كتب الكترونية

كتاب تعليم المقهورين/ باولو فريري

——————–

تعليم المقهورين”… شرط الحرية والثورة/ ليلى حلاوة

يظن من يقرأ كتاب “تعليم المقهورين” أن كاتبه باولو فريري، وهو من عاش في أواسط القرن الماضي في أميركا اللاتينية يجلس بيننا يُنظِر ثوراتنا العربية، ويجيب على أسئلة لا تبارح أذهاننا من قبيل “لماذا تعثرنا؟” ما الذي فاتنا ولم نقم به على وجهه الصحيح؟ هل كان هناك طريق آخر يوصل بنا إلى محطة التحرر الذي فوتناه؟

ولد باولو فريري في عام 1921 في البرازيل، خبر العوز والحاجة وعرف الجوع والتسول واضطر في أحيان كثيرة إلى الانقطاع عن التعليم والدخول إلى سوق العمل، فكان لذلك عظيم الأثر على نفسه، مما جعله يستنتج نظرياته اللاحقة وهو أن نظام التعليم يشكل أحد الأدوات الأساسية التي تستخدم للإبقاء على الطبقات الدنيا “في الأسر” ولنشر ثقافة الخوف والخنوع والصمت”.

نقد فكرة “التعليم المحايد”

يقول فريري: “لا يوجد شيء اسمه عملية تعليم محايدة، فالتعليم إما أن يتحول إلى أداة تصهر الأجيال الصغيرة في النظام الحالي وتؤدي إلى الانصياع له، أو يصبح أداة لـ “ممارسة الحرية”، إنها الوسيلة التي من خلالها يتمكن الرجال والنساء من التعامل بشكل انتقادي وخلاق مع الواقع، ويكتشفون كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعهم”.

ويحذر فريري من وقوع بعض القادة الثوريين في فخ استخدام ذات الأساليب التعليمية التي يستخدمها السلطويون، وإنتاج واستهلاك ذات الأفكار التي خبروها مع حكامهم أو من كان متسلطاً عليهم، فيصبحوا هم أيضا – وهم الثوريون – ينكرون العمل التربوي في عملية التحرير، ويستخدمون بدلا من ذلك الدعاية للإقناع والقهر والتسلط، “ولا يمكن للدعاية والإدارة والتلاعب والغش أن تكون أدوات إعادة إنسانيتهم لهم فهي كلها أدوات سيطرة وليست أدوات تحرر. يؤكد باولو فريري أن الأداة الوحيدة الفعالة في عملية التحرر هي التربية، فهي تعمل على “الأنسنة” وبالتالي على إقامة علاقات حوارية مثمرة بين القيادة الثورية ومع المضطهَدين. ويكف الأسلوب في هذه التربية عن كونه أداة يستطيع المعلمون عن طريقها التلاعب بالطلاب وغشهم، وذلك لأنها تعبر عن وعي الطلاب أنفسهم. فالتعليم عند فريري إما للتطويع والقهر والعبودية أو للتحرير والإبداع والوعي.

أما التعليم السلطوي فهو الذي يؤدي إلى تطويع الطلاب وجعلهم جزءا لا يتجزأ من عملية القهر والعبودية، وعكس التعليم السلطوي يأتي التعليم التحرري أو التعليم الحواري الواعي الذي يؤدي بطلابه إلى نقد المجتمع، والوصول به إلى التحرر والقضاء على السلطويين المضطهِدين، بإدماجهم هم أنفسهم في عملية “أنسنة” المجتمع ككل.

“التعليم البنكي” وسيلة السلطة التقليدية

أما التعليم البنكي “السلطوي” فهو يمثل عملية “إيداع” يكون الطالب فيها الجهة التي يتم الإيداع فيها، والمعلم هو المودِع، وبدلا من أن يقوم المعلم بالتواصل مع الطلاب يلجأ إلى إصدار البيانات وإيداع ما لديه فيتلقاها الطلاب ويحفظونها غيبا ويرددونها بصبر.

في المفهوم البنكي للتعليم، تعتبر المعرفة هبة يمنحها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ضليعين في المعرفة إلى من يعتبرونهم لا يعرفون شيئا. حيث يتم إلصاق الجهل المطبق بالآخرين، وهي صفة من صفات “أيديولوجية الاضطهاد”. ويقدم المعلم نفسه إلى طلابه باعتباره نقيضهم بالضرورة، كما يعتبر جهلهم مطلقا يبرر وجوده.

المفهوم البنكي للتعليم لا يتعدى فيه مجال النشاط المسموح به للطلاب حدود التلقي والامتلاء وتخزين ما يتم إيداعه، حتى تتوفر لهم الفرصة لأن يصبحوا جامعيين ومصنفين للأشياء التي يتم تخزينها. وهذا كله يتم من خلال الافتقار إلى الخلق والإبداع وغياب التحول والمعرفة في هذا النظام.

يؤكد فريري أن المفهوم البنكي للتعليم يؤدي إلى أن يكون الناس كائنات قابلة للتكيف، فكلما ازداد انهماك الطلاب في تخزين ما يتم إيداعه لديهم، قلّت إمكانية تطويرهم لوعي انتقادي يؤدي إلى تدخلهم في العالم كمتفاعلين نشطاء مع العالم. وكلما ازداد قبولهم بالدور السلبي المفروض عليهم، كلما جنحوا ببساطة إلى التكيف مع العالم في وضعه.

على النقيض من السلطويين، يجب على الملتزمين حقا بالتحرر أن يرفضوا المفهوم البنكي كلية، وتبني بدلا منه مفهوم يرى الناس كائنات واعية، وكذلك يجب عليهم التخلي عن الهدف التعليمي الخاص بالإيداع والاستعاضة عنه بطرح مشاكل الناس في علاقاتهم بالعالم. تعليم يجسد التواصل ويرفض البيانات. حيث يتألف التعليم التحرري من عملية “اطلاع ومعرفة”، وليس من عملية نقل وتحويل للمعلومات.

المعلم الطالب والطلاب المعلمون

من هنا كان على أي قيادة ثورية أن تمارس ما يعرف بالتعليم ذي الأهداف المشتركة Co-intentional Education ، وفيه يركز المعلم والطالب (القيادة والشعب) بشكل مشترك على الواقع، فكلاهما “فاعل”، ليس فقط في مهمة اكتشاف ذلك الواقع، ومن ثم التوصل إلى فهمه بشكل انتقادي، ولكن في مهمة إعادة خلق المعرفة، وعندما يحصلون على هذه المعرفة للواقع عبر التفكير والعمل المشتركين، يكتشفون أنفسهم بأنهم من يعيد خلقه باستمرار.

ويوضح فريري أن مبرر وجود “التعليم حر الإرادة” يكمن في توجهه نحو المصالحة. فالتعليم يجب أن يبدأ بحل التناقض بين المعلم والطالب، بالتصالح بين قطبي التناقض، بحيث يصبح في الوقت ذاته معلما وطالبا. ولا يتوفر هذا الحل في المفهوم البنكي، بل على العكس يبقى على التناقضات ويحفزها من خلال المواقف والممارسات التي تعكس المجتمع القمعي. وأثناء ذلك، يصك فريري مصطلحا جديدا كلية هو مصطلح “المعلم الطالب والطلاب المعلمون”، فلا يعود المعلم مجرد الشخص الذي يعلم، بل يصبح الشخص الذي يتعلم أيضا في حواره مع الطلاب، الذين يقومون بدورهم في التعليم في الوقت الذي يتعلمون فيه. فيصبحون مسؤولين عن عملية ينمون ويكبرون فيها، وفي هذه العملية لا يعود للحجج القائمة على السلطة أية قيمة. فكي تكون السلطة قابلة للتطبيق عليها أن تكون في صف الحرية لا ضدها. وهنا لا يُعلّم أحد أحدا. كما أن المرء لا يعلم نفسه بل إن الناس تعلم بعضها بعضا، ويتوسط العالم بينها.

ويوضح فريري بشكل عملي الفرق بين التعليم البنكي والآخر الحواري، فيقول إن التعليم البنكي يميز بين مرحلتين في عمل المربي، المرحلة الأولى يقوم المربي بمعرفة شيء خاضع للمعرفة خلال إعداده للدرس في حجرته أو في المختبر، وفي المرحلة الثانية، يفسر لطلابه عن ذلك الشيء، ولا يطلب إلى الطلاب أن يعرفوا بل أن يحفظوا غيبا المحتويات التي تم سردها. وكذلك لا يمارس الطلاب أية عملية معرفة، وهكذا يتوفر لنا نظام تعليمي لا يحقق أي معرفة حقيقية أو ثقافة حقيقية.

أما في التعليم الحر، فلا يتم تجزئة نشاط المعلم والطالب، فهو ليس العارف في مرحلة ما والراوي في مرحلة أخرى. فالمعلم يقدم المواد للطلاب للنظر فيها، ويعيد النظر في اعتباراته السابقة لدى تعبير الطلاب عن وجهات نظرهم. ويصبح الطلاب (الذين لم يعودوا مستمعين خانعين الآن) باحثين مشاركين انتقاديين في حوار مع المعلم. إن دور المربي الذي يطرح مشاكل وقضايا بالاشتراك مع الطلاب يخلق حالة من المعرفة الحقيقية.

عملية التحررهي عملية لا بد أن تنبع من المقهورين أنفسهم الذين تقع عليهم مهمة النضال من أجل تحررهم. أما المعلمون هم من لديهم القدرة على مساعدة الطلاب كي يصلوا إلى هذا الهدف بتحويلهم لفاعلين في العملية التعليمية وبهذه الطريقة يتم تغلب على السلطوية والنزعة الفكرية التغريبية. ويمكن الناس أيضا التغلب على الإدراك الخاطئ للواقع، وبالتالي يصبح العالم الذي لم يعد شيئا يوصف بكلمات خادعة، يؤكد فريري في النهاية على أن التعليم التحرري لا يمكن أن يخدم مصالح المضهِدين “السلطويين”، فليس بوسع أي نظام قمعي أن يسمح للمضطهَدين “الشعوب” بأن يبدأوا بالسؤال: لماذا؟

كتاب “تعليم المقهورين” يوضح بصورة جلية العلاقة الوطيدة بين “الديكتاتورية” وبين الأساليب التعليمية البالية المنتشرة في مجتمعاتنا، أساليب تربي على القهر والخنوع وتقبل الرؤية الموحدة المفروضة من خلال وأد مهارات التفكير النقدي للواقع والمجتمع. العلاقة تم نسجها بصورة “جهنمية” عبر قرون وعقود من الذل والهوان حتى أصبح المعلم المبدع الذي يعمل على تمكين الطلاب من خلال تنمية إدراكهم لقدراتهم المعرفية والمهارية عملة نادرة، ولو وجد لتكالبت عليه الأيدي لتكميم فمه وإغلاق عقله… وما الأسلوب العقيم للاختبارات المركزية الموحدة التي تتعامل مع الطلاب كأنهم ماكينات لتعليب المعرفة والمعلومات في مصنع اسمه المدرسة إلا وسيلة لعملية تكبيل قهرية مستمرة.

العربي الجديد

————————–

تعليم المقهورين.. ما أفق التحرر من استبداد المنظومة التعليمية؟/ سامح عودة

في أحد التجمعات الحوارية حول المفهوم الأنثروبولوجي للثقافة، في تشيلي، يروي الدكتور والخبير التعليمي باولو فريري أن أحد الفلاحين الجهلاء -وفق المفهوم النظامي للتعليم الحديث- قاطعهم قائلا: لقد عرفت الآن أنه دون الرجال فليس هناك عالم. فردّ عليه أحد المُناقشين: لا، فلو افترضنا جدلا أن كل الرجال في هذا العالم قد ماتوا، ألا يبقى العالم بأشجاره وأطياره وحيواناته وأنهاره وبحاره ونجومه؟ أفلا يكون كل هذا العالم؟ فأجاب الفلاح بثقة: لا، لأنه لن يوجد حينها شخص ليقول: هذا هو العالم(1).

انطلاقا من هذا التعليق بنى فريري نظريته عن تعليم المقهورين، قائلا: إن عدم الإحساس بالعالم يعني عدم وجوده، فلِكيْ يعيش الإنسان ينبغي له أن يستشعر وجوده، وليحدث هذا فإنه بحاجة للتعليم الذي يكشف له عن ملكاته الإبداعية في فهم العالم ونقده وتطويره، وهو ما لا يحدث إلا من خلال عملية تعليمية تأخذ الطالب إلى العلم دون أن تقهره عليه، بل تكتفي فقط بسدّ الثغرة بين فهمه الخاص وبين المادة العلمية على حد تعبير جاك رانسيير(2)، ثم تترك له بعد ذلك المجال في الخيال والحوار والبحث، وهو الأمر الذي اعتراه القصور تارة، والغزو تارة، والمقاومة تارة أخرى.

فما التعليم في حقيقته؟ وما الفرق بين هذه الحقيقة وبين ما هو كائن في الواقع؟ والأهم من هذا وذاك: ما الأسلوب الذي ينبغي أن يكون عليه التعليم ليكون به الإنسان إنسانا بحق؟

التعليم في العالم المتحضـر يعتمد على الفكر أكثر مما ينبغي، والجانب الإنساني فيه أضأل مما ينبغي، فمن الممكن أن نتخيل شابا قد مرّ بجميع مراحل التعليم دون أن يُذكر له أهمية أن يكون خيّرا وأمينا

 التعليم بين خدمة الإنسان واستغلاله

في كتابه الشهير “الإسلام بين الشـرق والغرب” يتناول بيغوفيتش نظرية التعليم كونها قضية ذات جانبين: جانب إنساني يُعنى برُقيّ الإنسان وخدمته على الجانب المعنوي، وإخراجه بصورة متناسقة بين الفكر والروح. وجانب تقني، أو أداتي بتعبير باومان(3)، يهتم باستغلال الإنسان بأفضل صورة ممكنة لخدمة الرأسمالية الحاكمة. “فالتعليم المدرسي في العالم المتحضـر يعتمد على الفكر أكثر مما ينبغي، والجانب الإنساني فيه أضأل مما ينبغي، فمن الممكن جدا أن نتخيل شابا قد مرّ بجميع مراحل التعليم دون أن يُذكر له أهمية أن يكون خيّرا وأمينا”(4).

في نفس السياق، يرى ريتشارد إنغرام أن الغاية النهائية من المدارس والجامعات تتمثل في زيادة معدل النمو الاقتصادي(5)، أو مساعدة الحكومة للفوز في الانتخابات، كما يعلّق باومان الذي يضيف “أما التاريخ القديم والفن والفلسفة، وما إلى ذلك من المجالات التي تزعم أنها تعزز التنمية الشخصية لا المصالح الاقتصادية والسياسية، فقلّما تضيف إلى أرقام النمو ومؤشرات القدرة التنافسية”(6) وهو الأمر الذي أرجعه لطبيعة الواقع الحالية، وأن كل شيء لا يثبت نفعه المادي عبارة عن صفقة خاسرة، فالتعليم في النهاية هو “تعليم وظيفي لخدمة النظام السائد”(7).

لقد أكد لينين -مثلا- في أكثر من مناسبة أن الهدف الأساسي لديه من التعليم هو تحطيم البرجوازية، وأنه لا توجد مدرسة خارج السياسة، وأن ادعاء غير ذلك لا يعدو كونه كذبا ونفاقا(8)، وهو ما تناوله بيير بورديو من جانب آخر حين ناقش قضية العنف الرمزي، مُشيرا إلى أن السلطة تستعمل نوعا من العنف الخفي للسيطرة على الجماهير، هذا العنف الذي يعتمد على التعليم كأداة أساسية لصناعة ما تريد الطبقة الرأسمالية المهيمنة(9)، فالتاريخ يبرهن على أن الشعوب المتعلمة يمكن التلاعب بها وجعلها في خدمة الشر أحيانا بصورة أكفأ من الشعوب المتخلفة(10).

مشكلة أخرى تقف عائقا أمام عملية التعليم من وراء هذه المنهجية التقنية، وهي فكرة التنميط والخوف من مفارقة هذه الدائرة من قِبل الطلّاب، وهو ما أكّده الاقتصادي جون غالبيرث، حيث ألمح إلى أن الغرض الأساسي من المدرسة أصبح محصورا في تلبية احتياجات النظام الصناعي، والاهتمام المحض بالعلوم البحتة والتقنية بصورة أكبر من الفنون والعلوم الإنسانية التي برزت قلة أهميتها له، ثم يُكمل “فإن هذه النزعات ستضع بالتأكيد عائقا على التعليم، من شأنه أن يخدم أكثر ما يخدم احتياجات هذا النظام”(11).

تأسيسا على هذا، يختتم باومان تعليقه عن الأمر في كتابه قائلا إن المعلمين الأكاديمين وغيرهم قد يميلون إلى أن التعليم من أجل التعليم هو ما يحفظ كمال العملية ومثاليتها، وأن محاولة تسخيره لأغراض أخرى إنما يقلل من شأنه ومكانته، لكن على الجانب الآخر، ليس من المتوقع أن يتخذ طلابهم الموقف نفسه، لأنهم يرون التعليم كأداة للفوز بالوظيفة، فهم يصنعون تاريخهم في ظروف ليست من اختيارهم في حقيقة الأمر(12).

تعليم المقهورين: التعليم البنكي كأداة

كان لنشأة باولو فريري البائسة في البرازيل بعد فترة الكساد الكبير 1929م الفضل في اهتمامه الفكري بقضية التعليم، وهو ما دفعه لصياغة مصطلحه “تعليم المقهورين” لما لاحظه من أثر القهر على غياب الوعي وتعطيل الاستجابة مع الواقع بصورة فعالة، وأن النظام التعليمي كان مكرّسا لخدمة هذا القهر(13).

ويري أن أسلوب التدريس التقليدي ما هو إلا تعطيل للطاقة الكامنة لدى المتعلم، وأنه يستهدف تطويع الطلاب بدافع فكري مرسوم كي يتأقلموا مع عالم القهر. فالإدراك في عملية التعليم والتعلم هو المحور الحقيقي، وليست عملية النقل الميكانيكي للمعارف والمعلومات، وهو ما يسميه بالتعليم البنكي.

والتعليم البنكي -حسب فريري- هو عملية أحادية يكون فيها المعلم هو صاحب المعلومة الأوحد، فيودع عقل تلاميذه المعلومات بشكل تلقيني كما يودع الناس حساباتهم في البنوك حتى أجل مسمى، وهو أجل الامتحانات التي يتبخر بعدها كل شيء تقريبا من ذهن الطالب، فهو لم يتعلم وإنما تلقّى المعلومة كالوعاء، مما يقلص مهارته في الفهم والتحليل والنقد، ومن ثم قدرته على أي إبداع، فالأستاذ يعرف كل شيء هنا والطلبة لا يفكرون(14).

ثم يعبّر فريري عن هذا التعليم بكونه تعليما غير إنساني بامتياز، فهو يضع الإنسان تحت القهر مرة حين يعلّمه ما يريد بالأسلوب الذي يريد، ومرة أخرى حين يغرس في ذهنه أن التمرّد على هذه المنظومة لا يكون إلا باستبدال دور القاهر والمقهور، فمثلا قد يريد الطالب أن يكون معلما لا لأجل العلم نفسه ولكن لأجل أن يمارس القهر الذي مُورِس عليه(15)، الأمر الذي دفعه -أي فريري- إلى محاولة الثورة على هذا الطريقة باقتراح بديل.

المنهجية الحوارية وأنسنة التعليم

في عام 1818م طلب جوزيف جاكوطو -أستاذ الأدب الفرنسـي المساعد بجامعة لوفان (Louvain) بهولندا- من طلابه الهولنديين قراءة النصّ الفرنسـي في رواية “طليماك” المُترجمة باللغتين الفرنسية والهولندية، على أن يقوموا بتقديم ملخص مفهوم لما قرأوه، وهو الأمر الذي فاجأه حين خالف الطلاب توقعاته بأن أخرجوا له مُلخصات تعبّر عن حسن فهم للغة التي لم يكونوا يعلمون عنها شيئا، وباجتهادهم الشخصـي دون مساعدته، وهنا يُعلّق جاك رانسيير قائلا: أليست القدرة مقترنة بالإرادة؟(16)

ففي سياق متقارب، يؤكد باولو فريري على عدم حياد العملية التعليمية، فهي إما أن تكون قهرية -بالتوصيف البنكي المذكور- وإما أن تكون تحررية وتحريرية(17)، وهو ما يتوافق مع مغامرة الأستاذ جاكوطو حين يفتح المجال للطالب للمشاركة وقطع الطريق نحو المعرفة بدلا من انتظارها كالوعاء الذي يملؤه أستاذه.

وبالتلاقي مع قول رانسيير “تحرير الغير يستلزم بالضرورة أن يكون المرء متحررا”(18)، يضع فريري مجموعة من الأسس التي يمكن أن ينبني عليها التعليم التحاوري بصورة يتبادل فيها الطالب والأستاذ وظيفة المعلم والتلميذ.

فتلخيصا لمجمل أفكاره، فإنه يرى المنهجية التحاورية في التعليم تقوم بالأساس على حفظ إنسانية المعرفة، فيبدأ أساسه من عند العاطفة، حيث أن الودّ المتبادل بين الطالب ومعلمه، والعلم موضع التناول، هو المحور التأسيسـي الأول، متبوعا بالأمل المعنوي ضد الإحباطات المحيطة والقهر المسيطر على التعليم.

ثم ينطلق إلى أهمية تبادل الأدوار بين المعلم والتلميذ، فالأستاذ يطرح الإشكالية والطالب يبحث حولها، ثم يأتي الطالب بما اهتدى إليه ليتعلّم أستاذه طريقة ناجحة في التعليم أتت بثمارها مع المُتعلّمين، كما يوضّح ذلك رانسيير من خلال كتابه “المعلم الجاهل”.

وهو الأمر الذي يُعزز الثقة بين طرفي العملية: المعلم والطالب، وكذا يعزز ثقة كل منهما في نفسه بسبب قدرته على أداء دوره بشكل إبداعي خلّاق، مما ينمّي المقدرة النقدية عند الطالب، ويشجّع المُعلم على استثارة أفكاره واستفزاز وعيه بالأمور، وهو ما سيقود لعملية حرّة يجد فيها الإنسان نفسه قبل أن يجد المعرفة، ويخرج بها إلى الواقع القهريّ ليحرّره، وهو ما يطالب به فريري منذ وضع نظريته عن التعليم في الأساس(19).

خطوة إلى الوراء.. ما قبل التعليم

“لقد أمضى تولستوي حياته يفكر في الإنسان ومصيره، بينما كان غاليليو -نبي الحضارة الغربية- قد استولت عليه طوال حياته مشكلة الجسم الساقط”.

(بيغوفيتش)(20).

في خطوات هادئة، يمضـي بيغوفيتش في “الإسلام بين الشـرق والغرب” نحو فلسفة المعرفة والحكمة كونها الشـيء الذي يسيطر على وجود الإنسان، ومحلّلا جوانبها على جانبي التعليم والتأمّل، فهما -حسب قوله- نوعان من الطاقة يستهدفان اتجاهين مختلفين، فلو كان الإنسان يصل للطبيعة عن طريق العلم، فإنه يصل إلى نفسه عن طريق التأمّل، ولو كان العلم يجيب عن الأسئلة التي تتعلق بكيفية إدارة المجتمعات والحكومات، فإن التأمل يجيب عن التساؤلات التي يضع بها الإنسان تفسيراته لنفسه وعالمه(21).

التأمّل هو الفن والفلسفة والشعر، والعلم هو البحث والاختبار والمقارنة، فالفرق بين العقل والتأمل عند أرسطو -مثلا- هو الفرق بين الإنساني والإلهي، أي الفرق بين ما يستعمله الإنسان للسيطرة على الطبيعة، وبين ما يستعمله لمعرفة الحكمة الإلهية. لذا كان التأمل أسبق من التعلم في عملية المعرفة وتشكيل الحضارة القائمة على الإنسانية قبل الثروات، فتاريخ الإمبريالية الدموي يشهد بأن المستوى التعليمي الراقي للغزاة لم يلغِ أهدافهم الإمبريالية أو حتى يجعلها أقل دموية، ولكنه ساعد فقط على كفائتهم في فرض الهزيمة على ضحاياهم(22)، أو لإنجاح مخططاتهم السياسية الخالية من القيمة الإنسانية كما سبق وأشار باومان.

“فالتعليم وحده لا يرقى بالناس ولا يجعلهم أفضل مما هم عليه أو أكثر حرية وإنسانية، إن العلم يجعل الناس أكثر قدرة، أكثر كفاءة، أكثر نفعا للمجتمع”(23)، لكن أن يرتقي الإنسان عن استغلال الرأسمالية والمادة وسيطرتهما القهرية على روحه، باحثا عنها، ومتحررا مما يقيده، فهذا شأن آخر، وهذا ما ينال به الإنسان الحكمة التي يبحث عنها كل أحد.

المصدر : الجزيرة

—————————

تعليم المقهورين!/ سليمان الطعاني

العنوان أعلاه هو نفسه عنوان كتاب للفيلسوف البرازيلي باولو فريري “تعليم المقهورين” صدر عام 1968، وترجم إلى الإنجليزية عام 1970، وترجم مؤخرًا إلى العربية تحت عنوان “نظريات في تربية المعذبين في الأرض” وكان الكتاب سببًا في سجن الكاتب ثم نفيه من موطنه البرازيل، ولكنه كان أيضًا سببًا في ظهور حركة “التعليم النقدي” وانتشارها في أرجاء المعمورة. وضع الكاتب في كتابه قضية التربية والتعليم في العالم الثالث على طاولة النقاش العالمي، حين نادى بالأخذ بالتعليم النقدي (الإشكالي) بدلاً عن ذلك التعليم الذي يزيد في تبعية الشعوب، والذي أسماه التعليم البنكيBanking System ، معتبرا أن القهر أو السيطرة هو السمة الرئيسة للعصر الذي نعيشه، القهر المتمثل في حزمة المعايير والإجراءات والقواعد والقوانين التي تشكل الناس وتكيف طبيعتهم في المقام الأول، ثم تضغط بعد ذلك على عقولهم حتى يعتقدوا أن الفقر والظلم الاجتماعي حقيقتان طبيعيتان ولا يمكن تجنبهما في الوجود الإنساني ولا يتم ذلك إلا حينما يكون النفوذ والسلطة لدى قلة من الناس، والخرافة والوهم في عقول الكل وبنظام تربوي انتقائي غير مستقر ومدارس أداة للمحافظة على بقاء واستمرار الأمر الواقع، وبدرجة عالية من الأمية والأمراض.

يشرح باولو أزمة التعليم في مجتمعاتنا في أنها تعتمد على أسلوب التعليم التلقيني، القائم على وجود طرف مرسل، وطرف آخر يقوم بدور المتلقي والمستمع، تنتهي بملء عقول التلاميذ بكلام ومعلومات أفرغت من محتواها، ولا تثير، أو تستثير عقول هؤلاء التلاميذ المتلقين، حيث يقتصر دور الطلاب في هذه العملية على الحفظ والتذكر، وإعادة قراءة ما استمعوا اليه، دون أن يتعمقوا في مضمونه، ليتحول الطلاب في هذه العملية إلى مجرد بنوك تودع فيها المعلومات والبيانات.

هذا ما أسماه المفهوم البنكي للتعليم، الذي تَحدَّدَ فيه دور الطالب كمستقبل للمعلومات فقط، يملأ بها رأسه ويخزنها دون وعي، مبيناً أن أهم ما يميز هذا النوع من التعليم هو لهجته المتعالية، وعدم قدرته على إحداث التغيير، فالطلاب ينحصر دورهم في الحفظ والتذكر، وإعادة الجمل التي سمعوها دون أن يتعمقوا في مضمونها. وليس من هدف لهذا التعليم التلقيني سوى تعويد الطلاب على التذكر الميكانيكي لمحتوى الدرس، وتحويلهم إلى آنية فارغة يصب فيها المعلم كلماته الجوفاء.

وإذا ما ظل المعلم قادرا على القيام بهذه المهمة، كان ذلك دليلا على كفاءته، وإذا ما ظلت الأواني قادرة على الامتلاء، كان ذلك دليلا عل امتياز الطلاب. وهكذا يصبح التعليم ضربا من الايداعdeposit ، يتحول الطلاب فيه إلى بنوك، يقوم الأساتذة فيها بدور المودعين، حيث لم يعد الأستاذ وسيلة من وسائل المعرفة والاتصال، بل أصبح مصدر بيانات، ومودع معلومات، ينتظره

الطلاب في صبر، ليستذكروا ما يقوله، ثم يعيدوه. ذلك هو المفهوم البنكي للتعليم الذي تحدد فيه دور الطالب، كمستقبل للمعلومات، يملأ بها رأسه ويخزنها دون وعي.

اسلوب تعليمي متعال سلطوي يعيق فرص الابداع والتطوير عند الإنسان، ويحرم عقله من ممارسة حق السؤال والتساؤل، لأن كسب المعرفة والتطور عند الانسان إنما ينبثق من الابداع الذي هو وليد القلق المستمر، من خلال الإجابة على التساؤلات التي تفرضها حقائق الحياة، والواقع الراهن الذي يعيش فيه، بينما مهمة التعليم البنكي تتركز في تقليل القدرة الإبداعية عند الطلاب، أو الغائها تماما، والقاهرون يتصرفون ويعملون ضد أي محاولة في التعليم تستهدف تنمية الملكة النقدية عند الطالب. إن مهمة التعليم البنكي، كما يكشف باولو، تتركز في الغاء القدرة الإبداعية عند الطالب، من أجل خدمة أغراض القاهرين، الذين لا يرغبون في أن يصبح العالم مكشوفا لهؤلاء، أو يصبح موضوعا للتغيير، فالقاهرون يتصرفون بغرائزهم ضد أي محاولة في التعليم تستهدف تنمية الملكة النقدية، فكلما تحول الطلاب في إطار التعليم البنكي إلى مجرد مخازن للمعلومات، كلما قل وعيهم بالعالم المناط بهم تغييره، فقبولهم لهذا الدور السلبي المفروض عليهم، يعني بالضرورة تأقلمهم المستمر مع الواقع المفروض عليهم، والمعرفة المباشرة التي أريد لها أن تملأ عقولهم.

لذلك يشجع القاهرون مفهوم التعليم البنكي، ويفرضون سيطرة أبوية على النظام الاجتماعي الذي يتلقى فيه المقهور تعليمه، فالناس في نظرهم مجرد أشياء، أو كائنات متأقلمة، وسهلة القياد، حيث يريدون للإنسان أن يتأقلم مع ظروف القهر، وبالتالي السيطرة عليه واستغلال….

وخلاصة القول مَنْ هم القاهرون، ومَنْ المقهورين؟ التعليم الصحيح هو ذلك الذي يعمد إلى حل وإزالة التناقض بين الأستاذ كسيّد، وتلميذه كعبد، إلى صيغة ومعادلة مختلفة، يصبح فيها الطرفان أساتذة وطلابا في ذات الوقت، بعيداً عن أسلوب التعالي والتكبر والعلو.

—————————

كتاب “بيداغوجيا المقهورين” لباولو فريري أداة تحررية لكل المقهورين و للذين يناضلون إلى جانبهم

“استخدام لغة تقنية جدا٬ يعني أنه تقرر النظر إلى الجماهير باحتقار.

هذه اللغة تخفي رغبة المتحدثين في خداع الناس وإقصائهم.

عملية التضليل هاته تخفي ورائها عمليات أوسع من النهب

والسلب تطمح إلى تجريد الشعب من ممتلكاته ومن سيادته

يمكننا تفسير كل شيء للشعب بشرط أن نريد ذلك فعلا

لكن إذا اعتقدنا أننا لسنا بحاجة إليه، أنه سيعيق مسيرة المشاريع

والمخططات التي تهدف إلى تفقيره وجعله أكثر بؤسا

فالمسألة٬ آنذاك٬محسومة”

فرانز فانون “المعذبون في الأرض

توطئة :

خلال عطلة الصيف الماضية٫ وأنا أشارك في ورشة عمل تناقش السبل الأنجع لتعليم طالبات وطلاب جامعيين منخرطين في برامج للتكوين التجريبي [2]experiential learning خاطبني مدير أحد هذه البرامج قائلا ” انك متأثر جدا بباولو فريري٫ يظهر ذلك جليا من خلال مداخلاتك في الورشة ” فأجبته ببعض من الإحراج “من يكون باولو فريري ؟ أنا لا أعرفه٬ إن الأفكار التي كنت أدافع عنها هي نتيجة تجربتي الخاصة في الحياة من خلال نظرة نقدية لتجربتي التعليمية في المدرسة والجامعة ثم تجربتي المهنية بالإضافة إلى تجربتي النضالية من خلال انخراطي في جمعية آطاك المغرب التي تتخذ مهمة تثقيف شعبي متجه نحو الفعل كشعار منذ تأسيسها”. فابتسم المدير وقال “أنصحك إذا أن تقرأ٬وبسرعة٬ كتابه٬ بيداغوجيا المقهورين”.

بالإضافة إلى المتعة التي أحسستها وأنا اقرأ باولو فيري٬ أحسست بمسؤولية تقديم هذا الكتاب لرفيقاتي ورفاقي داخل جمعيتي التي تعلمت فيها وبفضلها الحس النقدي وكذلك  لباقي المناضلين و المناضلات المصطفين إلى جانب المقهورين في بلادنا.

صدر كتاب “بيداغوجيا المقهورين أو أصول تعلم المقهورين[3]” (بالبرتغالية :  Pedagogia do Oprimido و بالانجليزية :The pedagogy of the opressed) في عام 1968 من توقيع الكاتب البرازيلي باولو ريجلوس نيفيس فريري بالبرتغالية :Paulo ReglusNevesFreire)). و قاد باولو فيريري المنحدر من عائلة فقيرة بمدينة ريسف البرازيلية تجارب تربوية مبدعة و ثورية ومارس ذلك في كل من البرازيل و الشيلي بعد سجنه ونفيه من طرف الديكتاتورية العسكرية. كانت أول تجربة له في مدينة ريسيف نفسها بالبرازيل سنة 1962حيث تمكن بفضل تطبيق نظريته التعليمية من تعليم القراءة والكتابة ل300 عامل في مزارع قصب السكر في حوالي 45 يوم. وقد كان يشغل آنذاك منصب مدير للملحق الثقافي بجامعة ريسيف البرازيلية.

و رغم أنه غالبا ما يتم حصر نظرية فريري و كتابه (بيداغوجيا المقهورين) في إبداع نمط جديد ومبدع في أصول التدريس و التعليم وخاصة تعليم الكبار أو محاربة الأمية  فان كونية الكتاب و المنهجية التي يطرحها باولو تجعله أداة متميزة في يد المقهورين وكل من يناضلون إلى جانبهم.

كما أن الكتاب بالاعتماد على تحليل نقدي لطرق التعليم التخزيني أو البنكي الحالية والتي تعيد إنتاج ظروف و شروط القهر التي تطبع المجتمع ككل، يقترح طرق تثقيف وتوعية جماعية كجزء من العملية التحررية للمجتمع ككل.

تحذير هام : إذا كنت من من يعتبرون أنفسهم يمتلكون المعرفة التي لا تستطيع العامة الوصول إليها و تعتبر أن الأغلبية ساذجة وبليدة ولا ترقى لمستوى فهم إشكالات وتعقيدات العالم من حولها فهذا الكتاب لا يعنيك ولن يفيدك في شيء ولا أنصحك بقراءته, بالمقابل يتوجه هذا الكتاب لكل من يؤمن بأن تحرر المقهورين سيكون من صنع (واع) للمقهورين أنفسهم.يشكل هذا الكتاب في اعتقادي أداة فعالة وعملية من أجل عمل توعوي تحرري مع المقهورين من أجل تحررهم وبالتالي تحرر المجتمع من عالم البؤس المعمم الذي تفرضه الأقليات الحاكمة.

الكتاب باعتباره تتويجا لحياة باولو فييري

يطرح باولو فريري منذ المقدمة بشكل واضح الهدف المحوري لكتابه على شكل سؤال كالتالي:

كيف يمكن للمضطهدين المنقسمين والمستلَبِين والمنومين نظرا لسيطرة ثقافة المضطهدين أن يطوروا بيداغوجية أو طرق تثقيف وتوعية خاصة بهم تمكن من تحررهم ؟

الكتاب يلخص المسيرة النضالية و المهنية لباولو فريري الذين سخرها في سبيل مساعدة المحرومين من آجل إسماع صوتهم وهو ما جعل الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل بعد انقلاب 1964 تعتبر أعماله تهديدا للأمن الداخلي حيث قامت باعتقاله ثم نفيه كما منعت كتابه هذا.و قد كتب باولو فيريري كتابه الأول خلال فترة وجوده في السجن تحت عنوان : التعليم كممارسة تحررية Educacaocomo a Pratica da Liberdade.

وواصل العمل مع الفقراء بينما كان يعيش في منفاه بشيلي، وفي وقت لاحق كأستاذ في مركز هارفارد للدراسات في التعليم والتنمية.

في عام 1970، نشر أول أعماله باللغة الإنجليزية، والتي حددت أساس نظريته، بيداغوجية المقهورين: قدر الإنسان الأنطولوجي[4] أن يكون فاعلا في العالم  من حوله وأن  يعمل على تحويله، وهو بذلك يرتقي لإمكانيات جديدة نحو حياة أكمل وأكثر ثراء على  المستوى الفردي والجماعي.

في عام 1979، دُعي فرييري للعودة إلى البرازيل، حيث التحق بجامعة ساو باولو. وفي عام 1988، أصبح وزيرا للتعليم في ساو باولو.

وقد ألهم عمل فريري العديد من المناضلين والمهتمين في جميع أنحاء العالم وترجمت كتبه خاصة كتاب بيداغوجيا المقهورين إلى العديد من اللغات.

في نقد طرق التعليم البنكي التخزيني لمجتمع القهر الحالي

تسعى طرق التعليم البنكي التخزيني المعتمدة في معظم مدارس وجامعات العالم اليوم إلى الحفاظ على التناقضات بل وخلق الشروط لإعادة إنتاجها. فمعظمها لا يشرك الطلاب في التفكير النقدي، بل تطلب من الطلاب أن يكونوا سلبيين وأن يكتفوا بتلقي وتخزين ما يتلقونه. طرق تحول دون الإبداع، وتقاوم الحوار وتشجع القدرية والاستسلام للأمر الواقع.

في توصيف طرق التعليم البنكي ـ التخزيني يقترح باولو السمات التالية:

    المعلم يدَرِس والطلاب يدْرُسون؛

    المعلم يعرف كل شيء والطلاب لا يعرفون شيئا؛

    المعلم يتكلم والطلاب يستمعون بخنوع؛

    المعلم يختار وينفذ اختياراته، والطلاب يمتثلون؛

    المعلم هو الفاعل في عملية التعلم، في حين أن التلاميذ هم مجرد مفعول بهم

    المعلم يفكر والطلاب يفكر لهم؛

    المعلم يختار محتوى البرنامج، والطلاب (الذين لم يتم استشارتهم) عليهم التكيف معه؛

    المعلم يفعل والطلاب لديهم وهم الفعل من خلال فعل المعلم.

    يخلط المعلم سلطة المعرفة بسلطته المهنية مما يعيق حرية الطلبة؛

من خلال هذه السمات تعيد طرق التعليم المعتمدة إنتاج علاقات القهر والاستغلال التي تطبع مجتمعاتنا اليوم حيث تبقي معظم الجمل السابقة صحيحة إذا عوضنا طرفي القهر المعلم /الطالب بالمستعمِر/المستعمَر مثلا أو الرجل/المرأة أو رب العمل/الأجير٬ الجنس الأبيض/الأجناس الملونة إلخ

في طرق التعليم البنكي السائدة تقاس كفاءة الأستاذ بقدرته على ملأ عقول التلاميذ بأكبر قدر من المعلومات في حين تقاس كفاءة التلميذ في قدرته على تخزين أكبر قدر منها، ومن مميزات المضطهَد/المستعمَر عند باولو فيريري في مجتمع القهر الحالي تقليده لمضطهِده وتحقيره لنفسه  selfdepreciation الناتج عن استبطانه لتحقير المضطهِدين وثقافتهم السائدة له. هذه الثقافة السائدة التي تشوه صورته وتنعته بكل المواصفات الحاطة بكرامته :المكلخ- ما واعينش- جاهلين- ما كايفهمش-  أوباش- بوزبال… كما أن المضطهَد غالبا ما يفجر غضبه من العنف اليومي الذي يتعرض له في زوجته،وأطفاله ورفاقه.

في مقاربة باولو فيريري التعليمية

يقترح باولو مقاربة بديلة لطرق التلقين التخزيني والفوقي المعتمدة عبر اقتراح بيداغوجية المضطهد المرتكزة أساسا على طرح الإشكالية ProblemPosing Education.

تنطلق مقاربة باولو بمسلمة قد تبدو بديهية لكنها عميقة وأساسية مفادها أن كل إنسان، مهما كان “جاهلا” أو غارقا في ثقافة الصمت، فهو قادر على النظر بشكل نقدي إلى العالم من حوله في تبادل حواري مع الآخرين.

تعمل هذه الطريقة على إسقاط كل الحواجز القهرية بين المعلم ـ الملقن والمتلقي ليصبح الأستاذ أستاذا متعلما و التلميذ تلميذا ملقنا يشارك فعليا في عملية التثقيف الجماعية من خلال تجربته الميدانية منظوره و تمثلاته لما يحيط به.

تعتبر مقاربة “طرح الإشكالية” عملية التثقيف ممارسة تحررية للتلميذ ـ الملقن و كذلك للأستاذ ـ المتعلم. هي إذا عملية تثقيف شعبي منطلقة من الواقع الملموس للمضطهدين مبنية معهم  ومتجهة نحو فعلهم والفعل معهم.

ترتكز هذه المقاربة على الحوار و الإنصات للمقهورين بتواضع وثقة كاملة في قدرتهم على التحليل، والفهم و الإبداع بطرقهم دون أحكام مطلقة وبلغتهم و تمثلاتهم  (الدينية والعقائدية ) والتي قد لا تتماشى وانتظاراتنا.

احترام ذكاء المقهور يسمح ببناء ثقة متبادلة تؤسس لتلاحم بين المناضل وباقي المقهورين. يقول باولو”يتحدثون عن الشعب لكنهم لا يثقون به. لكن الثقة بالشعب هي أحد الشروط الأساسية لأي تغيير ثوري. الإنساني الحقيقي يمكن تمييزه أكثر من خلال تقثه في الشعب، مما يجعله ينخرط في نضالاتهم، وبدلا من العديد من المبادرات في اتجاههم دون الثقة بهم”.

يقارن باولو فريري تثقيف المقهورين بعملية توليد midewifery عسيرة دامية وقد تكون قاتلة تعمل على إخراج التثقيف من رحم المضطهدين رغم مجهودات و كفاءة المولدة فلا يمكنها النجاح بدون إرادة ورغبة المعنية بالأمر ورغم أهمية تواجدها ومجهوداتها لا يمكن أبدا الادعاء أن المولود مولودها.

عبر هذه المقاربة تتوقف البيداغوجا عن الانتماء إلى المضطهِدين وتصبح ملكا لجميع الناس في عملية تحرر دائمة.

يقول باولو فيرري “إن مقاربة “طرح الإشكالية” التعليمية لا تخدم مصالح المضطهِد ولا يمكن أن تخدمها، ولا يمكن لأي نظام قمعي أن يسمح للمضطهَدين بالبدء في التساؤل: لماذا؟”

الممارسة الواعية للمقهورين كمعنى لحياتهم Paxis as new raison d’être for the oppressed و أداة لتحررهم

يشرح باولو فيريري أهمية قطبي الممارسة الواعية : الفعل و التأمل Action&Reflectionو أن “الوعي لا يسبق الواقع ولا يليه ولكن هو جزء منه“. الفعل بدون تفكير يصبح نشاطويةActivism والتفكير بدون فعل يصبح لفظية Verbalism.

يؤكد باولو هنا على أهمية النظرية في أية عملية تغيير ويذكر بالقولة الشهيرة للينين : “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية”. يقول باولو : لا تغيير حقيقي بدون فعل ذاتي للمضطهَدين ينبع من فهمهم واستيعابهم ومن تم تفاعلهم مع واقعهم الملموس”.

بالنسبة لباولو فيريري يجب أن ينطلق برنامج التثقيف الشعبي من الواقع الملموس واهتمامات وانشغالات وتطلعات المقهورين وليس من خطاب يجمع أهداف وأراء وتطلعات النخبة التي يتم استعراضها بشكل جامد وجاف. ينصح باولو فريري باعتماد طريقة الاستقصاء Investigation  من أجل تحديد ما هية المواضيع التي تستأثر باهتمام المقهورين.

هذه العملية لا يمكن أن تتم إلا مع الناس و بينهم. يقول باولو فريري ” لا يمكنني أن أفكر للآخرين أو بدونهم٬ كما لا يمكن للآخرين التفكير لي. حتى و إن كان تفكيرهم خرافي أو ساذج إلا أنه وفقط من خلال ممارستهم الواعية وإعادة النظر في مسلماتهم يمكن أن يتغيروا. الإنتاج والفعل على أساس أفكارهم وليس استهلاك أفكار الآخرين”.كما أن العملية الحوارية هي جزء من العملية التحررية، وخطوة أولى في أفق بناء عالم بديل. هذه العملية الحوارية المبنية على التواضع والاحترام المتبادل تكسب المناضل أو المعلم ثقة المقهورين تبنى على التفكير النقدي و تنتج تفكيرا و فعلا نقديا كذلك.

بخلاف طرق التعليم التخزيني التي تعمل من داخل الحدود التي تحددها الثقافة السائدة و البنايات المسيطرة من أجل المحافظة عليها وترى كل خروج عن تلك الحدود مخاطرة نحو المجهول تسعى بيداغوجية المقهورين إلى تغيير هذه البنيات و ترى في تخطي الحدود و التفكير من خارج الصندوقout of the box ،انفتاحا على إمكانيات أكثر إشراقا وأكثر إنسانية لم يتم تجريبها حتى الآن.

يعطي باولو فيريري في الفصل الثالث مثالا لذلك حول التخلف الاقتصادي لدول العالم الثالث، يقول : “التخلف،  الذي لا يمكن فهمه من خارج علاقات التبعية، يشكل وضعية محدودية limit-situation تميز دول العالم الثالث. هذه الوضعية تستدعي تجاوز التناقض الذي يتجلى في علاقة تبعية هذه الدول لدول المتروبول. هذه المهمة تشكل الإمكانية التي لم يتم تجريبها بعد من طرف دول العالم الثالث“.

في الفصل الرابع ،الأخير، يستعرض باولو فيريري المميزات المتناقضة لكل من التعليم اللاحواري البنكي بما هو أداة للقهر والتعليم الحواري بما هو أداة للتحرر. كما يؤكد أن هذا التناقض أو الاختلاف لا ينحصر في الأهداف و لكن كذلك في الطرق والوسائل المعتمدة لتحقيق تلك الأهداف فإذا كانت وسائل الأول تعتمد على مبادئ : الغز و الاستعمار الثقافي٬ فرٍق تسد٬ التلاعب والمناورة؛ في حين يعتمد الثاني على مبادئ : التعاون والوحدة والتنظيم والتوليف الثقافي.كما يؤكد باولو فريري على ضرورة المشاركة الواعية للمقهورين في عملية التغيير مع وعي متزايد بأهمية دورهم كفاعلين. إن أي غموض في هذا الأمر  الذي قد يكون ناتجا عن ترسبات مجتمع القهر، قد يشكل فضاء خصبا لتكون كل أنواع البيروقراطياتوالحلقيات التي قد تنسف عملية التغيير برمتها. لتصبح عملية التغيير الثوري وسيلة للهيمنة بدلا من تكون طريقا نحو التحرر.

كما يحذر باولو فيري من التقليد الأعمى لطريقته و يدعو إلى تكييفها والشروط التاريخية والثقافية لكل منطقة و يقول : “… يجب على المعلم التقدمي أن ينتقل دائما إلى نفسه، وأن يعيد ابتكاري باستمرار، وأن يعيد إبداع  معنى أن تكون ديمقراطيا في سياقه الثقافي والتاريخي المحدد”.

خاتمة

رغم محاولات تقزيم عمل باولو فريري و اختزالها في تقنيات لتعليم الكبار و محاربة الأمية، استطاعت أفكاره التحررية أن تلهم العديد من المناضلين والمفكرين عبر العالم وانتشرت بسرعة  في العديد من بقاع العالم. السر في ذلك في اعتقادي هو صدقها وارتباطها بتجربة ملموسة بينت نجاعتها على أرض الواقع ثم اهتمامها بتقديم آليات وطرق عملية لتحقيق تثقيف شعبي ينطلق من واقع المقهورين الملموس ومن انشغالاتهم و تمثلاتهم كما هي من أجل حفز ممارسة واعية متجهة نحو الفعل النقدي المستمر في أفق تحررهم.

و كما يؤكد باولو فيريري، لا يوجد  تعليم محايد فهو إما للقهر أو للتحرير يبقي إذا على المنخرطين والمنخرطات في المنظومات التعليمية بشكل عام ، والمناضلات والمناضلين المنخرطين في عمليات التثقيف الشعبي المباشر بجانب المقهورين أن يختاروا ويخترن بشكل واع طريقهم (هن) ويتحملوا (ن) بعد بذلك تبعات و نتائج اختيارهم/ن.

م.جواد

عضو أطاك المغرب حركة

تثقيف شعبي متجهة نحو الفعل

البيضاء ـ أكتوبر 2017

[1]يمكن تحميل ترجمة إلى اللغة العربية لهذا الكتاب على الرابط التالي :http://www.bookleaks.com/files/fhrst4/564.pdf

[2]التعلم التجريبي هي نظرية تعليمة ترتكز على التجربة والاستكشاف والمشاركة الفاعلة للمتعلم. من رواد هذا المفهوم دافيد كولب وكتابه  الذي يحمل نفس الاسم “التعلم التجريبي” الصادر عام 1984

[3]أفضل هذه الترجمة لعنوان الكتاب” The pedagogy of the opressed ” لأنها تعبر أكثر على مضمون الكتاب بما هو تعلم مع المقهورين بمشاركتهم الفعلية في العملية التثقيفية. في حين أن الترجمة المعتمدة للعنوان في النسخة العربية للكتاب “تعليم المقهورين” قد تعطي الانطباع أن المقهورين هم مجرد متلقين وهم موضوع Objet العملية التعليمية.

[4] الأنطولوجيا: علم الوجود وعلم تجريد الوجود،هو أحد الأفرع الأكثر أصالة وأهمية في الميتافيزيقيا

—————————-

قراءة في كتاب تعليم المقهورين ل«باولو فرايري»

كتاب يقرأ واقعنا، تراءت لي الكثير من الصورفي كل فقرة من فقراته.

أحياننا تكون الحقيقية أن لا نقول الحقيقة ، وأن ندور في فلكها منصبين قاتلها في وجهة المسار.

نغمض عيوننا بقلوب نازفة.

في البداية استوقفتني عبارة ” الصفوة المتسلطة”، الصفوة معناها باللغة: أحسنه وخياره، فكيف يكون المتسلطون صفوة؟ وهم ليسوا سوى مارقين قتلوا أحلام المقهورين جيل خلف جيل، هم صفوف لأننا تعلمنا غض البصر لنعيش.

من تلك الصور: تدمير الطاقة الأبداعية التي توجد بالحياة

لاحظت خلال عملي في مجال التربية والتعليم، أن الكثيرين لديهم نزعة لقتل الأبداع، رغم إجتهاد الوزارة بتنمية الإبداع، من خلال الفعاليات والأنشطة، يعزي الكاتب ” باولو فرايري ” ذلك الى السادية التي تجرد الإنسان من انسانيته، وتحوله الى مجرد شيء للسيطرة الكاملة عليه، وهي من أهم مقومات الشخصية القاهرة.

لن يثور المقهورين ما داموا يحسون القهو ثم يبررونه بالصورة التي جسدوها في داخل أنفسهم لحقيقة قهورهم.

من أجل ذلك أول خطوات تعليم المقهورين رؤية جديدة لعالم القهر، ثم نزع الأوهام التي خلفتها هذه المرحلة، فما هي تلك الأوهام؟

أول تلك الأوهام شعورهم بأن تحلي الإنسان بروح الحب والحوار والتواضع والرحمة والأمل مواقف رجعية .

ثانيها الخوف من الحرية ، هذا الخوف المتأصل الذي يعكس ضعف الثقة بالذات، وقصور الإمكانيات التي تدفعه للمطالبة بحقه، إزدواجية انغرست في الضمائر، يريدون الحرية ويخشونها.

من الصور التي نلمسها بمجتمعنا، على هذا الخوف الإنتخابات المفروض أنها تعطي الحرية والنزاهة للتغيير ، لكن نجد الناخب ( المقهور ) يختار قاهرة من جديد.

هم أسرى لأشباح قاهريهم السابقين، وخوفهم من الحرية هو الذي يجعل المقهورين راغبين في انتحال أدوار المقاهرين.

الحرية تقتضي أن ينزع المقهور صورة القاهر من قلبه وتحل محله ذاته الخاصة .

سر ذلك التوافق مع قاهريهم ، أن بعض المقهورين خلال مرحلة النضال، بدلاً من أن يناضلوا من أجل تحقيق حريتهم فانهم يجنحون الى ممارسة دور القاهرين واشباههم وهذا المظهر في واقعه انعكاس للواقع المتنافض الذي ظلوا يعيشون فيه.فقد حلم هؤلاء بأن يصبحوا رجالاً، ولكن صورة الرجل ظلت في مخيلتهم هي صورة القاهر، لأن هذا هو المعنى المتجسد لمفهوم الأنسانية في مخيلتهم، لا يحسونهم خارج أنفسهم، تأقلموا مع ظروف القهر.

والصور موجودة في مؤسساتنا ونتعامل معها بشكل يومي ونقبلها ونصفق لها.

وهناك تصور آخر كاذب عندما يهدد التغير في الحقيقة الموضوعية مصالح الفرد، أو مصالح المجتمع.

صورة اخرى نجد فئة من البسطاء بوطننا تقول: إن الحضارة أتت إلينا من اليهود، وأن الإحتلال سبب للتطور والتقدم في شتى المجالات الصناعية والزراعية والإقتصادية .

السبب ان النضال كان بالشعارات فكان آداة سيطرة جرد المقهورين من انسانيتهم وتحولهم لمجرد شيء، هو مجرد عبد أو ثور في محراث أحسن إطعامه، يناضل من أجل توفير مزيد من الطعام، ويخاف أن يقفل باب رزقه.

فكيف يطلب الحرية خائف من الصفوة المتسلطة!

ويزعجه تمييز نفسه كطبقة مقهورة….

يقول ماجو بتروفيك : ( إن العمل الحر هو ذاك الذي يستطيع به الأنسان أن يغير العالم ونفسه في ذات الوقت، ومن أخص مستلزمات الحرية أن يدرك الأنسان القيود التي تحد قدراته كما عليه أن يدرك طاقة الأبداع الإنساني ذلك أن النضال من أجل المجتمع الحر لا يمكن له أن يتحقق ما لم يوفر الانسان لنفسه أعلى درجات الحرية).

وما دام القاهر يقدمون للمقهورين عالما من الخداع يزيد من سلبيتهم واغترابهم ويتبعون في تحقيق هذه الغاية أساليب كثيرة من أجل أن يجعلوا العالم يبدو في نظر المقهورين وكأنه كتلة جامدة واجبهم الاساسي هو التأقلم معها مثال على ذلك من واقعنا:(( الدوام اليومي))

ويقدم لهم الخرافات زعم القاهرين أن مجتمعهم يحترم حقوق الانسان مثال:((التعليم حق للجميع وقانون العمل ))،

والمساواة.. مثال: (( الكوته النسائية))

وايضا اضفاء صفة البطولة على الآخرين الدفاع عن الحضارة ، المتخصصون الذين يركزون فكرهم في قضايا جانبية وجزئية يحجبون بها الناس عن رؤية الواقع …مثال:(( ثقافة السلام))

واظهارهم وان التمرد هو عصيان لأوامر الله ….

وتقديم برنامج تدريب القادة، يظهرون قدرات خاصة تميزهم ثم ينتهي تدربيبهم ويعودوا الى مجتمعهم بامكانيات لم يكونوا يمتلكونها من قبل فأما أن يمارسوا القهر أو يعيشوا كالغرباء في مجتمعهم.

…… إذن هو يتأقلم مع حاله القهر وينسجم معها.

ماذا لو تمرد بشكل فردي … يخاف أن يقع فريسة للاستغلال والسيطرة والممارسات الاانسانية.

إذن هم بحاجة للوحدة وللتنظيم ليتجازوا ضعفهم وانماء قوة التعبير التي يستطيعون بها اعادة ابداع العالم بجعله صالحا لبيئة الانسان.

هنا تظهر سياسة فرق تسد .. كهدف رئيسي لنظرية العمل الغير حواري يحاول بها المسيطرون أن يظهروا أنفسهم وكأنهم مخلصون للرجال الذين يعانون من قهرهم.

يعاني القاهر من صراع الاحساس بالذنب, يظهر على شكل كرم زائف ، يحاول أن يجد السلام لنفسه يجتهد ألا يرى المقهورين استرتيجية قهرهم لذلك يقنعونهم أنهم حماتهم ضد الأعمال الشيطانية وضد المتطرفين .

والاستغلال بعداً آخر من سياسة فرق تسد وسيلة من وسائل الغزو، بقدر ما تكون الناس غير ناضجة في خبراتها السياسية بقدر ما تسهل عملية استغلالها. من الأمثلة من واقعنا ( المطالبة بأن تساند بعض التنظيمات القوى العاملة).

الغزو الثقافي

تقوم نظرية الغزو الثقافي على أن ينظر المغزوون الى واقعهم من خلال نظرة الغزاة لهم وبقدر ما يقلدون هؤلاء الغزاة بقدر ما يتأمن وضع الغزاة ومن أجل أن يتحقق هدف الغزو فلا بد أن بقنع المغزوون أولا بدونيتهم اعترافا بعلوية الغزاة, مثال ذلك( لا يستطيع المقهور أن يشهر بالغزو، ويخاف من أن يضع مكانه في مجال تهديد)

الوحدة أصل التحرير وحدة القادة الثوريين لا تكتمل الا بوحدة الجماهير

الوحدة عمل ثقافي يتأتى للمقهورين بموجبه ان يعرفوا كيف.؟ ولماذا؟ مما يجعل العمل من أجل الجماهير ليس مجرد شعار بل هو عمل من أجل انبثاق الشخصية الكاملة للفرد والمجموع

إنه انطلاق من أجل تغيير الوضع الغير عادل الذي يمارسونه.

من الآخذ على الكتاب لا يطرح حل بلا قائد يحتشد حولة المقهوريين.

إسراء عبوشي / فلسطين

——————————-

تعليم المقهورين-كتاب للمعلم والفيلسوف باولو فريري

وهو احد سلسلة باولو فريري في تعليم الكبار والمجتمع ، وتربية تربية صالحة غير متأثر بالحداثة والمادة،والمجتمع لايحتاج الي خطب رنانة من الساسة ، بل لمجهود شاق وتعليم جيد بعيدا عن التعليم البنكي

وكذلك فان من يتصدى لامر تحرير الجماهير ولا يستطيع أن يتفاعل معهم متهما اياهم بالجهل هو في الحقيقة مخادع لنفسه

اذا ظل المتحول من طبقة القاهرين الى طبقة المقهورين متوجسا من كل خطوة يخطوها المقهورون أو اقتراح يقدمونه فهو في الحقيقة مخلص لسلوك طبقته القديمة أكثرمن اخلاصه للطبقة المقهورة ذلك أن التحول الى الجماهير يقتضى

مخاضا جديدا والذين يولدون في هذا المخاض لا بد أن يسلكوا سلوكا مغايرا لأنه من غير المعقولع أن يظلوا محتفظين بقيمهم القديمة ،

وعندما نحاول تحليل تلك القدرية التي يتميز بها المقهورون فسنجد أن لها جذورا اجتماعية وتاريخية فهي غالبا ما تقترن عندهم بالحظ أو المصير الذي هو من صنع الله ولا يد للانسان فيه فمن خلال ممارسة المقهورين للسحر والأساطير يصل الفلاحون الى قناعة مؤداها أن كل ما يلحق بهم من عناء واستبداد هومن مشيئة الله وكان الله هو سبب هذه الفوضى المنظمة ، فالمقهورون بانغماسهم في حقائق الحياة وامتثالهم لحقيقة القهر المستبطنة داخلهم لا يتأتى لهم ادراك حقائق الوضع المزرى الذي يعيشون فيه ، فبدلا من أن يتوجهوا بالعنف نحو الواقع الذي يعيشون فيه ، تجدهم يحولون هذا العنف الى زملائهم من أجل أتفه الاسباب

يقول ” فرانز فانون ” في كتابه ” معذبو الارض ” ” ان المستعمر ينفس عن الظلم المتراكم في عظامه أول مرة في ابناء طينته ، ففي هذه المرحلة يبدأ الزنوج في ضرب بعضهم بعضا ، وفي هذه المرحلة لا يعرف البوليس أو القضاة في شمالي أفريقيا الوجهة التي يتجهون اليها ، ففي الوقت الذي يضرب فيه المقيم أو رجل البوليس المواطن حتى يجعله يجثو على قدميه فان هذا المواطن تجده لا يستل سكينه أو يثار لنفسه الا من أول بادرة تبدر من أحد مواطنيه ولعله بانتقامه من مواطنه يحتفظ لنفسه بأخر الخيوط التي تتعلق بها شخصيته “

وعلى وجه العموم فليس هنالك كلمة حقيقية غير قابلة للتنفيذ في واقع الحياة ، وذلك ما يميز الكلمة الصادقة بانهاهىالقادرة على تغيير العالم ، أما حين تحرد اسمة من أحد البعدين السابقين فانها تصبح عاجزة عن القيام بدورها وتتحول الى مجرد ثرثرة فارغة المحتوى . وبنفس القدر فان قيمة الكلمة العملية تحتوي على ما في داخلها من رؤيتن فالعمل من غيررؤية يلغى حقيقة الحوار ولا يتحقق به شيىء على الاطلاق . وهنا يمكننا أن نقول ان الوجود الانساني لا يمكن له أن يظل صامتا كما لا يمكن له أن يحيا على الكلمات…

……

1- الثقة بالناس هي أساس التغير الثوري

2- من أجل الحرية لاتستعجل ساعة اليقظة

3-من يتصدي لقضايا الناس أن يراجع نفسة مرات ومرات ولا يتركها للأهواء والعواطف

4-التحرير كظاهرة إنسانية لايمكن أن يتحقق بأشباة الرجال

5- النضال لا يكون بالشعارات أو الانظمة أو الاستغلال فهذه كلها من أدوات السيطرة ولا يمكن أن تصبح بين عشية وضحاها من أدوات النضال واستعادة انسانية الانسان ،ذلك أن الوسيلة الوحيدة الناجعة لتحقيق الحرية هي التعليم ذو الصبغة الانسانية الذي تقيم فيه القيادة الثورية نوعا من الحوار الدائم مع المقهورين .

…..

ويحدث تصور آخر كاذب عندما يهددالتغيير في الحقيقة الموضوعية مصالح الفرد أو مصالح طبقته ، ففي مثل هذه الحالات لا يتدخل الانسان بالنقد الواعي للواقع لأن الواقع نفسه غير حقيقي ونتيجة لذلك فلن يحدث تغيير لأن التغيير يهدد مصالح الطبقة بأسرها وهكذا يجد الانسان نفسه يتصرف بعصبية لكون الحقيقة منحازة ضده ولا يجد هذا الانسان بدا من تمثيل دوره الى النهاية ، ينكر الحقيقه أو يفسرها بصورة مختلفة ومثل هذا الدفاع عن النفس يتفق تماما مع أسلوب النظر الذاتي للمشكلات حيث تضيع الحقيقة على الرغم من عدم انكارها وبذلك تتوقف عن أن تصبح واقعا مجسدا ليحل علها وجود وهمي أوجدته الطبقة للدفاع عن موقفها ، وهنا تكمن الأسباب أو العقبات التي صممت من أجل تعطيل الناس عن ممارسة دورهم النقدي للواقع —

—————————

مناقشة كتاب تعليم المقهورين مع الأستاذ نبيل البكيري

——————————-

تعليم المقهورين- باولو فريري عرض أ. فتحي فرج

——————————–

لتحميل الكتاب من أهد الروابط التالية

كتاب تعليم المقهورين/ باولو فريري

كتاب تعليم المقهورين/ باولو فريري

كتاب تعليم المقهورين/ باولو فريري

كتاب تعليم المقهورين/ باولو فريري

كتاب تعليم المقهورين/ باولو فريري

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى