دولياً ما ينفكّ يتزايد. إن إعطاء فرصة لسلطات الأمر الواقع بالتدخل في القدس وسواها سيعني أمراً واحداً هو دفن الانتفاضة، وتهجير العائلات المهدّدة بذلك من “الشيخ جرّاح”، وبالطبع الاستمرار في التهجير منه ومن سواه. الدرس هذا يعرفه الشعب الفلسطيني، ويتطلب الأمر تشكيل قيادة ثورية من مختلف مناطق فلسطين وفي العالم، وطرح برنامج ثوري للتغيير في فلسطين، والبحث في كيفية تطوير أدواتها، داخلياً وعالمياً.

تتبع إسرائيل سياسات التضييق والاعتقال وتقطيع المناطق الفلسطينية أكثر فأكثر، ولا تمنع مسيرات المستوطنين، حيث كل خطاب حكومتها والتوازنات الحزبية فيها تقوم على دعم الاستيطان. أغلب الظن سيقع شهداء فلسطينيون، وهذا سيثوّر مناطق فلسطينية كثيرة. الإدارة الأميركية ترفض التهجير والعنف، وهذا جيد، ولكنها لن تتدخل ضد إسرائيل، وخطابها هذا قد تتراجع عنه أو يظل إعلامياً، فهناك لوبيات أساسية في الإدارة الأميركية تعمل لصالح إسرائيل. وبالتالي، من الخطأ الاعتماد على المواقف الدولية، على أهميتها. خيار الفلسطينيين حالياً هو المواجهة وبكل السبل. وباستثناء العمل العسكري، حيث سيكون النافذة التي تستغلها إسرائيل في مواجهاتها وسيقف العالم إلى جانبها، ومن الخطأ التعويل على قراراتٍ دوليّة تؤكّد كل الخيارات لاسترجاع الأرض، أي استخدام المواجهة العسكرية أحد الخيارات.

ليس صحيحاً القول الآن إن المهددين بالطرد في القدس سيُطردون في النهاية وبقوة المحاكم أو قوة إسرائيل وتخاذل سلطتي الأمر الواقع في غزة والضفة، وفي ظل الضعف العربي الشديد. الآن، وقد بدأت الانتفاضة والعالم يؤيدها، وإسرائيل مدّدت للبتّ بقضية الطرد؛ أقول إن هذه مؤشرات إيجابية على قوة الحراك، وخشية إسرائيل من محاذير كثيرة، قد تُضعِف مواقفها الإقليمية والدولية.

الشعب الفلسطيني مهيأ حالياً لتطوير الانتفاضة، فهل يستطيع الفلسطينيون إبراز قيادة جديدة، وصياغة برنامج وسياسات جديدة، تتوافق مع مطالبهم، والتي تبدأ بتفكيك المستوطنات، ولا تنتهي بتفكيك الدولة الصهيونية؟ هذا هو سؤال الفلسطينيين والعرب في هذه اللحظة.

العربي الجديد

————————

تشومسكي في حوار مع “ذا تروث أوت”: لولا المساعدات الأمريكية لما قتلت إسرائيل الفلسطينيين بشكل جماعي

نيويورك- “القدس العربي”: أثار أستاذ اللغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نعوم تشومسكي، تساؤلات حول شرعية المساعدات العسكرية والاقتصادية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقال إن المساعدات مهزلة لا يعرف عنها أي أحد، على الرغم من أهمية طرحها.

وأوضح تشومسكي، المعترف به دولياً كواحد من أكثر المحللين معرفة وذكاء في الصراع العربي- الإسرائيلي والسياسة بالشرق الأوسط، أن المساعدات الأمريكية العسكرية المقدمة إلى إسرائيل تنتهك قانون ليهي، الذي يحظر المساعدات العسكرية للوحدات المتورطة في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.

وأشار تشومسكي في مقابلة أجراها الخبير السياسي سي جي بوليكرونيو لصالح موقع “ذا تروث أوت” أن عضوة الكونغرس الأمريكي بيتي ماكولوم حملت زمام المبادرة في متابعة مبادرة بهذا الشأن، وقال إن الحملة ينبغي أن تصل إلى أبعد من ذلك لكي لا تدعم الولايات المتحدة الجرائم الإسرائيلية الفظيعة ضد الفلسطينيين.

 وأضاف تشومسكي أنه لا يمكن التفكير في قادة ينتهكون القانون الدولي مثل رؤساء الولايات المتحدة، وقال على سبيل المثال إن التهديد بأن جميع الخيارات مفتوحة ضد إيران إذا عصيت الولايات المتحدة هو انتهاك للقانون الدولي ناهيك عن الجرائم الدولية الأخرى مثل غزو العراق.

ولاحظ تشومسكي أن محاولات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ سنوات لطرد الفلسطينيين من القدس، بما في ذلك الجولات الأخيرة من الهجمات، لا يمكن فهمها بدون اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة في تنفيذ سياسة “الإرهاب والطرد”.

وأكد تشومسكي أن الهدف الثابت على المدى الطويل للحركة الصهيونية هو التخلص من الفلسطينيين واستبدالهم بالمستوطنين اليهود.

وأشار المفكر العالمي إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب وفر لإسرائيل الحرية في ارتكاب الجرائم، وكانت احدى مساهماته في المشروع الصهيوني الدفع باتجاه اتفاقيات التطبيع، التي ستضمن طابعاً رسمياً للعلاقات بين إسرائيل والديكتاتوريات العربية.

————————

25 عضواً في الكونغرس الأميركي لبلينكن: ممارسات إسرائيل “جريمة حرب

بعث 25 نائباً في الكونغرس الأميركي برسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يحثونه فيها على ممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل، لمنعها من تهجير الفلسطينيين من منازلهم في حيّ الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، معتبرين تلك الممارسات “جريمة حرب”.

وقال أعضاء الكونغرس الذين بعثوا هذه الرسالة: “نكتب هذه الرسالة للتعبير عن قلقنا العميق إزاء خطة إسرائيل لتهجير ما يقرب من 2000 فلسطيني من حيَّي البستان والشيخ جراح في القدس”.

وأشارت الرسالة إلى أن إسرائيل هدمت 100 مبنى في حيّ البستان، حيث يعيش 1550 فلسطينياً، 60% منهم أطفال، من أجل بناء “حديقة تلمودية”، لافتة إلى وجود إشعارات من الجانب الإسرائيلي تشير إلى استعدادها لإخلاء منازل 12 عائلة فلسطينية بحيّ الشيخ جراح، تؤوي 169 شخصاً، 46 منهم أطفال، لإسكان مستوطنين إسرائيليين بشكل غير قانوني”.

وذكرت الرسالة أن الإدارة الإسرائيلية تتجاهل تماماً العائلات الفلسطينية، وتعتبرهم في حكم العدم.

وتابعت: “ووفقاً لمركز أبحاث التربة، دمرت إسرائيل نحو 5000 منزل فلسطيني في القدس الشرقية بين عامي 1967 و2017. وبحسب المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، دمرت إسرائيل كذلك 349 منزلاً لفلسطينيين في القدس الشرقية بين عامي 2018 و2020”.

وشددت على أن “القدس الشرقية جزء من الضفة الغربية، ولقد احتلت إسرائيل تلك المنطقة عسكرياً، إلى جانب دمجها بشكل غير قانوني إلى بلدية القدس، ثم ضمها رسمياً إليها، منتهكة بذلك القانون الدولي”.

وشددت على أن “إسرائيل كقوة احتلال، يجب أن تمتثل للمادة الـ 53 من مؤتمر جنيف الرابع، التي تحظر تدمير المناطق السكنية التابعة لأفراد في أرض محتلة”، لافتة إلى أن “مصادرة ممتلكات المواطنين في المناطق المحتلة، أو إحداث دمار كبير في تلك المناطق، باستثناء الالتزامات العسكرية، يعتبر جريمة حرب وفقاً للمادة الـ 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.

وأشارت الرسالة إلى أن مصادرة إسرائيل لمنازل الفلسطينيين، وهدمها في حيَّي البستان والشيخ جراح، لا يتوافقان مع المواد ذات الصلة الصادرة عن مؤتمر جنيف.

وذكر نواب الكونغرس أن الولايات المتحدة تعارض تدمير إسرائيل للمنازل الفلسطينية في القدس الشرقية منذ عام 1969، مضيفين: “نود أن نلفت انتباهكم إلى أن أعضاء الكونغرس أعربوا أخيراً عن مخاوفهم بشأن ما تقوم به إسرائيل من تدمير في القدس الشرقية”.

ولفتت الرسالة إلى أن 64 عضواً بالكونغرس سبق أن أرسلوا خطاباً إلى وزارة الخارجية في 26 مارس/ آذار 2020، و12 آخرين أرسلوا خطاباً مماثلاً في 21 مارس/ آذار 2021، أعربوا فيهما عن قلقهم البالغ حيال عمليات هدم المنازل المستمرة بالضفة الغربية والقدس الشرقية، وكذلك عمليات إجلاء الفلسطينيين من منازلهم.

كذلك أعرب نواب الكونغرس في رسالتهم عن ترحيبهم بإظهار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التزاماً بحقوق الإنسان في السياسة الخارجية، مطالبين تلك الإدارة “بتوجيه رسالة فورية شديدة اللهجة إلى إسرائيل، لوقف خططها الرامية إلى إجلاء الفلسطينيين من منازلهم في حيّ الشيخ جراح، ولوقف هدم المنازل بحيّ البستان”.

وطالبت الرسالة بتقصي ما إذا كانت الأسلحة الأميركية قد استُخدمت في عمليات الهدم، مضيفة: “إذا استمرت إسرائيل في عمليات الهدم في البستان وخططها لإجلاء الفلسطينيين في الشيخ جراح، فإن على السفارة الأميركية في إسرائيل أن ترسل مراقبين إلى هناك لتوثيق عمليات الإجلاء تلك، ولجمع معلومات الوحدات العسكرية المشاركة في هذه الأنشطة، ولمعرفة ما إذا كانت الأسلحة الأميركية قد استخدمت هناك أو لا”.

ومن بين من وقعوا هذه الرسالة، أسماء مثل ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، وجاريد هوفمان، وآلان لوينثال، إلى جانب إلهان عمر، ورشيدة طليب، وأندريه كارسون.

(الأناضول)

العربي الجديد

—————————

من البحر الى النهر..كأنها ولادة فلسطينية جديدة/ ساطع نور الدين

كأنها البدايات الاولى.كأن التاريخ يعيد نفسه، ويستعيد وقائع ومواقف من مطلع القرن الماضي: الشعب الفلسطيني ينتفض على إمتداد أرضه الكاملة، النافية لقرار التقسيم، والحركة الصهيونية تستخدم مختلف أنواع الاسلحة التي تملكها من أجل ان تسود.

الجانبان يتذكران تلك الحقبة بالذات، العشرينات والثلاثينات التي شهدت التكوين الاول للهوية الوطنية الفلسطينية، والتأسيس الاول للكيان اليهودي، بدءاً من في مدن الساحل الفلسطيني التي شهدت الموجات الاولى من الهجرة اليهودية، والتظاهرات والرصاصات الاولى التي يطلقها من المقاومة الشعبية الفلسطينية في يافا، وحيفا، وعكا، واللد، والرملة، وتل ابيب..وفي غزة، التي كان لها على الدوام هامش متميز في الحراك الشعبي الفلسطيني، ثم في التفلت من القبضة الصهيونية.

موازين القوى هي نفسها، لم تتغير ولم تتبدل: جاء الصهاينة، مدججين بالسلاح المتطور، الذي كانت له الكلمة الفصل في إعلان الدولة عندما إنضمت الى المستوطنين الاوائل كتائب يهودية كاملة التسليح والتجهيز من فرق الحرب العالمية الثانية، فأخمدت الثورة الفلسطينية الاولى، وهزمت بسهولة فائقة الجيوش العربية مجتمعة، وجسدت المزاعم الصهيونية بالحصول على أرض بلا شعب..

الايام الراهنة، تكتب فصلاً جديداً من ذلك التاريخ المتصل: الفلسطيني لم يغادر، ولم يستسلم، ولن يسلم. وهو ما زال متشبثاً، كشعب واحد، أو على الأقل كوعي موحد، بأرضه الممتدة من البحر الى النهر، يقاوم ويقاتل. والاسرائيلي الذي حقق ما بدا له أنها معجزة، بات مضطراً مرة أخرى الى حمل السلاح والهجوم على الاحياء والمنازل الفلطسينية إينما وجدت، والتلويح بالاعلام والسكاكين والعصي.كأنه عاد الى سيرته الاولى، عصابات ومليشيات مسلحة، سابقة لوجود الدولة والجيش والمؤسسة، تخوض حرب شوارع فعلية، مع “جيران” كانوا شركاء في الهوية، ولو من الدرجة الثانية، فباتوا العدو الذي يكمن لهم على مفارق الطرق ويتحدى إقامتهم الممتدة أكثر من قرن على الارض الفلسطينية.

في تلك الدولة، كان الشرخ موجوداً على الدوام بين “المجتمعين” اليهودي والعربي. المعركة الحالية ساهمت فقط في تظهيره وفي تعميقه الى حد لم يسبق له مثيل منذ الانزال الصهيوني الاول على الساحل الفلسطيني.. وهو سيؤدي حتما الى صراع جديد على الهوية، وعلى الفرز السكاني، وربما أيضا على التهجير، بل وحتى مراجعة قرار التقسيم نفسه.

لكن نهاية ذلك الصراع، لن تكرر الماضي حرفياً. في البدء، حققت المعركة الراهنة حتى الآن إنجازاً إستراتيجياً مهماً: هي أوقفت، أو ربما عطلت واحدة من أشرس الحملات الاسرائيلية الاميركية التي كانت تستهدف إنكار صلة الشعب الفلسطيني بأرضه، تمهيداً لإنكار وجود ذلك الشعب بحد ذاته، على نحو ما كان يطمح الثنائي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في السنوات الاربع الماضية.

ربما تنتهي المواجهة الحالية الى إنتكاسة عسكرية وأمنية فلسطينية، لكن البرهان على أن الشعب الفلسطيني ما زال موجوداً على أرضه، من البحر الى النهر، والعطف ( أو حتى الشفقة) الذي يناله من الشعوب العربية والاجنبية كافة، بما فيها الشعب الاميركي نفسه، والذي أحيا من جديد، ولو بشكل خجول، أفكار التسوية التي بدا أنها دُفنت أيام ترامب، لا سيما منها حل الدولتين..لا بد ان يبعث بشكل أو بآخر عملية سياسية ما، تبنى مرة أخرى، ليس فقط على وجود الشعب الفلسطيني، بل على تصميمه وإرادته وإستعداده الدائم للفداء، مهما كانت موازين القوى مختلة لصالح اليهود، ومهما كانت مظاهر الخذلان العربي جارحة ومدمرة.

المعركة الراهنة هي إستعادة حرفية لمعارك مطلع القرن الماضي. هذا ما يتفق عليه الفلسطينيون والاسرائيليون في هذه الايام الصعبة. وهم يقاتلون اليوم على هذا الاساس، كأنهم يستكملون ما فاتهم، ويصفون حسابات الماضي التي لم تحسم، ولن تحسم.. إلا بإعتراف اليهود أنهم ليسوا على أرض بلا شعب، وبإعتراف الفلسطينيين أن قضيتهم بحاجة الى تحديث كامل، يشمل جميع رموزها وأدواتها.

لعل المعركة الراهنة هي مؤشر على بدء عملية التحديث تلك.

 المدن

—————————

الشيخ جراح: موجة جديدة من الانتفاضات العربية؟/ شادي لويس

هل يصح لنا أن ننسب احتجاجات الشيخ جراح إلى موجة ثالثة من الربيع العربي؟ أم أن الموجة الثانية التي قاطعها الوباء، لم تنتهِ بعد حتى يبدأ غيرها؟ ولماذا نحتاج في الأساس إلى تلك المرجعية؟ أليس للاحتجاجات الفلسطينية دوراتها المستقلة، السابقة على الربيع العربي بعقود، بل والملهِمة له؟ لا تخلو الاستعارات “الموجية” من اختزال يسعى إلى فرض بنية مبسطة للتقسيم التاريخي، أو علاقة عضوية بين الأحداث، علاقة خطية تتقدم نحو الأمام. فالموجة في جزء منها، منتج لإلحاح أيديولوجي استهلاكي، يسعى إلى إنتاج موجات جديدة من كل شيء، من البضائع والموضات والنظريات، حتى الحركات الاحتجاجية.

إلا أن البلاغة الفارغة للموجة، وللرمزيات السياسية لفصول السنة، لا ينبغي أن تصدنا عن فحص العلاقة بين احتجاجات القدس وبين انتفاضات شهدتها الجزائر والسودان وقبلهما لبنان. فحص غير معني بفصل الأصل عن الفروع، أو بتحديد أواصر النسب، بل بالتشابهات والتماثلات الظرفية والمتعلقة بالسياق. تذكرنا احتجاجات الشيخ جراح بالانتفاضة الثانية، فشرارة الانطلاق من القدس، والشعور الفلسطيني العام بانغلاق الأفق، هي عوامل مشتركة بين الإثنين بلا شك. والانتفاضة الثانية امتداد للأولى بأشكال الكثيرة، الصِّلة الجامعة بينهما تكمن على الأقل في ذاكرة مشتركة عابرة للسنين، ومتجاوزة للتقسيمات التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين، في الداخل والشتات، وبين داخل وداخل آخر. إلا أن تلك الصِّلة، على متانتها، تحمل قطيعتها داخلها. فعبر عقدين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، تغير الواقع الفلسطيني بشكل جذري، الفصل شبه النهائي بين الضفة وغزة أصبح أمراً واقعاً كانقسام القيادة الفلسطينية، ترسيخ التعاون الأمني مع السلطة في رام الله، وفي المقابل تأكيد وضع القطاع كمعسكر ضخم للعقاب.

بالقدر نفسه، شهدت المنطقة بأكملها تحولات عميقة، لا حاجة إلى إعادة سردها. وفي العام الأخير، قادت سلسلة من عمليات التطبيع الرسمية مع إسرائيل، إلى تحول غير مسبوق في الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية. فإلقاء اللوم على القيادات الفلسطينية وتشويه الفلسطينيين عموماً، لطالما كانت أدوات تكتيكية وظّفتها الأنظمة العربية لمواءمة المزاج الشعبي مع تحولات سياساتها الخارجية. إلا أن الخطابات التطبيعية الأخيرة تذهب أبعد من هذا، بنبذ القضية إجمالاً ونفي عدالتها، لا مجرد الاكتفاء بلوم أصحابها.

تأتي احتجاجات الشيخ جراح في هذا السياق المغاير، وكعرض مركّب له، كاشفة عن الخصائص التي تتشاركها مع الانتفاضات العربية. فغياب القيادة السياسية، ولامركزية الحراك أو تعدد مراكزه المحلية، ليس مجرد علامة على العفوية. فالقيادة الفلسطينية حاضرة في الحقيقة وحضورها ثقيل في ظل الانقسام، إلا أن الاحتجاجات تتحرك بمعزل عنها، بل وربما على الرغم منها وضدها، ولو بشكل ضمني. ومن اللافت للنظر في هذا الخصوص، هو الدور المتزايد التي يلعبه فلسطينيو الداخل في الاحتجاجات الأخيرة، والفئات العمرية الأصغر سناً منهم على وجه التحديد. الاعتماد المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي في الحشد والتنظيم والتوثيق والدعاية وتدوير الرسائل، يؤكد على الدور الجوهري للصورة وللرقمي وللشبكي، وكذا تكشف عن حدود هذا كله وهشاشته، كما حدث في الانتفاضات العربية القريبة. ومع أن الوسائل الرقمية أثبتت فاعليتها الرمزية، فإن الترويج السياسي يشهد رقابة غير مسبوقة من قِبَل المنصات الرقمية. أما الانتصارات المحققة عبرها، فتظل في معظمها معنوية وتكتيكية ومؤقتة. ففي ظل الاختلال الهائل في ميزان القوى، لا يمكن تمني أكثر من هذا. وبالتبعية، تصدت إسرائيل للضغط، باللعب على عامل الوقت، في تذكير بعودة الأنظمة العربية من بوابة الثورات المضادة بعد امتصاصها للانتفاضات الجماهيرية.

وثمة سبب آخر لتضمين الشيخ جراح في سياقها الاحتجاجي العربي. فتجاوز التقسيمات الفاصلة بين الفلسطينيين، جاء مصحوباً بتواصل مع جمهور إقليمي أوسع، هو في معظمه جمهور الانتفاضات العربية. لا يأتي هذا التواصل عبر وسائل الإعلام، كما في الماضي، أو من خلال الحكومات العربية أو الأحزاب السياسية المعارضة، بل بتواصل مباشر، جماعي وفردي، عابر للحدود، داخل الوطن العربي وفي المهجر، عبر شبكة من العلاقات الافتراضية التي تطورت في معظمها خلال عقد الانتفاضات العربية. لا يعني هذا حكماً بالنجاح أو الفشل، ولا توقعاً للمآلات، بل ببساطة هو إقرار بأن الثورات التي هزت منطقتنا قبل عشرة أعوام، لم يُغلَق بابها بعد.

المدن

————————————

من غزة إلى اللدّ:الحقّ الفلسطيني تطوقه العنصرية والصواريخ والأجندات القاتلة/ ديانا مقلد

كل مظاهر الشرور في الأيام الأخيرة بين غزة واللدّ والقدس هو انفجار حتمي لاحتلال مستمر لأكثر من 70 عاماً. لا طريقة لتجميل الأمر أو القفز عن هذه الحقيقة التي غذتها ونمّتها عقود من الفصل العنصري والتمييز وتصاعد اليمين الفاشي.

كأوراق اللعب تساقطت أبراج سكنية في غزة.

هناك في القطاع المحاصر منذ نحو 14 عاماً، دخلت الأرواح في مرحلة التعداد الرقمي البارد الذي يُجرّد كل ضحية من خصوصية مأساتها. فلا وقت لكفكفة دمع صبي يصرخ “مع السلامة يابا” بعد مقتل أبيه بالقصف الاسرائيلي، أو لتهدئة روع اطفال غزيين تحاول أمهم أن تقنعهم أن دويّ غارات الطيران سيذهب سريعاً وسيعودون إلى نومهم. كيف لها أن تفعل وهي ترتعش من احتمال أن يحولهم الطيران الإسرائيلي إلى أشلاء كما يفعل بمن حولهم.

التقط اليمين في إسرائيل والعالم المشهد بوصفه حرباً تشنها “حماس” لتتكرر محنة الغزيين مرة جديدة، إذ لا تُقارب غزة أبداً على حقيقتها، كمكان يسكنه شعب، كسجن هائل مُروِّع، كموقع غني بالتجربة الإنسانية. إسرائيليون كثر – كرئيس وزرائهم تماماً – لم يتحدثوا مع أحدٍ من غزة إطلاقاً، ولا يعرفون سوى أن قطاع غزة مأوى لـ”الإرهابيين”، لهذا فإن من المقبول لديهم حصارهم وإطلاق النيران عليهم.

المشهد معقد ومركب، فليس بعيداً من غزة التي تستعيد في كل جولة مشهد الدمار والموت هناك الداخل الإسرائيلي حيث فيديوات تنقل هجمات مستوطنين على منازل عرب، ومحاولات طرد وقتل وصدامات عربية- يهودية انفجرت كما لم يحصل من قبل في اللدّ والقدس. وجبهة الصدام العربي- اليهودي من منزل إلى منزل ومن شارع إلى آخر، لا تقل اشتعالاً عن الغارات التي تفتك بغزة وأهلها ولا الصواريخ التي تطلقها “حماس” عشوائياً.

كل مظاهر الشرور في الأيام الأخيرة بين غزة واللدّ والقدس هو انفجار حتمي لاحتلال مستمر لأكثر من 70 عاماً. لا طريقة لتجميل الأمر أو القفز عن هذه الحقيقة التي غذتها ونمّتها عقود من الفصل العنصري والتمييز وتصاعد اليمين الفاشي.

في الجانب الإسرائيلي، لا تتمثل المشكلة في سياسي قميء اسمه بنيامين نتانياهو وحكومته فحسب، صحيح أن الحملة المناهضة لنتانياهو مهمة، لكنها قطعاً ليست مصيرية. يُقِر منتقدو نتانياهو داخل إسرائيل بأنه يعرف كيف يتلاعب برغبات الإسرائيليين، فهو يعي أن هناك مزاجاً متقبلاً لفكرة التطهير العرقي كما حصل في القدس في حي الشيخ جراح، وكما تفعل كل المستوطنات المنتشرة كالسرطان في المناطق الفلسطينية، وهو لن يوفر جهوداً في استثمار الدم والخوف والكراهية بالانتخابات .

لكن المعركة الحقيقية أكثر “استقتالاً”، ونطاقها أوسع بكثير، فهي حول “الدولة” وحدودها والشعب وهويته، وما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم في الهوية والأرض والكرامة ستبقى مشاهد الموت الأخيرة جولة في سياق جولات.

المحنة الفلسطينية لا يكفي أن ينظر إليها من الزاوية الإسرائيلية وحدها مهما كانت هذه الزاوية، هي جذر الظلامة وعاملها المؤسس والأضخم.

فالصمت العربي حيال ما يحصل مدوّ إلى حدّ يصمّ الآذان ويغشي البصر، والصمت لا يعني التحشرج وابتلاع الكلام وحسب، فالامتناع عن اتخاذ موقف عملي هو تماماً ما يزيد من حصانة الارتكابات الإسرائيلية، فاتفاقات “أبراهام” كان يفترض أنها وضعت شرط وقف زحف الاستيطان في مقابل الاعتراف بإسرائيل ومباشرة علاقات ديبلوماسية معها!

تم الاعتراف بإسرائيل وبوشرت علاقات معها على ما شهدنا خلال الأشهر الماضية من زيارات متبادلة إماراتية- إسرائيلية واحتفاء بـ”السلام” عبر أغنيات وعبارات فارغة جعلت من السلام فكرة مبتذلة. لكن مسارعة دول مثل الإمارات والبحرين إلى الاحتفاء باسرائيل، كان سبق تثبيت الحق الفلسطيني بل هو لم يكترث به حقاً، وهو ما انعكس في مواجهات الأيام الأخيرة حيث ساد الارتباك والتجاهل القاتل لما يحل بالفلسطينيين، ما كرس الضيم والاعتداء على حقوقهم.

وفي ذروة المشهد المقدسي، كان قد شرع الفلسطينيون بمواجهة غير مسبوقة لجهة صراحة المعتدي والمعتدى عليه وكان العالم قد بدأ يشهد انقلاباً حقيقياً في الموقف من اسرائيل بعد تقرير بالغ الأهمية لـ”هيومان رايتس ووتش وبعد سلسلة مواقف صريحة من داخل اسرائيل ومن خارجها من شخصيات سياسية ومؤثرة وزانة، تصف الحقيقة العنصرية والعنفية للدولة المحتلة.

وسط هذا المشهد، باشرت حركة “حماس” المدعومة من إيران المواجهة بمعركة الصواريخ وسريعاً ما سلخ المشهد من صورة انتفاضة مدنية بوجه احتلال جائر إلى معركة صواريخ. إسرائيل رحبت بهذه الخطوة، ذاك أنها قدمت لها فرصة للتخفف من أعباء المقدسيين، وأتاحت لها إشاحة الأنظار عن موبقات المستوطنين الذين أذهلت وقاحتهم وجشعهم العالم، وتحويلها إلى المواجهة الصاروخية التي اشتعلت في القطاع.

المقارنة لن تكون عادلة حتماً فإسرائيل وخلال ساعات اسقطت أبراجاً سكنية ودمرت أحياء ومنازل وقتلت وجرحت عشرات الفلسطينيين. صواريخ “حماس” العشوائية كانت مزلزلة أيضاً وهي قتلت واصابت وأودت بإسرائيليين، لكن من الصعب مقارنة حجم العملين ونتائجهما العسكرية المباشرة.

في جميع الصراعات يتقدم الخيار العسكري بوصفه الخيار الأسهل، لأنه الأسرع والأعلى ضجيجاً والأعمق تأثيراً في العواطف المشتعلة والغرائز المستنفرة. إنه الخيار الذي نحيطه بالقداسة على شاكلة شعار “زحفاً زحفاً نحو القدس”. من يطرح خياراً غير السلاح يُرفع في وجهه شعار المقدس للتشكيك بجدوى اللاعنف واعتباره تخاذلاً وجبناً.

اللحظة التي يعيشها الفلسطينيون قد تكون الأخطر منذ عقود، لكن هل يكفي النظر إليها من زاوية صواريخ “حماس” بوصفها “تشفي الغليل”؟

القضية الفلسطينية هي بالدرجة الأولى قضية أخلاقية وقضية عدالة، ومهما بدت وقاحة المستوطنين وعنفهم ومهما استعرت محاولات توظيف فريق الممانعة إيرانياً وإسلاميا وعربياً للصواريخ الحمساوية، وحدهم الفلسطينيون من يدفع ثمن كل هذا.

أي عمل يجابه الصلافة الاسرائيلية لا يأخذ في اعتباره مسؤولية الأرواح والدماء هو عمل لا يعول عليه بل هو عمل أخرق غير مسؤول، يبني صواريخه ورصاصه وسكاكينه على رهانات وحسابات ضيقة لا يمكن وضعها تحت خانة المصلحة الفلسطينية العامة.

طرح البديل ليس سهلاً، خصوصاً أن إسرائيل قد تنجح في احتواء صواريخ “حماس” وتطويق المنتفضين بالقوة فتنهي جولة جديدة باستئناف التعسف ضد الفلسطينيين. لكن في خضم النقاش حول كيف على الفلسطينيين الرد واستعادة الحق يبقى التفوق الأخلاقي عنصراً حاسماً لأي خطوة. هذا تماماً ما فعله أهل الشيخ جراح والقدس وهذا ما تهدد صواريخ “حماس” بتبديده.

درجة

————————————–

الحرب الثالثة في غزة والانتفاضة الثالثة/ ياسر أبو هلالة

في اليوم التالي لوقف إطلاق النار، ستحتفل غزة، ومعها فلسطين، ومن ناصرها على امتداد العالم بالانتصار. مهما كانت الخسائر ماديا وبشريا، لن تستطيع قوة الاحتلال الصهيونية اقتلاع حركة حماس، ولن تستطيع التقليل مما حققته استراتيجيا.

منذ بدء الحرب، تحرّك الوسطاء، سواء أكانوا المصريين أم القطريين أم الأمم المتحدة، وهم يدركون أن الطرفين حريصان على إنهاء الحرب بأسرع وقت، ولا مصلحة لهما بإطالة أمدها، وهما في لعبة عضّ أصابع ستنتهي في غضون أيام، أو أسابيع على الأكثر.

رفضت “حماس” عروض وقف إطلاق النار، وطلبت أن توافق إسرائيل أولا، وبعدها تدرس العرض، وهي لن توقف قصفها ما لم توقف إسرائيل عدوانها في القدس قبل غزة. وهي لن تردّ سريعا إلى حين الوصول إلى صيد ثمين يحفظ ماء وجه نتنياهو، لكن نَفس نتنياهو قصير، ولن يغامر بحربٍ طويلة، ولا اجتياح برّي واسع. وهو في مثل كل حربٍ، سيتباهى وقادته بتدمير البنية العسكرية لحركة حماس، واغتيال كبار قادتها.

من دروس الحروب السابقة، أن “حماس” تعود أقوى عسكريا، وتضاعف ترسانتها كمّا ونوعا. وهي حققت، في هذه الحرب، بمعزل عن موعد نهايتها، أرباحا استراتيجية، تهون أمامها أي تضحيات، وأبرزها:

أولا، أعادت القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح، فهي ليست صراعا على مغانم السلطة بين رام الله وغزة. هي صراع مع الاحتلال، جوهره القدس، وهو صراعٌ ظهر بأجمل تجلياته عالميا قبيل الحرب، عندما هيمنت صور الفلسطيني الجميل في القدس على الفضاء الرقمي، مدنيون عزَّل يتحلّون بالعزيمة والشجاعة في مواجهة قوةٍ همجية. العالم كله ضجَّ بالبث المباشر للمشاهير، وصور لا تنتهي على مدار الساعة، قوامها جيلٌ فتيٌّ يبرع في استخدام المنصات الرقمية، وتحدّى هيمنة اللوبيات الصهيونية فيها، وطوّعها لنصرة القدس في تضامن عالمي نادر وغير مسبوق، وصل إلى أجيال ظلت بعيدة عن القدس والسياسة عموما.

هنا أنقل عن ناشطة سعودية تدرس الدكتوراه في بريطانيا، وتدخل في سجالات مع الصهاينة في غرف “لكلوب هاوس”، كيف اشتكى صهاينة بريطانيون من أن أولادهم لا يستطيعون نشر صور على “أنستغرام” تتضامن مع إسرائيل، خشية توبيخ أقرانهم لهم… اضطرّت منصة إنستغرام للتراجع عن حذف حسابات، والتضييق على حملات التضامن بعد التصدّي لها… هذه الحرب الناعمة اندرجت فيها “حماس” بأكثر الحروب خشونة في تاريخ الصراع.

ثانيا، حجم القوة الصاروخية الذي أذهل الجميع. وحسب ما وصف مراسل الإذاعة العسكرية الإسرائيلية، الهجوم الصاروخي الذي زاد على ألفي صاروخ في يومين هو الأكبر في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ونجح في كسر القبة الحديدية والضرب في قلب القدس وتل أبيب، مُحدثا مشاهد لم يسبق للعالم والعرب والإسرائيليين رؤيتها. ذلك أظهر أن المقاومة لا تتحلى بالشجاعة والتضحية فقط، بل هي تتمتع بذكاء خارق، وإبداع فاجأ العالم، فتجهيز الصواريخ النوعية والمسيَّرات مهماتٌ تنوء بها دولٌ غنية، فكيف بجيبٍ محاصر؟ تأثر الردع وتوازن الرعب لا يقل أهمية عن رفع الحالة المعنوية للأمة كلها، وليس لفلسطين وحدها.

ثالثا، فلسطين واحدة، ليس في غزة ورام الله. كانت القدس العنوان الذي التقى عنده الجميع، ودخل فلسطينيو 48 بقوة من اليوم الأول للمواجهة. ولم يكن فلسطينو الشتات بعيدين عمَّا يجري، وكان دورهم فاعلا حيثما حلوا في ديار العرب والغرب. هذه الوحدة الفلسطينية ميدانيا تحتاج مأسسة وقيادة ترقى إلى مستواها.

رابعا، الانخراط العربي غير مسبوق، وهو ما أسقط اتفاقات التطبيع. ومن يتابع منصّات التواصل يلاحظ مدى انشغال العرب بقضيتهم الأولى، وخصوصا الأجيال الشابة. تصدّرت الوسوم المتضامنة مع فلسطين الترند في السعودية ومصر والأردن والكويت، والعالم العربي عموما، وساندتها تظاهرات ميدانية حيثما سمحت السلطات.

هذا الكسب الاستراتيجي ليس لحركة حماس ولا لغزة، هو لكل فلسطين التي تستحق الخسائر في الأرواح والبنية التحتية من أجلها. لكنها ليست تضحياتٍ تختص بها غزة. يبقى السؤال: أين الضفة؟ عندما تحضر السلطة تغيب فلسطين؟ مؤسفٌ موقفها، وخصوصا في اعتقال منفذ عملية زعترة، رجل الأعمال الأربعيني وحامل الجنسية الأميركية يضحي بكل شيء، وجواسيس التنسيق الأمني يقدّمون كل شيء لاعتقاله وترويع أسرته، إنه المشهد القبيح في اللوحة الرائعة. .. المأمول أن تكتمل اللوحة بالضفة.

العربي الجديد

—————————–

عن أي فلسطين نتحدث؟/ يوسف بزي

لندخل بالموضوع مباشرة: بالطبع هناك فلسطين لفظية فقط. كلمة معلوكة مستهلكة في خطب ركيكة وفارغة المعنى. هي فلسطين الوهمية والكاذبة. شعار سياسي اضطراري، لجأت إليه الأنظمة العربية التقليدية تدعيماً لشرعيتها. والفلسطينيون بالنسبة إليها هم إما عبء يتم التخلص منه بتبرعات مالية و”مساعدات إنسانية” أو ببيعهم التأييد والمؤازرة “الديبلوماسية”. في ربع القرن الأخير، تخففت هذه الأنظمة والدول من فلسطين بأسرها، الإسم والبشر والأرض والقضية. ارتضت بذريعة السلام التضحية الكاملة. نسيان فلسطين تماماً.

في المقابل هناك فلسطين أخرى، أكثر تأثيراً وأشد وقعاً. وهذه من اختصاص أمثال معمر القذافي أو صدام حسين أو حافظ الأسد وابنه (وأشباههم بدرجة أقل من أمثال علي عبدالله صالح أو جعفر النميري.. إلخ). هؤلاء جعلوا فلسطين مرادفة لأعتى أنواع الابتذال السياسي المقرون بالعنف والاستبداد والحروب الأهلية والإقليمية والانقلابات الدموية. وهم كانوا كلما أوغلوا في الحكم والسياسة والقتل كلما جعلوا “فلسطين” مشروعاً مرعباً وشريراً يفاقم من رصيد “إسرائيل” أخلاقياً وحقوقياً. بل أن هؤلاء –وكما بات معروفاً وراسخاً- برعوا في قتل الفلسطينيين (كما مواطنيهم) أكثر مما اقترفت إسرائيل نفسها.

ثم، لدينا تلك الفلسطين الخاصة بإيران الخمينية. وهي “أرقى” بمراحل من فلسطين القذافي والأسد. هي حسب “ما علمنا وذقنا” منذ مطلع الثمانينات وعلى امتداد أربعين عاماً كانت فتنة شاملة، مذهبية، بالغة التعصب، قاتلة وتدميرية. وقد أنجزت ما لا يحلم به أشد الصهيونيين تطرفاً: تدمير المشرق العربي دولاً ومجتمعات ومقدرات، وتشظيته طوائف وعصبيات تمتهن الإرهاب والفوضى، وتحطيم ما كان يشكل الحد الأدنى من منظومة عربية فاعلة. وهذه الفلسطين الخمينية لا يتمناها أحد في العالم. ومن الواضح طوال هذه العقود أن الفلسطينيين أنفسهم يخافونها وينفرون منها، طالما أنها أيضاً تتحول إلى رافعة هائلة لليمين الإسرائيلي المتعصب دينياً والمتطرف عنصرياً.

وتشترك فلسطين الخمينية مع فلسطين الصدامية والأسدية (وباقي ما يسمى “ممانعة”) في شق طرق للقدس نحو وجهات معاكسة. فيكون شريط أوزو بتشاد عند القذافي، وخورمشهر والكويت عند صدام، والقصير وحلب وحمص عند نصرالله والأسد، وصنعاء ونجران عند الحوثي.. ولا ننسى خطيئة “منظمة التحرير” وإن اعتذرت عنها لاحقاً، في شق طريق القدس عبر جونية.

وبعض تلك الطرق كانت على جثث الفلسطينيين أنفسهم، كما “حرب المخيمات” وقبلها تل الزعتر، وآخرها مخيم اليرموك.

هناك فلسطين أميركية أيضاً، مستلهمة من نظام محميات “الهنود الحمر”، داخل دولة إسرائيل الكبرى. وهذه تقريباً ما يقّر به ويوافق عليه المتحمسون للتطبيع. كذلك ثمة فلسطين اليسار الأوروبي، عنوان “أممي” لمقارعة الامبريالية الرأسمالية والتطهّر من الإرث الكولونيالي. وهي على نحو أو آخر تنيط بالفلسطينيين “تغيير العالم” أكثر مما تطلب لهم حقوقهم الوطنية.

ثم هناك عند الفلسطينيين أنفسهم، ترجمات متعددة لفلسطين، لكن يمكن اختصارها بفلسطين حماس وفق نموذج غزة، وفلسطين “السلطة” وفق نموذج رام الله. والمريع في هذه الحال، أن غزة حماس هي خلاصة صافية للحرب الأهلية الفلسطينية الدائمة، ولغلبة السلاح على المجتمع بل وجعل السلاح نفسه هو القضية، فيما الأخيرة تتحول إلى ذريعة وحسب. وهذا تماماً يشابه المآل الذي يذهب إليه لبنان حالياً. أما نموذج رام الله، فهو على صورة الكثير من أحوال الدول العربية المحطمة، حيث تمسك نخبة فاسدة بالسلطة والثروة، وتبدد القضية الوطنية بمزيج من التفاهة والعجز والفساد والتبعية.

هناك فلسطين “متخيلة” خاصة بأبناء الشتات والمخيمات. أشبه بفلسطين الشعر والروايات لكنها هي الوجدان الذي يمنح الاسم والقضية والشعب والأرض هويتها ومعناها التأسيسي. وهذه بالضبط هي مصدر الخوف العميق المؤرق لإسرائيل وسرديتها.

بقيت فلسطين التي أعلنتها انتفاضة الفلسطينيين الأولى، هناك في أرضهم. انتفاضة شعب يطالب بالقيم التي تسود العالم: الحرية وحق تقرير المصير والعدالة والمساواة والديموقراطية. انتفاضة شكلت أبهى أنواع المقاومات المدنية والسياسية وكسرت صورة إسرائيل. بل وفضحتها وأجبرتها أخيراً على الاعتراف مرغمة بوجود شعب وقضية.

هذا بالضبط ما يحدث الآن، بعيداً عن “سلطة” رام الله ونموذج غزة، وبالتأكيد بعيداً عن الخمينيين والأسديين وسائر عصب الممانعة، وغصباً عن التبعيين والتطبيعيين.. هناك في القدس وفي كل أنحاء فلسطين التاريخية. الأهل، السكان الأصليون، أصحاب الأرض والحق، ينتفضون ضد الفاشية العنصرية، ضد جماعات الاستيطان المتعصبين، ضد هذا اليمين الديني والعسكريتاري.. ضد التطهير العرقي والديني.

مشهد القدس هذه المرة بدا لملايين المواطنين العرب أنه يتصل في العمق بمشهد الربيع العربي، بشعاراته ورغباته وطموحاته، بل وبوقائعه الميدانية وتفاصيله وأدواته. أي هذه المواجهة مع القوة الغاشمة والاستبدادية والفاشية طلباً للحرية والعدالة وحق تقرير المصير والديموقراطية، وعلى الضد من التعصب والتطرف والتمييز والاستبداد.

ومن هذا المشهد، عاد العرب إلى فلسطين وعاد الفلسطينيون إلى قضيتهم.

لكن، وتماماً كما حدث في الثورات المضادة، جاءت “نجدة” إسرائيل نتنياهو ومستوطنيه من الأعداء المفضلين، من صواريخ حماس ومن إهزوجات الممانعة كلها. لقاء الأنداد على الحرب التي تسحق فقط انتفاضة الشعب الفلسطيني، وتقتل مواطني غزة، وتهزم أهل القدس، كما هُزمت شعوب الربيع العربي.

المدن

——————————-

فلسطين: عن الشبح الذي في الصورة والابتسامة التي على الوجه المقهور/ بانة بيضون

تبدو ابتسامة الجسد المقيّد بارزة وكأن كل شيء على ما يرام، إنها ابتسامة عدم الاعتراف بالمعتدي، ليتحوّل إلى مجرد شبح، على رغم كل ما يملكه من أسلحة وعتاد وفائض قوة.

 الشباب المقدسيون والمقدسيات وفي انتفاضتهم ضد التهجير القسري لعائلات حي الشيخ جراح الذي ليس سوى استكمال لمشروع الاستيطان الإسرائيلي للاستيلاء على ما تبقى من القدس، مقيدون إلى الأرض غير مسلحين إلا بابتسامة ساحرة تجعلنا ننسى عنف المشهد لبرهة، قالبة كل تأويل ممنهج للصورة.

ما تشي به الصور عادة وبلا جهد هو أوضح من محاولة نص الأفكار والمفاهيم. في هجوم كتيبة من الجنود الإسرائيليين بأسلحتهم وعتادهم على رجل أو امرأة أعزلين، هناك طبعاً ما يعبر عن درجة القمع والعنف الممارس، لكن أيضاً تبدو وجوه الجنود مذعورة ولا سبب منطقياً لذلك. في المقابل، تبدو ابتسامة الجسد المقيّد بارزة وكأن كل شيء على ما يرام، إنها ابتسامة عدم الاعتراف بالمعتدي، ليتحوّل إلى مجرد شبح، على رغم  كل ما يملكه من أسلحة وعتاد وفائض قوة. تلك الصورة تجسد كل الواقع الملتبس لمحكمة احتلال ومستوطنين حججهم شبحية تماماً بقدر ما تقوم على كره “الفلسطيني”، كره هو وجه آخر للذعر الذي يقارب البارانويا. فوجوده بحد ذاته يناقض الأسطورة الكبرى التي صممت على أساسها حجة وجود المستوطنين، فالأحقية التاريخية بالأرض المستمدة من الموروث الديني المؤدلج والتي تشبه الخرافة، تسقط عند الأحقية الراهنة والفعلية لصاحب الأرض أو البيت الفعلي. وبخلاف أن المحكمة أيضاً التي يراد لها أن تعكس وجه إسرائيل الديموقراطي/ الخرافي، حكمت بأن الأراضي في حي الجراح تعود إلى مالكيها الأصليين في أواخر القرن التاسع عشر (1885) أي قبل 136 عاماً وهما منظمتان يهوديتان قامتا بالادعاء.

السخرية بالطبع أن ما أتاح تلك المحاكمة هو قانون عنصري يجيز للإسرائيليين دونما الفلسطينيين المطالبة بما يدعون أنها كانت ممتلكاتهم قبل خسارتها عام 1948. وهنا يظهر التناقض في وجهه الأبرز، في محاولة إسرائيل تبرير طرد الفلسطينيين من القدس عبر هذا القانون. لو طبق هذا القانون كما يجب أي سواسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكان انتفى وجود إسرائيل أساساً. فإذا عدنا إلى القرن التاسع عشر، سنجد أن مجمل الأراضي كانت تعود إلى الفلسطينيين مقارنة باليهود العرب الذين كانت نسبة تملكهم الأراضي شبه معدومة (مصدر الدراسة الأمم المتحدة). وفي محاولات إسرائيل الترويج لحداثتها وديموقراطيتها الخرافية، لا يكون أثر ذلك سوى تأكيد الهوية التي تحاول التملص منها كدولة احتلال وفصل عنصري، ولا يبدو هذا الاستيطان والاحتلال المتمدد منذ عقود إلا كتعبير عن مفهوم دولة، لا تستمد هويتها سوى من الاحتلال نفسه ولم تنجح في إرساء جذور غير شبحية مع هذه الأرض.

يكفي أن نشاهد المستوطنين الإسرائيليين الذين يتبنون خطاب التطهير الديني والعنصرية كتبرير لاحتلال ممنهج، كي نستوعب ما تقوم عليه إسرائيل فعلاً. يقول المستوطن الإسرائيلي يعقوب لسيدة فلسطينية تدعى منى بعدما استولى على بيتها وطردها منه بالقوة: “نعم ليس هذا بيتي، لكن إن لم أسرقه، فغيري سيسرقه ولن تعودي إلى بيتك، إنه ليس لي كي أعيده لك”. في كلام يعقوب وطبعاً لا داعي للتوقف عند حقارته، الكثير مما هو معبر، إنه يدرك جيداً عدم انتمائه لهذا البيت الذي استولى عليه بالقوة لكن ليس هذا ما يهمه، الهدف المرتجى هو قطع صلة الفلسطيني ببيته وأرضه. ومن هنا يستمد هويته ومبرر وجوده، من محاولة إلغاء أثر الفلسطيني، فيعقوب وبلسانه لا ينفي كونه غريباً في هذا البيت المحتل، الذي لا تربطه به أي علاقة، بخلاف أنه مستوطن أي يمكن استبداله بآخر.

هذا الاستطراد لا يعني أن المستوطنين سذج أو أغبياء أو أبرياء، إنهم جنود ببساطة ويمارسون في الحقيقة ما هو أكثر عنفاً ربما على الفلسطيني من القتل والاعتقال والنفي الجسدي، إنه نفي حقيقة عالمهم. تخيل أن تستفيق ذات يوم وقد طردت من منزلك فيما من طردك وأخذ مكانك يخبرك ويحاول إقناع العالم بأن ذلك البيت لم يكن لك أساساً. إذا ما استذكرنا نازية هتلر فإن أفظع ما فعلته أثناء التطهير العرقي هو ادعاء أن أولئك الأشخاص لم يكونوا أساساً. تذكرني الهوية الملتبسة للمستوطنين بمفهوم المحاكي أو الصورة الخادعة عند جان بودريار في كتابه “التشبيه والمحاكاة “، فهو ماهية تحاكي الشيء. وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن “ساكن البيت أو محتله”، لكن هذه الصورة لا تلغي حقيقته. فالمحاكي هنا لا يخفي الحقيقة، لكنه خلاء الحقيقة الذي يتخفى خلفه المحاكي. هنا يكمن كل الفرق بين من يدرك بالفطرة واليقين أن ذلك بيته وموطنه وتلك حقيقته، ومحتل يحاول إثبات علاقته الشبحية بهذه الأرض وكلما حاول أكثر برزت هشاشة هذا الرابط أكثر وأكثر.

وهل تستطيع ورقة من محكمة أياً كانت أن تقنع منى بأن ذلك ليس بيتها؟ أو أن تقنع أي شخص بأن ذلك بيت المستوطن الإسرائيلي “يعقوب” أو حتى يعقوب نفسه هل يمكن إقناعه؟ المعركة التي يخوضها المقدسيون والمقدسيات اليوم لا تقتصر على حي الشيخ جراح، إنها الوقوف ضد مشروع استيطان سبق وجوده حتى 1948، ومستمر إلى الآن. أما الإسرائيليون وفي استكمالهم هذا المشروع فهم  يؤكدون أن إسرائيل وفي نواة تكوينها كانت وستبقى دولة استعمار وفصل عنصري ولم تنجح طوال عقود من الزمن في أن تكتسب هوية مختلفة عن تلك، على رغم الجهود المبذولة لترويج ما هو عكس ذلك، أي مفهوم الحداثة والديموقراطية الخ…. تحت قبة المسجد الأقصى الذهبية معارك طاحنة واشتباكات بين الفلسطينيين العزل وكتائب الجنود الإسرائيليين، دخان يتصاعد بما يتراءى للمرء أنها معركة ملحمية وهي كذلك بالفعل بالنسبة إلى الفلسطينيين.

وفيما العرب يتغنون بالأقصى ويستنكرون، يدرك الفلسطينيون أنهم متروكون لمصائرهم وقد لا يكون ذلك أسوأ شيء حدث لهم بالفعل، فدفاع العرب عن القضية الفلسطينية غالباً ما تمحور حول طبيعة ارتباطهم الديني بالأقصى وتناسي الفلسطينيين بحد ذاتهم بصفتهم الجزء الأساسي من القضية. يبتسمون للكاميرا ويكملون المعركة وفي تلك الابتسامة المضيئة لهذا الجيل الجديد من الفلسطينيين ما يبدد ولو لبرهة تاريخاً طويلاً من القهر والمعاناة، كأنما “في آخر الأشياء” كما عنوان قصيدة درويش تبدو تلك الابتسامة وكأنها المخلص. نود لو نصدق ذلك فعلاً بلا أن نجمل بؤس الواقع. ما نعرفه أن هذا الجيل الجديد من الفلسطينيين لا تنقصه الشجاعة وقد كتب عليه أن يتصدى لما يبدو أنها المعركة الأهم في التاريخ الفلسطيني المعاصر وهو يدرك ذلك تماماً. وإن ما كان هذا النص قد سبقت كتابته التطور الذي شهدته الأيام الأخيرة وانتفاضة فلسطيني الداخل فكل ذلك يؤكد أننا أمام حدث مذهل، انتفاضة شعبية موحدة كانت كفيلة وفي خلال أيام إن لم يكن ساعات أن تخلق مشهداً مختلفاً، لم نشهد له مثيلاً من قبل، كأن يفر المستوطنون من اللد مثلاً وحتى الشرطة الإسرائيلية ولو اقتصر ذلك حتى على ليلة واحدة. ولا تنحصر استثنائية ذلك الحدث في طرد المستوطنين وسيطرة الأهالي، بل في انضمام من يسمونهم عرب 1948 إلى رحاب المقاومة الشعبية.

ما نستطلعه من ذلك أن كل سني الاحتلال لم تنجح في إقناع الفلسطينيين بهوية مغايرة، وأيضاً طوال تلك المدة لم تنجح إسرائيل في فرض أي هوية مغايرة لنفسها إلا ككيان محتل، وبالتالي كل ذلك يرجعنا إلى نقطة البداية لكنها قد تكون بالفعل بداية مختلفة، فإن لم تنجح إسرائيل في فرض نفسها إلا ككيان محتل، فللمفارقة إن الفلسطينيين وعلى رغم كل الشتات ومحاولات التجزيء والفصل العنصري، أثبتوا أنه ما زالوا شعباً بكل ما للكلمة من معنى. قد يبدو ذلك بدهياً عموماً، لكنه في الحالة الفلسطينية استثناء بالفعل. وبغض النظر عن أي رأي جانبي أو تخوف من مجازر أعظم، كلنا نعرف أن اسرائيل التي لا تملك أي رادع أخلاقي أو احترام للقوانين الدولية، هي كفيلة بارتكابها، لهذا الشعب المحتل الحق بالمقاومة والدفاع والرد بكل سبل النضال التي يختارها، وأعظم ما في الأمر أنه يدرك ذلك تماماً ولا ينتظر إذناً ولا دعماً من أحد. الفلسطينيون يقولون كلمتهم اليوم في رفض الموت البطيء، قد يحمل لنا ذلك الصدى بعض النفس والأمل في أوطاننا التي لم نزل نتجرع خيباتنا المرة فيها. 

درج

——————————

البحث عن فلسطين خارج حي الشيخ جراح/ طارق اسماعيل

ولأن الوجدان العربي عموماً يسهل استلابه متى حضرت فلسطين، يصير مفهوماً أثر صواريخ “سكود” العراقية التي لم تعرف طريق فلسطين، إلا في اللحظة التي شعر فيها صدام حسين بالخطر على نظامه، إبان تحرير الكويت من الغزو العراقي…

 لم يكن ينقص الفلسطينيين ونكبتهم المستمرة، والتي يرفع حي الشيخ جراح رايتها راهناً، إلا تعاطف جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) وسمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية)، وها هما قد فعلاها، لكن وقع هذا التعاطف من وجدانين لم تسكنهما القضية الفلسطينية من قبل، يمكِّن المرء من أن يراكم على الجرح الفلسطيني صرختين جديدتين فوق الصرخات التي استثمرت في فلسطين منذ نكبتها الكبرى عام 1948.

    ومع مباشرة الصرختين، يحضرغالباً سوء الظن وهو يجر وراءه السياسة التي دفعت الشخصيتين المسيحيَتين، ومن موقعين مختلفين، إلى إطلاق الموقفين المتأخرين تعاطفاً مع فلسطين وشعبها، وفيما الجزم  بأن الأول فعلها مستثمراً في ضالة محور هو وسيلته لطموحه الرئاسي، يبدو الثاني على الأرجح كمن “يتشاطر” بمواجهة خطاب ممانع لا يزال يستحضر ماضياً مسيحياً مسكوناً بالعداء لكل ما نما على ضفاف القضية الفلسطينية، علماً أن جعجع خرج  منه، لكنه لم يخرج من خطاب الممانعين.

وعلى متن القضية ذاتها، بحثت أنظمة الاستبداد العربي عن شرعيتها المفقودة من باب فلسطين، وبدت الأخيرة مشاعاً خصباً لتلك الأنظمة التي شظَّتها في القرن الماضي إلى فلسطينات، آل مصير العبث فيها وبقضيتها إلى تناحر فلسطيني- فلسطيني حيناً، أو فلسطيني- عربي أحياناً. ولم يعد ترفاً أن يعثر المرء وهو يُعيد  تلك القضية إلى بداياتها وتعرُّج مساراتها لاحقاً، على فلسطين سورية، وأخرى عراقية أو ليبية وجزائرية ويمنية. وهي فلسطينات دفعت ثمن تشظيها وولاءاتها المتنافرة من حساب ذلك الوطن الذي اختارته الصهيونية أرضاً لميعادها، ووحده لبنان  تبدَّى في شطر من ذلك الماضي فلسطينياً، وهو الشطر الذي شهد مأساته حين تحول  مسرحاً للصراع اللبناني-  الفلسطيني، والذي حاز المسيحيون بغالبيتهم مشقته التي حفرت في وجدانهم كرهاً لفلسطين وقضيتها.

   أغلب الظن إذاً أن العسر هو ما نعثر عليه ونحن نقتفي أثراً حميداً للأنظمة العربية في سبيل فلسطين وحرية شعبها، وأغلب الظن أيضاً أن حرية فلسطين شكلت هاجساً لتلك الأنظمة التي أدركت أن قمعها شعوبها لا يستره سوى ممارسة مبتذلة تكثف حضور فلسطين وشعبها المقموع إسرائيلياً في صراخ لغوي عربي لم (ولن) يحررها يوماً.

ولأن الوجدان العربي عموماً يسهل استلابه متى حضرت فلسطين، يصير مفهوماً أثر صواريخ “سكود” العراقية التي لم تعرف طريق فلسطين، إلا في اللحظة التي شعر فيها صدام حسين بالخطر على نظامه، إبان تحرير الكويت من الغزو العراقي، ومثله، بل سابق عليه، نظام البعث في سوريا الذي ورث “الناصرية” في محاكاة الجمهور العربي كما لو أن فلسطين وتحريرها قضيته الأولى، فيما لم يكن ذلك إلا سياقاً عميقاً في تجذير القمع والاستبداد على شعبه، وباسم فلسطين الذي وُسِم به أحد أكثر فروع مخابراته دمويةً. وليس بلا دلالات أيضاً  أن السلام الباهت والمتهافت الذي صنعه ياسر عرفات في أوسلو من خلال إقامة دولة على جزء من أرض فلسطين، جفف لاحقاً مصادر الاستثمار العربي  في القضية الفلسطينية إلى حدودها الدنيا.

عام 1979 شهد انتصار الثورة الإيرانية التي باشرت انتصارها  بإطلالتها على قضية العرب الأولى، وكانت سفارة فلسطين أولى بشائرها، ومن المكان الذي كانت تحتله السفارة الإسرائيلية في عهد الشاه، لكن الدخول الإيراني على فلسطين وقضيتها بعد الأفول العربي الذي صنعه اتفاق أوسلو، تكثف منذ تسعينات القرن الماضي من خلال الحركات الإسلامية التي تأثرت بإيران وثورتها. وفيما كان استثمار الأنظمة العربية الممانعة يجد ضالته بفدائيي الخارج، وغالباً كمحاولات لتدجين الدول التي استضافت الشتات الفلسطيني بشقيه العسكري والمدني، وفق رؤية الممانعة  للصراع مع إسرائيل، كانت إيران ترث العرب، بالبندقية الفلسطينية، وبالدم الفلسطيني، ولكن من  داخل الدولة الفلسطينية الصغيرة التي انتهت إليها ثورة ياسر عرفات.

كان أبو عمار في بداياته ثورياً صادقاً كحال بدايات كل الثوريين في العالم، لكنه انتهى مستثمراً بين مستثمرين كثر في القضية الفلسطينية، ولم تكن هزيمته اللبنانية التي أسست لها إسرائيل، وكتب خواتيمها النظام السوري، إلا المؤسِس الصلب لذهابه إلى أوسلو التي أنتج اتفاقها الشهير الدولة الصغيرة على أرض فلسطين كبديل أخير عن الوطن، الذي كان لأكثر من عقد من تاريخه الأرض التي تحكم عرفات بقرار شعبها، وببندقية “الثورة” التي حكم بها نصف لبنان، ووضع نصفه الآخر تحت تهديدها.

درجة

——————————-

مبعوث أمريكي لوقف التصعيد… مواجهات في اللد بعد اعتداء على خيمة عزاء… والاحتلال يمهّد لاقتحام المستوطنين «الشيخ جرّاح»

أشرف الهور

غزة – رام الله ـ الناصرة ـ لندن -«القدس العربي»: بعد مناشدات دولية عديدة وعشرات القتلى من الفلسطينيين، 13 منهم من الأطفال، ومئات الجرحى، تخرج إدارة جو بايدن في واشنطن عن صمتها إزاء هذا العدوان الإسرائيلي، وبعدما بدأ الجانب الإسرائيلي يدفع الثمن ويعدّ ضحاياه من العسكريين والمدنيين، وقررت إرسال مبعوث إلى إسرائيل لمحاولة التدخل ووقف التصعيد. ونقل موقع “والا” العبري عن مسؤولين إسرائيليين ودبلوماسيين غربيين القول إن من المتوقع وصول نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية، هادي عمار، إلى تل أبيب أمس.

واستبقت روسيا الولايات المتحدة بتدخل من نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف، في مكالمة هاتفية مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج موسى أبو مرزوق، وبحث معه آخر تطورات التصعيد العسكري. وأكدت الخارجية الروسية في بيان لها أن أبو مرزوق أطلع بوغدانوف على تقييماته وأفكاره تجاه التصعيد الحالي. وأكدت حماس لبوغدانوف استعدادها “لوقف التصعيد ضد إسرائيل على أساس متبادل ومشروط، مع إدراك ضرورة أن يمارس المجتمع الدولي الضغط المطلوب على الجانب الإسرائيلي للحيلولة دون أي أعمال قائمة على استخدام القوة تطال حرم المسجد الأقصى، وأي إجراءات غير قانونية بحق السكان العرب الأصليين في القدس الشرقية” .

وتواصل العدوان الاحتلالي على قطاع غزة الذي يستهدف الأبراج السكنية. فبعد تدمير برج هنادي الذي كان يضم 80 شقة سكنية، أول من أمس، دمرت طائرات الاحتلال أمس برج الشروق أعلى برح في مدينة غزة.

لكن بالرغم من أجواء التصعيد والقصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف على مدار الساعة، إلا أن مساجد غزة صدحت بأصوات تكبيرات العيد لتعلو على صوت القصف.

وبلغت حصيلة العدوان حتى مساء أمس 56 فلسطينيا منهم 14 طفلا وثلاث سيدات وجرح نحو 335، ومنهم أيضا قائد لواء غزة في كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، وعدد من سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي .

وكان جيش الاحتلال قد زعم اغتيال ستة من قادة أركان القسام المقربين من محمد ضيف خلال غاراته العنيفة على غزة صباحا.

وقدمت الضفة الغربية المحتلة شهيدين وعددا من الإصابات خلال المواجهات عند نقاط التماس. والشهيدان هما الصبي رشيد محمد أبو عرة (16 عاما) جراء إصابته برصاصتين في الرقبة والصدر خلال مواجهات اندلعت عند المدخل الشمالي لمدينة طوباس، والشهيد الثاني هو الشاب حسين الطيطي (26 عاما) من مخيم الفوار جنوب الخليل، وذلك خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي في المخيم.

ولأول مرة منذ سنوات دار اشتباك مسلح بين عدد من عناصر المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال خلال محاولاته اقتحام مخيم جنين.

أما جيش الاحتلال فقد أعلن ظهر أمس الأربعاء عن ارتفاع عدد القتلى في صفوف جنوده إلى قتيلين وإصابة اثنين آخرين بحالة خطيرة بعد استهداف المقاومة الفلسطينية لجيب صهيوني بصاروخ كورنيت على الحدود الشمالية للقطاع، ليصل عدد قتلاهم إلى سبعة.

وكانت كتائب القسام أعلنت صباح أمس الأربعاء عن استهداف جيب صهيوني بصاروخٍ موجه شمال قطاع غزة.

وفي حي الشيخ جراح في القدس كثفت قوات الاحتلال، مساء أمس الأربعاء، من وجودها العسكري في الحي تمهيدا لاقتحامه وإخلائه من المتضامنين مع الأهالي المهددين بالإخلاء من منازلهم في الحي لصالح الاستيطان. وأفاد شهود عيان أن حالة من التوتر سادت في الحي، عقب وصول أعداد من المستوطنين المقتحمين إلى المكان، تحت حماية قوات الاحتلال.

وواصل المستوطنون اليهود المتطرفون مساء أمس اعتداءاتهم العنصرية على المدن والقرى والمنازل والمحال التي يملكها العرب في عدة مناطق في مناطق 1948 .ووقع أبرز الاعتداءات في مدن يافا واللد وعكا وحيفا المختلطة. واستهدفوا المطاعم والمحلات التابعة لسكان من يافا وتم تكسيرها وشتم العرب، ورددوا هتافات عنصرية، فيما قالت مصادر بيافا إن المتطرفين الذين يقومون بالاعتداء هم من بلدة بات يام وقدموا بشكل منظم للقيام بأعمال التخريب والتهديد.

وفي حيفا اعتدى متطرفون وأفراد من شرطة الاحتلال على مجموعات من المواطنين العرب، مما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة في حي النسناس في المدينة. وفي مدينة طبريا عربد المتطرفون اليهود ونفذوا اعتداءات على ممتلكات ومنازل وسيارات الفلسطينيين في طبريا، في وقت لم تقم شرطة الاحتلال بأي محاولات لمنعهم.

وفي عكا انطلقت مسيرة للمتطرفين اليهود بشوارع المدينة بحراسة شرطة الاحتلال حيث رفعوا خلالها الأعلام الإسرائيلية ورددوا هتافات عنصرية أبرزها الموت للعرب خلال الاعتداء على الممتلكات.

وهاجم المتطرفون الليلة الماضية في مدينة اللد المختلطة خيمة عزاء الشهيد منصور حسونة، ما أدى الى تجدد المواجهات، الامر الذي دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعلان حالة الطوارئ في المدينة .

القدس العربي»

————————–

البوسنة والهرسك..سكان مدينة “موستار” يعلقون العلم الفلسطيني على أشهر جسورها

موستار: عّلق سكان مدينة موستار البوسنية، الأربعاء، العلم الفلسطيني على جسر “موستار” أحد أبرز المعالم الهامة بالبلاد.

وبحسب مراسل الأناضول جاء تعليق العلم فوق الجسر الشهير تضامنًا من سكان المدينة مع الشعب الفلسطيني ضد الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية بالقدس وكذلك قطاع غزة.

وتم تشييد جسر “موستار” عام 1566 على يد المهندس المعماري خير الدين، تلميذ المهندس المعماري التركي الشهير، معمار سنان، وأطلق اسمه على المدينةـ وبات على مر عقود يمثل رمزًا للتوحيد بين الحضارات والثقافات.

الجسر الذي يعتبر روح مدينة موستار، كان قد انهار في 9 نوفمبر/تشرين ثان 1993 لعدم تحمله ضربات المدافع الكرواتية إبان الحرب التي شهدتها البوسنة والهرسك آنذاك، لكن بجهود تركية تم إعادة تشييد الجسر ثانية، وأعيد افتتاحه عام 2004.

ومنذ الإثنين، استشهد 65 فلسطينيا، بينهم 16 طفلا و5 سيدات ورجل مسن، وأصيب أكثر من 1000 بجروح، جراء غارات إسرائيلية “وحشية” متواصلة على قطاع غزة، إضافة إلى مواجهات بالضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وفق مصادر فلسطينية رسمية. فيما قُتل 6 إسرائيليين في قصف صاروخي شنته فصائل من غزة.

وتفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية كافة جراء اعتداءات “وحشية” ترتكبها الشرطة ومستوطنون إسرائيليون، منذ بداية شهر رمضان المبارك، 13 أبريل/ نيسان الماضي، في القدس، وخاصة منطقة باب العمود والمسجد الأقصى ومحيطه، وحي الشيخ جراح، حيث تريد إسرائيل إخلاء 12 منزلا من عائلات فلسطينية وتسليمها لإسرائيليين.

ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967، ولا بضمها إليها في 1981.

الأناضول

—————————

ليلة ساخنة في الداخل الفلسطيني: حرائق وإطلاق نار وخشية من “حرب أهلية

عاشت عدّة مدن وبلدات في الداخل الفلسطيني ليلة مواجهات عنيفة مع قوّات الشرطة الإسرائيلية، ومع المستوطنين الذين انتشروا في الشوارع، واعتدوا على المحلّات والسيّارات التي تعود لفلسطينيين بالحجارة والعبوات الحارقة. وأوقعت المواجهات عشرات الإصابات في صفوف الفلسطينيين والمستوطنين، فضلاً عن إصابة جندي من حرس الحدود بإطلاق نار، في حدث غير معهود على مستوى الداخل الفلسطيني، فيما اعتُقِل أكثر من 370 شخصاً، وفق ما ذكرت وسائل إعلام عبرية.

وتصدّرت مدينة أم الفحم، شمالاً، المشاهد، بعد أن تخللت المواجهات عمليات إطلاق رصاص حيّ، لم يُعرف بعد مصدرها وملابساتها، أدت إلى إصابة عنصر في حرس الحدود الذين دُفعوا إلى البلدة، وإلى بلدات فلسطينية أخرى، ومدنٍ مختلطة يقطنها فلسطينيّون ومستوطنون.

وتداول نشطاء على نحو واسع مشهداً يظهر لحظة إطلاق الرصاص صوب مجموعة من عناصر حرس الحدود، بينما لاذ بعضهم بالفرار.

    صاروا مضحكة

    إطلاق نار على الشرطة الإسرائيلية في ام الفحم pic.twitter.com/cZX5aLkYK5

    — علي احمد . (حساب جديد) (@Dlt97b7PUXblBYM) May 13, 2021

وأظهرت مشاهد أخرى شبّان أم الفحم وقد انتشروا في الشوارع وقطعوا بعض الطرقات عبر إشعال الحرائق، وسيطروا على مفترقات طرق.

    #شاهد فلسطينيون في ام الفحم يسيطرون على مفترقات بعد مواجهات مع قوات الاحتلال شهدت إطلاق نار متبادل. pic.twitter.com/2puRnNkXj2

    — Raafat (@Raafataltaai81) May 13, 2021

    حبايبي لزم ام الفحم https://t.co/OOYIEiNgk8

    — Wissam Ziad (@Wissamziad) May 13, 2021

في المقابل، تحدثت مصادر محلية عن إصابة سيدة وطفلتين في البلدة ذاتها جرّاء إطلاق الشرطة الإسرائيلية قنبلة مسيلة للدموع داخل السيّارة التي كانت تقلّهم.

    إصابة 3 سيدات وطفلتين جراء قيام شرطة الاحتلال بإطلاق قنبلة مسيلة للدموع داخل سيارة بمدينة أم الفحم…#GazaUnderAttack#savesheikhjarrah pic.twitter.com/HIpcJyovqw

    — Firas Taneineh (@FirasTaneineh) May 13, 2021

وليس بعيدًا عن أم الفحم، اندلعت مواجهات صباح اليوم مع قوّات الشرطة الإسرائيلية في بلدة كفر قاسم، التي انطلقت فيها احتجاجات مباشرة بعد صلاة العيد، وسرعان ما تحوّلت إلى اشتباكات مع عناصر الشرطة. وبحسب ما تداوله نشطاء على مواقع التواصل، فقد أحرق متظاهروا البلدة 3 سيّارات تابعة للشرطة في شارع السلطاني بالبلدة.

    كفر قاسم: اجواء مشحونة واندلاع مواجهات في كفر قاسم هذا الصباح وحرق سيارات على شارع السلطاني

    تفاصيل :دخول مستوطنين إلى كفر قاسم ،تمت محاصرتهم ،والشرطة الاسرائيليه تحاول نجدتهم ،وإحراق سيارات الشرطة pic.twitter.com/98qoOnUyrI

    — سامر المصري (@samrALmasre) May 13, 2021

وفي الرملة أيضاً، ارتفع منسوب التوتر إلى مستويات غير مسبوقة، بعد انتشار مئات المستوطنين في الشوارع، ومهاجمتهم سيّارات المارّة من الفلسطينيين. وأظهر مقطع مصوّر اصطدام سيّارة كان يقلّها فلسطيني بأخريين، في محاولة للهرب من عشرات المستوطنين الذين حاولوا مهاجمته.

    רמלה👇 pic.twitter.com/vCODDZ6v2j

    — Real News IL (@RealNewsIL) May 12, 2021

وأظهر مقطع آخر متداول اشتعال حريق كبير على أحد الأرصفة في المدينة، وتشظي النيران إلى منتصف الطريق العام، في مؤشر على حجم المواجهات التي شهدتها المدينة المختلطة.

    רמלה pic.twitter.com/o5ZcqUjyPg

    — יהל פרג’ (@yahelfarag555) May 12, 2021

وتكرّرت مشاهد اعتداء المستوطنين المتطرّفين على سيارات المارّة العرب في أكثر من مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل. ويظهر في أحد المقاطع الذي نشرته مجموعة صهيونية متطرّفة تسمّي نفسها “اللد والرملة إلى الحرب”، على “تليغرام”، ثلّة من الشبان يرفع بعضهم علم إسرائيل وهم يعتدون على سيارة مدنية بعد الاشتباه بأن سائقها عربيّ.

    עוד ניסוין לינץ’ מרמלה. נלקח מקבוצת ‘לוד -רמלה מלחמה’ בטלגרם. לפי הקבוצה, המשטרה הצילה את הנהג הערבי pic.twitter.com/SQ3c7Pu33Y

    — אורי קול (@orikol) May 12, 2021

وفي اللد، التي فرضت سلطات الاحتلال حظر تجول ليلياً فيها، ذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن اثنين أصيبا بإطلاق نار في المدينة، دون تحديد هويّتَيهما، وملابسات الحادثة، فيما أشارت الصحيفة ذاتها إلى 14 إصابة أخرى متفاوتة وصلت إلى مستشفى “أساف هروفيه” في المدينة. وتردّدت في بعض المقاطع المصوّرة من داخل المدينة أصوات إطلاق نار مجهولة المصدر.

    המחבלים של לוד לא נחים לרגע pic.twitter.com/7M2ycSjDZ9

    — 🇮🇱Avi Noga💉💉🇮🇱 (@AviNoga3) May 12, 2021

وتحدّثت وسائل إعلام عبريّة، صباح اليوم، عن محاولة طعن استهدفت إسرائيليًّا في المدينة، وأسفرت عن إصابته بجروح متوسّطة، دون اتضاح ملابسات الحادثة حتى الآن.

وكان المستوطنون قد حضّوا حشوداً كبيرة على التوجّه إلى المدينة التي شهدت الاحتجاجات الأكثر عنفاً على مدار الأيام الماضية، وهاجموا، في وقت سابق أمس، المسجد العمري فيها، بينما كان مصلّون لا يزالون في المسجد بعد صلاة المغرب.

    #الآن .. الآن:#اللد_تقاوم #المساندة_للد

    قطعان يهود يهاجمون المسجد العمري باللد ودفاع مستميت عنه .. ومناشدات للمساندة! pic.twitter.com/u2S9CrzAo0

    — وفـيق آل مطـر (@VafiqMattar) May 12, 2021

وفي حيفا، شمالاً، أفادت وسائل إعلام عبريّة بإصابة 59 شخصاً إصابات خفيفة، بعد اشتعال النيران في خمس سيارات في موقف إحدى العمارات، وهو الحريق الذي أكدت هيئة الإطفاء الإسرائيلية أنّه كان متعمداً، فيما أعلنت الشرطة أنها تحقق في ملابساته. وأظهرت مقاطع متداولة على وسائل التواصل الحريق الذي اندلع في حيّ “رمات فيزنيتس”، بينما كان المبنى يُخلى من سكّانه.

    בשכונת רמת ויזניץ / אהבת ישראל חיפה

    שרפת מכוניות

    הוציאו את כולם מהבניינים.

    (קרדיט:יחיאל מהקבוצה)

    ■ *חדשות ועדכונים* ■https://t.co/MWjcM8IJbU pic.twitter.com/WQOOKWolB0

    — שמואל (@shmuelkr) May 13, 2021

تقارير عربية

متطرفون إسرائيليون يهاجمون عكا وحيفا واللد ويصيحون “الموت للعرب”

الرئيس الإسرائيلي يحذّر من “حرب داخلية”

وكانت عدّة بلدات فلسطينية، وأخرى مختلطة، قد شهدت عربدة واعتداءات واسعة للمستوطنين، بتحريض من حركة “لاهافا” العنصرية المتطرفة، على امتداد يوم أمس الأربعاء، وأبرزها عكا واللد والرملة ويافا.

وسجّلت مستوطنة “بات يام”، قرب تل أبيب، المشهد الأكثر عنفاً، حينما حاولت مجموعة من المستوطنين قتل شاب فلسطيني من الرملة، ما أدى إلى إصابته بجروح متوسطة، نقل على إثرها إلى مستشفى “إيخيلوف” بجروح متوسطة، وفق ما نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم”. وبحسب المصدر ذاته، فقد أصيب أيضاً رئيس بلدية “بات يام” زفيكا باروت، بجروح طفيفة خلال المواجهات التي وقعت في المستوطنة.

وأظهرت لقطات مصوّرة على الإنترنت لحظات الاعتداء، وسط هتاف المستوطنين المتطرّفين الذي تضمّن شتائم للنبي محمد.

    הרוצח ישראל “בת ים” pic.twitter.com/pYYxk8mWFk

    — HAKKIN DEVRİMCİSİ (@SK4475) May 12, 2021

وأظهر مقطع مصوّر آخر السائق الفلسطيني المعتدى عليه بينما كان يحاول الهرب من جموع المستوطنين الذين تكدّسوا حوله، قبل أن يفقد السيطرة على مركبته ويتعرّض لهجوم العشرات منهم.

    בת ים, הערב: זה לא ניסיון דריסה, זה פחד של הנהג מההמון הקיצוני. לינץ’ בנהג ממוצא ערבי, למה? כי הוא ערבי. תוהו ובוהו. pic.twitter.com/o5Z0iLCd5n

    — אור רביד | Or Ravid (@OrRavid) May 12, 2021

وتعليقاً على ذلك المشهد بالذات، حذّر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين مما أسماها “حرباً أهلية” داخل إسرائيل، قائلاً، في تصريحات لقناة “كان” الرسمية، إن “الحرب اندلعت في شوارعنا والأغلبية الصامتة مذهولة ولا تصدق ما تراه”.

ومضى إلى القول إن “الأغلبية الصامتة لا تقول شيئاً لأنها مصدومة تماماً”، وتابع: “نحن نخلق حالة نسمح فيها بحرب أهلية لأننا صامتون”.

بالتوازي مع ذلك، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي تجنيد 10 وحدات إضافية من قوات الاحتياط ضمن حرس الحدود لمساندة الشرطة في المدن والبلدات العربية والمختلطة.

وأعرب غانتس عن معارضته مجددًا لمقترح رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تفويض الجيش للتعامل مع المظاهرات في الداخل، قائلًا، وفق ما نقلت عنه “يديعوت أحرونوت”: “لن يشارك جنود (الجيش) في أي عمل من أعمال الشرطة أو إنفاذ القانون، مستدركًا بأن الجيش سيساعد الشرطة وحرس الحدود في عمليات التجنيد واللوجستيات والتدريب.

————————-

آلاف الأميركيين يتظاهرون في شيكاغو دعماً لفلسطين

خرج الآلاف في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأميركية، الأربعاء، في تظاهرة باتجاه القنصلية الإسرائيلية، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والانتهاكات الإسرائيلية بحقّ المسجد الأقصى والقدس المحتلة.

وحمل المتظاهرون لافتات طالبت بتحرير فلسطين، وبوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل، وبرفع واشنطن وتل أبيب أيديهما عن المسجد الأقصى والقدس المحتلة.

    The Chicago march for justice in Palestine is absolutely enormous pic.twitter.com/G4rw29MhoB

    — Miles Kampf-Lassin (@MilesKLassin) May 12, 2021

    I think this is one of the largest protests for Palestine ever in Chicago. #GazaUnderAttack #SheikhJarah #HandsoffAlAqsa pic.twitter.com/ahpUKWbq36

    — Deanna ديانا (@deannaothman) May 12, 2021

وشهدت ولايات مختلفة في أميركا في الأيام الأخيرة تظاهرات مناصرة للقضية الفلسطينية، ومنددة بالعدوان الإسرائيلي، إذ شهدت العاصمة الأميركية، واشنطن، ليلة الثلاثاء، تظاهرات حاشدة، أمام البيت الأبيض ومقرّ وزارة الخارجية الأميركية، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية في القدس المحتلة والمسجد الأقصى، والعدوان الجاري على قطاع غزّة.

واشنطن/تظاهرة تضامناً مع فلسطين/عبد الرحمن يوسف

أخبار

25 عضواً في الكونغرس الأميركي لبلينكن: ممارسات إسرائيل “جريمة حرب”

ورصدت كاميرا “العربي الجديد” مشاهد متنوعة من هذه المسيرات التي رفعت شعارات “الحرية لفلسطين” و”دعوا غزّة تعيش” و”أنقذوا الشيخ جرّاح”، وهتفت لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في فلسطين.

وفي نيويورك، تجمع الآلاف من المناصرين للقضية الفلسطينية، للتعبير عن دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته في وقفة احتجاجية أمام القنصلية الإسرائيلية وسط مانهاتن، وعلى بعد مئات الأمتار من مقر الأمم المتحدة الرئيسي.

———————-

القدس كمدينة متمردة.. استعادة الهواء من أجل التنفس/ أحمد محسن

من فوق، في علب التلفريك، كما يتخيّلها الاحتلال، تبدو القدس مكانًا يمكن السيطرة عليه. مكان يمكن اختراعه، مِثل اختراع «أرض إسرائيل» أو مِثل اختراع شعب على مقاسها. من ضمن منهج غير جديد، يعتقد الاحتلال أن بإمكانه السيطرة على تاريخ المكان، وتقديم حاضر من خارج التاريخ. الصراع على القدس هو صراع على الزمن، والزمن بالنسبة للاحتلال هو المستقبل فقط. من فوق يبدو الماضي صغيرًا، يمكن تسييجه بأنجع شروط الرقابة والعقاب. يبدو مكانًا نموذجيًا لاختيار الأهداف، تمامًا كما تشعر الطائرات الحربية التي تحلّق فوق الأراضي المحتلة وتذهب لقتل الأطفال.

لكن هذا يحدث من فوق فقط. على الأرض كل شيء مختلف. بعد عسكرة القدس ومحاولة تحويلها إلى معتقلات دائرية، بعد الجدار الذي حاول خنقها، أثبت المقدسيون ما لا يستطيع الاحتلال أن يفهمه: أنهم شعب واحد. يتصلون ببعضهم البعض، خارج المدينة وفي داخلها. يتضامنون مع بعضهم في الأمكنة على اختلافها، من أجل أماكنهم المختلفة. متصلون ببعضهم، كما تتصل السماء ببعضها فوق الأرض. لديهم مدينة يدافعون عنها، وتدافع عنهم.

المناعة التاريخية

سيرى الناظر من فوق حديقة الجرس أيضًا حدائق مستلهمة من التناخ ومن تفاسير مبتذلة للتوراة. وقد يبدو جبل صهيون، من فوق، مناسبًا لأسطورة أخرى. يهاجم العالم الأساطير لكنه يسمح بتحوّلها إلى أدوات هيمنة ضدّ الفلسطينيين. استيطان على الأرض، واستيطان في السماء. ولكن المدينة دافعت عن أهلها. ليست الانتفاضة الأخيرة دفاعًا من طرف واحد، فالمدينة أيضًا تدافع عن نفسها وعن أهلها. المعركة قديمة. في «إعادة اختراع القدس: إعمار الحيّ اليهودي بعد 1967»، يبيّن سيمون ريكا العلاقة القوية بين عنف الدولة والعمارة في القدس الشرقية بعد الاحتلال، وبالتحديد فيما يتعلق بنسف الأساس التاريخي واستبدال التراث بالأيديولوجيا. لكن بكل بساطة لا يمكن اعتقال الذاكرة. فشلت المحاولات الإسرائيلية فشلًا ذريعًا بسبب المناعة التاريخية للمدينة. وثمة أسباب أخرى يمكن تفسيرها بسهولة: السيطرة الحتمية لليمين المتطرّف على الحيّ. مع الوقت، تعطّلت تصوّرات الصهيونية عن نفسها كمزيج من حالة علمانية مرتبطة بجذور يهودية، وأصيبت هذه الهوية بنفسها في عطب لا يمكن إصلاحه، يتجلّى في الصراع على القدس. أما من الناحية المعمارية الصرفة، وبالعودة إلى ريكا، فيستنتج الأخير ما يمكن للمحايدين استنتاجه: لم يحدث «ترميم» في الحي اليهودي. ما حدث فعلًا هو التوسع ضدّ الماضي، عبر تقديم الحيّ كلافتة عريضة تعلّق عليها الرواية القومية الإسرائيلية، المنافية للحقائق التاريخية. لم تحدث أي استعادة للهوية، لأنها ببساطة، هوية «آخرين»، وأصحابها لم يفقدونها حتى يستعيدونها. رغم ذلك، ينجح الاحتلال في التشويه.

نتحدّث عن العمارة، عن المقاومة، وعن المدينة. القدس أيضًا تتحدّث عن نفسها. الطرقات التي تحارب بأوصالها، وترفض تحويل المدينة إلى مجموعة جزر. لكن ما هي المدينة سوى تجمع الأحياء الذي يجمع السكان؟ العلاقة بين السكان وبين الأحياء هي علاقة تفاعلية. في النهاية يخضع المكان لشروط أهله، وينفجر معهم عندما يستبعدون تمامًا من عملية “إنتاج المدينة”. قد يمنحك العنف السيادة في لحظة ما، لكنه سيدفع إلى عزلة لا متناهية أيضًا. العنيف لا يغادر ذاته أبدًا، فهو يسعى للتملّك وبذلك لا يعود في حضوره يوجد أي وجود. وهكذا اختفى الحيّ بوصفه حيًّا، وصار تصورًا أيديولوجيًا، ليس لديه ما يقدّمه عن نفسه سوى العنف. على العكس من ذلك، يعرف المقدسيون جيدًا الطرقات إلى الأقصى. وقد شاهد العالم كيف اخترعوا طرقًا في الجبال لكي يصلوا، ويسخروا من المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي تعتقد أنها قادرة على السيطرة على كل شيء. للتخلّص من هذا الوهم، يتوجّب على الاحتلال أن يفهم أن أدوات الرقابة والعقاب ليست ذات معنى أو فائدة، من دون مجتمع. وهذا ما لن يفهمه الاحتلال، في حياته، أي أنه لن يصير مجتمعًا، بالتزامن تحديدًا مع صفته كاحتلال.

قد يسبّب هدم المنازل الألم لأصحابها. وتفاديًا للمبالغة في استخدام خطاب «انتصاري» يجب الاعتراف أن الهدم يشكّل إهانة رهيبة للكرامة الإنسانية لا يمكن تخيّلها. إنه هدم للذات، وإلى مكانة المأوى والجذور. لكنه في النهاية لن يسبب خللًا في الهوية. التعامل مع الفلسطينيين كما لو أنهم «غير مرئيين» لا يعني أنهم غير مرئيين فعلًا. الانتفاضة ليست سوى دليل طبيعي على علاقة طبيعية بين السكان والمكان، وعلى احتمالات العودة والظهور.

وجوه كثيرة لمدينة واحدة

المدينة غير ممكنة بذاتها بل تحتاج إلى مجتمع، ليس لحمايتها فقط إنما لكي تنشأ وتطوّر لنفسها معنى. وعندما يقال «المجتمع الإسرائيلي» فإن ما يقصد بذلك ليس المجتمع كما نعرفه، أو ما يمكن أن يكون مجتمعًا يمكن الدفاع عنه. هذا المجتمع هو مجموعة مصالح ظرفية تحافظ على شرط الظرفية، إنه أكثر تعقيدًا من ذلك أيضًا. وعندما يغيب المجتمع والثقافة المشتركة القابلة للتفاعل، تطغى العدائية على صفات الكائن المقيم/ العابر في المجموعة. في هذا السياق تحديدًا يمكن فهم عنف الاحتلال الاسرائيلي بتسمياته المختلفة الموزّعة على أدواته مثل شرطة/ جيش/ أمن/ دولة/ مستوطنين/ أجهزة، في مدينة مثل القدس تشكّل حولها مجتمعًا استحال إلغاؤه رغم فظاعة العنف. الكائن العدائي الذي يعيش بلا مجتمع يعجز عن استثمار وجوده. بالضبط هذا هو المستوطن الذي لن ينتج في حياته شيئًا غير العنف.

في موازاة ذلك، ثمة سلسلة طويلة من العلاقات بين السُلطة والعنف، وبين الضحايا والاحتلال. ترتبط السُلطة السياسية بالشكل التاريخي للدولة، وتبدو أقرب التفسيرات الممكنة لهذه العلاقة هي تلك التي يقدمها لنا هنري لوفيفر. في بحثه عن تاريخ هذه العلاقة يفتح لوفيفر الباب أمام إجابات أعمق.. كل هذه الأشكال تظهر في تمثيلات أنثروبولوجية: الأعياد، المناسبات، الصحافة، الأيديولوجيا والأفكار، التصورات حول الذات وحول الآخر وحول المجتمع والعالم، وإذا كنت تعرف لوفيفر جيدًا، يمكن أن تضيف «المدينة». في القدس، حيث يفيض العنف عن الواقع، أو ما يمكننا تسميته بالواقع، ثمة استحالة هائلة للتمييز بين التمثيلات الرمزية وبين مصادرها، بحيث أدّت العمارة والتخطيط وظائف مشابهة لما أدّت إليه السينما والاستيطان، فكل شيء يحدث هنا هو نتاج مباشر للعلاقة بين العنف والسُلطة. لا نوافذ أو مخارج وبشكل عام تحدد الدولة الهوية. تحدد هذه العلاقة وحدها درجة العنف وتلعب آثار الأخير أدوارًا في تحولات الهوية، التي هي جزء مما يدافع عنه البشر بصورتين، فردية وجماعية. لكن القدس، ببساطة، لا تعترف بدولة ولا بعنفها. العنف الوحيد الذي تعترف به هو الاحتلال، ولذلك أعادت إنتاج هويتها ضدّه. وإن يبدو هذا حشوًا فلسفيًا، فعليه العودة إلى الأرض لكي يفهم.

رغم كل شيء ليست التفرقة بين التمثيلات الرمزية وبين الأساطير أمرًا سهلًا. لكن في حالة المقدسيين، لعب الاحتلال دور الدولة، وبالتالي عرفوا الشكل الأقصى من العنف خلال عملية إعادة إنتاج العلاقات داخل المجتمع، ومن ضمنها إعادة انتاج الهيمنة. قد لا نجد مثالًا أوضح من الذي يقدّمه لوفيفر نفسه عن الأمم المتحدة كمنظمة «ديموقراطية»، لديها وظيفة تنظيم الاختلاف بين العدالة المسماة قانونية في إطارها النظري، وبين الحقيقة التي تتمثّل بالتفاوت بين جميع المنتمين. ليس فلسطين، بل في حالة القدس تحديدًا، تقدّم العدالة الدولية الأمر بالمقلوب: الفلسطينيون بحاجة إلى دولة لكي تكون لهم عاصمة، ولا تبحث في الاحتلال من أساسه. العالم يسير وفق منظومة: العلائقية/ التجزئة/ الهرمية. بهذا المعنى تصير الانتفاضة في القدس انتفاضة ضدّ المنظومة التي تحكم العالم، وتتجاوز نفسها كانتفاضة ضدّ الاحتلال نفسه، في مقابل دولة تعاين ارتداد منظومة «الرقابة والعقاب» عليها. ذلك لا يلغي، أنه ولوقت طويل، حاول الاحتلال الاستعاضة عن المفاهيم الرمزية التي لا يملكها، بمحاولة تملّكها، وقد ترافق ذلك مع منظومة واسعة من الأساطير. بتغيير معالم باب العمود، لا يحاول الاحتلال طمس المعالم وحسب، بل يحاول أيضًا القول إنه يملك أدوات الهيمنة وقادر على استخدامها بصورة منظّمة ضدّ البشر وضدّ التمثيلات الرمزية. هكذا، يحاول في القدس، أن يقنع نفسه أنه صاحب السيادة، وأن يصنع وعيًا بذلك، عبر تطويع الرموز التاريخية التي تذكّره دائمًا أنه «لا يملك شيئًا هنا». وعندما يقتحم الجنود الأقصى، فهذا يعني أنهم يعرفون أنهم لا يملكون الأقصى. وعندما يرسلون الرسائل إلى المشاركين في الانتفاضة والمدافعين الفلسطينيين عن المدينة، يخبرونهم فيها أنه «تم تحديد وجوههم»، فهذا يعني أن للاحتلال وجها واحدا يتشاركه جميع المحتلين وهو العنف، بينما للمدينة وجه واحد وأهل بوجوه متعددة.

“على الخرائط تبدو القدس متصلة برام الله، نابلس، طولكرم وبالخليل وبيت لحم. ولكن الحواجز قطّعت أوصال المدينة. في الوقت ذاته، لا يمكن القول إن الجدار لديه وظيفة خاصة، فالاحتلال نفسه هو الجدار”

ما يفعله الاحتلال

قبل أن تصل إلى ذروتها اليوم، تمدّدت منظومة «الرقابة والعقاب» في القدس في أوائل التسعينيات. أصبحت المدينة مثل رئة صغيرة تواجه الاختناق. مُنِعت من ممارسة دورها كمدينة، عبر محاولات الاحتلال بفصل الأحياء عن بعضها البعض، و«تجزير» الوجود الفلسطيني فيها (تحوّل التجمعات السكنية إلى جزر، في حالة فشل مشاريع التهجير والابعاد). عادة يواجه الضعفاء في المدن مشاريع الإقصاء على أسس طبقية، ويستبعدون من التخطيط الحضري بأساليب دنيئة. لكن الاحتلال، بأداتيه الرئيسيتين كاحتلال، أي الاستيلاء والقمع، جمع بين هذه الوظائف جميعها. احتكر تنظيم العمل والحياة ثم قطع العلاقة بين القدس ومحيطها، ربما بمساعدة متواترة من السُلطة التي عزلت رام الله عن القدس وجعلتها منافسًا حضريًا لها وفق ظروف واعتبارات متعددة. من الناحية الجغرافية يبدو واضحًا أن الاحتلال فعل ما تفعله الاحتلالات عادةً. على الخرائط تبدو القدس متصلة برام الله، نابلس، طولكرم وبالخليل وبيت لحم. ولكن الحواجز قطّعت أوصال المدينة. في الوقت ذاته، لا يمكن القول إن الجدار لديه وظيفة خاصة، فالاحتلال نفسه هو الجدار وأوضح تمثيلاته، بعد سلسلة محاولات مائعة لكي يعبّر الاحتلال عن نفسه. المحاولة الأولى كانت أركيولوجية: تغيير المعالم وإعادة البناء حسب التصورات التوراتية. المحاولة الثانية جغرافية: تقطيع المدينة، ومحاولة وصلها بتل أبيب بدلًا من اتصالها الطبيعي مع محيطها. المحاولة الثالثة ديموغرافية، أي التسريع في عمليات الإحلال والاستيطان ومحاولة تغيير التوازنات. المحاولة الرابعة أمنية: الحواجز، مصادرة الأراضي، الاعتقالات التعسفية. المحاولة الخامسة، انهاء دور القدس كمدينة أو كعاصمة تاريخية.

اليوم، بعد ثلاث موجات رئيسية من التهجير، ومئات الموجات اليومية، تعيد الانتفاضة التأكيد – كما في كل مرة – على أن فلسطين هي وحدة جغرافية، مكوّنة من شعب واحد (الشتات/ عرب الداخل/ الضفة الغربية/ غزة). وهناك علاقات ونسيج اجتماعي يدعم هذه الحقائق، لا يمكن الاحتلال تغييره بالتعسف. صحيح أن «لم الشمل» ألغي في 2002، وأثّر على المقدسيين، ولكن الفلسطينيين ما زالوا شملًا واحدًا في الواقع. يمكن للفلسطيني أن يسأل أي فلسطيني آخر عن تاريخ هذه الأرض، فهو يعرف جيدًا على الأقل أنه يملك تاريخًا فيها. في المقابل، ليس سهلًا، حتى على المستوطن الآتي من جيل متأخر أو أول، أن يقيم علاقة مع مدينة لا يملك تاريخًا فيها، بل كل ما يحاول فعله هو طمس تاريخها. المكان الذي ينفضح فيه كل هذا، ليست كومة الأبحاث الأكاديمية الموجّهة التي يجريها إسرائيليون، بل بالتحديد المدينة نفسها. وليس أي مدينة، إنما القدس خاصةً (من نافل القول التأكيد على أن وجود أبحاث أكاديمية إسرائيلية موجّهة لا علاقة له بفداحة نقص الإنتاج العلمي العربي ولا سيّما في المسائل المتعلقة بالتاريخ والأرض). لهذه الأسباب، من بين أسباب كثيرة، يفهم المقدسيون علاقة القدس بالأسوار. إنها علاقة تاريخية. يفهمون الوظيفة الرمزية لوجود أسوار، التي لا تعترض على رحابة المدينة، بقدر ما أنها تسهم في هويتها المعنوية. الجدار الإسمنتي هو المرادف الإسرائيلي للأسوار القديمة. مِثل الشعور الرهيب بالضيق الذي يسببه الجدار، يسيطر الفراغ على الطبيعة المعمارية للوحدات الاستيطانية. مجرد انشاءات متفاوتة في الحجم لكن سمتها الأساسية هي الفراغ. الفراغ القابل لمختلف أشكال الاستهلاك: الرقابة والاعتقال والتشويه البصري. وإن كان البيت تأسيسيًا في تشكيل المدينة، فإن الاحتلال في سباقه من أجل المحو، يعلن كل مرة عدم قدرته على مواجهة كل ما يقف أمامه. لا يعرف الاحتلال البناء لأنه يقوم على العكس تمامًا، أي الهدم. ولا يستطيع كبح شهوته لخنق الأشياء من حوله، وعدم ترك أي هواء شاغر فيها. خلال الانتفاضة الأخيرة استعاد المقدسيون الهواء. لقد تنفّسوا قليلًا.

ضفة ثالثة

————————-

هكذا انتصرت الشبكات الاجتماعية المقدسية على “إسرائيل بالعربية

في خضم الأحداث والاعتداءات الإسرائيلية على أهالي حي الشيخ جراح في القدس، نشرت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، مقطعاً مصوراً مضللاً، يُشوه حقيقة ما يحدث في مدينة القدس، والمسجد الأقصى في الأيام الأخيرة، حاولت خلاله المتحدثات إقناع المشاهدين أن ما يرونه عبر منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية والعربية، ما هو إلا تضليل، واختتمت المتحدثات الفيديو بأن الشرطة الإسرائيلية، ذاتها التي تعتدي على المصلين هناك بشكلٍ متواصلٍ منذ أيام، تخدم المصلين طيلة أيام شهر رمضان، وتجاوزت ذلك للقول أن إسرائيل تكفل حرية العبادة هناك.

    كل العالم تأثر من الصور التي تقع احداثها في #القدس. لكن هل تعرف حقيقة ما يدور وراء هذه المشاهد؟ pic.twitter.com/ZeInae1M38

    — إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) May 9, 2021

وبحسب منصة “مسبار” لمكافحة الأخبار الزائفة، فإن هذا الادعاء يعتبر أحد أبرز عناصر الدعاية الإسرائيلية الذي تروج له كلما أُتيحت لها الفرصة، لكن في الواقع، تفرض السلطات الإسرائيلية القيود على الفلسطينيين في المسجد الأقصى بشكلٍ مستمر، وفق تقاريرٍ وتوثيقات دولية. ففي العام 2017 وضعت السلطات الإسرائيلية بواباتٍ إلكترونية على مدخل المسجد، تُعرقل حركة ووصول المصلين إليه. وعودةً لـ”يوم القدس”، لطالما فرضته السلطات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وسهلت اقتحامه من قبل المستوطنين.

وفي العام 2017 اقتحم المسجد الذي يقدسه المسلمون، قرابة 1000 مستوطن، وفي العام 2019، رصدت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس اقتحام ما يقارب 1400 مستوطن، مباشرةً بعد صلاة عيد الأضحى حينها، وفي كل مرة يتصدى فيها الفلسطينيون لهذا الاقتحام، تعتدي عليهم القوات الإسرائيلية وتعتقلهم.

وفي العام الحالي، بينما تدعى وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تكفل حرية العبادة للجميع، انتشرت مقاطع مصورة توثق صلوات احتفالات المستوطنين بالقرب من حائط البراق، بينما تقوم الشرطة الإسرائيلية بقمع المصلين والاعتداء عليهم في باحات المسجد الأقصى في الجهة المقابلة.

يُجسد هذا المقطع حجم الأزمة التي تشهدها الماكينة الإعلامية الإسرائيلية بترويج روايتها لمتابعيها في العالم العربي، مُقابل الالتفاف الرقمي الكبير حول الرواية الفلسطينية في القدس، الذي لوحظ منذ الاحتجاجات ضد التضييق الذي فرضته السلطات الإسرائيلية على منطقة باب العامود في نيسان/أبريل الفائت.

    📸 #شاهد| آلاف المستوطنين يتجمعون الآن في ساحة حائط البراق الملاصقة للمسجد الأقصى تمهيداً لاقتحام كبير لباحات المسجد، واستبقت قوات الإحتلال ذلك باقتحام وحشي والاعتداء على المصلين ما اوقع مئات الاصابات .#القدس_ينتفض#لن_يمر_الاقتحام#انقذوا_حي_الشيخ_جراح #savesheikhjarrah pic.twitter.com/qLZ6Ng0jHk

    — وطن. يغرد خارج السرب (@watan_usa) May 10, 2021

وفي الأيام الأخيرة قامت شبكاتٌ إعلامية مقدسية محلية، بمواكبة الأحداث الجارية في القدس وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية ضد سكانها، وأصبحت مرجعاً للعديد من المواقع الإخبارية العربية خارج فلسطين، كما تصدر العديد من الناشطين المقدسيين من أهالي الشيخ جراح المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، مثل منى ومحمد الكرد، وأصبحوا وجوهاً إعلامية تنقل الأحداث كما هي من قلب الحي، ومصدراً بديلاً للأخبار عن المحطات والوكالات الإعلامية التقليدية.

إلى ذلك، لعب المؤثرون من الدول العربية دوراً مهماً في دعم قضية الشيخ جراح والمسجد الأقصى ونشرها على نطاقٍ واسعٍ، حيث تصدر كل من وسم #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح، و#القدس_تنتفض باللغتين العربية والإنجليزية، مواقع التواصل الاجتماعي.

واستضاف هؤلاء المؤثرون صحافيين وناشطين ميدانيين في القدس المحتلة عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي في “فايسبوك” و”إنستغرام”، التي تحتوي على مئات آلاف حتى ملايين المتابعين، نقلوا خلالها ولساعاتٍ متواصلة عبر هواتفهم المحمولة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في الشيخ جراح، وباب العامود، والمسجد الأقصى.

    هذه حرية العبادة اللتي يتغنى بها الكيان المحتل pic.twitter.com/nMlU1H4Oqm

    — C:\☆ (@hmsmk63) May 9, 2021

وإلى جانب الوقفات التضامنية التي نُظمت في دولٍ عربية عديدة، أعاد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي نشر تغريدةً لنتنياهو من العام 2017، ادعى فيها أن الرأي العام العربي هو عقبة أمام إسرائيل، وتصدر وسم #أنا_عقبة منصة “تويتر” في الأيام الأخيرة.

ورغم محاربة منصات التواصل الاجتماعي المحتوى الفلسطيني عن طريق حذف المنشورات والوسوم المتعلقة بالأحداث الأخيرة في القدس، ما دفع المستخدمين للاحتجاج على هذه السياسات والمطالبة بمقاطعة هذه المنصات، نجح المحتوى الفلسطيني في الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي العالمية، بما فيهم مشاهير أجانب وعرب، تحتوي صفحاتهم على ملايين المتابعين، أعربوا تضامنهم مع القدس، والمسجد الأقصى، وحي الشيخ جراح، واحتجوا على الاعتداءات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

ومن النجوم العالميين الذين رفعوا صوتهم عالياً ضد الممارسات الإسرائيلية، الممثلة الأميركية فايولا دايفز الحاصلة على جوائز “أوسكار” و”إيمي” و”غولدن غلوب”، التي نشرت معلومات في “فايسبوك” حول ما يحصل مطالبة بالحديث بصوت عال عن القضية.

وشهدت الأيام الماضية استمراراً لاحتجاجات في حي الشيخ جراح ضد محاولة المستوطنين الاستيلاء على منازل عائلات فلسطينية هناك، وانتقلت رقعة الاحتجاجات إلى أحياء القدس، وحرم المسجد الأقصى بعد اعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين بقنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي، وإصابتها قرابة 300 فلسطيني، في مشاهدٍ وصفها البعض بـ”ساحة حرب”، محاولةً إخلائه في ظل دعواتٍ لمسيرةٍ مستوطنين احتفالاً بـ”يوم القدس”، والتي تبدأ عادةً باقتحام البلدة القديمة في القدس من باب العامود وتستمر باقتحام المسجد الأقصى للاحتفال بذكرى سيطرة إسرائيل على شرق القدس العام 1967.

    “Let’s talk about what’s going on in Sheikh Jarrah.” 🔁@soyouwanttotalkabout

    Posted by Viola Davis on Monday, May 10, 2021

—————————-

تويتر” و”انستغرام” يتراجعان تحت الضغط: #الأقصى غير محظور

تراجعت الشركات التقنية عن التدابير التي اتخذتها منذ بدء المواجهات بين قوات الاحتلال الاسرائيلية والفلسطينيين، وأرجعتها الى “خلل تقني” تحت ضغط الشارع العربي الذي اتهمها بالانحياز الى اسرائيل.

وندّد مستخدمون فلسطينيون للإنترنت بمحاولات لإسكاتهم عبر فرض “رقابة” على مضمون منشوراتهم وذلك بعد إزالة حسابات عن “تويتر” وحجب محتوى على “إنستغرام” على وقع المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة.

وأكد متحدث باسم “تويتر” أن “الدفاع واحترام أصوات الأشخاص الذين يقومون باستخدام خدمتنا من قيمنا الأساسية في تويتر”، وقال “اننا نستخدم مزيجاً من التكنولوجيا والمراجعة البشرية لتعزيز قوانين تويتر. لكن في هذه الحالة، قامت أنظمتنا الآلية المبرمجة باتخاذ إجراءات بحق عدد من الحسابات من طريق الخطأ”.

وبحسب الموقع، ألغيت إجراءات الحظر ضد الحسابات التي تمّ رصدها “من طريق الخطأ بعد تصنيفها تلقائياً مع حسابات غير مرغوب فيها”.

وألقت شبكة “إنستغرام” باللوم على “خلل تقني أثّر في منشورات وأرشيف ملايين الأشخاص في العالم” وأدى إلى اختفائها. وأكد متحدث باسم شركة “فايسبوك” التي تملك شبكة “انستغرام” أن هاشتاغ #المسجد_الاقصى “تعرض للمنع من طريق الخطأ”، موضحاً أنه “تم رفع” الحظر. وقال المتحدث: “نعتذر بصدق عن الأمرين، وأيضاً لكل الذين شعروا، بمن فيهم الفلسطينيون، أن قدرتهم على القيام بنقاش مفتوح حول قضايا مهمة تأثرت بأي شكل من الأشكال”.

وشهدت القدس الشرقية المحتلة الأسبوع الماضي مواجهات هي الأعنف منذ العام 2017 في المسجد الأقصى اندلعت على وقع محاولات مستوطنين يهود منذ سنين الحصول على ملكية منازل فلسطينيين في حي الشيخ جراح وإخلاءها من ساكنيها. ويستخدم الفلسطينيون بكثافة مواقع التواصل الاجتماعي في مواجهتهم مع الإسرائيليين.

وخلال أيام المواجهات، شارك فلسطينيون مقاطع فيديو أو صور عبر حساباتهم في مواقع التواصل، تظهر فيها القوات الإسرائيلية وهي تقمع المتظاهرين بعنف.

وسجلت منصة “صدى سوشال” الفلسطينية التي تعنى بالدفاع عن الحقوق الرقمية للفلسطينيين، أكثر من مئتي “انتهاك” ضد محتوى فلسطيني، الأسبوع الماضي فقط، خصوصاً المحتوى المتعلق بحي الشيخ جراح والمسجد الأقصى. وتم الإبلاغ أيضا عن حالات إخفاء المحتوى عن المتابعين على إنستغرام من دون أن يعلم صاحب الحساب بذلك.

وقام “تويتر” أيضاً بتعليق عشرات الحسابات، بينها حساب للصحافية الفلسطينية مريم البرغوثي الذي يحظى بـ50 ألف متابع، “في وقت كانت تقوم بتغطية القمع الإسرائيلي للمتظاهرين قرب رام الله” في الضفة الغربية المحتلة. وتمت استعادة حساب البرغوثي عبر تويتر.

————————

فلسطينيو ال48 يشاركون بالمواجهة..وإسرائيل تهددهم بالقتل

تصاعدت اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين العرب وممتلكاتهم في يافا واللد والرملة، وذلك مع دخول حالة الطوارئ التي أعلن عنها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في مدينة اللد إلى حيز التنفيذ فجر الأربعاء.

وفرضت السلطات الإسرائيلية “حالة طوارئ خاصة” في اللد، تشمل الإغلاق الشامل ومنع التجول، فيما نشرت الشرطة قوات وحدة “حرس الحدود” في المدن المختلطة، في ظل تصاعد المواجهات التي اندلعت إثر الاعتداء على المواطنين العرب في أعقاب استشهاد شاب، الاثنين، برصاص متطرفين يهود؛ فيما يتواصل تحريض مسؤولين ووسائل إعلام إسرائيلية على المواطنين العرب في المدينة.

وأعلن نتنياهو حالة الطوارئ الخاصة في اللد، وقال إن “سرايا قوات حرس الحدود ستنتشر في البلدات المختلطة بدءا من الليلة”. وقال إنه أمر ب”التعامل بحزم وصرامة مع منتهكي القانون والنظام العام، ونشر كثيف للقوات على الأرض من أجل إعادة السلم والنظام إلى اللد وجميع أنحاء البلاد في أسرع وقت ممكن”.

ووصلت قوة من وحدات حرس الحدود لأول مرة إلى المدينة وانتشرت بكثافة، بعدما وجه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، الجيش، بتخصيص سرايا حرس الحدود لدعم الشرطة بذريعة “فرض الأمن في المدن المختلطة”.

كما وصل نتنياهو إلى اللد، ودعا إلى “إعادة فرض حكم الدولة” على المدن المختلطة وذلك باستخدام “القبضة الحديدية”، وقال إن “ما شاهدناه في المدينة يعبر عن الفوضى المطلقة، علينا استعادة السيطرة على المدينة”، وطالب أهالي اللد ب”البقاء في المنازل طالما يتطلب الوضع ذلك”. وأضاف “إذا لزم الأمر سنفرض حظر تجول في اللد ومناطق أخرى”.

وفي ظل تصاعد الاعتداءات من قبل المستوطنين وجماعات ما يسمى “نواة التوراة” على العرب، دعا وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا إلى إطلاق سراح المستوطن قاتل الشهيد الشاب موسى حسونة، الذي قُتل بعد منتصف ليل الإثنين، فيما أصيب آخران بجراح وصفت بالمتوسطة، بنيران مستوطن في المدينة.

وكتب أوحانا في تغريدة إن “اعتقال مطلق النار في اللد ورفاقه الذين تصرفوا دفاعا عن النفس على ما يبدو أمر مروع”. وأضاف “حتى لو كانت هناك أشياء لا يعرفها الجمهور بعد، فإن المواطنين الذين يحملون السلاح بتراخيص يشكلون قوة مضاعفة في يد السلطات”.

وتأتي تغريدة أوحانا بعد أن وصل المئات من المستوطنين إلى مدينة اللد تقدمهم عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير وهددوا باستهداف العرب، وتنقلوا بحرية بين أحياء المدينة، وذلك على الرغم من إعلان الطوارئ، حيث تمت محاصرة الأحياء السكنية العربية من قبل الوحدات الخاصة ومنعهم من التنقل.

ودعا بن غفير الى قتل المواطنين العرب، قائلاً: “كل من يقوم بإلقاء حجر يجب على قوات الشرطة والجيش إطلاق النار عليه وقتله”. وأضاف “إذا لم تقم الشرطة وقوات الأمن بذلك، سنقوم نحن بالدفاع عن أنفسنا، ولو أعطيت الأوامر لقوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي لقاموا بتنفيذها على الفور”.

وشارك آلاف، مساء الثلاثاء، في تشييع حاشد لجثمان الشهيد حسونة، واعتدت الشرطة الإسرائيلية على المشيعين بشكل عنيف جداً، إذ أطلقت قنابل الصوت، وقنابل الغاز المدمِع، صوب المشيعين.

واندلعت مواجهات في المكان، بعد اعتداء الشرطة التي كثفت تواجدها بتعزيزٍ من قِبل القوات الخاصة، في حين أفاد شهود عيان، بأن قواتٍ تابعة للجيش وصلت إلى المكان كذلك.

من جهة ثانية، استشهد شاب من مخيم الفوار وفتى من بلدة عقابا قضاء طوباس، اليوم الأربعاء، فيما أصيب العشرات بجروح متفاوتة وحالات اختناق جراء اعتداءات لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الفعاليات الاحتجاجية المنددة بالعدوان على الشعب الفلسطيني.

وأفادت مصادر طبية في الهلال الأحمر، باستشهاد الفتى رشيد محمد أبو عرة (16 عاماً)، جراء دهسه من جانب آلية لجيش الاحتلال في قرية عقابا، جراء إصابته برصاصتين في الرقبة والصدر خلال المواجهات التي اندلعت بين الشبان وقوات الاحتلال عند المدخل الشمالي لمدينة طوباس.

وفي محافظة الخليل، استشهد الشاب حسين عطية الطيطي (26 عاما) من مخيم الفوار، فجر اليوم الأربعاء، وأصيب آخرون، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات شهدها المخيم.

ومساء الثلاثاء، اندلعت مواجهات متفرقة بالضفة، بين مئات الفلسطينيين وقوات تابعة للجيش الإسرائيلي، تنديداً بالاعتداءات الإسرائيلية في القدس وقطاع غزة. واستخدم الجيش الرصاص الحي والمعدني، وقنابل الغاز المسيل للدموع، لتفريق المتظاهرين.

وشنّت قوات الاحتلال فجر الأربعاء، حملة دهم واعتقالات في مناطق متفرقة بالضفة الغربية، طاولت قيادات وأنصار لحركة حماس ومرشحين عن قائمة “القدس موعدنا”.

كما اعتقلت الشرطة الإسرائيلية 151 شاباً عربياً في منطقة الشمال على خلفية المظاهرات الاحتجاجية ضد اعتداءات الاحتلال الإسرائيليّ في مدينة القدس المحتلّة، وفي قطاع غزة المُحاصَر، ليل الثلاثاء.

————————–

صرخات أبناء الـ48 تعلو في اللدّ وتصل الى الشيخ جراح/ آمال شحادة

اللد، البلدة الفلسطينية التي تواجه منذ سنوات سياسة تمييز وقهر ، شهدت هبة غضب كبيرة لم تقتصر على الاحتجاج على غزة والاقصى او الشيخ جراح، بل اشتعلت في وجه سياسة اليمين الإسرائيلي ضد المجتمع الفلسطيني.

  جهود كبيرة بذلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة لتعزيز العلاقات بين فلسطينيي الـ 48 واليهود داخل الخط الأخضر، وجعل موضوع التعايش في مركز اجندة الجمعيات والأحزاب من الطرفين. الا ان التصعيد الأمني تجاه غزة، الذي انفجر في أعقاب الاعتداءات على المسجد الأقصى والإجراءات الإسرائيلية العنيفة التي أثارت مشاعر الفلسطينيين، خصوصا في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، الى جانب مخطط تهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس، أعاد الوضع داخل إسرائيل، وتحديدا لجهة العلاقات بين اليهود وفلسطينيي الـ 48 سنوات الى الوراء وجعل المدن المختلطة وأبرزها حيفا، وعكا واللد في مهب عاصفة ترسم خريطة طريق جديدة للتعايش بين سكان هذه البلدات.

   منذ تصاعد الأحداث في الأقصى والشيخ جراح، وقبل انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة انطلقت تظاهرات الاحتجاج على السياسة الإسرائيلية في بلدات فلسطينيي الـ 48 لتطلق صرخة عالية في وجه هذه السياسة في مقابل التضامن مع فلسطيني القدس والضفة.

     الشرطة الإسرائيلية عكست سياسة المؤسسة الإسرائيلية العنصرية تجاه العرب، فلم تمنع المستوطنين من الدخول الى المناطق التي تشهد مسيرات فلسطينية بل هاجمت المتظاهرين العرب واعتدت عليهم واعتقلت العشرات منهم. في المقابل تعاملت بيد من حرير مع المستوطنين

   وما ان احتدم الوضع الأمني وتحول الى قصف صاروخي متبادل بين غزة وإسرائيل حتى التهبت الأوضاع داخل بلدات الـ 48 لتنطلق تظاهرات واحتجاجات في مختلفة المناطق تصاعدت كل يوم الى أن وصلت إلى ذروتها في  المدن المختلطة، وكانت الشعلة الأولى في اللد.

    اللد، البلدة الفلسطينية التي تواجه منذ سنوات سياسة تمييز وقهر من قبل المؤسسة الإسرائيلية، شهدت هبة غضب كبيرة لم تقتصر على الاحتجاج على غزة والاقصى او الشيخ جراح، بل اشتعلت في وجه سياسة اليمين الإسرائيلي ضد المجتمع الفلسطيني، عموما، واللد بشكل خاص.

 يعاني سكان اللد العرب الفقر والاكتظاظ السكاني ويظهر الفرق بينهم وبين اليهود من سكان المدينة بشكل واضح سواء في أوضاع احيائهم او مدارسهم ومؤسساتهم الاجتماعية. وهذا الوضع أدى الى تراكم كراهية بين الطرفين.

تشييع موسى حسونة في اللد

   عند اشتعال الأوضاع في القدس وغزة طافت شوارع اللد  تظاهرات عربية حاشدة وأطلق الناشطون فيها صرخات الاحتجاج. وعلى الرغم من وجود عناصر كبيرة من الشرطة، التي بذلك جهدا كبيرا لتضييق الخناق عليهم ومضايقتهم، الا أن ما ضاعف من عنف المشهد كان عناصر من اليمين الإسرائيلي والمستوطنين الذين هاجموا المتظاهرين العرب تحت حراسة الشرطة، ووقعت صدامات أدت الى مقتل الشاب موسى حسونة (31 عاما) بنيران مستوطن واصابة اخرين.

   كانت تلك هي الشعلة التي وصلت نيرانها الى مختلف بلدات فلسطينيي الــ 48، لتنطلق التظاهرات وأعمال الاحتجاج في كافة البلدات العربية.

  الشرطة الإسرائيلية، التي عكست سياسة المؤسسة الإسرائيلية العنصرية تجاه العرب، بدل من ان تمنع المستوطنين من الدخول الى المناطق التي تشهد مسيرات فلسطينية هاجمت المتظاهرين العرب واعتدت عليهم واعتقلت العشرات منهم. في المقابل تعاملت بيد من حرير مع المستوطنين ولم يُسمع عن اعتقال يهودي او مستوطن، وحتى من اعتقل بتهمة قتل حسونة، وهو اليهودي الوحيد المعتقل في مقابل أكثر من مئتي شاب من فلسطينيي 48، طالب مسؤولون إسرائيليون بإطلاق سراحه.

تراكم كبت وانفجار شبابي

   الزخم الكبير للتظاهرات اليومية والمشاركة الجماهيرية الواسعة للشباب، كانت مفاجئة وغير متوقعة، لكنها عكست الوضعية التي يعيشها الشباب الفلسطيني داخل إسرائيل. لم تكن التظاهرات مجرد إطلاق صرخة تضامنية مع الأقصى والشيخ جراح وغزة انما انفجار شبابي سببه سياسة التمييز والعنصرية المتراكمة منذ قيام إسرائيل. فهم يعانون التمييز في التعليم والجامعات وانعدام المساواة المدنية، البطالة بينهم الأعلى في إسرائيل وفرص العمل المتوفرة لهم قليلة جدا.

  مجمل فلسطينيي الـ 48 الذين شاركوا بشكل واسع في اعمال الاحتجاج فان غضبهم لم يقتصر فقط على سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينين في الضفة والقدس انما أيضاً احتجاجا على سياستها تجاههم وتعزيز العنصرية والتمييز، ومنح الحرية المطلقة للمستوطنين واليمين الإسرائيلي في الاعتداء عليهم وتخريب أملاكهم وأماكنهم المقدسة، في مقابل سياسة القمع والتنكيل والتي انعكست بشكل كبير من قبل الشرطة الإسرائيلية في التظاهرات التي تجري حاليا احتجاجا على أحداث غزة والاقصى.

لجنة تحقيق

   في أعقاب ما ظهر من عنصرية وعنف من قبل الأمن الاسرائيلي تجاه فلسطينيي الـ 48 أُطلقت صرخة تطالب بتشكيل لجنة تحقيق بتصرفات الشرطة ومنحها الضوء الأخضر للمستوطنين للاعتداء على العرب وتحملها مسؤولية تعزيز وتعميق الكراهية والتمييز بين اليهود والعرب.

  فقد قامت الشرطة بملاحقة الشباب والمتظاهرين في البلدات وكذلك في الجامعات، حيث تعرض الطلاب العرب لاعتداءات ومضايقات من قبل الطلاب اليهود دون ان تحرك الشرطة ساكنا، بل قامت هي الأخرى بملاحقة الطلاب العرب.

الشرطة هي جزء من المشكلة، اذ لا يمكن فصل الأحداث الاخيرة عن احتجاج الشباب العرب على عجز الشرطة في كل ما يتعلق بجرائم العنف في المجتمع العربي، وهو ما ولد عدم ثقة بها، بل اعتبرت جزءا من المشكلة.

    الغضب على الشرطة تنامى في أوساط الشباب العربي خلال التظاهرات الأخيرة، فما يحدث في القدس يتناغم بشكل مباشر مع ما يحدث في يافا وحيفا. هناك مخطط لإخلاء المنطقة من سكانها الفلسطينيين وفي البلدات العربية تمارس الشرطة سياسة طرد منهجي عبر أوامر هدم البيوت وتضييق الخناق على الشباب.

أنظمة طوارئ

   المؤسسة الإسرائيلية، وبدل أن تتخذ إجراءات تساهم في تهدئة الوضع وتحد من الكراهية بين المجتمعين منحت الضوء الأخضر للمزيد من القمع والاعتداءات والاعتقالات فيما تركت اليمين والمستوطنين أحرارا يتجولون في البلدات العربية ويقدمون على ممارسات عنصرية.

   ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل أوعز رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للشرطة للعمل بموجب أنظمة طوارئ خاصة، وأعلن أنه منحها صلاحيات واسعة وسيمنحها المزيد من الصلاحيات للعمل على “إعادة سيطرة الحكومة على المدن”، ملمحا إلى إمكان نشر قوات عسكرية في المدن، وقال: “لقد رأينا مثيري شغب عرب يحرقون الكنس ويضرمون النار في السيارات ويهاجمون رجال الشرطة ويلحقون الأذى بالمدنيين المسالمين والأبرياء وهذا أمر لا يمكننا قبوله، إنها فوضى. لا شيء يبرر ذلك”.

   حديث نتنياهو كان كافيا لأن يشعل غضب الشباب العرب، لينطلقوا من جديد في ساعات المساء في تظاهرات ربما تكون أكثر شدة تؤدي الى تصعيد داخلي لم يحسب أحد حسابه.

   درجة

——————————–

هكذا تلاحق “حماس” جنود اسرائيل في غلاف غزة

لا تقتصر المعركة العسكرية التي تخوضها حركة “حماس” ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي على الصواريخ، فقد وسعت دائرة الاستهداف للمستوطنات والمرافق الاسرائيلية الى اطار الحرب الالكترونية التي تخترق منظومات اسرائيلية، وتسيّر “درونز” انفجرت بأهداف اسرائيلية.

    IOF asked the Israeli settlers in Gaza envelope settlements to shut down all surveillance cameras. – Newspress

    — INTELSky (@Intel_Sky) May 13, 2021

وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بأن “كتائب القسام” التابعة لحركة حماس، تشن حرباً إلكترونية، في إطار المواجهات العسكرية مع إسرائيل. ونقلت عن مصدر أمني قوله، إن “سكان غلاف غزة طُلِب منهم إغلاق كاميرات المراقبة في المنازل والشركات وفصل الأنظمة عن الإنترنت”. وقالت إن هذا الإجراء جاء في أعقاب وصول معلومات استخبارية تفيد بأن حماس تشن حرباً إلكترونية وسيطرت على الأنظمة ويمكنها جمع معلومات استخبارية عن تحركات قوات الجيش في مناطق غلاف غزة.

وفي سياق الحرب الالكترونية، لم تتمكن اسرائيل من التشويش على مسيرات تابعة لحماس تنفذ عمليات انتحارية بأهداف اسرائيلية، حيث يتمكن مقاتلو الحركة من تسييرها بلا عوائق الكترونية، رغم التطور التقني الذي تتسم به القوات الاسرائيلية.

    Hamas military wing releases footage of their drones used in an attack on Gaza border communities. pic.twitter.com/HZUg4l7H5i

    — INTELSky (@Intel_Sky) May 13, 2021

وأعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس” الفلسطينية، عن تنفيذ هجمات عديدة ضد أهداف إسرائيلية بواسطة طائرات مسيّرة انتحارية. وكشفت عن نموذج مسيرات “شهاب” التي استخدمت في عمليات منذ الاربعاء.

وأفادت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في وقت سابق بأن السكان في المستعمرات على حدود غزة قالوا إنهم سمعوا دوي انفجارات في سماء المنطقة بعد إسقاط طائرة بدون طيار.

لكن “كتائب القسام” أعلنت عن استهداف منصة الغاز في عرض البحر قبالة ساحل شمال غزة وتحشيدات عسكرية إسرائيلية على تخوم القطاع  بطائرات مسيّرة انتحارية من طراز “شهاب”.

    صور : طائرات “شهاب” الانتحارية محلية الصنع التي أدخلتها كتائب القسام الخدمة خلال معركة سيف القدس. pic.twitter.com/ueq7XqU7Df

    — رهيب مران (@rhyb66) May 13, 2021

——————————

غزة:إسرائيل تلوح بالاجتياح البري

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة الخميس، ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 83 شهيداً بينهم 17 طفلاً و6 سيدات. كما أعلنت إصابة 388 شخصاً بجروح متفاوتة الخطورة، بينهم 115 طفلاً، و50 امرأة.

من جهته أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوناثان كونريكوس الخميس، أن الجيش الإسرائيلي يستعد للقيام بعملية برية في قطاع غزة، إلا أنه لم يصدر أمر بتنفيذها حتى الآن. وقال إن “وحدات الجيش في مراحل مختلفة من الاستعدادات، بما في ذلك تعليمات قيادة الأركان العامة، إلا أنه لم يصدر أمر بتنفيذ عملية كهذه بعد”.

كما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن المتحدث الآخر باسم الجيش الإسرائيلي هيداي زيلبرمان قوله إن مجموعة من الخطط بشأن التدخل البري المحتمل في القطاع ستُعرض في وقت لاحق الخميس على هيئة الأركان العامة للمصادقة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطط التي وضعتها فرقة غزة والقيادة الجنوبية التابعتان للجيش الإسرائيلي قد تحال لاحقا إلى القيادة السياسية الإسرائيلية كي تنظر فيها.

وشنَّ الجيش الإسرائيلي حتى صباح الخميس، أكثر من 500 غارة على أهداف مختلفة في قطاع غزة. فيما أطلقت فصائل المقاومة نحو 1500 صاروخ من قطاع غزة على مختلف المدن الإسرائيلية. وقُتل حتى الآن 7 أشخاص في إسرائيل جراء التصعيد العسكري، بينهم طفل في السادسة من عمره وجندي.

ولم تنجح الوساطات الإقليمية والدولية بعد في تحقيق اختراق على مستوى وقف المعركة. ودعت تونس والنرويج والصين إلى عقد جلسة علنية طارئة جديدة الجمعة في مجلس الأمن الدولي بشأن التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذه الجلسة -التي يُتوقّع أن يشارك فيها الإسرائيليون والفلسطينيون- ستكون الثالثة لمجلس الأمن منذ الاثنين.

وهاتف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعبّر عن تعازيه “لوقوع خسارة في الأرواح”، من دون أن يذكر ضحايا غزة على وجه التحديد، مؤكداً ضرورة أن تنتهي “الهجمات الصاروخيّة ويصار إلى خفض التوتر فوراً”. وقال إن “الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون تدابير متساوية للعيش بحرية وكرامة وأمن وازدهار”.

في المقابل، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية أن الرئيس أكد خلال الاتصال الهاتفي “أهمية وقف الاعتداءات الإسرائيلية على شعبنا الفلسطيني في كل مكان، ووضع حد لاعتداءات المستوطنين والإجراءات الإسرائيلية العدوانية ضد شعبنا”.

وشدد عباس على “أهمية خلق أفق سياسي للوصول إلى حل سياسي مبني على أساس الشرعية الدولية، يضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله”.

وكان عباس وجّه مساء الأربعاء، رسالة للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي قائلاً: “لقد طفح الكيل ارحلوا عنا، حِلُو عن صدورنا. سنبقى شوكة في عيونكم ولن نغادر وطننا وبلادنا، انهوا احتلالكم لبلادنا اليوم وليس غداً”.

وأضاف عباس في كلمة متلفزة في مستهل اجتماع للقيادة الفلسطينية برام الله، “لقد أجرينا اتصالات مع الجميع وفي كل يوم نجري اتصالات مع أميركا لنقول لهم كفى”، مشدداً على أن “القدس خط أحمر ولا سلام ولا أمن ولا استقرار إلا بتحريرها الكامل من الاحتلال الإسرائيلي”.

وكان بلينكن، قد دعا في مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى “إنهاء العنف بين إسرائيل والفلسطينيين”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، في بيان، إن بلينكن أعرب عن قلقه من الهجمات الصاروخية على إسرائيل، وعبر عن تعازيه لمن فقدوا حياتهم نتيجة لذلك.

كذلك قال البيت الأبيض إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان قال لنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس على إسرائيل “غير مقبولة”.

ووفق بيان للمتحدث باسم المستشار، إميلي هورن، فقد ناقش المسؤولان خلال اتصال جمعهما، الحالة الراهنة في غزة والقدس. وقال البيان أن “سوليفان أوضح لوزير الخارجية القطري بجلاء أن الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس على اسرائيل غير مقبولة و يجب أن تتوقف”.

وأشار المتحدث إلى أن المسؤولين ناقشا تواصلهما المستمر مع الأطراف المعنية دعما للجهود الرامية إلى تحقيق الهدوء، واتفقا على البقاء على اتصال وثيق في الفترة المقبلة.

وفي السياق، بعث 25 نائباً في الكونغرس برسالة إلى بلينكن، يحثّونه فيها على ممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل لمنعها من تهجير الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، معتبرين تلك الممارسات جريمة حرب.

وقال النواب -وفي مقدمتهم ماري نيومان أحد نواب ولاية إيلينوي، ومارك بوكان نائب ولاية ويسكونسن- في رسالتهم: “نكتب هذه الرسالة للتعبير عن قلقنا العميق إزاء خطة إسرائيل لتهجير ما يقرب من ألفي فلسطيني من حيي البستان والشيخ جراح في القدس”.

وأشارت الرسالة إلى أن إسرائيل هدمت مئة مبنى في حي البستان، حيث يعيش 1550 فلسطينياً، 60 في المئة منهم أطفال، من أجل بناء حديقة تلمودية، لافتة إلى وجود إشعارات من الجانب الإسرائيلي تشير لاستعدادها لإخلاء منازل 12 عائلة فلسطينية بحي الشيخ جراح مكونة من 169 شخصاً 46 منهم أطفال من أجل تسكين مستوطنين بشكل غير قانوني. كما ذكر هؤلاء النواب في الرسالة أن الإدارة الإسرائيلية تتجاهل تماماً العائلات الفلسطينية وتعتبرهم في حكم العدم.

———————————-

حرب الشوارع بين العرب واليهود..تهز دولة اسرائيل

وقّع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس على أمر تجنيد 10 سرايا احتياط من قوات عناصر “حرس الحدود”، وذلك لتعزيز عمل الشرطة الإسرائيلية على “استعادة السيطرة وفرض النظام”. فيما حذّر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين من حرب أهلية في إسرائيل، بعد مواجهات دامية اندلعت في مدن الخط الأخضر ليل الأربعاء.

ويأتي ذلك، في ظل اعتداءات المستوطنين على المواطنين العرب، وقمع الشرطة للمظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها البلدات العربية نصرة للقدس والأقصى، وتنديداً بالعدوان على غزة.

وقال ريفلين لدى تعليقه على مشاهد اعتداء عشرات المستوطنين الإسرائيليين على شاب فلسطيني في مدينة “بات يام” الساحلية، إن “الحرب اندلعت في شوارعنا والأغلبية الصامتة مذهولة ولا تصدق ما تراه”. وأضاف في تصريحات لقناة “كان”، “الأغلبية الصامتة لا تقول شيئاً لأنها مصدومة تماماً”، وتابع: “نحن نخلق حالة نسمح فيها بحرب أهلية لأننا صامتون”.

وناشد ريفلين جميع القادة (العرب والإسرائيليين في إسرائيل)، أن يدعو الناس ألا يصابوا بالجنون، مضيفاً “نحن مواطنو بلد واحد، ومجتمع واحد”.

وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن غانتس وقع على أمر التجنيد لسرايا احتياط بحرس الحدود، في ظل اتساع دائرة الاحتجاجات في البلدات العربية، واندلاع ما وصفته ب”أعمال عنف” على خلفية قومية، وتضاف هذه السرايا إلى القوات التي تم تجنيدها الثلاثاء. كما قرر استعداد الجيش لمساعدة الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود في كل ما هو ضروري، بما في ذلك عملية التجنيد، والآليات اللوجستية، وتدريب وتجنيد الوحدات من أجل انخراطها في الخدمة بسرعة وفعالية.

 في هذا الوقت، عاشت مدن وبلدات في الداخل الفلسطيني ليلة مواجهات عنيفة مع الشرطة الإسرائيلية، ومع المستوطنين الذين انتشروا في الشوارع، واعتدوا على المحلّات والسيّارات التي تعود لفلسطينيين بالحجارة والعبوات الحارقة.

وأوقعت المواجهات عشرات الإصابات في صفوف الفلسطينيين والمستوطنين، فضلاً عن إصابة جندي من حرس الحدود بإطلاق نار، في حدث غير معهود على مستوى الداخل الفلسطيني، فيما اعتُقِل أكثر من 370 شخصاً.

وتصدّرت مدينة أم الفحم، شمالاً، المشاهد، بعد أن تخللت المواجهات عمليات إطلاق رصاص حيّ، لم يُعرف بعد مصدرها وملابساتها، أدت إلى إصابة عنصر في حرس الحدود. وتداول نشطاء على نحو واسع مشهداً يظهر لحظة إطلاق الرصاص صوب مجموعة من عناصر حرس الحدود، بينما لاذ بعضهم بالفرار.

    صاروا مضحكة

    إطلاق نار على الشرطة الإسرائيلية في ام الفحم pic.twitter.com/cZX5aLkYK5

    — علي احمد . (حساب جديد) (@Dlt97b7PUXblBYM) May 13, 2021

وليس بعيداً عن أم الفحم، اندلعت مواجهات صباح الخميس، مع قوّات الشرطة الإسرائيلية في بلدة كفر قاسم، التي انطلقت فيها احتجاجات مباشرة بعد صلاة العيد، وسرعان ما تحولت إلى اشتباكات مع عناصر الشرطة. وبحسب ما تداوله نشطاء على مواقع التواصل، فقد أحرق متظاهرو البلدة 3 سيّارات تابعة للشرطة في شارع السلطاني بالبلدة.

وفي الرملة أيضاً، ارتفع منسوب التوتر إلى مستويات غير مسبوقة، بعد انتشار مئات المستوطنين في الشوارع، ومهاجمتهم سيّارات المارّة من الفلسطينيين.

وفي اللد، التي فرضت سلطات الاحتلال حظر تجول ليلياً فيها، قالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن اثنين أصيبا بإطلاق نار في المدينة، من دون تحديد هويّتَيهما، وملابسات الحادثة، فيما أشارت الصحيفة ذاتها إلى 14 إصابة أخرى متفاوتة وصلت إلى مستشفى “أساف هروفيه” في المدينة.

وفي وقت متأخر من ليل الأربعاء/الخميس، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه أوعز إلى الشرطة للعمل بموجب أنظمة طوارئ خاصة. وأشار إلى أنه منحها صلاحيات واسعة وسيمنحها المزيد من الصلاحيات للعمل على “إعادة سيطرة الحكومة على المدن”، ملمحاً إلى إمكانية نشر قوات عسكرية في المدن.

وقال نتنياهو في بيان مصوّر: “لقد رأينا مثيري شغب عرب يحرقون الكنس ويضرمون النار في السيارات ويهاجمون رجال الشرطة ويلحقون الأذى بالمدنيين المسالمين والأبرياء”. وأضاف “هذا أمر لا يمكننا قبوله، إنها فوضى. لا شيء يبرر ذلك، وسأقول لكم أكثر من ذلك، لا شيء يبرر إعدام العرب ميدانياً، ولا شيء يبرر إعدام اليهود ميدانياً كذلك”.

وتابع نتنياهو: “سنعيد فرض السلطة والحكم على مدن إسرائيل في كل مكان. في كل المدن، في المدن المختلطة، في المدن اليهودية، في كل مكان”. وأضاف “أصدرت تعليماتي للشرطة بالعمل بموجب صلاحيات الطوارئ، تعزيز قواتها بوحدات حرس الحدود وكذلك بالطبع فرض حظر تجول عند الضرورة”.

وقال: “أعقد اجتماعاً طارئاً لمنح المزيد من الصلاحيات للشرطة، والمزيد من الدعم للشرطة، لمنحهم المزيد من القوات. كما أنني أنوي نشر قوات عسكرية (في المدن) بموجب القانون الحالي وإذا لزم الأمر – سيتم سن قانون آخر”.

وأضاف “أقول لمواطني إسرائيل – لا يهمني إذا كان دمكم يغلي. لا يمكنكم أن تلغوا القانون وتفرضوه بأنفسكم، لا يمكنكم أن تأخذوا مواطناً عربياً بسيطاً وتحاولوا إعدامه، تماماً كما لا يمكننا أن نرى مواطنين عرباً يفعلون ذلك لمواطنين يهود، لن يحدث ذلك”.

————————–

رضا الأعرجي… التطهير العرقي في فلسطين يرويه مؤرّخ إسرائيلي

لو لم يأت هذا العنوان من مؤلف إسرائيلي، لحَمَل الشك الحتمي بمعاداة السامية…

والمؤلف هو الناشط الاشتراكي والأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة، والمدير المشارك لمركز إكسيتر للدراسات العرقية والسياسية، إيلان پاپه (حيفا ـ 1954)، المنتمي إلى مدرسة “المؤرّخين الجدد” التي أعادت بعناية رواية الأحداث الحقيقية لقيام دولة إسرائيل على نحو يختلف عن الرواية الرسمية الإسرائيلية.

تكاد الأصول الدقيقة للصراع اللامتناهي بين الفلسطينيين والإسرائيليين تدخل غياهب النسيان، ونادراً ما تُعرف من قبل عامة الناس خصوصاً بعد مرور أكثر من 70 عاماً على نشوبه. ومن هنا، فإن الاهتمام الرئيس بهذا العمل الآتي من منظور تاريخي، يسمح لنا بالدخول في منطق التصميم الذي لم يتم الاعتراف به من قبل مسؤولي الدولة العبرية، والذي يعتبره المؤلف “تطهيراً عرقياً”.

يكشف پاپه أن الاستيطان في دولة إسرائيل كان مشروعاً مع سبق الإصرار، وليس نتيجة غير مقصودة لحرب عربية ـ إسرائيلية كما يكرر التأريخ الرسمي الاسرائيلي، وكيف أصبح اليهود يشكلون غالبية كبيرة في دولة احتلت 78٪ من الأرض، فيما كان ثلثا سكان فلسطين، في نهاية العام 1947، والذين يبلغ عددهم حوالي مليوني نسمة، من العرب.

 لقد طُرد 800 ألف عربي فلسطيني إلى خارج الحدود في سياق مخطط الطرد والتهجير وارتكاب المجازر. ويذكر المؤلف أنه في 10 آذار/مارس 1948، جرى تبني “خطة دايلث” بتحريض من بن غوريون، وهي “الخطة الشاملة لطرد جميع سكان قرى ريف فلسطين”. كما صدرت تعليمات مماثلة، بالمصطلحات نفسها تقريباً، لتنفيذ إجراءات تستهدف المراكز الحضرية. وبعد ستة أشهر، طُرد السكان المسالمون العزّل باتباع سياسة العنف والترهيب، حيث تم تدمير 531 قرية، وإخلاء 11 حياً من ساكنيها، واقتلاع 800000 شخص (نصف السكان الأصليين لفلسطين) من أراضيهم، واستبدالهم في العديد من المدن باليهود.

نُفذتْ كل هذه العمليات بلا مبالاة من البريطانيين في نهاية فترة انتدابهم، كما أن تقارير مراقبي الأمم المتحدة الذين تولوا السلطة، لم تتجاوز حاجز مجلس الأمن. وهكذا، وتحت العين الساهرة للمنظمة الدولية، استمرت المرحلة الأخيرة من التطهير العرقي، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 1948 واستمرت حتى صيف 1949.

سواء من السماء أو من الأرض، كان من المستحيل عدم النظر إلى جحافل الرجال والنساء والأطفال وهي تتقدم شمالاً كل يوم، لكن في قلب هذه الدراما كان مطلب الفلسطينيين بـ”حق العودة” الذي تعارضه إسرائيل معارضة شديدة، يتجذر بقوة.

كان هذا الحق موضوع قرار الأمم المتحدة الرقم 194 والصادر في 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، القرار الوحيد لصالح فلسطين، والشاهد على الفترة القصيرة التي لم تمنح فيها الولايات المتحدة بعد دعماً غير مشروط لإسرائيل، مثلما فعلت بعد ذلك وتفعل حتى الآن.

لن نعود إلى اللائحة اللانهائية للانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين، والتي يؤكد پاپه أنها لم تتوقف منذ ذلك الحين، بل يلاحظ أيضاً السلوك البارد وغير الإنساني للجيش الإسرائيلي، والإفلات التام من العقاب الذي ما زال يتمتع به الجنود والضباط، رغم الحقائق التي يجب أن تندرج في نطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويعزو ذلك إلى التواطؤ الوثيق بين الدائرتين المدنية والعسكرية إلى أن كثيراً من المسؤولين العموميين يأتون من الجيش، وليس من المستغرب أن يكون الجيش هو المنفّذ للأهداف السياسية المخزية.

يقول پاپه: ما زال الصمت يحيط بهذه الصفحة من التاريخ المعاصر، ومن المفهوم أنه لم يجرؤ أحد على اتهام اليهود بالتطهير العرقي في أعقاب المحرقة. ومع ذلك، ما زال من المدهش أن التطهير العرقي للعام 1948، تم القضاء عليه بالكامل تقريباً، ومحوه من الذاكرة الجماعية العالمية، وبالتالي، هل يمكن بناء سلام صادق ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل هذه الظروف؟

(*) مدونة نشرها الكاتب العراقي رضا الأعرجي في صفحته الفايسبوكية.

——————————–

الشيخ جراح..منذ أن أنجَد مقدسيٌّ يهودياً هارباً من أوروبا

من دون شك أن قضية حي الشيخ الجراح هي قضية فلسطين كلها، أو ما يجري فيه هو ما جرى في فلسطين كلها على مدى مئة عام أو أكثر… سواء في الاستيلاء على الأراضي أو التهجير، أو التسويق لرواية امتلاك العقارات، وصولاً إلى السعي إلى “تهويد المكان” والذاكرة والرواية، أو بمعنى محو الذاكرة الأصلية وتسويق ذاكرة مخترعة أو متخيلة. واختراع الذاكرة لا يختلف عن “اختراع الشعب اليهودي” نفسه، وهو عنوان كتاب شلومو ساند الشهير.

والحال أنه فيما يدافع المقدسيون عن ملكياتهم للعقارات التي ولدوا وترعرعوا فيها، يزعم مستوطنون يهود أنهم اشتروا تلك العقارات من جمعيات يهودية، ويسعى المستوطنون إلى المطالبة بهذه البيوت بحكم قانون الملكية الذي أقرته الحكومة في خمسينيات القرن الماضي. وبحسب الزعم الاسرائيلي، فإن ملكية هذه المنطقة تعود إلى العام 1876، حين اشترت مجموعتان يهوديتان أراضي في الحي، لأنها، من وجهة نظرهم، منطقة مقدسة تضم قبراً لأحد كهنتهم.

ويشتهر الحي بضريح الشيخ الجراح، حيث أقيم مسجد ما زال يؤدي وظائفه الدينية. ومنذ سنوات، يتعرض هذا الحي لهجمة استيطانية، بعدما سيطر اليهود على مقام إسلامي في المكان يخص شخصاً يُطلق عليه محلياً اسم “الشيخ السعدي”، ليحولوه إلى مقام يهودي باسم “شمعون الصديق”. سكنت بضع عائلات يهودية في المكان بعد إخراج السكان الفلسطينيين من منازلهم، نُصبت أبراج حراسة اسرائيلية، وبدت الأمور ممهدة لإقامة حي يهودي في القدس العربية، وهو ما كان أعلن عنه قبل سنوات، عضو الكنيست بيني ايلون، المنتمي إلى حزب الاتحاد الوطني (المفدال)، والذي يُعتبر عراب الاستيطان اليهودي في الشيخ جراح. وهو كان قد تزعّم بنفسه، عندما كان وزيراً للسياحة في إسرائيل، عمليات طرد السكان الفلسطينيين من الشيخ جراح، كما حدث في نيسان/أبريل 2003، عندما طُرد 20 شخصاً من عائلة غاوي من منازلهم. وعاد ايلون إلى الواجهة مع مخطط جديد، بالاستيلاء على 18 دونماً بالقرب من مقام الشيخ السعدي. ووفقاً لهذا المخطط، كما أعلنه أيلون، وطُرح على لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية القدس، فإنه ستُقام فيه 200 وحدة سكنية. ويرى أيلون أنه من أجل تنفيذ المخطط “ينبغي هدم المنازل الفلسطينية الموجودة في الحي، وضمّ المناطق المفتوحة هناك إلى خطة البناء المقترحة”.

والنافل أن الحيّ سكنت فيه عائلات فلسطينيّة معروفة، مثل عائلة النشاشيبي، ويتحدر منه إسعاف النشاشيبي (1882-1948) الكاتب الفلسطينيّ الذي ما زال قصره ماثلًا هناك. بنى النشاشيبي قصره في حي الشيخ جراح، ليس بعيداً من مقام الشيخ السعدي، وزخرفه بقطع الموازييك الأزرق التي ما زالت تزينه حتى الآن. وفي هذا القصر، حل كثر من أعلام الأدب العربي، مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وحافظ إبراهيم، والشاعر والكاتب العراقي معروف الرصافي، الذي نزل ضيفاً في هذا القصر وذكره في قصيدته: “ويل لبغداد مما سوف تذكرني عنها وعن الليالي في الدواوين”. واستذكر القدس وقصر النشاشيبي بقوله: “وكان فيها النشاشيبي يسعفني وكنت فيها خليلاً للسكاكيني”، والإشارة واضحة لإسعاف النشاشيبي، والمفكر الفلسطيني خليل السكاكيني. ويقول الكاتب عادل الأسطة أنه لا يعرف ماذا كان سيكتب الرصافي، لو قُدّر له أن يعيش ليرى حال القصر الآن. فعلى بعد أمتار قليلة منه، أقام اليهود نصباً تذكارياً للقتلى من المنظمات اليهودية الذين سقطوا خلال معركة شنها المقاومون العرب على قافلة لهذه المنظمات في العام 1948. وتحول هذا النصب إلى ما يشبه “حائط مبكى” جديداً، يأتي إليه المستوطنون بالحافلات، ويقفون بجانب قصر النشاشيبي…

وفي الروايات المتداولة حول حي الشيخ جراح، أنه في العام 1880، وصل للقدس اليهودي يوسف بن رحاميم، قادمًا من أوروبا، هاربًا من الاضطهاد الذي طاول اليهود هناك، فسارع إلى نجدته، المقدسيّ ابن حيّ الشيخ جرّاح، عبد ربه خليل بن إبراهيم، وأجّره قطعة أرض لنجدته. ووفق القانون الشرعي، يسمى هذا الاستئجار “التحكير”، وهو يتيح تأجير اليهود الأرض ويمنع بيعها لهم بموجب الأنظمة والقوانين العثمانيّة.

سعت إسرائيل، العام 1948، إلى احتلال الحيّ، لموقعه الذي يربط بين شرق القدس وغربها، وكنقطة رصد استراتيجية مهمة، وهي الجامعة العبريّة الواقعة على جبل المشارف في القدس. ولم تستطع إسرائيل حينها احتلال الحيّ، حتى العام 1967، حينما مُنع اتصال الأحياء المقدسيّة وتم فصلها بوحدات استيطانيّة. وكانت الأردن قد أسكنت، العام 1956، لاجئين فلسطينيين في الحيّ، باتفاق مع “الأونروا”، مقابل تنازلهم عن حقّهم كلاجئين وتملّكهم البيوت بعد ثلاث سنوات، وحالت الحرب العام 1967 دون تسجيل هذه البيوت في الطابو الأردني. ومع انتهاء فترة التحكير، ظنّ الفلسطينيون أنهم يمكنهم استعادة أراضيهم، لكن في العام 1997، وقبل انتهاء مدّة التحكير بقليل، ذهب فلسطينيو الشيخ جرّاح إلى المحاكم الإسرائيليّة، مطالبين باستعادة الأراضي الوقفية مع انتهاء التحكير، إلّا أن الالتماس رُفض، واستأنفت العائلات القرار، إلّا أن المحكمة في العام 2010 منحت الأراضي لمستوطنين يهود.

ومنذ العام 2008 جاءت جماعة استيطانية تدعى “نحلات شمعون انترناشيونال”، تريد هدم الحيّ وإقامة مستوطنة كبيرة لتفصل أحياء القدس العربيّة عن القدس. استمر السجال القانوني بين الفلسطينيين والإسرائيليين عقوداً من الزمن، وبقي الحال على ما هو عليه. وفي الأيام الماضية، طلبت سلطات الاحتلال إخلاء منازل لعائلات في الشيخ جراح، ما فجّر الاحتجاجات القائمة راهناً.

يقول الشاعر اللبناني عباس بيضون في تعليق له: “حين تحكم محكمة بإخلاء منازل في حي الشيخ جراح استناداً الى ادعاء من 150 سنة، نفهم نحن أن هذا الحكم اعتداء فحسب. وأنه، وهو يشبه الدعوى التي قامت عليها اسرائيل، يضع هذه الدعوى أيضاً على المحك. اسرائيل في تجديدها دعواها هذه، لا تخدم نفسها. إنها تضع شرعيتها موضع سؤال. الآن لم تعد الهولوكست هي الحجة الغامضة والدائمة وراء قيام اسرائيل. الآن هو الاستيلاء والغصب اللذان لا يتستران بشيء، واللذان، في رجوعهما الى التاريخ، يجعلان منه مهزلة تشكك في كل الحق التاريخي ودعاويه”…

أما تسمية الحيّ، الشيخ جراح، فلها قصة اخرى. تتضارب المعلومات في حقيقة اكتسابه هذا الاسم، وهوية الرجل الذي منحه اسمه. بحسب بعض المراجع، فإن أقدم الإشارات التي وردت عن حي الشيخ جراح، أو الشيخ جراح نفسه، جاءت من القرن الميلادي السادس عشر.

وذكر مجير الدين الحنبلي، عبد الرحمن بن محمد المقدسي العُمري (860-928هـ)، في كتابه “الأُنس الجليل في تاريخ القدس والجليل” ويُعرف بتاريخ الحنبلي، إنه رأى زاوية في القدس، باسم الزاوية الجراحية، وتقع بظاهر القدس، من جهة الشمال كما حددها، وأضاف: “ولها وقفٌ ووظائف مرتبة ونسبتها لواقفها الأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجراحي”.

ويقول الكاتب السوري عهد فاضل: “يفاجئ النابلسي قرّاءه، بأن قبر الجراح، صار مزاراً، وأن اسم صاحبه، شيخ، بعدما ذكره الحنبلي، بأنه أمير، فيقول النابلسي: “فوصلنا إلى مزار الشيخ جرّاح، فوقفنا هناك وقرأنا الفاتحة”، ويضيف: “هذا المزار، في المدرسة الجراحية” مستنداً إلى ما ذكره الحنبلي في تاريخه، من دون أن يتطرق إلى أن الحنبلي كان قد وصفه بالأمير عند صلاح الدين الأيوبي. وبعدما كان أميراً، عند الحنبلي في تاريخه، ثم صار شيخاً بمزار في رحلة الشيخ النابلسي، تبيّن أنه كان طبيباً أيضاً، بحسب مصادر حديثة، لم تستند إلى أي مرجع سابق في إطلاق هذه الصفة الإضافية على جراح، من أمير إلى شيخ إلى طبيب.

——————————-

واشنطن تعطل مجلس الأمن..بحجة مفاوضات التهدئة

عرقلت واشنطن للمرة الثانية، الأربعاء، صدور بيان من مجلس الأمن الدولي، حول القدس وغزة التي وصل عدد الشهداء فيها إلى 56، بينهم 14 طفلاً.

وعقد مجلس الأمن، اجتماعاً طارئاً هو الثاني خلال ثلاثة أيام حول العدوان الإسرائيلي على غزّة. وأخفق مجددا في تبني إعلان مشترك وسط استمرار معارضة الولايات المتحدة لأي نص، وفق ما أوردت وكالة “فرانس برس”.

وقال دبلوماسي للوكالة: “بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يظهر مجلس الأمن قلقه من خلال الاجتماع، ولا حاجة للمزيد”. وقال دبلوماسي آخر: “لا يبدو أن الولايات المتحدة تعتبر أنّ إصدار بيان يساهم في وقف التصعيد”. ولفتت مصادر عديدة إلى أن 14 عضوا في المجلس المكوّن من 15 عضواً، كانوا يؤيدون تبني المجلس إعلاناً مشتركاً يهدف إلى “تخفيف حدة التوتر”.

ورفضت الولايات المتحدة الاثنين، خلال أول اجتماع طارئ، تبني نص مشترك اقترحته تونس والنرويج والصين يدعو الطرفين إلى تجنب أي استفزاز. وقالت الولايات المتحدة إنها لا تثق بأن نصاً يمكن أن يساهم في خفض التصعيد، لافتة إلى الخشية على مفاوضات قائمة خلف الكواليس لتهدئة الوضع.

ودعا وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكين الأربعاء، الإسرائيليين والفلسطينيين إلى وقف العنف. كما حث بلينكن إسرائيل على بذل “كل ما في وسعها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين”، وقال: “أعتقد أن إسرائيل تتحمل عبئاً إضافياً لمحاولة تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين”.

وأكد أن “الأمر الأكثر أهمية الآن، وقف العنف من قبل جميع الأطراف”. ودان بلينكن الهجمات الصاروخية التي تطلق من غزة على إسرائيل، ووصف صور الأطفال الفلسطينيين القتلى بأنها “مؤلمة”.

وأعلن بلينكن أن الولايات المتحدة ستوفد مبعوثا إلى الشرق الأوسط، لحض الإسرائيليين والفلسطينيين على “وقف التصعيد”. وقال إن هادي عمرو، مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، سيكلف بالحض “نيابة عن الرئيس الأميركي جو بايدن على وقف تصعيد العنف”.

من جانبه، أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتصالاً هاتفياً بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس يؤكد فيه حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها.

يأتي ذلك فيما قصفت كتائب القسام مساء الأربعاء، عسقلان ونتيفوت وسديروت ب130 صاروخاً رداً على قصف برج “الشروق” واغتيال ثلة من قادة كتائب القسام.

واستهدف الطيران الإسرائيلي، الأربعاء، برج “الشروق” وسط غزة ودمره بشكل كامل. وقبل قصفه بالطيران الحربي تم استهداف البرج بصاروخ من طائرة مسيرة تمهيداً لقصفه.

وأفاد الإعلام الإسرائيلي عن إصابة اسرائيلي بجروح حرجة من صاروخ أطلق من قطاع غزة وسقط في مدينة سديروت المتاخمة للقطاع. وكانت كتائب القسام قد أعلنت، في وقت سابق الأربعاء، عن توجيه رشقة ب15 صاروخاً نحو ديمونا في إسرائيل.

وهدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتخاذ مزيد من الإجراءات المؤلمة إزاء حركة حماس. ونقل مكتب نتنياهو عنه قوله الأربعاء، خلال زيارته إلى مستشفى في مدينة حولون، إن مقتل قائد لواء غزة في كتائب القسام بسام عيسى وعدد من القيادات الآخرين في حماس هو “مجرد بداية”. وتابع: “سنوجه إلى الإرهابيين ضربات لم يتخيلوها”.

————————–

آخرهم وسيم يوسف.. لماذا يقف عرب ضد القضية الفلسطينية؟/ قاسم مرواني

في خضمّ كل ما ترتكبه اسرائيل بحق الفلسطينيين، من تهجير ممنهج من منازلهم في القدس وغيرها، وفي وسط حملة القتل التي بدأتها آلتها الحربية رداً على احتجاج الفلسطينيين وتمسكهم بحقهم بالبقاء، خرج بعض العرب ليعلنوا مواقف تكاد تكون مناهضة للقضية الفلسطينية وتتماهى بشكل واضح مع ما يحاول الاسرائيليون ترويجه وزرعه في اللاوعي العربي من أن ما كل ما يصيب الفلسطينيين هو ما جَنَته أيديهم وأيدي “حماس” وأيدي كل من يحمل السلاح ليدافع عن نفسه.

الداعية الأردني الإماراتي، وسيم يوسف، واحد من عشرات، نشروا آراءهم في مواقع التواصل، وقد انتشرت بشكل كبير تغريداته التي انتقد فيها حركة حماس وتبنى السردية الاسرائيلية. فما هي أسباب مناهضة بعض العرب للقضية الفلسطينية وما هي خلفيات من يتبنى هذه الخطابات؟

    أين الناس الذين صفقوا لـ #حماس_الإرهابية وقالوا عنهم أنها أبطال ؟!

    أين الذين فرحوا بصواريخ #حماس !! وهو يحيا في أوروبا أو الدول العربية في أمان !!

    هل اشترى ملابس العيد لأطفاله!

    هل وضع الحناء على يده!

    هاهي #غزه وأهلها يدفعون ثمن تصفيقكم وتمجيدكم الغبي لـ حماس

    اللهم رحماك في #غزة pic.twitter.com/8mpBZ9pTfq

    — Dr. Waseem Yousef (@waseem_yousef) May 12, 2021

كراهية

لا تقتصر الكراهية على حركة “حماس”، بل تطاول غالبية الفصائل الفلسطينية المسلحة مثل “الجهاد الاسلامي”، لأسباب عديدة. فأولاً، هناك ذريعة الطابع الإسلامي الطاغي على هذه الحركات وقد انتقد كثيرون مؤخراً ما ادعوا أنه “أسلَمة القضية الفلسطينية”. ثانياً، علاقة هذه التنظيمات بإيران والدعم العسكري الذي تتلقاه منها، وهنا يدخل الصراع العربي الإيراني، والسنّي الشيعي، ليطغى على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. ما يعرفه هؤلاء أن حركة “حماس” بالأخص، مكروهة حتى في الشارع الفلسطيني وقطاع غزة، وقد خرج الفلسطينيون سابقاً في تظاهرات عديدة ضد الحركة التي قمعتهم.

في الوقت نفسه، يحترم الفلسطينيون حركة “حماس” عسكرياً، إذ لا بد أن يحمل أحدهم السلاح بوجه عدو لا يفهم إلا لغة القوة، وسط حاجة مُلحّة لإيجاد توازن قوى يؤمن الحد الأدنى من الحقوق. ولكي يحمل الفلسطينيون السلاح، كان عليهم أن يجدوا من يؤمّنه لهم، ومع التقاعس العربي عن دعمهم عسكرياً، للحفاظ على مصالحهم مع الولايات المتحدة بشكل رئيسي، لم يجد الفلسطينيون بديلاً من إيران للحصول على السلاح، والدعم الإيراني لن يكون بطبيعة الحال مجانياً.

    الفرق بين #حماس_الإرهابية وإسرائيل. إن دولة إسرائيل تقدس الحياة وحماس الإرهابية ليس لديها اي قيمه للحياة

    — جابر الزبارقة gaber azbarga 🇮🇱 (@AzbargaGaber) May 12, 2021

المتاجرة بالقضية الفلسطينية

يحاجج كثر، خصوصاً من يفضل أن يبقى على الحياد، بأن القضية الفلسطينية لطالما كانت مجرد سلّم تتسلقه الأنظمة وتتخذه ذريعة لقمع شعوبها وحكمهم، حتى بات أي حديث عن القضية منفراً لهم ويعتبرونه نوعاً من المزايدة والمتاجرة للوصول إلى أهداف لا تمتّ للقضية بصِلة.

والحقيقة أن الجميع تاجر بالقضية الفلسطينية، ليس الأنظمة العربية فحسب، بل دول أخرى كإيران وتركيا. هذه السردية يرددها الإعلام الاسرائيلي بشكل مستمر. الشعب الفلسطيني لم يعرض نفسه ليكون سلعة تباع في المزاد، فهو ليس ضحية إسرائيل فقط، بل ضحية كل من تاجر به، من دول وأنظمة ومنظمات، كونه ضحية هو أمر ثابت، وليس من المنطقي أن نساهم في جَلدها.

    هلّا فهمنا الفلسطينيين شو بدّهم من العرب ..

    هشتاق على كم بوست ومظاهرات هيك وهيك 😉 وتسويق ممتاز للتكسب و المتاجرة بالقضية !!!

    أما الحلول الجذرية اللي من شأنها المساهمة في حل القضية ، بالناقص منها ما بدهم ياها !!

    pic.twitter.com/931KWEnCYH

    — 🇸🇦 إحـًـًًـًًًـًًـًـڛـ,ـاڛـ,ـ 🇸🇦 (@Ehsas0506) May 12, 2021

الفلسطينيون أخطأوا

من التفاهة المطلقة الحديث عن بيع الفلسطينيين لأرضهم، هذا نقاش من المعيب خوضه، لكن القادة الفلسطينيين أخطأوا في العديد من مراحل الصراع. أخطأوا في الأردن، في الكويت، في لبنان، في أوسلو، أخطأوا حين خوّنوا الحبيب بو رقيبة… أخطاء بالجملة يريد المناهضون للقضية محاسبتهم عليها. ينتظرون من الفلسطيني أن يتخذ القرارات كأنه في موقع قوة، كأنه دولة عظمى. ربما لضعف في ثقافتهم، لا يرون أن ما حدث ويحدث في حقهم هو تطهير عرقي خططت له أقوى الدول في العالم وبمعونة دول مجاورة.

    حماس محور الشر هي سبب كل ما يقع الآن بالقدس الشريف بسبب تأجيل او رفض فتح للانتخابات غضب اللوبي الارهابي حماس و قام قادتها الشياطين بفبركة كل ما يقع الآن

    يجب محاصرة حماس و منع تنقل قادتها عبر المطارات و معاقبة كل من يدعمها#حماس_الإرهابية pic.twitter.com/PWWZSbovmW

    — Samira Bare🕎سميرة بار (@BareSamira) May 11, 2021

فلسطين ليست قضيتي

شاع مؤخراً، بعد الأحداث العديدة التي عصفت بالدول العربية، اتجاه نحو اهتمام كل شعب بقضاياه الخاصة، وفصل نفسه عن محيطه العربي. يقول عراقيون أنهم لطالما دعموا القضية الفلسطينية، إلا أنهم مع كل ما مروا به خلال الأعوام الثلاثين الماضية، لم يجدوا من يقف إلى جانبهم. ويردد سوريون السردية نفسها، ومصريون كذلك، ولبنانيون بدأوا يضعون بلدهم أولوية على القضية الفلسطينية.

والحال إن القضية الفلسطينية لم تكن يوماً أولوية عند أحد، بل لطالما كانت، باعتراف هؤلاء، معروضة في بازار البيع والشراء. فماذا قدمت هذه الدول للقضية الفلسطينية؟ لا شيء يذكر، صدقات وزكاة فطرة توزع غداة الأضحى على الفلسطينيين آتية من دول الخليج، مخيمات من الذل موزعة على الأراضي اللبنانية تحولت إلى بؤر للفقر والبؤس، يد مكسورة يستعملها سياسيو لبنان ليتسولوا في المحافل الدولية. فلسطين شعارات وأغان ينشدها كشافة اليسار في مخيماتهم الصيفية.

ثانياً، بالنسبة للفلسطينيين، على عكس العرب، القضية ليست دينية، بل عربية. ليس لأن الفلسطينيين يقدمون عروبتهم على دينهم، بل لأن العدو الاسرائيلي لا ينظر إليهم كمسلمين ولا كمسيحيين ولا حتى كفلسطينيين، حين يشتمهم كعرب. وحين يقتلهم ويهجرهم ويجرّدهم، فإنه يفعل ذلك بوصفهم عرباً.

العنصرية الإسرائيلية تجاه كل ما هو عربي، اعتبار الاسرائيليين أنفسهم عِرقاً صافياً أفضل من الآخرين، يجعل من القضية الفلسطينية قضية إنسانية، تتخطى الدين والعِرق، تتخطى العروبة. مناصرتها هي خط الدفاع الأول عن وجود كل الدول العربية المحيطة بها.

    #فلسطين_ليست_قضيتي وشوف واعرف !!

    قبل وفاة الملك عبدالله ابن عبدالعزيز

    تبرع لهم مليار $ لسد العجز لرواتب المعلمين والاطباء وموظفي الحكومة في فلسطين وهذا ليس بجديد عليه ولا على المملكة التي تقف معهم منذ بداية الاحتلال ، وبعد قرابة شهر مات ابو متعب .. ماذا ردوا عليه !! pic.twitter.com/mecjL2M5iu

    — abdun (@abdun3073) May 12, 2021

المدن

———————————-

من قاموس النضال الفلسطيني/ أحمد جابر

يصعب الحديث الهادئ، عندما يكون الحدث صاخباً وملتهباً، ويتداخل النقاش ويشتبك ويتشابك، كلما تعلَّق الأمر بالقضية الفلسطينية، وبأساليب العمل، السياسية والقتالية، التي تملأ يوميات شعب فلسطين.

في حضرة الراهن الفلسطيني اليوم، وفي مواكبة اليوميات المقدسية، التي استدعت يوميات غزّاوية، لا بديل من نقاش على البارد، تمليه ضرورة عدم حرق اليدين بنار التقديرات الخاطئة، في الوقت الذي تحرق نار العدو الإسرائيلي، في السياسة وفي الميدان، جسد الفلسطيني، وعشب أرضه، واحتمال تفتّح ورد آماله الوطنية.

لقد هبّ الشعب الفلسطيني دفاعاً عن حقّه في القدس، وانتصاراً لكرامته التاريخية التي يجسدها المسجد الأقصى، مما آذن، وقد يؤذن بافتتاح انتفاضةٍ ثالثة، تهدم الجدران السميكة التي تحاصر الوضع الفلسطيني، وكما في كل مرّة، نزل الحشد الشعبي بصدوره العارية، فتلقفه العدو المحتل بنيران أسلحته، وباعتداءات مستوطنية، وكان للفعل المعادي أن يستعجل ردود فعل من أبناء الحق الأصلي، في الأرض وفي التاريخ، فكان لكل فعل احتلالي “ضده من جنسه”، وكان للأسلحة المستخدمة ضد أبناء القدس، أسلحة مواجهة من أبناء غزّة، فصار القصف بالقصف، والبادئ الصهيوني، هو دائماً، الأظلم.

في سياق الاشتباك القتالي، وعلى جادة الهدوء التفكّري السياسي، اندلع سجال بين أهل فلسطين، تناول مسألة الأساليب الشعبية المناسبة، وما هو المجدي منها سياسياً، وما هو الأقل ضرراً من بينها، على مجموع العناوين الفلسطينية. استأثر بالنقاش موضوع استخدام السلاح الصاروخي، ومدى تأثيره على صورة النهضة الشعبية الحالية، ومن السلاح، وكما هي العادة الفلسطينية، إلى استحضار سيرة الأداء الفلسطيني في طرقاته الهادئة، وفي شعاب تعقيداته العنفية.

الكفاح المسلح

عنوان الكفاح المسلح هو الأقرب إلى وجدان الفلسطيني، ويلامس دائماً مخزون الغضب لدى الشعوب العربية. لكن طرح العنوان في كل أوان، لا يوفِّر له الشحنة السياسية اللازمة التي تجعله خياراً في كل آن، وهذا على الضد من الدفق العاطفي الذي يوفِّره هذا العنوان. واقع الحال، أن رفع شعار الكفاح المسلح في صيغة تعويذة نضالية، أو في صيغة مقدّس شعبي، بات عاجزاً عن مدّ الشعار بعناصره التبريرية الصافية. يلاحظ في مجال الكفاحية القتالية هذه، أن من يدعو إليها يطرحها معزولة عن تاريخها، ويروّج لها على طريقة من كان تائهاً فوجد ضالته، هذه المقاربة أقرب إلى الإنكار التاريخي، وهذا يحتِّم على دعاة الرد على السلاح بالسلاح، الانتباه إلى أنه، وفي الأصل، كان القتال الشعبي الطويل الأمد، هو الأسلوب الذي اعتمده المناضلون الفلسطينيون الأوائل، وعلى نتائج سيرته التي كتبها خاصة أبناء حركة فتح، بُنيت سيرة فلسطينية سياسية أخرى، نشهد بعض تجلياتها في الشارع الفلسطيني اليوم. ومما يجدر الانتباه إليه، هو أن الحصيلة الأهم التي حملتها سنوات التضحية القتالية، كانت نقل المعركة الفلسطينية ضد احتلال من الشتات إلى الداخل الفلسطيني. هذا الانجاز المهم، وضع حداً لمقولة “الثورة خارج أرضها”، لتصير “كياناً” داخل أرضها… في امتداد ذلك، كان من الطبيعي أن ينضح الوعاء الفلسطيني الجديد، بما صار جديداً فيه، وعليه، بات لزاماً على أبناء الكفاح الفلسطيني أن يناقشوا مجدداً في أساليب كفاحهم، وفي مفردات قاموس هذا الكفاح.

حالياً، وفي مواجهة من يستنكر اللجوء إلى العمل العنفي، كردّ على العنف الإسرائيلي، يجب التذكير بأن الخيار الحواري السلمي، قد وقف هو الآخر أمام مأزقه السياسي، وأسئلة ماذا بعد اتفاق أوسلو، وماذا عن السلطة الوطنية، وماذا عن خياراتها… تشكل كلها أسئلة مشروعة، وعليه، فإنه إذا كان صحيحاً القول، إن ممكنات ووعود الكفاح المسلح قد باتت قيد الوقائع، وقيودها معلومة، وظروفها معروفة… فإن الصحيح أيضاً القول، إن الخيار السلمي لجزء من القوى الفلسطينية يخضع لمنطق ذات الأسئلة.

خيار المفاوضات

كما سبق ذكره، توقف قطار المفاوضات عند محطة السلطة الحالية، أما المحطات التي ما زالت تتوالى، فهي تلك التي ملأها المحتل الإسرائيلي بسياسات الانقلاب على الجوهري منها، واللجوء إلى كل الممارسات الميدانية التي تطيح بهذا الجوهر. لقد اختار الفلسطينيون التفاوض في ظروف حصار قاسٍ تعرّضوا له، بعد خروج منظمة التحرير وقواتها من لبنان، وكما هو معلوم، فإن مسعى النيابة عن الشعب الفلسطيني، لجأ إليه أكثر من نظام عربي، لكن المساعي فشلت عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فأعادت التحكّم بمفاصل إدارة القضية، إلى أيدي القيادة الفلسطينية التي تولّت بدورها دعم الداخل، ورعاية نهوضه النضالي. وكي لا يذهب الأمر إلى النسيان، نذكّر أن القائد ياسر عرفات، قد حاول المزاوجة بين العنف والسلم، في الانتفاضة الثانية. فكان الأسلوب وبالاً عليه، ثم فاقمت حركة حماس، الوافدة إلى النضال حديثاً، استدراك ما فاتها، بعمليات انتحارية استفادت هي منها، كفئة، وخسر في مقابل الفائدة الفئوية تلك، المسار الذي كان قد راكم جملة من الحقائق السياسية.

إذن، وكما هي الحال مع دعاة الكفاح المسلح، ليس من الصائب تسفيه الخيار التفاوضي السياسي، أو شتمه، أو إنكار مكتسباته، مثلما ليس من الصائب، تكريس التفاوض أسلوباً ناجعاً وحيداً، للتصدي لعناوين المسألة الفلسطينية.

سلّة الأساليب النضالية

إذا كان الواقع الشعبي الفلسطيني لا يُدار وفق طريقة سياسية واحدة، فإن الواقع ذاته لا يقارب بوصفة نضالية ناجزة، ولا بنظرة نظرية إسقاطية متكاملة المواصفات. الأقرب إلى “منطق” السياسة، وإلى “مفهوم” الممارسة، هو اعتماد برنامج كفاحي محدّد، يجمع تحت بنوده السياسية، ما هو مناسب وملائم من أساليب عملية. جوهر البرنامج، وبنده الدائم، كيف يُحفظ المطلب الفلسطيني في الحرية والسيادة والاستقلال، وكيف يضع العالم حدّاً لإنكار الوجود الفلسطيني، وكيف يُعطى العالم ذاته عينان إثنتان ليرى العسف الاستيطاني الذي تمثله إسرائيل. الهدف السياسي التاريخي هذا، يلازمه العمل من أجله. يتقدم الشعار البرنامجي، ويرافقه العمل البرنامجي، ولأن السياسة كائن حيّ فإن التطور يجعلها متطورة مع وقائعها الجديدة، وعليه، فإن السياسة ليست أحادية، والشعار ليس طوطماً، والعمل متعدد الأساليب.

وبالنظر إلى الواقع الفلسطيني الملموس، لا بديل من القول إن الجمع بين الأسلوب الهادئ والأسلوب العنيف، تمليه مصلحة الهدف الوطني الفلسطيني الأسمى. وفي هذا المجال، قد يكون سليماً القول، إن النضال السلمي هو الخيار الفلسطيني الشامل، وما قد يطرأ من ممارسة فلسطينية عنيفة، لن يكون خياراً آخر، بل سيظل ممارسة موضعية تمليها بعض الضرورات التي تبيح المحظورات. من الجدير بالذكر، أن العنف لا يعني دائماً إطلاق الصواريخ، بل ربما كان طعناً، أو دهساً، أو تخريباً ما، وهذا عرفته الشوارع الفلسطينية، ومع الشوارع عرف الفلسطينيون شعار قائدهم ياسر عرفات الذي حمل البندقية وغصن الزيتون، وكانت المعادلة الدقيقة التي أبقت الفلسطيني في موقع الدفاع، رغم بعض أعماله الهجومية، فكان ذلك واحداً من الأسباب التي ساهمت في فضح أكاذيب “جيش الدفاع الإسرائيلي” الذي نشأ من الهجوم على شعب فلسطين، وعلى الشعوب العربية، وما زال حتى تاريخه مسترسلاً في أعماله الهجومية.

المدن

—————————–

معركة غزة:الوساطات لم تُثمر..وإسرائيل فقدت مكانتها

استشهد ستة فلسطينيين بينهم نساء وأصيب العديد بجروح متفاوتة، وذلك إثر استهداف الاحتلال الإسرائيلي سيارة مدنية في مخيم جباليا شمال قطاع غزة وسيارة في حي الصبرة.

وقبل سقوط الشهداء في استهداف السيارة، أعلنت وزارة الصحة في غزة، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 43 شهيداً من بينهم 13 طفلاً و3 سيدات و296 إصابة بجراح مختلفة، حتى الساعة العاشرة من صباح الأربعاء.

واستفاقت غزة، بكامل أرجائها، على غارات وُصفت بأنها الأعنف والأكثر كثافة منذ بدء العدوان الحالي على القطاع، بعد ليلة حافلة بصواريخ المقاومة والتي تجاوزت الألف، وطاولت مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، من اللد إلى تل أبيب إلى مستوطنات “غلاف غزة”، وصولاً إلى بئر السبع جنوباً، وذلك ردا على مواصلة جيش الاحتلال استهداف المباني السكنية في القطاع، وتحديداً الأبراج، وأحياناً من دون قنابل تحذيريّة.

وأطلقت زوارق الاحتلال قذائف بشكل كثيف صوب شاطئ بحر غزة، كما قصف الاحتلال منزل عائلة اليازجي في شارع النفق بغزة، دون إصابات، وواصل الطيران الحربي للاحتلال قصف أبراج الشيخ زايد شمال قطاع غزة.

من جهة ثانية، أكد موقع “والا” مقتل جندي إسرائيلي الأربعاء، عقب إصابته جراء إطلاق صاروخ مضاد للدبابات من قطاع غزة، كما أصيب شخص آخر في الهجوم ذاته وصفت إصابته ب”الخطرة”.

وأعلنت “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، أنها استهدفت الأربعاء، جيباً عسكرياً للاحتلال الإسرائيلي على الحدود شمالي قطاع غزة بصاروخ موجه، وأنها أصابته بدقة. فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إصابة 3 جنود، بينهم اثنان بحالة خطرة.

من جهته، قال جيش الاحتلال إنه قتل رئيس جهاز أمن المخابرات العسكرية في حركة حماس وقائد شعبة مكافحة التجسس. وأضاف أنه اعترض طائرة مسيرة أطلقت من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل. وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال: “لا نية لوقف العملية العسكرية في قطاع غزة الآن”، وإن الجيش “تدرّب” على العملية العسكرية في غزة لعدة أشهر.

وذكرت قناة “الجزيرة” أن عدد القتلى الإسرائيليين جراء القصف الصاروخي لفصائل المقاومة ارتفع إلى 5 إسرائيليين، وذلك بعد الإعلان عن مقتل شخص وابنته في مدينة اللد.

وخلّف القصف الصاروخي للمقاومة قتيلين إسرائيليين في عسقلان (جنوب) وثالثاً في مدينة “ريشون لتسيون” (وسط) واثنين سقطا في مدينة اللد، إضافة إلى 26 جريحاً بينهم إصابات وصفت بالحرجة، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

في غضون ذلك، كثّفت مصر مساعيها من أجل التوصل لوقف إطلاق نار بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، حيث من المتوقع أن يصل وفد أمني مصري بعد ظهر الأربعاء، إلى قطاع غزة، بينما تدرس أميركا انتداب موفد عن الخارجية إلى المنطقة للتهدئة على أن تكون محطته الأولى إسرائيل.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن مصر تسعى من أجل استعادة الهدوء بين إسرائيل وقطاع غزة، في الوقت التي تتعالى الأصوات الأممية التي تطالب الولايات المتحدة بالتدخل لدى إسرائيل لوقف العدوان العسكري على القطاع.

وذكرت صحيفة “معاريف”، أن وفداً أمنياً مصرياً سيصل غزة، وذلك بغية إجراء مفاوضات بشأن وقف إطلاق النار. وفي المقابل، سيصل إلى إسرائيل بشكل متزامن وفد مصري أخر، من أجل التفاوض مع الطرفين والضغط عليهما لوقف التصعيد.

ونقلت صحيفة “هآرتس”  عن مصادر فلسطينية قولها إن “محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بقيت مستمرة حتى ظهر الثلاثاء، لكنها توقفت بعد اغتيال إسرائيل لثلاثة قادة من سرايا القدس”. وأوضحت أن إسرائيل رفضت طلب حماس مناقشة وقف إطلاق النار الذي تم تمريره عبر وسطاء دوليين.

وفي السياق، تدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إرسال وفد إلى المنطقة لمحاولة التدخل ووقف التصعيد، بحسب ما أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان” الأربعاء. وأضافت أن الخارجية الأميركية تفكر بابتعاث هادي عمار نائب مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، لمحاولة المشاركة مع أطراف أخرى لإحلال الهدوء.

على المستوى السياسي الإسرائيلي لا يزال التصعيد سيّد الموقف. ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زعيم حزب “يمينا” نفتالي بينيت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأربعاء، لرفض عروض الوساطة الدولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار مع حركة حماس.

وشجع بينيت نتنياهو على اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد حماس. وقال: “يجب ألا تنهي الحكومة الجولة الحالية في قطاع غزة حتى تدفع حماس ثمناً باهظاً”. كما دعا بينيت وزارة الأمن العام والشرطة إلى بذل المزيد من الجهود لحماية المواطنين في المدن المختلطة الذين “يعانون من التخريب والعنف”، حسب تعبيره.

ونقلت صحيفة “جروزاليم بوست” عن مسؤول إسرائيلي “كبير” أن إسرائيل لن تتفاوض على وقف لإطلاق النار قبل أن تدفع حماس “ثمن هجماتها”.

وقال: “أطلقت حماس مجموعة من الصواريخ، وبعد ذلك يريدون بالطبع وقف إطلاق النار. وهذا مثالي بالنسبة لهم، إذ لن يتعين عليهم دفع ثمن استهداف القدس ثم إطلاق 500 صاروخ”. وأضاف “سيكون هناك وقف لإطلاق النار عندما نكون نحن مستعدين لذلك”.

ورأى معلقون وباحثون إسرائيليون أن جولة المواجهة مع حماس، وانفجار الأوضاع في القدس والداخل الفلسطيني، دلّا على انهيار الرهان على اتفاقات التطبيع، وأسفرا عن المس بمكانة إسرائيل الإقليمية، وأظهراها ك”دولة ثنائية القومية”.

وقال عومر عيناف، الباحث في مركز “موليد للأبحاث”، إن انفجار المواجهة الحالية في غزة والقدس يدّل على “تهاوي الانطباع الذي حاول بنيامين نتنياهو تكريسه بعد اتفاقات التطبيع مع الدول العربية بأن القضية الفلسطينية لم تعد قائمة، ولم تعد تعني الشعوب العربية”.

وأضاف في مقال بصحيفة “يديعوت أحرنوت” أن عودة القضية الفلسطينية بقوة بعد أحداث القدس والتصعيد مع غزة، وما رافقه من التفاف عربي، كل ذلك أضفى صدقية على التحذيرات من قبول ادعاء نتنياهو بأن العالم العربي سيتخلى عن القضية الفلسطينية في أعقاب اتفاقات التطبيع.

من ناحيته، شدد المعلق العسكري لصحيفة “إسرائيل اليوم” يوآف ليمور على أن خطورة إطلاق الصواريخ التي أطلقتها المقاومة في غزة في اليومين الماضيين لا تتمثل في نتائجها المادية، بل في نجاحها في المس بمكانة إسرائيل الإقليمية.

وأشار ليمور إلى أن “جولة القتال الحالية” مسّت بمكانة إسرائيل التي تقدم نفسها على “أنها القوة الأهم في المنطقة، لاسيما بعدما أجبرت حركة حماس الملايين من الإسرائيليين على النزول إلى الملاجئ، واضطرار تل أبيب إلى إغلاق مطار بن غوريون”، مشدداً على أن مكانة “حماس” تعاظمت بشكل كبير.

وأوضح أن كل المؤشرات تدل على أنه “على الرغم من تعمد إسرائيل المس بالكثير من الأهداف المدنية، وضمنها الأبراج السكنية، فإنه لا يوجد لدى حماس النية للتراجع والخضوع”، مبرزاً أن هذا يفرض على إسرائيل أن تقرر المسافة التي يمكن أن تقطعها في هذه المواجهة.

—————————

هكذا تستثمر حركة “حياة السود مهمة” رمزيتها في دعم كفاح الفلسطينيين/ محمد المنشاوي

انتهت المظاهرات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني التي انطلقت أمس الأول من أمام وزارة الخارجية الأميركية في العاصمة (واشنطن) إلى التمركز في ساحة “حياة السود مهمة” قبالة البيت الأبيض؛ مما أدى لامتزاج الأعلام الفلسطينية بشعارات الحركة.

وإلى جانب رمزية المكان، فإن كثيرا من الأميركيين السود يتعاطفون مع الفلسطينيين، فخلال المظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة خلال الصيف الماضي احتجاجا على مقتل جورج فلويد، ظهرت الأعلام الفلسطينية بصورة واضحة في مسيراتهم.

كما ظهرت أعلام وشعارات حركة “حياة السود مهمة” ضمن ما يحمله المتظاهرون المحتجون على ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القدس وقطاع غزة.

ولا تمثل حركة حياة السود مهمة تنظيما واحدا أو مركزيا؛ بل هي مجموعة من التنظيمات التي تشكلت ردا على وحشية الشرطة منذ عام 2014، في أعقاب مقتل اثنين من الأميركيين الأفارقة؛ مايك براون في فيرغسون بولاية ميسوري، وإريك غارنر في مدينة نيويورك.

وأصدر فرع الحركة في منطقة باترسون بولاية نيوجيرسي بيانا يدين فيه العنف المستمر ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية من قبل إسرائيل، وأعرب عن تضامنه مع أولئك الذين يقاتلون الاحتلال.

وقال البيان “نحن كمنظمة نؤمن بحرية العبادة والحياة الخالية من الخوف من الطرد والعنف. إن المشاهد التي تخرج من المسجد الأقصى، حيث يستخدم الجنود الإسرائيليون القوة ضد المصلين الفلسطينيين، تتعارض مع كفاحنا ضد جهاز الدولة القمعي”.

كما أدانت الحركة إجلاء سكان حي الشيخ جراح قسرا من بيوتهم من أجل منحها للمستوطنين، وأشار بيانها إلى الجذور العميقة من الدعم المتبادل والتعاطف بين فلسطين وحركات التحرير، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها.

وأضاف أن القوات الإسرائيلية نفسها التي تريد طرد السكان الأصليين لحي الشيخ جراح بالقوة، هي قوات الشرطة ذاتها التي تدرب بعض وحدات الشرطة الأميركية على أعمال القمع.

وطالبت الحركة ممثلي ولاية نيوجيرسي في مجلس الشيوخ، السيناتور كوري بوكر والسيناتور روبرت مينينديز، إضافة إلى الـ12 عضوا في مجلس النواب، بمطالبة إدارة الرئيس جو بايدن بالانضمام إليها في إدانة “أعمال العنف الحمقاء والعمل على إنهاء حملة الإرهاب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني”.

كما طالبت الحركة بتحويل المساعدات السنوية البالغة 3.9 مليارات دولار من المساعدات الأميركية المخصصة لإسرائيل؛ لمساعدة ضحايا العنف الذي يُرتكب ضد الشعب الفلسطيني.

ويرى معلقون أميركيون أن إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة يعتبران حركة حياة السود مهمة تشكل “تهديدا إستراتيجيا” كبيرا لنظام الفصل العنصري، الذي يضطهد الفلسطينيين.

وشبه الكاتب الصحفي سي جي ويرلمان معاناة الفلسطينيين بمعاناة السود الأميركيين على يد الشرطة العنصرية.

وبث ويرلمان فيديو يظهر فيه جندي إسرائيلي يضع ركبته على رقبة رجل فلسطيني، وشبهه بوضع رجل الشرطة الأبيض ديريك شوفين ركبته على رقبة جورج فلويد، وهو ما أدى لوفاته.

وقال في تغريدة تعليقا على الفيديو جندي إسرائيلي يضغط بركبته على عنق رجل فلسطيني في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وهو يصرخ “لا أستطيع التنفس، أنت تخنقني”.

كما شارك موقع أكبر حركات “حياة السود مهمة” على منصة تويتر، والذي يتابعه أكثر من مليون شخص، تغريدة النائبة الأميركية المسلمة إلهان عمر، والتي جاء فيها “لقد مضى وقت طويل على التوقف عن التشدق بحقوق الإنسان الفلسطينية، وأخيرا اتخاذ إجراءات لحمايتها. فخورة بالانضمام إلى زملائي النائب أندريا كارسون والنائبة رشيدة طليب في إدانة الهجمات على المسلمين خلال شهر رمضان المبارك”.

وتضمّن البيان مطالبة إدارة بايدن بوقف المساعدات لإسرائيل، ومساندة حقوق الشعب الفلسطيني الساعي لتأسيس دولة حرة مستقلة.

ولم تسلم جماعة “حياة السود مهمة” من سهام اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وطالب مورتون كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية، مركز قانون الفقر في الجنوب، وهو أهم المؤسسات المعنية بالحقوق المدنية في الولايات المتحدة، “بوضع حركة حياة السود مهمة ضمن قائمة جماعات الكراهية التي يعلنها المركز دوريا”.

وغرد كلاين بقوله إن حركة حياة السود مهمة هي مجموعة متطرفة من الكارهين لليهود، ويكرهون البيض، ويكرهون إسرائيل، ويكرهون السود المحافظين، ويعززون العنف، ويمولهم الملياردير جورج سوروس الخطير.

 من مسيرة التضامن مع الفلسطينيين في واشنطن (رويترز)

تاريخ طويل

ويعود تاريخ تضامن السود الأميركيين مع الحق الفلسطيني إلى منتصف ستينيات القرن الماضي، فعقب حرب 1967، اتهمت لجنة التنسيق للطلاب الأميركيين الأفارقة إسرائيل بـ”تقليد مضطهديها النازيين”.

وانتقدت بعض قيادات حركة كفاح السود مثل مالكولم إكس الصهيونية بشدة، وقابل مالكولم إكس عددا من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964.

وتعاطف تنظيم “الفهود السود” مع القضية الفلسطينية، وكتب هيوي نيوتن عام 1970 “نحن ندعم نضال الفلسطينيين العادل من أجل التحرير 100%، وسنواصل القيام بذلك”.

في 2016، أيدت حركة “حياة السود مهمة” حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل”، المعروفة اختصارا بحركة “بي دي إس” (BDS).

وذهبت المجموعة إلى أبعد من ذلك حيث أدانت تواطؤ الولايات المتحدة “في الإبادة الجماعية التي تجري ضد الشعب الفلسطيني”، ووصفت إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري”.

ويتوقع أن تؤدي الجولة الحالية من الاعتداءات الإسرائيلية إلى تعميق هذا التضامن بين الفلسطينيين والأميركيين السود.

المصدر : الجزيرة

————————

أكاديمي بريطاني: الإمارات ذهبت بعيدا في تبنيها الدعاية الصهيونية ضد الفلسطينيين

 يوضح مقال بموقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني أن مستخدمي تويتر بالإمارات يقومون -بدعم ضمني من الدولة- بتحريف واختيار وإعادة صياغة الحقائق لخدمة إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

ويقول كاتب المقال أندرياس كريغ -المحاضر بكلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن- إن الفجوة بين الواقع على الأرض بالقدس وكيفية قيام إسرائيل بتدويرها تتسع يوما بعد يوم وذلك بتلقي شبكة العلاقات العامة الواسعة في إسرائيل الدعم من جهات تبدو غير متوقعة، أي دولة الإمارات.

وأضاف كريغ أن الدعم الإماراتي لعنف الشرطة الإسرائيلي المفرط ضد المتظاهرين الشرعيين ليس من قبيل الصدفة. فقد أظهرت الإمارات -حتى قبل اتفاقيات أبراهام- تآزرا أيديولوجيا مع المواقف الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والسرديات القائمة على الخوف، والتي تهدف إلى تبرير قمع المجتمع المدني العربي.

ويقول إن إسرائيل نجحت لعقود في كسب القلوب والعقول في الغرب لدعم احتلالها الذي أصبح من الصعب تبريره؛ فقد كانت تصف النشطاء بأنهم “إرهابيون” والمنتقدين لها بأنهم “معادون للسامية”، وتصف الأدلة على العنف الإسرائيلي ضد النساء والأطفال على أنها “أخبار مزيفة”.

غض الطرف

ويوضح كريغ أن إنتاج الدعاية الصهيونية تم في المقام الأول للاستهلاك الغربي، نظرا إلى أن الشارع العربي لا يمكن كسبه. وكانت حسابات تويتر الرسمية في إسرائيل، مثل (IsraelArabic) أو (IsraelintheGulf) تمر في الغالب دون أن يلاحظها أحد في العالم العربي، وكانت القضية الفلسطينية لفترة طويلة العنصر الموحد الوحيد في العالم العربي المنقسم حتى وقت قريب.

وأشار إلى أن قلة هم الذين انطلت عليهم خدعة أن اتفاقيات أبراهام ستوفر للإمارات نفوذا على إسرائيل لمساعدة القضية الفلسطينية، وتوقع معظم المحللين أن تستمر أبو ظبي في غض الطرف عن معاناة الفلسطينيين، لكن المفاجأة أن الإماراتيين ذهبوا إلى حد تبني الدعاية الصهيونية ضد الفلسطينيين.

الثناء على عدوان إسرائيل في رمضان

وتابع كريغ أن الأمر الأكثر لفتا للنظر هو أن المؤثرين الإماراتيين -الذين غردوا بترخيص من الحكومة- اختاروا الثناء على سلوك إسرائيل في وقت قامت فيه الشرطة الإسرائيلية المسلحة بمحاصرة المسجد الأقصى واقتحامه في أيام رمضان الكريم.

وأورد كريغ أمثلة على تبني المؤثرين الدعاية الصهيونية مثل اختيار حمد الحوسني إعادة تغريد فيديو من حساب إسرائيلي (@ IsraelArabic) والذي يقول فيه إن المتظاهرين تستغلهم حماس، وبكلماته الخاصة “حفظ الله الحرم القدسي الشريف من عبث الإرهاب”. كما أعاد منذر الشحي تغريدة من نفس الحساب قائلا “شكرا إسرائيل بالعربية على توضيح الحقيقة”.

ويرد حسن سجواني على تغريدات إماراتية محلية تحت هاشتاغ “أنقذوا الشيخ جراح” (#SaveSheikhJarrah) بسخرية “لماذا لا يستطيع الفلسطينيون المتظاهرين إخلاء # المسجد الأقصى والعودة ببساطة إلى منازلهم؟”

تهديد وجودي

ويؤكد كريغ أن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي هذه ليست مجرد إماراتيين عشوائيين يعبرون عن آرائهم السياسية، مشيرا إلى أنه في بلد لا يوجد فيه مجتمع مدني ويتم تجريم النشاط السياسي، فإن أي رسائل سياسية تتعرض لعقاب الدولة.

ويوضح أن مثل هذه الحسابات هي أدوات مباشرة لنظام يخشى “الشارعَ العربي” مثله مثل إسرائيل؛ فحكومة أبو ظبي مثل حكومة بنيامين نتنياهو والمؤسسة الأمنية في إسرائيل تماما، رأت أن الربيع العربي يمثل تهديدا وجوديا محتملا لها، وأن التعبئة الجماهيرية التي لا يمكن السيطرة عليها حول المظالم المشروعة -مثل القضية الفلسطينية- هي كابوس أمني للنظام في أبو ظبي الذي نما خلال العقد الماضي ليصبح الراعي الاستبدادي النهائي للثورة المضادة الإقليمية.

تسليح مخاوف الغرب

ومثل إسرائيل، يقول كريغ لقد تبنت الإمارات روايات قائمة على الخوف حول النشاط السياسي العربي والإسلام السياسي وتصوّر الإسلاميين ونشطاء المجتمع المدني على أنهم “إرهابيون”، وقد أصبحت ترى المسجد كمنصة يحتمل أن تكون خطرة للتعبئة المجتمعية، وبالتالي إخضاع المساجد والخطب والأئمة لاستكمال سيطرة الدولة.

وبذريعة “التسامح”، عززت الإمارات العربية المتحدة نزع وإعادة تسييس الدين لجعله أداة لأمن النظام والسيطرة عليه. ومثل إسرائيل، قامت الإمارات بتسليح مخاوف الغرب من الإسلام لتبرير قمع المعارضة، واستثمرت في علامتها التجارية الخاصة بالإسلام المستوحى من الصوفية التي تُحرّم عصيان الحاكم.

المصدر : ميدل إيست آي

————————-

إسرائيل.. حارة يهود في المنطقة العربية/ عبد الله مكسور

يسبقنا الحدث الفلسطيني، نلهث وراءه من كل اتجاه، نحاول أن نفهمه ونرسم خطوطه العريضة، نطرح الأسئلة، وحدها الأسئلة واضحة والإجابات عمياء، ماذا سيحدث وكيف ستكون المآلات؟

ثلاثة وسبعون عاماً من عمر النكبة الفلسطينية تم خلالها صناعة الأكاذيب التي عملت أجيالنا المتلاحقة على ترويجها وإعادة إنتاجها، وليس أمامنا الآن سوى العمل على عودة الأمور إلى المربع الأول.

فلسطين بلدٌ محتل من حدود سايكس بيكو مع سوريا ولبنان وحتى صحراء سيناء، بلدٌ موحَّدٌ بالكامل رغم كل التقسيمات، لقد أغرقتنا الصهيونية بغطاءٍ إسرائيلي بالتفاصيل، فما خلف الخط الأخضر أقلية عربية لها خصوصيتها الثقافية والإثنية ضمن بناء المجتمع الإسرائيلي الذي يحمل في تكوينه رفضاً قاطعاً لفكرة الانصهار، يمكن ملاحظة ذلك بتركيبة السكان الذين وصلوا إلى جيلهم الرابع الآن، يحملون هويات مركَّبة ليس بالأمر الهيِّن نفضُ كل الغبار الذي علِق بها لتنسجم مع محيطها.

وما أمام الخط الأخضر هو الضفة الغربية أو ما يعرف بأراضي السلطة الفلسطينية المقسّمة أصلاً إلى ثلاثِ مناطق أساسية ” آ- ب- ج” الأولى تضم المدن الرئيسية الفلسطينية والأخيرة تتبع مباشرة للجيش الإسرائيلي الذي ينظِّم فيها تدريبات ومشاريع عسكرية ويمنع الفلسطيني من الإقامة والبناء والعمل فيها، وفي الجنوب الفلسطيني قطاع غزة الممتد شريطاً ساحلياً محاصراً على امتداد الأحلام، تمَّ خلال السنوات الماضية شيطنة الساكنين فيه، عن وعي أو غير وعي، شيطنة مدروسة مبنية على أساسٍ متكامل يهدف إلى ترسيخ التفرقة بين المناطق الثلاث التي سرقت إسرائيل الأولى منها وفرضت أمراً واقعاً في الثانية وتعاملت مع الثالثة باعتبارها مكاناً خارجاً عن القانون.

القدس بين كل هذه المناطق خرجت من عباءة المدينة العادية ولم تحصر نفسها بصورة المقدَّس، تطرحُ الأسئلة علينا ولا تنتظر الإجابات، يحاول الاحتلال فيها حصرها بصورة المدينة الباحثة عن عباءتها المسلمة، لا يحضر على بال الموجودين فيها رفع صليب كبير في باحات الأقصى كي تُستَفَزَّ أوروبا حاملةُ لواء حماية المسيحيين في كل مكان وزمان، يبقى المعتصمون وحدهم أمام آلة قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية، هم في الصورة الكاملة ليسوا وحدهم، المسألة هنا لا تتعلق بحي الشيخ جراح، حيٌّ واحدٌ في بلد مسروق بالكامل فماذا يعني ضياعه سوى إضافة شارعين إضافيين إلى خريطة الفردوس المفقود؟. إنه يعني في أقل تقدير إعادة إنتاج النكبة الفلسطينية فالتطهير العرقي الذي قرأنا عنه في الكُتُب وشاهدناه في سوريا والعراق اليوم مثالاً واضحاً أمامنا لاتخطئه العين، يعود ليحدث من جديد.

لم يتشرَّب الناس فكرة السلام الذي عملت بعض الأنظمة على إرسائه باعتباره ركناً أساسياً للاستقرار في المنطقة، انتفضوا رغم يقينهم بأن الخروج يعني مواجهة العدم، وقفوا فوق الأسطح على امتداد رام الله نابلس سلفيت وقراها يرقبون مرور صواريخ المقاومة باتجاه إسرائيل، الإشارات هنا واضحة وليست بحاجة إلى كثير جهدٍ من التأويل، خرجت أصواتٌ تقول إنَّ الوبال قادمٌ بعد صواريخ “التنَك” التي اخترقت سماء فلسطين من أقصاها إلى فضاء تل أبيب، لا إشارات في التلقي إلى ذلك المقاتل الذي نصب الراجمة وأوقفها قبل أن يُطلِق الصاروخ، هل يمكن المفاوضة على صدق فِعلِه؟ لو افترضنا أساساً أنّ للقيادات ما لها من أسباب كما تروج الآراء الانهزامية التي تصفُ نفسها –دائماً- بالحكمة والاعتدال ورجاحة العقل وتتهم غيرها –دائماً- بالشعبوية والسطحية وقصر النظر!.

الحدث يجد صداه هنا في المدن العربية داخل الخط الأخضر أو ما يعرف بميثاق الأمم المتحدة “إسرائيل”، شبابٌ ولدوا وعاشوا وتعلموا ودرسوا وعملوا في دولة الاحتلال، يحملون في ذواتهم التمييز العنصري وتبعات “الأبارتهايد” الإسرائيلي، أحياءٌ بالكامل في اللد والمثلث ويافا وعكا غير معترف بها، قرى غير موجودة على الخريطة ولا تملك من أسباب البقاء شيئاً لكن أهلها صامدون لأجل صورة فلسطين فيهم.

شاهدت صوراً من المغرب وتونس وليبيا والأردن ومصر، لكن الأكثر إجلالاً تلك التي خرجت في مخيم للنازحين من أهلنا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، ذلك السوري الذي خسر كل شيء وفُتِحت أمامه أبواب القارة الأوروبية لم يفاوض على فكرة فلسطين.

في بلدان أخرى حيث تُبنى إسرائيل ثانية عبر عدة مستويات، لم يفاوض فيها العربيُّ على فلسطين، نحن هنا لسنا أمام غزة أو الضفة أو مناطق 48، وإنما أمام امتداد ثقافي واسع يحتضن فكرة فلسطين ويريدها كاملة، وله فيها دم وتاريخ وجدٌّ أو اثنان حاربا هناك. هل الشارع العربي منقسمٌ إزاءَ هذا؟. لقد أفرزت مواقع التواصل الاجتماعي في دول التطبيع أبواقاً تشيطن الفلسطيني وتحيل هذا التصعيد إلى الاستفزاز الذي يقوم به مَن ضاعت بلاده، انعكس هذا في شاشات إعلام تلك الدول التي انشغلت عن الحدث الفلسطيني باستدعاء ذكريات وزير سابق في عهد صدَّام حسين، أو أهمية الحلويات في ليل الصائم نهاراً وفوائدها لجسم الإنسان، بينما حضر خطاب بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه بيني غانتس وغابت صورة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث تزامن بثُّ الخطابات عبر وكالات الأنباء بذات التوقيت.

ماذا بعد؟، كلما أوغلت إسرائيل في توحشٍ سافرٍ ضد العربي الفلسطيني اقتربت نهايتها، ومعادلة اللاحرب واللاسلم التي فرضت نفسها طوال العقود الماضية لم تعد تنفع الآن، سمعتُ مستوطناً يخاطب أهالي حي الشيخ جراح على مرأى ومسمع من قناصل الدول الأوروبية وأعضاء اليمين المتطرف في الكينيست الإسرائيلي، كان يقول للفلسطينيين: اذهبوا إلى سوريا، يعرف الإسرائيلي ويدرك أنَّ الفلسطيني ليس وحده في المعركة والمواجهة، في ظهره امتداد وإن شابَهُ التعب والمرض والإرهاق والتخلِّي خلال العقود الماضية لكنه موجودٌ كامنٌ قابلٌ للانفجار في كل لحظة. لهذا يجب ألا يتم حصر التصعيد بمسألة القدس وحي الشيخ جراح، إنها ملفات متشابكة لابد من ترتيب الأولويات فيها بدايتها تكون من إسقاط اتفاقية أوسلو التي تجاوزَتها إسرائيل أساساً ولم تفِ بالتزاماتها فيها خلال السنوات الماضية وأحالت ملحقاتها ومتنها إلى مفاوضات الحل النهائي الممتد منذ سنوات طويلة.

وكي لا تكون الكلمات شعارات محكومة بالسرد، فإنَّ القابض على جمر بقائه هناك التعامل مع صورة متكاملة منبعها الأول جندي محتل يحمل سلاحاً ويقف بين الفلسطيني وأرضه، وشموليَّتها مبنية على أساس العمق الواعي المدرك لتجربة ثلاثة وسبعين عاماً متكاملة من النكبة والهجرات والهويات المركبة التي لم تؤثر على انتماء العربي الفلسطيني ومكانة فلسطين في ذهنية العربي.

لكن فلسطين اليوم غير فلسطين تلك التي كانت مع بداية أربعينيات القرن الماضي، فلسطين اليوم فيها جيلٌ رابع أو خامس من الإسرائيليين الذين وُلِدوا وعاشوا فيها، يحملون ذاكرتها مثلنا تماماً وإن كانت زاوية النظر والرؤية مختلفة تماماً، لهذا على القادرين العمل بشكل واعٍ على تفكيك فكرة الصهيونية من العقول الإسرائيلية التي تحملها، لتعود إسرائيل إلى حقيقتها التاريخية وتكون فلسطين أو في تعبير أدق تتحول إسرائيل إلى حارة يهود في المنطقة العربية.

تلفزيون سوريا

————————–

اليمين الإسرائيلي يركز استهدافاته نحو القدس والأقصى/ عدنان أبو عامر

فرض الهجوم الفلسطيني المسلح الأخير بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وأسفر عن مقتل أحد المستوطنين الإسرائيليين، نفسه على الأحداث الدائرة في القدس المحتلة خلال الأيام الأخيرة، باعتباره علامة تحذير من المقاومة الفلسطينية قبل نهاية شهر رمضان، ولذلك أعربت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن قلقها إزاء التوترات المتزايدة، وقررت تعزيز قواتها بالضفة الغربية، مع خشية من تنفيذ هجمات “دفع الثمن” من المستوطنين اليهود.

يعتقد الإسرائيليون أننا أمام تهديد لحماس بإشعال المنطقة، خاصة مع ما شهدته الأيام الماضية من تصعيد أمني مدروس، ولذلك تقرر تعزيز قوات الاحتلال وسط تحذيرات بانفجار الأوضاع في حال جرى الاقتحام الجماعي لليهود للمسجد الأقصى، بزعم أنه إذا حدث هذا الاقتحام، فإن الفلسطينيين سيحاولون زيادة زخم الأحداث، من خلال تفجير الأوضاع بالضفة الغربية.

تزامن ذلك مع تجدد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في إطار الجهود المبذولة للتصعيد العسكري؛ مما دفع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لزيادة اليقظة في جميع أنحاء دولة الاحتلال، لأن ما يحصل يثير مخاوفها من تصعيد محتمل في الضفة الغربية؛ وفي مستوطنات غلاف غزة، يخشون من تصعيد جديد، بعد عدة ليال صعبة وعنيفة هناك في الأسابيع الأخيرة، خاصة أننا نشهد أواخر شهر رمضان.

وقد نقلت الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن لديها مخاوف من قيام ناشطي اليمين المتطرف بتنفيذ عمليات دفع الثمن ضد الفلسطينيين، وفي هذه الحالة نتوقع أن تؤدي الأحداث لزيادة سخونة القطاع بأكمله، وهذا أمر مخيف، ويستعد له الجيش والأجهزة الأمنية.

تطورات الأحداث الأمنية الأخيرة كان آخرها الهجوم على مفرق تفوح، عندما أطلقت أعيرة نارية على مستوطنين، قتل أحدهم، والثاني في حالة حرجة، والثالث بجروح طفيفة، وفي وقت سابق، وقعت محاولة طعن في مفرق غوش عتصيون نفذتها شابة فلسطينية مسلحة بسكين طعن ضد جنود إسرائيليين، كما وقعت محاولة تنفيذ عملية طعن ضد شرطي وجندي عند المدخل الجنوبي لبيت لحم، مع العلم أن أحداث غزة الأخيرة اعتمدت على ما يحدث في القدس، وكأنها ذريعة حماس لإطلاق الصواريخ على الغلاف، وكان من المستحيل عدم تفسير هذه الدعوة على أنها اصطفاف إسرائيلي مخيف مع رواية حماس للأحداث، ثم جاء الطي المخيف للحواجز على درج باب العامود، وقدم لحماس صورة انتصار، وتمت الموافقة على طلبها بأن إطلاق النار في غزة مصدره سلوك إسرائيل في القدس.

لقد عبرت السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عن “حظيرة صامتة وخاضعة”، وقدمت قيادتها سلوكا أشبه بـ”عار الاستسلام أمام التنمر الفلسطيني”، واستسلمت دون أن تطرف عينها، ودون أن تأخذ في الاعتبار أن حماس قد تجد ذريعة جديدة لتحريض المنطقة، مع العلم أن إسرائيل وحماس تلقتا تذكيرًا هذا الأسبوع بمدى سهولة الانزلاق لمواجهة أخرى في قطاع غزة، وهي تشكل فرصة لإحصاء عدد الجولات التي خاضها الجانبان في السنوات الماضية، وفي كل جولة كادتا تقتربان من حافة الهاوية، ما يؤكد مدى عمق الأزمة بينهما.

في الوقت ذاته، تزعم محافل يمينية إسرائيلية أن الحكومة تحني رأسها أمام صواريخ غزة، بعد أن استسلمت في قضية الحواجز في باب العامود بالقدس، وأعطت الفلسطينيين إنجازًا أخلاقيًا آخر من شأنه أن يجلب على الإسرائيليين مزيدا من المواجهات، فما يمكن رؤيته من نتيجة نهائية في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والقدس والعالم العربي بأسره، عنوانه “هُزمت إسرائيل”.

لقد تمت إضافة موضوع الحواجز عند باب العامود في القدس، إلى البوابات الإلكترونية في الحرم القدسي، وصفقات تبادل الأسرى مع الفصائل الفلسطينية، والانتفاضتان الأولى والثانية، وغيرها من المعالم الكئيبة في أيام “الاستسلام” الإسرائيلي، وهي أحداث دفع الإسرائيليون أثمانها باهظة، رغم ما تم تسويقه من الكثير من المعلومات الخاطئة عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وكان لافتا أن الاحتفالات التي شهدها باب العامود بعد إزالة الحواجز الإسرائيلية مباشرة، تمثلت بهتافات مئات من الشبان الفلسطينيين، تأييدا لمحمد الضيف وكتائب عز الدين القسام، وأنشدوا “خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود”، وهذا يعني أن الهزيمة والاستسلام الإسرائيلي أمام النصر الفلسطيني البطولي، أعطيا الفلسطينيين إنجازًا أخلاقيًا آخر، من شأنه أن يجلب الكثير من العنف في المستقبل.

لقد شكلت أحداث القدس الفرصة المناسبة لإشعال مزيد من الأحداث في غزة والضفة الغربية، وكل المدخلات والمؤشرات بدت ملحوظة حقًا، وقد تكون مثل تلك الهجمات بمثابة وقود لهجمات لاحقة، من خلال محاكاة هذه الهجمات، أو كجزء من مخطط تصعيد متطور.

رصد الإسرائيليون مباشرة بعد الهجمات الأخيرة في الضفة الغربية، كيف بدأت آلة الدعاية لحماس بالعمل على مدار الساعة، ورحب المتحدثون باسمها بهذه الهجمات، وربطوا على الفور بينها وبين الأحداث العنيفة التي وقعت في القدس حتى وقت قريب، علما بأن الحركة تدرك أن الأسبوعين المقبلين مليئان بالمواعيد والتواريخ الحساسة، وتحاول ركوبها لزيادة التوترات، ودفع عجلة التصعيد إلى الأمام.

عاش الفلسطينيون والإسرائيليون في الأيام الأخيرة جملة من التواريخ الحساسة، فقد مرت الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، كما تصادف ليلة القدر، ليلة السابع والعشرين من رمضان، وفي 28 من رمضان حل ما يسمى “يوم القدس اليهودي”، وهو ما شهد محاولات اقتحام يهودية مكثفة، واشتباكات عنيفة مع المرابطين في القدس، وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فبعد أيام قليلة سيأتي ذكرى يوم النكبة، وكل ذلك من شأنه أن يجعل من الاضطرابات في القدس أحداثا قابلة للاشتعال بين حين وآخر.

لم يتوقف التصعيد الأمني العسكري على القدس المحتلة، بل تطورت على صعيد الهجمات المسلحة الأخيرة في الضفة الغربية، وإطلاق الصواريخ من غزة، مما يعني أن جهود الجيش الإسرائيلي لمنع موجة جديدة من العمليات العسكرية لم تنجح بعد، خاصة مع التهديدات الأخيرة التي أطلقها قائد كتائب القسام.

يتحرك الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع كالعادة بين التكتيكي والاستراتيجي، وتبحث حماس عن طريقة لإبقاء اسمها في العناوين الرئيسية، ولا يوجد شيء مثل القدس كفيلة بتزويدها بالبضاعة اللازمة، إذ إن حماس تدرك جيدا أن القدس أمر مختلف تمامًا، حيث إن العاطفة الدينية تزداد في رمضان.

هذا بالضبط ما حاول فعله محمد ضيف، قائد الجناح العسكري لحماس، حين سعى لردع إسرائيل عن الاستمرار بقراراتها ضد المقدسيين، حيث أرادت حماس أن تظل ذات صلة، وحاملة لنجمة القدس، وتأمل أن يكون ذلك كافياً لإثارة الروح المعنوية خلال الأعياد، خاصة أيام القدس والنكبة.

وهكذا يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال استئناف إطلاق النار في غزة، أما في الضفة الغربية، فترفع العمليات الفلسطينية المسلحة ذات الطابع الشعبي، وسط ربط واضح بينها وبين أحداث القدس، من خلال هجمات فردية على الأرض، لذلك قرر الجيش تعزيز قواته الإضافية، على افتراض أن الهجمات هي محاولات ملهمة ومحاكاة، وبحلول نهاية رمضان في منتصف مايو، ستكون المنطقة شديدة الانفجار.

يبذل جيش الاحتلال جهودًا كبيرة للحد من العمليات، وقد انتقد كبار الضباط سلوك الجنود في المنطقة، حيث يُعرف مفترق “تفوح” في الضفة الغربية الذي وقعت فيها العملية الفدائية الأخيرة بأنها نقطة إشكالية، وواضح أن سياسة الجيش جاءت، ومزعجة في الغالب، لأن ما ينتهجه الجيش ليس طريقة للتغلب على الهجمات الفلسطينية المسلحة.

كل ذلك يؤكد أن الإسرائيليين يجدون أنفسهم أمام برميل من المتفجرات، حيث يستعد الفلسطينيون لنشاطات كبيرة في القدس، وستكون محور الأحداث في حي الشيخ جراح، بسبب ما قد تصدره المحكمة العليا، بعد عقود من الصراع القانوني والأحكام التي لا تنتهي، من أحكام نهائية بشأن إخلاء الفلسطينيين من المنازل، حتى جاء تهديد الضيف الذي بقي صامتاً منذ حرب غزة 2014، مما حمل تحذيرا لإسرائيل بأنها إذا تجرأت على إخلاء المقدسيين من منازلهم، فلن يمر ذلك دون إجابة على الأرض.

الخلاصة أننا أمام تطورات متلاحقة على مدار الساعة، ولعل ما تكتسبه القدس المحتلة، والمسجد الأقصى، من أهمية استثنائية، يختلط فيهما البعد السياسي مع الديني، يجعل الأحداث قابلة للانفجار في أي لحظة، دون أن يمتلك الإسرائيليون بوليصة تأمين لئلا تندلع الأوضاع الأمنية بحيث تصل إلى انتفاضة ثالثة عنوانها القدس المحتلة.

—————————–

أربعة لصوص وحكاية واحدة/ علي سفر

أضاف رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز جريمة أخرى إلى سجله القبيح، حينما أهدى في آذار 2008 نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي بستان زيتون مساحته 3600 قدم مربع جنوبي تل أبيب، قرب مدينة يافا الفلسطينية.

وفي المقابل، أهدى ساركوزي مضيفه منحوتة أصلية للفنان غايار، تصور الكاتب الفرنسي فرانسوا رينيه دو شاتوبريان، إضافة إلى الأجزاء الثلاثة من كتابه “رحلة من باريس إلى القدس” ونسخة عن “يوميات من القدس” للكاتب نفسه.

بعد 11 سنة من تلك الواقعة، وعلى سبيل الشكر، أعلن بنيامين نتنياهو أن حكومته قد اختارت موقعاً في مرتفعات الجولان لبناء قرية سيتم تسميتها على اسم ترامب رئيس الولايات المتحدة، بعد أن أهدى اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، لنتنياهو أثناء زيارته لواشنطن. وكان قد سبق ذلك بخطوة لم يأت عليها أحد قبله، وهي اعترافه بالقدس “الموحدة” عاصمة لدولة إسرائيل!

وسيكتشف السوريون ومعهم العالم كله أن الأرض التي ستقام عليها قرية ترامب المزمعة، مسلوبة من أملاك عائلة الزميل الكاتب والباحث تيسير خلف التي نزحت إلى سوريا، بعد احتلال إسرائيل للجولان عام 1967.

تأملُ مصائر الشخصيات الأربع التي مرت في سياق الخبرين الواردين أعلاه، يمكن أن يولّد تفاصيل كثيرة، ستملأ سطور هذه الزاوية، ومقالات أخرى أيضاً!

لكن ما الذي سيفيد سياقنا الراهن الحديث عن شمعون بيريز الذي مات في أيلول عام 2016؟ ويمكن وبدون عناء تذكر أنه ظل وريث الفشل السياسي! فقد خسر كل انتخابات ترشح فيها أمام مرشحي اليمين، وقد تطوع دائماً ليكون وجه القباحة أمام العالم الذي رفض أفعال شخصيات دموية أشد عنفاً مثل آرئيل شارون ومناحيم بيغن وإسحاق شامير.

الدكتور عزمي بشارة وفي سياق حديثه ذات مرة عن بيريز أشار إلى أن السياسيين المحليين وكذلك الأجانب يتهمون هذه الشخصية بـ”التآمر المستمر وعدم الاستقامة، والكذب بشكلٍ مرضي، وسماكة الجلد، والرضا الدائم عن الذات، والجمع العبثي بين انعدام الشرف وحب التشريفات، والركض من دون كرامة من أجل مركز يعطيه كرامة”.

وأيضاً، على ماذا سوف نحصل ونحن نشاهد الملامح القبيحة لـ”ساركوزي” الذي تحاصره تهم كبيرة في المحاكم، مثل “الفساد المالي” و”إخفاء اختلاس الأموال العامة” وتمويل حملة غير قانونية؟ حيث يشتبه في أنه تلقى أموالاً من ديكتاتور ليبيا المقتول العقيد معمر القذافي لتمويل حملته لعام 2007، مقابل الترويج للمصالح الاقتصادية والدبلوماسية للنظام الليبي.

ساركوزي الذي يعتبر أول رئيس فرنسي يبلغ هذه العتبة من “التجريص” أُدين بتهمة محاولة رشوة قاضٍ، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، سيقضي واحدة منها في الزنزانة، كأي محكوم.

أما المهزوم دونالد ترامب، فقد سبق الرؤساء الأميركيين الآخرين بتحريضه الشعبوي ضد اللاجئين والمهاجرين، وأفعاله غير المتوازنة، والتي هددت الديموقراطية في عاصمة الولايات المتحدة، حينما أطلق جحافل من المتطرفين الذين اقتحموا مبنى الكونغرس!

وبات مجرد ذكر اسمه في أي سياق، يُعيد الآخرين إلى مرحلة سوداء من التاريخ، اضطروا فيها لأن يتعايشوا مع حاكم أخرق!

وفي النهاية، نصل إلى بنيامين نتنياهو، الدموي، الذي وجهت له تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، واللاعب الأقذر في المشهد السياسي المحلي، والذي ما برح يخوض في تجييش اليمين المتطرف الإسرائيلي من أجل الوصول إلى المكاسب السياسية، حتى وإن أدت تحالفاته إلى تحويل إسرائيل إلى بيئة خصبة لنمو الأفكار العنصرية التي تقارب النازية، بحسب تعبير داعية السلام المؤرخ الإسرائيلي الليبرالي زئيف ستيرنل.

الشخصيات الأربع، اجتمعت في حكاية، تخصنا نحن، السوريين والفلسطينيين، الذين رسخت الأيام الماضية من عمر هبة القدس علاقة مختلفة تجمع بينهما، حيث تجاورَ علم ثورة السوريين مع الأعلام الفلسطينية، وصارت أغاني الساروت مألوفة في شوارع المدينة المحتلة، تنشدها حناجر الشباب والصبايا، الذين واجهوا جنود الطغيان الإسرائيلي بالهتاف والتحدي، ملتفتين إلى الكاميرات بابتسامات، تهزأ –ربما- من جملة بن غوريون الشهيرة: “الكبار سيموتون والصغار سينسون” التي قالها بعد نكبة 1948.

لا أدري كيف يمكن للتسميات أن تفرق بين الشعبين، وقد امتدت بينهما أوردة وشرايين، فصار دمهما واحدا، وألمهما واحدا.

وكما كانت أرضهما متصلة منذ غابر الدهور والأزمان، عادت لتترابط مع بعضها، بعد أن توحدت إرادات اللصوص السابقين وربما اللاحقين، في سبيل هدف واحد هو سلبهما حقوقهما، والقضاء على آمالهما بالحرية، والنفاذ إلى مستقبل أكثر إنسانية، بعدما تم إهدار قرن كامل من تاريخهما، من أجل سعادة وهناء دولة مسخ، يقوم على حمايتها من “خطر” الشعوب العربية، حكام وأنظمة مثل نظام الأسد وميليشيات طائفية، يرطنون ليل نهار بشعارات المقاومة والممانعة!

الحكاية هي أرضنا، وتاريخنا، يبدأان بالقدس كعنوان أول، في سياق لن ينتهي دون أن يصل السوريون والفلسطينيون، ومعهم كافة الشعوب المتضررة من هذه الكارثة المستدامة، إلى حقوقهم في الحرية والعيش الكريم.

تلفزيون سوريا

————————-

هبّة الشيخ جراح: إعادة تأكيد حقائق الصراع مع إسرائيل/ مصطفى الولي

اعتقدَ نتنياهو، ومؤسسته السياسية الحاكمة، أن الظروف باتت متاحة له لإنجاز مزيد من التوغل في مشروع دولته التوسعية العنصرية الإجلائية، على خلفية تأثير المناخات الدولية والعربية، بعد الاتفاقات بين أكثر من دولة عربية وإسرائيل “التطبيع”، وبفعل تخلخل البنية الذاتية الفلسطينية، وعجز السلطة الفلسطينية عن فرض إجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية، وهو ما جعلها تلغي الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها.

كما لعبت أغراض نتنياهو الشخصية في السعي لحلّ أزمته الحكومية، وإنقاذ نفسه من السقوط والفشل، دورًا إضافيًا في إقدامه على دعم تحركات المستوطنين للسيطرة على منازل في حي الشيخ جراح في القدس، فكان ما لم يكن بحسبانه هو ومؤسسته اليمينية المتطرفة.

بداية، أظهر سكان حيّ الشيخ جراح، المستهدف بالاستيطان، تصدّيًا بطوليًا للدفاع عن حقهم في منازلهم، وهو حقّ مثبت في وثائق وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وفي عهد السلطات الأردنية قبل احتلال 1967. وما لبثت المواجهة تلك أن ارتبطت بمواجهة أخرى أكثر عددًا وأقوى رمزية؛ ذلك أن الدفاع عن الأقصى وحق الفلسطينيين في إقامة صلواتهم وشعائرهم في ساحاته تحوّل إلى اصطدام مع المستوطنين وقوات الاحتلال، وأصبح الشيخ جراح هو القدس الشرقية بكاملها.

لكن التطور النوعي اللافت والمهمّ جدًا حصل بالإسناد الشعبي الفلسطيني القادم من خلف “الخط الأخضر”، من هناك تقدّم آلاف الفلسطينيين للدخول إلى حي الشيخ جراح، والاعتصام مع أبناء الحي، لمنع قرار المحكمة الإسرائيلية العليا من بتّ الأمر لمصلحة المستوطنين. وعندما أعاقت قوات الاحتلال وصول فلسطينيي مدن وبلدات 1948 إلى القدس والشيخ جراح؛ تحولت المدن الفلسطينية كلها، في أراضي 1948، إلى ساحات تظاهر لدعم القدس، وهو ما يندر حدوثه بهذا الشمول والاتساع، مع إرادة عالية على المواجهة.

أغلب الظنّ أن المواجهة التي بدأت في الشيخ جراح، قبل أسبوعين، سوف ينظر المحللون إليها باعتبارها محطة نوعية في مسار الصراع مع الاستراتيجية الإسرائيلية، ومع المرتكزات الفكرية التي انطلقت منها الصهيونية لتجسيد مشروعها الاستيطاني الشامل في فلسطين.

قبل مدة، أعلنت إسرائيل نفسها “دولة يهودية”، وهو ما يعني أن لا حقوق في إسرائيل إلا لمن يقبل بقانون الدولة اليهودية، وكانت تعلن دائمًا أن “القدس الموحدة” عاصمة أبدية لإسرائيل، وعزز موقفها ومساعيها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وجاء اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإقراره نقل سفارة أميركا إليها، محركًا للغلواء اليمينية العنصرية التي يزداد وزنها في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، وهو انعكاس للانتشار الواسع للأيديولوجيا اليمينية المتطرفة والعنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي.

في الشيخ جراح، هناك معنى جذري عميق للموقف الفلسطيني الشامل الرافض للقرارات العنصرية والمتصدي لها بالحناجر والصدور العارية “والإبتسامات الساخرة”، أقصد بالمعنى أن مقولة “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” التي اعتقد القادة والمفكرون العنصريون أنها باتت حقيقة راسخة، تلك المقولة الزائفة تم تهشيمها في الشيخ جراح، وبعودة صوت الفلسطينيين في حيفا واللد ويافا وسخنين وأم الفحم، ليقول: نحن هنا، وهذه بلادنا.

 في الشيخ جراح أيضًا، لا شك أن الزعامة في إسرائيل اكتشفت خطأ تقديرها بأن انخراط القيادة السياسية الفلسطينية في مشاريع التسوية، وقيام سلطة لتلك القيادة، سيشكل ضمانة لضبط حركة الشعب الفلسطيني بما يتلاءم مع حالة “التعايش” المزعومة التي تنشدها السلطات الإسرائيلية. لم تفهم قيادات إسرائيل الفرق، بين تمكّن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من توقيع اتفاق أوسلو والالتزام بمحدداته “أمن إسرائيل” خاصة، وبين الإرادة الحقيقية للفلسطينيين في مطارح وجودهم كافة، من أراضي 1948 إلى الضفة والقطاع إلى بلدان الجوء والمنافي البعيدة.

وانطلاقًا من المواجهات في الشيخ جراح، وتداعياتها لتشمل المدن الأساسية في إسرائيل (حيفا، يافا، عكا، اللد، الرملة، وسواها)، لا بدّ أن رجال الفكر والاستراتيجيات، في المراكز الإسرائيلية، ومعهم المحللون الدوليون الموضوعيون، سيقفون على حقيقتين مترابطتين: الأولى أن الشعب الفلسطيني واحدٌ، رغم تنوع مناطق وجوده، ورغم اختلاف البنى الحاكمة في تلك المناطق-الدول، وتعدد انتماءاته السياسية والحزبية؛ والثانية أن تداعيات الصدام في الشيخ جراح، وامتداده إلى القدس، وتوسعه إلى بقية المدن الفلسطينية، ومنها الواقعة تحت سلطة الدولة الإسرائيلية، سيعيد الاعتبار لرواية النكبة الفلسطينية، بما يدحض كل منظومة الدعاية الإسرائيلية التي أطلقت بعد إعلان تأسيس “دولة إسرائيل”، إذ حاولت إسرائيل تقديم رواية زائفة عن سبب ترحيل اللاجئين من بلادهم، وأحالته إلى الحرب التي “شنتها” الجيوش العربية على “الدولة الفتية”، وإظهار هجرة الفلسطينيين عن أرضهم بسبب مجريات تلك الحرب، فضلًا عن الادعاء بأن اليهود اشتروا مساحات كبيرة من أصحابها العرب، وأسسوا عليها دولتهم!

 ما جرى في الشيخ جراح، كلحظة بداية للهبّة الفلسطينية الشاملة التي رآها العالم في الأيام الماضية، أظهر جليًا تمسّك الفلسطينيين بأرضهم، وكشفت فشل بعض محاولات أفراد يهود، لتملك أراض ومنازل في القدس، بتقديم مبالغ خيالة لأصحابها (تقديم 40 مليون دولار لشراء مطعم يمتلكه عربي في القدس، ورفض صاحبه)، بيد أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الصدمة التي تلقاها نتنياهو والمستوطنون اليهود المتطرفون سوف تثنيهم عن معاودة الكرّة على الشيخ جراح وغيره من أحياء القدس، وبعض البلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، ومعروف أن السلطات الإسرائيلية فكرت جديًّا منذ فترة في تمرير اقتراح على سلطة أوسلو، يتم بموجبه تبادل بين سكان ثلاث قرى فلسطينية داخل إسرائيل، وبين مجموعات استيطانية يهودية تتمركز في الضفة الغربية. لكن تجربة الشيخ جراح قد أظهرت صلابة الموقف الشعبي الفلسطيني في مواجهة كل إجراءات التهويد، بالصلابة التي ترتكز إلى وحدة الفلسطينيين كشعب، ولذلك ستفشل كل محاولة من هذا النوع. وعليه فإن الحفاظ على تلك الوحدة يشكّل صمام الأمان الوطني، لإفشال كل محاولات إسرائيل وقطعان مستوطنيها، ومحاولاتهم للسيطرة على مزيد من الأرض، وتهجير مزيد من أبناء الشعب الفلسطيني عن منازلهم وبلداتهم.

 مركز حرمون

 ———————————-

هل تم نقل المعركة إلى داخل إسرائيل

ما اساكتبه هنا قد لايروق للبعض في ظل هذا الزخم الشعبي والرفض الكامل لكل اشكال العدوان الاسرائيلي الهمجي على شعبنا الفلسطيني بالقدس وقطاع غزة

فشل نتنيانو بمحاولاته الاخيرة لتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة وتم تكليف خصمه بذلك.ونعلم ان محاكمة ثم سجن تنتظر نتنياهو في ظل عدم ترؤسه للحكومة لملفات فساد عديدة ثابتة عليه.

ماذا كان عليه ان يفعل ليغير الاجواء السائدة في اسرائيل ويستثمر جو من العداء والخوف من العرب تدفع بالاحزاب للتوافق عليه كافضل الموجود واكثرهم خبرة في قيادة البلاد بهكذا ظروف

كان متوقع ردة الفعل الفلسطينية من استفزاز المستوطنون اليهود(والمدعومون دائما بالقوات النظامية)لمشاعر الفلسطينيين في اواخر شهر رمضان المبارك وبليلة القدر بالذات اقتحام باحة المسجد الاقصى وقبله حي الشيخ جراح..

بدات انتفاضة سلمية تعاطف مع العالم كله..وادت الى انسحاب المستوطنين وشرطة الاحتلال من المسجد الاقصى وانتظار راي المحكمة الاسرائيلية العليا بملفات حي الشيخ جراح والتي اثبتت سابقا ان 14 ملفا من اصل 15 هي مزورة ..وبدا ان الاوضاع تتجه للتهدئة..بربح المعركة من قبل الشباب الفلسطيني وتحسن فرص نتنياهو لتشكيل حكومة

أبت ايران عبر اذرعها (الجهاد الاسلامي وحماس)..الا التدخل عبر طريقتها واستثمار الموقف .حيث كانت ايران قد هددت بعد صاروخ ديمونة من نقل المعركة الى داخل اسرائيل .ردا على ضربة اسرائيل لمفاعل نطنز وتهديد اسرائيل بنقل المعركة لداخل ايران…

لم يتوقع نتنياهو الرد الصاروخي بهذا الشكل وتطوير الفصائل لصواريخ تصل الى القدس وتل ابيب وحيفا بسهولة.حتى ان القبة الحديدية الاسرائيلية تم المبالغة بفاعليتها اذا انها لاتستطيع التعامل مع اكثر من 6الى7 اهداف بان واحد..حيث تم التغلب على ذلك باطلاق رشقات صاروخية بالمئات بنفس اللحظة..الامر الذي ادى لخلل واضح وغياب سياسة الردع الاسرائيلية الامر الذي اضطر اسرائيل للتركيز على قصف منشآت مدنية واستهداف السكان وتصوير انهيار برج الشروق السكني بغزة(المكون من 13 طابقا) بصواريخ فراغية .لترهيب السكان ونشر الذعر بينهم.

وازاء حالة التدمير والقتل العشوائي لاهلنا في غزة تضامن معهم معظم المسلمين بالعالم عبر تظاهرات ووقفات.

ولم نشهد من محور المقاومة الذي يتباهى بامتلاكه الاف الصواريخ التي يهدد اسرائيل بها او فيلق القدس وبقية العصابات التي تتبع للحرس الثوري الايراني من اطلاق صاروخ واحد على اسرائيل لمؤازرة غزة..ولن نشاهد ذلك بالتأكيد.

الرابح اليوم بكل اسف هي ايران التي نفذت تهديدها بنقل المعركة الى داخل اسرائيل وعبر(السنة العرب)..لضمان ضغوط امريكية حقيفية على اسرائيل بمنع التعرض للاهداف والمنشآت الحيوية داخل ايران.

د.باسل معراوي

————————-

=======================

تحديث 14 أيار 2021

—————————-

واشنطن بوست: الأحداث الأخيرة في فلسطين هي الفصل الأخير من تشريد شعبها بمشاركة أمريكية فاعلة

قال رشيد خالدي، أستاذ الدراسات العربية في جامعة كولومبيا الأمريكية، ومؤلف كتاب “حرب المئة عام على فلسطين” إن ما نراه اليوم في فلسطين هو الفصل الأخير من تشريد الفلسطينيين.

وجاء في مقال له بصحيفة “واشنطن بوست”: “لم تكن مصادفة أن تندلع الحادثة الأخيرة في حرب المئة عام أو يزيد على فلسطين على موضوع القدس واللاجئين. وكلاهما متداخلان في إسرائيل في تشريد وطرد الشعب الفلسطيني. ففي الأسابيع الماضية كانت التحركات الإسرائيلية في المسجد الأقصى وحوله وعملية الطرد القسرية للفلسطينيين في حي الشيخ جراح مدعاة لإشعال مواجهة جديدة غير متساوقة من العنف، يمكن تخليصها في التباين بين 10-1 من الضحايا. وكلا الموضوعين (القدس واللاجئين) يسيران جنبا إلى جنب مع هذه المقاومة التي تجري من جانب واحد ضد التشريد، وكلا الموضوعين عمل صناع السياسة الأمريكيين الذين كلفوا بوضع حد للنزاع على سحبهما تحت البساط”.

وعلق خالدي أن ما يحدث ليست أحداث “شغب” ولا “نزاع عقاري” كما يتم تكراره في التصريحات الإسرائيلية التي لا تنتهي. وأضاف أن سياق الأحداث في القدس وغزة والمناطق الأخرى في فلسطين وإسرائيل توضحه وتلخصه كلمات نائب رئيس بلدية القدس أرييه كينغ، الذي قال إن عمليات الطرد في الشيخ جراح هي بالطبع جزء من خطة وضع “طبقات من اليهود” في كل أنحاء الجزء الشرقي من المدينة و”تأمين مستقبل القدس كعاصمة يهودية لكل الشعب اليهودي”.

ويرى الكاتب أن عملية التهويد قائمة على منطق المستوطن الاستعماري الذي يعمل في كل عمليات المصادرة للبيوت والأراضي وتشريد ملاكها الفلسطينيين في داخل إسرائيل منذ عام 1948 و1967 وفي القدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وكان هذا المنطق وراء المسيرات التي يقوم بها القوميون الدينيون اليهود المسلحون في الأحياء العربية بالقدس وتحت حراسة قوات الأمن الإسرائيلية، والهجوم واستفزاز السكان فيها. وكان المنطق وراء محاولة إسرائيل منع الفلسطينيين من الاستمتاع بليالي رمضان في بوابة دمشق، التي تعتبر واحدة من بوابات قليلة لا تزال مفتوحة قرب المسجد الأقصى.

وهو المنطق وراء هجوم الجنود على المصلين في المسجد الأقصى ليلة بعد أخرى في الليالي العشر الأخيرة من رمضان، بما في ذلك إطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيلة للدموع داخل المسجد الذي يعتبر ثالث المساجد المقدسة للمسلمين في العالم.

وتساءل الكاتب عن ردة فعل العالم لو حدث هجوم مماثل على كنيسة كبيرة أو معبد يهودي أثناء عطلة دينية؟ قائلا إن “ما يجري تطبيقه هنا هو منطق قانون 2108 الذي رفع مبادئ الصهيونية السياسية الأساسية إلى مستوى المبدأ الدستوري وأن الشعب اليهودي له الحق في تقرير مصيره في أرض إسرائيل”.

ويضيف خالدي أن إسرائيل تقوم منذ 1967 بتوسيع سياستها على فلسطين الانتدابية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط في عملية زاحفة لا ترحم من الضم. واعتبر قانون 2018 “المستوطنات اليهودية قيمة وطنية” مما يعني أن الشعب الفلسطيني لا حقوق وطنية له في أرض أجداده، وأن تشريده وطرده هو جهد إسرائيلي ضروي.

ويقول الكاتب إن المنطق التمييزي يوضح السبب الذي وضعت فيه إسرائيل جهاز القمع تحت تصرف المتطرفين الدينيين وهم يقومون بطرد الفلسطينيين من بيوتهم بزعم أن الأملاك التي يعيشون فيها في الشيخ جراح هي ملكية يهودية. ويحرم القانون الذين هجروا من بيوتهم في حيفا ويافا والقدس الغربية من المطالبة بحقوقهم التي أخذت منهم في 1948.

وقال خالدي إن الأزمة تثبت بطلان أسطورة مهمة، وهي أن الفلسطينيين منقسمون ويائسون ومحبطون وعليهم الرضوخ لأي شيء تفرضه إسرائيل عليهم. وربما كان الفلسطينيون منقسمين من الناحية السياسة، ولكنهم سواء عاشوا في القدس، الضفة الغربية، غزة أو الشتات، فهم يواجهون نفس عملية التشريد الحديدية والتمييز المقنن المتأصل في مشروع إنشاء الدولة التي كانت غالبيتها من اليهود وستصبح قريبا ذات غالبية عربية.

ومن هنا فوحدتهم في مقاومة التشريد بزرت من الاحتجاجات سواء في القدس أو اللد والرملة وعكا وحيفا وقطاع غزة. ويقول خالدي: “طالما ظلت الولايات المتحدة تتجاهل المبدأ الأساسي في المساواة المطلقة في فلسطين/ إسرائيل -وهي مساواة لم تدع إليها أبدا- فستظل جزءا من المشكلة لا الحل. ويعلق الخالدي أن ممثلي إسرائيل يتحدثون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكن ماذا عن حق الفلسطينيين بمقاومة 73 عاما من تشريدهم؟

ويرى الكاتب أن حلا دائما ومستديما قائما على دولتين أو دولة واحدة يجب أن يجسد المساواة المطلقة للشعبين بما في ذلك الحقوق الجمعية، الوطنية والسياسية وكذا الدينية والملكية والحقوق المدنية. وحتى تقبل الولايات المتحدة بهذا المبدأ وتنفذ قرارات الأمم المتحدة التي صوتت عليها سواء بشأن القدس أو الاستعمار الإسرائيلي، وحتى تطبق بشدة القوانين بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية وتعتبر مبدأ “الجماعات الخيرية ” في قانون الضريبة “الجماعات الأمريكية 501 (س) (3) والذي يتم من خلاله تمويل النشاطات الاستيطانية في خرق واضح للقانون الدولي، فلن تكون لاعبا محايدا، بل هي لاعب ناشط إلى جانب إسرائيل في عملية تشريد الشعب الفلسطيني.

القدس العربي

————————-

بلومبيرغ: تعامل بايدن مع الوضع في غزة “متأخر وأعرج”/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: قال المعلق بوبي غوش بمقال في موقع “بلومبيرغ” إن ردّ الرئيس الأمريكي جو بايدن على الأحداث في فلسطين جاء “متأخرا وأعرجا”، مضيفا أن الولايات المتحدة تلعب دورا مهما في منع حرب شاملة في غزة.

 وقال إن زيادة حرارة المواجهة بين إسرائيل وحماس في غزة، دفعت البيت الأبيض إلى ما يشبه العمل، ولكنه كان متأخرا وليس على مستوى الحدث.

وكانت هناك سلسلة من المحادثات الهاتفية، حيث تكلم بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتحدث أنتوني بلينكن، وزير الخارجية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فيما اتصل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع وزير الخارجية القطري. وقال بلينكن إن أمريكا تعمل مع الجميع وتدفع لخفض التوتر ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكن مع بقية الشركاء الذين يكبرون صوتنا، مما يعني أن اتصالات هاتفية أخرى ستتم في الأيام المقبلة.

وتم اللجوء إلى أنواع أخرى من الاتصالات، منها رسالة يوم الثلاثاء لعباس، ومبعوث بايدن الدبلوماسي وهو نائب وزير الخارجية الأمريكي لكي يقابل القادة الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي حديثه مع الصحافيين، عبر الرئيس بايدن عن “توقعاته وآماله بأن هذا سينتهي قريبا وليس آجلاً”.

وقال الكاتب، إن كلام الرئيس الحذر واختياره لكلماته، أفصح عن التردد العميق بعدم التورط في النزاع. فالحديث عن “توقعات وآمال” يساوي “الدعاء والتفكير” وهو الخطاب المفضل للساسة الأمريكيين عندما يواجهون مشكلة مستعصية (مثل عنف السلاح) التي لا يريدون مواجهتها. ويبدو أن خجل الرئيس وحذره نابع من عدم وجود أوراق نفوذ لديه للتأثير على هذا النزاع.

وبعد كل هذا، لا توجد اتصالات مباشرة بين واشنطن وحماس التي صنفتها كمنظمة إرهابية عام 1997. وزاد الرئيس دونالد ترامب الأمر سوءا عندما تجاهل عباس وصادق بشكل متحمس على سياسة نتنياهو ضد الفلسطينيين التي اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية بأنها سياسة فصل عنصري.

وعلى بايدن ألا يلوم أحداً، بل نفسه؛ لأنه لم يتحرك ويعيد الموقف الأمريكي القائم على دعم حل الدولتين. ولم يسمّ بعد سفيرا إلى إسرائيل ولا قنصلا لدى الفلسطينيين. وهو ما يعد إهمالا فاضحا للدبلوماسية في منطقة من العالم يطلب من أمريكا وبشكل متكرر التدخل فيها. وعندما جاءت المكالمات من الحكومات العربية التي حذرت من الوضع الملتهب في القدس تم تجاهلها. وأعادت الإدارة الأمريكية الدعم لوكالات الأمم المتحدة التي تقدم المساعدة الإنسانية والمعونات للسلطة الفلسطينية، ولكنها مدت اليد الطويلة لعباس. وكانت رسالة بادين له عبارة عن رد متأخر لرسالة التهنئة له بفوزه في الانتخابات الرئاسية قبل أربعة أشهر.

ورغم كل هذا الإهمال، لا يزال لدى أمريكا دور مهم كي تلعبه في خفض التوتر بين إسرائيل وحماس. ورهان بايدن القوي هو وضع ثقله وراء الجهود المصرية، الدولة التي تحتفظ بعلاقات مع حماس وإسرائيل. وهناك إشارات عن محاولات مصرية لوقف إطلاق وبوادر على قبول حماس بها.

وخسرت الحركة عددا من قياداتها العسكرية المهمة في الغارات الإسرائيلية على غزة، وأعلن قادتها النصر ضد إسرائيل مما يعني أنهم حققوا ما يريدون. ومع أن حماس تستمد شرعيتها من الحرب مع إسرائيل، إلا أنها واعية بالمنافع السياسية القليلة التي ستحصل عليها، مما يعطي المصريين شيئا للعمل عليه.

ولكن العبء الأكبر يقع على إدارة بايدن لمنع قتل المزيد من المدنيين، ويحتاج الأمر لأكثر من إرسال مساعد وزير الخارجية لمنع نتنياهو من شن حرب برية على غزة. وهو بحاجة لأن يطلب من بلينكن الاتصال هاتفيا وركوب الطائرة.

وفي الوقت الذي يجب أن تكون الأولوية هي وقف تبادل المقذوفات الصاروخية، يحتاج بايدن للتحضير وإجراء حوار مع نتنياهو أو خليفته حول إحياء الجهود الأمريكية بشأن حل الدولتين. والوضع لم يعد متعلقا بالتوقعات والآمال، بل يجب حله عاجلا أم آجلا.

القدس العربي

—————————

المسألة الفلسطينية ليست معادلة حسابية

في عددها أمس مقالة نشرت في صحيفة «التايمز» البريطانية بعنوان: المستفيد الوحيد من المواجهة الحالية في القدس وغزة هي إيران، كما أنها عنونت افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية حول الأحداث الجارية في فلسطين بأن «المستفيدين من المواجهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية الجديدة هما حماس ونتنياهو».

يمثّل هذان الموقفان رؤية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تناهض مفاهيم التاريخ والحضارة البشريين حول حقوق الإنسان الأساسية، وحقوق الشعوب في التحرر من الاستعمار الخارجي (ودرجته العليا: الاستيطان الإحلالي) والاستبداد الداخلي، واختصارها في مسائل تقدّر من يستفيد (أو من يتضرّر) فحسب.

تقوم آراء أخرى باحتساب عدد الشهداء الهائل الذي يتكبّده الفلسطينيون كلّما هبّوا للدفاع عن حقوقهم، وهو حساب يظهر فيه الفارق الكبير في الضحايا والخسائر، ففي حرب إسرائيل الأولى على قطاع غزة عام 2008 استشهد أكثر من 1436 فلسطينيا، فيما قُتل 13 إسرائيليا، وفي الحرب الثانية عام 2012 استشهد 155 فلسطينيا وقُتل ثلاثة إسرائيليين، وفي الحرب الثالثة عام 2018 استشهد 2174 فلسطينيا فيما قتل 70 إسرائيليا.

تقدّم هذه الصورة الرقميّة الكفاح الفلسطيني في معادلات حسابية تتلخص فيمن يستفيد ومن يخسر، وبذلك تقوّض المبدأ الإنسانيّ الذي تمكنت البشريّة عبره للتحضّر والارتقاء، عبر السعي المتواصل، الشديد الكلفة والدموية، نحو عالم أكثر عدالة، لا يقبل احتلال شعب لآخر، أو استبداد طغمة بمقدّرات شعبها.

لا تستطيع هذه النظرة الحسابية للعالم استيعاب كيف تجرأ شعب صغير مثل الفيتناميين على مجابهة الاستعمارين الفرنسي ثم الأمريكي (وهزيمة الصين في حرب سريعة) أو كيف اعتقد نلسون مانديلا وحزبه الصغير أنه يستطيع أن ينتصر في حرب ضد استعمار استيطاني غربيّ مسلّح في جنوب أفريقيا.

ليس هناك شعب في العالم لا يحمل في ذاكرته وتاريخه هذا النزوع الإنسانيّ المستمر نحو الحرّية، وتختزن كل أمم الأرض، بما فيها الأمم الأقوى حاليا، تواريخ الحروب الأهلية والهزائم والنكبات التي تعرّضت لها، ولا يحتاج المرء أن يكون مؤرخا لمعرفة أن الانتصارات الآنية للقوى الباطشة تتحوّل، في أحيان كثيرة، بفعل عوامل شتى، إلى هزائم تاريخية، وذلك لأن التاريخ لا يخضع للمعادلات الحسابية فحسب.

لا تستطيع هذه الفكرة الجامدة عن التاريخ فهم النضال الفلسطيني نفسه، الذي تعرّض لنكبة كبرى عام 1948، وتعرّض للاحتلال مجددا بعد هزيمة الجيوش العربية (مجددا) عام 1967، لكنّه قام مباشرة بتحدّي الجيش الإسرائيلي المنتصر في معركة الكرامة عام 1968، ثم قام بالانتفاضة تلو الأخرى، ليتعلّم، في كل مرة، دروس المعركة التي سبقتها، ويقوم بالاستعداد لأخرى، وليكون في ذلك، ملهما لغيره من الشعوب العربية التي لا تزال ترى في نضال الفلسطينيين، إلهاما لنضالها ضد الاستبداد، ومعينا لها على تحمّل كوارث الطغيان.

—————————

صهاينة أحفاد عملاء الـ«غستابو» في الشيخ جرّاح وغزّة/ صبحي حديدي

يصحّ، دائماً في واقع الأمر وليس بين حين وآخر فحسب، العودة إلى تلك المؤلفات التي تتناول الهولوكوست وتبدو غريبة للوهلة الأولى لأنها تضع المرجعية الصهيونية، مؤسسات وممثلين على نحو متّحد، في موقف مواجهة تآمرية ضدّ اليهود أنفسهم؛ وفي حال تواطؤ مع ألدّ أعداء اليهود، في أوروبا على الأقلّ، أي الإيديولوجية النازية ومؤسساتها وجيشها وأجهزتها، وفي ملفّ مأساوي فريد هو الهولوكوست وما سُمّي بـ«الحلّ النهائي». ولا مناص، في المقابل، من أن العودة إلى تلك المؤلفات تكتسي بطابع خاصّ ملحّ، حين تتكشف هذه أو تلك من الركائز الزائفة للصهيونية، أو هذا الوجه أو ذاك من بواطنها الفاشية، تماماً كما يحدث اليوم في القدس وغزّة.

وهذه السطور سوف تبدأ من كتاب يوسيف غرودزنسكي، أستاذ الألسنيات في جامعة تل أبيب، والذي صدر بالعبرية أولاً في سنة 1998، ثمّ في نسخة إنكليزية منقحة سنة 2004، تحت عنوان «في ظلّ الهولوكوست: الصراع بين اليهود والصهاينة في أعقاب الحرب العالمية الثانية». موضوع الكتاب، باختصار شديد كافٍ في ذاته، هو التالي: دور المشاركة المباشرة الذي لعبته المؤسسة الصهيونية وعدد من كبار الصهاينة في مختلف وقائع الهولوكوست، خلال أربعينيات القرن الماضي؛ ودورها في تحويل الفاجعة الإنسانية إلى صناعة دعائية، وكيف انطوى ذلك الدور على تواطؤ مباشر صريح بين بعض القيادات الصهيونية وكبار ضبّاط الرايخ الثالث المسؤولين عن تصميم وتنفيذ ما عُرف باسم «الحلّ النهائي» لإبادة اليهود.

خلاصة مفاجئة بالطبع، ولكن للوهلة الأولى فقط، لأنّ التفاصيل المذهلة التي يسوقها غرودزنسكي، بعد سيرورات تنقيب ونبش وبحص مضنية شملت عشرات الوثائق الصاعقة والأدلة الصادمة؛ تضع المفاجأة جانباً، وتستبدلها بمعادلات منطقية لا خلاف حولها، بصدد استعداد صهاينة تلك الأزمنة للدخول في كلّ وأية صفقة تسهّل إقامة «دولة يهودية» في فلسطين التاريخية، حتى إذا كانت الدروب إلى هذا الهدف سوف تُعبّد بأرواح آلاف اليهود. إلى هذا فإنّ الكثير من الوقائع التي يرويها غرودزنسكي ليست جديدة، وقد أتى على ذكرها عدد من مؤرّخي الرايخ الثالث، وعدد آخر من المؤرخين اليهود أنفسهم؛ لكنّ جديد «في ظلّ الهولوكوست» كان أنه هذه المرّة يتناول التفاصيل وقد وُضعت في سياقات تخصّ جانباً محدداً بعينه.

ذلك الجانب تحتويه الأسئلة التالية: كيف جرى، ويجري، تسويق الهولوكوست لأسباب سياسية صرفة تطمس، وأحياناً تشطب تماماً، سلسلة الوقائع الإنسانية التي تسرد عذابات الضحايا وآلامهم وتضحياتهم؟ وكيف جرى، ويجري، الضغط على ضحايا الهولوكوست أنفسهم، وأحفادهم من بعدهم، للهجرة إلى فلسطين المحتلة رغم إرادتهم غالباً؟ وكيف استقرّ دافيد بن غوريون على الرأي القائل بضرورة تضخيم حكاية سفينة «الخروج» الشهيرة، سنة 1947، كي تشدّ أنظار العالم إلى مأساة اليهود وتستدرّ العطف عليهم والتعاطف مع الوكالة اليهودية التي كانت تقوم مقام دولة الاحتلال الراهنة؟ وكيف أنّ الحقيقة الأليمة خلف حكاية السفينة لا تنطبق، أبداً، على الجوانب الملحمية البطولية كما جرى تلفيقها في رواية ليون أوريس الشهيرة، وفي فيلم أوتو بريمنغر الأشهر…

والملفّ يشتمل خصوصاً على «قضية كاستنر»، التي بدأت فصولها سنة 1945 حين بادر اليهودي الهنغاري مالكئيل غرينفالد (أحد الناجين من الهولوكوست، وكان يومئذ يبلغ من العمر 72 سنة) إلى نشر كرّاس صغير يتهم فيه اليهودي الهنغاري رودولف كاستنر (الذي كان قيادياً صهونياً بارزاً وأحد أقطاب الـ«ماباي»، حزب بن غوريون)، بالتعاون مع النازيين خلال سنتَي 1944 و1945. لقد وافق الأخير، بعد تنسيق مباشر مع الضابط النازي المعروف أدولف إيخمان قائد الـ«غستابو» آنذاك، على «شحن» نصف مليون يهودي هنغاري إلى معسكرات الإبادة، بعد أن طمأنهم كاستنر وبعض معاونيه إلى أنّهم سوف يُنقلون إلى مساكن جديدة؛ حتى أنّ البعض منهم تسابقوا إلى صعود القطارات بغية الوصول في توقيت أبكر، والحصول على مساكن أفضل! وكان الثمن إنقاذ حياة كاستنر وبعض أقربائه، ثمّ غضّ النظر عن هجرة 1600 يهودي إلى فلسطين.

وهذا الكرّاس تحوّل إلى قضية حين رفع كاستنر دعوى أمام القضاء الإسرائيلي ضدّ غرينفالد، بتهمة تشويه سمعته. وبعد أخذ وردّ أصدر القاضي بنيامين هاليفي حكمه بأنّ كاستنر تعاون بالفعل مع النازيين و«باع روحه للشيطان». المثير أنّ كاستنر قرّر استئناف الحكم، لكنه اغتيل في عام 1957 في ظروف غامضة، الأمر الذي تشكك فيه االمؤرخة الإسرائيلية إديث زيرتال في كتابها «الموت والأمّة: التاريخ، الذاكرة، السياسة»؛ وتعزو اغتياله إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لأنّ وجوده على قيد الحياة بات مصدر إحراج للدولة. ولكي يفضح القضاء الإسرائيلي، مجدداً، أكذوبة توصيف الكيان الصهيوني بدولة قانون، برأت المحكمة العليا كاستنر بعد وفاته؛ الأمر الذي لم يطمس حقيقة أنّ القضية كانت قد حطّمت – للمرّة الأولى منذ بدء فصول الهولوكوست – الحدود شبه المقدّسة بين الضحية والقاتل، وأسقطت الحصانة المطلقة التي تمتّع بها اليهودي في المسؤولية عن الهولوكوست.

وإذْ يستعرض غرودزنسكي سلسلة الأسباب التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب، يشير إلى نهج صهيوني رئيسي خلال الأربعينيات مفاده قسر اليهود على الهجرة إلى فلسطين، ويكتب التالي: «بينما جرى ربط تأسيس الدولة بنزاع مع العرب حول الأرض، فإنّ الأمر انطوى أيضاً على نزاع مع اليهود حول البشر. وإذا كان الكثير قد كُتب حول الجانب الأوّل، فإنّ القليل فقط تناول الجانب الثاني، وهذا الكتاب محاولة لسدّ الفراغ عن طريق تركيز عدسة نقدية على الحركة الصهيونية ما قبل الدولة».

وغرودزنسكي يقتبس إسحق رابين (الذي يوصف عادة بأنه «نبيّ السلام»، حتى عند بعض فلسطينيي تمجيد اتفاقيات أوسلو) في مدائحه للعسكريين اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين، طواعية هذه المرّة وليس إرغاماً. لكنه يتناسى، إذْ يصعب على مؤرخ مثله أن ينسى، أنّ رابين نفسه لم يشارك، سنة 1993 بصفة رئيس حكومة الاحتلال، في إحياء الذكرى الخمسين لانتفاضة غيتو وارسو إلا بعد أن حرص قبيل سفره على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى «غيتو فلسطيني» بشروط أسوأ مما كان عليه الغيتو الذي ذهب يستعيد ذكراه.

وللراغب(ة) في الاستزادة حول التعاون النازي الصهيوني، ثمة الوقائع التي ساقها سنة 2017، عمدة لندن الأسبق كين لفنغستون بصدد اتفاقية الترانسفير الموقعة في آب (أغسطس) 1933 بين وزير الاقتصاد النازي، والرابطة الصهيونية في ألمانيا، وممثل بنك الأنغلو – فلسطين الذي كان تحت إدارة يهودية. ومن المعروف أنّ تصريحات لفنغستون حول هذه القضية تسببت في فصله من حزب العمال البريطاني. هنالك، أيضاً، كتاب «51 وثيقة: التعاون الصهيوني مع النازيين»، الذي وقّعه الأمريكي الكاتب والناشط في الحقوق المدنية ليني برينان وصدر سنة 2002 عن دار Barricade Books في نيوجيرسي. وهذا كراس يستكمل كتاب برينان «الصهيونية في عصر الدكتاتوريين»، الذي صدر سنة 1983 واستعرض تفاصيل التعاون الصهيوني مع النازية والفاشية وطغاة العالم. أخيراً، وليس آخراً، تصحّ استعادة ألبرت أينشتاين في رسالته إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، سنة 1948، حيث يعتبر أنّ «حيروت»، حزب مناحين بيغن، «مرتبط على نحو وثيق، في تنظيمه وطرائقه وفلسفته السياسية ودعوته الاجتماعية، بالاحزاب النازية والفاشية».

ليست مبالغة، إذن، أن يُرى أبناء وأحفاد عملاء الـ»غستابو» ونازية الأربعينيات، وهم يرتكبون الجرائم والفظائع في حيّ الشيخ جراح وباحات المسجد الأقصى وباب العامود وقطاع غزّة، فضلاً عن اللد وأمّ الفحم وحيفا..

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

——————-

إيكونوميست: في الجولة الأخيرة من المواجهات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التفاوض هو الطريق لا إدارة النزاع/ إبراهيم درويش

قالت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها أن الطريقة الوحيدة لوقف دوامة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي المفاوضات التي ستجلب السلام لإسرائيل وفلسطين وأن التحكم بالنزاع لا يعد حلا. وأضافت أن المواجهة كانت جاهزة للانفجار والعالم كان يحب أن يتجاهلها، فمرة أخرى لكز الفلسطينيون والإسرائيليون بعضهم البعض إلى حافة الحرب بالأرض المقدسة.

فقد تم شن مئات الصواريخ من في غزة على القدس وتل أبيب وجنوب إسرائيل فيما ضربت الغارات الإسرائيلية غزة التي تسيطر عليها حركة حماس بشدة، وقتل العشرات أكثرهم من الفلسطينيين في المواجهة.

وقالت إن القتال الذي لم ير مثله بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات كانت في قلبه القدس. وبدأت عندما قرر قادة الشرطة الإسرائيلية إغلاق ساحة “بوابة دمشق” التي تقود إلى المدينة القديمة المسورة ومكان تجمع الفلسطينيين في ليالي رمضان ولأسباب “أمنية” مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وجرح المئات ثم بدأت الصواريخ بالوصول. وأشارت أن العنف كما هو الحال يترك نتائج سلبية. فتحويل المدن الإسرائيلية “إلى جهنم” كما هددت حماس لن يساعد الفلسطينيين الذين يعانون بشكل كبير في غزة، بل وعلى العكس. فكل صاروخ تطلقه حماس يعطي إسرائيل الفرصة للزعم أنه لا يوجد هناك شريك للسلام وتشديد حصارها على غزة. ولكن على إسرائيل أيضا أن تعيد النظر في استراتيجيتها. فقادتها يتعاملون مع النزاع بشكل عام كمشكلة يمكن إدارتها لا حلها. ومع ذلك فمعاملتها للفلسطينيين تؤدي إلى المشاكل. وأزمة اليوم هي متوقعة مع أن الشرارات التي أشعلتها لم تكن معروفة. وتعبر القدس عن المشكلة، فمع أن إسرائيل تزعم أنها “العاصمة الأبدية الموحدة” لها إلا أن سكانها منقسمون، ففي الجزء الشرقي منها لا تزال تعيش فيه غالبية فلسطينية مع أنها احتلتها عام 1967. وتركت اتفاقيات أوسلو القدس ضمن موضوعات الحل النهائي التي سيتم التفاوض عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن إسرائيل بنت جدار فصل بينها ومناطق الفلسطينيين. وهي تحاول تقوية زعمها في المدينة من خلال إحاطتها ببيوت جديدة لليهود وإجبار سكانها على الخروج. ومع أنهم يشكلون نسبة 38% من السكان إلا أن الفلسطينيين فيها لا يعتبرون مواطنين بل مجرد “مقيمين” ولهم الحق في العناية الصحية والإجتماعية ولكن ليس على قدم المساواة مع اليهود.

وبدا التباين في القانون في القضية المعروضة أمام المحكمة العليا والتي سخنت من حرارة الجو، فهي تقوم بمراجعة قرارا لطرد عائلات فلسطينية من الشيخ جراح، بالقدس الشرقية. وبيوتهم قائمة على أرض كان يعيش فيها اليهود قبل 1948. ويمنح القانون الإسرائيلي الورثة باستعادة أملاك في القدس الشرقية، وهو حق ليس مضمونا للفلسطينيين الذين شردوا من بيوتهم في القدس الغربية أو اي مكان في إسرائيل. وليس غريبا استعداد الفلسطينيين المقيمين في المدينة للاحتجاج. ولكن الظلم في أماكن أخرى أسوأ، فقد راقب الفلسطينيون في الضفة الغربية إسرائيل وهي تصادر أراضيهم وتبني مستوطنات عليها، وهو عمل غير قانوني حسب القانون الدولي. وعليهم التعامل مع حواجز التفتيش ونظام التصاريح المرهق. وفي غزة هناك أكثر من مليوني مواطن قطعوا عن العالم من خلال الحصار الذي فرضته مصر وإسرائيل منذ عام 2007 عندما سيطرت حماس على القطاع، وتعاني المنطقة من مشاكل توفير الطاقة الكهربائية ومياه الصنابير وسخة، وقاد اليأس من الوضع إلى العنف في 2018 و2019 ويغذي الجولة الحالية. ومع ذلك يتجاهل الساسة الإسرائيليون النزاع. ولم يظهر الموضوع الفلسطيني في أي من الجولات الانتخابية الأربع التي نظمتها إسرائيل في الفترة الماضية. ويشعر الكثير من الإسرائيلية بالراحة من شعار بنيامين نتنياهو “ضد الحل” ويبدو غير مهتم بالبحث عن حل دائم مع الفلسطينيين.

ويعمل منافسوه على صفقة قد تخرجه من الحكم، ولكنهم لم يطرحوا أي شيء قبل الجولة الأخيرة من العنف، أي أفكار حول التعامل مع النزاع. وترى المجلة ان القادة الفلسطينيين سهلوا على إسرائيل التخلي عن السلام، فحماس مهتمة بإطلاق الصواريخ أكثر من تحسين حياة الغزيين. ولم تفعل حركة فتح التي تدير الضفة الغربية الكثير. فزعيم الحركة محمود عباس في عامه السابع عشر في الحكم. وفي 29 نيسان/إبريل قرر تأجيل الانتخابات حيث لام إسرائيل لأنها منعت سكان القدس الشرقية من التصويت فيها. وفي غياب المنظور الجيد للمستقبل يفضل الشبان الفلسطينيون مواجهة إسرائيل، وهو ما يجعل من أحداث العنف المتكررة حتمية. ولن يحل الوضع إلا المفاوضات وعلى القوى الغربية والإقليمية الدفع باتجاه استئنافها. ويجب أن يعود الإسرائيليون والفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات، فحل النزاع أصعب من إدارته، ولكن المفاوضات هي الخطوة الدائمة للخروج. وقالت إن الجولة الأخيرة في المواجهات لن ينهيها وقف إطلاق النار طالما لم يرفق بتحسين الظروف المعيشية لسكان غزة.

القدس العربي

———————-

نقطة تحول اسمها “الشيخ جراح”: نحو منظومة رموز ثقافيّة جديدة للصرّاع/ ندى حطيط

“الشيخ جراح”، اسم حركي سيدخل صحائف التاريخ وسماً لملحمة صمود بليغة شهد عليها العالم أجمع حيّة على الهواء، قدّمها أهل مدينة السلام المقدسة. وهم لم يبقوا وحدهم بل هبّ لنجدتهم بقيّة الفلسطينيين في مختلف أقاليم احتلالهم، سواء في أراضي الـ1948، أو غزّة، كما بعض مناطق الضفّة الغربيّة. ونجح هذا الشعب الذي يقاتل بلحمه في إعاقة الخطط الإسرائيليّة الشّرهة لسرقة بيوت المواطنين الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح المجاور للحرم الشريف، وتصدوا ببسالة كونية بصدورهم للمستوطنين اليهود الذين كانوا يخططون لإقامة حفل استفزازي ضخم في ذكرى احتلال القدس (الغربيّة) قبل أن تمتد المواجهة في أشكال متفاوتة إلى مواقع أخرى عبر البلاد الفلسطينية المحتلّة: إطلاق نار وإحراق مخافر شرطة واقتحام وصواريخ تثخن المستوطنات من عسقلان إلى تل أبيب.

هذا الانتصار اكتسب قيمة أرفع بكثير من مجرّد الحسابات الفوريّة للأرباح والخسائر، وأعداد القتلى والجرحى، أو الفترة الزمنيّة المحددة التي انتهت قوات الاحتلال مضطرة إلى تأجيل تنفيذ قرارها بشأن مصادرة البيوت المستهدفة، وسعيها في الكواليس إلى ترتيب هدنة سريعة. إذ نجح الفلسطينيّون، رغم كل المناخ الكئيب الذي أغرق قضيتهم بعد سيئة الذّكر “صفقة القرن”، وتسابق أنظمة عربيّة كثيرة إلى تبني التطبيع الدافىء مع الدّولة العبريّة، والانقسامات المتعاظمة بين فصائلهم السياسيّة المتنافسة إلى استعادة مزاج الصمود والتصدّي، بل ونقل المعركة إلى خلف خطوط العدو. هذه القيمة الأثمن تجلّت في انتفاضة الشيخ جرّاح كشمس ملتهبة في فضاء القوّة الرّمزية (الناعمة) والتي رغم (نعومتها) الظاهرة تظلّ دائماً الأخطر والأفعل بما لا يقاس مقارنة بتمثلات القوّة الماديّة المحض، والتي حرصت (إسرائيل) منذ نشأتها دويلة لقيطة في الشرق العربيّ على أن كرستها أساطير تفوّق عسكريّ، وهيمنة عرقيّة، وتعالٍ أخلاقي على سكان المنطقة الأصليين.

عن القوّة الرّمزية أو الوعي الزائف

ربما كان فريدريش إنغلز – أوّل من وصف مفهوم القوة الرمزية وجبروت تأثيرها على الأفراد والمجموعات عندما تحدّث عن “الوعي الزائف”، وهو أمر توسّع في وصفه لاحقاً المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في تناوله لديناميكيّات الهيمنة قبل أن يؤسس الفرنسي بيير بورديو نظريته حول رأس المال الرّمزي.

بورديو أشار إلى أنّ الرّموز الثّقافية أكثر هيمنة من القوى الماديّة في تحديد التسلسل الهرمي للسّلطة عبر المجتمعات وبينها، وأن الفئة المهيمنة في مجتمع ما – وفي حالة فلسطين القوّة العبريّة المحتلّة – تكرّس وعياً مزيفاً في أذهان الفئة المهيمن عليها ليتقبلوا مكاناً أدنى في المجتمع وكذلك في ذهن الفئة المهيمنة كي يكتسب أفرادها ثقة مضاعفة، مما ينعكس بشكل أو آخر على صيغة التعامل والسلوك اليوميّ بين الطرفين، ويقلل بالنتيجة من الحاجة لممارسة القهر بمطلق القوّة الماديّة، ويمنح كذلك تلك القوّة الماديّة أبعاداً وتأثيراً ردعيّاً أوسع بكثير من واقعها. ويطلق خبراء السياسة على الرّموز الثّقافيّة في سياق العلاقات الدّوليّة تسمية القوّة الناعمة، لكن الثيمة تبقى واحدة.

الإسرائيلي عمل طويلاً مسنوداً من القوى الغربيّة دائماً على بناء معالم هذه القوّة الرمزيّة لتمتين هيمنته على الفلسطينيين والجيران العرب، ومنح مواطنيه إحساساً زائفاً بالأمان والتفوّق في وسط محيط شعبيّ معاد، وبذَل جهوداً مؤسسيّة منظّمة رصدت لها ميزانيّات ضخمة عبر أدوات الإعلام وتزوير التاريخ ومواد الترفيه بغرض قبولها كأمر واقع وحس سليم لديهم، فيما شارك في نشرها وتفشيها بينهم بعض العرب، إمّا عن قلّة معرفة أو عن سوء نيّة أو كليهما.

معالم القوّة الرّمزيّة الإسرائيليّة

غالباً لا يلاحظ كثيرون تأثير الرّموز الثقافيّة عليهم، لكنّهم يكتشفون حضورها ساعة كسرها وتحديها، الأمر الذي يدفع إلى البحث عن رموز بديلة لملء الفراغ الذي تتركه تلك التي كسرت.

وفي انتفاضة الشّيخ جرّاح على قصر عمرها الزّمني كسر الفلسطينيون رموزاً ثقافيّة إسرائيليّة كانت تعمّقت عبر الأيّام:

– إن القوّة الإسرائيليّة العسكريّة والأمنيّة قاهرة ولا يمكن التصدي لها فعليّاً ومن الأفضل تقبّلها كواقع.

– وإن أوجه المقاومة الفلسطينية لا تحظى بالقبول دولياً وتصنّف – قبلنا أم لم نقبل – في إطار الإرهاب، وهي أقرب للعبث منها للعمل المؤثّر.

– وإن الفلسطينيين ما عادوا شعباً واحداً، فهم تفرقوا شيعاً وأحزاباً وقبائل وطوائف وفصائل، ولم يعد هناك الكثير مما يجمعهم سوى العواطف والأكلات الشعبيّة.

– وإن دور الفلسطيني في أيّ مواجهة بين الطرفين هو في تلقي الضربات والصفعات دون امتلاك القدرة لا على ردّ الفعل، وحكماً على استحالة امتلاك زمام المبادرة.

نحو منظومة رموز ثقافيّة جديدة للصرّاع

كل مصادر القوّة الرمزيّة الإسرائيليّة تلك والتي نُسجت عبر السنوات تبخّرت خلال أيّام وساعات قليلة:

-فتصدى الفلسطينيون بفعاليّة لكل المحاولات الإسرائيليّة للسيطرة على الأوضاع في المدينة القديمة وأبدى أهل القدس عناداً غير مسبوق في مواجهة عصابات المستوطنين، سواء التي استهدفت الحرم القدسي أو التي استهدفت حيّ الجراح لدرجة أن الإسرائيلي دُفع للتراجع عدة مرّات، وتسابق أغلبهم من نواب الكنيست وطلاب المدارس إلى الملاجىء، وألغيت أو أُجّلت الاحتفالات والمناورات والإجراءات جميعها ومعها وهم القوّة القاهرة.

وقدّم المقدسيّون بشجاعتهم نموذجاً للصّمود في المكان والزّمان دفعت عتاة مؤيدي إسرائيل عبر العالم إلى مراجعة تصريحاتهم الإعلامية حول تعريف الإرهاب ومسارعتهم اللاعقلانيّة إلى وصم كل عمل فلسطيني مقاوم بنغمة “الإرهابيّ” الثقيلة. هذه المرّة لم يعد هناك حتى مكان للوهم فيمن هو الإرهابي. هم مستوطنون رعاع، وجنود متوحشون في مواجهة أناس مدنيين، وشباب متسلحين بابتسامة تُفجِّر أجساد الصهاينة وتُفقدهم لذة الاحتلال وشهوة الاغتصاب وغريزة الامتلاك.

– وإن الفرقة والتشظي التي عمل الكيان العبري – بمساعدة أنظمة عربيّة أحياناً – على تعميقها بين (أنواع) الفلسطينيين تبعثرت رماداً في الهواء، وهوت قلوب الفلسطينيين وقبضاتهم الغاضبة على العدو في كل مكان وجدوا فيه فكأنهم على قلب رجل واحد: فلا فرق بين فلسطينيّ وفلسطينيّ إلا بمقدار المقاومة سواء في اللّد أو حيفا أو الناصرة أو القدس أو غزّة.

– وفوق ذلك كلّه، لم يعد الإسرائيلي بكل جبروته المادي بقادر على فرض جدول أعمال المواجهة وحيداً.

الفلسطينيون صاروا بقدرتهم الماديّة المحدودة يصدرون تهديدات للكيان، ويحددون للعدو ساعات صفر للالتزام، وينفذوا تهديداتهم على الوقت، ويوجعوا ويشغلوا ويرهقوا منظمة الدّفاع الأمتن في الشرق الأوسط، وينشروا الرّعب بين ملايين الإسرائيليين.

منظومة الرموز الثقافيّة الجديدة، وقد كتبها الفلسطينيون بدمائهم في الأيّام القليلة الماضية، لها ما بعدها في أجواء الصرّاع. هذا شعب لا يهزم ولا يمكن تحويله إلى هنود حمر شرق أوسطيين، ولربما حان للإسرائيليين الذين جُلبوا إلى هذه البلاد في لحظة تآمر استعماريّة قديمة التفكير مليّاً بالعودة إلى مسقط رؤوسهم في أمريكا أو أوروبا أو إفريقيا.

إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن

القدس العربي

———————–

إسرائيل نحو إطالة عدوانها على غزّة هرباً من أزمتها الداخلية وبحثاً عن “إنجاز عسكري”/ صالح النعامي

تلعب محدودية المكاسب العسكرية، وتفاعلات الأزمة السياسية الداخلية، دوراً مهماً في دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى إطالة أمد عدوانه على قطاع غزة.

وتقلص الأزمة السياسية الداخلية بشكل واضح قدرة القيادة السياسية تحديداً على اتخاذ قرار وقف العدوان على غزة. فمن يتحكم في قرار الحرب هما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بني غانتس، وكلاهما في حالة صراع سياسي مفتوح وعلني.

وكان غانتس، الذي يتزعم حزب “كاحول لفان” ضمن الذين أوصوا بتكليف زعيم المعارضة يئير لبيد بتشكيل الحكومة؛ فضلاً عن أنه وجّه خلال الحملة الانتخابية وبعدها جملة من الانتقادات القاسية لسلوك نتنياهو.

وبعد الانتخابات خاض نتنياهو وغانتس صراعات مكشوفة على تقاسم الصلاحيات بينهما أدت إلى تعطيل عقد جلسات الحكومة لأسابيع. لذا، فإن مسألة المزايدة السياسية تلعب دورا في التأثير على موقف كل من نتنياهو وغانتس بشأن مسألة تواصل الحرب؛ بحيث إن كلا منهما يخشى أن يخسر على المستوى السياسي الداخلي في حال دفع نحو إنهاء العدوان.

ومن الواضح أن نتنياهو استفاد بشكل كبير من الحرب على غزة، لأنها وفرت الظروف التي قادت إلى سحب حزب “يمينا” بقيادة نفتالي بينت دعمه تكليف لبيد بتشكيل الحكومة، في مؤشر لدعوته إلى دعم نتنياهو.

وعلى صعيد دور تواضع الإنجازات العسكرية في تقليص رغبة إسرائيل في إنهاء الجولة الحالية بسرعة، فقد كشفت صحيفة “هآرتس”، أمس الخميس، أن جيش الاحتلال يستعد لتلقي تعليمات بوقف الحرب على غزة خشية تداعيات انفجار الأوضاع الداخلية في أعقاب الاعتداءات التي ينفذها أعضاء المنظمات الإرهابية في مناطق وجود فلسطينيي الداخل.

إلا أن الصحيفة لفتت، في الوقت ذاته، إلى أن ما يدفع المستويين السياسي والعسكري إلى إطالة أمد الحرب حقيقة أن جيش الاحتلال لم يتمكن حتى الآن من عرض “صورة نصر” يمكن أن تقنع الجمهور الإسرائيلي بأنه تم تحقيق إنجازات تبرر وقف العملية.

ومع أنه قد سقط أكثر من مئة شهيد ومئات الجرحى في عمليات القصف الوحشية التي ينفذها جيش الاحتلال في قطاع غزة، فضلاً عن استهدافه المؤسسات المدنية في القطاع على نطاق واسع، إلا أن صانعي القرار في تل أبيب يعون، في المقابل، أن هذه “الإنجازات” لا يمكنها أن تمحو تأثير المقاومة الفلسطينية على “وعي” الجمهور الإسرائيلي، كما قال المعلق الإسرائيلي عموس هارئيل.

ومن ضمن “صور النصر” التي حققتها المقاومة الفلسطينية، ورصدتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، كانت تغطية صواريخ المقاومة كل مناطق إسرائيل، والمس برموز سيادية، مثل مطار بن غوريون، وضرب مرافق استراتيجية، مثل أنبوب نفط “إيلات عسقلان”، الذي راهنت إسرائيل على دوره ليكون بديلاً عن قناة السويس، فضلاً عن المس بثقة الجمهور والنخب الإسرائيلية بالقيادة السياسية والمستوى العسكري.

كما عكس ذلك مغادرة المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” ينيف بوكوفتش، أمس، مؤتمراً للمتحدث باسم الجيش هيدي زيلبرمان احتجاجاً على “كذبه وفبركته القصص”.

ويعد موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أحد العوامل التي تمكن إسرائيل من إطالة أمد العدوان.

وعلى الرغم من اتصال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بنتنياهو وحثه على إنهاء العدوان، إلا أن إدارة بايدن أحبطت تحركاً صينياً ونرويجياً لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث العدوان على غزة، كان يُفترض أن تُعقد اليوم الجمعة، وأصرت على عقدها بعد غد الأحد، ما يتيح لإسرائيل الوقت لضرب كل أهدافها في القطاع.

وعلى الرغم من أن ما تقدم يتيح لإسرائيل إطالة أمد المواجهة، إلا أن القيادة في تل أبيب تعي أنه لن يكون هناك جدوى من تواصل المواجهة إلى أمد بعيد في ظل العجز عن وقف إطلاق الصواريخ، وفي ظل مخاوف من اندلاع حرب أهلية على خلفية المواجهات بين فلسطينيي الداخل وعناصر التنظيمات الإرهابية، ومع تنظيم تظاهرات في أرجاء الضفة الغربية.

من هنا، فليس من المستبعد أن توقف إسرائيل الحرب بعد أيام، بحيث تبرر ذلك بأنها حققت أهدافها عبر المس بقدرات “حماس” العسكرية والبشرية، كما توقع المتحدث السابق بلسان الجيش الإسرائيلي روني ملنيس.

العربي الجديد

————————–

مجزرة جديدة في غزة: استشهاد أب وأم حامل وأولادهما الأربعة

استيقظت عائلة الطناني الفلسطينية، في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، الخميس، على وقع مجزرة، راح ضحيتها أسرة كاملة مكوّنة من 6 أفراد، وجنين في بطن والدته.

المجزرة وقعت ضمن عملية قصف عنيفة شنّتها المقاتلات الإسرائيلية، وبمشاركة من الآليات المدفعية على طول المنطقة الشمالية لقطاع غزة.

هذه العملية، التي جاءت دون سابق إنذار، حوّلت المنطقة إلى كتلة من النار الملتهبة، مسببة الذعر والخوف في صفوف المواطنين.

كما تسببت بسقوط أعداد من المنازل على رؤوس ساكنيها، من بينها تدمير نحو 10 منازل في مربّع سكنيّ كامل.

منزل الطناني، كان أحد المنازل في هذا المربع، الذي شهد تدميراً كاملاً بعشرات الصواريخ التي أطلقتها الطائرات بشكل عشوائي، بحسب حاتم الطناني، شقيق الشهيد رأفت (38 عاماً).

    صور من المــجـــزرة التي نفذها الاحتلال بحق عائلة الطنـــاني شمال قطاع غزة.#GazaUnderAttack #غزة_تحت_القصف pic.twitter.com/MRAdEeWFyd

    — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) May 14, 2021

وقال حاتم لـ”الأناضول”: “تم استهداف منزل شقيقي، بشكل مباشر، بعدد من الصواريخ، وبدون تحذير”. وأضاف أن لحظة قصف المنزل، كان يجري مكالمة هاتفية مع شقيقه، آخر ما سمعه منه هو نداء استغاثة “الحقني يا أخي.. الحقني يا أخي”.

التحديثات الحية

الاحتلال يصعّد عدوانه على غزة: 450 صاروخاً خلال 40 دقيقة

وبذلك، استشهد رأفت وزوجته راوية أبو عصر (35 عاماً) وجنينها في بطنها، وأطفاله إسماعيل (6 سنوات)، وأمير (5 سنوات)، وأدهم (4 سنوات)، ومحمد (3 سنوات).

وارتفع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اليوم الجمعة، إلى 119 بينهم 31 طفلاً و19 امرأة، إضافة إلى 830 جريحاً.

وقد انتشلت أطقم الدفاع المدني، فجر اليوم الجمعة، جثامين خمسة شهداء فلسطينيين، بينهم أمّ وأبناؤها الثلاثة، من تحت ركام المنازل المدمرة، بفعل القصف الإسرائيلي على بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.

وأفاد مصدر بالدفاع المدني “الأناضول”، بأن الشهداء هم الأمّ لمياء العطار (27 عاماً) وثلاثة من أبنائها وهم محمد (5 أشهر)، وأميرة (6 سنوات) وإسلام (5 سنوات)، والسيدة فايزة أبو وردة (45 عاماً).

(الأناضول، العربي الجديد)

العربي الجديد

————————

الوقوع الفلسطيني المتكرّر في الفخ الأميركي/ أسامة أبو ارشيد

مرّة أخرى يتجدّد النقاش، فلسطينياً، حول الموقف الأميركي في خضم العدوان الصهيوني المتصاعد على الشعب الفلسطيني. ومرّة أخرى، يتصرف بعضهم وكأنهم مفاجئون من انحياز إدارة أميركية جديدة لصالح إسرائيل. سبق أن كتبتُ موضحاً، غير مرّة، أن الإطار العام للموقف الأميركي من القضية الفلسطينية هو الانحياز والتواطؤ لصالح الكيان الصهيوني. هذا ما تجزم به الحقائق الراسخة الموثقة منذ عام 1917، وذلك عندما تردّدت حكومة رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج في إصدار وعد بلفور قبل أن تضمن رضى الولايات المتحدة وتأييدها. وقتها، تكفلت الحركة الصهيونية بالأمر، ونجحت في إقناع إدارة الرئيس الديمقراطي وودرو ويلسون بذلك.

منذ ذلك الحين، مروراً بمحطتي النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، وما تلتهما من نكبات ونكسات، لم تحد الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية وديمقراطية، عن دعم إسرائيل والانحياز إليها، سواء رغبة أم ضعفاً أمامها وأمام اللوبي الداعم لها في الولايات المتحدة. ولمن سيسأل عن مثال على تواطؤ الضعف أمام إسرائيل أذكّره بالمحاولات الجادة للرئيس الأسبق باراك أوباما لإقناع حكومة بنيامين نتنياهو، عامي 2009 و2010، بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية وشرقيِّ القدس، على أمل استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وهو الأمر الذي انتهى إلى فشل مخزٍ.

المشكلة هنا أن بعضهم، فلسطينياً، يتقمص شخصية صاحب الذاكرة القصيرة، أو ربما المصاب بالزهايمر أمام هذه الحقيقة. أسابيع قليلة بعد فوز الرئيس الحالي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، سارعت السلطة الفلسطينية إلى إعادة ما تصفه بـ”التنسيق الأمني” مع الدولة العبرية، والذي كانت قد علقته في مطلع العام نفسه، بسبب إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب خطته المعروفة بـ”صفقة القرن”، والتي تنسف ما تبقى من فتات الحقوق الفلسطينية. حينها علّل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية العودة إلى “التنسيق الأمني” بما وصفه بتصريحات بايدن الأكثر إيجابية حول القضية الفلسطينية إذا ما قورنت بأفعال ترامب. لن أسهب كثيراً في تفصيل مواقف بايدن مرشحاً، أو بعد انتخابه وتنصيبه رئيساً. لم يتردّد بايدن يوماً في تأكيد انحيازه لإسرائيل. من ذلك، تدخّله شخصياً في البرنامج الوطني الانتخابي للحزب الديمقراطي، في أغسطس/ آب الماضي، وحذفه كلمة “احتلال”، في الإشارة إلى الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة، ثمَّ تشديده وتشديد أركان إدارته على أنهم لن يتراجعوا عن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولن يعيدوا السفارة الأميركية إلى تل أبيب .. إلخ.

هل كانت هذه الحقائق غائبة عن القيادة الفلسطينية الرسمية؟ قطعاً لا. ولكنها ديدن من لا منطق لديه، لأنه يعلم أنه حشر نفسه في زاوية ضيقة ليس له منها نفاذ. لعقود طويلة، تعاملت القيادة الرسمية الفلسطينية مع المفاوضات مع إسرائيل كلاعب شطرنج هاوٍ. تلكم كارثة بحد ذاتها. أما “الوسيط النزيه”، أي الولايات المتحدة، فإنه لم يخف يوماً أن “النزاهة” بالنسبة له تعني الانحياز الصارخ لصالح إسرائيل. من ثمَّ، ولأن القيادة الرسمية الفلسطينية تحصد بذار أخطائها الاستراتيجية، وهي لا تزال تزرع البذور ذاتها، فإنها تحاول أن تضلّل شعبها عبر التدليس عليه، وكأن إدارة ترامب تمثل النقطة المرجعية في سوء الموقف الأميركي. صحيحٌ أن إدارة ترامب أوجدت حالةً من التماهي مع أجندة اليمين الصهيوني المتطرّف، بحيث تحوّلت إلى قناة لتمريرها ومحاولة فرضها على الفلسطينيين، والمنطقة عموماً، إلا أن هذا لا يعني أن إدارة بايدن الحالية حليف للفلسطينيين. وهذا لا يعني، أيضاً، أن الإدارات السابقة لم تكن منحازة لإسرائيل. تاريخ الظلم والعسف الأميركي بحق فلسطين والفلسطينيين لم يبدأ بترامب، ولن ينتهي ببايدن.

كما إدارة أوباما قبل عشر سنوات، تمارس إدارة بايدن تواطؤ ضعف جديدا أمام إسرائيل. لم يكن الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية، أولوية لدى هذه الإدارة. هي ترى في الصين أولاً، وفي روسيا ثانياً، أهم تحدّيين جيوستراتيجيين للولايات المتحدة. لذلك هي تريد الانسحاب من أفغانستان، والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وإنهاء حرب اليمن. أيضاً، لذلك هي لم تعيّن، إلى اليوم، سفيراً في إسرائيل، وتأخر اتصال بايدن بنتنياهو شهراً بعد تسلمه الرئاسة. في حين جاء أول اتصال رسمي أميركي رفيع مع القيادة الفلسطينية الرسمية في خضم العدوان الإسرائيلي الحالي على الشعب الفلسطيني. محاولات التخفّف الأميركي من صداع الشرق الأوسط هدفه التفرّغ للصين وروسيا. ولكن، وبغض النظر عن مقاربات واشنطن للشرق الأوسط، فإن إسرائيل قادرة دائماً على إفسادها، وبالتالي إفساد بعض مقارباتها الاستراتيجية الأوسع المرتبطة بها.

في خطابه يوم الأربعاء الماضي، تحدث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن ضرورة وضع كل الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية جانباً، على أساس أن “القدس وفلسطين وحّدتنا، فلا يفرّقنا شيء، ولا يجوز أن يفرقنا شيء”. كلام جميل، غير أنه تكرّر كثيراً وسمعناه مرات ومرات. لا أحب أن أكون صوت الشؤم هنا، ولكني على يقين من أنه لن تلبث أن ترجع “حليمة إلى عادتها القديمة”، إن عاجلاً أو آجلاً. وللتذكير فقط، ساعد الأمن الفلسطيني قوات الاحتلال الإسرائيلي في ملاحقة منفذ عملية زعترة منتصر شلبي واعتقاله، مطلع شهر مايو/ أيار الحالي، وكانت انتقاماً للانتهاكات الإسرائيلية في القدس، وخصوصاً في حي الشيخ جرّاح حينها.

العدوان الصهيوني الوحشي الحالي على الشعب الفلسطيني يستلزم مقاربة جذرية جديدة في التعامل معه. وحدة الشعب الفلسطيني في كل ساحاته للتصدّي لهذا العدوان ينبغي أن توقظ كل من طال عليه أمد السبات. في قطاع غزة، في الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة عام 1948، وفي الشتات، هبَّ الشعب الفلسطيني كله دفاعاً عن القدس ومقدّساتها وأهلها. واليوم، يهب الشعب الفلسطيني كله مؤازرة لغزة. الشعب الفلسطيني يستحق قيادة جديدة تمثل تطلعاته وتضحياته وصموده وبطولاته. قيادة تجسّد وحدة الشعب الفلسطيني العضوية، وإرادته الصارمة في سبيل نيل حرية وطنه من بحره إلى نهره. أما المراهنون على الأوهام وعلى واشنطن، فإنهم يمارسون خداعاً آخر للذات في انتظار الكارثة المقبلة. صحيح أن هناك تغيرات جادّة في صفوف الحزب الديمقراطي لصالح الشعب الفلسطيني، ولكن ترجمتها إلى تغيير حقيقي وذي معنى في المقاربة الأميركية للصراع ستأخذ وقتاً، وهذا ما لا يملكه الفلسطينيون على الأرض الآن. دعوا هذا الأمر لفلسطينيي أميركا، ولكن لا تختزلوا مستقبل الشعب والقضية في هذا التغيير، حدث أم لا.

العربي الجديد

————————

فلسطين كلها تنتفض .. ملاحظات أولية/ إيهاب محارمة

في أقل من شهر، وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حواجز حديدية لمنع الفلسطينيين من الوجود في ساحة باب العامود؛ وهي الحيز العام الذي يقع في قلب مدينة القدس، ويوجد فيه الفلسطينيون بشكل دائم لممارسة أنشطتهم وفعالياتهم، ولا سيما في شهر رمضان. كما نفذت حملة اعتقالات واسعة لشبان وأطفال فلسطينيين في أغلب مدن فلسطين المحتلة وقراها، واقتحمت المسجد الأقصى وأخرجت المصلّين منه، واعتدت على الفلسطينيين الذين حاولوا الوصول إلى كنيسة القيامة للاحتفال بسبت النور، ومنعتهم من أداء شعائرهم الدينية، وحمت مستوطنين متطرّفين دعوا إلى “حرق العرب” والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، وصعّدت في حي الشيخ جراح، الذي يشهد عملية ممنهجة لطرد (وتهجير) عائلات فلسطينية تقيم في الحي منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، وأعلنت عن إطلاق عملية باسم “حارس الأسوار” لقصف قطاع غزة، أدت إلى سقوط شهداء عديدين، بينهم أطفال ونساء.

في الوقت نفسه، قدّم الفلسطينييون نموذجهم النضالي الشعبي الشامل داخل فلسطين وخارجها ضد ممارسات الاستعمار الإسرائيلي، ونظام الأبارتهايد. في ضوء ذلك، تفيد ملاحظات أولية بأننا أمام لحظة فلسطينية مهمة في النضال ضد الاستعمار الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد، ويبدو أن استمرار هذا الفعل النضالي وتطوره أمران ممكنان، إذا توفرت له الظروف الملائمة على الصعيد الشعبي، وإذا تمكّنت النخب السياسية الفلسطينية من التعاطي بمسؤولية وطنية مع هذا الفعل النضالي، وإذا وفرت الدعم السياسي للشبان المنتفضين، وإذا شكّلت قيادة وطنية سياسية موحدة تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية، تستند في سلوكها إلى نضال المنتفضين.

أولًا، قاوم الفلسطينيون المنتفضون سياسة تجزئة الشعب الفلسطيني وتقسيمه التي بدأت منذ عام 1948. فعلى أثر الطرد والتهجير القسري الذي مارسته العصابات الصهيونية عام 1948، وجد الفلسطينيون أنفسهم يقيمون في ثلاثة معازل منفصلة بعضها عن بعض، في الأرض المحتلة عام 1948، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي دول الشتات. واستمر هذا الوضع وتطور مع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية “اتفاق أوسلو” عام 1993، وتعريفهم الفلسطيني بأنه المقيم في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتكرّس هذا الوضع وتطور مع الانقسام الفلسطيني عام 2006، وحصار إسرائيل قطاع غزة وعزل سكانه عن باقي فلسطين والعالم. تستند إسرائيل إلى التجزئة، بوصفها السياسة الأبرز لعزل الفلسطينيين بعضهم عن بعض، وتفتيتهم وشرذمتهم سياسيًا وجغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بغرض تحقيق مشروعها الاستعماري العنصري القائم على الطرد والتهجير والتهويد والاستغلال. ورفضًا لذلك كله، رأينا كيف تدحرجت مقاومة المقدسيين ضد الممارسات الاستعمارية من القدس، لتصل إلى مدنٍ عديدة داخل فلسطين وخارجها، فقد سمع أهل القدس صدى مقاومتهم في طبريا ويافا وحيفا والناصرة واللد والرملة ورام الله والبيرة وجنين وطولكرم والخليل وقلقيلية وغزة وبيروت وعمّان ولندن وواشنطن ونيويورك، وغيرها.

ثانيًا، قاوم الفلسطينيون المنتفضون أسطورة أنهم “جيل ما بعد أوسلو”، وهو الجيل الذي ولد بعد تسوية منظمة التحرير قضيتهم مع إسرائيل. منذ توقيع “اتفاقية أوسلو”، نشأ جيل فلسطيني غير مقيد بالانتماءات الحزبية والفصائلية، ولم يشارك في الثورة الفلسطينية المعاصرة، ولا في الانتفاضتين الأولى والثانية. ينمو ويكبر في ظل تنامي البناء الاستيطاني وسياسات التهويد والأسرلة والتطهير العرقي والتهجير القسري والتمييز والفصل العنصري، وفي ظل تغييب النخب السياسية الفلسطينية له في الضفة الغربية وقطاع غزة والأرض المحتلة عام 1948، جيل يؤكد أن ذلك كله لا يُلغي حقه في النضال ضد إسرائيل وسياساتها، ولا في ابتكار أنماط مبدعة وجديدة من المقاومة. على سبيل الذكر، اعتمد هذا الجيل على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما تطبيقات “تيك توك” “وإنستغرام” و”توتير”، لنقل تسجيلات مصوّرة تعبر عن فجاجة جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين، فقد حوّلت هذه المنصات الفلسطينيين جميعهم إلى مراسلين ميدانيين يغطون الأحداث بكثافة، ما منحهم فرصةً مهمة ليصبحوا مصدرًا للخبر، بالتعاون مع مؤثرين فلسطينيين من خارج فلسطين. وقد أثر ذلك بشكل لا لبس فيه على تغطية وسائل إعلام عالمية، ولا سيما الأميركية منها، التي بدأت تستضيف هؤلاء الشبان، وتمنحهم فرصة لنقل وجهة النظر الفلسطينية على منصّاتها على غير العادة. فضلًا عن ذلك، خاطب هذا الجيل مؤثّرين عديدين على وسائل التواصل الاجتماعي، عربًا وأجانب، للكتابة، ونشر تغريدات عن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين. هذا الجيل الذي أكد فلسطينية كل مدن فلسطين الانتدابية، برفعه علم فلسطين وخروجه في مظاهرات ضد سلطات الاحتلال، وترديده شعارات تدعو إلى حرية فلسطين، وهذا الجيل الذي يبتسم عند قيام سلطات الاحتلال باعتقاله وتكبيل يديه، ليُطمئننا بأن الاعتقال لن يؤثر عليه، يقول لنا إن نضاله شامل ومستمر، وإن له تكتيكاتٍ خاصة في مقاومة الاستعمار الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد.

ثالثًا، قاوم الفلسطينيون المنتفضون، في القدس تحديدًا، سياسة “الأسرلة” الاستعمارية. تشهد القدس، منذ عقود طويلة، مخططات أسرلة لتغيير وعي الفلسطينيين وسلوكهم بما يتماشى مع مشروع تهويد القدس وعزلها عن هويتهم الوطنية الفلسطينية والعربية. منذ احتلالها القدس عام 1967، استعانت إسرائيل بوسائل عدة لتحقيق ذلك، ليس آخرها “أسرلة المناهج التعليمية” في المدارس في مقابل تقديم ميزانياتٍ لها، ومحاولة تجنيد المقدسيين بما تسمى “الخدمة المدنية”، مستغلة أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. في الأحداث الراهنة، رأينا سقوط أسطورة “الأسرلة” أمام مقاومة المقدسيين بعفوية للدفاع عن المسجد الأقصى والشيخ جرّاح لمجرّد وضع إسرائيل حواجز حديدية في ساحة “باب العمود”، ورأينا مقاومتهم سلطات الاحتلال بأساليب فاعلة ومبتكرة، ورأينا تحول الشبان المقدسيين إلى مراسلين وسفراء يشاركون في نقل أحداث القدس إلى العالم، ولا سيما أحداث حي الشيخ جرّاح، وباللغتين العربية والإنكليزية، مؤكّدين أن ما تتعرّض له القدس مخطط ممنهج لتهويدها وتهجير سكانها، وأن حمايتهم حي الشيخ جرّاح لا يعني حماية الحي فحسب، بل حماية للقدس أيضًا. وكأن هذا الجيل يؤكد على أبجديات المشروع الصهيوني، بأن إسرائيل مشروع استعمار استيطاني، وأن سياساتها ممنهجة تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم وإحلال مستوطنين يهود بدلًا عنهم.

رابعًا، أظهرت مقاومة الفلسطينيين الفرق بين من يستعمل القدس ذريعة لتأجيل الانتخابات الفلسطينية ومن ينتفض دفاعًا عنها. في الشهر الأخير، وفي ذروة أحداث القدس التي بدأت في منتصف الشهر الماضي (إبريل/ نيسان)، أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى حين ضمان مشاركة الفلسطينيين في القدس المحتلة. وبدا واضحًا أن قرار التأجيل يقف وراءه سعي الرئيس وحاشيته للمحافظة على الوضع الراهن كما هو. وقد عزّزت مقاومة الفلسطينيين أخيرا بشكل واضح عدم حاجة الفلسطينيين “القيادة السياسية” الحالية الموجودة في الضفة الغربية، والتي فشلت في التفاعل مع مقاومة الفلسطينيين، وفي توفير الدعم السياسي الدولي للمنتفضين، بينما اكتفت بإصدار بيانات تنديد واستنكار، وإجراء اتصالات إقليمية ودولية، وإلغاء الاحتفالات بمناسبة عيد الفطر، وتنكيس الأعلام حدادًا على أرواح الشهداء. بل وأظهرت تسجيلاتٌ مصوّرة منع قوات الأمن الفلسطيني فلسطينيين من المشاركة في تظاهراتٍ خرجت في جنين ورام الله. وعلى المنوال نفسه، أظهرت مقاومة الفلسطينيين ضعف بقية القوى والفصائل الفلسطينية، باستثناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في التجاوب مع المنتفضين. فعلاوة على حضورها المتأخر، وبياناتها التي لم تلقَ اهتمامًا من المنتفضين الذين أكّدوا على أن تحركهم هو ثمرة مبادرة عفوية، فشلت هذه القوى والفصائل في استخدام الحدث مدخلًا للضغط على السلطة الفلسطينية، لتشكيل قيادة وطنية سياسية موحدة، تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية. لم يكن هذا الفشل الجماعي بسبب ضعف شرعية السلطة والقوى والفصائل فحسب، بل بسبب ارتهان إرادة هذه القوى للاتفاقيات والمواثيق الموقعة مع إسرائيل التي تعطّل إمكانية بناء إرادة سياسية فلسطينية مستقلة.

خامسًا، أظهرت الأحداث أخيرا أن المقاومة، بجميع أشكالها، هي سلاح الفلسطينيين في مقاومتهم الشاملة ضد المستعمِر الإسرائيلي. فعلاوة على الأشكال النضالية البطولية التي قدّمها المنتفضون في مدن فلسطين الانتدابية، أظهرت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة دورًا فاعلًا في التجاوب مع مقاومة الشبان الفلسطينيين، وهي التي ضربت عدة مدن فلسطينية محتلة عام 1948 بصواريخ متطورة، وبيّنت ضعف منظومة القبّة الحديدية التي تباهي بها إسرائيل أمام العالم. وقد أكد مشهد هذه الصواريخ أن سماء فلسطين تذوقت، ولو مؤقتًا، طعم الحرية، وأن الفلسطينيين بمقاومتهم يتحكّمون بها ويزينونها بصواريخهم.

سادسًا، أكّد الرأي العام العربي سقوط أسطورة ما ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض محطات التلفزة العربية في السنوات الأخيرة، نجاح إسرائيل في تزييف وعي الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية، فمنذ توقيع بلدان الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وقبلها مصر والأردن، اتفاقات للسلام مع إسرائيل، عملت الأخيرة بشراسة لتغيير وتشويه وعي الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية. وقد زادت حدّة هذه الشراسة باعتماد إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل مخاطبة الشعوب العربية بشكل مباشر، وذلك لتشويه الفلسطينيين وقضيتهم، وبث الفتنة بينهم وبين الشعوب العربية. وكان منتظرًا انهيار كل التزييف الذي نُشر ولا يزال ينشر عن الحاجة الاسراتيجية للدول العربية للتطبيع والتحالف مع إسرائيل. وقد رأينا وقفات احتجاجية في بلدان عربية عديدة، من بينها الأردن ولبنان والسودان وتونس والكويت وقطر، وغيرها. كما شهدنا تصدّر وسوم دعم مقاومة الفلسطينيين في جميع البلدان العربية. فعلى سبيل المثال، برز وسم #أنا_عقبة على أغلب منصّات التواصل الاجتماعي في بلدان عربية عديدة، بعد إعادة نشر تغريدة قديمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، عدّ فيها الرأي العام العربي العقبة الحقيقية أمام توسيع دائرة السلام. وتأتي مقاومة الفلسطينيين لتؤكد أن القضية الفلسطينية قضية كل العرب، وأن الرأي العام العربي لا يدعم تطبيع الأنظمة العربية وتحالفها مع إسرائيل، وأن مقاطعة إسرائيل هي مساره في النضال لأجل تحرير فلسطين، وتحرير بلدانها من قبضة أنظمة الاستبداد. فعلاوة على تعرية أسطورة أن التطبيع والتحالف العربي مع إسرائيل جاء ليوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، فإن مقاومة الفلسطينيين ستشكّل ضغطًا على علاقات إسرائيل بشركائها الجدد، كما من المتوقع أن تؤثر على مساعي دول عربية تنوي التطبيع والتحالف مع إسرائيل مستقبلًا.

سابعًا، في الوقت الذي فقد فيه الشعب الفلسطيني الثقة بالمواقف الدولية (دول ومنظمات)، وهي التي لطالما دانت واستنكرت وقلقت من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وبدا هذا واضحًا في مقابلات أجرتها وسائل الإعلام العربية والدولية مع الفلسطينيين. وثمة ملاحظتان هامتان يمكن البناء عليهما بشأن المواقف الدولية تجاه المقاومة التي أبداها الفلسطينيون أخيرا. أولًا، وصفت بيانات دولية عديدة السياسات الإسرائيلية بوضوح، وبمفاهيم جلّها غير معهود، مثل: التهجير القسري، والتطهير العرقي، والفصل العنصري، والإخلاء والطرد والقتل، وغير ذلك. وعلى سبيل الذكر، ورد ذلك في بيانات الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات تابعة للأمم المتحدة. وثانيًا، برزت العديد من بيانات الاستنكار من أعضاء في الكونغرس الأميركي بكثافة غير معهودة، ولا سيما من مري نيومان، وإليزابيث وارين، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وبيرني ساندرز، وكريس فان هولين، وإلهان عمر، وهم الذين وصفوا سياسة إسرائيل في فلسطين بأنها تهجيرٌ وتطهيرٌ وفصلٌ عنصري وطردٌ، وغير ذلك. فضلًا عن انتقاد بعضهم الرئيس الأميركي جو بايدن، لوقوفه إلى جانب سلطات الاحتلال. وهنا يبدو أن تأثير وجود أعضاء في الكونغرس الأميركي من أصول فلسطينية، مثل إيمان جودة وأثينا سلمان ورشيدة طليب وفادي قدورة، ساهم في تعرية إسرائيل وسياساتها أمام العالم. هذه المواقف الدولية تعبر عن تغييرات مهمة، ولا سيما في الولايات المتحدة.

أخيرًا، تذهب كل الدلائل إلى أن الفلسطينيين يقدّمون اليوم نموذجًا مهمًا في تغيير الأمر الواقع الاستعماري، وذلك بدلًا من حالة السكون الفلسطيني المتواترة التي تتحمّل مسؤوليتها القوى والفصائل الفلسطينية، والتي تستغلها إسرائيل لاستكمال مشروعها بتهويد الأرض وسرقتها وطرد الفلسطينيين منها بشكل صامت وبطيء. هذا النموذج النضالي الفلسطيني الشامل داخل فلسطين وخارجها، والمدعوم من جميع الشعوب المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية وحق شعبها بالتحرّر من الاستعمار، يضع الفلسطينيين وقضيتهم على خريطة العالم، ويمنحهم فرصة للتقدّم بنضالهم الشامل خطوة إلى الأمام. ومع أن مبادرات إقليمية ودولية بدأت تظهر لتهدئة التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ومع توقع نجاحها على الرغم من الصعوبات التي تتعرّض لها بسبب التعنت الإسرائيلي، إلا أنه يمكن القول إن النموذج النضالي الذي قدّمه الفلسطينيون في هذه الجولة لا يمكن الرجوع عنه، وهو الذي منحهم أملًا وأفقًا، ولو مؤقتًا، بمقاومة شاملة وموحدة يومًا ما من أجل إنهاء الاستعمار الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد.

العربي الجديد

———————–

حماس” والدرس القاسي لإسرائيل/ رندة حيدر

في حمأة المواجهات الصاروخية الضارية التي تدور بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي منذ أيام، وعلى الرغم من ثمنها الباهظ في الأرواح الفلسطينية، فإن ما جرى، وبغض النظر عما ستؤول إليه التطورات اللاحقة، شكل صفعةً ودرساً لا يُنسى لإسرائيل، بأجهزتها الاستخباراتية والعسكرية، وبصورة خاصة لقيادتها السياسية.

الدرس الأهم أن الجميع في إسرائيل أخطأ في تقدير نيات “حماس”، استخفّ بالإنذار الذي وجهه قائد الذراع العسكرية في الحركة، محمد ضيف، يوم الخميس 6/5، وحذّر فيه إسرائيل من أنها إذا لم توقف عدوانها على حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة ستدفع ثمناً غالياً. وكذلك الإنذار بأنها إذا لم تغير طريقة تعاطيها مع الاحتجاجات حول المسجد الأقصى، فإنها ستتحمل العواقب.

صواريخ حركتي حماس والجهاد الإسلامي، الثقيلة وبعيدة المدى والدقيقة، لم تصب فقط القدس وعسقلان وأشدود وغوش دان، بل الأهم أنها أصابت الكبرياء الإسرائيلي. ما حدث في الأيام الماضية وصفه معلقون إسرائيليون بالمفاجأة، لكن وصفه الفعلي هو صفعة زعزعت مبادئ العقيدة الأمنية التي تعاملت بواسطتها القيادتان، السياسية والعسكرية، مع الوضع في غزة، ومع “حماس” تحديداً.

كشف ما جرى بالدرجة الأولى تآكل قدرة الردع الإسرائيلية، وأن “حماس” وسائر الفصائل لا تخاف، ولا يردعها الدخول في مواجهة صاروخية مع أقوى جيشٍ في المنطقة، وعلى الرغم من عدم التكافؤ الكبير في القدرات العسكرية بين الطرفين، وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه الغزّيون من حياتهم وممتلكاتهم. لقد فاجأت صواريخ “حماس” الجميع، وأجبرت أكثر من مليون إسرائيلي على الاختباء في الملاجئ. وعلى الرغم من تباهي الإسرائيليين بقدرتهم على اعتراض الصواريخ من خلال منظومات متطوّرة مثل القبّة الحديدية وغيرها، فقد فوجئت القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي بالقدرة الصاروخية التي راكمتها “حماس” خلال سبع سنوات، ودقتها في إصابة أهدافها.

الدرس الثاني خطأ التقديرات الإسرائيلية لنيات “حماس” التي توقعت أنه ليس من مصلحة الحركة الدخول الآن في تصعيد كبير. كما تهاوت المقولة التي عمل عليها الإسرائيليون، منذ انتهاء عملية الجرف الصامد، في العام 2014، بأن قيادة “حماس” يهمها حالياً بالدرجة الأولى تحصين حكمها، وتحسين ظروف الحياة المعيشية لأهالي قطاع غزة، وأنه كلما تحسّنت هذه الظروف أصبحت “حماس” أكثر مرونة واعتدالاً واستعداداً للدخول في تسوياتٍ وتهدئة بعيدة المدى في القطاع. اعتقد الإسرائيليون أن في وسعهم تدجين “حماس”، كما فعلوا مع السلطة الفلسطينية، لكنهم كانوا على خطأ.

الدرس الثالث، تمكّن حركة حماس من وضع موضوع القدس والصراع على المسجد الأقصى مجدّداً في قلب الأحداث والاهتمام الدوليين. لقد تحركت “حماس”، هذه المرّة، لنصرة الشباب المقدسيين المدافعين عن المسجد الأقصى، ولوقف اقتلاع العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جرّاح. ومن خلال تحرّكها العسكري، جسّدت “حماس” وحدة مصير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس، وكذلك عرب الـ48، حيث أبرز دليل على ذلك موجة الاحتجاجات العنيفة في بلدات مختلطة في شتى أنحاء البلاد، والمواجهات بين السكان العرب من جهة والشرطة الإسرائيلية وأنصار اليمين من اليهود المتطرّفين من جهة أخرى، ما أثار المخاوف من اندلاع حرب أهلية بين العرب واليهود.

يعترف الإسرائيليون الآن بفشل سياستهم الملتبسة حيال حركة حماس طوال السنوات الماضية، وافتقارها إلى مقاربة عميقة وبعيدة المدى. لقد تبيّن اليوم أن السياسة التكتيكية القائمة على تعزيز الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال إضعاف السلطة الفلسطينية وتأجيج المنافسة بينها وبين “حماس”، لا يمكن أن تشكّل سياسة ناجعة لمعالجة المشكلة الفلسطينية المستعصية، وأن هذه المعالجة الخرقاء حولت “حماس”، بحسب قول أحد المعلقين الإسرائيليين، إلى “زعيمة الساحة الفلسطينية” بلا منازع.

يدّعي الإسرائيليون أن تأجيل أبو مازن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني جنّبه فوز “حماس” الساحق فيها، لكن الراهن اليوم، على الرغم من الألم والدماء وعدم التكافؤ في موازين القوة، أن “حماس” حققت الهدف الذي كانت تسعى إلى تحقيقه في الانتخابات.

ستكون الأيام المقبلة حاسمة وحرجة للغاية، سيما في ظل التهديدات عالية النبرة من إسرائيل بأنها ستدفّع “حماس” ثمناً باهظاً. ولكن مهما ستؤول إليه المواجهة الدائرة، فإن ما حققته واضح. إسرائيل التي تملك أقوى جيش في المنطقة في ورطة. وما يجري حالياً على الجبهة مع غزة لا بد أن تكون له تداعيات أيضاً على سائر الجبهات. وقد ثبت اليوم أن الإهمال الإسرائيلي المتعمد للمشكلة الفلسطينية، والتعويل على استمرار الستاتيكو في القدس وفي المسجد الأقصى وسياسة إدارة النزاع لم يعد مجدياً، ومن دون حل المشكلة الفلسطينية لن يعرف الإسرائيليون الهدوء.

العربي الجديد

———————–

هذه فلسطين والابتسامة تصنع حياتها أيضاً/ نديم جرجوره

الحاصلُ في فلسطين حالياً يؤكّد، مُجدّداً، قولاً لجان ـ لوك غودار، أمام صورتين فوتوغرافيتين قديمتين، تلتقط الأولى يهوداً ذاهبين بحراً إلى فلسطين، أو “الأرض الموعودة” كما يُعلِّق السينمائيّ؛ والثانية لفلسطينيين يغادرون، بحراً أيضاً، “إلى الغرق”. هذا عائدٌ إلى عام 1948. يقول غودار بعد تعليقه هذا: “اليهود يلتحقون بالمتخيّل (الروائيّ)، والفلسطينيون بالوثائقيّ”.

يُستعاد التعليق الآن، بعيداً عن أي تفسير غوداريّ، يمتزج فيه الواقع والتاريخ بالسياسة والاحتلال، والفنّ بالأخلاق. ما يصنعه فلسطينيّو القدس وغزّة، ومدنٍ أخرى، يرتقي بالفنّ إلى مصاف الوثائقي، أي الواقعي، فالبلد لهم، والواقع يصنعونه، والتوثيق يحضر، فوتوغرافياً وأشرطةً. الوثائقيّ واقعٌ. الروائي متخيّل، وإنْ يستند إلى واقع.

التعليق الغوداريّ خبيثٌ، وخبثُه سينمائيٌّ جميلٌ وحقيقيّ. الصورة الفوتوغرافية تترافق وتسجيل أشرطة. الوجوه المبتسمة لفلسطينيات وفلسطينيين، الموثّقة بصُور وأشرطة، تُحيل الواقع إلى فعلٍ، يُساهم في معركة صمودٍ وبقاء. الوثائقيّ يؤكّد حقّاً للفلسطيني في بلده وأرضه وتاريخه وذاكرته وراهنه. الوثائقيّ يصنع معجزة البقاء، وبهاء الصمود. الآلة الإسرائيلية قاتلة، وهذا معروف. لكنّ الفلسطيني يعي أنّ المواجهة قدرٌ، وعلى المواجهة أنْ تلتزم موقفاً أخلاقياً، يتجلّى بقولٍ لمُقاتل فلسطيني، يظهر في فيلمٍ تسجيليّ قديم، يستعيده مهنّد اليعقوبي في “خارج الإطار، ثورة حتّى النصر” (2016): “لا يستطيع أيُّ مقاتل أنْ يُواجه آلة حربية، كالتي يمتلكها الإسرائيليون، ما لم يكن هذا المقاتل يملك قضيةً عظيمة يُقاتل من أجلها. حبُّنا الكبير لوطننا أكبر من كُرهنا لعدوّنا. الحب دافعنا لا الكراهية. لهذا السبب، سننتصر”.

المسألة الأخلاقية غير معنيّة بأي تخاذل أو تراجع. الحبّ غير مرتبط بخضوع أو استسلام. المُقاتل ليس حامل سلاحٍ فقط، يريد استعادة بلدٍ وأرضٍ وتاريخ وشعبٍ. كلّ فردٍ مُقاتل، بحجرٍ أو تشبثّ بمنزل أو نظرة تحدٍّ أو توثيق لحظة. العيون ـ التي تُتوِّج ابتسامات فلسطينيات وفلسطينيين يعتقلهم جنود الاحتلال ـ تقول أخلاقاً وحبّاً أقوى من كلّ قيدٍ. الانتصار غير محسوم، فالقاتل وحشٌ، ومن يُسانده، دعماً أو قولاً أو مالاً أو صمتاً، أكثر وحشية منه. لكنّ الحبّ باقٍ، وفعل الحبّ أكثر وعياً من جهلٍ وحقدٍ وعماء. الحبّ والابتسامات، كذاك النور المُشعِّ من العيون، يستفزّ القاتل، ويدفعه إلى مزيدٍ من عنفٍ، يعتاده الفلسطينيون والفلسطينيات، ويصمدون أمامه بأنواعٍ شتّى. الحبّ فيهم يجب أنْ يكون أقوى من عنف القاتل. يجب أنْ يبقى، وهذا ليس انكفاءً أو قبولاً بمهانة، فالحبّ هذا لن يكون ضربة على خدٍّ أيمن ثم أيسر، بل فعل حياة أقوى من وحشية القاتل وجنونه.

هذه ابتسامةٌ وذاك نور. لكنْ، هناك أيضاً دمع وقلق. هذا طبيعي. هذا حقيقيّ. هذا يوثِّق راهناً، فيصنع حياةً.

أكتبُ هذا في منزلٍ، في مدينة بعيدة عن عنف الإسرائيليّ ووحشيته، وعن بهاء الابتسامة الفلسطينية والنور الساطع من عيون شابّة، تقول إنّ الحاصل سيُقوّي عزيمة البقاء والتحدّي، وإنْ تأخّر الانتصار. أكتبُ. لا شيء أملكه سوى الكتابة. أما الفعل الحقيقي، فهناك، وهناك يُدعَون فلسطينيين وفلسطينيات، وهذا كافٍ.

العربي الجديد

—————————

صواريخ غزة وخرافة التفوّق الإسرائيلي/ بشير البكر

صواريخ “حماس” عبثية. قال ذات يوم مضى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس. وأراد من ذلك أن يقلل من أثرها ومفعولها في معادلة الصراع مع إسرائيل، انطلاقا من محدودية ما كانت توقعه بإسرائيل. لا أحد يعتقد أن الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة يمكن أن تلحق أضرارا توازي القصف الإسرائيلي، وليس مطلوبا منها أن ترسي التوازن الاستراتيحي الذي كان شعار الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، الذي مات ولم يحققه. ليست مهمة هذه الصواريخ ردع إسرائيل عن العدوان، وهي لم تضع ذلك كله على لائحة أهدافها. قد تفعل هذا في المستقبل، وهو أمر غير مستبعد. المطلوب منها اليوم أن تبث شحنةً من الخوف في المستوطن الذي يعتدي على الفلسطيني. يجب أن ينام خائفا، على الأقل.

الجانب النفسي مهم جدا في هذه المعادلة. وقد تبين أثره سلاحا فعالا في كل الحروب، وحين سقطت الصواريخ القادمة من غزة، مساء يوم الاثنين الماضي، على محيط مدينة القدس للمرّة الأولى، شاهد العالم، بالبث الحي، كيف أن الكنيست الإسرائيلي أوقف اجتماعه، وهرع نوابه يتراكضون إلى الشارع. وعلى الطرف الآخر، تلقى الشارع الفلسطيني في القدس جرعةً معنويةً عالية زادت من حماسة المرابطين والمتضامنين الذين كانوا يصلون من مناطق أخرى من فلسطين. وعلى الفور، اشتعلت مواجهاتٌ في مناطق أخرى بين الشباب الفلسطيني وجنود الاحتلال في عدة مناطق.

لو لم تتأثر إسرائيل من صواريخ غزة، لما كانت ردّت عسكريا بهذا العنف، وضربت عمارات سكنية، كما استدعت الاحتياط. هي خاضت عدة حروب ضد قطاع غزة، ولولا القوة والعمليات العسكرية لم ترحل عنه. وأهمية المقاومة هنا أن يشعر المحتل بأن كلفة الاحتلال عالية. وما يطلبه الشارع الفلسطيني اليوم من أبو مازن هو أن يحقق ربع المعادلة التي عزّزتها صواريخ غزة، وأن يستخدم الأوراق التي بين يديه، وليس أقلها ورقة التنسيق الأمني التي تعد عائقا أساسيا في طريق المقاومة الشعبية. ولنا مثال في الانتفاضة الثانية التي اندلعت من القدس عام 2000. كانت انتفاضة الأمن الفلسطيني بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات. ولكن دور هذا الأمن ينحصر اليوم بحماية إسرائيل، والقدس هي المكان الوحيد الذي يتحرّك فيه الفلسطيني بحرية ضد إسرائيل، والسبب عدم وجود أمن السلطة الفلسطينية.

خرافة التفوق الإسرائيلي سقطت حين انسحبت إسرائيل من طرف واحد من جنوب لبنان عام 2000. وأسقطت الهبّة التي بدأت من حي الشيخ جرّاح خرافاتٍ أخرى ظهرت في الأعوام الأخيرة، وكان هدفها إغلاق ملف الصراع بالشمع الأحمر. وبدأت ذلك إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي نقلت السفارة الأميركية إلى القدس، وسار في ركابها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي أقام تحالفا مع إسرائيل، وعمل على بناء جسر للتطبيع وفتح الأبواب أمام إسرائيل كي تخترق العالم العربي، إلا أن تطورات الأيام الأخيرة أعادت تصحيح المسار، وهو أن القدس هي البوصلة، ولن تكون هناك تسوية من دونها.

لا يتجاوز عدد سكان القدس 150 ألفا، ولكنها بؤرة المواجهة مع الاحتلال، ومدى صواريخ غزة يغطي كل فلسطين. إذا توافرت إرادة سياسية إلى جانب أداة دفاع عن النفس، فإن المعادلة تختلف كليا، ويستطيع الطرف الفلسطيني أن يتحدّث بلهجةٍ عالية، ولا يتلقى الإملاءات الدولية وتنفيذ شروط إسرائيل. ولو لم تتحرّك غزة، وتقدّم العون للقدس، لأصبحت في نظر الناس مثل قوى الممانعة التي تبين أنها تتاجر بالقضية. وعموما، اختلف الأمر هذه المرّة، فالصواريخ انطلقت من غزة نحو القدس وباقي الأرجاء، ومن أجل نصرة القدس، أوجدت ميزان قوى جديدا لصالح فلسطين.

العربي الجديد

———————

عشرات المعتقلين في حيفا واللد ويافا مع استمرار المواجهات بالداخل الفلسطيني

اعتقلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ليل أمس الخميس، 48 شخصاً في مدينة حيفا و19 شخصاً في مدينة يافا و43 شخصاً في مدينة اللد، التي فرضت عليها السلطات حظراً للتجوال الليلة قبل الماضية، بعد إعلان حالة الطوارئ، مع استمرار المواجهات بعد استفزازات واعتداءات لمئات من المستوطنين يتقدمهم نشطاء “لاهافا” تحت حماية عناصر شرطة الاحتلال.

وادعت الشرطة أن المعتقلين مشتبه بهم بإثارة “أعمال الشغب وإلقاء الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة على قوات الأمن، وتنفيذ عمليات إطلاق نار وإضرام النار في كُنس يهودية وأماكن عامة، بالإضافة إلى اشتباكات ألحقت أضراراً جسيمة بالممتلكات والبنية التحتية في المدينة”.

واشتعلت المواجهات مساء الخميس بين فلسطينيي الداخل وأعضاء التنظيمات الصهيونية الإرهابية ومستوطنين يهود، في أكثر من بلدة ومدينة داخل الخط الأخضر.

وعرضت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية “كان”، مشاهد يظهر فيها عناصر من تنظيم “لاهافا” ومستوطنون يهود من سكان اللد، وهم يتجولون بالسلاح في طريقهم لاستفزاز الفلسطينيين في المدينة.

وبحسب القناة، فإن شرطياً للاحتلال أُصيب بجروح في مدينة الرملة، المجاورة لمدينة اللد، عندما أُطلقت النار عليه هذا المساء.

وأشارت القناة أيضاً إلى أن مجموعة من الشباب اليهود تجمعوا في مدينة “بات يام” المتاخمة لتل أبيب، بهدف التوجه لتنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين في مدينة يافا.

ونقلت القناة عن مصادر شرطية قولها إن أحد جنود الاحتلال أصيب بجروح بالغة في هجوم نفذه فلسطينيون في يافا.

———————–

ثقافةٌ هي العمق الذي يُقاوم/ محمد الأسعد

ما يحدثُ الآن في فلسطين تمازجٌ بين زمنين؛ زمن اقتلاع شعب من معناه وتشتيته وتذريته في مهبّ الريح في عام 1948، وزمن نهوض هذا الشعب من رماده كما الفينيق، على كامل تراب وطنه، في عام 2021. يقول هذا التمازج بجلاءٍ ما بعده جلاء، إن فلسطين تستعيد معناها وتلمّ شتات أمكنتها وأزمنتها، ليس بالعودة إلى الأمس وما قبله، بل بالاتّجاه نحو المستقبل، وعودة الإنسان الفلسطيني إلى مِلْحه ومائه بعد سنوات من تغييبه في الفيافي والعواصم بعيداً عن أرضه.

ويقول هذا التمازج أيضاً، إن ما يحدث هو تصفية ثقافةٍ قامت على محو وِحدة هويّة الشعب والأرض، وزراعة مفاهيم مضلّلة، مثل “فلسطين بيتٌ يُلقي ظلين”، والأرض محلّ نزاع بين “شعبين”، و”عملية السلام”، و”إقامة دولتين”، وما إلى ذلك من أوهام التهمت أحلام أكثر من جيل بالتحرير والعودة، التهمت أحلاماً هي أصدق من تخريف كذبة الملتحقين بعربات الصهاينة بذريعة الواقعية والعقلانية.

مقابل هذا، ها نحن نشهد، ويشهد معنا عالمٌ متنوّع اللغات والأصوات، ابتكار نصّ ثقافةٍ مُحرِّرٍ، سواء كان مكتوباً أو مرسوماً أو مغنّى. مُحرِّر للأنا الفلسطيني بقدر ما هو محرِّرٌ للغير والآخر العربي؛ نصّ ثقافة يتضاءل أمامه معنى المستعمِر الذي اصطنعت له دول الاستعمار الغربي لغةً وهويّة وزرعته في فلسطين حين كانت تضع يدها على خريطة الوطن العربي وتشكّلها وتشكّل ثقافتها كما تشاء، وحين كان المحيط العربي وسواحله مسرحاً لأساطيلها في النصف الأوّل من القرن العشرين، وما تلاه.

ما يحدث الآن، مع هذا النهوض الذي يشبه نهوض طائر يمدّ جناحيه شرقاً وغرباً، ليس تحريراً فقط للنصّ الأدبي والفنّي والسياسي والاجتماعي الفلسطيني من استعمار ثقافي تعرّض، وما زال يتعرّض له، هو والنص العربي على حد سواء، بل هو هدمٌ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى للمستعمرات التي أقامها الصهاينة، من أيّ جنسية كانوا، في الأدمغة والعقول، مثلما أقاموها على الأرض أيضاً.

يقول هذا النهوض بلسان أجيال وأجيال متتالية، ونار بعد نار، ليس أمام هؤلاء الصهاينة، بمختلف جنسياتهم والبلدان التي جاؤوا منها، إلّا لملمة بقايا لغتهم المصطنعة وهويّتهم المختلقة والرحيل إلى بلدانهم الأصلية.

لم تكن السنوات التي مرّت منذ أن مدّهم المستعمرون البريطانيون أوّلاً، ثم الأميركيون ثانياً، بأسباب القوة للاستيلاء على بيوت وحقول وجبال وسهول وسواحل الفلسطينيين، خالية من الحضور الفلسطيني أو العربي الذي جعلهم يحسّون دائماً بأنّهم يحتلّون تراباً غريباً مرعباً. ليس بسبب موجات الفدائيين التي لم تتوقّف عن الانطلاق إلى فلسطين منذ خمسينيات القرن الماضي، أو تصدّي جيوش عربية رغم أنّها مفقرة ومحاصرة لهجماتهم فقط، بل وبسبب خطاب ثقافةِ مقاومة راسخة في العمق من وعي ومخيّلة شعب ردّ قطعان المغول والفرنجة على امتداد ثلاثة قرون (من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر)، ثم تصدّى لموجاتهم الإنكليزية والإيطالية والفرنسية والإسبانية المخرّبة بعد الحرب العالمية الأولى.

ثقافة العمق هذه هي التي اصطدمت بها الموجة الصهيونية حين تدفّقت إلى لبنان في أوائل الثمانينيات، وانكسرت، ويتواصل انكسارها منذ ذلك الوقت بعد كلّ اندفاعة، سواء كانت نحو جنين أو غزّة، إلى أن اتّضح أن العمق الذي اصطدمت به هو العمق الشعبي، وهو ذاته العمق الذي ينهض الآن في فلسطين كلّها بشكل لا يُذهل إلّا ذوي العقول المزروعة بمستعمرات من كل الأنواع، ولكنه، بالنسبة للأصحّاء، لا يزيد على تذكيرهم بأنّ ما حفظته ذاكرة آبائهم وأمّهاتهم، وما مدّتهم به رواياتهم عن انتفاضات وثورات العرب في أرياف العراق وسورية وفلسطين والمغرب، أي عن ثقافة المقاومة السارية من الأجداد إلى الأحفاد، ليس تخيّلاتٍ بل وقائعَ وحقائق مَثُلت وما تزال تنتظر المثول من جيل إلى جيل.

من هنا يمكن أن نفهم عمق اليأس الذي يتغلغل في أعماق قطعان المستعمرين الصهاينة الآن، فهم لم يعجزوا فقط عن استعمار مخيّلة وثقافة هذا العمق الشعبيّ، حتى مع اتفاقيات الاستسلام التي جرَّ إليها الأميركيون، ومَن والاهم، نطائحَ ومتردياتِ عددٍ من “ولاتهم” العرب الذين هم ليسوا سوى دمى يحرّكونها فتظهر أشباحها على ستارة هذه الدولة أو تلك، بل لم يعودوا قادرين على النجاة من الزلزال الذي يُحدثه نهوض الشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني، فيرتجفون، ويترنّحون، وهم يتشبّثون بالساحل الفلسطيني الذي أقاموا عليه مستعمراتهم، ولم تغادرهم مخاوفهم الجاثمة على صدورهم منذ ما يقارب سبعين عاماً.

* شاعر وروائي وناقد من فلسطين

العربي الجديد

————————

ليلة وحشية في غزة..وواشنطن تمدد لإسرائيل حتى الأحد

ارتفعت حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة إلى 119 شهيداً بينهم 28 طفلاً و19 امرأة ونحو 830 إصابة؛ فيما صعّدت إسرائيل منسوب عدوانها إلى مستوى غير مسبوق.

وواصلت قوات الاحتلال القصف جواً وبحراً وبراً بشكل مكثّف وعشوائي، منذ منتصف ليل الخميس، بينما كانت دفعات الصواريخ تنطلق من القطاع في اتّجاه المدن والبلدات الإسرائيلية، لا سيما الجنوبية منها.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الجمعة، إنه هاجم أنفاق حركة حماس شمالي قطاع غزة، مستخدماً 160 طائرة حربية، و500 قذيفة مدفعية، بحسب متحدثيه. ووصفت مصادر عسكرية إسرائيلية هذه الأنفاق على أنها “ميترو حماس”.

    سلسلة من الغارات الجوية العنيفة المتتالية على شمال قطاع #غزة pic.twitter.com/deo7b8OVRi

    — Mohamad Kleit (@kleitm) May 13, 2021

وذكر بيان صادر عن الناطق باسم جيش الاحتلال باللغة العربية صباح الجمعة، أنه “منذ منتصف الليلة الماضية شاركت نحو 160 طائرة من نحو 6 قواعد جوية واستخدمت 450 صاروخاً وقذيفة للإغارة على نحو 150 هدفاً خلال نحو 40 دقيقة”.

وأضاف “كانت هذه الغارات تهدف الى توجيه ضربة قوية الى المصالح تحت الأرضية – مترو حماس الموجود تحت الأحياء الشمالية والشرقية في محيط مدينة غزة…  تُعتبر الانفاق كنزاً إستراتيجياً لحماس وستتضح نتائجها خلال ساعات اليوم. هناك ضربة قوية لكليومترات عديدة من الأنفاق في شمال قطاع غزة”.

وزعم بيان جيش الاحتلال أنه “بالمقابل تم القضاء كما يبدو على مسؤول كبير في منظومة إطلاق القذائف المضادة للدروع التابعة للجهاد الإسلامي، بالاضافة إلى ذلك اعترضت القبة الحديدية قبل قليل طائرة من دون طيار في جنوب قطاع غزة”.

وحاول الاحتلال الإسرائيلي فجر الجمعة، بث أنباء حول توغّل لقوّاته في قطاع غزة، أعلنه المتحدث باسم جيش الإسرائيلي، قبل أن يتراجع ويقول إنّ الجنود لم يدخلوا القطاع، مدعياً حصول خطأ داخلي “في التواصل”، وذلك في أعقاب نشر قوات الاحتلال المزيد من الآليات العسكرية على طول السياج الأمني الفاصل شرقي القطاع واستدعاء المزيد من القوات.

وأعلن جيش الاحتلال عن رصد إطلاق 190 صاروخاً من قطاع غزة باتجاه إسرائيل خلال الفترة من السابعة من مساء الخميس إلى السابعة من صباح الجمعة. وقال إن 7 إسرائيليين قتلوا وأصيب 523 أخرين في القصف الصاروخي من قطاع غزة منذ يوم الاثنين.

ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً افتراضياً علنياً حول “النزاع الإسرائيلي الفلسطيني” الأحد. وأعلنت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عقد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن “بشأن الوضع في إسرائيل وقطاع غزة”.

وقالت غرينفيلد فجر الجمعة، إن “الولايات المتحدة ستواصل الانخراط بنشاط في الدبلوماسية على أعلى المستويات لمحاولة تهدئة التوترات” بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

وهذا الاجتماع الذي كان مقرّراً الجمعة، يُعقَد بطلب من تونس والنرويج والصين، ومن المتوقّع أن يحضره مبعوث الأمم المتّحدة إلى الشرق الأوسط تور وينيسلاند، إضافةً إلى ممثّلين عن إسرائيل والفلسطينيّين.

وقال دبلوماسي إنّ الولايات المتّحدة التي عارضت عقد اجتماع طارئ الجمعة واقترحت عقده الثلاثاء، “وافقت على تقديم موعده إلى الأحد”.

قُبيل ذلك، كان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أكد للصحافيين في واشنطن، أن بلاده “تؤيّد” عقد اجتماع “في بداية الأسبوع المقبل”. وقال: “آمل في أن يمنح هذا بعض الوقت للدبلوماسية، من أجل تحقيق نتائج ومعرفة ما إذا كنّا سنصل إلى وقف حقيقي للتصعيد”.

وأعرب مندوب الصين، الرئيس الحالي في مجلس الأمن، عن أسفه لمنع الولايات المتحدة عقد اجتماع الجمعة. وقال في تغريدة: “نأسف لمنع عقد اجتماع اليوم الجمعة من قبل عضو واحد، ويجب على مجلس الأمن الدولي التصرف الآن وإرسال رسالة قوية”.

من جهته، دعا أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فجر الجمعة، إلى “تهدئة فورية” في غزة وإسرائيل. وقال في تغريدة: “احتراماً لروح العيد، أدعو إلى التهدئة الفورية ووقف الأعمال العدائية في غزة وإسرائيل”.

وأضاف “لقد مات عدد كبير للغاية من المدنيين الأبرياء” جراء تلك الأعمال. وحذر الأمين العام من أن “الصراع الدائر حالياً لن يؤدي إلا إلى زيادة التطرف والراديكالية في المنطقة بأسرها”.

—————————

شاكر الأنباري…شرعية إسرائيل تعود إلى نقطة الصفر

شرعية إسرائيل تعود إلى نقطة الصفر. ذلك بعد أكثر من سبعين سنة على نشوئها. وهذا ما كشفته الأحداث الأخيرة. إنها لم تستطع خلق هوية وطنية خارج إطارها الديني، رغم الدستور الديموقراطي والطرح العلماني. أسفر الأمر عن شعار ملوّن وجذّاب يسوّق في الداخل أو أمام العالم. فما زال الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، أي عرب 48 كما يطلق عليهم، لم يندمجوا في كيان الدولة، ولا في ما يعرف بشعب اسرائيل، بسبب العنصرية القومية والدينية التي تمارس عليهم كل يوم، وروح العداء المبطن الفاشية في المجتمع بمعظم مؤسساته. كما لم يتم قطع الوشائج بين فلسطينيي الخط الأخضر وبين الفلسطينيين خارجه، وهو ما سعت إليه إسرائيل بدأب طوال كل تلك العقود. في الوقت ذاته لم تنجح الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في حل القضية الفلسطينية حلاً ذا أفق إنساني يحترم كرامة شعب عريق وتاريخه وثقافته. واستمرت في سياسة القضم، والضم، والاستيطان، في القدس والضفة الغربية، عبر مستوطنين تساندهم الحكومة، أو عبر حجج قانونية عتيقة. في المقابل، فشلت اتفاقيات أوسلو في إقامة دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف الاستيطان، مما أفرغ تلك الاتفاقيات من مضمونها، وهمّش دور السلطة الفلسطينية لتصبح غير مقنعة لشرائح واسعة من الفلسطينيين وأحرار العالم. أما التظاهرات العارمة التي عمّت الأراضي الفلسطينية بسبب سياسة اسرائيل القاضية بطرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح، فأبرزت حقيقة الترابط الحي للشعب الفلسطيني، سواء داخل الخط الأخضر أم خارجه. في الضفة، وقطاع غزة، والشتات.

اسرائيل برؤيتها العنصرية المستندة إلى القوة في التعامل مع الأزمات البنيوية في نشوئها، واستمرارها، أثبتت الصواريخ المنطلقة من غزة، الواصلة إلى معظم المدن الاسرائيلية بما فيها العاصمة تل أبيب، أن القبة الحديدية، والدروع النارية، والقنابل النووية في ديمونة، كلها لا تجدي كثيراً. ولن تجدي مستقبلاً بوجود شعب حي يبتكر أساليبه للحصول على حقوقه المعترف بها دولياً، وإنسانياً. لقد استعملت تلك الصواريخ اليوم من “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وغداً ستستعمل من أطراف أخرى مهما تنوعت أيديولوجيتها وتوجهاتها، لأن كل الحلول المطروحة أفرغت من مضامينها، خصوصاً حل الدولتين. وبعد أكثر من سبعين عاماً من قيام إسرائيل، تتعالى الأصوات اليوم من القوى السياسية الاسرائيلية يمينها ويسارها، من خشية كبيرة على قيام حرب أهلية في الداخل. وهذا فشل إضافي عميق. إنه في الحقيقة، ينسف واحداً من أساسات قيام دولة اسرائيل، باعتبارها دولة ديموقراطية يتساوى فيها الجميع.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي شاكر الأنباري في صفحته الفايسبوكية.

المدن

———————–

ما هي قدرات “حماس” على خوض حرب طويلة؟/ أدهم مناصرة

تبدو الحرب الرابعة التي يشنها الآن الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، منذ عام 2008، وكأنها مُناسبة مُلحّة لكتائب “القسّام” كي تستعرض ترسانتها العسكرية على مستوى الصواريخ أو الطائرات الانتحارية، إضافة إلى وسائل أخرى لم يُكشف عنها بعد.

وراحت كتائب “القسام” الذراع العسكرية ل”حماس” على وجه التحديد تليها “سرايا القدس” التابعة للجهاد الاسلامي، تستعرضان نتاج صواريخهما التي طورتها منذ انتهاء الحرب الماضية عام 2014.. فكانَ الإعلان يلي الآخر عن صواريخ أشد تدميراً وأدق توجيهاً ومروراً بتحسن طرأ على المسافات الجديدة للعمق الاسرائيلي التي تصلها.

وكان أحدث إعلانات كتائب القسام عن طائرتها المُسيرة محلية الصنع من طراز “شهاب” تم استخدامها لقصف منصة الغاز في عرض البحر قبالة ساحل شمال غزة، الأربعاء، وتحشداتٍ عسكرية إسرائيلية على حدود القطاع ظهر الخميس. فضلاً عن الكشف عن صاروخ “عياش 250” بعيد المدى الذي أطلقته الكتائب على مطار رامون استهدف جنوب فلسطين على بعد نحو 220 كم من غزة.

لكن هل تستطيع المقاومة خوض معركة طويلة؟

يقول مصدر مطلع من “حماس” ل”المدن” إن المقاومة قادرة على خوض معركة طويلة بحيث “تواصل دكّ العمق الاسرائيلي بالصواريخ لمسافات متعددة”، بغض النظر عن كثافة إطلاق هذه الصواريخ التي ستقل مقارنة بالأيام الاولى؛ وذلك لأن المقاومة تعتمد توزيعاً زمنياً وكمياً لعملية الإطلاق تضمن مواصلة الحرب الطويلة، موضحاً ان القسام استطاعت الاستمرار بإطلاق الصواريخ مدة 53 يوماً في حرب 2014 رغم الأضرار التي طالتها نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف.

وبينما ذكرت صحيفة “هآرتس”، أن سلاح الجو الإسرائيلي فوجئ بمدى صواريخ حماس؛ إذ اعتقد أنها تصل إلى 160 كيلومتراً فقط على أبعد تقدير، شدد المصدر من حماس على أن من يقيم في غزة يدرك مدى استعداد القسام لهذه الحرب القاسية بدليل أن المناورة والتدريب وتجربة الصواريخ في عرض بحر غزة كانت تسير بوتيرة مكثفة منذ انتهاء حرب 2014، وهو ما يعني أن ما لدى القسام من صواريخ كماً ونوعاً أفضل مما كان عليه الحال قبل سبع سنوات.

وتشير الأرقام الإسرائيلية إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية أطلقت أكثر من 1600 صاروخ منذ بدء الحرب، مساء الإثنين، بينها عشرات الصواريخ نحو تل أبيب ومحيطها. وهناك تقديرات غير مؤكدة عن 14 ألف صاروخ بحوزة المقاومة.

وتُظهر اسرائيل عدم رغبتها بالتوصل في هذا التوقيت إلى وقف لإطلاق النار عبر الترويج بأنها تريد مواصلة عملياتها حتى تحقق هدفها “المرجوّ” إضافة إلى تلويحها بالمعركة البرية من خلال الدفع بكتائب برية إلى حدود غزة الشرقية.

بيدَ أن مصادر حماس قالت ل”المدن”، إنها تعتقد أن إسرائيل غير جادة بشن معركة برية واسعة وأن الأمر لا يتعدى أكثر من كونها “حرباً نفسية” لدفع حماس إلى قبول وقف لإطلاق النار بصورة “المهزومة” وأن تقبل بهدنة طويلة الأمد منعاً لتكرار جولات التصعيد.

وتابعت المصادر: “لا نعتقد أن إسرائيل في وضع قادرة فيه على تحمل تداعيات المعركة البرية لأن المقاومة ستستخدم حينها وسائل إضافية في المعركة مثل الضفادع البشرية (هجمات عبر البحر) والأنفاق وغيرها”.

بدوره، يقول المتخصص بشؤون الفصائل الفلسطينية عامر أبو شباب ل “المدن”، إن مدى قدرة الأجنحة العسكرية على الصمود في حرب إسرائيلية طويلة براً وبحراً وجواً يعتمد على عناصر أربعة: الأول هو سيطرة حماس التامة على أراضي غزة، ما يُمكنها من هامش حرية الحركة الميدانية.

وأما الثاني، فيتمثل بالخوف الاسرائيلي من التحرك البري إلى عمق قطاع غزة باعتباره مكلفاً ضمن كثافة سكانية فلسطينية هي الأعلى عالمياً في مساحة جغرافية صغيرة. فتقديرات إسرائيل تتحدث عن مقتل 500 جندي إسرائيلي إذا حصل سيناريو التوغل البري إلى عمق المساكن في القطاع.

ويكمن العنصر الثالث، بأنه قد أصبح لدى القسام وسرايا القدس تجارب عسكرية وأمنية وسياسية خلال الحرب بطريقة لا تخلو من المناورة على أكثر من صعيد. إضافة إلى أنه لدى حماس تجهيزات عسكرية لحرب الشوارع والبر لم تكشفها بعد، بحسب ما يؤكد خبراء عسكريون ل”المدن”.

وأخيراً يقضي العنصر الرابع بأن لدى الفصائل في غزة قدرة محدودة كأقل تقدير على التصنيع أثناء الحرب، أي بالحد الأدنى يمكنها أن تصنّع بضعة صواريخ يومياً في أماكن سرية. لكن لو أطلقت المقاومة أربعة أو خمسة صواريخ يومياً اتجاه البلدات الاسرائيلية فيعني ذلك قدرتها على الدخول في حرب مفتوحة.

مع العلم أن ثمة عاملاً آخر يلقي بظلاله على سيناريو الحرب البرية وهو أن مصر متخوفة من هذا الشكل من المعركة لدرجة أن تضغط على اسرائيل لعدم تنفيذها، كونه يؤدي إلى لجوء أعداد كبيرة من سكان غزة إلى سيناء. كلها عوامل مجتمعة تضمن لحماس القدرة على المناورة لوقت أطول.

وقد صرح نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري مؤخراً أن كثيراً من الصواريخ الجديدة لم تطلقها المقاومة بعد. كما قال قائد حماس في غزة يحيى السنوار أثناء اجتماعات الفصائل في القاهرة قبل أشهر بحضور المخابرات المصرية، إن القسام قادرة على دكّ العمق الإسرائيلي بصواريخ لستة أشهر متواصلة.

ويؤكد عامر أبو شباب المقيم في غزة ل”المدن”، أن ما يمكن استنتاجه من المعركة الحالية هو وفرة بانتاج الصواريخ ومرابض إطلاقها الكترونياً وفشل كشفها استخباراتياً من قبل إسرائيل، مضيفاً أن اطلاق العشرات منها دفعة واحدة اتجاه تل أبيب وعسقلان بحيث تفوق قدرة القبة الحديدية على اصطياد الكثير منها هو تكتيك نتاج خبرات متراكمة للقسام والسرايا.

المدن

—————————

إسرائيل ستوقف الحرب..لتجنب فقدان السيطرة على أمنها الداخلي

نقلت شبكة “سي إن إن” عن مصدر مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن الجيش الأميركي سحب 120 فرداً من عناصره العسكريين والمدنيين من إسرائيل، بسبب تصاعد العنف.

وقال المصدر إن القيادة الأميركية-الأوروبية بالجيش الأميركي “سحبت حوالي 120 من العسكريين والمدنيين الذين كانوا في إسرائيل لعقد اجتماعات تخطيط طويلة الأمد”. وأضاف أن تلك المجموعة غادرت على متن طائرة عسكرية إلى ألمانيا الخميس.

وأوضح المصدر أن هذه المجموعة كانت في إسرائيل لعقد سلسلة من اجتماعات التخطيط للتدريبات العسكرية المقبلة. وتابع: “لكن نظراً لتصاعد العنف وعدم قدرة الطائرات التجارية على الطيران داخل وخارج البلاد، فقد تم اتخاذ القرار بأنه من الأفضل لهم المغادرة مبكراً عن طريق النقل العسكري”.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس، إنه يرغب في رؤية “انخفاض كبير في الهجمات الصاروخية خلال أعمال العنف في الشرق الأوسط”. ورأى أنه “لم يحدث رد فعل مبالغ فيه في الرد الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية التي تشنّها حماس”، لافتا إلى أنه يتوقع “المزيد من المناقشات” بشأن خفض التصعيد، تزامناً مع إحراز تقدم في المحادثات.

من جهته، قال المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية أوفير غندلمان الخميس، إن إسرائيل لن توقف عمليتها العسكرية حتى تحقيق الأهداف. وقال غندلمان: “أخبرنا كافة الأطراف التي تسعى للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، أننا سنواصل العملية العسكرية حتى تحقيق أهدافها”، مضيفاً أن “الحديث عن وقف إطلاق النار ليس وارداً في هذا التوقيت”.

في هذا الوقت أعلنت كتائب القسام عن “إطلاق صاروخ عياش 250 بمدى أكبر من 250 كم وبقوة تدميرية هي الأكبر، باتجاه مطار رامون جنوب فلسطين وعلى بعد نحو 220 كم من غزة”.

وقال الناطق باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة إنه “وبأمر من قائد هيئة أركان القسام أبو خالد محمد الضيف، ينطلق الآن تجاه مطار رامون جنوب فلسطين وعلى بعد نحو 220 كم من غزة، صاروخ عياش 250 بمدى أكبر من 250كم وبقوة تدميرية هي الأكبر، نصرة للأقصى وجزءاً من ردنا على اغتيال قادتنا ومهندسينا الأبطال بجزء من إنجازاتهم وتطويرهم”.

وأضاف “نُدخل صاروخ عياش 250 للخدمة ونقول للعدو ها هي مطاراتك وكل نقطة من شمال فلسطين إلى جنوبها في مرمى صواريخنا، وها هو سلاح الردع القادم يحلق في سماء فلسطين نحو كل هدف نحدده ونقرره”.

كما أعلنت “كتائب القسام” أيضا عن استهداف تل أبيب وبئر السبع ونتيفوت وقاعدة تل نوف وقاعدة نيفاتيم برشقات صاروخية.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول إسرائيلي أن “مطار رامون لم يصب بأي صاروخ”، مضيفاً أن المطار يعمل بشكل طبيعي.

واستدعى جيش الاحتلال الخميس، سبعة آلاف جندي من قوات الاحتياط، بحسب وسائل إعلام عبرية “لتعزيز القوات والجبهة الداخلية”.

كتائب القسام كشفت الخميس، عن هجمات ضد أهداف إسرائيلية عبر طائراتٍ مسيّرة مفخخة، وذلك بالتزامن مع إعلان وسائل إعلام إسرائيلية أن السلطات تحذر المستوطنين بغلاف غزة من احتمال تحليق طائرات مسيّرة.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعناصر كتائب القسام وهي تطلق طائرات “شهاب” المسيّرة، وذلك بعد إعلان القسام استهداف منصة الغاز قبالة ساحل شمال غزة بعرض البحر المتوسط بعدد من الطائرات المسيّرة طراز “شهاب”.

    أجمل فيديو ستشاهده اليوم..

    هنا #غزة المحاصرة براً وبحرًا وجوًا

    هنا حيث تُصنع ملاحم العزة والكرامة

    هنا حيث نُعيد كتابة سطور التاريخ بحبر من نور..#شاهد..طائرات ” #شهاب” محلية الصنع التي أدخلتها #كتائب_القسام الخدمة خلال معركة #سيف_القدس.#قصفكم_أسهل_علينا_من_شربة_الماء pic.twitter.com/AkGFORr1KE

    — أدهم أبو سلمية #فلسطين 🇵🇸 (@adham922) May 13, 2021

وقالت القسام في بيان: “أُدخلت إلى الخدمة طائرات مسيّرة انتحارية من طرازشهاب محلية الصنع، استهدفت بها منصة الغاز قبالة ساحل غزة الأربعاء، وتحشدات عسكرية على تخوم القطاع ظهر الخميس”.

وقال جيش الاحتلال إنه أسقط الخميس، “طائرة دون طيار خرقت المجال الجوي الإسرائيلي قادمة من قطاع غزة”. وأضاف، في بيان: “تابعت وحدات الاستطلاع الجوية الطائرة منذ لحظة الاجتياز وحتى إسقاطها”.

وفي السياق، قالت صحيفة “هآرتس” إن تفجر الأوضاع في الداخل الفلسطيني المحتل، يدفع الجيش للاستعداد لإنهاء العملية العسكرية على قطاع غزة.

وقال المراسل العسكري للصحيفة ينيف كوبوفيتش إن قيادة الجيش الإسرائيلي تفترض أن المستوى السياسي لم يعد بوسعه تأجيل موعد إنهاء الحرب على غزة بفعل الأحداث داخل المدن الإسرائيلية، لافتاً إلى أن تكثيف إسرائيل غاراتها في قطاع غزة حالياً يأتي في إطار محاولة تقديم إنجازات قبل الإعلان عن إنهاء الحملة العسكرية.

وأضاف أن “الجيش يستعد لأن يتلقى تعليمات من المستوى السياسي لإنهاء العمليات القتالية ضد غزة، بسبب المواجهات العنيفة في أرجاء إسرائيل التي أججت المخاوف من إمكانية فقدان السيطرة على الأمن الداخلي”.

وحسب كوبوفيتش، فإن هناك قناعة آخذة بالترسخ لدى القادة العسكريين في تل أبيب بأن التهديد الذي تمثله المواجهات بين الفلسطينيين واليهود داخل المدن الإسرائيلية على المجتمع الإسرائيلي أكبر من الخطر الذي تمثله غزة، مما يجعل الجيش مصمماً على محاولة تحقيق إنجازات في مواجهة “حماس” تبرر إنهاء الحملة في أسرع وقت.

المدن

————————–

تعليقا على أحداث فلسطين.. إلهان عمر: الأزمة الحالية سببها دولة تواصل احتلالا غير قانوني

قالت النائبة الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي إلهان عمر إن ما يجري حاليا من أزمة في فلسطين سببه “دولة تمولها أميركا تواصل احتلالا غير قانوني لمجموعة من الناس”، كما استنكر السيناتور الديمقراطي البارز بيرني ساندرز دعم واشنطن لحكومة يمينية في إسرائيل عوضا عن التقريب بين شعوب المنطقة.

وأضافت إلهان عمر في كلمة لها في مجلس النواب أمس الخميس، “عوض أن أقضي أيام عيد الفطر مع عائلتي، فإن الواجب يحتم عليّ أن أساند العائلات التي فقدت أبناءها بسبب العنف الدائر في فلسطين”.

    Today is Eid, one of the most joyous days in the Muslim calendar.

    While I’d rather be spending it with my family, I have an obligation to stand up for the families whose children were taken from them because of the violence in Palestine.

    My remarks on the House Floor tonight pic.twitter.com/MSnNpuZuit

    — Rep. Ilhan Omar (@Ilhan) May 13, 2021

وفي السياق نفسه، قال النائب الديمقراطي أيضا مارك بوكان خلال جلسة برلمانية إن هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “مدانة، ولكن يجب إدانـة معاناة الفلسطينيين المستمرة منـذ 50 عامـا”، وأضاف بوكان “ينبغي ألا يعاني أحـد مـن خسارة الأرواح أو الحريـة أو الكرامة التي عاناها الفلسطينيون في ظل حكـم نتنياهـو”.

وأكد المشرع الأميركي “إذا كنتَ محايدا في أوضاع تتسم بالظلم، فإنك اخترت الوقوف إلى جانب المستبد”.

    Today, my colleagues and I stood up because no one should suffer the loss of life, liberty, or dignity that the Palestinian people have suffered.

    If you are neutral in situations of injustice, you have chosen the side of the oppressor. pic.twitter.com/R1mSiP2QZA

    — Rep. Mark Pocan (@repmarkpocan) May 13, 2021

وكان السيناتور بيرني ساندرز قال في تغريدة أمس الجمعة، إن “دور الولايات المتحدة يجب أن يكون التقريب بين شعوب المنطقة وليس دعم حكومة إسرائيلية يمينية”. وأضاف في تغريدة ثانية “بينما يفكر الرئيس جو بايدن في اختيار سفير أميركي جديد لدى إسرائيل، أشجعه على اختيار شخص يمكنه تمثيل بلدنا بطريقة عادلة، ويمكنه التعامل ليس فقط مع إسرائيل، ولكن مع الفلسطينيين أيضا”.

الاتجاه الآخر

بالمقابل، طلب السيناتور الجمهوري البارز ماركو روبيو من إدارة الرئيس الأميركي بايدن وقف المفاوضات الجارية مع إيران سعيا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، مرجعا الأمر إلى دعم طهران لحركة حماس التي تشن هجمات صاروخية على إسرائيل.

    Given the attacks against #Israel by Iran’s proxy Hamas today I asked @POTUS to immediately end negotiations with Iran.

    Why are we even considering sanctions relief for a regime whose stated goal is the destruction of the Jewish state?https://t.co/RdJPBrZDgC

    — Marco Rubio (@marcorubio) May 13, 2021

وقال روبيو في تغريدة “على ضوء الهجمات التي تشنها حماس حليفة إيران على إسرائيل، طلبت اليوم من الرئيس وضع حد فورا للمحادثات مع إيران”. ووجه السيناتور الجمهوري إلى بايدن رسالة موقعة من جميع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تقريبا، يقولون فيها إن رفع العقوبات عن إيران سيسمح لها بزيادة دعمها لحركة حماس.

ومنذ الاثنين، استشهد 119 فلسطينيا، بينهم 27 طفلا و11 سيدة، وأصيب 600 بجروح جراء غارات إسرائيلية متواصلة على غزة، في حين ارتقى 4 شهداء وأصيب مئات الجرحى في مواجهات بالضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وفق مصادر فلسطينية رسمية.

وتفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء اعتداءات ترتكبها الشرطة ومستوطنون إسرائيليون، منذ 13 أبريل/نيسان الماضي، في القدس، وخاصة منطقة باب العامود والمسجد الأقصى ومحيطه، فضلا عن حي الشيخ جراح، حيث تريد إسرائيل إخلاء 12 منزلا من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين.

————————–

المتغيرات العسكرية في حرب غزة الرابعة/ لقاء مكي

الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة هي الرابعة من نوعها منذ عام 2008، ولا يبدو أن إسرائيل في جولة الصراع الحالية ستغيِّر كثيرًا من تكتيكاتها المستخدمة في الحروب السابقة.

خلال المواجهة الراهنة، واصلت المقاومة الاعتماد على السلاح الصاروخي، كمصدر استراتيجي للزخم القتالي وقدرة الردع.

الحرب الإسرائيلية الجديدة على غزة هي الرابعة من نوعها منذ عام 2008، وقد شهدت خلال الأيام الأولى منها، مظاهر عسكرية شبيهة بمجريات ما حدث خلال حربي عام 2012 و2014، بشكل خاص، لكن في حال استمرت الجولة الحالية من النزاع العسكري فترة أطول، فقد تبرز عناوين جديدة، سواء على مستوى الأسلحة المستخدمة، أو التكتيكات العسكرية، وكذلك الأهداف النهائية.

أولى سمات المواجهة العسكرية الجديدة، تتمثل بزمام المبادرة، ففي الحروب الثلاثة السابقة، كانت إسرائيل هي من خطَّط وبدأ الحرب، فيما بدأ النزاع الجديد، أو (سيف القدس)، حسب التسمية الفلسطينية، بقرار من فصائل المقاومة في غزة، في سياق الدعم للشعب الفلسطيني في القدس، ولتحقيق هدف سياسي ومعنوي جوهري يتمثل بإفشال محاولات إسرائيل عزل قطاع غزة، عن سائر أنحاء فلسطين، ولاسيما القدس المحتلة.

اعتبرت قيادة حركة حماس، كما جاء على لسان رئيس مكتبها السياسي، إسماهيل هنية، أن ما قامت به غزة “هو رسالة للاحتلال الإسرائيلي أن كفى عبثًا في القدس”، وأن معادلة ربط غزة بالقدس تعني معادلة المقاومة مع الهوية، موضحًا أن غزة والقدس والضفة الغربية وفلسطينيي 1948 “كلهم يتحركون معًا في لوحة متماسكة ومتكاملة من أجل مواجهة الاحتلال”.

يلخِّص ذلك رؤية القيادة في غزة للهدف الأساسي من الجولة الجديدة من الصراع، وهو هدف استراتيجي، تبدَّى بشكل مباشر في انتفاضة للسكان الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، لاسيما في مدن اللد وعكا، فضلًا عن القدس بطبيعة الحال. وكل ذلك يمثل متغيرًا جديدًا في الصراع بشكل عام، ما زال قيد الاختبار، وقد يتطور إلى انتفاضة شاملة في الضفة الغربية وعموم فلسطين المحتلة 1948، أو يجري قمعه بالقوة كما هددت إسرائيل بشكل واضح.

هذا النمط الجديد من المواجهة، جعل الجانب العسكري من الصراع جزءًا من المشهد، رغم طغيانه الواضح، بعدما كان في الحروب الثلاثة السابقة يمثل المشهد بكامله. لكن هذه المعادلة ستظل مرهونة بالقدرة على تصاعد نشاط الشارع الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو في المدن ذات الوجود الفلسطيني في إسرائيل.

القدرات الفلسطينية في مواجهة إسرائيل

لا تمكن المقارنة بطبيعة الحال بين القدرات العسكرية للمقاومة وما تمتلكه إسرائيل؛ فالمقارنة الفنية الصرف ستكون غير منطقية مع التفوق العسكري الكبير لإسرائيل سواء على المستوى الاقليمي أو حتى الدولي، لكن المقاومة كانت قد ابتدعت أساليب وقدرات مكَّنتها من مجاراة القوة الإسرائيلية، وتشكيل تهديد دائم على المستوى العسكري، على أساس استراتيجية استنزاف صبورة وبعيدة المدى.

في سياق هذه الاستراتيجية، استخدمت فصائل المقاومة ما يُعرف بالنمط (الهجين) من العقيدة العسكرية، وهو الذي يجمع بين تنظيم القوات النظامية من حيث التشكيلات والضبط العسكري والهرمية القيادية، وأساليب حرب العصابات التي دأبت عليها حركات المقاومة في العالم في مواجهة الجيوش النظامية، خلال القرن العشرين بشكل خاص.

منحت هذه العقيدة العسكرية مرونة عالية لفصائل المقاومة في مواجهة إسرائيل، وقد تبدَّى ذلك بشكل خاص خلال حرب عام 2014؛ حيث واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة ومؤثِّرة، حينما قامت بهجوم بري داخل قطاع غزة، وخسرت إسرائيل في حينه العشرات من جنودها، وسقط اثنان من جنود لواء جولاني، هما: شاؤول آرون وهادار جولدن، في أسر المقاومة وما زالا بحوزتها حتى اللحظة.

خلال الحروب الثلاثة الماضية، اعتمدت المقاومة تكتيكات عسكرية اعتمدت بشكل أساسي على القدرات الصاروخية، أو قذائف غراد والهاون، ومثل هذه القدرات لها أهداف نفسية وسياسية تفوق ما تُحدثه من أضرار ودمار، وهي أهداف مناسبة تمامًا للتباين الشاسع في القدرات العسكرية بين طرفي الصراع.

عمدت المقاومة إلى استخدام الصواريخ منذ وقت مبكر، وتحديدًا منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، واستخدمتها بشكل فعال ضد المستوطنات الإسرائيلية في غزة، ووصل عددها إلى 400 صاروخ عام 2005، وقد كان ذلك النشاط العسكري وتكاليفه العالية على إسرائيل أحد أسباب انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة في ذلك العام.

تطورت صواريخ المقاومة كسلاح استراتيجي وجرى استخدامها في جميع حروب غزة الثلاثة، لكن حرب عام 2012 شهدت تطورات جوهرية في قدرات هذه الصورايخ ومدياتها وأعدادها، وفي تلك الحرب تعرضت تل أبيب لأولى الضربات الصاروخية منذ استهدافها بالصواريخ العراقية عام 1991، ومثَّل ذلك بطبيعة الحال تطورًا في سياق الردع المتبادل بين إسرائيل والمقاومة، لاسيما مع إطلاق عدد يتراوح بين نحو 1500–1700 صاروخ على مختلف المناطق الإسرائيلية، ومن أبرزها: القدس وبئر السبع خلال ثلاثة أسابيع من المعارك.

وفي حرب عام 2014، ارتفع الاستخدام الصاروخي بشكل كبير، كمًّا ونوعًا، وتعرضت إسرائيل في تلك الحرب التي استمرت أكثر من 50 يومًا، إلى عدد يتراوح بين نحو 4500-8000 صاروخ وقذيفة، وقد شملت هذه المرة مدنًا إسرائيلية رئيسية جديدة مثل: حيفا وهرتسيليا والخضيرة. وفي تلك الحرب، استخدمت المقاومة لأول مرة صاروخ (R160) ذا المدى 160 كيلومترًا و(M302) ذا المدى 150 كيلومترًا. كان ذلك طبعًا إلى جانب الاستمرار باستخدام صواريخ أقرب مدى، مثل: (J-80)، و(براق 70)، و(M-75 (، و(فجر-3)، و(سجيل-55) فضلًا عن مجموعة صواريخ القسام التي اتسع مداها وزادت أنواعها منذ بدء تصنيعها واستخدامها عام 2001، فضلًا عن أعداد غير محددة من قذائف المورتر والكاتيوشا، وجميعها يمكن أن تصيب مستوطنات ومدنًا إسرائيلية في حزام غزة.

خلال الجولة الراهنة من المعارك في حرب غزة الرابعة، واصلت المقاومة الاعتماد على السلاح الصاروخي، كمصدر استراتيجي للزخم القتالي وقدرة الردع، وكذلك لفرض الشروط السياسية، وأطلقت خلال الأيام الثلاثة الأولى أكثر من 1500 صاروخ، على مدن إسرائيلية مختلفة أبرزها القدس وتل أبيب ومطارها (بن غوريون) وبئر السبع وعسقلان، فضلًا عن أهداف عسكرية مثل قاعدة نفاتيم الجوية في بئر السبع، وأهداف اقتصادية مثل خط أنابيب النفط بين عسقلان واللد، ومنصة استخراج الغاز الطبيعي قبالة غزة؛ مما تسبب بإيقاف العمل بها.

وأعلنت فصائل المقاومة عن قصف تل أبيب بصاروخ جديد أطلقت عليه (120A)، وهو يستخدم لأول مرة، ويبلغ مداه 120 كيلومترًا، لكن مع زيادة كبيرة في القدرة التدميرية عن أقرانه من الصواريخ.

وأبرز فصائل المقاومة التي تمتلك ترسانة صاروخية هي كل من “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، و”سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ويمتلكان آلاف الصواريخ مختلفة المديات، وتقع معظم المدن الرئيسية في إسرائيل في مدى صواريخ المقاومة وأكثرها بُعدًا مدينة حيفا باتجاه الشمال (150 كيلومترًا شمالًا) مرورًا بكل من تل أبيب ويافا وعسقلان، والمسافات ستكون أقصر من ناحية الشرق (جنوبًا وشمالًا)، وأبرز مدنه: سديروت وبئر السبع وصولًا للقدس (80 كيلومترًا شرقًا). ومن الجنوب، تقل كثيرًا المدن الرئيسية المكتظة كما في بقية المناطق، وكان الاعتقاد أن مدينة إيلات في أقصى الجنوب (220 كيلومترًا عن غزة) هي خارج المدى المتوقع للصواريخ الفلسطينية، لكن إعلان حالة الاستنفار في المدينة مساء الأربعاء، أعطى الانطباع بأن إسرائيل باتت تتوقع أن المقاومة الفسطينية قد تكون تمتلك صواريخ تصل إلى هذا المدى.

وحسب مجريات الأيام الأولى للحرب الرابعة على غزة، فإن مديات الصواريخ الإسرائيلية باتت تهدد جميع المدن الإسرائيلية في دائرة نصف قطرها يصل إلى 150 كيلومترًا، وتشمل عددًا من السكان قد يصل إلى 6 ملايين نسمة، يمثلون معظم سكان إسرائيل. كما تشمل أيضًا أهدافًا اقتصادية وعسكرية واستراتيجية حساسة ضمن هذه الدائرة، ومن أبرزها ترسانة إسرائيل النووية في مفاعل ديمونا الذي يقع على مسافة 72 كيلومترًا جنوب شرق غزة.

واقترن تطوير الصناعة الصاروخية الفلسطينية، ببناء تكتيكات لاستخدام هذه الصواريخ بشكل يستجيب لدواعي الصراع مع قوات متفوقة عسكريًّا بشكل كبير؛ ويشمل ذلك استعمال الأنفاق كمواقع لمنصات الإطلاق، مما يقلِّل بشكل كبير من قدرة الطائرات الإسرائيلية على اكتشافها وقصفها. كذلك اعتمدت المقاومة في هذه الحرب على الرشقات الصاروخية الكثيفة والمتتالية في مناورة لتفادي منظومات التصدي الصاروخي، وأبرزها القبة الحديدية، أو تقليل قدرتها على التصدي لجميع الصواريخ الفلسطينية. وفي ضربة صاروخية واحدة، فجر اليوم الثالث من الحرب (12 مايو/أيار 2021)، جرى إطلاق دفعة تتجاوز 300 صاروخ دفعة واحدة، منها أكثر من 100 صاروخ استهدفت تل أبيب. وقد أثبت هذا التكتيك فعاليته في التقليل من قدرات القبة الحديدية الإسرائيلية، لكن استمرار هذه القدرة قد يكون مرتبطًا بمخزون المقاومة من الصواريخ، والفترة المتوقعة لاستمرار الحرب.

التكتيكات الإسرائيلية في الحرب الرابعة

لا يبدو أن إسرائيل في جولة الصراع الحالية ستغيِّر كثيرًا من تكتيكاتها المستخدمة في الحروب السابقة، ويتجلى ذلك خصوصًا في مجموعة عناصر أساسية:

    استخدام القوة القصوى لإحداث أكبر قدر من التدمير للبنية التحتية والأهداف الاقتصادية والصناعية في القطاع، وكذلك الأبراج السكنية الكبيرة والمعالم الرئيسية، وغرضها الأساس، جعل الحياة أكثر صعوبة في غزة، وتقليل قدرة الناس على الصمود، ثم الاستفادة من هذا التدمير لاحقًا في ابتزاز حكومة غزة، وفصائل المقاومة، في أية مفاوضات متوقعة لوقف إطلاق النار أو للتهدئة، لاسيما مع قدرة إسرائيل على حصار غزة. وفي حرب عام 2014، كان القصف الإسرائيلي قد تسبب بتدمير كلي أو جزئي لنحو 115 ألف وحدة سكنية، ونزوح نحو 500 ألف شخص داخل القطاع وهو ما يعادل نحو 28% من السكان. وقد استخدمت إسرائيل حاجة القطاع لمواد البناء وسواها من مستلزمات إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، لأغراض التوظيف السياسي، والابتزاز، والضغط. 

    تدمير ما أمكن من القدرات العسكرية لفصائل المقاومة، وفي المقدمة منها كتائب القسام وسرايا القدس، ويتم ذلك من خلال ما يسمى إسرائيليًّا باستراتيجية (جزِّ العشب)، وتقوم على أساس افتعال حرب مع غزة كل فترة من الزمن لغرض تدمير ما تمكنت المقاومة من بنائه من قدرات وبنى تحتية دفاعية، منذ الحرب السابقة، وكذلك اغتيال أكبر عدد من القادة الميدانيين والسياسيين خلال القصف. وقد تعتمد إسرائيل في ذلك على معلومات استخبارية مسبقة، وشبكة من العملاء داخل غزة. وخلال الأيام الأولى من الحرب الحالية، استشهد بالقصف الإسرائيلي عدد من القادة الميدانيين في كل من الكتائب والسرايا، ضمن سياق هذا الهدف الإسرائيلي المسبق.

    استنزاف القدرات الصاروخية للفصائل في غزة؛ حيث يقوم الاعتقاد الإسرائيلي على أن عدد هذه الصواريخ يبقى محدودًا وغير قابل للتعويض الفوري. وبذلك، فإن إطالة أمد الصراع، ستعني الخفض التدريجي لقدرة الفصائل على استخدام القدرات الصاروخية، لاسيما من الصواريخ بعيدة المدى. وتقول صحيفة (جيروزاليم بوست): إن تقديرات المخابرات الإسرائيلية تشير إلى امتلاك حركة حماس (عشرات) فقط من الصواريخ التي يتراوح مداها بين 100 إلى 160 كيلومترًا، والتي تهدد معظم مناطق إسرائيل وصولًا إلى حيفا ومدن الشمال. وحسب هذه التقديرات أيضًا، فإن الجهاد الإسلامي لديها عدد (قليل جدًّا) من صواريخ (البراق-100) التي يبلغ مداها 100 كيلومتر. وحسب هذا التقدير الإسرائيلي، فإن استمرار الحرب لفترة طويلة نسبيًّا، سيستنزف بسرعة الصواريخ الفلسطينية ذات المديات الكبيرة، وسيعني تقليل قدرة الفصائل على تهديد المدن البعيدة، وتركيزها فقط على المدن الواقعة بحدود 40-55 كيلومترًا من حدود غزة نحو مختلف الاتجاهات، وتقدر المخابرات الإسرائيلية ترسانة حماس من هذه الصواريخ بنحو 5000–6000 صاروخ، فضلًا عن قذائف الهاون وصواريخ غراد ذات المديات الأقل. وبطبيعة الحال، فإن هذه المراهنة الإسرائيلية ستعتمد على دقة هذه التقديرات، وتوافر قدرات عسكرية غير مستخدمة بعد للفصائل الفلسطينية.

    في سياق مراهنتها على الزمن، وإطالة أمد الحرب، لتحقيق أهدافها، تحاول إسرائيل امتصاص زخم القصف الفلسطيني، ومحاولة تهدئة جبهتها الداخلية، ولا يُعرف بعد، كيف ستعالج إسرائيل، امتداد الاحتجاجات الفلسطينية إلى مدن إسرائيل ذاتها، والمواجهات العنيفة بين العرب واليهود في المدن، وأبرزها مدينة اللد، حيث أُعلنت حالة الطوارئ.

لقاء مكي

باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، وأستاذ دكتور في الإعلام والدعاية من جامعة بغداد

————————–

ما بين غزة والتطبيع والسلام/ رضوان زيادة

محاولة المستوطنين الإسرائيليين طرد الفلسطينيين من بيتهم في حي الشيخ جراح أشعل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من نقطة الصفر حيث القضايا الأربع المعلقة، وكأن عملية السلام على مدى ثلاثين عاما شيء من السراب.

فقضية القدس الشرقية وقضية الدولة الفلسطينية وقضية اللاجئين وحقهم في التملك والعودة وقضية المستوطنات كلها اشتعلت مرة واحدة وبدا كأننا نعيش الصراع في لحظته الأولى، وكل الثرثرة التي قيلت بأن التطبيع سيغير السلوك الإسرائيلي كما روجت الإمارات، كان وهماً من الخيال.

تاريخ التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل لا يبشر أبداً بأن سلاماً عادلاً وشاملاً يمكن أن ينمو بعد اتفاقيات السلام التي جرت بين مصر وإسرائيل عام 1979 واتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل في عام 1994، صحيح أن كلاً من مصر والأردن احتفظا بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا أن هذه العلاقات بقيت ضمن إطار ما يطلق عليه “السلام البارد” ولم تنتقل تجاه ما يسمى “السلام الدائم” “Stable Peace”.

برأيي فإن أحد أهم هذه العقبات هو الانعطاف الكبير نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي كما تشير كل استطلاعات الرأي وكما تدل الانتخابات الإسرائيلية البرلمانية المتعاقبة، حيث حظي نتنياهو بدعم كبير من قبل المجتمع الإسرائيلي ليصبح أطول رئيس وزراء في تاريخ الدولة الإسرائيلية منذ بن غوريون، واحتفظ اليمين بتفوقه الدائم في بناء التحالفات السياسية القائمة على رفض فكرة الدولة الفلسطينية ومحاولة تقويض اتفاقيات السلام الهشة التي وقعت مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر مجموعة من الإجراءات أهمها القضم المستمر للأراضي عبر الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية وعبر تغيير معالم مدينة القدس وإلغاء أي وجود فلسطيني فيها.

هذا التحول داخل المجتمع الإسرائيلي منذ مقتل رئيس الوزراء السابق رابين يحطم أي أمل في النظرية القائلة بأن تطبيع العلاقات يلعب دورا في تغيير الرأي العام الإسرائيلي باتجاه السلام، فكل استطلاعات الرأي والانتخابات تكذّب ذلك، وربما انهيار حزب العمل الإسرائيلي في الانتخابات الأخيرة دليل على مدى الانعطاف اليميني الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي اليوم.

ولذلك ربما لن تفلح اتفاقيات التطبيع الموقعة من قبل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب في تغيير أو وقف هذا التحول في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، بقدر ما يزيد الانقسام السياسي داخل المجتمعات العربية ودعمها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخاصة في الإجراءات أحادية الجانب التي يجري اليوم في القدس، ولذاك تبدو خطة السلام العربية هي الخطة الوحيدة التي من شأنها أن تعيد بناء السلام الدائم من خلال قبول إسرائيل بدولة فلسطينية عاصمتها القدس وإرجاع الأراضي المحتلة التي احتلتها عام 1967 بما فيها الجولان المحتل، وبناء سلام دائم مستدام، ومن دون ذلك ستبقى اتفاقيات التطبيع أشبه بصفقات تجارية منها إلى اتفاقيات سلام دائم حقيقي.

اليوم ربما تغير معادلة التوازن في غزة بعضا من الحقائق على الأرض، فربما يفكر الإسرائيليون اليوم كثيرا قبل قصف غزة، فالكلفة عالية اليوم ليست على الفلسطينيين وحدهم وإنما على الإسرائيليين أيضا، فكل المدن الإسرائيلية في مرمى الصواريخ، لا تستطيع إسرائيل التصعيد أكثر لأنها تعرف أن العالم تغير وأصبح أكثر حساسية تجاه العنف الإسرائيلي الذي ربما لن يمضي من دون حساب وأن هذا العنف لن يجلب معه نهاية المشكلة وإنما بداية اشتعال الصراع من جديد.

ولذلك يمكن القول إننا عدنا اليوم لعقود إلى الوراء إلى ما قبل أوسلو والحاجة إلى قيادة فلسطينية تستطيع أن تقطف الثمرة سياسياً قبل أن تذهب على جدران الشعارات الجوفاء، إنها فرصة لكتابة تاريخ جديد للصراع ويجب أن لا تضيع من أيدينا مرة أخرى. 

تلفزيون سوريا

——————————

محلل أمريكي: الوضع سينتهي بحرب شاملة إيرانية – إسرائيلية

قال محطة (ام. بي. سي) الأميركية أن الوضع في الشرق الاوسط والخليج وإيران معقّد جداً، وان الولايات المتحدة ستعمل على منع إغلاق ممر مضيق هرمز وباب المندب لتأمين الملاحة البحرية، إذا قامت إيران باغلاق المضيق ومنعت السفن من عبور ممر الخليج الذي هو شريان حيوي للاقتصاد الدولي ويشكل حوالي 30% من تجارة العالم. ونقلت المحطة عن بوب هامرايت المحلل العسكري القريب من القيادة العسكرية الاميركية قوله، إن واشنطن باتت على قناعة أن الوضع في الشرق الاوسط والاقليمي لن ينتهي إلا بحرب شاملة إسرائيلية – إيرانية. وأن واشنطن تعتقد أن إسرائيل ستلحق الهزيمة بإيران وبـ”حزب” الله في لبنان. أما فيما يخص سوريا والعراق فقال المحلل أنهم ليسوا قادرين على القتال ضد إسرائيل، مؤكدا بأن إسرائيل تملك 600 طائرة من طراز “اف – “16 و”اف – 15″واننا ( الأمريكيين) ، سلمنا إسرائيل 15 طائرة من طراز “اف – 35 – اس” وهي شبح القادرة على تجنب التقاط الرادار لها، وهي تحمل قنابل ثقيلة وصواريخ موجهة باللايزر بعيدة المدى. وأضاف المحلل أن إسرائيل تمتلك غواصات “دولفن” الالمانية القادرة على الانتقال تحت المياه وصولاً الى الخليج واغراق السفن الحربية الإيرانية، دون أن تستطيع إيران ضرب هذه الغواصات التي تملك منها اسرائيل 5 غواصات متفوقة على البحرية الايرانية. وقال إذا كانت إيران وحزب الله لديهم صواريخ لقصف إسرائيل فأن إسرائيل لم تستعمل في الحرب الماضية صواريخها الـ ارض – ارض، وهي صواريخ س – 35 الاميركية التي يصل مداها الى 2500 كلم، وبالتالي ستضرب إيران بهذه الصواريخ، وستضرب حزب الله بالغارات الجوية وبهذه الصواريخ التي لا يمكن صدّها او ضربها، وهي دقيقة الاصابة للاهداف. وأضاف أن الحرب ستقع بين إيران وإسرائيل وحزب الله، ولا محال من ذلك. والولايات المتحدة تريد أن تبقى عملياتها محدودة، وستترك الامر للقوة الإسرائيلية الجوية والصاروخية التي زوّدت الولايات المتحدة اسرائيل بها. وأشار إلى أن إسرائيل أجرت مناورات كثيرة لضرب الصواريخ باتجاه البحر المتوسط والطائرات الحديثة خاصة طائرات الـ “اف – 15” التي تم تحديثها، مضيفا بأن سلاح الجو الاسرائيلي يمتلك كذلك أكثر من 100 الف قنبلة من الوزن الثقيل تحملها طائرات “اف – “16 و”اف – 15” وتتزوّد بالوقود في الجو وتصل الى ايران وتدمر اهداف كثيرة في ايران. وقال إن إسرائيل لن تعبر الحدود اللبنانية هذه المرة، بل ستلجأ الى الغارات الجوية والصواريخ ضد مواقع “حزب الله” في لبنان في شكل كثيف، وضد إيران لضرب بنيتها التحتية والمواقع النووية وكامل مصانع الاسلحة وضرب الجسور في العاصمة طهران والطرق المؤدية بين المدن الإيرانية، اضافة الى قصف إسرائيل بالصواريخ القواعد الجوية والثكنات العسكرية الايرانية الخاصة بالحرس الثوري والتي لدى إسرائيل قمرين اصطناعيين فوق الشرق الاوسط والاقليم يحددون مسار الصواريخ لتصل الى اهدافها الايرانية ومواقع حزب الله. ولفت إلى أن إسرائيل تمتلك حوالي 50 الف صاروخ للمدى البعيد ستستعمل نصفهم ضد ايران، وستقوم الولايات المتحدة في تزويد إسرائيل بمزيد من هذه الصواريخ لتأمين الاحتياط الدائم من هذه الصواريخ، حسب قوله. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا”

————————–

القبة الحديد” V/S صواريخ غزة…هل تجنّب المبارزة الجوية حرباً شاملة؟

في المبارزة الجوية المستمرة منذ الإثنين بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية، تواجه “القبة الحديد” المتطورة زخات  الصواريخ، في ما بشكل اختباراً لهذا النظام الدفاعي الصاروخي المتطوّر، وقدرته على تجنيب الدولة العبرية خسائر بشرية تضطرها الى الذهاب إلى حرب شاملة.

وتواكب المعركة الجوية، حرب فيديوات على وسائل التواصل الاجتماعي تتنافس على إظهار “نجاح” و”إخفاقات” هذا النظام التي تعتبره اسرائيل فخر صناعاتها العسكرية.

وبحسب الجيش الإسرائيلي، اعترضت “القبة الحديد”  850 من أصل 1000 صاروخ أطلق من غزة على إسرائيل اعتبارا من الاثنين، فيما سقط 200 صاروخ داخل أراضي القطاع.

ومنذ نشر اسرائيل هذا النظام قبل عشر سنوات، تحاول “حماس” إيجاد وسائل لإفشاله، ولعل إعلان الحركة الثلثاء إطلاق 120 صاروخاً دفعة واحدة هي المحاولة الاخيرة لتعقيد مهمة رادارته في رصد مسارات عدد كبير من الصواريخ القادمة.

نظرياً، يقول خبراء عسكريون إن “القبة الحديد”  قادرة على رصد الهدف من مسافة حوالي 70 كيلومتراً، ومرافقته وتدميره باحتمالية 100%.  ويسعى الاسرائيليون إلى تفجير الصاروخ على علو مرتفع، عند أعلى نقطة في مساره،  لكي لا يسقط الحطام في مواقعهم.

وتتيح محطة الرادار والكمبيوترات الموجود على متن بطاريتها تحديد مسارات تحليق الصواريخ، أي مكان انطلاقه  واتجاهه والمكان المفترض لسقوطه.

ونشرت اسرائيل أولى بطاريات “القبة الحديد” بنية حماية قواعدها العسكرية لا المدنيين، وقد اعترضت أول الصواريخ في نيسان (أبريل) 2011 في منطقة بئر السبع بصحراء النقب، الواقعة على مسافة 40 كيلومترا من حدود قطاع غزة.

ولاحقا نُشرت بطاريات أخرى خصوصاً قرب مدينتي عسقلان وأسدود، وجنوب تل أبيب وقرب مدينة نتيفوت الواقعة على مسافة 20 كيلومترا من حدود غزة.

وكل بطارية مجهّزة برادار كشف وتتبع، وبرمجية تحكم بالإطلاق وثلاث قاذفات كل منها مزود بـ20 صاروخا.

الكلفة والتغطية

ومع أن خبراء  يقولون أن تحديثات عدة طرأت على النظام منذ نشره للمرة الأولى، لا تزال قدراته مقيدة.

وتشكل كلفة النظام الدفاعي عبئاً كبيراً. وتقول مجلة “إيكونوميست” إنه في مقابل التحديثات التي زادت مدى الصواريخ الاعتراضية وحمولتها من المتفجرات، لا تزال الصواريخ الفلسطينية بدائية وكلفتها زهيدة، ويمكن إنتاجها، بناء على إرشادات إيرانية، من أنابيب الري المعدنية في مصانع صغيرة في غزة. وفي المقابل، تقدر كلفة كل صاروخ اعتراضي إسرائيلي بأربعين ألف دولار على الأقل، وإن يكن اتفاق وقع أخيراً مع مصنّع الاسلحة “ريثيون”، لانشاء خط تصنيع في الولايات المتحدة سيخفض الكلفة. ومع ذلك، ستبقى كلفة كل صاروخ أكثر مرات عدة من ثمن ذلك الذي سيدمره.

وقبل بدء المواجهات الاخيرة، قدرت الاستخبارات الاسرائيلية أن “حماس” تمتلك نحو 13 ألف صاروخ في غزة، يفترض أنها أطلقت عشرة في المئة منها في يومين من المعارك. وفي المقابل، يعتقد أن إسرائيل بنت مخزوناً كبيراً من الصواريخ الاعتراضية في السنوات الاخيرة، الا أن عددها سري.

وفي موازاة “القبة الحديد” التي تعتبر خط الدفاع الاول بمواجهة الصواريخ،  تحاول اسرائيل  وقف الهجمات الصاروخية من مصدرها، بقصفها مخازن الأسلحة وأماكن تصنيعها في غزة، ونفذت مقاتلاتها  قصفاً لأهداف شملت برجاً ومبنى قالت إنه يستخدم مخزنا للأسلحة والذخائر.

ومع ذلك، لا يبدو أن صواريخ أي من الجانبين يوشك على النفاد قريباً.

وإلى مشكلة الكلفة، تقول المجلة البريطانية إن نقطة الضعف الأخرى في “القبة الحديد” تتمثل في قدرتها على تغطية منطقة محدودة فحسب تقدر بما بين 100 و150 كيلومتراً مربعاً، أو حجم بلدة كبيرة.  هذا يعني أن على إسرائيل نقل البطاريات بحسب التقديرات للخطر.

وطوال سنوات، انقسم السياسيون والعسكريون في إسرائيل على ما إذا كانت الأولوية في أوقات الحرب هي لحماية المدنيين أو قواعد سلاح الجو لتمكينه من مواصلة القتال. ويعتقد أنه في أي حرب مستقبلية مع “حزب الله” الذي يملك ترسانة صاروخية أكثر تطوراً منها لـ”حزب الله”، قد تكون مثل هذه المقايضات أمراً لا مفر منه.

الواضح أن السلطات السياسية والعسكرية تعلق آمالاً كبيرة على هذا النظام في المعركة. وليس تقفد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو  اليوم بطارية من النظام الدفاعي المنتشر في وسط البلاد إلا مؤشراً لذلك.

ومع ذلك، ثمة في إسرائيل من لا يراهن عليها كثيراً. وفي مقال له له اليوم، قال الكاتب المعروف جدعون ليفي إن “القبة الحديد ليست الحل فالكل يعلم بأن دقة القبة الحديدية هي من 20 الى 30 بالمئة فقط وليس كما يدعي نتنياهو لتطمين الشعب. صاروخ قيمته 50 الف دولار ينطلق لضرب صاروخ قيمته 300 دولار ويخطئ” في معظم الاحيان”.

النهار

—————————–

حجارة المقدسيين وصواريخ “حماس”/ فارس خشان

لا يحتاج المرء إلى رؤية ثاقبة، ليُدرك أنّ “حجارة” المقدسيين كانت أكثر نفعاً للفلسطينيين من صواريخ “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. “الإنتفاضة” هزّت ضمائر المجتمع الدولي، وأعادت القضية الفلسطينية، بمظلوميتها وحقوقها، الى دوائر القرار. الصواريخ أراحت أركان الحكم الإسرائيلي، ومعها صنّاع القرار في العالم، لأنّها مكّنتهم من العودة مجدداً إلى تغليف الحقوق ب”الإرهاب”.

هذا الإستنتاج تجلّى، صباح أمس الأربعاء بوضوح في مقابلة أجرتها الإعلامية التونسية الأصل صونيا مبروك على إذاعة “فرنسا 1″، مع السفير الإسرائيلي في باريس دانيال سعدا الذي “صال وجال” عند ردّه على الأسئلة المتعلّقة بالصواريخ و”حق الرد” و”الدفاع عن النفس” و”الإستهداف العشوائي للمدنيين”، ليصاب بارباك حقيقي عند ردّه على تلك المتصلّة بـ “الإنتفاضة” وأسبابها وخلفياتها.

وكان لافتاً تعاطف الرأي العام شبه الشامل مع قضية حي “الشيخ جرّاح” وتداعياته الشعبية، في مقابل الإنقسام الذي تمّ تسجيله بعدما “نطقت” الصواريخ.

وهذا الإنقسام يمكن فهم أسبابه، لأنّ تجربة الرأي العام مع “قوى المقاومة” ليست وردية، إذ إنّ كثيرين يسألون عن الأهداف السياسية، محليّة كانت أو إقليمية، التي تقف وراءها، على اعتبار أنّ هذه القوى، عندما تذهب مجدّداً الى الهدنة، لا تكون قد حقّقت تقدّماً يُذكر للفلسطينيين وقضيتهم، إنّما زادت “الطين بلّة”.

وبغض النظر عمّا يُقال في العلن تعاطفاً، فإنّ كثيرين يتحدّثون، في اللقاءات غير المسجّلة كما في الكواليس، عن أهداف إيرانية تقف وراء إخراج “قوى المقاومة” لصواريخها من المخازن، فيما يشير آخرون الى أنّ “حماس”، في ضوء إلغاء الانتخابات التي كانت تأمل أن تفوز فيها، “سرقت” الإنتفاضة، حتى تعود الى الضوء، في ظل حراك كبير تشهده المنطقة، ليس على مستوى المفاوضات مع إيران حول العودة الى الاتفاق النووي، بل على مستوى المصالحات التي تجري بين تركيا وقطر من جهة والمملكة العربية السعودية ومصر، من جهة أخرى، وذلك بعدما سلكت إتفاقيات إبراهيم، في مسار طبيعي، بدعم من الإدارة الأميركية الجديدة التي افترقت عن سابقتها، في كل شيء تقريباً، إلّا في نظرتها السلبية جداً إلى “قوى المقاومة”.

على أيّ حال، إنّ لجوء “حركة حماس” إلى صواريخها لدعم قضية “القدس”، أدخل قطاع غزّة الذي يعاني من الحصار والفقر والحرمان ووباء “كوفيد 19″، في حرب يخشى كثيرون أن تكرّر سيناريو حرب العام 2014 التي استمرّت خمسين يوماً، خصوصاً أنّ اللاعبين الإسرائيليين هم أنفسهم، فبنيامين نتنياهو كان يترأّس الحكومة وبيني غانتس الذي كان رئيساً للأركان أصبح وزيراً للدفاع ومساعده غابي أشكينازي يشغل، حالياً، هذا المنصب العسكري القيادي.

إنّ الإشكالية الكبرى في هذه الحرب أنّ “حركة حماس” تريد إثبات قوتها، في حين أنّ إسرائيل تريد توكيد تفوّقها العسكري الحاسم، وهذا يعني أنّ الطرفين سوف يتوسّلان طاقاتهما القصوى، الأمر الذي يجعل الجميع متخوّفاً من حلول كارثة حقيقية.

ولكن في مقابل هذه الحسابات والتحليلات، ماذا أبقى الإسرائيليون، في ظل “تقاعس” المجتمع الدولي، للفلسطينيين، أكانوا في القدس أم في الضفة الغربية أم في قطاع غزّة، ليخشوا خسارته؟

خلال عقود انتُزعت من الفلسطينيين حقوقهم السياسية وممتلكاتهم وحرية تنقلهم، كما أنّ حلمهم بدولة تلاشى، وحتى اتفاقيات أوسلو أصبحت رماداً.

وعصفت “لعبة الأمم” بالقوى السياسية الفلسطينية، فتفتّتت وتناحرت، وبات كل شيء يفرّق الفلسطينين ولم يعد يوحّدهم إلّا المسجد الأقصى.

وتحت هذا العنوان التوحيدي لعلعت أصوات الصواريخ، ووجدت من يهتف لها.

إنّ تطلع العالم إلى سلام في الشرق الأوسط يستحيل أن يكون جاداً أو منتجاً، إلّا إذا أعيد الإعتبار لقضية فلسطين وحقوق الفلسطينيين، فمظلوميتهم لن تتلاشى، لأنّ هناك من قرّر أن يغض الطرف عنها، بل هي ستبقى تتفاعل وستتسبّب بمزيد من الحروب، ولن يتمكّن أحد من ردع كل قوة إقليمية تجد مصلحة لها في استغلالها، لأنّ من يتهدّده الخطر لا وقت لديه لتحليل نوعية الطوق الذي يمتد إليه.

النهار العربي

—————————-

تضليل إسرائيلي بشأن معركة برية.. وفصائل المقاومة: “بضاعة لا نشتريها

استمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة طوال ليل الخميس -الجمعة، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 119 على الأقل، من بينهم 27 طفلًا، إضافة إلى أكثر من 600 أصيبوا بجروح مختلفـة، حسب آخر تحديث من وزارة الصحة في القطاع. فيما استمرت فصائل المقاومة الفلسطينية بدورها بإطلاق الصواريخ على مدن الاحتلال الإسرائيلي، وسط حديث عن فشل الوساطات الإقليمية والأممية من أجل الوصول إلى تهدئة.

يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات إسرائيلية بشأن عملية عسكرية برية محتملة، شكك نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس، صالح العاروري، في جديتها، معتبرًا خلال حديثه للتلفزيون العربي، مساء الخميس، أن هذه العملية لو حدثت بالفعل، ستكون في صالح فصائل المقاومة.

تعليق دعمه التناقض في الأنباء الإسرائيلية بشأن العملية البرية بعد منتصف ليل الخميس – الجمعة، حيث بعث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام الأجنبي، رسالة لعدة وسائل إعلام دولية، يقول فيها إن هناك عملية تنفذها القوات البرية والبحرية حاليًا في غزة، وهو ما تداولته بعض وسائل الإعلام على أنه بدء عملية برية. أمر عادت هيئة البث الإسرائيلية لتنفيه في وقت لاحق، مؤكدة أن ما حدث هو “خطأ في الترجمة”، في أمر رأت فيه تقارير أنه إشارات إسرائيلية مضللة.

وفي تعليقه على الحشودات العسكرية الإسرائيلية والتصريحات بشأن عدوان بري واسع، وصف العاروري هذه التصريحات بـ”بضاعة لا نشتريها”، معتبرًا أن هذه التصريحات كما التحشيدات العسكرية، تهدف للضغط النفسي على فصائل المقاومة، من أجل دفعها إلى المبادرة لوقف إطلاق النار. واعتبر القيادي في حركة حماس أن المواجهة البرية ستكون “مربع المقاومة وكارثة الاحتلال”، وستكون لها نتائج خطيرة جدًا على الاحتلال الإسرائيلي.

بدوره، قال المتحدث العسكري باسم سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة “الجهاد الإسلامي”، أبو حمزة، إن أي عملية اجتياح بري ستكون “أقصر الطرق إلى النصر الواضح الأكيد وسنريك كيف نحاكي وننفذ مناوراتنا البرية واقعاً بحول الله تعالى”. مضيفًا: “نقول للعدو سيكون مصير جنودك ما بين قتيل وأسير فلا تهددنا بما هو نصر لنا”.

تصريحات اتفقت معها كتائب القسام، حيث قال المتحدث العسكري باسمها، أبو عبيدة، إنه “في ظل تلويح العدو بحملة برية فإننا نقول: إن أي توغل بري في أي منطقة في قطاع غزة سيكون بإذن الله فرصة لزيادة غلتنا من قتلى وأسرى العدو وجاهزون لتلقينه دروساً قاسية بعون الله”.

وبشأن الوساطات الإقليمية من أجل التوصل إلى تهدئة، تحدث العاروري عن ثلاثة مقترحات للتهدئة تلقتها فصائل المقاومة، الأول يقضي بوقف متزامن لإطلاق النار، ستوافق عليه الفصائل الفلسطينية بشرط أن يرافقه وقف العدوان في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، “لأن هذا هو سبب الصراع، وما دامت الأسباب موجودة فإن اندلاع الصراع مرة ثانية مازال قائمًا ولو بعد أسبوع”. كما تضمنت العروض مقترحًا ثانيًا لوقف إطلاق النار لثلاث ساعات، من أجل التوصل إلى تفاهمات، مؤكدًا أن حماس ترفض أي توقف مؤقت.

المقترح الثالث والأخير حسب العاروري، كان خفض مستوى المواجهة من الطرفين، حيث اعتبر في هذا الصدد أن سبب التصعيد هو الاعتداء على القدس، وهو سبب يجب أن ينتهي من أجل تنتهي المواجهة.

————————-

وسوم التضامن مع فلسطين مستمرة و”يلا على الحدود” يتزامن مع تحركات في الأردن

تستمر الأحداث التي تشهدها فلسطين المحتلة، تمثّل الشغل الشاغل للناشطين والمغردين في الدول العربية، وتمتد لتصل إلى مختلف أنحاء العالم وبلغات كثيرة، حيث يحاول الناشطون نقل الصورة الحقيقية حول ما يجري، وتسليط الضوء على الظلم الكبير الذي يلحق بالفلسطينيين في مختلف المدن والتجمعات خاصة القدس وقطاع غزة الذي يتعرّض لاعتداءات يومية بالقصف الصاروخي من الطيران الإسرائيلي، الأمر الذي أدّى حتى الآن إلى سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، في ظل محاولات الاحتلال لتضليل الرأي العام العالمي، من خلال تزييف الحقائق.

وبالتزامن، أبدى المغردون حماسة كبيرة لعمليات المقاومة الفلسطينية على أشكالها، من خلال رشقات الصواريخ، أو من خلال المواجهة والتمسّك بالمطالبة بالحقوق بجميع الأشكال المتاحة في مختلف المناطق، بالإضافة للدفاع عن النفس أمام الإرهاب المنظم الذي تمارسه الجماعات المتطرفة التابعة لأحزاب اليمين الصهيوني.

    share

    Al Lodd city completely closed and only zionists with weapons allowed in to start ethnic cleansing and killing of the Palestinians#انقذوا_اللد pic.twitter.com/ak7e4v6Cpd

    — H ✨ (@useurname_h) May 12, 2021

    share

    #freepalastine#قصفكم_أسهل_علينا_من_شربة_الماء#IsraelTerrorist

    All honest Jews around the world agree that the Zionists occupying Palestine are just killers and terrorists pic.twitter.com/O5dS2MON4Z

    — Mudassir (@BhatiMudassir) May 13, 2021

    share

    Now !!

    Settlers and the occupation attack the homes and beat them at alled#اللد_تنتفض #PalestineUnderAttack #انقذوا_اللد pic.twitter.com/28SPOOJrrV

    — ———- ———- ✨– (@rahaf_adwan99) May 12, 2021

وقد أطلق الناشطون العديد من الوسوم للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته، من بينها وسم “قصفكم أسهل علينا من شربة الماء” الذي حقّق أرقامًا عالية في عدة بلدان كمصر، الأردن ولبنان، واستخدمه الناشطون للتعبير عن إعجابهم بقدرات المقاومة الفلسطينية التي نجحت بالرغم من القبة الحديدية في ضرب العمق الإسرائيلي وإصابة أهداف مباشرة.

    share

    and the BBC as well #Gaza_Under_Attack #GazaUnderAttack #StandForPalestine #SavePalestine #SaveSheikhJarrah #فلسطين_تنتفض #غزة_تحت_القصف #انقذوا_اللد pic.twitter.com/OpmlY3K0om

    — logy (@rebelogyy) May 13, 2021

    share

    Israel evacuated the Lod area, perhaps to carry out a genocide of the Palestinians there!

    Save them

    #انقذوا_اللد

    — ابن اليمن البار (@Barebnyemen) May 12, 2021

    share

    Netanyahu’s goals in Gaza: children, their families, their schools, and their bedrooms

    #PalestineUnderAttack

    #GazaUnderAttack #PalestineUnderAttack pic.twitter.com/dZsbFEy6oR

    — Lubna Almasri (@LubnaAlmasri3) May 13, 2021

من بين المشاركات نشرت الناشطة مريم المشيخي من سلطنة عمان صورًا لمواطنين فلسطينيين يتحدّون قوات الاحتلال، وعلّقت بالقول “لا توجد قوة قادرة على هزيمة من يمتلك الحق”. ونشر أحمد من العراق صورة لجنود إسرائيليين هربوا من الباص واختبئوا خلف أحد السواتر الاسمنتية بحسب صحيفة هآرتس العبرية، وقال إن هذه الصورة أبلغ من آلاف الكلمات.

    share

    Over 100 martyrs were murdered in Gaza in 4 days only, almost 1/3 of them are kids. #BoycottIsrael to punish them for committing crimes against Palestinians! #GazaUnderAttack#SaveSheikhJarrah pic.twitter.com/8IM1VdzcTm

    — Ahmed Ismail (@ahmed_ism86) May 13, 2021

    share

    There is no force that can defeat those who are right.#قصفكم_أسهل_علينا_من_شربة_الماء —-✌️ pic.twitter.com/7jZ3alADxZ

    — مريم المشيخي —- (@MYA_1094) May 13, 2021

وعلى الوسم نفسه، نشر حساب من المغرب مقطع فيديو تحت عنوان “كمين العلم” يظهر نجاح فلسطينيين في الوصول إلى أحد المواقع الإسرائيلية بالقرب من غزة، ورفع العلم الفلسطيني. ونشر مدّثر من باكستان صورة  تظهر مواطنين يهود يحرقون العلم الإسرائيلي وقال إنه حتى اليهود الصادقين حول العالم، يوافقون على  أن إسرائيل هي دولة فاشية تحتل فلسطين وتمارس القتل والإرهاب في وجه شعبها.

    share

    #قصفكم_اسهل_علينا_من_شربه_الماء The Hebrew newspaper Maarif:

    One picture is worth a thousand words, the soldiers fled from the bus and took shelter from the rockets near the Azrieli Junction – Tel Aviv——‍♂️—- pic.twitter.com/IPAlQLDTkC

    — ahmed (@ahmed35028010) May 13, 2021

ومن الوسوم التي حققت أرقامًا عالية برز بشكل خاص وسم “أنقذوا اللد” بعد الاعتداءات المتكررة التي شهدتها المدينة في الأيام الأخيرة، فنشرت الناشطة رهف عدوان مقطع فيديو يظهر جنودًا إسرائيليين يعتدون على أحد المنازل في اللّد، ويتعرضون لساكنيه بالضرب.

    share

    Old but Gold ——✌️—-#ابو_عبيده#عياش250#TelAviv#Gaza_Under_Attack#قصفكم_اسهل_علينا_من_شربه_الماء#freepalastine #الأقصى_في_خطر #غزة_العزة #israilTerorist #IsraeliAttackonAlAqsa pic.twitter.com/CjnLJrFCgr

    — JosepH (@youba_90) May 13, 2021

وعلى الوسم نفسه، نشر أحد الحسابات رسمًا كاريكاتوريًا يظهر الإعلام العالمي متحلّقًا حول مواطن إسرائيلي يبكي، ويتجاهل الشهداء في غزة الغارقين في دمائهم، وأشار حساب آخر إلى أن إسرائيل تسعى لتنفيذ إبادة في اللد، ودعا إلى إنقاذ أهل المدينة.

    share

    So proud ——#يلا_على_الحدود https://t.co/LuT7QGQ2O5

    — RAHAF — (@ralkhatib00) May 14, 2021

    share

    يحدث الآن من جميع أنحاء المملكه الأردنية

    تجمع على الحدود لنصره الاشقاء الفلسطينين–#يلا_على_الحدود pic.twitter.com/bzb2dEPAQw

    — —- بيان البرشلونيه —- #فلسطين حره (@Bayonnem10) May 14, 2021

كما انتشر في الأردن وسم “يلا على الحدود”، الذي تضمن دعوات للاحتشاد والتحرك نحو الحدود مع فلسطين تضامنًا مع القدس وغزة والشعب الفلسطيني. ومن بين المشاركات عبر هذا الوسم ما قالته أمل العموش ومفاده أن “أي وسيلة ضغط على العدو مباركة”. كما نشر عدي الصمادي مقطع فيديو من مدينة إربد يوثق تجمعات شبابية حاشدة في طريقها للتحرك نحو الحدود أيضًا.  وقال حساب فلسطين حرة، عبر الوسم ذاته، أن التجمع عند الحدود يحدث من جميع أنحاء المملكة. وشاركت المغردة رهف مقطع فيديو يوثق التحركات أيضًا.

    #عاجل : التغطية مستمرة || شباب مدينة #اربد تنتفض لفلسطين بالألاف وبطريقهم الى الحدود الفلسطينية الشمالية لموازرة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلا١ل .

    ادعموني لأستمر بالتغطية ❤#GazzaUnderAttack #Gaza #الأردن #يلا_على_الحدود —-✌—- pic.twitter.com/i9lZJvvp32 pic.twitter.com/RD0LZmWgnC

    — Odai AL Smadi —- (@OdaiALSmadi7) May 14, 2021

    share

    شعب واحد مو شعبين ✌———-❤❤

    فخورة اني أردنية و أي وسيلة ضغط على العدو مباركة

    عاشت غزة العزة و الأردن العظيم ❤ #يلا_على_الحدود #GenocideinGaza pic.twitter.com/ZsNsecYQwg

    — Amaal Al_Emoush —-⚔ (@emoush_amaal) May 14, 2021

ولليوم الرابع على التوالي، استخدم الناشطون بكثافة وسم “غزة تحت القصف” باللغتين العربية والإنجليزية. ونشرت الناشطة جنان صورًا لأطفال أصيبوا بالقصف بعد تعرّض منزلهم في مخيم رفح جنوب غزة للقصف، فيما علّقت الناشطة لبنى المصري، مستخدمة الوسم نفسه، على صور لأطفال مصابين وبيوت مهدمة في غزة بالقول أن هذه هي الأهداف التي تحدّث عنها نتنياهو: الأطفال وعائلاتهم، غرف نومهم، ومدارسهم. وقال أحمد إسماعيل إن أكثر من 100 فلسطيني استشهدوا في غزة في الأيام الماضية، أكثر من ربعهم من الأطفال، وطالب بحملة عالمية لمقاطعة إسرائيل، عقابًا على جرائمها ضد الفلسطينيين.

————————-

========================

تحديث 18 أيار 2021

—————————

انتفاضة كل فلسطين/ أحمد جبر

لم يتم اعتماد نقطة انطلاق للانتفاضة الفلسطينية الحالية حتى الآن، إذ يمكن أن تكون بدايتها مع المواجهات التي دارت في المسجد الأقصى عندما حاول فلسطينيون، مقدسيون وغير مقدسيين من أبناء الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، التصدي لقوات الاحتلال التي سعت الى اقتحام المسجد أواخر شهر رمضان. كما يمكن أن نعتبر البداية مع هبة باب العامود في القدس بداية شهر رمضان، حين نشر جيش الاحتلال الحواجز والموانع المعدنية في الساحة بهدف التضييق على المقدسيين، وتحديداً أبناء البلدة القديمة باعتبار أن ساحة باب العامود مُتنفَّسُهم العام الرئيسي وشبه الوحيد. كذلك يمكن ربط البداية بحملة الصمود والتضامن من ومع أهالي حي الشيخ جراح المقدسي، الذين يتعرضون لحلقة جديدة من سلسلة سياسات التطهير العرقي عبر طردهم من منازلهم وإحلال عائلات مستوطنين يهود مكانهم. ربما يكون تعدد نقاط البداية المحتملة واحداً من الاختلافات بين هذه الانتفاضة وما سبقها من هبات وانتفاضات شعبية، كان لأغلبها لحظات انفجار فارقة، كذلك ربما تلعب صدفة تزامن بداية هذه الانتفاضة مع ذكرى النكبة دوراً في التذكير بأن نقطة البداية التي يمكننا اعتمادها هي لحظة النكبة نفسها قبل 73 عاماً، ذلك أن ما يجري اليوم ليس إلّا مرحلة جديدة من مراحل الصراع بين المُستعمِرين والمُستعمَرين في فلسطين، وهي تشمل هذه المرة كامل الشعب الفلسطيني على كامل الجغرافيا الفلسطينية.

انقدحت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 1987، عند قيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمال العرب في قطاع غزة، وجاءت بمجملها نتيجة القمع والإذلال المُمارَس بحق الشعب الفلسطيني داخل فلسطين، ولا سيما في الضفة والقطاع والقدس. كانت تلك الانتفاضة سلمية في المقام الأول، رغم حضور المواجهات والعمليات المسلحة في بعض محطاتها، وقد ساهمت في مزيد من عودة الفلسطينيين في أراضي 48 إلى البُعد الوطني الفلسطيني عبر دعم الانتفاضة والخروج في بعض التظاهرات، وهو المسار الذي كان قد بدأ قبل ذلك طبعاً، وكانت هبة يوم الأرض عام 1976 إحدى محطاته الرئيسية.

واجه جيش الاحتلال الانتفاضة بالقمع العنيف الأمني والعسكري طيلة سنوات، ثم جاء مسار التفاوض الذي أفضى إلى اتفاق أوسلو 1993 وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي كان يفترض أن يكون محطة على طريق عملية تنتهي بقيام دولة فلسطينية. أدرك الشعب الفلسطيني في السنوات اللاحقة عبثية العملية التفاوضية، إذ تبخرت الآمال بقيام دولة فلسطينية مستقلة حتى على 22 بالمئة من مساحة فلسطين أو على أقل من ذلك. ما مهّد الطريق نحو مرحلة جديدة متمثلة بالانتفاضة الثانية، التي كانت شرارتها في 28 أيلول (سبتمبر) 2000، عند دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون برفقة حراسه إلى ساحات المسجد الأقصى. غلبت على الانتفاضة الثانية عمليات المقاومة المسلحة، فيما واجهها جيش الاحتلال بالكثير من العنف والعمليات العسكرية الكبيرة، وتم على خلفيتها بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية. وقد لعبت السلطة الفلسطينية دوراً بارزاً في إنهاء هذه الانتفاضة بعد انتقال رئاستها إلى محمود عباس خلفاً للراحل ياسر عرفات، وكان من نتائجها غير المباشرة انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات اليهودية فيه. بعد الانتفاضة الثانية، شهدت الأراضي الفلسطينية هبات شعبية أقل اتساعاً وأقصر زمناً، أبرزها سلسلة الأحداث المعروفة باسم انتفاضة السكاكين بين 2015 و2017، ومسيرات العودة في غزة 2018-2019.

تتميز الانتفاضة الحالية عن سابقاتها بامتدادها من النهر إلى البحر، نتيجة الدور الرئيسي وغير المسبوق الذي يلعبه الفلسطينيون والفلسطينيات في أراضي 48، والذي يأتي تتويجاً لمسار طويل جداً من المعاناة والنضال. بقي العرب الفلسطينيون في الداخل المحتل، منذ النكبة 1948 وحتى العام 1966، يعيشون تحت حكم عسكري يمنعهم من التنقل والالتقاء ببعضهم بعضاً دون إذن من الحاكم العسكري. وكانوا طوال هذه السنوات يتعرضون للتمييز العنصري والعنف، وحتى التصفية الجسدية كما في مذبحة كفر قاسم عام 1956. حصل الفلسطينيون داخل الخط الأخضر على حرية التنقل بعد إلغاء الحكم العسكري عام 1966، لكن سياسات مصادرة الأراضي وهدم البيوت استمرّت، وهو ما فجَّرَ الأوضاع في 30 آذار (مارس) 1976، في ما بات معروفاً بأحداث يوم الأرض. وحتى اليوم، يعاني الفلسطينيون هناك من سياسات تطهير عرقي وتمييز عنصري في مختلف النواحي. على سبيل المثال، تصل نسبة البطالة بين العرب إلى 25 بالمئة بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي لعام 2011، في مقابل 6.5 بالمئة في أوساط المستوطنين. ووفقاً للمكتب نفسه، فإن متوسط رواتب العرب يقلّ عن متوسط رواتب المستوطنين بما يعادل 30 بالمئة. كذلك تحظى المدن والبلدات والأحياء ذات الغالبية العربية بخدمات أقل، وذلك في شتى المجالات من تعليم وصحة ومرافق عامة وغيرها.

يضاف إلى كل هذه الظروف عامل أساسي آخر، إذ يتهم الفلسطينيون داخل الخط الأخضر سلطات الدولة الصهيونية بتسهيل ودعم انتشار عصابات الجريمة في أوساطهم، التي لقي 1500 ضحية حتفهم على يدها منذ العام 2000، ومعظم هذه الجرائم انتهت دون التحقيق فيها أو بتسجيلها ضد مجهول. واستهدفت هذه العصابات قيادات من الحركة الإسلامية التي تحظرها السلطات الإسرائيلية، ومن ذلك اغتيال القيادي في الحركة محمد أبو نجم، وهو ما يؤكد وجود صلة بين السلطات الصهيونية وهذه العصابات التي بدأت تأخذ الطابع العائلي والعشائري. ففي نتيجة مباشرة لغياب «سلطات الدولة» عن دورها في حفظ الأمن، تدخل تشكيلات بديلة تأخذ شكل العصابات العائلية، ويندفع أفراد المجتمع باتجاه هذه الاصطفافات الممزِّقة لنسيجه في غياب مشروع وطني أو مجتمعي جامع، ليقع الفلسطينيون في دائرة من العنف المتبادل بين بعضهم بعضاً، ويخرجوا من خلالها غضبهم الناتج عن العنصرية والتفقير والتهميش الذي يعانون منه تحت الاحتلال والحكم العنصري.

شهدت أراضي 48 احتجاجات على أعمال العصابات قبل هذه الانتفاضة، وهي مسألة حاضرة بقوة في فعاليات انتفاضة اليوم. ويمكن أن تكون هذه العصابات سلاحاً ذا حدين، فبقدر ما يمكن استخدامها لصالح الاحتلال، فإنها يمكن تنقلب إلى مجموعات مقاومة، خاصة في حال وجود مجتمع مدني قوي، وهو ما يتوفر لدى الفلسطينيين في الداخل المحتل. لم يحدث هذا حتى الآن، لكن بوادره بدأت بالظهور يوم أمس مع دعوات للصلح بين العائلات المتصارعة، وهي البوادر التي يمكن أن تأخذ أشكالاً أخرى إذا تصاعد العنف الصهيوني ضد الفلسطينيين المنتفِضين داخل الخط الأخضر، الذين استطاعوا فرض معادلة جديدة عبر تأجيج الصراع في المدن والبلدات ذات الغالبية العربية، أو حتى تلك التي صار الفلسطينيون فيها أقلية، كمدينة اللد التي استغاث رئيس بلديتها بعد أن خرجت لساعات عن سيطرة قوى الشرطة الإسرائيلية رغم أن الفلسطينيين فيها أقل من 30 بالمئة.

أما في قطاع غزة، حيث تتمترس المقاومة المسلحة الفلسطينية بفصائلها – وأقواها حماس، الحاكم الفعلي للقطاع – فإن الصواريخ محلية الصنع التي تم إطلاقها باتجاه أراضي 48 لم تكن تلبية لمطالب المتظاهرين في القدس فقط، وإنما أيضاً بسبب احتقان الوضع الداخلي نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المزرية التي يفرضها الحصار الإسرائيلي البري والبحري والجوي على القطاع، إضافة إلى النظام المصري الذي فرض حالة حصار وإغلاق للمعابر منذ الانقلاب العسكري الأخير. نتيجة ذلك، فإن 80 بالمئة من المصانع بحكم المغلقة منذ بداية الحصار، في حين تراجع معدل الإنتاج في المصانع التي تعمل إلى 20 بالمئة بسبب منع إدخال المواد الخام اللازمة وتقييد حركة الاستيراد والتصدير، كما يتدهور الوضع الاقتصادي لعمال المياومة وأصحاب المحال التجارية والورش بشكل مستمرّ. وبحسب الأمم المتحدة، فإن خسائر غزة الاقتصادية الناتجة عن عقد من الاحتلال والحصار الإسرائيلي تخطت 16.5 مليار دولار، وذلك في قطاع مساحته 365 كيلومتر مربع يقطنه مليونا إنسان، ما يعني كثافة سكانية بمقدار 5,555 نسمة في كل كيلومتر مربع. يقوض ذلك فرص إنشاء مشاريع زراعية إنتاجية قادرة على تغطية حاجة القطاع الغذائية. هذه الأوضاع التي لا يمكن احتمالها هي ما يدفع قطاعات من سكّان غزة إلى خيارات يعتبرها كثيرون انتحارية، من قبيل الدخول في مواجهات عسكرية مع الاحتلال، أو مسيرات العودة السلمية عام 2018، التي راح ضحيتها 111 شهيداً وأكثر من اثني عشر ألف جريح. في هذه الظروف، لا معنى للحديث عن تعاطف دولي تتسبب صواريخ الفصائل في خسارته، وليس من المستبعد أن يتم التوصل لاتفاق تهدئة بين حماس والاحتلال، لكن التحدي هو ألا يمسّ هذا بأشكال النضال الأخرى والمقاومة الشعبية في أراضي 48 والضفة الغربية وغزة نفسها.

لم تتأخر الضفة عن الالتحاق بالانتفاضة رغم السيطرة المزدوجة عليها من قبل الاحتلال والسلطة الفلسطينية، التي لعبت أجهزتها الأمنية دوراً في إخماد الانتفاضة الثانية وانتفاضة السكاكين من خلال التنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية، وحتى اعتقال النشطاء والمناضلين ضد الاحتلال. وتلعب المستوطنات بتوزعها الجغرافي دوراً عسكرياً في الضفة الغربية، إذ تحوّل مدن وقرى الضفة إلى جزر معزولة عن بعضها بعضاً، بالإضافة إلى ما يسبّبه جدار الفصل العنصري من معاناة وإذلال للفلسطينيين، لتكون الحصيلة سياسة تطهير عرقي وفصل عنصري ممنهجة. وربما يستطيع الفيلم الفلسطيني القصير الهدية تسليط الضوء ولو جزئياً على معاناة الفلسطيني اليومية بسبب توزع المستوطنات والجدار – الذي لم يفصل بين بيوت الفلسطينيين وأراضيهم فحسب، وإنما في كثير من الأحيان بين بيوت الإخوة أو الجيران. لزيارة بيت جارك أو أخيك الذي كان لا يبعد أكثر من 100 متر، قد تحتاج في بعض الحالات إلى يوم كامل أو حتى أكثر، وذلك بحسب مزاج عساكر الحاجز الإسرائيلي. يقتضي التنويه إلى أن كثيراً من الطرق التي يستخدمها المستوطنون ممنوعة على أصحاب الأرض الفلسطينيين. تحت هذه الظروف يعيش أهل الضفة، وضدَّها ينتفضون ويواجهون مهمة مزدوجة تتمثل بالنضال ضد الاحتلال والسلطة الفلسطينية التي باتت مرتبطة بالاحتلال بشكل مصلحي فردي ضيق الأفق. لقد ساهم التنسيق الأمني بيين الاحتلال والسلطة في تهدئة الأوضاع وإيجاد مناخ مناسب سهَّل على الاحتلال والجمعيات الاستيطانية التوسع، إذ تضاعف عدد المستوطنات ثلاث مرات منذ انتهاء الانتفاضة الثانية، كما أن أعداد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة (بدون القدس الشرقية) زادت بنسبة 42 بالمئة مقارنة مع العام 2010.

ولكي نقول «كل فلسطين»، لا بد أن نتذكر أنه لا وجود لـ«وطن حر» إلا بـ«نساء حرّة»، وهو شعار حملة طالعات، الحراك النسوي الفلسطيني بامتياز، الذي رفض بشكل قاطع محاولة النسوية الصهيونية الانخراط فيه، وامتدّ على كامل فلسطين شأنه شأن الانتفاضة الحالية، لكنه جاء قبلها ليكون انتفاضة نسوية ضد الاحتلال الإسرائيلي والاستبداد الذكوري في آن معاً. ويبدو تأثير هذا الحراك واضحاً في هذه الانتفاضة من خلال الوجود النسوي القوي ضمن صفوف المقاومة الشعبية وفي المواجهات، وهو ما يعيدنا إلى مشاهد من الانتفاضة الأولى كانت قد غابت أو ضعفت في الانتفاضة الثانية.

هي انتفاضة كل فلسطين إذن، وليست انتفاضة القدس وحدها، ولا انتفاضة صواريخ المقاومة طبعاً. ولعلّ أبرز ما يميّزها عن سابقاتها الدور المركزي الذي يلعبه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948. بقي أن تفرز هذه الانتفاضة قيادتها وخطابها وبرنامجها، وهو ما يمكن أن تحمله الأيام والأسابيع القادمة. ولأنها انتفاضة كل فلسطين، فهي يمكن أن تكون تأسيساً لدفن حل الدولتين الميت فعلياً، وإحياء مشروع دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية الواحدة من البحر إلى النهر، كحل للصراع يضمن حقوق الفلسطينيين جميعاً بما فيها حق اللاجئين منهم بالعودة، ويحول المستوطنين إلى مواطنين في هذه الدولة، وهو المشروع الذي يتناقض جوهرياً مع المشروع الصهيوني. يبدو هذا كما لو أنه سيناريو من نسج خيال لا يمكن أن يجد طريقه إلى الواقع، لكن بديله هو استمرار الصراع واستمرار النظام العنصري في فلسطين، وهو ما لا يمكن أن نتصوّر استمراره إلى الأبد.

موقع الجمهزرية

——————

لئلا “تتلبنن” مآسي الفلسطينيين ونضالاتهم: إشعال الحرائق والمتاجرة بالرماد/ منير الربيع

تحولت فلسطين في هذه الأيام عنواناً تتوسله القوى السياسية للتنصل من مسؤولياتها، والاستقالة من البحث عن حلول للأزمات القائمة. لقد صارت فلسطين مخرج الجميع لهروبهم من أزماتهم وعدم مواجهة الاستحقاقات.

تجارة سياسية بفلسطين

والقضية الفلسطينية هي “قميص عثمان” يسعى كل طرف إلى إشهاره، حسب ظروفه ومصلحته. ولطالما شكّلت فلسطين منذ خمسينات القرن العشرين عنواناً أو استثماراً أساسياً لطموحات أشخاص وضباط وأحزاب وأنظمة ودول. فمنذ النكبة الفلسطينية حتى اليوم، تشكل فلسطين مدخلاً للمشروعية أو الشرعية السياسية، ولكسب الجماهير والشعبية. وهذا يسري على الأنظمة العربية كلها، أقله منذ الانقلابات العسكرية، إلى سحق الثورات وضرب أي مطالب شعبية وإعطاب السياسة في المجتمع، بذريعة أولوية مواجهة الاحتلال. فكان ذبح الحريات باسم التحرر والتحرير.

ومن كان تاجراً سياسياً مفلساً، أو علكه الدهر ورماه جانباً، وجد في استثمار اسم فلسطين وقضيتها تحصيلَ قوت يومه. وهناك من اصطف على ضفة هذا المحور أو ذاك، لعلّ المحور يعود عليه ببعض المكاسب، أو يظل اسمه مذكوراً في وسائل الإعلام، ولصوره أثر تعطيها الكوفية الفلسطينية زخماً، وما أكثر هؤلاء في لبنان.

هموم الأمة المزيفة

يمثّل اللبنانيون بتلاوينهم المتباينة أدوار التضامن مع فلسطين ومقاومتها ومطالب شعبها ونضالاته. وانشغالهم هذا راح يتقدّم على استحقاقاتهم الداخلية في مواجهة الانهيار والتعطيل السياسي والحكومي والفقر.. وهذه على ما يبدو ستبقى مزامنة لعملية تشكيل الحكومة.

وانتقلت المواجهة بين الأطراف اللبنانيين إلى الميادين وساحات التظاهر جنوباً، وفي قلب بيروت أيضاً، حيث يتكاثر تنظيم الوقفات التضامنية التي تواكب “هموم الأمة”:

حزب الله في حال تحرك يومي مع حلفائه، نصرة لفلسطين، على الأرض وسياسياً، وفي ميادين أخرى. تيار المستقبل لجأ إلى حمل لواء القضية أيضاً متضامناً مناصراً. حتى جبران باسيل وتياره وجدا في فلسطين ملاذاً آمناً. واتصل باسيل بالرئيس محمود عباس وببشار الأسد، معايداً بالفطر ومناقشاً “هموم الأمة”. والأهم أن المناقشة الباسيلية انطلقت من نظرة قومية جامعة لما يتعرض له الفلسطينيون وما تعرض له اللبنانيون والسوريون سابقاً وإلى اليوم، وفق وجهة نظر باسيل “المشرقية”.

اللبنانيون والفلسطينيون

وهكذا يعلّق اللبنانيون أزماتهم على حبال القضية الفلسطينية. بينما يلبنن فلسطينيون أزماتهم السياسية والوجودية بإعطائها بعداً عسكرياً وحسب، من شأنه أن يفرغ نضالات وانتفاضات المطالبة بالحقوق الوطنية والمدنية وحق المساواة من مضمونها الجديد والكبير.

فالفصائل والحركات الفلسطينية تبعث الانقسامات العمودية، التي تبدد النضالات على مذابح حسابات الانتخابات بين فتح وحماس، وبين الضفة وغزة، وبين المحاور الإقليمية، التي تتشابك وتتداخل على نحو معقد ومركب جداً في ظل ما يجري من تطورات في غزة.

فغزة وصواريخها ودماء أبنائها، مناضلين ونساء وأطفالاً، تشتثمر فيها وفيهم جهات كثيرة. حتى لبنان البائس يسعى إلى ذلك، وهو اختبر سابقاً المقامرة به وبأبنائه، ولا يزال في الحفرة إياها.

تجارة الجثث والرماد

ولا بد من القول أن قضية فلسطين أكبر من حماس وفتح ومنظمة التحرير، وتتجاوز مفاوضات فيينا للاتفاق النووي، واستثمارات إيران المتشعبة فلسطينياً، ومنها اليوم إشغال إسرائيل بدماء غزة.

هذا كله يختزل مآسي الفلسطينيين ونضالاتهم، التي يحولها مسؤولو الفصائل والقادة السياسيون إلى ما يشبه ما فعله ويفعله اللبنانيون ببلدهم: إشعال الحرائق، والمتاجرة بالجثث والرماد.

أسئلة كثيرة يطرحها الصراع القائم في فلسطين، والمعركة العسكرية المفتوحة في غزة. ومن المبكر حسم وجهة الأمور وتداعياتها. فكل طرف ينتهز فرصة للانقضاض وتسجيل نقاط لصالحه، لتصريفها سياسياً في الداخل الفلسطيني وفي الإقليم. وذلك بناءً على القاعدة التاريخية الثابتة: إسم فلسطين وقضيتها جذابان لتسجيل اختراقات إعلامية وسياسية، لستر العيوب الكبيرة بها. وهذا ما تحترفه إيران وحزب الله والنظام السوري، وأنظمة ودول عربية كثيرة من قبل.

حركة الداخل الفلسطيني

أما الحراك الفلسطيني الجديد داخل أراضي 1948، فغيّر مجرى خطة ترامب أو صفقة القرن. وهو يصيب مباشرة اتفاقيات السلام العربية-الإسرائيلية. هذا من الناحية المبدئية. لكن الأهم هو عدم تحويل حركة الحقوق الوطنية والمدنية الفلسطينية في إسرائيل مادة للاستثمار السياسي.

وهنا تبرز أسئلة ومخاوف كثيرة في سياق التطورات: هل ينعكس التنازع العربي والإقليمي والفلسطيني في غزة، سلباً على الوقائع الفلسطينية في داخل إسرائيل، فتنتهز الدولة العبرية، بل اليهودية، الفرصة لتهجير عرب 48، أو خوض حرب تطهير عرقي وارتكاب مجازر ضدهم؟ وكذلك هناك خوف مشروع من تفاقم الانقسامات الفلسطينية، والانقضاض على منظمة التحرير، وتصريف النتائج العسكرية والشعبية في غزة انتخابياً.

وفي هذا السياق تبرز التجارب اللبنانية المشابهة، أثناء الحرب الأهلية وبعدها، وفي أعقاب حرب تموز 2006، مروراً بـ17 تشرين 2019، ووصولاً إلى اليوم.

التأسيس الوطني

وفي انتظار ما ينجم عن هذه المعركة الفلسطينية من نتائج، يُراد عكسها في اليوميات اللبنانية، حكومياً وسياسياً، يمكن القول إن فلسطين ولبنان وسوريا في حاجة اليوم إلى إعادة تأسيس. وتمثل هنا تجربة منظمة التحرير الفلسطينية التي استطاعت بناء الهوية الوطنية لشعب الشتات الفلسطيني. فاللبنانيون والسوريون والفلسطينيون والعراقيون أيضاً، في حاجة اليوم إلى إعادة تأسيسس كياناتهم الوطنية الممزقة، بدل تعليق الاستحقاقات على قضية فلسطين.

المدن

—————————-

الهبة المقدسية وتغير ميزان القوى في فلسطين!/ محمد عبد الحكم دياب

منذ اندلاع «الهبة المقدسية» ونحن نعلق عليها الأمل بأن تُعَمِّر وتتمدد، وها هي في تصاعد وتصنع بطولات وتحقق إنجازات غير مسبوقة، بعد الإضعاف المتعمد للمشاعر الوطنية والقومية، وتشويه الذاكرة التاريخية؛ بداية من مفاوضات «فض الاشتباك الأول» بين القوات المصرية، والقوات الصهيونية، وفك الارتباط مع الشركاء العرب، الذين لعبوا دورا كبيرا في إنجاز نصر اكتوبر 1973 العسكري العظيم، فشريك الحرب الأساسي كانت سوريا، ومعها قوات فلسطينية، ومساهمات ليبية وجزائرية بالرجال والعتاد والمال، ومن تلك اللحظة تراجع الزخم الذي صاحب النصر العسكري، وأضاعته المفاوضات العبثية، وفتح السادات الطريق أمام الصهينة والتطبيع؛ الذي لم يغلق حتى الآن، وحرمان الأجيال الجديدة من التعرف على حقائق تلك الحقبة الهامة في التاريخ العربي؛ شككوا فيها وفي إنجازاتها وبطولاتها.

ومع ما أصاب الكفاح العربي من جَزْر حال بينه وبين تحقيق التحرير، والتخلص من أحط صور الاستيطان التي عرفها التاريخ، وهو الاستيطان الصهيوني، وتماديه في غروره وصلفه وغطرسته، وعانى الناس طويلا وهم في انتظار لحظة تتغير فيها الموازين، وكانت الأنظار تتجه نحو المقاومة العربية عامة والفلسطينية بشكل خاص، وقد واجهت ظروفا صعبة، وصمدت وتحملت بشكل استحق التقدير والتعاطف، وجاءت «الهبة المقدسية» فبعثت الأمل بافتتاح طريق التحرير والعودة من جديد، واسترداد الأرض الفلسطينية كاملة، وعودة اللاجئين، وقيام الدولة، بعد طول انتظار، وصبر فاق صبر أيوب، ومع ذلك استمرت القضية حية رغم سقوط الغالبية العظمى من نظم الحكم العربية في مستنقع الصهيونية المؤمركة والأمركة المصهينة. وكان الرهان الرسمي الداخلي والإقليمي والدولي مركزا على الإضعاف والابتزاز، ونسيان الأهل، ويأس الأقربين، وملل المتعاطفين، فينتهي كل شيء، ويرتاح المغتصب بما اغتصب، ويطمئن الجبان بما حقق من كسب، ويرضى الخائن بما حصل عليه من ثمن!!.

وعادت فلسطين يفوح منها عطر البطولة والتحرير القادم، وعادت معها الثقة بالنفس، وها هي تُلقِّن الاستيطان والمستوطنين دروسا، وتدون فصولا جديدة في سجل التاريخ، وتضيفها لسفر المقاومة النوعية، ومثلت الهبات والانتفاضات الفلسطينية للمخضرمين من أمثالي بوصلة هادية تنير أمامهم طريق التغيير فيسلكونه، وكان طريق وعرا ومظلما، ولم تُفْقِدهم الأمل يوما في اتباع ما يعتقدونه حقا، «فالحق أحق أن يُتَّبَع» والتاريخ أكد وما زال يؤكد ذلك في أحلك ظروف التمييز والفصل العنصري، والاستيطان والاحتلال، والتطهير العرقي، والتهجير القسري والملاحقات الهمجية، وكانت مواجهتها بمثابة أمصال تقوي المناعة النفسية والعقلية، وساعدت على توظيف المواقف والآراء المنشورة؛ كتابة واستماعا ورؤية، وكثير من أولئك دفع الثمن؛ ملاحقة وسجنا وتشريدا ونفيا، ولم يهتز فهمهم لطبيعة الحركة الصهيونية؛ كحركة لقيطة وشاذة، وكان من المتوقع سقوطها فور إنهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في تسعينيات القرن الماضي، وهذا لم يحدث حتى الآن، لأسباب كثيرة لا يتسع لها المجال.

ومع الهبة المقدسية استبسل الفلسطينيون، وهم يتصدون للمستوطنين ورجال الأمن الصهاينة، ممن جاءوا لانتزاع بيوتهم وممتلكاتهم، ومنعهم من الصلاة في المسجد الأقصى. وأطلقت قوات الاحتلال وفرق المستوطنين النيران والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي؛ أطلقوها على الموجودين في المسجد الأقصى وقبة الصخرة؛ يومي الخميس والجمعة 6 و7 مايو الجاري (2021) وكانت الحصيلة أكثر من مئتي مصاب.

وتصاعدت المواجهات، واستمرت المعارك، وزادت مصادرة المنازل والممتلكات في المدينة المقدسة ومحيطها، وأسفرت مواجهات باب العمود عن انسحاب القوات الصهيونية، وقد يكون ذلك مؤقتا؛ لإصرار المقدسيين على رفض السيطرة الصهيونية، وكانت الحصيلة حتى صباح الثلاثاء الماضي (11/ 05/ 2021) كما أعلن الجيش الصهيوني تنفيذ 130 غارة على قطاع غزة، وسقوط 24 شهيدا، من بينهم 9 أطفال، وإصابات بلغت 103 إصابة؛ في عملية أطلقت عليها القوات الصهيونية «حارس الأسوار» وجاء في بيان مشترك أصدرته «الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية» في نفس اليوم، وحمل اسم «سيف القدس» وأُطْلِق على المعارك التي دارت بين المعتدين الصهاينة، وبين المدافعين عن المقدسات العربية؛ إسلامية ومسيحية.

وفي نفس اليوم أُعلِنت الطوارىء بمدينة «اللد» وطلب نتنياهو من وزير الحرب بيني غانتس بنقل قوات من حرس الحدود في الضفة الغربية إلى«اللد» بسرعة، بعد فقدان السيطرة على المدينة، حسب تصريحات رئيس بلديتها، واندلعت حرب شوارع حقيقية بين العرب واليهود، وتجدد القتال ليل الثلاثاء، وامتد لمدن الداخل؛ بين الشباب الفلسطيني والشرطة الصهيونية وفرق المستوطنين، وأخلت الشرطة عشرات المنازل اليهودية بسبب احتدام المعارك، وإحراق شباب «الرملة» سيارات المستوطنين، وامتدت الهجمات إلى «عكا» وشبت النار بأحد مطاعم المدينة، وأحترق مركز شرطة، وسيارات مستوطنين، وأصابت النيران كنيس يهودي.

وتوعد بنيامين نتنياهو حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بدفع ثمن باهظ جراء إطلاق صواريخ من غزة، وأكد بأن «بلاده» تقوم بحملة كبري، وأنه مستمر في استخدام القوة القصوى ردا على القصف الفلسطيني، وصرحت «حركة حماس» بأن إطلاق الصواريخ من غزة صوب تل أبيب وضواحيها جاء ردا على تدمير أبراج سكنية للمدنيين، وأشارت وكالة «رويترز» إلى هلع الصهاينة بحثا عن ملجأ يحميهم، وأوردت الوكالة سقوط امرأة من مستعمرة ريشون لتسيون قرب تل أبيب، وتلقى نحو مئة مصاب العلاج جراء القصف، وصرح المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفيلد؛ لوكالة فرانس برس بأن صاروخا أصاب حافلة في ضاحية «حولون» بتل أبيب، وكانت «حركة حماس» قد أطلقت 137 صاروخا على مدينتي عسقلان وأشدود القريبة، ونبهت |رلى احتفاظها بـ«مفاجآت كثيرة» حال استمرار القتال.

ومع حدوث ذلك التغير الجوهري في ميزان القوى لصالح الفلسطينيين، نجد على صعيد آخر؛ بدأت الموازين في مصر في اتجاه التغير، وذلك لا يسعد «المشير السيسي» ومن المستبعد أن يستجيب له؛ على الأقل عملا بمبدأ «بيدي لا بيد عمرو» فحراك الداخل المصري المتصاعد، زاد مع «الهبة المقدسية» وجاء نتاجا لنشاط «الحركة المصرية لمقاومة الصهيونية» وقد بدأت خطوات نشأتها في السنوات الثلاث الأخيرة، ومدت يدها للمناهضين للصهيونية في الداخل وعلى امتداد «القارة العربية» وحرصت على التواصل مع الحراك الفلسطيني المتصاعد، وأضافت «الهبة المقدسية» زخما للحراك المصري، ومن مآثر الحركة ما نشرته مؤخرا بمناسبة عيد الفطرو ربط التهنئة بالعيد بـ«يوم تحرير الأرض والإنسان من المحيط إلى الخليجَ» وهذه رسالة لا تحتاج شرحا أو توضيحا.

وقد يكون ذلك سببا في تغير اللهجة الرسمية المصرية، فقد جاء على لسان سامح شكري وزير الخارجية، في كلمته أمام الاجتماع الوزاري الطارئ لجامعة الدول العربية، فقال: «انطلاقاً من المسؤولية القومية لمصر إزاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لم تكن مصر لتقف صامتة إزاء كل هذه الانتهاكات»(!!) ونشطت بشكل مكثف خلال الأيام الماضية في نقل رسائل إلى تل أبيب وكافــة العواصم الفاعلة والمعنية وحثها على بذل ما يمكن من جهد لمنع تدهور الأوضاع» وأضاف «غير أننا لم نجد الصدى اللازم، ولا زالت مصر تجري اتصالاتها المكثفة مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة من أجل ضمان تهدئة الأوضاع في القدس» والمعنى هنا إن الدور المعتاد من مصر الرسمية، وكان وما زال قاصرا على الوساطة بين تل أبيب ورام الله وغزة، ولم يلق استجابة، وأضحى مجرد لغو كاشف لضعف التأثير الرسمي المصري؛ المكبل بالتطبيع والصهينة والكويز، الذي يُلزم القاهرة، دون إلزام يذكر لتل أبيب، وجعل منه جهدا مضافا للجهد الصهيو أمريكي، الذي رعاه دونالد ترامب وطفله المعجزة جاريد كوشنر، وما زال بايدن يدور في فلكهما، ولم يخرج عنه!

كاتب من مصر

القدس العربي

—————————

رياح جديدة تهبّ على منطقة الشرق الأوسط/ حسن نافعة

حين اندلعت “ثورات الربيع العربي” في نهاية عام 2010 وبداية عام 2011، بدا واضحا أن هناك رغبة شعبية عارمة في التخلص من نظم الفساد والاستبداد التي جثمت طويلا على صدور الشعوب العربية، مصحوبة بطموحات جارفة في إرساء دعائم نظم حكم أكثر ديمقراطية، وأقل فسادا واستبدادا، غير أن رياح التغيير التي هبت على العالم العربي في ذلك الوقت لم تتمكّن من مواصلة مسيرتها بما تشتهي سفن الشعوب، حيث اعترضت طريقها قوى مناهضة للتغيير في الداخل والخارج. وقد أفرز التفاعل بين القوى الراغبة في التغيير والقوى المناهضة له عن سلسلة من التحالفات الإقليمية اتسمت، في البداية، بقدرٍ كبيرٍ من السيولة قبل أن تستقر ملامحها لاحقا، ففي البداية، ظهر تحالف سعودي إماراتي قطري، مدعوم من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سعى إلى حماية النظام الحاكم في البحرين، ثم أصبح طرفا فاعلا في المحاولات الرامية إلى تغيير النظم الحاكمة في كل من ليبيا وسورية .. إلخ، غير أن تطور الأوضاع في المنطقة عموما، وفي مصر خصوصا، سيما عقب إطاحة الرئيس المنتخب، محمد مرسي، أثرت على تماسك هذا التحالف، حيث بدأت تظهر شروخ عميقة في مجلس التعاون الخليجي، ما لبثت أن انتهت بانفجاره من داخله. وهكذا راحت تتشكل في المنطقة بالتدريج، خصوصا بعد وصول ترامب إلى سدة السلطة في الولايات المتحدة، ثلاثة أحلاف متباينة التوجهات والأهداف: سعودي إماراتي، مدعوم عربيا من مصر والبحرين والأردن، وإقليميا من إسرائيل، ودوليا من الولايات المتحدة. إيراني سوري، مدعوم عربيا من حزب الله اللبناني وحركات المفاومة الفلسطينة المسلحة، ودوليا من روسيا والصين. قطري تركي، مدعوم من القوى المنشقة على النظامين الحاكمين في مصر وسورية، ومن بعض جماعات متصارعة على الحكم في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.

كان في وسع كل متأمل لمسار الأحداث في هذه المرحلة أن يلحظ بسهولة أن حركة التفاعلات بين هذه الأحلاف الثلاثة وداخلها أسهمت بدور كبير، ليس فقط في إشعال عدد من الحروب الأهلية والإقليمية والدولية، خصوصا في اليمن وسورية وليبيا والعراق، وإنما كادت تؤدّي، في الوقت نفسه، إلى غزو مسلح لدولة قطر، المحاصرة من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وإلى إحداث قطيعة شاملة بين تركيا والسعودية، خصوصا بعد وقوع حادث اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، بل وإلى إشعال فتيل مواجهة مسلحة بين مصر وتركيا على الساحة الليبية. ولا شك أن وصول ترامب إلى سدة السلطة في الولايات المتحدة، وما أعقب ذلك من انسحاب إدارته من الاتفاق النووي مع إيران، وتبنّيها سياسة الضغوط القصوى في مواجهة إيران، ثم الإعلان عن “صفقة القرن” التي استهدفت تصفية القضية الفلسطينية، كلها عوامل لعبت دورا حاسما، ليس فقط في تثبيت دعائم هذه الأحلاف، وإنما أيضا في رسم (وتحديد) أنماط التفاعلات وخطوطها المتبادلة فيما بينها. لذا كان من الطبيعي أن تفرز خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 تفاعلاتٍ من نوع جديد، من شأنها التأثير ليس فقط على قدرة هذه الأحلاف على التماسك، وإنما على قابليتها للاستمرار أيضا.

لم يكن جو بايدن قد استقر رسميا في البيت الأبيض بعد، حين انعقدت قمة مجلس التعاون الخليجي التي أصدرت “بيان العلا” الذي وضع حدّا للحصار المفروض على قطر، والذي استمر أكثر من ثلاث سنوات. وفي تقديري أن هذا البيان كان بمثابة نقطة الانطلاق الرئيسية، ليس فقط لعملية تطبيع متسارعة للعلاقات السعودية القطرية، وإنما أيضا لعمليةٍ أكبر تستهدف إعادة صياغة مجمل العلاقات بين دول المنطقة، فما هي إلا أسابيع، أو شهور قليلة، حتى كانت تركيا قد بدأت تنفتح رسميا على دول عربية كثيرة، ناصبتها العداء فترة طويلة، في مقدمتها مصر والسعودية والإمارات، ثم راحت حركة التفاعلات، وما تنطوي علية إعادة صياغة للتحالفات في المنطقة، تواصل مسيرتها، إلى أن بلغت ذروتها بالإعلان عن اتصالات ومفاوضات رسمية تجري بين السعودية وإيران، عبر وساطة عراقية، وذلك قبل أن تفاجئنا صحيفة الغارديان البريطانية بالكشف عن اتصالاتٍ جرت في دمشق أخيرا بين كل من رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، ورئيس مكتب الأمن القومي المشرف على أجهزة المخابرات السورية، علي مملوك.

حين يصل زخم الاتصالات والتفاعلات بين خصوم الأمس إلى هذه الدرجة من الكثافة، من الطبيعي أن يتولد لدى أي مراقب شعورٌ قويٌّ بأن رياحا جديدة بدأت تهبّ على منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه الرياح بدأت تُحدث بالفعل تغييراتٍ يمكن منذ الآن الإمساك ببعض أطرافها. ولكن قد يصعب، في الوقت نفسه، التكهن بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه على المدى المنظور. ومع ذلك، قد لا يكون من المبالغ فيه أبدا، في تقديري على الأقل، التأكيد على أن المنطقة تبدو مقبلةً على تحولاتٍ جيواستراتيجية عميقة وبعيدة المدى.

حمل وصول بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة مؤشّرات عديدة على تغييرات كبيرة محتملة في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، بصفة عامة، وفي سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط، بصفة خاصة، أهمها احتمال العودة فعلا إلى الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني المبرم عام 2015. ومع ذلك، يبدو أن دولا عربية، في مقدمتها الإمارات، وربما السعودية أيضا، ظلت تراهن بعض الوقت على قدرة إسرائيل على عرقلة هذه العودة أو على الأقل ربطها بتعديلاتٍ جوهريةٍ، يراد إدخالها على هذا الاتفاق، تشمل برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية، غير أن هذا الرهان راح يتبدّد تدريجيا، بعد أن اتضح، بمرور الوقت، أن إيران والولايات المتحدة متنبهتان ومتحسبتان تماما للمحاولات الإسرائيلية المستميتة لقطع الطريق على العودة إلى الاتفاق النووي، ويدركان أن لهما معا مصلحة مباشرة في إفشالها. الأهم من ذلك أن كل الأطراف المعنية بالبرنامج النووي الإيراني بدأت تدرك يقينا أن إيران لن تقبل مطلقا بإدخال أي تعديلاتٍ على الاتفاق الأصلي. وبالتالي، لم يعد أمام الولايات المتحدة من خيار آخر سوى العودة بالاتفاق إلى النقطة التي كان عليها، حين قرّر ترامب الانسحاب منه. وواضح أن مسار المفاوضات في فيينا يشير إلى أن إدارة بايدن نفسها باتت مقتنعةً تماما بأن عودتها إلى الاتفاق النووي هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامها، لضمان سلمية برنامج إيران النووي، وأن النكوص عن هذه العودة سوف يضعها لا محالة أمام خيارين، كلاهما مر وغير مقبول. الأول اقتراب إيران أكثر من صنع السلاح النووي، والثاني دخول الولايات المتحدة في حرب مباشرة وشاملة معها، لمنعها من التحول خلال فترة وجيزة إلى قوة نووية. وحين أدركت دول المنطقة أيضا هذه الحقيقة، لم يكن أمام الجميع من سبيل آخر سوى أن يسعى كل منها إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية للتأقلم مع التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأميركية في العالم، وفي المنطقة، وهو ما يفسّر عمق التحولات التي بدأت تطرأ على حركة السياسة الخارجية لدول المنطقة، باستثناء إسرائيل طبعا.

قد يكون من السابق لأوانه الجزم بأن العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي الإيراني باتت مؤكدة أو وشيكة، أو أنها، إن تمت، ستساعد بالضرورة على حسم انتخابات الرئاسة المقبلة في إيران لصالح التيار الإصلاحي، غير أن هناك مؤشّرات عديدة ترجح التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران قبل نهاية شهر مايو/ أيار الحالي، بل وترجّح أيضا أن يكون لهذا الاتفاق تأثير إيجابي على الانتخابات الرئاسية في إيران، لصالح التيار المحافظ. وفي جميع الأحوال، سوف يكون من الصعب جدا على أي رئيس إيراني قادم، حتى لو انتمى إلى التيار المتشدد، عرقلة تنفيذ هذا الاتفاق أو رفضه، في حال التوصل إليه.

تفتح عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، وانفتاح كل من إيران وتركيا على الدول العربية المناوئة لسياساتها، بابا جديدا للأمل قد يؤدي إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة، والتقدّم بجدّية نحو البحث عن تسوياتٍ متوازنةٍ ليس فقط للأزمات والحروب المشتعلة في اليمن والعراق وسورية وليبيا، وإنما للقضية الفلسطينية أيضا، فهل تستطيع الدول العربية الرئيسية انتهاز الفرصة لقيادة العالم العربي نحو صياغةٍ جديدةٍ وجماعيةٍ وواعيةٍ لعلاقة متوازنة مع كل من إيران وتركيا، بما يساعد على فتح الطريق نحو العمل على إيجاد تسوياتٍ سياسيةٍ لهذه الأزمات؟ سيتوقف هذا، في النهاية، على مدى استعداد الدول العربية، خصوصا التي ما تزال تراهن على إسرائيل، لإعادة صياغة علاقتها بالكيان الصهيوني الذي ينبغي التعامل معه باعتباره المصدر الرئيسي لتهديد أمن العالم العربي كله.

وحدها إسرائيل في المنطقة التي ستقاوم بضراوة رياح التغيير القادمة، وبالتالي ستبذل كل ما في وسعها ليس فقط للحيلولة دون عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، وأيضا للحيلولة دون حدوث أي تقارب حقيقي بين الدول العربية وإيران، وبين الدول العربية وتركيا. فهل وصلت الرسالة؟ يلفت نظري مقال بعنوان “بدأ العد التنازلي لحرب إسرائيلية على إيران”، كتبه جون حنا John Hannah، كبير الباحثين في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، والمستشار السابق لنائب الرئيس الأميركي السابق، ديك تشيني، ونشرته مجلة “فورين أفيرز”، في 6 مايو/ أيار الحالي، خلاصته أن الزيارة التي قام بها الوفد الأمني الإسرائيلي إلى واشنطن قد فشلت، ومن ثم لم يعد أمام إسرائيل سوى شن الحرب على إيران، لمنعها من امتلاك السلاح النووي. ومعروف أن الهدف الرئيسي من زيارة هذا الوفد كان إقناع إدارة بايدن بعدم العودة إلى الاتفاق النووي.

لا تقرّر إسرائيل منفردة شن حرب على إيران، لكنها إذا كانت تعتقد أن الحرب على إيران خيارها الوحيد، فلماذا لا تتركها الدول العربية تذهب إليها منفردة؟ ولماذا تربط بعض الدول العربية مصيرها بإسرائيل؟

العربي الجديد

————————–

عودة إسرائيلية إلى نقطة الصفر/ محمود الريماوي

كيف سيحتفل الإسرائيليون بذكرى إقامة دولتهم على أرض فلسطين هذا الأسبوع، والتي يسمّونها عيد الاستقلال. بالنسبة للفلسطينيين في الدولة العبرية، سارعوا إلى الاحتفال هذا العام، وفي وقت مبكر، بالمناسبة، وذلك بالتوافد على القدس، على المدينة القديمة بالذات، وصولاً إلى المسجد الأقصى وباحاته، من أجل المرابطة والصلاة فيه والوقوف جنبا إلى جنب مع أبناء شعبهم في الضفة الغربية المحتلة، في مواجهة حلف الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين والأحزاب الدينية والقومية المتطرّفة. ومع اشتداد وتيرة التطورات مع سعي حكومة بنيامين نتنياهو لتنفيذ فصلٍ جديد من فصول التطهير العرقي في حي الشيخ جرّاح، بالتزامن مع اقتحاماتٍ مشينةٍ لجنود إسرائيليين للمسجد الأقصى، والتنكيل بالمصلين داخله، ومع انتفاضة شبّان القدس ضد هذه الإجراءات، ومعها وضع حواجز حديدية في باب العمود، لمنع تدفق المصلين إلى الأقصى، فقد سرت شرارة الاحتقان إلى قطاع غزة وعموم الضفة الغربية المحتلة، وصولاً إلى المدن والبلدات العربية داخل الخط الأخضر. إذ يدرك فلسطينيو الداخل، بخبرتهم الحسّية الطويلة والمريرة، أن التمييز القائم ضدهم في مجال الحقوق المدنية إنما يتم، منذ أمد طويل، على أساس قومي، لكونهم عربًا وفلسطينيين، ما سرّع، في الأعوام الأخيرة، من نمو الوعي الوطني في أوساط الأقلية الفلسطينية القومية. وحين انفجرت الأحداث مساء الاثنين الماضي، كان الاحتقان ينفجر في صدور فلسطينيي الداخل الذين انضموا إلى شعبهم في مظاهر سخط واحتجاج على الممارسات الإسرائيلية هنا وهناك. ولمراقب إسرائيلي أن يستخلص أن جهود أكثر من سبعة عقود لأسرلة عرب الداخل في سبيلها إلى التبدّد. ولمراقبٍ من فلسطينيي الداخل أن يلاحظ أن ما جرى في الأيام القليلة الماضية ضد الاحتجاجات الشعبية ليس جديدا من نوعه، فما أشبه اليوم بالبارحة، حين انفلتت العصابات الصهيونية إلى التنكيل بأبناء البلاد في العام 1948، فليس لدى الإسرائيليين من سياسةٍ سوى الاستئصال متعدّد الأشكال لأبناء البلد، بما في ذلك التصفيات الجسدية، وسلب الأرض وإحراق المساجد والسيارات والممتلكات.

لم تؤدّ 73 عاما من الحروب، وتطوير القدرات العسكرية الإسرائيلية، وجلب اليهود من أصقاع الأرض، ليحلوا محل أصحاب الأرض، ومعها اتفاقيات سلام مع دول عربية، سوى إلى العودة إلى المربع الأول، فالدولة التي قامت على أساس استعمار استيطاني إحلالي لم تفقد هذه الهوية وخصائصها، على الرغم من بناء المؤسسات ووضع ركائز حياةٍ ديمقراطيةٍ ركنها الكنيست، فالديمقراطية الصهيونية إذ تستبطن وتُظهر المنحى العنصري تجاه غير اليهود، وتجاه أبناء البلاد الأصليين، فإنها تنفي نفسها بنفسها، فبينما تقوم مهام الشرطة في الدول الديمقراطية على إنفاذ القانون وحماية الجميع، فإن جل جهود الشرطة الإسرائيلية يتركّز على حماية المعتدين الإسرائيليين، والتنكيل بالمعتدى عليهم وتوقيفهم، وهي سياسة توصف بالأبارتهايد، وتُضاف إليها هوية الدولة، الدينية والتمييزية، ضد غير اليهود، وضد العرب.

أما العدد الأكبر من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، فقد اكتشفوا مجدّدا الروابط الحية التي تجمعهم بأبناء العام 1948، وتعدادهم نحو مليون و800 ألف نسمة، وبما نسبته نحو 20% من سكان الدولة العبرية. ومع اليقظة المتجدّدة لهذه الروابط، يتجدّد الوعي بأن أشقاءهم وراء الخط الأخضر يتعرّضون لاحتلال مُقنّع، وأنه يكفي أن يقوم هؤلاء ببعض نشاطات احتجاجية حتى يسقط القناع عن هذا الاحتلال الذي حاول طويلا مقايضة فُتات الحقوق المدنية لفلسطينيي الداخل بتخلّي هؤلاء عن هويتهم القومية عن جذورهم ومكونات شخصيتهم الوطنية، وعن علاقتهم بأرض آبائهم وأجدادهم التي تسبق علاقتهم بالدولة العبرية.

ومن المفارقات أنه، قبل أسابيع فقط، ومع إجراء الانتخابات الرابعة، ابتهج سياسيون في اليمين الإسرائيلي بأن انشقاق القائمة العربية، برئاسة منصور عباس، عن القائمة المشتركة، وصعودها بأربعة نواب، إنما يمثل انتصارا لمخططات دفع فلسطينيي الداخل إلى التخلي عن هويتهم القومية، وذلك مقابل وعود برفع الميزانيات لبلدات عربية، وتوسيع رقع البناء في هذه البلدات. وقد جاءت تطورات الأيام القليلة الماضية لتثبت زيف هذه الادعاءات، والتي انبنت على تقديراتٍ لمزاجٍ سياسي ساد فترة طارئة وقصيرة، وليتبين أن القوى الحية من الجمهور الفلسطيني تذهب حتى أبعد مما تدعو إليه القائمة المشتركة. وقد كان لافتاً أن شرارة الاحتجاجات اندلعت أولاً في مدينة اللد التي يشكل الفلسطينيون أقلية فيها، ولم تكن هذه المدينة تعتبر ناشطةً سياسيا في المنظور الإسرائيلي، وذلك بعد عقود من العمل الرسمي الممنهج على تحويل اللد وشقيقتها الرملة إلى بؤرةٍ لتفشّي المخدرات، وما يتصل بذلك من آفات اجتماعية.

مجدّدا كيف سيحتفل الإسرائيليون بذكرى نشوء دولتهم هذه الأيام؟ كما يرى الرائي، فإنهم يشغلون سماء غزة ببروق القصف، بدلاً من إشعال الشعلة التقليدية في المناسبة، ويتلقون، في الوقت نفسه، صواريخ غزة التي أمطرت تل أبيب أياما. تل أبيب التي باتت مركزا لـ”قوة عالمية”، كما وصفها نتنياهو بعد موجة التطبيع العربية، ردا على قول قائل إن الدولة العبرية باتت قوة إقليمية. وبعدما شاعت قناعة إسرائيلية بأنهم هزموا الفلسطينيين والعرب سلماً وحرباً. وعلى الجبهة الفلسطينية بالذات، فقد استثمر الإسرائيليون في الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فإذا بصواريخ غزة تنطلق تجاوبا مع نداءات القدس والمقدسيين، وثبت أنه ليست هناك مسافة سياسية ونفسية تُذكر بين الضفة والقطاع، وكذلك بينهما من جهة وبين فلسطينيي الداخل من جهة ثانية. وقد نجح الصمود الباسل للمكونات الثلاثة مع العنجهية الصهيونية في إعادة إحياء وحدة الشعب الواحد، واستحضار القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الإقليمي والدولي. وباستثناء ممالأة أميركية موروثة، فقد بدا العالم يقف في صف الفلسطينيين التائقين للتحرّر الوطني، وللخلاص من الكولونيالية العنصرية الصهيونية. وبدت “القوة العالمية” متوحشة محكومة بغرائزها العمياء، ومدمنةً على التمرّد على القانون الدولي والإنساني، وذلك على الرغم من جهود متراكمة للتمويه على طبيعة هذه الدولة، وعلى الرغم من مدائح تلقّتها هذه الدولة من مطبّعين عرب وأفارقة، وهو ما أعاد الأمور استراتيجياً إلى نقطة قريبة من الصفر. وما شكّل تحدّياً للإدارة الديمقراطية في واشنطن التي تعمل على مراجعة مجمل سياستها الخارجية، لكن هذه الإدارة، إذ سعت إلى تقليل الاهتمام بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك اتقاءً لعش الدبابير الصهيوني في الداخل الأميركي، إلا أن تطوّرات هذا الأسبوع دفعت واشنطن دفعاً إلى التعامل مع هذا الملف، وستبرهن الأسابيع المقبلة، إذا كانت واشنطن سوف تنجح في اتباع سياسة جدّية متوازنة وفاعلة، حيال هذا الملف أو أن تستسلم أمام الأوامر الإسرائيلية للمسؤولين الأميركيين: لا تتدخلوا.

العربي الجديد

—————————-

الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية في أجواء التطبيع/ لندا شلش

من كان يتصوّر أن يأتي اليوم الذي يُهنّئ فيه شبان عرب دولة الاحتلال الإسرائيلي بمناسبة يوم “استقلالها”، أي النكبة التي ارتكبها الاحتلال عام 1948 بحق الفلسطينيين، فقتل منهم وهجَّر عشرات الآلاف. الأنكى من كان يتخيّل أن يقرأ منشورًا لشاب عربي يتمنّى فيه الموت للفلسطينيين، والأمن والاستقرار للإسرائيليين؟ على محدودية أعداد هؤلاء، لم تكن فعلتهم هذه لتحدُث، لولا جهود حثيثة تبذلها وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر دائرة الدبلوماسية الرقمية منذ نحو عقد، لبناء صورة ذهنية إيجابية عن الاحتلال لدى العرب، ودفعهم نحو القبول بـ”إسرائيل” دولة طبيعية، تؤمن بالسلام معهم.

وإن كان ما نشهده أخيرا من قبول عربي بإسرائيل نسبيًا، ولا يمثّل إلا شريحة لا تكاد تُذكر ممن استطاع الاحتلال اختراق وعيها والتلاعب بسلوكها وتوجهاتها الفكرية، إلّا أنّ ذلك يدعونا إلى عدم الاستهانة بذلك، ولا سيّما أنّ الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية تُصعّد أخيرا خطابها الإعلامي الموجّه إلى العرب، لكسب مزيد من التأييد في صفوفهم.

اللافت أنّ فريقًا إسرائيليًا صغيرًا يقود هذه المعركة الضخمة للتسلل إلى العقول العربية، متسلحًا بالكفاءة والخبرة الأمنية والاطّلاع على الوضع العربي عن كثب، إلى جانب قدرته على استخدام أساليب استمالة الآخرين، والتأثير في معتقداتهم وأفكارهم. كما يشارك مسؤولون إسرائيليون كثيرون عبر صفحاتهم الرقمية بهذه الجهود، أبرزهم النّاطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، والذي لا يترك شاردة أو واردة إلا ويستغلها للتقرّب من العرب لتحسين صورة “إسرائيل” دولة متسامحة مسالمة، متسلحًا لذلك بالنصوص الدينية ومتّشحًا بشخصية الواعظ الديني. في المقابل، لا يلقى هذا العمل أي رد رسمي فلسطيني أو عربي، بل يقف الطرفان في حالة عجز أمام الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية، أو ربما استخفاف بها، وما يمكن أن تحققه اعتمادًا على عامل الزمن.

بعد اقتناص الاحتلال الفرصة التاريخية في تطبيع العلاقات مع عددٍ من الحكومات العربية قبل أشهر معدودة، فعّلت تل أبيب خطابها الإعلامي بالعربية عبر دبلوماسيتها الرقمية، فالمتابع للصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية سيلحظ ارتفاعًا في نسبة المنشورات عليها بواقع أكثر من 600 منشور خلال الشهر الواحد، تركز مضامينها، أولًا وأخيرًا، على أهمية السّلام العربي مع إسرائيل، والعوائد الإيجابية للتطبيع على الدول المنخرطة فيه. لذا؛ تُكرّر هذه الصفحات، بل تبالغ في نشر مقاطع فيديو تُظهر الأصوات العربية الداعمة للتطبيع، إلى جانب تناول منشوراتٍ تدعو الشعوب العربية صراحةً إلى الانضمام لقافلته. كما تتعمّد المنشورات الرقمية إظهار الزيارات التطبيعية لشبانٍ عربٍ من الدول المطبعة حديثًا إلى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1984، بوصفها إسرائيل، ومدينة القدس المُحتلة، ونسبة هذه “الإنجازات التاريخية” إلى اتفاقيات التطبيع. وبالطبع، تُرفق هذه المنشورات بصور تجمع إسرائيليين وعربًا في أجواء دافئة وعاطفية. وبثّ مثل هذه المواد الإعلامية وتكرارها يُدللان على تفعيل المعركة الرقمية لكسب مزيد من العرب. وهو ما أشار إليه المتحدث باسم رئيس وزراء حكومة الاحتلال، أوفير جندلمان، حينما قال إنَ توسيع نطاق السّلام الإقليمي يتطلّب تصعيد المعركة الرقمية في مخاطبة العرب. ويذكّرنا هذا الخطاب بتكتيكات الدعاية التي تبنّتها الحركة الصهيونية عند التأسيس، وهي مقتبسة من “البروباغندا” النازية التي تؤمن بأنّ فعالية الدعاية تكمُن في التركيز على أحداثٍ معينة، وتوجيه آذان الناس وأبصارهم إليها باستمرار. وهنا الخطر الحقيقي، فمع تكرار الأحداث يصبح عنصر التأثير بالشباب العربي ممكنًا، ما يعني احتمال استحداث رأيٍ عام جديد يقبل بما كان مرفوضًا في وقت سابق، فينتقل قطار التطبيع من رأس الهرم إلى القاعدة الشعبية، وهو أمرٌ تسعى تل أبيب إلى تحقيقه منذ عقود.

كما يعتمد الخطاب الإسرائيلي الرقمي استراتيجية استثارة العواطف، عبر استحضار تاريخ الجاليات اليهودية في دول عربية قبيل “الهجرة” إلى فلسطين، بغرض دفع العرب نحو التسامح والشوق لسنين خلت. العراق من أهم هذه الدول التي تركّز عليها الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية، فعلى الرغم من العداء الشديد بين البلدين، إلا أنّ جهودًا كبيرة تُبذل أخيرا من الاحتلال لنسج علاقات مع القاعدة الشعبية، والفوز بتأييدها وصولًا إلى قمّة الهرم الحاكم، على عكس ما جرى مع حكومات الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وكانت دائرة الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية قد استحدثت في العام 2018، صفحة “إسرائيل باللهجة العراقية” للتواصل مع المواطنين العراقيين. وأخيرا، أصبح الخطاب الإعلامي لهذه الصفحة عاطفيًا، يُغازل الناس بلهجتهم المحلية، ويستعرض تاريخ اليهود في بغداد في بداية القرن العشرين، والحياة التي عاشوها مع جيرانهم العرب. ولا تكتفي الصفحة بذلك فحسب، بل تتعمّد نشر قصص يهودٍ بالصوت والصورة، وهم يتحدّثون عن الحنين لبلد المنشأ وأهله.

مجددًا، استثارة العواطف بهذه الطريقة تمثّل إحدى استراتيجيات الدعاية الصهيونية القديمة. وإن كانت هذه الاستراتيجية هدفت سابقًا إلى كسب التأييد العالمي لإنشاء دولة الاحتلال في فلسطين، فإنها اليوم تستهدف العرب الذين لطالما صوّرتهم الدعاية الصهيونية العدو الأبرز الذي يهدّد شرعية هذه الدولة وحق اليهود في تقرير مصيرهم.

ويعود التوجّه الإسرائيلي نحو القوة الناعمة بعد اعتماد القوة العسكرية أكثر من ستة عقود إلى عدة أسباب: أولها، تنامي الانتقادات الدولية لتل أبيب على خلفية حروب الاحتلال ضد العرب والفلسطينيين، بدءًا من الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، مروراً بحرب لبنان في يوليو/ تموز 2006، وصولًا إلى الحروب المتتالية على غزة (2008، 2012، 2014)، فقد دفعت تلك الانتقادات المستوى الرسمي الإسرائيلي إلى تبنّي استراتيجية جديدة، لتجميل صورة الاحتلال عالميًا، وتحويله إلى ضحيّة في محيط عربي مليء بالدكتاتورية والكراهية. ثانياً، بفضل الثورة الرقمية، حقق النشطاء والإعلاميون الفلسطينيون نجاحاتٍ في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، وتعرية الاحتلال خلال فترات الحروب؛ فكان الردّ الإسرائيلي بشن حملاتٍ دعائيةٍ مضادّة للرواية الفلسطينية والداعمين لها، فضلاً عن فرض قيودٍ على تلك الرواية بالتواطؤ مع شركات التكنولوجيا الكبرى. أخيرًا، وجدت تل أبيب بالمنصّات الرقمية فرصة تاريخية لاختراق الشعوب العربية، والتواصل معها لأوّل مرة في تاريخ دولة الاحتلال، بهدف الترغيب لها، مقابل شيطنة الفلسطينيين وعزلهم عن محيطهم العربي.

يمكن القول إنّ دولة الاحتلال نجحت، ولو جزئيًا، عبر المنصات الرقمية، في تمهيد الطريق إلى اتفاقيات التطبيع الموقعة أخيرا مع الأنظمة الحاكمة، لتصبح هذه الدبلوماسية نهجًا بنيويًا في “الدعاية” الإسرائيلية الحديثة. لكن هل يمكن لهذه الدبلوماسية التحكّم في وعي ملايين العرب الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط؟ المهمّة صعبة، ولا سيّما أنّ الرأي العربي العام ما زال مدركًا حقيقة المعركة على أرض الواقع، ومؤيدًا للقضية الفلسطينية. بالتالي؛ ليس من السهل تغيير التاريخ وتزييفه في المخيّلة العربية، وهذا ما يبدو واضحًا من خلال سيل التعليقات الشبابية السلبية على المنشورات الإسرائيلية. مع ذلك، يجب عدم مقابلة الجهود الإسرائيلية الرقمية باستخفاف، أو استبعاد فكرة تأثير هذه الدبلوماسية في عقول الجماهير العربية واتجاهاتها الفكرية على المدى البعيد، خصوصا في حال واصل الفلسطينيون والعرب غفلتهم عن الأمر، كما فعلوا خلال العقد الأخير، حتى تسلّقت “إسرائيل” سلّم الفضاء الرقمي، واخترقت الشباب العربي بعد عجزها عن ذلك عقودًا طويلة.

العربي الجديد

—————————

ضرب الأوهام الإسرائيلية/ بيار عقيقي

“… إن اعتراف الأمم المتحدة هذا بحق الشعب اليهودي في إقامة دولة هو اعتراف يتعذّر الرجوع عنه أو إلغاؤه”، “… سوف تضمن (دولة إسرائيل) حرية الدين والعقيدة واللغة والتعليم والثقافة، وسوف تحمي الأماكن المقدسة لجميع الديانات، وسوف تكون وفية لمبادئ الأمم المتحدة”، “… نناشد السكان العرب في دولة إسرائيل، وسط الهجوم الذي يشن علينا ومنذ أشهر، أن يحافظوا على السلام، وأن يشاركوا في بناء الدولة على أساس المواطنة التامة القائمة على المساواة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة المؤقتة والدائمة”. هذه العبارات جزء من “وثيقة إعلان دولة إسرائيل” في 14 مايو/ أيار 1948، والتي تلاها ديفيد بن غوريون. تُظهر الوثيقة، التي وقّع عليها 38 شخصاً من أقرانه في حينه، مدى النفاق الذي يدّعيه الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من كل محاولات تنقية الصورة العنصرية. مواجهات عكا وحيفا واللد صورة مصغّرة عما يفعله الإسرائيليون. “قانون الدولة القومية لليهود” الذي أقرّ في 19 يوليو/ تموز 2018 يناقض جوهر الوثيقة نفسها. أما “حماية الأماكن المقدسة” و”الوفاء لمبادئ الأمم المتحدة” فنكتة سمجة، تسقط عند أول قنبلة غاز مسيّل للدموع تُطلق في المسجد الأقصى، وفي رفض المحتلّين تطبيق جميع القرارات الأممية، حتى التي تكرّس وجود الاحتلال الإسرائيلي عكس إرادة أهل الأرض، مثل القرارات المتعلقة بالعودة إلى حدود يونيو/ حزيران 1967.

عملياً، كان بن غوريون يظنّ أن إعلان وثيقته في ذلك الحين، وتسابق القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) على دعمه، مثل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، كفيل بإنهاء مسار وبدء آخر. لكن التاريخ، وإن كان أخا الزمن بالتبدّلات والتغيير، لا يسمح بتمرير شيءٍ ناقص. الحسابات العالقة ليست في قاموسه، بل يؤجّجها حتى إشعار آخر، أو حصول أمر ما مختلف عن السلوكات أو التصرّفات السابقة. ظنّ الإسرائيليون أن الفلسطينيين المتروكين لأقدارهم بعد عام 1948 سيذوبون في أرجاء العالم، ويتحوّلون إلى شتاتٍ مماثل للشتات اليهودي. الأمر الذي لم يحصل.

بعد 73 عاماً، يقف بنيامين نتنياهو في الموضع نفسه الذي وقف فيه بن غوريون، في موقع المسؤولية، غير أن كل شيءٍ حوله ينهار. الفلسطينيون لم يخرجوا من أرضهم، بل اشتدّوا بأساً. التجاهل والقصف والحصار والاعتداءات، والوقوف عند الحواجز وطوابير العمل ونقاط التفتيش والتضييق على الحركة، ومراقبة كل فلسطيني، يعزّز غضباً دفيناً ينتظر لحظة ما لانفجاره. ولم تكن هذه المرة سوى بداية مرحلة جديدة، لن تكون لصالح الإسرائيليين، كما جرت العادة، بل ستُمهّد الطريق للفلسطينيين لرفع صوتهم سياسياً، بعدما نجحوا في تفعيل المقاومة الميدانية وتطويرها. من كان يتوقع أن يخرج الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفيلن، داعياً إلى “وقف الجنون”؟ من كان يتصوّر لحظة أن تتحدّث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن “التعايش بين اليهود والعرب في إسرائيل”؟. مع العلم أنه منذ بضعة أسابيع كانت الشرطة الإسرائيلية تُساهم في تدهور الوضع الأمني في البلدات العربية.

هذه اللحظة تاريخية، وحتى أنها تجاوزت انتفاضتي 1987 ـ 1993 و2000 ـ 2005، معزّزة بتطوّر عالمي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. مجرّد القول إن الصواريخ الفلسطينية قادرة على الوصول إلى كل منطقة في فلسطين المحتلة، وإثبات ذلك ميدانياً، يعني أن أي حراك سياسي، إذا حصل، سينطلق من هذه النقطة. ما تكسبه على الأرض سيعزّز موقفك على طاولة التفاوض. من كان يظنّ من الإسرائيليين أنه في 15 مايو/ أيار 2021، وفي ذروة “صعودهم” الاقتصادي والعالمي، وتحوّلهم إلى قوة نفطية وعسكرية، سيقف أصحاب حق للمطالبة بما سُلب منهم. وليس هذا فحسب، بل ينالون تعاطفاً عالمياً قلّ نظيره، وربما لم يحصل عليه سابقاً سوى اليهود أنفسهم بعد محرقة الهولوكوست النازية ضدهم. الأكيد أنه سيقال يوماً: إن حيّاً في القدس المحتلة أعاد إشعال جذوة المقاومة الفلسطينية.

—————————-

إيران في تل أبيب.. لبنان في غزة/ عمر قدور

وصلت إيران أخيراً إلى تل أبيب، وصلت محمولة على صواريخ حماس. هذا ليس اتهاماً لحماس بالعمالة، ولا تقليلاً من شأن كوادرها العاملة بدأب خلال سنوات في مجال تصنيع الصواريخ. يمكن لطالب في المرحلة الثانوية تخمين ما هو مصُنَّع محلياً وما هو ضروري تهريبه إلى القطاع، وجزء من التقنيات المُهرَّبة لازم أيضاً للمُسيَّرات “العادية أو المفخخة” التي بدأ استخدامها في المعركة، خاصة ما يتعلق بأجهزة التحكم والتوجيه الدقيق التي تفوق بالأهمية ذلك التباهي المعتاد بصواريخ أبعد من حيث المدى.

لا سرّ في وقوف طهران وراء البرنامج الصاروخي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولا جديد في أن يكون للداعم حصة ما من اتخاذ قرار الحرب، ولو حصة استشارية. هذا ما تفعله دول بإمكانيات أكبر إذ تنسق مع حلفاء لها عندما تقرر شن الحرب أو مع بدء المعركة إذا فوجئت بها؛ إسرائيل مثلاً كان لها في كافة حروبها مستوى من التنسيق مع واشنطن، بما فيها المعركة الحالية التي تتولى فيها واشنطن تأخير مجلس الأمن لتأتي مبادرات التهدئة في التوقيت المناسب لآلة الحرب الإسرائيلية.

لدى حماس أسباب عديدة لدخولها على خط المعركة التي بدأت هذه المرة باحتجاجات سلمية انطلاقاً من الصراع على حي الشيخ جراح، من الأسباب المهمة ما تراه الحركة لجهة اعتبار المعركة الفلسطينية واحدةً، لكنه سبب يقع في الإستراتيجيا أكثر مما هو في التكتيك وفي البعيد لا المباشر. في المقابل من القضية الواحدة نظرياً، وربما شعبياً، لدينا سلطة حماس ولدينا سلطة فتح، وهو انقسام ما كان له أن يستمر ويترسخ من دون الصراعات الإقليمية. على خط الانقسام الذي يحجب عن طرفيه شرعية احتكار التمثيل الفلسطيني، تقع مظلومية حماس القديمة والمستمرة بسبب عدم الاعتراف بفوزها في صناديق الاقتراع، الأمر الذي انعكس وينعكس يومياً ومباشرة في الحصار المفروض على القطاع، ولا ندري ما إذا كانت صواريخ حماس مدفوعة كسبب مباشر بحافز اختراق الحصار.

لإيران دوافع واضحة للتشجيع على المعركة، من دون أن ننسب إليها اتخاذ القرار برمته على النحو الذي يروّج له أعداء لحماس أو طهران أو لكليهما معاً. إن مجرد الحديث الذي يملأ الإعلام عن “صواريخ إيران التي أصابت تل أبيب” هو بمثابة نصر إيراني، وهذا مطلوب بشدة بعد سنوات من استباحة الطيران الإسرائيلي المواقعَ الإيرانية في سوريا، وصولاً إلى الشكوك حول تنفيذ الموساد عملاً تخريبياً في موقع نووي إيراني.

الكلام الرائج يصب في مصلحة طهران على مستويين، الأول الذي يُظهرها متحكمة بقرار حماس، والثاني الذي يضع صواريخ حماس كأداة في الصراع الإسرائيلي-الإيراني، فوق احتساب أي نجاح تقني للصناعة العسكرية الإيرانية. هنا تتجه الأنظار إلى الصواريخ التي أصابت أهدافاً، لا إلى الطائشة أو التي تولت القبة الحديدية التصدي لها، والعبرة هي في إثبات عدم قدرة القبة الحديدية على التصدي لتكتيك اعتماد هجوم صاروخي مكثف، أي بإطلاق عدد ضخم من الصواريخ في الوقت نفسه.

نظرياً وعملياً، لا يوجد درع صاروخي مُحْكم تماماً إزاء هجوم يفوق قدرته من حيث الكَمّ، والعبرة في عجز القبة الحديدية أمام صواريخ حماس هي في عجز أكبر يمكن تخيّله إذا قرر حزب الله استخدام صواريخه التي تُعدّ بعشرات الآلاف على الأقل. من جهة الرسائل الإقليمية المعتادة، يجوز قراءة المعركة الحالية كمحاكاة لمعركة أشد، قد لا تحدث وقد يبقى التلويح بها للردع، هي معركة صواريخ حزب الله، وفيها تمتلك طهران حصة أكبر من اتخاذ قرار الحرب ومرونة في استمرار الإمدادات العسكرية عبر الحدود اللبنانية مع سوريا.

تفهم القيادات الإسرائيلية جيداً هذه “البروفة” وما تنطوي عليه، لذا لا تريد توقف المعركة عند النقطة المناسبة لحماس ولإيران معاً. على عكس اندفاعها الأول، سُرّبت أخبار عن موافقة حماس على التهدئة بعد استخدامها الصواريخ، وهذا منطقي لأن التوقف هنا يكون قد حقق لها نصراً معنوياً راهناً، وكرّسها للمستقبل كقوة ردع. تتفق الأنباء الواردة على تأخير الوساطات في انتظار أن تكمل القوات الإسرائيلية “مهمتها” التي من المتوقع أن تكون على ثلاثة مستويات؛ إيقاع الأذى الشديد بقطاع غزة وفق سياسة العقاب الجماعي المعروفة عنها، وإيقاع الأذى بقيادات من حماس، وتدمير البنية التحتية المتعلقة بصناعة الصواريخ.

في الهجوم على غزة، لا يفوت إسرائيل الرد على الرسالة الإيرانية، أو توجيه رسالة إذا لم تكن هناك رسالة إيرانية في الأصل، أي أن طبيعة الرد الإسرائيلي فيه أيضاً محاكاة تضع لبنان مكان غزة وحزب الله مكان حماس. لذا لا يُستبعد أن تفوق وحشية الرد ما خبره القطاع في جولات سابقة من المعارك، وتزداد وجاهة هذا الافتراض مع وجود نتنياهو الذي يريد تقديم نفسه بطلاً، سواء إذا كانت حياته السياسية ستنتهي قريباً أو إذا كان سيتاح له الاستفادة من المواجهة للبقاء في السلطة ضمن انتخابات أخرى جديدة. لقد استثمر نتنياهو أكثر من أي رئيس حكومة سابق في التهديد الإيراني، ولا يسعه التراجع أمام أنصاره وخصومه بعدما وصلت “الصواريخ الإيرانية” إلى تل أبيب، بل إن التراجع مرفوض من قبل النخبة السياسية والعسكرية بأكملها.

بخلاف السخريات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي من حزب الله وطهران لتقاعسهما عن نصرة فلسطين، وعطفاً على توعدهما بقرب إزالة إسرائيل من الوجود، الحق أن الحزب وإيران موجودان بقوة في خلفية الحدث، والمؤسف أن أهالي القطاع سيدفعون الثمن المعتاد وفوقه دفعة استباقية على الحساب مخصصة كرسالة للحزب ولإيران. لقد كانت فكرة “نصرة فلسطين” حتى الآن حمّالة أوجهٍ بعيدةٍ عن المعنى الحرفي لها، فتقاعس أنظمة المنطقة عن نصرتها انطوى دائماً على التآمر على القضية والتنسيق مع إسرائيل، بينما ادّعاء نصرتها انطوى على الاستثمار فيها لأغراض لا تنفع الفلسطينيين، أو تتسبب لهم وللشعوب المجاورة بالأذى. ربما أفضل ما نتمناه للفلسطينيين أن يُعفوا من نصرة الآخرين لهم، لعل الاحتمال الأقرب للتحقق حينها أن تُتاح لهم حرية الانتصار لأنفسهم.

المدن

—————————–

الانتخابات جرت في القدس/ محمد أبو الغيط

قبل أقل من أسبوعين، اتخذت رئاسة السلطة الفلسطينية من رفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس ذريعة لتأجيلها. حاول الرئيس محمود عباس، في خطابه، تصوير الخطوة كأنها رفض شجاع للاحتلال، وهو منطقٌ عجيب، إذ إنها تتجاهل تاريخاً طويلاً بشأن مسألة الانتخابات في القدس تحديدا.

لطالما رفضت إسرائيل ذلك منذ أول انتخابات عام 1996 ثم عام 2005، حيث تصمّم على وضع القدس عاصمة موحدة وأبدية لها، وتميز بينها وبين ضواحيها التي تعتبرها تابعة للضفة. ومن هنا، جاءت أوهام منح أبو ديس للفلسطينيين ليطلقوا عليها القدس ويعتبروها عاصمتهم في إطار أوهام “صفقة القرن”.

تم وقتها انتزاع الحلول انتزاعاً، بتضافر العمل على الأرض مع الضغوط الدولية اللاحقة، كتسجيل الناخبين من بيت إلى بيت، بعدما أغلقت إسرائيل مقرّات لجنة الانتخابات، حتى الوصول إلى صيغة تصويت عدد محدود في مكاتب البريد داخل القدس، والباقين في ضواحي القدس الواقعة خارج البلدية.

ومن اللافت أن انتخابات 1996سبقت ببضعة أشهر فقط “هبّة النفق”، والتي شهدت تحرّكات عملية من السلطة تحت قيادة ياسر عرفات مع المقدسيين، حتى أنها شهدت إحدى أولى حالات الاشتباكات المسلحة بين قوات أمن السلطة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية بعد “أوسلو”.

اتفقنا أو اختلفنا مع نهج عرفات، إلا أنه كان يقدّم نموذجاً جاداً لامتلاك استراتيجية واضحة لأساليب نضالية منظّمة، وكان يعوض فشل تجربته العسكرية في التحرير بعد الهزيمة في الأردن ولبنان بمحاولة تقديم أدوات نضالية سياسية أخرى. اليوم في عام 2021، أصبحت الخيارات أوسع. وأي نضال سياسي سلمي يدعو إليه عباس يمكن أن يحمل أثرا أشد وقعا من نضالٍ لأجل التصويت في الانتخابات؟

كان يمكن أن يتم تسجيل الناخبين إلكترونيا، ويتم التصويت في المنازل ودور العبادة والمدارس وغيرها، فليشاهد العالم الفلسطينيين يحمون صناديق الاقتراع بأجسادهم، بينما جنود جيش الاحتلال يطاردون حاملي بطاقات التصويت كأنها أسلحة، ويصادرون صناديق الأوراق الانتخابية كأنها قنابل خطيرة.

في الواقع، لا يعدو سبب تأجيل الانتخابات الفلسطينية رفض أبو مازن أي احتمال لتداول السلطة، سواء على مستوى شخصه أو التيار التابع له الذي يهيمن على حركة فتح، بعدما بات واضحاً تبلور تيارات أخرى معارضة له من الحركة نفسها.

سرعان ما تسارعت الأحداث، وخرجت هبّة أهالي حي الشيخ جرّاح والمقدسيين. شهدنا بطولاتٍ هائلة لحراك منظّم، قام عليه شباب وُلدوا بعد “أوسلو”، ولم ينتموا لأي من المنظمات الفلسطينية التاريخية. وبقدر ما يختلف الفلسطينيون والعرب حول توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، وكذلك حول استراتيجية التعامل مع إسرائيل، حيث الأسئلة المعقدة عن جدوى أو أخلاقية مختلف أساليب المقاومة، واستراتيجيتها، وانتهاءً بالهدف منها، هل هو حل الدولتين أم الدولة الواحدة.. إلخ، إلا أن الجميع اتفق بشكل تام على دعم المقدسيين.

جاء الرد من غزة ومن الضفة ومن الخارج. لقد تم التصويت لصالحهم بالإجماع. وهم أيضاً صوّتوا عملياً بدورهم ضد الخيال القديم. صوّتوا ضد تكلس سلطة أبو مازن، وضد شلل منظمة التحرير الذي استبعد عمليا طاقاتٍ واسعةً للشباب الفلسطيني في الداخل والخارج في الحراك لقضيته، باعتبارها قضية “أبارتهايد” بلغة العصر.

كما صوّتوا عملياً ضد “الأسرلة”، حيث قلبت هبّة فلسطينيي الداخل، انتصارا للقدس، موازين الحسابات الإسرائيلية، وبينما كانت تعبر الخط الأخضر، كانت الحافلات تكسر حواجز نفسية وسياسية حاول الاحتلال صنعها عقودا.

قد يبدو الحديث عن الانتخابات في القدس بعيداً عن سياق القتال في غزة والاشتباكات داخل الخط الأخضر. ولكن، أيا كانت النتائج العسكرية، فإن ترجمتها إلى مكاسب أو خطوات سياسية لا يقل أهمية، وهنا حقاً تصبح أوراق التصويت أسلحة. ما خطّته أجساد الشبان الفلسطينيين وخطواتهم يُلزم قادتهم بتغيير نهجهم، أو اجبارهم على ذلك.

وبدون انتخاب قيادة موحدة، تشمل منظمة التحرير والمجلس الوطني، فإن الاستثمار السياسي للحدث الضخم، وترجمته إلى استراتيجية وطنية متفق عليها سيظل قاصرا… ومن انتزعوا الشوارع من القوات الإسرائيلية سينتزعون صناديق الاقتراع أيضا.

—————————–

القدس تهزم التطبيع/ بسام مقداد

يتم التداول في الشبكة الإجتماعية بنص يرى في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة، أن الجميع “يكتشفون الآن أن إسرائيل احتلت الوطن العربي والإسلامي كله، لكنها لا تزال تحاول إحتلال فلسطين”. القول لا يحتمل مقاربات سياسية واقعية، بل هو صرخة لما يعتمل في النفوس من غضب لما بلغته الحال من مهانة وإحباط ، وما يحمله الفلسطينيون مجدداً من وعود وآمال، خاصة  لمن يسكن الأرض من الخليج إلى المحيط. والخوف، كل الخوف عليهم يبقى من “الغيارى” على قضيتهم، سواء من داخلهم أو من خارجه ، سيما أن المستثمرين في مأساتهم قد سارعوا، كما يبدو، إلى توظيف ما سال من دمائهم في القدس ، ولم يتأخروا عن توظيفها أمس في لبنان أيضاً .

نقلت نوفوستي منذ يومين عن أستاذ مادة بوليتولوجيا العلاقات الدولية في جامعة لوفان الكاثوليكية البلجيكي بيير فيركوترين توقعه، بأن لا ترسل إسرائيل قوات إلى قطاع غزة هذه المرة. ويعتقد أن الصدامات ستطول وتستمر تظاهرات الفلسطينيين ويستمر سقوط المزيد من الضحايا بينهم، بل قد تتحول إلى إنتفاضة أخرى . ورأى أن إستمرار حماس في إنتاج الصواريخ في غزة  يشير إلى فشل إسرائيل ومصر في جعل الحدود المصرية مع الفلسطينيين “محكمة الإقفال” .

موقع DW (الالماني) بالروسية، وفي نص بعنوان “وضع إسرائيل اليائس”، نقل عن معلق في صحيفة ” فرانكفورتر الجماين” الالمانية  قوله بأن موجات العنف الجديدة في القدس تبين أن محاولات تجاهل الصراع الشرق أوسطي لن تفضي إلى زواله. وقد انشغلت إسرائيل في الفترة الأخيرة بالتقارب مع دول عربية، وحققت تقدماً مهماً في ذلك بفضل الدعم الذي تلقاه نتنياهو من إدارة ترامب. لكن قيام أصدقاء إسرائيل الجدد في الخليج بتقديم مصالحهم الإستراتيجية الخاصة على مصالح الفلسطينيين، لا يغير شيئاً في الوضع العام الميؤس منه. قليلون  في إسرائيل يصدقون أن الصراع يمكن حله بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية، والفلسطينيون من جانبهم يبقون منقسمين سياسياً، كما في السابق، وقيادتهم عاجزة عن الإتيان بعمل .

كثيرون في الوضع الناشئ ينتظرون ردة فعل  موسكو على الحدث، وما يمكن أن تقوم به من خطوات كوسيط في نزاعات المنطقة، كما تحرص على تقديم نفسها، سيما وأنها على علاقة تاريخية جيدة مع الفلسطينيين، وصداقة “رفيعة المستوى” بين نتنياهو وبوتين. وقد توجهت “المدن” إلى عدد من الكتاب السياسيين في المواقع الإعلامية الروسية بسؤال عما يرونه في الحدث المقدسي، وعما إذا كان بوسع موسكو لعب دور الوسيط في الصراع .

المعلق في وكالة نوفوستي، والنائب السابق لرئيس تحرير صحيفة الكرملين بيتر أكوبوف قال ل”المدن”، بأن الوقت قد حان “لتلعب روسيا دوراً”  في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، “وقد يكون بمشاركة تركيا”. وافترض أن تقوم روسيا بدعوة الطرفين إلى موسكو لإحياء الحوار الفلسطيني الإسرائيلي، سيما أن الفلسطينيين موافقون على ذلك منذ زمن طويل. لكن إسرائيل ترفض هذه الفكرة لأنها “تعول كثيراً” على دعم الولايات المتحدة .

ويرى أكوبوف أن “من الضروري” أن تنتقل موسكو إلى سياسة الضغط على إسرائيل، مستندة في ذلك على جبهة واسعة من العالم العربي والإسلامي، وعلى الصين والهند والبلدان الإفريقية والأميركية اللاتينية. ويفترض أن بوسع الاتحاد الأوروبي حينها أن ينشط ضغوطه على إسرائيل، التي تصبح مجبرة على إجراء مفاوضات فعلية بشأن المسائل الإستراتيجية في التسوية الفلسطينية ووضع القدس. وعلى العالمين العربي والإسلامي إتخاذ موقف متضامن، برأيه، ويقترحان على روسيا لعب دور الوسيط في المفاوضات مع إسرائيل ، وعدم السماح للولايات المتحدة “بتدمير موقف الأمة الموحد” .

المعلق في صحيفة “NG” (الصحيفة المستقلة) والمتابع لشؤون الشرق الأوسط إيغور سوبوتين ، قال ل”المدن” بأن الوضع حول غزة والقدس الشرقية كشف عن ما يسميه “أزمة الوساطة”، إذ لم يتمكن الوسطاء من إطفاء الحريق في مراحله المبكرة. فالولايات المتحدة، وعلى مدى أسابيع، تجاهلت التحذيرات من سيناريو التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، والتي تبلغتها عبر مختلف القنوات. ويبدو “منطقياً جداً”، برأيه، نداء أردوغان لروسيا ل”المساعدة دبلوماسياً” في هذا الوضع، سيما أن للكرملين”علاقات رفيعة المستوى” مع نتنياهو، لكنها لم تسمح حتى الآن سوى بحل “المسائل المتعلقة بالملف السوري”. إضافة إلى العلاقات “رفيعة المستوى” مع نتنياهو التي تؤهل روسيا لدور الوسيط ، يرى الكاتب أن موسكو أثبتت فعالية وساطتها بين الفصائل الفلسطينية. أما في ما يتعلق بالفكرة التركية إرسال قوات حفظ سلام إلى منطقة الصراع، يعود الكاتب إلى ما سبق أن قاله بشأنها الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، من أن إرسال قوات حفظ سلام “يتوقف على موافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي . لكن بوغدانوف يؤكد أنه “من دون موافقة إسرائيل لا يمكن تنفيذ هذه المبادرة” .

الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية والمعلق في موقع “Al-Monitor” كيريل سيميونوف قال ل”المدن” في إجابته عن السؤال عما إن كان بوسع روسيا التوسط بين طرفي النزاع، بأن موسكو تستطيع بالطبع “التوجه بنداءات” إلى طرفي النزاع  ونقل رغباتهما إلى بعضهما البعض. لكن من المستبعد أن تقبل إسرائيل بأن يكون طرف ثالث وسيطاً في  نزاعها مع فلسطين. ويمكن أن تقبل إسرائيل بوساطة روسيا مع بلدان أخرى، إنما بمشاركة الولايات المتحدة .

الكاتبة والمتابعة  لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة “Kommersant” ماريانا بالكينا أكدت في ردها على سؤال “المدن”، بأن “موسكو بمفردها لا تستطيع حل شيئ”. وقالت بأن روسيا عملت وتعمل كبلد مشارك في رباعية التسوية الشرق أوسطية ( الأمم المتحدة ، الإتحاد الأوروبي ، الولايات المتحدة وروسيا) وتملك تأثيراً على الفلسطينيين .

في نص للكاتبة نشرته في الصحيفة في 13 الجاري بعنوان “أرض الصواريخ. معركة القدس تحولت قصفاً لإسرائيل من غزة”، نقلت عن العضو السابق في الكنيست والخبيرة في معهد أبحاث في اليونان كسينيا سفتلوفا قولها، بأن رفع الأعلام الفلسطينية في اللد، والصدامات في الناصرة وحيفا والمدن الأخرى بين مواطني إسرائيل العرب واليهود، “هي أخطر من غزة” بالنسبة لإسرائيل. وتقول سفتلوفا المتخصصة بالشؤون العربية بأنه تتطور حالياً وسط العرب في إسرائيل عمليتان في آن معاً : الرغبة في الإندماج بالحياة الإسرائيلية وتطرف الشباب .

صحيقة “NG” سابقة الذكر تنقل عن الباحث في جامعة أوكسفورد صموئيل رماني قوله ، بأن تعبير إدارة بايدن عن قلقها بشأن سلوك إسرائيل في القدس وغزة ، اثار إستياء محيط نتنياهو الشديد. ويعتبر أن هذا يمثل فرصة لروسيا التي كانت تحاول “بكل قوتها” أن تكون وسيطاً في النزاع العربي الإسرائيلي، وإذا لم تتمكن واشنطن من التوصل إلى التهدئة في هذه الأزمة، سوف تحاول موسكو عندها “لعب دور الوسيط البديل” .

المدن

——————————–

نيويورك تايمز: بيرني ساندرز يدعو بايدن لتبني “نهج محايد” حيال الشأن الفلسطيني

نيويورك: شدد السيناتور الديمقراطي بالكونغرس الأمريكي، بيرني ساندرز، على ضرورة تغيير الولايات المتحدة مسارها، وتبني نهج محايد ضد سياسات إسرائيل القمعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

جاء ذلك في مقال لساندرز، نشرته، الجمعة، صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الشهيرة تحت عنوان “يجب على الولايات المتحدة دعم نهج محايد في الشرق الأوسط”؛ وذلك في تقييم منه للهجمات الإسرائيلية الأخيرة بالقدس وقطاع غزة الفلسطيني.

وذكر ساندرز في مقاله أن جملة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” تتردد منذ سنوات في كل نزاع بين إسرائيل وفلسطين، متسائلا “ما هو حق الشعب الفلسطيني؟” لماذا لم يتم طرح هذا السؤال ابدا؟ ولماذا لا نرى العنف في إسرائيل وفلسطين إلا عندما تسقط الصواريخ على إسرائيل؟”

كما أوضح أن الصواريخ التي أطلقتها حماس تجاه إسرائيل “غير مقبولة”، مضيفًا “إلا أن ما يجري اليوم من مصادمات لم يبدأ بهذه الصواريخ”.

وتابع قائلا “العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح، بالقدس تتعرض منذ سنوات عديدة لتهديد الإجلاء من منازلهم في إطار النظام القانوني الإسرائيلي الذي يرمي لتسهيل تهجيرهم القسري”.

وأضاف ساندرز قائلا “في الأسابيع الأخيرة كثف المستوطنون المتطرفون جهودهم لإجلائهم. والأمر المأساوي هو أن عمليات الإجلاء هذه ليست سوى جزء من نظام أوسع للقمع السياسي والاقتصادي “.

وأكد ساندرز أن “حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تنتهج سياسات استيطانية غير قانونية تهدف لتنفير الفلسطينيين؛ في مسعى منها لمنع إمكانية حل الدولتين” مضيفًا “بدلاً من السلام والعدالة ، تعزز إسرائيل سيطرتها غير المتكافئة وغير الديمقراطية في تلك الأراضي”.

واستطرد نائب ولاية فيرمونت قائلا “يجب أن نغير مسارنا ونتبنى نهجًا محايدًا يدعم ويعزز القانون الدولي بشأن حماية المدنيين”، مشيرًا أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، “لديه الآن فرصة لاتخاذ نهج قائم على العدالة والديمقراطية ليظهره إلى العالم”.

وبيّن أن الولايات المتحدة تتبرع بنحو 4 مليارات دولار لإسرائيل كل عام، مشددًا على ضرورة توقف حكومة نتنياهو عن الدفاع عن سلوكها غير الديمقراطي والعنصري.

واختتم ساندرز مقالته قائًلا “أعتقد بقوة أن الولايات المتحدة ستلعب دورًا مهمًا في المساعدة على بناء المستقبل للإسرائيليين والفلسطينيين. لكن هذا لن يتحقق إلا إذا أرادت واشنطن أن تكون صوتًا موثوقًا به لحقوق الإنسان على المسرح العالمي، لذلك يجب علينا أن نتمسك باستمرار بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، حتى لو كانت صعبة من الناحية السياسية. علينا أن نعترف بأهمية حقوق الفلسطينيين. الحياة الفلسطينية مهمة”.

ومنذ 13 أبريل/ نيسان الماضي، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء اعتداءات “وحشية” ترتكبها الشرطة الإسرائيلية ومستوطنون في القدس والمسجد الأقصى ومحيطه وحي “الشيخ جراح”، إثر مساع إسرائيلية لإخلاء 12 منزلا من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين.

وأسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ الاثنين، عن استشهاد 129 فلسطينيا، بينهم 31 طفلا و20 سيدة، وإصابة 950 بجروح.

الأناضول

القدس العربي

———————–

وقف إطلاق النار في غزة مُرجّح بين الأحد والثلاثاء/ أدهم مناصرة

لم تنجح حتى اللحظة الوساطة المصرية المدعومة بجهد قطري وتركي وأممي في تحقيق اختراق للتوصل لوقف لإطلاق النار، في ظل اختلاف الشروط بين كل من حركة “حماس” وإسرائيل، ورغبة الآخيرة بمواصلة إرهاق المقاومة في القطاع لأيام إضافية.

وعبّر عن شروط “حماس” رئيسها في الخارج خالد مشعل الذي قال في حديث تلفزيوني إن شروط الحركة لوقف إطلاق النار تتمثل بانسحاب القوات الاسرائيلية من المسجد الأقصى وتوفير حرية العبادة، ووقف تهجير العائلات من حي الشيخ جراح المقدسي، إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين خلال التصعيد الاخير، ووقف العدوان على غزة.

لكن إسرائيل ترفض ربط غزة بباقي الأراضي الفلسطينية إذ أنها عملت لسنوات طويلة على جعل قضية القطاع منفصلة وسط تجزئة الاحتلال للأراضي الفلسطينية وتقسيمها وتكريس معادلة ميدانية خاصة لكل منطقة (سواء غزة أو الضفة او القدس). لذلك ردّت تل أبيب بفظاظة على شروط حماس بالقول: “لا مكان للكلام. عملية (حارس الأسوار) مستمرة”.

وذكرت مصادر إعلامية عبرية أن جيش الاحتلال كان مستعداً لهذه الحرب وكان يعدّ لها بالخفاء، وقد حضّر “بنك الأهداف” مسبقاً، لكنه كان يتحين الفرصة لشن الحرب. وراحت جهات إسرائيلية تلمح لإمكانية مواصلة المعركة لأسبوع آخر.

لكن بالرغم من الفجوة بين شروط حماس وإسرائيل، إلا أن مصدراً سياسياً في أراضي ال48 قال ل”المدن”، إن تحقيق وقف إطلاق النار مُمكن مساء الأحد أو الاثنين بفعل ضغط الدولي المتزايد، على ضوء جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث التصعيد في غزة، بموازاة مباحثات يجريها المبعوث الأميركي هادي عمرو الذي وصل الى تل أبيب الجمعة.

فيما رجّح مصدر سياسي آخر أن تكون التهدئة الثلاثاء أو الأربعاء أي بعد العيد اليهودي “الشبوعوت” لأن المفاوضات ستشهد مداً وجزراً.. إضافة إلى طلب الجهات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من حكومة نتنياهو مزيداً من الوقت لاستكمال أهدافها في غزة.

وبحسب المصدر، فإن المهلة الأميركية قد مُنحت لإسرائيل أيضاً لتحقيق هدف المعركة لكن ليس لوقت غير محدود، موضحاً أن وقف إطلاق النار سيتحقق هذا الأسبوع، غير أن التظاهرات على حدود غزة الشرقية ربما تستمر، بموازاة تواصل الاحتجاجات والمواجهات في أراضي ال48 والقدس.

ووفق المصدر، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد أن يعطي “شرف الهدنة” لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وذلك من أجل ترطيب العلاقة المتوترة معه حيال العديد من الملفات لا سيما النووي الإيراني. كما أن نتنياهو يعتقد أنه نجح في استغلال التصعيد لصالح وضعه السياسي عبر جعل حكومة برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف يائير لبيد أقل احتمالاً وإمكانية المناورة أكثر للبقاء رئيساً للحكومة على الأقل حتى إجراء انتخابات خامسة. وهو ما يجعله راغباً بوقف الحرب في غضون ايام.

ولذلك، فإن الوسيط المصري يقول للإسرائيليين: “إذا كنتم راغبين باتفاق برعاية أميركية، وافقوا على مقترح هدنة لساعات محدودة كي يُفسَح المجال أمام المفاوضات لتحقيق الهدوء ووقف الحرب”.. غير أن إسرائيل رفضت ذلك وتريد هدنة طويلة الأمد من منطلق أنه “لا داعي لهدنة مؤقتة”.

بدوره، أكد قيادي من “حماس” مقيم في غزة ل”المدن”، أنهم لم يتمكنوا من التواصل مع قيادة الحركة في الخارج لأن هواتفهم مغلقة لدواعٍ أمنية؛ منعاً لاستهدافهم من قبل إسرائيل. ولذلك فإنهم لم يستطيعوا مواكبة كامل تفاصيل الوساطة المصرية والقطرية والأممية، موضحاً أن الاتصالات بشأن وقف إطلاق النار تجري مع قيادة الحركة في الخارج وليس في القطاع. كما أن الوسيط المصري لم يزُر القطاع لأسباب أمنية نتيجة استمرار المعركة، وهو لن يأتي إلى القطاع الا إذا تم التوصل إلى هدنة.

وشدد القيادي الحمساوي على أن خروج مشروع قرار من مجلس الأمن الأحد، بوقف إطلاق النار وإن كان غير ملزم ربما يُشكل أرضية لإعلان هدنة. وشدد على أنهم في غزة يراقبون ما يخرج من تركيا وقطر حيث تتواجد قيادة الحركة الخارجية، لا سيما وأن التواصل يتم مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. كما يراقبون ما يصدر عن مباحثات المبعوث الأميركي هادي عمرو مع الاسرائيليين والأطراف العربية.

السلطة الفلسطينية هي الأخرى في صورة الاتصالات الجارية لوقف إطلاق النار، كما يؤكد قيادي مقرب من رئيس السلطة محمود عباس ل”المدن”.

وقال القيادي إن السلطة ستكون عنواناً في موضوع التهدئة، وأن هناك اتصالات تجري معها من كل الأطراف وأن المقاطعة في رام الله على تواصل مع قيادة حماس في الخارج وتنسق معها. وشدد على أن شروط السلطة هي تهدئة شاملة بوقف العدوان الاسرائيلي في الضفة وغزة والقدس. وأضاف أن السلطة تنتظر نتائج محادثات المبعوث الأميركي في إسرائيل.

ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تريد أن تكون السلطة عنواناً لاتفاق التهدئة هذه المرة، في محاولة منها لتعزيز موقفها الحرج والصعب أمام الرأي العام الفلسطيني، وللمحافظة على توازنات القوى السياسية الفلسطينية وذلك على ضوء ارتفاع مستوى التعاطف الشعبي مع حركة “حماس” وتعالي الأصوات الناقدة للقيادة الفلسطينية.

ولعلّ رسالة جو بايدن المكتوبة إلى رئيس السلطة محمود عباس في الأيام الأخيرة تمثل استشعاراً أميركياً بخطر إضعاف القيادة الفلسطينية وأنه لا بد من خطوات سياسية لتقوية حضور السلطة ومنع المساس بالوضع الراهن.

المدن

——————————

في “الكوريدور” مع أطفال غزة/ رامي الأمين

أتكوّر وأنا أرى مشاهد الأطفال في البيوت وهم يعيشون في الوقت الفاصل بين قذيفة وأخرى. أضع يديّ على أذنيّ لأسدّهما، محاولاً إسكات صوت هدير الطائرات المغيرة في ذاكرتي.

أمي تحمل أخي الأصغر وتصرخ بنا: بسرعة إلى “الكوريدور”. تركض بين الغرف لتتأكد أن الشبابيك مفتوحة. أحاول دائماً أن أسدّ أذنيّ بيديّ لتفادي سماع القذيفة. هدير الطيران أيضاً مرعب. احياناً كنت أحرر اذنيّ لأتأكد أنني لا أزال حياً. كنت أسمع أمي تكرر بفزع آية “السدّ”. ترددها لإيمانها انها تشكّل سدّاً فعلياً ضد القذائف والصواريخ الاسرائيلية. تستخدمها كمضاد أرضي: “فأغشيناهم فهم لا يبصرون”. وقد نجونا، حتى الآن.

تكرر الأمر عشرات المرات في طفولتنا. في الحروب الكبرى والصغرى وفي القصف اليومي. لكن أطفالاً كثيرين لم ينجو. هل فات أمهاتهم أن يقرأوا آية “السدّ”؟ لا أعلم، لكن صديق الطفولة يوسف جاءته رصاصة قنص في الرأس وهو يلعب في القرية. أبصره الجندي الإسرائيلي وأطلق النار، من دون ان يغشيه شيء. ركض والده به مضرجاً إلى المستشفى. كان الأوان قد فات. أطفال آخرون ماتوا بالقصف. رُدمت منازلهم فوق رؤوسهم. تفحّموا في باصات المدارس. كانت أمي مثل أمهات كثيرات تحاول حمايتنا بما توفر: “ابتعدوا عن الزجاج” تصرخ كلما حاول أحدنا ان يقترب ليلقي نظرة إلى الطيور المعادية وهي تحوم في السماء لتنقّض على فرائسها.

كان “الكوريدور”، أو الممر الموزّع إلى غرف البيت، أكثر أماكن البيت أماناً بالنسبة إلى أمي. الأقل عرضة للشظايا في حال سقوط قذيفة قريبة. ولا توجد فيه نوافذ مفتوحة على الموت. لكنها كانت تعلم ان هذا “الزقاق” المنزلي الضيق لم يكن ليحمي من صواريخ الطائرات التي تنسف المباني عن بكرة أبيها. لكن لا خيار آخر. لا ملاجئ. وخطر الخروج إلى الطرقات لمحاولة الهرب إلى بيروت بالسيارة أعلى بكثير من البقاء. الموت في كل مكان. والرعب مع العتمة والبسملات في “الكوريدور”. ننام فيه. أو أننا للدقّة، نغلق عيوننا. كنت أنام مغلق العينين والأذنين. لكن رأسي كان دائماً مفتوحاً كفجوة خلّفتها قذيفة في جدار.

أبي كان أكثر تماسكاً. يخفف علينا الرعب. يخرج احياناً لتدخين سيجارة وبيده سبحته السوداء الطويلة. كان يسبّح ليقتل الوقت بين أصابعه. لم يكن متديّناً. ولا أظنه كان مقتنعاً بقدرة “السد” أو سواه على حمايتنا. كان يفرغ توتره بحبّات السبحة، ليبدو لنا أكثر تماسكاً في مواجهة الخوف. لكنه كان يعود إلى “الكوريدور” عندما يشتدّ صوت هدير الطيران. كانت أمي “تُغير” عليه، قبل أن تباغتنا الطائرات: “فوت لجوّا”. وكان يدخل مسرعاً، مع ابتسامة ساخرة مشبّعة بخوف خجول، يحاول عبثاً أبي ان يخفيه.

أتذكّر هذا الرعب وأنا أشاهد فيديوهات القصف الوحشي الذي تتعرض له غزة. تداهمني الذكريات المؤلمة كلها دفعة واحدة. أتذكّر صور أشلاء الأطفال في مجزرة قانا الأولى وفي الثانية. أتذكّر سيارة الإسعاف في المنصوري. أتذكّر عينيّ يوسف وهو يلعب. وفزع أمي وهي تركض في البيت. وأسمع صوتها طازجاً يقول لي: “بسرعة إلى الكوريدور”. وأفزع، وابحث عن “الكوريدور” لأختبأ من كل هذا الوجع. أتكوّر وأنا أرى مشاهد الأطفال في البيوت وهم يعيشون في الوقت الفاصل بين قذيفة وأخرى. أضع يديّ على أذنيّ لأسدّهما، محاولاً إسكات صوت هدير الطائرات المغيرة في ذاكرتي. وأغمض عينيّ علّني أخبّئ الأطفال فيهما وأحميهم بجفنيّ الهزيلين المتعبين. وتلمع في رأسي ابتسامة أبي الخائفة والحائرة. أسمع تكتكات سبحته وهي تطحن الوقت. وابتسم مثله، لأداري خوفي. لأخفيه حتى عن نفسي. وبدون أن أدري، أجدني أتمتم، بشفاه مرتجفة، وبلا وعي: “وجعلنا من بين ايديهم سدّاً ومن خلفهم سداً…”

درج

—————————

من هو المواطن “الجشع” الذي قادته إسرائيل إلى الشيخ جراح؟/ حازم الأمين

إسرائيل ليست قطعة من الغرب في الشرق. إنها ذلك الكيان الذي لا يسعى لأن يكون “طبيعياً”، ولا يستطيع أن يكون طبيعياً. دولة الأبارتهايد لا تسعى لأن تكون غير نفسها وغير طبيعتها وغير وظيفتها.

وبالعودة إلى حي الشيخ جراح شرقي القدس، ثمة خطأ جوهري قامت على أساسه دولة إسرائيل، وهذا الخطأ تمثله وقائع الحي المقدسي خير تمثيل. إنه قصة الـ”ترانسفير” الكبرى التي اعترف مؤرخون إسرائيليون بأن دولتهم قامت عليها. الـ”ترانسفير” نفسه الذي نشهده اليوم. الشيخ جراح عينة واضحة وجلية منه. وإسرائيل التي تكرر الواقعة، تكشف أنها لا تسعى إلى تجاوزها. تواصل فعلها منذ العام 1948، وتمعن في تقديمها للعالم بوصفها قصتها التي لا تخجل من تكرار فعلها. تقول إنها مستعدة لدفع أثمانها، ولقبولها كجزء من خرافة “الاستقلال”. جريمة تقيم في أصل الحكاية وفي أصل الهوية وفي أصل الدولة.

لن تكون إسرائيل دولة “طبيعية”. هي لا تسعى لذلك أيضاً، وان حاولت فلن تتمكن. فالدولة العبرية نجحت في اختراقات “سلام” مع دول مجاورة ومع أنظمة لا حدود لها معهم، لكنها عجزت عن استيعاب هذه الاختراقات بسبب عجزها تغيير طبيعتها الأولى. لا تطبيع فعلياً مع مصر الأردن بعد اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، واتفاقات ابراهام تترنح اليوم، والأرجح أن يشيح حكام البحرين والإمارات وجوههم عن السياح الإسرائيليين. أبو مازن في موقع المنسحب أيضاً بفعل الجريمة الإسرائيلية في غزة. أهل دولة الـ”ترانسفير” يعرفون ذلك، ولا يبدو أنهم مكترثون. لا يعنيهم الأمر، ولا يشعرون بالحاجة لأن يكون بلدهم “طبيعياً”.

لو كنت اسرائيلياً لخلفت هذه الحقيقة لدي خوفاً. قد تنجح الدولة في حمايتي هذه المرة، لكنها تؤسس لمواطن قلق، ناهيك عن أنها تبني مواطناً آخر جَشِعاً، العالم بالنسبة إليه فريسة يجب التهامها. فما الذي يجبرني على أن أكون هذا المواطن؟ وإذا ما أتيحت لي فرصة لأن أعفي أبنائي وأحفادي من هذه المهمة، فلماذا لا أفعل، ولا أقدم لهم فرص حياة طبيعية في مكان آخر في هذا العالم؟

كان للآباء “المؤسسين” حجتهم ودافعهم. “الترانسفير” الأول ارتكب في ظل جريمة موازية أصابتهم. النجاة من الموبقة الأوروبية “الهولوكوست” استعيض فيها عن البعد غير الأخلاقي لاقتلاع ما يقارب المليون فلسطيني من مدنهم وقراهم! لا يساور أحد شكاً اليوم أن الاقتلاع جرى ضمن عملية ترانسفير منهجية، وجرى توثيق الجريمة من خلال أرشيف الجيش وعبر إصدارات مؤرخين عادوا وابتلعوها. آموس عوز واحد منهم، وهو، وإن عاد وحاول “تصويب الخطأ”، لم يخرج في تأريخه عن الخطاب الصهيوني. لكن ماذا عن اليوم؟ ماذا عن “الترانسفير” الجديد؟ لماذا تواصله الدولة التي اعتبرتها منظمة هيومن رايتس واتش “دولة أبارتهايد”؟ ما هي الوظيفة الجديدة للجريمة؟ ومن هو ذلك “المواطن العادي” الذي تسوقه الرواية الصهيونية إلى حي الشيخ جراح؟

إنه ببساطة الناخب الجديد الذي جعل من تشكيل حكومة نتانياهو مستحيلة. إنه اليميني المتدين الذي أحدث تغييراً جوهرياً في قلب الخرافة الصهيونية. فإسرائيل ليست قطعة من الغرب في الشرق. إنها ذلك الكيان الذي لا يسعى لأن يكون “طبيعياً”، ولا يستطيع أن يكون طبيعياً. وهي لن تستكين لما أتيح لها ولما حققته من “أمر واقع”، ولا تقوى على معالجة الخطأ الجوهري الذي نشأت عليه. دولة الأبارتهايد لا تسعى لأن تكون غير نفسها وغير طبيعتها وغير وظيفتها. وقائع حي الشيخ جراح كشفت لنا مرة أخرى أننا نعيش بجوار شيء بشع، وكشفت لنا عن الوجه الجديد لمواطن دولة الأبارتهايد. المواطن الناخب الذي قلب المعادلة في “الديموقراطية الوحيدة في هذا الشرق”! وأي ديموقراطية تلك التي لا تقوى على مقاومة الوحش الذي في داخلها، وعلى لجم جموحه الإلتهامي المتواصل، لا بل تنقاد وراءه بوصفه ناخبها ونموذجها وقرة عينها.  

وقائع الشيخ جراح كشفت بين ما كشفت عن عقم أخلاقي هائل نعيش بجواره. صاحبه على أتم الاستعداد إلى التخلي عن كل شيء في مقابل آلاف قليلة من الأصوات ينقلها من اليمين الديني إلى اليمين الصهيوني، وما بينهما من خيارات لا تقل بشاعة عن وجه المستوطن الذي غزا الحي وقال للسيدة: “اذا لم أسرق منزلك سيأتي غيري ويسرقه”! هذه القصة المصورة لن ننساها، وسنعود ونبحث عنها بين أشلاء الجثث التي خلفها قصف غزة، ذاك أنها مبثوثة في كل أرجاء حكايتنا مع دولة الأبارتهايد.   

درج

—————————-

فورين بوليسي: الأحداث في غزة وداخل إسرائيل فاجأت بايدن وليس لديه الكثير ليقدمه للفلسطينيين/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لجيمس تروب، الزميل في مركز التعاون الدولي في نيويورك وكاتب العمود في المجلة، أشار فيه إلى ما يمكن وما لا يمكن لإدارة بايدن عمله للفلسطينيين.

وأضاف أن جوزيف بايدن ربما اراد المساعدة لكنه ليس مستعدا لدفع الثمن. وأضاف أن الإدارة في أشهرها الأولى بدأت بشكل بطيء بتحديد معالم سياستها الخارجية من إسرائيل وفلسطين. وكانت الوتيرة المحسوبة معبرة في حد ذاتها، ذلك أن الإدارة كانت تقوم بمواجهة الوباء والمشاكل الاقتصادية الناجمة عنه. وترك في هذا الموضوع كما في قضايا أخرى، دونالد ترامب الذي تخلى بفرح عن السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية لبايدن، هيكلا عظميا من المسؤولين العاملين في الشرق الأوسط والكثير من المشاكل التي تتكشف بالإضافة لعملية تقطيب واسعة.

ففي مذكرة نشرت في شباط/فبراير بعنوان “إعادة ترتيب العلاقة الأمريكية- الفلسطينية والطريق للأمام” اقترح فيها المسؤولون إعادة ضم “النسيج الرابط” الذي مزق في السنوات الماضية والتأكيد على حل الدولتين وإعادة الدعم للفلسطينيين. واعتقد المسؤولون أن لديهم الكثير من الوقت لململة ما تركه ترامب. وكانوا مخطئين، ذلك أن العنف اندلع مرة أخرى في المنطقة بطريقته المخيفة العادية والمرعبة الجديدة. وهذه المرة قام المستوطنون والحكومة الإسرائيلية بخلخلة الوضع القائم الهش من خلال التهديد بطرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية والهجوم على الفلسطينيين الذين تجمعوا في بوابة دمشق في القدس الشرقية المحتلة. ومن ثم على المصلين الذين تجمعوا للصلاة في المسجد الأقصى يوم الجمعة الأخيرة من رمضان. ورد الفلسطينيون بطريقتهم ثم بدأت حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وردت هذه بغارات جوية وإرسال قوات برية. ومن هنا اندلعت الحرب لأول مرة منذ عام 2014 بطريقتها الطقسية الغريبة وشكلها الذي عادة ما تتخذه في المنطقة.

وعليه، فقد فاجأت الحرب إدارة بايدن على حين غرة وردت بطريقة عفا عليها الزمن عبر التأكيد لإسرائيل عن دعمها الثابت لها والتعبير عن “القلق العظيم” من الطرد المستمر وتدمير البيوت في القدس الشرقية.

ومع أن المسؤولين يعملون الآن مع مصر والأردن ودول الخليج لإنهاء العنف، إلا أن الرسالة المضمنة كانت: ألا ترون أننا منشغلين ببناء البنية التحتية في البلاد؟.

وقال الكاتب إن هذا شكل يظهر في تعامل الإدارة كما كتب سابقا عن سياسة اللاجئين، مع الأزمات، فهي تفكر بعمق وبطريقة متنورة في كل شيء، ولكن ليس بطريقة تسمح لهذه الأزمات أن تقف كعقبة أمام ما تقوم به من أشياء مهمة. تماما كما واجهت أزمة الحدود المفاجئة والتي أدت لرد أولي عبر عن تراجعها عن تعهداتها الأولى ورفضت السماح للاجئين عبور الحدود. ولهذا كان رد فعلها على اندلاع الأعمال العدوانية في الشرق الأوسط هو التخلي عن تعهداتها بنتائج عادلة للفلسطينيين.

ولم تكن مصادفة أن تختار الإدارة في كلا الحالتين مواجهة الرياح المعاكسة بشجاعة. وفي حالة اللاجئين اكتشفت الإدارة خطأها وصححته.

وفي الوضع الجديد غزة.. انتفاضة.. حرب..عصيان، فمن الباكر معرفة كيف ستتصرف الإدارة.

ومن المؤكد ستنتهي الحرب كما انتهت الحروب الأخرى في غزة بعدما تسبب الطرفان بمعاناة كبيرة ضد بعضهما البعض- مع أن إسرائيل ستكون المتسبب بالمعاناة الكبرى على غزة- ثم يعلن كل طرف الانتصار وينتهي الأمر.

لكن هذا لن يغير النزاع في داخل إسرائيل الذي وضع ولأول مرة المواطنين اليهود ضد المواطنين العرب. وبالترافق مع التوترات المتزايدة في القدس الشرقية فإن العنف الشخصي داخل المدن الإسرائيلية زاد من تشدد الطرفين وفاقم حالة الإستقطاب. وبدأت موجة العنف الجديدة من خلال مسيرة للغوغاء المتطرفين اليهود الذي نظموا مسيرة داخل الأحياء العربية في القدس وهتفوا “الموت للعرب”. ولم يكن من المستحيل تخيل كيف قامت الدولة الإسرائيلية القومية بتحويل سكانها العرب إلى مواطنين من الدرجة الثانية، تماما كما فعل ناريندرا مودي مع المسلمين في الهند.

وانتقدت هيومان رايتش ووتش واتهمت القيادة الإسرائيلية بارتكاب جرائم فصل عنصري (ابارتيد) في المناطق المحتلة. وفي استطلاع جرى في شباط/فبراير وصفت فيه غالبية الباحثين الأمريكيين في الشرق الأوسط الوضع الحالي في الضفة الغربية وغزة بأنه تعبير عن واقع الدولة الواحدة الشبيه بالابارتيد، وهو الوضع الراهن. فالعرب في داخل إسرائيل يعيشون حياة أفضل من الذين يعيشون بالمناطق المحتلة، ولكنهم فقدوا الصبر في وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

ومن هنا، فما يجب أن يقدمه الخارج بعد نهاية العنف أصبح ملحا جدا. وفي هذا الإطار فالطقوس التي مورست في الماضي كانت تقوم على دعوة المسؤولين الأمريكيين للهدوء حتى يسمح باستئناف ما يطلق عليها العملية السلمية ثم يتبع ذلك لقاءات عبثية.

فقد قضت إسرائيل عقودا وهي تقيم “حقائق على الأرض” وعلى شكل مستوطنات، جدران، وبنى تحتية حيوية بشكل يجعل من حل الدولتين أمرا مستحيلا من الناحية السياسية واللوجيستية. وعلى أية حال لم يكن نتنياهو أو رئيس السلطة الوطنية محمود عباس مستعدان لتقديم التنازلات المؤلمة لتحقيق حل الدولتين. ولكن المحلل الإقليمي ناثان ثرول اقترح في بحث رائد عام 2014 أن “فرصة النجاح الجيدة لم تكن أبدا شرطا” للعملية السلمية. وأن المفاوضات “تقدم مكافأتها الخاصة بعيدا عن الأغراض الظاهرة”.

وواحد من المكافآت هو تخفيض مستوى العنف بشكل يسمح بالإصلاحات من أجل تحسين حياة الفلسطينيين. ويرى تروب أن مهزلة عملية السلام انتهت بترامب الذي وعد بحل لا يمكن إلغاؤه لينتهي بالدعوة إلى صيغة أخرجت الدولة الفلسطينية بل وإنهاء الدور التفاوضي للفلسطينيين. وكان ترامب أول رئيس أمريكي يتخلى عن حل الدولتين. ومع أن بايدن اقترح في حملته الانتخابية انه قد يتقبل المحتوم إلا أنه سيفعل هذا من أجل تحسين حياة الفلسطينيين وليس تهميشهم. ورغم تبنيه حل الدولتين وكذا مذكرة السياسة لوزارة الخارجية إلا أنه كان داعما متحمسا لإسرائيل وعلى مدى العقود الماضية. وراقب بايدن، كنائب للرئيس فشل وزيري خارجية وهما هيلاري كلينتون وجون كيري في عملية السلام في الشرق الأوسط. وهو لا يريد ان يتحول لشهيد في عملية فاشلة أخرى. والكلام في البيت الأبيض “لا نسعى هنا من أجل جائزة نوبل للسلام”. والتزامك بحل الدولتين والتعهد بتحسين ظروف حياة الفلسطينيين هي استراتيجية يمكن الدفاع عنها، ولكن كيف؟.

فقد تعهدت إدارة بايدن بدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) وتأمل بإعادة فتح بعثة منظمة التحرير في واشنطن والقنصلية الأمريكية في القدس، وكلاهما أغلقتا في عهد ترامب، والإدارة بحاجة أولا لمصادقة الكونغرس ثم موافقة إسرائيل. واقترحت مذكرة الخارجية الأمريكية افتتاح قنصلية في الأراضي الفلسطينية. وهي اجراءات جديرة بالاهتمام لكنها تظل متواضعة.

واقترح الخبير في معهد التقدم الأمريكي بريان كاتوليس التركيز على التنمية الإقتصادية والضغط على إسرائيل لتوفير مزيد من الكهرباء والمياه للضفة الغربية وغزة وعرض فتح مصالح تجارية في مستوطنات الضفة يمكن أن تسهم في نمو التجارة. وقال كاتوليس إن الدول العربية التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم وتعهد بالتعاون والحوار مع إسرائيل- الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان “وقفت متفرجة بشكل كبير” ولكنها بدعم أمريكي قد تصبح مصدرا للدعم التقني والإقتصادي للفلسطينيين. ولن يحل هذا مشكلة الفصل العنصري، وأي محاولة لمعالجتها ستضع بايدن في صدام مع الكونغرس الذي يتمتع فيه نتنياهو بدعم أكبر من إسرائيل. وناقش المفاوض السابق دانيال ليفي، مدير مشروع الشرق الأوسط، في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” أن الفلسطينيين لن تكون لديهم حكومة شرعية إلا عندما يوافق عباس بالعمل مع غريمته حماس. وكان عباس قد أعلن عن انتخابات أجلها بسبب رفض إسرائيل السماح لفلسطينيي القدس المشاركة فيها.

ويعلق تروب إن ليفي محق تماما حول ضرورة إدخال حماس إلى خيمة الحكم. وحتى لو وافق- وقد لا يوافق- فإن ترحيبه بهذا الإتحاد سيخرق قاعدته القاعدة التي تتجنب الشهادة، فهو قد يستطيع العيش بدون نتنياهو لكنه لا يستطيع العيش بدون تشاك تشومر. ومهما قرر بايدن عمله “بذل جهد” أو “لا تهتم” فإنه لا يستطيع تجنب التعاون مع دول اتفاقيات إبراهيم ومصر والأردن وربما قطر التي تتمتع كل منها بدرجة من التأثير على إسرائيل والفلسطينيين. ومن بين أهدافه يجب التركيز على رفع الحصار المر عن غزة وفتح خطوط الحركة داخل الضفة الغربية وإنهاء عمليات الهدم وتقوية الحكم الذاتي الفلسطيني ومعالجة مظالم العرب في إسرائيل وقمع عنف الجماعات المتطرفة التي يشترك بعضها في حكومة نتنياهو. ومن الصعب تحقيق أي من هذه الأهداف في الظروف العادية وخلال فترة الإستقرار أثناء ترامب، وهي تبدو مستحيلة بعد الصواريخ على المدن الإسرائيلية والعنف في المدن. وسيكون ميل عارم للقول “ليس هذا ما كنا نفكر به من سياسة خارجية للطبقة المتوسطة” ولكن كما تعلم الرئيس السابق باراك أوباما مستاء أن التخلي عن الشرق الأوسط ليس خيارا، فالتوتر بين القومية اليهودية المتصاعدة والعرب القلقين في داخل البلاد والمناطق لم يعد مستداما. وقد يقرر بايدن استخدام بعض رأسماله السياسي الذي يقوم بتجميعه في بعض الأماكن التي يرغب بإنفاقه فيها.

القدس العربي

—————————–

مثقّفو مصر: بيانٌ مفتوح مع فلسطين

وقّع عددٌ مِن المثقّفين والكتّاب والفنّانين والصحافيّين المصريّين على بيان مفتوح لمناصرة الشعب الفلسطيني والتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية.

وجاء في البيان: “في 15 مايو/أيار، ذكرى نكبة فلسطين، يُعرب المثقَّفون والأدباء والفنّانون والكتّاب والصحفيون المصريون الموقِّعون أدناه عن تضامنهم الكامل مع الانتفاضة الفلسطينية البطلة في القدس وغزة وداخل الأراضي المحتلّة وفي الضفّة الغربية، ومع المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني الذي يقف وحده يتحدّى بصدره العاري وعزيمته وكفوف أطفاله كل غطرسة الاحتلال الاستيطاني وجنوده المرتزقة الذين أطلقوا عليهم لقب شعب، وتلك الثكنة العسكرية التي أطلقوا عليها لقب دولة”.

وأعرب الموقّعون عن إيمانهم بأنه إذا كانت قضية فلسطين هي قضية الشعب الفلسطيني في المقام الأول، فإنها بالقدر نفسه قضية مصر والشعوب العربية، ذلك أنّ “الكيان الصهيوني، وليس غيره، هو الذي قتل أطفالنا في بحر البقر وعمّالنا في أبي زعبل، ووحده الذي شنّ على مصر الحروب، وشارك في تدمير العراق واغتيال علمائه، واحتلّ جنوب لبنان، وأغار بلا انقطاع ومازال على سوريا، ووقف خلف تقسيم السودان، وهو الذي يقف الآن وراء إثيوبيا متربّصاً بالنيل بهدف تعطيش الشعب المصري وتركيعه ليقبل بوصول مياه النيل إلى الثكنة العسكرية الصهيونية”.

وأضاف البيان: “لقد كانت إسرائيل، منذ إنشائها إلى اليوم، قاعدةً عسكرية لخدمة الاستعمار وتحقيق أهدافه في الهيمنة ونهب ثروات شعوبنا العربية ووقف عجلة التنمية والتطوُّر، ولا تنطلي على أحد كذبة الأمر الواقع الذي استمر لأكثر من سبعين عاماً. وبهذا الصدد، فإننا نُذكِّر بأنّ الاستعمار الفرنسي جثم على قلب الجزائر لأكثر من مئة وثلاثين عاماً، ثم أجبرته المقاومة على الرحيل ذليلاً”.

ودعا الموقّعون على البيان إلى التضامن بالأعمال الفنية، والقصائد، والصور، والكلمات، والأغاني وكل ما يمكن من أدوات، خاصة مع احتشاد الضمير العالمي إلى جانب فلسطين وحركة المظاهرات في برلين وكوبنهاغن وغيرهما تأييداً للحق الفلسطيني.

وكان القاص المصري والكاتب الصحافي أحمد الخميسي، هو أول الموقعين على البيان، والذي خصّص صفحته على موقع فيسبوك لجمع التوقيعات عليه.

العربي الجديد

———————

فرنسا تمنع تظاهرة مؤيدة لفلسطين.. هل يمكن أن تمنع مسيرة تدعم إسرائيل؟/ حفصة علمي – باريس

بطلب من وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أصدرت محافظة شرطة باريس يوم الخميس قرارا بحظر المظاهرة المؤيدة للشعب الفلسطيني التي كانت مقررة ظهر اليوم في باريس بزعم “مخاطر الإخلال بالأمن العام”، وهو قرار ندد به المنظمون وحزب “فرنسا المتمردة” اليساري.

وبرر دارمانان عبر حسابه على تويتر طلبه منع التظاهرات بأنه يأتي تجنبا لتكرار سيناريو الاضطرابات وأعمال الشغب التي وقعت في عام 2014 في العاصمة الفرنسية، وقد امتثلت محافظة شرطة باريس للتعليمات بحظر التظاهرة التي كانت مقرر اليوم بين منطقة “باربيس” في الدائرة 18 وساحة “باستيل”.

وسبق هذا القرار، منع مظاهرة يوم الأربعاء الماضي في ساحة “أنفاليد” في باريس قبل 3 ساعات من انطلاقها، مع أن المنظمين حصلوا على موافقة من مديرية الشرطة تسمح لهم بالتظاهر، كما قامت الشرطة باعتقال منظمها برتراند هايلبرون، رئيس جمعية التضامن الفرنسي مع فلسطين، وحجزه تحت المراقبة لعدة ساعات.

    Le canon à eau est utilisé à #Barbes à l’encontre des manifestants. #Palestine pic.twitter.com/VaTph2fd4W

    — Remy Buisine (@RemyBuisine) May 15, 2021

وفي تعليقه على ما حدث، قال هايلبرون إنهم توجهوا إلى وزارة الشؤون الخارجية لمناقشة موضوع الرفض، وعند انتهاء الاجتماع فوجئ بوجود ثلاثة من رجال الشرطة أمام مدخل الوزارة يخبرونه أنه رهن الاعتقال.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت إن قرار الوزارة يدفع باتجاه مواجهة مجتمعية في فرنسا، وهو ما لا نريده بالتأكيد، فقد جرت مظاهرات في مدينتي غرونوبل وبوردو هذا الأسبوع ومرت في جو سلمي.

الذرائع التي استخدمتها الحكومة الفرنسية لم تقنع المنظمات القائمة على الفعاليات (الأناضول)

ذريعة خاطئة

ومثل غيرها في دول العالم، سعت الجمعيات الفرنسية لتنظيم فعاليات منددة بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة وفي القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، لكن السلطات هناك ترفض الموافقة عليها حتى الآن.

وفي تعليقها على هذه القرارات، استنكرت رئيسة منظمة العفو الدولية في باريس سيسيل كودريو حظر الاحتجاجات بشدة، وقالت إن قرار السلطات غير مشروع بموجب القانون الدولي، خاصة عندما تستخدَم ذريعة خاطئة.

وأضافت في حديثها للجزيرة نت “لقد لاحظنا تناقضا في اتخاذ الأزمة الصحية ذريعة للمنع، لأنه جرت مؤخرا مظاهرات حول المناخ ولم يتم منعها. إن قرار الحظر هو قرار تعسفي وغير متسق مع القرارات التي اتخذت سابقا”.

وتابعت كودريو إنه من واجب وزير الداخلية الحفاظ على الأمن بالطبع، ولكن أيضا ضمان الحق في التظاهر، “فليس من واجبه تقييد حرية التعبير والتجمع في الشوارع، لقد قطعت فرنسا تعهدات دولية، ومرة أخرى لا تحترمها”.

ومن جهتها، تساءلت جمعية “أورو ـ فلسطين” عن موقف فرنسا الذي يسمى ببلد “حقوق الإنسان” الرافض للتظاهر، في الوقت الذي تجري فيه مظاهرات تضامنية ضخمة مع فلسطين والقدس وغزة في جميع أنحاء العالم.

استفزاز الديمقراطية

كما ردّ سياسيون ونقابيون بقوة على هذا الحظر، بما في ذلك زعيم حزب “فرنسا المتمردة” جان لوك ميلينشون الذي كتب على تويتر “فرنسا الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر فيها جميع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، ومن الواضح أن الغرض الوحيد هو إثارة الحوادث واستفزاز الديمقراطية ووصم هذه القضية”.

ويقول رئيس جمعية التضامن الفرنسي مع فلسطين للجزيرة نت، “علينا الاستمرار في هذه المعركة الداخلية في فرنسا”، فهي معركة من أجل الرأي الفرنسي، وحرية التعبير والحقوق الديمقراطية، “التي يجب أن نكسبها من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني”.

أجندات سياسية

لطالما كان دعم القضية الفلسطينية مسألة حساسة في فرنسا، خاصة فيما يتعلق بدور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ففي الوقت الذي يراها مؤيدو القضية حركة مقاومة مشروعة، تصفها الحكومة الفرنسية بأنها “إرهابية”.

ويقول ناصر زهير، الكاتب السياسي ومستشار في العلاقات الدولية في باريس، إن فرنسا كانت متعاطفة مع القضية الفلسطينية، ولكن هذا الموقف تبعثر في ظل حكومة إيمانويل ماكرون، كما تبعثرت أوراق كثيرة في سياسة فرنسا الخارجية.

وأضاف في حديث للجزيرة نت، لقد أصبح خطاب الحكومة يتماشى للأسف مع اليمين المتطرف أو يحاول ربما كسب أصواتهم، “إن موقف فرنسا ضبابي اليوم، وغير ضاغط على إسرائيل”.

ويرى هايلبرون أن هناك “مجموعات فاشية” تؤثر على الحكومة الفرنسية، وتحاول إسكات أصوات التضامن مع فلسطين وتهدد بمهاجمة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.

ويشير إلى أنه في يوم الخميس الماضي، تعرض ناشط للضرب في منطقة كليرمون فيران لأنه كان يرتدي قميصا فلسطينيا.

ويقول إنه من الواضح وجود ضغوط وراء قرار دارمانان من الجماعات المساندة بشدة لإسرائيل، والتي تمتلك سلطة ونفوذا في وزارة الداخلية والعدل والنواب، ولذا سيكون من المثير للاهتمام مراقبة ما إذا كانت الحكومة ستحظر أيضا احتجاجا مؤيدا لإسرائيل إذا اقترح ذلك لاحقا.

    Avant plusieurs charges, l’ordre de « vous me dégagez tout ces connards » à Barbes. #Barbes #Palestine pic.twitter.com/9pSXfugOxg

    — Remy Buisine (@RemyBuisine) May 15, 2021

تحذيرات ومخاوف

وعلى الرغم من قررا المنع، فقد دعت المنظمات المتظاهرين للاحتجاج، وهو ما قد يعرضهم إلى دفع غرامة قدرها 135 يورو للفرد.

وتخشى السلطات الفرنسية “الانزلاق والإخلال بالنظام العام”، ويتمنى هايلبرون ألا تستفز عناصر الشرطة المتظاهرين، مؤكدا أن “من واجبهم حمايتنا، إنه دورهم ومسؤوليتهم”.

كما جددت رئيسة منظمة العفو الدولية مطالبتها للسلطات بالسماح بالتضامن مع المواطنين الفلسطينيين، لكنها أعربت أيضا عن تخوفها من احتجاجات اليوم لأنها قد تؤدي إلى تصعيد واشتباكات مع الشرطة، وهو أمر غير مرغوب فيه حاليا.

المصدر : الجزيرة

———————————

بيرني ساندرز: حياة الفلسطينيين مهمة أيضا وصواريخ حماس لم تشعل الأزمة.. وأحد محامي ترامب: “يهودي يكره نفسه

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) – دعا المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأمريكية والسيناتور عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، الى ضرورة وقوف أمريكا مع “حقوق الفلسطينيين” وحياتهم مثلما تدعم حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، مشيرا إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو اتبعت سياسات “عنصرية” ضد الفلسطينيين على مدار السنوات الماضية.

وقال ساندرز في مقال الرأي الذي نشره في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الجمعة، والذي أثار جدلا واسعا، إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها” يرددها الساساة الديموقراطيون والجمهوريون على حد سواء كلما تعرضت إسرائيل لهجوم صاروخي من قطاع غزة، ورغم تأكيده على هذا الحق للحكومة الإسرائيلية تساءل السيناتور الأمريكي: “لكن ماذا عن حقوق الفلسطينيين؟”.

محتوى إعلاني

ودعا ساندرز الإدارة الأمريكية إلى فرض “وقف إطلاق نار فوري” بين الإسرائليين والفلسطينيين ولفت إلى أنه ورغم أن إطلاق حركة حماس الصواريخ نحو إسرائيل أمر غير مقبول إلا أن هذه الصواريخ لم تكن الشعلة الحقيقية للأزمة، مؤكدا أن السبب الحقيقي هو محاولة “إخلاء” سكان حي الشيخ جراح والذي يمثل ثمرة استراتيجية صممت من أجل تهجير سكان هذا الحي منذ سنوات.

ورأى السيناتور الأمريكي أن “إخلاء” حي الشيخ جراح من سكانه “جزء من نظام أوسع يتسم بالاضطهاد السياسي والاقتصادي”،على حد قوله ، منتقدا التغلغل الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية والحصار المفروض على سكان غزة، ومشيرا إلى أن لدى 70% من سكان غزة الشباب أمل ضئيل بالحياة.

ولام ساندرز حكومة نتنياهو على “تحجيم وشيطنة” الفلسطينيين في إسرائيل عبر اتباع سياسات استيطانية لتقويض حل الدولتين وتمرير قوانين تغذي الغياب الممنهج للمساواة بين الفلسطينيين واليهود في إٍسرائيل، حسب قوله.

وفي الوقت نفسه، أكد السيناتور الأمريكي أن كل تلك الممارسات لا تبرر الهجوم الصاروخي لحماس التي استغلت التوتر في القدس وفشل السلطة الفلسطينية، التي وصفها بـ”الفاسدة”، بإجراء الانتخابات التي طال انتظارها، لكن رغم ذلك تبقى إسرائيل الدولة ذات السيادة على تلك الأرض و”بدلا من التمهيد للسلام والعدالة، سعت لترسيخ سيطرتها غير العادلة وغير الديموقراطية”، حسب قوله.

وجدد ساندرز اتهامه لنتنياهو مشيرا إلى أنه وحزبه اليميني غرسا “وطنية عنصرية” متنامية في ظل محاولته البقاء في السلطة رغم اتهامه بقضايا تتعلق بالفساد.

وأضاف قائلا: “إنه لمن الصادم والمحزن بمكان أن الغوغائيين الذين يهاجمون الفلسطينيين في شوارع القدس لديهم تمثيل في الكنيست”، وذلك في إشارة إلى إشراك رئيس الوزراء الإسرائيلي للسياسي اليميني المتطرف إيتمار بن جبير وحزبه في الحكومة، وفقا للسيناتور الأمريكي.

وشدد ساندرز على أن الحركات المتطرفة لا تقتصر على إسرائيل لكنها منتشرة في آسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، لكن كان لها صديق في البيت الأبيض على مدار الأعوام الأربعة الماضية، في إشارة إلى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لكنه أشار إلى أن بمقابل تلك الحركات هناك جيل يسعى لبناء مجمتعات على أسس الاحتياجات الإنسانية والعدالة السياسية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وغيرها من مناطق العالم.

ورأى السيناتور الأمريكي أن لدى إدارة جو بايدن الفرصة لتبني مقاربة عادلة وديمقراطية للأحداث التي يشهدها العالم، وأكد أنه من غير المقبول أن تتسامح واشنطن مع سياسات حكومة نتنياهو مشددا على ضرورة تبني أمريكا سياسة اكثر عدلا بين طرفي النزاع.

وأوضح ساندرز أن لا بد لهذه المقاربة أن تؤمن بحق الإسرائيليين والفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم على حد سواء ، وأشار إلى أن لدى واشنطن دور مهم في مساعدة الطرفين على بناء مستقبليهما، وأكد أن على أمريكا أن “تعلي معايير حقوق الإنسان دائما” حتى عندما يكون الأمر صعبا على الصعيد السياسي وختم مقاله بالقول: “حقوق الفلسطنييين مهمة، وحياة الفلسطينيين مهمة”، حسب قوله.

وتعرض السيناتور الأمريكي لانتقادات بسبب هذا المقال، إذ وصفه أحد محامي فريق الدفاع الخاص بترامب، ألان دير شوفيتز، بـ”اليهودي الذي يكره نفسه” وأنه “يريد أن يرى إسرائيل مهزومة عسكريا أمام مجموعة إرهابية”، حسب قوله.

وأضاف دير شوفيتز قائلا إن الصحيفة الأمريكية (نيويورك تايمز) ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشجع حماس على مواصلة قصف إسرائيل، ووصف ساندرز بأنه “يهودي معاد للسامية”، حسب تعبيره.

يذكر أن الأزمة بين حماس وإسرائيل كانت قد اشتعلت مطلع الأسبوع الماضي بعد أن بدأت الفصائل الفلسطينية بقصف مدن إسرائيلية بهجوم صاروخي ردا على أحداث القدس، لترد إسرائيل بشن عملية عسكرية سمتها “حارس الأسوار”، إذ أودى القصف الصاروخي الفلسطيني بحياة عدد من المواطنين الإسرائيليين في حين قُتل بالقصف الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين.

—————————

الفارق بين القدس وغزة

اجتمعت الاستهانة بالحقوق الوطنية للفلسطينيين (تهجير عائلات من حي الشيخ جراح في القدس) التي تثابر عليها إسرائيل، مع المساس بحق حرية المعتقد عبر منع أداء شعائر دينية في الأماكن المقدسة، لتفجر انتفاضة القدس.

وسرعان ما انطلقت الصواريخ من غزة باتجاه المناطق الإسرائيلية ومنها تل أبيب، بدعوى المؤازرة، الأمر الذي ردت عليه الحكومة الإسرائيلية بعمليات قصف كثيف دمر الكثير من البنى التحتية وراح ضحيته حتى الآن 119 شهيداً بينهم 31 طفلاً، مقابل سقوط سبعة إسرائيليين بينهم طفلان.

نحن أمام حدثان مترابطان لا شك، ولكن بينهما فارق مهم ينبغي الانتباه إليه. هناك فارق بين ما يحدث في القدس وما يحدث في غزة، ولا يمكن للتصريحات المُقدمة بأن التحرك الغزاوي جاء لنصرة فلسطينيي القدس، أن تحجب هذا الفارق.

ما يحدث في القدس هو مقاومة شعبية سلمية لاحتلال استيطاني يقضم أرضهم وحقوقهم بثبات. مقاومة شعبية وسائلها التظاهر والاعتصام والحجارة … الخ، وقد أضاف الفلسطينيون هذه المرة “الابتسامة” إلى وسائل المقاومة، بعد أن أصبحت الصورة فاعل أساسي في الصراعات.

المقاومة الشعبية السلمية تضع إسرائيل في مأزق، ذلك لأن هذا النوع من المقاومة يفجر التناقض العميق الكامن في تكوين الدولة الإسرائيلية، بين كونها دولة استيطان واعتداء على الحقوق وكونها دولة ديموقراطية.

المقاومة الشعبية تُبرز ما تحرص إسرائيل على إخفائه، وما يحرص العالم الديموقراطي على عدم رؤيته، وهو أن الديموقراطية الإسرائيلية ليست سوى غلاف لإنكار حقوق الآخرين وسلب أرضهم.

أما في غزة فتوجد سلطة إسلامية دخلت على انتفاضة القدس عبر القصف الصاروخي الذي أصبح مركز ثقل الحدث، وأعطى الحكومة اليمينية الإسرائيلية فرصة الخروج من مأزقها في القدس عبر التركيز على غزة. بهذا التحول ترسل الحكومة الإسرائيلية إلى الإسرائيليين رسالة تقول إنها لا تتساهل مع أمن مواطنيها، وترسل للعالم رسالة تقول إنها ترد على اعتداء. هكذا خرجت الدول الغربية بتصريحات مؤيدة لإسرائيل، في الوقت الذي كان الرأي العام الغربي متضامناً بصورة واضحة مع انتفاضة القدس.

ليس من شأن القصف الصاروخي الغزاوي إلا أن إدراج قضية القدس في أجندة السلطة في غزة، وليس في هذا خدمة للقضية المقدسية، حتى لو كان في هذا القصف ما يشفي غليل البعض.

موقع نواة

——————————–

الفلسطينيون من الهبّة الشعبية إلى الهبّة الصاروخية ثم إلى أين؟/ ماجد كيالي

هل ستؤدي هذه الحرب إلى خلق معادلات جديدة لصالح الفلسطينيين ورفع الحصار عن غزة ويتمكن الفلسطينيون هذه المرة من استثمار تضحياتهم وبطولاتهم أم لن يسمح لهم بذلك كما في المرات السابقة؟

من سيدقع ثمن تصعيد حماس؟

طوال تاريخ كفاحهم الطويل والمضني والصعب سلك الفلسطينيون كل الطرق من أجل فرض ذاتهم، واستعادة حقوقهم كشعب، ويأتي ضمن ذلك الانتفاضات والهبّات الشعبية، والكفاح المسلح، على طريقة حرب العصابات والقواعد الثابتة (كما في تجربة الخارج)، وصولا إلى خطف الطائرات، والعمليات التفجيرية (بخاصة كما حصل إبان الانتفاضة الثانية 2000 ـ 2004)، ومن ثم الحرب الصاروخية، التي تم اعتمادها بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة (2005)، وهيمنة حماس عليه منذ العام 2007، على ما نشهد هذه الأيام.

وطوال عقود أثبت الفلسطينيون أن روح الكفاح ساكنة في قلوبهم، وأبدوا دوما استعدادهم العالي للتضحية، لكن مشكلتهم ظلت تكمن في افتقادهم لاستراتيجية كفاحية، أو عسكرية، واضحة، وملائمة، وفي افتقادهم لإدارة ناجحة لمواردهم وطاقاتهم البشرية، كما افتقادهم للمعطيات العربية والدولية المواتية، التي تمكّنهم من استثمار تضحياتهم وبطولاتهم، يفاقم من ذلك، طبعا، سيادة العفوية والتجريبية في خوضهم أشكالهم الكفاحية، وتخبطهم في خياراتهم السياسية، إذ أن كل خيار يفترض أدوات أو طرق نضالية معينة.

هكذا، فبعد انتهاء تجربة الكفاح المسلح من الخارج، وتحول ثقل العمل الوطني الفلسطيني إلى الداخل (بعد غزو لبنان 1982)، باتت ثمة أشكال معينة يحاول فيها الفلسطينيون التعبير عن ذاتهم، وعن إصرارهم على رفع ثمن الاحتلال، واستعادة حقوقهم، يمكن ملاحظتها، أولا، في الانتفاضات والهبّات الشعبية، إلا أن هذا الشكل بات ضعيفا، فبعد الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004)، التي غلب عليها طابع العمليات التفجيرية، خفّفت إسرائيل كثيرا من نطاق احتكاكها بالفلسطينيين، عبر بناء الجدار الفاصل، وإنشاء طرق خاصة (الأنفاق والجسور) لعزل الفلسطينيين عن الإسرائيليين المستوطنين. ولعل هذا الفصل، الذي جاء تحت شعار “نحن هنا وهم هناك”، يفسر تكرار هذا الشكل الكفاحي في القدس، فقط، على ما جرى بخاصة في الأعوام 2015 و2017 و2018، وعلى نحو ما شهدنا في هبّة القدس مؤخرا، بحكم وضعية القدس الخاصة وبحكم الاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين في تلك المدينة، مع مكانتها التاريخية، والرمزية، والدينية، والوطنية.

ثانيا، بعد انسحاب إسرائيل من غزة، وهيمنة حركة حماس عليها كسلطة، اشتغلت تلك الحركة على مراكمة أسباب القوة الخاصة بها، رغم الحصار الإسرائيلي، بحيث توفر لها قوة صاروخية منظمة، ومؤثرة (كما تبين في المواجهات الدائرة مؤخرا)، وهو السلاح الذي باتت تستخدمه لفرض مكانتها، وتعزيز دورها، إزاء إسرائيل، وإزاء السلطة في رام الله. ثالثا، ثمة شكل جديد/قديم تمثل في العمليات الفردية، من خلال الهجمات بالسكاكين (كما حدث في هبّة 2015)، أو الدهس بالسيارات، أو إطلاق الرصاص، وهي عمليات تأتي كردة فعل فردية، وكرفض طبيعي للاحتلال والظلم وانتهاك الكرامة والمقدسات، لكنه يعبّر، أيضا، عن الفراغ القيادي الحاصل، كما يعبّر عن ضمور الفصائل الفلسطينية.

ضمن ما سبق تمكن قراءة هبّة القدس الشعبية المجيدة، والتحول نحو إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، الأمر الذي أخذ الوضع إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، كشفت عن استعداد كبير من حركة حماس لهكذا لحظة، وهو ما تبين من انتظام الضربات الصاروخية التي وجّهتها إلى مختلف المدن الإسرائيلية، وعلى مدار عدة أيام، طبعا مع ملاحظة أنه لا يوجد أيّ تناسب بين حجم القصف الصاروخي وقوته وتأثيره من قبل حماس في غزة، في مقابل القصف الصاروخي الإسرائيلي إذ الأخير أقوى وأكثر تدميرا بما لا يقاس.

هكذا أضحت غزة في مواجهة حرب رابعة، تضاف إلى سلسلة الحروب الوحشية والمدمرة التي كانت تعرضت لها منذ سيطرة حركة حماس عليها (2007)، الأولى، بين الـ27 من ديسمبر 2008 والـ19 من يناير 2009، واستمرت 23 يوما، وذهب ضحيتها أكثر من 1436 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 5400 آخرين، مقابل مصرع 13 إسرائيليا بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين. والثانية، بين الـ14 من نوفمبر والـ21 من نوفمبر 2012، وقد استمرت ثمانية أيام، وذهب ضحيتها 155 من الفلسطينيين والمئات من الجرحى مقابل ثلاثة إسرائيليين. أما في الحرب الثالثة، التي استمرت 50 يوما، بين الـ8 من يوليو والـ29 من أغسطس 2018، فقد ذهب ضحيتها 2174 من الفلسطينيين مقابل مقتل 70 إسرائيليا منهم 64 جنديا. في المحصلة ثمة أكثر من أربعة آلاف شهيد من الفلسطينيين، وعشرات الألوف من الجرحى والمعاقين، ناهيك عن دمار هائل لبيوت وممتلكات، مقابل مصرع 86 إسرائيليا، في ستة أعوام (2008 ـ 2014).

في السياق، أي في تذكر تلك الحروب والمواجهات الساخنة، يمكن الحديث، أيضا، عن تجربة الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004)، التي شكلت أعلى ذروة في صراع الفلسطينيين ضد إسرائيل، وقد نجم عنها مصرع 1060 إسرائيليا في أربعة أعوام، مقابل 5000 من الفلسطينيين من ضحايا تلك المرحلة.

الآن، وعلى اعتبار أن الحرب مازالت دائرة، ويصعب التكهن بتطوّراتها ونتائجها وتداعياتها، فإن ذلك لا يمنع من طرح بعض الأسئلة، أو الملاحظات، وأولها، ما تأثير الانتقال من الهبّة الشعبية إلى الصراع المسلح، لاسيما على شكل صواريخ مقابل صواريخ، على الحركة الوطنية الفلسطينية؟ وثانيها، هل إن ذلك التحول سيضعف من تفاعل فلسطينيي 48، والذي هو أحد أهم ثمار هبّة القدس، وأحد أهم تطورات الكفاح الفلسطيني منذ عقود، بانتقالهم من هامش العملية الوطنية الفلسطينية، على اعتبار خصوصيتهم كمواطنين في دولة إسرائيل، إلى قلب العملية الوطنية الفلسطينية، بدلالة انتمائهم لشعبهم، وفي تأكيد على وحدانية الشعب والقضية والأرض والرواية التاريخية، أم أنه سيضعف ذلك المسار؟ وثالثها، هل ستؤدي هذه الحرب إلى خلق معادلات جديدة لصالح الفلسطينيين، ولاسيما لصالح رفع الحصار عن مليوني فلسطيني في غزة، أي هل سيتمكن الفلسطينيون هذه المرة من استثمار تضحياتهم وبطولاتهم، أم لن يسمح لهم بذلك كما في المرات السابقة؟ ورابعها، ما تأثير ذلك على إسرائيل، هل ستعزز التيارات العنصرية والمتطرفة أم بالعكس؟ وخامسها، ما أثر هذه الحرب على واقع الحركة الوطنية الفلسطينية، والنظام السياسي الفلسطيني، لاسيما على مكانة كل من الحركتين الرئيستين/السلطتين (فتح وحماس).

أما من جهة القيادة الفلسطينية الرسمية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، فعلى الأرجح خسرت كثيرا من مكانتها وصورتها إزاء شعبها، مقارنة بحماس، أولا، بتهرّبها من الانتخابات. وثانيا، بتملصها من مسألة الوحدة. وثالثا، لضعف موقفها في هبّة القدس. ورابعا، بمبادرة “حماس” مصارعة إسرائيل. وخامسا، بخسارتها وحدة فتح، وخسارة أبومازن لمكانته الرمزية كمرجعية وكقيادة لفتح وللفلسطينيين.

العرب

—————————

بيان تضامني: هبة القدس صوت شعوب مازالت تقاوم

رابطة الكتاب السوريين

تتابع رابطة الكتاب السوريين بغضب عارم هجمة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أحياء القدس المحتلة، ضمن سياسة التهويد التي تتبعها الأخيرة منذ احتلالها للمدينة العربية عام 1967.

إن ما جرى في الأيام الماضية من محاولات لتهجير سكان حي الشيخ جراح، جزء من مخطط معلن لتغيير الوضع الديموغرافي للمدينة المقدسة، يعرف الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية والإسلامية أن قوات الاحتلال تحاول التعجيل فيه، في ظل الوضع العام المتردي، فلسطينياً وعربياً، حيث تغيب مصالح الشعوب عن سياسات الحكومات والأنظمة، وتحل محلها سياسات الاستحواذ على المقدرات، وإفقار الجماهير، وقمع قواها الحية، والمضي في طحن الثائرين ضد التسلط.

غير أن ما لا تدركه قوى الاحتلال، والأنظمة التي تدعم سيطرته عبر قمع الحريات ومنع الشعوب من امتلاك زمام أمرها، أن شرارة حي الشيخ جراح، في القدس، التي أشعلت الهبة الشعبية في فلسطين، والمظاهرات الداعمة لها حول العالم، إنما هي صوت لكل الشعوب الحية التي ما زالت تقاوم.

إن رابطة الكتاب السوريين كإطار يعبر عن المثقفين، الذين أرادوا أن ينقلوا للعالم من خلال الأدب والفن والفكر مأساة الشعب السوري، بعد أن قتلت الدكتاتورية مئات الألوف من أبنائه، لمطالبته السلمية بالحرية، وشردت الملايين، في انتهاك تام لقواعد القانون الدولي.

تقف بكل مبدئية ضد الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وسياساتها الإرهابية، التي تنفذها تحت بصر العالم وسمعه، بلا مبالاة بمبادئ الإنسانية والقانون الدولي.

وإذ تحيي الشباب الثائر المتضامن في شوارع القدس وكل المدن الفلسطينية والعربية والعالمية، فإنها تدعو الكتاب والمثقفين السوريين والعرب وكافة القوميات، إلى تجسيد دعمهم لقضية الشعب الفلسطيني، عبر الكتابة وكافة أدوات التعبير الممكنة.

المجد للثائرين في شوارع القدس العربية، يحمون هويتها، ويذودون عن مقدساتها.

والحرية لفلسطين وسوريا، وكل الشعوب المقهورة والمضطهدة.

———————

التوظيف الإيراني والإسرائيلي لأحداث غزة والقدس/ هدى رؤوف

لا يمر يوم إلا وتثبت فيه تفاعلات منطقة الشرق الأوسط أن استقراره الأمني يعتمد على الفاعلين به جميعاً، وأن ما يحدث من تطورات في إحدى الدول تمتد تداعياتها إلى الدول الأخرى، كما يثبت كيفية توظيف تلك الدول للعديد من الأحداث بما يخدم مصالحها. ويأتي التصعيد الجاري حالياً في غزة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على وقع أحداث القدس منذ أيام ليثبت الفرضيتين السابقتين.

وعلى الرغم من التصعيد العسكري في غزة ومحاولات الوساطة من الجانب المصري للتهدئة، فإن التوتر يجرى توظيفه حالياً من جانب بعض القوى الإقليمية للتأثير في ملفات أخرى، فإسرائيل وإيران يحاولان الاستفادة من أحداث غزة والقدس، للتأثير في الملف النووي الإيراني والمحادثات المحتملة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

فمن جهة إيران، لم تتوان عن محاولة الظهور في المشهد، فقد دعا المرشد الإيراني علي خامنئي الفلسطينيين يوم الثلاثاء إلى تعزيز قوتهم القتالية، لوقف “وحشية” إسرائيل، قائلاً إن الإسرائيليين “لا يفهمون سوى لغة القوة”.

كما جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية أبلغه أن إيران تقف وراء “الكفاح الفلسطيني”. كما صرح رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية بأن توازن القوى تغيّر لصالح فلسطين أكثر من أي وقت آخر، وأكد ضرورة إنشاء تحالف استراتيجي قوي لحل القضية الفلسطينية.

وتشير المكالمة الهاتفية إلى التقارب بين “حماس” وطهران، بعد قطع العلاقات بينهما، بسبب دعم الحركة للمسلحين في سوريا ضد بشار الأسد. وعززت حينها إيران علاقاتها مع حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، لكنها تحركت أخيراً نحو مصالحة مفتوحة مع “حماس”، وقال بعض قادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إنهم تحدثوا مع المسؤولين الإيرانيين حول التصعيد الأخير.

على الرغم من الوساطة المصرية للوصول إلى هدنة، فهل تشير هذه المكالمات والاتصالات مع الإيرانيين إلى رغبة في توقيت محدد لوقف إطلاق النار، خصوصاً في ظل قيود على تحركات “حزب الله”، لأسباب ترتبط بالظروف اللبنانية السيئة أو السياق الإقليمي والمباحثات مع إيران؟

دخول تصريحات المسؤولين الإيرانيين على خط النار إنما يستهدف تسجيل حضور وموقف في الأحداث الجارية المتزامنة مع مباحثات فيينا بين الأطراف الأوروبية وإيران، التي تتخللها مباحثات غير مباشرة مع واشنطن. تريد طهران التذكير بإحدى أوراق الضغط لديها، وهي دعمها وعلاقتها بالتنظيمات المسلحة في غزة، ومن ثمّ قدرتها على التأثير في الأمن الإسرائيلي، بالتالي محاولة قدرتها على تحريك الأحداث نحو التصعيد أو التهدئة، لا سيما أن التفاوض بشأن الاتفاق النووي يستحضر الملفات الإقليمية الأخرى، منها العلاقة مع الفاعلين من دون الدول مثل “حماس” و”حزب الله” والحوثيين.

ومن المعروف أن إيران عملت منذ سنوات طويلة على جعل القضية الفلسطينية بمثابة مركز الجاذبية في خطابها المتواصل عن “المستضعفين”، وعملت على دعم عدد من الحركات الفلسطينية السُّنية، مثل منظمة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، فبعد انتصار الثورة الإيرانية، ووصول المرشد الأعلى السابق الخميني إلى إيران التقى الرئيس السابق ياسر عرفات، كما جرى افتتاح سفارة فلسطين محل السفارة الإسرائيلية قبل الثورة. وحرصت على تقديم الدعم المالي والعسكري للتنظيمات الفلسطينية المسلحة، لكن في المجمل لم تقدم إيران تصوراً أو مبادرة لحل القضية الفلسطينية أو تصوراتها للدولة الفلسطينية، بل اقتصر دورها على شعارات عدائية ضد إسرائيل وواشنطن، وتسمية يوم القدس.

أما من جهة إسرائيل، فتحاول توظيف الأحداث لتصوير معاناتها ومعضلتها الأمنية المتمثلة في وجود تهديدات على الجبهة السورية، وكذلك الخط الأزرق مع لبنان، وتحركات “حزب الله” وغزة الآن.

الأمر المؤكد أن الدافع لدى إسرائيل لتحجيم القدرات الصاروخية لإيران سيزداد، فواقع الأمر أنها لا تمثل تهديداً لإسرائيل فقط، بل إن نقل البنية التحتية لهذه الصواريخ يمثل تهديداً لكل دول المنطقة ووقوعها في يد ميليشيات أو تنظيمات مسلحة.

لكن، ما يعنينا هو كيف ستحاول إسرائيل مواصلة الضغط على إدارة بايدن لتقييد نقل الأسلحة من وإلى إيران أو ستصر على أن تحتفظ لنفسها بهامش الحرية في التصرف المنفرد لملاحقة نقلها من إيران إلى التنظيمات والميليشيات المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.

ربما ليس هذا هو الجدل الآن داخل إسرائيل، لكن بعد انتهاء التصعيد العسكري في غزة ستثور تلك المسألة، وفي المقابل داخل الولايات المتحدة تقدم أكثر من أربعين عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ بطلب للرئيس بايدن بإنهاء المفاوضات مع إيران بشأن تخفيف العقوبات.

اندبندنت عربية

———————————-

تضامن واسع مع اللاعب محمد النني بعد الحملة ضده بسبب دعمه لفلسطين

أعلن آلاف الناشطين والمغردين في البلاد العربية والعالم، عن تضامنهم الواسع مع لاعب المنتخب المصري ونادي أرسنال الإنجليزي محمد النني، بسبب الحملة التي تشنها ضده جماعات صهيونية في بريطانيا، وتطالب بمعاقبته ومنعه من اللعب، بعد اتهامه باستخدام لغة عنصرية في التغريدة التي أعلن من خلالها  وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهته مع آلة القتل الإسرائيلية.

وفي التفاصيل، نشر محمد النني قبل أيام تغريدة قال فيها أن قلبه وروحه هي جميعًا لفلسطين، وقد تضمنت التغريدة صورًا تظهر خريطة فلسطين بدون الإسرائيليين، ليستغل عضو المجلس اليهودي البريطاني تل عوفر  الأمر، ويراسل نادي أرسنال ويطالبه بمعاقبة النني بتهمة مخالفة أصول الحياد الرياضي بحسب تعبيره، وبالعنصرية تجاه الإسرائيليين، بحسب ما أعلنه عبر صفحته على تويتر. كما قام عوفر بمراسلة شركة أديداس راعية نادي أرسنال للأمر ذاته، وطلب من مشجعي أرسنال التغريد ضد النني، ومن الاتحاد الإنجليزي معاقبة اللاعب، لتعود إلى الأذهان قضية النجم الألماني – التركي مسعود أوزيل لاعب أرسنال السابق، الذي عوقب بسبب مواقفه الداعمة لأقلية الإيغور التي تتعرض لإبادة من السلطات الصينية. وقد ردّ نادي أرسنال على تل عوفر بالقول إن لاعبي النادي لديهم الحق بالتعبير عن آرائهم عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي. 

    share

    my heart and my soul and my support for you Palestine —- ✌️ pic.twitter.com/ywrpPk5Xmf

    — Mohamed ELNeny (@ElNennY) May 10, 2021

    share

    الرجال مواقف .. وحقيقي محمد النني وأوزيل في كل موقف بيثبتوا انتمائهم..

    دون تردد او ميوعة …#we_support_Elneny pic.twitter.com/IvfEFeR4kV

    — مۣۗـۙنۣۗـۙ آلَلَهۣۗہ ـهۣۗہ—— (@Mennatallah_1) May 14, 2021

وبعد الحملة الشرسة التي تعرّض لها النني من الحسابات الداعمة لإسرائيل، أطلق الناشطون المؤيدون لموقفه وسم “نحن ندعم النني” باللغتين العربية والإنجليزية، وأعلنوا وقوفهم إلى جانبه، وافتخارهم بموقفه الشجاع في هذه الفترة، ورفضوا بشكل قاطع أن تتم معاقبته وتهديد مسيرته المهنية كما حصل مع مسعود أوزيل في السابق.

    share

    full support!❤️

    saying the truth is not a crime#we_support_Elneny pic.twitter.com/rgqwGy5jx0

    — AhmedHany (@ahmeddhanyy01) May 14, 2021

    share

    —— ——– – —— ——– – —— ———-

    Dear Arsenal, we support and love Mohamed El-Neny who is trying to make a difference in people’s lives. HE IS A ———- ——– –#We_Support_Elneny

    — Muhammad Ashraf (@mu7mmd_LFC) May 14, 2021

أبرز المواقف الداعمة للنني أتت من نجم الكرة المصرية السابق محمد أبو تريكة الذي اشتهر على الدوام بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، حيث قال نجم نادي الأهلي السابق إنه يفتخر ويعتز بموقف النني، ويقدم له كل الدعم والمساندة. وأكّد الناشط القطري محمد الكعبي أن النّني يواجه حملة من اللوبي الصهيوني، بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين، وطالب المغردين بدعمه.

    share

    U will never walk alone ❤️——–@ElNennY#we_support_Elneny pic.twitter.com/Qf5S9sr179

    — Muhammad Awad —- —- (@M7md3wad1) May 14, 2021

    share

    He is not the best player in the world, but he is the most moral and brave player proud of you❤keep going #ادعم_محمد_النني #We_Support_Elneny#GazzaUnderAttack pic.twitter.com/zUD3wQ9LcF

    — Gehad Abdelhady (@Gehad_abdelhadi) May 14, 2021

 ونشر الدكتور عبد الرحمن مطبلي صورة للنّني، وعلّق عليها بالقول “الرجال يعلنون مواقفهم وقناعاتهم ولا يخافون العواقب”، فيما وصف حمزة من فلسطين النني بالرجل الصادق.

    share

    Support @ElNennY #we_support_Elneny #محمد_النني #فخر_العرب_الحقيقي pic.twitter.com/UqIApf1qXF

    — Mohammed Ahmed Figo (@mohammedfigo89) May 14, 2021

    share

    ElNeny may face problems from the Zionist lobby, Arsenal club management and sponsoring companies because of his open position in support of Palestine .. Support him by tweeting through the following hashtags:

    #We_Support_Elneny#النيني_فخر_العرب pic.twitter.com/IOG1P8nGz5

    — محمد الكعبي (@Qatari) May 14, 2021

    share

    Real men stands for what they believe no matter what. #We_Support_Elneny pic.twitter.com/BBdHPeH231

    — د. عبدالرحمن محمد ال مبطي (@dhomozil) May 14, 2021

وتوجّهت أبرار محمود إلى النني بالقول “نحن أيضًا قلبنا وروحنا معك يا محمد، وسندعمك في هذه الحملة ولن تكون وحيدًا”. من جهتها، قالت راغدة زيادة إن الصهاينة يسيطرون على نادي أرسنال، ويسيطرون على شركات الإعلان الكبرى، يمكنهم احتلال والسيطرة على كل شيء، لكنهم بالتأكيد لن يسيطروا على فلسطين. وقالت “منة الله” إن الرجال مواقف، وأن محمد النني ومسعود أوزيل يثبتان في كل مرة الانتماء بدون ميوعة أو تردّد.

    share

    An honest human being#We_Support_Elneny @ElNennY

    — Hamsa—- (@easypeasy3adey) May 14, 2021

    share

    Dear ElNeny,

    Our hearts, our souls, and our support for you Mohamed.

    Keep your head up, we all stand in solidarity with you.

    #we_support_elneny#elneny #WeSupportElnenny pic.twitter.com/0Shp0ceyKE

    — Abrar Mahmoud (@AbrarMa70768724) May 14, 2021

    share

    They are controlling the decisions of Arsenal club and all adevrtisment companies and campaigns, zioniest occupid all countries but definitely not PALISTINE #we_support_Elneny#Palestine #GazzaUnderAttack #SheikhJarrah

    — Raghda Zeyada — (@Luna_zeyada) May 14, 2021

وفي السياق نفسه قال أحمد هاني من مصر أنه يدعم الننّي بالكامل، وأن قول الحقيقة لا يمكن أبدًا أن يكون جريمة. فيما توجهت إيمان بالشكر إلى النني، وقالت إنه يمثل صوت المستضعفين، وطلبت منه الاستمرار في دعم غزة وإيصال الصوت إلى كل العالم. بدوره توجّه محمود أشرف إلى إدارة أرسنال بالقول إنهم جميعًا يؤيدون النني ويقفون خلفه. واستعار محمد عواد شعار نادي ليفربول “لن تسير وحدك أبدًا” وخاطب النني من خلاله لتأكيد دعمه له. وقالت جهاد عبد الهادي إن النني ليس أفضل لاعب في العالم وهذا صحيح، لكنه أكثر اللاعبين أخلاقًا وشجاعةً، وهي تفتخر بمواقفه.

الترا صوت

——————————

أكثر من عشرة شهداء ومئات المعتقلين: احتجاجات الغضب تعم الداخل الفلسطيني والضفة

لجأت قوات الاحتلال إلى مواجهة المحتجين الفلسطينيين اليوم في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر بالرصاص الحي، ما أدى إلى استشهاد 11 منهم، وإصابة مئات آخرين تفاوتت إصاباتهم بين الخطيرة والمتوسطة حسب ما ذكره الهلال الأحمر الفلسطيني.

وكانت مسيرات عدة انطلقت عقب صلاة الجمعة للتنديد بممارسات الاحتلال في القدس وغزة، وسرعان ما تعاملت معها قوات الاحتلال بالعنف المفرط، باستخدام الرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز.

وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية باستشهاد شابين برصاص الاحتلال في مدينتي نابلس وأريحا، وقبل ذلك أعلنت عن استشهاد 5 فلسطينيين، اثنان منهما متأثرين بجروحهما بعد إطلاق قوات الاحتلال الرصاص الحي عليهما خلال مواجهات في قريتي مردا وسكاكا في سلفيت شمالي الضفة الغربية، فيما استشهد آخران برصاص الاحتلال في مواجهات في يعبد قرب جنين، وآخر في بلدة عوريف جنوب نابلس. وذكرت المصادر الصحية أن “هناك 25 إصابة بالرصاص الحي” تعود إلى المواجهات جنوب نابلس، وحاجز حوارة العسكري. قبل أن تعلن لاحقًا استشهاد أربعة آخرين.

ومما لاحظه المراقبون أن قوات الاحتلال تستخدم الرصاص الحي بكثافة، وأنها تستهدف الأطراف العلوية للمتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى عشرات الإصابات الخطيرة  في مختلف مناطق المواجهات بالضفة الغربية.

وتوزعت نقاط التظاهر اليوم الجمعة على مختلف مناطق الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وذكرت بعض المصادر  أن هناك أكثر من 200 نقطة اشتباك في الضفة الغربية وحدها، مشيرة إلى أن هذا الأمر لم يحدث منذ الانتفاضة الثانية. هذا فضلًا عن خروج متظاهرين في حي الشيخ جراح بالقدس، حيث اعتدت عليهم قوات الاحتلال بالضرب وقنابل الصوت.

كما شهد المسجد الأقصى تظاهر مئات الفلسطينيين في وقفة تضامن مع قطاع غزة عقب صلاة الجمعة، وكان من الملاحظ  وعلى غير العادة “تخفيف قوات الاحتلال إجراءاتها الأمنية في محيط الحرم القدسي” وإن كانت وكالة الأناضول ذكرت أن احتكاكات وقعت قبل صلاة الجمعة عند بعض أبواب الحرم، ولكنها لم تتحول إلى مواجهات، قبل أن يعود التصعيد، مع إصابة بالرصاص الحي ومنع طواقم الهلال الأحمر من الدخول لحي الشيخ جراح ونقل الجريح للمستشفى.

يذكر أن المواجهات استمرت حتى عصر اليوم في عدد من المحاور وعند الحواجز العسكرية للاحتلال بالضفة وعند جدار الفصل العنصري، حيث سجلت أعنف المواجهات، حسب تقارير، في كل من الخليل وجنين ورام الله.

من جهة أخرى شهد الداخل الفلسطيني احتجاجات واسعة في عدة مناطق، بما في ذلك في كفر كنا، حيث تطورت الاحتجاجات إلى اشتباك مسلح، بعد إصابة 20 فلسطينيًا خلال الاقتحام الذي بدأ باعتقال الشيخ كمال الخطيب، حسب ما نشر موقف ألترا فلسطين. فيما أكدت إذاعة جيش الاحتلال إصابة 30 فلسطينيًا في المواجهات التي اندلعت مع قوات الاحتلال داخل الخط الأخضر اليوم. فيما قالت القناة 13 الإسرائيلية أن شرطة الاحتلال اعتقلت أكثر من 600 فلسطيني من داخل الخط الأخضر منذ بداية الأحداث.

في السياق، صادق وزير جيش الاحتلال بيني غانتس على تحويل أسلحة وأدوات “دفاعية” إلى شرطة الاحتلال، من أجل استخدامها في قمع الاحتجاجات داخل الخط الأخضر، في وقت قرر فيه جهاز “الشاباك” تقديم المساعدة المعلوماتية للشرطة.

وبموجب قرار غانتس ورئيس أركان جيش الاحتلال افيف كوخافي، سيتم تحويل المئات من بنادق “M16″، إضافة إلى آلاف الخوذ والدروع الواقية، لاستخدامها في قمع المحتجين. وعلى مدار الأيام الماضية، شنت قوات الاحتلال حملات اعتقالات في اللد والنقب وأم الفحم وقلنسوة طالت مئات الفلسطينيين.

————————

هنا فلسطين!/ خلدون الشيخ

ما أصعب ان تكون كاتباً رياضياً، والنيران تشتعل في أرض فلسطين، وما أصعب ان تنقل خبر فوز فريق في مباراة وتألق لاعب بتسجيل هدف، وسكان حي فلسطيني يطردون عنوة، والمصلون في القدس يتعرضون لاعتداءات وحشية، وأهلنا في غزة يقصفون بصواريخ مدمرة، وأهلنا في الأراضي المحتلة في 1948 يشتبكون مع المتعصبين والعنصريين.

لا شك أن نصرة فلسطين للقاطنين في أوروبا، لا تتم الا عبر أعمالنا وحياتنا اليومية، ان كان بالتبرع او الكلمة او نقل حقيقة ما يجري لأصدقائنا وجيراننا وزملائنا، لكن في العصر الحديث لتكنولوجيا الانترنت وروعة «السوشيال ميديا» ومواقع التواصل الاجتماعي، بدأ العدو الصهيوني يستدرك انه خسر الكثير من متعاطفيه في السبعينات والثمانينات والتسعينات، عندما كانت المعلومة التي تقدم الى الشعوب الأوروبية والعالمية، مقتصرة على ما يطرحه الاعلام المملوك له، فكان الجميع لا يعرف سوى «الارهاب الفلسطيني» و»الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، واليوم تغير الحال تماماً عبر التكنولوجيا الحديثة، فباتت هناك وسيلة جديدة للمعرفة، أكثر سرعة ودقة وبالصوت والصورة، لتظهر الى العالم وحشية هذا العدو، وربما تعطي صورة ملطفة عما حصل قبل أكثر من 70 عاماً عندما أجبر مئات الآلاف على هجرة بيوتهم وأراضيهم ليسرقها المحتلون، على غرار ياكوف اليوم، المغتصب الصهيوني الذي قال بصراحة وقحة لسيدة فلسطينية في حي الشيخ جراح: «اذا لم أسرق منزلك أنا سيأتي غيري ويسرقه»!

أسلوب التواصل مع العالم، تطور في السنوات الاخيرة مع اجادة جيل جديد من المهاجرين العرب الى أوروبا لغات ولهجات البلدان التي يقطنونها، فأصبح ايصال الفكرة سهلاً وسلساً. وتضامن مشاهير كثر من كل الحقول مع معاناة الفلسطينيين، وبينهم نجمة هوليوود الاسرائيلية ناتالي بورتمان التي تبرأت من دولتها العنصرية، في حين أعرب العشرات من الرياضيين عموما، ونجوم كرة القدم خصوصا، وقوفهم مع الفلسطينيين، مستخدمين حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يتابعها مئات الملايين حول العالم، وأبرزهم النجم الجزائري رياض محرز، وهو أمر ليس مستغرباً على الشعب الجزائري العظيم، ومحرز الذي لديه 2.6 مليون متابع على «تويتر» نشر علم فلسطين في حسابه مع وسم #أنقذوا الشيخ جراح، ولاقى اعجاب نحو 190 ألف متابع، واعادة تدوير للمنشور من نحو 66 ألف متابع، و11.6 ألف تعليق، وبين هذه التعليقات كان لأحد معجبيه الاوروبيين، فسأله: ما الذي يجري في فلسطين؟ فرد عليه متابع عربي وشرح له باختصار مأساة الشعب الفلسطيني وعنصرية العدو الصهيوني واجباره على طرد الفلسطينيين من بيوتهم، فما كان من هذا المتابع الاوروبي، بفطرته الانسانية ان غرد على حسابه بصورة لقبضة يد ملفوفة بعلم فلسطين تقاوم المحتل. أما بطل إيطاليا مع الإنتر الظهير المغربي أشرف حكيمي، فنشر فيديو في حسابه على «تويتر» لفتاة محجبة يقوم عناصر أمن إسرائيليون بتوقيفها. وكتب المصري أحمد حسن «كوكا» مهاجم أولمبياكوس اليوناني: «لست بحاجة إلى أن تكون عربيا لتدعو من أجل فلسطين، أنت فقط بحاجة الى أن تكون إنسانا». ونشر بطل العالم الفرنسي بول بوغبا صورة له على «إنستغرام» علّق عليها: «العالم بحاجة للسلام والحب، العيد سيحل قريباً، فدعونا نحب بعضنا بعضا. الدعاء لفلسطين». وأرفق تعليقه بوسم #صلّوا لفلسطين. ولو تفاعل 1% من متابعيهم مع هذه التغريدات وتعرفوا على مأساة فلسطين، فلن يتجرأ هذا العدو على المزيد من القباحة أمام أعين العالم، وهذا هو تأثير نجومنا العرب والمسلمين. لكن في المقابل توقعنا من أحد أكبر نجومنا هداف ليفربول محمد صلاح أكثر بكثير مما فعل، ففي حين انتظر الجميع تغريدة على حسابه على «تويتر» او منشوراً على «فيسبوك» أو «انستغرام»، تؤكد تضامنه الكامل مع القدس وأهل فلسطين، ورفض كل ما يتعرضون له من عدوان، فانه بعد 3 ايام من تفجر الاوضاع نشر تغريدة مبهمة تطالب رئيس الوزراء البريطاني وقادة العالم الى وقف اراقة الدماء، بدون أي ذكر للقدس أو فلسطين، ما قاد الى استياء الكثيرين من عشاقه، معتبرين انه فضل مصالحه الشخصية المرتبطة بالدعاية والرعاية مع شركات عالمية، على مساندة أبناء أمته والتعاطف مع أهله وناسه، رغم انه جميع النجوم العرب وغير العرب في اوروبا فعلوها، بينهم زميله في المنتخب المصري محمد النني، بل حتى حسابات الاندية الاوروبية أعربت عن تعاطفها مع فلسطين، رغم عدم الشك نهائياً في انتماء وولاء صلاح، خصوصا ان مثله الاعلى محمد أبو تريكة الذي يعمل محللا في قناة «بي إن سبورتس» القطرية أعلن تأييده بقوله: «تحية لأهلنا في القدس وأهلنا في فلسطين، ربنا ينصرهم ويثبتهم، ويعين من أعانهم ويُخذل من خذلهم، هم يحتاجون إلى الدعاء ونحن أيضا نحتاج دعاءهم، لأنهم أشرف وأطهر شرف الأمة، ربنا ينصرهم على الاحتلال».

المُدهش أنه رغم كل الضخ الإعلامي والسياسي المروج للتطبيع في السنوات الأخيرة، الا انه سقط في أول لحظة مواجهة، وكل التعويل على الزمن واختلاف الأجيال ونسيان الصراع تلاشى في لحظة صمود، وكل الاستثمار في تغيير المفاهيم والأفكار وتشويه القضية والمقاومين المرابطين انهار مع أول هتاف «هنا فلسطين».

القدس العربي

———————–

من القدس إلى غزة الفلسطينيون يصرخون بصوت واحد حياتنا مهمة ويجب أن ينهار الجدار الحديدي/ إبراهيم درويش

كان يا ما كان دبلوماسية أمريكية فاعلة قادرة على نزع فتيل الأزمات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن هذه الدبلوماسية كانت ضحية لإدارة دونالد ترامب المتحيزة لإسرائيل، مما جرأ القيادة الإسرائيلية أكثر وأكد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن القضية الفلسطينية أصبحت ماضيا ولا تهم الشارع الإسرائيلي.

وعلى مدى 12 عاما من حكمه عمل نتنياهو على فصل الشارع عما يجري من احتلال واضطهاد للفلسطينيين. وبدعم من حلفائه المتطرفين من الأحزاب الدينية القومية أكد على الاستيطان والضم وخلق الواقع على الأرض عبر الجدران ومزيد من بناء المستوطنات وتشتيت الفلسطينيين. واعتقد هو ومن معه أن الفلسطينيين رضخوا لما يعرضه عليه واستسلموا وانتصرت إسرائيل في حرب المئة عام التي حدد معالمها بدقة المؤرخ الفلسطيني رشيد خالدي في كتابه الصادر العام الماضي.

ولكن فلسطين والفلسطينيين عادوا ليلاحقوا نتنياهو وأتباعه العرب الذين ظن أن سلامه معهم سيهمش الفلسطينيين أكثر. ويعتقد خالدي في مقالته التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» (13/5/2021) ان الجولة الأخيرة من عملية طرد الفلسطينيين تركزت حول القدس واللاجئين وهما موضوعان حاول المسؤولون الأمريكيون على مر العقود جرهما تحت البساط والوقوف مع إسرائيل ودعمها في كل ما تقوم به من اضطهاد وقمع للفلسطينيين. وأكد خالدي أن الأحداث التي اندلعت في القدس وانتشرت في كل البلاد في المدن العربية والمختلطة في إسرائيل والضفة والقدس الشرقية والحرب الدائرة في غزة هي صورة عن وحدة الفلسطينيين ضد التشريد والطرد والمنطق الاستعماري القائم كما أشار نائب رئيس بلدية القدس آريه كينغ على تهويد المدينة المقدسة. ولتحقيق هذا تمت مصادرة بيوت الفلسطينيين وطردهم من أرضهم منذ عام 1948 و1967 في داخل إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وهو المنطق الاستعماري الذي جعل غوغاء المستوطنين ينتهكون الأحياء العربية تحت حراسة قوات الأمن الإسرائيلية. وهو الذي يمنع الفلسطينيين من قضاء ليالي رمضان أمام ساحة بوابة دمشق أو إحياء ليلة القدر واقتحام الأقصى وإطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية على المصلين. وتساءل خالدي عما سيحدث لو حدث هجوم مماثل على كنيسة كبيرة أو كنيس يهودي في أثناء عطلة دينية؟ وما يحدث هو تطبيق لمبادئ الصهيونية التصحيحية لزئيف جابوتسكي عن الجدار الحديدي المنيع، وتلميذه النجيب نتنياهو الذي مضى أبعد من مجرد بناء واقع يهودي قوي على أرض فلسطين بل ورفع مبادئ الصهيونية السياسية لمرتبة القانون الأساسي أو الدستور في قانون الدولة القومية عام 2018 والذي منح اليهود فقط حق تقرير المصير في أرض إسرائيل. وباتت آلة قمع وطرد الفلسطينيين في يد المتطرفين اليهود.

ولكن الأزمة الحالية سواء في القدس والمدن العربية بمناطق 1948 والضفة الغربية أو غزة والشتات أكدت على انهيار اسطورة الانقسام والإحباط الفلسطيني، فهم وإن كانوا متفرقين سياسيا إلا أن شعورهم واحد ضد القمع سواء في القدس، اللد وقطاع غزة. وطالما غاب مستوى العدالة في التعاون مع الطرفين فستظل أمريكا جزءا من المشكلة.

حق الدفاع عن النفس

ومللنا خلال الأيام الماضية من سماع كلمة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» من ممثلي الإدارة الأمريكية أو تصريحات الرئيس جوزيف بايدن من أن إسرائيل لم تبالغ في ردها على صواريخ حماس، ولكن ماذا عن حق الفلسطينيين بمقاومة 70 عاما من تشريدهم؟ وأشار السناتور الأمريكي التقدمي بيرني ساندرز بمقالة في «نيويورك تايمز» (14/5/2021) إلى تكرار الإدارات الديمقراطية والجمهورية قول «لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها» عندما ترد إسرائيل بقوتها العسكرية الضخمة على الصواريخ من غزة. وقال «دعنا نكن واضحين، لا أحد يناقش أن إسرائيل ليس لها الحق بالدفاع عن نفسها وحماية شعبها، ولكن لماذا يتم تكرار هذه الكلمات عاما بعد عام وماذا عن حقوق الشعب الفلسطيني؟» و «لماذا نهتم بالعنف في إسرائيل وفلسطين فقط عندما تسقط الصواريخ على إسرائيل؟». وقال إن صراع اليوم لم يبدأ بالصواريخ، بل منذ سنوات في القدس التي يعيش سكانها خطر الطرد ويحاولون التعامل مع نظام مميز ضدهم. ومحاولات الطرد هي جزء من نظام أوسع للاضطهاد السياسي والاجتماعي. فعلى مدى السنوات شاهدنا احتلالا إسرائيليا عميقا في القدس الشرقية والضفة الغربية وحصارا على غزة. وأكثر من هذا عملت حكومة نتنياهو على تهميش المواطنين الفلسطينيين ومواصلة الاستيطان للقضاء على حل الدولتين، ولا أحد يبرر لحماس صواريخها التي حاولت أن تستغل الوضع في القدس ولا فشل السلطة الفاسدة التي ألغت الانتخابات، ولكن إسرائيل هي القوة السائدة فيما بين البحر والنهر، وعوضا عن التحضير للسلام تقوم بتحصين نفسها ضمن نظام غير ديمقراطي. وفي محاولة منه للبقاء في السلطة منح نتنياهو شرعية للأحزاب القومية اليهودية المتطرفة. وما يجري في إسرائيل ليس استثنائيا، فحول العالم حاولت حكومات استغلال الكراهية الطائفية والإثنية لبناء نظام فاسد تحكمه القلة، وكان لهذه الأنظمة صديق في البيت الأبيض.

ونرى في المقابل جيلا يريد المساواة والعدالة كما بدا في شوارع أمريكا العام الماضي بعد مقتل جورج فلويد ونراهم في إسرائيل وفلسطين. وهذا هو جيل «تيك توك» الذي لم يعد ينتظر أحدا، لا إسرائيل ولا حماس، السلطة أو الجامعة العربية. وهو جيل لو لم تتم الاستجابة له بتعقل، فسيقود انتفاضة ثالثة، يرى توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»(12/5/2021) أنها ستكون مدمرة على المنطقة بكاملها. ويعتقد ديفيد هيرست في ميدل إيست آي (12/5/2021) أن اختيار إسرائيل القدس للمواجهة أدت لتوحيد الفلسطينيين وزرعت بذور انتفاضة، فعلى خلاف 1987 و2000 فالأخيرة تستمد قوتها من مركزية القدس والأقصى فيها ووحدة كل أطياف الشعب الفلسطيني وأخيرا التطبيع الذي أكد للفلسطينيين انهم باتوا وحدهم وعليهم الاعتماد على أنفسهم لمواجهة آلة الكراهية والعنصرية.

بايدن المتخبط

وكان يؤمل أن يقود جوزيف بايدن طريقا مختلفا في معالجة القضايا العالمية من توفير اللقاحات للجميع والتصدي للتغيرات المناخية وانتهاكات حقوق الإنسان وكذا في الشرق الأوسط التي تقدم فيها أمريكا لإسرائيل 4 مليارات سنويا. وأكد ساندرز: «علينا ألا نظل معتذرين عن حكومة نتنياهو المتطرفة وتصرفها العنصري غير الديمقراطي». وطالب بأن تتبنى أمريكا مدخلا متوازنا يعمل على احترام القانون الدولي الداعي لاحترام حقوق الإنسان، والالتزام بالقوانين الأمريكية التي تؤكد على عدم استخدام المساعدات العسكرية في الأمريكية لقتل الأبرياء. وقال ساندرز «علينا الاعتراف بأن حقوق الفلسطينيين مهمة وكذا حياتهم أيضا». وخلافا لدعوة ساندرز والنواب التقدميين في الحزب مثل رشيدة طليب التي بكت في الكونغرس وقالت إن حياة الفلسطينيين مهمة وإلهان عمر التي هاجمت نتنياهو والكسندرا أوكاسيو كورتيز وغيرها من الأصوات التي باتت ترى حقيقة عدم التوازن في الصراع الحالي، فقد بدت الإدارة الأمريكية موزعة لا تعرف ما تريد فعله واختارت مصالحها وعلاقتها بالكونغرس على حساب الدفاع عن الفلسطينيين، وكما قال بوبي غوش في «بلومبيرغ» (13/5/2021) فقد جاء رد بايدن متأخرا وأعرجا ولم يرق لمستوى الأزمة، فهو لم يتحدث بنفس الطريقة مع رئيس السلطة الوطنية محمود عباس ورد يوم الثلاثاء على رسالة تهنئة أرسلها عباس له قبل أربعة أشهر. وبدلا من ركوب وزير خارجيته أنتوني بلينكن الطائرة إلى الشرق الأوسط لخفض التوتر، اكتفى بإرسال مسؤول بدرجة نائب لوزير الخارجية للعمل على إقناع الطرفين الحد من الأعمال العدوانية.

ويرى جيمس تروب في مجلة «فورين بوليسي» (13/5/2021) أن إدارة بايدن لا تريد دفع ثمن تورطها في الحرب الجديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت تتأمل بما يمكن عمله للفلسطينيين ببطء وفوجئت بالأزمة الأخيرة. وقال الكاتب إن بايدن يريد التخفيف عن الفلسطينيين اقتصاديا وأعاد المساعدات للأونروا وربما فتح بعثة منظمة التحرير في واشنطن من جديد والقنصلية الأمريكية في القدس، وهما أمران مرتبطان بموافقة إسرائيل والكونغرس، ولهذا اقترحت مذكرة للخارجية في شباط/فبراير فتح قنصلية أمريكية في المناطق الفلسطينية. وغير هذا لا يريد بايدن على ما يبدو استثمار رأسماله السياسي في الدفاع عن الفلسطينيين. والعبارة التي تتردد في البيت الأبيض «نحن هنا لا نبحث عن جائزة نوبل» للسلام. وغير الالتزام اللفظي بحل الدولتين ودعم الفلسطينيين ماديا فلا توجد للإدارة الحالية خطط للضغط، فهي في الحقيقة لا أوراق ضغط لديها بعدما تخلى ترامب عن كل الأوراق ومنحها لنتنياهو. فهذا الأخير الملاحق بقضايا فساد والمهدد بالخروج من السلطة حيث يحاول منافسوه تشكيل ائتلاف بعد فشله في تحقيق غالبية مطلقة وعبر أربع انتخابات على مدى عامين، وجد في الصواريخ التي أطلقتها حركات المقاومة فرصة لممارسة دور الرجل القوي. ويقول ديفيد إغناطيوس في صحيفة «واشنطن بوست» (14/5/2021) إن نتنياهو لم يكن مستعدا لاتخاذ القرارات المؤلمة والقبول بسلام مقابل الأمن خوفا من تفكك ائتلافه.

انهيار النظام السياسي

وبعد أكثر من عقد في الحكم تبدو السياسة الإسرائيلية هشة كالفلسطينية، حيث فقدت السلطة الوطنية تأثيرها وباتت القوة تندفع باتجاه حماس. وبدون قيادة سياسية يندفع الإسرائيليون والفلسطينيون نحو الأساليب اليائسة كما في داخل المدن الإسرائيلية والهجمات المتبادلة التي وصفتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية بتعليق لـ»نيويورك تايمز» بأنها تشبه الحرب الأهلية. وقال إغناطيوس إن الفلسطينيين وإن خسروا وبشكل كارثي على طاولة المفاوضات لكنهم لم يكونوا مستعدين للتنازل عن حس التحدي والكرامة. ويقول إن إدارة ترامب التي اعتمدت على مدخلين في التعامل مع النزاع، وهما حل الدولتين والتأكيد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الفلسطينية كانت مستعدة للموافقة على خطة ضم الضفة الغربية لو وافق نتنياهو على منح الفلسطينيين الحقوق السياسية والقانونية، لكنه لم يكن مستعدا لاتخاذ قرار كهذا خوفا من حلفائه.

صناعة إسرائيلية

وتظل الأزمة الحالية من صنع إسرائيل، صنعتها وغلفتها حكومة نتنياهو وقرارات الشرطة الإسرائيلية الخاطئة، وهي كما قالت صحيفة «الغارديان» (12/5/2021) في افتتاحيتها تعبر عن ثقافة عدم الخوف من العقاب بسبب الأساليب القاسية التي استخدمتها الشرطة في الشيخ جراح والمسجد الأقصى. ورغم الأزمة السياسية الإسرائيلية (تشكيل الحكومة) والفلسطينية (تأجيل الانتخابات) إلا أن الوقود لهذه الجولة هو قديم وعمره عقود، فقد تعمق الغضب على الاحتلال ونشأ «جيل الحصار» في غزة، وهو شريط صغير من الأرض حشر فيه السكان بدون عمل ولا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب. وزاد الحنق، كوفيد- 19 والتباين في عمليات اللقاح بين إسرائيل والمناطق المحتلة التي تسيطر عليها إسرائيل بدون توفير الحماية لمن يعيشون فيها. كما أن توسع الاضطرابات إلى المدن العربية داخل إسرائيل في يوم الإثنين يكشف عن عمق وحجم الغضب ضد الظلم المتراكم والذي قاد منظمة «هيومان رايتس ووتش» لاتهام قادة إسرائيل بممارسة سياسة الفصل العنصري (ابارتيد). وجاء في مجلة «إيكونوميست» أن التطورات الجديدة في إسرائيل وفلسطين كانت جاهزة للانفجار مع أن العالم كان يفضل تجاهلها، إلا أن الإسرائيليين والفلسطينيين دفعوا بعضهم البعض إلى الحافة في حرب جديدة بالأرض المقدسة. وقالت إن القتال الذي لم ير مثله بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات كانت في قلبه القدس. وترى المجلة أن الحروب تتكرر لأن قادة إسرائيل يعتقدون أن الحل هو إدارة الأزمة مع حماس لا حلها، لكن عليهم أن يعيدوا النظر في استراتيجيتهم. ومع ذلك فمعاملة إسرائيل للفلسطينيين تؤدي إلى المشاكل. وأزمة اليوم هي متوقعة مع أن الشرارات التي أشعلتها لم تكن معروفة. وتعبر القدس عن المشكلة، فالفلسطينيون الذين يشكلون نسبة 39 في المئة من سكانها لا يعتبرون مواطنين بل مقيمين، وهم محرومون من الحقوق وملاحقون دائما، وليس غريبا استعداد الفلسطينيين المقيمين في المدينة للاحتجاج. ولكن الظلم في أماكن أخرى أسوأ، فقد راقب الفلسطينيون في الضفة الغربية إسرائيل وهي تصادر أراضيهم وتبني مستوطنات عليها، وهو عمل غير قانوني حسب القانون الدولي. وعليهم التعامل مع حواجز التفتيش ونظام التصاريح المرهق. وفي غزة هناك أكثر من مليوني مواطن قطعوا عن العالم من خلال الحصار الذي فرضته مصر وإسرائيل منذ عام 2007 عندما سيطرت حماس على القطاع، وتعاني المنطقة من مشاكل توفير الطاقة الكهربائية ومياه الصنابير وسخة، وقاد اليأس من الوضع إلى العنف في 2018 و2019 ويغذي الجولة الحالية. وفي غياب المنظور الجيد للمستقبل يفضل الشبان الفلسطينيون مواجهة إسرائيل، وهو ما يجعل من أحداث العنف المتكررة حتمية. ولن يحل الوضع إلا المفاوضات وعلى القوى الغربية والإقليمية الدفع باتجاه استئنافها. ويجب أن يعود الإسرائيليون والفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات، فحل النزاع أصعب من إدارته، ولكن المفاوضات هي الخطوة الدائمة للخروج.

القدس العربي

————————

صواريخ غزة: ذهول في إسرائيل بعد نجاحها في تحقيق «توازن الردع»/ أحمد بلال

شكَّل تطور صواريخ المقاومة الحدث الأبرز في الانتفاضة الشاملة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية حالياً، حيث فوجئ الإسرائيليون بحجم وقوة هذه الصواريخ وتطورها بما في ذلك نجاحها في اختراق منظومة «القبة الحديدية» وهو ما شكَّل تحولاً ملموساً في الأحداث الجارية، إضافة إلى أنه تسبب بإرباك كبير لقوات الاحتلال التي ظهرت وكأنها تتخبط في قصف عشوائي لقطاع غزة أوقع عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال.

وأطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة مئات الصواريخ باتجاه مواقع تابعة للاحتلال داخل الأراضي المحتلة عام 1948 خلال الأيام القليلة الماضية، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين، فضلاً عن تعليق العمل في مطار «بن غوريون» وهو المطار الرئيسي الذي يستخدمه الإسرائيليون ويقع بالقرب من تل أبيب، فيما اضطر ملايين الإسرائيليين لمغادرة منازلهم والإختباء في الملاجئ.

وبدأت المقاومة في غزة إطلاق صواريخها رداً على اعتداءات نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة شملت اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى ومنع المصلين من الوصول إليه في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وهو ما أشعل اشتباكات واسعة في المدينة المقدسة والأراضي المحتلة عام 48 سرعان ما امتدت إلى غزة والضفة الغربية.

وتصاعدت وتيرة الأحداث سريعاً في الأراضي المحتلة حتى تحولت إلى انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، فيما أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة صواريخ يتم استخدامها لأول مرة، إذ تتميز بقدرتها على تجاوز «القبة الحديدية» وكذلك تتميز بمدى أبعد وقدرة تدميرية أكبر، فيما كشف الفلسطينيون أيضاً ولأول مرة عن طائرات مسيرة تم استخدامها ضد مواقع إسرائيلية.

اعتراف إسرائيلي

وغرقت الصحافة العبرية بالاعترافات المتتالية عبر مسؤولين وكتاب ومحللين بأن «تل أبيب فوجئت من القدرات العسكرية التي تمتلكها المقاومة في غزة». كما أشار العديد من الكتاب والمحللين إلى أن حركة حماس نجحت في إخضاع إسرائيل وتحقيق الهدف من المواجهة العسكرية الأخيرة وهو ردع الإسرائيليين في مدينة القدس.

وكتب نداف إيال مقالاً في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية قال فيه إن الخطأ كان في «تقدير أن حماس لم ترغب بالتصعيد بشكل كبير، بما في ذلك إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لكن الإنجاز الواعي للحركة ليس له حدود، فحماس تتحدث بلغة حزب الله، ومحمد ضيف يتبنى أسلوب حسن نصر الله، بما في ذلك الإنذارات الموجهة لإسرائيل، والوفاء بها، من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل بساعات محددة».

وأكد إيال أن «إسرائيل الحالية ليس لديها رافعة ردع أمام قطاع غزة، ما دفع محمد الضيف إلى شن مثل هذا الهجوم في يوم القدس، بسبب سياسات بنيامين نتنياهو، واستمراره في تجنب المواجهات العسكرية غير الضرورية، وسعيه لخلق هدوء طويل الأمد، لكن ذلك ترك آثارا سلبية من أهمها تآكل الردع، ودفنت إسرائيل رأسها في الرمال».

وفي مقال آخر اطلعت عليه «القدس العربي» في «يديعوت أحرونوت» أيضاً يقول الكاتب الإسرائيلي عومر دستروي أنه «بحلول الوقت الذي دخل فيه الجيش الإسرائيلي حالة تأهب قصوى، فقد تمكنت حماس من وضع نفسها كدرع محصن، ونجحت في تعبئة فلسطينيي 48».

وأضاف إنه «رغم سلسلة الاغتيالات وصور الدمار من غزة، فإن حماس لديها اليد العليا، لأنها حققت سلسلة إنجازات يمكنها التباهي بها، من إطلاق الصواريخ نحو القدس إلى مئات الصواريخ دفعة واحدة إلى غوش دان والشارون».

ولفت دستروي، وهو باحث في «معهد القدس للاستراتيجية والأمن» إلى أنه «على الصعيد الاستراتيجي «حصلت حماس على ما طلبته، وأصبحت في نظر المقدسيين وسكان الضفة الغربية المدافع الإسلامي عن فلسطين، وحارسة القدس، بعكس السلطة الفلسطينية وفتح، اللتين تتعاونان مع إسرائيل، وهي بذلك تعزز صورتها في هذه المناطق الفلسطينية على حساب أبي مازن».

إرادة فلسطينية

وبينما ينشغل الإعلام الإسرائيلي في تحليل القوة المفاجئة التي أظهرتها المقاومة في غزة، فان الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني إبراهيم المدهون قال لـ»القدس العربي» إن «الصواريخ لم تكن مفاجئة ولم تُغير في المشهد شيئاً، وإنما هي الإرادة الفلسطينية التي فاجأت الاحتلال، وقدرة حماس على مراكمة القوة طوال السنوات السبع الماضية، أي منذ الحرب الأخيرة في العام 2014».

وأضاف: «لا شك أن الذي غير المشهد الفلسطيني بشكل أساسي هو استمرار حركة حماس في مشوارها وتمسكها بالمقاومة على الرغم مما فقدته من قيادات ورموز من خيرة شبابها خلال الحروب السابقة».

ويرى المدهون أن «صواريخ المقاومة أصبحت الآن هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، إذ هذا ما ظهر عبر التفاف الناس حول هذا الخيار، خاصة مع ما سمعناه من نداءات في القدس ومناطق الـ48 تهتف للقائد العام لكتائب القسام وتطالبه بالرد على اعتداءات الاحتلال، وهذا الاستدعاء وهذا الطلب الجماهيري بهذه الطريقة نشهده لأول مرة، وهذا الالتفاف الجماهيري أعطى لحركة حماس الثقة وفي نفس الوقت وضع الحركة أمام مسؤولياتها».

وبحسب المدهون فإن المواجهة الحالية في الأراضي الفلسطينية ستجعل الاحتلال يحسب حساباً قبل أن يرتكب أي اعتداء في القدس، ذلك أن صواريخ حماس أصبحت قادرة على الرد والوصول إلى أي مكان داخل الأراضي الفلسطينية.

وعلى المستوى السياسي يؤكد المدهون أن «النظام السياسي الفلسطيني سيشهد تسونامي تغيير بعد هذه المواجهة، إذ ربما تغيب وجوه وربما تظهر أخرى» مشيرا إلى أن «صواريخ حماس حققت الآن الكثير من الردع للاحتلال الذي أصبح يدرك بأن قوة حماس لم يعد يُستهان بها وأن المواجهة معها ستكون مكلفة، وهذا ما يُفسر تراجع الإسرائيليين عن الحرب البرية».

يشار إلى أن المواجهة العسكرية الحالية في غزة هي الأعنف منذ سنوات، والأولى من نوعها التي تجري بالتزامن مع انتفاضة شاملة في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948 فيما سارعت العديد من دول المنطقة والعالم إلى التوسط من أجل التهدئة والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار فوري يُنهي العمليات العسكرية.

———————

فلسطين الثائرة: تراجع شرعيات وصعود شرعيات/ سعيد أبو معلا

رام الله-»القدس العربي»: تتواصل حالة المقاومة الدائرة في عموم فلسطين التاريخية بالتوازي ما بين القدس وغزة والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 وفي الضفة الغربية. حالة من التناغم ندر وجودها في لحظة تاريخية ينظر إليها على أنها استعادة للحقيقة الفلسطينية، ولقيمة الميدان، ومن أبرز نتائجها الخلاص من أوهام كثيرة كرسها مشروع أوسلو، حسب الدكتور عبد الرحيم الشيخ.

ويقول الدكتور الشيخ أنه «لا عذر لأبناء فلسطين المحتلة في العام 1967 على مواصلة الحياد. ولا عذر لأبناء منظمة التحرير الفلسطينية وأبناء السلطة، بعد مرور ربع قرن على كارثية خيارات القيادة العاجزة عن كل شيء إلا تجزئة شعبها، ولا عذر للناس عامة على البقاء تحت وطأة التخدير بعد أطول عملية جراحية في التاريخ لزراعة ثقافة الهزيمة في الجسد الفلسطيني (أوسلو)».

إزاء ذلك الواقع تبدو السلطة الفلسطينية الطرف الأضعف، والأقل ارتباطا بالميادين المختلفة (القدس/ غزة/ فلسطين 48 وحتى الضفة الغربية) فقرارات القيادة الفلسطينية التي خرجت بها بعد اجتماعها الأخير (12/5/2021) وصفت بأنها «خارج السياق» ومراوحة في المكان نفسه، واستخدام المفردات نفسها، وبحسب هاني المصري، المحلل السياسي ومدير المركز الفلسطيني لدراسة السياسات «مسارات» فإن القرارات والخطاب الخاص بمحمود عباس جاء متأخرا أسبوعا كاملا على الأقل والسبب في ذلك أن السلطة في رام الله ما زالت تراهن على وجود متغير يتمثل في الإدارة الأمريكية الجديدة المختلفة عن سابقتها، وهي إدارة بحسب تقديرات السلطة، معنية بالعلاقة معها وإحياء عملية السلام، وهو أمر يشكل إعادة لإنتاج أوهام قديمة ولكن بشكل جديد وواقع ميداني جديد يعيد الاعتبار لكل شيء.

وحول قرارات القيادة في الاجتماع الأخير وخطاب الرئيس قال المصري، إن المسألة لا تتجاوز كسب الوقت وتحايل على اتخاذ القرار، حتى لو كانت قرارات شكلية مثل إيقاف العمل بالاتفاقيات.

وحمل اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومركزية فتح جملة من التأكيدات ومنها إنهاء الاحتلال، والتمسك بالأرض والبقاء صامدين فيها، وأن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد بدورها في لم الشمل ورص الصفوف من أجل الدفاع عن القدس والمقدسات، والتأكيد على بقاء القدس عنوان الصراع، وتعزيز المقاومة الشعبية السلمية في القدس وجميع المدن الفلسطينية، وإسناد قطاع غزة وتوفير مقومات الصمود.

كما تم الاتفاق خلال الاجتماع على تشكيل لجنة لدراسة الخيارات الواجب اتخاذها على المستويات كافة، والاتفاق على استراتيجية عمل موحدة للشعب الفلسطيني، ومواصلة التحرك عربيا ودوليا وفي المحافل الدولية من أجل وقف الاعتداءات الإجرامية الإسرائيلية.

بدوره تابع المصري أن هذا الرهان المتجدد، الخاص بإدارة بايدن، انعكس على مواقف السلطة الحالية، حيث «نلحظ ان موقفها من عدوان 2014 كان متفوقا على موقفها الحالي».

ويرى المصري أن السلطة أجلت الانتخابات بدون توافق مع حماس، وكانت القدس هي السبب لكن من دون أن تتكبد أي عناء لخوض أي مواجهة جدية لفرض واقع إجراء الانتخابات بالمدينة المحتلة، وهو ما يضعنا أمام سياسة السلطة في رام الله التي ترتكز على عدم المواجهة مع إسرائيل.

وأضاف: «ماضي فتح يخبرنا أنها كانت تعج بالتيارات والأفكار وأصحاب الرؤى والمنظرين، أما اليوم ففتح وهي السلطة عبارة عن تيار واحد فقط. وفيها يدار صراع على المصالح والمراكز، فيما أطر فتح الداخلية مفرغة من أي قدرة على الفعل، وإن كان هناك أمل فمصدره فتح خارج هذه الأطر الرسمية المسيطر عليها، هذا فقط ما يمكن الرهان عليه حاليا».

ويرى المصري أن هناك احتمالات بسيطة لحدوث صراعات داخل حركة فتح تسمح بتعظيم دورها في الأحداث الحالية، حيث لمس المراقبون مؤخرا وجود موقفين متعارضين مرتبطين بمسألة الانتخابات.

ويؤكد أن السلطة تدرك أن المسألة الحالية تطرح تحولا في الشرعيات، فحماس هي العنوان حاليا، حماس بفعلها الوطني المرتبط بالقدس تقول سياسيا أنا لاعب رئيسي ولا يمكن تجاوزي، ونحن ندرك قيمة ومركزية الأقصى بالنسبة لحماس، فهي قضية جوهرية وهو ما دفعها لدخول المعركة الحالية، من دون أن ننسى أن لها دوافع سياسية أخرى.

ويشير المصري إلى أن الشرعية الفلسطينية كانت متنازعا عليها، وبإلغاء الانتخابات تآكلت تماما، وكان هناك ما يشبه الفراغ، أما اليوم فما يحدث يشير إلى إعادة الشرعية النضالية من خلال المقاومة في غزة، فحماس التي كانت تتهم دوما بأنها تقاتل من أجل ذاتها ومصالحها وحكمها في غزة تقاتل اليوم من أجل القدس، هذا نضال وطني عبر بوابة الأقصى عمل على صنع شرعية حماس النضالية الجديدة.

أما بالنسبة لمحمود عباس فيرى المصري أن المأساة التي صنعها تتمثل في أنه جعل مصدر الشرعية خارجيا، وهو يتكرس مع فشل السلطة في قيادة الناس والشعب الفلسطيني رغم أن الإمكانية موجودة. والواضح للمتابع أن الرئيس لا يريد أن يقود في هذه المرحلة هذا التحول الفلسطيني الهام.

وقال المصري أن إسرائيل تبحث حاليا عن صورة انتصار، وواجبنا نحن أن لا نمنحها هذه الصورة، وفي حال لم تُمنح إسرائيل هذه الصورة فإن وضع السلطة سيسوء، وفي حال حصلت إسرائيل على مبتغاها فإن ذلك سيعني مزيدا من النقد والاتهام لحماس بتدمير غزة في ضوء موازين القوى العسكرية، وبالتالي علينا أن نعمل معا للخروج من العدوان بصورة مشرفة، من دون أن نغالي بالمطالب والشروط، فالأهداف الصغيرة تجعلنا ننتصر انتصارات صغيرة أيضا، في ضوء أن صراعنا مع إسرائيل طويل ولا يمكن حسمه عسكريا لكونها محمية من النظام الدولي.

بين الخطاب والممارسة

برؤية مماثلة للمحلل هاني المصري يرى الدكتور بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، أن خطاب السلطة رغم عدم تناغمه مع الشارع الفلسطيني في هذه اللحظة إلا أنه لا يعكس جوهر عمل السلطة ولا سلوكها الميداني، حيث نلاحظ أنه حتى اللحظة تجري عمليات منع بعض الحراكات في كثير من المناطق في الضفة الغربية مثل: الخليل ونابلس وجنين.

ورغم ذلك تتصاعد (اليوم) الجمعة دعوات لحراك ومظاهرات جماهيرية تقودها حركة فتح، فيما يشي انه قد يكون بداية لتحولات في الموقف ستكشفها الأيام القريبة المقبلة وستحدد ملامحها.

وبحسب الشوبكي فإنه يجدر التعامل مع الخطاب بصفته خطابا طالما لم يترجم على أرض الميدان، في ضوء ان السلوك الأمني في الضفة الغربية لا يشير بأي تغيير في قواعد التعامل مع قوات الاحتلال.

ويحلل قائلا: «الموقف اليوم في الضفة وتحديدا داخل حركة فتح لا يعكس قوتها أبدا، فدور فتح بالمواجهة الحالية يجب ان يتطور ويرتقي للمسؤولية الوطنية».

ويرى أن البنية الأمنية في الضفة الغربية وعلى مدى سنوات طويلة عملت على إعاقة ومنع أي تطور ميداني وطني موجه للاحتلال، حتى أن المقاومة الشعبية التي أعلن عنها الرئيس أثناء تصريحه في خطاب تأجيل الانتخابات قائلا: «من شان الله وينها المقاومة الشعبية» أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى على المحك والاختبار.

ويضيف الشوبكي، فكرة أن تعمل على احتواء الشارع ومداعبة المزاج العام ولا تلتحم مع المقاومة قولا وفعلا تجعل فتح والسلطة هما الخاسران الأكبران في هذه المواجهة.

ويحلل الموقف الرسمي الأخير قائلا: «لقد قدم الرئيس في خطابة جملة من التصريحات وفي نهاية الاجتماع خرج المجتمعون بمجموعة من القرارات والتأكيدات لكنها جوفاء لكونها خالية من أي استراتيجية أو خطة أو خطوات محددة، هناك غياب للأرضية أو الرؤية الواضحة، لا مبادرة إنما انتظار للمتغيرات والاسناد والدعم الدولي».

وشدد الشوبكي أنه: «علينا الاعتراف أن السلطة عاجزة عن القيام بدور أو بإجراءات ضد الاحتلال، الرئيس محمود عباس رئيس السلطة ورئيس حركة فتح ورئيس منظمة التحرير هذا أمر يكرس العجز لكونه ليس هناك حدود بين المناصب الثلاث. يجب ان يكون هناك فض للعلاقة بين سلطة المنظمة والسلطة وحركة فتح كي تمتلك القدرة على الحركة».

ويرى مراقبون وخبراء أن الأحداث اليوم التي تشهدها فلسطين التاريخية تسقط برنامج منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الذي طرح عام 1974 وهو البرنامج الذي أقر بفكرة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، حيث عبرت الأحداث عن أن فلسطين بتقسيماتها هي «بلد واحد، شعب واحد» لكنها تبحث عن قيادة واحدة تلتقط الأنفاس والجهود وتراكم على الواقع الجديد.

ويؤكد الشوبكي «صحيح أن الأحداث الأخيرة عملت على إعادة بناء النظام السياسي من جديد، فحماس لم تعد إحدى المدخلات في النظام السياسي بل أصبحت إحدى العناصر المشكلة للنظام السياسي وهي عنصر يقوم على الندية مع المحتل. أما القيادة في رام الله فهي حتى اللحظة غير مستعدة ولم ترتق لمستوى الشارع».

قاموس أوسلو

بما يدعم الاستنتاج السابق يؤكد الكاتب الفلسطيني والأديب محمود أبو هشهش أنه «لم يعد قاموس (أوسلو الجيب) صالحاً لشيء. لا للحديث عن الماضي، ولا لتوصيف الحاضر، ولا لمقاربة المستقبل والحلم الجديد. ولا مجال لتنقيحه، أو تحديثه بالمعاني المستجدة أبداً. فلن يتسع لأي منها».

وتابع قائلا: «لقد استعاد اسم فلسطين كامل مبناه ومعناه ودلالاته، واستعاد الفلسطيني كامل وجوده وحضوره البهي في المكان وفي الضمير، ليقول بشكل قاطع وحاسم أنه غير قابل للهزيمة أبداً، وأن الحق الفلسطيني غير قابل للنسيان، لا بالتقادم لأنه لا يتقادم، ولا بالقمع والاستبداد، ولا بالطمس أو التهويد أو التطبيع».

ويرى أبو هشهش أن الميدان يدلل على سحب الفلسطينيين اعترافهم بالواقع، واستعادوا قدرتهم من جديد على جعل العالم يقف على رؤوس أصابعه مشدوهاً بأفعالهم.

تقديرات خاطئة

وفي رأي الباحث الفلسطيني أكرم مسلم فقد أدمن الرئيس أبو مازن الامتثال للمطالب الدولية غير المُنصفة، المتركزة على خلع أظافر الذات، وبهذا تحوّل الموضوع الفلسطيني إلى موضوع إسرائيلي-إسرائيلي، وصار سقف عملنا السياسي مشدودا إلى نتائج التجاذب الإسرائيلي-الإسرائيلي حول مسألتنا.

وتابع في قراءته للمشهد السياسي الإسرائيلي وأثر ذلك على القضية الفلسطينية وأسئلتها الراهنة: «إسرائيليا انتصرت غريزة اليمين المطالبة بكل شيء في ظل الشعور بعدم وجود فلسطينيين، لكن شدّ اليمين الاستيطاني التناقضات إلى مداها الأقصى في مسألتي الاستيطان والقدس قطع الخيط نهائياً، وأعاد السؤال إلى مربعه الأول: النكبة، في انفجار يتجاوز بكثير منطقة الوهم الرسمي الفلسطيني».

المفارقة الجديدة مفادها أن السلطة في رام الله ليس لها شرعية في القدس ولا في فلسطين 48 ولا في قطاع غزة، شرعيتها في الضفة الغربية فقط وهي شرعية مصدرها خارجي حسب هاني المصري وبلال الشوبكي، وبالتالي هي اليوم عمليا فاقدة للقدرة على الضبط والتحكم في المناطق الفلسطينية الثلاث الملتهبة، وهي بعيدة كليا عن توجيه أو التأثير في هذا الفعل المقاوم وهو ما يقود تلقائيا إلى تراجع أكبر في شرعيتها المتوهمة حتى لدى الأطراف الخارجية والدولية.

—————

من حربي تموز 2006 إلى أيار 2021 إسرائيل أمام واقع عسكري جديد من الحرب «الاستباقية» إلى «الهزيمة الاستباقية»/ حسين مجدوبي

مدريد-القدس العربي»: مع نهاية شهر رمضان اندلعت حرب جديدة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتأخذ هذه الحرب أبعادا جديدة بحكم التطور الذي طرأ على طرق المواجهة لاسيما من الجانب الفلسطيني من خلال الاستعمال المكثف للصواريخ ثم تردد القوات العسكرية الإسرائيلية في تنفيذ عملية اجتياح بري عكس ما كانت تفعل في الماضي. ومن شأن هذه التطورات العسكرية فرض واقع سياسي جديد ناتج عن «توازن الردع والرعب».

واندلعت المواجهات العسكرية الجديدة «حرب أيار» بسبب سياسة حكومة إسرائيل في تطبيق التهجير التدريجي ضد فلسطينيي الداخل من أحياء في القدس وعلى رأسها حي الشيخ جراح في أفق تهويد شامل للقدس تماشيا مع حلم الانتقال إلى الدولة اليهودية القائمة على هذه الديانة. وكانت المواجهات تتلخص في الاحتجاجات من طرف فلسطينيي الداخل لتتطور إلى مواجهات بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة خاصة في قطاع غزة.

وأهم ما يميز «حرب أيار» 2021 هو القفزة العسكرية النوعية التي حققتها المقاومة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل والتي ستترتب عنها نتائج سياسية جديدة، ويمكن اختصار العلامات الفارقة لحرب أيار 2021 في تردد إسرائيل في تنفيذ عملية اجتياح بري، ثم انهيار أسطورة القبة الحديدية.

الخوف من العملية البرية

بعد ثلاثة أيام من المواجهات العسكرية وبدء تعرضها لصواريخ المقاومة، هددت إسرائيل باجتياح عسكري بري لقطاع غزة، وسربت إلى وسائل الإعلام بدء هذا الاجتياح ليلة الخميس الماضي، أي يوم العيد. لكن تبين لاحقا بقاء القوات العسكرية على حدود غزة وفي مناطق تسيطر عليها إسرائيل من دون اقتحام القطاع. وعليه، لماذا ترددت إسرائيل، هل تفاديا لسقوط الضحايا أو خوفا من عدم السيطرة على الوضع والتعرض لخسائر؟ العقيدة العسكرية الإسرائيلية راديكالية يجب القضاء على مصدر الخطر الذي يهدد اليهود قبل انفلاته من السيطرة ولا يهم عدد الضحايا الذين سيسقطون في الجانب الآخر. ولهذا، شنت إسرائيل حروبا استباقية واغتالت شخصيات بين زعماء سياسيين وعسكريين وعلماء السلاح وخاصة النووي بدون أدنى احترام للقانون الدولي.

وفي سؤال آخر: هل تمتلك إسرائيل القوة العسكرية لتنفيذ اجتياح عسكري؟ نعم إسرائيل من أقوى جيوش العالم وتتوفر على جيش احترافي بامتياز مدرب على مستوى عال، لكن الحروب تختلف، إذ أن تجربة حرب تموز ضد حزب الله سنة 2006 تجعلها تفكر كثيرا وتتخوف من تكرار سيناريو تلك الحرب. في تلك الحرب تعرضت أكثر من 120 دبابة ميركافا لعطب أخرجها من المعركة، وذلك بسبب استعمال حزب الله صواريخ صغيرة دمرت العجلات الحديدية التي تستعملها الدبابات. كما نجح حزب الله في إخراج عشرات المدرعات من ساحة القتال. ولا يمكن تحقيق أي تقدم بري بدون تغطية من الدبابات وبواسطة المدرعات.

في الوقت ذاته، تفاجأ الجيش الإسرائيلي بمستوى كومندوهات حزب الله. ونتيجة هذا المعطى المفاجئ، لم تستطع إسرائيل تنفيذ عملية اجتياح بري للبنان واكتفت بالقصف الجوي العنيف الذي وصل إلى مستويات من الوحشية. ويوجد الآن تخوف حقيقي وسط القيادة العسكرية الإسرائيلية من تكرار ما جرى مع حزب الله أن يحدث مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وكما فاجأت صواريخ المقاومة إسرائيل، تتخوف من المستوى القتالي والتكتيك الذي قد يعتمده الفلسطينيون في مواجهة أي توغل بري.

وعلاوة على كل هذا، فقد حولت المقاومة الفلسطينية قطاع غزة إلى ما يشبه القلعة، حيث يتوفر عشرات الآلاف من أبناء الشعب على بنادق. وأسوأ ما يواجه الغزو البري هو تسلح الأهالي، حيث لا يعلم العدو من سيفتح النار عليه.

صواريخ المقاومة وفشل القبة الحديدية

تبقى المفاجأة الكبيرة، وإن كانت منتظرة بالنسبة للكثير من الخبراء العسكريين، هي المستوى الذي حققته صواريخ المقاومة الفلسطينية من بدائية منذ عشرين سنة إلى دقيقة الآن وإن كانت تفتقر للقوة التدميرية الكبيرة. وهكذا، سطع نجم صواريخ من قبل القسام وعياش والأقصى، ونجحت في ضرب أهداف توجد في مجموع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل بدون استثناء، ووصل مدى بعض هذه الصواريخ إلى 250 كلم. وحققت استراتيجية الصواريخ حتى الآن هدفين، شل الحياة الاجتماعية في إسرائيل عندما يتم استهداف منطقة معينة، ثم التأثير على حركة الملاحة الجوية والبحرية على حد سواء. ومنذ بدء المواجهة، تعرضت إسرائيل لأكثر من 1700 صاروخ، بعضها للتمويه لإنهاك القبة الحديدية، والبعض الآخر يحمل متفجرات وموجه لضرب الأهداف.

واتضح من نجاح الصواريخ في ضرب أهدافها وتجميد أغلب رحلات الطيران كيف فشلت القبة الحديدية، أي نظام الدفاع المضاد للصواريخ الذي تعتمده إسرائيل، في اعتراض أكثر من ثلثي هذه الصواريخ الآتية من قطاع غزة. وتدفع هذه الصواريخ الإسرائيليين إلى العيش في الملاجئ بينما يفضل عدد آخر منهم الهروب إلى الخارج بحثا عن الأمن. وما يقلق إسرائيل ليس مدى الصواريخ الفلسطينية التي تصل إلى كل المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، بل التطور الذي قد تشهده مستقبلا من خلال رفع قوتها التدميرية، وقتها سيكون الرعب في إسرائيل المحدودة جغرافيا وسكانيا. صاورخ قوي وذو مدى متسوط ضد ساكنة محدودة جغرافيا وعدديا يحمل كل عناصر الهزيمة الاستباقية.

ما بين حرب تموز/يوليو 2006 التي جرت بين إسرائيل وحزب الله وحرب أيار/مايو 2021 بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، تلمس إسرائيل التطور العسكري للأطراف التي تحارب ضدها، وهي:

في المقام الأول، لا تواجه دولا بل حركات سياسية وعسكرية على رأسها حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبالتالي قدرة إسرائيل العسكرية الهائلة تصبح نسبية، إذ يكفي أن صواريخ المقاومة الفلسطينية فرضت ولأول مرة تعليق رحلات الطيران لمدة أيام.

في المقام الثاني، هذه الحركات تعتمد على السلاح الذي تنتجه ولا تستورده من أي دولة أخرى (قد تكون قطع مستوردة من إيران والتصاميم) أي سلاح في مجموعه لا يوجد في السوق الدولية ولا يخضع لصفقات تتضمن شروطا. ومن ضمن الأمثلة، صاروخ عياش لا يخضع لأي شرط مثل مقاتلات إف 16 التي يمتلكها الجيش المصري.

في المقام الثالث، تميز الجيش الإسرائيلي تاريخيا بمستوى عال من الجهوزية الحربية بسبب الاستثمار في التدريب وإعداد كوماندوهات تعد ضمن الأحسن في العالم، لكن بدأ يجد في مواجهته حركات مسلحة مثل حزب الله وحماس بدورها رفعت من مستوى محاربيها وأصبحت تتوفر على كوماندوهات ذات مستوى احترافي تفتقدها حتى بعض الدول وخاصة العربية منها. وكل هذا، يجعل الغزو العسكري معادلة صعبة وخطيرة.

إن ثقافة الصاروخ غير المكلف يفرض واقعا جديدا في الساحة العسكرية في الشرق الأوسط. الولايات المتحدة لم تهاجم إيران رغم التهديدات المتكررة بالحرب تجنبا لمفاجأة الصواريخ الإيرانية، ويكفي اعتراف البنتاغون منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي أن إيران لديها ثلاثة آلاف صاروخ دقيق للغاية. تصريح موجه إلى دول المنطقة وخاصة إسرائيل للرهان على السلام. وفرضت صواريخ حزب الله ضمن ما يعرف «توازن الرعب» على إسرائيل التفكير جيدا في أي مغامرة عسكرية، ولم تهاجم إسرائيل لبنان منذ حرب تموز 2006 ليس حبا في السلام بل إدراكا للهزيمة الاستباقية. وحرب أيار/مايو الحالية ستحمل نتائج سياسية منها البحث عن حل تفاوضي للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، سيلمس بدون شك عما قريب. إنه السلاح الذي يتحكم في النتائج السياسية.

نعم، تستمر إسرائيل قوة عسكرية ضخمة في العالم والشرق الأوسط، لكن التطور العسكري للطرف الآخر، وفي هذه الحالة، حزب الله والحركات الفلسطينية، يجعل من كل مغامرة عسكرية إسرائيلية بمثابة «هزيمة استباقية» مؤكدة ستتعرض لها وفق معادلة الصاروخ المتطور في يد الآخر ضد الرقعة الجغرافية ومحدودية الساكنة لإسرائيل.

القدس العربي

———————–

إدارة بايدن تنحاز مع الاحتلال الإسرائيلي والعلاقة «غير المشروطة» بين واشنطن وتل أبيب تتعرض لتدقيق أكبر/ رائد صالحة

أظهرت الاستجابة الأمريكية للعدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة مدى الفساد السياسي في واشنطن وعدم وجود أي فارق بين رئيس ديمقراطي أو جمهوري عندما يتعلق الأمر بمصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي.

وبالنسبة للعديد من المحللين الأمريكيين فقد كانت الأحداث المتصاعدة بمثابة أول تحد رئيسي للسياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، كما أنها كشفت الانقسام المتزايد بين الديمقراطيين بشأن انتقاد الاحتلال، في حين استغل الجمهوريون الأمر لانتقاد بايدن.

وأجرى المسؤولون الأمريكيون أكثر من 25 مكالمة مع العديد من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب في الأيام القليلة الماضية، بالاضافة إلى اتصالات دبلوماسية أخرى مع اقتراب الهجمات الصاروخية والغارات الجوية من حرب شاملة على الرغم من الدعوات الدولية للهدوء.

ووفقا لجون هدسون وآن جيران من صحيفة «واشنطن بوست» فإن هذا الجهد يخاطر بجر الولايات المتحدة إلى مستنقع الشرق الأوسط، الذي كان بايدن يأمل بتجنبه، حيث تستند استراتيجية في السياسة الخارجية إلى تحول نحو مواجهة الصين والابتعاد عن الشرق الأوسط وأوروبا.

وقال بايدن إنه تحدث مع رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو وأعرب عن تفاؤله بأن «القتال» سينتهي بسرعة، بدون تقديم أي سبب يدعو لهذا التفاؤل، مؤكداً في أكثر من مناسبة على انحيازه لإسرائيل، حيث امتنع تماماً عن انتقاد العدوان الإسرائيلي، واستخدم تعبيرات فضاضة بشأن القدس المحتلة، قائلاً إنها مدينة ذات أهمية كبيرة لأصحاب الإيمان من جميع أنحاء العالم، ويجب أن تكون مكاناً للسلام.

وامتنع المسؤولون الأمريكيون عن انتقاد الحكومة الإسرائيلية بشكل صريح، وبدلاً من ذلك، رحبوا بخطوة المحكمة العليا الإسرائيلية المزعومة لتأجيل جلسة استماع حول عمليات الطرد.

وذكر بيان البيت الأبيض أن بايدن أطلع نتنياهو على الجهود الدبلوماسية الأمريكية مع عدة دول من بينها مصر والأردن وقطر، لكي تكون وسيطاً مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

وانقسم الديمقراطيون إلى تيارات، الأول تيار موال تماماً لكيان الاحتلال، بما في ذلك زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر، وهو يهودي يمثل ولاية نيويورك، والسيناتور روبرت مينينيندز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو يمثل ولاية نيوجرسي، وقد تكفل اللوبي اليهودي بالدفاع عنه ضد سلسلة من الاتهامات بالفساد في وقت سابق، وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني إتش هوبر من ولاية ماريلاند.

والتيار الديمقراطي الثاني كان مستعداً لتحدي التقاليد الفاسدة للحزب المؤيدة لإسرائيل، حيث ضغط العديد من المشرعين بعدم تقديم مساعدات لإسرائيل يمكنها تمويل عنف الاحتلال.

وسلطت عضوات فرقة السكواد، رشيدة طليب وإلهان عمر وأوكاسيو كورتيز الضوء على العدوان الإسرائيلي بطريقة تتجاوز اللعبة السياسية القبيحة التي تلقي باللوم على كلا الجانبين، المجرم والضحية، وقالت كورتيز في تغريدة إنها تتضامن مع سكان الشيخ جراح الفلسطينيين في القدس، مشيرة إلى أن القوات الإسرائيلية تجبر العائلات على ترك منازلها.

وبالنسبة للجمهوريين، وغالبيتهم من العنصريين الموالين لكيان الاحتلال الإسرائيلي، فقد استغلوا الأحداث للتأكيد على دعمهم لكيان الاحتلال، ووصلت وقاحتهم إلى حد وصف رد فعل المقاومة الفلسطينية على العدوان الإسرائيلي بأنها «إرهاب بربري» وليست احتجاً مشروعاً.

ومن الملاحظ أن مستويات الدعم للحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة قد تصاعدت لعدة أسباب من بينها خروج العديد من المشرعين الموالين بشدة لكيان الاحتلال وظهور مجموعة من المشرعين، الذين يتفهمون جيداً القضية الفلسطينية.

وأصدرت أكثر من 100 مجموعة تقدمية في الولايات المتحدة بياناً مشتركاً دعت فيه إدارة بايدن إلى إدانة الحكومة الإسرائيلية بسبب مجموعة من السياسات، التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب ضد الفلسطينيين.

وقد وقعت مجموعات بارزة على البيان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، وقعت مجموعات «موذ أن» و»صن رايز موذمنت» و»جستس ديمكراتس» على البيان، الذي انتقد مزاعم الجماعات اليهودية التي تسعى إلى تبرير قانوني للسيطرة على الأراضي الفلسطينية. كما وقعت الممثلة سوزان سارندون على البيان.

وانضم 25 عضواً من الكونغرس إلى المجموعات التقدمية في دعوة بايدن للرد على انتهاكات حقوق الإنسان المروعة، وقالوا إن إدارة بايدن تعهدت في السابق بأنها ستحترم حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم ولا يجب أن تكون إسرائيل استثناء.

ولاحظت ياسمين طيب، محامية حقوق الإنسان والناشطة التقدمية، وأحد منظمي بيان الجماعات التقدمية، أن عدد أعضاء الكونغرس الذين يدققون في علاقة الولايات المتحدة وإسرائيل هو أكثر من وقت مضى في شكل غير مسبوق.

وطالب البيان الولايات المتحدة بإعادة التأكيد علناً على أن السياسة الأمريكية تعارض هدم إسرائيل لمنازل الفلسطينيين في القدس الشرقية، وأن القدس الشرقية محتلة بموجب القانون الدولي.

وتعترف الإدارة بأن الضفة الغربية محتلة من قبل إسرائيل، ولكنها قالت إن الوضع النهائي للقدس سيتقرر من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، كما طالبت الجماعات التقدمية وزارة الخارجية بمراجعة ما إذا كان هدم إسرائيل لمنازل فلسطينيين ينتهك قانون مراقبة تصدير الأسلحة.

وتبلغ القيمة الإجمالية للمساعدات العسكرية الأمريكية لكيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 3.3 مليار دولار سنوياً.

وبعيداً عن فساد المؤسسة السياسية الأمريكية في واشنطن، فقد خرجت مسيرات وتظاهرات في العاصمة ومدن أمريكية أخرى لدعم فلسطين، وكان يمكن سماع هتافات قوية في الشوارع بأن إسرائيل دولة إرهابية.

———————–

أوروبا تمنع المسيرات المؤيدة للفلسطينيين وتتعاطف مع إسرائيل/ آدم جابر

باريس-»القدس العربي»: منذ بدء التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما زالت ردود الفعل الأوروبية محسوبة حيال عدوان الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من محاولات بعض الدول التحرك لوضع حد لهذا التصعيد.

فقد عرقل دبلوماسيون أمريكيون مرتين هذا الأسبوع إصدار قرار مشترك لمجلس الأمن بشأن العنف، مما تسبب في إحباط أربعة بلدان أعضاء في المجلس الأوروبي هي النرويج وإستونيا وفرنسا وأيرلندا. وفي بيان نقلته «تايمز أوف إسرائيل» وصفت هذه الدول يوم الخميس الوضع بالمقلق وغير المقبول وأشارت إلى العدد الكبير من الضحايا المدنيين، بمن فيهم الأطفال، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة بالإضافة إلى القتلى الإسرائيليين جراء الصواريخ التي أطلقت من غزة. كما دعوا إسرائيل إلى وقف أنشطة الاستيطان والهدم وعمليات طرد الفلسطينيين، بما في ذلك من القدس الشرقية المحتلة.

ومع ذلك ليست كل العواصم الأوروبية مستعدة للتنديد بالإجراء الإسرائيلي. فقد اعتبرت الحكومة الألمانية على سبيل المثال أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وفق ما أفادت وكالة «فرانس برس» الأربعاء. وبعد ذلك، بيومين، اعتبر المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن زايبرت أن الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس على إسرائيل «هجمات إرهابية» وحذر من مغبة أن برلين لن تتسامح مع المظاهرات المعادية للسامية على أراضيها، قائلاً إن أي شخص يهاجم كنيسا يهوديًا، وأي شخص يضر بالرموز اليهودية، يظهر أن الأمر لا يتعلق بانتقاد دولة، أو سياسة حكومية، بل يتعلق بالعدوان والكراهية ضد دين ومن هم هناك.

وانتقد المتحدث «أولئك الذين يستخدمون هذه المظاهرات للتعبير عن كراهيتهم لليهود يسيئون استخدام الحق في التظاهر».

من جهتها رفعت النمسا، يوم الجمعة، العلم الإسرائيلي على المباني الرسمية في إشارة إلى التضامن في مواجهة ما تعتبرها اعتداءات موجهة من قطاع غزة من قبل حماس وجماعات إرهابية أخرى. وكتب المستشار المحافظ سيباستيان كورتس في بيان أرسل إلى وكالة «فرانس برس»: «أدين بشدة الهجمات على إسرائيل من قطاع غزة».

واتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هاتفيا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث أعرب له عن قلقه من محنة السكان المدنيين بقطاع غزة في ظل عمليات إسرائيل، داعيا إلى إعادة السلم، وفق ما جاء في بيان أصدره قصر الإليزيه يوم الجمعة، والذي أكد أن ماكرون ذكر بالتزام فرنسا الصارم بأمن إسرائيل، كما قدم تعازيه لذوي ضحايا هجمات حماس التي استنكرها بشدة، وفق بيان الرئاسية الفرنسية.

ورفضت الحكومة الفرنسية تنظيم مسيرات مساندة للفلسطينيين، حيث أمر وزير الداخلية جيرار دارمانان بمنع المظاهرة المقررة للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي، تجنبا لتكرار سيناريو الصدامات والاضطرابات الخطيرة في النظام العام، التي وقعت في 2014 بباريس، على هامش مظاهرة مماثلة على خلفية الصراع الدائر في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقد ندد زعيم اليسار الرديكالي الفرنسي جان بيك ميلانشون بهذه الخطوة، معتبرا أن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تحظر فيها جميع المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني.

بدوره، اعتبر نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس يوم الجمعة إنه قلق للغاية من الاحتجاجات وأعمال معاداة السامية في الاتحاد الأوروبي، ودعا الدول الأعضاء إلى توخي اليقظة. وقال في رسالة نشرها على حسابه على تويتر إن أي مظاهر واضحة لمعاداة السامية يجب إدانتها بشدة.

ورأى بعض المثقفين والحقوقيين أن ردود الفعل الأوروبية هذه «خجولة ومخزية» وقد كتبت عدة شخصيات فرنسية إلى الرئيس إيمانويل ماكرون مطالبة إياه التنديد بالوضع في القدس وبالتدخل، محملين الأحزاب المتحالفة رسميًا مع بنيامين نتنياهو، مسؤولية ما حصل. وندد هؤلاء بصمت فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تريد أن تكون لاعباً رئيسياً في الدبلوماسية الأوروبية.

القدس العربي

———————–

المواقف الدولية من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وموقف غوتيريش المنحاز/ عبد الحميد صيام

نيويورك-»القدس العربي»: أود أن أقدم شهادة للتاريخ جوهرها أن موقف الأمين العام الحالي، أنطونيو غوتيريش، مما يجري في القدس وغزة وفلسطين قد اتسم بالتردد والنفاق وازدواجية المعايير بطريقة لم أعهدها من قبل منذ بدأت علاقتي بالأمم المتحدة منذ نحو 40 سنة. لقد تهرب من الاستحقاق الأخلاقي الذي يفرضه المنصب كقيـّم على ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، وأشاح بوجهه عما يجري في الشيخ جراح والقدس والأقصى ودفن رأسه في الرمال وكأن الأمر لا يعنيه. أعرف أنه رشح نفسه لدورة ثانية تبدأ مطلع عام 2022 وأنه يبحث عن رضى السيد الأمريكي الذي يمر عبر القناة الإسرائيلية، لكن أن يصل به الحد لأن يرفض أن يدين قتل الأطفال الأبرياء والنساء وهدم الأبراج وتدمير المدارس، فتلك خطيئة لا تغتفر وسيسجل التاريخ نقطة سوداء في سجله.

وسأحاول في هذا المقال أن أقدم ملخصا للمواقف الدولية ثم أعود إلى موقف غوتيريش، لأبين مدى الانحياز الكبير الذي وقع فيه.

الشيخ جراح الشرارة

منذ بداية شهر رمضان عملت القوات الصهيونية على تكثيف الاستفزازات للمصلين في منطقة الحرم الشريف عن طريق المستوطنين والمتطرفين المحميين ببنادق الأمن والشرطة والاستخبارات. وبالكاد مر يوم واحد من دون اقتحام أو استفزاز أو مواجهات. ولأن القدس في شهر رمضان تستقبل مئات الألوف من المصلين كانت المواجهات تتصاعد وتزداد حدة كل يوم.

توسعت الاستفزازات لتشمل الشيخ جراح ذلك الحي المقدسي العريق الذي يحمل اسم طبيب صلاح الدين الأيوبي. كان قرار محكمة الاغتصاب الصهيوني المركزية بإخلاء سكان الحي يوم الإثنين 2 أيار/مايو الذي استقروا فيه منذ بداية الخمسينات على إثر النكبة الفلسطينية ومنحت لهم شهادات تملك من قبل السلطات الأردنية آنذاك.

سكان الحي ومنذ عام 1972 يعانون من الاستفزاز والضغط والترهيب لإخلاء الحي، حيث قامت جماعة من المستوطنين من طائفة اليهود السفرديم بدعم من لجنة في الكنيست بادعاء تملك أرض الحي منذ عام 1885 وأبرزت شهادات مزورة أمام المحكمة وقدمت دعاوى لإخلاء المنازل التي تقطنها العائلات الفلسطينية بدعوى أنها مقامة على أرض مملوكة لها، وهو ما تنفيه العائلات الفلسطينية والحكومة الأردنية ووكالة الأونروا التي ساهمت في بناء 28 بيتا للاجئين مقابل تخليهم عن بطاقات اللجوء.

وحسب مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» عام 2020 فقد رُفعت دعاوى إخلاء ضد ما لا يقل عن 218 أسرة فلسطينية في القدس الشرقية، بما في ذلك أسر في الشيخ جراح، من قبل «جمعيات استيطانية» وهو ما سيعرض 970 شخصا، بمن فيهم 424 طفلا، لخطر التشريد.

مع اقتراب موعد الإخلاء بدأت حركة تضامن واسعة مع سكان الحي. وفي معظم الليالي كانت تقام مائدة إفطار جماعي للمتضامنين الذين تجمعوا من كافة أرجاء الوطن. وفي نفس الوقت ازدادت حدة الاعتداءات على المتضامين. وقد شاهد العالم أكثر من مرة مهاجمة الصائمين ساعة الإفطار وتحويل المؤائد الجماعية إلى مجابهات بالأيدي والكراسي والعصي والبنادق أحيانا من قبل المتطرفين. لكن الشباب والشابات المقادسة استطاعو أن يطردوا قوات الأمن من درجات باب العامود الشهيرة وأن يطاردوا المستوطنين في حارات القدس العتيقة ما أدى إلى ارتفاع معنويات أبناء المدينة أولا والمتضامين معهم ثانيا والشعب الفلسطيني ثالثا.

لشدة المواجهات اضطرت المحكمة إلى تأجيل الإخلاء القسري إلى يوم الخميس 5 أيار/مايو. هذا القرار أجج حركة التضامن وزاد عدد المعتصمين بالحي. ثم جاء يوم الجمعة الأخيرة، يوم القدس العالمي، حيث أعلن النفير العام وتوجه مئات الألوف للقدس مساء الجمعة وقامت قوات الاحتلال باقتحام الأقصى بطريقة همجية مخلفة نحو 300 مصاب وانتشرت المواجهات في كل أنحاء المدينة.

كان المتطرفون الصهاينة يحضرون لمسيرة ضخمة يوم الإثنين 28 رمضان (10 أيار/مايو) للاحتفال بذكرى توحيد القدس بعد حرب حزيران/يونيو 1967 تنطلق من القدس الغربية نحو القدس الشرقية وتصل إلى منطقة الحرم الشريف. وقد صدرت عدة تحذيرات دولية بما فيها بيان من الخارجية الأمريكية تطالب بإلغاء المسيرة ووقف إبعاد سكان الشيخ جراح عن منازلهم ووقف انتهاك حرمة المسجد الأقصى. لم يعط نتنياهو وصقور الحرب من حوله أي اعتبار لتلك المناشدات. تجمع الصهانية في الموعد بمئات الألوف. حركة حماس أنذرت المسيرة ومنظميها أنها ستطلق رشقة من الصواريخ نحو القدس الغربية إذا لم تنفض المسيرة. لم يأخذ منظمو المسيرة تهديدات حماس مأخذ الجد. الساعة السادسة بتوقيت فلسطين انطلقت الصواريخ. تفرق القوم ينتابهم الذعر. هرب كل واحد منهم باحثا عن النجاة عندما سمعوا صفارات الإنذار. فشلت المسيرة. بعد ذلك بدأت المواجهات.

المواقف الأممية

هناك شبه إجماع من كافة منظمات وأجهزة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بإدانة استفزازات إسرائيل ومطالبتها بالكف عن التدخل في شأن المصلين بالمسجد الأقصى أو المظاهرات السلمية في الشيخ جراح. وقد صدرت بيانات عديدة لا يتسع المجال لذكرها. فقد طالبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إسرائيل بأن توقف فورا جميع عمليات إجلاء العائلات في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وقال روبرت كولفيل، المتحدث الرسمي باسم المفوضية، إن أوامر عمليات الإجلاء، إذا صدرت وتم تنفيذها، ستنتهك التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي وقد ترقى إلى مستوى جريمة حرب. كذلك ناشدت هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لليونسيف، بضرورة حماية الأطفال وعدم استهدافهم. وأعرب ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات ، ميغيل أنخيل موراتينوس، عن استيائه وقلقه العميق إزاء الاشتباكات العنيفة الأخيرة في المسجد الأقصى، ثالث أقدس الأماكن الإسلامية. ودعا الممثل السامي إلى احترام حرمة الأماكن الدينية وحق المصلين في ممارسة شعائرهم الدينية وتقاليدهم بسلام وأمان دون خوف أو تخويف. وناشدت الأونروا في بيان وقف التصعيد وأدانت مقتل 20 شخصًا، بينهم تسعة أطفال فلسطينيين، أربعة منهم أشقاء. بينما أعرب خبراء حقوق الإنسان عن قلقهم البالغ إزاء ردود إسرائيل العدوانية على الاحتجاجات في القدس، ودعوا إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، إلى الانهاء الفوري لتهديدها بطرد مئات الأسر الفلسطينية من منازلهم المحمية قانونا. وقد وقع البيان كل من مايكل لينك، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وبالاكريشنان راجاجوبال، المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق. وقال خبراء، في بيانهم «إن إعادة إحلال الهدوء في القدس أمر مهم، لكن تهيئة الظروف لتحقيق العدالة والمساواة في المدينة أكثر أهمية».

موقف الأمين العام

ظل الأمين العام صامتا مع كل هذه التطورات الميدانية في القدس وخاصة في الشيخ جراح. وقد أثرنا موضوع هذا الصمت المريب لخمسة أيام متواصلة مع المتحدث الرسمي، ستيفان دوجريك، (3-7 أيار/مايو) دون جواب. وحتى بعد قيام القوات الصهيونية بالاعتداء على المصلين مساء الجمعة وانتهاك حرمة الأقصى الشريف ظل الأمين العام صامتا.

وأخيرا أصدر أول بيان له حول الأحداث مساء الأحد 9 أيار/مايو حثّ فيه إسرائيل على وقف عمليات الهدم والإخلاء، تماشياً مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. وقال: «يتحمل جميع القادة مسؤولية العمل ضد المتطرفين والتحدث علانية ضد جميع أعمال العنف والتحريض». كما حث «التمسك بالوضع الراهن في الأماكن المقدسة واحترامه» في لغة خشبية لا تعني إلا المساواة بين الضحية والقاتل.

في اليوم التالي الإثنين 10 أيار/مايو، يوم المسيرة الصهيونية لبسط السيطرة على القدس، أطلقت حماس الصواريخ بعد تحذيرين لمنظمي المسيرة، الساعة السادسة مساء (11 صباحا بتوقيت نيويورك). الأمين العام أصدر بيانا الساعة 12 بتوقيت نيويورك أي بعد ساعة فقط من إطلاق الصواريخ يدين فيه «بأقوى العبارات إطلاق الصواريخ». إذن انتظر الأمين العام أكثر من عشرة أيام ليقول شيئًا باردا عما يجري في القدس وبعد أن أصيب أكثر من 300 شخص في المسجد الأقصى، بينما أصدر بيانه بعد ساعة من إطلاق الصواريخ مستخدما لغة أشد قسوة من اللغة الناعمة والعتابية التي يستخدمها مع إسرائيل.

ومنذ يوم الإثنين وحتى يوم الجمعة ما فتئ الأمين العام يطلق بيانات بعبارات شديدة الحذر يساوي فيها بين المعتدي والمعتدى عليه بما في ذلك بيان يوم الجمعة الذي قال فيه إن التصعيد العسكري المستمر أدى إلى معاناة ودمار كبيرين وأودى بحياة أعداد كبيرة من المدنيين بمن فيهم، وبشكل مأساوي، الكثير من الأطفال. فهو يساوي بين الطرفين ولا يذكر 31 طفلا فلسطينيا و 15 امرأة قتلوا دونما ذنب. ويتحدث عن الدمار في الجانبين وكأنه متساو. وعندما نثير الأسئلة حول هذه البيانات يتمسك المتحدث بها. «هل يتمتع الفلسطينيون بحق الدفاع عن النفس؟ هل يحق للشعب الواقع تحت الاحتلال أن يقاوم القوة القائمة على الاحتلال؟ هل كلمة «إدانة» تستخدم حصريا عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين؟». لا جواب.

——————————

صاندي تايمز: غزة تقلب حسابات السياسة الإسرائيلية والسياحة.. وآمال بهدنة قريبة/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا لمراسلها أنشيل بيفر، قال فيه إن تدمير إسرائيل مبنى يضم مكاتب لوسائل إعلام دولية في مدينة غزة وتعمل منه وكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتدبرس” وقناة الجزيرة القطرية، أثار غضب الأمريكيين، وربما دعا إلى دفع لوقف إطلاق النار.

ومع أن أحدا لم يقتل في الهجوم، إلا أن صور اللاقطات الفضائية التي انهارت مع البناية أدت لردة فعل قوية من البيت الأبيض. وقالت جين ساكي في تغريدة على تويتر: “لقد اتصلنا مباشرة مع الإسرائيليين للتأكيد على أن سلامة وأمن الصحافيين. والإعلام المستقل هو مسؤولية مهمة”.

وقالت ليزا ناندي، وزيرة الشؤون الخارجية في حكومة الظل البريطانية إن “استهداف مكاتب الإعلام في غزة بغارات إسرائيلية غير مقبول، وحرية الإعلام هي حق أساسي”. وقالت إسرائيل التي منحت المقيمين في البناية ساعة للخروج منها، إنها كانت تستهدف مكتبا لحماس، مع أن مالك البناية أنكر وجود شيء من هذا القبيل.

واستمرت الغارات الإسرائيلية يوم الجمعة، حيث قُتلت عائلة بكاملها في مخيم الشاطئ للاجئين. واستمرت حماس بإطلاق الصواريخ نحو المدن الإسرائيلية بما فيها تل أبيب واستمر عدد الضحايا بالارتفاع، خاصة من الجانب الفلسطيني. كما عادت الفوضى إلى الشوارع، حيث تم حرق بيوت في حي عربي بمدينة يافا، فيما انطلقت مسيرة من أم الفحم باتجاه مستوطنة زراعية وهتف المشاركون فيها “جئنا لنحرق بيوت اليهود”.

وانتشر العنف داخل إسرائيل والمناطق الفلسطينية، حيث قُتل 11 فلسطينيا في الضفة الغربية. وشعر القادة الإسرائيليون ولوقت قصير أنهم سينهون حملة قصف وغارات استمرت لمدة خمسة أيام وبدأت بإطلاق حماس الصواريخ باتجاه القدس.

وردت إسرائيل بغارات دمرت شبكة من الأنفاق التي حفرتها حماس لشن حرب عصابات ضد إسرائيل، وفق ما تقول الصحيفة. وفي الساعات الأولى قبل القصف، أعطت إسرائيل انطباعا أنها ستقوم بعملية برية من خلال نقل رتل من الدبابات قريبا من حدود غزة، وضللت الإعلام بأن القوات دخلت القطاع، وكانت تحاول من وراء ذلك، دفع مقاتلي حماس للنزول إلى الأنفاق ثم قتل أكبر عدد منهم في قصف جوي عنيف، لكنّ الخدعة لم تنطلِ على مقاتلي حماس، وأفشلوا الخطة الإسرائيلية، بحسب وسائل إعلام عبرية.

وقاد انطباع آخر بأن الأزمة تقترب من نهايتها عندما خفّت وتيرة العنف المتبادل بين العرب واليهود داخل المدن والبلدات الإسرائيلية. وفي حيفا، كبرى المدن الإسرائيلية حضّرت الشرطة نفسها لعملية كبيرة عندما خططت جماعة يمينية متطرفة لدخول الأحياء العربية ولكن تم تفريقها بعد مواجهات متفرقة. وأدى وصول هادي عمرو، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إلى إسرائيل، ووفد عسكري مصري إلى حالة المزاج المتفائل. وقال ضابط إسرائيلي: “أعتقد أننا سنتوصل لوقف إطلاق النار خلال أيام”. مضيفا: “في ضوء إنجازاتنا وتحرك المصريين والأمريكيين فالأمور تبدو واعدة”، لكن أحداث السبت أظهرت أن أياً من الطرفين ليست مستعدا لوضع السلاح.

ولم يكن هذا الوضع المتوقع بعد نجاح عمليات التلقيح وعودة الحياة لطبيعتها في إسرائيل وتوقعات بعودة السياحة خاصة من بريطانيا بعد اتفاق البلدين على الاعتراف بشهادات التطعيم. وحتى لو عاد الهدوء الأسبوع المقبل، فلن يأتي السياح البريطانيون الجريئون إلى شواطئ إيلات أو حيفا. وقال صاحب محل سياحة: “في الصيف الماضي كاد كوفيد-19 أن يمحونا. وهذا الصيف ستكون غزة من يفلسنا”.

وحاولت إسرائيل في الأشهر الماضية تقديم صورة عن نجاح حملات التطعيم وكأنها ليست جزءا من الشرق الأوسط، ولكنها عادت هذا الأسبوع للحروب والدم. وكان من المتوقع أن تكون الأمور مختلفة بعد فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلاف متطرفة، واقتربت الأحزاب المعارضة من تشكيل حكومة يمين ويسار ووسط، بل وأحزاب عربية والتخلص من نتنياهو. وكان سيتم الاتفاق على رئيسي وزراء، المتطرف نفتالي بينت والوسطي يائير لابيد. كما كان من المتوقع أن يلتقيا مع رئيس حزب القائمة العربية الموحدة عباس منصور. ولكن اللقاء أُجل بسبب التوتر في القدس والصواريخ من غزة.

وبحلول الخميس أخبر بينيت لابيد أنه لن يشارك في حكومة مع عرب. وسيظل نتنياهو رئيسا لحكومة تصريف الأعمال بدون بديل له، ولا توجد أدلة على هندسته للأحداث الأخيرة، فهو وإن أمر الشرطة بتخفيف تحركاتها في القدس، إلا أنه عمل في السابق ما بوسعه للتحريض ضد العرب في إسرائيل للحفاظ على تحالفه مع الأحزاب المتطرفة. كما ورث أزمة غزة عندما تولي الحكم عام 2009 لكنه لم يفعل شيئا لحلها.

ورغم الحصار الذي فرضته إسرائيل ومصر على القطاع بعد سيطرة حماس عام 2007 والرشقات المتبادلة بين الطرفين، إلا أن نتنياهو ترك مليوني مواطن في القطاع يعيشون في حالة بؤس وفقر. فالتنازل في موضوع غزة لم يكن ليحظى بدعم من حلفائه المتطرفين.

وربما سيظل نتنياهو في الحكم لبعض الوقت، إلا أن العنف الذي غمر إسرائيل تحت نظره وهو الأسوأ قد يغيّر الحسابات. وانطلقت الشرارة من القدس، حيث شهدت مواجهات بين المصلين في المسجد الأقصى والشرطة الإسرائيلية طوال شهر رمضان. ويعتبر الأقصى الرمز الذي يوحد الفلسطينيين ومسلمي العالم.

وبالنسبة لحماس التي أطلقت على حملة الصواريخ “سيف القدس” فهذه لعبة ضد القيادة الفلسطينية بعد تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في 22 أيار/ مايو.  أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالتزم الصمت حيال الأحداث الأخيرة، حيث وضعت حماس نفسها في موقع القيادة.

وفي داخل إسرائيل، فالعنف له أسباب أبعد من المسجد الأقصى، فنسبة 20% من سكان إسرائيل هم عرب وتمت معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. فالعنف الذي اندلع هو نتاج للغضب والظلم ولا علاقة له برموز دينية أو سياسية. فمدينة اللد القريبة من تل أبيب، ظلت مكانا للفقر. وربع سكانها من العرب، حيث انتشرت العصابات فيها، وكانت مسرحا للأحداث في الأسبوع الماضي. وقال وليد علوي: “كي أكون صادقا، كنت أتمنى لو حضرت الشرطة إلى هنا عندما كان العرب يقتلون العرب” في إشارة لانتشار الجريمة في الأحياء العربية. وتابع: “كانوا يحضرون ويعتقلون البعض ثم يفرجون عنهم لغياب الأدلة. ولهذا كيف ستشعر عندما يحضرون بالمئات للبلدة لأن الضحايا هم يهود”. وفاقم حضور عدد من المتطرفين اليهود بذريعة حماية الأحياء اليهودية من تدهور الوضع.

——————————

المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط لمندوبين عن فلسطينيي الداخل: نتنياهو مخرب المسيرة السلمية/ وديع عواودة

الناصرة- “القدس العربي”: التقى المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط هادي عمرو (من أصل لبناني متزوج من سيدة فلسطينية أصلها من الناصرة داخل أراضي 48) الليلة الماضية بعض قادة الجمعيات الأهلية العربية داخل أراضي 48 منهم دكتور ثابت أبو راس، الناشطة النسوية مديرة جمعية “نعم” سماح سلايمة، ومدير مركز “مساواة” جعفر فرح، في محاولة لفهم أسباب المواجهات بين العرب واليهود داخل المدن الساحلية التاريخية المعروفة اليوم بـ”المختلطة” وبقية البلدات العربية وإلى أين تتجه هذه المواجهات.

وأوضح أحد المشاركين العرب في الاجتماع لـ”القدس العربي” أن المبعوث الأمريكي هو من توجه لقادة المجتمع الأهلي وأن الهدف من اللقاء بهم تضمين تقديراتهم ضمن تقرير سيرفعه لوزير الخارجية الأمريكي عشية زيارة محتملة له للمنطقة.

    اجتمع بهم لإعداد تقرير عن خطورة الاشتباكات بين العرب واليهود داخل إسرائيل

وأكد بعض المشاركين في الاجتماع أن المبعوث الأمريكي وصف نتنياهو خلال اللقاء بـ”المخرب، مخرب المسيرة السلمية” وذلك في نطاق تعليقه على مداخلة أحد المشاركين العرب في اللقاء النادر من نوعه مع مسؤولين فلسطينيين في أراضي 48.

وشارك في الاجتماع وفد عن السفارة الأمريكية في القدس المحتلة منهم مستشار السفير السياسي، علما أن الولايات المتحدة تستعد لتعيين سفير جديد لها في القدس المحتلة بعدما أنهى السفير المنحاز للمستوطنين دافيد فريدمان مهامه.

وتساءل أحد المشاركين العرب في الاجتماع هل تعدل أمريكا موقفها وتطالب إسرائيل بوقف الحرب على غزة أم تبقى تثرثر وتبدي مواقف خجولة ومتناقضة، لافتا إلى أنهم أكدوا على مسامع المبعوث الأمريكي خطورة الأوضاع الراهنة واحتمال وقوع انفجار أخطر بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل خاصة أن جماعات فاشية من اليمين والمستوطنين تواصل اعتداءاتها على العرب في كثير من المواقع.

مواجهات خطيرة جدا

وكانت المواجهات والاشتباكات بين شباب في بلدات عربية كثيرة داخل أراضي 48 وبين قوات الشرطة الإسرائيلية قد استمرت وتصاعدت في بعض المواقع الساخنة أخطرها في بلدة كفر كنا ليلة السبت، حيث اندلعت مواجهات واسعة وخطيرة أصيب خلالها 50 من شباب البلدة برصاص مطاطي وحي وما زال 15 منهم يمكثون في أربعة مستشفيات ثلاثة منهم بحالة خطيرة جراء إصابتهم برصاص حي في الصدر والرأس.

وكانت قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية قد وصلت لقلب البلدة واعتقلت الشيخ كمال خطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية التي حظرتها إسرائيل عام 2015 ومددت محكمة الصلح في حيفا السبت اعتقاله خمسة أيام بشبهة التحريض ومواصلة النشاط ضمن تنظيم محظور.

ومع انتشار نبأ دخول الشرطة الإسرائيلية لمركز كفركنا تدفق العشرات من الشباب واشتبكوا معها حيث رموها بالحجارة وردت بالرصاص المطاطي والحي قبل أن تستخدم وسائل تفريق سلمية والقنابل الغازية والصوتية. ورغم محاولات متكررة من قبل رئيس بلدية كفركنا دكتور يوسف عواودة إقناع قوات الشرطة الإسرائيلية بالانسحاب طالما اعتقلت الشيخ كمال وتم نقله لخارج البلدة، لكنها رفضت بدعوى أن المهمة لم تنته بعد.

ويؤكد يوسف عواودة لـ”القدس العربي” أن الشرطة قامت في الماضي عدة مرات باستدعاء الشيخ كمال خطيب لمكاتبها للتحقيق معه متسائلا لماذا هذه المرة جاءوا بقوات معززة وبشكل استعراضي لاعتقاله رغم الأجواء المشحونة والمتوترة، كما تساءل لماذا لم تنسحب بعد اعتقال الشيخ كمال خطيب؟ ويؤكد أن الشرطة الإسرائيلية وبدلا من التعاون معه أشهر جنديان منها مرتين بندقية “إم 16” في وجهه وهدداه بالقتل.

وتابع “واضح جدا أن الشرطة الإسرائيلية جاءت بهدف ترهيب أهالي كفركنا بالحديد والنار عشية المظاهرة الشعبية في سخنين عصر السبت لمنعهم من المشاركة في الاحتجاجات وإطفاء جذوة الاحتجاجات بالقوة كي لا تشكل عبئا على صناع القرار في حكومة إسرائيل في حساباتهم حيال الاستمرار بالحرب على قطاع غزة.

وطالب رئيس بلدية كفركنا يوسف عواودة وزير الشرطة الإسرائيلية بالاستقالة مشددا على أن الشرطة كادت ترتكب مجزرة في بلدته دون مبرر وبسبب مواقف استفزازية حمقاء ترتبط بمكان وزمان وملابسات عملية اعتقال الشيخ كمال خطيب وهذا ما تبناه رئيس لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48 محمد بركة.

وقال محمد بركة، في كلمته المركزية التي ختمت مظاهرة عشرات الآلاف في مدينة سخنين، ليلة السبت إن احتجاجات فلسطينيي الداخل لن تتوقف إلا بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة متطابقا بذلك مع موقف رئيس بلدية سخنين دكتور صفوت أبو ريا في كلمته خلال المهرجان الختامي في نهاية مسيرة سخنين.

كما قال إن عشرات الألوف الحاضرة هنا، جاءت لتطلق صرخة الغضب ضد جرائم الاحتلال وعصابات المستوطنين ضد شعبنا وجماهيرنا، معلنا أن وجهة لجنة المتابعة هي الإعلان عن الإضراب العام، أمام استفحال الجرائم الإسرائيلية، وهو تصريح استقبلته الحشود بالتصفيق والهتافات.

وأوضح بركة أن هذه عشرات الألوف جاءت إلى سخنين لتقول كلمتها، وأقول للقدس والأقصى اطمئني واطمئن، هذا شعبك ولن يهون بك، ولن يفرط في دفاعه عن القدس والأقصى. وتوقف بركة عند جرائم الاحتلال في قطاع غزة، ومشهد المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل فجر السبت في القطاع، وأودت بثمانية أطفال وسيدتين شهداء. وتابع “اليوم الخامس عشر من أيار 2021، اليوم 73 عاما على نكبة شعبنا، حينما شردوا غالبية شعبنا وتحولوا الى لاجئين، وهدموا 530 قرية من قرانا وبلداتنا، ونحن نقول لهم، إن العودة آجلة أم عاجلة، وتعمير القرى المهجرة قادم، مهما طال الزمن أو قصر.

لا وطن لنا سواه

وتساءل ما هذا القمع المستمر، إن كان من القوات العسكرية الإسرائيلية، أو من قطعان المتطرفين؟ وهل تعتقد إسرائيل أنها تريد أن تتسبب لنا بنكبة ثانية؟ وعن ذلك قال “نحن نقول لهم باسم مليون و600 ألف فلسطيني في الداخل، لن نسمح بنكبة ثانية. نحن هنا باقون متجذّرون صامدون، وهذا وطننا ولا وطن لنا سواه.

وشدد بركة على أن العدوان المنظم على عكا وحيفا ويافا واللد والرملة وعلى جماهيرنا، لأنهم يعتقدون أنهم يريدون استكمال ما لم يستكملوه في النكبة من ملامح فلسطين. ولكن في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا شعب يحميها. وتابع أنه حتى الآن بلغ عدد المعتقلين 800 معتقل، ووجه لهم التحيات الكفاحية، وخاطبهم بالقول “أنتم أبناؤنا”، ودعا للوقوف الى جانبهم. وتوقف عند ما جرى في كفركنا مساء الجمعة، حينما أقدموا على اعتقال الشيخ كمال خطيب، موجها له التحية باسم الجماهير.

وقال إن ما جرى في كفر كنا كان استفزازا منظما، لأن الشيخ أبو معاذ تم استدعاؤه مرارا للتحقيقات، وكان يذهب ويتلقى أوامر كهذه أو تلك، مثل عدم دخول الضفة أو القدس. ولكن في الأمس هدفهم كان أكبر، واعترفت الشرطة بأنها استخدمت الرصاص الحي. هم جاءوا لشن عدوان مبيت لـ كفركنا، ووجه بركة التحية لهذه البلدة الشجاعة على وقفة أهلها. وأضاف بركة أن “فلسطينيي الداخل ليسوا وقودا لاستمرار نتنياهو على رأس السلطة، وسفك دم شعبنا ليس من أجل تملص نتنياهو من المحاكمة وسفك دماء شعبنا، ليس لـ إبراز بطولات يائير لبيد ونفتالي بينيت، وأشكالهما، فالطيور على أشكالها تقع. نحن أصحاب البلاد، ولا وطن لنا غير هذا الوطن، لنا حقوق قومية وحقوق مدنية، ومن سن قانون القومية ليلغي حقوقنا القومية والمدنية، “يبلوا ويشرب ميّته”.

شيطنة نضالنا العادل

وشدد على أن نضال الشعب الفلسطيني نضال عادل، وأن نضال فلسطينيي الداخل بالذات الذي يتعرض للشيطنة والتحريض يمارسونه بوسائل عادلة، فالموقف السياسي والوطني الصحيح إذا افتقد للقيم الإنسانية والأخلاقية، فهو ناقص. وتابع “السلطة الإسرائيلية الحاكمة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي تقع. وواجبنا كقيادات، رؤساء سلطات محلية وقادة أحزاب ومنظمات وحراكات وجمعيات، واجبنا أن نحمي أبناءنا، وأن نطمئن الأمهات بأننا نحرص على حياة أولادهن، فهذه مسؤوليتنا وعلينا القيام بهذه المسؤولية، مع كامل الاحتضان والمحبة والافتخار والاعتزاز بشبابنا الرائعين، الذين يملؤون الشوارع الغضاب بالمظاهرات”.

احتمال الإضراب العام

وحذّر بركة من “مخططات السلطة لتفتيتنا، وهذه مخططات لا تتوقف، ولكن في العقدين الأخيرين، تعاظمت هذه المخططات، إن كان بمحاولات التجنيد على أشكالها، ودس العنف، والتحريض على الأحزاب العربية ولجنة المتابعة، لنكون شعبا من دون رأس، ونحن نريد لأحزابنا أن تكون أقوى وهيئاتنا الشعبية أن تكون أقوى، فكلما كانت أطرنا أقوى، شعر شعبنا بظهر يحميه”. وختم بركة قائلا، اليوم لا ننهي مسيرتنا، فيوم غد الأحد ستقوم المتابعة بجولة في مدن الساحل من اللد ويافا الى عكا، ثم قريتي الجديدة وكفركنا، وهناك ستجتمع المتابعة، لتبحث في الإضراب الشامل، فقوبل تصرحه بعاصفة من التصفيق والهتافات، وقال نريد لكل شعبنا أن يلتزموا به.

يشار إلى أن المخابرات العامة (الشاباك) قد أعلنت السبت عن بدء اعتبارها المساس بالمواطنين اليهود جناية على خلفية قومية وعملا إرهابيا وهذا يعني توفير تبريرات لفتح النار من أجل القتل.

وكان آلاف من فلسطينيي الداخل قد شاركوا في مسيرة سخنين معظمهم من الشباب ممن هتفوا الهتافات الوطنية والدينية كـ”من سخنين إلى جنين شعب واحد ما بلين” و”بالروح والدم نفديك يا أقصى” و”يا غزة لا تهتزي كلك كرامة وعزة”، فيما رفعت الرايات والكوفيات الفلسطينية ولوحظت مشاركة واسعة من النساء والعائلات وهناك من يتساءل إذا كانت الأحزاب العربية في الداخل مستعدة لالتقاط هذه اللحظة وتؤسس عليها وبناء مشاريع وطنية لتثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية مقابل مشاريع الأسرلة وطمس الرواية الفلسطينية لدى فلسطينيي الداخل ممن يشكلّون 18% من السكان في إسرائيل.

بمبادرة حراك نقف معًا: الآلاف تظاهروا في أنحاء البلاد ضد التصعيد والحرب

في المقابل وفي أعقاب التصعيد الذي تشهده البلاد بالأيام الأخيرة، دعا حراك نقف معًا أمس لوقفات احتجاجية في عشرات المواقع بالبلاد، منها الناصرة، تل أبيب، القدس، كفر مندا، حيفا، بئر السبع والكثير غيرها.

وحسب بيان حراك “معا” في الوقفات شارك آلاف العرب واليهود الذين أعربوا عن استيائهم من الأوضاع الراهنة وحمّلوا حكومة نتنياهو المسؤولية على إشعال نار الحرب والتحريض والكراهية وعنف الشوارع. أما الرسالة المركزية التي أطلقها حراك نقف معًا فكانت – لا نريد العودة للروتين السابق؛ نريد إنهاء الاحتلال والاستيطان وتحقيق سلام عادل وحقيقي يضمن مستقبل أفضل وأكثر أمانًا للجميع، فلسطينيين وإسرائيليين.

وشارك نحو ألف شخص بالمظاهرة التي أقيمت ليلة السبت في تل أبيب، بحضور كل من رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، النائبة عن حزب العمل ابتسام مراعنة والنائب موسي راز عن حزب ميرتس.

وتابع “معا”: “نحن هنا نثبت أن الحرب ليست بين شعب وآخر، ولا بين دين وآخر. هذه حرب سياسية بين من يريد ترسيخ الاحتلال والفوقية اليهودية وبين من يسعى لتحقيق السلام والمساواة. نحن نتواجد في الجانب الجيد من التاريخ”، قال في خطابه النائب أيمن عودة.

حرب بدون أفق

أما النائبة ابتسام مراعنة (حزب العمل) فخاطبت المتظاهرين قائلةً: “هذه حرب يديرها رجال توّاقون للسيطرة والتسلط على حياتنا. المزيد من الدمار، المزيد من النساء الأرامل. نحن نرفض استمرار هذا النهج العدواني. بعد أسبوعين ستنتهي حرب نتنياهو وسيجلس على كرسيه مجددًا. دعونا لا نفقد الأمل”.

وفي خطابه، أشار النائب موسي راز إلى أننا “نعلم من التصعيدات الأخيرة أنه لا يمكن حل شيء بالقوة. هناك فقط حل سياسي. طريق واحد فقط: طريق السلام. وهذا الطريق يمر بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. هذا الطريق يمر كذلك بنبذ ووقف العنف. هذه الحرب الدموية لن تفضي إلى أي حل، ولذا وجب وقفها على الفور وإطفاء النيران التي تركتها خلفها”.

—————————

فايننشال تايمز: الهجوم على غزة كشف عن محدودية تأثير دول التطبيع على إسرائيل وعدم أهميتها/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلتها في القاهرة هبة صالح، ومراسلها في دبي سايمون كير، قالا فيه إن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة هزّ عمليات التقارب بين دول عربية وإسرائيل. وأضافا أن ثلث الدول العربية تقريبا تقيم علاقات مع الدولة اليهودية، ولكن العنف أظهر أن العلاقات هذه ليست مهمة في حل النزاع، وأنها لم تعط الدول العربية ورقة نفوذ للضغط على إسرائيل.

فعندما صدمت الإمارات العالمَ العربي وطبعت علاقاتها مع الدولة اليهودية، قالت إن التحرك جاء من أجل المساعدة في حل النزاع العربي- الإسرائيلي المستعصي. وبعد تسعة أشهر، وجدت الدولة الخليجية الثرية نفسها في وضع صعب تراقب حليفتها الجديدة وهي تقصف قطاع غزة الفقير.

ويقوم الطيران الإسرائيلي بدكّ غزة، في وقت تواصل حركة حماس التي تسيطر على القطاع إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وقُتل حتى الآن 176 فلسطينيا من فيهم 76 طفلا وامرأة، حسب أرقام وزارة الصحة في القطاع. في المقابل قُتل عشرة أشخاص في إسرائيل بمن فيهم طفلان.

وتعلق الصحيفة بالقول إن سفك الدماء هذا الأسبوع لم يعط الدول العربية التي وقّعت اتفاقيات مع إسرائيل خاصة العام الماضي ضمن ما عرفت بـ”اتفاقيات إبراهيم” أي نفوذ، ولم تفعل العلاقات شيئا لتخفيف السبب الرئيسي وراء هذه المشكلة المستعصية. وقالت سينزيا بيانكو، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “من الواضح أنهم (الإماراتيون) في وضع صعب، فمن ناحية، علاقات الإمارات مع إسرائيل طويلة واستراتيجية ويجب ألا تتزحزح. وفي الوقت نفسه، زعمت الإمارات ان اتفاقيات إبراهيم ستعطيها النفوذ لدعم الفلسطينيين والحد من العدوان الإسرائيلي ضدهم”.

وحتى هذا الوقت، رفضت إسرائيل محاولات الخارج لوقف الغارات والقصف على غزة، لكن بيانكو تعتقد أن أبو ظبي يمكنها استخدام نفوذها ودفع إسرائيل للحد من عملياتها. إلا أن هذا التدخل قد يؤثر على التقدم في المشاريع الاستراتيجية المهمة للإمارات. ومن المشاريع المقترحة، برنامج مشترك لإنتاج نظام مواجهة الطائرات المسيرة.

وتبع التطبيع الإماراتي علاقات أخرى بين البحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل، وهو تحول عن الموقف العربي المعروف من الدولة العبرية. وكان الموقف العربي قبل الاتفاقيات الأخيرة هو أن الاعتراف سيكون تابعا لتسوية عادلة مع الفلسطينيين تقود لإنشاء دولة فلسطينية. وكانت الاتفاقيات التي غلبت عليها الصفة التجارية والتبادلية ورعتها إدارة دونالد ترامب التي لم تخف دعمها الكامل لإسرائيل، سببا في شعور الفلسطينيين بالخيانة والعزلة.

ويرى نقاد الدول العربية أنها تخلت عن أداة مقايضة بمقابل زهيد، وحذروا من أن التحرك ستستغله المنظمات الفلسطينية. وكعضو في الجامعة العربية، دعمت الإمارات دعوة إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق بجرائم حرب ضد الفلسطينيين. وقال المستشار الدبلوماسي الإماراتي أنور قرقاش، إن الإمارات تقف مع حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الدولتين بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أن هذا موقف تاريخي ومبدئي لا يتغير. وسارعت وزارة الخارجية الإماراتية الشهر الماضي لشجب خطط إسرائيل طرد فلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح، والتي يدعي المستوطنون أنها بنيت على أرض يهودية في القدس الشرقية.

وتقول الصحيفة إن موقف الإمارات الواضح منح الدولة المستبدة وسكانها غطاء لشجب الأفعال الإسرائيلية والتعبير عن دعم الفلسطينيين بعد قمعها أي غضب محلي على قرارها تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وخلافا لبعض الناشطين الإماراتيين الذين عبّروا عن دعمهم لإسرائيل، كان الرد ومن بعض الوزراء داعما للفلسطينيين. وقال عبد الخالق عبد الله المحلل السياسي المقيم في دبي: “التطبيع لا رجعة عنه ولكن من الصعب الدفاع عنه أو حتى الحديث عنه في هذه الظروف”.

وكان من المتوقع أن تتبع السعودية خطى الإمارات، وهي مثل جارتها الخليجية تتعاون سرا مع إسرائيل في الشؤون الاستخباراتية ضد إيران، لكن الهجوم الأخير على غزة وأحداث الأقصى جعلت من هذا أمرا بعيدا. وقال وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يوم الأحد، إن المملكة “ترفض بشكل قاطع انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين” ودعا لوقف فوري لإطلاق النار. وفي المغرب الذي وافق على التطبيع مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية، قالت وزارة الخارجية إنها تراقب الوضع “باهتمام عميق”.

وفي عام 2014 أثناء الهجوم على غزة، خرج الآلاف من المغاربة بمن فيهم وزراء في تظاهرة بالرباط احتجاجا على القصف الإسرائيلي، وهذه المرة فرقت الشرطة تظاهرة صغيرة من مؤيدي فلسطين. وقرر المجلس التجاري المغربي- الإسرائيلي الذي شُكل حديثا إلغاء لقاء افتراضي.

ويرى أتش إي هيلير، الزميل البارز في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، أن المشاعر المؤيدة لفلسطين لا تزال قوية في العالم العربي و”غياب الاحتجاج ليس دليلا على غياب الرغبة به، بل غياب الإذن للاحتجاج”. ويقول هيلير إن القيود على حرية التعبير تجعل من الصعب قياس حجم الغضب، لكن المشاركات على منصات التواصل الاجتماعي والتغطيات التلفزيونية تكشف أن المسألة الفلسطينية لا تزال قريبة من قلوب العرب. وقال: “نصف الرسائل التي تلقيتها يوم الخميس للتهنئة بنهاية رمضان وضعت صور قبة الصخرة في القدس”.

————————

أهالي الشيخ جراح للحكومة الأردنية: نرجوكم زودونا بالوثيقة “الناقصة” وفقا لالتزاماتكم

: أبلغ أهالي حي الشيخ جراح في القدس، الحكومةَ الأردنية عبر ناشطين وقنوات قانونية محلية، بأن الوثائق التي تم تزويدهم بها وهي وثائق أردنية أو كانت مسجلة في الأردن “غير كافية للاشتباك في قضيتهم مع القضاء الاسرائيلي والمعركة التي يخوضونها لإثبات ملكية العقارات التي يقيمون فيها”.

وطلب أهالي الحي عبر متضامنين أردنيين علناً تزويدهم بما تبقى من الوثائق الموجودة لدى الحكومة الأردنية للقيام بواجب إكمال معركتهم والاشتباك مع التفاصيل.

وأعلن ناشط نقابي وحقوقي أردني معروف، هو المحامي محمد أبو زند، بأنه تواصل مع العديد من القانونيين وأهالي حي الشيخ جراح.

وقال في تغريدة له بأن أهالي الشيخ جراح يناشدون الحكومة الأردنية لتقديم وثائق تعزز حجتهم القانونية، مشيرا إلى أن الوثائق التي قدمها الجانب الأردني غير كافية، ولا تثبت ملكيتهم  للأراضي والعقارات التي يقيمون فيها.

والمقصود بهذا الإجراء هو إصدار دائرة الأراضي الأردنية لوثائق تثبت نقل الملكية وليس فقط عقود الإيجار طويلة الأمد.

ويناشد أهالي حي الشيخ جراح الحكومةَ الأردنية باتخاذ الإجراءات القضائية والقانونية والوثائق التي تعزز موقفهم القانوني.

وبموجب ما قدمه المحامي أبو زند من حيثيات وتسجيلات ووثائق ومراجعات قام بها مع عدد من الناشطين النقابيين والحقوقيين، فإن أهالي حي الشيخ جراح يطالبون الأردن بالالتزام بتنفيذ البند 11 من وثيقة تسليمهم الأراضي والعقارات في الحي، والذي تأججت انتفاضة القدس من أجله.

ويتحدث الأهالي بحسب المحامي الأردني نفسه عن بند في اتفاقية تسليم العقارات يصر على أن تسجل العقارات باسم من يقيمون فيها من جانب الحكومة الأردنية بعد دفع البدل المالي.

وللأسف لم تلتزم الحكومة الأردنية بذلك البند، وبالتالي يطالب أبو زند الذي يتبنى قضية أهالي حي الشيخ جراح بعودة الحكومة الأردنية للالتزام بذلك البند، والمقصود هنا إصدار وثائق ملكية وليس وثائق تسليم عقارات فقط، وهي وثائق مسجلة لدى الجانب الأردني.

ولم يُعرف بعد ما إذا كانت الحكومة الأردنية بصدد الاستجابة لهذا الطلب. لكن المحامي أبو زند التزم بمتابعة هذه القضية مع مجلس نقابة المحامين ومع الجهات القانونية الأردنية على أمل تمكين أهالي الحي المقدسي من استكمال وثائقهم. بمعنى أن الوثائق بقراراتها القانونية موجودة.

والمطلوب فقط الآن استكمال تلك الأوراق والوثائق لتعزيز الموقف القانوني لأهالي الحي. وبحسب المحامي أبو زند، فإن مجلس نقابة المحامين سيتبنى هذه المطالب ويراجع المسألة مع السلطات الأردنية على أمل التمكن من مساعده أهالي الحي وإصدار تلك الوثائق التي لا يعرف المراقبون بعد ما إذا كانت الحكومة الأردنية معنية سياسيا بإصدارها أم غير معنية.

—————————–

ما تعكسه المواجهة في فلسطين/ فاطمة ياسين

استسلمت إسرائيل إلى اطمئنان مزيف، بعد موجة من اتفاقيات التطبيع مع دول عربية اختارت أن تنهي حالة العداء الظاهري مع الكيان المحتل، وتنقلَ العلاقات المتبادلة من تحت الطاولة إلى فوقها، وتبدأ تعاملاً مريحاً وعلنياً محكوماً بعلاقة “الجوار الحسن”. اعتقدت إسرائيل أنّ اتفاقيات أبراهام ستترسخ في المرحلة الأولى، ثم تتوسع، لتشمل مزيداً من الدول العربية، وتصبح هي الحالة السياسية السائدة في المنطقة. وقد عكست صحف إسرائيل، وكثير من أحزابها، راحة واسترخاء بعد حالة السلام الواعد التي هيمنت على المناخ. السلام الخارجي ينفع إسرائيل، ويعطيها مزيداً من التحكّم بالطريقة التي تعامل بها الفلسطينيين في الداخل، فحالة التطبيع لا تشمل بنود تخلي العرب عن الفلسطينيين بشكل صريح، لكنّها في الواقع تُضمر موقفاً حيادياً، يضع جميع الأطراف على قدم المساواة، وأقصى حالة تدخل يمكن تسجيلها في حالات التطبيع هي المناشدة لوقف العنف من دون تسمية الطرف العنيف. ويبدو أنّ إسرائيل ستستمتع بممارسة “ترف” انتخاب سيعاد، المرة بعد الأخرى، مجترّة مشكلاتها الداخلية التي تحوّل جزء كبير منها إلى مشكلة شخصية، تتلخص بمقولة: “هل يكون نتنياهو أم لا يكون؟”.

بعدما توغلت إسرائيل حتى أنفها في عمليات السلام، وأغلقت إلى الأبد جبهات مثل سيناء والجولان وجبهات جانبية أخرى يمكن أن ترفدهما في العقود السابقة، لم تفكّر في أنّ عليها أن تواجه جبهاتٍ في باب العمود أو حيّ الشيخ جرّاح. وما إن انتشرت أخبار هذه المواجهات، حتى دخلت أماكن أخرى لم تتوقعها إسرائيل، في اللد ويافا وعكا. وبالتأكيد، لن يجري التهاون مع التعرّض للمسجد الأقصى، وهو مكون ثقافي وديني أساسي لسكان المنطقة، فهو مستوى آخر من مستويات المواجهة المستمرة، وتشبه مواجهة الطبقات نفسها التي تقاوم في المدن. و”حروب” من هذا النوع لن تفيد معها القبّة الحديدية، ولا ترسانة الأسلحة، وألوية الاحتياط التي يمكن حشدها خلال ساعات، وزجّها في ساحات المعارك. هذه الانتفاضات التي طاولت المدن الواقعة تحت الاحتلال أظهرت، بشكل دقيق، حالة المواطن العربي وشوارعه ومكان سكنه والحدائق التي يتنزه بها، فبيّنت الفارق في مستوى اهتمام الحكومة المتدنّي بالأحياء ذات الأكثرية العربية، مقارنة بالتجمعات السكنية للمستوطنين الذين كانوا يقولون إنّهم يتعايشون مع جيرانهم العرب “بسلام ومساواة”.

منذ عام 2005، حين فكّت إسرائيل ارتباطها مع قطاع غزة، حوّلته إلى عدو بحدود واضحة، بحيث يمكن القيام بهجوم منسق عليه، من طريق جيش نظامي، لامتصاص أزماتٍ داخليةٍ أو خارجية، وكرّست للمليونَي شخص الذين يعيشون داخله قوانين مختلفة عن التي تتعامل بها مع مدن الضفة، فلا يسمح لأحد من غزة بالعبور إلى داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، لا لعمل وزيارة أو حتى استشفاء، وحشدت أمامهم معظم ترسانتها العسكرية، بعدما اطمأنت إلى باقي الجبهات التقليدية، فمارست على سكان القطاع بطولاتها، وكانت تقوم بهجوم عسكري منظم، يترافق باجتياح برّي بين فترة وأخرى. تكرّر ذلك في عمليات “الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب” وآخرها في عملية “الجرف الصامد”، وإسرائيل الآن تريد أن تمتص كلّ ما في مدنها الداخلية من غضب ومن فوضى ومن افتضاح لسمعتها الدولية، بالهجوم على القطاع الذي عليه أن يتحمّل في كلّ مرة موجة الألم الكبرى التي يسببها هذا الكيان.

تدرك إسرائيل أن لا مفر لها من المواجهة، ما دامت تهضم حق العربي الفلسطيني، ولن تفيدها اتفاقيات التطبيع، حتى بالطريقة المعنوية، بينما يبدو الفلسطيني في الداخل والخارج مدركاً أنّ هذه معركته، ويجب أن يخوضها مع العرب الآخرين أو من دونهم. ويمكن أن تعوّض موجة التعاطف العالمي ذات الطبيعة الشعبية تجاهلاً، كثيراً ما واجه به الحكام العرب هذه الانتفاضة الجديدة.

العربي الجديد

———————-

حقائق أكّدتها معركة القدس/ مصطفى البرغوثي

كان شهر رمضان المبارك حافلاً بالأحداث في فلسطين، وشهد نهوضاً لانتفاضة شعبية فلسطينية في وجه الاحتلال، ومنظومة التطهير العرقي والتمييز العنصري الإسرائيلية، امتدّت إلى مواجهة عسكرية واسعة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، ما زالت متواصلة. ومن دون الدخول في التفاصيل على أهميتها، تجب الإشارة إلى حقائق ترسخت خلال هذه الفترة:

أولاً، أنّ الشعب الفلسطيني يعيش اليوم حالة انتفاضةٍ ومقاومةٍ حقيقية، مضمونها الرئيسي تحدّي الاحتلال وإجراءاته ومقاومة منظومة الاضطهاد والتمييز العنصري التي أنشأها. وهي انتفاضةٌ لها طابعها الخاص، بمعنى أنّها تختلف عن الانتفاضتين، الأولى والثانية، وتجري على شكل موجاتٍ متتالية، وقد حققت خلال شهر رمضان زخماً غير مسبوق، وستبقى مستمرّة، بأسلوب من المواجهات المتتالية حول قضايا عديدة.

ثانياً، أنّ المسجد الأقصى والقدس وأحياءها، خصوصاً الشيخ جرّاح، وأهلها وشبابها، أدّوا، كالعادة، دور المفعل الرئيسي للمقاومة الشعبية، وكانوا الشرارة التي أشعلت سائر أرجاء فلسطين.

ثالثاً، أنّ هذه الانتفاضة، أو الهبّة، كما يفضل بعض الناس تسميتها، حققت وحدةً غير مسبوقة بين مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة، في الأراضي المحتلة والداخل والخارج، وأكّدت وحدة النضال المشترك ضد منظومة الاحتلال والأبارتهايد الصهيونية، وهذا ما رأيناه في انتفاضة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، بالتزامن مع نهوض مذهل وغير مسبوق للفلسطينيين في الداخل، في جميع مدنهم وقراهم وتجمعاتهم، ووصل الأمر إلى حدّ فرض الاحتلال نظام منع التجول في مدينة اللدّ العربية، وإلى مواجهاتٍ مع المتطرّفين الإسرائيليين في يافا وحيفا وعكا والناصرة والجليل والنقب والمثلث، نتيجة انفجار العنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والتي لعب مستوطنو الضفة الغربية وسلوكهم الفاشي دوراً بارزاً فيها.

وبذلك تحقق الركن الثالث من أركان الاستراتيجية الوطنية البديلة، المطلوبة لتغيير ميزان القوى، وهي تكامل نضال مكوّنات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والأراضي المحتلة، ومثل ذلك تحقيقاً لما أشار إليه تقرير فريق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، وتقارير منظمات هيومن رايتس ووتش، وبيتسيلم، بأنّ الشعب الفلسطيني، بمكوناته الثلاثة، يواجه منظومة اضطهادٍ وتمييز عنصري واحدة، وكان طبيعياً أن يؤدّي ذلك إلى وحدة نضاله في مواجهتها. وتجاوز الأمر هنا الوضع المعتاد بتضامن أهل الداخل مع الأراضي المحتلة، بما فيها القدس، إلى الانخراط في النضال المشترك والموحد نفسه.

رابعاً، النهوض الرائع للشباب الفلسطيني الذي تصدر ساحة النضال في القدس، وحي الشيخ جرّاح فيها، وسائر أرجاء الأراضي المحتلة والداخل، من دون انتظار لتوجيهات أو تعليمات من أحد. وما ساهم بذلك نشوء حالةٍ تماثل ما جرى في الانتفاضة الشعبية الأولى، بتقدّم الجماهير على القيادات السياسية التقليدية، بل وجرّ بعض هذه القيادات إلى ساحة المواجهة.

خامساً، الفشل المدوّي للمشروع الصهيوني الإسرائيلي، ويتجلى في مظهرين أساسيين: الأول أنّ الحركة الصهيونية، وعلى الرغم من أنّها حققت الاستيلاء على الأرض بالقوة، فشلت في تحقيق الركن الثاني لخططها بتكرار التطهير العرقي للشعب الفلسطيني وترحيله، ونشأ وضعٌ صار فيه عدد الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية أكبر من عدد اليهود الإسرائيليين، على الرغم من التهجير الذي نفّذ في النكبة عام 1948، والتهجير الجزئي عام 1967. ويتمثل المظهر الثاني في فشل الحركة الصهيونية وحكام إسرائيل في تنفيذ مخططاتها لاحتواء الوجود الديموغرافي الفلسطيني، والتي تمثلت في ثلاث عمليات: أسرلة المجتمع الفلسطيني في أراضي 1948، وفصل الضفة عن القطاع، وثالثاً احتواء سكان الأراضي المحتلة ومنظمة التحرير الفلسطينية عبر فخ “أوسلو” في منظومة حكم ذاتي تحت سيطرة الاحتلال. وكانت الهبّة الشعبية الرائعة والموحدة لفلسطينيي الداخل والضفة والقطاع الدليل الساطع على فشل تلك المخططات، بالإضافة إلى عزلة الأقلية التي تتساوق مع هذه المخططات.

سادساً، تكامل المقاومة الشعبية التي رأينا أفضل مظاهرها في المسجد الأقصى والشيخ جرّاح وباب العامود وباقي مناطق القدس مع مقاومة الردع العسكري في قطاع غزة، لتحقيق أهدافٍ سياسية، مع العلم أنّ المعركة متواصلة لصدّ العدوان العسكري الإسرائيلي الرامي إلى تحجيم قدرة الردع.

سابعاً، أثبتت الأحداث، أخيراً، ما كان مؤكّداً من حاجة الشعب الفلسطيني لاستراتيجية وطنية بديلة لنهج “أوسلو”، والمراهنة على المفاوضات أو المراهنة على الإدارة الأميركية، بالتركيز على تغيير ميزان القوى. وأكدت أحداث الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) ليس فقط إمكانية إحداث التغيير في ميزان القوى، بل أيضاً أنّ المقاومة حقّقت تغييراً فعلياً يجب أن يتواصل. وأثبتت الوقائع صحة عناصر هذه الاستراتيجية وفعاليتها، من المقاومة الشعبية إلى حركة المقاطعة، ووحدة النضال الفلسطيني، وتكامل مكونات الشعب الفلسطيني، ودعم الصمود الوطني على الأرض.

وعلى الرغم من استمرار مراوحة بعض الأطراف في دوائر النهج الماضي، فإنّ الاستراتيجية الجديدة فرضت نفسها على الأرض، ومن خلال وحدة فعل الجماهير الفلسطينية ونشاطها، وهي التي أكّدت أنّ النضال والكفاح والمقاومة توحد الفلسطينيين، في حين أنّ الصراع على السلطة يقسّمهم. لقد تجاوزت الجماهير، بوحدتها الميدانية، الانقسام السياسي الذي ما زال قائماً، وأوجدت تناقضاً لا يمكن حله إلا بإنشاء قيادة وطنية فلسطينية موحدة، قائمة على مبدأ الشراكة الديمقراطية، وتبنّي نهج الكفاح والنضال، وتوحيد مركز صنع القرار السياسي والكفاحي.

ثامناً، مرة أخرى، أثبت الشعب الفلسطيني أنّه الوحيد القادر، بنضاله وتضحياته، على إعادة فرض القضية الفلسطينية على طاولة العالم، وتجاوز التهميش الذي كرّسه الاحتلال وأطراف دولية كثيرة، وتأكّدت مرة أخرى مقولة إنّه “ما حكّ جلدك مثل ظفرك” وإنّ استنهاض الفلسطينيين في الخارج وحركة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني يتحققان دوماً من خلال استنهاض النضال والمقاومة على أرض فلسطين.

باختصار، دخل النضال الوطني الفلسطيني اليوم مرحلة جديدة مبشرة، وحافلة بالفرص والإمكانات، لكنّها تستدعي الحذر من محاولات أعداء الشعب الفلسطيني تخريب ما تحقق، وما قد يتحقق، من إنجازات، من خلال التصعيد الخطير الذي يمارسه نتنياهو، باستخدام القصف المدفعي إلى جانب الجوي، وحشد القوات للاجتياح البري ضد قطاع غزة، ومن خلال استخدام الجيش والاعتقال الإداري ضد الفلسطينيين في الداخل.

———————

الاستثناء الفرنسي/ سلام الكواكبي

بعدما تقدّم منظّموها والداعون إليها بطلبٍ رسميٍّ إلى الجهات المعنية في الدولة، قرّر وزير الداخلية الفرنسي توجيه تعليماته المشدّدة إلى مسؤولي الشرطة في العاصمة باريس، لمنع قيام تظاهرة كانت مقرّرة لنصرة شعب فلسطين الذي يواجه أشدّ الحكومات الإسرائيلية تطرّفاً وشراكةً مع الجماعات الفاشية من المستوطنين. وعلى العكس من أغلب العواصم والمدن الغربية التي سمحت بتنظيم تظاهرات تنديدٍ بالعدوان الإسرائيلي وتضامنٍ مع الشعب الفلسطيني، أرادت الحكومة الفرنسية، في غمرة تخبّطات سياسية شملت أكثر من مجال، أن تُثبت بأنها لا تجرؤ على تحمّل واجبها الأخلاقي والتاريخي الذي طالما ميّز عموماً السياسة الخارجية الفرنسية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. سياسة أسّس لها شارل ديغول، وتبعه فيها أغلب من تتالى على قصر الإليزيه، مع وجود وزراء خارجية شديدي التأثير والانفتاح على قضية شعبٍ احتلت ارضه، وتم تشريده بشراكة دولية، كما كلود شيسون (1920 ـ 2012) الذي رافق سنوات فرانسوا ميتران الأولى في الرئاسة.

وزير الداخلية الفرنسي الحالي، والمشهور بمواقفه القريبة جداً من اليمين المتطرّف، والذي استغل العمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا أخيراً لتعزيز الرهاب من الإسلام، وتنميط صورة المسلمين عموماً، وحلّ الجمعيات التي تدافع عن حقوقهم كما إغلاق بعض المساجد، برّر موقفه النادر في التاريخ السياسي الفرنسي الذي يعتبر التظاهر حقاً دستورياً بأنّ تجمعاً كهذا يُخشى منه أن يستورد صراعاً في منطقة الشرق الأوسط إلى داخل فرنسا، فيقع تصادم بين ذوي الأصول العربية والمسلمة من جهة وأبناء الطائفة اليهودية من الفرنسيين من جهة أخرى. وقد أشار إلى سابقة حدثت سنة 2014، إذ وقعت صداماتٌ متوسطة الأهمية إثر تظاهراتٍ تلت عدواناً إسرائيلياً أيضاً على الفلسطينيين. وقد سارعت أحزاب اليسار إلى التنديد بهذا الموقف المنحاز بوقاحةٍ إلى المعتدي، خصوصاً بعدما ندّد الرئيس الفرنسي بإطلاق الصواريخ من غزة على التجمعات الإسرائيلية، في اليوم الذي أعقب تصريح وزير داخليته، معزّياً بمن وقع ضحيةً لها من الإسرائيليين، ومتناسياً العدد الكبير للضحايا الفلسطينيين والدمار الهائل الذي خلّفته الغارات المستمرّة في المدن الفلسطينية.

في وسائل الإعلام الفرنسية، وعدا استثناءات نادرة، يبدو أنّ الخطاب المسيطر يميل، بشدة وبوضوح، إلى الجلاد، ويتناسى الضحية، بل ويحتقرها. فمن تمييع الحقيقة بذكر عدد شامل لضحايا المواجهات، من دون تمييز بين مائة فلسطيني وستة إسرائيليين، فيرسخ في ذهن المتلقي أنّ ضحايا الصراع من الطرفين هم 106 في الإجمالي، من دون الوقوف عند الفارق الهائل. كما التركيز على طفل، على الرغم من الألم الإنساني الطبيعي لسقوطه ضحية، من الجانب الإسرائيلي، في مقابل الصمت عن عشرات الضحايا من الأطفال الفلسطينيين، وهذا أسلوب آخر للتمييز العنصري تجاه الضحايا. كما أنّ للطفل الإسرائيلي اسماً وسردية إنسانية مؤثّرة، في حين أنّ أطفال فلسطين لا أسماء لهم، ولا يعدون أن يكونوا أرقاماً.

وبما أنّ غالب الإعلام المرئي صار يميل تطرّفاً نحو اليمين، ومن المتعارف عليه تاريخياً معاداة هذا الاتجاه السياسي للسامية، فقد تحوّل هذا الإعلام، من ضمن سياسة تجميل التطرّف اليميني القائمة على قدم وساق قبيل الانتخابات الرئاسية المنتظرة سنة 2022، وبتخاذل مفضوح من الحزب الحاكم، الساعي أيضاً إلى مغازلة السياسة الإسرائيلية تحسّباً، لدعم السردية الصهيونية تكسباً وتقرّباً وسعياً إلى رفع صفةٍ لازمته عقوداً منذ انخراط مؤسّسيه في الانحياز للمحتل النازي، خلال أربعينيات القرن الماضي لفرنسا وملاحقة يهودها. حقبة تاريخية لم يكن فيها غالب المجتمع الفرنسي، عدا قوى اليسار، معادياً للاحتلال، وكان واضحاً تعاون جزءٍ مهم من هذا المجتمع معه على الأقل، في ما يخص ملاحقة اليهود. ولربما هناك شعور بالذنب طاغٍ لدى بعض النخب الفرنسية، ما يؤدّي بها إلى إغماض العين وقطع اللسان، عندما ينتهك الإسرائيليون حقوق الفلسطينيين.

في حين تسعى الحكومة الفرنسية إلى الاستمرار في سنّ القوانين التي تخص ما تسميه الانفصالية عن مبادئ الجمهورية، وفي ما يتعلق بتعزيز العلمانية على الطريقة الفرنسية، وهي المتشدّدة أساساً، مقارنة ببقية الممارسات والالتزامات العلمانية في الغرب. وفي حين يتبارى السياسيون الذين يتحضرون للانتخابات في مغازلةٍ شعبويةٍ ركيكة لمشاعر تركّز على الخوف والتخويف من الهجرة ومن الإسلام. وفي حين يدّعي عقلاء الدولة أنّهم يسعون واهمين إلى نبذ الأسباب المحرّضة على التمايز والتمييز الناجمين عن إقصاء جيل كامل من أبناء الضواحي، نتيجة سياسات اقتصادية وتعليمية وثقافية مبتورة أو عاجزة، يبدو أن الموقف الرسمي المتشدّد في دعم السياسات الإسرائيلية سيُفضي إلى تأجيج الشعور بالإقصاء وبالتمييز لدى فئاتٍ كبيرةٍ من شباب الضواحي، ويدفع بهم إلى التمثّل بشباب الانتفاضة، تضامنا وإعادة إنتاج لنموذج احتجاجي مؤثر. وبهذا، فإنّ السياسات العامة المنحرفة سلباً في المطلق ستؤدي إلى نتائج مسمومة لمستقبل التعايش والانسجام في المجتمع الفرنسي.

لم يتمكّن وزير الداخلية من منع التظاهر تضامناً مع شعبٍ محتل، بل على العكسِ، ففي سعيه المُدّعى لتفادي الصدامات، يساهم في تأجيج الجانب العنيف من كلّ حراكٍ تضامني، متحمّلاً مسؤولية تاريخية وأخلاقية لا لبس فيها.

————————

الأسد والمتاجرة بالقضية الفلسطينية/ عبسي سميسم

لطالما اتسمت مواقف النظام السوري مما يجري في فلسطين المحتلة بالتناقض والمخاتلة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية.

اكتسب نظام الأسد، الأب والابن، الجزء الأكبر من شرعيته أمام الجمهور السوري والعربي من خلال رفع شعارات الدفاع عن القضية، وشعارات المقاومة والصمود والتصدي بدون تنفيذ أي منها. بل على العكس قام خلال العقود الماضية بمنع كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، عبر الأراضي السورية. ووقّع النظام مع المحتل اتفاقاً تكفل من خلاله بحماية حدود إسرائيل من أية عمليات مقاومة.

ففي غمرة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أيام، استغلت وسائل إعلام النظام السوري الحدث للتغني بصمود الشعب الفلسطيني، وبانجازات المقاومة الفلسطينية، لكن من دون أي ذكر لحركة حماس أو أي من الفصائل التي تقود المقاومة ضد الاحتلال، وإنما اكتفت بكلام عام، واستعادة للشعارات التي يرفعها النظام نصرة لفلسطين بدون أي موقف فعلي. ولا يمكن إغفال أن النظام نفسه الذي يتغنّى بإنجازات المقاومة سبق أن دفع بقيادة حركة “حماس” إلى مغادرة الأراضي السورية في بداية الثورة السورية، إثر ضغوط عليها للاصطفاف إلى جانبه ضد الثورة.

وخلال أحداث الثورة السورية منذ عشر سنوات، عمل النظام على التنكيل بالفلسطينيين في سورية، ودمّر، بدون مبررات عسكرية، أكبر تجمعاتهم المتمثلة في مخيم اليرموك، بحجة محاربة تنظيم داعش، وأطبق عليهم حصاراً عبر منع الطعام عنهم ما تسبب في موت عدد منهم جوعاً. كما وضع الشباب الفلسطيني في سورية أمام أحد خيارين، إما محاربة المعارضة السورية أو الاتهام بالخيانة والاعتقال، ما دفع أكثر من نصف عدد الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في سورية إلى مغادرتها، فيما يعيش المتبقون ظروفاً سيئة بعد تدمير مخيماتهم في جنوب دمشق وغربها وفي محافظة درعا جنوب سورية.

طعن النظام القضية الفلسطينية في أكثر من مناسبة خلال العقود الماضية، التي ارتكب خلالها مجازر بحق فصائل المقاومة الفلسطينية، وأنشأ فرعاً أمنياً خاصاً تحت اسم فرع فلسطين مهمته اعتقال كل من ينتسب لفصيل مقاوم لإسرائيل من السوريين والفلسطينيين أو أية جنسيات أخرى.

والآن بينما تشهد الحدود مع لبنان والأردن تحركات شعبية لنصرة القدس وغزة، لم يسمح النظام بمثل هذه التظاهرات، بل لم تشهد جميع مناطق سيطرته تظاهرة واحدة للتضامن مع ما يجري في فلسطين.

———————

إعادة الاعتبار للانتفاضة/ حسام كنفاني

خلال الجولة الحالية من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين عموماً، وليس على غزة بوجه خاص، ظهرت معطياتٌ كثيرة لا بد من البناء عليها في المستقبل، وليس أهمها القدرة الصاروخية لفصائل المقاومة الفلسطينية. فعلى الرغم من أهمية الترسانة العسكرية التي راكمتها الفصائل في غزة، وما أثبتته من قدرة على خلق حالة من الردع أو التوازن العسكري، رغم الهوة الكبيرة بالمقارنة مع السلاح الإسرائيلي، ولا سيما الجوي، إلا أن هناك ما هو أهم وأثبت قدرته على إيقاع ألم أكبر في الساحة الإسرائيلية، فحراك الشارع في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية كان له وقع يفوق ما أحدثته صواريخ المقاومة، بعدما وضع دولة الاحتلال أمام مشهد انهيار من الداخل، وهو ما كان يخشاه المسؤولون الإسرائيليون منذ سنوات، وتمثل أمامهم في الجولة الأخيرة من الحرب على قطاع غزة.

الهبّة الكبيرة التي شهدتها مدن ما يسمى “الخط الأخضر”، أي الواقعة تحت سيطرة إسرائيل منذ 1948، هي الكبرى حالياً منذ هبّة أكتوبر 2000 والتي ترافقت مع اندلاع الانتفاضة الثانية. واتسعت رقعتها إلى غالبية المدن المختلطة التي يعيش فيها فلسطينيون وإسرائيليون، ما شكّل ضغطاً على المسؤولين العسكريين في دولة الاحتلال، والذين بدأوا يفكرون، بحسب ما سرّبت الصحف الإسرائيلية، بوقف العدوان على غزة للالتفات إلى الجبهة الداخلية التي تحولت إلى الخطر الأساس بالنسبة إليهم.

وتثبت الهبّة التي تجري في الداخل الفلسطيني، والتي تتكرر دائماً عند أي حدث مفصلي له علاقة بالقضية الأم، أن كل مشاريع الأسرلة التي قامت بها دولة الاحتلال خلال العقود الماضية، فشلت في فصل فلسطينيي الداخل عن قضيتهم، رغم خروج بعض الأصوات من بينهم تطالب بالهدوء والعيش المشترك، إلا أنها تبقى أصوات أخفت من أن تسمع وسط المشهد العام في الأراضي المحتلة عام 1948.

كذلك، تعيد الهبة الشعبية، سواء داخل الأراضي المحتلة عام 1948 أو في الضفة الغربية،  الاعتبار لقدرة الانتفاضة الشعبية على الضغط على دولة الاحتلال، فما شهدته الضفة الغربية غير مسبوق منذ الانتفاضة الثانية، ويخرق كل تفاهمات التنسيق الأمني القائمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والتي كانت تعمل بشكل حثيث على إحباط أي نواة تحرك شعبي أو عسكري في الضفة الغربية المحتلة. إلا أن ما حدث في الأيام الماضية أظهر أن تنسيقاً كهذا لن يكون كافياً لاحتواء الغضب الشعبي، وهو ما دفع قوات الأمن الفلسطيني إلى التراجع عن مواجهة المتظاهرين.

إعادة الاعتبار للحراك الشعبي هو المعطى الأساس الذي يجب البناء عليه في أي تحركات نضالية فلسطينية في المستقبل، فالعدوان على غزة قد ينتهي في غضون أيام أو ساعات، بحسب ما تظهره الاتصالات الدبلوماسية والدخول الأميركي على الخط، إضافة إلى عدم مصلحة أي طرف في استمرار التصعيد العسكري. لكن نهاية العدوان لن تنهي أساس الأزمة، وهو الممارسات الإسرائيلية في القدس المحتلة، ومحاولة تهجير أهالي “الشيخ جرّاح”، فالعدوان على غزة والعمليات العسكرية للمقاومة ستكون قريباً خاضعة لتفاهمات دولية وعربية جديدة، غير أن الاحتجاج الشعبي الذي بدأ في القدس، وتمدد في أراضي عام 48 والضفة الغربية، لا يخضع لتفاهمات كهذه، ولا بد أن يسير في منحىً متواصل، من غير الضروري أن يكون متصاعداً، لكن من المهم أن يكون مستمراً على الأرض.

لهذا الحراك ما يبرّره، فأساسه لم يكن العدوان على غزة بالدرجة الأولى، على الرغم من أن هذا العدوان زاد زخمه والصواريخ أعطته دفعة معنوية كبيرة، فالانتهاكات الإسرائيلية في القدس لم تتوقف، وهو ما يفترض البحث شعبياً وحزبياً عن تطوير مثل هذا الحراك، ليكون إعادة اعتبار حقيقية للانتفاضة.

——————————-

معادلات الصراع تنقلب/ محمد أبو رمان

لا يقاس ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن إطار موازين القوى العسكرية التقليدية، ولا بحجم الكلفة المباشرة، إنسانياً ومالياً، بل بالأبعاد الرمزية والاستراتيجية والمعنوية – النفسية التي تؤطّر، بصورة أكثر عمقاً ودقة وشمولية، التطورات المفصلية الحالية، ولعلّ “المعادلة الجديدة” هذه ما زالت خارج إطار إدراك النظام الرسمي العربي.

أوّل ما تحطّم اليوم، ولعلّه الأهم، هو السياق السياسي الذي سبق اشتعال الأوضاع، فمن الواضح أنّ إصرار إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على إعلان صفقة القرن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومحاولة طمس معالم القضية الفلسطينية، ذلك كلّه كان بمثابة سياسةٍ لم تنفصل عن قراءةٍ مختزلةٍ للحالة العربية، والفراغ الاستراتيجي الذي تشكّل في المحيط، ثم جاءت عمليات التطبيع والوهن في حالة السلطة الفلسطينية والانقسام الفلسطيني الداخلي ليكتمل ذلك السياق، ويشكّل نسقاً فهم من خلاله رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي أن الفرصة سانحة للإجهاز على هوية القدس، وتحقيق مكاسب أخرى على الأرض. وليس سرّاً أنّ صهر ترامب، جاريد كوشنير، بقي متحرّكاً وفاعلاً، حتى بعد مغادرته البيت الأبيض، لتوطيد “التطبيع العربي” مع إسرائيل.

هذا السياق – النسق لم يعد قائماً اليوم، وانهارت أعمدته بين ليلةٍ وضحاها، من خلال ثورة الأقصى السلمية، ثم دخول غزة على خط المواجهة. والمتغير الأكثر أهمية اليوم اشتعال الأوضاع داخل الكيان الإسرائيلي، من خلال فلسطينيي الـ48 الذين قلبوا المعادلات، وتحرّكوا وأضعفوا إسرائيل من الداخل، وجعلوا معادلة الصراع مختلفة تماماً.

البعد الرمزي مهم جداً اليوم، فالقدس عادت لتشكل “بؤرة الصراع” في المنطقة بأسرها، والوحدة الفلسطينية الشعبية قلبت ظهر المجنّ لحسابات نتنياهو، والوطنية الفلسطينية استعادت حضورها وألقها. وفي مواجهة حالة الفراغ الاستراتيجي العربي، يمكن اليوم بناء سياج إسلامي – عالمي، من الدول المسلمة التي تمتلك قدراتٍ وأدواتٍ مهمة في المنطقة، كتركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وغيرها.

أمّا الفراغ الاستراتيجي الرسمي العربي فملأته الشعوب التي طوّقت إسرائيل وعزلتها مرّة أخرى، ما تعزّز مع تطوير المقاومة الفلسطينية أدواتها القتالية وقدراتها، في مواجهة ماكينة عسكرية قاتلة، لا تميز بين مدني ومقاوم.

أهمية ما قامت به المقاومة الفلسطينية في غزة من تهديد مباشر لأمن إسرائيل وتحدٍّ لها، تتجاوز الجانب العسكري إلى السياسي، فالفرضيات التي قامت على عزل غزة عن الضفة الغربية وإخراجها من معادلات الصراع، من خلال اتفاقيات الردع الإسرائيلية تفكّكت هي الأخرى. وقال الغزيون إنّهم مع الضفة الغربية ومع القدس، مهما كانت الكلفة الإنسانية والاقتصادية الهائلة التي تريد إسرائيل ترهيبهم بها، من خلال الاستخدام المنفلت لترسانتها العسكرية.

في المحصلة، باتت المعادلة التقليدية للصراع، والتي تشكلت خلال الأعوام الماضية، في طور التفكّك والانحلال، ومن الضروري العمل على تعزيز المعادلة الجديدة التي يقودها جيل شاب خرج على القوى التقليدية والحسابات المرتبطة بها، فانتفضت الضفة الغربية سلمياً، وحمل المقدسيون شعلة تحرير العقل من تلك الخرافات بأنّ القضية الفلسطينية انتهت، وأنّه يمكن إقامة سلام إقليمي بتجاوز حق تقرير المصير لدى الشعب الفلسطيني.

انعكست المعادلة الآن تماماً، فالتغيير بدأ من الداخل، ليس فقط من غزة، ولا من الضفة، ولا من القدس فقط، بل من فلسطينيي الـ48، الذين كان يُراد لهم أن ينسوا هويتهم الفلسطينية، وأن ينسلخوا عنها وعن مشاعرهم، وأن يقبلوا ليس فقط بالعيش تحت ظل الكيان الإسرائيلي، بل ضمن منظومة قوانين تهوّد الدولة والمدن الفلسطينية التاريخية.

الأبواب جميعاً أصبحت مفتوحةً على صراعٍ من نوع جديد. عادت القدس إلى الواجهة، وأنهت الضفة الغربية الشعور الإسرائيلي بالانتصار والهدوء. ومن الضروري أن يستمر هذا الخط لإنهاء حالة “الاحتلال الديلوكس” التي جعلت الضفة خارج الحسابات الإسرائيلية. ومحاولات تفكيك القضية الفلسطينية انتهت، وما قام به الفلسطينيون وأشقاؤهم العرب على حدود لبنان والأردن بمثابة تأكيد على بقاء حق العودة قائماً وفاعلاً في هوية الأجيال المتعاقبة، لأنّ من حطّموا هذه القيود هم جيل الشباب الجديد.

ليست مبالغة أنّ ما يحدث اليوم هو استئناف للربيع العربي، الذي بدأ في العام 2011، فالشعوب العربية لا تعرف معنى اليأس والإحباط والاستسلام لمخططاتٍ جاهرةٍ سطحية، والقضية الفلسطينية في وجدان هذه الشعوب، ومحرّك رئيسٌ للحلم بالتغيير وتقرير المصير.

العربي الجديد

———————

الكلام عن فلسطين بلغة مهشمة/ شادي لويس

الكلام عن فلسطين بلغة مهشمة أردنيون متضامنون مع الفلسطينيين في تظاهرة عند الحدود مع الضفة الغربية (غيتي)

فليكن عنوان هذا المقال: “الكلام عن فLسطين بلغة م ه ش م ة”.. ليطرح السؤال:

هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ حين طرحت المنظِّرة الهندية، غاياتري سبيفاك، سؤالها هذا، لم تكن تعنيه حرفياً بالطبع، ولا حتى بصيغة استنكارية. فأبناء المستعمرات والنساء والمهمشون، في عرف مدرسة “دراسات التابع” يتكلمون بالطبع. لكن ما قصدته سبيفاك هو الكلام كما فهمه غرامشي، فالتابعون عنده هم فئة عاجزة عن تمثيل نفسها. والسؤال ليس عن الكلام في ذاته، بل عن سياق إنتاجه، هل يمكن للتابع أن يستخدم لغته؟ وهل يستطيع أن يجعل صوته مسموعاً؟

السياقات التي تتقاطع معها تلك الأسئلة، لا تقتصر على الأمثلة الفادحة، أي اللغات التي أُبيدت ولغات المستعمِر ومناهج التفكير وطرائق التعبير التي فُرضت على المجتمعات الخاضعة. بل تتشعب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأكثر تفصيلية، أفلام هوليوود التي يظهر فيها الهنود الحمر يتحدثون بلغات مبهمة وبلا ترجمة، والشرق أوسطيون والآسيويون والأجانب عموماً، الصامتون أو حين يهمهمون في خلفية المشهد كضوضاء فائضة أو في صراخهم الجنوني، الأقرب إلى الخرَس. فدائما ما كان البرابرة هم هؤلاء الهمج الذين يتحدثون بلغة غير مفهومة.

إلا أن التبعية درجات، والصمت أنواع، ومراكزه أيضاً. الصورة الأبسط من هيراركية التابعين، نراها في سوق العمل المعولم وهي تشترط إجادة لغة من اللغات المهيمنة كشرط أساسي للولوج إليه، تراتبيات اللغات داخل المجتمعات التابعة نفسها، حقول البحث الأكاديمي والنشر، شبه الحصرية، وهي تنفي خارجها من لا يجيد الإنكليزية أو لغة أوروبية رئيسية أخرى. في هذه الحقول، لا يمكن للتابع سوى الكلام بلغة الآخر، ومن داخل منطِقِه ومؤسساته، أو الصمت كلياً.

أتذكر تلك الملحوظة العابرة التي قرأتها قبل سنوات، في كتاب عن تاريخ الإرساليات البروتستانتية في المنطقة. في فصل عن المطبعة العربية الأولى التي جلبتها واحدة من الإرساليات إلى قبرص، يشير الكاتب، ببعض السخرية، إلى أن فن الطباعة العربية الأول، والذي سيظل معتمداً لوقت طويل بعدها، كان يسمى” العربي الأمريكاني”. الآلة الكاتبة العربية الأولى أيضاً، صناعة أميركية. تُغيّر التقنية سؤال اللغة كله، جوهرياً، في الكيف، لا الكمّ فقط. أما سؤال سبيفاك عن إمكانية الكلام، والذي طرحته في أوائل الثمانينات، فيفقد اليوم مجازيته، ويغدو حرفياً.

المنصات الرقمية التي بُشّر بها قبل عقدين، كوسيلة للتغيير، تتراكم آلياتها الرقابية مع الوقت. رقابتها هي ذاتها، تضاف إليها لجان الأنظمة وأجهزة تتبعها. وفي السياق العربي، المُحاصَر فيه كل حق في الكلام تقريباً، فإن شبكات التواصل الاجتماعي ليست مجرد خيار بين خيارات عديدة، بل غدت، من دون أن ندري، البنية التحتية الوحيدة المتاحة للكلام، للقدرة على التواصل والتمثيل في حيز عام.

منذ انطلاق احتجاجات الشيخ جراح، يعود السؤال أكثر إلحاحاً، هل يمكننا الكلام عن فلسطين؟ هل يمكن لفلسطين أن تتكلم؟ لغة وسائل الإعلام الغربية مراوغة، إن لم تكن متحيزة بوضوح. في معظم العواصم العربية، لم يعد الخروج للشوارع ممكناً لأي سبب، حتى للتضامن أو لمجرد الهتاف ضد إسرائيل. تعلمت الأنظمة أن التظاهر يظل تظاهراً في أي حال، وأن الهتاف ضد الاحتلال سينقلب ببساطة نحوها في اللحظة التالية. حتى في باريس، وفي برلين، تُفرض القيود على حق التظاهر تضامناً مع الفلسطينيين، مرّة باسم الأمن العام، ومرة بتهمة معاداة السامية، وهنا تعود مرجعية التاريخ الأوروبي للظهور. كيف لنا أن نتكلم عن فلسطين من دون عقدة الذنب الأوروبي تجاه اليهود؟ ومن دون أن تَفرض علينا أشباحُهم الصمت؟

في العالم الافتراضي، من منصة إلى أخرى، نرى حذفاً للمنصات المتعاطفة مع فلسطين، حسابات شخصية يتم تجميدها، منشورات بعينها تُمسح أو تُحجب. عمليات الفرز والرقابة والقص والعقاب مبرمجة بلوغاريتمات، ترصد بشكل آلي لائحة من الكلمات والعلاقات بينها، وتمحوها. المستخدمون يلجأون إلى التحايل، هناك كلمات وأسماء تم وصمها، ورُحّلت إلى قفار الخرس الإلكتروني. لا يقدر التابع على الكلام سوى بتشويه لغته، في جعلها غير مفهومة عمداً. يحاول المستخدمون تشفير نصوصهم، لتضليل اللوغاريتم، يتم تفكيك الكلمات، ومن ثم إعادة تركيبها مع تطعيمها بحروف لاتينية أو بأرقام أو علامات ترقيم. يُغيّب حرف أو أكثر من الكلمة، وتوضع فراغات محله، أو تُفرط حروف الكلمة ويتم رصها بمسافات بينها. مرات تكون الجُمل عصية على الفهم من فرط مراوغتها، وأحياناً تبدو كعملية أذى ذاتي، تفجيرات من الداخل لمنطق اللغة وبنية الكتابة الأساسية، صورة مصغرة للجنون، كاختلال لعلاقة العلامة اللغوية بالمعنى، جنون مصطنع وادعائي واضطراري.

أنظر إلى الشاشة، وأرى منشوراً بعد آخر، وتراودني الفكرة: لعلنا في حاجة إلى معجم صغير لكل تلك الكلمات المبرحة بتشوهات الرقابة والتحايل عليها. معجم مرن يمكن أن يتتبع تغيراتها المتوالية وخريطة أذواقها وطرافتها وتعقيدها وسذاجتها ودلالاتها المؤسفة.

المدن

———————–

فلسطين تتمدد/ بكر صدقي

ما بدأ بحسابات سياسية صغيرة لبنيامين نتانياهو من تشجيع للمتطرفين اليهود من السلالة السياسية لباروخ غولدشتاين على طرد سكان حي الشيخ جراح من منازلهم والاستيلاء عليها، بغية إحداث تغيير لمصلحة بقائه في الحكم، انقلب إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة شملت مدناً وبلدات كثيرة داخل الخط الأخضر. وهكذا استعاد الفلسطينيون وحدتهم بعد عقود من الانقسام بين مناطق السلطة وقطاع غزة، وبين طرفي الخط الأخضر، إضافة إلى فلسطينيي الشتات الموزعين في أرجاء العالم. لعل أكثر ما يثير الحماس هو امتداد الاحتجاجات الشعبية إلى مدن وبلدات كحيفا وأم الفحم واللد وغيرها من المدن “الإسرائيلية” التي أريد لها أن تبقى خارج فلسطين أوسلو، بعد عقود على الاتفاقية المشؤومة التي قلصت فلسطين إلى حدود ضيقة يخترقها –فوق ذلك- سرطان المستوطنات.

التمدد الثاني هو استعادة القضية الفلسطينية لوهجها، فجأةً، بعدما تصدرت المآسي السورية والليبية والعراقية واللبنانية واليمنية على حسابها “بفضل” مجرمين من أمثال بشار الكيماوي، فكانت المقارنات المشروعة بين إجرامهم بحق شعوبهم والإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، فتفوقوا على إسرائيل وخدموا روايتها بشأن كونها “واحة” ديموقراطية متحضرة وسط صحراء الهمجية المحيطة بها. التعاطف الواسع في الرأي العام العربي والعالمي مع الفلسطينيين، في الجولة الحالية من الصراع، بما في ذلك قسمٌ من الرأي العام الإسرائيلي نفسه، هو أيضاً تمدد معنوي مهم بصرف النظر عن النتائج المباشرة التي يمكن توقعها. فالصراع غير متكافئ كما كان دائماً، وسينتهي لغير مصلحة الفلسطينيين كما كان دائماً. لكن ما حدث، إلى اليوم، يبقى ذو قيمة كبيرة، رمزياً واستراتيجياً، ولا بد أن يفرض نفسه على المعادلات السياسية في الفترة القادمة. على الأقل من حيث إزالة آثار الكارثة الترامبية في أبعادها الفلسطينية، من إضفاء شرعية على أسرلة القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، والعربية المتمثلة في تطبيع عدد من الدول العربية البعيدة جغرافياً عن فلسطين مع دولة الاحتلال. من المحتمل، بهذا الصدد، أن يفرمل قطار التطبيع عند حدود الدول الأربع التي انخرطت فيها، وأن يتراجع جو التفاؤل الإسرائيلي – الأميركي بشأن “حلول السلام” بين العرب وإسرائيل.

لا شك أن القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي في البلدان التي دمرتها أنظمتها المجرمة، في سياق الرد الوحشي على موجة ثورات الربيع العربي، قد تعرضت لتآكل كبير في السنوات الماضية، بخاصة في سوريا التي تلقت نصيبها من الفلسطنة فتشرد نصف شعبها داخل الحدود وخارجها، وأصبح هناك “شتات سوري” كبير توزع في أرجاء المعمورة كحال الفلسطينيين تماماً، وقتل نحو مليون سوري بأسلحة النظام التقليدية والكيماوية والبرميلية، وقوض طيران النظام وصواريخه أكثر من نصف العمران، وباتت سوريا مقسمة ومحتلة من خمس دول.

وإذ سيطر الهدوء، عموماً، في فلسطين، في سنوات الربيع العربي، واقتصر العمل الفلسطيني ضد الاحتلال على صواريخ حركة حماس المدعومة إيرانياً، وترهلت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في فسادها، لم يبق من القضية الفلسطينية في وجدان السوريين إلا ذكريات بعيدة مرتبطة، فوق ذلك، بخطاب الممانعة: فالطريق إلى القدس بات يمر، عند حسن نصر الله وربعه، من القصير وحمص ودرعا والزبداني وحلب حيث شارك حزب الله بنشاط في قتل السوريين خدمة لبقاء نظام بشار الكيماوي.

فقد قوّض سياق الربيع العربي كل الرواية الممانعة التي استثمرت القضية الفلسطينية طوال عقود، وكادت القضية نفسها تسقط، في الوجدان الشعبي المكلوم، مع الخطاب الممانع وأنظمته وميليشياته. ولم يقتصر الأمر على قوى المحور الشيعي وحده، بل تجاوزه إلى طيف واسع يقع خارجه أيضاً من حركات الإسلام السياسي السني، إلى معارضات علمانية واظبت على ترديد الرواية الممانعة نفسها بشأن فلسطين والقضية الفلسطينية، وإن كانت غير مستفيدة من الاستثمار السياسي لها كقوى محور الممانعة الأصلية.

أن تستعيد القضية الفلسطينية وهجها في الوجدان الشعبي، في هذه الشروط الجديدة، ينبغي أن يدفع باتجاه قراءات تزيل التعارضات المفتعلة بينها وبين قضايا الشعوب العربية التحررية. فالحرية قيمة لا تتجزأ، ولا يمكن لتحرر الفلسطينيين من الاحتلال أن يتعارض مع تحرر السوريين واللبنانيين والعراقيين والكرد والسودانيين وغيرهم. لذلك ليست خاطئة أو متسرعة تلك التحليلات التي ربطت الانتفاضة الفلسطينية القائمة بسياق استئناف ثورات الربيع العربي، ولا يقلل من شأنها الإرث التاريخي الخاص للانتفاضة الفلسطينية الممتدة من التسعينات إلى اليوم، ولا اختلافها النوعي عن ثورات الربيع بكونها ثورة تحررية ضد احتلال أجنبي. ففي سوريا أيضاً شعرنا بأن النظام الأسدي يتصرف تجاه السوريين كاحتلال أجنبي، وليس مجرد حكم دكتاتوري، قبل أن تأتي الجيوش الروسية والأميركية والتركية والميليشيات الإيرانية. وفي لبنان نلاحظ القطيعة النفسية ذاتها بين اللبنانيين وأهل الحكم.

لا أحمل تفاؤلاً غبياً لأتوقع انتصاراً فلسطينياً، ولست ممانعاً مغرضاً لأحدد مواعيد قريبة لتحرير القدس كما صرح خامنئي قبل فترة. فلا الفلسطينيون يملكون سلاحاً قادراً على الانتصار على الآلة العسكرية الإسرائيلية، ولا المجتمع الدولي سيسمح بهزيمتها. والشبان الفلسطينيون يدركون اختلال موازين القوى الباهظ هذا، ويعرفون حدود ما يمكن أن يحققوه. ما حدث في القدس وأرجاء فلسطين، كبير، مع ذلك، وسيترك بصمة قوية على مستقبل الصراع.

أما النقاش حول صحة دخول حركة حماس، بصواريخها، على خط الصراع من عدمه، فهذا من شأن الفلسطينيين وحدهم.     

————————

ملثّم يتصدر الهاشتاغات الفلسطينية.. من هو “أبو عبيدة”؟

تصدر اسم “أبو عبيدة” مواقع التواصل الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية، بعد ظهور الناطق باسم كتائب “القسام”، الذراع العسكري لحركة “حماس” في كلمة تلفزيونية، الخميس الماضي، تحدث فيها عن التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية.

وفيما قال أبو عبيدة، المشهور بصورته كرجل ملثم، أن “المقاومة الفلسطينية وجهت ضربات للاحتلال الإسرائيلي “لم تجرؤ دول في المنطقة على أن توجه عشرها له منذ نكبة 1948″، فإن المعلقين اهتموا كثيراً به شخصياً على اعتبار أنه رجل قليل الظهور ويشكل تواجده “إرباكاً” مفترضاً للقيادة الإسرائيلية.

ومنذ سنوات طويلة، يظهر عسكري من كتائب القسام، لا يُعرَف اسمه الحقيقي ولا يظهر وجهه، بسبب ارتدائه الكوفية الحمراء المعصوبة بشريط لشعار كتائب القسام، لكنه رغم غموضه بات يمثل رمزاً للخطاب الإعلامي للمقاومة الفلسطينية عموماً، ويمثل صورة ذهنية مرتبطة بحرب الشوارع. وتضمنت خطاباته السابقة الإعلان عن خطف جنود إسرائيليين وغيرها من عمليات الاستهداف البري والبحري وحتى الجوي بالمسيّرات البدائية التي بات يمتلكها الجناح العسكري لحركة “حماس”، بحسب تقارير ذات صلة.

وفي العام 2014، عرضت قناة “الأقصى” التابعة لحركة “حماس” صورة قيل أنها لـ”أبو عبيدة” مع نشر اسمه الكامل “حذيفة سمير عبد الله الكحلوت”، لكن كتائب القسام نفت صحة الصورة حينها متحدثة عن اختراق استخباراتي “بإيعاز من الشاباك بعدما تم تزييفها وتركيبها كما لو أن الشخص المتحدث فيها كان يتحدث عبر قناة الأقصى”.

وظهر أبو عبيدة للمرة الأولى العام 2006 ليُعلن عن تمكن كتائب القسام من أسر الجندي  جلعاد شاليط، ومنذ ذلك الوقت بقيت هويته سرية، وتقول التقارير الفلسطينية أن “وجه أبو عبيدة لا يعرفه سوى قليلون، لم ولن يظهر لوسائل الإعلام، ومنذ سنوات وجيش الاحتلال يحاول بشتى الطرق الوصول إليه، بعدما عجزوا طوال الفترة الماضية تحديد هويته وملامح وجهه”.

——————-

برج الجلاء في غزة.. حطاماً

دمرت غارة إسرائيلية، السبت، برج “الجلاء” في قطاع غزة، الذي يضم مكاتب إعلامية وشققاً سكنية، بعدما أعطت مهلة لإخلائه قبيل تدميره، على غرار الغارة التي استهدفت برج “الشروق” قبل أيام. وجاءت الغارة على برج الجلاء، الذي سبق لإسرائيل أن هددت بتدميره سابقاً، بعد سقوط مجموعة من الصواريخ التي أطلقت من غزة، على مناطق متفرقة بإسرائيل، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين.

ودمّر طيران الاحتلال الإسرائيلي، برج الجلاء بالكامل، ثاني أكبر أبراج غزة، إثر قصف مباشر بالصواريخ. وقال مالك البرج، إن جيش الاحتلال رفض إعطاء وقت كاف لإخلاء المبنى الذي يضم قنوات عالمية، فيما قالت “رويترز”، نقلاً عن شهود عيان، إنه تم إخلاء برج الجلاء في غزة من سكانه قبل تدميره.

الجيش الإسرائيلي من جهته، أشار إلى إنَّ برج الجلاء كان يضمّ مكاتب لمخابرات “حماس”. وقال متحدّث باسمه أن “إسرائيل حذّرت مَن كانوا داخل برج الجلاء بأنها ستقصفه.. وأتاحت وقتاً كافياً لإخلائه”.

يشار إلى أن برج الجلاء، يضم عدداً من المكاتب والكوادر الإعلامية ووكالات الأنباء، بينها شبكة “الجزيرة” و”اسوشييتد برس”، ومكاتب محامين.

كتائب القسام تتعهد بالرد

تعهدت “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، بأن تدمير الجيش الإسرائيلي لبرج الجلاء في مدينة غزة، لن يبقى بلا رد.  وذكر الناطق العسكري باسم “القسام”، أبو عبيدة، عبر قناته في تطبيق “تليغرام”، في معرض تعليقه على هذا الإجراء الإسرائيلي: “بعد قصف البرج المدني في غزة، على سكان تل أبيب والمركز أن يقفوا على رجل واحدة وينتظروا ردنا المزلزل”.

والأربعاء، دمرت غارة جوية إسرائيلية برج “الشروق” المكوّن من 14 طابقاً في مدينة غزة، ويضم مكاتب “تلفزيون الأقصى” وإذاعة “صوت الأقصى” التابعين لحركة “حماس”، إضافة إلى برج “الجوهرة” الذي يضم مكاتب “التلفزيون العربي”.

————————-

غزة:القسام تضرب تل أبيب إنتقاماً لضحايا مجزرة الشاطئ

ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ ليل الاثنين، إلى 139 شهيداً، من بينهم 39 طفلاً و22 امرأة، إضافة إلى ألف جريح.

واستشهد فجر السبت، 10 فلسطينيين، هم 8 أطفال وامرأتان، في مجزرة إسرائيلية جديدة في قطاع غزة. وقالت وكالة “الأناضول” أن الشهداء وصلوا إلى مستشفى “الشفاء” عبارة عن أشلاء متناثرة، جراء قصف الاحتلال منزلاً لعائلة “أبو حطب” في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.

وقال شهود عيان إن أعمال البحث عن مفقودين آخرين تحت ركام المنزل المدمّر لا تزال جارية، حيث أدى القصف إلى دمار واسع في المنطقة المكتظة بالسكان.

بدوره، قال وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أبو الريش إن الناجي الوحيد من مجزرة الشاطئ طفل رضيع لم يتجاوز شهرين. وأضاف أن كلمة “مجزرة” لا تفي ما حدث بمخيم الشاطئ حقه.

ورداً على المجزرة، وجّهت “كتائب القسام” ضربة صاروخية لتل أبيب استخدمت فيها عشرات الصواريخ، أدت إلى مقتل إسرائيلي وجرح عدد كبير.

كما دمّرت مقاتلات حربية إسرائيلية السبت، برج “الجلاء” وسط مدينة غزة، والذي يضمّ مكتب شبكة “الجزيرة” الإعلامية ووكالة “أسوشييتد برس”، وعشرات المكاتب الصحافية ومكاتب لمحامين ومحاسبين وعشرات الشقق السكنية.

قال الناطق باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة في تصريح بعد قصف البرج المدني في غزة، إنه “على سكان تل أبيب والمركز أن يقفوا على رجلٍ واحدة وينتظروا ردنا المزلزل”.

في المقابل، قالت خدمة الإسعاف الإسرائيلية إنها قدمت منذ منتصف ليل السبت/الأحد، الرعاية الطبية إلى 46 شخصاً في البلاد، على خلفية القصف الصاروخي المتواصل من قطاع غزة. وقالت إن سبعة فقط من هؤلاء الإسرائيليين أصيبوا بشظايا الصواريخ التي فشلت منظومة “القبة الحديدية” في اعتراضها، مؤكدة أن شخصاً واحداً من هؤلاء توفي متأثراً بجروحه.

وتعرض 33 آخرون لجروح خلال هروبهم  إلى الملاجئ، فيما أصيب 24 شخصاً بصدمة نفسية سببها القصف الفلسطيني.

وارتفعت حصيلة القتلى الإسرائيليين في القصف الذي تنفذه المقاومة الفلسطينية إلى 9 أشخاص. وقال الجيش الإسرائيلي إن من بين القتلى “جندياً كان يقوم بدورية على حدود غزة، و6 مدنيين إسرائيليين، بينهم طفلان”.

وقال الجيش الإسرائيلي إن أكثر من ألفي صاروخ انطلقت من قطاع غزة صوب إسرائيل منذ بدء التصعيد الأخير، اعترضت منظومة الدفاع الصاروخي نحو نصفها، وسقط 350 داخل قطاع غزة.

——————————

بايدن يدخل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين..مجبراً!

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” السبت، أن الديمقراطيين منقسمون بشأن إسرائيل، ويمارسون ضغوطاً على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل إنهاء الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقالت الصحيفة إن جناحاً يمثل أعضاء الكونغرس المحسوبين على التيار اليساري في الحزب الديمقراطي، يرغبون في أن يستفيد البيت الأبيض من ملف المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لإسرائيل من أجل الضغط عليها لإنهاء التصعيد.

وأشارت الصحيفة إلى أن بايدن يواجه حالياً تحدياً كبيراً من الناحية السياسية، وعلى صعيد السياسة الخارجية، مع احتدام القتال بين إسرائيل وحماس، وتزايد الانقسام بين الديمقراطيين بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

واتخذت إدارة بايدن حتى الآن نهجاً حذراً في العلن، كما تؤكد “وول ستريت جورنال”، بالتزامن مع قيام عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي من اليساريين بانتقاد بايدن لقوله إن إسرائيل تمتلك الحق في الدفاع عن نفسها.

وفي الوقت ذاته، تضيف الصحيفة، أن كبار قادة الديمقراطيين، بمن فيهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب مينينديز، وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير، عبروا عن وجهة نظر أكثر تأييداً لإسرائيل.

والسبت، ناقش بايدن في اتصالين هاتفيين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التصعيد. وقال نتنياهو في بيان، إن الأخير أجرى السبت، عقب تدمير برج الجلاء، اتصالاً مع بايدن “وأطلعه على آخر التطورات والعمليات التي نفذتها إسرائيل والعمليات التي ستنفذها”.

وأضاف البيان “شكر رئيس الوزراء نتنياهو الرئيس بايدن على الدعم الأميركي الراسخ لحقنا في الدفاع عن أنفسنا”. وقال نتنياهو خلال المكالمة إن “إسرائيل تفعل كل شيء من أجل تجنب المساس بغير المتورطين”.

بدوره، أعلن مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه تلقى السبت، اتصالاً هاتفياً “مهماً” من قبل بايدن، لبحث آخر التطورات.

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية قالت في تقرير السبت، إن السؤال الكبير هو: “هل لدى الولايات المتحدة الرغبة ، أو حتى غرفة المناورة السياسية ، لتكون وسيطاً أميناً؟”، وذلك تعليقاً على إرسال إدارة بايدن مبعوثاً لبحث التوتر الفلسطيني الإسرائيلي.

وأضافت أن الصراع المتصاعد بين قوات الأمن الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين أثار نقاشات محتدمة بين المطلعين في إدارة بايدن حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تلعب دوراً قيادياً أو داعماً في نزع فتيل الأزمة.

وأبدت إدارة بايدن، التي تدفع باتجاه تحويل السياسة الخارجية للولايات المتحدة نحو مواجهة الصين، اهتماماً ضئيلاً بالغوص في عملية السلام في الشرق الأوسط قبل انفجار العنف الأخير. وقال خبراء ومسؤولون سابقون إنه بسبب إلحاح الأزمة، والضغط المتزايد من المشرعين الأميركيين من الحزبين للرد بقوة أكبر، لم يعد هذا خياراً.

وقالت كريستين فونتروز، مديرة مبادرة أمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي: “لم يكن هذا على قائمة أولوياتهم السياسية على الإطلاق. الآن، سوف يضطرون إلى أخذها كأولوية أساسية، ولا أعتقد أنهم مستعدون لذلك”.

في غضون ذلك، أدى تصاعد العنف الطائفي بين المجتمعات اليهودية والعربية في إسرائيل إلى تصعيد الأزمة. وأعرب بعض المحللين ومسؤولي الأمم المتحدة عن مخاوفهم من أنه إذا لم يتم التوسط في هدنة في الأيام القليلة المقبلة، فقد يتصاعد العنف إلى صراع طويل الأمد لأسابيع أو حتى لفترة أطول.

————————-

مستوطنون إسرائيليون يحرقون طفلاً فلسطينياً في يافا

تفاقمت إصابة طفل فلسطيني من مدينة يافا بعدما أُصيب بالإضافة إلى شقيقه، بعد منتصف ليل الجمعة، إثر مهاجمة مستوطنين منزل أسرة عربية من خمسة أفراد في حي العجمي بزجاجات حارقة. وتسبب الحريق باشتعال النيران في جزء من منزل أسرة جنطازي، كما أوضح سكان الحي أن المعتدين، حاولوا أيضاً إحراق 5 منازل أخرى، لكن أضراراً لم تقع.

وأفادت هيئة البثّ الرسميّة “كان 11″، السبت، بتدهور حالة الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاماً، مُشيرة إلى أن إصابته باتت خطيرة. فيما تناقل مغردون في “تويتر” مقطع فيديو للهجوم وأبدى أخرون تعاطفهم مع العائلة. وبحسب موقع “واللا” الإسرائيليّ، نُقل الطفل إلى مشفى “شيبا” فيما كان يعاني من إصابة متوسّطة، ليفيد المشفى في وقت لاحق، بأن حالة الطفل خطيرة. وأشار المشفى إلى أنه تم تخدير الطفل، ووصله بجهاز التنفس الاصطناعيّ، فيما يعاني حروقاً في وجهه.

في السياق، دعا ناشطون في يافا، إلى “أكبر مظاهرة بيافا اليوم الساعة الخامسة في حديقة الغزازوة”، في بيان مقتضب جاء فيه: “لن نسكت على حرق أطفالنا، نكبة الـ1948 لن تتكرر!”.

وبعد الحريق، أخلي أفراد الأسرة من المنزل، في حين اكتفى بيان الشرطة بذكر “إصابة طفيفة لطفل نتيجة دخان الحريق”، وأن “الخلفية لم تتضح بعد”، وذلك على الرغم من انتشار شريط مصور يوثق إصابة فتى من الأسرة بحروق في أجزاء من وجهه. وذكر أحد سكان الحي أن المعتدين ألقوا زجاجة حارقة عبر شباك غرفة فيها طفلان ويطل على الشارع. وأضاف أن الجيران تمكنوا من إنقاذ العائلة والسيطرة على النيران. فيما عُثر في المكان على 7 زجاجات حارقة مجهزة للاستخدام، قال سكان الحي أنها تؤكد أن المستوطنين خططوا للاعتداء على 7 منازل إضافية، وهذا كارثة في الحي.

ولفت سكان من المدينة إلى أن الجريمة الليلة في يافا، تذكر بالجريمة التي ارتكبها المستوطنون قبل سنوات بحرق أفراد عائلة دوابشة في الضفة الغربية.

    #شاهد.. لحظة إلقاء مستوطنين زجاجات حارقة على منزل في مدينة #يافا، ما أدى إلى إصابة 3 أطفال فلسطينيين بحروق pic.twitter.com/QAw3tPCPoH

    — TRT عربي (@TRTArabi) May 15, 2021

    طفل من فلسطيني ال٤٨ أصيب في يافا بحروق خطيرة بعد القاء مولوتوف على منزل أسرته، وتحطيم عدد من سيارات فلسطيني ال٤٨ في أم الفحم على يد الشرطة الإسرائيلية

    (الواقعتان موثقتان بالفيديو والضحايا يحملون الجنسية الإسرائيلية ولا حد اتعاقب ولا حد اتحبس!!!!!!!!!)

    *اهداء خاص لافيخاي أبو الفجر

    — أحمد فؤاد أنور ⁦🇪🇬⁩ (@ahmadfouadanwar) May 15, 2021

    Israeli settlers burn a child alive in Jaffa

    İsrailli yerleşimciler Yafa’da bir çocuğu diri diri yaktı

    जाफा में इजरायली निवासियों ने एक बच्चे को जिंदा जलाया

    المستوطنيين يقومون بحرق طفل حي في يافا #GazzaUnderAttack #PalestineUnderAttack #israilTerorist pic.twitter.com/HolN3hmk11

    — ﮼ربَى (@CachareelRuba) May 15, 2021

    قبل شوي تم حرق طفل و شاب احياء في مدينة اللد من عرب ٤٨

    اذا ماتعرفي عرب ٤٨ يعيشو داخل المناطق اليهودية المحتلة مع المستوطنين غير مسلحين و يتكلمو العبرية و ممنوعين من التواصل مع العرب و ماعندهم اي قوة و بعض من شبابهم اجبر على الخدمة في جيش الاحتلال

    هل كان استفزاز فلسطيني كمان؟ pic.twitter.com/SOZbugUFtW

    — نَارا (@bbb3398) May 15, 2021

    طفل عربي من حي العجمي بمدينة يافا المحتلة تم حرق بيته من طرف صهاينة pic.twitter.com/EUUqnvUh4s

    — Athmane Abdellouche (@athman41) May 15, 2021

—————————-

المستقبل و”الجماعة” على الحدود.. وإسرائيل تنزع الأعلام وتطلق النار

بعد يومين من الاحتجاجات التي سقط خلالها قتيل وجرحى على الحدود اللبنانية الجنوبية، خفتت التظاهرات والاحتجاجات اليوم الأحد 16 أيار، واقتصر الأمر على دعوات ووقفات تضامنية نفذ إحداها تيار المستقبل، وأخرى في العباسية في حاصبيا نظمتها الجماعة الإسلامية. ومن المنتظر تنظيم الحزب الشيوعي اللبناني وقفة في الناقورة مساء اليوم.

المستقبل في مروحين

وصباحاً نظم تيار المستقبل وقفته التضامنية مع الشعب الفلسطيني عند الشريط الحدودي في بلدة مروحين في قضاء صور. ورفع المستقبليون الأعلام الفلسطينية واللبنانية، وحضرت رئيسة كتلة المستقبل النائبة بهية الحريري. ووضع المتضامنون إكليلاً باسم الرئيس سعد الحريري عند الحدود الجنوبية، حمل عبارة “إلى أرواح شهداء القدس والشيخ جراح وغزة”.

وشجبت الحريري ما يتعرض له أهالي غزة من تدمير وقتل واعتداء غاشم، ومن “محاولات الترانسفير الجديدة لأهلنا في فلسطين داخل حدود 48 وفي القدس الشريف وحي الشيخ جراح”، داعية “المجتمع الدولي ومجلس الامن إلى إلزام العدو الإسرائيلي التوقف الفوري عن هذه الممارسات. والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس الشريف”.

الجماعة الأسلامية

وفي حاصبيا نظمت الجماعة الإسلامية وقفة تضامنية في الجزء المحرر من قرية العباسية في قضاء حاصبيا. وشارك فيها عدد من الفاعليات رافعين الأعلام اللبنانية والفلسطينية، مرددين الهتافات الداعية الى “نصرة الشعب الفلسطيني والتصدي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وفكره التدميري”، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة للجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” في المنطقة، حفاظا على الأمن.

رصاص إسرائيلي

واستنفر جنود الجيش الإسرائيلي مقابل بلدة العباسية الحدودية، بعدما أقدم عدد من المتظاهرين على محاولة اجتياز المكان الذي حدّده الجيش للوقفة على الحدود في العباسية، وقد عمد أحد الأشخاص إلى رمي مفرقعة نارية.

وكثف الجيش اللبناني إجراءاته في القرى الحدودية، وانتشرت قوات اليونيفيل فأقامت حواجز ثابتة وسيرت دوريات متنقّلة. واستقدم الجيش الإسرائيلي مجموعة من آلياته الخاصة في الصباح الباكر، لازالة الأعلام التي زرعها المحتجون يوم أمس على الجدار الاسمنتي ولإصلاح الكاميرات التي تحطمت.

وأفادت مندوبة “الوكالة الوطنية للاعلام” أن “جيش العدو الإسرائيلي أطلق عصر اليوم النار على متظاهرين فلسطينيين، تسلقوا الجدار الحدودي الاسمنتي الفاصل قرب بلدة عديسة، فاقتلع المتظاهرون كاميرات التجسس المثبتة على البرج الحديدي فوق الجدار. وأطلقت قوات العدو مسيرة من نوع درون فوق الجدار، عند محلة البانوراما في بلدة عديسة أيضاً”.

اليونيفل: تنسيق مستمر

ومن ناحيتها، أكدت قيادة اليونيفيل في بيان لها أن جنودها “موجودون على الأرض ويعملون بتنسيق وثيق مع الشركاء الاستراتيجيين، القوات المسلحة اللبنانية، الذين يعملون على مدار الساعة لتوفير الأمن في المنطقة منذ بداية التظاهرات. ونحن معاً لتخفيف حدة التوتر والحيلولة دون تصعيد الوضع”.

وتابع البيان: “آليات الارتباط والتنسيق التي نضطلع بها في اليونيفيل تطبق كاملة. وضباط الارتباط لدينا ينسقون مع كلا الجانبين، لتجنب أي سوء فهم وضمان بقاء الوضع مستقراً”.

وكذلك أكد رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول، على أنه على اتصال مباشر مع كل من الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي.

————————–

الفرنسية” تستضيف طواقم “اسوشييتد برس” و”الجزيرة” بعد تدمير مكاتبهما

استضاف مكتب “فرانس برس” في غزة الطواقم الاعلامية لوكالة “اسوشييتد برس” و”الجزيرة الانكليزية” بعد تدمير قوات الاحتلال الاسرائيلي لمبنى برج الجلاء الذي يضم مكاتبهما في القطاع.

وأعلن سيلفان استيبال، مدير “فرانس برس” في الشرق الاوسط وشمال افريقيا في تغريدة له في حسابه في “تويتر”، استضافة مكاتب الوكالة الفرنسية للزملاء في “أ ب” و”الجزيرة الانكليزية”.

    L’AFP a décidé d’accueillir dans ses locaux à Gaza les équipes de @AP et de @AJEnglish dont les locaux ont été détruits hier par l’armée israélienne #medias #AFP

    — Sylvain Estibal (@Sestibal) May 16, 2021

وشن جيش الاحتلال الاسرائيلي السبت ضربة على برج الجلاء في قطاع غزة يضم مكاتب شبكة الجزيرة ووكالة “أ ب” الأميركية للانباء. وقال جون غرامبل الصحافي في الوكالة الأميركية في “تويتر” إن “ضربة اسرائيلية دمرت البرج الذي يضم مكاتب ايه بي في مدينة غزة”.

وكان كتب قبيل ذلك: “حذر الجيش مالك البرج حيث مكاتب أسوشيتد برس من أنه سيُستهدف” بضربة، علماً أن البرج يتألف من 13 طابقاً، وانهار جراء ضربة اسرائيلية.

    وكالة #فرانس_برس ستستضيف فريقي وكالة #أسوشييتد_برس وقناة #الجزيرة في مكتبها في #غزة، بعد تدمير الجيش الاسرائيلي السبت مبنى يضمّ مكاتبهما في القطاع. @AP @AJArabic pic.twitter.com/r3DuAaIA6T

    — فرانس برس بالعربية (@AFPar) May 16, 2021

واكدت قناة الجزيرة عبر تويتر أن مكاتبها موجودة في هذا المبنى ونقلت مباشرة مشاهد للمبنى ينهار وسط سحابة كثيفة من الغبار. وقال وليد العمري مدير مكتب الجزيرة في الأراضي الفلسطينية ان “هذه جريمة تضاف الى الجرائم الإسرائيلية، من الواضح أن هناك قراراً (إسرائيلياً) ليس فقط بنشر الدمار والقتل وإنما بإسكات الصوت الذي ينقله وهذا مستحيل”.

وقبيل استهداف المبنى قال صاحبه جواد مهدي في تصريحات للصحافين من أمام المبنى أن ضابطا في جهاز المخابرات الإسرائيلية أبلغه في اتصال هاتفي بضرورة إخلاء البرج خلال ساعة من الاتصال.

ومع اقتراب المهلة من الانتهاء اتصل مهدي بضابط المخابرات مرة أخرى أمام الصحافيين وطلب منه تمديد المهلة لعشر دقائق إضافية قائلاً: “اعطينا عشر دقائق ليذهب أربعة شبان بدروع صحافية لاحضار معداتهم، هم ليسوا مخربين”.

وبعد رفض الضابط تمديد المهلة تم قصف المبنى بعد وقت قصير بصواريخ من الطائرات الحربية الإسرائيلية.

وفي وقت سابق، غرد فارس أكرم مراسل وكالة “اسوشييتد برس” في غزة أن “قنابل قد تسقط على مكتبنا. لقد هرعنا الى السلالم من الطبقة الحادية عشرة وننظر حاليا الى المبنى من مكان بعيد”.

وأعربت وكالة “أسوشييتد برس” عن “صدمتها وارتياعها” إثر تدمير البرج، ووصفت الأمر بأنه “تطور مقلق للغاية”. وقال المدير التنفيذي للوكالة غاري برويت في بيان: “نشعر بالصدمة والارتياع من استهداف الجيش الإسرائيلي وتدميره المبنى الذي يضم مكتب اسوشييتد برس ومكاتب وسائل إعلام أخرى في غزة”. وأضاف: “يعرفون موقع مكتبنا منذ فترة طويلة ويعلمون بوجود صحافيين فيه. وقد تم تحذيرنا من أن المبنى سيُقصف”.

ورأى أن “هذا تطور مقلق للغاية. لقد تفادينا بصعوبة خسائر فادحة في الأرواح. كان نحو عشرة بين صحافيين من وكالة الأسوشييتد برس وصحافيين متعاملين معها في المبنى ولحسن الحظ تمكنا من إجلائهم في الوقت المناسب”.

وأضاف غاري برويت: “لقد طلبنا معلومات من الحكومة الاسرائيلية ونحن على اتصال بوزارة الخارجية الأميركية لمحاولة معرفة المزيد”. وشدد المسؤول على أن “العالم سيكون أقل اطلاعا على ما يحدث في غزة بسبب ما جرى اليوم”.

—————————-

غزة:الاحتلال ينتقم من المدنيين..وجيشه يرفض العملية البرية

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة استشهاد 26 فلسطينياً وإصابة العشرات، خلال سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة فجر الأحد، في استكمال لسلسلة المجازر التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية منذ بدء التصعيد مع حركة “حماس” الاثنين.

قصف غزة

وبذلك يرتفع عدد شهداء القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع إلى 174، بينهم 47 طفلاً و29 امرأة، بينما تجاوز عدد المصابين 1200.

وشنّت الطائرات الإسرائيلية فجر الأحد، بشكل متزامن عشرات الغارات العنيفة وغير المسبوقة على منازل وشوارع في مناطق متعددة من قطاع غزة، مما أدى إلى سقوط شهداء وعشرات الإصابات، واستهدفت تلك الغارات منازل في شارع الوحدة بمدينة غزة دون سابق إنذار.

وقال شهود عيان إنهم فوجئوا في ساعة مبكرة من فجر الأحد، بقصف غير مسبوق، طاول في حيّ الرمال، غربيّ مدينة غزة، من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية، ودمر الشوارع والمنازل. وتقع المنطقة في شارع الوحدة، غربي مدينة غزة. ولحق بالمنطقة دمار هائل، طاول الشوارع والمنازل التي تحولت إلى كتلة من الركام.

قصف غزة

من جهته، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي الأحد، إنه استهدف منزل رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة يحيى السنوار. وأكد المتحدث باسم جيش الاحتلال هيداي زيلبرمان لراديو جيش الاحتلال، أنه جرى استهداف منزل يحيى السنوار، الذي يقع في بلدة خان يونس جنوب قطاع غزة.

كما جرى، بحسب ما نقلت “أسوشيتد برس”، استهداف محمد السنوار، شقيق يحيى السنوار وقائد القوة العاملة لحماس في خان يونس.

كما أعلن جيش الاحتلال الأحد، أنه رصد 120 صاروخاً أطلقت من قطاع غزة خلال ساعات الليل. وقال في تصريح مكتوب: “منذ الساعة السابعة مساء وحتى السابعة صباحًا (بالتوقيت المحلي)، أطلق نحو 120 صاروخاً من قطاع غزة نحو إسرائيل”. وأضاف “سقط 11 منها داخل غزة، بينما اعترضت القبة الحديدية العديد منها”.

وكانت المقاومة الفلسطينية نفذت وعدها بالرد على قصف الاحتلال الإسرائيلي للأبراج السكنية، فبعد “رفع حظر التجول” عن تل أبيب لمدة ساعتين، أطلقت فصائل المقاومة رشقة صاروخية غير مسبوقة إلى الأراضي المحتلة، رداً على استهداف الأبراج والأبنية السكنية.

وقال الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة إن “القسام” قصف تل أبيب وأسدود برشقات صاروخية كبيرة رداً على تدمير برج “الجلاء” في غزة. وهدد أبو عبيدة الاحتلال الإسرائيلي بالقول: “إن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا”.

واستهدف القصف مدن ريشون لتسيون وهرتسيليا وبتاح تكفا في ضواحي تل أبيب، كما ترددت أنباء عن بلوغ الصواريخ منطقة هشارون شمال تل أبيب، وهو ما يعني اتساع دائرة المناطق المستهدفة.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن 10 إسرائيليين أصيبوا أثناء هروبهم إلى الملاجئ بعد إطلاق صواريخ من غزة على تل أبيب. وقالت قناة “الجزيرة” إن 42 صاروخاً سقطت على تل أبيب ووسط إسرائيل بعد منتصف الليل، في حين دوّت صفارات الإنذار 3 مرات.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال السبت، إن “العملية في قطاع غزة، مستمرة طالما تطلب الأمر ذلك”. وأضاف في مؤتمر صحافي: “ستستمر العملية لكي تفكر حماس مرتين قبل إطلاق النار في يوم القدس أو أي يوم آخر”.

وحول احتجاجات الفلسطينيين في الداخل، ادعى نتنياهو قائلاً: “هناك شيء خطير للغاية هنا، مجموعة كبيرة من الخارجين عن القانون العرب يضرّون اليهود ويضرمون النار في المعابد ويضرون بالممتلكات اليهودية، ولن نتسامح مع هذا”.

يأتي ذلك فيما طالب مسؤولون كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي بوقف الهجوم العسكري على قطاع غزة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، معتبرين أن استمرار المعركة قد يجرّ إسرائيل إلى صراع أوسع يقتضي هجوما برياً على القطاع، وهو أمر لا تتمناه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

وقال موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي إنه بينما يتحد نتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس، ظاهرياً، في عزمهما على مواصلة قصف غزة إلى أن يتوقف قصف صواريخ المقاومة، فإن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين يقولون في محادثات مغلقة إن من الصواب السعي الآن لإنهاء العملية، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

ونقل الموقع عن قادة عسكريين أن إسرائيل تدفع ثمن استمرار العملية، وقد تخاطر بمناورة برية لا يريد أحد دخولها. ولفت الموقع إلى أن هناك خوفاً في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من بروز مفاجأة من حماس بطريقة تتطلب رداً بمناورة برية، وقال مسؤولون عسكريون إن فاعلية الهجمات الإسرائيلية في غزة قد انخفضت.

وذكر موقع “واللا” أن حجم الصواريخ التي دخلت بها حركة حماس المعركة هو قرابة 14 ألف صاروخ، بما يسمح لها بإطلاق الصواريخ مدة 60 يوماً.

واستناداً إلى المصادر ذاتها، ذكر الموقع الإسرائيلي أن القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف نجح في فرض معادلة جديدة على إسرائيل، بعد أن قرر إطلاق صواريخ على كل منطقة يمكن أن تبلغها في جميع أنحاء إسرائيل.

وفي السياق، ذكر موقع “جيروزالم بوست” أن مسؤولين كباراً في وزارة الدفاع يضغطون على نتنياهو وغانتس للعمل على إبرام وقف لإطلاق النار. ويتخوف هؤلاء المسؤولون من أن استمرار القصف قد يؤدي إلى ارتكاب خطأ سيجرّ تل أبيب إلى معركة أوسع تتضمن هجوما برياً على غزة، وهو أمر غير مرغوب داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

وأضاف الموقع الإسرائيلي أن هؤلاء المسؤولين العسكريين يعتمدون في دعوتهم للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على تقييم عسكري بأن إسرائيل حققت أهدافها من قصف مواقع داخل قطاع غزة، وخصوصا استهداف قادة حماس وذراعها العسكرية والبنية التحتية لكتائب القسام.

—————————

هذه السنة… العيد في القدس/ أسعد قطّان

في هذه الأثناء، يصنع الإنسان الفلسطينيّ المشهد باللحم الحيّ. كلّ شيء آخر بات تفصيلاً. الدعم العربيّ؟ أتى أم لم يأتِ، هذا تفصيل. بالأمس كان أبّو عمّار يسأل الزعماء العرب إذا كانوا يستطيعون تحمّل مسؤوليّة عشرات من صواريخ الكاتيوشا يمكنه أن يطلقها من جنوب لبنان على الشمال الإسرائيليّ. أمّا اليوم، فالمعركة تخاض من فلسطين وفي فلسطين. كم تغيّرت الأزمنة! من الواضح أنّ الرأي العامّ الدوليّ شهد هذه المرّة تغيّراً ملحوظاً حيال الفلسطينيّين وقضيّتهم ولو أنّه غير جذريّ أو غير كافٍ بعد. ولكنّ هذا التغيير، على أهمّيّته، يبقى أيضاً تفصيلاً. وحده ما يجري في فلسطين يقول أشياء كثيرة ويتكلّم بلغة أخرى، وهذا هو الأهمّ.

ليس من الصعب قراءة دلالات هذا التحوّل. الإنسان الفلسطينيّ يقبض على قضيّته ويعيد خلقها من جديد، وذلك عبر استعادة الحكاية التي خيّل للمحتلّ الغاصب أنّه نجح في كبتها إلى الأبد. ينتفض المقدسيّون الشرفاء. ينتفض أبناء الضفّة الغربيّة في الرقعة الجغرافيّة المهيضة التي أسموها «منطقة الحكم الذاتيّ». ينتفض الغزّاويّون رغم الجحيم الإسرائيليّ المتساقط على رؤوسهم. وينتفض الفلسطينيّ القديم في فلسطين القديمة التي حوّلتها النكبة إلى امتداد مكسور الذاكرة للمشروع الصهيونيّ. هذا هو الإنسان الفلسطينيّ الذي ينتفض اليوم. يستعيد تاريخه المكبوت بالصمت، المجروح بالقصّة العنفيّة التي ما زال كثر يتردّدون في روايتها. يتضامن بجسمه العاري مع القدس بما تختزنه من رمزيّة لشعب بأسره ومنطقة بأسرها وأديان بأسرها. ولكنّه يتضامن معها بالدرجة الأولى من حيث إنّها عاصمته ومحجّته، ومحجّة كلّ الذين يؤمنون بها علامةً لسلام الشعوب، لا مكاناً للقمع والتهجير وتغليب العنصريّة المفترسة على الإنسانيّة. هكذا تتحوّل القدس اليوم، بالقوّةً ذاتها، إلى قضيّة فلسطينيّة لأنّها تخصّ الفلسطينيّين جميعاً، من الجليل إلى صحراء النقب، وإلى قضيّة إنسانيّة تخصّ العالم أجمع، لأنّ الذين يُضطهدون ويُطردون ويماتون هناك بشر عُزّل جرّدتهم الآلة العنصريّة المقيتة من حقوقهم فيما العالم يحتسي الشاي ويقرأ الصحف.

هذا المشهد العظيم الذي يكتبه الفلسطينيّون اليوم بأيديهم المرفوعة وعيونهم المسكونة بالشمس لا تعكّر صفوه الحمم التي تنزل على غزّة، ولا انطلاق صواريخ المقاومة «الإسلاميّة» كي تدكّ تل أبيب وأشدود وعسقلان وتقفل مطار بن غوريون باللهب الأحمر، لا بالشمع الأحمر. فالكلّ يعرف أنّ نتانياهو المتهالك بقضايا الفساد والمهدّد بالذهاب ذليلاً إلى بيته، أو إلى السجن، يريد أن يحسّن شروطه. ولكنّه راحل والقضيّة الفلسطينيّة باقية في ضمير الحفيدات والأحفاد الذين يصنعون اليوم ثورتهم العظيمة بأنفسهم، وبالنيابة عن العالم المتعثّر بصمته. والكلّ يعرف أنّ إضفاء الصبغة الدينيّة على مشروع المقاومة الوطنيّة معرّض للتحوّل، في أيّ وقت، إلى رقصة مشؤومة تتحرّك على إيقاع المفاوضات بين الولايات المتّحدة وإيران. ولكن حتّى هذه الأمور تبدو اليوم تفصيلاً باهتاً. فالرهان، كلّ الرهان، هو مآلات هذه الانتفاضة الفلسطينيّة الجديدة ومدى قدرتها على تثمير التضامن الفلسطينيّ المنبثق من زهرة المدائن في مشروع سياسيّ حقيقيّ، وذلك فيما إسرائيل تهتزّ ويفتضح أمرها للعالم بأسره أنّها كيان هشّ قائم على كذبة كبيرة قوامها عنصريّة كبيرة.

«من صدّق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الربّ؟»، يقول إشعياء النبيّ. ومن كان سيصدّق في السنة الماضية أنّ هذه ستكون أطوار عيد الفطر في هذه السنة؟ عيد للفلسطينيّين على امتداد الوطن الذي يأبى أن يكون مسلوباً، وعيد للمقدسيّين في القدس، لأوّلهم وآخرهم، على رجاء الآتيات العظيمة، وأهمّها الحرّيّة…

———————-

العالم يتظاهر لأجل القدس وغزة

تواصلت السبت، المسيرات والتظاهرات في الداخل الفلسطيني في ذكرى النكبة ال73 ونصرة للقدس والأقصى وضد العدوان على غزة، وتنديداً باعتداءات المستوطنين على المواطنين العرب بحماية عناصر الشرطة الإسرائيلية.

وتظاهر الآلاف مساء السبت، في يافا وحيفا وسخنين وغيرها، وشارك في المظاهرات ممثلون من عدد من الأحزاب العربية داخل إسرائيل إلى جانب مشاركة واسعة من المواطنين.

ونفّذت الشرطة الإسرائيلية حملة مداهمات تخللها اعتقال عشرات الشبان في البلدات العربية. وفي عكا، اعتقلت قوات الاحتلال 52 فلسطينياً وفي حيفا 14، وفي مدينة يافا 12.

وفي مدينة اللد، اعتُقل قرابة 30 فلسطينياً، وستة في جلجولية، وأربعة في الناصرة. وفي النقب، تم اعتقال 148 فلسطينياً من قبل الشرطة والمخابرات منذ بداية الهبة قبل ستة أيام، وبقي منهم 40 معتقلاً في السجون.

وحذرت الشرطة الإسرائيلية من أنها تستعد لليلة مهمة في اللد، في إشارة إلى توقع قيام احتجاجات ومواجهات مع سكان المدينة العرب احتجاجاً على الاعتداءات التي شهدتها مدينتهم من القوات الإسرائيلية والمستوطنين، الذين أحرقوا العديد من السيارات المملوكة لعرب، وهاجموا بيوتاً في المدينة، واعتدوا على السكان.

وامتد التضامن مع القدس والغزة إلى كبرى العواصم العالمية. وتظاهر الآلاف وسط العاصمة البريطانية لندن دعماً للشعب الفلسطيني، مطالبين الحكومة البريطانية بالتدخل لوقف العملية العسكرية الإسرائيلية.

وتجمع المتظاهرون عند ماربل آرتش بجوار حديقة هايد بارك، وساروا منها باتجاه السفارة الإسرائيلية عند الطرف الآخر للحديقة، رافعين أعلاماً فلسطينية ولافتات تطالب ب”إنقاذ” فلسطين. وقال المنظمون إنه “من الضروري أن تتخذ الحكومة البريطانية إجراءات فورية”.

وأضافوا في بيان، “يجب ألا يسمح بعد الآن بإبقاء العنف الوحشي بحق الشعب الفلسطيني (…) بدون عقاب”. وتابع المنظمون أن “الحكومة البريطانية شريكة في هذه الأعمال طالما أنّها تقدم دعماً عسكرياً ودبلوماسياً ومالياً لإسرائيل”.

وفي ألمانيا خرج متظاهرون مؤيدون لفلسطين إلى الشوارع في العاصمة برلين. وتجمع العشرات -حسب بيانات الشرطة الألمانية- في ساحة هيرمان، وساروا حتى مبنى بلدية المدينة في نويكولن، وطالب المتظاهرون ب”الحرية لفلسطين” وذكّروا ب”يوم النكبة”. كما تظاهر  المئات في مدينة لايبزيغ شرقي ألمانيا للتعبير عن تأييدهم لفلسطين.

وفي العاصمة الإسبانية شارك الآلاف باحتجاج في مدريد لدعم الفلسطينيين. ونظمت الجالية الفلسطينية بإسبانيا مسيرة “القدس” في الذكرى ال73 للنكبة. وهتف المتظاهرون باللغة الإسبانية “هذه ليست حربا، هذه إبادة جماعية”. ورفع البعض لافتات كتب عليها “الولايات المتحدة دولة إرهابية” و”حياة المسلمين مهمة”.

وفي أستراليا تظاهر الآلاف رفضاً للهجمات الإسرائيلية على غزة والاعتداءات على القدس وبقية الأراضي الفلسطينية.

ففي مدينة سيدني، اجتمع محتجون عند مبنى البلدية لبدء مسيرة في الشوارع مرددين هتافات مثل “الحرية لفلسطين” و”الحرية لغزة”. وفي ملبورن، اجتمع المحتجون أمام مكتبة ولاية فيكتوريا وساروا باتجاه مبنى البرلمان، وحمل الكثير منهم لافتات عليها عبارة “الحرية لفلسطين”.

وفي نيويورك، نُظمت وقفة احتجاجية رفضاً لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وللغارات التي يشنّها جيش الاحتلال على قطاع غزة، وطالب المتظاهرون الأميركيون إدارة الرئيس جو بايدن، بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل.

ووفق “الأناضول”، تجمع المئات من المتظاهرين في أحد شوارع منطقة مانهاتن المزدحمة، احتجاجاً على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وعمليات الإجلاء القسري للعائلات الفلسطينية من منازلهم في حيّ الشيخ جراح في القدس، والغارات الجوية على غزة، واستشهاد مدنيين فلسطينيين جرّاء ذلك.

وحرص المحتجون على ترديد شعارات مناهضة لإسرائيل وداعمة لفلسطين من قبيل “فلسطين حرة”، و”إسرائيل قاتلة”، منتقدين الإعلام الأميركي لتعمّد تجاهل ما يحدث في فلسطين.

وفيما منعت الشرطة في النمسا مظاهرتين للتضامن مع فلسطين كانتا مقررتين السبت. شهدت بعض المظاهرات في مدن أوروبيّة قمعاً وحشيّاً من قبل الشرطة، كما حدث في باريس، حيث قمعت الشرطة الفرنسيّة في العاصمة الفرنسيّة باريس، مظاهرات خرجت للتضامن مع الشعب الفلسطينيّ.

وهاجمت قوّات الشرطة التي قدّرت أعدادها بالمئات، المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع قبل الانقضاض عليهم، وملاحقتهم في الشوارع والأزقّة، وملاحقة الناشطين الذين دعوا إلى هذه المظاهرات.

عربياً، تظاهر آلاف الأردنيين قرب الحدود مع الأراضي الفلسطينية في منطقة الكرامة بالأغوار الجنوبية، صباح السبت، لليوم الثاني على التوالي. وهتف المتظاهرون “على الأقصى رايحين شهداء بالملايين”، “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”. وطالب المتظاهرون، السلطات الأردنية، بفتح الحدود للجهاد في فلسطين وتخليص الفلسطينيين من الكيان المحتل، مؤكدين التمسك بالوحدة الوطنية.

كذلك شهد وسط العاصمة العراقية بغداد تظاهرات واسعة شارك فيها آلاف العراقيين للتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وشارك الآلاف في التظاهرات التي امتدت من ساحة التحرير إلى الشوارع القريبة منها وصولاً إلى جسر الجمهورية على نهر دجلة، رافعين الأعلام العراقية والفلسطينية، وردد المتظاهرون هتافات ضد إسرائيل والولايات المتحدة، معلنين دعمهم الكامل للشعب الفلسطيني ونضاله ضد الاحتلال.

كذلك شهدت تونس السبت، وقفات احتجاجية للتعبير عن مساندة الشعب الفلسطيني والتنديد بجرائم المحتل، وخرجت في محافظات تونس وسيدي بوزيد وبنزرت وصفاقس وقابس وغيرها مسيرات شعبية مؤيدة للشعب الفلسطيني.

وتم تنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة فلسطين، رفعت خلالها شعارات تندد بجرائم المحتل وتعبر عن المساندة المطلقة للفلسطينيين. كما تم تنظيم وقفة لإحياء ذكرى النكبة أمام تمثال ابن خلدون بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس، وذلك بدعوة من تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين وعدد من الأحزاب والجمعيات والمنظمات ومن أجل نصرة الشعب الفلسطيني.

———————–

استهداف القصة الصحافية … من غزة إلى بغداد/ حازم الأمين

الإصرار على استهداف البرج نابع من رغبة في منع الإعلام من كشف هول الغارات، ومن الوصول إلى وجوه الضحايا خلف مشهد الدخان الكثيف. هو ليس استهداف لحماس، بل استهداف للقصة الإنسانية التي يغلفها الدخان المنبعث من البيوت المدمرة في القطاع.

 هل يعيدنا استهداف الغارات الإسرائيلية لبرج الجلاء الذي يضم مكاتب الصحافيين في مدينة غزة، إلى الحملة التي تستهدف الصحافيين في العراق هذه الأيام؟ أم إلى استهداف القوات الأميركية في العام 2003 فندق فلسطين حيث كانت مكاتب معظم وسائل الإعلام التي تولت تغطية الاجتياح الأميركي للعراق؟ الأمر سيان طالما أن المستهدف واحد، وطالما أن الرغبة بحجب الصورة ودفن الحقيقة وراء كل هذه الأفعال. وهنا ليس مهماً أن يتشابه المرتكبون، طالما أن المهمة واحدة، وهي منع القصة الصحافية من أن تنعقد على قرينة المشاهدة والمعاينة والتصوير.

الجميع يعرف برج الجلاء جيداً. لا قيمة عسكرية له ولا دور له في هذه الحرب سوى استضافته مكاتب الصحافيين. هو موقع مدني يقع في شارع لا وجود فيه لحركة حماس. كما أن القول بأن قصفه فعلاً عقابياً لأهل غزة لا يكفي لتفسير الفعل، ذاك أن الجيش الإسرائيلي يعرف تماماً أن استهدافه سيستدرج رد فعل دولي سببه وجود مكاتب صحافية على رأسها مؤسسة أميركية هي “اسوشيتد برس”.

المفاوضات مع صاحب البرج التي سبقت تدميره، كشفت حجم التصميم على التدمير، والقول إن حماس تستخدمه لاستطلاع المواقع الإسرائيلية مثير للسخرية. ذاك أن هذا الادعاء ينطوي على اعتقاد بأن حماس تستطلع تحت أنظار الصحافيين، لا بل تحت أنظار الـ”اسوشيتد برس”.

الإصرار على استهداف البرج نابع من رغبة في منع الإعلام من كشف هول الغارات، ومن الوصول إلى وجوه الضحايا خلف مشهد الدخان الكثيف. هو ليس استهداف لحماس، بل استهداف للقصة الإنسانية التي يغلفها الدخان المنبعث من البيوت المدمرة في القطاع.

لا شيء يفسر وظيفة الاستهداف، والإصرار عليه رغم التفاوض الذي سبقه سوى أن إسرائيل لا ترغب بتغطية الصحافيين حربها على غزة. فالعداء بين الغزاة والصحافة مأثرة نعرفها وسبق أن اختبرناها. في كل غزوة تكون الصحافة على رأس بنك الأهداف. في بغداد أثناء الغزو الأميركي العام 2003 وفي لبنان عندما غزا حزب الله بيروت في العام في العام 2008 واليوم في غزة. ويستوي في الاستهداف من يمكن أن يُحاسب ومن لا يحاسب، ذاك أن الجيوش الغازية على استعداد لاستعمال أي شيئ في سياق حملتها، وضرورة حجب الصورة هي المهمة الأسهل. فما كُشف مؤخراً عن توظيف الجيش الإسرائيلي للإعلام في مهام تضليلية ميدانية كان أشد فظاعة على هذا الصعيد، ذاك أن قيادة الأركان الاسرائيلية سربت لوسائل إعلام غربية أنها بصدد هجوم بري على غزة. وظيفة هذا التسريب كانت دفع مقاتلي حماس إلى الخنادق للتصدي لهذا الهجوم، ومن ثم الإغارة على هذه الخنادق. وبهذا المعنى لم يتردد الجيش الإسرائيلي في تضليل الإعلام، وبالتالي توظيفه في حربه على غزة.

يشبه انهيار برج الجلاء لحظة استهدافه الانهيار الذي أصاب أشقاءه من الأبراج الغزاوية التي جرى تدميرها في نفس اليوم، وهي بدورها أهداف مدنية وسكنية. لكن البحث في أنقاض مبنى الجلاء في أعقاب تفجيره كشف عن معدات التصوير المخبأة في علبها المعدنية، والتي تم نقلها إلى مكاتب وكالة الصحافة الفرنسية التي قررت استضافة فرق الصحافيين ممن دمرت مكاتبهم. أما الأبراج الأخرى فليس لأهلها من يأويهم، ثم أن أثاثات منازلهم لم تكن موضبة في علب معدنية تحميها من هول الانهيار الذي أعقب الانفجار. واذا كان للصحافة من يدين استهدافها ويتصل بنتانياهو محذراً من التعرض لها، فليس لسكان الأبراج غير الصحافية على شاطئ غزة سوى خيماً تنضم إلى شقيقاتها التي نصبت في أعقاب الاجتياحات التي تعاقبت على القطاع منذ عقدين أو أكثر.

درج

————————–

رسالة من غزة: هذا ما يجري لنا الآن… صدقوني/ مصطفى إبراهيم

شعوري أن العيش هنا في غزة مترافقاً مع الذكرى الـ 73 للنكبة والذكرى السنوية الاولى لرحيل والدي ورواياته عن النزوح واهواله، والقلق والخوف على العائلة والأصدقاء والاقارب، أنني حر أنا ومجموعة كبيرة من “المجانين” هنا في غزة نموت ونطالب بالثأر والانتقام…

“وين اروح أنا وبناتي الأربعة. دمروا كل العمارة اللي ساكنين فيها”، إنه صوت امرأة من غزة وهي تسير في الشارع وتحمل حقيبة وتم تدمير البناية السكنية التي تقطن فيها.

الليلة الماضية، لا أعلم هل هي ماضية أم هي امتداد لنهار سابق ونهار قد يأتي أو لا يأتي، اذ كانت الرابعة فجراً، وقبل محاولة النوم الأخيرة ووسط انفجارات قريبة من منزلي هزت أركانه، جاءت الأخبار التي تُذهب العقل وتدمي القلب. الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت منزل في مخيم الشاطئ داخل مدينة غزة فاستشهد 8 مواطنين بينهم 6 أطفال وامرأتين، ونجا طفل واحد يبلغ من العمر 5 أشهر.

لم أستطع منع نفسي من البكاء، وهو فعل تكرر أكثر من مرة في الستة أيام الماضية، أي منذ بدأ العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. بكيت كثيرا عندما تم تدمير برجي الجوهرة والشروق في حي الرمال وسط مدينة غزة، وهما معلمان من معالم المدينة، ولي ذكريات في المكانين حيث المكاتب الاعلامية ومكان استضافتي على محطات التلفزيون. فقد اصدقائي ما بنوه خلال سنوات. فقدوا ذكرياتهم وآمالهم ومستقبلهم. لقد تدمرت معداتهم ومكاتبهم، ولم يعد من أثر لمكان أمضوا فيه أيام وسنوات.

مشاهد من غزة تحت العدوان

أحاول النوم في اليوم ساعتين منذ بداية العدوان. ابني يوسف في الثانوية العامة التوجيهي، ومن المفترض ان يتقدم للامتحانات الشهر القادم في 17/6 منه، لم يستطع فتح كتاب ولم يتمكن من النوم ساعات متتالية. مع كل صوت قصف وانفجار يستيقظ ويقف في وسط الصالة ويسأل “وين القصف”، كذلك شام وهي في الصف التاسع تحاول النوم وتسأل بين الفترة والاخرى “وين القصف” وتستيقظ وبعد فترة تحاول النوم ولا تنجح.

خلال السنوات الخمس عشر الفائتة عشت ثلاث دورات عدوانية إسرائيلية على قطاع غزة، وهذه هي الدورة او الجولة هي الرابعة. الغريب أن العدوانات استيقظت كلها ما أن بدأ  العدوان الأخير. الحرب النفسية والتاريخ يعودان بي إلى سنوات ماضية، إلى عملية “الرصاص المصبوب” في 2009،2008، وعدوان 2012، وعدوان 2014، وما ارتكب خلالها من جرائم، وقتل للأطفال والنساء وتدمير المنازل على رؤوس قاطنيها. لا فاصل زمنياً بين هذه العدوانات في ذاكرتي. المشاهد تتداخل على نحو متخيل وواقعي في آن.

لا أخفي خوفي وقلقي خاصة في موضوع استهداف وقصف المنازل وتدميرها، فهي تتم بدون تمييز أو سابق انذار، فالهدف في قناعتي هو التدمير وكيّ الوعي. لم يعد العقل والقلب قادرين على تحمل صور ومشاهد الدم وقتل الأطفال. تتمرد الذاكرة على النسيان وتصر على الاحتفاظ بصور أطفال مسجيّن لن يعودوا إلى أحضان أمهاتهم. فكيف لي أن أنسى صورة الطفل الناجي الوحيد من عائلة ابو حطب من مجزرة مخيم الشاطئ.

لا أخفي أنني اكتب وانا قلق. يعتريني خوف من صوت يبعث مزيداً من الرعب في نفوس أولادي. أكتب على وقع صوت الانفجارات، خاصة تلك الآتية من مدافع الزوارق البحرية المتمركز في بحر غزة حيث أسكن.، لا بل الانفجارات الآتية من كل مكان، ومن صوت رسائل الـ”واتس أب” والتي تفيد بإنذار الاحتلال الاسرائيلي سكان برج الجلاء وسط مدينة غزة حيث مكتب قناة الجزيرة الاخبارية ومؤسسات صحافية أخرى (جرى تدمير البرج بعد دقائق من وصول مقال مصطفى إلينا). إضافة الى صوت طائرات الاستطلاع التي لا تغادر السماء، بصوتها الرفيع الذي ينخر رؤوسنا، فاشعر انها تقف فوقي وتدقق بما اكتب.

هذا ما أعيشه مع مليوني فلسطيني من أهل القطاع. أحاول الآن أن أسرع في الكتابة للحفاظ على ما تبقى من شحن جهاز الكومبيوتر، فاعذرني يا صديقي المحرر لأنني لن أجري قراءة ثانية لما كتبت. الكهرباء شحيحة وتصل ثلاث ساعات وربما لا تصل، وأيضا لن اتمكن من شحن جهاز الكومبيوتر من بطارية الـ”يو بي أس” لأحافظ عليها لشحن جهاز الراوتر والانارة الليلية. فقد أعلنت شركة توزيع الكهرباء عن توقف وشيك لمحطة التوليد بسبب منع إدخال الوقود عبر معبر كرم أبو سالم. التوقف سيشمل محطة التوليد بسبب تدمير خطوط الكهرباء الآتية من الخط الأخضر أيضاً وتعطل الخطوط الرئيسية، وهي تشكل(45%)، بطاقة إجمالية تصل لـ (50) ميغاوات، وكذلك منع إدخال شحنات الوقود اللازمة لتشغيل محطة التوليد الوحيدة في قطاع غزة بسبب إغلاق معبر كرم ابو سالم.

بدأت ازمة الكهرباء بالانعكاس على القطاعات الحيوية في غزة، حيث توقفت “المياه الحلوة” اي الصالحة للاستخدام الآدمي المستوردة من شركة المياه الاسرائيلية (مكروت)، ومن حسن الحظ أنه يوجد بئر مياه في العمارة التي أقيم فيها لكنه يضخ مياه مالحة لا تصلح للشرب والطعام. لكن هذه النعمة لا تشمل أهل المدينة وتقتصر على بعض العمارات. ومن حسن حظي أيضاً، حتى الان، أن خدمة الانترنت تعمل على رغم أن الغارات الإسرائيلية دمرت البنية التحتية لشبكات الاتصالات والانترنت في أجزاء كبيرة من غزة.

لا أعلم أي حظ ذلك الذي أعيشه ونعيشه في قطاع غزة، هل لأنه يراودني شعور كما ذكر لي صديقي اننا نحن الاحرار وباقي الدول العربية هي المحتلة في اشارة منه لقصف إسرائيل، حتى ولو أن الثمن كبير والتضحيات أكبر؟

شعوري أن العيش هنا في غزة مترافقاً مع الذكرى الـ 73 للنكبة والذكرى السنوية الاولى لرحيل والدي ورواياته عن النزوح واهواله، والقلق والخوف على العائلة والأصدقاء والاقارب، أنني حر أنا ومجموعة كبيرة من “المجانين” هنا في غزة نموت ونطالب بالثأر والانتقام، هذا المطلب الغريزي يعينني على تحمل أكلاف البقاء على قيد الحياة. أفكر بمستقبل أولادي، وأؤجل النقاش عن جدوى المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية وخذلان الانظمة العربية. لم يعد لي القدرة على بعث رسائل في ظل القتل وغياب العدالة والتواطؤ على قتلنا.

لا أفق لوقف تدفق العدوانات. تبقى الاسئلة مشرعة في ظل حالة انسانية لا تطاق. فقد فاتني قبل أن ينطفىء الكومبيوتر أن أشير إلى نقص المواد الغذائية والطعام والشراب. ففي حضرة الموت والدم وسقوط الضحايا لا استطيع ان اتذوق الطعام باستثناء القهوة والسجائر والماء، قد تعتقدون أن في هذا مبالغة لكن هذه هي الحقيقة

————————-

اللدّ : ثأر لدم عتيق بلغ من العمر 73 عامًا/ ليندا ماهر

تشهد المناطق الفلسطينية هبة غير مسبوقة، نجمتها مدينة اللدّ التي لطالما جسدت مرارة تاريخية بالنسبة الى الفلسطينيين منذ الأيام الأولى للنكبة.

فالفلسطينيون الذين يعيشون الذكرى الـ73 لنكبة الاحتلال يستعيدون عبر أحداث حيّ الشيخ جراح والقدس واللدّ وقطاع غزة، واقعهم المرير لأكثر من سبعة عقود.

ففي ليلة يوم الثلاثاء 11 آيار/ مايو انتشر فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي لمسيرة من المستوطنين الإٍسرائيليين تغادر المدّينة خوفاًَ في مشهد أعاد للذاكرة مسيرة العطش بعد المذبحة التي ارتكبت بالمدينة عام 1948.

لم تكن اللدّ قد برزت على خريطة الاحتجاجات الاخيرة، لكن فلسطيني المدينة لبوا نداءات للتظاهر ضد ممارسات قوات الاحتلال الاسرائيلي في القدس ومحاولاته إخلاء بيوت سكان حي الشيخ جراح قسراً لتسليم البيوت إلى مستوطنين تم استقدامهم من دول أخرى. هتفوا ضد الاحتلال فسقط الشاب موسى بنيران مستوطن خلال مظاهرة وفي اليوم التالي تم منع الجنازة من قبل القوات الإسرائيلية فحدثت مواجهات لتعلن بعدها حال الطوارئ.

اللد في حرب 1948

بعد الإعلان عن دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 قرر القادة الإسرائيليون شن عملية عسكرية واسعة في منطقة اللد والرملة للاستيلاء على مطار اللد (مطار بن غوريون حاليًا) ولإبعاد القوات الأردنية التي دخلت إلى فلسطين في 15 أيار/ مايو 1948. يقول اللديون ان اللد هي المدينة الوحيدة التي دخلها الصهاينة بخديعة حيث دخلوها بلباس الجيش العربي الأردني بعد أن روجوا شائعات مفادها أن مجموعة من هذا الجيش ستدخل المدينة للحيلولة دون سقوطها.

هاجم الجيش الإسرائيلي في “عملية داني” مدينة اللد في 10 يوليو/تموز 1948. نتيجة هذا الهجوم المكثف الذي أسفر عن وقوع الكثير من الضحايا ترك معظم السكان واللاجئين المدينة. وفي اليوم التالي شنت العصابات الصهيونية هجوماً مركزاً على اللد بالطائرات والمدافع وراجمات الألغام.

قتل الاسرائيليون عند دخولهم لمدينة اللد 426 عربياً منهم 176 قتلوا في مسجد دهمش “مسجد المذبحة” في يوم 13 يوليو/تموز جمعوا عددا كبيرا من السكان داخل الجامع الكبير وكنيسة الخضر. هرب الكثير من السكان إلى داخل مسجد دهمش لظنهم أن ذلك سيحميهم ولكن وجودهم داخل الجامع لم يشفع لهم، إذ دخل الاسرائيليون إلى الجامع، وقتلوا، وجرحوا عددا كبيرا من الفلسطينيين. بقي المسجد مغلقًا لسنوات طويلة حتى تم ترميمه وافتتاحه أمام الجمهور في 2002.

سقوط المئات من أهالي اللد خلال ساعات نشر الرعب بين السكان، وجعلهم يفكرون في مصيرهم إذا بقوا في ظل هذا الاحتلال الشرس، فبدأوا بالهجرة ولم يبق من عددهم البالغ حينها نحو 19000 عربي سوى 1052 نسمة. وبعد توقيع “اتفاقيات رودس” في 1949 أصبحت اللد مدينة إسرائيلية، ومُنحت الجنسية الإسرائيلية لجميع السكان الذين بقوا في المدينة بينما بدأ اليهود بالسكن في المدينة، الذين يشكلون اليوم ثلاثة أرباع المدينة.

شـهـادات على مذبحة اللد

 في محاكاة للمقولة الشهيرة المنسوبة إلى سقراط يمكن القول إنّ الشيء الوحيد الذي نعرفه بيقينيّة هو أنّنا لا نعرف (تقريبًا) شيئًا عن النكبة الفلسطينية، فتوثيق شهادات السكان والأجداد واللاجئين الفلسطينيين في غاية الأهمية، لمعرفة الأحداث ممن عاصروها.

في عام 2002 تأسست جمعية ذاكرات “زوخروت” التي تهدف إلى الاعتراف بالمسؤولية الأخلاقية عن الغبن الذي ألحقته إسرائيل بالفلسطينيين وتعمل من أجل تحقيق عودة اللاجئين إلى أراضيهم ومساكنهم، فمن بين أحد أهم مشاريعها هو كتيبات عن ذاكرات البلاد المحتلة، فكتيب “ذاكرات اللد”  يسرد قصة اللد شاملة من مصادر متعددة، كشهادات وكتب تاريخية وخرائط وصور، حتى يعرف الجمهور بنكبة اللد المستمرة. المواد المكتوبة أيضاً باللغة العبرية تهدف إلى تعريف الجمهور الإسرائيلي بما تحاول أجهزة الدولة إخفاءه عنه. فيشمل هذا الكتيب شهادات من اللاجئين/ات الفلسطينيين، وشهادات واعترافات من مقاتلين إسرائيليين شاركوا في احتلال المدينة وحكوا عن جزء مما شاهدوه وفعلوه في تلك الأيام. تحدثوا عن القتل العمد والمجزرة في المسجد والتهجير القسري ونهب البيوت وغير ذلك.

هنا مقتطفات من شهادات كتيب “ذاكرات اللد” حول مجزرة مسجد دهمش:

“الجيش أجا على جامع دهمش وصار يطخ على كل اللي بالجامع. لما ّطخوا على الناس بالجامع مش كل الناس ماتت، فصار الجيش يقول: مين بعده عايش، اللي عايش يقوم، خلينا نسعفه. الناس المساكين فكروا انه أجوا ّ ينجوهم فقاموا من بين الجثث، ولما قاموا ّطخوهم وقتلوهم….” رئيفة أبو منه- كركر مواليد 1934- اللد، وُثقت شهادتها في سبتمبر/ أيلول 2012.

“- أنا أرسلت قذيفة واحدة، وهذا كفى.

– كم عدد الناس الذين كانوا في الداخل؟ تعرف؟

– الكثير.

– ماذا تعني؟

– الكثير. أنا فتحت الباب، رأيت ذلك وأغلقت

الباب.

– ماذا رأيت؟

– القاعة فارغة وكلهم على الحيطان.” يرحميئل كهنوفيتش مواليد 1929، جندي خدم في عصابات “البلماخ”، وُثقت شهادته في

لماذا اللد وما هي عليه اليوم؟

وفي رمضان هذا العام، وعلى بعد أيام من ذكرى النكبة، قامت اللد لتقلب كلّ شيء: قامت تثأر لدمها المنثور في كلّ أزقة المدينة، ألقت وراءها سياسات التهويد والاستيطان، والإفقار والتهميش، وحرب العنف الداخلي الذي تغذيه “إسرائيل”، واستعادت شوارعها ومكانها وقواها.

تشتمل مدينة اللد اليوم على المباني السكنية القديمة المحيطة بمنطقة النواة المركزية التي تضم الأسواق القديمة والمحلات التجارية واللد الجديدة التي ظهرت بالشكل الحديث بعد تدفق اليهود المهاجرين إليها. وأصبحت مركزاً صناعياً ضخماً يوجد بها مصانع للطائرات الحربية ومصانع للمواد الغذائية والسجاد والورق والآلات والإلكترونيات. على الرغم من إنشاء مدينة اللد الجديدة إلا أن المدينة القديمة ما زالت محتفظة بطابعها العربي.

مساحتها 12.226كم، يعيش فيها 75 ألف نسمة من بينهم 27% من العرب في أحياء فقيرة، وفي ظروف إنسانية صعبة للغاية، وتنفذ بحقهم أوامر هدم شبه يومية، عدا عن الارتفاع الكبير في مستوى العنف والجريمة وخاصة المخدرات. اليوم الـ 30 ألفاً في اللد يواجهون 70 ألف مستوطن وعسكرهم، يُخرجونهم من “بيوتهم”، يُحرقون سياراتهم، و”سيادة” إسرائيلية فُقدت تبحث عمن يستعيدها من وحدات عسكريّة و يثأرون لدم عتيق بلغ من العمر 73 عامًا.

——————————-

هل تسعى واشنطن للإطاحة بنتانياهو؟

العدوان على غزة كشف عن تغير في المزاج الدولي، قد يكون من المبالغة القول بأنه لمصلحة الفلسطينيين، إلا أنه من دون شك تحول ينبغي رصده.

الولايات المتحدة الأميركية ليست هي نفسها في ظل هذا العدوان، فحرص واشنطن على أن تكون وسيطاً “محايداً” كان واضحاً في التصريحات الأميركية، والرئيس الأميركي جو بايدن أجرى اتصالين هاتفيين، الأول مع بنيامين نتانياهو والثاني مع أبو مازن، وأكد فيهما “تفهم واشنطن لدفاع إسرائيل عن أمنها، لكن تمسكها بكرامة الفلسطينيين وبحقهم بدولة مستقلة”. لكن في مقابل ذلك كانت المواقف الأوروبية أكثر تحفظاً من موقف الولايات المتحدة، فالمانيا اعتبرت أن قصف تل أبيب عملاً ارهابياً، وفرنسا تفهمت ما اعتبرته حاجة إسرائيل لحماية أمنها ومنعت تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، وفيينا رفعت العلم الإسرائيلي تضامناً مع إسرائيل! وطبعاً أعقبت هذه المخاوف إدانات حذرة لقصف المدنيين في غزة. ورأى الاتحاد الاوروبي أن ما تقوم به اسرائيل هو “دفاع عن النفس”.

انقضاء الزمن الترامبي لم يسعف نتانياهو، وهو أصلاً باشر بالتصعيد في غزة على وقع شعوره بالقلق جراء ما يجري من مفاوضات في فيينا بين الأميركيين والإيرانيين. والأرجح أن التحول في الموقف الأميركي هو بداية علاقة مختلفة بين تل أبيب وواشنطن. فالأخيرة باشرت حملة “تعزيل” ما خلفه الرئيس السابق، وإذا ما أتيح لها أن تطيح بنتانياهو، فتكون قد نجحت بإزالة أبرز الوجوه غير الأميركية للزمن الترامبي. ومستقبل نتانياهو السياسي مرتبط إلى حد كبير بنتائج الحرب التي يخوضها في غزة اليوم. اذاً المهمة الأميركية اليوم هي ان لا يشعر نتانياهو بأن ثمة غطاء غربياً لحملته على القطاع. حياد واشنطن النسبي هذه المرة لن يلبي نتانياهو، وسيرتد عليه سواء في تشكيل الحكومة أو في الانتخابات في حال قرر الكنيست حل نفسه مرة جديدة.

أوروبا أقل حساسية من واشنطن حيال ما مثلته حقبة ترامب من ارتدادات. موقفها اليوم من الحرب هو امتداد لمواقفها التقليدية من النزاع في المنطقة. قصف تل أبيب فرض عليها عودة إلى حساباتها الأصلية حيال إسرائيل. ألمانيا وفرنسا والتزاماتهما حيال “حق اليهود الناجين في دولة آمنة”، في مقابل حساسية أقل تجاه سلامة المدنيين الفلسطينيين.

لكن ثمة متغير ثالث لا بد من رصده في هذا السياق، وهو الموقف الرسمي المصري، الذي بدا هذه المرة أكثر انحيازاً لغزة من المرات السابقة، وأكثر تخففاً من لغة الوسيط المحايد الذي شهدناه أثناء الاجتياحات السابقة. فتحت القاهرة الحدود مع رفح لاستقبال الجرحى من دون شروط، لا بل نظمت عملية تطوع لمئات الأطباء للتوجه إلى غزة والمشاركة في إسعاف الجرحى هناك. طبعاً جرى ذلك في ظل انفراج في العلاقات مع أنقرة، راعية حماس، لكن أيضاً في ظل عدم ارتياح مصري وأردني من اتفاقيات ابراهام التي تجاوزها أطرافها سواء كان نتانياهو أو حكام الإمارات والبحرين.

ربما مثلت الحرب في غزة نهاية بنيامين نتانياهو، طالما أن “الانتخابات الرابعة” لم تنجح بالإطاحة به على رغم أنها لم تعطه أكثرية تخوله تشكيل حكومة. فرئيس الحكومة الإسرائيلية لم يؤمن طريق العودة لنفسه بعد فشل ترامب. ذهب معه إلى النهاية. صفقة القرن ليست متداداً لـ”السلام” الذي كانت واشنطن بدأت برعايته منذ كامب ديفيد، وما خلفته الصفقة على ضفتيها من ضحايا لا يمكن التعامل معه بوصفه أمراً انقضى مع مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض. ثمة وكلاء للرجل لا يمكن تجاوز المرحلة من دون مغادرتهم. الأرجح أن نتانياهو على رأسهم.

في المقابل، ثمة استعصاء ميداني على الجبهة. نتانياهو سيستمر بالحملة العسكرية الشرسة من دون أفق لـ”انجاز ميداني”. فقط مزيد من الضحايا المدنيين، وعجز عن ضبط ردود حماس الصاروخية التي وصلت إلى تل أبيب. لطالما أطاح هذا النوع من الحروب برؤساء حكومات في تل أبيب.

البرودة في واشنطن حيال التصعيد الإسرائيلي تشي بأن الاستعصاء أمر غير مزعج لواشنطن، وأن ثمة رجلاً يجب أن يغادر. ربما! 

———————–

ستة عوامل تؤجج الاضطرابات في مناطق الـ48

ترجمة – هآرتس

مايو 16, 2021

علينا ألا نستغرب الاحتجاجات ضد توغلات اليهود اليمينيين في الأحياء العربية في يافا والرملة واللدّ. فالعرب هناك يعانون صعوبات، وبالتالي يرون في احتجاجات حي الشيخ جراح مثالاً ونموذجاً لنضالهم هم أنفسهم.

هذا سؤال جوهري: لماذا خرج المواطنون العرب في إسرائيل إلى الشوارع بهذا الزخم؟ من الواضح أن هناك أكثر من دافع أدى إلى هذا الانفجار في عشرات الأماكن خلال هذا الأسبوع، لا سيّما في المدن المختلطة.

1. العنصر الديني. ما زال يُنظر إلى المساس بالرموز أو القيم الدينية باعتباره عملاً يمكنه بسهولة إشعال مشاعر المجتمع العربي.

برز هذا الأمر، على سبيل المثال، في العام الماضي حين أدخلت القائمة المشتركة للأحزاب العربية نفسَها في ورطة بسبب مقترحات قوانين مناهضة لـ”علاج التحويل” وحقوق المثليين. أدركَت الحركة الإسلامية [الجناح الجنوبي] والقائمة العربية الموحدة أن بإمكانهم توظيف القضية داخل المجتمع العربي؛ فقد ركز حزب منصور عباس النقاشات على القضايا المجتمعية لا على الدين.

ولكن ما إن يخرج المارد الديني من قمقمه، يصبح من الصعب السيطرة عليه، لا سيّما حين يصبح المسجد الأقصى في المشهد.

    مثَّل التمييز العنصريّ وانعدام المساواة والإبعاد وغياب أفق دبلوماسي/سياسي للفلسطينيين وصفة مضمونة لتشجيع الاحتجاجات، خصوصاً بالنسبة إلى جيل لا يرضخ للإملاءات ولا تمثّل لديه المساواة والحقوق حلماً حين تصبح البلاد جاهزة للتغيير. هذا الجيل مستعد للتصرف الفوري حتى على الرغم من تبعات الاحتجاجات العنيفة.

2. الصراع في حي الشيخ جراح. تُصوَّر هذه المسألة في إسرائيل على أنها نزاع عقاري بين المستوطنين والإسرائيليين، كالعديد من الصدامات الأخرى المماثلة في القدس. ولكن الجانب الفلسطيني لم ينطلِ عليه هذا على الإطلاق. فمصطلحات من قَبيل التطهير العرقي واجتثاث الأسر الفلسطينية من بيوتهم وإحلال مستوطنين محلهم بدعم من أجهزة الدولة [الإسرائيلية] توفر السردية الموجِّهة في هذا الجدال.

فقد ظهر في حي الشيخ جراح نضال شعبي، وكان بإمكان عدة نشطاء مسلمين ومسيحيين، بل يهود، التعاطف مع النضال الوطني الفلسطيني. استمرت الاحتجاجات هناك لأسابيع، وشملت أحداث عنف من قَبيل اعتداء شرطي على النائب عن القائمة المشتركة عوفر كسيف. لم تجذب الاحتجاجات الآلاف، لكن أصداءها كانت عالية وانعكست بقوة.

3. رمضان. مع بداية شهر رمضان، ساهمت الأحداث على أعتاب باب العامود في تأجيج وتيرة الاحتجاجات في جميع أنحاء القدس؛ ووجد كثيرون رابطاً مباشراً بين حي الشيخ جراح وباب العامود. ولنذكر أن جميع الفلسطينيين يرون في المسجد الأقصى رمزاً لسيادتهم وحضورهم الوطني في القدس.

ولهذا، فحتى المسلمين العلمانيين وغير المسلمين يمكنهم بسهولة التعاطف مع هذه القضية وتشكيل محور يربط بين حي الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى. فكثير ممن كانوا يتظاهرون في حي الشيخ جراح صباحاً كانوا ينتقلون إلى عتبات باب العامود ثم يختمون ليلهم بالصلاة في المسجد الأقصى.

إقرأوا أيضاً:

حيّ الشيخ جراح نموذجاً لممارسة عنصرية مديدة

حيّ الشيخ جراح: النكسة في قلب النكبة

4. جيل الشباب. حضور الشباب في هذه الاحتجاجات واضح وبارز. فهناك شبّان وشابّات يرتدون الكوفية الفلسطينية ويهتفون بالشعارات المناهضة للاحتلال والحكومة الإسرائيلية وتأييداً للنضال الوطني الفلسطيني.

هذا هو جيل اتفاقية أوسلو وتسعينيات القرن الماضي؛ وبعضهم وُلدوا قُبَيل أو بُعَيد الاحتجاجات التي قادها عرب إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2000.

هناك أيضاً جيل أصغر منهم تعتبر تلك الأحداث بالنسبة إليهم من التاريخ المعاصر، وهو جيل غير متأثر بالقيادة السياسية في رام الله، فضلاً عن تلك التي في غزة. لا يستطيع القادة العرب المحليون [في الداخل] منع هؤلاء الشباب من التظاهر.

ساد انطباع في المجتمع العربي [في إسرائيل] خلال السنوات الأخيرة أن جيل الشباب منغمس في ذاته ويتجاهل النضال الوطني؛ وهو شعور أكده الجدل السياسي وشجعت عليه الأحزاب السياسية. لكن أحداث الأسبوع المنصرم أظهرت أن الأمر يختلف عن هذا.

ومع أن عدد المحتجين الذين ينزلون إلى الشوارع لا يصل إلى عدة آلاف، يضع الشباب الذين لا يرضخون لسلطة أحد بصمتهم. ولا أحد بإمكانه إيقافهم، ولن تستطيع لائحة اتهام بتعكير السلم رَدعَهم. بل على النقيض من هذا، ينقل حضورهم رسالة إلى الجميع، سواء القادة على المستوى المحلي أو الوطني.

5. المدن المختلطة في وسط إسرائيل. قد يمثل التفاعل اليومي بين اليهود والعرب وصفة للتعاون وخفض حدة التوترات، ولكن في المدن الإسرائيلية المختلطة، لا سيّما في وسط البلاد، يمكن للمرء أن يشهد حالة من التمييز العنصري ضد كثير من سكانها العرب.

لذا علينا ألا نستغرب الاحتجاجات ضد توغلات اليهود اليمينيين في الأحياء العربية في يافا والرملة واللدّ. فالعرب هناك يعانون صعوبات من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي يرون في احتجاجات حي الشيخ جراح مثالاً ونموذجاً لنضالهم هم أنفسهم.

6. وسائل التواصل الاجتماعي. يتمّ تصوير الأحداث في حي الشيخ جراح أو المسجد الأقصى أو أي احتجاجات أخرى وتُنشَر على الفور عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولذا فالدعوة إلى الانضمام إلى التظاهرات لا تستغرق وقتاً طويلاً. بعض من يلبّون تلك الدعوة شباب لا يدركون مفهوم الاحتجاج على وجه الحقيقة، ولكنهم يريدون التنفيس عن ضيقهم وغضبهم.

عصفت مثل تلك الاحتجاجات بمدن الناصرة وحيفا، ثم انضمت إليهما اللدّ ويافا؛ لينفرط العِقد بعد ذلك.

بشكل عام، مثَّل التمييز العنصريّ وانعدام المساواة والإبعاد وغياب أفق دبلوماسي/سياسي للفلسطينيين وصفة مضمونة لتشجيع الاحتجاجات، خصوصاً بالنسبة إلى جيل لا يرضخ للإملاءات ولا تمثّل لديه المساواة والحقوق حلماً حين تصبح البلاد جاهزة للتغيير. هذا الجيل مستعد للتصرف الفوري حتى على الرغم من تبعات الاحتجاجات العنيفة.

جاك خوري

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-the-six-factors-stoking-the-upheaval-in-arab-israeli-society-1.9798931

درج

————————–

هؤلاء المتعطشون للدماء

ترجمة – هآرتس

مايو 16, 2021

ينقسم هؤلاء المتعطشون للدماء إلى مجموعتين: خبراء الأمن المخضرمين والعنصريين. وهم يغمرون البرامج التلفزيونية والإذاعية والشبكات الاجتماعية بأعداد كبيرة وغفيرة …

تأتي كل “جولة” بأصحابها المتعطشين للدماء، فيخرجون من جحورهم كالفئران، ويخلعون أقنعة الصوابية السياسية، لينكشف وجههم الحقيقي أمام الجميع: فكل غايتهم هو رؤية الدماء. يريدون إسالة الدماء العربية، قدر الإمكان. كلما زادت إراقة الدماء، كان ذلك أفضل. فالهدف الأساسي هو سفك الدماء العربية. تحطمت الأبراج السكنية في غزة كبيوت من ورق، وليست العوالم المُدمرة أسفلها سوى مُزحة لطيفة بالنسبة إلى هؤلاء؛ فهم يرغبون في رؤية الدماء، لا مجرد الحطام والخوف والدمار.

فقد العشرات أرواحهم خلال اليوم الأول، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، لكن هذه الأرواح لا تُمثل لهم أي شيء. إنهم يريدون مزيداً من الدماء. وحتى تغرق غزة بأنهار الدماء، ومعها مدينة اللد أيضاً إن أمكن، سيُشبِع ذلك شهيتهم جزئياً فقط. وحين يجثو الفلسطينيون على ركبهم، وينحنون أمام إسرائيل ويعلنون استسلامهم لها للأبد دون أي شروط – حينها فقط سوف تُقر أعينهم ويشعرون بشيء من الرضا. فهم يرغبون في الحصول على صورة النصر: نصر الأكذوبة التي يتوقون لها، وهذا لن يحدث أبداً.

إقرأوا أيضاً:

اللدّ : ثأر لدم عتيق بلغ من العمر 73 عامًا

في “الكوريدور” مع أطفال غزة

ينقسم هؤلاء المتعطشون للدماء إلى مجموعتين: خبراء الأمن المخضرمين والعنصريين. وهم يغمرون البرامج التلفزيونية والإذاعية والشبكات الاجتماعية بأعداد كبيرة وغفيرة ومن بينهم الجنرالات والمُعلقين والخبراء -فليس هناك خلال الحروب متحدثون غيرهم- وكل شيء يحث على مزيد من الحرب، دون سبب ودون أي هدف. فالحاجة الأساسية هي رغبتهم في تجرع الدماء.

يرغب المخضرمين من خبراء الأمن في مزيد من الحروب بقدر الإمكان؛ لأنهم في أعماق قلوبهم تستهويهم الحروب، وهذه هي أعزّ ذكرياتهم. فلا يكفيهم نشوب حرب واحدة، لضربهم فقط، لإثبات أننا أقوياء. جميع الحروب في غزة ولبنان، والتي لم تُحقق أي شيء، لم تُعلمهم أيضاً أي شيء. فهم يتمسكون بآرائهم. ولو استمعنا فقط لهم في هذا الوقت، لَكان هناك عشرات الآلاف من القتلى، وحينها فقط سيتحقق لهم النصر المنشود، وهذا لن يحدث أبداً.

ليس اقترابهم من تحقيق النصر سوى كسراب الماء في الصحراء؛ فالنصر ينأى بنفسه عنهم، فلن يتحقق أبداً بالقوة. وطالما أننا لم نستمع لهم، يحاولون مجدداً. إنهم يهدفون إلى الضرب والتهشيم، كرسم كاريكاتير سخيف من أفواه الجنرالات السابقة، أو أولئك الذين حلموا أن يكونوا جنرالات ولم يتحقق ذلك لهم.

يتساءل ببراءة الصحفي داني كوشمارو، وهو أقرب ما يكون إلى رجال الدولة، وليس معتاداً أن يُفصح عن آرائه حول أي شيء مما يحدث، “لماذا لا يزال يحيى السنوار [قائد حماس في قطاع غزة] يمتلك منزلاً؟” فلو استمع الناس لصوت قائد الدراجة البخارية [هذا الصحفي]، فلن يكون هناك للسنوار منزل ولا زوجة ولا أطفال ولا جيران، مثل كل أسلافه الراحلين، وبعدها قد ننتصر.

    يرغب خبراء الأمن المخضرمين منهم في مزيد من الحروب بقدر الإمكان؛ لأنهم في أعماق قلوبهم تستهويهم الحروب، وهذه هي أعزّ ذكرياتهم. فلا يكفيهم نشوب حرب واحدة، لضربهم فقط، لإثبات أننا أقوياء. جميع الحروب في غزة ولبنان، والتي لم تُحقق أي شيء، لم تُعلمهم أيضاً أي شيء.

بالتأكيد سننتصر. يرى الصحفيون ناحوم برنياع (“اضرب بقسوة، وبقوة”) وروني دانيال (“دعونا لا نفرح ببعض المناظر أو غيرها”) وأمير بوحبوت (“ليست هذه هي الطريقة المناسبة لتوجيه ضربة مؤلمة وعنيفة”) أن بإمكان أي شخص أن يكون جندياً؛ فهم جميعاً يريدون مزيداً ومزيداً من العمليات القتالية من قِبل رجال لا يبكون أبداً، حتى في المساء. إنهم يجلسون على قمم التلال المحيطة بغزة مثل فريق من المشجعين ويهللون للقوات التي ستقتل المدنيين والمقاتلين المحبوسين في هذا الحي المحاصر، يجلسون فقط لتشجيعهم على المزيد والمزيد.

أما المجموعة الثانية فهم العنصريون. نشر الصحفي شمعون ريكلين على “تويتر” يوم الأربعاء بشأن مقتل إسرائيليَّين، أب وابنته، “قُتل اثنين من العرب في مدينة اللد جراء صاروخ أطلقته حماس. أنا أُسمي ذلك عدالة خيالية. … من السيء جداً أنهم كانوا اثنين فقط”. “لماذا لا يُخفضوا مستوى الكهرباء في غزة إلى 10 بالمائة؟ دعوهم يجلسوا ويعانوا في الظلام. دعوهم يعيشوا ويعانوا من شدة الحرارة، دعوهم يعانوا دائماً بشكل عام”.

ثمّة هدف لدى ريكلين، وهو جريمة حرب خسيسة وبلا جدوى أيضاً. من ناحية أخرى، صرخ بنيامين كسبيت، الذي يُفترض أنه صحفي وسطي، في وجه إمام مدينة اللد: “علينا حقاً أن نضربك بقسوة ونُريك لمن القيادة هنا، ونُريك أيضاً أن عليك ألا تحرق شيئاً يخص اليهود في إسرائيل”.

لقد انكشف الوجه القبيح المتعجرف: لمن القيادة هنا، وألا تحرق ما يخص اليهود. وألا توقظهم في منتصف الليل على صوت صافرات الإنذار أيضاً.

دولة اليهود، حلم الألفَي عام. لندع جيش الدفاع الإسرائيلي ينتصر بالفعل.

جدعون ليفي

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا  الرابط التالي.

https://www.haaretz.com/opinion/.premium-those-who-thirst-for-blood-1.9801427

درج

————————-

«الهدوء الكامل» في غزة يحتاج لإسكات العالم

في تصريح له مع بدء العدوان على غزة قال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي إن الهجمات على غزة لن تتوقف حتى يحصل «هدوء تام» في القطاع، وقد استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جملة أن «الهدوء يستغرق وقتا» في تعليقه على استمرار الهجمات.

من الواضح أن هذا التعبير الإسرائيلي شديد الغطرسة مستحيل عملياً طالما أن مشروع الاستيطان والاحتلال واضطهاد الفلسطينيين مستمرّ، وهو يشبه في صلافته (وبلاهته) الاعتقاد أن الشعب الفلسطيني سيتوقف يوما عن الوجود، أو يتوقف عن الدفاع عن حقوقه الإنسانية في أرضه وحريته، وهو غير ممكن ولا قابل للضمان حتى إن كان المقصود هو وقف صواريخ «كتائب القسام» و«سرايا القدس» أو وقف المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وبلدان الشتات.

تظهر تصرفات إسرائيل أن «طموح» قيادتها الجنونية في «إسكات» الفلسطينيين تشمل إسكات العالم أيضا، فأحد الأهداف التي قامت طائراتها الحربية بقصفها قصف ثلاثة مبان تضم أكثر من 14 وسيلة إعلامية بينها كان «برج الجلاء» الذي كان يضم مكاتب لوسائل الإعلام العالمية، حيث دمّر مكاتب وكالة الأنباء الأمريكية إسوشييتدبرس، التي قالت إن موظفيها «تجنبوا الموت بصعوبة» وأن «العالم لن يعرف الكثير مما يحدث في غزة بسبب ما حصل اليوم» وهو ما تعرضت له مكاتب قناة «الجزيرة» التي كانت موجودة في المبنى ذاته، والتي اعتبرت تدمير مكاتبها «جريمة حرب» وقد انتبه مدير مكتب القناة القطرية في الأراضي الفلسطينية، وليد العمري، للمسألة التي أشرنا إليها، فقال إن محاولة إسرائيل «إسكات الأصوات الإعلامية أمر مستحيل».

إضافة إلى استهداف وسائل الإعلام التقليدية فإن نظرية «الهدوء التام» الإسرائيلية وجدت محاولات حثيثة لتطبيقها، بالتواطؤ مع إدارات بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك قبل بدء انطلاق صواريخ من القطاع، حيث لاحظ المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن مواقع فيسبوك وتويتر وانستغرام حذفت حسابات على خلفية أنشطتها في تغطية أحداث القدس، وهي فعاليات احتجاج سلميّة.

مع بدء الغارات الهمجية الإسرائيلية قام وزير الحرب والقضاء الإسرائيلي بلقاء إدارات عدد من منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبره مركز «صدى سوشال» للدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية محاولة من تل أبيب لفرض هيمنتها على منصات التواصل، وقد تابع المرصد حصول انتهاكات بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني بعد ساعات فقط من اجتماع غانتس مع إدارات بعض تلك المنصات.

وإذا كانت السطوة الالكترونية للجيش الإسرائيلي وللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية معلومة، وقادرة، بالتالي، على تفسير العداء للمحتوى الفلسطيني حتى عندما يعرض أنشطة احتجاج سلميّة، فإن المستجد في الموضوع أن تطبيق «تيك توك» الذي يتمتع بجمهور واسع يقدر بنحو 700 مليون مستخدم ناشط شهريا في جميع أنحاء العالم، أصبح منتدى متميزا للتعبير عن هذا المحتوى الفلسطيني، ومن المؤسف أن يتأثر الموقع الصيني الشهير بضغوط وزير الحرب الإسرائيلي، أو يقبل بوجهة النظر الإسرائيلية الرسميّة على حساب وجهة النظر الفلسطينية.

والحال أن هذا تمكّن هذه المحاولات من منع بعض محاولات الناشطين المتعاطفين مع قضية الفلسطينيين العادلة والمنتقدين للعدوانية الإسرائيلية الفجة سيكون مؤقتا فالفجور في العدوان والاستماتة في إسكات الأصوات المناهضة لإسرائيل سيخلق ردود فعل معاكسة بدأنا نرى آثارها في الصحافة العالمية، كما في وسائل التواصل، التي يبتكر الناشطون عليها وسائل جديدة وإبداعية لإيصال محتواهم وكسر الحظر على آرائهم.

—————————–

المسألة اليهودية والغيب الذي يقود إسرائيل/ وسام سعادة

لم يكن محّبذاً في إسرائيل الخمسينيات من القرن الماضي إطالة الإستغراق في أمر الإبادة الألمانية – النازية ليهود أوروبا. ليس لأنّها إبادة لم تحصل، ولا للتخفيف من فظاعتها، بل للنأي بعض الشيء عن هذه الفظاعة، ودرء الذات عن الاستلاب بها.

فالأولوية كانت في ذلك الحين لـ«الملحمة الصهيونية» المعتمدة على التطهير الإثني وأعمال الترحيل لعرب فلسطين، وعلى إنكار هذا التطهير تماماً في نفس الوقت. والمشغولة بدمج هجرات يهودية من أقاليم مختلفة من العالم، في دولة لليهود الأشكيناز في الأساس.

الأولوية كانت لـ«الأمل» بالمعنى الصهيوني للكلمة: اليهودي الذي يحارب، ويستعمر، ويطرح نفسه في نفس الوقت كحركة تحرر وطني من الاستعمار البريطاني والإقطاع العربي المؤيد له. فهذه كانت السردية التي أرادت إسرائيل بعد قيامها فرضها على نفسها: أولوية الصهيوني الذي يواجه مصيره، على يهوديّ المنفى المتحلّل، الذي يُساق مستسلماً في قطار الموت إلى تربلينكا. لم يكن خافياً كذلك الأمر «التناص» بين هذه السردية الرسمية لحرب «الاستقلال» الصهيونية وبين الرواية التوراتية لـ«استرداد» العبرانيين بقيادة يشوع بن نون للأرض، بالعنف، وقطيعتهم، بهذا العنف نفسه، مع ذاكرتي المنفى (العبودية في مصر) والتيه في سيناء. مع هذا، ظلّت المؤسسة الحاكمة حريصة على الاقتصاد قدر الإمكان في هذا النوع من الإحالات للنصوص التوراتية، وتريد اظهار اليهودي الإسرائيلي على أنه تتمة لعقلانية سبينوزا، رغم فشل ديفيد بن غوريون في استصدار تبرئة من الحاخامات لحالة سبينوزا المنشقة، بعد ثلاثة قرون عليها!

وحتى قبل المحرقة، لم تكن الصهيونية مجرّد «حل قومي للمسألة اليهودية» أي مجرّد تحويل للرابطة الدينية إلى رابطة قومية. بل كان يلزمها محو هوية إثنية تاريخية معاشة، هي تلك الناطقة بلغة الييديش، الجرمانية أساساً والمكتوبة بالحرف العبري، والمطعّمة بعدد وافر من المفردات السلافية، والمنتشرة في يهود شمال شرق أوروبا «الأشكيناز» لصالح هوية إثنية جديدة متمحورة حول اللغة «القديمة الجديدة».

فالعبرية أخذت تنتقل تدريجياً من لغة شعائرية دينية إلى لغة جرى العمل على استصلاحها و«علمنة» استخدامها، في النطاق اليهودي لعصر الأنوار الأوروبي (الهسكالاه) إلى أن «أحياها» اليعازار (برلمان) بن يهودا كلغة حديثة النحو، وكلغة كلام، نهاية القرن التاسع عشر، وبخاصة بعد هجرته الى فلسطين العثمانية، واطلاعه على المعاجم الحديثة في «عصر النهضة العربية» واستيحائه منها.

واللغة «القديمة» (بل القديمة جدّاً، لأن يهود ما بعد السبي البابلي كانوا يتكلمون الآرامية وليس العبرية) و«الجديدة» (لأنها ثمرة احياء حديث) جاءت تقترن مع مفهوم الأرض «القديمة الجديدة» إذا ما استعدنا عنوان الرواية التي نشرها ثيودور هرتسل بالألمانية (Altneuland) والتي تحكي قصة يهودي من فيينا مرّ عرضاً بيافا، وهو في طريقه إلى جزيرة نائية، ثم عاد بعد عشرين عاماً من تلك الجزيرة الضائعة في المحيط الهادئ ليجد أن اليوتوبيا التي كان يبحث عنها ولم يجدها على الجزيرة البعيدة، قد تحوّلت بالفعل إلى حقيقة معاشة عجيبة في يافا!

هذا مع أن الاقتران بين اللغة «القديمة الجديدة» (العبرية المستحدثة) والأرض «القديمة الجديدة» (حركة الهجرة اليهودية الحديثة وذات الطابع الإستعماري أكثر فأكثر الى فلسطين) لم يكن ليجسده هرتسل نفسه. فثقافته لم تكن لا ييديشية ولا عبرية، بل ألمانية حتى النخاع.

وإذا كان هرتسل اشتُهِرَ بمواقف أكثر براغماتية من سواه من رواد الحركة الصهيونية في موضوع الأرض، أي تقبل بدائل ترابية لمشروعه غير فلسطين، فإن روايته «آلتنويلاند» تظهر خلاف ذلك. مثلما تكشف أن فلسطين الساحلية كانت أقرب لمخيلته من فلسطين الداخلية، إذا كان يريد مكاناً يسمح له بالمواءمة بين النوستالجيا (التوراتية في النهاية) وبين اليوتوبيا (الحداثية في صميمها) ولأجل ذلك كان يؤثر الابتعاد عن القدس ويهودا.

وهذه لم تكن حال هرتسل لوحده. في الستينيات من القرن الماضي، حدث التحول حيال المحرقة وذاكرتها. فأخذت تفرض نفسها بشكل تصاعدي (في اثر محاكمة أيخمان) ولم تعد الدولة العبرية تتحاشاها، بل اعتمدتها مصدر شرعية لها، وأداة توحيد قومي أكثر نجاعة من سردية «حرب الإستقلال» والإشتراكية التعاونية. الا أنه، حتى موعد حرب الأيام الستة، لم يكن التيار المهيمن على الصهيونية متقبلاً للمطالبين بالتوسع باتجاه «يهودا والسامرة» (الضفة الغربية، تحت السيادة الأردنية آنذاك) ويرى في دعواهم مزايدة، وحرق مراحل، وعودة إلى ما قبل الصهيونية.

انقلبت الحال تماماً مع حرب 67. فالصهيونية ستكتشف حينها أنها كانت تتحايل وتكابر على نفسها، وأن الأساس التوراتي لمخيلتها أعمق بكثير مما كانت تعترف به، مأخوذة جملة، يساراً ويميناً. وهذا ما يفصح عنه المفكر الفرنسي ـ الإسرائيلي شمويل تريغانو، من ان إسرائيل قبل 67 «كانت دولة خارج ذاتها». نتيجة خروج إسرائيل من حالة «دولة خارج ذاتها» الى «دولة مستعمرة لذاتها» في الضفة، كانت ومنذ 67، انشاء «أكبر سجن على سطح الأرض» على حد تعبير عنوان كتاب ايلان بابيه.

بيد أن إسرائيل بعد 67 ستعلن توحيد القدس كعاصمة لها، من دون أن تضم رسمياً الضفة الغربية، بل راحت تسعى جهدها لتبديل الوقائع فيها من خلال رعاية الاستيطان وتحديد خارطة نموه وانتشارها، دون إلزام نفسها بتوصيف رسمي لسيطرتها هناك. دولة تحثّ على الاستيطان وتعوّل عليه لتبديل واقع الضفة السكاني، وتحترز في نفس الوقت من المستوطنين اذا ما توجّب عليها اتخاذ قرارات مناقضة لمصالحهم، فيما هم توجّسهم منها أكبر. وفي بالهم تفكيك مستوطنات سيناء ثم قطاع غزة. رغم قناعة الجميع بأن الضفة الغربية لا تقارن أبداً لا بسيناء ولا بالضفة. وهذه القناعة متأتية من الخلفية التوراتية، التي طالما حاولت الصهيونية الرسمية توريتها، والايحاء بأنها خلفية كحسب، ليس أكثر.

كمية الرياء المحتبس في المشروع الصهيوني فظيعة، لأن مؤسسي وقادة هذا المشروع ليس بمستطاعهم المجاهرة ببساطة بكل ما يجاهر به مستوطنو الضفة، من أنهم أتوا هنا ليس فقط من أجل «حل قومي للمسألة اليهودية» بل من أجل «الحل التوراتي» الحرفي ـ كما يتخيلونه ـ للمسألة اليهودية. ولهذا اتصال مزدوج بما هو حاصل حالياً: يحدث لسكان تل أبيب والساحل، وهم يندفعون نحو الملاجئ اليوم، للاستشاطة غيظاً مما يعتقدون أنه يتسبب به مستوطنو الضفة، لكنك لن تجد أي فئة وازنة منهم متقبلة لأي انسحاب جدي من الضفة الغربية، وليس فقط لأي انسحاب كامل. انهم أكثر كذباً بدرجات مضاعفة من مستوطني الضفة. هم غيارى على ثقافتهم «التقدمية» التي لا تشبه معاش الجماعات الحريدية في شيء، لكن الإحالة التوراتية الأسطورية عندهم تقف حجر عثرة دون أي استعداد جدي لتقبل انسحاب من الضفة ومن القدس الشرقية. وطالما لم تتعرّض إسرائيل لصفعة عنيفة قوية فإن شيئا من هذا لن يتبدّل. الى ان يتأمن ذلك، يشكل نموذج» أمناء جبل الهيكل» ماهية إسرائيل الحالية، وليس فقط مجرّد عارض من عوارضها، أو طفرة يمكن أن يجري اقناعها ببترها عنها. مستحيل. وحتى الآن، الغيبية التي كثيراً ما تلام عند من يحمل السلاح ضد إسرائيل، هي أكثر ايغالاً في إسرائيل نفسها، بما في ذلك، الأكثر رياء فيها، علمانيوها.

تحاول إسرائيل ان تهوّن من أمر جناحها المتدين والمتشدد، كما لو أنها مجرد مجموعات تحت سيطرة مؤسسة حاكمة عقلانية، في حين أن هناك غيبا يقود إسرائيل، بل غيب مهجوس ببناء الهيكل، بشكل او بآخر.

بعد حوادث تدمير المتطرفين الهندوس لمسجد بابري بآيوديا، عام 1992، ومجزرة غولدشتاين بالحرم الإبراهيمي بالخليل، وتدمير حركة طالبان لتماثيل بوذا العملاقين بباميان 1998 ليس من الخرافي أبداً أخذ خرافات الجماعات اليهودية الأكثر تشدداً في القدس والضفة على محمل الجد، وهي مثبتة ليل نهار على صورة واحدة: إعادة بناء الهيكل. بالتالي، ثمة خطر فعلي على الحرم القدسي من غير الجائز التهوين منه، وليس هناك من ضامن إزاءه طالما إسرائيل تسيطر على منطقة جبل الهيكل ـ الحرم القدسي. بالتالي، يجدر الاحتراز من كل دعوى للتقليل من خطورة ما يتهدد الأقصى، بدعوى أن فلسطين ككل هي الأهم. هذا فصل تعسفي في كثير من الأحيان. تماماً مثلما أن الفصل، في تاريخ الحركات والأفكار الصهيونية، بين الخلفية التوراتية وبين المسوغات «الحداثية» الطابع هو فصل تعسّفي. ما حدث لمسجد ظهير الدين بابر في أيوديا، ولتمثالي بوذا الضخمين في باميان مرآتان لخطر واقعي قادر أن يفجّر العالم كلّه اليوم.

القدس العربي

————————

نيويورك تايمز: في الحرب على غزة المدنيون هم الضحايا

إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها ديكلان وولش عن وضع المدنيين في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، وقال إن كلا الطرفين متهم بتعريض حياة المدنيين للخطر، وأن كلاً منهما لديه القدرة على وقف الحرب، إلا أن حماس تريد إثبات قدرتها على النجاة من الهجوم الأخير، أما إسرائيل فتريد إظهار أنها الطرف المتفوق.

وقال وولش، إن الصواريخ الإسرائيلية التي أطلقت على شقة فلسطينية تركت حصيلة صادمة من الضحايا: ثمانية أطفال وامرأتان قُتلوا وهم يحتفلون بنهاية شهر رمضان، في واحد من أكثر الحوادث دموية بين إسرائيل وحركة حماس خلال المواجهة العسكرية التي بدأت الأسبوع الماضي.

وقالت إسرائيل إن قيادياً لحماس كان هدفاً للهجوم يوم الجمعة، إلا أن الصور التي التقطت عبر الفيديو، كشف عن رجال الإسعاف الفلسطينيين وهم يدوسون على الأنقاض والتي شملت على دمى ولعبة “مونوبلي” وهم يقومون بإخلاء الضحايا الذين غطاهم الدم من البناية التي سويت بالتراب. وكان الناجي الوحيد هو طفل رضيع.

وقال محمد الحديدي الذي شوهد لاحقا ممسكا بيد ابنه في المستشفى: “يا حبيبي” إن من كانوا في البناية “لم يكونوا يحملون الأسلحة أو يطلقون الصواريخ ولم يتسببوا بالأذى لأحد”.

ويعلق وولش أن المدنيين يدفعون بشكل خاص الثمن الباهظ في الجولة الأخيرة من العنف بين حماس وإسرائيل، مما أثار الأسئلة حول كيفية تطبيق قوانين الحرب في هذا الحريق الأخير. فما هي الأفعال القانونية للجيش؟ وما هي جرائم الحرب التي ارتكبت؟ وإن كان هناك أحد سيحاسب عليها؟

ويقول وولش إن الطرفين خرقا القوانين هذه على ما يبدو، فقد أطلقت حماس أكثر من 3000 صاروخ على المدن والبلدات الإسرائيلية، وهي جريمة حرب واضحة، كما يقول. وإسرائيل “مع أنها تقول إنها تتخذ الإجراءات لتجنب الضحايا المدنيين” فقد عرضت قطاع غزة لعملية قصف مكثفة، وقتلت عائلات وسوّت بنايات بالأرض والتي تمثل استخداما غير متناسب للقوة وجريمة حرب أيضا.

وفي الهجوم الأكثر دموية يوم الأحد، استهدفت الغارات الإسرائيلية بنايات في مدينة غزة، وقتلت 42 شخصا من بينهم أطفال، حسبما قال المسؤولون الفلسطينيون.

ولا يمكن التوصل لحكم قانوني في وسط الحرب، ولكن بعض الحقائق واضحة. فالغارات الإسرائيلية والقصف المدفعي على غزة، القطاع الفقير والأكثر كثافة سكانية ويعيش فيه أكثر من مليوني نسمة، أدت إلى استشهاد 198 فلسطينيا بمن فيهم 92 امرأة وطفلا، وأظهرت صور دمار مخيفة ترددت حول العالم.

وفي الاتجاه الثاني، أمطرت حماس المدن والبلدات الإسرائيلية بالصواريخ وزرعت الخوف وقتلت على الأقل عشرة مواطنين إسرائيليين بمن فيهم طفلان، وهي حصيلة أكبر من حرب 2014 التي استمرت لسبعة أسابيع.

ولأن أياً من الطرفين غير قادر على تحقيق الانتصار الحاسم، فالنزاع يدور داخل حلقة لا نهائية من سفك الدماء. ولهذا بات التركيز على المدنيين وسط من يدعي أن لديه الأخلاقية العالية في حرب لا انتصار فيها.

ويقول دابو أكاندي، أستاذ القانون الدولي العام في مدرسة بلافانتيك بجامعة أوكسفورد: “يأخذ السرد حول الضحايا المدنيين أهمية من الظروف العادية وربما كان أكبر من الأعداد؛ لأنه يتعلق بالشرعية الأخلاقية للطرفين”.

ويرى وولش أن حسبة الحرب قاسية. فمع أن حماس تطلق الصواريخ على المدن الإسرائيلية بمعدل 100 صاروخ في كل رشقة، إلا أن معظمها يتم اعتراضه من القبة الحديدية الإسرائيلية، بحيث تترك الصواريخ ضحايا أقل. في المقابل، تقول إسرائيل إنها تحذر القاطنين في البنايات قبل تدميرها وتتصل بهم أحيانا، إلا أن القصف المدفعي على منطقة ذات كثافة سكانية أدى لضحايا بمعدل أكثر 20 مرة من التي تسببت بها حماس، وجرح حوالي 1235 فلسطينيا. كما دمرت الطائرات الإسرائيلية أبراجا عالية في غزة تستخدم للسكن، وفيها مكاتب منظمات إعلامية دولية مما أدى إلى خسائر اقتصادية فادحة.

ويرى الكاتب أن قوانين الحرب وهي مجموعة من المعاهدات والقوانين غير المكتوبة وتعرف أيضا بالقانون الدولي الإنساني تغطي سلوك المقاتلين. فقتل المدنيين ليس في حد ذاته غير قانوني، ولكن على المقاتلين الالتزام بهذه المبادئ كما يقول أكاندي. والأهم من ذلك، عليهم التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. وبعد ذلك عليهم موازنة المنافع الناجمة عن ضرب هدف يتسبب بضرر على المدنيين. لكن تطبيق هذه القوانين في مكان كغزة يظل موضوعا مثيرا للخلاف. ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم مجبرون على ضرب هذه الأهداف لأنها المكان الذي يعيش فيه ويعمل منه مقاتلو حماس، وهم يطلقون الصواريخ من جانب المدارس والبيوت والمكاتب.

وفي بيان يوم الجمعة حول ضرب عائلة كاملة في مخيم الشاطئ، قالت إسرائيل إنها “ضربت مسؤولين بارزين في منظمة حماس في شقة سكنية استخدمت كبنية تحتية إرهابية في منطقة مخيم الشاطئ للاجئين”. ولكن جيران العائلة قالوا إنه لم يكن هناك أي مسؤول لحماس وقت الضربة.

وتقول منظمات حقوق الإنسان إن إسرائيل طالما تجاوزت حدود ما يمكن اعتباره متناسبا مع استخدام القوة، وأنها اخترقت بشكل منتظم قوانين الحرب. وقال مدير مكتب هيومان رايتس ووتش في إسرائيل عمر شاكر: “هناك قلة احترام كامل لحياة المدنيين نابعة من عقود الإفلات من العقاب”. وقال شاكر وآخرون إن التحالف الأمريكي القوي مع إسرائيل والمساعدات السنوية في المجال العسكري بـ3.8 مليار دولاروكذلك الدعم الدبلوماسي القوي، حمى إسرائيل وأفعالها من شجب دولي، وهو ما يجرئها على الانتهاكات ضد الفلسطينيين.

وأكد الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن يوم السبت دعمه القوي لما قال إنه “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”. وقالت المدعية في محكمة الجنايات الدولية التي فتحت في شباط/فبراير تحقيقا في جرائم حرب ممكنة ارتكبها الجنود الإسرائيليون وحماس، بأن الطرفين قد يكونان عرضة للمحاكمة. وقالت فاتو بنسودة لوكالة أنباء رويترز: “هذه الأحداث تبدو خطيرة بشكل كبير”. لكن المحكمة الجنائية التي لا تعترف بها الولايات المتحدة وإسرائيل تواجه عقبات سياسية ولوجيستية، ولن تستطيع تقديم مسؤول إسرائيلي أو فلسطيني للمحاكمة إلا بعد سنوات، إن حدث هذا أصلا.

لكن منظمات حقوقية أخرى أصدرت أحكاما قانونية مثل “هيومان رايتس ووتش” التي أصدرت تقريرا اتهمت فيه إسرائيل بخرق قوانين الحرب عندما قتلت 11 فلسطينا في هجمات على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 واتهمت حماس أيضا لإطلاقها الصواريخ.

وفي رد من المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليؤور هيات، قال إن كل صاروخ تطلقه حماس هو جريمة حرب. وفي تصريحات لوزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان عام 2018 زعم فيها أن “جيش الدفاع الإسرائيلي هو أكثر الجيوش أخلاقية في العالم” لكن بعض الجنود الإسرائيليين يختلفون معه.

ففي تقرير لجنود سابقين في منظمة “كسر الصمت” قالوا فيه إن الجيش الإسرائيلي تبنى سياسة متسامحة مع إطلاق النار أثناء حرب غزة 2014. كما دعا القادة العسكريون الجنود للتصرف بعدوانية مع المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة لتشجيعهم أفعالا “قاسية وغير أخلاقية”.

وهناك من يرفض الإصرار الإسرائيلي للوم حماس على مقتل المدنيين لأنها تعمل من مناطق سكنية. ففي منطقة ذات كثافة سكانية مثل غزة “من الصعب جدا العمل بدون تعريض المدنيين للخطر” كما يقول ناثان ثرول، مؤلف كتاب عن الفلسطينيين. وأشار إلى أن مقرات الجيش الإسرائيلي كانت في المناطق السكنية داخل تل أبيب وخلف مستشفى ومتحف للفن.

وقالت منظمات حقوق إنسان أخرى إن حماس تتحكم بالمعلومات حول الضحايا حتى لا تكشف عن عدد المقاتلين الذين سقطوا أو فشلها. لكن المنظمات تقول إن الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة دقيقة، مع أن حماس لا تكشف عن أعداد مقاتليها الذي قتلوا ولا عن المدنيين الذين سقطوا بسبب فشل صواريخ في الانطلاق.

ولكن المأساة حول القتلى المدنيين كما عادل أحمد حق، من جامعة رتغرز، والمتخصص بالقانون الدولي هي أنهم “عالقون وسط الطرفين”، وكل يريد أن يظهر قوته.

—————————-

جبهة الجنوب.. هل توعز إيران لـ”حزب الله” بضرب إسرائيل؟

بيروت- ريا شرتوني: تطورات ساخنة ومتسارعة طرأت في المنطقة، وسط مواجهات دامية تُعدّ الأعنف منذ عام 2014 بين إسرائيل والفصائل الفلسطينيّة، حيثُ تكبّد قطاع غزة دمارا هائلا وعددا كبيرا من الضحايا المدنيين جراء القصف على المباني السكنيّة المأهولة، فضلاً عن تضرّر مرافق في مدن إسرائيليّة.

ومنذ 13 أبريل/ نيسان الماضي، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء اعتداءات “وحشية” ترتكبها الشرطة الإسرائيلية ومستوطنون في القدس والمسجد الأقصى ومحيطه وحي “الشيخ جراح”، إثر مساعٍ لإخلاء 12 منزلاً من عائلات فلسطينية، وتسليمها لمستوطنين.

وتسببت انتهاكات إسرائيل في القدس باندلاع جولة قتال مع الفصائل في القطاع الإثنين الماضي، وأسفر العدوان الإسرائيلي حتى صباح الإثنين عن استشهاد 197 في غزة بينهم 58 طفلا و34 سيدة، إضافة إلى 1235 جريحا، بينما بلغ عدد شهداء الضفة الغربية 21 شهيدا ومئات الجرحى، وفق وزارة الصحة.

فيما قتل 10 إسرائيليين وأصيب المئات، جراء قصف صاروخي للفصائل الفلسطينية من غزة باتجاه مناطق مختلفة في إسرائيل.

وسط تسارع الأحداث هذه، ظهرت مخاوف من امتداد هذا الصراع إلى لبنان وتحديداً إلى الجبهة الجنوبية معقل جماعة “حزب الله” التي لطالما رفعت شعارات “الطريق نحو القدس” وخاضت معارك ضد إسرائيل.

وتُطرح في الوقت الراهن تساؤلات عدّة، حول مدى قدرة جماعة “حزب الله” على الانخراط في دوامة الصراع الدائر في غزة، لا سيما وأنها كانت في حالة تأهب على طول الحدود الجنوبيّة مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن إجراء مناورة كبرى، والتي تأجلت مع أحداث غزة.

والأحد، شهدت المنطقة الحدودية مع إسرائيل لليوم الثالث على التوالي تظاهرات غاضبة من قبل شباب لبنانيين تضامناً مع الفلسطينيين واستنكاراً للاعتداءات الإسرائيلية بحقهم.

ومساء الجمعة، استشهد شاب لبناني، متأثرا بجروح أصيب بها جراء استهدافه ومجموعة شبان بقذائف صاروخية إسرائيلية في المنطقة الحدودية.

الجبهة الجنوبية

يرى مراقبون أن “حزب الله” لن ينجرّ إلى هذا الصراع لما له من تداعيات واسعة وخطيرة، وسط الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد.

وأطلق رأس الكنيسة المارونية في لبنان، البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في الأشهر الفائتة، وبعض التيارات المعارضة الأخرى للحزب (قوات لبنانيّة، ثوار 17 تشرين) صرخات تطالب بتحييد لبنان وتنتقد بشدة انخراطه في حروب المنطقة.

وفي هذا الصدد، رأى العميد خالد حمادة، أنّ “حزب الله لا يريد فتح جبهة الجنوب رغم التصريحات بدعم النضال الفلسطيني”، معتبراً إياها “لفظية”.

وقال حمادة: “قرار فتح جبهة الجنوب لدعم الفلسطينيين هو قرار يتخذ في طهران”.

وبحسب اعتقاد حمادة فإن “حزب الله لن يستطيع إضافة أي مكسب سياسي في لبنان إذا توسّعت دائرة العمليات، لأن وراء كل عمليّة عسكريّة يجب أن يكون هناك هدف سياسي”.

وأضاف: “حزب الله جهده الرئيسي يرتكز على السيطرة على مفاصل الدولة وتحويلها بشكل كامل إلى جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا ما نجح به حتى الآن”.

وتابع: “ما يجري في فلسطين في عملية القصف الصاروخي، له تفسير آخر هو تحويل ما كان يجري في القدس من احتجاجات وصدامات مع الشرطة الإسرائيلية، لصالح طهران بنقل المعركة إلى مكان آخر”.

وزاد: “اليوم طهران تريد أن تنجح في القول للأمريكيين والعالم إنّ قرار فتح النار الذي تنفذه حركة حماس هو قرار إيراني، لذلك يتعثر الوصول إلى وقف إطلاق النار دون الوقوف على رأيها”.

ورأى أن “إيران تريد أن تضيف دولة أخرى أو كيانا آخر تسيطر على قراره يضاف إلى العواصم الأربعة التي تسيطر على قرارها؛ لأجل هذا حصلت الجولات الصاروخية”.

وعن سبب عدم توسيع رقعة الاشتباك، قال حمادة: “لا أجد أي مبرر لتوسيع بقعة الاشتباكات أو لما يسمى لفظياً دعم الفلسطينيين ونضالهم”.

وأوضح: “إسرائيل لن تلجأ إلى توسيع رقعة العمليات لأن توسيعها سيشمل لبنان وربما سوريا، ولا أعتقد ان الولايات المتحدة موافقة على توسيع دائرة العمليات”.

وختم: “الآن تدور اتصالات للوصول إلى مخرج من هذا المأزق بما يضمن تسجيل مكسب سياسي لإسرائيل التي انغمست في هذه الحرب الصاروخية دون تدخل بري، وكذلك بما يمكن أن يحقق هدفاً سياسياً لطهران التي تقف خلف حماس”.

لا أوامر إيرانية

بدوره اتفق النائب السابق والمحلل السياسي، فارس سعيد، مع كلام حمادة، قائلا: “الأوامر تأتي من إيران لحزب الله، ولم تأتِ أوامر إيرانية لفتح جبهة الجنوب؛ لذلك لم تُفتح الجبهة”.

وأشار سعيد إلى أن “حزب الله خاضع لإيران وإيران لم تكلّفه بمهمّة فتح الجبهة”.

وعن شعارات “حزب الله” الداعمة لفلسطين وقضيّة القدس، ردّ: “الجميع يدرك أن حزب الله يعمل على وقع الأوامر الإيرانية، ولبنان تحت الاحتلال الإيراني وهو في لحظة تفاوضية مع الولايات المتحدة وليس له مصلحة بفتح الجبهة”.

وانطلقت مؤخرا في فيينا مفاوضات لإحياء “الاتفاق النووي” بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، تهدف لإعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي وتمهيد الطريق لتراجع إيران عن تملصها من القيود التي فرضت عليها بموجبه.

معادلات جبهة الجنوب

أما العميد الركن الدكتور هشام جابر، فاعتبر أن “جبهة الجنوب ليست غزة، وحزب الله لن يفتحها لأنّه يُقدّم عندها هدية مجانية لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو”.

وأوضح جابر: “نتنياهو أشعل النار في غزة لأنه لا يستطيع فتح جبهة الجنوب، وعلى الأرض هناك ما يُسمى بالضربة الأولى، ونتنياهو يتمنى ذلك لكن ألا يكون الأول بفتحها لما لها من تداعيات داخلية في إسرائيل والخسائر التي ستتكبدها”.

وقال: “جبهة الجنوب تدمّر إسرائيل وجبهة الجنوب فيها آلاف الصواريخ (أرض- أرض، أرض- بحر)”، موضحاً: “جبهة الجنوب لها معادلات واسعة وإذ فُتحت فستمتد إلى سوريا التي يتواجد فيها الروس، وممكن أن تتوسّع لتصبح حرباً إقليمية”.

وحول من قادر على تنفيذ الضربة الأولى، أجاب: “الذي سيطلق الضربة هذه هو من سيتحمل مسؤوليّة كل التداعيات، أما من يردّ فسيكون في موقف المدافع”.

واستطرد: “حزب الله يدرك أنّه إذا فتح الجبهة الجنوبية فسيتحمل مسؤولية التدمير الذي سيحصل في لبنان، والشعب غير قادر على تحمّل الحرب، بينما إذا ردّ حزب الله على عدوان إسرائيلي فلن يعترض أحد على ردّه”.

وبرأي جابر، فإن “نتنياهو لا يعلم كيف ينهي جبهة غزّة فهو بموقف حرج جدا”، كما اعتبر أن “حزب الله لن يُستدرج ولا مصلحة لديه في فتح جبهة الجنوب”.

وشدّد جابر على أن “إسرائيل حاولت مراراً عرقلة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لكنّ إسرائيل حصلت على جواب أمريكي أن قرار العودة إلى الاتفاق النووي هو استراتيجي أمريكي”.

والسبت، حمّل الجيش الإسرائيلي لبنان مسؤولية أيّ محاولة للمس “بمواطني إسرائيل” انطلاقا من حدوده.

(الأناضول)

——————————-

مؤرخ يهودي: إسرائيل تلعب دور الضحية وعليها مواجهة سجلها الجنائي

واشنطن: قال المؤرخ اليهودي يعقوب رابكين، إن المجتمع الدولي يتجاهل هجمات إسرائيل التي تستهدف الفلسطينيين وذلك بالاكتفاء بالتأكيد على “حق تل أبيب في الدفاع عن النفس” في حين أنها “مجرم يلعب دور الضحية”.

وأضاف رابكين، وهو أستاذ التاريخ في جامعة مونتريال بكندا، خلال تعليقه على أسباب التوتر المتزايد والهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، خاصة في القدس وغزة، أن على إسرائيل أن تتوقف عن التفكير بأنها ضحية، ومواجهة حقيقة ملفها الجنائي.

وذكر أن المشكلة بين إسرائيل وفلسطين ليست وضعاً جديداً وأن هناك هجمات مماثلة وقعت قبل سنوات عديدة، مشددا على ضرورة الانتباه إلى عدم وجود توازن في القوة بين الفلسطينيين والقدرات العسكرية الإسرائيلية.

وقال رابكين، الذي تُرجم أحد كتبه إلى اللغة التركية بعنوان “اليهودية في معاداة الصهيونية”، إن التوتر المتصاعد الأخير هو تكرار للعديد من الأحداث المؤلمة في التاريخ الإسرائيلي الفلسطيني، حيث استمر منذ عقود قمع إسرائيل وتضييقها على الفلسطينيين النازحين من الأراضي المحتلة ما بين 1947-1949.

وتابع: “إن الأحداث التي بدأت قبل نحو 20 عاما عندما ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون إلى المسجد الأقصى، تسببت بشكل استفزازي في اندلاع الانتفاضة الثانية، وعليه نستطيع الاستدلال بوضوح على أن إسرائيل هي الطرف الذي يؤجج النار ويخلق التوتر مع الفلسطينيين”.

نتنياهو يستفيد من الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي

وعن التجاذبات السياسة داخل إسرائيل والهجمات الراهنة، قال: “لا أعرف لماذا أصدر رئيس الوزراء نتنياهو أمراً بالهجوم على غزة، لكني أعرف أن هذا الوضع لا يؤذيه، بل على العكس من ذلك فهو يستفيد من الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي، ومثل هذه الأعمال العدائية تزيد من الاستقطاب الذي نراه في شوارع إسرائيل اليوم”.

وشدد على أنه من الخطأ الفادح وصف ما حدث بين إسرائيل وفلسطين بأنه “صراع”، وأوضح: “لا يمكننا استخدام مصطلح الصراع فيما يتعلق بالوضع الحالي، لأننا نتحدث بشكل أساسي عن سكان مدنيين يواجهون واحدة من أكثر الآليات العسكرية تطوراً في المنطقة، بالطبع، تحدث مثل هذه النتائج (عدد الضحايا الكبير بصفوف الفلسطينيين) عندما يكون هناك مثل هذا التفاوت في توازن القوة”.

وفي تقييمه لمعرفة ما إذا كانت هجمات إسرائيل على المدنيين تشكل جرائم حرب، قال رابكين: “أنا لست خبيراً في القانون الدولي، لكن يمكنني أن أقول التالي: هناك آلة عسكرية متطورة للغاية تهاجم المدنيين، أعتقد أن هذه الأفعال يمكن أن تعتبر جرائم حرب”.

واستدرك: “لكنني لست محامياً للتحدث عن توصيف قانوني يتعلق في وصف الأعمال الإسرائيلية على أنها عنصرية أو ترقى لمستوى جرائم حرب، المهم هنا هو ما وراء كل هذا، عندما يكون هناك مثل هذا التوزيع غير المتكافئ للقوة بين الجانبين، لا يمكنك التحدث عن صراع، بل عن طرف يهاجم آخر”.

وذكر رابكين أن الدعم الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل لا علاقة له بإدارة جو بايدن، وأن جميع الإدارات الأمريكية حتى الآن دعمت إسرائيل بالفعل، مشيراً إلى أنه من الضروري النظر إلى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من هذا الجانب.

وأكد أن الولايات المتحدة خصصت مساحة كبيرة من سياساتها الخارجية لجعل إسرائيل “بلدا يمتلك حصانة تجاه أفعاله”، والدفاع عنها وتزويدها بالمساعدات العسكرية والاقتصادية ودعم المؤسسات والآليات الدولية.

إسرائيل تفلت من العقوبة على جرائمها

وأوضح رابكين أن هناك إجماعا لم يتم الحديث عنه في المجتمع الدولي، وهو إفلات إسرائيل من العقاب على ما ترتكبه من جرائم، وقال: “ما تفعله إسرائيل في الواقع لا يختلف كثيراً عما تفعله الولايات المتحدة في أجزاء مختلفة من العالم، لذلك لا ألوم بايدن أو إدارته، فهم يواصلون السير على خطى الإدارات السابقة”.

ولفت إلى أن المؤسسات والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة غير فعالة تجاه إيجاد حلول حقيقية للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، وأن الأمم المتحدة تتعامل مع حل الدولتين فقط من منظور “سياسي إشكالي”.

وزاد: “إن ضمان حقوق الإنسان للجميع وخاصة للفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة، يجب أن يكون القضية الرئيسية للمجتمع الدولي الذي يجب أن يركز على حقوق الإنسان وحقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي”.

إسرائيل ملزمة بالامتثال للمعايير الدولية

ولفت رابكين إلى ضرورة وقف “حمام الدم” في المنطقة، مؤكداً أنه في هذه المرحلة تتحمل إسرائيل وهي “الجانب القوي”، مسؤولية أكبر في تخفيف التوتر وحماية الهدوء والاستقرار.

كما ذكر أن الخطاب الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين يحض على العنف، مشيراً إلى أنه يجب أن يكون للفلسطينيين حق الدفاع عن النفس، لكنهم ليس لديهم حاليا وسائل كافية لذلك.

وختم بالقول: “الآن على الجانب القوي أن يفعل شيئاً هنا، سنقول إن للفلسطينيين أيضاً الحق في الدفاع عن أنفسهم، لكنني لا أعتقد أن هذا سيفيد أحداً، إسرائيل مُلزمة بالامتثال للمعايير الدولية في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.

(الأناضول)

—————————

إسرائيل تبيد 12 أسرة فلسطينية بينها 16 من عائلة واحدة… ومجلس الأمن يفشل في إصدار بيان حول غزة للمرة الثالثة

 أشرف الهور

غزة – رام الله ـ “القدس العربي”: فشل مجلس الأمن الدولي، أمس الأحد، في التوصل إلى اتفاق على إلى بيان بشأن العدوان الوحشي الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

وهذه هي للمرة الثالثة خلال أقل من أسبوع التي يفشل فيها المجلس في هذا المسعى.

وعقب جلسة نقاش مفتوحة، استمرت لأكثر من 3 ساعات ونصف الساعة، أصدر مندوبو الصين (تتولي رئاسة أعمال المجلس للشهر الجاري) وتونس (العضو العربي الوحيد في المجلس) والنرويج، بيانا مشتركا طالبوا فيه بالوقف الفوري للأعمال العدائية بين إسرائيل والفلسطينيين”.

بينما أحجمت الولايات المتحدة الأمريكية عن مطالبة حليفتها إسرائيل بوقف عدوانها العسكري على غزة، ودعت في الوقت ذاته حركة “حماس” وبقية الفصائل الفلسطينية إلى الوقف الفوري للهجمات الصاروخية.

وفي اليوم السابع للعدوان الصهيوني الإجرامي المتواصل على قطاع غزة، فإن الدم والدمار هما سمة شوارع قطاع غزة الرئيسية. كما تعلو السحب السوداء سماء القطاع من شماله وحتى جنوبه، ويبدد لهيب القصف والصواريخ المتفجرة سواد الليل، بينما تأتي أصوات الانفجارات لتبدد سكون غزة، وتثير الرعب في كل مكان.

وشنت طائرات الاحتلال أكثر من 155 غارة فجر أمس، فدمرت العديد من المباني السكنية فوق رؤوس ساكنيها، ووقعت كبرى المجازر في الساعات الأولى من فجر أمس، حيث شنت الطائرات الحربية أعنف الغارات التي تركزت على عدة منازل في شارع الوحدة غرب المدينة، لتعلن وزارة الصحة عن سقوط 33 شهيدا، من بينهم 16 شهيدا من عائلة واحدة.

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 16 شهيدا من عائلة الكولك، معظمهم من الأطفال والنساء، ارتقوا خلال القصف الذي استهدف مجمعا سكنيا في شارع الوحدة غرب مدينة غزة.

وقال الناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، إن من بين الشهداء 12 امرأة و8 أطفال. وخلف القصف 50 إصابة بجروح مختلفة معظمها لأطفال، لافتا إلى أن من بين من قضوا الدكتور أيمن أبو العوف رئيس قسم الباطنة في مجمع الشفاء الطبي، موضحا أن فرق الدفاع المدني والإسعاف تواصل البحث عن مفقودين تحت أنقاض المنازل.

واستهدفت الطائرات المنازل والعديد من الشوارع دون سابق إنذار، حتى أن العديد من سكانها كانوا نائمين فترة القصف. وحولت الغارات الأماكن المستهدفة إلى ركام في ثوان معدودة، وتضررت بفعل القصف العنيف الطرق الرئيسية التي تسلكها عربات الإسعاف التي تقل مصابي الغارات إلى مشفى الشفاء الرئيسي، فأعاق الدمار وصولها، كما أعاق أيضا وصول سيارات الدفاع المدني والإنقاذ للمناطق المستهدفة.

وحسب إحصائيات وزارة الصحة فإن حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان وحتى عصر الأحد، وصلت الى ما يقل عن 202 شهيد، من بينهم 58 طفلاً و34 سيدة، إضافة الى 1230 إصابة بجروح مختلفة. وقالت إن العدد مرشح للزيادة، لافتة إلى أن الاحتلال يستهدف المدنيين العزل بأشد الأسلحة فتكا وتمزيقا للأجساد.

وأكد القدر أن الغارات أبادت 12 أسرة فلسطينية، وأخرجتها من السجل المدني الفلسطيني بالكامل. وطالب المجتمع الدولي بلجم العدوان الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الاحتلال لا يكترث بالقوانين والمواثيق الدولية.

وشدد على أنه منذ بداية عدوانه على غزة ارتكب جرائم بشعة بحق الشعب الفلسطيني، لافتا إلى أن وزارة الصحة ترصد جميع الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال بحق العائلات الفلسطينية، مطالبا المؤسسات الدولية بأن تقوم بواجباتها من أجل وقف العدوان، وتجريم الاحتلال في المحاكم الدولية.

————————-

التظاهرات تعم إسبانيا تضامنا مع فلسطين وجريدة تتهم إسرائيل بالتلاعب بالصحافة الدولية للإيقاع بحماس

حسين مجدوبي

مدريد- “القدس العربي”: على غرار العديد من المدن الغربية، تشهد مدن إسبانيا تظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني تنديدا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، بينما وجهت جريدة “إلباييس” اتهامات لإسرائيل بمحاولة التلاعب بالصحافة الدولية ومحاولة إسكاتها بل واستعمالها في نصب فخ لمقاتلي حماس.

ويشهد الغرب موجة من التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في مواجهة عمليات القتل التي يتعرض لها، وجرت هذه التظاهرات نهاية الأسبوع الماضي في مختلف المدن مثل برشلونة وغرناطة والعاصمة مدريد التي احتضنت تظاهرة ضخمة شارك فيها الآلاف يوم السبت الماضي. وتزعمت الجاليات العربية والحركات السلمية واليسارية التي تطالب بعقوبات ضد إسرائيل لإجبارها عن الاستمرار في الخروقات ضد الفلسطينيين.

وتعد إسبانيا من الدول الغربية، حيث تحظى القضية الفلسطينية بتعاطف تاريخي وكبير، وتشتكي إسرائيل من هذا التعاطف بل واتهمت حكومات مدريد في عدد من المناسبات بالانحياز إلى فلسطين ووصل الأمر إلى محاولة اتهام حكومة خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو منذ سنوات بمعاداة السامية.

وتخصص الصحافة الإسبانية وخاصة التقدمية منها مثل “دياريو” و”بوبليكو” و”إنفو ليبري” تغطيات دقيقة لما يجري، وتميزت جريدة “إلباييس” بمقال اليوم الإثنين ينتقد سياسة إسرائيل مع الإعلام. وفي عنوان قوي، كتبت هذه الجريدة الأوسع انتشارا وتأثيرا: “إسرائيل تريد إسكات وإرباك الصحافة الأجنبية في نزاع غزة”. وتبرز فيه صعوبة الصحافة الدولية في التعامل مع السلطات العسكرية والمدنية الإسرائيلية، مشيرة إلى تفاقم الوضع عندما يتعلق الأمر بنزاع مثل غزة “حيث عشرات الضحايا من المدنيين، وتعرض صورة الدولة اليهودية للضرر”.

وتؤكد الجريدة أنه “إضافة إلى تفجير مبنى في قطاع غزة كان يستضيف حتى يوم السبت الماضي مقرات الصحافة الدولية مثل أسوشيتد برس، ينضاف إلى محاولة الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي خداع الصحافة فجر الجمعة الماضية حول عملية برية ضد قطاع غزة، و”هي العملية التي لا وجود لها”.

وتشير إلى أن تولي ناطق باسم الجيش تقديم الرواية الرسمية انطلاقا من مكتب به عشرات المهنيين في الإعلام ومئات الجنود. وقد نددت الصحافة الدولية بكيفية عمل المكتب على إيهامها والتلاعب بها بهدف الإيقاع بحماس. وتؤكد أن إخبار الصحافة الدولية دون الإسرائيلية ببدء عملية برية كان بهدف استعمال فخ عبر هذه الصحافة الدولية ضد حركة حماس.

—————————————

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يحذر من انهيار المنظومة الصحية في غزة مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي

غزة–”القدس العربي”: عبّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم السبت عن “مخاوفه العميقة” من انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة ، مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي، والارتفاع الكبير في أعداد الحالات التي تحتاج إلى رعاية طبية عاجلة.

وقال المرصد الأورومتوسطي ومقرّه جنيف في بيان صحافي “إن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة زاد من الضغط على المنظومة الصحية المنهكة أصلًا بفعل تفشي جائحة كورونا ، وقبل ذلك الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة منذ نحو 15 عامًا”.

وأشار إلى أن مشافي غزة استقبلت عشرات الشهداء، وأكثر من 1,000 جريحًا، جراء الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ مساء الاثنين الماضي، حيث تسبب العدد الكبير من الإصابات في إشغال نسبة كبيرة من أسرّة المستشفيات، وخصوصًا أسرّة العناية المكثفة المتوفرة بأعداد محدودة.

وأشار إلى أنّ استمرار توافد المصابين على المستشفيات بأعداد كبيرة مع تصاعد عمليات القصف الإسرائيلية “زاد من الأعباء الملقاة على الطواقم الطبية والمستشفيات التي تعاني من نقص الإمكانيات والأدوية واللوازم الطبية بنسبة كبيرة”، مشيرا إلى أنه بلغ عدد الأصناف الصفرية من الأدوية في نهاية شهر مارس الماضي، 256 صنفًا من أصناف الأدوية المتداولة، لتكون نسبة العجز 50%، فيما تبلغ نسبة العجز في عدد المهمات الطبية 33%، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.

ولفت الأورومتوسطي إلى أنّ أعداد الإصابات تقفز بصورة سريعة، إذ سجل اليوم الأول من الهجوم 65 إصابة، بنسبة زيادة بلغت نحو 15 ضعفًا خلال أيام.

وذكر المرصد أنّ انخراط الطواقم الطبية منذ نحو عام في حالة طوارئ لمواجهة تفشي فيروس “كورونا” في قطاع غزة أدّى إلى استنزافها، وقل “جاء الهجوم العسكري الإسرائيلي ليزيد من الضغط على هذه الطواقم مع إعلان حالة طوارئ إضافية للتعامل مع الإصابات المتزايدة الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي”.

وأشار بهذا الصدد إلى أن فيروس “كورونا” بغزة أدى إلى وفاة 980 شخصًا وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطيني فيها، منهم 106 بحاجة إلى رعاية طبية في المستشفيات، و83 بحالة خطيرة على أسرة العناية المكثفة.

وأكد أنّه وفقًا للمعطيات الحالية، وفي ظل الزيادة المتوقعة في أعداد الإصابات جراء استمرار الغارات الإسرائيلية، فإنّ المنظومة الطبية في قطاع غزة، لن تكون قادرة على تأمين خدمة صحية ملائمة، وأنه سيكون من الصعب خلال الأيام المقبلة التعامل مع الإصابات وخاصة الخطيرة منها، عدا عن الحالات التي تعاني أمراضًا مزمنة وكانت تتلقى الرعاية الصحية بشكل منتظم قبل الهجوم الإسرائيلي.

وأشار إلى أنّ السلطات الإسرائيلية أغلقت مع بدء الهجوم العسكري معبر “إيرز” شمالي القطاع، وهو الوحيد المخصص لحركة الأفراد من وإلى قطاع غزة مع إسرائيل، ما قد يهدد حياة مئات المرضى الذين يحتاجون إلى السفر العاجل لتلقي العلاج خارج القطاع.

وأوضح أنه من شأن هذا الإغلاق، أن يعيق تحويل الإصابات والحالات المرضية الخطيرة إلى مستشفيات في الضفة الغربية أو القدس ، وهي عملية معقدة حتى في حالة فتح المعبر، كونها تتطلب تحويلات طبية وسلسلة موافقات مسبقة بما في ذلك من المخابرات الإسرائيلية التي كثيرًا ما تستغل ذلك لابتزاز المرضى وذويهم مقابل السماح بسفرهم للعلاج.

وأشار المرصد إلى جملة من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في هجماتها المستمرة وتمثل انتهاكًا للحق في الصحة، ففي يوم الثلاثاء الموافق 11 مايو، قصفت الطائرات الإسرائيلية بخمسة صواريخ، أرضًا قرب المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة، ما أدى إلى إلحاق أضرار به، وكذلك لحقت أضرار أخرى بمستشفى بيت حانون جراء قصف مماثل، وأنه في اليوم نفسه، قصفت الطائرات الإسرائيلية بصاروخ واحد أرضًا خالية قرب بلدة بيت حانون شمالي القطاع، ما أدى لإلحاق أضرار في نقطة إسعاف تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. كما لحقت أضرار بالغة بمركز رعاية محلي مخصص لخدمات صحة الأم والطفل وتطعيمات الأطفال، وأعلنت وزارة الصحة خروجه من الخدمة بالكامل.

وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ التدمير الممنهج للشوارع والطرق الرئيسية التي استهدفتها الطائرات الإسرائيلية بعشرات الغارات يعيق حركة تنقل سيارات الإسعاف، وبرز ذلك جليًا في شمالي قطاع غزة، حيث استغرق نقل الجرحى والضحايا عدة ساعات نتيجة القصف العشوائي ودمار الطرق.

وأشار إلى التأثيرات الخطيرة لتزايد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة، سواء جراء تدمير شبكة الكهرباء، أو تقليص عمل محطة الكهرباء بسبب عدم إدخال الوقود، على الوضع الصحي سواء في المستشفيات أو المنازل خاصة لدى المرضى الذين يحتاجون أجهزة طبية مرتبطة بالكهرباء.

ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطة الفلسطينية لتحمل مسؤولياتها تجاه المنظومة الصحية في قطاع غزة، وتلبية احتياجات القطاع من الأدوية والمستلزمات الطبية والطواقم المساعدة، وحث المؤسسات الدولية ذات العلاقة على تأمين خط إمداد سريع لتوفير احتياجات طارئة متعلقة بعلاج الجرحى. كما دعا مصر لفتح معبر رفح لنقل الجرحى الذين يحتاجون رعاية طبية خارج القطاع، وتسهيل حركة وصول الوفود الطبية والإمدادات الصحية إلى قطاع غزة.

وطالب المرصد الأورومتوسطي السلطات الإسرائيلية بفتح معبر “إيرز”، والسماح بخروج المرضى والجرحى لتلقي العلاج، والكف عن سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، وحث المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة إلى تحمل مسؤولياتها في توفير الحماية الكاملة للمرافق الصحية والطواقم الطبية، والضغط على إسرائيل لوقف هجومها العنيف على القطاع.

————————

السؤال الأخلاقي: تحليل سيميائي ثقافي لصور المقاومين الفلسطينيين في المسجد الأقصى/ رامي أبو شهاب

لأكثر من عقود طويلة تبدو الصّورة التي تتداولها قنوات الأخبار ووكالات الأنباء لجنود الاحتلال الإسرائيلي، المدججين بالأسلحة والهراوات والخوذ في ساحة المسجد الأقصى في محاولة منهم لقمع المصلين المحتجين، في صورة ذات دلالة واضحة لم تتغير أبعادها، ومقاصدها، كما أركانها، ولهذا يمكن أن تقرأ في سياق سيميائي ثقافي، إذ هي تحيل إلى مستويين يبدوان متناقضين للوهلة الأولى: لكنهما في الحقيقة يتقاطعان، حيث تبدو هذه الصورة أبدية تتكرر، إذ نرى فيها أجيالاً من المحتلين مقابل أجيال من الثائرين، تتولى مهمة إنتاج الصورة عينها، وبهذا فإن رمزية الواقع ترى، أن هذا الكيان لم يتقدم خطوة واحدة للأمام، على الرغم من الوهم الذي تحيط به دولة الكيان الصهيوني ذاتها، وينهض على أن وجودها اتخذ طابعاً واقعياً في ظل حقائق الدعم الكولونيالي الغربي، أو في ظل التطبيع، أو الاتفاقيات التي عقدتها مع بعض الدول العربية، أو حتى مع السلطة، فثمة خلف كل ذلك تبقى الحقائق قائمة، والسؤال الأخلاقي لوجود فلسطين يقضّ مضاجع من يعتقد أن فكرة فلسطين يمكن أن يطويها الزمن.

فثمة طبقات عميقة من التشكيلات لا على المستوى الواقعي والديني والتاريخي فحسب، والتي لا يمكن أن يطالها الشك، في أي صورة من الصور، إنما على مستوى الخطاب في ما يتعلق بحقيقة أن فلسطين ستبقى قائمة خطابياً، ورمزياً، ولن تتوارى من الوعي الكوني، على الرغم من وجود موجات من الانحسار في بعض الأزمنة، لكن تبقى فلسطين الحقيقة المطلقة، حين تختصر رهان العرب على ذاتهم، بل إن كل الاستحقاقات العربية كأمة، أو كأمم، ودول هشة، لن يكون لها من معنى في ظل السقوط الأخلاقي في امتحان فلسطين، إذ لا يمكن لها أن تهنأ في كيانات طبيعية ما دامت المعضلة الفلسطينية قائمة.

تبدو ساحات المسجد الأقصى، حيث نرى النيران المشتعلة، والحجارة تتطاير أحد أركان صورة بصرية ممتدة في الزمن، أو ذات تشكيل منتظم من الخطاب، هي صورة تتكرر عبر عقود طويلة، وهنا يمكن أن ننظر إلى الصورة بوصفها دالاً ضمن ما يوضحه «أمبرتو إيكو» في سياق مفهوم ضوابط الإنتاج السيميائي، ومعاييره، وأهمها الفعل المادي الضروري لإنتاج العبارات، وهنا يؤكد على آلية التركيز على شيء يتمتع بوجود فيزيقي، فضلاً عن إنتاج نسخ للشيء عينه، وهكذا تبدو صورة المقاومين، حاملة أو تحتمل هذين البعدين، حيث الوجود المادي قائم، في حين أن تكرار الحدث يبدو قائماً عبر نسخ متكررة عبر عقود طويلة، وفيه نرى الشبان أو الفلسطينيين عامة يقاومون في باحات المسجد الأقصى، وحي الشيخ جراح، وغيرها من المناطق جنود الاحتلال عبر إلقاء الحجارة، علاوة على الاشتباك الجسدي، في ساحة تبدو أقرب إلى أرض معركة يؤطرها الكر والفر، كما نرى في الأجواء أعمده الدخان، والنيران تتصاعد، في حين أن أصوات القنابل الصوتية والغاز والطلقات المطاطية تسمع بوضوح.

هذه الصورة لن تنتهي طالما الاحتلال قائم، وسيعاد إنتاجها مرارا وتكراراً، وهذا يعود إلى خاصية تبديد وهم أن حقيقة فلسطين يمكن أن تتلاشى، وأن مواجهة الموقف الأخلاقي يمكن أن يخرج من المعادلة، لاسيما في ظل رهانات محرجة لدى البعض من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تحتمل صيغة من صيغ الإحالة إلى أن المهمة لم تنجز بعد في وعي نظام الفصل العنصري الصهيوني، الذي بقي قائماً من مخلفات الحقبة الاستعمارية، وهذا يبدو واضحاً في وعي بعض المفكرين والمثقفين الإسرائيليين الذين ينتقدون النموذج الصهيوني الكولونيالي بوصفه نموذجاً عنصرياً «أبارتهايد» كما يذكر أوري رام أحد دارسي علم الاجتماع في جامعة بن غوريون، في دراسة ترجمت ونشرت في مجلة «الكرمل» الفلسطينية بعنوان «الموقف من الكولونيالية في علم الاجتماع الصهيوني». وفيها يحلل «رام» وصمة الكولونيالية لدى مكونات المجتمع الإسرائيلي، أو لدى الأنتليجنسيا الإسرائيلية، من مبدأ أن هذه الحقيقة تتناقض مع منطلقات اليسار واليمين، على حد سواء، كونها تبطل مقولات اليسار المثالي حول فكرة قيام إسرائيل، ووجودها من خلال الكدح والعمل، كما التحرر الذاتي، في حين أنها تبطل مقولة اليمين التي تتمثل بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، كما أنها تبطل أيضا مقولة أرض إسرائيل بأكملها ملك الشعب اليهودي تبعاً للحقائق التاريخية، وبذلك فإن صورة الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى، بالتجاور مع مقاومة الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، تدفع إسرائيل إلى أن تبقى في مواجهة صورتها المقيتة، بوصفها دولة كولونيالية تعتمد المبدأ الاستيطاني في تكوينها، وهنا لا يمكن للعالم أن يبقى على الحياد في مواجهة هذا الوجود الذي وسم قرونا طويلة من الوجود البشري حيث عملية الإحلال تبدو صيغة مستعادة، فيعاد إنتاجها في عالم يدّعي الأخلاق، ولاسيما في العصر الحديث؛ من مبدأ أن هذه الممارسات غير مقبولة مع تقدم البشرية، وادعائها تبني نموذجا ينهض على منظومة قيمية وأخلاقية وقانونية، ولعل هذا يجعل من المعضلة الأخلاقية ربما السؤال الأكثر مركزية في وعي المجتمع الدولي، لكن الأهم في وعينا نحن العرب على مستوى رمزي وثقافي.

نلاحظ في السنوات الأخيرة، ولاسيما مع بدء الثورة الصناعية الرابعة أن ثمة تغيراً في طريقة التعاطف مع المشكلة الفلسطيني لدى الشعوب العربية، أو المسلمة على حد سواء، وكأن ثمة تحولا بنيوياً عميقاً في ميكانيكية تشكل الأخلاق لدى هذه الشعب، التي كانت تثور لنصرة الحق الفلسطيني، وهنا يمكن البحث عن عوامل محددة وسمت مطلع الألفية الثالثة، أو مع بدء الثورة الصناعية الرابعة، حيث بدت البشرية أشبه بمسخ معطل نتيجة نموذج استهلاكي إعلامي غير قادر على أن يحدث وعياً تأملياً بحقيقة ما يجري، في ظل تسارع الحدث، لكن ثمة أيضاً إخفاقات عميقة لدى معظم تلك الشعوب عبر انشغالها بقضايا داخلية وخارجية، بدت في بعض الأحيان أكثر قدرة على استهلاك مدركاتها، نتيجة تغول النماذج السلطوية، بالتوازي مع لعبة الاستقطاب الطائفي في منطقة الشرق الأوسط، بالتّضافر مع شيوع الفكر المتطرف الذي يبدو غير معني بحقيقة المعضلة الأخلاقية بمقدار ما يسعى إلى البحث عن وهم الوجود ضمن موقع سلطوي، يحتكم لمتخيل بائد.

هذه العناصر المجتمعة بدت سلبية في تمكين الإدراك للتكامل مع وحدة القضية، وأخلاقيتها في الوعيين، العربي والإسلامي، كما الإنساني عامة، لكن حقيقة سؤال فلسطين يتأتى من أن وجودها يتعإلى فوق كل ما يمكن أن نعتقده، أو نؤمن بأولويته، علاوة على كونه مفتاح الخلاص لأزماتنا العميقة كأمة عربية.

لعل ما حصل في الآونة الأخيرة، قد أعاد صورة المقاومة الفلسطينية التي تسعى العديد من الأطراف إلى تصفيتها واقعياً وخطابياً ورمزياً، فهندسة هذا التخطيط قد باءت بالفشل، كون هذه المقاومة أخلاقية لا يمكن تنحيتها من الوعي الجمعي عبر الرهان على خلق أجيال منبتة الصلة بحقيقة وجودها، وهذا الأمر يعود إلى أمر- على الرغم من بساطته- إلا إنه غاب عن وعي من سعى لتصفية مشروعية المقاومة، وينهض على أن حضور المحتل ما زال واقعاً مادياً، لا يمكن أن يغيب عن عيون أجيال تنشأ في مواجهته؛ ما يعني إحداث دالات رمزية ستعيد إنتاج ذاتها، متصلة بردة الفعل – على الرغم من عفويته – فلا جرم أن تنتج الصورة من جديد بهدف تمكين عملية نبذ هذا التناسي الأخلاقي، الذي يسيطر على وعي العالم، بما في ذلك العرب أنفسهم، وهنا يبدو التأكيد على أن الفلسطيني لن يكون سوى سيّد مصيره، وأن وعي الفلسطيني في عفويته لمقاومة تهويد الأقصى، وفرض الأمر الواقع، يبدو الصيغة الخطابية التي ستبقى قادرة على تصنيع نفسها عبر مقاومة عمليات المحو والتصفية، ولا يمكن تجاهل ذلك (أخلاقياً)؛ ولهذا تسارع وكالات الأنباء والنشرات الإخبارية لتغطية الحدث، وهذا يتأتى من قوة الفعل الشعبي، وهنا يستعيد الفلسطينيون موقعهم ليكونوا الوجود الأكثر تجذّراً في أدبيات مقاومة آخر نظام عنصر كولونيالي في العصر الحديث.

كاتب أردني فلسطيني

القدس العربي

————————

اجتماع أميركي فلسطيني نادر/ معن البياري

عشية اجتماعاته أمس مع وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، ومسؤولين آخرين في حكومة دولة الاحتلال، التقى مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، هادي عمرو، مع قائمين على جمعياتٍ أهليةٍ في فلسطين المحتلة في 1948، بطلبٍ منه، لمحاولة فهم أسباب المواجهات التي شهدتها مدن وبلدات عربية في “داخل إسرائيل” بين العرب واليهود، و”لإعداد تقرير عن خطورة هذه الاشتباكات” على ما أفيد. وإذا كان ثمّة مجازفةٌ في القول إن الاجتماع هو الأول من نوعه، بين فاعليات فلسطينية في الداخل وموفد أميركي رفيع ترسله واشنطن لبحث توتر عسكري ساخن في الأراضي المحتلة وقطاع غزة، بالنظر إلى حاجة حسم صفته هذه إلى تحرٍّ أكاديمي، فإن في الوسع، من دون تحرّز، القول إن الاجتماع نادر جدا، نوعا ومضمونا. وقد أفيد بأن النشطاء الذين التقاهم هادي عمرو (لبناني الأصل، متزوج من فلسطينية) أسمعوه أن جماعاتٍ من المستوطنين وزعران اليمين الفاشي الفالت مستمرّة في اعتداءاتها على العرب، وأن نذر وقوع انفجارٍ خطيرٍ واردة، وطالبوا الولايات المتحدة بأن تلحّ على إسرائيل لوقف حربها العدوانية على قطاع غزة، وألا تكتفي بمواقف لفظية مائعة.

ولا يتزيّد واحدُنا إذا ذهب إلى أن هذا الاجتماع دليلٌ مضاف على وحدة الشعب الفلسطيني المتحقّقة مجدّدا، والتي تبدّت مظاهرها غير القليلة في الهبّة الشاملة، والعريضة، في عموم فلسطين، انتصارا للقدس، وإسنادا لأهل غزة، وتأكيدا على جوهرية القضية الفلسطينية بوصفها قضية شعبٍ واحد، وانتسابا لحق واحد، وارتباطا بالمقاومة الباسلة التي تضرب العمق الإسرائيلي، ليعرف المحتلون أن في مقدور هذا الشعب أن يفعل الكثير ردّا على جرائم العدوان اليومية. ومن أبعادٍ ليست خافيةً في هذا المشهد، بدلالاته الكثيفة، أنها عنصريةٌ من الصنف نفسه، متوطنةٌ يجتمع عليها الصهاينة الذين يدأبون على الاعتداءات المتكرّرة في القدس القديمة، وينشطون من أجل مزيدٍ من التهجير والتهويد فيها وفي جوارها، وبحمايةٍ من شرطة الاحتلال وقواته، مع الصهاينة الذين يتلملمون في عصاباتٍ مسلّحةٍ مكشوفةٍ، ويقترفون جرائم الاعتداء على فلسطينيي اللد وكفر كنا وحيفا وغيرها، وأيضا بتغطيةٍ من الأجهزة العسكرية للدولة العبرية، ومع الصهاينة في جيش العدو، ممن ينفذون اعتداءات القذائف الصاروخية التي تقتل الغزّيين، أطفالا ونساء وشيبا وشبانا. وأمام هذه الحقيقة المؤكّدة، فإنها لا تحتاج كلاما كثيرا بديهيةُ أن يجتمع شعب فلسطين على أفق وطني موحد، يقوم جوهره على الدفاع عن وجود الفلسطيني في أرضه، في كل أرضه.

لم يرشح من اجتماعات المُبتعث من الخارجية الأميركية مع المسؤولين الإسرائيليين أمس ما إذا كان قد جيء فيها على “نذر مخاطر” المواجهات بين العرب واليهود، غير أن المتأمل في انتباهة مسؤول أميركي رفيع إلى أمرٍ كهذا قد يذهب، في تفسيرها، إلى أن ثمّة مقادير ظاهرة من الغضب لدى الإدارة الأميركية الراهنة من المسلكيات الفظّة التي تنتهجها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، على غير صعيد، برعاية المستوى السياسي. وإذ ينقل أحد المشاركين الفلسطينيين في الاجتماع عن الموفد هادي عمرو وصفَه نتنياهو بأنه “يخرّب مسيرة السلام”، فإن قارئ كلامٍ كهذا سيأمل من المسؤول الأميركي الرفيع أن ينقل إلى حكومة دولة الاحتلال رسالةً واضحة، أن التخريب الذي ترتكبه هذه الحكومة في غير شـأن لم يعد محتملا. وإذ حافظ الموقف الأميركي، في غضون العدوان اليومي على غزة، على تقليديته، المتعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإن تعبيراتٍ متقدمةً بشأن المعاناة الفلسطينية نطق بها غير مسؤول أميركي في الأثناء.

لقد أكّدت المظاهرة التي نظمتها فاعليات فلسطينيي الداخل في سخنين أول من أمس أن احتجاجات أهل الخط الأخضر لن تتوقف إلا بوقف العدوان الإسرائيلي على غزّة. ولمّا اعتقلت السلطات العسكرية عشراتٍ منهم، واستخدمت الرصاص الحي ضد المتظاهرين في كفر كنّا، فإن الرد الواحد، والذي أعلنه أهل فلسطين على هذا الصلف والعدوان المبيّت، أنه “شعبٌ واحد لا يلين من غزة إلى سخنين”، على ما هتفت المظاهرة الحاشدة. وكيف له أن يكون غير شعبٍ واحد، ورمزيةُ سخنين خالدةٌ في إشعالها هبّة يوم الأرض قبل أزيد من 45 عاما، وهذه فرادة اجتماع هادي عمرو مع نخبةٍ فلسطينيةٍ ناشطةٍ في الناصرة غزيرة الدلالات سياسيا، ووطنيا من قبل ومن بعد.

العربي الجديد

———————-

لو سأل الفلسطينيون: لماذا تكرهنا الولايات المتحدة؟/ المهدي مبروك

يبدو السؤال، للوهلة الأولى، منفّراً، لعدة أسباب، لعلّ أهمها أنه يعيد، بشكل ما، صياغة سؤال آخر، بادر بطرحه الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، في بداية الألفية الثانية في سياقات تداعيات تفجيرات “11 سبتمبر” وما بعدها. سكب السؤال آنذاك جبالاً من الحقد على علاقاتٍ دوليةٍ يفترض أن تستند إلى عقلانيةٍ ما، وإن محدودة، كما يقول منظّرو هذه المدرسة، خصوصاً أنّ العرب متهمون بإغراق هذه العلاقات، المعقدة والمركبة، في محيط من اللاعقلانية ذات المصادر المتعدّدة: حقد طبقي تصبح بمقتضاه الولايات المتحدة حربة الإمبريالية المتوحشة التي تمتص دماء الشعب المفقرة، أو حقد ديني تصبح بمقتضاه حربه “الصليبية الجديدة” التي تصرّ على إذلال المسلمين، كما تذهب جماعات “جهادية” عديدة عنيفة. كان بوش يقصد، في صياغته الصرفية النحوية التي اختارها، حين أسند الفعل إلى ضمير الجمع الغائب “هم يكرهوننا” العرب والمسلمون عامة.

وبقطع النظر عن مصادر هذه العواطف التي قد تكون متبادلةً في أوساط واسعة، مع مخاطر التعميمات المخلّة، ففي سياقاتٍ شديدة التركيب والتعقيد، يفقد السؤال ذاته لدى بعضهم مشروعيته، خصوصاً واو الجماعة التي نتكلم بها، إذ قد يدحض بعضهم هذا السؤال/ الأطروحة، باعتبار أنّ العرب، بصفة المفرد، لا وجود لهم إلا في خيال بعض الناس، حجتهم في هذا اختلاف العرب على المستويين، الإثني والثقافي، إلى حدّ يسحب منهم أيّ هوية جماعية، يمكن أن تكون ندّاً أو مخاطباً على مستوى العلاقات الدولية، فالعرب أمةٌ تتقاسمها دول، وهم أمةٌ تضم، في الحقيقة، أمماً تحت جناحيها، فهم ليسوا على غرار ما تجاورهم من أمم، على غرار الأمة التركية أو الإيرانية، حين اتّحدت فيها الدولة مع إثنيةٍ مهيمنة، استقرّت على مجال جغرافي واسع، احتضن قدراتهم وكفاءاتهم الراهنة في إدارة الشأن السياسي الوطني وإدارة العلاقات الدولية. لسنا – نحن العرب – في مثل هذه الحالات، فأمتنا تتمدّد على عدة دول تحكمنا، تختلف مشاربها ومواقفها ومصالحها إلى حد التناقض. فضلاً عن اختلافاتٍ أنثرو- تاريخية لا يمكن محوها، فهناك عرب الخليج وعرب شمال أفريقيا وعرب الشرق الأوسط. وهناك عرب المركز وعرب التخوم إلخ، من دون أن نغفل عرب الأنظمة وعرب الشعوب… بل هناك عرب القُطريات الشوفينية التي تنافسها شوفينياتٌ أكثر توتّراً داخل الحيز الحصاري الواحد: أكراد وأمازيغ… ، فهل من معنى لسؤال “لماذا تكرهنا الولايات المتحدة الأميركية؟” وهي التي على علاقةٍ وثيقةٍ بعرب الأنظمة، وبينهما مصالح وكثير من المودة والولاء؟

تغفل أطروحة فوكوياما كلّ تلك التفاصيل المهمة، وتجمعنا في سلةٍ واحدة، وتجعلنا كلنا استثناءً مزعجاً للولايات المتحدة. لا نجد منظّراً له تأثير ونفوذ على السياسات الخارجية للولايات المتحدة موقفه منصف للعرب، حتى لا أقول إنه متعاطف معهم. كان تشومسكي استثناءً، يغرّد خارج السرب، وقد أجاب عن سؤال بوش آنذاك، أنّ الإذلال والنهب اللذين تمارسهما الولايات المتحدة كفيلان بصناعة تلك الكراهية.

خارج هذه التحيزات السياسية العاطفية التي تبديها أميركا تجاه إسرائيل، لا تبدو فرضيات المصلحة “المادية” وحدها قادرةً على فهم هذا التحيز المطلق، ذلك أنّ ما تقدّمه هذه الأنظمة العربية للولايات المتحدة لا يمكن مقارنته بما تقدّمه إسرائيل لها. لذا علينا البحث عن مصالح من نوع آخر، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة تنفق على إسرائيل بأشكال متعدّدة.

وعلى افتراض أنّنا – نحن العرب – لم نعد نمثل هويةً موحدةً جامعة، ترسم لها الولايات المتحدة سياساتٍ موجهة، فإنّ السؤال لا يفقد وجاهته، بل هو فقط ينتقل من العام إلى الخاص، ويكتفي بحدٍّ ما من إعادة الصياغة جزئياً. لماذا تكره الولايات المتحدة الفلسطينيين بهذا الشكل؟ علماً أن لا شيء، في التاريخ القريب على الأقل، يمنح جذوراً لهذا الموقف، حتى يجد ما يبرّره، فلا نذكر أنّ الولايات المتحدة قد صاغت ما يماثل وعد بلفور البريطاني، أو أيّ موقفٍ آخر يجعل من الحاضر سجين الماضي، أو مرتهناً له، فحتى بريطانيا، بلد الخطيئة الأصل في ميلاد هذا الكيان، تغيرت مواقفها نسبياً وبشكل براغماتي. كذلك فإنّ الفلسطينيين، في نضالاتهم ضد الاحتلال، لا نذكر أنّهم استهدفوا المصالح الأميركية رأساً. أجازت حركات التحرير لنفسها، بين حين وآخر، القيام بمثل ذلك، إلّا النضال الفلسطيني، لم يوسّع دوائر من يستهدف، وظلت بوصلته، بشكلٍ أو بآخر، موجّهة إلى الكيان الإسرائيلي.

لماذا تكره الولايات المتحدة الفلسطينيين؟ فرضية أنّ سياساتها الخارجية تمليها اللوبيات الصهيونية التي تحالفت، حدّ التماهي، مع أقصى اليمين الديني المحافظ في الولايات المتحدة، تظل قوية، ومع ذلك، هي غير كافية لفهم ما يجري. ستظلّ استراتيجية الهيمنة الأميركية على المنطقة معاديةً لأيّ نضال وطني فلسطيني، حتى لو ذهبت السلطة الفلسطينية إلى أبعد مما يمنحه أيّ نظام عربي تابع. لهذا ولغيره، ستظل الولايات المتحدة ضد الفلسطينيين، حتى ولو في الحدّ الإنساني الأخلاقي الذي يستنكر الاعتداءات الوحشية الجارية .. مجرّد عتاب أميركي ممنوع، خصوصاً وقد زيّن لها التطبيع ذلك.

————————–

اللغة العربية تتحدى الحجب ضدّ المنشورات عن فلسطين

يستمر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بإيجاد أساليب لكسر حجب شركات التواصل، والتي تتواطأ مع الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين، فتحجب كلّ المحتوى الناقد للاحتلال أو الذي يكشف زيف ادعاءاته، كما تحجب حسابات ومنشورات وتمنع كلمات بعينها من التداول عبر صفحاتها. فقد قامت “تويتر” و”فيسبوك” و”إنستغرام” بقمع المحتوى الفلسطيني، وذلك الذي يفضح روايات الاحتلال وزيف ادعاءاته كما يوثّق الهمجية الإسرائيلية والظلم والتهجير والتنكيل الذي يحل على الفلسطينيين في نكبتهم المستمرة منذ 73 عاماً.

في السابق، كان الأسلوب الأبرز هو إضافة علامات تنقيط إلى الكلمات لفصلها عن بعضها، أو إضافة مسافات بين الأحرف في الكلمات التي تعتبرها خوارزميات هذه الشركات ممنوعة. وتتضمن تلك الكلمات “مقاومة” و”حماس” وأسماء فلسطينيين مقاومين للاحتلال وغيرها من التعابير التي تناهض الاحتلال وتناصر الفلسطينيين، كما تعابير لأحزاب وتنظيمات تصنّفها الولايات المتحدة إرهابية، وهو التبرير الذي تلجأ إليه شركات التواصل كي تبرر حجبها. لا يزال استخدام هذا الأسلوب مستمراً، كما تلجأ إليه وسائل إعلامية تغطّي ما يحصل في فلسطين لحظةً بلحظة وتحاول تخطي الحجب، وبينها موقع “الجرمق” والتلفزيون العربي عبر تويتر.

إخفاء المحتوى الفلسطيني… “خلل تقني” أم تواطؤ مع الاحتلال؟

لكنّ الأسلوب المستجد هذه المرة هو التدوين باللغة العربية غير المنقّطة، وهي الطريقة التي كانت مستخدمة قديماً في أصل إنشاء واستخدام اللغة العربية. وقراءة هذه الجمل سهلة للمتحدثين بالعربية، إذ يستطيعون بسهولة فهم الجملة من دون أي عائق. ويشير متّبعي هذه الطريقة إلى أنّها تدمج حالتين معاً وهما العودة إلى أصول اللغة العربية، والتي يستطيع العرب فهمها ولكن لا يمكن للغرب قراءتها، بالإضافة إلى تخطي الـ”ألغوريثم أبارتهايد” (الفصل العنصري للخوارزميات) الذي تعتمده شركات التواصل الاجتماعي حالياً.

وهناك تطبيق يدعى “اكتب” يساعد في تحويل الكلمات المنقّطة إلى كلمات من دون نقاط، ويعود تاريخ إنشاؤه إلى يناير/كانون الثاني من العام الحالي. لكنّ مستخدماً يدعى خالد الشمّا أعلن في تغريدة له عن تطوير صفحة ويب وتطبيق جوال بسيط بتقنية PWA يعمل من دون اتصال، ويمكنه تحويل النصوص المكتوبة مع نقاط إلى كلمات بلا نقاط تسهيلاً للعملية، وهو ما لقي رواجاً عبر المنصات.

    بعد الإنطباعات الإيجابية العديدة والمشجعة بخصوص تابع تحويل النص العربي إلى نسخة بأحرف دون نقط، قمت بتطوير صفحة ويب/تطبيق جوال بسيط بتقنية PWA يمكن تنصيبه ويعمل دون اتصال لتسهيل استخدام هذه الوظيفة#Arabic #javascript #PWA #arphphttps://t.co/3oys0xwSbz pic.twitter.com/hrCt5myW8G

    — Khaled Al-Shamaa (@arphp) May 15, 2021

وعبر “فيسبوك” و”تويتر”، تنتشر منذ يومين هذه الطريقة في الكتابات عن فلسطين. وقال أحد المغردين “مارك يحجب أي محتوى على فيسبوك ضدّ إسرائيل والآن هناك من يكتب الجمل بدون نقاط… كم أنت كبيرة أيتها اللغة العربية”. وكتبت نهلة الطنيخي على “فيسبوك”، بكلمات تمكن قراءتها من دون نقاط: “إسرائيل كيان محتل والقدس عربية إلى الأبد ومارك حوّل”. وسخر هشام شيتوس قائلاً “مسؤولو فيسبوك وهم يحاولون قراءة المنشورات من دون نقاط”، مضيفاً “إسرائيل دولة إرهابية”. وعلى ذات النحو ذهبت ميما المهدي قائلةً “ربنا ينتقم من الصهاينة الكفرة ومارك وإسرائيل وينصر الأقصى”.

    مارك كايبلوكي اي كونط فيسبوك فيه شي حاجة ضد اسرائيل دابا ولاو كايكتبو الجملة فيها الحروف بلا نقط 😭 كم انت كبيرة ايتها اللغة العربية pic.twitter.com/rofcdjUEtf

    — KHALID 🇵🇸 (@Pssktch) May 16, 2021

    ىا حماعه ٮس ٮسوڡوا حد أحٮٮى مں اللى عٮدهم مٮاٮعىں كٮىر مٮرل صوره او ٮوسٮ اںه ٮدعم ڡلسطىں

    ىا رىٮ ما ٮحطوا هاسٮاع ڡاصى هٮاك

    حطوا صور وحطوا ڡٮدٮوهاٮ وٮرحموا اللى ٮصىر ٮڡلسطٮں

    — Ammar Ramadan (@AmmarRamadan17) May 17, 2021

 —————————-

مراسلون بلا حدود” تشتكي إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية

تقدمت منظمة “مراسلون بلا حدود” بشكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعد استهداف غارات إسرائيلية مبنى يضم مكاتب لوسائل إعلام دولية. وأثار ذلك ردود فعل دولية تراوحت بين القلق والسخط على سلامة الإعلاميين بشكل خاص والمدنيين عموماً.

واعتبرت المنظمة المدافعة عن حرية الصحافة حول العالم، أن الاستهداف قد يرقى إلى مصاف “جرائم حرب”. وجاء في الشكوى التي نقلتها وكالة “فرانس برس”: “دُمرت مقرات 23 وسيلة إعلامية محلية ودولية بعدما استهدفتها ضربات إسرائيلية”، في إشارة إلى قصف استهدف مكاتب وسائل إعلام فلسطينية وأجنبية.

وتابعت “مراسلون بلا حدود” في شكواها الموجهة إلى المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة، بتاريخ 16 أيار/مايو، أنها “تعتبر أن الاستهداف المتعمد لوسائل الإعلام والتدمير الكامل والمتعمد لمعداتها يُعدان جريمة حرب وفقا للمادة الثامنة من ميثاق روما”. وأضاف نص الشكوى أن “الجيش الإسرائيلي لم يتسبب فقط بإلحاق أضرار مادية كبيرة جداً بأقسام التحرير التي يُعَد صحافيوها ومعداتها ومَرافقها محميين بموجب مقتضيات حماية السكان المدنيين، بل أعاق أيضاً التغطية الإعلامية لنزاع يؤثر بشكل مباشر وخطير على السكان المدنيين”.

والسبت دمرّت صواريخ إسرائيلية “برج الجلاء” المؤلف من 13 طابقاً، وكان يضم خصوصاً مكاتب وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية وقناة “الجزيرة” الإخبارية القطرية، علماً أن الجيش الإسرائيلي أبلغ القيمين على المبنى بضرورة إخلائه قبل قصفه. واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنّ المبنى كان “هدفاً مشروعاً تماماً”، مؤكداً أن استهدافه جاء بناء على معلومات استخبارية.

وذكّرت “مراسلون بلا حدود” بأنها تقدمت سابقاً بشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية على خلفية “استهداف الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد عشرات الصحافيين الفلسطينيين الذين يتولون تغطية مظاهرات مسيرة العودة في ربيع العام 2018”. وطالبت المنظمة المدعية العامة للمحكمة بضم أحداث الأيام الأخيرة إلى التحقيق الذي فُتح في آذار/مارس بشأن جرائم يعتقد أنها ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية، في مبادرة رفضتها إسرائيل لكنها لقيت ترحيباً فلسطينياً.

من جهتها، دعت سالي بزبي، رئيسة التحرير التنفيذية لوكالة “أسوشييتد برس”، الأحد، لإجراء تحقيق مستقل في الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت ودمرت المبنى الذي كان يضم مكاتب إعلامية في مدينة غزة، مؤكدة أن الرأي العام يحق له معرفة الحقائق.

ورأت بزبي أن الحكومة الإسرائيلية لم تقدم بعد أدلة واضحة تدعم هجومها، الذي دمر برج “الجلاء” المكون من اثني عشر طابقاً. بينما قال اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل تجمع الأدلة كي تقدمها للولايات المتحدة، لكنه أحجم عن إعلان الالتزام بتقديم تلك الأدلة في غضون اليومين المقبلين.

وقال كونريكوس: “نحن في خضم قتال.. هذا قيد المعالجة وأنا واثق من أنه سيتم تقديم المعلومات في الوقت المناسب”، بينما أوضحت بزبي بأن مكتب “أسوشييتد برس” كائن في برج الجلاء منذ 15 عاماً ولم يتم إبلاغها ولم يكن هناك أي مؤشر على احتمال وجود مكتب لـ”حماس” في المبنى، مشددة على ضرورة ايضاح الحقائق.

وأضافت: ” نحن في حالة صراع.. نحن لا ننحاز إلى أي طرف في هذا الصراع.. سمعنا إسرائيليين يقولون أن لديهم دليلاً.. نحن لا نعرف ما هو هذا الدليل.. نعتقد أنه من المناسب في هذه المرحلة أن تكون هناك نظرة مستقلة على ما حدث بالأمس- تحقيق مستقل”، مشيرة إلى أن صحافيي “أسوشييتد برس” “شعروا بالفزع” بسبب الغارة الجوية، لكنهم بخير ويواصلون نقل الأخبار.

كما أعربت عن قلقها إزاء تأثير ذلك على التغطية الإخبارية، قائلة أن “هذا يؤثر على حق العالم في معرفة ما يحدث على جانبي الصراع بالسرعة اللازمة “، بينما تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هاتفياً يوم السبت الى الرئيس التنفيذي للوكالة غاري برويت، معلناً “دعمه الثابت للصحافيين المستقلين والمنظمات الإعلامية في جميع أنحاء العالم، وأشار إلى أهمية تغطيتهم التي لا غنى عنها، لمناطق الصراع”.

—————————

فلسطين المتجذّرة في الوجدان السوري/ العقيد عبد الجبار العكيدي

حفلت بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأولى من الانتفاضة بنقل صور وفيديوهات تُظهر “حسن تعامل” جيش الاحتلال الإسرائيلي مع المنتفضين من أهالي القدس ومناطق 48 المحتلة وإظهارها على أنها معاملة أخلاقية جيدة، خاصة عند مقارنتها بوحشية النظام السوري في تعامله مع الثورة الشعبية.

إسرائيل استفادت من تجارب الانتفاضات الفلسطينية السابقة وأصبحت حريصة على إعطاء صورة جيدة عن نفسها بعد أن خسرت إعلامياً بشكل كبير من خلال تعاطف الراي العام العالمي مع انتفاضات الشعب الفلسطيني السلمية السابقة، إلا أن هذه المقارنة غير صحيحة، وسرعان ما انكشف زيف إنسانيتهم. لم يستطِع جيش الاحتلال إخفاء حقيقة منشئه القائم على الإرهاب والإجرام، فبدأ باستخدام طيرانه الحربي ومدفعيته بقصف المناطق السكنية، ولم تسلم منه حتى المباني التي توجد فيها مقرات وسائل الاعلام، حتى لا يرى العالم بشاعة جرائمه.

الأسد لم يعبأ بالرأي العام أصلاً لأنه يعلم أن استمرار وجوده حاجة إسرائيلية، وأنه محمي بهذه الحاجة مهما فعل، وبالتالي يتوجب عدم التفريق بينهما. إسرائيل لعبت دوراً حاسماً في استمرار النظام والحفاظ عليه، وهذا ما كشف عنه وزير إسرائيلي كبير من ذوي الخلفية الأمنية في آذار/مارس، حين قال إن :مؤيدي رأس السلطة الحاكمة في سوريا بشار الأسد في القيادة الإسرائيلية تغلبوا على معارضيه”.

ظنّ البعض أنه بسبب المأسي التي يتعرض لها عدد من شعوب المنطقة العربية وخاصة سوريا، والعراق واليمن وليبيا وغيرهم من الشعوب التي تحكمها أنظمة مستبدة تتاجر بالقضية الفلسطينية، أن هذه الشعوب أصبحت تعتبر ألمها ومأساتها أكبر من الألم الفلسطيني، وأنه أصبح لكل شعب قضيته المركزية التي يعاني منها ويدفع ثمنها ولم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، ولكن في الحقيقة إن هذا التفكير الخاطئ الذي حاولت إيران وهذه الأنظمة ترسيخه في فكر تلك الشعوب، تحطم على صخرة الهبّة المقدسية.

لقد أثبتت الأحداث والوقائع أن المأساة الفلسطينية هي أساس مآسي شعوب المنطقة التي تدفع ثمن متاجرة الأنظمة العسكرية الديكتاتورية بالقضية الفلسطينية، والتي جوّعت الشعوب وسرقت ونهبت ثروات بلادها بحجة تجهيز الجيوش لتحرير فلسطين.

هبّة الشعب الفلسطيني في وجه المحتل الإسرائيلي أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمام شعوب المنطقة وتعاطفها ومساندتها، متناسية ألامها ومأسيها، وخاصة الشعب السوري المنكوب الذي يعاني القتل والاعتقال والتهجير على يد عصابات الأسد المدعومة إيرانياً وإسرائيلياً، فقد  كان الشعب السوري دائماً في مقدمة المساندين والداعمين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وقدّم تضحيات كبيرة في مختلف مراحل النضال الفلسطيني، وامتزجت الدماء السورية والفلسطينية على أرض لبنان والأردن و فلسطين، ولا ننسَ أن قائد الثورة الفلسطينية الكبرى كان الشيخ عز الدين القسام ابن مدينة جبلة الأدهمية.

ثمة إدراك كبير بأن تحرير أوطاننا من المستبدين والطغاة هو الطريق الفعلي لتحرير فلسطين، هذه القناعة راسخة لدى ثوار سوريا وثوار فلسطين ممن اختبروا ظلم الاحتلال وظلم أنظمة الاستبداد والطغيان، لذلك ومنذ انطلاقة الثورة السورية كان واضحاً مشاركة الكثير من الفلسطينيين السوريين بهذه الثورة، ولم يكن بوسع أحد أن يفرق بين هذا وذاك فكلاهما يواجه الاستبداد، ولكن بكل أسف قابل هذا الموقف المشرف مواقف أخرى من جماعات فلسطينية ساندت النظام ولعبت دوراً في تشويش وتشويه هذه الصورة المشرقة.

بعض الفصائل والميليشيات الفلسطينية التي صنعها نظام الأسد والتي كانن مدعومة منه ومن ايران، تراوحت مواقفها ما بين الصمت بداية الثورة ثم الانتقال إلى مربع دعم النظام، بالإضافة الى المواقف المشينة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية التي كان آخرها موقف التصويت لصالح النظام في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

وحدها حركة حماس سجلت موقفاً واضحاً برفض دعم النظام، لكن ذلك لم يمنع بعض قادة الحركة من تسجيل مواقف مخزية في صالح قتلة الشعب السوري، واعتبار قتلاهم من قادة الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، وحزب الله، شهداء القدس. هذه المواقف كانت أكثر إيلاماً  للشعب السوري من براميل النظام وصواريخه. مع ذلك عندما اندلعت هبّة الأقصى وانتفض أهالي القدس دفاعاً عن مقدساتهم وأرضهم ووجودهم وحقوقهم بوجه المحتل الإسرائيلي، شهدنا تعاطفاً كبيراً من السوريين الأحرار مع رباط المقدسيين، وكان هذا دليلاً ساطعاً وواضحاً عل مدى التلاحم والشراكة في المصير، وإدراك أن الاحتلال الإسرائيلي هو الوجه الاخر للعملة الأسدية.

يبقى موقف جزء من السوريين المتحفظ على علاقة حماس بإيران وهو موقف نابع من خشية الكثير منهم من استثمار ايران لهذه الانتفاضة، وتوجيهها، واستغلال الفرصة لتصفية حسابات القصف الإسرائيلي المتكرر على مواقعها في سوريا، والاختراق الإسرائيلي لموقع “نطنز” النووي، من خلال حلفائها في المقاومة الفلسطينية، وهي مخاوف محقة ومشروعة، إلى حد دفع البعض لعدم الثقة بتدخلها العسكري والخشية من أن يكون ذلك مغامرة استعراضية يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني، وقد يستفيد منها عن قصد أو غير قصد اللاعبون الاخرون.

 إلا أن وجهة نظري المتفهمة لهذه المخاوف، وعدم إغفال أو تجاهل حاجة إيران الماسة لأوراق ضغط، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات حول ملفها النووي وتوسيع نفوذها في المنطقة، يجب ألا تدفع إلى المبالغة في مقدرة إيران على ذلك، فمن الواضح أن رياح الانتفاضة الفلسطينية هذه المرة تجري بعكس ما يشتهي قادة طهران.

الانتفاضة التي انطلقت من القدس وشملت كل مناطق ال48 لم تبدأها حماس من غزة، وما يجري أكبر من قادتها، وقد يكون تحرك قواعد الحركة وقادة كتائب القسام، وإطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات والعمق الإسرائيلي، هو خيار هؤلاء القادة العسكريين، غير العابئين بالسياسة وبإيران.

وبعيداً عن مواقفنا المسبقة من حماس والجهاد الإسلامي، هل يمكن لغزة ألا تنتفض وتنتصر للقدس ويافا وعكا وحيفا واللد، وإذا لم تغضب وتستخدم صواريخها اليوم لنصرتهم فمتى ستستخدمها؟! فغزة ليست حماس والضفة ليست محمود عباس والقضية الفلسطينية أكبر من الجميع.

ورغم أن هناك من يرى تهويلاً إعلامياً لفاعلية تلك الصواريخ ومدى تأثيرها عسكرياً، إلا أنه لا يمكن إغفال أثرها المعنوي على المزاج الإسرائيلي العام ومدى الخوف والهلع الذي تسببت به لهم.

إن موقف قوى الثورة السورية كان واضحاً وصريحاً في تعبيره عن موقف الشارع السوري المساند والمتعاطف والداعم لثورة المقدسيين، مدركين بأن الأنظمة المستبدة، وما يسمى بحلف المقاومة والممانعة قد تاجر بالورقة الفلسطينية بما يكفي، وأنهم ليسوا أمناء عليها، وهم من أضعفوا الكفاح الفلسطيني ودمروا مخيماته في تل الزعتر واليرموك وبقية المخيمات خدمة للكيان الصهيوني.

لم يكن مصادفة أن يُرفع علم الثورة السورية دون غيره الى جانب العلم الفلسطيني في باحة الأقصى، وأن ينشد الفلسطينيون في أسواق القدس القديمة وفي حاراتها أناشيد عبد الباسط الساروت، ولم يكن أيضاً مصادفة أن تدعو النساء والعجائز والمصلون في باحة الأقصى لسوريا وللشعب السوري المظلوم ولخلاصه من الظلم، فهذا السلوك العفوي ما هو إلا تعبير عن موقف أصيل للشعب الفلسطيني الذي عبّر بوضوح عن انحيازه إلى الثورة السورية، رافضاً استغلال تضحياته من أي طرف، ودليلاً واضحاً على صوابيه الرؤية والموقف ومدى الترابط القومي والإنساني الذي يجمعنا سوياً، فلا يمكن للثائر السوري إلا أن يكون مع قضية فلسطين، والعكس من ذلك الثائر الفلسطيني الذي لا ينحاز الى ثورة الشعب السوري وهمومه وتطلعاته بنيل حريته لن يكون صادقاً في انتمائه لقضيته.

المدن

————————–

أسئلة الواقع الفلسطيني الراهن/ حازم نهار

رُهاب القداسة

لعل أكثر ما أساء، وما زال يسيء، إلى القضية الفلسطينية، هو وضعها في مرتبة المقدس، الأمر الذي يحشرها في رؤية محدَّدة لا تستطيع مغادرتها، ويمنع فرصة نقاشها بصورة عقلانية، بحكم الرهاب الذي يثيره كل مقدّس. ولا يقف أمر المقدس عند القضية ذاتها فحسب، بل يمتد ليطال كل ما يتعلق بها، مثل المقاومة وآلياتها، بل وحتى أشخاصها، وقد يصبح أحيانًا امتطاء القضية المقدسة سبيلًا مختصرًا إلى القداسة الشخصية.

النزول بالقضية الفلسطينية من القداسة إلى السياسة يعني أنه ينبغي للقضية الفلسطينية ألا تثير رهابًا لكل من يريد مناقشتها خارج دائرة الرؤية السائدة أو المهيمنة، وينبغي ألا يكون ذكر اسمها فقط بوابة لكل من يريد الدخول إلى ساحة الأخلاق والوطنية والمقاومة، فقد استخدمتها أنظمة وجهات عديدة لتثبيت مشروعيتها وشرعيتها، وطمعًا بارتداء لبوس قومي أو وطني أو ديني يتيح لها القيام بكل شيء من دون نقد أو تشكيك.

مع هالة القداسة التي تُرسم للمقاومة المسلحة مثلًا، تصبح نقطة الدم في سبيل القضية أهم من كل تفكير أو نضال لأجل القضية ذاتها؛ هل يمكن أن يستوي الذين يقدمون حياتهم للقضية مع أولئك الذين لا يجيدون إلا الكلام؟! هذا أحد أساليب قتل القضية أكان ناجمًا عن قصد أو غير قصد، عن وعي أو من دونه، على الرغم من أن هدف التفكير هو الحدّ من هدر الدماء بلا طائل أو جعل الدماء المبذولة ذات ثمن كبير. هذه القداسة تقتل القضية بدلًا من أن تفيدها؛ في لحظة من اللحظات، تحول انشقاق عنصر أو ضابط على النظام السوري إلى حالة مقدسة في نظر كثير من السوريين، ما شجّع المنشق على الإفتاء في كل شؤون السياسة والحرب والثورة والاقتصاد والحقوق، بل وإعطاء شهادات في الثورية والوطنية للآخرين، على الرغم من أنه أمضى ثلاثين سنة من عمره خانعًا ومصفِّقًا في المؤسسة العسكرية الرسمية.

الإنسان أولًا

هناك أهمية كبيرة دائمًا لنقد خطاب الضحية، أما الاكتفاء بتشريح خطاب الجلاد ونقده، فإنه لا يفيد الضحية لأنه يقود غالبًا إلى غرق الضحية في الأخطاء والأوهام الذاتية. لعل أكثر ما يزعج في كل معركة مع “إسرائيل” عندما يُقال إننا أوجعنا الإسرائيليين جدًا، فعلى الرغم من أنهم قتلوا منا ألفًا إلا أننا قتلنا منهم خمسة. يردِّد كثيرون مثل هذا الكلام أو ما يشبهه، من دون إدراك للمعنى العميق، أو في الأحرى للمشكلة الكبيرة التي تكمن في ثناياه؛ مؤلم جدًا أن ننظر إلى مواطنينا بوصفهم أرقامًا فحسب. المعنى الكامن وراء هذه الرؤية هو أن مواطننا رخيص ومواطنهم غالي الثمن، وأننا لا نحترم مواطننا وحياته فيما هم يحترمون حياة مواطنهم ويكترثون لها. ماذا تعني القضية الفلسطينية من دون الفلسطينيين، ماذا يعني الوطن بلا مواطن؟! هذا خطاب كل مستبد؛ يرفع من شأن القضية، ويخفض من قيمة الإنسان، لتتحول القضية تدريجًا إلى شعار في الفراغ، يُقتل باسمه المواطن الذي هو جوهر القضية وأساسها.

لعل السؤال الأول الذي يخطر في بال الحكيم هو السؤال عن حجم خسائره لا الحديث عن حجم خسائر الخصم أو العدو. هكذا يفكر رجالات الدولة، بينما رجالات الإمارات والفصائل والميليشيات يهتمّون، عمومًا، بخسائر الآخر ولا يهتمون بخسائرهم، وكأن خسائرنا لا قيمة لها أو قدر محتوم ينبغي لنا التسليم به كيفما كان.

يظهر أن لدى فصائل المقاومة الفلسطينية إمكانات مادية مقبولة، ولديها الخبرات التقنية والهندسية أيضًا؛ لماذا لا تستغل الفصائل مراحل الهدوء مع “إسرائيل”، فتبني الملاجئ والبنى المحصنة التي يمكن لها أن تحمي حياة البشر في مراحل العدوان والقصف، من يبرع في حفر الأنفاق يبرع في حفر الملاجئ؟! ربما تفعل فيما نحن لا نعرف، وربما ما تحتاج إليه أكثر مما هو متوافر بين يديها. لكن حسبنا أن نقول، من دون تشكيك، إن العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين من جراء القصف يشير إلى أن هناك قصورًا في الاهتمام بساحة المعركة الخلفية؛ ساحة البشر والمواطنين وحيواتهم.

ماذا كان يمكن لحماس أن تفعل؟

ماذا كان يمكن أن تفعل حماس استجابة للحدث المقدسي؟ لا بدّ أولًا من طي الحجة القائلة: حماس أدرى بشعابها أو الحجة الأخرى التي تقول إنه لا يجوز التنظير على من هم تحت النار، وفي قلب المشكلة. هذه الحجج تشبه الكواتم الصوتية التي استخدمها سوريون كثيرون، ونخب سياسية ثقافية سورية متنوعة، لمنع النقد انطلاقًا من تحليلاتهم الواهمة باقتراب الانتصار على النظام السوري.

بعيدًا عن شعارات “الانتصارات الإلهية” و”إسرائيل في مأزق” و”اقتراب نهاية إسرائيل” التي تلوكها وتعجنها وتستثمر فيها أنظمة حاكمة وفصائل مسلحة وقنوات فضائية أيديولوجية، لا بدّ من الاعتراف بأن مسيرتنا الماضية لم تنتج إلا الهزائم، ولم تؤدِّ إلّا إلى ازدياد إسرائيل تعملقًا وازديادنا قزامة. هذا التوصيف صحيح بوجود حماس والجهاد الإسلامي، وقبلهما، وجميعنا مدانون فيه. الهزيمة المستمرة تستوجب وتفرض النقد، والتشكيك بصوابية الخيارات المتخذة على مستوى الخطاب والأداء. النقد مطلوب في كل لحظة ووقت.

كان في إمكان حماس تنظيم تظاهرات واسعة نصرة للقدس والمقدسيين، في غزة وخارجها، بل وفي بلدان عربية أيضًا تربطها بها علاقة وثيقة. وكان يمكنها أن تقوم باحتكاك خشن نوعًا ما عند الجدار الفاصل بين غزة وفلسطين، أو حشد الدعم الإعلامي لرفع الحصار عن غزة، جنبًا إلى جنب مع قضية القدس. لكن حماس ذهبت مباشرة باتجاه استخدام الصواريخ. وربما كان ذلك في سبيل تعزيز شعبيتها، وهي تعرف أنها ستحصل على احتضان شعبي واسع بسببها، وعلى الرغم من كون هذا حقًا لها، مثلما هو حقّ لغيرها، إلا أنه ليس محتومًا أن يعود بخير استراتيجي على مستوى القضية الفلسطينية.

كان يمكن استثمار هذه الهبة الشعبية، الفريدة والنوعية، التي وحّدت الفلسطينيين في كل فلسطين، لمصلحة ما هو وطني فلسطيني، تغيب فيه ثنائية فتح – حماس التي اختزلت الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بل وأضرتهما، وهذه تحتاج إلى عقل استراتيجي وطني بعيد النظر. كان يمكن لحماس أن تضع نفسها في مرتبة ثانية، وأن تبرز قضية القدس والمقدسيين إلى السطح. إذا كانت القضية الفلسطينية مركزية، فقلب هذا المركز هو قضية القدس والمقدسيين، وهذا أكثر إيلامًا لإسرائيل من الخسارات العسكرية العابرة. بعد صواريخ حماس أصبح التركيز أكثر كثيرًا عليها مقارنة بقضية القدس والمقدسيين. معادلة الربط بين غزة والقدس مسألة مهمة، لكن على أساس وطني، واستراتيجية وطنية، لا على أساس حسابات انتخابية.

جدوى تدخل حماس بسلاحها؟

هناك أسئلة منطقية وطبيعية يمكن أن تُطرح؛ ما جدوى تدخل حماس بسلاحها على خط الصراع الحالي في القدس؟ أليست السلمية، في هذا الحيز، أكثر نفعًا لكسب التأييد العالمي في مواجهة المعتدي؟ أليست المواجهة العسكرية هي ما ترغب فيها إسرائيل، وتتفوق فيها أيضًا؟ لا شك في أن لحماس تقديراتها السياسية، ولا يمكن نفي الحسابات الاستراتيجية عن قادتها، خصوصًا أن لهم باعًا طويلًا في السياسة والعمل المسلح. لكن من قال إن حماس لا تخطئ؟! وأن من ينتقدها يغرد خارج السرب حكمًا؟!

ربما لا نعرف الكثير عن عدّة حماس وعتادها، ولا عن حساباتها وإستراتيجياتها وارتباطاتها، لكن يمكننا أن نقرأ حصيلة أعمالها، وأعمال بقية القوى، وأعمال دول عربية وإقليمية، طوال ربع قرن؛ بالمعنى الاستراتيجي، هل تقدمت القضية الفلسطينية بوجودها وأعمالها أم تراجعت؟!

يخبرنا التاريخ أن العنف جزء من السياسة، كرهنا ذلك أم أحببناه، ويخبرنا القانون الدولي أيضًا أن مقاومة المحتل مشروعة بجميع الوسائل. وهنا يأتي دور الفاعلين السياسيين الذين ينبغي لهم ربط العنف المستخدم بحسابات معقدة ومتغيرة تستند إلى عنصري الزمان والمكان، وإلى الواقع المحلي والإقليمي والدولي، فضلًا عن واقع العدو، إضافة إلى السؤال عن إمكان تحقيق مكاسب سياسية باستخدام قدر ما من العنف، وردات فعل العدو المحتملة إزاءه، وعدد الضحايا المتوقع، ومدى القدرة على قبوله واحتماله.

هل تدخل مثل هذه الحسابات في عقل حماس؟ نعم بالتأكيد، لكن ليس بالضرورة أن تخدم حساباتها الخاصة القضية الوطنية الفلسطينية والفلسطينيين، خصوصًا إن كان هناك اختلاف في النظر إلى القضية ذاتها أصلًا. لحماس حسابات دقيقة ومعقدة، لكنها تخدم حماس ومشروع حماس وارتباطات حماس ورؤية حماس إلى القضية الفلسطينية. بعض قادة حماس ينظرون إلى فلسطين بوصفها ساحة جهاد لا أكثر، ومحطة عابرة، ولذلك من الطبيعي وفق هذا المنطق عدم الاكتراث لخسائرها وخسائر الفلسطينيين. حماس تعمل بدلالة اليأس، يأسها من المجتمع الدولي، ومن الواقع العربي، لذلك غالبًا ما يكون المعيار الأساس الذي يحكم خياراتها هو: كيف يمكن أن نوجع إسرائيل؟ وكيف نُشعر الإسرائيليين أنهم غير آمنين؟

هذه الرؤية تدفع صاحبها إلى تغييب معايير وعناصر أخرى تضبط العمل المسلح، كأن يغيب عنه أهمية الاهتمام بحياة الحاضنة الشعبية، ما يتطلب تحضيرًا على هذا المستوى قبل أي عمل عسكري، أو السؤال عن المردود السياسي المتوقع من أي عمل عسكري قبل الخوض فيه؛ بالطبع، لا يُطلب من الفصائل المسلحة تحقيق توازن عسكري مع العدو، هذا وهم. لكن يفترض ألّا تنشر الفصائل المسلحة أيضًا الوهم بقدرتها على القضاء على إسرائيل. أما في حال فرضت المعركة العسكرية فرضًا على حماس أو غيرها، فمن حق الناس وقتها ألا تموت من دون مقاومة أو من دون إيلام العدو عسكريًا.

كسب معركة الرأي العام الدولي

إن القول “ليس لدى غزة اليوم ما يمكن أن تخسره بعد حصار وعدوان مستمرّين طوال خمسة عشر عامًا” هو قول يائس، ودعوة إلى الموت؛ لأنه يترك حماس والفلسطينيين من دون خيارات غير خيار المواجهة العسكرية من دون أي اكتراث لنتائجها أو خسائرها في الجانب الفلسطيني. في السياسة ينبغي لنا دائمًا وأبدًا البحث عن الخيارات الأقل سوءًا مهما كانت قساوة واقعنا.

صحيح أن الرأي العام الدولي لم يقف إلى جانب فلسطين والقضية الفلسطينية، لكن هذا لا يعني أنه غير مهم، ومن ثمّ إدارة الظهر له. هذه أيضًا دعوة يائسة، وليست خيارًا سياسيًا عقلانيًا. تحرص إسرائيل كثيرًا على كسب الرأي العام، ولوبياتها تملأ العالم، وتأثيرها واضح في كل مناسبة؛ أكثرية قادة العالم مثلًا يكرِّرون العبارة الإسرائيلية الأثيرة لدى حكوماتها “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”. هذا التوجه الثابت تقريبًا هو نتاج شغل طويل ومستمر لإسرائيل على الرأي العام العالمي وحكوماته.

يظهر بالنسبة إلى الكثيرين أن الرأي العام لا فاعلية له، وهو لا يخرج عن حدود الاستنكار والقلق، وأن الدول الكبرى والمصالح هي التي تتحكّم في المواقف وبمسارات الأحداث السياسية. هذا صحيح نسبيًا، لكنه غير مطلق، إذ يمكن للرأي العام في المجتمعات الحديثة أن يغيّر بدرجة ما من مواقف حكوماتها، بل إن مواقف الحكومات لا تخرج عادة بصورة حادة على مواقف مجتمعاتها.

هذا كله معناه أننا لم نكسب معركة الرأي العام سابقًا، ومن ثمّ لم نمتلك أدوات التأثير الفعلية في حكومات الدول. يُفترض ألّا يكون عجزنا عن، أو فشلنا في، كسب تأييد الرأي العام، مبرِّرًا أو حجة لإدارة الظهر للعالم ومجتمعاته، بل ينبغي أن يكون حافزًا لنا لطرح السؤال الصحيح؛ كيف يمكن أن نكسب الرأي العام الدولي، ما الخطاب الملائم، والأدوات والأساليب الممكنة؟! كسب الرأي العام العربي مثلًا يمنع حكومات عربية عديدة من أن تتجرأ على السير في قطار التطبيع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي زاد القضية الفلسطينية خسارةً.

القضية الفلسطينية قضية سياسية، لا دينية

إمعانًا في رسم هالة مقدسة حول القضية الفلسطينية، يجري أحيانًا إيصالها إلى الرأي العام العربي بطريقة مختزلة تحشرها في إطار الدفاع عن المقدسات الدينية؛ المسجد الأقصى هو أحد مقدساتنا فعلًا، لكنه لا يستنفد القضية الوطنية الفلسطينية، وهذه الأخيرة لا تُختزل بالمقدسات الدينية. القضية الفلسطينية في الجوهر قضية سياسية، قضية شعب احتُلّت أرضه من كيان استيطاني وعنصري.

لو بقي الأمر في حدود قدسية المسجد الأقصى – وهو يفترض أن يكون مقدسًا لدى المسلم والمسيحي واليهودي على السواء، تمامًا كما هو حال كنيسة المهد والمقدسات الأخرى – لما كانت هناك أي مشكلة، لكن الذي حصل، وما يزال يحصل، هو النظر إلى القضية الفلسطينية، وإيصالها داخليًا وعربيًا ودوليًا، بوصفها قضية دينية أساسًا لا قضية وطنية، وهذا أخذ القضية إلى مسارات مسيئة إليها، لتصبح رهينة الاستقطابات المذهبية والمحاور الإقليمية. أصلًا هذه الرؤية لا تختلف عن رؤية العدو الذي يسعى بكل طاقته لتثبيت يهودية إسرائيل. وهكذا، تغيرت طبيعة الصراع العربي/الفلسطيني-الإسرائيلي من صراع سياسي إلى صراع ديني لا يخدم الفلسطينيين ولا العرب، ولا الأديان السماوية.

منذ نحو عام، أشار السيد محمود الزهار، القيادي في حركة حماس، في مقابلة له، إلى أن الهدف الأساس لجماعته ليس تحرير فلسطين، بل أكبر من ذلك، “أما فلسطين بالنسبة إلينا، فهي كمن أحضر مسواكًا ينظِّف به أسنانه، مشروعنا أكبر من ذلك، فلسطين لا تظهر على الخريطة”. لم تكن هذه أول مرة يتحدث فيها رجالات حماس بصيغة كهذه؛ فقد عبروا مرات عديدة عن أن مشروعهم يتجاوز حدود الوطن (فلسطين). المقاومة حق مشروع قانونيًّا وإنسانيًا، وجوهر المقاومة دائمًا هو وجود الإنسان الرافض للظلم، وهو الرقم الصعب في أي نضال، ولا شيء يسيء إلى المقاومة ويفرِّغها من محتواها أكثر من تغييب الصفة الوطنية.

ينبغي لنا الاعتراف أيضًا بأن إسرائيل قد أخذت شيئًا من حضارة الغرب وتقدّمه، على مستوى إدارة الدولة بصورة خاصة. في إسرائيل يوجد دواعش يهود، لكنهم قبلوا بدخول البرلمان/الكنيسيت، والعمل وفق القواعد الديمقراطية، في دولة فيها شيء من الحداثة؛ إسرائيل دولة تجمع حكوماتها بين الحداثة والهمجية في قالب واحد، بينما دولنا لم تجمع حكوماتها سوى بين الهمجية والهمجية، أما دواعشنا فما زالوا يرفضون الدولة الحديثة ومنطقها وأدواتها، سعيدين بالعقلية الفصائلية والميليشياوية خارج الدولة أو على هامشها. إسرائيل دولة احتلال استيطاني، تحتل الأرض الفلسطينية، انتهكت حقوق الشعب الفلسطيني، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حقه، تقودها حركة صهيونية عنصرية، استثمرت كثيرًا، وما تزال، في المسألة اليهودية.

ينبغي أن تكون لدينا رؤية واضحة تجاه فلسطين والقضية الفلسطينية، من دون خلطها بتوترات المحاور الدينية والمذهبية، ومن دون طلائها بلبوس ليس لها كردّة فعل على سلوك دولة الاحتلال. وفي القلب من هذه الرؤية لا بدّ من إيجاد حلٍّ للمسألة اليهودية في فلسطين. لقد صدّر لنا الغرب هذه المشكلة في مرحلة من المراحل، والفلسطينيون، بل العرب كلهم، معنيون بإيجاد حلّ لها، هذا قدرهم؛ حلّ ينطلق من خلق دولة وطنية ديمقراطية فلسطينية تحتضن الأديان والمعتقدات جميعها، وتفكِّك المؤسسة الصهيونية، ولا تمنع التواصل الجغرافي بين المشرق والمغرب العربيين. هذه أفكار للمستقبل البعيد، لأن لا أحد يستطيع التحرك في الواقع الراهن من دون رؤية ما إلى المستقبل.

إعادة بناء النضال الوطني الفلسطيني

غالبًا ما يُختزل ميزان القوى إلى تعبيراته ودلالاته العسكرية، في حين إن ميزان القوى الحقيقي هو ذاك الذي يأخذ أبعادًا شاملة تطال المستويات والميادين كلها. لعل أهم نقطة في هذا السياق تتمثل بإعادة القضية الفلسطينية إلى جوهرها المتمثل بوجود شعب فلسطيني في مواجهة عدو محتل، وهذا يمكن أن يكون عبر التزام مهمة إعادة بناء التمثيل الوطني الفلسطيني “منظمة التحرير الفلسطينية” أو غيرها، على أسس سياسية جديدة، وهذا التمثيل هو الذي يُناط به بناء استراتيجية وطنية فلسطينية على المستويات كافة، بما يعني ألّا يكون قرار الحرب والسلام بيد فئات أو فصائل أو جماعات، بصرف النظر عن معتقداتها وتوجهاتها الأيديولوجية، بل بيد التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني.

كثيرًا ما كنا نسمع نقدًا فلسطينيًا، بل وعربيًا، في وجه من أُطلق عليهم اسم (عرب أو فلسطينيو الـ 48)، فإذا بهم اليوم يشاركون بفاعلية في الانتفاضة الوطنية الفلسطينية. هذا يشبه إلى حدٍّ ما الاستهزاء الذي واجه به “ثوار سوريون” و”نخب ثورية سورية” إخوتهم السوريين تحت سلطة النظام السوري معيبين عليهم صمتهم، وقاطعين الطريق عليهم سلفًا من حيث احتمال تغيّر آرائهم أو حدوث أوضاع جديدة تدفعهم أو تسمح لهم بالمشاركة في عمل وطني سوري مستقبلًا. إن ضيق الخلق والنفس القصير وضآلة الفهم الوطني ونقص التفكير الاستراتيجي، كلها يمكن أن تجعل “الثوري” أو “الوطني” عقبة حقيقية في وجه الثورة أو الوطن، من دون أن يدري، وهذه مأساة حقيقية سببها الرئيس هو شقاء الوعي.

حرصت إسرائيل على تجزئة وتذرير الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية؛ لأن وجود الشعب الفلسطيني موحدًا، ووجود التمثيل السياسي الموحد له هو أكثر ما يؤلمها، ويهدِّد شرعيتها. عملت إسرائيل، وساعدتها حكومات عربية، وقوى عربية وفلسطينية، قصدًا أو جهلًا، على تقسيم الفلسطينيين بطرق متنوعة، منها تقسيمهم على أساس جغرافي؛ جرى تقسيمهم إلى فلسطينيي الـ 48 وفلسطينيي الـ 67 وفلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي قطاع غزة، وفلسطينيي الشتات… إلخ. لذلك، فإن إعادة بناء مفهوم الشعب الفلسطيني، والنظر إلى الفلسطينيين بوصفهم شعبًا واحدًا، واعتبار فلسطين كلها ساحة واحدة، وإعادة بناء التمثيل السياسي الوطني الديمقراطي للفلسطينيين على هذا الأساس، هو العنصر المركزي والأهم في تغيير موازين القوى.

بعد انقشاع غبار المعارك، سنعدّ ضحايانا وخسائرنا بصمت، وسنرفع أصواتنا، كالعادة، بالنصر الإلهي، وسنفخر بقدرتنا على تغيير قواعد الاشتباك؛ مقولة يردِّدها كثيرون اليوم، فضلًا عن قنوات إعلامية عديدة. مع أن قواعد الاشتباك لا تتغير إلا بفعل تغيرات استراتيجية نوعية، لعل أهمها وحدة الشعب الفلسطيني، ومركزية التمثيل السياسي الفلسطيني.

هذا الحدث فرصة مهمة لإعادة بناء النضال الفلسطيني. ستتوقف المعارك عاجلًا أم آجلًا، بمساعدة مصرية أو قطرية أو تركية أو أميركية… إلخ، وبدلًا من الاستغراق في عدّ ضحايا وخسائر إسرائيل، لا بدّ من الانهماك فعلًا في توحيد الفلسطينيين في كل العالم استنادًا إلى رؤية فلسطينية وطنية ديمقراطية، فهذا هو ما سيبقى بعد انقشاع المعارك، وهذا هو المكسب الحقيقي الذي يمكن أن يبنى عليه، وهو فعلًا ما يمكن أن يغيِّر شيئًا في موازين القوى، ويؤلم إسرائيل حقًا. أما خسائر إسرائيل البشرية فستطوى بعد مدة زمنية، وستعوِّض خسائرها المادية ببساطة أو ستتلقى المساعدة من دول أخرى، وستنشغل مراكز بحوثها العسكرية في استكشاف نقاط ضعف قبتها الحديدية أو البحث عن حلول أخرى لتعزيز أمنها.

كلمة أخيرة

ليست الغاية من هذه المقالة إدانة حماس أو غيرها، فحماس جزء من الشعب الفلسطيني، وجزء من مقاومته الوطنية في الحصيلة، ولا الغاية التنظير على قياداتها وكوادرها، خصوصًا مع معرفتنا ببؤس الوضع الفلسطيني عمومًا، وبالزاوية الضيقة التي حُشر فيها الفلسطينيون جميعهم، بمساهمة الأنظمة العربية أولًا، “الممانعة” منهما و”المطبِّعة” على حد سواء، فضلًا عن المجتمع الدولي بدوله الكبرى الذي لم يكترث يومًا للحقوق، وما زال مستمرًّا بالسير بطريقة عرجاء على قدم واحدة، قدم المصالح العارية والوقحة. الغاية كل الغاية هي ألّا تضيع تضحيات الفلسطينيين، ومن بينها تضحيات حماس نفسها، سدىً، وألا تضيع فرصة السير خطوات في طريق تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، كما ضاعت فرصة الوحدة الوطنية السورية من قبل.

المدن

————————–

هكذا تُخنَق قضية الفلسطينيين في ألمانيا الاعتذارية..

قال الناشط السوري معتصم الرفاعي المقيم في ألمانيا، أنه فصل من منصبه الحكومي الذي تقلده مؤخراً بسبب موقفه الداعم للفلسطينيين.

وجاء الرفاعي إلى ألمانيا العام 2016، مثل عدد كبير من السوريين الذين فروا من الحرب في بلادهم، ونجح في إتقان اللغة الألمانية وواصل دراسته إلى جانب المشاركة في سلسلة فعاليات تطوعية انتهت به إلى الحصول على عضوية “المجلس الاستشاري للشباب”.

وقال الرفاعي في بيان عبر صفحته في “فايسبوك”: “قامت رئاسة الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، بسحب تعييني كعضو في المجلس الاستشاري للشباب، بعد سيل من الضغوط التي تعرَّضَت لها من قبل اللوبي الصهيوني في ألمانيا”. وأضاف الشاب المتحدر من محافظة درعا جنوبي سوريا، أن “ذلك القرار جاء نتيجة مواقفي المعلنة المتضامنة مع حقوق الإنسان بشكل عام ورفضي للانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل بحق الإنسان الفلسطيني، وليس آخرها ما يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وتابع الرفاعي: “كان لي شرف تعييني عضواً في المجلس الاستشاري للشباب في الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، كما هو شرفٌ لي أيضاً أن يتم سحب عضويتي من المجلس بسبب انحيازي لحقوق الإنسان، وتوصيفي الاحتلال الإسرائيلي باعتباره نظام فصل عنصرياً”.

واختتم بيانه بالقول “يؤسفني رضوخ الوزارة لضغوط اللوبي الصهيوني في ألمانيا. ونضالي هو نضال مفتوح ضد جميع منتهكي حقوق الإنسان، من نظام الأسد إلى نظام الأبارتهايد في إسرائيل. وأعتقد جازماً أنه لو لم يكن لمواقفي العلنية أثر في توضيح طبيعة الصراع القائم حالياً في فلسطين، لما تحرك اللوبي الصهيوني بحملته الممنهجة إعلامياً وسياسياً ضدي. وهذه البداية وليست النهاية”.

ولم يرد أي تعليق ألماني رسمي على بيان الرفاعي، لكن الشاب البالغ من العمر 23 عاماً، نال تعاطفاً وتضامناً واسعاً بين الناشطين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء، وسط دعوات لإطلاق حملة في مواقع التواصل الاجتماعي لمساندته. مع الإشارة إلى أن الرفاعي فاز، في وقت سابق، بجائزة المشاركة المجتمعية للشباب في مدينة نورنبيرغ، وترشح للجائزة على المستوى الاتحادي في ألمانيا، وكذلك ترشح لمنصب السفير في المنصة نفسها، وأصبح ممثلاً عن مدينة نورنبرغ في البرنامج الأوروبي “فاليوز”، وعيّن كعضو بلجنة الشباب في البرنامج الحكومي الفيدرالي “الحياة الديموقراطية”، وعضو بمجموعة التنسيق المعنية بسوريا في منظمة العفو الدولية “أمنستي”.

وتثير تغطية الإعلام الألماني للصراع المتجدد في الأراضي الفلسطينية، استياء واسعاً، حسبما نقلت وسائل إعلام عربية صادرة في ألمانيا، ويعمل اللاجئون السوريون على نشر ترجمات ومقاطع فيديو وصور تظهر، حسب رأيهم، الانحياز الألماني الإعلامي لتل أبيب بدلاً من تقديم تغطية متوازنة.

وفي ظلّ الأحداث المتسارعة في فلسطين، خصوصاً العدوان الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، ومحاولات التهجير والتضييق المستمرة في القدس، بالإضافة إلى الاعتداءات على فلسطينيي الداخل المحتل، وفي ظلّ النجاح في إيصال الصوت الفلسطيني وحقيقة ما يحصل في فلسطين منذ احتلالها إلى العالم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر وسائل إعلام تقليدية عديدة في مظهر المنحاز للاحتلال، في كثير من الأحيان، حتى حينما تقرر أن تسير وفق خطّ تحريري “محايد”.

في السياق، نشرت الصحافية الفلسطينية عبير قبطي، عبر حسابها في “تويتر”، صورتين لصفحتين من مجموعة خطوط عريضة أرسلت من رئيسة تحرير مؤسسة “دويتشه فيلله” الألمانية الممولة حكومياً، مانويلا كاسبر كلاريدج، والمرسلة إلى الإعلاميين والعاملين في المؤسسة، تحدد لهم كيفية تغطية ما يحصل في الأراضي الفلسطينية والمواجهات مع الجيش الإسرائيلي.

    German newsnetwork @dwnews’s guidelines to its employees:

    -Criticism of Israel becomes antisemitism when it attempts to tarnish, discredit & delegitimise the state of Israel

    -We never refer to an Israeli #apartheid. we also avoid referring to colonialism.

    There is more in there: pic.twitter.com/lvguxWUHyV

    — Abir Kopty (@AbirKopty) May 16, 2021

وكان واضحاً أن الوثيقة تتحاشى الإشارة إلى جرائم الاحتلال وانتهاكاته، ما يؤدي إلى انحياز في التغطية ضد الفلسطينيين، وربما تغييب الرأي الفلسطيني من الأصل. وتتضمن الإرشادات خطوطاً تحريرية لكيفية تعامل المؤسسة في منصاتها الإلكترونية وعبر شاشاتها ومواقعها مع الموضوع، كما تشدد على ضرورة إيضاح مصادر الصور المعروضة أو القصص وغيرها.

وفي الدليل نفسه، طالبت المؤسسة إيقاف وإلغاء أي مقابلة مع أشخاص قد ينكرون المحرقة اليهودية أو يستخدمون إشارات نازية أو ينشرون آراء عنصرية أو معادية للسامية أو إسلاموفوبوية، في المقابلة أو عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم أن يقوم المذيعون بإيضاح وجهة النظر ونفي كلامهم بعدها، وذلك بما يتلاءم أيضاً مع القوانين الألمانية، حسبما توضح المذكرة في أكثر من مكان.

وتحدد المؤسسة، في تعريفها لمعاداة السامية، “كل محاولات تشويه سمعة دولة إسرائيل والتقليل من مصداقيتها ونزع الشرعية عنها”، بحسب الدليل نفسه، ما يعني أنّ كل الآراء الفلسطينية أو الداعمة للقضية الفلسطينية قد تعتبر “معاديةً للسامية”. وبحسب الخط التحريري، يُمنع كل كلام قيد يشكك في “حق الدولة الإسرائيلية في الوجود”، كما تحظر المؤسسة الإشارة إلى “الأبارتهايد الإسرائيلي” أو “نظام الأبارتهايد” في إسرائيل، مطلقاً وبأي شكل من الأشكال. كما تطلب المذكرة عدم استخدام تعبيري “الاستعمار” و”الاستعماريين” في أي إشارة إلى إسرائيل وإسرائيليين.

وتمنع الوثيقة الإشارة إلى فلسطين باستخدام هذا التعبير، بل استخدام “الضفة الغربية” أو “غزة” أو “الأراضي الفلسطينية” في حالة الإشارة إلى الاثنين معاً. كما تمنع الوثيقة الإشارة إلى أعضاء حركة “حماس” كناشطين، معتبرةً أنها منظمة إرهابية بحسب القوانين الأوروبية.

——————–

التظاهر على الحدود..كبديل للحرب/ ساطع نور الدين

حتى ولو كانت مجرد إستعراض، لا بأس من التظاهرات التي تنظم على الحدود اللبنانية الجنوبية مقابل مواقع العدو الاسرائيلي. هي أهم بلا شك من السير في شوارع بيروت أو صيدا أو طرابلس.. وهي أفضل طبعاً من فتح جبهة قتال في الجنوب، لا تخدم الفلسطينيين ولا تخفف من وطأة الحملة العسكرية الاسرائيلية الوحشية التي يتعرضون لها.

وحتى ولو كان الأمر مجرد مهربٍ من أزمات الداخل اللبناني، لا ضرر من أن تتحول المسيرات إلى مهرجان مفتوح تشارك به مختلف الأحزاب اللبنانية من دون إستثناء، بغض النظر عن صلتها بفلسطين وموقفها من قضيتها، وتتسابق لتحجز دورها في الوقوف قرب المواقع الاسرائيلية، وإلقاء الخطابات وإطلاق الشعارات والتلويح بالاعلام.. ولإحياء الذكرى ال73 للنكبة، التي كانت شبه منسية من الجمهور اللبناني. 

العيب الوحيد في تلك التظاهرات، هي أنها تذكر بمسيرات العودة التي نظمها النظام السوري وحلفاؤه على حدود الجنوب والجولان، قبل عشر سنوات، والتي كان المطلوب أن يسقط ضحايا من المشاركين فيها، يعيدون إنتاج صلة مفتعلة، بل مغرضة، بالقضية الفلسطينية، والتمهيد لتظهير قيادات فلسطينية جديدة في لبنان وسوريا.. فضلا عن أنها، في الجوهر، كانت رسالة التحذير الاولى التي وجهها نظام الرئيس السوري بشار الاسد الى إسرائيل، من مخاطر سقوطه نتيجة الثورة السورية التي كانت قد دخلت شهرها الثالث.    

تجديد الصلة بفلسطين، او بالاحرى تحديث الوعي الفلسطيني في الخطاب السياسي اللبناني، واجب اليوم وكل يوم، بإعتبار أن الفلسطينيين يقاومون اليوم، ويدفعون ثمناً باهظاً، دفاعاً عن أنفسهم أولا، وعن العرب جميعاً، بلا أي مبالغة، من التوسع الاسرائيلي الذي يتجاوز الارض الفلسطينية، والذي تجلى أخيراً بسقوط دول خليجية بحكامها وشعوبها أمام العدو… وبإعتبار أن تلك المقاومة الفلسطينية هي، بالتعريف المبسط، أحد عناصر قوة الدفاع عن الكيان اللبناني، الذي تعرض، في تاريخه، لجميع أنواع الخطر الاسرائيلي، العسكري منها والأمني والسياسي، أكثر من أي بلد عربي آخر.

من دون تلك المقاومة التي تستبسل اليوم في الداخل الفلسطيني، يمكن ان يتجدد ذلك الخطر، وتتزايد الاختراقات الاسرائيلية للبنان، من الحدود وصولا الى العاصمة بيروت، لتثير، كما هي العادة، الخلاف اللبناني القديم حول القضية الفلسطينية ومسؤولياتها وأعبائها، وحول الموقف من العدو الاسرائيلي وخلفياته السياسية ومعاييره الاخلاقية.

ولعل التضامن والتفاعل مع ما يجري في فلسطين اليوم، يكون فرصة لطي صفحة الماضي اللبناني الاليم، الذي كان اللجؤ ثم السلاح الفلسطيني من أسبابه الرئيسية، ولفتح نقاش لبناني جديد يبنى على الحاجة الى المصالحة مع ذلك الماضي، ويتطلع الى إكتساب المزيد من اللبنانيين في صف الدفاع عن القضية الفلسطينية، والمواجهة مع العدو الاسرائيلي.. أو على الاقل للتفاهم على مخاطر التسامح مع فكرة التطبيع مع ذلك العدو، التي تسللت في الاونة الاخيرة الى أذهان بعض اللبنانيين.  

هي مسألة عسيرة طبعا، لكنها مسؤولية الجمهور اللبناني المنتصر اليوم لفلسطين، ألا يستفز ولا يزايد وألا يتسبب بأي إنقسام.. حتى على سلاح حزب الله، الذي تحرمه التظاهرات الحدودية، كما تجرده إنتفاضة الداخل الفلسطيني، من فرصة ان يظل عنواناً رئيسياً للانقسام الوطني، وتضعه في مكانه الخاص، الذي لا يستدرج الحرب مع إسرائيل ولا ينخرط بها، والذي يصبح بالفعل خياراً وطنياً، يندرج يوماً ما في الاستراتيجية الدفاعية، ويخرج من كونه سلاحاً إيرانياً يستخدم في سوريا واليمن والعراق وفي المفاوضات النووية مع أميركا.

ما جرى على الحدود الجنوبية، بمبادرة أولية من الحزب نفسه شجعت الجميع على التوجه جنوباً، حسمت، بما لا يدع مجالا للشك، أن الحزب لن يتورط في الحرب الدائرة في الداخل الفلسطيني، وسيحصر دوره في حماية ورعاية المتظاهرين اللبنانيين والفلسطينيين. وهو ما قابلته إسرائيل بعدم استخدام العنف المفرط، أو بارتكاب مجزرة شبيهة بتلك التي نفذتها بحق المشاركين في مسيرات العودة في منتصف أيار العام 2011.

لدى لبنان الكثير مما يقوله ويفعله من أجل فلسطين، وشعبها، وهو بذلك يحمي نفسه، وشعبه من الخطر الاسرائيلي.

——————————

دافيد غروسمان.. هي أسوأ الحروب

ظللت أبحث عن آراء الأدباء والكُتّاب الإسرائيليّين والمؤثّرين ثقافيّا في المشهد الإسرائيلي، فوقعتُ صدفةً على مقابلةٍ أُجريت مع الرّوائي والأدبي الإسرائيلي: دافيد غروسمان في Repubblica الإيطالية، وسأستعرض جملة من آرائه حول الصراع الحالي بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الشهيرة بـ”حماس”.

‏بدايةً فإن غروسمان يصف الوضع الحالي بأنه خطير للغاية. فعندما نتحدث عن عرب إسرائيل، فإنّنا نتحدث عن خُمس سكّان إسرائيل. ثمة من يتمتع بحقوقه على الورق، لكنه في الواقع، يجد نفسه محرومًا من أشياء كثيرة. هناك قانون يجعل إسرائيل موطنًا قوميّا لليهود، والعرب مواطنين من الدرجة الثانية! ‏ويضيف الكاتب الإسرائيلي: يبدو لي، كما لو أنّنا نبذل قصارى جهدنا لاستفزاز الفلسطينيّين وإظهار مدى تفوّق قوتنا عليهم، ومدى ضعفهم أمامنا. إنه عنف فظيع، يكسرُ أيّ فكرة عن التعايش، الخيط الرفيع الذي نشأ على مر السّنين، مما أشعرنا بحلمٍ بسيط، قوامه العيش مع الفلسطينيين، جنبًا إلى جنب. ‏الإسرائيليّون والفلسطينيّون لا يدّخرون جهدًا في تجييش وتهييج المشاعر العنيفة والمتطرفة. إنهم يتغذون على بعضهم البعض: يبحثون عن صراع؛ ليستعمل كشماعة شرعية لإذكاء مواقفهم المتطرفة. وسأل: كيف ستنتهي هذه الأزمة برأيك؟ أجاب بمرارة: ستنتهي بالتّعب، كما العادة. سيموت الكثير من الطرفين!

ما الذي يخشاه غروسمان؟ يجيب: على علم بأنّنا إذا فشلنا في الوصول إلى حالة يشعر فيها المجتمعان بأنّهما في وطنهما، على حدّ سواء، ويمكنهما الشّعور حقيقة بأّن لهما الحقوق والواجبات ذاتها، فإنّنا سنخسر أنفسنا معًا؛ لأنّ ثمّة توازناً هشّاً وخطيراً للغاية داخل المجتمع الإسرائيلي. وكيف ذلك؟! ‏إذا شعرت الأقليّة العربيّة الإسرائيليّة بالأمن، ولم تتعرض الغالبيّة اليهوديّة للتهديد، فسنكون أمام فرصة لإمكانيّة خلق شيء له قيمة وسنحدّ من نزعة العنف، الموجودة لدى الطرفين. هذا ما أتأمّله، وهذا هو حلمي، مع أنّ أكبر مخاوفي اليوم هو أن ينهار هذا الحلم والأمل. ‏إذا لم يكن للفلسطينيّين وطن، فلن يكون للإسرائيليّين وطن أيضاً. عندما تحتلّ وتضطهد إسرائيلُ، أمةً أخرى، ولمدة 51 عامًا، وتؤسّس فصلاً عنصريّا في الأراضي المحتلة، فإنّ حلم بناء الوطن سيتلاشى. يختم الكاتب قوله: أبلغ من العمر 67 عاماً وقد مررت بالعديد من الأحداث السيئة، إن هذه الحرب في نظري، هي أسوأ الحروب التي مرّت في تاريخ المنطقة. ما زلنا ندور في حلقةٍ مفرغة لا نعلم متى نخرج منها..

(*) مدونة نشرها المترجم العراقي منعم الفقير في صفحته الفايسبوكية.

—————————–

هذه فلسطين، فأين نحن؟/ محمد صبحي

“لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، مثل أي دولة أخرى”. لازمة يكرّرها رؤساء دول وحكومات غربية كحقيقة أو كبديهية أساسية، متناسين ومتغافلين عن الحقائق الأصلية والشواهد الواقعية التي تدحض كل السرديات الإسرائيلية والناطقين باسمها والمدافعين عنها. فلا ميزان قوى متعادلاً بين طرفي “الصراع”، والصراع من أساسه لا يمكن الحديث عنه طالما تعلَّق الأمر بمقاومة قوة استعمارية توسّعية لا تعرف أخلاقاً ولا تحفظ عهوداً ولا تكفّ عن قلب الحقائق ولوم الضحايا كشريعة أساسية لوجودها وتبرير أفعالها الإجرامية وإضفاء الشرعية على إجراءاتها الانتقامية.

الحاصل الآن، أن نتنياهو يريد تلقين “حماس”، وبالتالي كل الفلسطينيين، درساً، وأن يخرج فائزاً من المعركة، لحسابات سياسية وعقائدية وشخصية. يتاجر اليميني الصهيوني بالتصعيد جارّاً وراءه مجتمعاً إسرائيلياً لهاوية جنون. في ذلك، تشبه إسرائيل كثيراً من أنظمة حكم عربية أدمنت الكذب والتضليل وغسيل الدماغ لتبرير سحق معارضيها واستفرادها بالسلطة ومراكمة ضحاياها وتصدير نفسها كخيار وحيد مضمون لإدامة “الاستقرار” والأمن. وهذا التصعيد، على أثمانه الباهظة من أرواح وحياوات، جيّد، من وجهة نظر مَن يقف على أرض أصحاب الحق/الضحايا/المغلوبين على أمرهم، إذ يكشف المجرمين على حقيقتهم ويذكّر المتخاذلين بهوانهم. ثم إن الفلسطينيين، ليس لديهم ما يخسرونه أكثر مما راح بالفعل.

الأرض التاريخية ذهبت في 1948، ثم قُضمت أرض أخرى في 1967، واستفحلت الجراح من بعدها فلم يعد ممكناً مداواتها كلها، في ظل مناخ إقليمي تشيع فيه أسباب الفرقة أكثر من الاجتماع، في مقابل عدو يعرف ما يريده جيداً ويصرّ عليه بلا توانٍ ولا كلل. نَفَسَهم طويل، وجراب ألاعيبهم لا يخلو، فيما “العرب” ينهشهم التناحر ويضعفهم الانقسام وييئسّهم فساد حُكَّامهم. وهذا يقود إلى جذور الشرّ، أي ارتباط القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال بتحرير الشعوب العربية من دائرة القهر “الوطني” والتفقير والتيئيس. ليست المسألة “صراعاً” بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو حرباً بين “حماس” والدولة الصهيونية، بل جوهر الأمر كله هو احتلال أرض وتهجير سكّانها الأصليين والإصرار على إبادتهم لإكمال حلم توراتي مجنون بالسيطرة على كامل أرض فلسطين. هذه بديهيات وفاتحة أي حديث.

لا مجال لأي حديث كاذب عن “ديموقراطية” إسرائيل وضرب المثل بها وسط غابة من “جيرانها” العرب الهَمَج، ولا بالطبع عن “علمانيتها” التي تكذّبها عقيدة متطرّفيها وساستها الذين أعلنوا يهودية الدولة. هذا نبت شيطاني خرج في لحظة ضعف كاملة، ورعته أيدي المذنبين والباحثين عن تكفير خطاياهم، ثم اشتد عوده فتبجّح ونشط في فعل ما يعرفه: الاستيطان والتهجير والقتل. السيء في الأمر أن نحتاج بعد كل هذه السنين، بمجازرها ومذابحها الإسرائيلية وضحاياها وشهدائها العرب، للتذكير بالبديهي والأصلي لمن يعتبرون أنفسهم عرباً أو يرون فيها ممكنات قيادة عربية، من الصاخبين في ضلالهم وتهافتهم للنوم في أحضان العدو والتحدث بلسانه والتفكير بمنطقه. هم أيضاً نبت شيطاني، بلا أصلٍ ثابت أو مبدأ إنساني، لا يعرفون ولا يفهمون إلا لغة الأرقام والمصالح ولا يقيمون وزناً للأخلاقي والإنساني.

لكن هذا حالنا، وحال العالم الذي نعيش فيه. البلدان العربية جميعها تعاني أزمات سياسية وإجتماعية وثقافية واقتصادية خانقة لا يمكن معها التعويل كثيراً على مبادرة أو فعل شعبي، والتجربة الوطنية/القومية فشلت فشلاً ذريعاً وأضحت رهينة الخضوع للهيمنة الأجنبية، بصور شتّى وسافرة. حالة تشبه كثيراً الحالة العربية في مطلع القرن العشرين، زمن الاغتصاب الأول، حيث التيه والتخلُّف والتبعية والانكسار والفساد المؤسسي ورعاية مصالح النخب الحاكمة. لحظة الوعد التي جاءت بها انتفاضات ربيع 2011، والأمل بأوطان محترمة ولائقة تسود فيها الديمقراطية والكرامة والعدالة؛ لم تعش طويلاً وأجهضها أعداء الحرية، من المُطبّعين والمعتدلين والممانعين على السواء. وهذا يقول شيئاً عن الترافق البديهي بين تحرير فلسطين وتحرير بلدان العرب من مغتصبيها “الوطنيين”. بهذا المعنى، فلسطين هي وعدنا جميعاً بالحرية وبالعيش الكريم وإنهاء الاستعمار فعلياً.

الآن لحظة مهمة، وفاتحة طريق يمكن البناء عليها كي يمتلك الفلسطينيون (في كامل فلسطين) صوتهم سياسياً، من دون انتظار مَن يتعطّف عليهم بتسوية جديدة تُغتصب فيها حقوق أكثر. ومن النافل القول بأن هذا أصبح ممكناً بالسبيل الوحيد الذي تفهمه إسرائيل: القوة والمقاومة. كل نقد “عقلاني” للمقاومة الآن، لا محلّ له، ومشبوه. التفاوض لا يجدي نفعاً إذا لم تؤيده قوة، وما التاريخ الطويل للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية إلا كشف حساب حزين للتنازلات والخسائر من جانب أصحاب الأرض. الآن، بإثبات المقاومة الفلسطينية لقوّتها وتطوّرها، رغم الحصار الشامل لغزة، يبدأ كلام جديد وتنشأ أرض جديدة للتفاوض، بالتوازي طبعاً مع الحراك السياسي اللازم والمتمثّل في استعادة الفلسطينيين لفلسطينيتهم، تنظيمياً وسياسياً، لاستكمال معركة طويلة وشاقة لاسترداد الحق بمواجهة عدو يعرف تماماً أهمية النَفَس الطويل.

————————

غزة:لا تهدئة..لأن واشنطن تتحدث بصوت خافت مع إسرائيل

انتهت جلسة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية الأحد، التي خصصت لبحث التطورات الأمنية المتصاعدة في قطاع غزة والضفة الغربية.

وأفادت مصادر مطلعة على الاجتماع الذي عقد في مقر قيادة الأركان في تل أبيب، بأنه “لم يتم بحث وقف العملية العسكرية في غزة، ولا يوجد على جدول الأعمال اقتراحٌ لهدنة طويلة الأمد” “. وأوضحت مصادر إسرائيلية أن جهات دبلوماسية، وبينها الولايات المتحدة تلوح بضرورة إنهاء العملية العسكرية مع غزة، أو على الأقل بدء التحضير لإنهائها.

وتلقى أعضاء المجلس إيجازاً حول الوضع الأمني في داخل البلاد، وعلى الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، بعد أن شهد الأسبوع الماضي، إطلاق صواريخ ومحاولات لاختراق السياج الأمني قرب بلدة المطلة.

وقبل عقد الكابينت، قال مسؤولون في المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي إنه يتعين على إسرائيل أن تبدأ اليوم بالتقدم نحو إنهاء العدوان على غزة والشروع في اتصالات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار “إثر الإنجازات في القتال حتى الآن”.

ونقل موقع “يديعوت أحرونوت” الإلكتروني عن مصدر إسرائيلي قوله إنه “لا ضغوط أميركية تُمارس على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار”، وإنه “لا توجد حتى الآن اقتراحات عينية من أجل وقف إطلاق النار، وتوجد محادثات بصوت خافت فقط”.

والتقى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الأحد، مبعوث الرئيس الأميركي هادي عمرو لبحث التصعيد في غزة والأوضاع في الضفة الغربية وسبل خفض التوتر بغية التوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة.

وسيلتقي يلتقي وزير الخارجية الإسرائيلية غابي أشكنازي، بالمبعوث الأميركي في وقت لاحق اليوم. وقال مسؤولون إسرائيليون كبار إن “الأميركيين مهتمون برؤية بدء محادثات وقف إطلاق النار نحو نهاية تدريجية للحملة العسكرية وعودة الهدوء”.

وتشير توقعات الخارجية الإسرائيلية إلى أنه خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، اليوم، ستدعو 14 دولة من بين 15 إلى إنهاء العدوان على غزة، وأنه يتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة موقفا “أكثر اعتدالاً، ولكن ستواجه صعوبة في أن تقف وحدها مقابل باقي المجتمع الدولي”.

يأتي ذلك فيما أكد الجيش الإسرائيلي أن الدولة العبرية تتعرض حالياً لهجمات صاروخية غير مسبوقة من حيث وتيرتها من قطاع غزة.

وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أوفير جندلمان في تغريدة، إن حركة حماس أطلقت منذ بداية التصعيد العسكري الحالي حول غزة 2900 صاروخ على أراضي إسرائيل سقطت 450 منها داخل حدود القطاع.

وأشار المتحدث إلى أن الجيش الإسرائيلي اعترض ليل السبت/الأحد، رشقة جديدة من الصواريخ أطلقت من غزة على تل أبيب.

وظهر الأحد، أعلنت كتائب القسام إطلاق رشقات صاروخية كبيرة على مناطق أسدود وعسقلان وبئر السبع وسديروت، وقاعدة “رعيم” وقاعدة التنصت “8200”.

وأشارت إلى أن ذلك يأتي “رداً على المجزرة البشعة بحق الأطفال والنساء والمدنيين في مدينة غزة، بعد أن ارتفع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 181.

وفي وقت سابق الاثنين، أعلنت كتائب القسام عن إطلاقها رشقات جديدة من الصواريخ على مستوطنتي نتيفوت وياد مردخاي وقاعدتي حتسور الجوية وتسيلم البرية في جنوب إسرائيل. وذكر الجناح العسكري لحركة “حماس” على قناته في “تليغرام” أن هذه الهجمات الجديدة تأتي “رداً على استهداف العدو للمدنيين الآمنين”.

كما أعلنت “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي” الأحد، عن شنها هجوماً جديداً على مستوطنة نير اسحاق وموقع نحال العوز في جنوب إسرائيل.

—————————

اسرائيل تنكشف أمام الاعلام العالمي

انكشفت النوايا الاسرائيلية التدميرية ضد الفلسطينيين ومن يحاول نقل الحقائق في الصحافة العالمية، لجهة قتل المدنيين والاعتداءات المستمرة على الفلسطينيين، والتي وصلت الى الاعتداء على الصحافة العالمية.

وشككت رابطة الصحافيين الأجانب، وهي تضم الصحافيين الأجانب في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، في التزام إسرائيل بحرية الصحافة، وذلك بعد استهدافها لمبنى يضم مكاتب إعلامية في قطاع غزة.

وقالت الرابطة، في بيان اليوم الأحد، إن قرار استهداف المبنى خلال القتال الدائر حاليا بين إسرائيل وحماس “يثير تساؤلات مقلقة للغاية بشأن استعداد إسرائيل للتدخل في حرية الصحافة”.

والسبت شنّ سلاح الجوّ الإسرائيلي ضربة على مبنى في برج الجلاء في مدينة غزّة الذي يضمّ مكاتب لوسائل إعلام من بينها خصوصاً قناة الجزيرة القطرية ووكالة أسوشييتد برس الأميركية، بعد أن أبلغ شاغليه بوجوب إخلائه على الفور، في غارة سوّت المبنى المؤلّف من 13 طابقاً بالأرض. وبرر الجيش الإسرائيلي الهجوم على برج الجلاء بالقول إنه “قاعدة عمليات مهمة للاستخبارات العسكرية لحماس”.

لكن الرابطة التي تضم 480 عضواً، قالت إن “إسرائيل لم تقدم أي دليل يدعم مزاعمها بأن المبنى كان يُستخدم من جانب حماس”. وقالت الرابطة إنها طلبت عقد اجتماع مع مسؤولين إسرائيليين حول الحادثة.

وأسفر الهجوم الجوي الإسرائيلي أمس عن تدمير مكاتب وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية ومحطة “الجزيرة” وغيرهما.

وقال وزير الخارجية الكندي مارك غارنو في تغريدة على تويتر إنّ أوتاوا “تتابع ببالغ القلق الوضع في إسرائيل والضفّة الغربية وغزّة” و”تحثّ جميع الأطراف على اتّخاذ خطوات فورية لإنهاء العنف وتخفيف حدّة التوتّرات وحماية جميع المدنيين واللاجئين والصحافيين والإعلاميين”.

وأكد موقف كندا على الأهمية الأساسية لحماية الصحافيين، مشدّداً على وجوب أن يكون الصحافيون “أحراراً في القيام بعملهم. يجب ضمان سلامتهم وأمنهم دائماً”.

————————-

العارضة الفلسطينية بيلا حديد تعطي مظاهرات اميركا زخماً

أعطت مشاركة عارضة الازياء العالمية من اصل فلسطيني بيلا حديد، التحركات التضامنية مع فلسطين في الولايات المتحدة، زخماً، وتضدرت يوم الاحد قائمة التغريد في “تويتر”.

وكانت بيلا انضمت الى المتظاهرين الذين خرجوا إلى شوارع باي ريدج، بمدينة بروكلين، في مظاهرة دعما لفلسطين، وكانت ترتدي قناع وجه وكوفية ورابطة للرأس بألوان الشال الفلسطيني الشهيرة باللونين الأبيض والأسود، وتلوح بعلم فلسطيني كبير.

ونشرت بيلا مجموعة صور وفيديوهات من مشاركتها بالمظاهرات عبر حسابها بموقع “انستغرام”، وعبرت عن سعادتها أن تكون “بين العدد الكبير من الفلسطينيين الجميلين، والأذكياء، والمحترمين، والمحبين، واللطفاء”. وقالت: “أشعر بالراحة.. نحن سلالة نادرة..

فلسطين حرة”.

    Bella Hadid joined a crowd of protesters in Brooklyn for a demonstration in support of Palestine pic.twitter.com/3OpGXIvw30

    — models daily (@supermodeldaiIy) May 16, 2021

وبيلا، هي إيزابيلا خير حديد من مواليد 9 تشرين الاول/أكتوبر 1996، وتعتبر من أشهر العارضات في الولايات المتحدة والعالم مع شقيقتها جيجي.

ولدت إيزابيلا في لوس أنجلس، والدها مطور العقارات محمد حديد، ووالدتها العارضة السابقة  الهولندية يولاند حديد فان دن هيريك.

    BELLA HADID PROTESTING FOR #FreePalaestine #GazaUnderAttak #IsraelTerrorism pic.twitter.com/hwdNJIueSM

    — SAVE PALESTINE (@Muntaha_huxxain) May 16, 2021

في خريف عام 2014، انتقلت حديد إلى مدينة نيويورك وبدأت تدرس التصوير في مدرسة بارسونز للتصميم، وذلك بعد توقيعها مع “آي إم جي مودلز” بفترة وجيزة. تركت حديد المدرسة بسبب نجاح مهنتها كعارضة أزياء، ولكنها أعربت عن رغبتها في العودة إلى المدرسة لتأخذ تصوير الأزياء كمهنة بمجرد أن تنتهي من مهنتها في عرض الأزياء. كما أعربت أيضا عن رغبتها في التمثيل.

    Bella Hadid semakin berani! pic.twitter.com/iEOc3DStb0

    — Tok Ketua 🅙 (@TweetAtok) May 16, 2021

إلى ذلك، عبر الملياردير الأميركي من أصل فلسطيني محمد حديد، والد بيلا وجيجي وأنور، عن حزنه الشديد لما يحدث في وطنه فلسطين بعد تطورات الأحداث الأخيرة في الاراضي المحتلة والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين، حيث نشر صورة له وهو يبكي عبر حسابه بموقع “انستغرام”، مصحوبة بتعليق: “على كل إنسان أن يحزن ويبكي من آلام الفلسطينيين”. وتابع في منشور آخر: “لا ينبغي السماح لأحد بمحو العرق.. لا يمكنك أن تغمض عينيك”.

—————————

العارضة الفلسطينية بيلا حديد تعطي مظاهرات اميركا زخماً

 أعطت مشاركة عارضة الازياء العالمية من اصل فلسطيني بيلا حديد، التحركات التضامنية مع فلسطين في الولايات المتحدة، زخماً، وتضدرت يوم الاحد قائمة التغريد في “تويتر”.

وكانت بيلا انضمت الى المتظاهرين الذين خرجوا إلى شوارع باي ريدج، بمدينة بروكلين، في مظاهرة دعما لفلسطين، وكانت ترتدي قناع وجه وكوفية ورابطة للرأس بألوان الشال الفلسطيني الشهيرة باللونين الأبيض والأسود، وتلوح بعلم فلسطيني كبير.

ونشرت بيلا مجموعة صور وفيديوهات من مشاركتها بالمظاهرات عبر حسابها بموقع “انستغرام”، وعبرت عن سعادتها أن تكون “بين العدد الكبير من الفلسطينيين الجميلين، والأذكياء، والمحترمين، والمحبين، واللطفاء”. وقالت: “أشعر بالراحة.. نحن سلالة نادرة..

فلسطين حرة”.

    Bella Hadid joined a crowd of protesters in Brooklyn for a demonstration in support of Palestine pic.twitter.com/3OpGXIvw30

    — models daily (@supermodeldaiIy) May 16, 2021

وبيلا، هي إيزابيلا خير حديد من مواليد 9 تشرين الاول/أكتوبر 1996، وتعتبر من أشهر العارضات في الولايات المتحدة والعالم مع شقيقتها جيجي.

ولدت إيزابيلا في لوس أنجلس، والدها مطور العقارات محمد حديد، ووالدتها العارضة السابقة  الهولندية يولاند حديد فان دن هيريك.

    BELLA HADID PROTESTING FOR #FreePalaestine #GazaUnderAttak #IsraelTerrorism pic.twitter.com/hwdNJIueSM

    — SAVE PALESTINE (@Muntaha_huxxain) May 16, 2021

في خريف عام 2014، انتقلت حديد إلى مدينة نيويورك وبدأت تدرس التصوير في مدرسة بارسونز للتصميم، وذلك بعد توقيعها مع “آي إم جي مودلز” بفترة وجيزة. تركت حديد المدرسة بسبب نجاح مهنتها كعارضة أزياء، ولكنها أعربت عن رغبتها في العودة إلى المدرسة لتأخذ تصوير الأزياء كمهنة بمجرد أن تنتهي من مهنتها في عرض الأزياء. كما أعربت أيضا عن رغبتها في التمثيل.

    Bella Hadid semakin berani! pic.twitter.com/iEOc3DStb0

    — Tok Ketua 🅙 (@TweetAtok) May 16, 2021

إلى ذلك، عبر الملياردير الأميركي من أصل فلسطيني محمد حديد، والد بيلا وجيجي وأنور، عن حزنه الشديد لما يحدث في وطنه فلسطين بعد تطورات الأحداث الأخيرة في الاراضي المحتلة والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين، حيث نشر صورة له وهو يبكي عبر حسابه بموقع “انستغرام”، مصحوبة بتعليق: “على كل إنسان أن يحزن ويبكي من آلام الفلسطينيين”. وتابع في منشور آخر: “لا ينبغي السماح لأحد بمحو العرق.. لا يمكنك أن تغمض عينيك”.

—————————

إسرائيل تدمر مساكن الغزيين…محاولة لحسم المعركة قبيل الانتخابات؟/ محمود زغبر

“هذا مجرد جزء من ضريبة البقاء على أرضنا… ومقاومة الاحتلال، شعبنا يحب الحياة، لكنه لا يخشى الموت حفاظاً على حقوقه بالحرية والاستقلال والدولة المستقلة”.

“ستبدأ الحرب المقبلة من حيث انتهت الحرب الأخيرة”. 

هذه السردية يعرفها سكان غزة جيداً لفرط ما تركه هول مشهد تدمير البنايات الشهيرة في المدينة، إذ انتهت أيام الاعتداء الإسرائيلي على القطاع عام 2014، بمشاهد تدمير بعض الأبراج السكنية بعد 51 يوماً من اندلاع المواجهة بين الفصائل الفلسطينية في القطاع والقوات الإسرائيلية، وهي مشاهد تجاوزت التدمير الفيزيائي لبيوت الغزيين، لتشمل الذكريات والعلامات الفارقة في حياة الناس اليومية.

تعبير “المواجهة” لوصف ما يحصل لا يقدّم رواية منصفة؛ فما يحدث في غزة الآن ليس تصادماً مرناً لكتلٍ متساوية، إذ لجأت إسرائيل خلال أيام قليلة من القصف المتواصل إلى نسف معالم المعمار البارزة في المدينة، وهو تكتيك ترك ندباً عميقة على وجه المدينة، تقتبسه من عدوانها على ضاحية بيروت الجنوبية في تموز/ يوليو 2006: استهداف الأبراج السكنية وإحالتها إلى طبقات من الركام، بُعيد إعطاء مهلة زمنية لتفريغها من سكانها أقصاها ساعة، كوسيلة ضغط ترتكز على تكبيد أقصى قدر من الخسائر المادية والضرر في البنى التحتية للضغط على الفصائل الفلسطينية، التي ترد بتكثيف رشقاتها الصاروخية تجاه تل أبيب.

تضم العشرات من الوحدات السكنية المأهولة، مكاتب لمؤسسات إعلامية عالمية، عيادات طبية ومرافق أخرى: برج هنادي، برج الجوهرة، برج الشروق، الجلاء، الأندلس، وغيرها من البنايات المدنية، التي يمكن أن تأوي الواحدة منها أكثر من 50 أسرة!

“تم استهداف محيط منزلي بنحو 35 صاروخاً، لم نر أي عمل أو مقاومة مسلحة، منطقة مدنية بالكامل مُنيت وأهلها بخسائرٍ مادية ومعنوية، تلك هي محاولة إسرائيل لطرد المواطنين وبث الذعر في نفوسهم”، يؤكد جميل سرحان نائب مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لقطاع غزة لـ”درج”، تعقيباً على القصف الإسرائيلي على منازل مدنيين فلسطينيين، وخصوصاً في المنطقة المحيطة بسكنه، ويُضيف: “هذا مجرد جزء من ضريبة البقاء على أرضنا… ومقاومة الاحتلال، شعبنا يحب الحياة، لكنه لا يخشى الموت حفاظاً على حقوقه بالحرية والاستقلال والدولة المستقلة”.

“إسرائيل لا تراعي أي ضرورة عسكرية في عملياتها، ما هو الضرر الذي يمكن أن تشكله أبراج سكنية يقطن فيها مئات المواطنين؟ ذلك ما يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان بكل المعايير، في حين لم تتم محاسبة قوات جيشها أو اتخاذ إجراء قانوني بحق المسؤولين، ما يدفعها إلى تكرار جرائمها مرة تلو الأخرى”.

“لاحظنا خلال متابعة الوقائع في قطاع غزة أن إسرائيل تستخدم القوة المفرطة والتي تشكل في حقيقتها جريمة حرب، إذ يتم استهداف المدنيين من دون أي اعتبار لكونهم مدنيين، من خلال إطلاق القذائف والقصف بكثافة بهدف التسبب بحالة من الذعر المطلق”، يقول سرحان، مُضيفاً: “كررت إسرائيل استهداف المدنيين والأعيان المدنية خلال ثلاث حروب سابقة بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا والإصابات بالعجز الدائم، ويأتي ذلك في سياق إجراءات إسرائيلية لم تجد أي محاسبة أو عقاب على تلك الجرائم”.

لماذا الأبراج؟

تسعى إسرائيل إلى تثبيت معادلة جديدة في حربها ضد الفصائل الفلسطينية، توضحها المتخصصة في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي سارة الشلقاني، إذ تقول إن “الرسالة الإسرائيلية التي تضمنها استهداف الأبراج السكنية والمناطق المأهولة في السكان، هي أن الاحتلال قادر على الوصول إلى أي منطقة في غزة، وما من خطوط حمر أمام آلة التدمير الإسرائيلية”.

ويعتمد قطاع الإسكان في فلسطين على البناء الذاتي بالدرجة الأولى، وفقاً لبيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، والتي اتبعت منهجية الأمم المتحدة لتقدير الاحتياجات السكنية في دول العالم الثالث، فنسبة المساكن اللازمة في قطاع غزة بحلول عام 2030 بلغت 438231، تضاف إلى هذه التقديرات نسبة العجز المتراكم حتى عام 2019، إذ قدر بنحو 120 ألف مسكن.

وترى الشلقاني أن الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية والمدنيين داخل غزة، يأتي لإحداث دمار هائل يعيق تطوير الفصائل الفلسطينية قدراتها مستقبلاً، وذلك بإغراقها في أزمات التدمير والحاجة إلى إعادة الإعمار ووجود أزمة بطالة في القطاع، نتيجة قصف أماكن عمل المدنيين ومنازلهم، وإضعاف مستوى الخدمات الصحية لتراكم الأزمات.

وتشير إلى أن “تل أبيب تستطيع استخدام الدمار في الظهور كأنها منتصرة، وتمكنت من إحداث ضرر كبير وضخم داخل غزة التي أغرقتها بالصواريخ، وأدخلت حوالى 7 ملايين مستوطن إلى الملاجئ”.

وتركز تل أبيب على استهداف المدنيين، فهي بالفعل تمتلك بنك أهداف مدني تدمره في محاولة لترويج أن الفصائل الفلسطينية، بخاصة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، تتخذ المدنيين دروعاً بشرية، وزعم أنها غير معنية بقتل الأطفال والنساء، وارتكابها مذابح ضد عشرات العائلات داخل القطاع.

وعلى رغم وحشية إسرائيل في قصفها منازل المدنيين، إلا أن ذلك سيسبب لها حرجاً دولياً كبيراً، وكذلك قصف الأبراج السكنية، بخاصة برج الجلاء الذي كان يضم مكاتب لقنوات وصحف عالمية، ما يؤدي إلى ضغط أكبر عليها لوقف النار. وكانت “أسوشييتد برس” أعربت عن صدمتها من قيام الجيش الإسرائيلي بقصف مبنى مكتبها وقمع محاولات بث ما يحدث من بشاعة داخل القطاع.

رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موقف صعب سياسياً، بخاصة أنه يقترب من الدخول في انتخابات خامسة وشعبيته الآن أقل من أي وقت مضى، ولذلك يريد تحقيق أي موقف يحسب له ويساهم في استمرار كرئيس للوزراء، نتانياهو في ازمة كبيرة، فتل أبيب وهي العاصمة أصبحت غير بعيدة من صواريخ غزة، وليس ذلك فقط، وتعرضت لأضرار للمرة الأولى ودخل مستوطنوها الملاجئ، إذ أصبحوا تحت تهديد مباشر كما في مستوطنات الجنوب.

ويركز الجيش الإسرائيلي على استخدام سلاح الطيران في تصعيده الحالي ضد غزة، نظراً إلى أنه يمنحه أفضلية عسكرية، فالفصائل لا تمتلك القدرة على اعتراض الطائرات التي تخترق أجواء غزة، كما أن الطائرات تمثل تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من قصف أهداف بعينها وبدقة واسعة.

وكان مركز الميزان لحقوق الإنسان، كشف في ورقة حقائق أصدرها أن أزمة السكن في قطاع غزة تتفاقم في ظل الأزمات التي تعصف بالقطاع جراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، بينما تفاقمت مشكلة الفقر لتصل إلى 53 في المئة، ومشكلة البطالة التي بلغت 52 في المئة، مع استمرار استهداف المساكن، والقيود المفروضة على إعادة الإعمار.

وبيّن المركز أن سلوك القوات الإسرائيلية المنظم المنظم، سواء في تدمير المساكن وتهجير سكانها أو في عرقلة إعادة البناء، يُعد انتهاكات خطيرة للحق في السكن، والحق في الرفاه والصحّة، والحياة الكريمة، كما يشكل انتهاكاً جسيماً ومنظماً لمبادئ القانون الدولي الإنساني ولاسيما مبدأي الضرورة العسكرية والتناسب والتمييز.

تدرك تل أبيب جيداً أن الدخول برياً في غزة يعد انتحاراً، يمكن أن يفكر الجيش الإسرائيلي في عمليات صغيرة سريعة مثل عملية خان يونس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بحسب الشلقاني، ولكن الدخول برياً سيكبده خسائر كثيرة، “إضافة إلى أن ذلك يعني أن جيش الاحتلال إذا ما دخل فهو لا محالة يرتكب مجازر لن يتحمل هو نفسه عواقبها، ومن ثم فهو يتجنب ذلك الخيار تماماً ويمثل خيار القصف الجوي له سلاحاً استراتيجياً ونوعياً”.

الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب يرى أن لجوء إسرائيل إلى سياسة قصف الأبراج جاء بعد فشل قوات الجيش في حسم المعركة في غزة، حيث تركزت ضربات الفصائل الفلسطينية الصاروخية على العمق الإسرائيلي وألحقت أضراراً بشرية ومادية، ما أدخل إسرائيل في أزمة حقيقة، أظهرت عجزها عن التعامل مع الفصائل الفلسطينية.

وقال الغريب لـ”درج”، إن الجيش الإسرائيلي بعدما فشل في التعامل مع استراتيجية الفصائل في غزة، يريد فرض معادلة ردع جديدة مع غزة، بهدف الضغط على المدنيين وتجريد المقاومة من أي مطالب يمكن الحديث عنها في إطار تدخل الوسطاء لاستعادة الهدوء في المنطقة، أي وقف إطلاق النار مقابل الهدوء من الطرفين.

درج

———————-

 “إنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر/ هالة العبداللة

 وعيت مع الكثير من أفراد جيلي مبكراً أن القضية الفلسطينية التي كنا نؤمن بها ليست نفس القضية الفلسطينية التي يدّعي تبنيها وحمايتها النظام السوري ومن لفّ لفّه.  فهي كانت لنا قضية حق شعب بتقرير مصيره وبالحرية والعدالة وكانت للنظام مجرد ورقة شدة يلعب بها حين اللزوم دفاعاً عن كرسي السلطة داخلياً ضد شعبه وخارجياً للحفاظ على دور ما في لعبة الأمم.

مع وعينا لهذا كنا نفهم أكثر و أكثر ويوماً بعد يوم كم هو معقد الوضع الفلسطيني وكم هناك من الانتهازية ومن الفساد ومن النفاق ومن الجهل في صفوف الممانعين ومن يدّعي ظاهرياً دعمه للقضية وكم هناك من الاستبداد و العنف واللاعدالة والظلم المستنفر والجاهز دوماً لدى الآلة العسكرية للكيان الصهيوني لقمع الشعب الفلسطيني المحتل في أي مكان وفي أي ظرف. وكذلك فيما يتعلق بالعنف فإن الأنظمة الحاكمة و”الممانعة” في المنطقة لم تقصّر بواجبها منذ مجازر أيلول الأسود في الأردن وحتى استشهاد مئات الفلسطينيين في أقبية التعذيب عند النظام السوري وصولاً لقصف مخيم اليرموك بالطيران وحصاره وتدميره وتهجير سكانه…

نعِي كل هذا ونحاول التصدي له، كل حسب امكانياته، بأن تبقى القضية الفلسطينية هي قضية شعب وحق وعدالة وحرية واستقلال.

مع الوقت ازداد تعقد المشهد الفلسطيني اذ بدأت تأخد ورقة الشدة للممانعة أشكالا جديدة وبدأ يرتفع مستوى الجهل والعماء أكثر وأكثر ممتداً الى نشطاء المجتمع المدني وحتى الثوار منهم والمناضلين في كل الدول المحيطة بسوريا وبما فيها فلسطين. نجح للأسف النظام السوري ومعه حزب الله بتعبئة وتعمية البعض في المغرب والمشرق ليحملوا معهما علم الممانعة الخلبي مدّعين أن تحرير القدس هو همهم الكبير الأول. وكان لهذا دور مرير وقاسي في عزلة الثورة السورية ويتمها…

اليوم في عيد النكبة

أذكر كيف اختلفنا مع بعضنا في باريس عدة مرات في أن نشارك في الاعتصام أم لا مع الفلسطينيين والفرنسيين الداعمين للقضية الفلسطينية وكنت أنا مع المشاركة لأنني لا أعتبر أن رفض منظمي الاعتصام لوجودنا لأننا من الثورة السورية، سوف يبعدني عن مساندتي لفلسطين في يوم النكبة. وبعناد ذهبت في المرة الأولى مع مجموعة صغيرة وكان التجمع في ساحة السان ميشيل ولا أنسى كيف تم التعامل معنا كوباء يجب طرده بأسرع ما يمكن من الساحة …كنت أبكي وأدير ظهري وأبتعد وأنا أقول لنفسي :  أنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.

في ذكرى أخرى ليوم النكبة بعد قصف مخيم اليرموك بالطيران الحربي…قلت لنفسي هذه السنة أصبح المشهد جلياً حتى للأعمى بأننا ضد النظام السوري الذي يقصف ويقتل الفلسطينين وهو لا ولم يحمهم يوماً. ووصلت مع بعض الأصدقاء الى منطقة الاوبرا حيث كان تجمع الفلسطينيين والفرنسيين المتضامنين مع ذكرى النكبة وطُرِدنا بعنف أكثر واحتقار أشد وابتعدت وأنا أبكي وأقول لنفسي : أنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.

أذكر أيضاً كيف في مظاهرة أول أيار في عيد العمال كنا نعتبر أن مكاننا الطبيعي هو مع موكب كل ثورات المنطقة وانضممنا اليهم بشكل بديهي ووضعنا علم الثورة السورية في الكميون المرافق لهذا الموكب وفجأة رأيت هذا العلم يقذف من الكميون الى الأرض ليدعس عليه المناضلون الممانعون الأشاوس وهم يتهموننا بأننا صهاينة وعملاء لأننا ضد النظام السوري وضد حزب الله محرري القدس وحماة الفلسطينين. وللأسف لا أذكر شكل التونسي عضو الجبهة الشعبية الذي أمسكت به من قميصه وقلت له أنظر جيداً في عيوني هل أنا صهيونية يا غبي ؟ فضربني بشدة ليتخلص من يدي وركض هارباً…كنت أبكي وأقول لنفسي : أنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.

اليوم تشتعل دماء الثورة في قلوبنا من جديد مع انتفاضة الفلسطينيين، نحن السوريين الذين ما زلنا نحمل فلسطين في قلوبنا. كما اشتعلت قلوبنا يوم ثورة الجزائريين الذين كان أغلبيتهم ضد الثورة السورية وكما اشتعلت قلوبنا يوم ثورة اللبنانيين الذين كان الكثير منهم أيضاً غير مؤمن بثورتنا.

وأخيراً، إن قلبي ينصت لكل صرخة شعب مضطهد ومظلوم ولا يمكن أن أعطي عمري لمقاومة الاستبداد في بلادي ولا أساند أي شعب يناضل من أجل حقوقه وحريته. ولهذا سأنهي كلامي بالقول أنه من ناحية أخرى أيضاً فمن ساند ثورة الشعب السوري ويرفض اليوم مساندة الانتفاضة الفلسطينية فهو ليس الّا شكل جديد من أشكال الممانعة في الزيف والانتهازية.

وإنني مع القضية الفلسطينية وأفتخر.”

#FreePalestine

#EndOccupation

#NoJusticeNoPeace

———————–

الاحتلال ينقل الأسير مروان البرغوثي إلى عزل “أيلون” بعد رسالته للفلسطينيين

نقلت إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي القيادي بحركة “فتح” وعضو لجنتها المركزية الأسير مروان البرغوثي من سجن عزل “هداريم” إلى سجن عزل “أيلون”، بعد رسالة وجهها للفلسطينيين.

وأفاد نادي الأسير الفلسطيني في بيان مقتضب، اليوم الثلاثاء، بـ”أن إدارة سجون الاحتلال نقلت الأسير القائد مروان البرغوثي إلى سجن عزل (أيلون)، بعد رسالة وجهها إلى أبناء شعبه بالتصدي للاحتلال والانخراط في المقاومة”.

وكان البرغوثي قد وجّه رسالة، وفق ما نشرها مكتبه يوم السبت الماضي، يدعو فيها إلى الالتفاف حول المقاومة والتمسك بالوحدة، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني “يعيد العلاقة مع الاستعمار إلى وضعها الطبيعي ومربعها الأول، فهي علاقة مقاومة ورفض واشتباك ومقاطعة وليست علاقة تعايش ومساومة ومهادنة ولا يمكن أن تكون كذلك”.

وقال البرغوثي في رسالته: “إننا نعيش مرحلة مصيرية لمستقبل قضيتنا ونضالنا، وقد أعلن شعبنا العظيم في كل أماكن تواجده أن بوصلته ووجهته كانت وستبقى دوماً مدينة القدس، تاج الأمة وقلبها النابض والعاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني، فلا تردد بالموقف عندما تنتهك حرمات المسجد الأقصى ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية وعندما يحاصر أهلنا المقدسيون ويُشرع في تهجيرهم من بيوتهم وأحيائهم ومدينتهم ومحاولة الاستفراد بأهلنا في حي الشيخ جراح”.

وتابع في رسالته “المقدسيون هم حراس المدينة وخط الدفاع الأول عن الأمة، ولا تباين بالمواقف عندما يتجه الاستعمار الصهيوني المجرم لتنفيذ مخططات القتل والتهجير لأبناء شعبنا في الأراضي المحتلة عام 48 الذين صنعوا ملحمة الوحدة والانتماء ووقفوا بكل كبرياء ووعي وثقافة وطنية أمام نظام القمع والتمييز والعنصرية”.

ودعا البرغوثي إلى “اتخاذ خطوات فورية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وضمان انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي إليها، وتتويج هذه المرحلة المشرقة من النضال الفلسطيني بالشراكة الكاملة في القرار والميدان، وأن تكون منظمة التحرير بيت الكل الفلسطيني للحفاظ على وحدة المصير والأرض والشعب والقضية”.

وأكد في ذكرى النكبة الثالثة والسبعين أن “حلم العودة بات أقرب من أي وقت مضى، وسيتحقق بإذن الله مهما بلغت التضحيات والمعاناة”، مشدداً على “اأننا نشدّ على أيدي المقاومة بكل مكوناتها وقواها وتجلياتها، ونؤكد أن حركة فتح حامية المشروع الوطني ومفجرة الثورة الفلسطينية المعاصرة لن تكون إلا في مقدمة الصفوف للدفاع عن شعبها”.

ودعا الأسير الفلسطيني “أبناء حركة فتح الأوفياء إلى صيانة الوحدة الوطنية ومنع الالتفاف على وحدة الشعب الفلسطيني التي تحققت في الميدان، مشيراً إلى أن “نهج فتح هو وحدة الشعب والأرض والمصير والمقاومة والشراكة في القرار والميدان على أرضية التمسك بثوابت الشعب الفلسطيني ومصالحة العليا وحقوقه الشرعية غير الخاضعة للمساوم”.

وتوجه البرغوثي بالتحية إلى كل شعوب أمتنا العربية والإسلامية والأحرار في العالم الذين بادروا إلى الوقوف إلى جانب شعبنا ومساندته والتضامن معه بمختلف الأشكال والأساليب المتاحة، مثمناً “الدور والجهود التي تقوم بها جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية ودولة قطر لوقف العدوان الوحشي”.

الجدير ذكره أن الأسير مروان البرغوثي من بلدة كوبر قرب رام الله والبيرة، ومعتقل منذ 15 إبريل/ نيسان 2002، ويُعتبر أول نائب فلسطيني، وأول عضو من اللجنة المركزية لحركة “فتح” تعتقله سلطات الاحتلال، وتحكم عليه بالسجن خمس مؤبدات و40 عاماً.

العربي الجديد

———————-

فلسطينيو الداخل يلتزمون بـ”إضراب الكرامة” الشامل/ ناهد درباس

تشهد البلدات العربية في الداخل الفلسطيني، اليوم الثلاثاء، إضراباً عاماً تنديداً بممارسات الاحتلال الإسرائيلي واحتجاجاً على العدوان والمجازر التي يرتكبها جيشه في قطاع غزة والقدس المحتلة، وكذا استفزازات المستوطنين والمتطرفين في مدن الساحل.

وقامت لجان شعبية محلية بوضع حواجز عند مداخل ومخارج البلدات العربية، فيما بدت الشوارع فارغة من المارة والمحلات مغلقة، في وقت أعلنت فيه الحركة الوطنية واللجان الشعبية الالتزام بالإضراب.

ودعت لجنة المتابعة العليا إلى الالتزام بالمشاركة في الإضراب، وفق بيان سابق لها جاء فيه: “إضراب في جميع المرافق باستثناء التعليم الخاص، رداً على العدوان الإسرائيلي على شعبنا، في قطاع غزة، والقدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، ورداً على العدوان على جماهيرنا، ودس عصابات الإرهاب الاستيطانية لضربنا، وحملة الاعتقالات المهووسة التي تشنها الأجهزة المخابراتية والبوليسية ضد الناشطين، والإسراع في تقديم لوائح اتهام”.

كما دعت لجنة المتابعة “لوقف الحرب الدموية على قطاع غزة، والعدوان المستمر على مدينة القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وسحب كافة العصابات الاستيطانية وقوات القمع من جميع مدننا وقرانا، بما فيها مدن الساحل”، والوقوف “إلى جانب مئات المعتقلين في المعتقلات البوليسية وتلك التابعة لجهاز الشاباك، وتدعو لإطلاق سراحهم فورا، ووقف كافة المحاكمات”.

في غضون ذلك، ذكرت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية في الداخل الفلسطيني، في بيان لها، أنّ الإضراب يأتي “في ظلّ الظروف والتطوّرات والمستجدات والأحداث المتصاعدة، رفضاً وتنديداً بالعدوان على شعبنا عموماً في كل أماكن تواجده، ودِفاعاً عن جماهيرنا وبلداتنا وأحيائنا وعن وجودنا وبقائنا ومستقبلنا وتطورنا في وطننا”، مضيفة أنه “تعبير احتجاجي جماعي وِحدوي شرعي وطبيعي، في مواجهة أحداث وتحدّيات تواجهنا وتهدّدنا جميعاً ومعاً بدون استثناء”.

وقالت اللجنة: “وحدتنا والتزامنا وإرادتنا، الفردية والجماعية، في هكذا ظروف وتحديات مركبة، هي السبيل الوحيد والأنجع لمواجهة وتجاوز جميع التهديدات والتحديات، بكل كبرياء وكرامة وشموخ”.

كما أعلنت اللجنة القطرية لأولياء أمور الطلاب العرب دعمها للإضراب عبر بيان جاء فيه: “نمر بظروف غير اعتيادية، أزمة تهدد أمن وأمان مجتمعنا وطلابنا بشكل عام وطلابنا في المدن المختلطة بشكل خاص. لجنة أولياء أمور الطلاب القطرية ما هي إلا جزء لا يتجزأ من جماهيرنا في الداخل وعليه فإننا ندعم وبقوة مطالبة جماهيرنا بالحصول على كامل حقوقنا المشروعة في جميع المجالات والمرافق المختلفة من أجل العيش بكرامة وأمن وأمان”.

وينتظر أن تقام على هامش الإضراب نشاطات وفعاليات لتعزيز الهوية تهم رسم جدارية فلسطينية ونشاطات أخرى في كل من حيفا والناصرة وأم الفحم، على أن تنطلق عدة مظاهرات في ساعات المساء.

———————–

إضراب شامل في القدس والضفة احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي/ محمود السعدى

يعم الإضراب الشامل، اليوم الثلاثاء، كافة محافظات الضفة الغربية بما فيها القدس، ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، حيث شل الإضراب كافة مناحي الحياة، وسط استعدادات للانطلاق بمسيرات غاضبة نحو نقاط التماس مع الاحتلال، تزامنًا مع إضراب شامل في كافة أنحاء فلسطين التاريخية.

وأكد منسق القوى الوطنية والإسلامية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الإضراب شامل ويهم كافة مناحي الحياة بما فيها المؤسسات المدنية والتعليمية والجامعات والمحال التجارية.

وأشار أبو يوسف إلى أن “الفعاليات ستنطلق ظهر اليوم من مراكز المدن باتجاه نقاط التماس مع الاحتلال، وأن الفعاليات متواصلة على نقاط التماس ضد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني”، معلناً أنّ يوم الجمعة المقبل “سيكون يوم غضب شعبي في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وشدد أبو يوسف على أنّ الإضراب اليوم، “يشكل حالة إجماع ووحدة لدى كل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، الأمر الذي يشكل وحدة موقف ووحدة وطنية لدى جميع الفلسطينيين”.

وعم الإضراب الشامل منذ ساعات الصباح الأولى مدينة القدس وجميع بلداتها وقراها تنديداً بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فيما ينتظر أن تشهد المدينة ومحافظتها ثلاثة فعاليات مركزية تتضمن مسيرات حاشدة ووقفات احتجاجية أولاها ستبدأ عند الساعة الواحدة بمسيرة حاشدة ستنطلق من مركز بلدة بدو شمال غربي القدس.

كما ستنظم عند الساعة الثالثة وقفة ثانية في منطقة باب العامود، تليها وقفة ثالثة في حي الشيخ جراح دعماً وتضامناً مع العائلات المهددة بالإخلاء من منازلها في الحي، في وقت تغلق فيه قوات الاحتلال منذ الصباح المدخل الرئيس للحي وتمنع غير أهاليه من دخوله.

وكانت القوى الوطنية والإسلامية دعت إلى الإضراب الشامل في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مخيمات اللجوء والشتات، اليوم الثلاثاء، مطالبة بالمشاركة الواسعة في الفعاليات الوطنية والجماهيرية انطلاقاً من مراكز المدن والقرى والمخيمات إلى مناطق التماس مع الاحتلال عند الساعة الواحدة ظهراً، لتجسيد الوحدة الوطنية وتحت علم فلسطين، والتأكيد على دعوة لجنة المتابعة العليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 بالإضراب الشامل.

كما دعت القوى إلى التصدي للمستوطنين واعتداءاتهم الإجرامية المتواصلة بحماية جيش الاحتلال وما يتطلبه من سرعة إنجاز لجان الحماية والحراسة للقرى والبلدات التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين والتصدي لهم.

وفي الوقت الذي دعت فيه إلى التكاتف لوقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني، شددت القوى على ضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وفرض مقاطعة شاملة على الاحتلال ومحاكمته على هذه الجرائم التي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

في غضون ذلك، أعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، الإضراب الشامل بكافة مدارس ومقار الوزارة ومديرياتها، ودعا المعلمين والعاملين للمشاركة الفاعلة في التظاهرات التي ستعم فلسطين، كما أعلن اتحاد نقابات أساتذة وموظفي الجامعات الفلسطينية الإضراب الشامل، في كافة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، والانخراط والمشاركة في الفعاليات الوطنية النضالية لدعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي.

كذلك، قررت الحكومة الفلسطينية مشاركة موظفي القطاع العام في الإضراب، باستثناء وزارة الصحة والهيئات المحلية والمؤسسات الخدماتية التي ستعمل بنظام حالة الطوارئ لمواصلة تقديم خدماتها للمواطنين.

من جانبها، أعلنت اللجنة العليا لقطاع النقل العام، عن الإضراب الشامل لجميع مركبات النقل العام، بينما أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية أن طاقمها القانوني سيعلق أعماله أمام محكمتي “عوفر” و”سالم” الإسرائيليتين اليوم الثلاثاء، استجابة لنداء الإضراب العام والشامل.

كما أعلن أسرى حركة “فتح” في سجن عسقلان الإضراب الشامل والاستنفار، داعين الشعب الفلسطيني لتصعيد المواجهة الشاملة في وجه الاحتلال.

——————————-

غوغل” تواصل التعتيم على خريطة غزة

تظهر الكثير من صور الأقمار الاصطناعية للأراضي الفلسطينية على خرائط برنامج Google Earth منخفضة الدقة، على الرغم من توافر صور عالية الجودة من شركات الأقمار الاصطناعية.

وبالكاد يمكن رؤية السيارات في قطاع غزة، بينما حتى في بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية، يمكن رؤية السيارات بشكل واضح، ومن الممكن التعرف إلى الأفراد.

واستخدام صور الأقمار الصناعية حيوي خلال تغطية العدوان الإسرائيلي على القطاع، لكن “غوغل إيرث”، منصة الصور الأكثر استخداماً، تعرض صوراً تعود لعام 2016 وبجودة سيئة جداً.

وغالباً ما تقول “غوغل” إنّ هدفها هو “الحفاظ على تحديث الأماكن المكتظة بالسكان بشكل منتظم”، لكن هذا لم يكن هو الحال في غزة.

قانون قديم يحمي إسرائيل

كانت الحكومة الأميركية تفرض قيوداً على جودة صور الأقمار الاصطناعية لفلسطين المحلتة والضفة الغربية وغزة. وفُرض هذا التقييد عبر تشريع أميركي يعود تاريخه إلى عام 1997، يحمل اسم تعديل كيل بنغامان، وأٌقرّ بناءً على المخاوف الأمنية الإسرائيلية.

ومنذ عام 1997، أدى التعديل إلى الحد من توافر صور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة فوق الأراضي المحتلة وفلسطين.

وعلى الرغم من أن هذا القانون ينطبق فقط على الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن تأثيره عالمي، لأن هذا البلد كان يهيمن على سوق صور الأقمار الاصطناعية.

ومنذ عام 2012، باتت شركات الأقمار الاصطناعية غير الأميركية، التي تستخدم تقنيات متطورة بشكل متزايد، تبيع صوراً عالية الدقة من إسرائيل وفلسطين.

سوشيال ميديا

اللغة العربية تتحدى الحجب ضدّ المنشورات عن فلسطين

“غوغل” مصرة على التعتيم رغم سقوط القانون

في يوليو/ تموز 2020، أسقط  هذا القانون، والآن تسمح حكومة الولايات المتحدة للشركات الأميركية بتقديم صور عالية الجودة للمنطقة.

لكن رغم إسقاط القانون، لا تزال الصور ضبابية في أبرز تطبيقات صور الأقمار الاصطناعية، “غوغل” و”آبل”.

وتقول شركة “آبل” إنها تعمل على تحديث خرائطها قريباً إلى دقة أعلى تبلغ 40 سنتمتراً.

ونقلت هيئة البث البريطانية “بي بي سي”، الاثنين، عن “غوغل” قولها إنّ صورها تأتي من أطراف خارجية، وهي تنظر في “فرص تحديث صور الأقمار الاصطناعية الخاصة بها عندما تصبح الصور عالية الدقة متاحة”، ومع ذلك قالت إنها “ليس لديها خطط تتحدث عنها في الوقت الحالي”.

بدائل من “غوغل إيرث”… لكن

يوفر المختبران الكبيران، “ماكسار” و”بلانيت لابس”، الآن صوراً عالية الدقة لإسرائيل وغزة.

وقالت “ماكسار”، في بيان، إنه “نتيجة للتغييرات الأخيرة في اللوائح الأميركية، يجري توفير صور إسرائيل وغزة بدقة 0.4 متر (40 سنتمتراً)”.

كذلك أكدت شركة  “بلانيت لابس”، لـ”بي بي سي”، أنها توفر صوراً بدقة 50 سنتمتراً.

ومع ذلك، يعتمد المحققون مفتوحو المصدر كثيراً على برنامج الخرائط المجاني، ولا يتمتعون في كثير من الأحيان بوصول مباشر إلى هذه الصور عالية الدقة.

————————

خطاب المقاومة الفلسطينية: حرب نفسية وتهديدات تليها أفعال/ يوسف أبو وطفة

تشهد الجولة الحالية من العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، تطوراً ملحوظاً في خطاب المقاومة الفلسطينية العسكري الموجه للإسرائيليين والجبهة الداخلية الفلسطينية في آن واحد، بشكل مختلف عن سابقه من الجولات والحروب التي تعرض لها القطاع. وبرزت ملامح هذا الخطاب منذ التهديد الأول الذي منحت بموجبه المقاومة الاحتلال مهلة زمنية للانسحاب من المسجد الأقصى ووقف تهويد حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وذلك في اليوم الأول للتصعيد في 10 مايو/أيار الحالي، قبل أن تبدأ “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، بإطلاق رشقاتها الصاروخية تجاه القدس المحتلة وتل أبيب بعد انتهاء المهلة.

وعاد المتحدث باسم “كتائب القسام”، أبو عبيدة، لممارسة الضغط الإعلامي على الإسرائيليين عبر ظهور تلفزيوني مباشر أعلن خلاله عن توجيه ضربة صاروخية لمطار “رامون” في جنوب فلسطين المحتلة، بصاروخ يُكشف عنه للمرة الأولى حمل اسم “عياش 250”. ثمّ تكرر الأمر ذاته بصيغة ورسالة مختلفة، حينما خرج أبو عبيدة ليدعو الإسرائيليين “للوقوف على رجل واحدة في تل أبيب وضواحيها”، رداً على استهداف المدنيين، قبل أن يعود ويعلن يوم السبت الماضي عن “رفع حظر التجوال عن تل أبيب ومحيطها لمدة ساعتين؛ من الساعة العاشرة حتى الثانية عشرة ليلاً، وبعد ذلك يعودوا للوقوف على رجل واحدة”.

ولم يتوقف الخطاب عند هذا الحد، إذ عاد أبو عبيدة للظهور المباشر برسالة عبر قناة “الأقصى”، موجهاً بإطلاق عشرات الصواريخ تجاه تل أبيب ومدن الوسط الفلسطيني المحتل عام 1948 ومدينة أسدود، التي تبعد عن القطاع مسافة 40 كيلومتراً.

ويبرز في هذه الجولة اسم القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، من خلال ترديد اسمه كثيراً في الإعلانات والبيانات التي يلقيها الناطق باسم الذراع العسكرية لـ”حماس”، أو حتى في الرسائل التي تُبث إلى الفلسطينيين المنتفضين في القدس والضفة الغربية والداخل المحتل.

فلسطينياً، فقد شكلت هذه اللغة الإعلامية العسكرية بالنسبة للفلسطينيين مشهداً غير مسبوق وغير معتاد على صعيد التهديد بالفعل العسكري ثمّ التنفيذ، فضلاً عن الإشادة بحجم التطور الحاصل في مختلف القدرات الخاصة بالمقاومة والتي لا تقتصر على قوتها العسكرية، بل خططها المختلفة، بما في ذلك الخطاب الإعلامي.

في السياق، يقول حيدر المصدر، وهو مختص في الشأن الدعائي، إن “المختلف في لغة الخطاب هو أنها ترتكز على قوة عسكرية أكبر من تلك التي كانت موجودة في حرب عام 2014″، مشيراً إلى أنّ “الخطاب الحالي للمقاومة عموماً، وللقسام خصوصاً، يتمتع بالثقة والهدوء، مقارنة بجولات التصعيد السابقة، التي كان فيها الخطاب يجاري الأحداث”.

ويوضح المصدر، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “الخطاب الخاص بالمقاومة يحمل أكثر من رسالة تأثير؛ فهناك رسائل التهديد الموجهة ضد الاحتلال والتي تهدف للتأثير عليه وضرب جبهته الداخلية والروح المعنوية لديه، وهناك رسائل موجهة للمجتمع المحلي من أجل تعزيز الروح المعنوية للفلسطينيين وزيادة حالة الصمود”.

ولا يرى المصدر، وجود اختلاف في الخطاب العسكري الحالي للقسام والمقاومة، إنما هو “امتداد للخطاب السابق، مع وجود سياق مختلف للأحداث، يتمثّل في حضور الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وكذلك الضفة والقدس المحتلتين في المعركة”. وبحسب المصدر، فإنّ الخطاب الإعلامي لقوى المقاومة خلال الجولة الحالية بمواجهة العدوان الإسرائيلي “منضبط ويرافقه فعل عسكري، وهو يحاول أن يؤثر في مجريات الأحداث، عبر توجيه الضغط وتركيزه إعلامياً من أجل تحقيق الأهداف التي حددتها القيادة العسكرية منذ بداية الجولة”.

وبات خروج المتحدثين العسكريين باسم قوى المقاومة في غزة محط اهتمام ومتابعة من قبل المجتمع المحلي وحتى الإسرائيلي، لا سيما أبو عبيدة الذي برز كثيراً في أعقاب الحرب على قطاع غزة عام 2014، عبر بيانات عسكرية ظلت حاضرة حتى الجولة الحالية.

من جهته، يرى رئيس تحرير وكالة الصحافة الفلسطينية “صفا”، ياسر أبو هين، أنّ “المقاومة في غزة، وتحديداً كتائب القسام، لم تراكم القدرات العسكرية فقط منذ نهاية حرب 2014، إذ يتضح من مجريات الأحداث وجود مراكمة لخبرات وإدارة العمل الإعلامي”. ويشير أبو هين، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “هناك مخاطبة للجمهور الإسرائيلي ومحاولة للعب على وتر التناقضات الإسرائيلية، عبر تكتيكات تنتهجها المقاومة تهدف إلى إهانة المنظومة العسكرية والأمنية والإعلامية للاحتلال، كما تكرر في إعلانات وخطابات الجولة الحالية”.

ويرى رئيس تحرير وكالة “صفا”، أنّه “بات واضحاً مدى تطور الخطاب الإعلامي للمقاومة الفلسطينية، وأنّ إدارته لا تتم بشكل عشوائي وعفوي، إنما بشكل مدروس ومخطط لتحقيق التناغم بين الأداء العسكري والأداء الإعلامي في الميدان كما يجري حالياً”. ويشير أبو هين إلى أنّ “المقاومة كانت في السابق تركز على عنصر المفاجأة والذهول من خلال تنفيذ عمليات نوعية عدة مفاجئة للاحتلال كما جرى عام 2014، لكن في هذه الجولة، هناك سير بخطين متوازيين عبر التصعيد العسكري والعمل في مجال الحرب النفسية والدعاية المضادة”.

————————-

رسالة من سوري إلى فلسطيني/ عمر قدور

أما بعد…

اسمحْ لي بمخاطبتك كشقيق، لا كشقيق أيديولوجي في قومية أو دين، بل بموجب القرابة التي تجمع الضحايا، وبموجب القرابة التي تجمع جلاديهم في حالتنا. قد نتبادل المواقع أحياناً، فأنت أكبر مني باثنين وعشرين عاماً بمقياس الاحتلاليْن إذا اعتمدنا انقلاب الأسد، وأكبر مني بخمسة عشر عاماً إذا اعتمدنا للتأريخ انقلابَ البعث. نظرياً، أنا أكبر منك بذلك “الاستقلال” الشكلي القريب من عمر احتلال فلسطين، ولعلك منذ اتفاقيات أوسلو صرت تعرف معنى أن يكون الاستقلال شكلياً، وأن تكون السلطة “وطنيةً”!

ربما في أثناء هذه السطور ستقول لنفسك: كان يمكن تأجيل هذه الرسالة إلى وقت لاحق، تكون الظروف فيه أهدأ وأنسب. لكن، كما تعلم، في ذلك الوقت اللاحق سيكون الجميع قد ملّوا من سيرة فلسطين والفلسطينيين، ويريدون الانصراف إلى شؤونهم كما اعتادوا، بما في ذلك تزجية أوقات الفراغ بطريقة أخرى، وبمن فيهم أنت وأنا، أنت الذي تكون قد مللت الكلام وعاينت أثره، وأنا الذي سيخجل من إضافة كلام فات وقته، إذا كان له سابقاً من مبرر.

لا أقصد بالعبارة السابقة القول أن ما تراه الآن من تعاطف حارٍ مزيّف، ففي ظني أنه حقيقي بنسبة معتبرة منه. وهو حقيقي بقدر ما هو عابر أو مؤقت، فبعد قليل ينكفئ أصحابه وقد رأوه عاجزاً عن إيقاف آلة القتل الإسرائيلية، وما كان صادماً في البداية سيصبح اعتيادياً مع استمراره. ربما تكون قد تابعت العالم يعبّر عن صدمته عندما كان بشار يقتل عدداً قليلاً من السوريين يومياً، ثم صمت العالم بينما كانت أعداد القتلى ترتفع، وبينما كان الخبر السوري يتراجع في نشرات الأخبار. لنقل أن هذا من طبيعة الأمور، ولنقبلْ به كما هو مؤقتاً.

ثمة تنويه آخر: لا أود حشر معاناة السوريين إلى جانب معاناتك الآن، إلا بقدر ما تسعفني كي أوضح لك أنني أقدّر ما أنت فيه. فإذا كنتَ في غزة، أعرف جيداً ما يعنيه البقاء تحت القصف لمدة أسبوع، أعرف جيداً تكتيك الغارات المستمرة، الحقيقية والوهمية، وبفارق زمني محسوب بين الطائرات والصواريخ غايته إبقاء أعصابك مشدودة طوال الوقت. هناك ما هو مدروس جيداً وتطبقه القوات الإسرائيلية “كما كانت تفعل قوات الأسد”، فأنت ممنوع من الاسترخاء وممنوع من رفاهية النوم، وعليك البقاء لحظة بلحظة مع تلك القذائف والصواريخ التي لم يسقط أحدها عليك بعد.

تحت القصف، من حسن حظك ألا تكون متزوجاً ولديك طفل، فأنت في غنى عن الرعب الذي ستراه في عينيه، وفي غنى عن التعاطف الشخصي الذي قد تناله فيما لو قُتل وبقيت حياً. على أية حال، إذا نجوتَ فسيكون هناك من يتغنّى بصمودك، نيابة عنك ومن دون سؤالك عن رأيك، وقد ترى في ذلك لطفاً وتعويضاً عن مآسي الليالي المعتمة تحت القصف. ربما تكون قد عبرت البرزخ اللاإنساني من قبل، في هجوم إسرائيلي سابق، وعشت الترجمة التفصيلية لقطع الكهرباء والماء والاتصالات والأنترنت، وتبعاته لحظة بلحظة، بما يجعل النجاة “بطولة” لا يتمنى صاحبها تكرارها.

لكن هذه المعركة ستتوقف كما في كل مرة، من دون وعد بألا تُستأنف عند الحاجة. وإذا بقيتَ حياً كما آمل فسوف تشهد تلك الجدالات التي تعقب المعارك عادة، الذين يتقاسمون أهازيج المقاومة سينقسمون، منهم مَن سيتغنى بالنصر مشيحاً عن الخسائر الباهظة، ومنهم مَن سيتبرأ من المعركة محمَّلاً الطرف الأول خسائرها. سيعود أيضاً ذلك الجدال والاختلاف حول النضال السلمي والعسكري، ولا تُستبعد عودته بذاته تماماً، وبطريقة تدفعك حتماً إلى الكفر بأحدهما، وتدفعنا جميعاً إلى الكفر بالاثنين إذا لا بد منهما على هذه الشاكلة.

اسمحْ لي بهذا التشاؤم؛ ستنتصر إسرائيل في الجولة الحالية بقدرتها على التدمير، وبعدم استعدادها لتقديم تنازلات. علينا ألا ننسى كونها محمية بحلف واسع جداً، الجديد الظاهر فيه آخرُ المطبِّعين معها، ببذاءتهم وابتذالهم اللذين يذكّران بالصورة الشائعة عن محدثي النعمة. أما الممانعون فهم، كما تعلم، ينظرون إلى إسرائيل كقضية وجود، بمعنى أنهم باقون ما بقيت، ومهما بلغوا من السفاهة يبقى قائماً حرصُهم على عدم التفريط في هذا “العدو” الحميم. انظرْ جيداً إلى رهط المنتفعين من وجود إسرائيل، سترى معي “بعد ظهور فوائدها لهم” أنها لو لم توجد لاخترعوها.

لا تصدَّق مواقف الحكومات الأوروبية “المتقدمة تجاهك” في مجلس الأمن أو في بياناتها الإعلامية المنمقة، ففي العقل السياسي السائد أوروبياً ما يزال مقيماً ذلك الغيتو الملازم لعقدة الذنب تجاه اليهود من دون تغيير في أساسه، إنه يعمل هكذا: نضعك في الغيتو عندما نضطهدك، ثم نضعك في الغيتو الأكبر المسمى دولة يهودية بزعم حمايتك. تستطيع في العديد من المدن الأوروبية رؤية عساكر مدججين بالسلاح يحرسون منشآت يهودية، مدارس أو حضانات أو كنس أو أبنية سكنية، بذريعة التصدي للإرهاب وفي تمييز يُراد فهمه إيجابياً لكنه في العمق توريث للغيتو؛ لك أن تتخيل ذلك الطفل اليهودي الذي يعي العالم من وراء بندقية أو رشاش. هي آلة التوريث نفسها تشتغل بسعي اليمين الإسرائيلي إلى محاصرة الفلسطينيين في معازل ضمن أراضي1948، وإلى مسخ حل الدولتين بالغيتو الإسرائيلي الأكبر، وإلى جواره مجموعة متناثرة من الغيتوهات الفلسطينية الصغيرة. مع الإرث المستمر للغيتو، لا داعي لاستيراد تعبير نظام الفصل العنصري. تعلم أفضل مني أن ما يهم قوى عديدة في حل الدولتين تشريعه الكلام عن طرفين، فلا قوة احتلال ولا ضحية وجلاد. ما يهم هي المفاوضات، ولتستمر إلى ما لا نهاية، وليفرض فيها الأقوى مشيئته.

رغم كل ما سبق، ثمة أمل حقيقي، أمل لك ولاحقاً لفلسطيني القرن الحالي من السوريين. لندعْ جانباً تلك الشعارات عن بطولات المقهورين التي تهزم أعتى القوى بقوة الحق، ولندعْ جانباً تلك الشعارات التي تنادي بانتصار “تفاؤل الإرادة” على “تشاؤم العقل”. خارج العنتريات يميناً ويساراً، يثبت التعاطف الحالي مع القضية الفلسطينية أن تراكم المقاومة لا يذهب سدى، وربما كان أهم ما فيه مجيئه غير محمول بالضرورة على أيديولوجيا ما، فالتعاطف الأوروبي والغربي عموماً يأتي من أجيال لم تمارس أو تشهد العنصرية أو المحرقة إزاء اليهود ولا تدين لإسرائيل بعقدة ذنب، والتعاطف العربي لم يأت فقط كما كان تقليدياً محمولاً على أيديولوجيا قومية أو إسلامية، بل أتى أيضاً من وعي مفارق لهما. ثمة أمل من عودة القضية الفلسطينية في فلسطين أولاً، ومن تقدمها لدى الرأي العام خارجاً؛ هذه مساحة لتفاؤل العقل تستحق ألا تُهدَر بسواد الإرادات وفسادها.

المدن

——————

حرب المدن الإسرائيلية/ بسام مقداد

” ما يثير القلق لدينا أكثر مما تثيره الصواريخ من غزة، هي أعمال الشغب والاضطرابات في شوارع المدن الإسرائيلية المختلطة بين اليهود والعرب، وفي الحواضر العربية في إسرائيل” ــــــــ هذا ما رآه صحافي إسرائيلي في مقابلة مع الموقع الإخبار الأوكراني المستقل “ynian”. وقال الصحافي بأن الإسرئيليين لم يتوقعوا مثل هذه “الفورة من الكراهية والزعرنة ورمي السيارات والسكان الآمنيين بالحجارة”. ويقول بأن الإسرائيليين يدركون بأن الأمر إشارة إلى أن المجتمع مريض، وأن على الإسرائيليين أن يبحثوا عن علاج لهذه المشاكل .

الملحق العسكري الإسرائيلي السابق في عدد من بلدان أوروبا الشرقية الكولونيل دافيد مزراحي كان أكثر تفصيلاً في الحديث عن حرب المدن الإسرائيلية بين العرب واليهود. قال في مقابلة مع الموقع الأذري المستقل المتخصص في الدفاع عن حقوق الإنسان “Haqqin.az” في 16 من الجاري، بأنه لو قيل له قبل أسبوع بأن الإسرائيليين سوف يتعرضون للقصف، لما “كنت دهشت كثيراً”. لكن لو قيل له بأن سكان اسرائيل، “الذين يعيشون في وئام منذ عشرات السنين” ينتفضون ضد بعضهم البعض، ما كان ليصدق .

وقال الكولونيل بأن العمليات العسكرية بين حماس والجيش الإسرائيلي ستتوقف قريباً. لكن بموازاة هذه العمليات يتكشف صراع أكثر جدية. وسائل الإعلام تركز على صواريخ حماس، لكن الخطر الرئيسي “ينتظرنا في الشوارع”. فمنذ أن بدأ تبادل القصف مع حماس وهو يترقب الشارع أكثر من السماء “أتفحص الأرصفة أمامي حين أسير بالسيارة”. فالتناقض الحالي بين الإسرائيليين العرب واليهود “جدي للغاية”، وهو”صدمة” للإسرائيليين، كما لو كان البولونيون يشتبكون يومياً مع الأوكران الذين يعيشون سوية معهم، او كما لو أن الصراع إندلع بين الكاثوليك والأرثوذوكس البولونيين. ويذكّر مزراحي بأن العرب واليهود يعيشون ويعملون مع بعضهم جنباً إلى جنب على امتداد سبعين عاماً، وغالبية العرب لا يريدون مغادرة إسرائيل “حتى في حال نشوء دولة فلسطينية”. “منذ يومين كنا نحضر الأعراس سوية”، لكن، ثمة أشخاص عدائيون وسط العرب، كما وسط اليهود، برأيه .

أشار مزراحي إلى أنه يعيش بين حيفا وتل أبيب، وتوجد قرية عربية قريبة من سكنه، حيث كان يوميا يشتري منها حاجياته، “ولا أتصور الآن حتى أن أذهب إلى هناك”. ولغالبية اليهود وجهة النظر هذه ، كما أن العرب بدورهم يتحاشون الظهور في الأحياء اليهودية.

ويقول بأنه في طريق عودته إلى البيت من تل أبيب “كنت أعبر قرى عربية كل دقيقة”. إلا أنه كان يفضل خلال هذا الأسبوع العودة إلى المنزل قبل حلول العتمة، علماً “أنني قبل هذه الأحداث كنت أعود مطمئناً بعد حلول الظلام”. ويتذكر أيام خدمته في بولونيا، ويقول بأنه خلال سنوات طويلة “كنت أردد لأصحابي  بأن المدن الإسرائيلية إحدى أكثر المدن أمنا في العالم، وأكثر أمناً من المدن البولونية”، لكن الآن يمكن القول بأنها كانت كذلك، لأن الإسرائيليين اليوم لم يعد بوسعهم التجول فيها ليلاً ، “وهذا هو ما شكل صدمة حقيقة لنا، وليس القصف” من غزة. ومن الطبيعي أن تكون القذائف المتطايرة فوق الرؤوس أمراً غير طبيعي مخيف، “لكننا اعتدنا على ذلك” .

ويشير مزراحي إلى أن القانون الإسرائيلي يلزم كل منزل أو شقة بأن تضم غرفة من دون نوافذ ، كملجأ. ومنذ يومين واقاربه في تل ابيب ينامون الليل في هذه الغرفة كي لا يهرعوا إلى الملجأ في كل مرة تدوي فيها صفارة الإنذار. ويقول هذا مرعب بالطبع، لكن ليس في ذلك “ما هو غير عادي لنا، على عكس الوضع في الشوارع” .

ولدى سؤاله من الموقع عما سيطرأ على الصراع الداخلي في حال عاد الهدوء إلى قطاع غزة، قال  بأنه خلافاً لقطاع غزة، هذا صراع منفصل، وهو يجد صعوبة في القول ماذا سيحدث. لكن الجيش لا يمكنه التدخل، إذ حسب القانون البوليس وحده له حق التصدي لأعمال الشغب والصدامات بين السكان المدنيين. لكن البوليس الآن لا يقوم جيداً بالمهمة لأنه لم يكن مستعداً لمثل هذا التطور في الوضع.

في معرض رده على السؤال عن حل قضية غزة، قال مزراحي بأن قادة حماس يختبئون في ملاجئ تحت الأرض، ولا يتصورون حجم الدمار في الخارج الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي. لكن لدى خروجهم من مخابئهم سوف يدركون الحاجة إلى وقف العمليات العسكرية، إلا أن هذا سيكون من جديد حلاً مؤقتاً وليس إتفاقية سياسية .

يختتم الموقع المقابلة بالقول بأن مشكلة الصراع الداخلي بين العرب واليهود أوقعت الكولونيل بالحيرة، كما  الكثيرين من العقلاء، وليس في إسرائيل فقط، وحل الصراع الداخلي في الأرض المقدسة لا يتوقف على العسكريين، بل على السياسيين.

بالاضافة الى الشهادة المفصلة للضابط والملحق العسكري الإسرائيلي السابق، التي حمّلت اليهود والعرب المسؤولية بالتساوي تقريباً عن حرب المدن الإسرائيلية، نقلت وسائل الإعلام الناطقة بالروسية شهادات أخرى عن هذه الحرب تحمل تفاصيل ووجهات نظر مختلفة .

موقع “Dailystorm” الإخباري الروسي ( وهو غير الموقع الأميركي اذي يحمل الإسم نفسه) نقل شهادات مواطنين إسرائيليين عن قصف حماس وعن إضطرابات شوارع المدن الإسرائيلية. الدليل السياحي في القدس مكسيم بالو قال للموقع بأنه رأى تحت نوافذ منزله في القدس مشاركين يهود وعرب في أعمال الكسر والتخريب، التي تبدأ مع حلول المساء في المدن المختلطة بين العرب واليهود. وقال بأنه حين كان يخرج السكان العرب في اللد أو يافا أو عكا إلى الشارع ويضرمون النار في الكنيس ويحرقون السيارات ويهاجمون يهوداً منفردين، كان يخرج في اليوم التالي شباب يهود “ليردوا بشكل ما على أعمالهم”. كانت المناوشات تستمر حوالي ساعتين، ومن ثم يتم تفريقها مع حلول الليل، “وننتظر مساء اليوم لنرى من سيخرج إلى الشارع”. وقال بأنه كان يعتقد في البداية أن الشبان العرب يريدون بخروجهم التعبير عن إحتجاج ما لديهم، لكنه تبين له لاحقاً أنهم يخرجون بلا سبب ويبدأون أعمال التكسير والهجمات على السكان اليهود، وبرزت لديه “شكوك في نواياهم الحقيقية” .

لكنه هو نفسه يعود ليتحدث عن أسباب خروج العرب إلى الشارع ، ويقول بأن من يخرج هم الشبان العرب بصورة رئيسية، وهم “فائرون، كثر منهم بعد الكورونا عاطلون عن العمل”. أما الشباب اليهود “فيصرفون طاقة هذه السن في الخدمة العسكرية، التي تمنحهم فرصة التعقل وإكتساب مهنة”. ويعتبر أن السبب الرئيسي للعنف في شوارع المدن الإسرائيلية “يكمن في البروباغندا الفلسطينية” .

المدير العام للجمعية الإسرائيلية الأذرية العالمية ليف سبيفاك قال في مقابلة مع  موقع “Vestnik Kavkasz”، بأن “سكان إسرائيل العرب انقلبوا ضدها”. وكرر ما قاله الآخرون، بأن الخطر على إسرائيل ليس من صواريخ غزة، بل من حرب شوارع المدن الإسرائيلية بين اليهود والعرب. وقال بأن أكثر ما يسر الإسرائيليين هذه المرة، هو موقف الإمارات العربية المتحدة، التي “أصبحت أول دولة عربية تدعم إسرائيل في الصراع مع الفلسطينيين”، أول صوت عاقل في العالم العربي وجد في نفسه الشجاعة ليقول عن الوضع ما يفكر به الجميع في الحقيقة، “بمن فيهم العرب”. 

—————-

الحرب الموازية: “القسام” تهزم اسرائيل وتتخطى التشويش الإلكتروني/ أدهم مناصرة

لم يحُل افتقاد كتائب “القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، لصفحات رسمية لها في “فايسبوك” و”تويتر”، دون الحضور بقوة في هذه المساحة الافتراضية؛ ذلك ان رواد السوشال ميديا بينهم إعلاميون تطوعوا لا إرادياً في عملية نشر رسالة “القسام” بمجرد نشرها عبر موقع الكتائب في قناة “تليغرام”.

وثمة موقعان للكتائب في “تليغرام”، أحدهما لـ”القسام” وآخر باسم “ابو عبيدة” الناطق باسم الكتائب. وقد رصدت “المدن” أن أحد الموقعين توقف عن العمل خلال الحرب الحالية لفترة قصيرة جداً، ثم سرعان ما عاد إلى العمل. لهذا، حضر محتوى “القسام” في “تويتر” و”فايسبوك” وبقية منصات السوشيال ميديا، رغم الافتقار إلى صفحة رسمية للكتائب في الموقعين الشهيرين، لا سيما أن “تويتر” أغلق سابقاً صفحة “القسام”، ما دفع الكتائب إلى منهج مختلف لفرض نفسها في شبكات الإعلام البديل، لا سيما في خضم الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة، لإرسال الرسائل وإجادة الحرب النفسية.

وبمجرد خروج إعلان عسكري على لسان “ابو عبيدة”، سواء عبر تلفزيون “الأقصى” التابع لـ”حماس”، أو مباشرة عبر قناة الكتائب في “تليغرام”، فإن محتوى “القسام” سرعان ما ينتشر بشكل مهول في السوشال ميديا عبر النشطاء والمتفاعلين، ثم يتناقله الإعلام الاسرائيلي بشكل سردي. ومثال بارز على ذلك يتمثل في إنذار “ابو عبيدة” لسكان تل ابيب بأن ينتظروا “رد القسام المزلزل على إجر ونصف رداً على نسف الاحتلال لأحد أبراج غزة”.. ثم عاد الناطق القسّامي ليلاً ليعلن أمراً جديداً من القائد العام للقسام، محمد الضيف، يقضي برفع حظر التجوال عن تل أبيب ومحيطها مدة ساعتين، قبل أن يعود الإسرائيليون للوقوف على “رجل واحدة”، على حد تعبيره. وراحت وسائل إعلام اسرائيلية تبث تهديد “ابو عبيدة” في نشرات الأخبار، بدليل أن شوارع تل أبيب ومحيطها كانت فارغة تماماً، ولازَم الإسرائيليون منازلهم.

حرصت الدائرة الاعلامية للكتائب، على وضع عنوان جاذب يساهم في عملية النشر والمشاركة من قبل المتلقّين.. بهذا المعنى، كانت قناتا “القسام” في “تليغرام” بوابة مهمة لنشر المحتوى الإلكتروني الخاص بها، و بدرجة أقل عبر وسائل الإعلام التقليدية الخاصة بحركة “حماس” مثل قناة “الأقصى”؛ إذ أن ابو عبيدة خرج على الشاشة المستطيلة مرتين خلال المعركة المستمرة منذ ثمانية ايام؛ الأولى في خطاب له بالصوت والصورة، والثانية بتسجيل صوتي، كما يؤكد “للمدن”، رئيس “شبكة الأقصى الإعلامية” الحمسوية، وسام عفيفة. وأوضح أن ثمة عملية تزامن لافتة، بين إعلان “القسام” البلاغ العسكري من جهة، وسرعة انتشاره في الشبكة العنكبوتية من جهة أخرى، ما جعل حضور الكتائب في العالم الافتراضي مختلفاً ولافتاً، مقارنة بالمرات السابقة، مضيفاً أن تطوع الناس والإعلاميين ساعد في مهمة نشر المحتوى، وهو ما وسّع دائرة النشر والاتصال الخارجي “للقسام”.

وهذا يعني أن اعتماد “القسام” لا يقتصر على وسائل الإعلام والمواقع التقليدية، بل مثلت قناة “تليغرام” مساحة للالتفاف على عمليات التشويش الالكتروني التي استهدفت بها اسرائيل قنوات “حماس” التقليدية..وهذا ما جعل القدرة الإسرائيلية على التشويش على رسالة “القسام” في خضم الحرب، أقل هذه المرة، لأن الوسيلة التقليدية ليست الوحيدة بين يدي الكتائب.

وفي ظل الشعور بأن “فايسبوك” و”انستغرام” يطاردان المحتوى الفلسطيني في مقابل خدمة الإسرائيلي، وسط عمليات “فلترة” شديدة، فإن “القسام” وجدت في “تليغرام” وبث المحتوى بالطريقة الفيروسية، ملاذاً لها، وحضوراً في مجمل هذه المواقع ولو بطريقة التفافية. وهنا، نُظر إلى القسام” على أساس أنها أجادت الحرب النفسية بطريقة لافتة في هذه الحرب، سواء على صعيد تعميم أوامرها العسكرية، أو نشر الصور والمقاطع الخاصة بعملياتها. ناهيك عن خروج أكثر من إيجاز صحافي “للقسام” في اليوم الواحد عن تطورات الميدان.

وضمن مساعي “القسام” لإجادة العمل الإعلامي “الممنهج” بهدف إيصال رسالتها للجبهة الفلسطينية الداخلية أو الى اسرائيل، فإنها قدمت صورتين لقيتا تفاعلاً في الفضاء الالكتروني؛ الأول: إصابة صاروخ “كورنيت” لجيب إسرائيلي، والثانية لاستهداف منشأة كيميائية اسرائيلية بطائرة مُسيّرة.. وأرادت “القسام” بذلك أن تُثبت مصداقيتها أمام الجمهور الفلسطيني تحت عنوان “أنها إذا قالت، فعلت”، إضافة إلى ممارسة حرب نفسية ضد الاحتلال وخلق رأي عام إسرائيلي يضغط باتجاه وقف الحرب.

بيدَ أن “القسام” لم تستطع أن تخلق رأيا عاماً اسرائيلياً يطالب بانهاء المعركة حتى اللحظة.. لكن، ربما يعود ذلك إلى أن الصحافة الاسرائيلية حاولت أن تتعامل مع هذا المحتوى من منظور أن “حماس نجحت تكتيكياً فقط”.. فبينما أقر محللون اسرائيليون أن حماس كسبت المعركة بمجرد ظهورها في صورة “المبادِرة” والمُفاجِئة، إلا أنهم حاولوا في الوقت ذاته ألا يتحدثوا عن نصر مطلق أو هزيمة مطلقة لإسرائيل، وإنما الحاق خسائر كبيرة في صفوف “حماس”.

هذا إن علمنا أن الصحافي الإسرائيلي هو جندي في الحرب لكنه مع ميكروفون بدلاً من البندقية، وهذا ما ظهر جلياً في حالة مراسل القناة العبرية “13” الموك بوكير؛ إذ تساءل بطريقة يؤيد فيها الأداء الإسرائيلي في المعركة: “لماذا من المهم الاستمرار في العملية؟ من الآن إسرائيل تحدد جدول الأولويات”.. ثم يجيب: “في السنوات الثلاث الماضية فقد الجيش الإسرائيلي قوة الردع، وحماس هي من يقرر كيف ومتى نعيش حياتنا. الآن حماس جثمت على ركبتيها وتستجدي وقف إطلاق النار، بالتالي حان الوقت لتحقيق الانتصار من أجل منطقة الغلاف”، يقول المراسل التلفزيون الإسرائيلي في الجبهة الجنوبية. علماً أن المراسل نفسه كان قبل يومين قد انتقد الحكومة الإسرائيلية بشدة، وعلى الهواء مباشرة، بدعوى تمييزها بين مستوطنات “غلاف غزة” من جهة، والقدس وتل أبيب من جهة أخرى، وبدليل أنها كانت تصمت على قصف “الغلاف”، لكنها ردت فوراً على قصف تل أبيب والقدس!

المدن

————————

جون أوليفر: إسرائيل ترتكب الجرائم بحق الفلسطينيين

خصص مقدم البرامج الأميركي البريطاني الشهير جون أوليفر، افتتاحية حلقة الأحد الماضي من برنامجه “Last Week Tonight”، للحديث عن الأزمة المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأشار أوليفر إلى الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، موضحاً أن “هناك جانباً خسر أكثر من 10 أضعاف الجانب الآخر”، وذلك في حديثه عما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم إسرائيلية، بالمقارنة بخسائر إسرائيل جراء صواريخ المقاومة الفلسطينية، للوصول إلى نتيجة بأن هنالك اختلالاً شديداً في ميزان القوى وكيف يتم التعتيم على تلك الجزئية المهمة من خلال الكيفية التي يختار بها الأشخاص، والإعلام، الحديث عن الموضوع الشائك.

وأضاف أوليفر الذي انضم لعشرات من المشاهير العالميين الذين رفعوا صوتهم عالياً ضد إسرائيل مؤخراً أنه لا يحاول تلخيص تاريخ الصراع ولا يقترح حلاً له، بل يحاول أن يشرح فقط لماذا كانت أحداث الأسبوع الماضي “خاطئة” على كل المستويات، وأردف أن إسرائيل تمتلك القبة الحديدية “ما مكنها من اعتراض غالبية الصواريخ التي أطلقت عليها الأيام الماضية، إلا أن الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة لم تكن كذلك، حيث أصابت أهدافها، بما في ذلك منازل للاجئين، ومبنى يضم وسائل إعلام دولية، مكون من 13 طابقاً”.

وتابع أوليفر: “بينما أصرت إسرائيل على وجود أهداف عسكرية في ذلك المبنى ودمرته قدر الإمكان، وفيما حذرت الناس لإخلائه مسبقاً، فإن تدمير مسكن مدني يبدو بالتأكيد جريمة حرب، بغض النظر عن إرسال رسائل تحذير من عدمه”، معتبراً أن قيام الإسرائيليين بتحويل قصف المبنى إلى نكتة عبر الإنترنت “ميم”، شكل إهانة إضافية للموقف.

لأكثر من عقد من الزمان، حولت إسرائيل قطاع غزة إلى سجن مفتوح، وقطعت الإمدادات عن المنطقة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، ولم تقدم المساعدة الطبية المناسبة، وتركت معدل البطالة مرتفعة. وعانى الفلسطينيون في غزة، ومعظمهم ليسوا من مقاتلي حركة “حماس” بل من عائلات مدنية، بشكل رهيب من تلك الظروف اللاإنسانية التي تتحمل تل أبيب مسؤوليتها بالدرجة الأولى.

وأوضح أوليفر هنا: “الفلسطينيون يعيشون في حصار خانق منذ أكثر من 14 عاماً، كما يخضع المتواجدون في الأراضي المحتلة، لشكل من أشكال الفصل العنصري، وهو الوصف الصادر عن منظمات حقوق الإنسان حول العالم”، مشيراً إلى أن “الحياة في غزة صعبة، حتى عندما لا يتم قصفهم. وقد شاركت الإدارة الأميركية ضمنياً عفي ذلك بموافقتها على الخط المتشدد الوحشي الذي تتخذه إسرائيل”.

———————-

فايسبوك” يفرض قيوداً على كلمة “صهيوني”.. منذ 2019!

انتشرت في الأيام القليلة الماضية طريقة مبتكرة اعتمدها ناشطون وصحافيون عرب للتحايل على خوارزمية “فايسبوك” التي تستهدف المنشورات الناقدة للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، عبر الكتابة بلا نقاط عبر برمجيات خاصة. ولا يعتبر ذلك الجهد عبثياً أو تكراراً لنظرية مؤامرة بأن “فايسبوك” من بين كافة مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، يعتبر الأكثر انحيازاً لإسرائيل في ما يخص الصراع في المنطقة، بل هو استجابة لواقع أكدته تقارير إعلامية ذات صلة.

وكشف موقع “أنترسبت” الأميركي القواعد الداخلية التي وضعتها إدارة “فايسبوك” لتعديل مصطلح “صهيوني” في سياق مواجهة الانتقادات الموجهة لإسرائيل وسط موجة مستمرة من الانتهاكات والعنف الإسرائيلي، موضحاً أن تلك القواعد سارية منذ العام 2019، وتتعارض مع ادعاءات الشركة في آذار/مارس الماضي بعدم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يجب التعامل مع مصطلح “صهيوني” على أنه مرادف لكلمة “يهودي” عند تصنيف منشورات الأفراد على أنها خطاب كراهية أم لا.

ولا تشمل القواعد موقع “فايسبوك” وحده، بل تمتد لتطاول التطبيقات الفرعية التابعة للشركة العملاقة مثل “أنستغرام”. وتواجه تطبيقات الشركة اتهامات بالرقابة بعد الإزالة المتقطعة وواسعة النطاق للمنشورات الأخيرة من المستخدمين المؤيدين للفلسطينيين الذين ينتقدون الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك أولئك الذين وثقوا حالات عنف الدولة الإسرائيلية.

يأتي ذلك بعدما اجتاحت أعمال عنف جماعية في إسرائيل وغزة منذ الأسبوع الماضي. حيث اندلعت التوترات وسط احتجاجات فلسطينية ضد عمليات إخلاء مزمعة في القدس الشرقية المحتلة لإفساح المجال أمام المستوطنين اليهود. وفي نهاية المطاف، اقتحمت قوات الأمن الإسرائيلية مجمع المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس. وردت حركة “حماس” الفلسطينية بإطلاق صواريخ على إسرائيل. وشنت إسرائيل بدورها عمليات قصف جوي وهجمات مدفعية واسعة النطاق على قطاع غزة الفلسطيني المحتل، ما أسفر عن مقتل أكثر من 120 شخصاً، من بينهم 20 طفلاً. وأصيب ما لا يقل عن 900 فلسطيني منذ يوم الاثنين. وذكرت التقارير أن سبعة أشخاص في إسرائيل، بينهم جندي وطفل، لقوا حتفهم نتيجة العنف، وأصيب أكثر من 500″.

وقال داني نوبل، مسؤول منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” الذي راجع القواعد: “يزعم فايسبوك أن سياستهم بشأن كلمة صهيونية تتعلق بأمان اليهود، لكن وفقاً لمقتطفات سياسة المحتوى الخاصة بهم، يبدو أن صناع القرار في فايسبوك أكثر اهتماماً بحماية المستوطنين الإسرائيليين الصهاينة والحكومة الإسرائيلية من المساءلة عن هذه الجرائم”.

ورغم عدم ربط أي من إزالة محتوى “فايسبوك” و”أنستغرام” بشكل قاطع بمصطلح “صهيوني”، أبدى المستخدمون المؤيدون للفلسطينيين انزعاجهم من إخفاء المنشورات والإشعارات بانتهاكات السياسة خلال الأسبوع الماضي. إلا أن إدارة “فايسبوك” تقول: “إن الحذف المفاجئ للمحتوى المقلق للغاية، الذي يوثق عنف الدولة الإسرائيلية كان مجرد حدث عابر”. وعند حديثها عن مشكلة المنشورات المحذوفة، والعديد منها حول المحاولات الأخيرة للاستيلاء على منازل فلسطينية من قبل مستوطنين إسرائيليين، ألقت المتحدثة باسم “فايسبوك” صوفي فوغل، باللوم، على “مشكلة تقنية أوسع” غير محددة في “أنستغرام” أدت إلى سلسلة من عمليات الحذف “الخاطئة” و”الأخطاء البشرية”.

وقالت المتحدثة الأخرى كلير ليرنر: “نسمح بالمناقشة النقدية للصهيونية، لكننا نزيل الهجمات ضدهم عندما يشير السياق إلى استخدام الكلمة كمرادف لليهود أو الإسرائيليين، وكلاهما خصائص محمية بموجب سياسة خطاب الكراهية”. وأضافت: “نحن ندرك حساسية هذا الجدل، وحقيقة أن كلمة صهيوني باتت تُستخدم بشكل متكرر في نقاش سياسي مهم. لا نهدف أبداً إلى خنق هذا النقاش، ولكن للتأكد من أننا نسمح بأكبر قدر ممكن من الكلام، مع الحفاظ على أمان كل فرد في مجتمعنا”.

ورغم أن إدارة “فايسبوك” لم تقدم تعليقاً حول موعد تطبيق القواعد والتناقض الواضح مع تصريحاتها العامة بأن مثل هذه السياسة مازالت قيد الدراسة ولا يتم استخدامها، فإن بعض منشورات الفلسطينيين في “فايسبوك” و”أنستغرام” اختفت ببساطة، ما يشير إلى وجود مشكلة فنية من نوع ما، يمكن أن تكون سبباً معقولاً. وأفاد العديد من المستخدمين بتلقي إشعار بإزالة منشوراتهم لأنها انتهكت قواعد الشركة ضد “خطاب الكراهية” أو “الرموز”.

والحال أن هذه الانتهاكات المزعومة تشكل واحدة فقط من العديد من المحظورات المستمدة من مكتبة مستندات “فايسبوك” الداخلية التي تملي ظاهرياً ما هو مسموح به وما يجب حذفه لجمهور الشركة الذي يبلغ تعداده مليارات الأشخاص. وسبق أن تراجعت “فايسبوك” عن مسألة ما إذا كان سيضيف لفظ “صهيوني” إلى لائحة رئيسية يحتفظ بها لفئات محمية من الأشخاص، وأخبر الناشطين الفلسطينيين في مؤتمر افتراضي في آذار/مارس الماضي بأنه لم يتخذ “أي قرار” بشأن هذه المسألة.

ويشير مصطلح “الصهيونية” بالمعنى الدقيق للكلمة، إلى الحركة التي دافعت تاريخياً عن إنشاء دولة أو مجتمع يهودي في فلسطين ومؤخراً عن الأمة التي نشأت من تلك الدفعة، إسرائيل. وعليه فإن الصهيوني هو من يشارك في الصهيونية. ورغم أن الصهيوني والصهيونية يمكن أن يكونا من المصطلحات المشحونة، التي يتم استخدامها في بعض الأحيان من قبل أشخاص معادين للسامية بشكل صارخ كمرادف غمز وإيماءة لكلمة يهودي ويهودية، فإن الكلمات لها أيضاً معنى تاريخي وسياسي واضح وشرعي، لا ينكره حتى الإسرائيليين أنفسهم، وطيف من الاستخدامات غير البغيضة، بما في ذلك سياق النقد ومناقشة الحكومة الإسرائيلية وسياساتها.

وقال أحد المشرفين على “فايسبوك” بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية وظيفته، أن هذه السياسة عملياً “لا تترك مجالاً للمناورة لانتقاد الصهيونية” في وقت تخضع فيه هذه الأيديولوجية تحديداً لتدقيق شديد، فيما قالت الإعلامية الفلسطينية ديما الخالدي: “يجب أن تكون العبثية والطبيعة المسيسة لسياسة فايسبوك واضحة كما هو الحال اليوم الآن، حيث نشهد استمرار التطهير العرقي في القدس المحتلة، وحرباً جديدة على السكان المحاصرين في غزة”. وأضافت الخالدي: “المشكلة الأساسية هي أن الصهيونية هي أيديولوجيا سياسية تبرر بالضبط نوع الطرد القسري للفلسطينيين ما يجعل بعض الفلسطينيين لاجئين ثلاث مرات، كالذي نراه الآن في الشيخ جراح وأحياء القدس الشرقية المحتلة الأخرى”.

في السياق، علقت جيليان يورك، مديرة مؤسسة “Electronic Frontier Foundation” لحرية التعبير الدولية أن قرار “فايسبوك” التركيز على “الصهيونية” كهوية عرقية يلغي حقيقة أنه يصف خياراً أيديولوجياً ملموساً ويتجاهل كيف استخدم الفلسطينيون وغيرهم الكلمة في سياق قمعهم التاريخي من قبل إسرائيل. وبالتالي فإن هذا التركيز يثبط الخطاب السياسي والاحتجاج في جميع أنحاء العالم الذي يدعي “فايسبوك” حمايته. وأكملت يورك: “بينما تستخدم كلمة صهيونية كهوية ذاتية، إلا أن استخدامها من قبل اليهود وغيرهم بما في ذلك العديد من المسيحيين الإنجيليين، يوضح أنها ليست مجرد مرادف لكلمة اليهودية كما اقترح فايسبوك، كما أن استخدامها قد يختلف في المنطقة حيث يستخدمها الفلسطينيون كمرادف لكلمة مستعمر.

ورغم أن “فايسبوك” قال أنه لم تتم إزالة أي منشورات في “أنستغرام” حول العنف الإسرائيلي الأخير بناءً على طلب من الحكومة الإسرائيلية، فإن إسرائيل تقدم بشكل روتيني مثل هذه الطلبات إلى الشركة المتمثلة إلى حد كبير. وتشارك كتائب من المتطوعين المؤيدين لإسرائيل في حملات الإبلاغ الجماعي التي يمكن أن تخدع بشكل أساسي الأنظمة الآلية في “فايسبوك” للإشارة إلى الخطاب السياسي اللاعنفي باعتباره تحريضاً بغيضاً.

——————————-

كويتيون يطالبون بطرد سفير التشيك المتضامن مع إسرائيل

أثار إظهار السفير التشيكي في الكويت مارتن دوفوراك دعمه للاحتلال الإسرائيلي، من خلال وضعه ملصق “I Stand with Israel” على الصورة الشخصية لحسابه في “إنستغرام” حملة استياء واسعة في الكويت.

وطالب العديد من الكويتيين، من بينهم نواب في مجلس الأمة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي- بطرد دوفوراك بعد إعلانه التضامن مع إسرائيل في الحرب التي تشنها على الفلسطينيين، رغم اعتذاره إثر استدعائه من طرف وزارة الخارجية الكويتية للتعبير عن احتجاج الكويت الرسمي على ذلك الموقف.

وعبر مغردون كويتيون عن رفضهم للخطوة التي قام بها دوفوراك، عبر وسم #اطردوا_السفير_التشيكي الذي تصدر لائحة الأكثر تداولاً في “تويتر”. كما أثارت الصورة استياء عدد من النواب في مجلس الأمة، حيث دعا النائب عبد الله المضف بـ”سرعة اتخاذ إجراء حازم بحق السفير”. وقال النائب عبد الكريم الكندري “إعلان السفير تضامنه مع الكيان الصهيوني عمل استفزازي ويتنافى مع المهام الدبلوماسية المنوطة به، وهو الأمر الذي يستوجب على وزارة الخارجية اعتباره شخصاً غير مرحب به في الكويت”.

وقال عضو مجلس الأمة الكويتي عبدالعزيز طارق الصقعبي: “الدعم العلني للكيان الصهيوني المجرم من قبل سفير تستضيفه الكويت، بوجود مرسوم الحرب ضد العصابات الصهيونية، هو استفزاز بشع لمشاعر الكويتيين وتحدي للموقف الرسمي! على وزارة الخارجية اتخاذ إجراءات حازمة وعملية تجاه هذا العمل المخالف للأعراف الدبلوماسية”.

أما المحامي محمد الدوسري، فخاطب وزير الخارجية بالقول: “السفير التشيكي لم يحترم الأعراف الدبلوماسية، وبالتبعية لم يحترم بلدك، وضرب بذلك عرض الحائط، وأعلن تضامنه مع الكيان الصهيوني في عقر دارك. اتخذ قراراً قبل أن تتم مساءلتك”، بينما قالت المحامية حنان البسام “ما حدث من تجاوز ضد توجهات دولة الكويت الرسمية غير مقبول، فيجب تقديم مذكرة احتجاج ومنحه مهله لمغادرة البلاد”.

    Ambassador Martin Dvořák deeply apologizes to all Kuwaitis and all others who might been touched by the photo, congratulating secretary Madeleine Albright, who is his personal friend. By mistake, this photo also appeared on the profile of the Czech Embassy in Kuwait.

    — CzechEmbKuwait (@CzechEmbKuwait) May 17, 2021

وإثر ردود الأفعال الغاضبة والمنددة، قام دوفوراك بحذف الملصق من بروفايله الشخصي، في محاولة لتهدئة الرأي العام. ونشرت السفارة التشيكية تغريدة في “تويتر” تعتذر فيها عما قام به السفير، وقالت: “يعتذر السفير دوفوراك بشدة لجميع الكويتيين وجميع الأشخاص الآخرين الذين قد تأثروا بالصورة”، مضيفة: “لم يرغب بأي حال من الأحوال في تغيير نظرة السفارة إلى الوضع الحالي المؤسف في فلسطين، حيث يموت الأبرياء”.

وجاء اعتذار السفير بعدما استدعته الخارجية الكويتية لتقديم احتجاج. وأكدت الوزارة الكويتية في بيان رفضها القاطع واستهجانها الشديد لما بدر عن السفير التشيكي عبر حسابه الشخصي في “إنستغرام”. وبحسب البيان، فإن “ذلك التصرف المرفوض وما يشكله من إساءة بالغة للمشاعر في دولة الكويت على المستويين الرسمي والشعبي لا يتناسب وطبيعة الوظيفة الدبلوماسية”.

وترفض الكويت التطبيع مع إسرائيل رغم قيام بعض الدول العربية بذلك نهاية العام الماضي، وتؤكد دعمها للقضية الفلسطينية على المستوى الحكومي والشعبي. وشهدت البلاد تظاهرات عديدة منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والقدس.

    السفير التشيكي في الكويت يتضامن مع كيان الاحتلال ، يجب على الخارجية طرده من الكويت .

    أقل ما نقدمه للفلسطيني ان لا نترك من يتضامن مع قاتله في بلادنا . .#اطردوا_السفير_التشيكي pic.twitter.com/Omkgoqom9K

    — عوض المطيري (@AwadAl_) May 16, 2021

    السفير ما اكتفى انه يحط صورته مع العلم الصهيوني كـ بوست او ستوري

    لأ راح حطها صورة بروفايل كتعبير عن نفسه وهويته!

    ولانه دبلوماسي المفروض يكون اكثر من غيره حذر ويحترم الاعراف الدبلوماسية وسياسة البلد اللي فيها خصوصا بقضية متعلقة باحتلال وتهجير وقتل واضطهاد #اطردوا_السفير_التشيكي

    — ناصر جمال (@NasserAlosaimi) May 16, 2021

    ندعو وزارة الخارجية وبشكل فوري وعاجل إلى طرد السفير التشيكي الذي يؤيد الكيان الصهيوني قاتل الأطفال وعدو الإنسانية..

    خصوصا أن الكويت في حرب مع الكيان الصهيوني وذلك بمرسوم الحرب الدفاعية الصادر في 5 يونيو 1967م#اطردوا_السفير_التشيكي pic.twitter.com/r4nmjAJXnX

    — أحمد محمد الكندري (@eng_alkandari) May 16, 2021

    على وزارة الخارجية استخدام حقها وفق ما جاء في المواد ٩ و ٤٣ من إتفاقية فيينا بحق السفير التشيكي خصوصا بعد مخالفته المادة ٤١ من ذات الاتفاقية بإعلان وقوفه مع إسرائيل مخالفاً مرسوم ٦٧ و الذي جاء به اعلان الكويت الحرب الدفاعية مع العصابات الصهيونية#اطردوا_السفير_التشيكي pic.twitter.com/0EmqTeNwP9

    — عبدالوهاب البابطين (@WahabAlbabtain) May 17, 2021

    الدعم العلني للكيان الصهيوني المجرم من قبل سفير تستضيفه الكويت – بوجود مرسوم الحرب ضد العصابات الصهيونية – هو استفزاز بشع لمشاعر الكويتيين وتحدّي للموقف الرسمي !

    على وزارة الخارجية اتخاذ إجراءات حازمة وعملية تجاه هذا العمل المخالف للأعراف الدبلوماسية#اطردوا_السفير_التشيكي

    — د. عبدالعزيز طارق الصقعبي (@draalsaqobi) May 16, 2021

    هذا هو حساب السفير التشيكي في الكويت

    الذي أهان مشاعر الشعب الكويتي وداس على الأعراف الدبلوماسية معلنا تضامنه مع الصهاينة قتلة الأطفال وهو في بلاد إسلامية عربية طاهرة#اطردوا_السفير_التشيكيhttps://t.co/QLCSfwiXMN pic.twitter.com/bYbJHfELLr

    — د. محمد مساعد الدوسري (@maldosri) May 16, 2021

    لله در الكويتيبن وفزعتهم باطلاق هاشتاغ #اطردوا_السفير_التشيكي من #الكويت بعدما استفز السفير الكويتيين مخالفاً الأعراف الدبلوماسية بوضع في بروفايله علم إسرائيل داعماً لجرائمها في حسابه في انستغرام @dvomar-اضطر لتقديم اعتذار ركيك غير مقنع وحذف صورة علم الصهاينة ودعمهم من بروفايله🧐 pic.twitter.com/j38xrqHS5o

    — عبدالله الشايجي (@docshayji) May 17, 2021

——————————

إضراب شامل يعمّ الداخل الفلسطيني بكامله

عمّ الإضراب الشامل الثلاثاء، البلدات العربية في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية المحتلة، وذلك للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والقدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، واعتداءات المستوطنين على المواطنين العرب في البلاد.

وأعلنت مختلف الأطر الشعبية والجماهيرية واللجان والحركات والفعاليات السياسية والوطنية الالتزام بقرار الإضراب والمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، علماً أن الإضراب شمل جميع مرافق الحياة باستثناء التعليم الخاص والصفوف العليا ممن يتحضرون لامتحانات في الأيام المقبلة.

ودعت اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية في البلاد إلى الالتزام بالإضراب العام والشامل، كما أعلنت اللجنة القطرية لأولياء أمور الطلاب العرب عن دعمها للإضراب، في حين قرّرت الحكومة الفلسطينية مشاركة موظفي القطاع العام في الإضراب كذلك، بالإضافة إلى نقابات ومؤسسات في الضفة الغربية المحتلة والداخل.

كما دعت كل من حركتي حماس وفتح إلى إضراب شامل في الضفة الغربية للتعبير عن التضامن مع ما يتعرض له قطاع غزة من عدوان إسرائيلي متواصل منذ 9 أيام أدى لاستشهاد أكثر من 220 شخصا وجرح المئات إلى جانب تدمير كبير.

ودعت اللجنة القطرية والعديد من السلطات المحلية العربية في بيانات منفصلة، المواطنين العرب، إلى الالتزام بالإضراب والمشاركة في الفعاليات النضالية، كما دعت إلى وقف العدوان على قطاع غزة، والعدوان المستمر على القدس المحتلة، والمسجد الأقصى، وحي الشيخ جراح، وسحب كافة العصابات الاستيطانية وقوات القمع من جميع البلدات العربية، بما فيها مدن الساحل.

وفي بيان لها دعت حركة حماس الشعب الفلسطيني إلى “إضراب شامل في جميع المدن من النهر إلى البحر، في القدس والضفة والداخل، وإعلان النفير الثوري وإطلاق المسيرات نحو نقاط الاشتباك والمواجهة في خطوط التماس كافة”.

كما، دعت حركة فتح إلى إضراب عام في الضفة الغربية تضامناً مع غزة، وضد استمرار العدوان الإسرائيلي في القدس والضفة.

والاثنين، استُشهد فلسطيني وأصيب 97 آخرين، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية المحتلة، حسب ما جاء في بيان لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

وأوضحت الجمعية أن الإصابات وقعت خلال مواجهات بين فلسطينيين والجيش الإسرائيلي في مدينتي بيت لحم والخليل وحاجز حوارة قرب مدينة نابلس وبلدة نعلين غربي رام الله.

وفي وقت سابق أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن مواطناً استشهد جراء إصابته برصاص جيش الاحتلال خلال مواجهات اندلعت الاثنين، في مخيم العروب للاجئين بمحافظة الخليل. وقال شهود عيان إن الشهيد هو عبيدة أكرم جوابرة (18 عاماً)، ليرتفع عدد الشهداء في الضفة الغربية إلى 22، منذ 7 أيار/مايو.

————————

واشنطن تغيّر لهجتها..وإسرائيل لا تميل للتهدئة

واصلت طائرات الاحتلال الإسرائيلي قصف قطاع غزة لليوم التاسع على التوالي، حيث استهدفت منازل ومواقع حكومية في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء. واستهدفت إحدى الغارات مبنى بالقرب من مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومنطقة الجامعات.

وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية أكثر من 50 غارة على مناطق شرق وشمال مدينة غزة فجر الثلاثاء. واستهدفت إحدى الغارات الطوابق العليا من مبنى سكني في حي النصر المكتظ بالسكان، لكن لم ترد أنباء فورية عن وقوع إصابات.

وفي وقت سابق، استهدفت غارات عنيفة مجمع أنصار الحكومي في حي الكتيبة غرب مدينة غزة، وشقة تضم مكتباً لشؤون الأسرى، كما تم قصف متنزه الكتيبة في المنطقة نفسها.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 10 أيار/مايو، إلى 212 شهيداً، بينهم 61 طفلاً و36 امرأة، وإصابة 1400 بجراح مختلفة. فيما قصفت فصائل المقاومة عدداً من المستوطنات الإسرائيلية. وقال الجيش الإسرائيلي إنه رصد إطلاق 90 صاروخا باتجاه الأراضي المحتلة، في آخر 12 ساعة.

يأتي ذلك في وقت تستمر المساعي الأميركية لوقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اتصال هاتفي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يؤيد وقفاً لإطلاق النار في غزة، وهي الدعوة التي تعكس تغيّراً طفيفاً في لهجة الرئيس الأميركي.

وقال البيت الأبيض في بيان، إن “بايدن أكد لنتنياهو هاتفياً دعمه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بمواجهة الهجمات الصاروخية”. وأضاف البيان أن “بايدن أعرب عن دعمه لوقف إطلاق النار وناقش انخراط واشنطن مع مصر وشركاء آخرين في جهوده لتحقيق ذلك”، وأشار إلى أن بايدن “حثّ نتنياهو على ضرورة التأكد من حماية المدنيين ويشجع على إعادة الهدوء إلى القدس”.

وتتعارض دعوة الرئيس الأميركي مع خطاب نتنياهو الذي خرج الاثنين بعد اجتماع المجلس الأمني السياسي المصغر ليؤكد مجدداً أن الحرب على غزة متواصلة، قائلاً: “لدينا المزيد من الأهداف”، وهو الموقف الذي تمسّك به خلال اتصاله مع بايدن، وفق بيان صادر عن مكتبه.

وأعلن البيت الأبيض الاثنين، أن مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان أجرى اتصالات مع نظيريه في إسرائيل ومصر في إطار جهود متواصلة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي إن سوليفان أكد انخراط الولايات المتحدة في جهود دبلوماسية مكثفة وهادئة لخفض التصعيد في قطاع غزة. وأضافت “لن نكشف تفاصيل جهودنا الدبلوماسية خلف الكواليس لخفض التصعيد في الشرق الاوسط”. وتابعت أن “واشنطن تدعو الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للانخراط في حوار لحل الصراع”.

وفي السياق، حذّر رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي إسرائيل مما أسماها مخاطر توسّع نطاق النزاع مع حركة “حماس” إلى أبعد من حدود غزة، مشدداً على أن “لا مصلحة لأحد في مواصلة المعارك”.

وخلال رحلة جوية إلى بروكسل للمشاركة في اجتماع لرؤساء أركان جيوش دول حلف شمال الأطلسي، قال ميلي للصحافيين: “هناك مدنيون يُقتلون وأطفال يُقتلون”. وأضاف أن “إسرائيل تحاول الدفاع عن نفسها”، مستدركاً: “مستوى العنف هناك بلغ حداً يجعل مواصلة المعارك أمراً لا يصبّ في مصلحة أحد”.

ولدى سؤاله عن ضلوع محتمل لإيران في دعم حماس، أشار ميلي إلى أن “مستوى العنف هذا يزعزع الاستقرار أبعد من حدود غزة”. وتابع: “أياً تكن الأهداف العسكرية، يجب أخذ العواقب في الاعتبار”. وأضاف “برأيي، على كل الأطراف المعنيين احتواء التصعيد في هذه المرحلة”.

ووسط التغيير في اللهجة الأميركية تجاه معركة غزة وفي ظل تواصل تعبير الأوساط الإسرائيلية عن خيبة أملها من نتائج العدوان على غزة، قال المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرنوت” يوسي يهشوع إن عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس على إسرائيل، في الأسبوع الأول من الحرب الدائرة حالياً، يساوي عدد الصواريخ التي أطلقتها في حرب 2014، والتي استمرت 50 يوماً.

وكتب يهشوع في تغريدة إن حماس أطلقت في آخر 24 ساعة فقط 240 صاروخاً على العمق الإسرائيلي، مشدداً على أن غارات الجيش لم تتمكن من المس بمنصات إطلاق الصواريخ التابعة للحركة.

وفي السياق، أكد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق عيران تسيون أن إسرائيل لن تخرج منتصرة من الحرب الدائرة على القطاع. وأشار في سلسلة تغريدات، إلى أن إسرائيل خاضت الحرب من موقع “دونية” بسبب الاعتبارات السياسية والشخصية لنتنياهو.

وأضاف المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق أن “حماس تمكنت من تأمين النصر في هذه الحرب منذ بدايتها، عندما نجحت في عرض نفسها كدرع للقدس وحامية لها، وعندما عطلت أعمال الكنيست وأغلقت مطار بن غوريون وشلت منطقة جوش دان (تضم تل أبيب)، وهذا يدل على أن حماس حققت إنجازاً استراتيجياً على صعيد الوعي”.

بدوره قال الكاتب الصحافي حامي شليف في تغريدة: “من الذي أعطى التعليمات بإغلاق حي رأس العمود، وبأن يتم اعتقال فلسطينيي الداخل وهم في طريقهم للصلاة في المسجد الأقصى، ومن الذي أمر بإطلاق القنابل الصوتية في قلب الحرم، الذي يعد مقدساً للمسلمين، وألقى بذلك الكبريت في برميل الوقود، هل تم هذا عن غباء أم يعكس مؤامرة إجرامية؟”.

——————————

عن آية خلف التي أشعلت إنتفاضة فلسطين

طرح أفراد في الشرطة الإسرائيلية، مزودوَّن بمعدات مكافحة الشغب، متظاهرة فلسطينية أرضاً في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، وسجلت اللقطة الهواتف الذكية لأناس شهدوا الواقعة.

وصاحت آية خلف، وهي من المؤثرين الفلسطينيين في مواقع التواصل الاجتماعي، في خلفية اللقطة، التي نقلتها في بث مباشر لمتابعيها عبر “إنستغرام”، البالغ عددهم 188 ألف متابع، يوم التاسع من مايو/أيار، قائلة “انظروا ماذا يفعلون إنهم يضربون النساء”.

وهذا المشهد واحد من مشاهد عديدة يجري تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي للمواجهات التي تقع كل ليلة تقريباً، بين الشرطة الإسرائيلية والمحتجين، ويظهر طرد ثماني أسر فلسطينية في حي الشيخ جراح من منازلهم لصالح مستوطنين إسرائيليين. وانتشر هاشتاغ “أنقذوا حي الشيخ الجراح” عالمياً، فاستخدمته المغنية البريطانية دوا ليبا، والممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار فيولا ديفيس، للتعبير عن تضامنهما.

وكان الغضب من محاولات طرد الفلسطينيين عاملاً رئيسياً وراء التوترات في القدس خلال شهر رمضان، والتي امتدت الأسبوع الماضي إلى خارج القدس، لتتحول إلى أعنف مواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين منذ سنوات.

وأطلقت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هجوماً صاروخياً على إسرائيل التي ردت بشن ضربات جوية ومدفعية على غزة. ولجأ السكان الفلسطينيون، الذين لا يملكون أملاً يذكر في كسب قضية الطرد المنظورة أمام المحاكم الإسرائيلية، إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال محمد الكرد (23 عاماً): “أكيد السوشال ميديا قوة رهيبة تستطيع أن تكون مضادة للإعلام، خصوصاً الإعلام الغربي الذي هو أصلاً تاريخياً منحاز ضد الفلسطينيين وضد قضية حي الشيخ جراح”. وأضاف في حديث لـ”رويترز”: “أنا مثلاً ظهرت على سي.إن.إن. ونشرت الفيديو على صفحتي وحقق مليوني مشاهدة، بينما المقابلة التي كانت مع المسؤول الإسرائيلي لم تحصد الا ألف مشاهدة”. وأضاف: “واضح أن هناك قوة للسوشال ميديا، حتى نحن في حساباتنا، أنا بات يتابعني ربع مليون متابع، وأتوقع أن هؤلاء الناس هم جيش إلكتروني يمكن أن يواصل النضال لأجل قضية الشيخ جراح وضد الاستعمار في فلسطين بشكل عام”.

https://www.instagram.com/p/COpgQJoDkKS/?utm_source=ig_embed

ومن بين المشاهد التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، لقطة لأخته منى وهي تصيح في وجه رجل إسرائيلي (يعقوب) قائلة “أنت تسرق بيتي”، ليرد عليها قائلاً: “إذا لم أسرقه أنا فسيسرقه غيري”.

وانتقد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، موقعي “إنستغرام” و”تويتر”، هذا الشهر، بعدما لاحظوا أن المنشورات التي توثق الأحداث في القدس الشرقية يجري حذفها. ونشر الموقعان اعتذاراً يلقيان فيه باللائمة على “أخطاء فنية”.

———————————–

التضامن مع فلسطين يهدأ حدودياً: بيانات واعتصامات متفرقة

هدأت اليوم جبهة التضامن الشعبي مع فلسطين وشعبها عند الحدود الجنوبية، بينما استمرّت حركة المسيرات والاعتصامات المندّدة بإرهاب العدو الإسرائيلي. وفي حين نفذت وحدات من الجيش اللبناني انتشاراً كثيفاً في نقاط الاعتصامات التي شهدتها الحدود خلال اليومين الماضيين، نُظّمت اليوم العديد من التحرّكات الميدانية وحتى السياسية للتأكيد على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

حزب الله.. وقفة

نفذ حزب الله وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، بالتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة لمقتل مصطفى بدر الدين، على الطريق العام لبلدة الناقورة، تخللتّها إزاحة الستارة عن نصب تذكاري لبدر الدين ورفع راية للحزب على سارية عملاقة. وبمشاركة نواب ومسؤولين حزبيين، تحدّث النائب حسن عز مؤكداً على أنّ “فلسطين هي القضية الأساس لهذه الأمة، والقدس قلب فلسطين، والمسجد الأقصى هو شغاف القلب لفلسطين”. واعتبر أنّ “أجمل وأروع ما حدث في فلسطين هو هذه الوحدة التي تجلت بين جميع أبناء الشعب الفلسطيني، سواء في الداخل أو الخارج، والأجمل أيضاً أنها استطاعت أن تعيد الروح إلى جسد هذه الأمة العربية والإسلامية، وأعادت الحرارة إلى كل إنسان حر وشريف”، معتبراً أن “بداية زوال الكيان الإسرائيلي بدأت، وبتنا اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى فلسطين”.

“أمل” و”الاشتراكي”

وفي السياق نفسه، حيّا المكتب السياسي لحركة أمل “الشعب الفلسطيني على اتساع المواجهة في كل فلسطين”، معتبراً أنّ “تحولات استراتيجية كبرى على مستوى القضية الفلسطينية والمنطقة والعالم قد ولدها صمود الفلسطينيين في غزة والأقصى وداخل أراضي 1948، من تجلياتها حجم الأسئلة الوجودية التي تطرح اليوم في أروقة القرار الصهيوني حول بقاء الدولة والكيان وإمكانية استمرار الاحتلال وقهر الفلسطينيين بالعنف والإرهاب”. واعتبرت الحركة في بيان أنّ “المعركة التي عنوانها القدس والأقصى، قد أطاحت بكل مخططات التسوية وصفقات قرن ومشاريع تطبيع ليعود الصراع إلى بداياته، وحكماً ستتحقق غاياته ومآلاته بالتحرير والنصر لأن حقاً وراءه مطالب لن يضيع”.

والتقت قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي اليوم وفداً من قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في لبنان. وندّد المجتمعون، حسب بيان “التقدمي” بـ”الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وأراضي الـ48، مدينين القصف الهمجي والتدميري الذي يمارسه العدو”. كما أكدوا على أنّ “القضية الفلسطينية تبقى هي البوصلة السياسية والأخلاقية للأمة وأحرار العالم”، مطالبين بـ”ضرورة حشد كل الإمكانات والطاقات في هذه المواجهة المصيرية والقيام بأوسع حملة تضامنية من أجل إسناد الشعب الفلسطيني”.

رسالة الجبهة الديموقراطية

وفي اعتصام أمام مقرّ الأمم المتحدة في بيروت (الإسكوا)، نفّذت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين اعتصاماً استنكاراً للجرائم الإسرائيلية في فلسطين وتنديداً بالعدوان على الشعب الفلسطيني. وبحضور أعضاء من المكتب السياسي ومسؤولين في الجبهة، أكدت الكلمات على حق المقاومة وحق العودة، وتأكيد على استمرار النضال والقضية بعد مرور 73 عاماً على النكبة. وفي ختام الوقفة، تم تسليم مساعد ممثل المكتب التنفيذي للإسكوا مهند الموسوي مذكرة موجهة إلى الأمين العام للامم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، دعت الأمم المتحدة ومؤسساتها إلى “توفير الحماية الدولية لشعبنا تحت الاحتلال، ومحاكمة العدو على جرائمه في حق المدنيين، والتمسك بحق العودة وفقاً للقرار 194”.

اعتصامات.. ووقفات

وجنوباً، نظّمت رابطة أطباء الأسنان في صيدا والجنوب ورابطة أطباء الأسنان الفلسطينيين في لبنان، وقفة عند ساحة الشهداء في صيدا، تضامناً مع الأهالي في فلسطين المحتلة ونصرة للأقصى الشريف واستنكاراً لما يتعرض له أهالي حيّ الشيخ جراح وفي غزة والضفة الغربية. وتوالت الدعوات اليوم لتنظيم تحركات ووقفات تضامنية يوم غد الثلثاء. فتكون وقفة في نقابة المحامين في طرابلس، وأخرى أمام سفارة دولة الإمارات العربية المتّحدة.

وفي بيان، تطرّق تيار المستقبل إلى الدعوة للاعتصام أمام السفارة الإماراتية، فأشار إلى أنّ “جهة مجهولة وراء هذه الدعوة”. واعتبر أنّ “كل محاولة لاحتكار تأييد القضية الفلسطينية والتضامن مع الشعب الفلسطيني هي محاولة مرفوضة ومردودة كائناً من يقف وراءها، وهي تقع في خانة المزايدات القومية على دول وشعوب كرست جهدها ومالها وحياتها لنصرة فلسطين وشعبها”، واصفاً الدعوة بـ”المشبوهة وترمي إلى تعميق الخلاف بين لبنان وأشقائه العرب”.

————————–

إسرائيل تدرس وقفاً أحادياً للنار..لأن إعلان النصر مستحيل

واصلت المقاتلات الإسرائيلية الحربية لليوم السابع على التوالي، شنّ غاراتها العنيفة والمكثّفة على مناطق مختلفة من قطاع غزة، شملت منشآت سكنية ومدنية وحكومية وأمنية وتجارية، فيما تدرس إسرائيل وقفاً أحادياً لإطلاق النار.

وأسفرت هذه الغارات، بحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، عن استشهاد 197 فلسطينياً، بينهم 58 طفلاً و34 سيدة و15 من كبار السن، فضلاً عن إصابة 1235 آخرين.

وشنّت المقاتلات الحربية الإسرائيلية نحو 1200 غارة واعتداء منذ بداية العدوان، في 10 أيار/مايو، بحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. وتركّزت هذه الغارات على المنازل والمباني السكنية، والمقرات الحكومية، والبنى التحتية.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاثنين، إن إسرائيل تدرس إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد. وقال المعلق العسكري في الصحيفة رون بن يشاي إن إسرائيل تدرس القيام بهذه الخطوة بهدف قطع الطريق على حركة حماس لأن تطرح شروطها، تحديداً المتعلقة بالسياسات الإسرائيلية في القدس.

وتوقع بن يشاي أن تستمر الحرب يومين أو ثلاثة قبل أن يتم إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من خلال عملياته في الساعات القادمة إلى أن يلحق أضرارا بحركة حماس والمسّ بقياداتها. واستدرك بن يشاي قائلاً إن إسرائيل تدرك أنها “لن تحوز على صورة نصر، ولن يخرج يحيى السنوار ومحمد الضيف وهما يرفعان الراية البيضاء ويتوسلان وقفاً لإطلاق النار”.

وفي مؤشر على عمق خيبة الأمل التي تسود الدوائر الرسمية الإسرائيلية، كشف أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ألغى مؤتمراً صحافياً خطط لعقده للاحتفاء ب”نتائج عملية كبيرة”، كان يفترض أن تكون أهم الإنجازات التي راهنت تل أبيب على تحقيقها، بعد أن تبين أن نتائج العملية كانت متواضعة للغاية.

وقال المعلق العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل إن نتنياهو خطط بعيد مهاجمة إسرائيل لما تسميه “مترو أنفاق حماس” في قلب مدينة غزة، قبل خمسة أيام، للإعلان عن النصر عبر مؤتمر احتفالي يثني فيه على “عبقرية” رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي.

وأشار إلى أن نتنياهو أصدر تعليماته بالفعل لبعض الصحافيين الذين يمثلون “أبواقاً دعائية” له بالترويج ل”الإنجاز”، لكنه تراجع عن ذلك بناء على نصيحة بعض معاونيه بعد أن تبين تواضعه.

يأتي ذلك فيما أجرى وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن ليل الأحد، اتصالات هاتفية مع نظرائه في مصر والسعودية وقطر، في وقت يسعى موفد أميركي وصل إلى المنطقة لوقف تصعيد المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن “بلينكن كرر دعوته جميع الأطراف إلى تهدئة التوترات ووقف العنف الذي أودى بحياة مدنيين إسرائيليين وفلسطينيين، من بينهم أطفال”.

وقال المتحدث إن الوزير ناقش مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان الجهود “الجارية لتهدئة التوترات في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة وإنهاء العنف الحالي”.

وأعرب بلينكن عن أسفه لفقدان أرواح فلسطينيين وإسرائيليين، وحثّ السعودية على المساهمة في منع تفاقم الأزمة، معرباً عن اعتقاده بأن الفلسطينيين والإسرائيليين “يستحقون تدابير متساوية من الحرية والكرامة والأمن والازدهار”.

وفي مكالمة مع وزير الخارجية المصرية سامح شكري، جدّد بلينكن دعوته لجميع الأطراف لتهدئة التوترات ووقف العنف، وشكر مصر على جهودها المستمرة لدعم إنهاء العنف”.

وذكر بيان آخر أن بلينكن ناقش مع وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الجهود المبذولة لإعادة الهدوء إلى إسرائيل والضفة الغربية وغزة “في ظل الخسائر المأساوية في أرواح المدنيين”.

وجاءت دعوات بلينكن بعد يوم من اتصال الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للتعبير عن “قلقه البالغ” بشأن تدهور الوضع وحثّ الجانبين على ضبط النفس”.

وفي السياق، دعا عشرات الأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي إلى وقف فوري لإطلاق النار في إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وأصدر 28 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ بياناً، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، كما أكدوا ضرورة تفادي التصعيد في العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وشدد الأعضاء الديمقراطيون على ضرورة تفادي فقدان مزيد من الأرواح الفلسطينية والإسرائيلية. ومن بين الأسماء البارزة الموقعة على البيان رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ ديك ديربن، ورئيس لجنة الاستخبارات مارك وارنر، والسيناتور بيرني ساندرز، والسيناتورة إليزابيث وارين، والسيناتور تيم كين، والسيناتور كريس ميرفي.

كما أصدر ميرفي مع السيناتور الجمهوري تود يانغ بياناً آخر جاء فيه: “يجب أن يدرك الجانبان أن أرواحاً كثيرة للغاية قد زُهقت نتيجة لهجمات حماس الصاروخية ورد إسرائيل، ويجب عدم تصعيد الصراع أكثر”.

كذلك أصدر 8 أعضاء في مجلس النواب الأميركي بياناً مشتركاً، قالوا فيه: “أدى اندلاع أعمال العنف الأخيرة في إسرائيل وغزة إلى سقوط مئات الضحايا”. وأضافوا “من الضرورة القصوى أن يتم وقف فوري لإطلاق النار وتجنب المزيد من إراقة الدماء. البديل هو مأساة إنسانية تتكشف بأبعاد لا يمكن تصورها”.

وحثّ البيان إدارة الرئيس جو بايدن على “القيادة بجرأة واتخاذ إجراءات حاسمة”، باتجاه وقف إطلاق النار. والنواب الموقعون على البيان هم ديفيد برايس، جيرالد كونولي، بيتر ويلش، جون يارموث، جان شكاكوفسكي، باربرا لي، لويد دوجيت وآلان لوينثال.

——————————

مسؤولون إسرائيليون يتهمون نتنياهو بإشعال الحرب لإجهاض محاكمته

أكدوا أنه «دفع إليها بكل قوة باقتحام الأقصى في رمضان»

خرج عدد من أبرز الشخصيات السياسية والجنرالات السابقين والمعلقين الصحافيين في إسرائيل، بانتقادات شديدة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، متهمين إياه بأنه أشعل الحرب الحالية، عندما قاد إلى تفجير الأوضاع في القدس الشرقية المحتلة لتتدحرج إلى حرب مع «حماس» في قطاع غزة، دون أن يضع لها استراتيجية ملائمة.

وقال رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، إن نتنياهو يدير هذه الحرب، من بدايتها في أحداث القدس، بطريقة مشبوهة، تدل على أن حساباته الأساسية شخصية تتعلق ببقائه في الحكم حتى يستطيع إجهاض محاكمته بسن قوانين جديدة مفصلة على مقاسه. وأضاف «منذ سنوات وأنا أحذر من أن يلجأ إلى افتعال حرب حتى يحل مشاكله. إنه مستعد لإشعال الأرض تحت أقدامنا في سبيل مصالحه».

وكتب الرئيس الأسبق لأركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، ينتقد انشغال وسائل الإعلام العبرية والصحافيين والجنرالات المتقاعدين خلال نقاشاتهم على شاشات التلفزة، بالقشور والأمور التافهة، بشكل متعمد، والفشل في الاهتمام بتلك العلاقة الوثيقة، السرية والعلنية، ما بين نتائج الانتخابات الأخيرة الرابعة، التي قادت إلى منح يائير لبيد كتاب التكليف (لتشكيل الحكومة القادمة)، وبين إلقاء عود الثقاب. وتساءل: «ما أهمية عدد مخربي (حماس) المدفونين في الأنفاق المهدومة، وما هو المهم في أن تكون نسبة نجاح القبة الحديدية المدهشة 85 في المائة أو 90 في المائة؟ الأمر الأساسي هو: كيف وصلنا إلى هذا الوضع، فالمتهم الذي يجلس على كرسيه طيلة 12 عاما، كان من المفترض أن ينجح في منع (حماس) من التزود بصواريخ يغطي مداها قسما كبيرا من المناطق المأهولة في دولة إسرائيل».

ويعدد حالوتس إخفاقات نتنياهو، وفي مقدمتها إهمال العنف الداخلي في المجتمع العربي، وتحطيم جهاز الشرطة، وتحطيم المحكمة العليا والنيابة، وجعلها مؤسسات ضعيفة يسهل تسخيرها لمصلحته ومكانته في التحقيقات وفي المحاكمة التي يخوضها. «تجاهل بشكل متعمد الأمر البارز، وهو التصادم المتوقع ما بين يوم القدس (اليهودي)، وبين رمضان وانتخابات السلطة الفلسطينية». وأضاف «لقد جرنا إلى 4 معارك انتخابية، انتهت بفشله في تشكيل حكومة لائقة بسكان الدولة. وعندما فهم أنه من دون دعم إحدى القائمتين العربيتين لن يستطيع تشكيل حكومة، توجه لإخوته العرب كمن عثر على عائلته الضائعة وأبدى استعداده لإعطائهم كل ما يطلبون. وعندما تم سحب كتاب التكليف، قرر أن يمنع أي شخصية سياسية أخرى القيام بذلك، حتى لو كان الثمن إشعال النيران بالدولة وساكنيها». وطالب حالوتس بإجراء تحقيق معمق حول كيفية إدارة الأمور وتنسيقها، بين نتنياهو ووزير الأمن الداخلي (أمير أوحانا)، والمسؤول عن الشرطة والنائب اليميني المتطرف، إيتمار بن غبير، الذي يشعل نار العنصرية ضد العرب في المدن المختلطة، وعلاقة كل ذلك بإثارة الاستفزازات في القدس.

وكتب وزير القضاء الأسبق، البروفسور دانئيل فريدمان، أن نتنياهو الذي وعد قبل وصوله إلى الحكم بإسقاط حكم «حماس» في قطاع غزة، كان أكثر المسؤولين الإسرائيليين الذي عمل على تقوية حكم «حماس». بدءا بصفقة شاليط في سنة 2021 «واستمر في التوصل إلى تهدئة وفي ترتيب دعم قطري تدخل بموجبه حقائب النقود إلى القطاع وتكريس الانقسام الفلسطيني». واليوم توجد مصلحة مشتركة بينهما في البقاء في الحكم.

وقال وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» اليميني، إنه مهما تفوه نتنياهو اليوم ضد «حماس»، فإنه لا يستطيع إخفاء الحقيقة بأنه كان أكبر داعم لها. وقال إن نتنياهو يدير الحرب مع غزة وفقا لمصالحه الشخصية والحزبية. وما دام أن كتاب التكليف بيد لبيد، «فإنه سيواصل الحرب إلى أن يلتف الجمهور الإسرائيلي من حوله وينفض عن خصومه، و(حماس) تساعده في ذلك، فهي أيضاً تربح حزبياً من الحرب».

وكتب في «معريب»: يخبرنا نتنياهو أن قواتنا قتلت أربعة من هيئة رئاسة أركان «حماس»، وقتلت قائد لواء شمال غزة في «حماس» وقائد لواء الجنوب في الجهاد الإسلامي، وغيرهم، ويتجاهل أن سياسته جعلت «حماس» ذات قوة عسكرية منظمة فيها رئاسة أركان وقادة ألوية. ويضيف: «حتى اليوم لا توجد سياسة استراتيجية واضحة للدولة تجاه (حماس). وما نراه هو إدارة سياسة بروح المقولات (علي وعلى أعدائي) و(أنا ومن بعدي الطوفان)». ويضيف «دولة إسرائيل أصبحت رهينة لمعركة نتنياهو الشخصية في سبيل إجهاض محاكمته. الرجل يهدد كياننا ويقودنا إلى الهلاك. وأنا أقترح على كل مواطن أن يسأل نفسه: إذا كان هذا حالنا مقابل (حماس)، فكيف سنكون مقابل (حزب الله) وإيران؟».

وقال الكاتب الصحافي بن كسبيت، إن «نتنياهو هو المستفيد الوحيد من الحرب الجارية اليوم، والتي دفع إليه هو ورجاله في الحكم بكل قوة منذ مطلع رمضان، عندما أغلقت الشرطة باب العامود واقتحمت الأقصى، فاليوم لم يعد هناك حديث عن حكومة بديلة له وهذا هو هدفه الأساسي».

———————-

بين النفي والتأكيد.. نتنياهو طلب مهلة من بايدن لإنهاء الحرب على غزة

طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن مهلة ليومين أو ثلاثة لإنهاء العمليات العسكرية في غزة، بينما شجع الأخير إسرائيل على “اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لضمان حماية المدنيين الأبرياء”.

ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر غربية مطلعة أن نتنياهو طلب من الإدارة الأميركية مهلة يومين إلى ثلاثة لإنهاء عمليته العسكرية في قطاع غزة، مشيرة إلى أن الأميركيين طلبوا من نتنياهو إنهاء عدوانه على غزة فرد أنه ما زال بحاجة ليومين إلى ثلاثة لاستكمال ضرب الأهداف في القطاع.

من جهته، قال المراسل السياسي في موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي باراك رافيد، لشبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية فجر الثلاثاء، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين “إنهم بحاجة إلى 24-48 ساعة لإتمام العملية في غزة ثم سيتوقفون”.

في المقابل، قال موقع أكسيوس (Axios) الأميركي إن إدارة بايدن لم تعط إسرائيل مهلة نهائية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي قوله إن رسالة واشنطن العامة في اتصال بايدن ونتنياهو هي أنها تدعم إسرائيل لكنها تريد إنهاء العملية في غزة، مضيفا أن إدارة بايدن أوضحت أن قدرتها على كبح الضغط الدولي على إسرائيل بشأن عملية غزة وصلت إلى نهايتها.

كما أشار مراسل الجزيرة إلياس كرام إلى أن مصادر إسرائيلية ذكرت أن نتنياهو يريد يومين أو 3 أيام قبل إنهاء حملته حتى يحقق أي إنجاز عسكري يمكّنه من الخروج بصورة المنتصر.

نتنياهو يسعى لتحقيق إنجاز عسكري يمكّنه من الخروج بصورة المنتصر (رويترز)

استبعاد ونفي

من جهتها، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، الثلاثاء، إن مصادر إسرائيلية مطلعة على الاتصالات الجارية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار أكدت أن “بوادر تفاؤل بدأت تلوح في الأفق حول احتمال إنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة”.

وأشارت تلك المصادر بهذا الخصوص إلى أن “اتصالات أولية تجرى حاليا لتحقيق هذا الهدف”، غير أن الهيئة الرسمية استدركت أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي “ينفي ذلك”.

واستبعد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس، في حديثه لهيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، احتمال إنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة في الأيام القريبة.

دعم إسرائيل

وكان البيت الأبيض قد أفاد بأن الرئيس بايدن أعرب في محادثة هاتفية مع نتنياهو عن دعمه وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقد أكد بايدن على ما سماه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وإدانته لما وصفها بالهجمات الصاروخية العشوائية من قبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على البلدات الإسرائيلية، وفق ما جاء في بيان للبيت الأبيض.

لكن البيان أضاف أن الرئيس الأميركي “أعرب عن دعمه لوقف إطلاق النار وبحث انخراط الولايات المتحدة مع مصر وشركاء آخرين من أجل هذه الغاية”.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو أبلغ بايدن أنه “مصمم على استكمال الهدف من العملية لإعادة الأمن لمواطني إسرائيل”.

وكانت إسرائيل أطلقت عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة منذ 10 مايو/أيار الجاري، استهدفت خلالها المقاتلات الحربية منازل مدنيين وأبراجا سكنية ومؤسسات إعلامية، إضافة إلى الشوارع والبنى التحتية في القطاع.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————

هاجمت صفقة الأسلحة لإسرائيل.. عضو الكونغرس إلهان عمر: الجرائم ترتكب بدعم منا

هاجمت عضو الكونغرس الأميركي إلهان عمر مساء الاثنين صفقة الأسلحة التي أبرمتها بلادها مع إسرائيل مؤخرا، محذرة من تداعياتها، واعتبرت أنها ستكون ضوءا أخضر للتصعيد من قبل إسرائيل.

وقالت النائبة المسلمة من أصول صومالية، في بيان نشرته عبر تويتر عقب ورود تقارير إعلامية حول موافقة إدارة الرئيس جو بايدن على صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، “يجب على الولايات المتحدة ألا تقف مكتوفة الأيدي بينما تُرتكب جرائم ضد الإنسانية بدعم منا”.

وأكدت عمر أنه سيكون من المروع أن تمضي إدارة بايدن بصفقة سلاح موجه بدقة بقيمة 735 مليون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دون أي قيود، في أعقاب تصاعد العنف والهجمات على المدنيين. وحذرت من أن هذه الصفقة ستُعتبر ضوء أخضر للتصعيد المستمر، وستقوض أي محاولات للتوسط في وقف إطلاق النار.

وأضافت أن “العنف في إسرائيل وقطاع غزة يخرج عن السيطرة، وأن الزعيم الإسرائيلي اليميني المتطرف نتنياهو، مسؤول عما يقل عن 1505 ضحية في غزة، من بينهم 200 وفاة، 59 منهم أطفال”.

وتابعت في بيانها أن نتنياهو دمر مباني سكنية بالكامل واستهدف الصحفيين والمدنيين في انتهاك مباشر للقانون الدولي، وهو يقوم بذلك ويحظى بتمويل مباشر ومساعدة عسكرية من الولايات المتحدة.

صفقة سلاح

وكانت صحيفة واشنطن بوست (Washington Post) الأميركية قد كشفت الاثنين أن إدارة بايدن أبلغت الكونغرس في 5 مايو/أيار الجاري، موافقتها على بيع إسرائيل صواريخ دقيقة التوجيه، وتُعرف أيضا باسم ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM) بقيمة 735 مليون دولار.

ووفق المصادر، فإن الكونغرس سيناقش هذه الصفقة، وأن عددا من أعضاء الكونغرس من الجناح الديمقراطي منزعجون منها، وطلبوا معلومات إضافية عنها.

وأشارت الصحيفة إلى أن أحد أعضاء الكونغرس قال إن الموافقة على هذا البيع دون الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، سيؤدي إلى استمرار المذابح بحق الفلسطينيين.

ويواصل الجيش الإسرائيلي منذ 10 مايو/أيار الجاري شن غاراته على مناطق متفرقة من قطاع غزة، مستهدفا منشآت عامة ومنازل مدنية ومؤسسات حكومية.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فقد ارتفع الاثنين عدد ضحايا العدوان خلال أسبوع إلى 212 شهيدا، بينهم 61 طفلا و36 سيدة، إضافة إلى إصابة 1400 بجراح متفاوتة الخطورة.

المصدر : الجزيرة + الأناضول

————————

المقدسيون يصرخون يا وحدنا/ نضال منصور

حتى وإن كانت التصريحات التي شاعت على منصات التواصل الاجتماعي للرئيس الفلسطيني محمود عباس مفبركة، فإن دلالاتها تعكس درجة الهوان والعجز التي وصلت لها السلطة الفلسطينية، ويسبقها من قبل في الفشل النظام العربي الرسمي.

الكوميديا كلها تتجسد  في هذا الكلام المنسوب للرئيس الفلسطيني “لم أنم ليلة أمس بسبب حزني وغضبي لما يحدث بالقدس والمسجد الأقصى، وأحذر أن صبري بدأ ينفذ”، وسواء قال أبو مازن هذا الكلام أو لم يقله فهو في الواقع لم يفعل شيئا، ولا يستطيع أن يفعل أكثر من التباكي والغضب.

لا يراهن المقدسيون على أحد في تصديهم لإسرائيل، فهم يعرفون أن النظام الرسمي العربي -إلا من رحم ربي- غارق في التآمر عليهم، والتطبيع العلني مع إسرائيل أصبح بضاعة للتباهي، وما كانوا يفعلونه سرا، يعلنونه على رؤوس الأشهاد.

الشارع العربي المقيد بالأغلال يتألم وهو يرى ما تفعله إسرائيل في القدس، ويشاهد بأم عينه كيف تستباح حرمات المسجد الأقصى، وأكثر ما يمكن أن يفعله أن يتظاهر مُنددا بتخاذل أنظمة الحكم العربية قبل أن يُدين القمع والبطش الإسرائيلي.

يصرخ المقدسيون “يا وحدنا”، ورغم ذلك فإن القدس تظل “خطا أحمرا”، وتابوها لا يستطيع أي زعيم فلسطيني، أو حاكم عربي أن يتخطاه، فالرئيس الفلسطيني أبو مازن مهما فعل خلال تنسيقه الأمني مع تل أبيب لا يستطيع، ولا يملك الشرعية للتنازل عن الحق الفلسطيني والعربي في القدس.

حاول الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أن يقدم للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات صفقة لا تعوض في “واي بلانتيشن”، ولكن أبو عمار رغم كل قوته، والثقة التي كان يحظى بها فلسطينيا، لم يستطع أن يغمض عينيه عن أي تنازل يتعلق بالقدس، وزار الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ليأخذ تفويضا ومباركة منه على ذلك؛ فخاف، وذهب إلى الراحل الملك الحسين عارضا تفاصيل الصفقة؛ فألقى الملك الكرة في ملعبه.

المعركة بين المقدسيين وإسرائيل مستمرة منذ عقود، وقصة حي الشيخ جراح لن تكون الأخيرة، ففي كل يوم تسعى إسرائيل إلى تهويد المدينة المقدسة، والاستيلاء بالقوة، أو بقرارات غير شرعية للمحاكم على بيوت وأراضي الفلسطينيين.

ورغم أن المكاسرة مستمرة بين قوة مدججة بالسلاح، وشعب لا يملك غير إرادته للمواجهة، فإن قصة حي الشيخ جراح تستحق أن تروى للدلالة على المحاولات الإسرائيلية في طمس الحقائق وتزييفها.

تقول الحكاية إن القصة بدأت عام 1956 عندما استقرت 28 عائلة من لاجئي نكبة فلسطين 1948 في حي الشيخ جراح باتفاق مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، وحينها كانت الضفة الغربية خاضعة للحكم الأردني.

وفرت الحكومة الأردنية الأراضي، وتبرعت الأونروا ببناء 28 منزلا، وأبرم عقد مع العائلات الفلسطينية أهم شروطه دفع أجرة رمزية على يتم تفويض الملكية للسكان بعد ثلاث سنوات من إتمام البناء.

حرب حزيران 1967، حالت دون متابعة تفويض ملكية المنازل وتسجيلها، وبتاريخ 29 نيسان 2021 أعلنت الحكومة الأردنية مصادقتها على 14 اتفاقية وسلمتها إلى أهالي الشيخ جراح، عبر وزارة الخارجية الفلسطينية لتدعم حقوقهم الشرعية بامتلاك البيوت والأراضي.

معاناة أهالي الشيخ جراح بدأت عام 1972 حين زعمت طائفة السفارديم، ولجنة الكينيست “لجنة اليهود الأشكيناز” أنهما كانتا في عام 1885 تملكان الأراضي التي أقيمت عليها المنازل، وطالبتا من المحكم الإسرائيلية بإخلاء المنازل لأنها حسب ادعاءاتهم اعتداء على أملاك الغير دون وجه حق.

المحكمة الإسرائيلية قررت أن الأراضي تعود ملكيتها إلى الجهات الإسرائيلية دون جهد في التثبت والتدقيق في شرعية الملكية، اعتمادا على قانون إسرائيلي يُجيز لليهود الذين فقدوا ملكياتهم عام 1948 أن يستردوها، في حين أن قانون أملاك الغائبين يجرد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، وينقل أصولها للدولة العبرية.

قصة الصراع، وسعي الاحتلال لتجريد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم في القدس لن تتوقف، وتستخدم المحاكم الإسرائيلية أحيانا لإضفاء شرعية على قرارات باطلة، فإسرائيل دولة مُحتلة وستبقى، وهذا ما أقره القانون الدولي، وأي تدابير وإجراءات يتخذها لا يعتد بها.

“انتفاضة القدس” السلمية أبعدت الأضواء عن الانتخابات الفلسطينية التي أرجأت، واستخدمت القدس ومنع اسرائيل لإجراء الانتخابات فيها مبررا لذلك، وعلى ما يبدو فإن صرخات المقدسيين المنتفضين ستحدث شروخا لا يمكن ترميمها في بناء السلطة الفلسطينية المتهاوية أساسا، وتعجل بنهاية شرعية الرئيس أبو مازن.

نتانياهو الرئيس الذي لم يفلح في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات يحاول أن يستثمر في أزمة القدس ويشعلها أكثر، ففي أجواء العنف والصراع تكون اللحظة المناسبة لحشد اليمين حوله لتمتين الجبهة الإسرائيلية وتوافقها تحت قيادته.

يقرأ رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت المشهد بنفس الاتجاه في جريدة معاريف، ويقر أنه منذ فترة طويلة جرى عمل منهجي منظم يستهدف الفلسطينيين لإلحاق الضرر الاقتصادي والجسدي بهم، وتنامت ظاهرة خطيرة استفزازية تستهدف حشر الفلسطينيين في الزاوية، ولا يترك لهم أي خيار غير اللجوء للعنف.

ويرى أولمرت أن عنف المستوطنين الموجه للفلسطينيين للتنكيل بهم، وطردهم، وإبعادهم عن أماكن حياتهم، أضيف له بعد جديد يتمثل في استخدام العنف لتشكيل حكومة من الفاشيين.

ويعتقد أولمرت أن المستوطنين العنيفين لا يثقون بنتانياهو لكنهم يعرفون أنه جبان وقابل للابتزاز؛ ولهذا قرروا إشعال النار والعنف بالقدس، وهو ما يحتاجه نتانياهو للحديث عن حالة الطوارئ لتشكيل حكومة برئاسته، باختصار نتنياهو الأداة لإشعال عود الثقاب.

على سلم العنف يحاول نتنياهو الصعود إلى سدة الحكم مرة أخرة، غير آبهٍ باتفاقيات السلام التي أسقطها منذ سنوات، وكل ما يفعله مزيدا من التصعيد والاضطراب لعل هذه الازمات تنقذه، أو تؤجل مصيره المحتوم في المحاكم بتهم الفساد.

ما يحدث في القدس اليوم يدق جدار الصمت، ويؤكد ما توصلت له “هيومن رايتس ووتش” أن إسرائيل ترتكب جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد.

التقرير الذي كتبه أريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يُدين إسرائيل بشكل واسع، وهو يضاف إلى تقارير المؤسسات الأممية وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

غولدستين اعتبر جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد جرائم حرب ضد الإنسانية، وشرح بالتفصيل الأدلة التي قادته إلى هذه النتيجة.

مهما امتلكت إسرائيل من قوة، ومهما سكت المجتمع الدولي عن جرائمها، فإنها لن تستطيع أن تنهي أو تُبيد شعبا يملك إرادة كالشعب الفلسطيني، ولن تستطيع أن تمحو من التاريخ تقرير “هيومن رايتس ووتش” بأنها دولة فصل عنصري، وبالتأكيد لا تستطيع أن تمنع صرخات وهدير انتفاضة القدس.

———————-

رفَض تقديم أي التزام لبايدن بوقف النار.. الأناضول: نتنياهو طلب يومين أو 3 لإنهاء عمليته بغزة

قالت مصادر غربية مطلعة على محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، الثلاثاء 18 مايو/أيار 2021، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من الإدارة الأمريكية مهلة يومين إلى ثلاثة لإنهاء عمليته العسكرية في قطاع غزة.

ما كشفته الأناضول يأتي بينما تواصل القوات الإسرائيلية قصفها قطاع غزة واستهداف المدنيين، كما ترفض الدعوات التي وجهتها دول عربية وغربية من أجل فرض هدنة للسماح للجهود الدبلوماسية بالعمل من أجل فرض هدنة طويلة الأمد في القطاع.

نتنياهو بحاجة لمزيد من الوقت

أضافت المصادر الغربية، مفضّلة عدم الكشف عن هويتها، أن الأمريكيين طلبوا من نتنياهو يومي الأحد والإثنين، إنهاء عدوانه على غزة، فردّ أنه ما زال بحاجة ليومين أو ثلاثة لاستكمال تنفيذ الجيش الإسرائيلي ضرب أهدافه في القطاع.

وكالة الأناضول أوضحت أن تلك المصادر لم تستطع التأكيد ما إن كان ذلك يعني أن العدوان الإسرائيلي على غزة سيتوقف الأربعاء أو الخميس أم لا.

فيما قال المراسل السياسي في موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي باراك رافيد، لقناة “سي إن إن” الأمريكية، فجر الثلاثاء، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين “إنهم بحاجة إلى 24-48 ساعة لإتمام العملية في غزة ثم سيتوقفون”.

كما أضاف: “رسالة إدارة (الرئيس الأمريكي) جو بايدن لإسرائيل هي أن وقت العملية بدأ ينفد”.

من جانبه، استبعد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس، في حديثه لهيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، احتمال إنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة في الأيام القريبة.

رفض تقديم أي التزامات لبايدن

كان بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً مساء الإثنين مع نتنياهو، وقال البيت الأبيض في بيان حول الاتصال: “جدّد الرئيس دعمه الثابت لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية العشوائية”.

كما أضاف: “أعرب الرئيس عن دعمه لوقف إطلاق النار، وناقش مشاركة الولايات المتحدة مع مصر وشركاء آخرين لتحقيق هذه الغاية”.

لكن المصادر المطلعة على تفاصيل اتصالات وقف إطلاق النار أشارت إلى أن “نتنياهو يرفض تقديم أي التزام مقابل وقف إطلاق النار”.

من جهتها، قالت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، إن مصادر إسرائيلية مطلعة على الاتصالات الجارية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار أكدت أن “بوادر تفاؤل بدأت تلوح في الأفق، حول احتمال إنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة”.

أشارت تلك المصادر بهذا الخصوص إلى أن “اتصالات أولية تجرى حالياً لتحقيق هذا الهدف”، غير أن الهيئة استدركت أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي “ينفي ذلك”.

—————

هل أصبحت ألمانيا الداعم الأكبر لانتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين؟ موقفها أكثر عدوانية من واشنطن

عربي بوست

تمثل ردود الفعل في ألمانيا بشأن عدوان إسرائيل على قطاع غزة حالة خاصة يمكن وصفها بالانفصام بين موقف رسمي داعم بشكل مطلق وغير منطقي لإسرائيل، وموقف شعبي مساند للفلسطينيين.

وربما تكون المرة الأولى التي يظهر فيها هذا التناقض في الموقف الألماني بين الرسمي والشعبي منذ بداية العدوان الإسرائيلي الحالي والتي ترجع إلى ملف تهجير فلسطينيين من حي الشيخ جراح وصولاً إلى الحرب الشعواء التي تشنها قوات الاحتلال منذ الاثنين 10 مايو/أيار على قطاع غزة المحاصر.

ليس من حق الفلسطينيين أن يدافعوا عن أنفسهم

ومن المهم قبل تفصيل الموقف الألماني الرسمي وخلفياته التوقف عند حيثيات الحرب غير المتكافئة حالياً بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، من وجهة نظر الحليف الرئيسي لإسرائيل وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تظهر إدارة الرئيس جو بايدن أي موقف رسمي يتعلق بسعي حكومة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو تهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح، واستمر الصمت على حاله وإسرائيل تغلق باب العامود وتعتدي على الفلسطينيين في أنحاء القدس الشرقية المحتلة وتقتحم المسجد الأقصى من جانب الشرطة والمستوطنين وتحوله إلى ساحة معركة طرفها الآخر المصلون الفلسطينيون.

وهذا أيضاً كان موقف حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فلا بيان واحد يطلب من إسرائيل التوقف عن اعتداءاتها بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وبخاصة القدس الشرقية، ولا حتى الاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى، رغم أن القوانين الدولية والإنسانية تصنف تلك الاعتداءات على أنها جريمة حرب.

ولكن في اللحظة التي أقدمت فيها الفصائل الفلسطينية على رشق إسرائيل بالصواريخ، بعد تجاهل النداءات المتكررة والمناشدات التي أصدرتها الفصائل لحكومة نتنياهو وللمجتمع الدولي لوقف الاعتداءات في المسجد الأقصى ووقف تهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح، صدرت على الفور بيانات التنديد من واشنطن وأيضاً من برلين.

حتى هنا قد يبدو الموقف الأمريكي والألماني متطابقين، لكن التفاصيل تظهر اختلافاً واضحاً يشير إلى أن ألمانيا أكثر دعماً لإسرائيل من واشنطن ذاتها.

ففي يوم الأربعاء 12 مايو/أيار اعتبرت الحكومة الألمانية أن من “حق إسرائيل الدفاع عن النفس في وجه هجمات” حماس، وقال المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت “من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها في وجه هذه الهجمات في إطار الدفاع المشروع عن النفس”، موضحاً أن الحكومة الألمانية تدين “بشدة هذه الهجمات المتواصلة بالصواريخ انطلاقاً من قطاع غزة على مدن إسرائيلية”.

وربما لو توقف زايبرت – الذي يتحدث باسم ميركل مباشرة – عند هذا الحد لتطابق موقفه إلى حد ما مع موقف إدارة بايدن، لكن عندما حاصره الصحفيون بالأسئلة حول ما تقوم به إسرائيل وكيف أنها كانت الطرف الذي بدأ بالاعتداء وأن صواريخ حماس وباقي فصائل المقاومة تعتبر دفاعاً عن النفس، انفعل المتحدث باسم الحكومة الألمانية وقال إن هجمات حماس “لا علاقة لها إطلاقاً بالدفاع عن النفس”.

ولما لم تتوقف أسئلة الصحفيين عند هذا الحد وواصلوا إمطاره بالأسئلة التي تكشف الازدواجية الفجة في تصريحاته، اكتفي بالقول “لا تعليق”.

هذا الموقف الذي عبَّر عنه زايبرت هو الموقف الذي تتبناه ميركل وجميع المسؤولين الألمان، بمن فيهم وزير الخارجية هايكو ماس، بل وعبَّرت جميع المعسكرات السياسية الألمانية عن غضبها الشديد من “حرق علم إسرائيل” خلال مظاهرات حاشدة داعمة للفلسطينيين شهدتها أغلب المدن الألمانية يوم 15 مايو/أيار الجاري الذي صادف أيضاً ذكرى “النكبة”.

غياب الدعم الشعبي لإسرائيل في ألمانيا

ويُلقي تقرير نشرته دويتش فيله باللغة الألمانية وترجمته إلى الإنجليزية بعضاً من الضوء على هذا التناقض في الموقف الألماني بين ما هو رسمي وما هو شعبي فيما يتعلق بإسرائيل.

وجاء في التقرير أن “الشيء الذي لا يمكن تجاهله هو أن الكثيرين في ألمانيا لا يظهرون تضامناً مع إسرائيل في أوقات الأزمات”، واستشهد التقرير بأزمة عام 1991 عندما أطلق الرئيس العراقي وقتها صدام حسين صواريخ تجاه تل أبيب، حيث وقف نحو 20 شخصاً فقط أمام السفارة الإسرائيلية في بون تضامناً مع إسرائيل.

ميركل ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – رويترز

كما رصد التقرير العلاقة الخاصة جداً التي تتمتع بها ميركل تحديداً لدى الإسرائيليين، فالمستشارة زارت إسرائيل 7 مرات، كان آخرها عام 2018 ألقت خلالها خطاباً يلخص الموقف الرسمي لألمانيا.

“في هذه النقطة بالتحديد أود أن أقولها صريحة ومباشرة: كل حكومة فيدرالية وكل مستشار جاء قبلي كانوا ملتزمين بالمسؤولية التاريخية الخاصة لألمانيا في ضمان أمن إسرائيل. وتمثل هذه المسؤولية التاريخية جزءاً من منطق الدولة في بلادي وهذا يعني أن أمن إسرائيل لن يصبح أبداً محل تفاوض من جانبي كمستشارة لألمانيا”، وختمت ميركل بالقول: “سفير إسرائيل في ألمانيا سوف يراقب جيداً كيف نتصرف”.

المساواة بين “معاداة السامية” وانتقاد إسرائيل

وتكشف تصريحات المسؤولين في ألمانيا عن تطبيق تلك السياسة بشكل صارم، خصوصاً أن المظاهرات الداعمة لحقوق الفلسطينيين لا تتوقف في ظل تواصل القصف الإسرائيلي العنيف للمباني السكنية في قطاع غزة واستهداف المدنيين والأبراج السكنية ومقرات وسائل الإعلام وهو ما يزيد من حدة الغضب تجاه الاحتلال الإسرائيلي في أنحاء العالم.

لكنَّ ميركل ووزراءها يواصلون تصريحاتهم التي تحمل ليس فقط الدعم المطلق لإسرائيل ولكن أيضاً التهديدات بشأن المنتقدين لإسرائيل، إذ قالت تقارير إن الحكومة الألمانية تدرس تشديد قوانين “معاداة السامية” لديها، في ظل تصريحات لوزير الداخلية هورست زيهوفر قال فيها: “لن نتسامح مع حرق الأعلام الإسرائيلية على الأراضي الألمانية والهجوم على المؤسسات اليهودية”.

وتتمثل الإشكالية التي تواجهها الحكومة الألمانية حالياً في تفسيرات القوانين “المعادية للسامية” والتي لا تفرق بشكل واضح بين ذلك الاتهام وبين الانتقادات التي يتم توجيهها للحكومة الإسرائيلية على خلفية انتهاكاتها بحق الفلسطينيين.

فلسطين أمريكا مصر قطر السعودية

كما توجد إشكالية أخرى تتعلق بقوانين حماية حرية التعبير في البلاد والتي لا تمنع انتقاد إسرائيل والتنديد بعدوانها ضد الفلسطينيين، سواء هؤلاء في القدس الشرقية والضفة الغربية وهي أراضٍ تحتلها إسرائيل أو بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والذين يحملون جنسية الدولة العبرية، لكن حكومتها تتبع ضدهم سياسة تمييز وفصل عنصري، بحسب المنظمات الدولية والأمم المتحدة.

وقالت مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج أنيته فيدمان-ماوس في تصريحات لصحيفة “راينيشه بوست” الألمانية السبت الماضي إن “الكراهية والتحريض والعنف ضد اليهود والرموز المنشآت اليهودية غير مقبولة على الإطلاق ولا يمكن تبريرها أبداً. الحق في التظاهر وحرية التعبير ينتهي حيثما تبدأ كراهية اليهود”.

تغطية إعلامية منحازة لإسرائيل

تقرير دويتش فيله الذي رصد الموقف الألماني الرسمي من إسرائيل جاء عنوانه “ألمانيا تدعم إسرائيل.. رغم الهولوكست وبسبب الهولوكست”، وهو عنوان يلخص الموقف الرسمي الألماني المنطلق من عقدة الذنب بسبب المحارق التي أقامها الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.

ويجادل البعض بأن الموقف الألماني الحالي من توفير الدعم المطلق لإسرائيل على جميع المستويات ربما يمثل تكراراً لما تعرض له اليهود، في ظل ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين التي توصف بأنها تطهير عِرقي وفصل عنصري تمارس خلاله قوات الاحتلال جرائم حرب على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

وفي هذا السياق، جاءت تغطية وسائل الإعلام الألمانية للعدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة منحازة بصورة فجة وغير مهنية لجانب الاحتلال، وكأنها هي الأخرى تتبنى الموقف الرسمي المتموضع في خانة عقدة الذنب، دون تفكير في ضحايا العدوان الإسرائيلي من الفلسطينيين.

واليوم الثلاثاء ظهر دليل واضح على هذا الانحياز الألماني الإعلامي من جانب إذاعة صوت ألمانيا أو دويتش فيله (DW) على أن ما تشهده تغطيتها المنحازة هو قرار تحريري بررته إدارتها “بمسؤولية برلين الخاصة تجاه إسرائيل بسبب الهولوكوست”.

ومنعت هيئة تحرير الإذاعة مراسليها ومحرريها من تغطية جرائم الحكومة الإسرائيلية المتمثلة في “الفصل العنصري” واضطهاد الفلسطينيين، من خلال دليل جديد تم إرساله إلى طاقم العمل نتيجة للتصعيد الأخير في المنطقة.

وأكدت الوثيقة الداخلية المكونة من صفحتين – تم تسريبها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي – أن إرث المحرقة ومسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل لا يزالان حجر الزاوية في دستور البلاد وسياستها الخارجية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وقالت رئيسة التحرير، مانويلا كاسبر-كلاريدج، للموظفين: “نحن في دويتشه فيله لا نشكك أبداً في حق إسرائيل في الوجود كدولة، ولا نسمح للأشخاص الموجودين في تغطيتنا بالقيام بذلك”، حسب الوثيقة المسربة، وأضافت: “نحن لا نشير أبداً إلى نظام الفصل العنصري في إسرائيل. إننا نتجنب أيضاً الإشارة إلى الاستعمار أو المستعمرين”.

وتابعت: “نحن نحترم حرية الرأي والتعبير، وحق الناس في انتقاد أي من الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن انتقاد إسرائيل يصبح معاداة للسامية عندما تحاول تلطيخ وتشويه السمعة ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل أو الشعب اليهودي والثقافة اليهودية بذاتها”.

الخلاصة هنا هي أن ألمانيا تدعم إسرائيل بشكل مطلق بسبب عقدة الذنب على خلفية “الهولوكست”، بينما يدفع الفلسطينيون الثمن، فهل ترى حكومة ميركل أن الفلسطينيون هم مَن نفَّذ “الهولوكست”؟

———————————

ما بُني على باطل لا يدوم/ يحيى العريضي

تاريخياً، حلَّ الغرب مشكلته مع اليهود وتنظيمهم السياسي “الصهيونية” على حساب الشعب العربي وأرضه. سعى بداية لدى “الإمبراطورية العثمانية”، التي كانت تسيطر على أرضهم ومصيرهم، أن يقيم كياناً في الجنوب الغربي من بلاد الشام “فلسطين”؛ فلم يظفر بما يريد. أنجدت الغرب حربه العالمية الأولى بوعد قطعه وزير خارجية الإمبراطورية البريطانية “بلفور”؛ وكان للغرب والصهاينة ما أرادوا.

العرب، المنهكون من الاحتلالات، لم يكن بيدهم ما يفعلونه. قام الكيان عام ثمانية وأربعين؛ وكان أول المعترفين به “الاتحاد السوفيتي”، وأتت “الولايات المتحدة” ثانية. غذّى حال العرب السقيم الكيان الوليد؛ حيث أُحيطَ بسلطات عسكرية مرتبطة به. عام سبعة وستين، تمكن الكيان من احتلال أضعاف حجمه. تفاقمت قوته، وزاد دعمه؛ وكانت حماية حدوده بأيدي سلطات استبدّت بشعوبها، وخنعت للمحتل.

بعد عقد من إنشائه، دخلت “الخمينية” على الخط. وبالتوافق مع حافظ الأسد أخمدت مخاوف “بن غوريون” الذي قال في مذكراته “إن الخطر على الكيان يأتي من الشمال”. فكان للكيان، بفضل الأسد، وضع اليد على الجولان المنيع. وبالتنسيق بين الأسدية والخمينية، هدأت جبهة الجنوب اللبناني، بعد أن أنهى الأسد وحزب الله الإيراني أي خطر قادم من الشمال. بدورها دولة “خامينائي” وضعت يدها على قيادات “فلسطينية”؛ وبدأت رحلتها في السيطرة، ليس فقط على القرار الفلسطيني عبرها ومن خلال إغراءات خاصة رخيصة، بل على أربع عواصم عربية غير مريحة للكيان الصهيوني.

بقي الكيان الصهيوني غريباً عن محيطه. علاقته فقط مع قيادات نذلة عدوة لشعوبها. أما شعب المنطقة، صاحب الحقوق، فلا ينام على وجع. يؤمن بأن حقاً وراءه مطالب، لن يموت. بقيت فلسطين على جمر تحت الرماد. انتفض الشعب العربي الرازح تحت أنظمة الاستبداد. نجح نسبياً في أمكنة، وأُجهِظت محاولاته في أخرى. كانت الثورة الأطول عمراً في سوريا؛ فالنظام الاستبدادي القائم، كان محمياً وموصى به عالمياً من قبل الكيان الصهيوني، الذي يعرف بأن السوريين أشد شكيمة من أي جهة أخرى، لأنهم يعرفون أهدافه بعمق، ولا ينسون اغتصابه للجولان. حتى على الصعيد الداخلي السوري – الفلسطيني، تمَّ تسخير فصائل لأحمد جبريل وغيره لقتل أهلهم السوريين خلال انتفاضة سوريا على الاستبداد. وكان ذلك الجرح الأصعب في المأساة.

والآن، يقرر الكيان اقتلاع بعض العائلات الفلسطينية من بيوتها في القدس. وتتمترس تلك العائلات ببيوتها، فقضيتها قانونية بامتياز، وتستحق أن ينتفض لها أهل الأقصى؛ وتمترس المقدسيون بأقصاهم؛ فهاجمتهم قطعان المستوطنات. من جانبهم جملة من المأزومين أرادوا انتهاز هكذا انتفاضة لتبييض صفحاتهم. وكان أول هؤلاء “نتنياهو”، المطلوب قضائياً، والعاجز عن تشكيل حكومة؛ ولكن بمقدوره الدفع بقطعان المستوطنين وعساكره والبطش بالأقصى ومصليه وأصحاب القضايا القانونية. عندها انهمرت الصواريخ على الكيان في سابقة لم تحدث من قبل؛ والكيان الصهيوني كالعادة يقابل الحجر بصاروخ من طائرة f35.

والآن، الكل يتحدث عن ركب كثيرين هذه الموجة، وذلك بسبب مأزومية خانقة من محمود عباس ونتنياهو، اللذيّن تتعثر عودتهما إلى السلطة و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ومصالحهما الخاصة، والأسد الذي يحتاج إزاحة النظر عن مسرحيته الهزلية في “الانتخابات”؛ مروراً – بإيران الخامينائية التي يعيش مشروعها الخبيث على دم الآخرين ودمائهم؛ وصولاً إلى بعض “عربان” يتراقصون بين تطبيع وضياع وعتب ورعب من إسرائيل وإيران وشعوبهم؛ وروسيا التي تستشعر مستلزمات الخروج خارج الحدود؛ وأميركا التي لا يحدث شيء في العالم، وخاصة هنا، إلا ويكون لها إصبع فيه.

واضح أن الكل تورّط: نتنياهو يعجز عن تشكيل حكومة، فيدخل حرباً علّها تعيده إلى السلطة؛ فالمحاكمات تلاحقه، وسفك دم أطفال فلسطين لن ينقذه؛ وها هو يجد نفسه وللمرة الأولى أمام حرائق في مركز الكيان، ورعب في عقول ونفوس كل إسرائيلي. وعباس يتراقص بين ضياع الصلاحية، واستحالة الاستمرار بالسلطة، ولوم الآخرين وخلبيّة صواريخهم. وقادة “حماس والجهاد” يعرفون أن دخول الحمام أمر، والخروج منه مسألة أخرى؛ وإيران سرعان ما ترمي أدواتها؛ وخاصة عندما تكون في عين الخطر؛ فمَن أشاح الطرف عن أفعالها في سوريا، لن يشيحه عن علاقتها بالصواريخ والتمويل، حتى لو زايدت أو تبرأت؛ فها هو حسن نصر الله يثبت أنه الأسرع بالانكشاف والانفضاح، عندما يتنصّل بسرعة البرق من إطلاق صاروخين باتجاه الكيان، وهو الذي لا حديث له سابقاً إلا التغني بالصواريخ. إنها التعرية الكاملة للجميع، وبشكل غير مسبوق.

الرابح الأساس في التوتر القائم هو الحق والحقيقة. إسرائيل لا تستطيع أن تكون إلاّ بغاية التوحش تجاه ما يحدث؛ وأكثر من أي وقت مضى؛ ستتضح على حقيقتها: كيان احتلالي استعماري عسكري، اغتصب حق الآخرين؛ أرعبهم؛ وأرهبهم. وكل المحاولات الغربية التي سعت لتقدّيمها لمحيطها كدولة طبيعية، لم تفلح. فبيده، مثلاً، قَتَلَ الكيان الصهيوني موجة “التطبيع”.

مِن جانب آخر، وأكثر من أي وقت مضى، يتكشف أولئك الذين تسلطوا، ودفّعوا شعوبهم وبلادهم أفدح الأثمان باسم “المقاومة والممانعة”. أكثر من أي وقت مضى، سيتبع ذلك القلق والرعب المستمر داخل الكيان مستجدات لم يعهدها من قبل. فها هي أصوات، حتى داخل الكيان ذاته، تقول إن كل ما هو غير طبيعي، ومعاكس للمنطق ولسيرورة التاريخ مصيره غير مضمون. رغم الدعاية والمكابرة، معروف أن نشأة الكيان غير طبيعية؛ قام على استلاب الحقوق، أساسه كذبة، نهجه الإرهاب والإرعاب، حمته القوى الكبرى، أحاطته بسلطات استبدادية. وكل ذلك معاكس لصيرورة التاريخ والتطور الطبيعي والإنساني والأخلاقي. ما بُني على باطل لا يدوم؛ ولو طال الزمن.

تلفزيون سوريا

———————–

لكن أين هو الحق الفلسطيني؟/ مشعل العدوي

أليس من الصفاقة أن نسمع بعض الساسة في العالم يرددون على أسماعنا بين الحين والآخر وحين يصرخ الفلسطيني متألماً مقولة حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها؟؟ حين يصرح الرئيس الأميركي الديمقراطي جداً بحق إسرائيل الدفاع عن النفس أليس من حقنا أن نسأله وماذا عن الفلسطيني؟ أليس من حقه الدفاع بالحد الأدنى عن منزله ولقمة عيشه؟ لكن لن نستغرب هذا التصريح من الرئيس الأميركي جو بايدن وهو صاحب المقولة الشهيرة: ليس شرطاً أن تكون يهودياً كي تصبح صهيونياً ليبرهن بذلك بأنه صهيوني أكثر من الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين.

بالعودة لأصل هبة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخيرة وهي ممارسات سلطة الاحتلال من استكمال لسياسات تهويد القدس من خلال طرد سكان حي الشيخ جراح فتكون بذلك قد سيطرت على آخر نقطة اتصال جغرافي بين القدس ومحيطها العربي.

سلطة الاحتلال تبرر تصرفاتها العنصرية والاحتلالية الإجرامية بقرار قضائي صادر عن المحكمة العليا!! وهي تقفز بذلك عن فكرة أن القانون الذي تحكم بناء عليه تلك المحاكم هو قانون باطل وضعته سلطة الاحتلال ذاتها لخدمة أطماعها التوسعية الظالمة، وأن هذا القانون لم يُستشر في كتابته أصحاب الأرض والمنازل الأصليين وهم أهل فلسطين، ولم يكونوا جزأً من برلمان وافق على هذا القانون حين إقراره كقانون، وتالياً للفلسطينيين حق رفض الانصياع لأي قرار سواء كان قضائيا أم سياسيا طالما أن ذلك القرار مبني على قانون باطل وظالم وفاسد بالأصل.

لربما ظنت سلطة الاحتلال بأن الانقسام الحاصل في القيادة الفلسطينية قد يمنحها الفرصة لاستكمال خطوات تهويد القدس، لكن الشارع الفلسطيني كان لها بالمرصاد وفاجئ سلطات الاحتلال، ليس شارع القدس والمقدسيين فحسب وإنما شوارع كل المدن الفلسطينية التي انتفضت وزحفت باتجاه القدس معلنةً وحدة الشعب الفلسطيني والحق الفلسطيني، وانتقل هذا الحراك إلى الشارع العربي المحتقن في الأصل سواء على حدود الأردن أو لبنان وسواء في عواصم أوروبية كثيرة ومعهم أعداد غفيرة من غير العرب والذين ضاقوا ذرعاً بتصرفات حكومة الاحتلال الاستيطانية والعنصرية.

وجاء تدخل فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ليؤكد وحدة الشارع الفلسطيني، ربما نكون قد تخوفنا في البداية من أن تتحول الأنظار من مشهد الحراك السلمي المقدسي إلى تغطية دورة جديدة من العنف فنكون قد خسرنا تضامن العالم مع المقدسيين ولكن أثبتت الأحداث المتلاحقة بأن الأمر الوحيد الذي تفهمه سلطة الاحتلال هو القوة وقوة الردع بعد أن جرب الفلسطينيين والعرب كل أنواع الدبلوماسية والاتفاقات والمفاوضات، وآخرها مبادرة السلام العربية التي توافق العرب عليها إلا أن الحكومات الصهيونية المتعاقبة كانت تعمل على إفشال أي جهد للسلام ونقض أي معاهدة، وهنا من حق أي مواطن فلسطيني في الداخل أو الشتات أن يسأل السلطنة الوطنية الفلسطينية وسلطة الاحتلال في آن معاً ماذا حصد الفلسطينيون بعد أكثر من ربع قرن من اتفاقيات أوسلو؟؟ علماً بأن تلك الاتفاقية لا تعطي الفلسطينيين الفتات من حقوقهم المشروعة ومع ذلك وجدت سلطة الاحتلال عشرات الثغرات في الاتفاق كي تنقض عليه وتفرغه من مضمونه وتتلاعب بتنفيذ محتواه.

مع اختلاف وجهات نظر الحكومات العربية وسياساتها إلا أن الشارع العربي موحداً إلى جانب الحق الفلسطيني المطلق بالحرية والحياة الكريمة، فلم يعد مقبولاً بشكل من الأشكال أن تتحول غزة إلى سجن كبير ومعزولة عن العالم ولم يعد مقبولاً الصمت عن انتهاكات سلطات الاحتلال التي لا تتوقف واستمرارها بسياساتها العنصرية المفضية إلى تهويد القدس وعزلها عن محيطها العربي.

ربما نختلف في السياسة مع السلطة الفلسطينية أو هذا الفصيل وذاك ولكن وبشكل قطعي لا نختلف على حقوق الفلسطينيين بترابهم وحريتهم وكرامتهم وعلى العالم أن يعي بأن الاستمرار في دعم سلطة الاحتلال والتعامي عن حقوق شعب كامل لن يفضي إلى حل بل إلى تعميق الخلاف واستدامته وحق الشعب الفلسطيني لن يضيع بالتقادم أو التعامي.

تلفزيون سوريا

————————

ما هو الجديد في المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية الراهنة؟/ عدنان علي

التطورات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم والتي تتزامن مع ذكرى قيام إسرائيل (النكبة)، تعيد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى سيرته الأولى، بعد أن ظن البعض أن العقود التي خلت كفيلة بطي قضية فلسطين، وفق ما كان يتمنى قادة إسرائيل بقولهم: “الكبار يموتون والصغار ينسون”.

ما تشير إليه الأحداث الدامية في فلسطين اليوم أن الجيل الفلسطيني الجديد يبدو أكثر تشددا في التمسك بحقوقه، وأن إسرائيل عجزت حتى عن هضم اللقمة الأولى التي ابتلعتها قبل 73 عاما، أي فلسطيني 48، ناهيك عن بقية الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات الذين ما زال معظمهم يحمل صفة اللاجئ.

وما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم، يشكل نقلة مهمة في مسيرة القضية الفلسطينية التي خرجت خلال السنوات الماضية من دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي، في غمرة أحداث “الربيع العربي”، والتي حاولت إسرائيل الإفادة منها لركن القضية الفلسطينية على الرف، بل وتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية، تحت ستار مواجهة الخطر الإيراني.

ومع هذه التطورات، أثيرت، كما في مرات سابقة، تساؤلات حول جدوى تدخل فصائل غزة، وتحويل المعركة من شكلها الذي حاز على تعاطف دولي واسع، بين مواطنين فلسطينيين عزل يتصدون لمحاولة دولة الاحتلال إخراجهم من ديارهم عنوة، إلى معركة بالصواريخ تحاول إسرائيل تصويرها كمعركة تخوضها ضد فصائل مسلحة غير منضبطة تطلق عليها صواريخ عشوائية؟

والواقع أن أية مقاربة للصورة العامة لهذه التطورات لا بد أن تنطلق من إعادة التأكيد على بعض الحقائق التي قد تغيب في زحمة التفاصيل اليومية، أو تطمسها المواقف المسبقة إزاء ما يسمى بحركات الإسلام السياسي.

وأول هذه الحقائق هي أن الموجهات الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين في كل مناطقهم، القدس والأراضي المحتلة عام 48، والضفة، وغزة، قديمة ومستمرة بين شعب محتل، وقوة احتلال ترفض الاعتراف بحقوقه، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية.

والحقيقة الثانية هي أن حركة حماس، ومجمل الفصائل المسلحة في قطاع غزة، هي جزء من الشعب الفلسطيني، وتمثل شريحة معتبرة من الفلسطينيين الذين ما عادوا يثقون بالمسار السياسي، الذي تم في ظله خلال العقود الماضية سلبهم الكثير من حقوقهم، مقابل التمكين للاحتلال، وهو مسار معطل على أية حال منذ سنوات، بعد أن وصل إلى طرق مسدودة.

والحقيقة الثالثة هي أن السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، القائمة على مصادرة الأراضي والاستيطان والتهجير، قديمة ومستمرة، وحولها توافق بين كل حكومات وألوان المجتمع الإسرائيلي.

والواقع أنه لأول مرة تقريبا، يخوض الفلسطينيون مواجهة مع إسرائيل متحدين في كل مناطقهم، (من النهر إلى البحر) وهو هدف نجحت قضية القدس في تحقيقه، بينما أخفقت في ذلك عشرات الاجتماعات والمبادرات خلال السنوات الماضية.

ومن الوقائع المهمة هي المعادلة الجديدة يسعى الحراك الفلسطيني، ومن ضمنه فصائل المقاومة في غزة الوصول إليها مع الاحتلال، بأن سياساته المتعلقة بالاستيطان والتهجير، سيكون عليها رد فلسطيني، طالما عجز المجتمع الدولي حتى الآن عن توفير الحماية للفلسطينيين، دون إغفال أن الثمن الذي يدفعه قطاع غزة اليوم، سبق أن دفعه في مواجهات سابقة بدءا من عدوان 2008 وآخرها 2018، دون تحقيق مكاسب سياسية ملموسة، حيث كانت كل تلك المواجهات تتمحور حول مطالب خاصة برفع الحصار عن قطاع غزة، والذي ما زال محاصرا حتى الآن.

في المقابل، لو التزمت فصائل غزة الصمت ولم تطلق أية صواريخ على إسرائيل، لوجدت من يهاجمها ويسألها عن صواريخها التي تتباهى بها وقت السلم، وتخبئها وقت المواجهة.

وعلى كل حال، فإن التطورات الحالية قد تسهم في إعادة تحريك المسار السياسي المعطل طيلة عهد الإدارة الأميركية السابقة بعد أن اتخذت تلك الإدارة مواقف منحازة كليا لإسرائيل دفعت السلطة الفلسطينية إلى مقاطعتها. أما الإدارة الجديدة، ورغم اتخاذها خطوات محدودة للتراجع عن بعض قرارات الإدارة السابقة، إلا أنها أخذت كما يبدو على حين غرة إزاء الأحداث الجارية، فتراخت في التفاعل معها، إلى أن قررت بعد أسابيع من أحداث حي الشيخ جراح، إيفاد مبعوث إلى المنطقة قالت إن هدفه التوصل إلى تهدئة فقط، لكن زخم الأحداث قد يدفعها إلى توسيع المهمة لتشمل إحياء العملية السياسية المجمدة، بعد أن لمست، ولمس العالم أجمع مدى تصميم الشعب الفلسطيني واستعداده الدائم للمواجهة والتضحية، مهما كانت موازين القوى مختلة لصالح إسرائيل، ورغم الوضع العربي المنهار.

تلفزيون سوريا

———————–

غزة وليس سواها من انتصر للقدس من خطر التهويد/ عدنان أبو عامر

مع دخول العدوان الإسرائيلي أسبوعه الثاني، خرجت جملة من الاعترافات الإسرائيلية التي أدركت متأخرة أن القدس قضية سياسية ودينية حساسة في الساحة الفلسطينية، وكفيلة بتحويل المنطقة إلى حالة من الانفجار الشامل، ويدفع الإسرائيليون بسببها كل ثمن باهظ، لأن سياستهم تعمدت استفزاز الفلسطينيين في أقدس مقدساتهم..

بات واضحا أن المخطط العام للسلوك الإسرائيلي في مسألة القدس يأخذهم من تصعيد تدريجي إلى التصعيد الكامل، في ظل استرخاء إسرائيلي مرده إلى قناعة لم تعد صحيحة؛ أن حماس غير مهتمة بالتصعيد، مع أن المسألة بدأت عند وضع نقاط التفتيش الخاصة بالشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود عند باب العامود في قلب المسجد الأقصى، وتكرر الأمر مع اقتحامات المستوطنين اليهود إلى الحرم القدسي، وصولا إلى تنظيمهم مسيرة الأعلام اليهودية.

في كل هذه الحالات كان هناك خياران أمام إسرائيل: أولهما أن تفهم أن هذا حدث متفجر، ويتوجب إلغاؤه مقدما للحيلولة دون الذهاب إلى التصعيد، وثانيهما أن تدرك أنه حدث متفجر، لكنها لا تلغيه مقدما، وأن تقبل العنف على أي حال، لكن صعود الشباب الفلسطيني والجرأة والاستعداد لإظهار رفضهم للسيادة الإسرائيلية في القدس، تم التعبير عنها في تحدي الشرطة، والتصدي الجامح لاستفزازات المستوطنين، وذلك في منتصف النهار، وعلى مرأى ومسمع من وسائل الإعلام وكاميرات المصورين.

على الصعيدين الفلسطيني والعربي، شهدنا ما يمكن أن نسميه نشوء محور غزة – القدس، فقد تمكنت حركة حماس من ربط اسمها بشكل أساسي بأنها المدافعة عن مدينة القدس، وهذا يعني أنها لجأت إلى استخدام أسلحتها لأغراض دينية ووطنية سامية، وهو في قلب الصراع مع إسرائيل، والمقصود هنا المسجد الأقصى.

أكثر من ذلك، فإن محمد الضيف رئيس أركان حماس أعطى كلمته للمقدسيين بأننا وراءكم، ليس فقط وعدا معنويا إعلاميا، بل هو أيضا منخرط جدا في إدارة الحدث، من وراء الكواليس، وهكذا تم تسمية الحرب على غزة بأنها “معركة القدس”، وتأكد للفلسطينيين أن حماس، وليس سواها، هي من انتصرت للمقدسيين، رغم أن النار في الضفة الغربية، بقيت هادئة نسبيا، وهي الأقرب جغرافياً للقدس المحتلة.

انطلق الفلسطينيون من شعارهم بأن “الأقصى في خطر”، وفي ضوء ذلك يمكن فهم العد التنازلي لإطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، وهدف حماس إظهار سيطرتها على المشهد الفلسطيني، وهو ما يحمل في طياته الكثير من مشاعر الذل والإحباط العميقة لدى الإسرائيليين، رغم أن هذا ليس تفسيرا كافيا، بعد أن تأكدوا على نطاق واسع بأن قوتهم الردعية أصابها التآكل بشكل كبير.

ومع انقضاء الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأت تسمع في الأوساط السياسية والإعلامية الداخلية جملة من الانتقادات التي تشكك في جدوى هذا العدوان، وعدم تحقيقه لأهدافه، ولعل القيام بجولة في العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، يمكن رصد العديد من ردود الفعل التي تحمل هذه التقديرات المتشائمة تجاه هذا العدوان على غزة.

لعل الاعتراف الإسرائيلي الأقسى أن قائد كتائب القسام محمد الضيف نجح بفرض معادلة جديدة على الاحتلال، بعد أن قرر إطلاق صواريخ على كل منطقة يمكن أن تبلغها في جميع أنحاء الكيان، وفيما بدأت تخرج الخلافات داخل الاحتلال إلى السطح، فقد أظهر المستوى السياسي توجها بمواصلة العدوان، لكن كبار الجنرالات خلف الكواليس يطالبون بوقفه، لأن استمراره قد يجرّهم إلى صراع أوسع يقتضي هجوما بريًّا، وهو أمر لا يتمنونه، والخوف لديهم من بروز مفاجأة من حماس بطريقة تتطلب ردًّا بمناورة برية.

تعتقد محافل سياسية وعسكرية إسرائيلية واسعة أن حرب غزة بلا سياسة واضحة، فإذا أنهاها الاحتلال دون نزع سلاح حماس، وإعادة الأسرى، فكل هذا الجهد سيذهب سدى، وسيصلون إلى نفس النقطة، ثم عملية عسكرية لاحقة، في ظروف أكثر صعوبة، تشكل خطرا أكبر على الإسرائيليين، فيما حماس ستخرج فيها منتصرة، لأنها كشفت عورة الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

صحيح أن إسرائيل تسعى لتحقيق انتصارات تكتيكية بهدم الأبراج السكنية على رؤوس أصحابها المدنيين، فإن حماس تحقق انتصارا استراتيجيا، وأسبقية بين الفلسطينيين والعرب، وبجانب وابل الصواريخ المتواصل في العمق الإسرائيلي، فقد حققت إنجازا غير مسبوق، مما يبعد إمكانية تحقيق نصر إسرائيلي حاسم ضدها، ولعل المؤشر الأكبر على انتصار حماس ما علقه المصلون على مدخل المسجد الأقصى من صورة النصر التي خرجت بها الحركة على شكل لوحة ضخمة يظهر فيها قادتها، وكأن القدس باتت في أيدي الحركة.

استكمالا لهذه القناعات، فإن مهاجمة جيش الاحتلال للمباني العالية في غزة، ليست رادعة للفلسطينيين، بل إن أداءه الحالي فاشل مقدما، لأننا لن نشهد هزيمة حماس، ورغم الاغتيالات والدمار في غزة، فإن حماس يدها العليا، لأنها حققت إنجازات تتباهى بها، بإطلاق الصواريخ نحو القدس؛ وتحولت بنظر الفلسطينيين مدافعة عن الأقصى.

من جانب آخر، فإن مرور الأيام السبعة الأولى على العملية العسكرية في غزة دون القدرة على وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، يضع تساؤلات جادة عن مدى وجود خطة استراتيجية للحرب، مع أنه بدون دخول بري حقيقي في قلب غزة، ستكون النتيجة محدودة.

من الناحية العملية، تخوض إسرائيل الآن معركة بأربع ساحات: أولاها في غزة يهاجم الجيش حماس وفقاً لخطة مرتبة مسبقاً، وثانيها في الداخل تسعى الشرطة لإطفاء النيران ببطء، وثالثها في الضفة الغربية يوقف الجيش وجهاز الأمن العام الاحتجاجات بمناسبة يوم النكبة، لكن يجب أن نتوقع تجدد المظاهرات الجماعية في وقت لاحق، والرابعة هي الساحة الشمالية لكن حزب الله ليس متحمسًا للانضمام لحماس، رغم بياناته الإعلامية.

الجبهة الرئيسية للاحتلال تكمن في غزة، حيث يواجه مشكلة استمرار إطلاق الصواريخ المستمرة منذ سبعة أيام متتالية، وحتى الآن دون أي علامة واضحة على تراجع أو انخفاض في الكميات، ما يعني أن حماس نجحت في جني إنجاز واع من الجيش الإسرائيلي، حيث أطلقت وابلا كثيفا من عشرات الصواريخ على وسط إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب والمنطقة المحيطة بها.

الواضح أن إسرائيل انجرت لمواجهة حادة، وحسب أسلوبها فلا يمكن أن توقفها قبل أن تتعرض حماس لضربات شديدة، رغم أن الحركة حصلت على فرصة غير عادية بربط الأقصى بالمقاومة في غزة، والدفاع عن القدس، وإيجاد قضية مشتركة يمكن حتى لفلسطينيي 48 أن يتعاطفوا معها، للاستفادة من ملف القدس.

لقد بدأت الأزمة في منتصف شهر رمضان حين تم تداول صور عمليات إخلاء واشتباكات في حي الشيخ جراح، أعقبتها احتجاجات في الحرم القدسي، وقنابل صوتية داخل المسجد الأقصى، فيما شارك عدد من أعضاء الكنيست من معسكر اليمين بعمليات الاقتحام، رغم أن الرد الإسرائيلي على ما يحصل في الحرم القدسي له حسابات جيو-استراتيجية طويلة المدى.

والنتيجة أن إسرائيل الحالية ليس لديها رافعة ردع أمام قطاع غزة، ما دفع محمد الضيف إلى شن مثل هذا الهجوم في يوم القدس، بسبب سياسات بنيامين نتنياهو، واستمراره في تجنب المواجهات العسكرية غير الضرورية، وسعيه لخلق هدوء طويل الأمد، لكن ذلك ترك آثارا سلبية من أهمها تآكل الردع، ودفنت إسرائيل رأسها في الرمال.

اليوم، وقد دخل الأسبوع الثاني من هذا العدوان، وفيما دخل الجيش الإسرائيلي حالة تأهب قصوى، فقد تمكنت حماس من وضع نفسها كدرع محصن عن الأقصى، وتعبئة فلسطينيي 48، وحرق الوعي في القدس وتل أبيب، ورغم سلسلة الاغتيالات وصور الدمار من غزة، فإن حماس اليد العليا، لأنها حققت سلسلة إنجازات يمكنها التباهي بها، من إطلاق الصواريخ نحو القدس إلى مئات الصواريخ دفعة واحدة إلى غوش دان.

على الصعيد الاستراتيجي، حصلت حماس على ما طلبته، وأصبحت في نظر المقدسيين وسكان الضفة الغربية المدافع الإسلامي عن فلسطين، وحارسة القدس، بعكس السلطة الفلسطينية وفتح، اللتين تتعاونان مع إسرائيل، وهي بذلك تعزز صورتها في هذه المناطق الفلسطينية على حساب أبي مازن.

الخلاصة.. وسواء انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة خلال خروج هذه السطور أم لا، فقد حصلت حماس على ما تريد، خاصة لقطات استهدافها لتل أبيب، والانتقام للقدس، حيث توجد في المسجد الأقصى لافتات ضخمة تمجد الحركة وقادتها، ودفاعها عن القدس وعن شرف الفلسطينيين، وعلى المدى الطويل، سيكون انتصارًا ضمنيًا لحماس، التي تهاجم إسرائيل وتردعها!

———————

إسرائيل تستهدف الإعلام بشتى الطرق وسياسات منصات التواصل تساعدها

بالتوازي مع الحرب الضروس التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، تبذل إدارة بنيامين نتنياهو جهودًا حثيثة لكتم الأصوات التي تحاول فضح جرائمها بشتى الطرق، وأبرزها كان عبر استهداف برج الجلاء في غزة الذي يضم مكاتب لوكالات إعلام عربية وعالمية، ما دفع بشبكة “مراسلون بلا حدود” إلى التقدم بشكوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، ورأت أن الاستهداف يرقى إلى مستوى جريمة حرب، وأشارت إلى أن الاحتلال استهدف حتى الآن 23 وسيلة إعلامية محلية ودولية. كما يستخدم الاحتلال نفوذه في العالم للضغط على منصات التواصل لإغلاق الحسابات التي تعمل على نقل الأحداث التي تشهدها فلسطين المحتلة إلى الرأي العام العالمي.

ومن المعروف أن منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك، إنستغرام، توتير، يوتيوب وغيرها تضع قوانين وسياسات خاصة بها، وتُلزم المستخدمين بإعلان موافقتهم عليها قبل السماح لهم بإنشاء حسابات خاصة بهم، ويتمحور جزء كبير من هذه السياسات حول نبذ العنف وخطاب الكراهية والتمييز، فيتمّ توجيه الإنذارات إلى المستخدمين من أفراد أو مؤسسات، الذين يخرقون هذه القواعد وصولًا إلى حظر الصفحات أو إغلاقها بشكل تام.

وبالرغم من أن إدارات هذه المنصات تحاول أن تصور سياساتها على أنها حيادية، وتهدف فقط إلى خدمة المصلحة العامة للمجتمع ومدّ جسور التواصل الودية بين البشر، فإن الكثير من الناشطين يشتكون من أن السياسات هذه منحازة وانتقائية وتحمل تعريفات فضفاضة للعنف والكراهية والتمييز العنصري وازدراء الأديان وما إلى ذلك، فعلى سبيل المثال يمنع موقع فيسبوك استخدام كلمات محددة يرى أنها تنتهك معايير المجتمع، حتى وإن كان السياق يعبر عن التأكيد على حق شعب ما بالمقاومة لتحرير أرضه في وجه الظلم والاحتلال. وقد أبدى الكثير من الناشطين من مستخدمي المنصات العملاقة استياءهم الشديد مؤخرًا من الدور الذي تلعبه هذه المنصات، إزاء الأحداث التي تشهدها فلسطين المحتلة، واتهموها  بالانحياز للموقف الإسرائيلي، من خلال إغلاق عدد كبير من الصفحات التي تعمل على فضح انتهاكات الاحتلال بتهمة الحض على العنف، كذلك عمل بعضها إلى حظر بعض الوسوم التي لعبت دورًا هامًا في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين وقضيتهم.

ومن أبرز هذه الإجراءات في هذا المجال، كان قيام منصة إنستغرام بحظر وسم #الأقصى في الثامن من أيار/مايو 2021، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة في صفوف مستخدمي الموقع، الذين اعتبروا أن إنستغرام ينحاز للموقف الإسرائيلي، ويعمل على حجب الحقائق من خلال الحدّ من قدرة المستخدمين على نقلها والإضاءة عليها، وقد أوضحت المنصة قرارها لاحقًا، معتبرةً أن الوسم خالف تعليمات الموقع وبالتالي تمّ حظره. لتعود بعدها إدارة انستغرام وتعتذر عبر تغريدة على صفحتها على تويتر، بحجة أن الامر كان خطأ تقنيًا تمت معالجته.

    We’ve now fixed this issue. It impacted many Stories containing re-shared posts created yesterday and early this morning, plus Highlights + Archive more broadly. We’re sorry to all impacted, especially those raising awareness for important causes globally. https://t.co/8NI3IS1jeH

    — Instagram Comms (@InstagramComms) May 7, 2021

وقبل أسبوع، قام موقع تويتر بحظر حساب أبو حمزة، الناطق الرسمي باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. مع العلم أن تويتر قام هو الآخر بحظر وسمي “#الأقصى و#القدس”، الأمر الذي أحدث موجة غضب لدى الناشطين الفلسطينيين الذين اتهموا الموقع بالوقوف ضد قضيتهم، والانحياز للاحتلال الإسرائيلي، ليعود موقع التغريد ويعتذر بعدما ادّعى أن الحظر تمّ عن طريق الخطأ، وبطريقة آلية من خلال الخوارزميات التي يتّبعها، ويقوم لاحقًا برفع الحظر عنها، بحسب ما نقلت الوكالة الفرنسية.

    تويتر يغلق حساب الناطق العسكري باسم سرايا القدس ابو حمزة. pic.twitter.com/oRRQIqh39e

    — Amel Zarouk – Al Kuds —— (@Amel_Zarouk) May 11, 2021

ولم يختلف الوضع على فيسبوك، حيث قام الموقع الأزرق بحظر آلاف الحسابات الشخصية خلال تغطيتها للأحداث في فلسطين والتعليق عليها،  بتهم التحريض على العنف ونشر خطاب الكراهية، وقد كان لألترا صوت لقاءات مع ناشطين حُظروا من الكتابة خلال هذه الفترة، فقالت الناشطة فاطمة من لبنان إن الفيسبوك منعها من النشر لمدة شهر بسبب نشرها لصور أطفال مجزرة الشاطئ في غزة، وأكّدت أنها ترفض هذه السياسة خاصةً وأنها استخدمت خاصية cover  التي تتيح للذين لا يريدون مشاهدة مشاهد الدم إمكانية عدم رؤيتها، واعتبرت أن فيسبوك يلعب دورًا كبيرًا في حجب الصورة الحقيقة للمجزرة المتواصلة في فلسطين.

وفي السياق نفسه، قال  الناشط حسن بسما  من جنوب لبنان أن حسابه أُقفل للأسباب نفسها، وانتقد المعايير التي يضعها فيسبوك التي اعتبرها غير واضحة ومحددة، وقال إنه يضطر في العادة لتقطيع عدد كبير من الكلمات للتحايل على خوارزميات الموقع الأزرق الذي يمارس سياسة قمع بحسب تعبيره، وقال إن الأمر أصبح مزعجًا مع الوقت، ويشبه السير في حقل ألغام.

وقد اتفق كلا الناشطين على أن كل هذه الإجراءات لن تمنعهم من الاستمرار في البحث عن كل الوسائل الممكنة لفضح انتهاكات العدو الصهيوني، وفضح جرائمه أمام الرأي العالمي.

————————-

جرائم إسرائيل حاضرة في السوشيال ميديا عالميًا و3 وسوم لإضراب فلسطين عربيًا

مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتواصل السياسات الاستيطانية في القدس، خصوصًا في حي الشيخ جراح، يستمر النشاط الذي يقوم به المغردون ورواد مواقع التواصل عربيًا بشكل يومي في مؤازرة موقف الشعب الفلسطيني، إذ تساهم هذه الاستمرارية في فضح جرائم الاحتلال وتقديم الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني.

وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي نشاطًا ملحوظًا مع دخول العدوان على غزة أسبوعه الثاني، وصبّ الناشطون تركيزهم بشكل أساسي على الأحداث التي شهدتها غزة مع ارتفاع وتيرة الغارات الإسرائيلية التي أدّت إلى سقوط المزيد من الشهداء والجرحى إضافة إلى المنازل المهدمّة، كذلك رحّب الناشطون بنجاح المقاومة الفلسطينية في الاستمرار بإطلاق صواريخها إلى داخل الخط الأخضر.

    في أحد أهم شوارع القدس.. إضراب شامل في شارع صلاح الدين في يوم #إضراب_فلسطين#GazaUnderAttack #GenocideinGaza #savesheikhjarrah pic.twitter.com/s4XCE0uJXu

    — abdessalam.sabeg (@abdessalamsabe1) May 18, 2021

    share

    #GeneralStrike today! #Palestine #إضراب_فلسطين #اضراب_الكرامة pic.twitter.com/GTCaaINGzq

    — Miko Peled (@mikopeled) May 18, 2021

    #اضراب_فلسطين اضراب شامل يلا

    pic.twitter.com/5ll5jeE4xv

    — Palestine qadi (@ALQadiPAL) May 17, 2021

كما توقّف المغردون بشكل خاص عند الإضراب الذي أعلنه الفلسطينيون الثلاثاء 18 أيار/مايو، على كافة الأراضي الفلسطينية، مع الدعوة للخروج إلى الشوارع والتظاهر ضد الاحتلال الإسرائيلي. وانتشرت المشاركات عبر نطاق واسع من خلال وسم “إضراب فلسطين”، إضافة إلى استخدام وسم “إضراب الكرامة”، ومعه وسم “إضراب شامل”. واعتمدت الكثير من الوسائل الإعلامية الفلسطينية والعربية الوسوم الواردة ضمن تغطيتها للتطورات في فلسطين، بشكل خاص الإضراب نفسه. 

    #إضراب_فلسطين

    هذا الشعب يعرف الاضراب جيدا فهو من قام بأطول اضراب بالتاريخ (٦أشهر كاملة) في فترة الاستعمار البريطاني ولم يتوقف سوى بعد وساطة عربية pic.twitter.com/8PsPlnioKc

    — إنس⁦ (@anos_isaaq) May 17, 2021

    share

    #اضراب_فلسطين هو اجراء ضروري وارضية لتوسيع مساحة الاشتباك مع الاحتلال. نعمم الاضراب ونعمم الاشتباك pic.twitter.com/GLPBkMEUCf

    — Arafat Alhaj (@Hajj_Arafat) May 17, 2021

    #إضراب_فلسطين حتى التحرير الشامل لكامل التراب الفلسطيني ،، pic.twitter.com/uvcEhPGA4s

    — ——–_معاذ الربيعي_——– (@Beereqdar) May 17, 2021

وضمن التغريدات الداعمة للإضراب قال ضياء علي أن الإضراب سيعمّ فلسطين من البحر إلى النهر، وسيكون يوم الثلاثاء هو يوم اشتباك ومواجهة مع العدو في كل النقاط الممكنة. فيما اعتبر عرفات الحج أن الإضراب هو إجراء ضروري لتوسيع رقعة الاشتباك مع الاحتلال، وطالب بتعميم الإضراب والاشتباك.

    Israel, let’s stop playing the victim card plz!!!#غزة_تحت_القصف #IsraelTerrorist #IsraeliCrimes pic.twitter.com/ozpReG0Ign

    — ——– (@lreemy_) May 17, 2021

    share

    ‼️The Biden administration just approved the sale of $735 million worth of precision-guided weapons to Israel. ‼️

    THIS is not “Israel defending itself.” It’s US-supported murder. @ArielElyseGold #GazaUnderAttack pic.twitter.com/lzsZz5hXok

    — CODEPINK (@codepink) May 17, 2021

ونشر موقع الجرمق صورة ليافطة في مدينة الناصرة تدعو للمشاركة في الإضراب العام الثلاثاء، فيما قال أنس أن الشعب الفلسطيني لديه باع طويل في الإضرابات حيث نفذ إضرابًا لمدة ستة أشهر إبان فترة الاحتلال البريطاني، ولم يتوقف الإضراب إلا بوساطة غربية، ونشر صورة  تٌظهر القطاعات التي يمكن للإضراب أن يشلها.

    Where is peace? Israel occupied Palestine, killed, displaced, destroyed, killed, children and women, and claimed peace#IsraeliCrimes#GazaUnderAttack pic.twitter.com/ydkUcEjDoT

    — ———-‏‎saif (@Saifmnazzal) May 16, 2021

    15,000 protesters have gathered in Sydney, Australia to stand for Palestine against Israeli terror yesterday..#FreePalestine#IsraeliCrimes#PalestineBleeding pic.twitter.com/Wlhp6JZnLw

    — Kashif —- (@Kashif_1796) May 17, 2021

    Al-Wihda Street, west of Gaza City .#GazaUnderAttack pic.twitter.com/KHHllyr1Jb

    — Nesma Ja (@NesmaJa97) May 17, 2021

وواصل الناشطون استخدام الوسوم التي انتشرت في الأيام الماضية بشكل واسع، عربيًا وعالميًا، فاستخدم موقع كود بنك الأمريكي المناهض للحروب الأمريكية، وسم “غزة تحت القصف” باللغة الإنجليزية، مقطع فيديو ينتقد سياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن وصفقة بيع سلاح لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار أمريكي، واعتبرت الشابة في الفيديو أن هذا السلاح ليس للدفاع عن النفس كما يُزعم، بل هو تمويل أمريكي لجرائم القتل الإسرائيلية.

    If you don’t know what’s is happening right now in Palestine.

    Women, children and men were killed by Israel’s white phosphorus bombs.

    Many palestinias became homeless and lost one or more of their family members because of the Israel’s terrorism .

    #GazaUnderAttack pic.twitter.com/PbJtlf4f1x

    — Nourhan Samir (@Nourhan62902545) May 17, 2021

وعلى الوسم نفسه، نشر موقع فلسطين أكشن مقطع فيديو لمغني الراب البريطاني لوكي، مشاركًا في تظاهرة وهو يدعو عمال مصنع إيلبيت، رفض تصنيع الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في اعتداءاتها. وتوجّهت نورهان سمير إلى الرأي العام العالمي بالقول “إذا كنتم لا تعلمون ما يجري في فلسطين، فهناك نساء وأطفال يُقتلون بالقنابل الفوسفورية، وأن الكثير من الفلسطينيين باتوا بلا مأوى، وفقدوا فردًا واحدًا على الأقل من أسرهم نتيجة للإرهاب الإسرائيلي”. ونشرت الناشطة نسمة صورة لشارع الوحدة في غزة، تُظهر الدمار الكبير الذي لحق به بسبب القصف الإسرائيلي.

    I call on Elbit’s factories workers to refuse to build Israel’s weapons of war | British rapper Lowkey — #ShutElbitDown #GazaUnderAttack pic.twitter.com/qucGg7UieL

    — Palestine Action (@Pal_action) May 17, 2021

    نيتناهو و بايدن مع بعض يقفان ضد فلسطين المحتلة و امريكا تنكر ذلك و الامر واضح امام اعين الجميع #نهاية_اسرائيل #إضراب_فلسطين #غزة_تنتفض #المقاومة_الفلسطينية #غزة_تنتفض

    — نورة بنت الحربي (@SaaporA) May 18, 2021

وعبر استخدام وسم “جرائم إسرائيل” باللغّات المختلفة، نشرت ريم صورًا مؤثرة لمواطنين فلسطينيين تعرضوا للقصف، وقالت إن إسرائيل تلعب بورقة المدنيين بهدف الضغط ودفع الفلسطينيين إلى الرضوخ، بينما نشر الناشط “كاشف” صورة لآلاف المتظاهرين في مدينة سيدني الأسترالية، دعمًا للفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي. ونشر الناشط سيف مقطع فيديو للناطق باسم الجيش الإسرائيلي  أفيخاي أدرعي يقول فيه أن إسرائيل تريد الأمان والسلام، وسأل سيف “أين هو السلام؟ إسرائيل تقتل الأطفال والنساء، تهدم البيوت وتهجّر البيوت، كيف يتحدثون عن السلام؟”.

————————-

الشعوب الخليجية تتضامن مع فلسطين في مواجهة موجات التطبيع/ نزيهة سعيد

بدت ردود أفعال الدول الخليجية الرسمية، ما عدا الكويت، خجولة في ما يتعلق بما جرى ويجري في الفترة الأخيرة في فلسطين، وخصوصاً القصف الإسرائيلي على غزة، في مقابل هبّة شعبية ساندت الشعب الفلسطيني وعبّرت عن غضبها مما يعاني منه، وعن تضامنها ومساندتها له عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الكثير من الأحيان وفي الشارع في بعض الأحيان.

وخرجت تظاهرات محدودة في كل من الكويت والبحرين ضد الهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية على غزة وعلى المصلين في المسجد الأقصى وكذلك على أبناء حي الشيخ جراح.

تفاوت في التفاعل

ويقول أحمد الشيبة النعيمي، عضو الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع التي تأسست في الخارج بعد إعلان الإمارات نيّتها التطبيع مع إسرائيل، لرصيف22: “تتفاوت الشعوب الخليجية في التفاعل مع ما يحدث في فلسطين على حسب مستوى الحرية ودرجة القمع و الاستبداد”.

ويضيف: “في الكويت مثلاً، يستطيع المواطن أن يعبّر عن التضامن بجميع الأشكال من النشر الإلكتروني إلى التظاهر إلى الدعم المادي. بيد أن هنالك دولاً أخرى لا يستطيع المواطن فيها أن يعبّر حتى بالتغريد، خوفاً من أن يُعتقل بسبب القوانين الاستبدادية المفروضة على الشعب والتي تمارس السلطات من خلالها أبشع أنواع التنكيل بمَن يعبّر عن رأيه كالإمارات، ولذلك من النادر أن نجد مَن يستطيع التعبير فيها، كما تمنع التظاهرات أو جمع التبرعات”.

وكانت الإمارات قد وصفت ما يحدث في فلسطين بـ”تصاعد أعمال العنف في إسرائيل وفلسطين”، مقدّمة التعازي “لجميع الضحايا الذين سقطوا في التصعيد الأخير بين الجانبين”، داعية إلى “الوقف الفوري للعنف والأعمال العدائية”.

وأقدمت الإمارات والبحرين على تطبيع علاقتيهما بإسرائيل في أيلول/ سبتمبر 2020 عبر توقيع ما سُمي باتفاقية أبراهام للسلام.

وعن الدور الذي تقوم به الرابطة في مثل هذا الوقت، قال النعيمي: “تقوم الرابطة بنشر الوعي حول القضية الفلسطينية وخطورة التطبيع الذي قامت به حكومة الإمارات مع الكيان الصهيوني”، معتبراً أن “ما يحدث اليوم هو ثمرة من ثمار التطبيع الذي أعطى الضوء الأخضر للكيان الصهيوني للاعتداء على المقدّسات والتوسع الاستيطاني”، ومشيراً إلى أن الرابطة دعت الدولة الإماراتية إلى “التراجع عن التطبيع وتحمّل مسؤولياتها في ما يحدث للشعب الفلسطيني”، ومضيفاً: “الرابطة تقوم بإيصال كلمة الشعب الإماراتي بخصوص انتمائه لقضيته الأولى، القضية الفلسطينية”.

على المقلب الآخر من الانقسام الذي أحدثته الأزمة الخليجية، عبّر عدد من الشخصيات الرسمية في قطر عن دعمه للفلسطينيين، من بينهم لولوة الخاطر، مساعدة وزير الخارجية والمتحدثة الرسمية باسم الوزارة، التي وصفت إسرائيل بـ”الاحتلال الذي يقتل الفلسطينيين يومياً”. كما أعلنت اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، عن بدئها في “توزيع مساعدات إغاثية عاجلة لأهالي الشهداء والمهدمة منازلهم في قطاع غزة بفعل الظروف الحالية”.

وتحتضن قطر عدداً من قيادات حماس، كما أنها سمحت بقيام تظاهرة حاشدة دعماً للشعب الفلسطيني في وسط العاصمة، الدوحة، ألقى فيها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية كلمة أكد فيها أن “المقاومة هي خيارنا الاستراتيجي للتحرير”، وأن “القدس لنا والأرض لنا”، مشيرًا إلى أن “غزة لبّت النداء وكانت للقدس من الأوفياء”.

أما السعودية، فقد أدانت “الممارسات غير الشرعية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي” ودعت إلى “ضرورة الوقف الفوري لأعماله التصعيديّة التي تخالف كافة الأعراف والمواثيق الدولية، ولاستكمال الجهود الرامية لإيجاد حلٍ عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بما يمكّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”.

من جانبها، وبالإضافة إلى التظاهرات المرخصة التي أُقيمت فيها أكثر من مرة، ظهر رد رسمي في الكويت، هو الأقسى على إسرائيل خليجياً، وأيضاً ردود برلمانية وشعبية.

وتقول الناشطة الحقوقية هديل بوقريص لرصيف22: “موقفنا من القضية الفلسطينية يجب أن يكون واضحاً وليس رمادياً ومتذبذباً ما بين خشيتنا على علاقاتنا الدولية، أو اقتصادنا الهش، مع الغرب الذي كان وما زال بكل وقاحة يدعم ويغذّي الكيان الغاصب من أموالنا ليقتل ويدمر ويفتك في أرض فلسطين”.

وتضيف: “سباق التطبيع الذي أطلقته بعض الدول العربية مؤخراً إنما يدلّ على انهزاميتها ورغبتها في دفن رؤوسها في الرمال بعد عجزها عن دعم الشعب الفلسطيني لسنوات حيث وضعت الطوق في رقبتها وسمحت للكيان الغاصب بأن يتحكم حتى بتنفسها مع أن الخيار كان متاحاً لها بأن تتحرر من كل ذلك لكنها قبلت الذل على أنظمتها وشعوبها فأغرقت نفسها أكثر في تلك العلاقة المشؤومة مع الغرب، ودخل الطرف الأكثر شؤماً فيها، والذي يريد أن يتغذى بشكل مباشر من مواردها واقتصادها ليضمن بقاءه ويجثم على صدور الشعب الفلسطيني”.

وتعتبر بوقريص أن “الاستسلام للتطبيع والتسليم به يعني نهايتنا كشعوب. والدهس على كرامتنا بأرجلنا لهو أهون علينا من ذلك”، وتتابع: “لنرفع رؤوسنا لطالما كانت لدينا فرصة ولنرفض التطبيع طالما يمكننا رفضه، حتى آخر نفس، إنقاذاً للكرامة الإنسانية التي ستكون آخر خيط نتمسك به كبشر”.

وفي أعقاب تفريق وزارة الداخلية لوقفة تضامنية مع فلسطين في العاصمة الكويتية، غردت الناشطة الكويتية سارة مبارك: “لا نربط مواقفنا الشعبية بحكوماتنا. لذلك، نحن نعوّل مرّة أخرى على شعبنا الذي نجح حتى اليوم في تثبيط وإفشال أي مبادرة للتطبيع ومن أي نوع كانت. ما حدث اليوم عليه ألا يمرّ. على ممثلينا في الأمة محاسبة الداخلية ومساءلتها على ما فعلت بالجموع المتضامنة وتهديدهم لإخواننا المقيمين”.

مطالبة بحرينية بإلغاء التطبيع

أدانت البحرين “الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة”، معربة عن “تعازيها للسلطة الفلسطينية وشعب دولة فلسطين الشقيق في الشهداء الذين سقطوا جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية”، في اتصال بين وزير الخارجية البحريني ووزير الخارجية والمغتربين في دولة فلسطين.

كما أكد الوزير البحريني عبد اللطيف الزياني “موقف مملكة البحرين الداعم بقوة للقضية الفلسطينية، إيماناً منها بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية ووفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة”.

من جانب آخر، طالبت 24 منظمة مجتمع مدني من البحرين السلطات في البلاد بطرد ممثل “الكيان الصهيوني” وإلغاء اتفاقية التطبيع التي وقعتها الحكومة مع “العدو الصهيوني الغادر”، داعية جميع الشعوب العربية إلى التضامن ودعم ومساندة “أشقائنا الفلسطينيين وهم يخوضون معارك الشرف والكرامة نيابة عن الأمة العربية والإسلامية”.

وتقول الناشطة الحقوقية البحرينية مريم الخواجة لرصيف22: “بصفتي ناشطة خليجية، لا أرى قضية فلسطين منفصلة عن قضيتنا. لها نفس الدوافع والأسباب. حريتهم ليست منفصلة عن حريتنا، والقمع الذي يواجهونه، وإنْ كانت هناك اختلافات، يشبه في نواحٍ كثيرة الظلم الذي نواجهه في أوطاننا. حتى لو لم نعتبر فلسطين دائماً قضيتنا، فما عليك سوى أن تكون بشراً لتفهم أهمية الوقوف ضد الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني والاحتلال”.

كما كتب المصور البحريني خالد الجابري: “‏مع الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية المتمثلة بكيان استعماري أوروبي توسعي استغل الدين اليهودي لاضطهاد شعب بأكمله من أجل حماية مصالح الغرب في المنطقة”.

تجريم الفلسطينيين

يأتي ذلك في مقابل خروج عدد من الإعلاميين ورجال الدين بآراء متوافقة مع آراء السلطات في كل من الإمارات والبحرين، في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، محملين مسؤولية ما يحدث اليوم من قصف إسرائيلي على غزة، على الفصائل الفلسطينية، التي وصفها الإعلامي البحريني محمد البشري بالخائنة والمتحالفة مع أعداء العرب، في إشارة إلى إيران.

كما وصف الداعية الإماراتي الدكتور وسيم يوسف القصف الإسرائيلي بـ”سحائب اللعنة على حماس وكل مَن أيد حماس ودعم حماس، وكل مَن صفق لحماس وهو يحيا آمناً في وطنه ولا يشعر برعب أهل غزة”.

وفي الوقت الذي كانت تقوم فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف قطاع غزة، استخدمت رئيسة جمعية الصحافيين البحرينية عهدية أحمد حسابها على تويتر للهجوم على حماس واتهمت مَن يدافع عنها بأنه يرتكب “الخيانة الكبرى”، واعتبرت الداعم لحماس “إرهابياً ومتاجراً بالقضية الفلسطينية”.

واتهم أستاذ العلوم السياسية السعودي الدكتور تركي الحمد القيادات الفلسطينية بأنها “تبحث عن المال والصيت واللعب على الوجدان الشعبي”، فيما تبحث إسرائيل، برأيه، “عما يزيد من التماسك الداخلي، بلعب ورقة الخطر الخارجي”.

————————-

لم يعد يحتمل المزيد من الصدمات”… قطاع غزّة على حافة انهيار اقتصادي إنساني

أكثر من 50 غارة شنها الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء 18 أيار/ مايو، على قطاع غزة استهدفت ما لا يقل عن 11 منزلاً، فضلاً عن أراضٍ زراعية في مناطق متفرقة من مدينة غزة وبلدتي جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع.

ارتفعت جراء ذلك حصيلة الضحايا في غزة وحدها إلى 212 شهيداً، بينهم 61 طفلاً و36 سيدة و16 مسناً، بالإضافة إلى إصابة 1400 مواطن بإصابات مختلفة، بينهم 400 طفل و270 سيدة، وأكثر من 50 إصابة شديدة الخطورة. وكان الهلال الأحمر الفلسطيني قد أعلن، فجر الثلاثاء، أن طواقمه تعاملت مع 133 إصابة ناجمة عن قصف الاحتلال أو مواجهات معه في الضفة الغربية وغزة يوم الاثنين.

وقالت وزارة الأوقاف في غزة إن القصف أسفر عن تدمير “عمارة أنصار” المكون من خمسة  حواصل وسدة وأربعة طوابق تشتمل على 19 شقة، مع تدمير مسجد عمر بن الخطاب تماماً.

تزامن ذلك مع إعلان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الخسائر التي تكبدها القطاع بسبب القصف الإسرائيلي بلغت 244 مليون دولار، مبرزاً استهداف الاحتلال لخمسة مقابر بالقطاع على الأقل.

بدوره، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، استهداف “62 هدفاً من أنفاق المترو الحمساوية عبر 120 صاروخاً دقيقاً و62 طائرة حربية” و12 منزلاً لقادة الفصائل الفلسطينية، زاعماً أنها “استُخدمت لأغراض إرهابية” كـ”إنجازات الليلة الماضية”. علاوة على “رصد وإسقاط طائرة مسيرة” اقتربت من الحدود الإسرائيلية وضرب تسعة مواقع لإطلاق صواريخ فوق الأرض وتحتها صباح الثلاثاء.

كما ادّعى “تم القضاء على ما لا يقل عن 160 ناشطاً إرهابياً من حماس والجهاد الإسلامي” منذ بدء العدوان على القطاع.

حاجة ملحة لتوفير المساعدات

وناشد برنامج الأغذية العالمي، مساء الاثنين، “وقف التصعيد العسكري المستمر على قطاع غزة”، مشدداً على أن القطاع المحاصر “لم يعد يتحمل المزيد من الصدمات”، وأن “الوضع الحالي قد يُطلق العنان لأزمة قد تمتد إلى المنطقة بأكملها”.

ولفت البرنامج إلى حاجته إلى “31.8 مليون دولار إضافية ليتمكن من الاستمرار في تقديم المساعدات الاعتيادية لأكثر من 435 ألف شخص في غزة والضفة الغربية خلال الأشهر الستة المقبلة”، بما في ذلك “14 مليون دولار عاجلة لتقديم المساعدة الطارئة للأشهر الثلاثة المقبلة إلى 160 ألف شخص تضرر في غزة و60 ألفاً في الضفة الغربية”.

من جهتها، طالبت لين هاستينغز، منسقة الأمم المتحدة الإنسانية لشؤون الأرض الفلسطينية المحتلة، بـ”السماح الفوري للأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين بإدخال الوقود والطعام والمستلزمات الطبية ونشر الطواقم الإنسانية”.

وقالت كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “الناس يعيشون في غزة على الحافة، وتكافح عائلات كثيرة لتوفير الطعام على المائدة، خاصة وأن أوضاعهم تدهورت بشكل كبير بسبب قيود جائحة كورونا”.

في غضون ذلك، أكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أعداد الفلسطينيين النازحين جراء القصف الأخير تجاوز 52 ألفاً، مشيراً إلى نقص في الأدوية (بنسبة 46%) والمستلزمات الطبية (بنسبة 36%) بالقطاع بما يهدد الحياة.

في سياق متصل، حثت منظمة الصحة العالمية كافة الأطراف على احترام المعايير الإنسانية الدولية، قائلةً إن حماية البنى التحتية الطبية وطواقم المعالجين أمر “واجب في كل الظروف”.

وحذّرت وزيرة الصحة في حكومة السلطة الفلسطينية، مي الكيلة، من خطورة وضع القطاع الصحي في غزة، معلنةً عن إرسال شاحنة مستلزمات طبية علاوة على 1000 وحدة من بنك الدم للقطاع.

وأعلنت مصر عن إرسال قافلة مساعدة طبية – 65 طناً من الأدوية والمساعدات- للقطاع. كما أمر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بتجهيز قافلة مساعدات إنسانية تشمل مستشفى ميدانياً يضم عدداً من الأطباء والكوادر التمريضية من جميع الاختصاصات، بالإضافة إلى أدوية ومستلزمات طبية ومواد غذائية أساسية.

عتمة

وتفاقمت أزمة الكهرباء بالقطاع عقب تعطل مجموعة من خطوط الكهرباء الناقلة بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل.\

أعلنت شركة كهرباء غزة، في بيان، الثلاثاء، أن القصف خلّف أضراراً بالغة طالت محول الكهرباء المغذي لآبار الصفا المركزية التي تمد مناطق واسعة من غزة بالمياه، بالتزامن مع تدمير المحول والعامود وجميع المكونات.

وبينما أوضحت أنها أنجزت عدداً كبيراً من عمليات الإصلاح للشبكات في مختلف المحافظات وأعادت ربط المناطق بالتيار الكهربائي مجدداً، الاثنين، لفتت الشركة إلى اعتمادها على السوق المحلي لتأمين كمية من الوقود لإطالة فترة تشغيل اثنين من التوربينات في محطة التوليد تفادياً لتوقفها عن العمل تماماً.

ويزيد الاعتماد على الوقود المحلي أزمات الشركة المالية لكنه يساعد على كسب بعض الوقت لوقف تدهور الوضع الإنساني الناجم عن شح مصادر الطاقة.

ولا تزيد ساعات توفر التيار الكهربائي حالياً عن 3 إلى 4 ساعات، مقابل أكثر من 16 ساعة من الانقطاع بسبب تعطل خطوط رئيسية ناقلة، وتدني نسبة الكهرباء المستلمة من محطة التوليد، وهو ما تعمل الشركة راهناً على تحسينه.

————————–

================================

تحديث 22 أيار 2021

————————–

القضية/البوصلة: هل مازالت فلسطين دليلاً للنضال التحرري العربي؟/ محمد سامي الكيال

راكمت القضية الفلسطينية، خلال ما يقارب قرناً من الزمن، تراثاً ثقافياً وسياسياً وأخلاقياً يصعب تجاوزه، وصارت النموذج العربي للقضية العادلة، فسواء تعلّق الأمر بقيم الجهاد الديني، أو التحرر الوطني، أو مواجهة المنظومة الرأسمالية -الإمبريالية، أمكن لفلسطين أن تكون في قلب كل نضال سياسي في المنطقة، ما جعلها بالفعل البوصلة التحررية العربية، خلال معظم القرن العشرين.

إلا أن «القضية» راكمت في الوقت نفسه تجارب قمعية ودموية، جعلت كثيرين يبتعدون عنها، أو على الأقل يفقدون حماسهم لها، أنظمة استبدادية، بنت جانباً كبيراً من هيمنتها الأيديولوجية على قيم الأرض والتحرير؛ أجهزة أمنية وميلشيات طائفية، حملت اسم فلسطين والقدس؛ حروباً أهلية شرسة، وقمعاً لكثير من المطالب الديمقراطية، بدعوى أولوية المعركة ضد المحتل.

الربيع العربي كان تحولاً مفصلياً في «البوصلة التحررية» تراجعت قضايا التحرير ومواجهة الاحتلال والصهيونية، وبرزت قضايا التحول الديمقراطي؛ الحقوق الفردية والجماعية؛ التنمية والعدالة الاجتماعية. وظهرت أسئلة مختلفة، مثل موضع العالم العربي في المنظومة العالمية؛ حدود الديمقراطية التمثيلية وسلطة الدولة؛ الفردانية والجماعاتية، إلخ. ورغم أن أحداً لم يدّع أن هذه الأسئلة والقضايا متناقضة جذرياً مع مسائل التحرر الوطني الكلاسيكية، إلا أن خطاب الأرض والتحرير، بدا وكأنه ينتمي إلى عصر آخر مضى، ما أثار حفيظة كثير من أنصار «القضية» التقليديين.

اليوم، وبعد فترة من تعثّر الربيع العربي، تعود فلسطين من جديد بوصفها «البوصلة» مع حراك شعبي واسع، وحّد فئات متعددة من الفلسطينيين، وتعاطف عربي وعالمي كبير، ما يشكّل فرصة ممتازة لفتح نقاش سياسي – اجتماعي واسع حول المنظورات المتعددة والمتراكمة لقضايا التحرر العربية: هل ما زالت «القضية الفلسطينية» بصيغتها التقليدية، التي تربت عليها أجيال عربية عديدة، صالحة سياسياً، بوصفها دليلاً لانتزاع حقوق وحريات أكبر على المستويين الفلسطيني والعربي؟ كيف يمكن تمييز خطاب، يمكن وصفة بالديمقراطي أو الحقوقي، بخصوص فلسطين والعالم العربي، عن خطاب قائم على مفاهيم الصراع الديني – القومي؟ وهل من المنطقي أصلاً الفصل بين الخطابين، أو الحسم بوجود تناقض بينهما؟ ما طبيعة القوى الاجتماعية التي تحمل «القضية» اليوم؟ وهل توجد فرصة لقيام ائتلافات شعبية تمثّل مصالح ومطالب فئات متعددة داخل فلسطين وخارجها؟ هل من الممكن، على أساس الولاء لـ«القضية» وحده، قيام جبهة واحدة، أحد طرفيها بقايا حركات اجتماعية، قامت ضد سلطات استبدادية؛ وطرفها الآخر قوى سياسية ومسلّحة، مؤيدة لهذه السلطات؟

قد تكون البلاغة المتراكمة عن القضية الفلسطينية عائقاً كبيراً أمام معالجة هذه الأسئلة، لكن يبقى نقاشها ضرورياً، إذا كان هنالك أي معنى للتجربة التاريخية، وكي لا تبقى «القضية» تدور في دائرة مفرغة.

بناء الجماعة السياسية

تفترض أي قضية تمثيل مصالح وتطلعات جماعة سياسية ما، وبما أن الجماعات السياسية ليست معطيات موجودة بشكل طبيعي، فغالباً ما يكون بناء القضية تأسيساً للجماعة بحد ذاتها، وتحديداً لهويتها وحقوقها السياسية الأساسية، وهذا بالضبط ما فعلته القضية الفلسطينية في عصرها الذهبي: نجحت منظمة التحرير الفلسطينية ببناء جماعة سياسية غيّرت وجه المنطقة إلى الأبد، وهي «الشعب الفلسطيني» عن طريق انتزاع قرار مستقل عن هيمنة الدول العربية، التي استبدّت بالقضية منذ النكبة؛ وإعادة إنتاج تراث فلسطيني؛ وصياغة نموذج أيقوني للتحرر الوطني: الفدائي، الذي لا يخضع لوصاية أي جهة، في سبيله لتحقيق أهداف نضاله.

لم يقتصر نشاط منظمة التحرير على صياغة الأيقونات، بل أسست لمفهوم واضح لحقوق الجماعة السياسية الفلسطينية: يحق للفلسطينيين أن يكون لهم وجودهم الوطني الخاص، وتمثيلهم السياسي المتعدد، عن طريق مجموعة من القوى، التي تستوعب تنوّع توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، لكنها تأتلف في إطار وطني موحّد. خاضت المنظمة معارك شرسة في سبيل الحفاظ على هذه الصيغة، ونجحت بذلك بشكل معقول، وسط ظروف شديدة الصعوبة، وعندما كان كثير من الشعوب العربية تخضع لأحادية أنظمة استبدادية، أسكتت كل الأصوات لأجل «صوت المعركة» تمتع الفلسطينيون بحريات سياسية متقدمة، مقارنة بالسياق العربي، بل أمست مؤسساتهم السياسية والثقافية، في كثير من الأحيان، ملاذاً لكثير من المناضلين والمثقفين العرب، رغم الفساد والقمع، اللذين لم تخل منهما تلك المؤسسات.

الاضمحلال التدريجي لمنظمة التحرير، مع نهايات عصر التحرر الوطني عالمياً، فكك الجماعة السياسية الفلسطينية نفسها، ليبرز مفهوم جديد لـ»السياسي» في ما يتعلق بفلسطين: ليست القضية قضية وطنية لـ»الشعب الفلسطيني» في إطار عربي وأممي، بل هي أكبر من الشعب نفسه، وسابقة عليه؛ ولا معنى لقرار وطني مستقل، فكل من يمضي في «طريق القدس» يملك حقاً في امتلاك القضية المقدسة. القرار الفلسطيني، الذي ناضل ياسر عرفات ورفاقه لانتزاعه، محاربين أعتى الأنظمة، من بقايا الناصرية وحتى نظامي البعث في سوريا والعراق، صار مشتتاً بين عواصم ومدن كثيرة، لا تُعنى أساساً بحقوق الجماعة السياسية للقضية.

اليوم يوجد أكثر من خطاب عن القضية الفلسطينية، لكن ما يجمعها هو غياب مفهوم واضح للجماعة السياسية، يوجد فلسطينيون، أبطال ومجاهدون وناشطون، يواجهون الاحتلال، لكن ما مشروعهم الوطني والسياسي، باستثناء الصمود وإيقاع الخسائر بالمعتدين الإسرائيليين؟ ربما يجب طرح التركيز على هذا السؤال بشدة، كي تعود فلسطين «بوصلة» تحررية.

الشعب الذي لا يريد

ربما يكون انحلال القضية الوطنية الفلسطينية قد ساهم، أكثر حتى من استغلال أنظمة الاستبداد لشعاراتها، في تراجع الاهتمام العربي بفلسطين، قبيل وأثناء الربيع العربي، الذي أنتج حراكاً اجتماعياً جديداً، حاول بناء جماعة سياسية، على أساس شعار «الشعب يريد». «الشعب الذي يريد» كان مفهوماً غامضاً وملتبساً، إذا قارناه بمفاهيم الجماعات السياسية، التي أنتجتها حركات التحرر الوطني، ومنها منظمة التحرير الفلسطينية، فهو ائتلاف لا يمتلك قواه السياسية المنظمة، ولا تحديداً واضحاً للمفاهيم والمطالب التي يحملها، ما يجعل شعاراته، وعلى رأسها الحرية وإسقاط الاستبداد والعدالة، ذات مدلولات مفتوحة لدرجة التبدد. وهذه المشكلة ليست مقتصرة على الحراك العربي، بل برزت في معظم الاحتجاجات الاجتماعية حول العالم، ما قد يجعلها شرطاً ملازماً، بشكل بنيوي، لكل محاولة معاصرة للتغيير.

فرغت الساحات من «الشعب الذي يريد» وصار الخوف من الفوضى محركاً أساسياً لكثير من المجتمعات، وعلى هذا الأساس حاولت الأنظمة الحاكمة ترميم سلطتها وهيمنتها الأيديولوجية، وبما أن «الشعب» لم يعد يريد شيئاً إلا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أساسيات وأنماط حياته، بعد أن فشل في التحقق في جماعة سياسية جديدة، فربما كان الارتباط العاطفي بقضية عادلة ومترسّخة، مثل القضية الفلسطينية، تعويضاً مناسباً للفشل السياسي والاجتماعي، إلا أن مشكلة هذا التعويض أنه يفتقد بدوره لجماعة سياسية واضحة المعالم، يمكن لها أن تبثّ روحاً جديدة في الأوضاع العربية المتدهورة، كما فعل الفلسطينيون سابقاً، في نهاية ستينيات القرن الماضي.

الربيع الفلسطيني – العربي

إلا أن الربيع العربي لم يكن مجرد سيرة فشل خاوية من المعنى، فهو قد أطلق سلسلة طويلة من النضالات الجزئية في سبيل الحريات الأساسية، وحرّك كثيراً مما هو راكد عربياً؛ والقضية الفلسطينية بدورها ليست مجرد مطيّة للصراعات الإقليمية، وانتهاكات الميليشيات، التي تقتل باسم القدس، بل تعبّر، في جانبها الأساسي، عن حيوية اجتماعية مناهضة للقمع والاحتلال والفصل العنصري.

قد تكون الأحداث الفلسطينية الأخيرة فرصة لإعادة إنتاج سياسي لأفضل ما في «الربيع» و»القضية» وهذا يتطلّب أساساً إعطاء فرصة للنقد والنقاش العام، بدلاً من محاولة تصليب موقف أحادي ضمن حدود «صوت المعركة»؛ إضافةً لمحاولة التوصل لخطاب واضح، يضع حداً للتمازج الحالي، بين موقف لا ينسب «القضية» لحقوق جماعة سياسية، بل لمقدسات متعالية على البشر وحياتهم واستمراريتهم؛ وآخر يرى في النضال الفلسطيني تعبيراً عن الاستمرارية الإنسانية نفسها، في مواجهة سلطات مدمرة للحياة.

ما يمكن أن يمنحه إرث الربيع العربي للقضية الفلسطينية هو بالضبط ما افتقدته منذ تحلل منظمة التحرير: مفهوم «الشعب يريد»؛ وما يمكن أن تمنحه القضية للنضال التحرري العربي هو ما خسره منذ فشله وتبدده: حافزا حيويا للعودة للفعل السياسي. ولذلك فإن الانجرار الانفعالي وراء نمط مفروض من «المعارك المصيرية» قد لا يكون السبيل الوحيد للفعل، فقد شهد الشرط الحداثي دوماً أصواتاً ناشزة عن «صوت المعركة» المقدس، استطاعت تأسيس إشكاليات سياسية جديدة، حققت التغيير الفعلي، مثل نقد جانب مهم من الحركة العمالية للنزعة الوطنية لدى بعض الأحزاب الاشتراكية، إبان الحرب العالمية الأولى؛ والاحتجاجات في الولايات المتحدة ضد حرب فيتنام. وربما كان الفعل السياسي الأساسي، الذي يجب على أنصار تحرر فلسطين والعالم العربي القيام به، هو بناء إشكالياتهم ومعاركهم، باتساق مع منظورهم السياسي الخاص، لا الانجرار الدائم لمعارك تُفرض عليهم.

باحث سوري

القدس العربي

—————————-

هل نستحق المغفرة؟/ د. ابتهال الخطيب

لمن يتخفى خلف تاريخ، أو رأي أو موقف سابقين، لكي يحمي نفسه من ألم المشهد الحالي ويعفيها من الموقف المبدئي المطلوب… أنتم سلاح في يد الصهيونية، يقتلون بغضبتكم وتجاهلكم ولامبالاتكم تجاه ما يحدث في فلسطين، أطفالَها وشبابها وعجائزها. لكل أمة تاريخها المليء بالأخطاء كما بالمواقف المشرفة. أن يأتي الآن من يريد أن يصفي حساباته مع أمة تقف وحيدة عزلاء متصدية، بمدنييها الذين لا تملك غيرهم، لأحد أفظع وأعنف صور الاحتلال العسكري الذي مر على البشرية، هذا موقف لا يقل وحشية وبشاعة عن موقف المحتل. اليوم هو يوم وقفة إنسانية واحدة، من أدنى شرق هذه الأرض إلى أقصى غربها، فالقضية ليست عربية، والقضية ليست إسلامية، والقضية ليست شرق أوسطية، هي قضية إنسانية، تعني كل البشر وترتكز على إحدى أهم غرائزهم، غريزة البقاء وحب النوع. إذا كنت ممن يستخدم موقفاً تاريخياً حتى تريح نفسك عناء الوقفة المبدئية المطلوبة متجاهلاً عمليات الإبادة الممنهجة التي يمر بها الفلسطينيون الآن، فأنت بلا شك، تخالف غريزة بقائك وحفظ نوعك البشري.

ولمن يتخفى خلف منطقة وعقلنة يبدوان سخيفين فارغين والأطفال تختنق تحت ركام المباني، أنتم سلاح في يد القوى العظمى القمعية التي تحسبها هكذا، بالقلم والمسطرة، غير آخذة بعين الاعتبار هذا الوعي وتلك الروح وذاك الضمير وذلك الإصرار، إصرار يمضي خلافاً حتى للرغبة في الحياة، إصرار يرحب بالموت في سبيل الأرض. لم يعرف العلم بعدُ تحليلاً لهذه النزعة الإنسانية لافتداء الأرض، للبذل من أجل المبدأ. تلك «أشياء لا تشترى» كما يقول أمل دنقل، لا يمكن فهمها علمياً أو تحليلها منطقياً، وبالتأكيد لا مكان لرفاهية هذا الفهم أو التحليل الآن، لا مجال للتنظير في هذه اللحظة والعمارات القديمة تتهدم على رؤوس أصحابها، والنساء المسنات يقفن مطرودات على أبواب بيوتهن العتيقة، والشباب والشابات يسحلون في الشوارع… مبتسمين. لا تفتح فمك أو تضغط أزرار تلفونك لتكتب عن المنطق الذي يُخَطِّئ الموقف الفلسطيني، أنت ما عشت تحت احتلال مئة سنة، أنت ما طردت من بيتك في وضح النهار، أنت ما ثكلت في صغارك، أنت ما تيتمت في كل أهلك، أنت ما أهنت على حدود مدنك العتيقة التي كنت تتجول فيها بِحُر إرادتك، أنت ما وقفت أمام كلاشينكوف كل صباح وأنت ذاهب لمدرستك، أنت لا تعيش شتاتاً ممتداً لمئة عام، قل هو حب غير منطقي وأمل غير عقلاني، إذا اعتبرتهما كذلك، أو اصمت.

ولمن يتخفى خلف قراءة يائسة، لاستحالة انتصار الحق واندحار الباطل، قراءة يريح بها نفسه من عبء المساندة والإصرار بل وعناء الشعور بالأمل، إذا ما أردت أن تأمل، فدعنا نحن نأمل، وإذا ما أردت أن تصدق، فاتركنا لإيماننا، نحن آملون ونحن مصدقون، ونحن كذلك لأن لدينا مؤشرات وأدلة، لدينا شعب لم يتوقف عن النضال والمقاومة ولا ليوم واحد طوال مئة سنة، لدينا شعب ينجب الأطفال ليثكلهم، يأتي بهم للحياة وقد نذرهم للوطن «جنوداً مدنيين» كم شعباً تعرفه تتعمد أُسَره أن تنجب ثمانية وتسعة وعشرة أطفال توقعاً لأن يموت أغلبهم في حرب تحرير الوطن؟ لدينا شعب شتاته وحدة، واغترابه هوية، ولجوؤه بذور فلسطينية تزرع حول العالم أجمع، فهل مع شعب كهذا يمكن أن نفقد الأمل؟ وأي أمل يبقى للبشرية إن فقدناه في صبر وصمود وإصرار الفلسطينيين؟

بعد أيام أو أسابيع أو شهور، ستخفت بعض الضجة الخارجية، وسيتجه الإعلام لمكان آخر، لمكان فيه «بهرجة» القنابل التي تصنع الأخبار، حينها لا يجب أن ننسى أن الضجة الداخلية الفلسطينية باقية، أن المعاناة باقية، أن الإبادات والاستيطانات والعزل والقمع كلها قائمة، لم تقل درجة ولم تخفت ديسيبل واحداً. الداخل الفلسطيني يتعذب، والداخل الفلسطيني يصمد، والداخل الفلسطيني ينتهك، والداخل الفلسطيني يرفض ويقاوم، سواء كانت وكالات العالم الإخبارية هناك أم لم تكن، وسواء خرجنا في مظاهرات في أنحاء الدنيا أم لم نخرج. هذه هي حياة الفلسطينيين، وتلك هي هويتهم، وذاك هو نضالهم المزروع كأشجار الزيتون على أكتافهم والمعلق كمفاتيح البيوت القديمة على صدورهم. حين يغادر العالم بإعلامه سيبقون، وحين تخفت الأصوات سيستمرون، وحين تضعف الهمم سيقوون. أقل ما نستطيع أن نعد به فلسطين هو أننا لن ننسى، لن تبرد هممنا، ولن تخفت أصواتنا، وهذا أضعف الإيمان.

عظم الله أجر البشرية جمعاء في أطفال مدفونة الآن تحت التراب، وغفر لنا أن ما استطعنا، السبعة مليار نسمة من بني جنسنا على سطح هذه الأرض، أن نضمن لهم فراشاً آمناً ينامون فيه. لا أدري إن كانت هذه جريمة يمكن أن تغتفر، لكن لربما نستطيع أن نوقفها الآن وقبل فوات الأوان. خاطبوا حكوماتكم، خاطبوا زملاءكم وزميلاتكم، خاطبوا أهاليكم، خاطبوا جيرانكم، خاطبوا الغرباء الذين تمرون عليهم في الشارع، هذه بشاعة وقبح ووقاحة وصفاقة وعناد واستبداد وتعدّ وتحدّ كلها تتبدى وتتعرى على مرأى من العالم أجمع، واليوم، وبشكل غير مسبوق، يتفاعل ضدها العالم أجمع. ربما هي صحوة بعد مئة عام، متأخرة لكنها متحققة، فكيف سنستقبلها، وكيف سنقويها ونوجهها؟ هذه هي الأسئلة الوحيدة المقبولة والمنطقية والإنسانية والعادلة اليوم.

القدس العربي

————————

الديمقراطية الإسرائيلية وسيلة اغتصاب/ راتب شعبو

لا نحتاج للتأمل في ما يحدث في حي الشيخ جرّاح في القدس اليوم لملاحظة مدى قدرة إسرائيل على امتهان فكرة الديمقراطية، كما سبق للحركة الصهيونية أن توسّلت فكرة الاشتراكية وامتهنتها في بداية تأسيس المشروع الإسرائيلي. أي مقطع من تاريخ القضية الفلسطينية يكشف كيف يمكن أن تكون الديمقراطية وسيلةً في يد المغتصبين لسلب حقوق الآخرين.

يتغلف تهجير الفلسطينيين في الحي المقدسي هذه المرّة بطابع قانوني، وسندات ملكية، وسندات مضادّة، ويعرض على المحاكم الإسرائيلية لتقول كلمتها في الأمر، المحاكم التي تستند إلى قوانين غايتها مصادرة الأرض، مثل قانون أملاك الغائبين لعام 1950، الذي ينقل أملاك الفلسطينيين في إسرائيل 1948 إلى حوزة الدولة، ليس دولة فلسطين بالطبع، بل دولة من احتل فلسطين وهجّر أهلها.

أسّست 28 عائلة فلسطينية، في 1956، سبق أن هجّرت من مناطق احتلتها إسرائيل في 1948، سكناً لها في حي الجراح في القدس الشرقية، باتفاق بين الأردن الذي كان صاحب الولاية على القدس الشرقية (1951-1967)، وبين وكالة غوث اللاجئين (أونروا). في 1967 وجدت هذه العائلات نفسها تحت الاحتلال الإسرائيلي، واليوم تجد بيوتها مهدّدة بأن تصبح مشاعاً للمستوطنين. واقع مرير يعكسه حوارٌ بات شهيراً بين امرأة فلسطينية ومستوطن إسرائيلي يبرر استيلاءه على بيت عائلتها بأنها سوف ترحل ولن تعود، وأن بيتها سيصبح ملكاً لغيرها، إن لم يكن له فلمستوطن آخر. المحسوم إذن هو تجريد العائلة من ملكيتها التي سيتنافس المستوطنون على حيازتها. هناك دولة معزّزة بقوة هائلة وبدعم دولي، تعمل على قطف ملكيات “الآخرين”، بكل السبل الممكنة، وتترك لرعاياها جمع القطاف.

التناقض المتأصل في تكوين الدولة الإسرائيلية وتاريخ نشوئها هو بين الاغتصاب والديمقراطية. حاجة إسرائيل للديمقراطية لا تنبع فقط من حرصها على مظهر الانتماء إلى الحضارة الديمقراطية الغربية السائدة اليوم، لتبدو واحةً مضاءةً وسط بقعةٍ يسودها الاستبداد والتخلف، بل أيضاً من قدرة الآليات الديمقراطية على استيعاب التباينات الواسعة بين اليهود الذين يشكلون شعب إسرائيل. غير أن هذه الديمقراطية “اليهودية” هي في الواقع أداة اغتصاب أرض وتجريد شعب آخر من حقوقه.

يخترق هذا التناقض تاريخ الديمقراطيات، سواء في حقبة الاستعمار المباشر، أو بعدها. الديمقراطية بوصفها آليات حكم ومبادئ عدل وقيم إنسانية، هي للداخل فقط، فيما تغتصب هذه الديمقراطية “الداخلية” حقوق شعوب في الخارج. الاختلاف الإسرائيلي هو في أن خارجها جزء من داخلها، وأنها، بطبيعتها الاستيطانية التوسعية، تستدخل الخارج لتبتلعه، وهي لذلك لا تستطيع إلا أن تجمع ديمقراطيتها إلى نوعٍ من التمييز العنصري القائم على عنصرَي القومية والدين. هذا تناقضٌ متأصلٌ لا يمكن لإسرائيل تجاوزه إلا في أحد اتجاهين، أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وبدولة فلسطينية لها حدود ثابتة، أي أن تؤسّس لحدّ حاسم وواضح بين داخلها وخارجها، أو أن تتخلّص من الشعب الفلسطيني بالقتل على طريقة السكان الأصليين في أميركا مثلاً، أو بالتهجير الواسع بحيث لا يشكل من يبقى منهم أساساً كافياً للمطالبة بدولة، أي أن يتخلص داخل إسرائيل “اليهودي” من خارجها “الفلسطيني”.

لن تعترف إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني ما لم تُرغم على ذلك، ولا يبدو هذا الأمر قريباً. لذلك تعمل إسرائيل على تنفيذ خيار التهجير، ذلك أن الخيار الأول (الإبادة) لم يعد متاحاً في الظروف العالمية المعاصرة، فضلاً عن أن من شأن هذا الخيار أن ينسف البعد الديمقراطي الضروري لعمل الدولة اليهودية ولصورتها في العالم. على هذا، نجد عمليات الطرد غير المباشر عن طريق منع إعطاء تصاريح بناء للفلسطينيين وهدم البناء المخالف، وعمليات الطرد المباشرة عبر مصادرة الأراضي والبيوت، المصادرة التي تتخذ اليوم في “الشيخ جرّاح” شكلاً قانونياً، تفصل به المحاكم الإسرائيلية التي يقوم قانونها على المصادرة والتوسع، وهذا مسارٌ طويل النفس، ولكنه ثابت.

على ضوء الاستبداد المزمن والمستحكم في البلدان العربية، ينعكس التناقض المذكور بين ديمقراطية الدولة الإسرائيلية وطبيعتها الاغتصابية والعدوانية، في الوعي العربي على شكل قلق حائر بين رفض (وإدانة) إسرائيل التي تسلب حقوق الشعب الفلسطيني والإعجاب بسلوك أجهزة الدولة الإسرائيلية، على قسوته، تجاه المناضلين الفلسطينيين، مقارنة بالسلوك المفترض لأي دولةٍ عربيةٍ تجاه من ينتفض في وجهها.

الفشل العالمي في إلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي، والفشل العربي، ومن ضمنه فشل الفصائل الوطنية الفلسطينية، في فرض الحقوق العربية على العالم، قاد إلى تضعضع النضال الوطني الفلسطيني، واستقراره من ثم على قاع هوياتي ديني اتخذ شكل صعود حركات إسلامية (أهمها حماس والجهاد الإسلامي) إلى واجهة الصراع، مع تحوّل منظمة التحرير تالياً إلى “مفاوض” ثم إلى سلطة محلية تنسق مع الاحتلال.

ارتبط هذا التغير في المشهد الفلسطيني (صعود الحركات الإسلامية) بتغيرٍ حاسم آخر، هو انتقال مركز النضال الفلسطيني إلى الداخل، مع اندلاع الانتفاضة الأولى في الشهر الأخير من العام 1987. بعد أيام قليلة من اندلاع الانتفاضة أصدرت “حماس” بيانها الأول الذي يتحدث عن “اليهود” ويصف المعركة معهم بأنها “معركة عقيدة ووجود وحياة”، وأن “الإسلام هو الحل والبديل” عن “السلام الهزيل .. والمؤتمرات الدولية الفارغة والمصالحات الخائنة”. كان قد شهد لبنان، قبل فلسطين، تغيراً مشابهاً حين حلت مقاومة إسلامية (حزب الله) محل جبهة المقاومة الوطنية (جمول).

إذا كان استقرار النضال الفلسطيني على أرض دينية يجعله أقدر على الحشد والصمود، فإنه، من ناحية أخرى، يزعزع الأساس الحقوقي للنضال الوطني، ليبدو نضالاً ضد “اليهود” أكثر منه نضالاً ضد الاحتلال. أي نضال “عقيدي ووجودي” أكثر مما هو نضال وطني. يبدو لنا أن مثل هذا التغير يساعد الدولة الإسرائيلية على تخفيف التناقض المستعصي فيها بين ديمقراطيتها وطبيعتها العنصرية، لأنه يساعدها على الظهور في موقع الدفاع عن النفس كوجود بشري، وليس كدولة احتلال، الأمر الذي يمكن لمس أثره في تأكيد الغرب على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.

يشكّل الجانب العقيدي عنصراً فاعلاً في المكون الوطني للنضال الفلسطيني، ولكن من الحيوي لهذا النضال ألا يتغلّب فيه الجانب العقيدي على الجانب الوطني، وإلا فإنه يغامر في أن يخسر مشروعتيه الوطنية السياسية، ليندرج في خانة حقوق الإنسان والجماعات.

العربي الجديد

————————

في المقارنة الظالمة بين بيلا حديد وأفيخاي أدرعي/ جهاد بزي

هذا مقال ساخر من أفيخاي ودولته، فيا ليت ينظر إلى سطوره بعين العطف.

لصديقتي زينة مقولة ذهبت مثلاً: “الشكل أهم من المضمون”. وفي الشكل، إذ نقارن بيلا حديد بأفيخاي أدرعي، فكما نقارن زهر اللوز بفاتورة مطعم. لا شيء من الأولى في الثاني. حرفياً لا شيء.

الأولى، اكتملت أوصافها (بعد الله): امرأة. شابة. خلابّة الجمال. فلسطينية. فخورة بأصلها الفلسطيني. والثاني، نجده حيثما اتفق: رجل، إسرائيلي، يعيش أزمة منتصف عمره. عادي الملامح والبنية الجسدية. موظف بروباغندا مفضوحة، مجهول الأصل. سنتخلى عن الأولى والثاني الآن، ونخاطبهما بأسمائهما.

بيلا لديها ما تخاف عليه. نجمة على مستوى الكوكب. لديها 42.5 مليون متابع في “أنستغرام”. صورتها الواحدة تنال بين مليون ونصف، ومليوني إعجاب. التعليقات تتراوح بين “هل تحاولين إجباري على البكاء؟” و”أنا مستعد للتبخر من أجلك” (الأخير أنا اخترعته. لا أتبناه، لكني لا أشكك في وجوده).

بيلا ليست بحاجة إلى السياسة في عالمها الوردي المزدحم بكل رفاهية الماركات التي لا تحب الصراع. العالم الخفيف للمجوهرات والسيارات واليخوت والفنادق بنجومها السبعة. العالم الجميل الذي نراه “ماكسيموم” في الإعلانات، فلا يقاربنا نحن العاديين، ولا نقاربه. لكنها، بيلا حديد الفلسطينية، اختارت. لم تتردد للحظة في أن تختار الوضوح. هذه أرضها، وهذه قضيتها. لم تلجأ إلى ميوعة الممثلة الإسرائيلية غال غادوت، في حب الإنسانية بشكل عام، ودولتها بشكل خاص. بيلا لم تقل، كالمرشحات لملكة جمال ما، أنها تريد أن تطلق ما استطاعت من حمائم بيضاء في سماء العالم.

قبل هذا، لم تنشر صورة وجهها وقد غطى سماء القدس ومسجدها وبيوتها وناسها ولم يبق ولم يذر، كما فعلت “نجمات” لبنانيات وسوريات. لا. بيلا اتخذت موقفاً حاسماً في السياسة أولاً وأخيراً. قالت قضيتها بوضوح. ذكّرت بشجرة عائلتها الفلسطينية، بجذورها. استعادت شرح القضية كما هي، الاستيطان وطرد السكان الأصليين من بيوتهم وبلادهم، والفصل العنصري وظلم القوة، ثم نزلت وتظاهرت مع المتظاهرين في نيويورك بثياب المتظاهرات، بالجينز والكوفية (لا بأس إذا كان ثمن الجينز خيالياً، هذه، في آخر النهار، بيلا حديد).

لم تدّعِ، وهذا هو الأساس، كما لم تجبُن. لم تخف من خسارة أحد، لا وكالة إعلانات ولا جمهوري حبيبي. تقول وتفعل ما تؤمن به. وتأثيرها، في هذا العالم من السوشيال ميديا مهول، وحقيقي وضروري كي يصل الصوت الفلسطيني إلى أعلاه: فلسطين جميلة ببناتها.

من الجلي أن سياق النص يأخذني لأن أكتب: حياك الله يا بيلا يا ابنة الحديد. وهذه لحظة ملائمة تماماً للانتقال إلى أفيخاي.

سبحان الذي خلقه ما أثقل دمه. أعني، هذه الدولة المتفوقة في سلاحها وهمجيتها، تسقط دائماً حين تصل إلى البروباغندا. قبل السوشال ميديا، كانت طائراتها ترمي على العرب منشورات مضحكة برسوم سيئة ولغة عربية مخجلة. وحين تطورت، خرجت علينا بأفيخاي.

حسناً، لديه نحو 400 ألف متابع في “تويتر”، منهم أنا لضرورات ليست ضرورية، ومثلي كثر. شبه أبله، يمضي أيامه في ترداد عبارات جوفاء كالببغاء. يخرج علينا بنجمتين على كل كتف ليفحمنا بعبارات من القرآن، أو لجنود محبين للسلام، أو لتحوير كلمات مُقدستنا فيروز ليسقطها على دولته. أو ليصغر لأوامر قيادته ببث بيانات جيشه. يتذاكى علينا باللعبة نفسها مذ خرج إلى الضوء: ليست إسرائيل من تفعل بكم هذا، هي قياداتكم. مقنع للأمانة. لأن واجبه، بينما الأبنية تنهار على أطفالها، أن ينقذنا.

قلبه علينا أفيخاي. دائماً قلبه علينا، حتى نكاد نقول له من الحب ما قتل يا آفي (على الأرجح أن هذه كنية تدليله بالعبري). من الحب ما قتل يا آفي. من الحب ما قتل يا إسرائيل. كفّي أنت وأفيخاي، عن كل هذا الحب. يكفينا.

أفيخاي نموذج للعدو القذر بطبيعته. نموذج لكل ما عانيناه. الوجه المبتسم، الودود، اللطيف لمصاص دمائنا. المهرج القاتل الذي يمازحنا بينما يذبحنا، لا نملك أن نقول له اعتقنا يا أفيخاي. اعتقنا من مزاحك ومن جديتك. اعتقنا يا مضحكنا. اعتقنا يا قاتلنا.

أفيخاي قميء. لا وصف ألطف يستحقه. هو وجه المجرم كما هو، وإن كان بلا أنياب بارزة كما في رسوم دراكولا المتحركة. نحن لا نرى غير وجهه ودوي الطائرات. لا نرى وجوه الطيارين لكننا نرى وجهه. لا نرى من يلقمون المدافع لكننا نرى وجهه. لا نرى وجه بنيامين نتنياهو ومن سبقه، لكننا نرى وجهه. وهو وجه كريه مهما تخفّى خلف ابتسامته، ومهما سوّق ودّه ولطفه، بعكس وجه بيلا.

مضجراً صار هذا النص حين ذهب إلى أفيخاي، لأنه شخص ممل وممجوج وبلا نكهة ولا طعم ولا رائحة. هذا شخص صُنع كيفما اتفق. غير أن المقارنة بينه وبين الفلسطينية بيلا حديد، كانت مقصودة. أي مقارنة بين امرأة ورجل ستكون ظالمة بحق الرجل. والمقارنة بين بيلا وأفيخاي تظلم أفيخاي حتماً. فهي مقارنة عن سابق تصور وتصميم. مقارنة لئيمة بين زهر الكرز وفاتورة الكهرباء. وكما قالت صديقتي زينة: الشكل أهم من المضمون.

في حالتنا هذه، بيلا تفوز على أفيخاي، شكلاً ومضموناً. كذلك تفوز فلسطين على إسرائيل. كذلك تفوز فلسطين الطيبة الحلوة على بشاعة إسرائيل.

المدن

————————–

صحيفة عبرية: “قد نكسب 5 سنوات من الهدوء”.. هكذا تقيس إسرائيل نجاح معركتها مع حماس  

سئل في هذا الأسبوع، ضابط كبير في الاحتياط شغل مناصب رئيسية في جميع المعارك الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة ولبنان، عن تجربته الغريبة التي مر بها، عندما شاهد الأحداث على التلفاز للمرة الأولى من بيته. “لم أفهم قط تأثير بث التلفاز على المشاهد الإسرائيلي”، اعترف الضابط. “عندما كنا في ذروة الحرب لم يكن لدينا وقت لسماع ردود فعل الجمهور. كنا نركز على عملنا، لكن المشاهدين في البيوت يرون صوراً غير متناهية من مواقعنا التي ضربت بالصواريخ. وثمة بث قصير هنا وهناك عن أبعاد الهدم في غزة. الصورة التي ترتسم لديهم مختلفة كلياً”. مشكلة الجيش الإسرائيلي والحكومة لا يمكن أن تقتصر على الشرح، ولا يمكن أن تُحل إذا عين ناطق إعلامي وطني جديد في جولة القتال القادمة، على صيغة حاييم هرتسوغ أو نحمان شاي. تبادر إسرائيل كل بضع سنين لعملية جديدة في القطاع أو تجد نفسها مجرورة إليها. الفجوة بين الأهداف المحدودة التي يريد الجيش تحقيقها وبين الانتصار الحاسم الذي يريده الرأي العام تبقى كبيرة. في زياراتي هذا الأسبوع إلى غرف عمليات قيادة الأركان وقيادة الجبهة الجنوبية وفرقة غزة، التقيت عشرات الضباط والجنود النظاميين ومن الاحتياط الملتزمين بشكل كامل بتنفيذ المهمة.

طور الجيش الإسرائيلي القدرات الدفاعية بواسطة الحاجز ضد الأنفاق وبطاريات اعتراض القبة الحديدية، وعزز آلة الدمار الهجومية التي أقامها والتي تعتمد على قدرات تكنولوجية واستخبارية متطورة.

ولكن كل ذلك لا يعطي في الظروف الحالية انتصاراً أو حتى ما يشبه الانتصار. ليس غريباً أن يصاب الجمهور الإسرائيلي الذي شبع من جولات قتال باهظة الثمن وعديمة الجدوى، بالإحباط. الشعور بالاستنزاف يضاف إلى الإحباطات التي تركتها سنة كورونا. نجحت حماس في تصدير روتين صافرات الإنذار الليلية إلى “غوش دان”. وحصل سكان وسط البلاد على وجبة صغيرة مما يمر على سكان الجنوب طوال العشرين سنة الأخيرة.

في غرف العمليات العسكرية المكيفة، فوق الأرض وتحتها، لا يسمعون صدى القتال، وبصعوبة يدركون تداعياته في الخارج. السياق السياسي خلف توجيهات الحكومة بعيد تماماً عن الخطاب. الانتقاد في الداخل لا يتسرب عبر طبقات الإسمنت. وعدم الرضى المتزايد في الغرب من قصف سلاح الجو للتجمعات السكانية المدنية في غزة يشبه ضجة عامة لرعد بعيد.

يعد الجيش أكثر من 100 مخرب قتيل آخر إلى جانب البيانات الرسمية الفلسطينية (230 قتيلاً حتى ظهر أمس، نصفهم تقريباً من المدنيين). ومن هم هناك يدركون أن المعركة بدأت بشكل مفاجئ بالنسبة لإسرائيل، ووضعتها من البداية في موقف متخلف. انحرفت حماس عن توقعات مسبقة للاستخبارات العسكرية عندما أطلقت الصواريخ نحو القدس. ومنذ ذلك الحين، ما يفعله الجيش الإسرائيلي هو ملاحقة حماس التي اختبأ قادتها تحت الأرض.

أدارت إسرائيل في غزة معركة ردع وليس معركة حسم، هدفها التسبب بأضرار شديدة للتنظيمات الفلسطينية وقدرتها العملية بصورة تجعلها تمتنع عن إطلاق آخر على إسرائيل في السنوات القريبة القادمة. رئيس قسم العمليات في هيئة الأركان، الجنرال أهارون حليوه، وهو شخص متفائل جداً، قال في هذا الأسبوع إن خمس سنوات من الهدوء ستعتبر نجاحاً. ولكن نجاح معركة كهذه يقاس فقط بطول الوقت وليس برفع علم على بقعة متخيلة على رمال غزة. لن يكون هنا انتصار واضح ومدو، ولا يهم كم المراسلين الذين سيجندون لتسويقه.

عملية “حارس الأسوار” التي كان يتوقع أن تنتهي فجر اليوم، تبقي مسألة معالجة التعزز العسكري لحماس مفتوحة. من عملية إلى أخرى سجل خط متواصل من التطور في المدى وفي العدد وفي قدرة ترسانة الصواريخ التي بحوزة حماس. هل هذا يبرر عملية إسرائيلية مبادراً إليها وشاملة، التي يتم التوصل بعدها إلى نزع سلاح كامل لغزة؟ بصورة لافتة للنظر؟ حتى اليمين المتطرف لم يطلب هذه المرة احتلال القطاع بعملية برية، التي يوجد لنتنياهو في هذه الأثناء حد أدنى من الاعتماد الجماهيري للقيام بعمليات مختلف عليها. يصعب القيام بعملية عسكرية خطيرة، تتضمن عدداً كبيراً من المصابين، عندما لا يثق نصف السكان بأي كلمة تقولها، بل ويشك في أنك قمت بصورة متعمدة بتسخين التوتر في القدس لأهدافك السياسية الشخصية.

زمن الإصابات

منذ اللحظة التي اتصل فيها الرئيس الأمريكي بايدن بنتنياهو للمرة الرابعة أول أمس بعد الظهر، دخلنا في زمن الإصابات. كان الطلب الذي عرضه بايدن على إسرائيل في هذه المرة قاطعاً، وهو التوصل إلى تهدئة فورية. حاول نتنياهو في تصريحاته العلنية وفي تسريبات لمقربين الحفاظ على كرامته. وقيل لنا إن الجيش الإسرائيلي سيواصل العملية لأن هناك أهدافاً يجب تحقيقها. عملياً، العد التنازلي بدأ، وأمس قرر الكابنت دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ في الساعة الثانية فجراً. التغيير الذي أحدثه بايدن في الصورة الاستراتيجية هو تغيير ضخم. كان الأمر مع الصديق ترامب شيكاً مفتوحاً لنتنياهو من الأمريكيين لاستخدام القوة كما يشاء. بايدن الذي هو مؤيد بارز لإسرائيل، صمد أكثر بقليل من أسبوع. في المحادثة الرابعة وضع نوعاً من الإنذار لنتنياهو، الذي فهمه الأخير بشكل جيد. ولأن عدد المصابين في الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير مرتفع، كانت الاستجابة للطلب الأمريكي سهلة نسبياً. ولكن سيطرح السؤال في المستقبل: كيف ستتصرف الإدارة الحالية في حالة حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله. هل ستطلب الولايات المتحدة من إسرائيل وقف القصف الثقيل أو القيام بعملية برية عندما تتوجه آلاف الصواريخ من لبنان، التي جزء منها دقيق؟

سبق رسالة بايدن المتشددة محادثات تلطيف من رجالاته مع وزير الدفاع ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في إسرائيل. وبثت الإدارة طوال المواجهة تفهماً ودعماً لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتواصل وزارة الدفاع الدفع قدماً بعملية مصادقة على بيع السلاح الدقيق (قذائف جي. دام) لسلاح الجو. لأن الجيش الإسرائيلي سيحتاج إلى ملء المخازن عند انتهاء العملية.

في المقابل، يدعو أعضاء كونغرس من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي إلى حظر السلاح على إسرائيل بشكل علني. هذه ظاهرة قد تتسع في جولات القتال القادمة. لنتنياهو دور كبير في ذلك، بسبب إظهاره التماهي الكامل مع أعمال ترامب الجنونية واستخفافه بالديمقراطيين طوال سنوات. وأكثر مما يحدث في غزة، تكمن التداعيات الحقيقية هنا بعيدة المدى لأحداث الأسابيع الأخيرة. وبالقدر نفسه، التطورات مقلقة داخل الخط الأخضر. في هذا الأسبوع برز توجه لكبح العنف في المدن المختلطة، لكن الجنون السياسي العنيف الذي يمر على إسرائيل في كل واحدة من المعارك الأخيرة، بقي على حاله. وزير الدفاع، بني غانتس، يكثر من التجول في هذه الأيام في وحدات الجيش الإسرائيلي التي تشارك في القتال والتحدث مع الجنود. الأسئلة التي توجه إليه تكرر نفسها في كل زيارة: ماذا نفعل مع عدم الاستقرار والكراهية داخل المجتمع الإسرائيلي؟

هذا ما يقلق الجنود بالأساس. نأمل بأن يتذكر غانتس ذلك عندما يأتي العرض المغري من نتنياهو بنسيان كل ما حدث في السنتين الأخيرتين وينضم إليه أيضاً في حكومته القادمة.

       أرض بعيدة

في تشرين الأول 2020 التقى رئيس الأركان، أفيف كوخافي، مع قادة لواء المظليين النظامي عشية بدء مناورة كبيرة لقيادة هيئة الأركان. في خطابه، أوضح كوخافي للضباط بأن الانتصار الحقيقي في الحرب يتحقق فقط عندما يكون مقروناً بعملية برية. “عندما تسأل نفسك ما الذي تريده الدولة وما الذي يريده الجيش، كيف يريد الجيش إنهاء الحرب بشكل ناجح؟ تكون الإجابة بسيطة – إنجاز كبير في وقت قصير وبثمن منخفض”. يبدو أنه تطرق بشكل مباشر إلى طبيعة المواجهة المستقبلية في القطاع. “لا يمكن تحقيق إنجاز ضد الأعداء بدون الحرب البرية، أو دخول كثيف للقوات”، أضاف رئيس الأركان. “لا توجد احتمالية لتحقيق 50 – 60 في المئة من التدمير (لأهداف العدو) بدون أن تدخل القوات البرية إلى الداخل”.

لم يحدث هذا، لأن الجيش الإسرائيلي استخدم معركة محدودة قام بها بطريقة قتال مضاد “ستاند – أوف”. العملية البرية الوحيدة التي سجلت كانت قصيرة جداً، صغيرة في أبعادها واستهدفت بالأساس حاجات التضليل. في ليلة 14 أيار، حرك الجيش الإسرائيلي قوة من الدبابات والمدرعات على طول حدود القطاع دون اقتحامها مادياً. كان يمكنها أن تحث حركة القوات أعضاء حماس على الدخول إلى الأنفاق تحت الأرض باعتقادهم أن عليهم الاختباء من اقتحام إسرائيلي.

فعلياً، كانت عملية تمهيدية لقصف الأنفاق في إطار عملية “جنوب أزرق”. في نسختها السابقة عندما كان اسمها “ضربة البرق”، كان الهدف اصطياد المئات، إذا لم يكن الآلاف، من المخربين تحت الأرض بقصف دقيق لسلاح الجو الذي سيدمر نظام “المترو”، شبكة الأنفاق الدفاعية التي حفرتها حماس.

في الصباح الذي سبق القصف، صودق على العملية رغم أنه كان واضحاً أن نتائجها ستكون محدودة أكثر. اعتقدت قيادة الجبهة الجنوبية أن عمليات القصف الأربع السابقة للأنفاق، التي أصيب فيها قادة حماس ورجال أبحاث وتطوير للسلاح ومقاتلو النخبة الهجومية، قد أوصلت قادة حماس إلى الاستنتاج بأن الاستخبارات الإسرائيلية حلت لغز شبكة الأنفاق، وأن سلاح الجو يستطيع ضربها بشكل دقيق تحت الأرض. كانت التعليمات بالعمل رغم الافتراض بأن عدد قتلى العدو سيكون أقل بكثير مقارنة بالتوقعات الأصلية. وقال الجيش الإسرائيلي بأن القصف حرم حماس الشعور بالأمن، ولن يشعر القادة والنشطاء بأنهم سيكونون محصنين من الضرب الإسرائيلي وهم تحت الأرض. ومهما كان الأمر، لم تكن عملية “جنوب أزرق” في إطارها الحالي كاسرة للتوازن الذي كان الجيش الإسرائيلي يأمل في تكونه. وبعد ذلك لم تظهر حماس أي علامات على الانكسار.

كلما استمر القصف من الجو كان من الأصعب على الجيش الإسرائيلي الامتناع عن المس بالمدنيين الفلسطينيين. تعليمات “الضرر الجانبي”، ودرجة المخاطرة المسموح أخذها للمس بالمدنيين، ما زالت حتى الآن في الجانب الأقل تساهلاً للمقياس. ولكن أعضاء حماس عرفوا أنهم دائماً مستهدفون وزادوا من طبقات الحماية البشرية حولهم.

في الخلفية، كان يتشكل الظل المهدد لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. في شباط الماضي قررت هذه المحكمة أن من صلاحيتها التحقيق في شبهات بارتكاب جرائم حرب نفذتها إسرائيل، والفلسطينيون ضد بعضهم. هناك فجوة بين اللهجة الهجومية التي تتحدث بها قيادة الدولة عن القرار بصورة رسمية ودرجة الخوف التي يتم التعبير عنها في النقاشات الداخلية.

في خطاب آخر ألقي قبل بضعة أيام من صدور قرار المحكمة، في معهد بحوث الأمن القومي، عرض رئيس الأركان نظرة جديدة على قوانين القتال. “علينا تغيير النموذج لاستخدام القوة العسكرية بصورة صحيحة وأخلاقية في عهد ساحة القتال في الفضاء الحضري”، قال. “في ساحة القتال حدث تغيير عميق جداً. اختار العدو أن يموضع نفسه وصواريخه وقذائفه في الفضاء الحضري. هو يتجاهل القانون الدولي بشكل متعمد.

“مبدأ التوازن يتحدث عن علاقة متوازنة بين الميزة العسكرية المتوقعة كنتيجة للهجوم وبين الضرر الجانبي الذي سيلحق بالمدنيين جراء الهجوم. هنا بالضبط يكمن لب التغيير الذي يجب القيام به. الكلمة التي يستخدمونها بالعبرية هي “تناسب”. هذه الكلمة أخذت تعبيراً ونغمة وتنوعاً بالحد الأدنى من الحذر. أقترح تسمية ذلك بالعبرية “نسبية”. وتعالوا الآن نتحدث عن النسبية التي بين الضرر الجانبي الذي سيلحق بسبب هجومنا وبين الميزة العسكرية المتوقعة من ذلك الهجوم. وإن مهاجمة جهاز إطلاق منفرد، موجود في غرفة داخل بيت في لبنان، ستمنع المس ببيت يتكون من الشقق وسيمنع إصابة العشرات من مواطني دولة إسرائيل. من واجبنا مهاجمة جهاز الإطلاق هذا، ومن واجبنا مهاجمة جميع أجهزة الإطلاق وجميع الصواريخ التي نشخصها في هذه الفضاءات. هذا هو المطلوب منا وهذا هو دورنا وهذا هو هدفنا”.

بقلم: عاموس هرئيل

 هآرتس

 القدس العربي

——————–

ميركل نصبت الفخ/ ممدوح الشيخ

معقدة علاقة ألمانيا وإسرائيل، وعبء التاريخ فيها يعرفه كل من له دراية بتاريخ ألمانيا النازية. وبعد عقود طويلة على انتهاء حكم النازية، لا تزال إسرائيل تستثمر “عقدة الذنب” سياسيًا، بعدما جنت منها تعويضاتٍ تزيد على ثمانين مليار مارك ألماني. وفي مرحلة الجفاء البريطاني الإسرائيلي القصيرة، بقيت ألمانيا، خلال تلك السنوات الأكثر حساسية في تاريخ إسرئيل، ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل.

وفي ما قد يبدو تحوَّلا مهما، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أنها لا تمانع في التفاوض غير المباشر مع حركة حماس كضرورة واقعية لأجل حل النزاع في الشرق الأوسط. يبدو التصريح “ظاهريًا” تحولًا بحق جماعة مدرجة على لوائح الإرهاب في دول عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة، وهو على الأرجح فخٌّ تساهم في إعداده ألمانيا، اتساقًا مع التوجّه الجديد في البيت الأبيض نحو إسرائيل في ظل إدارة الرئيس الأميركي بايدن التي تنطلق في علاقتها بإسرائيل من عدة منطلقات، أولها، إسرائيل في حاجة إلى من ينقذها من أي خطر من خارجها، وفي حاجةٍ بالقدر نفسه، لمن ينقذها من نفسها، فالحفاظ على “يهودية إسرائيل” لا يتحقق إلا بحل الدولتين. الثاني، أن الدعم المطلق لـ “أمن إسرائيل” لا يعني الدعم المطلق لـ “سياسات إسرائيل”. الثالث، مصالح أميركا وإسرائيل متشابكتان لا متطابقتين، وبدا هذا واضحا في الفترة القصيرة من حكم بايدن، في السجال العلني بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، حيث تراه إسرائيل تهديدًا صريحًا لأمنها. وفي المسافة بين “التطابق” و”التشابك” بين مصالح الدولتين، تتراكم مؤشّرات التغير الملموس في درجة ثبات الدعم الذي تتمتع به إسرئيل في الغرب عمومًا، حيث بقيت منذ نشأتها “استثناءً” من كل قواعد السياسة المعروفة، وتآكل هذا الاستثناء، نسبيًا، على جانبي الأطلنطي سيكون قيدًا على العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وكانت البداية في الحرب التي انتهت قبل ساعات.

وخلال سنوات، كانت هناك محاولات متكرّرة لاستدراج “حماس” إلى تفاوض مع إسرائيل، وهو ما رفضته “حماس”. وتصريح ميركل يمثل تحولًا من حيث هو قفز على حقيقة أن الحركة موصوفةٌ بالإرهاب رسميًا. وجدير بالذكر هنا أن إدارة بايدن اعتبرت إدراج جماعة الحوثيين في اليمن إرهابية يضر بمساعي التسوية في اليمن، فهل يمتد نطاق “الواقعية السياسية” ليشمل حركة حماس؟

السؤال منطقي في ضوء ما يعتبره كثيرون تحولًا في خطاب إدارة بايدن عن: وضع القدس غير المحسوم، وحل الدولتين، وعودة أميركا لتقديم مساعدات للفلسطينيين، وأخيرا رغبة أميركا في الاشتراك في إعادة إعمار غزة … وغيرها من مفرداتٍ يبدو منها بايدن راغبًا في الرهان على إمكان تحقيق مكسب سياسي، عبر اعتماد الإغواء والاحتواء الناعم بدلًا من سياسات ترامب الصدامية. وثمّة رهان أميركي قديم جديد على إمكان فصل المقاومة (و”حماس” هنا مجرد رمز لها) عن الجماهير الفلسطينية الداعمة لها عبر دعم اقتصادي يغير نظر الفلسطينيين لـ “الحياة” و”الموت”، وهو رهانٌ لا يستوعب الكثير من حقائق التاريخ.

وليس التفاوض جلوسًا إلى طاولة، بل “أُطر حاكمة”. وبالتالي، يستدعي الحديث عن تفاوض غير مباشر أولًا إعداد “العصا” و”الجزرة”. وفي العام 2017، أعلنت “حماس” ما سميت “وثيقة مبادئ سياسة جديدة”، متضمنة قبولها دولة على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، من دون اعتراف بإسرائيل، وهو ما لم يغير موقف إسرائيل، ولا أيٍّ من حلفائها الغربيين. واليوم تسعى برلين (أرجح إن الدعوة نوقشت مع تل أبيب وواشنطن) إلى تفاوض غير مباشر. والرسالة الأولى أن تجميد الصراع إلى أجل غير مسمّى لم يعد حلًا مُرجحًا. وأحد أهم العوامل التي لا يكاد يتنبّه إليها، وإلى مآلاتها، في الخطاب التحليلي السائد عربيًا، أن المستوطنين الصهاينة وحلفاءهم السياسيين الأكثر تطرّفًا، بسبب الوزن النسبي السكاني المتزايد باطراد سيكونون، في الأجل المنظور، عبئًا ثقيلًا على حلفاء إسرائيل، بسبب أطماعهم الشرهة وسلوكياتهم العنيفة.

هل نضج تفاهم ألماني أميركي على نصب فخٍّ بهدف اصطياد تنظيمات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها “حماس”، وفي الوقت نفسه، اصطياد جماعات المستوطنين الصهاينة؟

العربي الجديد

————————-

شعب فلسطين بمخالب كثيرة/ مهند الحاج علي

في مواجهة احتلال استيطاني يعمل بدأب على قلب المعادلة الديموغرافية وتقطيع أوصال أراضي الفلسطينيين واجتثاثهم من منازلهم وتشريدهم وطردهم، لا ينفع الصمت ولا السكوت ولا احترام موازين القوى. الوقت ليس لمصلحة القابعين تحت الاحتلال، بل تُقطع أوصال الفلسطينيين وينخر في حقوقهم كالسوس. على أي إحتلال استيطاني أن يدفع ثمناً لقاء اخضاعه شعباً بأسره ومواصلة سلب حقوقه بلا هوادة، وإلا فإن زوال الضحايا وحقوقهم وأي أمل بها، حتمي. لكن ذلك في الحالة الفلسطينية ممكن فقط عبر جهد جبار، نظراً للقدرة الإسرائيلية والدعم الأميركي غير المشروط. إدارة الرئيس جو بايدن، ورغم الضغط على الجانب الإسرائيلي لفرض وقف للنار في قطاع غزة، ظهرت في موقع حرج في تأييدها الاحتلال وعنصريته حيال الفلسطينيين، وأيضاً ما يُسمى بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وهو يعني عملياً أن لا وجود للحق الفلسطيني في الدفاع عن النفس.

المشهد اليوم على مستوى الصراع مع الاحتلال كان مختلفاً، إذ خفّف قليلاً من الغلبة الإسرائيلية، والوهن الفلسطيني سابقاً، ولهذا أسباب عديدة.

أولاً، أظهر الشعب الفلسطيني، بكل تقسيماته، قدرة على الانتفاض بشكل منسجم في مواجهة الاحتلال. رأينا مشهداً متكاملاً في مواجهة امتدت من القدس الى الضفة الغربية وأراضي الـ48 وقطاع غزة، إلى الشتات الفلسطيني في الخارج. منذ عقود، لم نر مشهداً وطنياً فلسطينياً بهذا التكامل، كما حصل خلال الأسبوعين الماضيين.

ثانياً، الانتفاضة الفلسطينية داخل أراضي الـ48، هزت صورة إسرائيل. ذاك أن الدعاية الإسرائيلية في العالم، قائمة على ادعاء التنوع في الداخل الإسرائيلي ووجود دولة قانون ومؤسسات تحمي كل المواطنين بغض النظر عن اثنيتهم. وإسرائيل دأبت على ترويج هذه الدعاية، لإظهارها كواحة مؤسسات تعددية وسط صحراء شمولية عربية. إلا أن انتفاضة الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، فضحت ممارسات عنصرية، وكيف تُكافئ الشُرطة والقضاء المنحاز العنف ضد أبناء جلدتهم، وتُركز على ملاحقتهم ومحاسبتهم وحدهم، بناء على اثنيتهم، بما يُؤكد الازدواجية، وأن نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) ينسحب عليهم أيضاً لوجود قانونين لشعبين على أرض واحدة. هم مواطنون درجة ثانية وربما ثالثة، بناء على إثنيتهم.

والأرجح أن هذه الصورة ستزداد وضوحاً ونقاء نتيجة سياسات الاحتلال في الداخل، وملاحقتها الفلسطينيين، وارتفاع الأصوات المُنادية بترحيلهم الى الأردن، وهي بكل الأحوال تصريحات حاضرة في السياسة الإسرائيلية على مستويات عالية. عملياً، في إسرائيل، هناك تطبيع وقبول لسياسة التطهير العرقي ودعوات الطرد الجماعي حاضرة على ألسنة مسؤولين في اليمين الإسرائيلي ونواب يُمثلونه. أحد الوجوه البارزة في السياسة الإسرائيلية اليوم، وزير الخارجية والدفاع سابقاً أفيغدور ليبرمان، هو صاحب مشروع للتطهير العرقي. وهذه شخصية أساسية في السياسة الإسرائيلية اليوم.

لا بد أن هذه الشعبوية الإسرائيلية ستتصاعد، وتطبع مع التطهير العرقي بصفته سياسة مقبولة اليوم، ولا يفوت الساسة اليمينيون أن هناك دولة مجاورة اسمها سوريا شهدت تبدلاً سكانياً نوعياً نتيجة طرد غالبية السكان (اللافت أيضاً أن هذه الدولة قتلت وسجنت آلاف الفلسطينيين).

ومثل هذه السياسة ستزيد من مأزق الولايات المتحدة وقدرتها على مواصلة دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، سيما أن هناك أصواتاً ضمن الحزب الديموقراطي الحاكم، باتت تُطالب علناً بتبديل السياسة الأميركية حيال الاحتلال.

ثالثاً، تلاقي انتفاضة الضفة مع احتجاجات القدس، ودخول قطاع غزة في المعركة، كانا نقطة فارقة في المواجهة. بداية، لم تعد الضفة الغربية جزيرة معزولة عن مواجهة الاحتلال. كما أن قدرة حركة “حماس” على كسر منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية (القبة الحديدية) كانت لافتة، إذ بات لغزة مخالب وقدرات لم تكن في الحسبان.

لكن هنا أيضاً حسابات مختلطة. القدرة الصاروخية هزت الأمن في العمق الإسرائيلي، وهذا يجعل الاستيطان أقل جاذبية مما كان، إذ لن تكون المستوطنات جاذبة لمهاجرين يهود. هذا صحيح، ويرفع ثمن الاحتلال أيضاً. لكن، وفي الوقت ذاته، كان مشهد الوحدة الفلسطينية من الشُتات الى الداخل، أكثر قوة وجاذبية وديمومة من القدرات الصاروخية، وأيضاً يفضح المعايير الأميركية المزدوجة. قد يتوقف القصف بهدنة طويلة، تتيح للاستيطان أن يعود، لكن مواجهة الاحتلال بوسائل الاحتجاج المختلفة وبكافة المناطق الفلسطينية وبمعونة الشتات، كفيلة بزيادة الضغط والاضاءة على الحقوق المسلوبة. لكن الحرب الأخيرة بقسوتها وآلامها وببعض نجاحاتها، تُحتسب أيضاً ضمن قدرة الردع الفلسطينية.

بات على الاحتلال أن يحتسب لمخالب كثيرة نمت لدى الشعب الفلسطيني وستُؤرقه كثيراً. لم يعد الاحتلال مجانياً، كما بدا في السنوات القليلة الماضية.

————————-

الإسرائيليون “نادمون” على استهداف “برج الجلاء” في غزة

شكل تدمير سلاح الجو الإسرائيلي، لبرج الجلاء في غزة، والذي ضم مكاتب مؤسسات إعلامية من ضمنها وكالة “أسوشيتد برس” وقناة “الجزيرة”، نقطة تحول في الموقف الدبلوماسي من الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة، وفق مقال نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية.

وانتقد الكاتب الصحفي الإسرائيلي ياكوف كاتز، فشل القيادة العسكرية الإسرائيلية في تقدير تداعيات قصف البرج الذي يضم وكالة الأنباء الأميركية، كونه حدثاً لا يمكن تجاهله من قبل إدارة الرئيس بايدن والرأي العام الأميركي. وكشف كاتز عن أن قرار استهداف البرج، اتُخذ خلال أحد الاجتماعات اليومية في أثناء العملية العسكرية ضد غزة والتي تجري خلالها مراجعة بنك الأهداف اليومي، وتمت الموافقة عليه من قبل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي، ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.

وقال الكاتب إن قصف مكتب وكالة الأنباء الأميركية أغضب البيت الأبيض، وأدى إلى تحول في موقف إدارة بايدن من الحرب بعدما كانت تقف بحزم خلف إسرائيل، فقبل يوم واحد من تدمير برج الجلاء كان الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن يشددان على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ويؤكدان دعمهما الثابت لأمنها. وأشار الكاتب إلى أن تدمير البرج شكل صدمة للدبلوماسيين في وزارة الخارجية الإسرائيلية الذين نفوا أي علم مسبق لهم بالقصف، ولم تكن لديهم أي معلومات تساعدهم على شرح أسباب استهداف مكاتب وسائل الإعلام، وفقاً للمقال.

ونقل مقال “جيروزاليم بوست” عن مسؤول بوزارة الخارجية القول “لم يخبرنا أحد بأي شيء، وقد كان الدبلوماسيون الإسرائيليون يسألون عن هذا الأمر (قصف المكاتب الإعلامية) في أنحاء العالم، ولم يكن لدى أي منهم أي معلومات يمكنه استخدامها لشرح سبب حدوث ذلك”. كما نقل عن دبلوماسي إسرائيلي القول “هذه هي المشكلة، كان يجب على شخص ما رفع العلم الأحمر والإشارة إلى أن أسوشيتد برس وكالة أنباء أميركية، وأن هجوماً كهذا لن يمر بصمت”. وأضاف: “كان ينبغي أن يكون الدليل جاهزا للنشر في غضون 5 دقائق بعد القصف، لكن لسوء الحظ لم يحدث ذلك”.

وانتقد المقال إخفاق وزارة الدفاع الإسرائيلية في تقديم أدلة على ادعائها بوجود أنشطة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في البرج المستهدف، وقال إنه حتى بعد مضي أسبوع تقريباً على الحادث؛ ما زالت إسرائيل ترفض الكشف عن ملف المخابرات الخاص بالمبنى، وعن الأدلة التي كانت حقا بحوزتها قبل الأمر بقصفه. وقال الكاتب إن مصادر في الجيش الإسرائيلي اعترفت هذا الأسبوع بأنها قد تكون أساءت التعامل مع تداعيات قصف برج الجلاء.

———————————–

واشنطن تبحث بمؤتمر دولي لاعادة إعمار غزة

قالت وكالة “رويترز” إن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن سيزور الضفة الغربية وإسرائيل الأربعاء والخميس. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب دخول اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة حيز التنفيذ وتوقف 11 يوماً من العدوان الإسرائيلي على غزة.

وقال المصدر ل”رويترز”، إن زيارة بلينكن للمنطقة ستشمل مصر، التي توسطت في التهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وكذلك الأردن.

وكانت الخارجية الأميركية قالت في بيان، إن بلينكن والرئيس الفلسطيني محمود عباس ناقشا هاتفياً إجراءات للحفاظ على وقف إطلاق النار. وأكدت أن الطرفين تعهدا بالإبقاء على خطوط الاتصال مفتوحة على كل المستويات.

وأضافت أن الوزير الأميركي أكد التزام واشنطن بالعمل مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة لتقديم مساعدة إنسانية سريعة لقطاع غزة.

من جهته، قال الرئيس الأميركي جو بايدن ليل الجمعة، إن حل الدولتين هو “الرد الوحيد” الممكن للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، داعياً المجتمع الدولي إلى المساعدة في “إعادة إعمار غزة”. كما أعلن أنه طلب من السلطات الإسرائيلية العمل على وقف الصدامات بين العرب واليهود في القدس، منددا ب”المتطرفين” من كلا الطرفين.

وقال بايدن: “لقد أبلغت الإسرائيليين أنه من الأهمية بمكان بالنسبة إلي أن يضعوا حداً لهذه الصدامات بين المجموعات في القدس والتي هي من فعل متطرفين من كلا الطرفين”.

وتعهد بايدن بإقامة مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة. ورغم ذلك، أكد أنه “لا يوجد أي تغيير في التزامنا تجاه إسرائيل”.

كما أعلن البيت الأبيض أن إدارة بايدن تلقت “ضمانات قوية” بالتزام الأطراف المعنية وقف إطلاق النار. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي: “لدينا ضمانات قوية من الأطراف المعنية بأنها ملتزمة بوقف إطلاق النار”.

وأضافت أن الولايات المتحدة “ستراقب تنفيذ وقف إطلاق النار عن كثب خلال الأيام المقبلة”، مشيرة إلى أن بايدن “ليس لديه خطط لتغيير مساعدتنا الأمنية التي نقدمها لإسرائيل”. ولفتت إلى أن “بايدن يرى أننا بحاجة إلى المضي قدما على جبهتين، ومن المؤكد أن دعم أمن إسرائيل هو أحدهما”.

وتابعت أن “الجبهة الأخرى هي إعادة بناء غزة، وتقديم المساعدة والتمويل من خلال الأمم المتحدة، والتأكد من أن حماس ليست هي المستفيد من تلك المساعدات، بل الشعب الفلسطيني”، مضيفة أن “أفضل طريق لتقديم المساعدات هو من خلال الأمم المتحدة”.

وفيما التزمت إسرائيل بالتهدئة مع غزة، يستمر المسؤولون الإسرائيليون بتوجيه التهديدات لقادة “حماس”. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن قائد هيئة أركان كتائب “القسام” محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة يحيى السنوار، ما يزالان ضمن أهداف إسرائيل حتّى الآن.

وقال غانتس في حوار مع القناة ال12 العبرية، في معرض تعليقه على تقارير عن نجاة الضيف من محاولتي اغتيال خلال جولة التصعيد الأخير: “هذه لن تكون آخر محاولة منا، وفي نهاية المطاف سننجح”.

وأضاف غانتس “غزة لن تذهب إلى أي مكان، ونحن بالتأكيد لن نذهب إلى أي مكان؛ أعني أن سياسة الردّ للجيش الإسرائيلي سيتمّ تشديدها بشكل أكبر”. وقال إنّ “إسرائيل لن تسمح (بإطلاق) الصواريخ أو البالونات المتفجرة”، من قطاع غزة المحاصَر.

وأشار إلى أنه يعتقد أن السنوار أراد أن يُنظر إليه على أنه يؤثر على القدس وفلسطينيي الداخل، “بصفته صلاح الدين القرن الحادي والعشرين”. واعتبر غانتس أن السنوار “ارتكب خطأ فادحاً”، مضيفاً أن إسرائيل ردّت “بشدة على هذا السلوك”.

وزعم غانتس أن القضاء على حركة حماس ممكن، لكنه يتطلب احتلال القطاع المحاصَر. وقال: “أنا لا أقول إن هذا خيار لن يتحقق يوماً ما، لكننا نقوم بعمل جيد لمحاولة استنفاد مستويات أخرى من العمل”، مدّعيا أن إسرائيل تتصرف “بمسؤولية سياسية وأمنية”.

———————–

غزة تقسم فرنسا على ذاتها/ حسن مراد

دائما ما تتوجه الانظار إلى باريس عندما ينفجر الوضع في الشرق الأوسط. ليس لقدرتها على التأثير في مجريات الأحداث، بل أملاً في موقف رسمي داعم للضحية، إذ يُنظر لفرنسا كموطن لحقوق الإنسان. لكن الاصطفاف الرسمي الفرنسي خيب آمال الفلسطينين ومناصريهم طوال الأسابيع الأخيرة.

بداية، بدا ايمانويل ماكرون غير مكترث لما يجري، وحساباته الافتراضية تشهد بذلك: تجاهل تماما مأساة العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح، بخلاف تضامنه مع ضحايا حادث جبل ميرون. لكن انحيازه لإسرائيل تجسد في بيان الاليزيه الذي لم يذكر الاعتداءات الإسرائيلية، فيما لم يوفر انتقاداته للفلسطينيين وصواريخهم.

لكن الصاعقة التي وقعت على رأس الفرنسيين تسبب بها وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بعدما غرد في 13 أيار/مايو معلناً رفضه منح ترخيص لمظاهرة باريسية مساندة للفلسطينيين بذريعة “الحفاظ على النظام العام” والحؤول دون تكرار ما جرى في العام 2014 إبان الحرب على غزة. موقف قوبل بترحيب تعدى الأوساط اليمينية: عمدة باريس ومرشحة الحزب الاشتراكي، المحتملة لرئاسة الجمهورية، وصفته بـ”القرار الحكيم”.

في المقابل، استهجنت أحزاب وجمعيات وشخصيات، تدور بمعظمها في فلك اليسار، استهجنت بشدة الخطوة الرسمية: صحيح أن تنكر رؤساء فرنسا المتعاقبين لقضايا محقة، بات مألوفاً، لكن “المس بالمقدسات”، أي حق التظاهر وحرية التعبير، استفز الشارع الفرنسي الذي لم يتردد في تحدي قرار دارمانان.

ومثلما كلف هذا الموقف الحكومة الفرنسية الكثير من الانتقادات، كان فرصة للتهكم عليها خصوصاً بعد تغريدة لنتنياهو خصصها لشكر مجموعة الدول المساندة لبلاده. تغريدة غاب عنها علم فرنسا، ما دفع بمجموعة من رواد “تويتر” لإعادة نشرها على سبيل السخرية من ماكرون الذي لم يجنِ ثمار تأييده لإسرائيل.

والانقسام الداخلي تجلى على وجه الخصوص في التغطية الصحافية، إذ لم تكن الصحف الفرنسية على الموجة نفسها.

صحيفة Le Figaro انحازت بوضوح للجانب الإسرائيلي، ساعية إلى تبرير الموقف الرسمي الفرنسي بترسانة من الحجج. الصحيفة ذات التوجه اليميني، سوّقت لنظرية منع “استيراد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أرض فرنسا” معتبرة أن ما صدر عن دارمانان ليس قراراً سياسياً، بل له مسوغاته القانونية. كما ذهبت أبعد من ذلك، شاهرة تهمة معاداة السامية: فمن وجهة نظر Le Figaro، يشهد العالم في الوقت الراهن نحو 38 نزاعاً، فلماذا التركيز على هذه القضية بالذات؟ ولماذا “التهجم” على اسرائيل “الدولة الديموقراطية” وسط تجاهلٍ لدول أخرى مثل كوريا الشمالية؟ فبحسب الصحيفة، معاداة الصهيونية ليست إلا ستاراً لمعاداة السامية من جانب اليسار الفرنسي.

وحتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار، لم تتوقف Le Figaro عن التصويب على الجانب الفلسطيني حين أشارت إلى قوة “حماس” العسكرية. كلام حمل في طياته قرعاً “لناقوس خطر لم ينكفئ بعد”. كما خصصت Le Figaro مقالاً آخر تناول الاتفاقيات المبرمة حديثاً بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، معتبرة أن ما جرى مؤخراً لن يجهض هذا المسار. هي محاولة منها لشيطنة الخيار العسكري الفلسطيني، والإيحاء باستعداد إسرائيل الدائم لإبرام السلام.

وحتى عندما غطت الأحداث على نحو خبري، حادت Le Figaro عن الموضوعية: ففي معرض استعادتها لمسار الأحداث منذ اندلاعها وحتى وقف إطلاق النار، لم تأتِ على ذكر حي الشيخ جراح، لتصور أن جوهر الأزمة يتلخص في صواريخ “حماس”. وتالياً، لم يكن مستغرباً احتضان هذه الصحيفة لبيان حمل توقيع 76 شخصية عامة فرنسية، عنوانه “ما يهدد إسرائيل يهددنا أيضاً” ونشر في 18 أيار.

لكن صحفاً أخرى انحازت إلى الجانب الفلسطيني، لا سيما Le Monde اليسارية التي ركزت في تغطيتها على خلفيات تلك المواجهة العسكرية. في أحد مقالاتها، وصفت الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني “بالصراع المنسي” بعدما اختارت القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة، تجاهل ما يعانيه الفلسطينيون واستبدال الحلول السياسية، المفترض بلورتها، بمشاريع تنموية لتحسين مستوى المعيشة. وفي عددها الصادر في 15 أيار اعتبرت الصحيفة في افتتاحيتها أن ما جرى كشف عجز المجتمع الدولي، لا سيما أن الرئيس الأميركي لم يحدث بعد القطيعة المرجوة مع إرث ترامب في ما يخص القضية الفلسطينية، ما سيجبره على الاهتمام بهذا الملف “رغماً عنه”.

ولم تكن Le Monde الوحيدة التي عالجت القضية في إطارها الدولي، بل كذلك فعلت صحف أخرى مثل L’express وL’humanité. وركزت جميعها على نقطتين اثنتين في هذا السياق: الانكفاء الأميركي وشلل الدبلوماسية الأوروبية.

الغاية من معالجة تلك المسائل هو التشديد على ضرورة مضاعفة الجهود لحل هذا النزاع، فإتفاق وقف إطلاق النار تم وفق صيغة “لا غالب ولا مغلوب”، بحسب Le Monde، ما يوحي بإمكانية تجدد المواجهات العسكرية.

صحيفة Valeurs Actuelles، تماهت مع Le Figaro في رفض استيراد النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي وهو ما تجلى في مقالة جان مسيحة، القيادي السابق في حزب التجمع الوطني وذي الأصول المصرية. لكن ميوله اليمينية المتطرفة تدفعنا إلى مقاربة ما أطلقه من مواقف، بصورة مغايرة: مسيحة رأى في الأحداث الفلسطينية الأخيرة فرصة لبث مزيد من الإسلاموفوبيا والكراهية في الشارع الفرنسي، مذكراً بمساندة أحزاب اليسار والمهاجرين العرب المسلمين، للفلسطينيين، “منوهاً” في الوقت ذاته بدور المسيحيين واليهود في تشييد “الأمة الفرنسية”. بالتوازي، أثارت الصحيفة المذكورة ما شهدته التظاهرات الباريسية الداعمة للفلسطينيين من هتافات دينية. بوضوح تام، سعى اليمين المتطرف الفرنسي إلى توظيف المأساة الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية.

وردّ موقع Middle East Eye الإخباري، على ما يتم تسويقه حول ضرورة منع “استيراد النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي”. الموقع، بنسخته الفرنسية، اعتبر أن كل من يحمل لواء هذه القضية منحاز حكماً إلى الجانب الإسرائيلي، إذ يتم التركيز على ما تتعرض له اسرائيل من “تهديدات أمنية”، من دون أي ذِكر لما ترتكبه تل أبيب من اعتداءات، لا سيما على صعيد بناء المستوطنات. وفي هذا السياق، استعرض كاتب المقال جانباً من تاريخ العلاقات الإسرائيلية-الفرنسية-الأوروبية، للإشارة إلى تماهي الحركة الصهيونية مع الأيديولوجيا الاستعمارية الأوروبية.

من جهته سعى موقع Mediapart إلى تفنيد الموقف الرسمي الفرنسي وتبيان أسباب الانحياز لإسرائيل: بداية، انكفأت فرنسا عن أداء دور وسيط في هذا الصراع، حالها حال باقي الدبلوماسيات التي فوضت الأمر للولايات المتحدة وفقا لـMediapart، يضاف إليها المساعي الإسرائيلية لقطع  الطريق على أي وساطة غير أميركية. وتوسعت Mediapart لتستعرض أيضاً العوامل الداخلية المهيئة لهذا المناخ، حيث نجد في المقام الأول، التهديدات الأمنية المتربصة بالبلاد، وما ينتج عنها من تعميم ومغالطات حول الإسلام والمسلمين والإرهاب. أما الأهم، فيبقى الحذر الفرنسي المبالغ فيه، والحساسية المفرطة في التعامل مع كل ما يرتبط بالمسألة اليهودية، نظراً لإرث فرنسا الأسود في هذا المجال، إرث لا يزال يرخي بظلاله على الدولة والمجتمع.

وبخصوص اللوبي الصهيوني ذي النفوذ الواسع في الداخل الفرنسي، أوضح الموقع الاستقصائي أن هذه المؤسسات تربطها علاقات وثيقة بحزب الليكود الرافض لأي تسوية. وختم الموقع بمقاربة المسألة من زاوية النهج الماكروني: فرئيس البلاد اختار في هذا السياق “سياسة عاطفية” قصيرة الأمد، انصب فيها اهتمامه على صورته الإعلامية. ما ألمح إليه الموقع، هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ينوي ماكرون خوضها للظفر بولاية ثانية. بعد كل ما ذكر، ليس مستغرباً افتقاد ماكرون لأي رؤية استراتيجية، وفقاً لـMediapart.

—————————

السيناتور بيرني ساندرز..الذي يقرأ فلسطين في كتاب الاخلاقيات/ جهاد بزي

في كلمته الأربعاء، قرّع السيناتور بيرني ساندرز زميله الجمهوري ريك سكوت الذي كان تقدم بمشروع قرار على شكل رسالة حب لإسرائيل. وافقه ساندرز أن مقتل 12 إسرائيلياً أمر مأساوي، ثم تابع منفعلاً كعادته، مردداً عدد الضحايا الفلسطينيين، الأطفال منهم ضمناً. وسأل زميله الذي لم يرد في مشروع قراره حرف عن الضحايا في غزة: هل حياة الفلسطينيين غير مهمة؟

ليس أن السياسي الإشتراكي كان ينتظر جواباً من مشرّع لم يعد واضحاً إذا كان سياسياً جمهورياً، أو مشجعاً ترامبياً. مشروع القرار الذي عطل ساندرز طرحه للتداول في مجلس الشيوخ، يتميز بلغة خشبية يعجز عنها كبار كتبة البيانات في البلاد العربية. القرار يطالب الكونغرس بإدانة هجوم حماس على إسرائيل، والتعزية بضحايا حماس من الإسرائيليين، ودعم إسرائيل، ثم المزيد من دعم إسرائيل، والمزيد..

مع مثل هذه التركة الثقيلة لدونالد ترمب في الحزب الجمهوري، يتعامل بيرني ساندرز. وللرئيس السابق ملائكته الحاضرة لترجمة وصاياه التي يطلقها بصوت خافت جداً في منصة موقعه الإلكتروني، أو هي توافقه أصلاً في هذا الهيام اللامتناهي بإسرائيل.

في معرض تقريعه لزميله وما يمثل، خاض ساندرز في تفاصيل العدوان الإسرائيلي الحالي وآثاره الكارثية على الفلسطينيين، غير أنه عاد أيضاً إلى الوضع الاجتماعي للقطاع المحاصر، ولسياسات بينامين نتنياهو. لم يبرّر لحماس، غير أنه على الأقل نظر إلى المشهد القائم كما ينبغي ليساري مثله أن يفعل: دولة تقمع شعباً وتمنع عنه حقوقه الإنسانية وتفعل ما بوسعها لسحقه.

بيرني ساندرز ليس مشغولاً بالشؤون الدولية عادة. لكنه، منذ بداية العدوان، يبدو كمن تفرّغ للدفاع عن الفلسطينيين. خطابه هذا ليس جديداً بالطبع. “اليهودي الكاره لذاته” كما يصفه مبغضوه، لديه في الأصل مشكلته الأيديولوجية مع “يمينية” بنيامين نتنياهو. يمكن إضافة ارتكابات إدارة دونالد ترمب بالطبع. لكن خطاب ساندرز ليس موجهاً هذه المرة إلى نتنياهو وترمب وسكوت المذكور أعلاه. خطابه موجه إلى الإدارة الحالية، الديمقراطية، التي دعمت نتنياهو من البداية، وعطلت مشروع قرار وقف إطلاق النار أممي، وتعاملت بكل ليونة مع الآلة العسكرية المتمادية في همجيتها، مبررة بأنها تعمل بصمت، ووفق الأقنية الدبلوماسية المناسبة.

هل كانت موافقة جو بايدن على صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، خلال الحرب الدائرة حالياً، جزءاً من هذه الدبلوماسية الغريبة من نوعها؟ إذا كان من رسالة واضحة تريد هذه الإدارة إيصالها إلى نتنياهو، والفلسطينيين، بأنها تقف على الحياد كأقل الإيمان، فكان عليها تعليق الصفقة مثلاً. لم تفعل، وفي المقابل، قرر بيرني ساندرز منعها بنفسه، عبر الكونغرس. مشروع القرار الذي تقدم به قد يصل إلى طرحه للتصويت وفي الغالب لن ينال الأصوات اللازمة للتصديق عليه. ساندرز، عبر طرحه تعطيل الصفقة، يسجل نقطة،  ويضع تياره التقدمي في الحزب الديمقراطي لأول مرة في مواجهة الرئيس، مذ أعلن خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة دعمه  بناءً على الاتفاق على عناوين اقتصادية اجتماعية يحملها المرشح الديمقراطي في حينها إلى البيت الأبيض. بيرني الآن ينتقد من يفترض أنه حليف في المكتب البيضاوي. حليف يمتاز بنوع نادر من البرودة والبطء والباطنية في السياسة. ليسا في حرب، والكفة غير متوازنة البتة، لكن بيرني ساندرز يقوم بواجبه.

لا يحيد ساندرز عن كتاب “الأخلاقيات” التي تحكم تاريخه السياسي في موقفه من الحرب الحالية والقضية الفلسطينية عموماً. هو، ومعه جون أوسوف، سيناتور ديمقراطي يهودي شاب، والرباعي رشيدة طليب وألكسانديرا أوكاسيو كورتيز وإلهان عمر وآيانا برسلي، تفرغوا مع اندلاع الحرب على خطين، الأول إعلامي، والثاني تشريعي، للشرح للرأي العام. من المستحيل رصد حجم التأثير على الأميركيين، ومع ذلك فإن هؤلاء يحاولون. والأهم، أن صوتهم مسموع في أروقة حزبهم نفسه، الذي لم يعد يستطيع إهمال الانزياح العام لقاعدته الشعبية نحو قضايا عالمية يمكن وصفها بالأخلاقية، منها البيئة، ومنها حقوق الأقليات، ومنها حقوق شعوب تقمعها دول. كما لم تعد قصص الأطفال التي تتلوها إسرائيل يومياً على مسامع الكوكب بأنها تدافع عن حقها في الوجود تنطلي على من يريد حقاً أن يعرف ما الذي يجري في فلسطين. وسيكون مستغرباً بعض الشيء اتهام بيرني ساندرز، اليهودي، بمعاداة السامية، أو بالتخطيط لرمي اليهود في البحر.

أميركا تتغير؟ هيامها الأبدي بإسرائيل يواجه أسئلة وجودية من نوع هل ما زلت أحبها كما من قبل؟ لا طبعاً. الإدارة الأميركية على حالها من الغرام ديمقراطية كانت أم جمهورية. لكن أميركا هذه المرة لا تستقبل الحرب الإسرائيلية بالهتاف وقرع الطبول. والحمد لله كثيراً أن دونالد ترمب ليس في البيت الأبيض، وما زال ممنوعاً من تويتر.

لم تتغير أميركا بعد. لكن، في أميركا الأخرى، الأصغر بما لا يقاس، هناك في الكونغرس من يهاجم إسرائيل من دون خوف، وفي شوارع مدنها الرئيسية هناك من يرفع الراية ويصرخ “فلسطين حرّة” وهو لا يجيد كلمة عربية واحدة، لكنه يجيد تبني قضية محقة. الكوب في القول المأثور ليس فارغاً تماماً.

المدن

—————————

أن تكون فلسطينياً سورياً كويرياً مهجراً في أوروبا وغزة تقصف!/ زين صالح

“الغسيل” الوردي الإسرائيلي اشتغل شغله إذ يراسلني أصدقاء كويريون ويسألونني كيف أدافع وأخرج في مظاهرة لدعم بلد لا يحتوي المثليين ويحرم المرأة حقوقها وإسرائيل تفتح ذراعيها لعطلهم على شواطئ فلسطينية بأسماء إسرائيلية تدعي التسامح…

تستفيق على أخبار تصلك من كل حدب وصوب، مجموعات الأهل والأقارب على واتساب وقصص الإنستغرام المحجوبة بعذر قساوة المنظر وغير ذلك من الصور ومقاطع الفيديو التي تدخل في كل تفاصيل حياتك اليومية المعتادة على وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وحتى سناب تشات وتيك توك.

يعود جرح عميق تلعقه كل حين بالتأجج ألماً ونوستالجيا وقسوة وغصة، لديك عمل، وأوراق ضريبية، وكورونا وحظر تجول قادم وألم في الصدر وضيق في التنفس ووهن عام وغضب!

تنطلق مظاهرة عارمة في برلين تضم خمسة عشر ألف شخص للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة والتهجير القسري من حي الشيخ جراح، المتظاهرون من كل الجنسيات والأعراق والخلفيات والتوجهات السياسية المتعاطفة مع الفلسطينيين. تخرج من بيتك وتستل لافتات كنت قد رسمتها وثبّتها مع أصدقائك، تنزل محطة القطار العامة وتمتطّ وجوه المارة لتقرأ ما كتبت بألمانيّة مكسّرة أو بالإنجليزية ” أوقفوا التطهير العرقي في فلسطين” فيبتعد الركاب عنك وكأنك تهمة. العلم الفلسطيني في زاوية اللافتة يدفع بالناظر – إلا من كان يتجه نحو المظاهرة إياها – إلى عقف حاجبيه أو إظهار ابتسامة استخفاف في وجهك، وأحياناً إلى قول “شابات شالوم” في وجهك بغرض استفزازي بحت تليه ضحكة، بافتراض ساذج -ضجرت من تبريره- أن المظاهرة ضد اليهود. يتجاهل أصحاب نظرات الاستفزاز والاستنتاجات الجاهزة  احتمال انك تتظاهر ضد التمييز العنصري والاحتلال والاستهداف الممنهج لمدنيين ومدنيّات وأطفال لا حول لهم ولا قوة.

عند التجمع في ساحة Oranieinplatz أول ما تراه نشطاء يوزعون على الواصلين مناشير معنونة بـ( لا للحرب) معتبرين أن النزول إلى الشارع سيأجج حرباً بين طرفي نزاع في الشرق الأوسط البعيد وفق نظرة جاهلة استشراقية وليس عدواناً بين جيش جرار بمدفعية وتجهيزات ضد سجن مفتوح يقطنه شعب مذبوح محاصر لا ماء له ولا كهرباء ولا حتى حق في الحياة.

عناصر الشرطة الألمانية تكاد تساوي نصف عدد المتظاهرين، هتافات المتظاهرين يقطعها خطاب الشرطة كل 5 دقائق حول قواعد التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات على الرغم من التزام غالبية الحضور.

النسويات العرب والألمانيات، اليساريات واليساريون، الفلسطينيات والفلسطينون المهاجرات والمهاجرون والمناصرون من كل جنسية وعرق  يغطون الساحة ويتبادلون الهتافات بلغات عدة “الإنجليزية والألمانية والعربية”، الأعلام كلها حاضرة، علم فلسطين، علم الثورة السورية، علم الأرمن، وعلى لافتتي رسمت علم قوس قزح في الزاوية قبالة علم فلسطين في الزاوية الأخرى وكتبت “فلسطين قضية نسوية كويرية”. طالتني النظرات المتعجبة لكنها لم تمنع الكاميرات من التصوير ولم تجعل من حولي ينظر إليّ باستياء. لم يكن مهماً أن أحكي لأحد عن التقاطعية، فالتقاطعية كانت تمارس على الأرض فعلاً خارج الأوراق الأكاديمية البحثية والحلقات الضيقة للاستعلاء الفكري (مصطلح بديل عن الأصلي).

خسرت صوتي وأنا أهتف في كرويتسبيرغ وهيرمان بلاتس، المتظاهرون كلهم يرددون بعدي بالإنجليزية Free Free Palestine، كان هناك عزاءٌ ما، عزاءٌ طفولي تطهيري في أن صوتي بُحَّ. الشرطة اعتقلت عدة شبّان من المظاهرة بحجج التخريب ورشقوا الجميع بغاز مسيل للدموع، عدت إلى البيت وربطت اللافتات التي كانت بحوزتي كلّاً على محطة قطار مختلفة. عدت إلى البيت وشاركت حقائق تاريخية ومقابلات وصور وإحصائيات في كل مكان على الإنترنت، كنت قد حاولت التعايش معها، لكن اليوم والحدث والواقعة أعادتني للشعور بالذنب، الشعور بالذنب أني حاولت التعايش، وأن شعوري المؤقت باليأس هو جمر تحت الرماد يمكن أن يستعيد وهجه ويعلو أوراق البيروقراطية وقبر الحياة الرتيبة الزاخرة بالعنصرية اليومية والنظرات الدونية والحلقة المضنية من العمل حتى آمن أنّي لن أُرحّل وأستطيع سداد التأمين الصحي وأجرة الغرفة.

أعود إلى البيت، إعلام ألماني يقدم المظاهرة على أنها تجمع عنيف ومعادٍ للسامية، يرمي فيه المتظاهرون عناصر الشرطة الألمانية المسالمة بالقوارير الفارغة، ويرددون شعارات داعش. “نفديك يا أقصى” أضحى شعاراً داعشياً معادٍ للسامية يؤجج صواريخ حماس والمقاومة ويهدد دولة وادعة تدافع عن نفسها. المقاربة نفسها نجدها في إعلام هولندي وبريطاني يقارب المظاهرات التي يخرج فيها السيخ والأرمن والباكستانيون والكويريات والكويريون والنسويات والنسويون والمقهورات والمقهورون على نحو .

“الغسيل” الوردي الإسرائيلي اشتغل شغله إذ يراسلني أصدقاء كويريون ويسألونني كيف أدافع وأخرج في مظاهرة لدعم بلد لا يحتوي المثليين ويحرم المرأة حقوقها وإسرائيل تفتح ذراعيها لعطلهم على شواطئ فلسطينية بأسماء إسرائيلية تدعي التسامح، كيف أخبرهم عن ابتزاز إسرائيلي للمثليين والمثليات الفلسطينيين والفلسطينيات بأبشع الطرق الآن؟ من أين أبدأ؟

 إنستغرام يحجب كل المحتوى الذي أنشر لدعم فلسطين. صديقة على الفيسبوك من غزة نشرت البارحة “سلم يا رب”  وقتلت اليوم بقذيفة صاروخية. بُحّ صوتي أكثر ويقول لي جاري في السكن الأسترالي المحايد “أرِح صوتك، لا تتكلم”.

لا أملك وأهلي رفاهية الصوم عن الحقيقة، أتكلم اليوم ولا آبه، وأشتغل على مشروع للعمل وأملأ أوراق البيان الضريبي وأحاول ألا أفكر بعقدة الناجي وأحضّر للخروج في مظاهرة قريبة وأتابع الأخبار وأتنفس الصعداء طويلاً كل خمس دقائق وأرسل روابط توثق جرائم الاحتلال لأصدقائي الأوروبيين، وأنفخ على الجرح وأمشي من شرق برلين لغربها ونفسي طويل. وأردد في نفسي فلسطين قضيتي، فلسطين قضية نسوية كويرية.

درج

———————

نقاش فلسطيني ساخن في ظلّ دويّ المدافع/ ماجد كيالي

استنباط الاستنتاجات أو الدروس الأساسية سيتوقف على نتائج الهجمة الإسرائيلية الإجرامية والوحشية على غزّة، وعلى مدى صمود الفلسطينيين إزاء تلك الهجمة، كما على استمرار وتطور الهبة الشعبية في مناطق 48 وفي مدن وقرى ومخيمات الضفة…

منذ البداية تأسّس “الكفاح” المسلح الفلسطيني، الذي أطلقته حركة “فتح” (أواسط الستينيات)، أي قبل احتلال إسرائيل للضفة والقطاع (في حرب حزيران/يونيو،1967)، على فكرتي “التوريط الواعي”، وأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية.

وفقا لذلك فإن الفدائيين سيضربون إسرائيل وتلك ستردّ عليهم، في أماكن وجود قواعدهم في البلدان العربية المجاورة (بخاصة في الأردن ولبنان وسوريا)، ما يستدعي رداً من الجيوش العربية، وهكذا تندلع حرب تحرير فلسطين، التي يفترض أن تكون فيها الثورة الفلسطينية في مكانة الطليعة والأمة العربية كشريك.

في تلك الآونة (أواسط الستينيات) لم تكن “الجبهة الشعبية” (التي كانت وقتها “حركة القوميين العرب”)، مع تلك النظرية، بل إنها انتقدتها، واعتبرتها مغامرة قد تورّط الأنظمة العربية التقدمية (سيما نظام عبد الناصر)، بحرب في غير أوانها، إلا إن ذلك تغير فيما بعد، بالتحول نحو تشكيل تنظيم فلسطيني، في محاكاة لحركة “فتح”، بتأسيس “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، التي انتهجت الكفاح المسلح. هذا حصل، أيضا، مع حركة “حماس” (التي كانت حينها فرعا لحركة الإخوان المسلمين)، فهي لم تكن مع الكفاح المسلح الفلسطيني، لتركيزها مع ما اعتبرته “الجهاد الأكبر”، أو جهاد النفس، والجهاد من اجل العقيدة، إلا إن “حماس” لحقت فيما بعد الكفاح المسلح، ولكن متأخّرة (مع اندلاع الانتفاضة الأولى 1987)، أي بعد 22 عاما على انطلاقة “فتح”، وبعد أفول تجربة الكفاح المسلح الفلسطيني من الخارج.

إضافة إلى ما تقدم، يمكننا ملاحظة أن فكرة الكفاح المسلح تلك كانت تعزّز، أو تسند، مشروعيتها، بحكم اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، وتشتّت شعب فلسطين، وطبيعة فلسطين الجغرافية والديمغرافية غير المواتية، إلى فرضية إنها قضية مركزية للأمة العربية. بمعنى إنها كانت تسند ذاتها بفرضية وجود وضع عربي مساند وملائم، ووضع دولي متفهّم (سيما في عصر القطبين السوفييتي والأمريكي). بيد أن الواقع لم يثبت كل ذلك، بل أثبت عكسه، وأن الجيوش أو الأنظمة العربية ليست طوع ما يفترضه هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، فأولا، الجيوش العربية، كما أثبتت التجربة، لم تستجب. وثانيا، فإن إسرائيل سرعان ما ألحقت بها هزيمة منكرة في حرب 1967. وثالثا، لأن تلك الأنظمة تحرم المشاركة السياسية على مواطنيها، وتتسلط على مجتمعاتها. رابعا، نجم عن ذلك، أي وجود العمل الفلسطيني في الخارج تحكم الأنظمة بمدى الكفاح المسلح الفلسطيني، فمنها من وظّفه لتغطية الهزيمة، ومنها من دخل معه في صدامات، ومنها من حاول تجييره لصالح تعزيز أدواره الإقليمية، بحيث أخرج الكفاح المسلح عن وظيفته وعن دوره، من دون أن تقوم القيادة الفلسطينية بمراجعة ذلك. لنلاحظ هنا أن الكفاح المسلح الفلسطيني انتهى من الأردن في مرحلة مبكرة (1970) بعد صدامات دامية مع الجيش الأردني، وانتهى معه إمكان مشاركة مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن في الحركة الوطنية الفلسطينية، ثم تم إنهاء الكفاح المسلح الفلسطيني من الجولان السورية، بعيد حرب تشرين1 (1973). هكذا بقي لبنان بمثابة ساحة لتفريغ أو لتجسيد طاقة الكفاح المسلح الفلسطيني، بحكم ضعف الدولة فيه، وبحكم التناقضات الداخلية فيه.

في التجربة الفلسطينية في لبنان ارتكنت القيادة الفلسطينية لدورها كدولة داخل دولة، أكثر مما اهتمت بإيجاد طريقة ناجعة ومجدية لإدارة الكفاح المسلح الفلسطيني، سيما مع تحولها نحو إقامة قواعد ثابتة، وعسكرة بني المقاومة والمجتمع، بدل تمكين فلسطينيي لبنان من بناء كيانات سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية لهم، تعضد كفاحهم من اجل قضيتهم، بمختلف الأشكال.

ولنلاحظ هنا أنه بعد منتصف السبعينيات لم تتم إضافة أو مراكمة أي إنجاز وطني فلسطيني، إذ كل الإنجازات الوطنية الناجمة عن الكفاح المسلح حصلت في السنوات العشر الأولى (1965ـ1975)، باستنهاض الشعب الفلسطيني من النكبة، وتوحيده، وتعزيز هويته، وبناء كيانه الوطني منظمة التحرير، وفرض القضية الفلسطينية في الأجندة العربية والدولية، مع اعتراف مؤتمر القمة العربية بالمنظمة، ومع صعود الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة. وعموما فقد انتهت تلك المرحلة بطريقة تراجيدية مع الغزو الإسرائيلي لجنوبي لبنان وحصار بيروت وإخراج قوات منظمة التحرير (1982)، في حين كان يفترض تفويت ذلك على إسرائيل، إذ منذ منتصف السبعينيات، كما ذكرنا، كان ثمة حاجة وطنية ملحة لتنظيم وترشيد الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، إلا أن تلك القيادة استمرت في ذات الطريق، باعتبارها لبنان ورقة في يدها، وكدولة داخل دولة، وطبعا وللإنصاف فهي كانت غرقت في غمار الحرب الأهلية في لبنان.

وعلى الصعيد الشعبي، فبغض النظر عن عواطف الجماهير العربية، من المحيط إلى الخليج، والتقدير لها، فنحن إزاء شعوب مغلوبة على أمرها، وليس لها تأثير على حكوماتها، ولا على صعيد حقوق المواطنة في بلدانها. أما الإطار الدولي فقد تضعضع مع انهيار الاتحاد السوفييتي (السابق)، بل باتت روسيا بوتين اليوم من اهم حلفاء إسرائيل (بما في ذلك الصين والهند).

وعلى رغم ظهور بوادر عزل إسرائيل على الصعيد الدولي، سيما في الدول الغربية، بعد أفول صورتها كضحية، وانكشاف طبيعتها كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، سيما بدفع من الانتفاضة الشعبية الأولى (1987ـ1993)، إلا أن ذلك لم يشكل عاملا مساندا لفكرة الكفاح المسلح بالذات، بقدر ما كان مساندا للكفاح الشعبي، ولحقوق الفلسطينيين في بعض أرضهم (الضفة والقطاع)، أي تلك التي احتلت في العام 1967، لا أكثر. وفي الإجمال، فإن أساس تلك الفكرة لم يكن مدروسا تماما، إذ ابتدأ بإطلاق الرصاص، وفقا للمقولة اللينينية “الخطوة العملية خير من دزينة برامج”، وباعتبار “الوحدة في أرض المعركة” بحسب “فتح”، و”أن النظرية تنبع من فوهة البندقية” بحسب الجبهة الشعبية.

هكذا تم إطلاق الكفاح المسلح، من دون توضيح الاستراتيجية العسكرية، أو توضيح الربط بين الاستراتيجيتين السياسية والعسكرية، ومن دون بناء كيانات سياسية قادرة على حمل هذا الشكل الكفاحي، ومن دون ملاحظة واقع الأنظمة العربية (باستثناء الحديث عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية)، أو ملاحظة واقع الشعوب العربية التي تخضع لأنظمة استبدادية وتسلطية، ما يحدّ من أي مشاركة لها في السياسة في بلدانها، فكيف إذا تعلق الأمر بقضية فلسطين، والصراع ضد إسرائيل.

النقاش هنا ينطلق أساسا من مسألتين، أولاهما، مشروعية المقاومة الفلسطينية، بكل أشكالها ضد الاستعمار والاستيطان والعنصرية، بما في ذلك الكفاح المسلح، على أن ذلك الكفاح ليس بمثابة مسلمة يمكن خوضها بأية طريقة كانت، وفي أي مكان وزمان، إذ ذلك يتطلب، أيضا، أعلى أشكال التنظيم والتدبير والحكمة، للتخفيف من أثمانه وتبعاته، وضمن ذلك، أن يؤدي إلى استنزاف العدو وإضعافه، وليس استنزاف أو إضعاف المجتمع الفلسطيني، كما يتطلب ذلك، في ظروف معينة، عدم الاستدراج إلى مربع الصراع العسكري،  على صورة جيش مقابل جيش، سيما في الظروف العربية والدولية غير المواتية، علما أن الفلسطينيين أثبتوا أن الانتفاضة الشعبية الأولى، كما الهبات الشعبية، هي الأكثر استمرارية، وهي الشكل الأنسب والأكثر لهم في ظروفهم الخاصة. وثانيتهما، تتعلق بأن الكفاح المسلح الفلسطيني أدى دوره في العشرة أعوام الأولى (1965 ـ 1975)، باستنهاض الشعب الفلسطيني من واقع النكبة، وتوحيد الفلسطينيين، وإبراز هويتهم الوطنية، ووضع قضيتهم في الأجندة العربية والدولية. بيد إنه بعد ذلك، وبدلا من تنظيم أو تقنين أو مراجعة طريق الكفاح المسلح، بعد أن أدى وظيفته الممكنة، أدخل، أو استدرج، في وظائف أخرى، مغايرة، وخارج الأجندة الوطنية الفلسطينية، وهو ما تمثل بالتورط في الحرب الأهلية اللبنانية، واستمراء واقع دولة داخل دولة في لبنان، وتحويل البلد إلى ورقة في يد القيادة الفلسطينية لتعزيز مكانتها في المداولات أو التسويات السياسية، سيما أن تلك القيادة كانت تحولت، أصلا، من برنامج التحرير إلى برنامج التسوية والدولة في الضفة والقطاع، منذ طرحها برنامج النقاط العشر (1974). وكما ذكرنا، فقد انتهت فاعلية هذا الدور، وفاعلية الكفاح المسلح الفلسطيني من الخارج، إن كاستراتيجية أو كورقة، إثر الغزو الإسرائيلي للبنان (1982)، بإخراج قوات منظمة التحرير منه، بعد أن كانت أخرجت من الأردن (1970)، وبعد أن كانت منعت من الوجود في الجبهة السورية منذ ما بعد حرب تشرين1 (أكتوبر 1973).

الآن، نحن في مرحلة جديدة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ورغم أنه المبكر التكهن بنتائجها، أو تداعياتها، إلا إنه يمكن القول بأننا إزاء ملامح انتفاضة ثالثة، أو وضع قد يتطور إلى انتفاضة شعبية ثالثة، بعد دخول مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية، على الخط. بيد إن هذه الانتفاضة قد تتسم بنوع من التداخل بين الشكلين، الشعبي في الضفة الغربية ومناطق 48 (بأية درجة كانت)، والعسكري بحكم وجود “حماس”، مع قوة عسكرية صاروخية، في منطقة تشكل قاعدة لها (قطاع غزة)، وهي قوة أثبتت ذاتها، وفاعليتها، رغم عدم تناسب القوة، والمأساة التي سببتها إسرائيل في محاولتها تدفيع المدنيين الفلسطينيين الأثمان الفادحة.

وعلى الأرجح فإن هذا التطور قد ينجم عنه تحولات كبيرة في معنى ومبنى الحركة الوطنية الفلسطينية، ورؤية الشعب الفلسطيني لذاته، لاسيما تحول فلسطينيي 48 من مكانة هامشية في المعادلات الوطنية الفلسطينية إلى مكانة القلب في هذه العملية، تبعا لدورهم في هبة القدس. وهذا الوضع يعني التحرر من كل الأوهام والمراهنات التي انبنت على تأبيد الواقع الاستعماري وعلاقات الأبارثايد، والتحرر من التسليم بتحويل الفلسطينيين الى شعوب عديدة، مع أولويات ومصالح مختلفة، وهو ما أكده يوم الإضراب العام في كل فلسطين التاريخية (يوم 18/5)، كما يعني ذلك استعادة الرواية الأساسية التي تنبني على طبيعة إسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، كما نشأت في 1948، وليس باعتبارها كذلك بعد احتلال 1967، على اعتبار أن إسرائيل ذاتها، هي المستوطنة الأكبر، والمستوطنة الأساس التي تولد بقية المستوطنات في الضفة.

بعد كل ذلك فإن كل شيء، أي استنباط الاستنتاجات أو الدروس الأساسية سيتوقف على نتائج الهجمة الإسرائيلية الإجرامية والوحشية على غزّة، وعلى مدى صمود الفلسطينيين إزاء تلك الهجمة، كما على استمرار وتطور الهبة الشعبية في مناطق 48 وفي مدن وقرى ومخيمات الضفة، وبالأخص فإن ذلك سيتوقف على قدرة الفلسطينيين على استثمار معاناتهم وتضحياتهم وبطولاتهم هذه المرة، بالنظر إلى حرمانهم من ذلك، أو عدم تمكنهم من ذلك، في المحطات الصراعية السابقة، رغم كل ما بذلوه من تضحيات وبطولات.

درج

——————————-

غزة : إسرائيل تبيد عوائل كاملة عمدًا

ترجمة – هآرتس

في القصف الكثيف الذي طال 3 بنايات سكنية في شارع الوحدة بغزة، قبل فجر الأحد، قُتلت عائلات أبو العوف والكولك واشكنتنا. وعلى أرض الواقع، عندما يكون عدد الوفيات في عائلة واحدة كبيراً، يصعب العثور على أحياء منهم وتشجيعهم على الحديث عن كل فرد في العائلة، وعن آخر أيامه.

فقدت خمس عشرة عائلة من العوائل الفلسطينية الممتدة والأسر المصغرة، ما لا يقل عن ثلاثة من أفرادها، بل وأكثر بشكل عام، في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الأسبوع الماضي بدءاً من 10 مايو/أيار حتى مساء الاثنين. آباء وأبناء، رضع وأجداد، إخوة وبنات و أبناء إخوة ماتوا معاً بعدما قصفت إسرائيل منازلهم التي انهارت فوق رؤوسهم بدون تحذير مسبق يسمح لهم بإخلاء المنازل المستهدفة، وفقًا لرواية الضحايا حتى الآن.

سرد المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية يوم السبت 15 مايو/أيار قائمة بأسماء اثنتي عشرة عائلة قتلوا، كلٌ في منزله وفي قصف مختلف. منذ ذلك الحين، وقبل شروق شمس الأحد 16 مايو/أيار، قُتلت ثلاث عوائل عدد أفرادها 38 شخصاً في غارة جوية استمرت لسبعين دقيقة واستهدفت ثلاثة منازل في شارع الوحدة بحي الرمال بغزة. وجدت بعض جثث الضحايا في صباح يوم الأحد، فيما استطاعت فرق الإنقاذ الفلسطينية انتشال بقية الجثث من تحت الأنقاض بحلول مساء الأحد.

إبادة عوائل كاملة بفعل الغارات الإسرائيلية كانت واحدة من سمات الحرب في 2014. خلال هذه الحرب، التي استمرت نحو 50 يوماً، مُحيت 142 عائلة فلسطينية من الوجود (742 شخصاً في المجمل) وفقاً لأرقام الأمم المتحدة. تؤكد العديد من الشواهد اليوم، وآنذاك، أن هذه الإبادات لم تكن بالصدفة، وأن تفجير منزل وكل ساكنيه بداخله هو قرار من سلطات عليا، مدروس ومدعوم بموافقة خبراء عسكريين.

ركز التقرير الصادر عن منظمة “بتسليم” لحقوق الإنسان على 70 عائلة أبيدت في عام 2014، وقدم ثلاثة تفسيرات لمقتل العديد من الأسر المصغرة والعوائل الممتدة دفعة واحدة أثناء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت منزل كل عائلة منهم على حدة. واحد من هذه التفسيرات يقول إن الجيش الإسرائيلي لم يحذر أصحاب تلك المنازل أو مستأجريها بشكل مسبق، أو إن التحذير لم يصل للعنوان الصحيح في غارة معينة أو كل مرة تم فيها القصف. 

على أية حال، ما يستوقفنا هو الفرق بين مصير المباني التي قُصفت على رؤوس ساكنيها، وبين الأبراج السكنية العالية التي تُقصف صباحا أو مساء منذ اليوم الثاني من هذا النزاع.

بحسب التقارير، فإن ملاك أو حراس الأبراج السكنية تلقوا تحذيراً بالإخلاء قبل القصف بساعة على الأكثر، عادة عن طريق مكالمة هاتفية من الجيش أو جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وبالصواريخ التحذيرية التي تطلقها الطائرات المسيرة. ثم يكون على ملاك الأبراج السكنية أو حراسها إبلاغ بقية سكان البرج في الوقت القصير المتبقي.

لم يستهدف القصف الأبراج السكنية العالية فقط. ففي مساء الخميس 13 مايو/أيار، قُصف منزل عمر الشُربجي غرب خان يونس ودمرت غرفة في المبنى المكون من طابقين وتشكلت حفرة في الشارع. تعيش في هذا المبنى أسرتان من سبعة أشخاص معاً.

اتصل الجيش بخالد الشُربجي قبل الانفجار بـ 20 دقيقة وطلبوا منه أن يخبر عمه عمر بإخلاء المنزل، وذلك بحسب تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. ليس من المعروف إن كان عمر موجوداً أم لا، لكن قاطني المنزل سارعوا بالخروج منه ولهذا لم يكن هناك ضحايا.

حقيقة أن الجيش الإسرائيلي والشاباك كلف نفسه بالاتصال وطلب الإخلاء، تؤكد أن السلطات الإسرائيلية تملك أرقام هواتف ساكني كل البنايات المقرر تدميرها. كما يملكون معلومات الاتصال بأقارب المعروفين أو المشتبه بهم أنهم من حماس أو الجهاد الإسلامي.

وذلك لأن وزارة الداخلية الإسرائيلية مطلعة على السجل المدني الفلسطيني، بما في ذلك غزة، الذي يشمل تفاصيل عديدة كالأسماء والأعمار والأقارب والعناوين.

تقتضي اتفاقية أوسلو أن تنقل وزارة الداخلية الفلسطينية، بواسطة وزارة الشئون المدنية، البيانات بشكل دوري إلى الجانب الإسرائيلي خاصة البيانات المتعلقة بالمواليد الجدد والأطفال الرضع. ويجب أن تصدق السلطات الإسرائيلية على البيانات المسجلة لكل شخص، إذ بدونها لا يمكن للفلسطينيين استصدار بطاقة هوية في الوقت المناسب، وفي حالة القُصّر فلا يمكنهم السفر وحدهم أو مع ذويهم عبر المعابر التي تتحكم فيها إسرائيل.

يتضح إذاً أن الجيش يعلم عدد وأسماء الأطفال والنساء والمسنين الذين يعيشون في كل بناية سكنية يقصفها لأي سبب.

كان التفسير الثاني لمنظمة بتسليم لأسباب محو عائلات بأكملها في 2014، أن تعريف الجيش لـ “الهدف العسكري” المعرض للهجوم كان فضفاضاً، وتضمن كثيراً من منازل حماس وحركة الجهاد الإسلامي. وُصفت هذه المنازل بأنها بنية تحتية عملياتية، أو بنية تحكُّم وقيادة للمنظمة أو بنية تحتية إرهابية، حتى إذا كان كل ما تحتويه هو هاتف، أو إذا كانت استضافت اجتماعاً فحسب.

أما التفسير الثالث في تحليل منظمة بتسليم من عام 2014، فكان أن تفسير الجيش لـ “الأضرار الجانبية” كان مرناً وفضفاضاً. ادّعى الجيش، وما يزال، أنه يتحرك وفقاً لمبدأ “التناسب” بين إلحاق الضرر بالمدنيين غير المتورطين وإنجاز الهدف العسكري الشرعي [المرجو]، بعبارة أخرى، يجري قياس  “الأضرار الجانبية” المُلحقة بالفلسطينيين في كل حادث، ووصعها في الاعتبار.

ولكن بمجرد أن يُنظر إلى أحد أعضاء حماس باعتباره ذي “أهمية” كبيرة ويُحدَّد مقر إقامته بأنه هدف شرعي للقصف، فإن الأضرار الجانبية “المسموح بها” -بعبارة أخرى، عدد القتلى من الأشخاص غير المتورطين بما فيهم الأطفال والرضع- تمسي فضفاضة.

في القصف الكثيف الذي طال 3 بنايات سكنية في شارع الوحدة بغزة، قبل فجر الأحد، قُتلت عائلات أبو العوف والكولك واشكنتنا. وعلى أرض الواقع، عندما يكون عدد الوفيات في عائلة واحدة كبيراً، يصعب العثور على أحياء منهم وتشجيعهم على الحديث عن كل فرد في العائلة، وعن آخر أيامه.

لذا يتوجب على المرء أن يتدبر أمره عن طريق أسمائهم وأعمارهم، التي تُذكر في التقارير اليومية لمنظمات حقوق الإنسان التي تجمع المعلومات، بل وتذكر -عندما تعرف- إذا كان أي من أفراد العائلة منتمٍ إلى أي منظمة عسكرية. حتى الآن، ليس معروفاً ما إذا كان هناك بين سكان بنايات شارع الوحدة هدفاً مهماً أو من هو هذا الهدف، ما “أذِن” بإبادة عائلات بأكملها.

أفراد عائلة أبو العوف الذين قُتلوا هم: الأب أيمن، طبيب باطنة في مستشفى الشفاء، وابنه توفيق، 17 عاماً، وابنته تالا، 13 عاماً. وقُتلت كذلك قريبتان له، وهما ريم، 41 عاماً، وروان، 19 عاما. عُثر على جثث خمستهم بعد وقت قصير من القصف. واستُعيدت جثث 8 أشخاص آخرين من أبناء عائلة أبو العوف مساءً من تحت الأنقاض، وهم: صبيحة، 73 عاماً، وأمين، 90 عاماً، وتوفيق، 80 عاماً، وزوجته مجدية، 82 عاماً، وقريبتهم رجاء (متزوجة من رجل من أبناء عائلة الإفرنجي) وأطفالها الثلاثة: ميرا، 12 عاماً، ويزن، 13 عاماً، وأمير، 9 أعوام.

خلال الغارات الجوية على هذه البنايات، قُتلت عبير اشكنتنا، 30 عاماً، وأطفالها الثلاثة: يحيى، 5 أعوام، ودانا، 9 أعوام، وزين، عامين. وفي المساء، عُثر على جثتي فتاتين أخريين: رولا، 6 أعوام، ولانا، 10 أعوام. ولم يذكر المركز الفلسطيني ما إذا كانت عبير أماً لهاتين الطفلتين أم أنهما من عائلة أخرى.

في البنايتين المتجاورتين، قُتل 19 فرداً من أبناء عائلة الكولك: فواز، 63 عاماً، وأبنائه الأربعة: عبد الحميد، 23 عاماً، وريهام، 33 عاماً، وبهاء 49 عاماً، وسامح، 28 عاماً، وزوجته آيات 19 عاماً. وقتل كذلك طفلهما قصي، 6 أشهر. وتوفيت امرأة أخرى من العائلة الممتدة، وهي أمل الكولك، 42 عاماً، التي قُتلت هي وثلاثة من أبنائها: طاهر، 23 عاماً، وأحمد، 16 عاماً، وهناء، 15 عاماً. قُتل كذلك الأخوين محمد الكولك، 42 عاماً، وعزت، 44 عاماً، إضافة إلى أطفال عزت: زياد، 8 أعوام، وآدم، ثلاثة أعوام. قُتل كذلك من نساء العائلة دعاء الكولك، 39 عاماً، وسعدية الكولك، 83 عاماً. وفي المساء، استعيدت من تحت الأنقاض جثث حلا الكولك، 13 عاماً، وأختها يارا، 10 أعوام. ولم يذكر تقرير المركز الفلسطيني هوية والديّ الطفلتين، وما إذا كانا قُتلا كذلك أثناء القصف.

هذا المقال مترجم عن haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا  الرابط التالي.

https://www.haaretz.com/israel-news/gaza-israel-wiping-entire-palestinian-families-hamas-1.9820005

درج

————————–

عن معارك فلسطينيّة أخرى/ سماح حجاب

آخر ما يُقلق الإنسان في العاصمة الألمانية هو التنقّل. فأياً كانت الوجهة التي تريدها، أمامك خيارات متعدّدة لوسائل التنقّل السريعة فوق الأرض أو تحتها. لا تضطر لانتظار أي من تلك الوسائل أكثر من دقائق معدودة، ولا تقلق أن يستوقفك أحدهم بسؤال عمن تكون أو عما تحمله، وحتى تذكرة السّفر لا تضطر للتفكير باستخراجها كل مرة، فمبدأ الثّقة الذي يعتمده نظام السير هناك يوفّر عليك ذلك.

في مدينة مهيأة لراحة البشر كهذه، لا يتوقّع الفلسطينيّ أن يجد ما يذكّره بالحواجز العسكرية، أو بمعبر «قلنديا» على وجه الخصوص، كما يسمّيه سائقو الحافلات المتجهة من القدس إلى رام الله.

تقع محطّة «تْشيكبوينت تشارلي» عند إحدى محطات مترو الأنفاق في مركز المدينة. وهي نقطة تفتيش سابقة كانت معبراً مركزيّاً بين شرق المدينة وغربها على جدار برلين. استمرّت بالعمل كنقطة عبور مركزيّة حتى سقوطه عام 1989، ثم كسائر الشواهد التاريخيّة في ألمانيا الحديثة، تحوّل الحاجز إلى «متحف». يزوّد المتحف زوّاره بشرح موسّع حول تاريخ ألمانيا المنقسمة منذ انتهاء الحرب العالميّة الثّانية وحتى توحيدها في تسعينات القرن الماضي، بالإضافة الى جولة داخل نقطة التفتيش التي تعرض صوراً أرشيفيّة من تلك الفترة وشروحات مقتضبة حولها وحول عمليّة عبور الحاجز.

بدأ المرشد جولتنا في المتحف ليشرح آلية عمل الجدار وضرورة وجود «نقاط عبور» لتنظيم الانتقال من الشرق إلى الغرب، ومعنى أن يكون عبورك مشترطاً بحيازتك أوراقاً معيّنة وباتساق حالتك مع مجموعة من الشروط. سألنا المرشد إن كنّا نفهم كلامه جيّداً، مشيراً إلى لكنته الإنكليزيّة الغريبة، فأجابه أحدنا مازحاً «نفهمك أكثر مما تتصور».

اجتزت حواجز عسكريّة عشرات المرات في طفولتي، حيث رافقت أبي في سيارته بمشاويره التسوّقية من عكّا إلى جنين والخليل وطولكرم. كان أول عُلّمت عن الحاجز أنهم «لا يوقفوننا عند الخروج، بل فقط عند الدخول»، وكان يقصد أبي الخروج من الأراضي المحتلّة عام 1948 إلى تلك المحتلة عام 1967 في الضفة الغربيّة.

اجتزت حاجزاً عسكرياً مشياً على الأقدام للمرّة الأولى خلال عامي الدّراسي الأول في القدس. كان حاجز قلنديا في طريق عودتي من رام الله. نسيت لوهلة أن «عودتي» مشكلة، وغفوت في الحافلة حتى وصلت الحاجز وبدأ الركّاب ينبّهونني للنزول واجتياز «المعبر» لأكمل سفري في حافلة أخرى تنتظرني خلفه.

اجتزت اللافتة الكبيرة «أهلاً وسهلاً بكم في معبر قلنديا»، ووصلت إلى مسلك حديديّ طويل وملتفّ يقف فيه عشرات النّاس. كان مغلقاً كالقفص. ينتهي ذلك المسلك الحديدي عند بوابة حديديّة أيضاً، دوّارة ومحكمة الإغلاق. انتظرت بدوري مع المارّة في المسلك الحديدي قرابة الأربعين دقيقة حتى وصلت تلك البوابة. كان خلفها قاعة مرتفعة السقف، جدرانها إسمنتيّة رماديّة وسقفها من شبكة وصفائح حديديّة كبيرة. في منتصف القاعة غرفة اسمنتية صغيرة مقابلة للبوابة الدّوارة والمسلك ومطلية بالأبيض، يجلس بداخلها جنديّان يُطلّان على المارّين من خلف شبابيك سميكة تتوسّطها فتحة دائرية ركّب عليها سمّاعة ومايكروفون.

يقوم هؤلاء الجنود بالتحكم بتلك البوابة الحديدية الدوارة من داخل غرفتهم. يُتيحون حركتها ليدخل من في الدور واحداً تلو الآخر، بينما تصدر صوت أزيز عالٍ يتوقف حين يوقفون حركتها من داخل الغرفة بكبسة زر فجائية، فيعلق أحياناً من كان يتأهب لدفع البوابة أخيراً في الدور بداخلها ولا يتمكن من التقدّم أو الرجوع، ويحيطه الحديد من كلّ جهة. أتى دوري واجتزت البوابة بسرعة، وبالطبع لم يكن الأمر قد انتهى كما ظننت. كان بجانب الغرفة الصغيرة طاولة كبيرة عليها آلة للتفتيش، فهمت أن علي إدخال أمتعتي بها واستلامها من الجانب الآخر.

وضعت حقائبي، هاتفي النقال، ساعتي وكل ما أحمل من معادن وأكملت سيري إلى الأمام في المنتصف بين الآلة على يميني والغرفة الصغيرة على يساري، بلا شيء سوى ملابسي الّتي تُظهر هويّتي بوضوح.

في هذه الأثناء، صدر صوت مزعج من تلك السماعة على شباك الغرفة الإسمنتية ففهمت أنه قد تم تشغيل المكبر الصوتيّ وأنهم سيقولون شيئاً ما. بدأ أحد الجنود بالصراخ من داخل الغرفة بكلمات لم افهمها «أويا!.. أويا!..». لم أفهم ما كان يقوله، ولا إن كان يكلمني أنا أم من هم أمامي بالدور.

نظرت إليه لأرى إن كان يكلمني أنا. كانت عيونه تقع عليّ، وشفاهه تتحرّك، لكن شيئاً ما بالطريقة الّتي كان ينظر بها جعلني أظنّ أنه يكلّم شخصاً آخر وينظر باتجاهي صدفة. أكملت سيري، فَعَلا صراخه وبدأ يضرب النافذة بذراعه ويصرخ مجدداً: «إنتا… أويا… طلّع أويا..». نظرت إليه مجدّداً، هذه المرّة لمحت السلاح بين رجلي الجندي الذي يقف خلفه. بارودة عريضة ومتوسّطة الطول، لم يكن موجّهاً إليّ، كان يضع ذراعه عليه كأنه يتخذه مُتّكَأً. رفعت نظري إلى الجندي الذي يصرخ مجدداً، وكنت على يقين بأنه لا يكلّمني أنا. كانت عيونه الزرقاء تبدو كأنها تنظر إلى صورة ما، أو إلى شيء ما؛ شيء يقف خلفي ربّما، أو أنه هو صورة تتحرّك لكنها لا تنظر إلي. هَلَعت عندما فهمت أنه يكلمني حين علا صراخ من يقفون بالدور خلف البوابة ليوضحوا لي أن ما يريده «هويّة».

أخرجتُ هويّتي وأنا أنظر إليه بحذر لأرى إن كان يقصدني فعلاً، نظر إلى هويّتي وقد هدأ روعه ثم قال لي بالعبريّة: «أكملي سيرك».

ظلت تطاردني تلك اللحظات لأشهر. كانت عيناه تنظر باتجاه عينيّ، لكنّه لم ينظر إليّ.

المرّة الثانية كانت أقل تعقيداً، لاحظت عند انتظاري في المسلك الحديديّ أن الكثيرين يبدأون بتجهيز هويّاتهم وتصاريحهم قبل دخول المسلك الحديديّ الضّيق. قمت بدوري بتجهيز هويتي الزّرقاء قبل وصولي إلى البوابة بأمتار، والأمتار قبل بلوغ البوّابة الحديديّة قد تعني ساعة أو أكثر من الوقوف.

في كلّ مرة أعبر بها ذلك الحاجز، أجد وسيلة مختلفة لإمضاء الوقت، غالباً أحدّق بالناس الواقفين أمامي وأتخيّل شكل حياتهم أو كيف مرّ يومهم، نتبادل النّظرات بصمت. وبين شطحاتي ،الخياليّة غالباً ما تراودني صورة لمحتُها وأنا بداخل سيارة أبي يوماً وعلقت في ذهني لسبب أجهله: شاحنة كبيرة كانت تقف بأزمة مرورية بجانبنا، كانت مليئة بصناديق بلاستيكيّة مرصوصة بالدجاج الحيّ، بقيتُ حينها أراقب حركتها وأعدّ الدجاجات الّتي شعرت أنّها تحدّق بي، إلى أن تجاوزنا الأزمة وتوارت الشّاحنة عن أنظاري.

لاحقاً في أعوام الدّراسة تعثّرتُ بفيلم وثائقيّ قام بتصويره مخرج إسرائيليّ على حواجز عسكريّة سمحت له بالتصوير لساعات. تابعت الفيلم بعناية، واستوقفني مشهد يقف فيه عجوز فلسطينيّ غاضب في البرد ويحاول الجنود إعادته إلى الخلف، إلى المسلك الّذي ينبغي له أن يكون فيه، ويرفض العودة. يضع أكياسه على الأرض ويحاول أن يقول شيئاً ما، يحرّك ذراعيه، يصرخ، ويردّد جملة مبهمة واحدة ظلّ يكرّرها أمام أحد الجنود بالإنكليزيّة:

I was a soldier.. your eyes… I swear the same you…you.. your eyes.. I am like exactly to you..

لم أتمكّن من حلّ لغز ذلك المشهد. وظلّ يتردّد صوته في رأسي كلما تذكرت تلك «النظرة».

حين يُسأل أحدنا عن «وضع الحاجز» ويجيب بأنه «عادي»، فإنه غالباً يقصد أن الحاجز غير مغلق، وأن مدّة الانتظار لا تتجاوز السّاعة أو السّاعة والنّصف، وأنه أثناء عبوره لم يسمع صوت إطلاق للنار أو يلحظ استنفاراً غير معهود في حركة الجنود. في هذه الأيام «العاديّة»، لا ينظر الناس إلى بعضهم أو يتبادلون الحديث بشكل اعتياديّ كما يفعلون في الحافلة أو العيادة وإن طالت مدة الانتظار. في الحاجز لا يُسمَع سوى صوت الحديد. يهيمن صمت غريب هناك، لا يشبه حضورنا في أي حيّز آخر، يكسره في بعض الأحيان ضحك خفيف أو نظرات متبادلة بين الواقفين حين تخترق المكان رائحة شهيّة تنبعث من زوّادة أحدهم ويبدأ النّاس بتخمين الأكلة، أو عند سماع أطفال يتشاجرون، أو حين تعلو رنة جوّال أحدهم بأغنية شعبيّة راقصة.

هذه أشياء عادية، لا تستدعي الالتفات بأي مكان آخر، لكنّها في الحاجز تصبح استثنائيّة. فهذه ليست من مساحات الحياة الاجتماعية، ليست من مساحات «الحياة» عموماً، إنها مساحة تستوقف الحياة. ونحن بحضور تلك الأشياء التي نحبّها ونمتلكها، كلعبنا مع أطفالنا ورائحة طبخنا وغنائنا، نستردّ شيئاً من ملكيّة الوقت الّذي يمرّ ومن تجاوبنا الحسّي مع المكان.

في رواية موت صغير التي تحكي حياة الصّوفي محيي الدين بن عربي، يشبّه الشيخ تألّم الإنسان لأذىً قديم بعد مروره بسنوات بقضاء الدَّين. فالشيخ الذي يفترق في طفولته عن مربّيته التي كانت في مقام أمّه، لا يدرك موقف الفراق ذاك إلّا بعد سنوات، في لحظة اعتباطيّة بين مريديه، يتذكّر وجهها وكلماتها الأخيرة ويجهش بالبكاء، وحين يسألونه عن سبب بكائه المفاجئ يجيب بأنّه يقضي ألماً قديماً لم يفهمه في طفولته، وأن ما لا يشعر به المرء في حين وقوعه، لسبب ما، يقضيه لاحقاً في كبره.

في «تْشيكبوينت تشارلي» قضيت آلام تلك الساعات في حاجز قلنديا. كان مُرشد الجولة قد استوفى للتوّ خلفيّة طويلة حول ألمانيا المنقسمة، وبدأ يسير بنا في الممرّات الضّيقة بين قواعد التّفتيش لنمشي مسار من كان يريد (ويستطيع) العبور من شرق برلين إلى غربها.

تَحدّث عن أوجاع فراق العائلات ووداعهم في هذه المحطّة، عن إذلال الجنود واستعلائهم، عن تخبئة الأوراق والممتلكات الخاصّة خشية مصادرتها على الحاجز، عن التفتيش، عن الانتظار في الدور، وعن إجراءات أخرى عديدة لا تنتهي. من المضحك المبكي أن تسمع أحدهم يروي تفاصيل مأساتك المعاشة كأنها شيء من الماضي الأليم الذي انتهى، وأن يطلب منك محاكاة التجربة لكي تتخيّلها. تَلَفّتُّ حولي لأرى إن كنت الوحيدة الّتي تختنق، ولأبحث في عيون بقية الفلسطينيين عن شيء يشبه غصّتي. التفتُّ للخروج واصطدمتْ قدماي بإحداهنّ، فأدرت رأسي لأبادر الحديث. أردت أن أسخر من الموقف وأقول لها «هل يمازحوننا؟» أو «هل هذا مسلسل على نتفلكس؟». لم أستغرق في التفكير كثيراً حتى وجدت رأسي يتحرّك نحو كتفها باضطراب، ووجهي ينقبض بشدّة.

كانت تخرج دموعي بصعوبة بالغة، كأن أحشائي تتصلّب نوبةً بعد الأخرى، أسترجع صورتي قبل خمس سنوات وأنا أنظر بعيون ذلك الجنديّ بهلع، أرى تلك الشاحنة الممتلئة بصناديق الدّجاج المرصوص. ينقبض جسدي للحظات ثم ألتقط أنفاسي من جديد. لم يكن بكاءاً عادياً. كان يشبه القيء.

كنت على قناعة بأن عبور الحاجز يصبح مع مرور الوقت أقل إيلاماً، وأن الثّقة والاعتداد بالأمل يحمي من سطوة القهر ليجعل الأمر اعتيادياً أو بلا معنى، كأي إجراء يوميّ آخر لا نُطيقه. والحقيقة أنّ الأمر لا يصبح أقلّ إيلاماً، ولا نحن «نعتاده»، ولكن عندما يكون التّنكيل الّذي يُمارَس عليك مقترناً بضرورة من ضرورات الحياة، كالتّنقُّل، تبدأ بإيجاد آليّاتك الخاصّة للصّمود والبقاء، تتجاوز مادّية المكان والزّمان القاسية وتَعبُر بفكرك وبانفعالاتك إلى مستوى آخر من «التواجد»، إلى حالة أخرى من «العيش»: تواجد تصغي فيه بوضوح أكبر إلى قوّتك الداخليّة وإنسانيّتك الّتي تراها جيّداً وبلا نقص مهما كانت شروط الواقع تدفعك للشكّ بها.

ومن هذه الحالة الوجدانيّة في داخلك، تستمدّ القوة لتواجه القبح الّذي أنت أمامه، ولو ليوم إضافيّ واحد، تجابهك كلّ يوم معركة محتّمة، بين معاناتك الصّاخبة والملموسة، وبين الأمل الّذي تُنمّيه أنت بداخلك. لا أنت ضحيّة هامدة، ولا أنت حر طليق… بعد.

في الضّفة الغربيّة، وعلى خطّ جدار إسرائيل الأمنيّ، هناك أكثر من 700 حاجز عسكري يستوقف تنقُّل الفلسطينيّين أو يمنعه، من بينها حواجز ثابتة ذات بنية ومأهولة بالجنود، ومن بينها حواجز إسمنتيّة أو جدارية لإغلاق طريق ما، ومن بينها ما يسمّى بالحواجز الطّيارة، أي المتحرّكة، بعضها لا يسمح بعبور المركبات، وبعضها لا يسمح بعبور المشاة. من خلال بعض الحواجز الرئيسيّة على الجدار، كحاجز قلنديا أو حاجز بيت لحم المعروف بـ«حاجز 300»، يمرّ عشرات آلاف الفلسطينيين مشياً للعمل في الأراضي المحتلّة. جلّهم يفعل هذا كلّ صباح.

أنتجت هذه المادة ضمن فترة الدراسة في الأكاديمية البديلة للصحافة العربية.

موقع الجمهورية،

——————————–

تلك الطائرات، هذه الأنقاض/ ياسين السويحة

تُرينا مشاهد المشاركة الثورية السورية في مظاهرات ووقفات التضامن مع الفلسطينيين في مختلف مدن الشتات، والتعبيرات الأكثر شيوعاً لمتضامنين سوريين في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، لغة وصياغة جديدة، تضع العقد الأخير السوري في مركز آلية اتخاذ الموقف المتضامن مع الفلسطينيين أمام الآلة الوحشية الإسرائيلية: هذه أنقاض تشبه أنقاضنا؛ طيران يشبه طيران قاتلينا؛ اعتذاريون سفيهون للجزّار أشباه لمسوّغي الإجرام الأسدي، بمتوازياتهم وحذلقاتهم واتهاماتهم المضادة. نعرف مشاهد الإسعاف، نعرف لهفة مُحرِّكي الأنقاض وخنقتهم، نعرف وجوه الأطفال المدمّاة، نعرف أخبار استشهاد الأحباب والأصحاب. نعرف كل ذلك بشكل لحمي، نعرف من هو مستباح لأننا مستباحون، ونعرف تمييز شكل القاتل لأن ثمة قاتلاً يجثم على صدورنا. مشاهد صبايا وشباب يحملون علم الثورة، ويُثبتون وجودهم في ساحات التضامن مع الفلسطينيين في مدن وعواصم الشتات المشترك، تدعو للتفكير في منابع هذا التضامن، ودعائم تمرّديّته، ومعاني شكله للذات وللآخرين.

تضامن ينهل من الثورة على النظام وخطابه

ثمة رطانة شائعة، انتهازية جيوسياسياً ومتخفّفة قِيَمياً، تذمّ المواقف السياسية الإيجابية من القضية الفلسطينية بوصفها نتيجة «رواسب تربية النظام» وبأنها «غير مُنتِجة سياسياً» أو «متحالفة موضوعياً مع الممانعة». وإذ ليس الردّ على هذا المنطق المتواتر قصد هذه السطور، تجدر الإشارة إلى أن مشاهد الحِراك الثوري السوري الداعم للحق الفلسطيني لا تُرينا أي رواسب لـ«تربية النظام»، بل بالعكس تماماً: مركزية المُعاش السوري في صياغة الموقف مما يجري في عموم فلسطين تعني تبلور الثورة على هذا النظام كمنطلق أخلاقي للفعل السياسي، وكآلية تعاطف وتماهي وتضامن مختلفة عمّا عُهِد في تاريخ التعاطي السوري مع القضية الفلسطينية.

ما نراه من تضامن ثوري سوري مع الفلسطينيين لا يطوي فقط النظام والممانعة ورطانتهما عن فلسطين مجرَّدة، لا ناس فيها، وهو طيّ مرغوب وضروري وعظيم؛ بل يتجاوز أيضاً تأطير الموقف كـ«مسألة وطنية» سوريّة مع إسرائيل، بخصوص الجولان السوري المحتل وبخصوص فلسطين نفسها. هذه مسألة تحفر عميقاً في تاريخ وواقع ومستقبل سوريا، بغض النظر عمن يحكمها، وذاك موقف تنبغي صياغته من وجهة نظر مُعارِضة جذرية، غير منشغلة بمناكفة النظام الأسدي وحلفائه الإقليميين والدوليين وفضح كذبهم وتناقضاتهم.

تمرّد على الواقعية الجيوسياسية

ثمة صورة اختزالية، تعرّف عن نفسها بالواقعية، تدّعي أن القضيتين السورية والفلسطينية تقعان على طرفي نقيض جيوسياسي. إذ ينضوي النظام الأسدي ضمن «محور المقاومة» تحت السيادة الإيرانية، ويواجه ثورة دعمها خصوم هذا المحور الإقليمي. هذه الصورة – ولها روّاد في أوساط المعارضين السوريين، يسعون لتسخيف الموقف المعادي لإسرائيل وللتحالف معها كطريق للتخلص من النظام – تتغذى من مواقف متدرجة في السوء للفصائل والتيارات السياسية الفلسطينية من القضية السورية، أكانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أم حماس والجهاد الإسلامي. جاء دعم هذه الفصائل والتيارات للنظام الأسدي – قولاً أو فعلاً، في اللحظة الأولى أو بعد حين – وفق المنطق الانتهازي ذاته، إن نتيجة التبعية المباشرة للنظام الأسدي، أو حرصاً على العلاقة مع إيران، أو تبعاً لتوليفات أيديولوجية سقيمة، أو لأسباب لا يفهمها حتى أنصار هذه الحركات أنفسهم. لا تخدم الصورة السينيكية أي فهم منطقي للواقع، فحتى لو حاول المرء أن ينقاد وراء روّادها في منظورهم لما هو «واقعي»، فهي تفشل في تفسير الماضي والحاضر الإجرامي للنظام الأسدي مع الفلسطينيين في لبنان وسوريا، على سبيل المثال. لكن فشلها الأكبر يكمن في عجزها عن تفسير اندفاع نفس الأنظمة العربية المتحمسة لبناء تحالفات مع إسرائيل – ومع نتنياهو بالذات – نحو كسر عزلة النظام الأسدي الدبلوماسية، وحتى دعمه مالياً لولا أن عقوبات «قيصر» تقف عثرة في وجههم.

لا تكمن أهمية الموقف الثوري السوري المتضامن مع الفلسطينيين في أنه يقدم تحليلاً أكثر سداداً من القراءات السينيكية للواقع الجيوسياسي، بل بالذات لأنه يتمرد على معادلات الجيوسياسة المجرَّدة. لسنا ضد السينيكية لأنها غير دقيقة تحليلياً فحسب، بل أساساً لأنها غير صحيحة قيمياً: لا حيرة بين قاصِفِين ومقصوفين يقبعون تحت الأنقاض، وأي اعتبار من أي نوع يأتي بعد هذه اللا-حيرة. قد يتوفر مهرب لفظي في التركيز على نقد حماس وذمّ سلوكها – والنقد والذم مشروعان بلا شك – لكنه مهرب قصير المدى، يشبه تذاكي اعتذاريّي النظام الذين ليس بوسعهم تقديم موقف حاسم ضد الإجرام الأسدي، فيلجأون لذمّ الفصائل المناوئة له. ليس الأمر نُواساً بين متناقضَين صفريَّين، والمُعاش السوري يقدّم خبرة جبارة في تركيب المواقف «المعقّدة»، على فرض أن القضية الفلسطينية معقّدة أصلاً، وعلى فرض أن «السهولة» شرط واجب على أي قضيّة تتطلب التضامن.

صورة لذات متحررة

صور التضامن الثوري السوري مع فلسطين استُخدمت في نقاشات عديدة خلال الأيام الماضية، خصوصاً في الأوساط المتمسّكة بالإطار الرمزي لليسار ومناهضة الإمبريالية، للتدليل على زيف اتهامات «العمالة» التي كيلت بحق الثورة السورية باسم القضية الفلسطينية. وقد يكون لهذه السجالات أهمية في أوساط معينة، لكن الأهمية الأكبر لصور أعلام الثورة في قلب ساحات التضامن مع الفلسطينيين في عواصم ومدن الشتات المشترك ليست في ما يراه آخرون، فلسطينيون أو عرب أو غربيون أو غيرهم، بل في ما نراه نحن، السوريين الجذريين ضد النظام الأسدي، حين ننظر في مرآة مواقفنا.

من الممكن للمُعاش السوري الفظيع، ممزوجاً بالإحساس بالخذلان وشرط الهزيمة المديد، أن يصير عامل انحباس في الذات وتقوقعاً على مظلوميتها، وعجزاً عن التماهي أو تفهّم الآخرين، واستنكاراً لأي تفاعل مع مصائب أخرى خارج إطار المقارنة الرابحة سلفاً. قد يحدث هذا الانحباس والتقوقع، بل إن حدوثه في ظرفنا الحالي مرجَّح في أوساط سورية متنوعة. قد يكون إحساساً عابراً لعلّ أغلبنا مرّ به في لحظة ما مع هذه القضية أو تلك (مع القضية الفلسطينية بالذات، كون الأقربين أولى بالمعروف)، أو قد يصير ضرباً من الأيديولوجيا السينيكية-النرجسية، تفسّر الذات والعالم وفق تفوُّق مظلوميتها، وتقود أصحابها لشرعنة مواقف من ضرب «الواقعية» المُشار إليه أعلاه. إن قدرة سوريات وسوريين كثر على تجاوز ذلك، وعلى جعْل مُعاشهم الرهيب طاقة تَماهٍ وتضامن، دون ترك «تعقيدات» من أي نوع تقف عثرة في وجه ذلك، هو دليل على نضج معرفي وسياسي يبشِّر بقدرة على إنتاج معانٍ سامية من معاناة فظيعة، وعلى صياغة خطاب وفاعلية سياسية منها.

ما زالت هذه الفاعلية موسمية ومحصورة في إطار ردّ الفعل، لكنها – وقد وُجدت – تدعو للعمل على لملمتها وبلورتها في ذات سورية متحررة، يصوغها جيل ما بعد ثورة 2011.

———————

كابوس من الرعب يخيّم على المشهد الفلسطيني

يوسف منيّر/ ترجمة أحمد عيشة

بينما يجوب الإسرائيليون الهمج في الشوارع مهاجمين الفلسطينيين، وبينما ترمي الطائرات الحربية الإسرائيلية القنابل على غزة، من الضروري أن نفهم كيف وصلنا إلى هذه اللحظة!

أحاول التفكير في اللحظة منذ عام 1948، عندما تعرض عدد كبير جدًا من الفلسطينيين لمستوى كبير من العنف الإسرائيلي مثلما يتعرضون إليه في الأيام القليلة الماضية، ولا أعتقد أنني أستطيع.

ففي المدن في مختلف أنحاء إسرائيل، يتعرض الفلسطينيون للضرب والإرهاب من قِبَل الغوغاء؛ أحد الرجال يُجَرّ من سيارته ويعامَل بوحشية، في مشهد يصفه كثيرون بأنه قتل تعسفي. وفي الضفة الغربية، يشن الجيش الإسرائيلي غاراتٍ على الفلسطينيين، ويطلق النار عليهم ويقتلهم. وفي القدس، تتعرض الأسر الفلسطينية، التي تواجه التهديد المستمر بالطرد، لمضايقات من المستوطنين ومن الجيش بالطريقة نفسها. وفي غزة، تلقي الطائرات الحربية الإسرائيلية قنبلة بعد قنبلة، مدمّرة مباني سكنية بأكملها. كثيرون لقوا حتفهم، ويصاب أكثر منهم. إذا تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، فسيشهدون مجتمعهم محطمًا عندما ينجلي الدخان.

إن أصول هذه اللحظة واضحة بقدر ما هي مؤلمة، لكنها تستحق الشرح وإعادة التفسير لعالمٍ يفشل في كثير من الأحيان -بل يرفض في الواقع- في رؤية الظروف الحقيقية للمعاناة الفلسطينية.

كي نفهم كيف وصلنا إلى هذه اللحظة، من الضروري أن نبدأ بقصة “الشيخ جراح”. لعل ذلك الجيب الصغير في القدس، الذي تعرضت منه أسر فلسطينية عدة لخطر الطرد، هو أقرب أسباب هذه الأزمة الأخيرة. وهي أيضًا آخر عملية طرد تستهدف الفلسطينيين من جانب إسرائيل، على أنها جزءٌ من عملية مستمرة منذ أكثر من 70 عامًا.

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، اتبعت الحكومة الإسرائيلية سياسات مختلفة تهدف إلى هندسة مدينة القدس من الناحية الديموغرافية، مرة أخرى، وكل ذلك بقصد ضمان هيمنتها الدائمة على المدينة. ومن بين هذه السياسات بناءُ المستوطنات غير القانونية حول المدينة، لعزلها عن بقية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ وتقييد التنقل لحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى دائرة المدينة نفسها وإلى داخلها؛ وإلغاء وضع الإقامة للفلسطينيين، وهو ما يعادل الطرد؛ وهدم منازل الفلسطينيين. ويطرد الإسرائيليون الفلسطينيين من ديارهم، كما نشهد في الشيخ جراح، حتى يتسنى لهم تسليمها إلى المستوطنين الإسرائيليين.

وقد خلقت هذه السياسات مجموعة فريدة من التهديدات والإهانات والمظالم التي تستهدف الفلسطينيين في القدس. ومع ذلك، فإن ما يحدث في الشيخ جراح لا يتعلق بالقدس فحسب، بل يعكس أيضًا التجربة الفلسطينية برمتها. منذ بداية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، كان الهدف هو توسيع نطاق السيطرة على الأراضي ببطء وبصورة مطردة، وإجبار السكان الأصليين على الخروج في عملية مستمرة من الاستبدال. وكانت الحلقة الأكبر من هذه العملية هي نكبة عام 1948، التي أفرغت خلالها الميليشيات اليهودية، ثم دولة إسرائيل، مئات المدن والقرى من سكانها، وجعلت ما يقرب من ثلثي السكان العرب الفلسطينيين لاجئين، ورفضت فيما بعد عودتهم، أولًا بالقوة العسكرية، ثم بقوة القانون. لكن العملية لم تتوقف عند هذا الحد. ففي العقود التي تلت ذلك، تقدمت عملية المستوطنين الاستعمارية في القدس والضفة الغربية وغزة، من خلال بناء المستوطنات، وسرقة الأراضي، والقوة العسكرية الوحشية.

كل هذا يمكن أن يكون كافيًا ليشعل الوضع في هذه اللحظة، لكنه يحدث أيضًا في سياق فوري أوسع نطاقًا، سياق حيث تُحكم فيه قبضة الكماشة للجناح اليميني المتسارعة، والقومية الثيوقراطية في مختلف أنحاء إسرائيل. فقد جلبت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة إلى البرلمان الكاهانيين الصرف، وهم اليهود المتطرفون الثيوقراطيون الذين يسعون إلى إنكار أي حقوق للفلسطينيين، ويتبنون سياسة التطهير العرقي. يهيمن أيديولوجيو اليمين منذ فترة طويلة على الكنيست، ولكن مع تحول السياسة الإسرائيلية إلى اليمين على الدوام، وتمكنها بضمان دولي من الإفلات من العقاب، هناك الآن حيز سياسي متزايد لعنصرية صريحة ومباشرة أكثر من كل التي شهدناها من قبل (وبالتالي، لا ينبغي لنا أن نفاجأ بفيضها إلى الشوارع في هيئة الغوغاء القتلة).

لقد تزامنت هذه الأعماق الجديدة من السفالة مع احتمال أن يخاطر حزب الليكود، الذي سيطر زعيمه بنيامين نتنياهو على السياسة الإسرائيلية لفترة أطول من أي حزب آخر، بفقدان السلطة. وهذا لا يعزى إلى تحدٍ من جانب من هم على يساره، بل إلى من هم على يمينه، الذين يسعون إلى استبداله.

إن ما يجعل التهديد الذي يهدد قبضة نتنياهو على السلطة خطيرًا بصورة خاصة هو أنه ربما يكون السياسي الإسرائيلي الأكثر خبرة وتمرسًا، عندما يتعلق الأمر بإثارة العنف من قِبَل أتباعه في لحظات الاضطراب السياسي. إنه تكتيك كثيرًا ما يستخدمه، وربما كان معروفًا أكثر قبيل اغتيال إسحاق رابين، منافسه السياسي، على يد أحد اليمينيين الإسرائيليين عام 1995. منذ الانتخابات التي جرت في آذار/ مارس، صعّد هؤلاء المتطرفون العنيفون هجماتهم على الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهاجوا في القدس، وهم يرددون “الموت للعرب” في أثناء مسيرتهم في المدينة القديمة. وتصاعدت حدة هذه الهجمات أكثر -وقد تسامحت معها الدولة بالكامل إن لم تكن دعمتها دعمًا صريحًا ومباشرًا- خلال شهر رمضان المبارك، وبلغت ذروتها أولًا مع جهود الحكومة الإسرائيلية لإغلاق بوابة دمشق، ثم في نهاية المطاف، مع الغارات الوحشية التي شهدناها هذا الأسبوع من قبل الجيش الإسرائيلي داخل المسجد الأقصى.

ومرة أخرى، كانت هذه الأحداث، بحد ذاتها، كافية لتوصل المنطقة إلى هذه اللحظة المتقلبة والسريعة التحول. ومع ذلك، كانت هناك أيضًا أحداث أخرى وتحولات أخرى -لعل أبرزها تمزق تجربة في سياسات المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وتصدّعها. كانت القائمة المشتركة، التي جمعت أحزابًا عدة أصغر حجمًا حصلت ذات مرة على 15 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي، قد تفككت هذه المرة، بعد أن أبدت بعض الأحزاب استعدادها لدعم حكومة نتنياهو مقابل ثمن مناسب. كان فشل هذه التجربة هو فشل فكرة أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمكن معالجة مظالمهم، من خلال المشاركة في الحكومة الإسرائيلية. ومع تعثر آليات التمثيل المحدودة هذه، صار الناس مهيئين للنزول إلى الشوارع. وكما كانت الانتخابات تجري، احتشد الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في مدينة أمّ الفحم، وهم يحملون أعلامًا فلسطينية، ويتغنون بوطنهم الحبيب، إيذانًا بكثير من الأحداث في الأيام الأخيرة.

ولم يكن الفلسطينيون فقط في إسرائيل يبتعدون عن المؤسسات التي خذلتهم. وفي أواخر نيسان/ أبريل، حرِم الفلسطينيون في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة والقدس من فرصة التعبير عن رأيهم، بخصوص زعمائهم/ قادتهم في السلطة الفلسطينية، عندما أرجأ محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الانتخابات الفلسطينية إلى أجل غير مسمى. كانت الانتخابات التي أعلنت في كانون الثاني/ يناير ستكون الأولى منذ 15 عامًا. ولكن عباس ألغى الانتخابات، لأنه كان من الممكن أن تشكل تحديًا خطيرًا وجديًا لحزبه وحكمه، لأن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين في القدس بالمشاركة في التصويت. ومما لا شك فيه أن الحرمان من هذه الفرصة المحدودة للتعبير السياسي أسهم في التعبئة الجماعية التي نشهدها.

إن الوسائل التمثيلية للفلسطينيين، في جميع أنحاء فلسطين، قد انهارت بشكل لا يمكن إصلاحه. ولكن ذلك قد لا يكون أمرًا سيئًا، لأن تلك الوسائل قد دفعتهم فعليًا إلى طريق مسدود يتسم بمزيد من التشرذم والاحتلال. وبينما توصل كثيرون إلى هذا الاستنتاج منذ فترة طويلة، فإن التعبئة الجماعية التي بدأنا نراها منذ أيام في الشوارع، من القدس، إلى حيفا، والناصرة، واللد، وأم الفحم، ورام الله، وغزة، وفي مخيمات اللاجئين، وفي الشتات في جميع أنحاء العالم، أظهرت أن جيلًا جديدًا لا يدرك ذلك فحسب، بل إنه بدأ يعمل عليه. وتظهر هذه التعبئة الجماعية التي وحدت الفلسطينيين فهمًا مشتركًا لكفاحهم، بل ربّما تظهر الشكل الجنيني لجهد موحد ومنسق ضد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بجميع مظاهره.

إن النضال من أجل الحرية هو رحلة مستمرة، مع وقفات تستدعي الأمل واليأس على طول الطريق. ولئن كانت الأيام القليلة الماضية قد أعطتني أسبابًا لا تحصى لليأس، فإن إمكانية بذل جهد فلسطيني موحد لاحت في هذه الأيام القليلة الماضية هي التي رأيت فيها شعلة من الأمل. عندما تأتي الحرية، وعندما يكتب تاريخ النضال من أجل هذه الحرية، آملُ أن تثبت هذه اللحظة أنها مرحلة تحولٍ جذري. وتحقيقًا لهذه الغاية، علينا جميعًا أن نؤدي دورنا، ويتعين على المؤمنين بالعدالة أن يتضامنوا مع الفلسطينيين اليوم، إلى أن تنتهي الرحلة.

(*) – الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز

اسم المقال الأصلي         A Nightmare of Terror Across the Landscape of Palestine

الكاتب   يوسف منيّر، Yousef Munayyer

مكان النشر وتاريخه         The Nation، 13 أيار/ مايو 2021

رابط المقال         https://bit.ly/33XcYG7

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

——————-

ثمة قمع رقمي ممنهج لأصواتنا”… كيف أوصل الفلسطينيون حقيقة الأحداث الأخيرة إلى العالم؟/ ميساء منصور

في الأسبوعين الأخيرين، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما منصة “إنستاغرام”، حملة كبيرة من الناشطين الفلسطينين والمتضامنين العرب وغير العرب لدعم القضيّة الفلسطينيّة وتصدياً لتهجير حي الشيخ جراح وتهويد القدس والعدوان على غزّة. اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في بداية الأحداث بـ”هاشتاغ”: أنقذوا حي الشيخ جراح؛ الحي المعرض للتهجير القسري واستيلاء المستوطنين على نحو 28 بيتاً فيه. استغلّت منى الكرد؛ ابنة الحي وابنة إحدى العائلات المهددة بالإخلاء، منصّتها في “إنستاغرام” من أجل توثيق انتهاكات المستوطنين والجيش والشرطة الاسرائيليّة ضدها وضد عائلتها، لينتقل هذا التوثيق إلى بث حي ومباشر عبر عدد كبير من أصحاب الأرقام (المتابعين) هناك، ما يعني أن الكرد وغيرها من المتواجدين في قلب الحدث يتشاركون البث الحي مع مؤثري منصة “إنستاغرام” لأجل إيصال الصّورة لأكبر عدد ممكن من النّاس.

هذه الطريقة الجديدة في التوثيق مكّنت منى وأهالي حي الشيخ جراح والقدس، ثم غزة، من إيصال صوتهم إلى العالم بصورة دقيقة ومباشرة وبعيدة إلى أقطاب دون سواها. هذه الحملة أضافت إضافة نوعية في نظرة العالم إلى قضية فلسطين وأعادتها إلى المركز بعد أن تراجعت سنوات إلى الوراء بسبب الثورات في المنطقة العربية وعدم الاستقرار في دول الجوار وموجة التطبيع. كما أنها تمكّنت من إيصال الصوت إلى فنانين وعارضات أزياء ولاعبي كرة قدم وممثلين عالميين قاموا بمساندة الشيخ جراح وغزة عبر حساباتهم، وربما أبرز من ساهمت كانت عائلة محمد وبيلا حديد، التي وبعد تضامنها المباشر تبعها كثيرون في التضامن. لكن إسرائيل وأذرعها “الرقمية” عملت جاهدة، ولا زالت، في انتهاك المحتوى الداعم لفلسطين، لما فيه من تأثير على الرأي العام العالمي وحتى على بعض وسائل الإعلام الرسمية الغربية التي عُرفت بانحيازها لإسرائيل. على إثر ذلك، قام مركز “حملة”- المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي بإصدار تقرير جديد بعنوان “العدوان على الحقوق الرقمية الفلسطينية” يوضح ويوثق من خلاله الانتهاكات التي تعرضت لها الحقوق الرقمية الفلسطينية في الأحداث الأخيرة.

محاربة المحتوى الفلسطيني

على إثر هذا التضامن العالمي غير المسبوق مع قضية فلسطين، قام “إنستاغرام” و”فيسبوك” وبقية مواقع التواصل بتحديد الوصول إلى الحسابات التي تنشر محتوى داعماً للقضية. كما أنهم أقدموا على حذف العديد من الحسابات وتقييد حرية النشر والبث المباشر. وهكذا، شهدت الشبكة زيادة كبيرة في الرقابة على الخطاب السياسي الفلسطيني، إلى جانب تزايد الأمثلة على خطاب الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين بما في ذلك تنظيم حشود إسرائيلية عنيفة عبر الإنترنت. إن هذا النمط من الرقابة على الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي، مع السماح لخطاب الكراهية الموجه ضد الفلسطينيين والعرب بالبقاء على الإنترنت، يفاقم انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث بالفعل على الأرض، ويمنع الناس من ممارسة حقوقهم الأساسية وتوثيق الانتهاكات.

وجاء في تقرير مركز “حملة” حول محاربة المحتوى الرقمي الفلسطيني: “وثق حملة أكثر من 500 انتهاك للحقوق الرقمية الفلسطينية في الفترة بين 6 و18 مايو/أيار 2021، عبر النموذج المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وبمساعدة الشركاء والائتلافا، وأصدقاء المركز، تضمنت الحالات أنواعاً مختلفة من الانتهاكات مثل إزالة المحتوى وحذف الحسابات وإخفاء الأوسمة، إضافة إلى تقليل الوصولية لمحتوى بعينه، وحذف المحتوى المؤرشف، وتقييد الوصول وحذف الحسابات. وتنوعت الانتهاكات على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بينها 250 انتهاكاً من أصل 500 انتهاك على”إنستاغرام” وحدها، ما نسبته (50%) من مجموع الانتهاكات الكلية، و179 انتهاكاً على “فيسبوك”؛  أي ما نسبته (35%)، و55 انتهاكاً على “تويتر”، ما نسبته (11%)، و (1%) من الحالات على “تيك توك” (Tik Tok)”.

“فيسبوك” و”إنستاغرام” في خدمة البروباغندا الإسرائيلية

وفي مسألة تقييد المستخدمين في موقع “إنستاغرام”، جاء في تقرير “حملة”: ” تلقى مركز حملة 250 بلاغاً من المستخدمين حول الانتهاكات الواقعة على منصة “إنستاغرام” ،اتخذت هذه الانتهاكات أشكالاً متعددة، وكان أبرزها حذف القصص من الحسابات. وقد ظهر هذا النوع من الانتهاكات بشكل أكبر في الأسبوع الأول من فترة إعداد التقرير، حيث تلقى مركز حملة 134 حالة لحذف قصص من منصة “إنستاغرام” والتي شكلت ما نسبته 45% من النسبة الكلية للانتهاكات عبر هذه المنصة، وجاءت نسبة 14% من هذه الانتهاكات على شكل تقييد حسابات”. ويضيف التقرير: “أما النسبة المتبقية من البلاغات التي وصلت للمركز والتي شكلت ما نسبته 14% من البلاغات فتنوعت بين تحذيرات للحسابات وتحديد الإعلانات وحذف التعليقات وعدم القدرة على فتح التطبيق”.

أما بخصوص “فيسبوك”، فقد وثق مركز حملة ” 179 حالة انتهاك في هذه المنصة. وقد تنوعت الانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها من المستخدمين، لتكون كالتالي: 37% من هذه الحالات كانت لتقييد حسابات على المنصة، و31% من هذه الحالات كانت لإزالة وحذف المحتوى، بينما جاءت 23% من هذه الحالات كتعليق للحسابات، و9% من النسبة المتبقية تنوعت بين حذف التوثيق وتحذير الحسابات وتحذير عن منشورات معينة وتقييد المجموعات والصفحات ومحاولات اختراق وتقليل الوصولية وإخفاء أوسمة (هاشتاغات) وإخفاء زر المشاركة عن المنشورات، وانتهاكات أخرى لم يتم تحديدها. لم تبدي الشركة استجابة كافية على البلاغات، أما عن الأسباب التي قدمتها “فيسبوك” للمستخدمين عند وقوع هذه الانتهاكات: 47% من الحالات لم تقدم فيها شركة فيسبوك أي إجابة حول سبب الانتهاك الذي تعرضوا له، بينما بررت الشركة 27% من الحالات للمستخدمين أن السبب هو انتهاك معايير المجتمع، و10% من هذه الحالات وصلتهم رسالة تفيد بأن المحتوى المنشور يحتوي على خطاب كراهية. أما عن نسبة 15% المتبقية فوصلتهم أسباب مختلفة، فتنوعت بين إساءة الاستخدام، والمحتوى الحساس، وطلب إثبات هوية، ومحتوى عنيف ومؤسسات خطيرة، وتحديد العمر، ونشاط غير اعتيادي، وتحرش، ومحتوى مشبوه”.

وتقول منى شتية، مديرة المناصرة المحلية في مركز حملة، لرصيف22 تعقيباً على استهداف المحتوى الفلسطيني: “بالنسبة للعدوان الذي حدث على المحتوى الفلسطيني، نحن نرى في حملة بأن الحديث لا يدور حول حالات متفرقة. هذه المرة كان هناك عدوان ممنهج، فخلال أسبوعين، وثقنا أكثر من 500 بلاغ وصلوا للمركز. هذا عدا الاعتداءات التي لم توثّق في منصات أخرى، كالتحريض الممنهج على الفلسطينيين والعرب من قبل الإسرائيليين، والذين حشدوا أنفسهم من خلال تطبيقات كـ”تليغرام” و”واتساب”. وهذا الأمر يشكل عدواناً سافراً على المحتوى الفلسطيني. دائماً ما كنا نشعر بوجود تمييز رقمي ضد الفلسطينيين. اليوم نشعر بوجود قمع رقمي ممنهج تجاه أصوات الفلسطينيين، والذي يمنعنا من سرد روايتنا في الفضاء الرقمي. هذا القمع يساعد في إخماد الرواية الفلسطينيّة، وبالمقابل يدعم البروباغندا الإسرائيلية”.

أما عن تفادي الحذف فتقول شتية: “الأصل هو عدم اعتبار هذه المواد مخالفة، واعتبار حذفها انتهاكاً لحقوق الإنسان ونشر للرواية الفلسطينية. ولكن بسبب هذه السياسات، حصلت مبادرات عديدة لتفادي الحذف مثل الكتابة بدون نقاط أو الكتابة بشكل متفرق، أو كتابة القضية من ناحية حقوقية ككتابة نسب وأرقام وقصص إنسانية مع دلائل”.

المؤثرون ووصول المحتوى للملايين

“بدأت الحملة من خلال ملاحظة ما تفعله منى الكرد وأخوها محمد في حي الشيخ جراح، اللذان استطاعا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي خلق أفق جديد لنقل معاناتهم. ظهرت حاجة الإنسان الفلسطيني للتوثيق وإيصال صوته بشكل مجرد بعيداً عن القنوات التقليدية ودون إخضاع المسألة لأبعاد وسياقات سياسية ضيقة. هي مأساة إنسانية وجريمة حرب يجب أن تُنقل كما هي، عبر وسيلة لا تخضع للاستقطابات، فكانت الوسيلة الحرة هي وسائل التواصل الاجتماعي”، تقول منى حوا؛ الإعلامية والمؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي لرصيف22، مضيفة: “نبعت الفكرة من ضرورة جمع عدد كبير من المؤثرين حتى تكون هناك نوافذ تغطية من خلال متابعيهم، ونقل ما يحدث على أرض الواقع في فلسطين المحتلة مع هؤلاء المؤثرين. في البداية جاءتني دعوة كأي مؤثر لتغطية الأحداث مع أشخاص تواجدوا في الأقصى، وأظن بأن ألاء حمدان من بدأت بالبث الحي. بعد هذه الدعوة قررت استخدام “إنستاغرام” كمنصة لنقل المعاناة الإنسانية وجرائم الحرب التي تُرتكب”.

وتتابع منى: “كان الهدف من استخدام “إنستاغرام” هو استقطاب الجيل ما بين 18-24. وإعادة تعريف الاحتلال في ذاكرتهم. في آخر سنة تحديداً، وظفت إسرائيل ودول عربية أخرى كل أدواتها الممكنة رقمياً في دعاية ممنهجة لإظهار الاستيطان كبلد آمن ومتقدم، لا نظام قائم على عنف استعماري”.

أما عن حالة الاستقطاب السياسي لهذا الجيل فتقول منى: “إن حالة الاستقطاب السياسي التي شهدتها دول المنطقة بعد الثورات العربية وتعززت أكثر مع الأزمة الخليجية، أثرت في سردية القضية، سواء في التغريد أو في التلفاز، بل واستخدمت فلسطين كمادة للذباب الالكتروني، ما ترك أثراً عاصفاً على الذاكرة الجمعيّة وثقة المصدر وسؤال الجدوى. فكان من الصّعب في ظل الاستقطابات المريعة أن تحضر فلسطين كموقف جامع. فالحديث عن التطبيع الخليجي مثلاً يعني خسارة ثقيلة لمؤثر يتقاضى أرقاماً فلكية من أجل الترويج لعلامات تجاريّة مركزها دولة تتزعم راية التطبيع. في فلسطين اليوم، استخدام الحدث وتكثيف تغطيته يعني إعادة تعريف الاستيطان وتأكيد جدوى طرق جدران الخزان”.

———————————–

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى