سياسة

عن انتفاضة الجياع في السويداء -مقالات مختارة-

سوء تفاهم بين أهالي السويداء والأسد/ عمر قدور

هناك سوء فهم بين أهالي السويداء وبشار الأسد. سوء فهم أوصلهم بدءاً من يوم الخميس الفائت للنزول إلى الشارع، بالتظاهر وقطع الطرقات بالحجارة والإطارات المشتعلة، احتجاجاً على إجراءات رفع دعم الخبز والوقود عن بعض الشرائح التي ترى “الحكومة” أن وضعهم المعيشي لا يستلزم الدعم. وهو قرار يستهدف حسب المعلن رفع الدعم عن 15% من السوريين، ومَن هو محسوب على هذه النسبة سيشتري ربطة الخبز بـ1300 ليرة بدل 250 ليرة، وأسطوانة الغاز بـ29682 بدل 9700 ليرة. يُذكر أن بشار الأسد قد أصدر قراراً بزيادة الرواتب في منتصف كانون الأول الماضي، للمرة الثانية خلال عام2021، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 92970 ليرة، أي ما يعادل 37 دولاراً وقت صدور القرار. لنلاحظْ أن الرقم محسوب بدقة تامة، فهو ليس 93000 ليرة! أي أن من يعمل بالحد الأدنى للأجور، هذا لمن يعثر على عمل، يدفع 10% من أجره ثمن أسطوانة غاز فقط، وما نسبته 18.5% ثمن الغاز والخبز معاً، عندما يحصل عليهما بأفضل سعر.

سوء الفهم من جهة أهالي السويداء يبدأ من افتراض وجود خلل يمكن تصحيحه باحتجاجهم، وبتجاوب بشار الأسد معهم. هناك في بعض التظاهرات من هتف “حرامية.. حرامية.. سلطة حرامية”، لكن إذا كان المعني بالهتاف هو أعلى مستوى من السلطة فسيكون المطلوب إسقاطه، أي أن الحل لا يكون عنده بل لا يكون بوجوده أصلاً. في التحديد، هناك هتافات وأشخاص تحدثوا عن فساد حكومي ليس بالجديد، وقد لا يُحلّ بذهاب الحكومة الحالية. هؤلاء وضعوا لبشار خريطة طريق تبدأ بإقالة الحكومة، وتستمر مع اتباع نهج أقل فساداً من قبل. يُذكر أيضاً أنه كان قد اتخذ إجراءات يُفترض أنها أبعد من إقالة حكومة، فهو قد قضى على إمبراطورية شريكه وابن خاله رامي مخلوف، ثم طالت الحملة المزعومة على الفساد جزءاً من ثروة طريف الأخرس عمّ زوجته. ذلك لم يمنع تدهور الأوضاع المعيشية، بل تفاقم بؤسها الذي لا يكفي ربطه بكون تلك الحملة استيلاء على ثروة فاسدين كبار من قبل فاسدين أكبر. 

نحن نتحدث عن سوء فهم من حيث الشكل، بمعنى أنه قد يكون متعمداً، وقد يكون أصحابهم واعين جداً له. فمطالبة بشار الأسد بالحل، واستثناؤه من جوهر مشكلة الفساد، لا يعكسان بالضرورة فهمَ الأهالي. إلا أنه يتحركون ضمن المساحة التي يرونها متاحة، ورفعُ شعارات بسقف أعلى يجعل الصدام محتماً، ولا يُستبعد أن يكون بشار نفسه متلهفاً لشعار يعطيه ذريعة استخدام العنف ضدهم. فعلياً، كان أفراد من قناصة أمنه وشبيحته قد توزعوا على الأسطح أثناء تظاهرة مدينة السويداء يوم الأحد، بما يذكّر بكيفية تعامله مع المظاهرات التي انطلقت في آذار2011.

يذكّر أهالي السويداء الأسد بأنه السلطة المسؤولة عن معاناتهم، لا فقط السلطة بوصفها أجهزة جيش ومخابرات وشبيحة لقمعهم. هذا هو فحوى التحرك الاحتجاجي، بعد أن وصل بهم البؤس إلى قعر لا يُطاق. ومن خلال شعاراتهم يستبعدون الذرائع التي لطالما ساقها الأسد نفسه أو أبواقه، من أولوية التصدي لـ”الإرهاب” وصولاً إلى “استكمال المؤامرة الكونية بالحصار على سوريا”. التواطؤ على قبول تلك الذرائع انتهى، والمحتجون يشيرون إلى السبب الحقيقي؛ إنه فساد السلطة، ولو لم يصل بهم الأمر إلى تسمية رأس الفساد.

هناك سوء فهم أيضاً من جهة بشار الأسد، فهو في مستهل الثورة عام 2011 زار السويداء لضمان ولائها، وتعاطى بتسامح من غير طبيعته مع مظاهرات لشبابها ثم مع حركة “مشايخ الكرامة” قبل الانقضاض عليها لاحقاً. ذلك كله في الطور الذي كان يراهن فيه على مواليه وتحالفاته للبقاء في الحكم. تغير الأمر تدريجياً مع التدخل المكشوف لإيران وحزب الله، إذ صار الفضل لهما ببقائه، ليأتي التدخل العسكري الروسي ويحسم السيطرة الميدانية نهائياً لصالحه.

مع هذه التطورات، لم يعد بشار بحاجة إلى السوريين كمدافعين عنه، وأقصى حاجته إليهم أن يستخدمهم كرهائن بؤساء يبتز بمعاناتهم الخارجَ. إنهم جزء من نهج يعتمد على التلويح بالإرهاب كبديل، والتلويح بالإرهاب الناعم “تجارة المخدرات والكبتاغون”، والتلويح بالرهائن الذين تودّ الغالبية منهم الهجرةَ وترك البلد له ولشبيحته وفساده. هنا أيضاً سوء فهم من بشار الأسد، إذ يفترض أن نصره العسكري “بغير السوريين” يعفيه من المسؤوليات إزاء السوريين الواقعين تحت سيطرته ورحمته.

ثمة درس يعتقد بشار أنه كافٍ لإفهام السوريين الواقعين تحت قبضته، وهو أن قوى الخارج المؤثرة موافقة على بقائه، وأن من ثاروا عليه كان مصيرهم الإبادة والتنكيل والتهجير، علماً بأن الأخير لم يعد بمثابة تهديد. وهو قد اعتاد قيام مخابراته بإزالة أي سوء فهم من عقول المحتجين، أو إزالة المحتجين أنفسهم من الحياة. غير أنه يخطئ في التقدير من جهتين، الأولى تتعلق باندلاع الاحتجاجات في أماكن لا يستطيع فيها وصم المحتجين بالإرهاب، كما في مثال السويداء، وأيضاً يخطئ في اعتقاده أن مَن ينظر إليهم كعبيد في مزرعته لن يحتجوا إذا منع عنهم أبسط مقومات العيش. هو لا يتوقف عن إظهار سوء فهمه الشديد للسلطة، وحتى سوء فهمه الشديد للاستبداد.

أمران لا يرى وريث الاستبداد أنهما من مسؤولياته بحكم كرسيه الذي يتشبث به؛ أولهما أن الطغيان مهما بلغت شدته لا يقوم فقط على سحق الأهالي بالجيش والمخابرات والشبيحة، فهذا الشق هو مخصص أصلاً للعقاب ولإرهاب من تسوّل لهم أنفسهم الاحتجاج على مظالم الحكم. حالات شاذة جداً وعابرة في التاريخ قامت فيها سلطة ما على مجرد التوحش، من دون أن تلتزم بالحد الأدنى من مسؤوليات الحكم إزاء محكوميها. أيضاً حالات شاذة وعابرة تلك التي رأت فيها عصابة حاكمة أنها بغنى عن السياسة مطلقاً، أي استغنت عن الحد الأدنى من السياسة لتقيم من خلالها تحالفات داخلية فلا تكتفي طوال الوقت باستخدام العنف، أو رأت فيها تلك العصابة أنها بغنى عن السياسة الخارجية، ولو اضطرها ذلك إلى توسل الحماية والوصاية.

هي حالة نادرة من سوء الفهم سببها الاستثناء الأسدي، فلدينا سلطة حظيت بتسامح مع جرائم الإبادة وجرائمها ضد الإنسانية، والمطلوب منها داخلياً فقط الاكتفاء بمستوى من الفساد لا يؤدي إلى موت محكوميها جوعاً، والمطلوب منها خارجياً التحلي بقليل من السياسة لئلا يكون التطبيع معها تطبيعاً مع الجريمة المحضة. في المقابل هناك سلطة لا تلبي هذا المطلب ولا ذاك، لسان حالها أن هذا كثير عليها وتعجيزي لها. سوء الفهم يبدأ عندما لا نصدّق أنها على حق، وأنها لا تستطيع أن تكون سوى ما هي عليه.

المدن

———————–

بثينة شعبان: المحتجون على الأزمة المعيشية “عملاء لإسرائيل

اعتبرت بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، أن الاحتجاجات على الأزمة المعيشية في البلاد، تصب في مصلحة إسرائيل، مطلقة أوصافاً مثل “الطابور الخامس” على الأفراد المتذمرين من تدهور الأحوال الخدمية والاقتصادية في البلاد.

وحذرت شعبان في مقال نشرته صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، من الاحتجاج ضد قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية الذي أقرته حكومة النظام مطلع الشهر الجاري، وأثار استياء واسعاً ليس فقط بسبب سوء تطبيقه بل لأنه يمس شرائح فقيرة في بلد تتجاوز فيه نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر 85% من السكان بحسب الأمم المتحدة.

ولمّحت شعبان إلى ارتباط كل من ينتقد ويرفع صوته عالياً، سواء في مواقع التواصل أو في الشوارع حيث عادت الاحتجاجات إلى محافظة السويداء جنوبي البلاد، بشبكات تجسس إسرائيلية، وهو أسلوب قديم يتبعه النظام السوري بإطلاق صفة العمالة على كل من يحاول تحدي السردية الرسمية. وقالت شعبان: “بعد انكشاف شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان واعترافها بأنها تعمل في بيروت ودمشق وبتلقين المتظاهرين شعارات، فإن هذه المرحلة تتطلب منا جميعاً التحلّي بأعلى درجات الوعي والتفكير والتأمل والإدراك قبل أن ننطق ببنت شفة تعليقاً أو تصريحاً على كل ما يجري في البلاد من أزمات فُرضت علينا كي توهن عزيمتنا”.

واعتمد النظام السوري سردية أن الأزمة الحالية مستمرة اقتصادياً وخدمياً بسبب الحصار والعقوبات الغربية، رغم أنه، في سنوات سابقة، كان يتحجج بالحرب على الإرهاب. ومنذ إعلانه “الانتصار” مع انحسار المعارك تدريجياً إثر معركة حلب العام 2016، بدأت آمال الموالين له ترتفع بتحسن الأوضاع، لكن ذلك لم يتحقق، ما أثار استياء واسعاً أفضى إلى تفعيل قسم جرائم المعلوماتية في وزارة الداخلية من أجل اعتقال الأفراد بتُهم من قبيل “وهن نفسية الأمة”.

وباتت شعبان من أشد رموز النظام كراهة لدى الموالين، بسبب تصريحات متكررة لها اعتبرت فيها أن الأزمة الاقتصادية وهمية، وأن الاقتصاد السوري أفضل مما كان عليه العام 2011 بخمسين مرة. وليس من الغريب أن تتجه شعبات إلى شمّاعة إسرائيل بالقول “أن العملاء الذين لم يتم اكتشافهم في معظم الدول العربية أكبر عدداً بكثير من هؤلاء الذين تمّ اكتشافهم، وهدف إسرائيل من زرع العملاء يندرج في إطار مخططها الاستراتيجي في تغيير وجه المنطقة من وجه عربي إلى وجه إسرائيلي صهيوني تعمل عليه ضمن الاتفاق الإبراهيمي”.

—————————-

هل تقع ثورة الجياع السوريين؟/ غازي دحمان

“قلبي جريح وصادفه ريح”… مثل ينطبق على حال السوريين الذين فاجأهم النظام برفع الدعم عن جزء كبير من العائلات، في ظل واقع معيشي متردٍّ إلى أبعد الحدود، بحيث لم يعد لديهم حتى هامش صغير للمناورة في منظومة استهلاكهم المعيشية التي أوسعوها، في سنوات الضائقة السابقة، تنازلاتٍ بالجملة عن كلّ ما يحمل شبهة رفاهية ورغد.

تقول المعطيات إنّ السوريين تجاوزوا، منذ زمن، عتبة الاحتمال، وانتهوا من عملية تقدير المخاطر وحساب التكاليف والعوائد، فهم حتى وصلوا إلى هنا بذلوا جهوداً قياسية في التقشّف والصبر والاحتمال، ما يعني أنّ طاقتهم قد نفدت، بعد تجفيف السلطات الحاكمة مصادر العيش وشطب أيّ إمكانية لتحسين الأوضاع المعيشية، عبر حزم من القرارات التي لا تنتهي، وكأنها في سباق مع الزمن، مستثمرة الظلال التي توفرها أكذوبة “المؤامرة الكونية” وعقوبات قانون قيصر.

يعني ذلك، من الناحية النظرية، تهيئة الأرضية المناسبة لحصول ثورة جياع، فرفع أسعار الخبز والوقود والتضخم وغلاء المعيشة وضعف الأجور عناوين لثورات قد تزلزل الأرض على الحكام، بل قد تكفي واحدةٌ منها لإشعال نيران ثورةٍ تغيّر المشهد السياسي برمته في بلدان أكثر استقرارا ولديها أنظمة كفؤة وأقل فساداً من سورية.

إضافة إلى ذلك، ثمّة شرارات بدأت بالاشتعال، في السويداء، وبدرجة أقل في حلب ودمشق ومناطق الساحل السوري، وثمّة تعبيرات عديدة لتذمر لم يعد يخفي نفسه، عبر احتجاجات فعلية، انطلقت من السويداء، وتذمّر عبر وسائل التواصل رصدته شخصيات فنية وثقافية أخيراً.

إذاً، نحن أمام سياقاتٍ عديدة نضجت، وفي سبيلها إلى صناعة مسارٍ للخروج من هذه الأزمة المديدة، والتي، فضلاً عن عدم وجود أفقٍ واضح لها، فإنّها تتفرّع بشكل يومي إلى أنماط جديدة من الأزمات التي باتت مثل أذرع الأخطبوط تحاصر السوريين قبل التهامهم. والسؤال المطروح الآن، وربما باستغراب، كيف يفكّر صانع القرار في النظام الأسدي تجاه هذه الأوضاع، وما هي تقديراته لاستجابات الناس الواقعين تحت حكمه على مخرجات قراراته، ألا يستشعر وجود مخاطر محتملة، كأن تفلت زمام الأمور من يديه ولا يستطيع السيطرة على انفجارٍ قد يشهده الشارع المحكوم نتيجة عدم قدرته على احتمال الأوضاع المزرية؟

في الواقع، القراءات الإستخباراتية، لهذا النمط من الأنظمة، تنظر إلى الوقائع من زاوية مختلفة، وأمامها لوحة معطياتٍ لا تنطوي على مؤشراتٍ خطيرة، بحسب تقديراتها. وبالتالي، يصعّب الواقع السوري الحالي إنتاج تمرّد أو ثورة يمكن أن تطيح النظام، ومن هذه المعطيات:

– تغيّر التركيبة السكانية في سورية بشكل حاد، إذ لم يعد الشباب هم الأكثرية، ومن بين الملايين الستة اللاجئين أكثر من ثلثيهم شباب، كما أنّ عدد الستة مليون قديم، مثل عدد القتلى الذي توقف عدّاده منذ زمن، إذ يغادر سورية يومياً، وعبر أكثر من طريقة ومنفذ، مئات الشباب، إلى مصر والجزائر وليبيا، ومن بقي من الشباب يوجّه كلّ طاقته إلى البحث عن طريقة للخروج من سورية، ولن يورّط نفسه بالانخراط في ثورة جديدة، أيّاً تكن شعاراتها وأهدافها.

ـ تبخّر الجيل الذي قام بالثورة، بين المعتقلات والتغييب والتسويات، وخروج قسم منه عن الفعالية بسبب الإعاقات، بالإضافة إلى من لجأ ونزح.

ـ تمزّق النسيج الوطني السوري، إلى درجة باتت تصعب إعادة رتقه، فيما جبل من عدم الثقة والشك بالآخر بات يعزل المكونات السورية بعضها عن بعض، حتى داخل المناطق نفسها، وجميع المكونات والشرائح والفئات السورية باتت تفضّل الحلول الفردية على الاشتراك بعمل وطني عام غير مضمون النتائج.

نتيجة هذه القراءة، من غير المتوقع قيام النظام بأكثر من نمطين لمعالجة الأزمة المتصاعدة في سورية، وثمّة مؤشرات تدلّ على بدئه بالقيام بهما: التسويف وإغراق السوريين بالتفاصيل، من نوع وجود خطأ تقني يُصار إلى معالجته، أو أيّ تخريجةٍ أخرى، إلى أن يتسنّى له ضبط الوضع ومعرفة المناطق والأشخاص والجهات التي تقود الاحتجاج وتفكيك ما يعتبره مصادر خطر، وحتى تستطيع ماكينته الأمنية تركيب عمليات أمنية وفبركتها ونسبها إلى قادة الحراك، تجهيزاً لضمّ الحراك إلى قائمة المؤامرة الكونية. النمط الثاني: المواجهة الأمنية المباشرة من دون مقدمات، وتحويل الأزمة إلى مشكلة عدم فهم السوريين الظروف التي تمرّ بها البلاد، ويصبح مطلوباً منهم إجراء مصالحة مع “الدولة” والإقرار بالخضوع لكلّ قراراتها.

لكن، متى لم يكن نظام الأسد واثقاً من عدم قدرة السوريين على الثورة عليه؟ ومتى لم يكن متصوّراً القدرة في نفسه على إجهاض الثورة إن حصلت؟ بعيداً عن تقديرات النظام وقراءة أجهزته الأمنية الأوضاع السورية، ثمّة مؤشراتٌ عديدةٌ على وصول الأزمة الى مرحلة الانفجار، وهي تعلن عن نفسها الآن ثورة جياع، الصفة التي طالما خجل منها السوريون سابقاً، لكنّهم تخلوا عن ذلك، بعدما خاضوا في الجوع حتى الحرمان من رغيف الخبز.

والتقدير أنّ الأزمة ستبدأ بالتفاعل اعتباراً من الشهر المقبل (مارس/ آذار) وللمصادفة فإنّه شهر انطلاق الثورة السورية، وسيكتشف الناس عمق الورطة المعيشية التي وضعهم النظام فيها، وسيعرفون بالضبط حدود تأثيرها المذهل على معيشتهم، وسيكون نظام الأسد حينها قد أفرغ صندوق أدواته من المناورات الخادعة. والتقدير أيضاً، استمرار الاحتجاجات في السويداء، وتطوّرها في مرحلة مقبلة، في ظلّ احتمال ارتكاب النظام أحد أخطائه المعهودة، وقد لا تكون الثورة هذه المرّة بحجم ثورة 2011، لكن، أيضاً، من المتوقع أن تتم قراءتها دولياً، وربما من روسيا، من زاوية نظر مختلفة.

لعربي الجديد

—————————————–

احتجاجات السويداء مستمرة: مخاوف من “قوات الفهد”/ ريان محمد

لم تهدأ بعد الأوضاع في محافظة السويداء جنوب سورية، مع استمرار الاحتجاجات لليوم الثالث على التوالي، علماً أن هذا الحراك الذي بدأ جراء تدهور الأوضاع المعيشية ورفع الدعم عن مئات آلاف العائلات السورية، انطلق يوم الخميس الماضي بشكل ضعيف قبل أن يزداد المشاركون فيه في الأيام الأخيرة.

غير أن مخاوف محلية بدأت تظهر بظل مشاركة عناصر من عصابات محلية في الحراك، خشية أن يعمل هؤلاء على تخريب التحركات، ويكونوا سبباً لتدخل قوات النظام.

الاحتجاجات في السويداء مستمرة

وشهدت مدينة السويداء صباح أمس الثلاثاء، تجمّع عشرات المواطنين أمام “دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز”، وهي مقر مشيخة العقل في السويداء، أعلى ممثل ديني للدروز في سورية. ومن ثم توجه هؤلاء إلى ساحة السير، وسط المدينة التي يتواجد في جنوبها مبنى قيادة الشرطة وفرع الهجرة والجوازات وإلى جانبها مبنى محافظة السويداء، وإلى غربها مديرية مالية السويداء وفي مقابلها في الجهة الغربية مجلس مدينة السويداء ودائرة النافذة الواحدة، وتم إغلاق أبواب المالية ومجلس المدينة بضغط من المحتجين.

وتوجّه أحد المحتجين بالقول للمتجمعين في الساحة: “عندما تكون كرامة أهلنا محفوظة سنعود إلى منازلنا، وعندما نحصل على حقوقنا نعود إلى بيوتنا”، مضيفاً: “وقفتنا اليوم هي وقفة حق ووقفة كرامة”.

ووجّه نداء إلى جميع أهالي الجبل للتوجّه إلى الساحة للاعتصام، مطلقاً عليها اسم ساحة “الكرامة”، وهو المصطلح الذي أُطلق عليها عام 2015 إثر إسقاط تمثال رئيس النظام الراحل حافظ الأسد الذي كان يتوسطها حينها، على خلفية عملية اغتيال مؤسس حركة “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس.

وعن هذا الحراك، قال رأفت. ش (34 عاما)، من أبناء السويداء، لـ”العربي الجديد” إنه “لم يعد أمامنا سوى النزول إلى الشارع، ليسمع المسؤولون غليان الشارع جراء قرارات النظام الجائرة بحق لقمة عيش المواطنين، وبعدما سلبوا منا كل شيء، من الوقود إلى الخبز، حتى الخدمات شبه معدومة من الكهرباء للمياه حتى نقل القمامة”.

وأضاف: “اليوم أنا أنزل إلى الشارع للقول إننا نستحق العيش بكرامة، وعلى الدولة تأمين احتياجات المواطنين”.

من جهته، يسيطر على فراس ع. (45 عاماً)، شعور بالإحباط. وقال لـ”العربي الجديد” إن “هذه الحكومة لن تسمع من أحد، ولن تقوم بأي خطوة في مصلحة الشعب، بل على العكس هي تريد الفوضى في السويداء ليدخل الجيش إليها بحجة ضبط الأمن”.

وذكّر بأنه عندما “تحرك غالبية أفراد الشعب السوري يطالب بالكرامة والعدالة، دمر النظام بيوتهم وهجرهم، وسقط مئات الآلاف منهم بين قتيل ومعتقل، فيما المجتمع الدولي يشاهد هذه الكارثة من دون أي رد فعل حقيقي”.

ورأى أن “السويداء وحيدة اليوم، فالأهالي في مناطق المعارضة يرون أن السويداء لم تقف معهم عندما بدأ النظام يستخدم العنف المفرط لقمعها عام 2012، متناسين الظروف التي كانت تسيطر على الخطاب العام الذي أخذ يتجه إلى خطاب طائفي”.

وأضاف: “أما المناطق الموالية فترى أن الحراك في السويداء هو جزء من المؤامرة وأنه ليس بوقته لأن النظام يعاني من الحصار والعجز، ويتهمون السويداء بعدم وقوفها مع النظام، بسبب استنكاف غالبية الشباب عن الخدمة العسكرية ضمن صفوف النظام في حربه داخل سورية”. وتابع: “كلا الطرفين يأخذ موقفاً سلبياً من أي حراك في السويداء، وكان الوضع كذلك عام 2020 عندما خرج حراك تحت شعار: بدنا نعيش”.

السويداء

أما الناشط أبو جمال معروف، فأعرب في تصريح لـ”العربي الجديد”، عن وجود مخاوف لدى شرائح عديدة من أهالي السويداء خصوصاً السياسيين والناشطين المدنيين، بسبب تواجد عناصر عصابات متهمة بارتكاب جرائم في احتجاجات مدينة السويداء.

ولفت إلى عناصر فصيل يعرف باسم “قوات الفهد” ويتزعمه سليم حميد، المتهم بارتكاب جرائم الخطف وتجارة المخدرات، ويعرف بارتباطه مع شعبة المخابرات العسكرية ويحمل عناصره بطاقات أمنية. إلى جانب عصابات أخرى مثل عصابة عتيل وزعيمها راجي فلحوط وعصابة آل مزهر.

وأشار إلى أن هؤلاء تواجدوا بين المحتجين وأخذوا يرفعون السقف ويطلقون شعارات سياسية، وفي الوقت نفسه راحوا يهددون أصحاب المتاجر التجارية في المنطقة لإجبارهم على إغلاق متاجرهم.

وتابع: “كما قام حميد بإطلاق خطاب تخويني ضد حركة رجال الكرامة وزعيمها الشيخ يحيى الحجار، طالبا منه النزول إلى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات، على الرغم من وجود خلاف بين الحركة والعصابات الأخرى”.

ولفت إلى أن “العديد من الفعاليات السياسية والمدنية ترى أن هذا التواجد والخطاب المستفز قد يكونان بهدف تخريب الحراك المطلبي، إذ أدى تواجد هؤلاء إلى انفضاض بعض الناس عن الحراك وامتناع آخرين عن المشاركة، وقد تكون تلك العصابات وتواجدها بسلاحها، ذريعة في حال أي تصعيد، لدخول قوات النظام وفرض سيطرتها على المحافظة وإجبار الشباب على الخدمة العسكرية، والقضاء على العمل السياسي والمدني الذي انتعش في السنوات الأخيرة”.

وعن موقف المرجعيات الدينية والقيادات المجتمعية في المحافظة من الحراك، أشار معروف إلى أنه لا يوجد موقف واضح لها، وكذلك غالبية الناس تأخذ موقف المراقب لترى إلى أين يمكن أن يصل الحراك.

وأضاف أن “النظام لم يتخذ أي إجراء سوى تحصين مبنى قيادة الشرطة والمحافظة بعدد من السيارات المدرعة والعناصر، في حين ينتشر عدد من عناصر الأمن بألبسة مدنية في محيط الساحة يراقبون ويرصدون المشاركين من بعيد”.

واستدرك قائلاً: “أما نقاط الاحتجاج الأخرى خصوصاً في بلدة نمرة شهبا وحزم حيث تم قطع طريق دمشق السويداء”. وأكد أن ما يحدث هو “حراك مدني بامتياز، ويحاول الأهالي إيصال احتجاجهم بشكل سلمي”.

العربي الجديد

—————————–

هل تنشأ قضية درزية في سوريا؟/ إيلي عبدو

بات مضراً، ذلك الربط الذي يفتعله معارضون وكتاب سوريون بين أي احتجاج يحصل في السويداء، و”الثورة”. والضرر لا يتأتى فقط من كون “الثورة” هُزمت، وأصبحت، حالة هلامية غير مدركة، وتقلص “تمثيلها” إلى أجسام مونولوجية، تجتمع، كل فترة، للتحدث مع نفسها، وتوصي نفسها بإصلاح نفسها، بل أيضاً يتأتى من تجاهل السياق الجماعاتي، الذي تتطور فيه الاحتجاجات، في المدينة ذات الغالبية الدرزية.

هدف من يريدون ربط احتجاجات السويداء، التي تجددت قبل أيام، رفضا لرفع الدعم الحكومي، بـ”الثورة”، جرّ المتظاهرين من الاحتجاج المعيشي إلى السياسي، وتحديدا الناقد للسلطة وممارساتها، غير أن السياسي له وجوه مختلفة، وقد لا ينتج عنه بالضرورة، نقد للسلطة مشابه لذلك الذي بدأ في مارس 2011. أي أن أهالي السويداء الغاضبين، يمكن أن يطوروا مطالبهم من المعيشي إلى السياسي، من دون أن يكون لذلك ارتباط بـ”الثورة”، بما تفترضه الأخيرة من مشكلة جذرية مع السلطة.

السياسي هنا، يرتبط أكثر بالجماعة الدرزية، التي ينظر أبناؤها إلى تردي الوضع المعيشي باعتباره سبباً أساسياً لإخلاء المدينة، وتهجير سكانها للبحث عن حياة أفضل. فيديوهات عديدة انتشرت في وسائل التواصل، عبّر من خلالها سكان من السويداء عن هذا الهاجس. العدد، مسألة شديد الأهمية عند الأقليات، وجعلها من نتائج تردي الوضع الاقتصادي، يكشف آلية تطور السياسي بما يخص السويداء، إذ يرتبط أكثر بالجماعة ووجودها، وتهديد هذا الوجود عبر “التجويع المتعمد”، حسب الشهادات المقبلة من هناك. والتهديد المتمثل بالخوف من التهجير عبر الاقتصاد، قد يكون مفيداً في تفسير المطالب بحكم ذاتي، يحقق للمدينة استقلاليتها. وغم أن هذه المطالب من الصعب تحقيقها، انطلاقا من موازين القوى الحالية والجغرافيا الصعبة، لكن طرحها في هذا التوقيت، يحمل دلالة شديدة الأهمية، يمكن إضافتها لاستكمال صورة الجماعة “المهددة”. والأخيرة أفرزت قبل فترة حزب “اللواء السوري”، الذي نشأ لمواجهة، كما قال بيانه الأول “سعي إيران بالتعاون مع أجهزة الأمن إلى دعم عصابات إرهابية مسلحة، لتشويه صورة السويداء عبر ضرب تاريخها المشرّف”، وبالتوازي برز كيان عسكري في السويداء، أُطلِق عليه اسم “قوة مكافحة الإرهاب”، ويضمّ مسلّحين من المدينة التي يرفض سكانها أساساً، التحاق أبنائهم بخدمة العلم. والأرجح، أن الحزب والكيان المسلح بأجندتيهما المحليتين، من نتائج، هواجس الوجود التي باتت مؤثرة لدى جزء واسع من الجماعة الدرزية. ما يفتح الباب أمام تساؤلات عن قضية درزية تتشكل تدريجياً. عناصر هذه القضية، وضع اقتصادي مزر، يؤثر عددياً في الجماعة، ويدفع لتهجير أبنائها، فضلاً من مخاوف من إيران ومن الإرهاب ترجمت بحزب وكيان مسلح، ومطالب بحكم ذاتي، يضمن للجماعة إدارة هواجسها بنفسها.

الكلام عن قضية درزية يبقى في إطار التساؤل، باعتباره محكوما بالتطورات المقبلة، وإن كانت ستسفر عن تضييق أكثر على السويداء وسكانها، أو تراجعات تقلل من إمكانية نجاح محاولات بلورة، طرح متسق حول هواجس الجماعة وأولوياتها. في كل الأحوال، لا بد من ملاحظة هواجس الجماعة الدرزية في السويداء، سواء تبلورت كقضية، أو بقيت هواجس، وملاحظة حساسيتها سواء بما يتعلق بالسلطة أو بالمعارضة. والأخيرة، مطالبة بتطوير وعي جديد، لا يتسرع في موضعة أي حراك، بوصفه احتجاجاً ضد سلطة 2011 فقط، ثمة ما يتعلق بالجماعات نفسها، وإن كانت السلطة وتحولاتها عنصرا مؤثرا. والمفارقة أن، وسائل إعلام المعارضة، التي سعت لربط احتجاجات السويداء الأخيرة بـ”ثورة” مارس 2011، تسابقت إلى أخذ تصريح من عضو في هيئة التفاوض، ينتمي للطائفة الدرزية، ضمن تكتيك معارض ساذج، يتمثل بنفي الجماعات وهواجسها، وانتقاء ممثل عنها، يتحدث بافتعال وتضخيم عن ارتباطها بـ”الثورة” وكثافة المشاركة فيها.

*كاتب سوري

لقدس العربي

————————

عندما تهتف السويداء: نريد العيش بكرامة/ عمر كوش

تشهد مدينة السويداء السورية، ومناطق أخرى في محافظتها، حراكاً احتجاجياً شعبياً واسعاً بدأ في مطلع فبراير/ شباط الجاري، رفضاً لسياسات نظام الأسد وقرارات أصدرها أخيراً، تقطع الدعم عن مواد أساسية، مثل الخبز وغاز التدفئة والوقود، عن شرائح واسعة من السوريين، في ظل تفاقم الأوضاع الكارثية التي تعصف بغالبية السوريين في مناطق سيطرة النظام، وجعلتهم يعانون من فقر وبؤس حقيقيين، نتيجة سياساته وممارساته الممنهجة.

وإذا كانت شعارات المحتجين التي هتفوا بها، وخطّوا بها لافتاتهم، مطلبيةً في البداية، إلا أنها سرعان ما تطوّرت في وقفاتهم الاحتجاجية وتظاهراتهم الشعبية إلى شعاراتٍ وطنيةٍ وسياسية، وبات شعار “بدنا نعيش بكرامة” يشكّل لسان حال حراكهم الاحتجاجي، والذي أردفوه بشعاري “ما بدنا نموت .. بدنا نعيش بكرامة”، و”كرامة مساواة عدالة”، تعبيراً عن رفضهم الذل والظلم، ثم رفعوا شعاراتٍ أخرى تُذكّر، أو بالأحرى، تستعيد، شعارات الثورة السورية في مرحلتها السلمية، وطاولت قضايا اجتماعية وسياسية، وتندّد بممارسات النظام وفساده، وتصفه بالسلطة الفاشلة، وأنها “حرامية حرامية .. هاي السلطة حرامية”، والسبب في تدهور أحوال السوريين، وأن “من أهدر المال العام هم الفاسدون.. وليس المواطنين”، فيما ركّزت شعارات أخرى على البعد الوطني، وتدعو إلى بناء “وطن لكل السوريين”، وترفض أي وجود أجنبي على الأراضي السورية، مثل شعار “لا شرقية ولا غربية .. بدنا سورية بدون تبعية”.

تُظهر احتجاجات السويداء أن البؤس قد بلغ بالسوريين حداً لا يمكن أن يتحمّلوه، وأنه لم تعد تنطلي عليهم “نظرية المؤامرة الكونية”، ولا الذرائع الواهية، التي لطالما ساقها نظام الأسد في تبرير حربه على السوريين وتأبيد سطوته، فراحوا يشيرون علنا إلى الأسباب الحقيقية لبؤسهم ومعاناتهم، والتي لا تنحصر في فساد النظام وأجهزته، بل في جميع ممارساته وسياساته الممنهجة. لذلك لم تغب عن حراك السويداء المطالبة الواضحة بتغيير النظام، بوصفها مطالب غالبية السوريين، من خلال رفع نشطائه لافتاتٍ تطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، الذي ينص على الانتقال السياسي في سورية، وتطالب بإخراج المعتقلين من زنازين النظام، إضافة إلى توجيه رسالة مصوّرة إلى كل السوريين، أن “الدم السوري واحد”، وأن “سورية لكل من فيها، ولن نقبل الذل والتهميش”.

وليست المرة الأولى التي تشهد فيها محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، حراكاً ضد نظام الأسد، إذ توالى خروج المظاهرات فيها منذ اندلاع الثورة، وخصوصا في مطلع 2020، حيث شهدت اعتصامات ومظاهرات ركّزت على الجانب المعيشي، ورفعت شعار “بدنا نعيش”، ثم تصاعدت حركة الاحتجاج في يونيو/ حزيران من العام نفسه، ورفعت سقف شعاراتها السياسية إلى حدّ المطالبة بإسقاط نظام الأسد، وتحميل رئيسه مباشرة مسؤولية الفشل في معالجة الأزمات المعيشية والاجتماعية والوطنية.

والملاحظ أن الحراك الاحتجاجي حظي بمستوى كبير من القبول والمشاركة من قطاعات واسعة من أهالي السويداء، حيث شهد مشاركة رجال دين لأول مرة إلى جانب النشطاء والشباب، وأن جزء كبيراً من المشاركين في الاحتجاجات تقل أعمارهم عن 25 عاماً، أي كانوا أطفالاً حينما اندلعت الثورة السورية في 2011، لكنهم حملوا تراثها وذاكرتها بدليل استعادتهم شعاراتها وهتافاتها، فيما شكّل تلامذة المدارس وطلاب الجامعات والخرّيجون الجدد العاطلون نسبة كبيرة بينهم، إضافة إلى شرائح من الفئات الوسطى ومشاركة أبناء المدن والأرياف في مختلف مناطق محافظة السويداء.

ويشير استمرار هذا الحراك الاحتجاجي، والمشاركة الواسعة فيه، إلى أنه بات أكثر تنظيماً من تحرّكات سابقة، وهو نقطة فارقة في الحراك السوري، كونه يطاول إحدى مناطق سيطرة النظام، والتي لا يمكنه اتهام المحتجين فيها بالإرهابيين والمتطرّفين الإسلاميين، بالنظر إلى أن غالبيتها من الأقلية الدرزية، الأمر الذي يعرّي ما سعى إليه النظام عبر محاولاته الحثيثة لتسويق مقولة إنه حامي حمى الأقليات في سورية. إضافة إلى أن حراك السويداء يأتي في وقتٍ يحاول فيه النظام الظهور بمظهر المنتصر الذي أعاد الأمور إلى سابق عهدها قبل الثورة، في حين أن توالي الاحتجاجات، وانتقالها إلى أكثر من منطقة، يظهر بوضوح أنه ليس أكثر من سلطة أمر واقع مفروضة على السوريين في مناطق يسيطر عليها بالقوة، وبدعم من الروس والإيرانيين ومليشياتهم. لذلك، أكثر ما يخشاه نظام الأسد أن تلاقي احتجاجات السويداء صداها في مناطق أخرى من مناطق سيطرته، والتي قد تفضي إلى خروج الأمور عن قبضته، وخصوصا أن مناطق محافظة درعا المجاورة سبق أن شهدت احتجاجاتٍ واسعة ضد النظام، قبل أن يفرض الروس عليها تسوية جديدة.

ويشكل تجدّد الاحتجاجات دليلاً على أن مطالبة السوريين بالتغيير السياسي مستمرّة، وتعبّر عن مطامح غالبيتهم في مختلف مناطق وجودهم وعيشهم، بمن فيهم القاطنون في مناطق سيطرة النظام. كما أن تجدّدها واستمرارها في محافظة السويداء، بالرغم من القبضة الأمنية المفروضة عليها، يغير المعادلات التي يحاول بعضهم تسويقها إعلامياً وسياسياً، عبر تصوير الصراع في سورية طائفياً، بين أكثرية سنيّة وأقلية علوية، ويظهر حقيقته بوصفه صراعاً سياسياً ووطنياً، الأمر الذي يعيد القضية السورية إلى جوهرها، بوصفها قضية وطنية وسياسية، وصراعاً يخوضه السوريون ضد نظام الأسد، ولسان حالهم يقول: “بدنا نعيش بكرامة”، وبما يمنحه معنى وطنياً متجدّداً غايته الخلاص من الاستبداد والعيش بكرامة.

—————————-

مشيخة طائفة الموحدين” تؤيد احتجاجات السويداء.. والنظام يدفع بتعزيزات عسكرية

السويداء – آدم الحناوي

أيّد شيخ عقل “طائفة الموحدين الدروز” الشيخ حكمت سلمان الهجري الاحتجاجات السلمية المندلعة في أرجاء متفرقة من محافظة السويداء.

وقال الشيخ الهجري إن “أي تظاهر سلمي مفاده مطالبة الناس بحقوقها المشروعة كمواطنين هي حق لهم”. وفق ما نشرته “صفحة بلدة قنوات الأولى” على فيس بوك.

وأكد أنه “يؤيد أي حراك للغرض ذاته، مع المحافظة على مؤسسات الدولة”، وطالب بـ “عدم الاصطياد في الماء العكر في ظل هذه الأزمات”. وفق تعبيره. مشدداً على أن “المواطنين لهم الحق بالتعبير عن رأيهم وتحصيل حقوقهم المشروعة”.

وفي السياق، شهدت محافظة السويداء قدوم أرتال عسكرية دفع بها النظام السوري إلى داخل المحافظة، حيث رصد ناشطون العشرات من حافلات المبيت الممتلئة بعناصر النظام وسيارات دوشكا، وغيرها من آليات “حفظ النظام”.

يعبّر عن مطالب غالبية السوريين.. تضامن واسع مع الحراك الشعبي في السويداء

احتجاجات السويداء

وتجددت الاحتجاجات المطالبة بتحسين الواقع المعيشي في السويداء جنوبي سوريا، الأربعاء، تزامناً مع إرسال نظام الأسد تعزيزات عسكرية وُصفت بـ “الكبيرة” إلى المحافظة.

وتجمع عدد من المدنيين، لليوم الرابع على التوالي، في ساحة السير وسط مدينة السويداء، تنديداً بسياسات النظام “التي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية”، بحسب ما ذكرت صفحة “السويداء 24”.

وفي وقت سابق، قال متظاهرون لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ “مطالبهم ليست فقط معيشية، بل أيضاً من أجل إطلاق سراح المعتقلين ومنهم الشاب نورس أبو زين الدين، وإسقاط النظام الذي أهانهم وأهان وقتل وشرد ملايين السوريين” وفق تعبيرهم.

ويوم الخميس الماضي، حذّرت “حركة رجال الكرامة” في السويداء من أن القرارات الأخيرة التي أصدرتها حكومة النظام برفع الدعم عن فئات من المواطنين هي عمل حكومي ممنهج، يهدف إلى تهجير الشعب السوري وتجويعه.

———————-

بيان مشترك حول الحراك السلمي في السويداء

جاءت قرارات السلطة/الطغمة برفع الدعم عن شرائح واسعة من الشعب السوري، الذي أمسى بغالبيته في وضع اقتصادي ومعاشي مزرٍ، حيث صنفت سوريا بأنها الدولة الأكثر فقراً على مستوى العالم، فكان حراك السويداء إدراكاً من أبناءها، مثل غالبية السوريين، أن سلطةً قد انتهجت الحل الأمني، في مواجهة المطالب الشعبية المنادية بالحرية والكرامة، لن تجد حلولاً حقيقية لمشاكل المجتمع، بل هي من أوصلت البلاد إلى التدمير شبه التام للمناطق المنتفضة، وتسببت بتهجير ملايين السوريين، وخراب البنى التحتية للاقتصاد والمجتمع، مع تغوّل منظومة الفساد وأمراء الحرب وغياب الأمن وانتشار المخدرات، وغياب أو تغييب مؤسسات الدولة ودورها في مواجهة تلك الظواهر المنفلتة من كل عقال.

إن السلطة/الطغمة، التي انتهجت القمع، معززةً بالدعم الروسي والمساندة الإيرانية والمليشيات الطائفية، إذ تستغل الصمت الدولي وتراجع الاهتمام بالمسألة السورية، وبالتالي عدم فرض الحل السياسي، إنما تراهن -كعادتها- على الزمن وتعتقد أنها تستطيع إسكات أي صوت احتجاجي. ومن هنا تأتي أهمية ما يجري بالسويداء من مواقف ووقفات احتجاجية، كانت قد دعت إليها مجموعات شبابية بعضهم من الذين رفضوا الخدمة في جيش النظام تجنباً لقتل إخوتهم السوريين، ولا توجد فرص لهؤلاء للعمل وتأمين الاحتياجات الأساسية للحياة فهم لا يستطيعون التنقل بحرية لطلب الرزق كونهم مطلوبين أمنيأ، مقابل هذا مورس تشكيك وتقليل من دور هؤلاء وغالباً ما صدر عن منابر كانت قد اعتبرت نفسها ثورية ومعارضة، في خطاب طائفي بغيض يفوح منه عفن الكراهية وأثر الإديولوجيا المتطرفة.

لقد تميزت مظاهرات السويداء هذه المرة بعفويتها واتساع شرائح المحتجين مع غياب تام للتشبيح الذي وظفته السلطة لقمع مظاهرات الأمس القريب، وشهدت دخول الشرائح المفقرة والمهمشة الى الحراك ، كما لم تقتصر شعاراتها والكلمات التي ألقيت على الأمور المعيشية والمطالبة بمحاسبة الحكومة والفاسدين واللصوص -على أهميتها- بل استطاعت أن تسجل مجموعة من الرسائل السياسية المؤكدة على التمسك بالوطنية السورية ونبذ الخلافات بين مكونات الشعب السوري على أمل انتفاضة عارمة تعم أرجاء البلاد تضغط وتدفع للمضي بالحل السياسي .

كما واسقط هذا الحراك مقولات ومزاعم النظام عن حماية الاقليات وكشف زيف ووهم أن يعيد هذا النظام المستبد تأهيل نفسه.

ولذلك تتزايد المطالبة والدعوة إلى انتفاضة شاملة على مستويات أوسع تطال جميع المناطق السورية يوم الجمعة القادم، الذي سيكون اختباراً حقيقياً لقدرة المنتفضين ولإمكانية توسيع حراكهم ليشمل الساحة الوطنية السورية كلها من خلال تجاوب جماهيري أوسع في السويداء وفي المحافظات الأخرى، ومواجهة تحدي استعادة دور السوريين في الداخل وعدم الاكتفاء بمطالب اقتصادية بل توسيع آفاق الحراك للضغط على النظام وأيضاً على المجتمع الدولي لتحريك عجلة الانتقال السياسي اعتماداً على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

إن القوى الموقعة على هذا البيان إذ تؤكد تضامنها المطلق ومشاركتها لأهلنا في السويداء بموقفهم ومطالبهم المحقة والعادلة، تحذر السلطة/الطغمة من مغبة انتهاج العنف المفرط مع الحراك، كما تناشد أهلنا في السويداء التمسك بسلمية حراكهم والاستمرار بمطالبهم، ونناشد السوريين جميعاً الاستجابة لنداء التضامن، من أجل السوريين جميعاً، ومشاركة إخوانهم في السويداء، بكل أشكال الحراك الممكنة وفي كل مكان، ضد أشكال الفساد والتجويع والمهانة التي تفرضها و تمارسها السلطة بحق شعبنا، كما نطالب المجتمع الدولي الحر بالضغط على النظام السوري وحلفائه لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 وإنهاء معاناة السوريين. .

كل التضامن مع حراك السويداء..

عاشت سوريا وطناً ومواطنين…

القوى الموقعة على البيان:

تيار مواطنة – نواة وطن

تيار مستقبل كردستان سوريا

المجلس السوري للتغيير

منصة عفرين

الحركة السياسية النسوية السورية

10 شباط/فبراير 2022

———————————–

السويداء ليست سوى البداية والنظام لم يتعلم شيئاً من السنوات الماضية

نداء بوست- باسل حفار 

مع اقتراب الثورة السورية من ذكراها الحادية عشرة، تشتعل السويداء بحراك يتابعه السوريون بشغف.. يطالب برحيل النظام بعد عجزه عن الوفاء بشيء من وعوده في تحقيق الأمن والاستقرار أو تأمين فرص العمل والقوت اليومي.

على هامش هذه الاحتجاجات والأصوات المتململة من الساحل ودمشق وحلب وحمص وغيرها من المناطق التي يتبجح بشار الأسد ونظامه بسيطرته عليها، نشرت بثينة شعبان (مستشارة الرئاسة لدى النظام التي يُنظر إليها على أنها ناطقة باسمه)، مقالاً تحت عنوان: “لحظة من فضلكم”، كل ما ورد فيه يشير إلى شيء واحد: هذا النظام لم يتعلم شيئاً من السنوات الماضية من الاحتجاجات، وما زال يعيش ويتحرك بنفس العقلية الغبية الإجرامية الإقصائية التي أودت بحياة الملايين من السوريين وشردتهم ودمرت مدنهم وقراهم.

أكّدت شعبان في مقالها أن النظام ما زال ينظر إلى المتظاهرين على أنهم عملاء وإرهابيون وأن الاستجابة لمطالبهم -برأي النظام- تعني تدمير البلد وتحطيم استقراره، وأنّ ما يجري في سورية هو في الحقيقة مؤامرة من إسرائيل والعثمانيين والأمريكيين والإرهابيين -لتدمير هُوِيَّة ومنجزات ومكتسبات السوريين التي بناها النظام طوال السنوات الماضية-، وأن سورية كانت أفضل بلد في العالم لأنها كانت الأكثر أماناً وهو ما جعل الآخرين يسعون لتدميرها، بسبب الحسد -على حد تعبيرها.

رغم ذلك تقر شعبان -في نفس المقال- بأنّ كلاً من دمشق -المحسودة بسبب الأمن والأمان والاستقرار-، وبيروت -التي يحكمها حزب الله بدعم من إيران والنظام-، تسرح وتمرح فيهما شبكات التجسس الإسرائيلية وتعمل على أدق التفاصيل ومن ضمنها العناية بصياغة الشعارات المناهضة للنظام التي يتم رفعها خلال المظاهرات، وأسماء الجهات التي تُذكر فيها.

ولا تتوقف شعبان عند هذا الحد بل وتقول أيضاً إنه لا يوجد شك بأن العملاء الذين لم يتم اكتشافهم في معظم الدول العربية أكبر عدداً بكثير من هؤلاء الذين تمّ اكتشافهم، وهي باستخدام كلمة “عملاء” هنا إنما تشير إلى المتظاهرين والنشطاء والسياسيين المعارضين وكل ما له علاقة بمعارضة النظام، وهم كثر وغير مكتشفين على حد قولها.

وبعد رسم هذه الصورة المضطربة السوداوية عن الواقع الذي تعيشه بثينة شعبان هي ونظامها، وبعد كل الحديث عن المؤامرات والحصار والاستهداف الذي تشارك فيه قوى إقليمية ودولية وتقطيع أوصال الوطن والحرب العسكرية والإعلامية والإرهاب، والدمار الذي لحق بالدولة ومؤسساتها، تُطمئن بثينة شعبان السوريين إلى أن كل هذا لا يعني (إطلاقاً) أن تحسين الأحوال من المُحال، ولا يعني أيضاً أننا يجب أن نستسلم لما فرضه علينا الآخرون.

وهنا تأتي الطامة الكبرى في مقال بثينة عندما تبدأ بالتدليل على إمكانية تحسن الأحوال بالحديث عن السنوات العشر الماضية من الدمار والتشريد والإجرام الذي مارسه النظام وحلفاؤه، على أنها نموذج الصمود والإنجاز والعبور الذي يستحق أن ننظر له بعين الامتنان والتقدير، وأن نتفاءل بما جرى باعتباره مثالاً لما سيكون عليه مستقبل سورية على يد النظام وحلفائه وأصدقائه، مثنية على (حذاقة) الأدوات (الرائدة) التي استخدمها جيشها (الباسل).

أما بالنسبة للمواطن العادي فبالإضافة إلى التفاؤل الذي يجب أن يشعر به بمجرد النظر لنتائج إدارة النظام للوضع في سورية خلال السنوات الماضية، فيجب عليه أيضاً أن يغلق أذنيه وعينيه -وغالباً عقله- عن سماع ومشاهدة أقاويل وإشاعات حرية التعبير وحقوق الإنسان وإرساء أسس ديمقراطية، لأن هذه الطروحات مصدرها الطابور الخامس وهي سبب زعزعة كيان الدولة وزعزعة ثقة المواطنين بدولتهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم- على حد تعبير بثينة.

الحقيقة أنّ هذا النظام وشخوصه لا يمكن أن يتحول إلى منظومة منجزة لديها القدرة على تقديم الخدمات والقيام بواجباتها وأعبائها أمام شعبها، ومهما حاولنا أن نقنع أنفسنا أن في تركيبته من يمكن أن يحاول على الأقل، نجد أنفسنا أمام كتابات وطروحات مثل مقالات بثينة شعبان، تؤكد على الفشل الذي سينفجر بوجه هذا النظام عاجلاً أو آجِلاً.

قد يستغرق الأمر وقتاً، وقد يحدث حراك في منطقةٍ ما قبل منطقة أخرى، ولكن النتيجة المترتبة على نظرة النظام للصراع وطريقة إدارته في مناطق سيطرته لا يمكن أن تنتهي إلا لتفتيت سورية إلى كيانات صغيرة على أساس جغرافي أو عرقي أو ديني مذهبي أو شيء آخر.

الجنوب السوري ودرعا تحديداً -التي أصر النظام على محاصرتها ودخولها وفرض سيطرته المزعومة عليها-، مثال واضح على القدرة المتدنية للنظام لتحسين أوضاع أي منطقة بعد السيطرة عليها، وحجم الحقد والرغبة بالانتقام التي تعميه عن أي فعل منجز.

منذ 2018 وحتى الآن لا يمر يوم واحد في الجنوب السوري دون كارثة أمنية أو إنسانية أو عسكرية، خطف واغتيالات واقتحامات واعتقالات وبطالة وثأر وتجارة ممنوعات.. إلخ، والأمر نفسه بالنسبة لحمص وأحياء ومناطق دمشق التي حاصرها النظام وهجر أهلها منها قبل أن يفرض سيطرته عليها.

أما ريف ومناطق إدلب وحلب التي سيطر عليها النظام قبل عامين فلا تزال خاوية مدمرة على عروشها بعد أن اقتحمتها عصابات النظام العسكرية والأمنية فسرقت ونهبت كل شيء فيها بما ذلك قبور أهلها وأبنائهم.

أما مراكز المدن الكبيرة فتئنّ تحت وطأة الغلاء وارتفاع أسعار الخبز والوقود ومؤشرات التضخم وتدني الأجور ومعدلات الهجرة والعنوسة والجريمة وفقدان الأمن.

ووسط كل هذه الأزمات يأتي قرار رفع الدعم الذي يتخلى فيه النظام رسمياً عن سياسة “الدعم الحكومي” لفئات محددة من المجتمع السوري، للمواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي، من خبز ومحروقات بشتى أنواعها، لاسيما مادتَي البنزين والمازوت وأسطوانات الغاز.

تشير التحليلات المتعلقة بمستقبل سورية إلى احتمالية ظهور ما يربو عن 15 كياناً (كانتون) في المشهد السوري إذا استمر الوضع على ما هو عليه، والقمع لن يزيد الأمرَ إلا سوءاً.

لطالما كانت الدوافع لقيام ثورة أو حراك من نوع ما ضد هذا النظام قائمة ومنذ اليوم الأول لوجوده في السلطة، وطوال السنين الماضية كانت ولا زالت إستراتيجية النظام لمواجهة أي تحرُّك ضده، لا ترتكز على معالجة هذه الأسباب والمشكلات، وإنما على تقوية وتعزيز أدوات القمع والكبت ومنع السوريين من مجرد التفكير بحقوقهم أو النظر لمستقبلهم.

ومن يظن أنّ النظام يسلك مسلكاً مختلفاً اليوم أو أنه يفكر مجرد تفكير في التعامل بطريقة مختلفة فهو أيضاً -مثل بثينة- لم يتعلم من الـ 40 عاماً الماضية من مقارعة النظام شيئاً.

——————————–

———————————-

السويداء تبحث عن “وطن لكل السوريين

لليوم الثالث على التوالي، شهدت محافظة السويداء في جنوب سوريا احتجاجات حاشدة تنديداً بالاوضاع المعيشية، حيث توافد المحتجون إلى ساحة السير وسط المحافظة وأغلقوا طرقاً فرعية ورئيسية منها طريق دمشق–السويداء.

وحمّل المحتجون النظام السوري مسؤولية الاوضاع المتردية خصوصاً بعد قرار رفع الدعم عن الوقود ومواد أساسية لشريحة واسعة من المواطنين.

وقالت شبكة “السويداء 24” المحلية إن “العشرات تجمعوا صباح الثلاثاء في ساحة السير مركز مدينة السويداء”، مضيفةً أنه “في الريف الشمالي، أغلق محتجون طريق دمشق-السويداء جزئياً على أن يُفتح الطريق كل ربع ساعة أمام حركة المارة، مع استثناء الطلاب والحالات الإسعافية والسماح لهم بالمرور مباشرة”.

وفي بلدة نمرة شمال شرقي السويداء، اعتصم أهالي البلدة في الطريق المؤدية لمدينة شهبا، منددين بالسياسات الفاشلة للحكومة التي أدت إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية.

وشارك في احتجاجات مدينة السويداء الثلاثاء مدنيون ورجال دين ومعارضون، كما شهدت الاحتجاجات حضوراً لافتاً لجماعات محلية مسلحة.

بدورها، قالت شبكة “الراصد” المحلية الثلاثاء، إن المحتجين أغلقوا مبنى مجلس مدينة السويداء ومبنى المالية أمام المراجعين، بعد أن فرضوا الاثنين على موظفي مجلس المدينة ترك مكاتبهم مبكراً، والاقتصار على موظفي “النافذة الواحدة”.

وكان محتجون في بلدة عريقة غربي السويداء قد أغلقوا مساء الاثنين الساحة الرئيسية أمام مبنى البلدية بالإطارات المشتعلة، معلنين انضمامهم إلى الاحتجاجات التي تشهدها المحافظة “رفضاً لقرارات الحكومة وللمطالبة بأبسط حقوق العيش الكريم”.

وقالت وسائل إعلام سورية معارضة إن مطالب المحتجين في محافظة السويداء لها أبعاد سياسية واضحة، إذ حمل المحتجون لافتات تدعو إلى بناء “وطن لكل السوريين”، وأخرى تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سوريا. ووصف المتظاهرون النظام ب”السلطة الفاشلة”، مشيرين إلى أنها “السبب في تدهور أحوال السوريين”.

ومع توسع نطاق الاحتجاجات إلى ريف السويداء، قال المرصد السوري لحقوق الانسان الاثنين إن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام انتشرت في محيط مبنى المحافظة في السويداء ونصبت قناصتها على أسطح المواقع الحكومية في المدينة”، بعد تصاعد رقعة الاحتجاجات وتوافد أعداد كبيرة من الأهالي إلى المدينة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحتج فيها أهالي السويداء ضد النظام، إذ شهد مطلع عام 2020 احتجاجات شعبية استمرت لأيام على التوالي، طالبوا فيها بتحسين الوضع المعيشي في المحافظة التي تشهد سوءاً في الخدمات، وتحولت حينها الاحتجاجات إلى مطالب بإسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد.

————————-

السويداء.. استمرار الاحتجاجات المناهضة للأسد لليوم الرابع

جدد محتجون قطع الطرق الرئيسية في السويداء، لليوم الرابع على التوالي، تعبيرا عن رفض الواقع المعيشي المتردي والغلاء الذي يعيشه السوريون بسبب سياسات نظام الأسد.

وقالت شبكة “السويداء 24”: “لليوم الرابع على التوالي، تجدد قطع الطُرق في بلدتي نمرة، شمال شرقي السويداء، ومجادل بالريف الغربي، تنديداً بتدهور الأوضاع المعيشة، تزامناً مع تجمعات مرتقبة في مدينة السويداء، لتنفيذ وقفة احتجاجية جديدة في ساحة السير”.

ويوم أمس تداعى العشرات، إلى ساحة “السير” في مدينة السويداء، للتنديد بسياسات نظام الأسد التي أدت لتدهور حاد في الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

وذكرت الشبكة أن احتجاج الأهالي في مركز المدينة استمر لعدة ساعات، وكانت الشعارات والهتافات متنوعة، وجميعها تصب في سياق يشير إلى غضب الشارع من سياسات السلطة، سواء المطالبة بتغيير سياسي، أو بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية. وانفض بشكل سلمي وحضاري.

ودعا المنظمون لتجديد الوقفة اليوم الأربعاء، مع الدعوة لاحتجاج أوسع، يوم الجمعة.

وسجلت الشبكة 3 نقاط احتجاج، شهدتها المحافظة، أمس الثلاثاء، ففي بلدة “نمرة”، أغلق محتجون الطريق المؤدية إلى مدينة شهبا، حتى الساعة الواحدة، ولم يسمحوا إلا بمرور طلاب المدارس والجامعات، مؤكدين على مطالبهم المتمثلة بتحقيق العيش الكريم، وعدم المساس بحقوق المواطنين.

كما تجدد إغلاق طريق دمشق السويداء الحيوي، بشكل مؤقت، لمدة ثلاث ساعات، بين قريتي “خلخلة” و”أم حارتين”، مع تساهل يبديه المحتجون لمرور طلاب الجامعات والحالات الإسعافية، وفتح الطريق كل ربع ساعة، معتبرة أن هذا الأسلوب في التعبير يبقى سلمياً ومشروعاً، وهو وسيلة للتأكيد على المطالب الشعبية، وفق أحد المنظمين.

—————————–

احتجاجات السويداء تستمر ليومها الثالث على التوالي ومساعٍ من النظام لتقزيمها

تستمر لليوم الثالث على التوالي  احتجاجات الأهالي في محافظة السويداء جنوب سوريا على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية والقرارات الجائرة من طرف النظام بحق لقمة عيش المواطنين، على حدّ تعبير أحد المحتجين من أبناء السويداء.

 ورفع المحتجون خلال مظاهرتهم شعارات تطالب بالعدالة في توزيع الثروة الوطنية، ومحاسبة الفاسدين، في حين رفع آخرون شعارات تطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على انتقال سلمي للسلطة في سوريا، بحسب ما أورده موقع تلفزيون سوريا نقلًا عن موقع “السويداء 24”. وشاركت في الاحتجاجات بحسب ذات المصادر مختلف فئات المجتمع من مدنيين، ورجال دين، ومعارضين.

وكان حراك السويداء الحالي قد بدأ يوم الخميس الماضي على إثر قرار حكومة النظام “رفع الدعم عن مئات آلاف العائلات السورية” في ظل ما يعانيه السكّان أصلًا من تدهور معيشي جرّاء غلاء الأسعار وانهيار قيمة الليرة وتدنّي الأجور. وعلى الرغم من أن الحراك بدأ بأعداد قليلة نهاية الأسبوع الماضي إلا أنه شهِد زخمًا كبيرة ومشاركة متزايدة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.

وفي التفاصيل امتدت رقعة الاحتجاجات في السويداء  إلى ثماني نقاط، كان أبرزها التجمع يوم أمس الثلاثاء أمام “دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز”، وهي مقر مشيخة العقل في السويداء، أعلى ممثل ديني للدروز في سوريا، وبعدها توجه المحتجون إلى ساحة السير، وسط المدينة حيث يوجد مبنى قيادة الشرطة وفرع الهجرة والجوازات.

وفي بلدة نمرة شهبا قام بعض المحتجين بقطع طريق دمشق السويداء الحيوي عند قريتي حزم وخلخلة، كما قاموا بغلق طريق “نمرة – شهبا” جزئيًا، حتى الساعة الواحدة، ولم يسمحوا بالمرور إلا للطلاب والحالات الإسعافية، في ظل مشاركة من وجهاء القرية وبعض شيوخها.

ونقل موقع “السويداء 24” عن أحد المنظمين قوله “إن الغاية هي التأكيد على المطالب الأهلية، لا قطع الطريق فحسب. وإن الحركة الاحتجاجية تتجه الى استمرار قطع الطريق يوميًا بشكل جزئي”. أما في بلدة شّقا شمال شرقي السويداء، فقام عشرات الشباب بقطع طريق شقا-شهبا بالإطارات المشتعلة، وكذلك حدث في مجادل بالريف الغربي، وفي قيصما بالريف الشرقي. وانضمت في وقت لاحق بلدة عريقة للاحتجاجات مساء الاثنين، عبر قطع طُرق الساحة العامة.

يذكر أن ثمة مخاوف محلية بدأت تظهر بوضوح على إثر مشاركة عناصر من عصابات محلية في الحراك، خشية أن يعمل هؤلاء على تخريب التحركات، ويكونوا سببًا لتدخل قوات النظام.

ونقل موقع صحيفة العربي الجديد عن أحد المشاركين يدعى رأفت. ش (34 عاما)، من أبناء السويداء، قوله  إنه “لم يعد أمامنا سوى النزول إلى الشارع، ليسمع المسؤولون غليان الشارع جراء قرارات النظام الجائرة بحق لقمة عيش المواطنين، وبعدما سلبوا منا كل شيء، من الوقود إلى الخبز، حتى الخدمات شبه معدومة من الكهرباء للمياه حتى نقل القمامة”، مضيفًا “اليوم أنا أنزل إلى الشارع للقول إننا نستحق العيش بكرامة، وعلى الدولة تأمين احتياجات المواطنين”.

في حين وجّه مشارك آخر في الاحتجاج نداءً إلى جميع أهالي الجبل للتوجّه إلى الساحة للاعتصام، مطلقًا عليها اسم ساحة “الكرامة”، وهو المصطلح الذي أُطلق عليها عام 2015 إثر إسقاط تمثال رئيس النظام الراحل حافظ الأسد الذي كان يتوسطها حينها، على خلفية عملية اغتيال مؤسس حركة “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس. وكان المحتجون في السويداء قد فرضوا  المغادرة يوم الإثنين على موظفي مجلس المدينة، وطلبوا من التجار إغلاق محالهم. وانفضّ الاحتجاج بشكل سلمي، وسط دعوات المشاركين إلى جعل الاحتجاجات يومية، حتى تحقيق مطالبهم.

وحول ردة فعل النظام على مظاهرات السويداء الحالية نقلت المصادر عن شهود عيان قولهم إن النظام “لم يتخذ أي إجراء سوى تحصين مبنى قيادة الشرطة والمحافظة بعدد من السيارات المدرعة والعناصر، في حين ينتشر عدد من عناصر الأمن بألبسة مدنية في محيط الساحة يراقبون ويرصدون المشاركين من بعيد”.

محاولات من ممثلي النظام لاحتواء الاحتجاجات وتقزيمها

أقرّ محافظ السويداء التابع للنظام نمير حبيب مخلوف بوجود ما سماها “احتجاجات على أخطاء حكومية” متهمًا المتظاهرين بعرقلة سير عمل مؤسسات الدولة، في محاولة منه حسب بعض المتابعين لتفريغ الحراك الشعبي من مضمونه السياسي الواضح المتمثل بتغيير النظام عبر تطبيق قرار مجلس الأمن 2254.

وأضاف مخلوف أن “الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المحافظة في عدد من المناطق يجري متابعتها”، من دون توضيح آلية هذه المتابعة وطريقة استجابتها. وتابع قائلًا في تصريحات نقلتها صحيفة الوطن الموالية أنه “يتم استلام الاعتراضات والتعامل معها أصولًا” وفق ما أقرته حكومة النظام في اجتماعها الأخير، مما يعني أن الاعتراضات التي يجري معالجتها، هي تلك المرسلة عبر الموقع المخصص للاعتراض على إلغاء الدعم فقط.

وذكر أن “جميع الجهات المعنية في المحافظة تتابع طلبات المحتجين وتتعامل معها وفق الآليات المقررة بهذا الخصوص”، مطالبًا المحتجين بعدم قطع الطرقات، زاعمًا أنّ الاحتجاجات اقتصرت على مطالبة حكومة النظام بتحسين الوضع المعيشي واتخاذ القرارات التي تساهم في التخفيف من ضغط الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه المواطنون.

في الأثناء أيضًا، تواصل محافظ السويداء التابع للنظام وبعض ضباط الأجهزة الأمنية مع شخصيات اجتماعية، ودينية، في محاولة لاحتواء الاحتجاجات التي ما تزال مستمرة في المدينة وريفها حسب المصادر المحلية ومن بينها موقع “السويداء 24”.

——————————–

=======================

تحديث 13 شباط 2022

—————————–

تعليق احتجاجات السويداء: الكرة في ملعب النظام السوري/ ريان محمد

بدت الحياة في مدينة السويداء، جنوبي سورية، شبه طبيعية، أمس السبت، والحركة جيّدة في أسواقها، بعدما كانت المدينة قد شهدت منذ يوم الأحد الماضي، وحتى أول من أمس الجمعة، تجمعات احتجاجية، رداً على سوء السياسات الاقتصادية للنظام، ورفع الدعم عن مواد أساسية.

وأُعلن مساء الجمعة عن تعليق الاحتجاجات، وإعطاء مهلة للنظام لتلبية المطالب الشعبية، في وقت رصدت فيه “العربي الجديد” انتشاراً أمنياً كثيفاً في مركز المدينة وساحاتها العامة، إضافة إلى مداخلها الرئيسية.

وأصدر المحتجون بياناً، قالوا فيه “إننا كمنظمين لهذا التحرك الشعبي السلمي المحق، ونتيجة للمباحثات في مجلس الحراك، قرّرنا إعطاء مهلة لتنفيذ قرارات أهلنا المحقة ضمن دولة القانون والمؤسسات، لا دولة الفساد والمفسدين”.

وأضافوا: “هدفنا كرامة الشعب بالدرجة الأولى، وما ينطوي تحت ذلك من العيشة الكريمة التي لا يشوبها الذل والهوان، وذلك بناء على توجيهات من الهيئة الروحية”. وتابعوا: “هذا لا يعني أننا توقفنا عن حراكنا الشعبي، فنحن مستمرون، ولكن لن نسمح لأحد بأن يفوّت علينا هذه الوقفة لغايات ومقاصد نحن لا نسعى لها، وبعد هذه المهلة يتم التعامل بحسب معطيات الواقع. نحن صنّاع القرار”.

جملة من المطالب لمحتجي السويداء

وأفادت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، بأن “عدداً من المنظمين للحراك الشعبي السلمي التقوا يوم الجمعة شيخ عقل الموحدين الدروز الأول حكمت الهجري، وتباحثوا معه في تطورات الأوضاع نتيجة الحراك الشعبي، والحملة العسكرية الكبيرة التي وصلت إلى المحافظة، وانتهى الاجتماع بتحميل الهجري جملة من المطالب التي طالب بها المحتجون لإيصالها إلى ممثلي النظام، وانتظار ما قد يتخذه النظام من إجراءات خلال الفترة المقبلة”.

ولفتت المصادر إلى أن “منظمي الاحتجاجات قد يجددون الدعوة لتنفيذ وقفات احتجاجية في حال عدم التجاوب”، مبينة أنهم “لا يعتبرون الوقوف في الشارع هو الهدف الرئيسي، بل إيصال أصوات الناس إلى مراكز القرار، برفض القرارات الاقتصادية التي نالت من أبسط الاحتياجات المعيشية اليومية”.

تراجع أمام السلطة أم موقف عقلاني؟

وتضاربت المواقف في الشارع بالسويداء من قرار توقف الاحتجاجات. واعتبرها البعض تراجعاً أمام السلطة، كما قال مجد. ع، لـ”العربي الجديد”، معتبراً أن “السلطة لا يمكن أن تستجيب لمطالب الشارع إلا عبر الضغط عليها، وهذا لا بد أن يكون عبر استمرار الاحتجاجات وتوسيع مشاركة الناس، والأهم مشاركة مواطنين من محافظات ومناطق أخرى”.

ورأى مجد.ع، أن “السويداء نجحت عبر تماسكها الداخلي من وضع حدّ للاعتقال التعسفي منذ عام 2014، وبدعم رئيسي من حركة رجال الكرامة”.

وأدى ذلك، بحسب قوله، إلى “استنكاف عشرات آلاف الشباب عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية ضمن قوات النظام، وكذلك استقبال نحو 18 ألف عائلة سورية من مختلف المناطق السورية ليعيشوا بأمان داخلها، إلا أن الأفرع الأمنية في السويداء جنّدت عصابات من أبناء المحافظة لارتكاب أعمال الخطف والسلب، وإثارة الرعب، ما شوه سمعة السويداء أمام السوريين”.

ورأى أن ذلك “دفع الكثير من العائلات النازحة لمغادرة المحافظة، وحتى عندما كانوا يلجؤون إلى السلطة، كان يتم دفعهم إلى أزلامهم من أفراد العصابات، ليتم ابتزازهم من الخاطفين ودفع عشرات الملايين كفدية، تحت ضغط فيديوهات وصور تعذيب للضحايا”.

في المقابل، وصف مواطنون آخرون تعليق الاحتجاجات بالموقف العقلاني. وشدّد حسن. ح، في حديث لـ”العربي الجديد”، على أن “المشكلة اليوم هي أن خياراتنا قليلة، فعندما خرجنا نطالب بحقوق الناس، كان أول من هاجمنا هو ما يسمى بجمهور المعارضة، الذي اعتبر أن الناس خرجت من جديد بسبب الجوع، وأنهم هم فقط من خرج من أجل الحرية، متناسين الكثير من الحقائق والتاريخ”.

وتابع أن “جمهور ما يسمى موالاة، هاجمنا أيضاً، واتهمنا بالطائفية والعمالة والعمل على الفدرالية أو الانفصال، وأننا نستغل ضعف الدولة”. ولفت إلى أن “السلطة لا تمتلك القدرة على إيجاد حلول، حتى إن هناك أشخاصا محسوبين عليها، بدأوا يحمّلون حلفاءهم من روسيا وإيران مسؤولية انفجار الشارع وعدم قدرة الدولة على تلبية احتياجات الناس”.

وأضاف حسن. ح: “لقد أوصلنا مطالبنا إلى النظام، وأهالي السويداء حافظوا على محافظتهم بعيداً عن المقتلة السورية العبثية وتدخّل الدول وإثارة الفوضى، ولن نأتي اليوم لكي نعيد دوامة العنف التي حدثت في عام 2011، خصوصاً أن النظام اليوم لا يمتلك سوى العنف، وهو عاجز عن إيجاد حلول اقتصادية للسوريين، لكن بالمقابل هناك على ما يبدو توافق دولي على بقائه، لذلك يهمنا الحصول على المزيد من المكتسبات التي تعين الناس على تأمين احتياجاتهم المعيشية”.

ولفت حسن. ح إلى أن “الوضع لا يحتمل المزيد من الفوضى، ولكن سيبقى الشارع خياراً للتعبير عن أوجاع الناس وبشكل سلمي”.

ونبّه السلطة “التي لا تزال تقبض على مؤسسات الدولة ولا تسمح للمجتمع بالمشاركة في إدارة شؤونه وإيجاد حلول لمشاكله والمساهمة، بوقف الفساد الذي يستشري في مفاصل مؤسسات الدولة، مع ضعف الرواتب وغلاء المعيشة وغياب المساءلة، وهذه مطالب أساسية”.

وكانت السويداء قد شهدت منذ نحو أسبوع حتى أول من أمس، احتجاجات سلمية، رفعت شعارات وطنية جامعة مثل “الدين لله والوطن للجميع”، إضافة إلى مطالب اقتصادية تهدف إلى تأمين العيش الكريم للمواطنين.

وتخلل الاحتجاجات قطع طرقات داخل المحافظة، أهمها الطريق الواصل بين السويداء والعاصمة دمشق، في حين لم تسجل أي حالة صدام أو عنف خلالها، على الرغم من استقدام النظام تعزيزات عسكرية كبيرة من عناصر المهام الخاصة من دمشق.

العربي الجديد

————————–

من الانهيار الجزئي إلى ثورة الجياع/ عمار ديوب

ثورة الجياع. هي عبارة بدأت أقلام إعلامية تتناولها، قاصدة التمييز بين ثورة 2011، والاحتجاجات التي بدأت تطلّ برأسها مؤخراً من مدينة السويداء، وكأنّ ثورة 2011 لم تكن بدورها نتاج الإفقار العام، الذي راح يتراكم بسبب الاعتماد الممنهج للنظام للسياسات النيوليبرالية في عام 2000. الأخيرة، سياسات عالمية، ومفروضة محلياً، وهي جذر الانتفاضات في تونس ومصر، وكافة الدول العربية؛ حصيلة تلك السياسات، تمركز الثروة بأيدي فئات قليلة، وحرمان الأغلبية منها، والتبعية للخارج.

الآن، تطل الاحتجاجات في سوريا من جديد، ومنذ 2019 كانت الاحتجاجات في العراق والسودان ولبنان ذات جذرٍ اقتصاديٍّ معلن وصريح، وأصبحت أغلبية التحليلات، تتحدث عن الأخيرات، باعتبارها ثورات “اقتصادية”، ولها شق سياسي، تكثفها المقولة اللبنانية، الجامعة المانعة، نريد إسقاط النظام بأكمله “كلن يعني كلن”.

إذاً الثورات الجديدة ليست منقطعة الصلة عن السابقة، بل هي تكملة لها. إن هذا الإكمال، يوضح طبيعة ثورات 2011، وأنها لم تكن ثورات سياسية محضة، ومن أجل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، بل كانت بأصلها شعبية اقتصادية، ولها شق سياسي دون شك. نوضح أكثر: إن الأساسي بثورات 2011، و2019، والآن هو الاقتصادي، بينما يشكل السياسي فيها، أي الديمقراطية، الشق الثاني فيها. نمايز هنا، ولا نقطع الصلة بينهما؛ الليبراليون لم يروا الواقع أبداً، فهم ينطلقون من حكاية الديمقراطية فقط، ولهذا لم يكونوا أمينين لها جيداً، وتحالفوا مع الإسلاميين من أجل الوصول إلى السلطة.

القضية إذاً، لم تكن حتى الديمقراطية، بل السلطة، وإلّا كيف يتحالفون مع قوى مناهضة لمنظومة المواطنة ولا تعترف فعلياً بالديمقراطية. السبب في ذلك، برأينا، أنها، قوىً كبيرة، والأنكى التحالف مع الدول الخارجية، وهذا بدوره، يعني تسليم البلاد للخارج والارتهان للتبعية؛ التحالف مع الإسلاميين والخارج، يعني في أفضل الأحوال قلة فهم للواقع، وفي أسوئها، مقبولية كاملة للتبعية، كما فعل النظام تماماً. وبالتالي انتقال بلادنا إلى مزيدٍ من الإفقار والاستغلال والتفكك، ولهذا كانت الثورة مناقضة لهذه الرؤى، ومن أجل رفع كافة أشكال المظلومية، وأولها الاستغلال الاقتصادي، وثانيها إعادة مشاركة الشعب في الانتقال الديمقراطي، وتقرير مستقبل البلاد.       

إن أوضاع مصر وتونس وسوريا والسودان والعراق ولبنان، ازدادت سوءاً. في سوريا التي ابتليت بالحرب لقتل الثورة، انهار الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل مهول، وهناك الهجرة الكبيرة لرؤوس الأموال ولأكثر من عشرة ملايين سوري، وازداد رحيل الاثنان في الأعوام الأخيرة. النظام بدوره لم يتوقف عن سياساته النيوليبرالية، واعتمد اقتصاد الحرب، وخرجت أغلبية الموارد الباطنية عن سيطرته، وهناك الفساد والنهب المنظم. لم يتراجع قيد أنملة عن سياساته قبل 2011، بل وأعطى لكل من روسيا وإيران استثمارات واسعة في سوريا، خرجت بموجبها أغلبية قطاعات الاقتصاد السوري من الدخل القومي، وبالتالي انهيار الدخل الفردي، وهناك التضخم الكبير للعملة.

إن الأسباب الأخيرة بدورها، أوقدت نيران الاحتجاجات. كان قرار التراجع عن الدعم، لأكثر من 600 ألف عائلة، سبباً في اندلاع الاحتجاجات في السويداء، وهناك مؤشرات إلى تأزّم كبير في مدن الساحل. أغلب المراقبين يرون أن الاحتجاجات الحالية، لا تقتصر أهدافها على مدينة السويداء، فهناك رسائل إلى أهالي طرطوس وحلب وحمص واللاذقية، وكلها تنطلق من الاقتصادي، والحق بالثروة والعدالة، وبعضها يؤكد على القرار 2254، أي لا بد من هيئة حكم جديدة، وبصلاحيات كاملة، وأن استمرار النظام الحالي سيؤدي إلى تدهورٍ مستمر، أكثر فأكثر.

 لقد توسعت الاحتجاجات في السويداء كثيراً، وضمت فئات جديدة، ونسقط من تحليلنا المجموعات المرسلة من أجهزة النظام الأمنية للمشاركة بها وتخريبها. نعم، حينما تعلِن المؤشرات الاقتصادية أن أكثر من تسعين بالمائة تحت خطر الفقر، وتحتاج إلى مساعدات إنسانية دولية، فهذا يعني أن الاحتجاجات نتيجة طبيعية للوضع السابق، وأنها قابلة للتمدد إلى مناطق أخرى، وقابليتها تلك تظل قائمة، ولو تراجعت الحالية.

تكمن مشكلة الاحتجاجات في سوريا، ويبدو أن المشكلة لا تتعلق فقط بتعقيدات الوضع السوري؛ فالاحتجاجات في لبنان والعراق، تعاني أيضاً من غياب التنظيمات، والرؤية السياسية الوطنية؛ الأمر بالسودان مختلف، حيث هناك تنظيمات نقابية سابقة وأحزاب سياسية قديمة، وشروط خاصة بهذا البلد، وكلّها تُجمِع على استمرارية الثورة، وكأنها تنطلق اليوم، وليس في 2019. الاحتجاجات في السويداء، ورغم خصوصية المدينة، ورغبة النظام ألا يعاديها وتعاديه هذه المدينة، تعاني من فقدان التنظيمات، وهناك تشتت في القوى المنخرطة بالاحتجاجات، وهي تشبه احتجاجات السوريين 2011. هذه مشكلة كبيرة، وقد تسمح للنظام بدفعها نحو اتجاهات عسكرية مثلاً أو طائفية، أو اتجاهات أخرى.

هناك مسؤولية كبيرة على القوى المعارضة في هذه المدينة، أو المثقفين. يمكن الاستفادة من الوضعية الخاصة للمدينة، والاشتراك في الاحتجاجات، ولا سيما إن رأوا أنها لن تتراجع، وليست مقادة بالكامل من قبل النظام، ولكن هل يمتلك المعارضون رؤية لمستقبل الاحتجاجات هناك؟ إذا كانت الاحتجاجات ذاهبة نحو التجذّر، والأوضاع الاقتصادية تفترض ذلك، فإن دخول تلك المعارضة، سيدفع بالاحتجاجات نحو التنظيم، والسلمية، ورفض اللغة الطائفية، وتعزيز الرؤية الوطنية للمشكلات، وإشراك النساء، حيث لوحظ هامشية وجودهن بها.

ما هو غير قابل للتغيير، ويحاول النظام التراجع عن رفع الدعم، أن الأوضاع لن تتغير، وأن السوريين يراقبون التحرك في السويداء، ومحاولات النظام لتخفيف الأزمة غير ممكنة من أصله؛ تكمن القضية في السياسات الليبرالية واقتصاد الحرب، وهناك مشكلة الكهرباء والماء والأجور المتدنية، والعصابات المنفلتة والخطف، وهناك الاحتلالات، والأسوأ انعدام الأمل بحلٍ سياسيٍّ قريب. أغلبية أهل المدينة يؤكدون أن الدولة لم تغير أو تعدل سياستها أبداً منذ 2011، وما زال الفساد والنهب والآن عصابات القتل والاختطاف، وكلها تابعة للنظام. لا يرى محللون كثر، أن المشايخ سيتمكون من إعادة الناس لبيوتها، وليست المجموعات التابعة للأجهزة الأمنية بقادرة على جرِّ الاحتجاجات نحو قضايا فاشلة، كالتطييف أو التسليح، وعدا ذلك يركز المحتجون على الجانب الاقتصادي بشكل كبير، وهناك امتناع النظام عن قتل المحتجين حتى الآن.

قضايا كثيرة قد تسمح باستمرار الاحتجاجات، ولكنها ستتراجع بالنهاية لأسباب شتى؛ ما ينقذها من التلاشي هو التنظيم المحلي على مستوى المدينة، واندفاع مدن الساحل للاحتجاجات، أو دمشق أو حلب، فهل ستتحرك بقية المدن السورية. الواقع يفترض ذلك، ولكن تعقيدات كبيرة تقف كجبلٍ أمام المواطنين من القيام بذلك، فهل تتكسر سلاسل الخوف والرعب والتطييف، ويتحّيد من ليس منها عن جسدها؟

—————————–

السويداء .. تاريخ طويل من النضال الوطني/ محمود الوهب

قد يكون رغيف الخبز السبب المباشر لتلك الاحتجاجات، لكنه في عمق دلالته يعدُّ “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، فقد طفح الكيل، وبلغ الظلم مداه، لا على أهل السويداء في سورية فحسب، بل على كل من لا يزال تحت قبضة النظام. فالوضع المعيشي في المدن السورية كلها ينذر بأخطار جسام، وهذا طبيعي بعد أن تسبب النظام بتدمير كل ما في سورية من خيراتٍ وقيم وطنية واجتماعية. ولكن هناك ما هو أخطر من أمر الرغيف، على أهمية الرغيف ورمزيته، إنه هدر كرامة المواطن وإذلاله، فالغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية الضرورية لأغلبية الناس زادا عن حدّيهما، وبسببه تُمتهن كرامة المواطن، إذ غدا يُدفع إلى بيع ما تبقى من ممتلكاته لا ليأكل، بل ليدفعها للمهرّبين الذين يمكن أن يخرجوه من حالة الاختناق التي يعيشها! ولا يزال النظام يمنّن المواطن بـ “مواقفه الوطنية” ومقاومته العدو، ويتهم كل من يخرج ليتدبّر شؤون عيشه بالخيانة والعمالة لإسرائيل، في إشارة إلى احتجاجات محافظة السويداء، بينما طيران العدو الإسرائيلي يصول ويجول في فضاء دمشق ومحيطها، على نحوٍ، شبه يومي، بعد أن حوَّل النظام البلاد إلى ساحة حربٍ دوليةٍ بالوكالة.. وجعل السوريين يحصدون ويلاتها موتاً مجانياً وقسوة حياة، بينما كبار قادة الجيش يعملون في زراعة المخدّرات وتجارتها، فلا يكاد يمضي أسبوع على فضيحة ما في هذا الشأن حتى تتبعها أخرى! وما زاد على ذلك أن نخبة قليلة من رجال السلطة، ومن المحسوبين عليها، يعيشون حياة بذخ غير مسبوقة، فالمطاعم الفاخرة، والفنادق ودور الدعارة، وانعدام الأمن، وجرائم السطو والخطف والاغتصاب، وتعاطي المخدّرات وحجم ثروات أسرة الأسد تزداد وتودَع في روسيا وغيرها.

وإذا كانت مستشارة الأسد، بثينة شعبان، قد ألمحت في تصريحها بهذا الشأن إلى الحراك المتجدّد في السويداء الذي يأتي على أرضية وطنية، فلا هي ولا أحد سواها يستطيع المزاودة على أهالي السويداء الذين قدّموا مئات الشهداء لطرد المحتل الفرنسي، وعانوا ظلم النظام أضعافاً مضاعفة! وكانوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة عرضة لعدوان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي شنَّ هجوماً على محافظتهم في يوليو/ تموز 2018، وقد بلغ عدد ضحاياه نحو 220 قتيلًا، وفق ما أعلنه المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد ذكر رئيس المرصد، رامي عبد الرحمن، أن تنظيم الدولة الإسلامية خطف 36 مدنيًا بين نساء وأطفال لدى ذلك الهجوم.. وكان التحالف الدولي قد ذكر، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، أن الحكومة السورية سهّلت مرور “داعش” إلى منطقة قريبة من السويداء (موقع السويداء 24). وغاية ذلك الضغط على الأهالي الذين منعوا أولادهم من الالتحاق بالجيش، ودانوا هذه الحرب المفتوحة على الشعب. وعلى الرغم من أن هذه المسألة عامة، إلا أن النظام تاجر بها للضغط على أهالي السويداء. والحقيقة أن السبب العميق لهذا الأمر أن أهالي السويداء وغيرهم أدركوا، منذ البداية أن هذه المعركة ليست معركتهم، فهي ليست وطنية، بل للدفاع عن نظامٍ مستبدٍّ قاد البلاد السورية إلى الدمار والخراب الكلي.

وإذا كان من مغزى لاحتجاجات أهالي السويداء، فهي تلغي كلَّ محاولات حافظ الأسد لزراعة فكرة حمايته الأقليات السورية في أذهان بعضهم، بينما هي في أصالة أهل السويداء وصل ماضيهم الوطني بحاضرهم الذي يتطلب قول كلمة حق بوجه حاكم جائر، وقد قالوها بألوان شتى! وغني عن القول الإشارة إلى دور السويداء في الثورة السورية الكبرى عام 1925، فسلطان باشا الأطرش كان أول من رفع علم الثورة العربية في بلدته القريَّا، وهو الذي رفض عرض الفرنسيين عليه حكم جبل الدروز (محافظة السويداء) بصفته الزعيم الدرزي الأبرز يومها. وهو الذي أعلن بيان قيام الثورة السورية الكبرى في 21 يوليو/ تموز عام 1925، ردّاً على المظالم التي قام بها الفرنسيون في معظم المدن السورية، ومن ذلك محاكمة الثوار في حلب، وإصدار المفوّض السامي الفرنسي في بيروت، موريس بول ساراي، قراراً نفى بموجبه جميع أفراد أسرة عياش الحاج من مدينة دير الزور إلى مدينة جبلة، وحكم على محمود العيّاش مع 12 ثائراً من رفاقه بالإعدام، ونفِّذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في 15 سبتمبر/ أيلول عام 1925 في حلب، كما حكم على محمد العيّاش بالسجن 20 عاماً في جزيرة أرواد في محافظة طرطوس. وإمعاناً بالتشفّي والانتقام، اغتالت السلطات الفرنسية في ما بعد عميد أسرتهم عياش الحاج في أوائل عام 1926، وأقيمت صلاة الغائب على روح هذا المجاهد في البقاع السورية كافة.

ومما يذكر أن سلطان باشا الأطرش نال لقب “باشا” لقاء بطولاته في الجيش العثماني، ومنحه اللقب ثانية عبد الرحمن الشهبندر الشخصية الوطنية السورية المعروفة. لكنَّ حافظ الأسد كان قد ألغى لأهالي السويداء احتفالاً سنوياً جعلوه تقليداً لإحياء مناسبة عيد الجلاء في السابع عشر من إبريل/ نيسان لكل عام، وقد اعتاد الأهالي أن يجتمعوا في بلدة القريَّا، بلد سلطان باشا الأطرش، يستذكرون البطولات السورية، وأحياناً يضمّنون مطالبهم بعض القضايا العامة، ومنها: ما هو سياسي مثل إيجاد هامش ديمقراطي وإلغاء حالة الطوارئ وسوى ذلك، ما دعاه، في إحدى السنوات، إلى سجن صاحب الكلمة عامين، وهو مهندس اسمه إسماعيل الأشقر. والحقيقة أن الأسد أراد إلغاء هذا الإرث الوطني كما ألغى الاحتفال بعيد الجلاء بعد أن اختصره في السنوات الأولى من حُكْمِه ببضع كلماتٍ يلقيها بعض قياديي حزب البعث والجبهة الوطنية في قاعات مغلقة، بعد أن كانت احتفالات الجلاء أيام الحكم “الرجعي” شراكةً مع الشعب السوري كله.

والحقيقة أن الحديث طويل عن السويداء ودورها الوطني، وما هو ماثل الآن أنَّ الشعب السوري في مناطق النظام يتقلب على صفيحٍ ساخن، وقد تبخّرت مزاعم النصر، ولا أحد يعلم متى يكون الانفجار الكبير، إذ لا حلول عاجلة، ولا تطبيع مع العرب، ولا مع غيرهم، ولا إعادة إعمار، والروس والإيرانيون يستثمرون حال الشعب المريرة بالتهام ما تبقى، فهل تكون المعارضة جاهزة لملاقاة ما هو قادم؟! وهل تُراها توصيات ندوة “سورية إلى أين؟” التي انتظمت أخيرا في الدوحة، واستنتاجاتها السياسية في طريقها إلى التنفيذ العملي؟! لعلها كذلك فالشعب السوري داخلاً وخارجاً يأمل ذلك.

العربي الجديد

—————————–

النظام السوري .. نظرة إلى الداخل/ فاطمة ياسين

يواجه اقتصاد النظام السوري في الوقت الحالي لحظاتٍ حرجة، فبعد أن جفّت موارده، ولم يعد من كان يموّله قادرا على الثبات، أضحى عاريا وحائرا فيما يفعله مع الملايين العشرة التي ما زال يسيطر عليها. مع توسّع الحراك ضده، قبل عقد، لجأ النظام إلى ممارسة الاقتصاد الحربي، بتقنين ما بقي من موادّه الأساسية، وما يستطيع أن يهرّبه عبر موانئه، وتوزيعه بشكل عشوائي على من بقي في سورية، ثم وكخطوة “حضارية”، انتقل إلى التوزيع عبر بطاقات إلكترونية تضبط الدور رقميا، وهو في الحقيقية أخفى الطوابير التي كانت تصطفّ بالمئات في الشوارع، إلى طوابير أطول، تنتظر في بيوتها شهورا، لتحصل على فتاتٍ من المواد الأساسية. ويبدو أنه اليوم قد وصل إلى نقطة حضيضٍ جديدة، محطّما أرقامه القياسية السابقة، فأوقف الدعم عن فئاتٍ عديدة، وفرض عليها، للحصول على ما تريده من الأسواق، دفع مبالغ مضاعفة، وهو تصرّف يوحي بأن مستودعات النظام قد أصبحت أكثر خواء، وأن داعمي النظام أصبحوا أكثر بخلا وتقتيرا، فلم يبق أمامه إلا مزيد من التشديد، وهو يعوّل في ضبط الشوارع على قوة رجال الأمن.

تحطّمت أحلام النظام، ومن خلفه روسيا، في إعادة الإعمار، وأصيبت جهودهما بإحباط شديد، فقد حاولت روسيا تسويق مشروعها لإعادة الإعمار فوجدت نفسَها في ورطةٍ كبيرة، ومواجهةٍ مفتوحةٍ ذات عواقب مدمرة مع أوروبا، ومن ضمنها دول كانت تحت جناحها السوفيتي أو الشيوعي السابق، وخلفهم جميعا الولايات المتحدة التي تحاول الزحف ببطء، لتصل إلى أقرب مسافة من روسيا. وعلى الرغم من محاولات عربية قليلة، وصل بعضها إلى فتح سفارته في سورية، وتعيين سفير أو إرسال وزير إلى هنا أو هناك، لكنها فشلت في تشكيل الرافعة المطلوبة لتعويم النظام، فغرق أكثر في دوامة حيرته، لعجزه عما على الدولة القيام به. ظهر التململ واضحا في مناطق لا تصنّف معارِضة، وتحرّكت، في الأيام الماضية، محافظة السويداء بأعداد كبيرة، معبّرة عن رفضها سياسة النظام الاقتصادية. وظهرت شعاراتٌ ذات سقفٍ مرتفع ومطالباتٌ غير اعتيادية. ووسط هذا الجحيم كله، تراجعت إيران إلى الخطوط الخلفية، فقواتها ومخازنها ومليشياتها في سورية تتعرّض للهجوم مرّة تلو المرّة، وهي عاجزة بشكل كامل عن الرد، وعينها على محادثاتها في جنيف، لإنجاح الاتفاق النووي، آملةً أن تخفّف عن نفسها الضغط بمجرّد التوقيع عليه. ولكن إنجاز هذا الاتفاق، في هذه اللحظة، ليس قريبا بشكل كاف، خصوصا أن إسرائيل قد باشرت خطة بديلة للمواجهة بالتقرّب من منطقة الخليج. وهذا كله يجعل حضور إيران على الساحة السورية أقل كثافةً من قبل، ووجودها الحالي لا يساهم بأي حل اقتصادي مرجو، بل تمارس مليشياتها وقواتها ضغطا على مرافق النظام ذاته، ما قد يؤدّي إلى تدهور أكبر، وإجراءات تقشّف أشد يدفع ثمنها المواطن السوري.

يبدو أن النظام قد وصل بالفعل إلى حائط يسدّ الطريق الوحيد الذي يسير فيه، وتحوّلت سورية إلى بلد خالٍ من الموارد، بخزينة فارغة، وجهاز حكومي شره وفاسد وغير جديرٍ بأي مسؤولية. وقد اقتصر الدعم الذي يتلقاه النظام من روسيا على السياسة أو المساندة العسكرية، من دون أية مساهمة في الاقتصاد، وفقدان أي مساعدة من إيران، وهي غير قادرة إلا على إبقاء مليشياتها في العمق السوري، بالشعارات ذاتها التي ترفعها ضد الصهيونية. لم يبق أمام المواطن السوري المحاصر سوى التظاهر في الشارع، رغم بطش أجهزة النظام، أو الهروب إلى الخارج. وقد توجهت بالفعل جحافل من السوريين الذين نجحوا في تجاوز لوائح الدور الطويلة، ودفع مبالغ خيالية، بمقاييس الداخل، للحصول على جواز سفر، نحو أي دولة أملا بلحظةٍ أفضل، حين وصل بهم الحال في الداخل إلى نقطةٍ يصعب معها التعايش.

العربي الجديد

—————————–

انبعاث “القضية الدرزيّة” في سوريا/ عبدالناصر العايد

في الرابع من آذار المقبل، تحلّ ذكرى مرور قرن على إعلان دولة السويداء من طرف سلطة الانتداب الفرنسي، والتي تبدل اسمها إلى دولة جبل الدروز العام 1927، والدولة هذه جاءت ثمرة “قضية درزيّة” في سوريا العثمانية، لم تسمح لها نخب الطائفة أن تأخذ مساحة كافية في الخطاب وفي صفحات التاريخ المكتوب، على أمل أن تُطوى نهائياً لصالح حالة إجماع واجتماع وطني، مثل الذي أدى إلى إعادة دمج دولتهم في الدولة السورية العام 1936.

لكن، وقبيل أسابيع من هذه الذكرى، ها هي “القضية الدرزيّة” في سوريا تعود إلى البروز برايتها ذاتها وخصوصياتها ورجال دينها، لتجهر الجماعة بما سكتت عنه لعقود، وهو أن الاندماج الوطني فشل، وأنها تضع نفسها خارج الجماعتين المتصارعتين على السلطة، والإطار الذي يضعه كل منهما كمحدد للوطنية التي ما زالوا يؤكدون دعمهم لها، لكن ليس بصيغتها “السنيّة” المرسلة على عواهنها، من خلال التذكير المستمر بهجمات داعش على المقرن الشرقي، ولا بصيغة “حلف الأقليات” الذي وقع الطلاق البائن معه منذ أن غدر صلاح جديد وحافظ الأسد بسليم حاطوم ورفاقه في الستينيات، إبان جولات التصفية المتتالية التي أفضت إلى انفراد العلويين واستئثارهم بالسلطة المطلقة، وبطبيعة الحال مروراً بانشقاق حمود الشوفي المدوي في الأمم المتحدة، وتمرد وتغييب شبلي العيسمي.

يمكن مقاربة احتجاجات أهالي السويداء، يوم الجمعة الفائت، أمام دار الطائفة الدرزية أو مقام عين الزمان، على ثلاثة مستويات مترابطة ومتشابكة، يصعب الفصل بينها سوى نظرياً. أولها، بطبيعة الحال، المعلن عنه، وهو تردي الحالة المعيشية وقرار سحب الدعم عن المواد الأساسية لشرائح واسعة من المواطنين. والخاص في السويداء هنا، أن سكان المنطقة الفقيرة بالموارد، وغير المستفيدة من قطاع الدولة الإداري بنسبة كبيرة، تعاني مشاعر الغبن النسبي والتمييز السلبي، والمؤدي إلى تهجير أبنائها، كما غالبية المناطق السورية، لكنه في السويداء ذا دلالة.

فقد يبدو الربط بين الحرمان والتهجير، غير مفهوم، ما لم يُنظر إليه من وجهة نظر الجماعة الطائفية، حيث يمثل العدد مسألة بالغة الحساسية لكل أقليّة. ويمكن أن نضيف إليها أن الدروز تحديداً، يثقل كاهلهم وعي شقي بكونهم جماعة فريدة وصغيرة على مستوى العالم، وليس في سوريا وحدها. فهم بلا امتداد ولا عمق استراتيجي، ولا ظهير يحميهم سوى عدد أبنائهم الموزعين على بضع قبائل تنتشر من الجليل إلى السويداء، يعتمد بقاؤها على عدد المدافعين عنها أمام هيمنة السنّة المستندين إلى متن العالم الإسلامي، والعلويين والشيعة الذين يلوذون بالصف الشيعي كلما حفت بهم المخاطر، وحتى المسيحيين الذين يتمتعون بحماية وانتباه العالم الغربي وروسيا معاً.

أما لماذا ينتهج النظام طريق تهجيرهم، فيرجع نشطاء من المنطقة ذلك إلى موقف الطائفة من الأحداث التي عصفت بسوريا منذ العام 2011، والتزامهم ما يشبه الحياد نحوها، وحفاظهم على عددهم وقوتهم. بعبارة أخرى، التنصل من “واجباتهم” كجزء من حلف الأقليات التي يزعم النظام تمثيلها وحمايتها، ويتذرع بذلك للإمساك بالسلطة، وكان يرتجي دعماً درزياً، ولو بالأقوال، وهو ما لم يحدث.

أما المدخل الثاني، فهو الفرضية المقابلة التي تقول بأن النظام تعمّد استفزاز أهالي السويداء بالقرار الذي شابته أخطاء واسعة في أسماء من أُسقط عنهم الدعم، وقد اعترف مسؤولوه بها، من دون أي اجراء لتلافيه، كأن يُعلّق تنفيذه إلى حين البت في الاعتراضات. ويقول أهالي السويداء أن نسبة الخطأ في مناطقهم لا تقارن بمثيلاتها في منطقة الساحل مثلاً. وتفسيرنا أن رأس النظام الذي سلبه شريكاه الروسي والإيراني معظم سلطاته وأدوات الحكم، يخشى أن يضعفه ذلك إلى درجة أن يصبح الاستغناء عنه في لحظة ما، أمراً يسيراً. ومن خلال استثارة هذه التمردات، سواء في السويداء، أو بين العلويين والمثقفين، التي لوحظت أيضاً في الآونة الأخيرة، يريد الضغط على حلفائه لترك شيء ما له، مُهدِّداً بإخراج الأمور عن السيطرة. وقد جاء الرد بتحرك الروس نحو المحافظة، للمرة الأولى، وإجراء ما يشبه الاستجواب للمحافظ حول حالات الحرمان الجائرة من الدعم. ويتوقع أن تتخذ القيادة الروسيّة مبادرة شبيهة بما فعلته في درعا المجاورة، لتسوية الأزمة مؤقتاً، لكنها لن تنجح عموماً إن لم تُلبِّ بعض مطالب النظام.

المستوى الثالث هو صراعات النفوذ الإقليمية. فقد اتهم بعض المحتجين، إيران، بالوقوف وراء تجويع المنطقة وإفقارها وتفريغها من سكانها المناوئين لها ولنفوذها. وفي الواقع، أن محاولات حزب الله والمليشيات الإيرانية، لم تتوقف، منذ بداية الثورة السورية، عن محاولة اختراق الكتلة الدرزية، وكان رأس حربتها سمير قنطار الذي قُتل في غارة إسرائيلية على حي جرمانا ذي الغالبية الدرزية في أطراف دمشق. وعلى ارتباط بهذا المستوى والمستويين أعلاه، جاءت أخبار الاجتماع الذي عقده مجلس الطائفة الدرزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوم الجمعة الماضي، برئاسة الشيخ موفق طريف، والذي خلص “إلى ضرورة تجنيد الرّأي العالميّ وطرح موضوع الجبل عبر المحافل الدّوليّة”، و”استمرار تقديم المساعدات الإنسانيّة وضمان وصولها إلى المستحقّين، من أجل تيسير شراء الاحتياجات والمؤن الأساسيّة داخل الأراضي السّوريّة وتوزيعها هناك”، مضيفاً أن ذلك “امتداد للنّهج الجاري منذ انطلاق الأزمة واستمرار هذه الحملات الّتي لم تتوقّف حتّى يومنا هذا”.

يصعب تخيل حدوث صدامات مسلحة في السويداء. فلا النظام يجرؤ، ولا الدروز مستعدون، لكن تسوية كاملة للمسألة غير ممكنة أيضاً. المؤكد الوحيد أن القضية الدرزية في سوريا انبثقت مرة أخرى، ووضعت نفسها إلى جانب القضيتين السنيّة والكرديّة المكرستين في شبه دول، في شمال وشرق سوريا. وسيأتي يوم تظهر فيه أيضاً قضية علويّة، وربما تركمانية، لتعود سوريا بعد قرن من الزمان، إلى حال من التفكك أسوأ مما كانت عليه قبيل تأسيسها. وذلك كله بفضل ديكتاتورية متخلفة خرقاء، على استعداد دائم لتدمير كل ما يعترض طريق “أبدية” سلطتها، بما في ذلك حاضنتها الاجتماعية، بالمعنى الطائفي. وسيكون على السوريين انتظار ولادة جيل جديد من النخب والسياسيين، لهم مناقبية وبُعد نظَر سلطان الأطرش وأقرانه، لانتشال المشروع الوطني ودولة المواطنة، من قعر الخراب الذي يُدعى سوريا الأسد.

—————————-

بماذا سيتهم النظامُ حراكَ السويداء؟/ نزار غالب فليحان

استسهل النظام على مدى أحد عشر عاماً النيل من سلمية وعدالة الثورة السورية حيث وصفها منذ أيامها الأولى على لسان بثينة شعبان بالحرب الأهلية والطائفية للنيل منها وتشويهها وتبرير جرائمه بحق كل من آمن بها وسار في ركابها.

لكن انخراط كوادر وناشطين ومفكرين ورموز لا يمكن للنظام أن يتهمهم بالإرهاب أو الأصولية كان يقلقه ويكذِّب ادعاءاته، كما أن أي حراك في مناطق لا يعرف النظام كيف سيفتري على ثوارها ولا يمكنه تصنيف من يسيرون فيها ويسيِّرونها على أنهم جماعات أصولية أو تكفيرية أو إرهابية كان يصيبه بحالة من الهستيريا، لذلك كان لزاماً عليه خلق كيانات من طينته يحارب من خلالها الشعبَ الأعزلَ ويجعل منها الحجة أمام المجتمع الدولي لإجهاض الثورة والقضاء عليها.

في الثالث عشر من شهر تموز العام 2011 انطلقت من أمام جامع الحسن في حي الميدان الدمشقي مظاهرة تقدمها ثلة من المثقفين والفنانين الذين التزموا مطالب الشعب كان بينهم المرحوم خالد تاجا، والمرحوم نبيل المالح، والمرحومة مي سكاف، بدأت المظاهرة بترديد المتظاهرين للنشيد الوطني ثم الهتافات التي دأب السوريون في كل أرجاء البلاد على ترديدها “الله سوريا حرية وبس” “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” ولِما كان في هذين الهتافين من أثر موجع على النظام لأن مفهومَي حرية الشعب ووحدته هما الهدفان الحقيقيان لآلة قمعه، فقد تصدت القوات الأمنية للمتظاهرين واعتقلت 20 متظاهرة ومتظاهراً، كان من بينهم الأخوان ملص، وريما فليحان، والمرحومة مي سكاف، ويم مشهدي، وفادي زيدان، ونضال حسن، وسارة الطويل، وإياد شربجي، وغيفارا نمر، ومحمد زاكر الخليل وآخرون.

أحرجت هذه المظاهرة النظام لأنه عجز عن وسمها بالإرهاب، وما زاد طين النظام بلة أن المتظاهرين يمثلون كل سوريا وكل السوريين، الأمر الذي أرغمه على تحريرهم، لكنه بالمقابل كثف مضايقتهم وملاحقتهم وتهديدهم بالقتل حتى غادروا البلاد جميعاً.

في السابع من حزيران العام 2020 انطلقت في مدينة السويداء مظاهرات طالبت بالكرامة والعيش الآدمي والعدالة والمساواة وتصاعدت المطالبات حتى وصل سقفها إلى المطالبة برحيل النظام، وقد عجز النظام حينها عن وصف المتظاهرين بالإرهاب لأنهم كانوا سلميين تماماً وغير مسلحين، وكانوا للتو قد واجهوا دواعش النظام شرقي المدينة وقدموا في معركتهم التي فرضها النظام عليهم مئات الضحايا، فما كان منه إلا أن أمر شبيحته بقمع التظاهرات وتنظيم مسيرات (عفوية) مقابلة اعتقل على إثرها متظاهرين وناشطين.

وبعد تجدد الحراك المدني السلمي في السويداء شهر شباط الجاري سَيَّرَ النظام قواته وعصابات حلفائه باتجاه السويداء، طوقها وهدد أهلها بدواعشه، لكن الأهالي لم يوقفوا الحراك بل خرجوا وتابعوا وقفاتهم الاحتجاجية في تَحَدٍّ واضح لآلة قمع النظام التي خبرناها منذ أربعين عاماً في مجزرته بحق أهالي مدينة حماة شباط العام 1982، ما يشير إلى أنه لا يمكن أبداً المراهنة على هذا النظام الذي أسس أصلاً على القمع والإلغاء والقتل، ولا يمكن أن يُؤْتَمَنَ جانبه لأنه لن يتردد بضرب أي مكون سوري يحاول أن يقف في وجهه، لكن ما يدفع باتجاه الظن أنه لن يرتكب حماقة ويضرب المتظاهرين في السويداء هو خلو يده من حجة يقدمها للمجتمع الدولي، لأن هذا الأخير الذي لطالما نافق وغض الطرف عن جرائم ومجازر النظام بحق الشعب السوري الأعزل في مناطق أخرى من سوريا متستراً بأكذوبة محاربة الإرهاب سيكون محرجاً ولن يقبل أبداً هذه الفرية في السويداء لأنها منطقة أقليات حسب تصنيفات لغة السياسة وتصنيفات العالم المنافق ذاته، لاسيما وأن النظام يقدم نفسه إلى العالم على أنه الحامي والحاضنة لهذا المكون الأقلوي ولسواه من باقي الأقليات.

إذاً… بماذا سيتشدق النظام؟ وكيف سيشيطن هذا الحراك؟ وهل ثمة وضيع واحد يمكن أن يخضع لإرادة النظام ويعتدي على الحراك أو يشارك في تشويهه؟ وبأي لسان سوف يخاطب النظامُ العالمَ فيما لو ضرب السويداء؟

لكنْ تبقى فرية (التعامل مع العدو الإسرائيلي) الحجة الذهبية التي يمكن أن يشهرها النظام (الممانع) متى شاء، وبالفعل أطلق النظام هذه الفرية ضد المتظاهرين في السويداء على لسان بثينة شعبان مرة ثانية، لكن تلك الفرية البائسة باتت اليوم أكذوبة الأكاذيب لأن التعامل مع إسرائيل بات أسلوب حياة عند الكثيرين من العرب فتجاوزت بذلك حدود العار ولم تعد ادعاءً كافياً لقمع حراك ثوري. كما أن النظام لا يملك أن يتهم غيره بالتعامل مع إسرائيل لأنه غارق أصلاً في هذا الوحل، فبماذا سيتهم النظامُ الحراكَ في السويداء؟

——————————–

——————————-

دهاء التاريخ هل ينقذ سوريا والسوريين؟/ د. فيصل القاسم

أوجد هيغل هذا المفهوم خلال القرن الثامن عشر، ويُقصد بمكر التاريخ أو دهائه، أن للتاريخ مستويين اثنين: الأول ظاهري، والمستوى الثاني هو باطني وخفي.

ويعتقد هيغل اعتقاداً راسخاً أنّ التاريخ لا يُسيّره الأفراد بل هو الّذي يتحكّم بهم ويقودهم، وبالتالي لا يوجد شخص ما هو صانع التاريخ، التاريخ هو الصانع لكلِّ شيء. ردّد هيغل باستمرار عبارة مكر التاريخ، لأنّه عاصر نابليون بونابرت، ورأى ذلك الدمار الذي خلّفته ديكتاتورية الفرنسي نابليون، هنا عارض هيغل هذه التصرفات المتغطرسة والمشينة، والتي انقلبت على فلسفة الأنوار. لقد كان هدف نابليون من غزو أوروبا وبعض دول شمال إفريقيا هو إحكامُ قبضته على العالم، ويصبح كل شيء تحت إمرَته، لكن مخططهُ ذاك فشلَ فشلاً ذريعاً. نفس الاستراتيجيّة اعتمد عليها هتلر خلال الحرب العالميّة الثانية، هي أيضاً لم تتحقّق. أراد نابليون أنْ يُوقف التاريخ، ويجعلهُ جامداً، وفي نهاية حياة نابليون اتّضح أنّ التاريخ الظاهري والسطحي لعصر نابليون هو القتل وسفك الدماء وحز الرؤوس، وتوحيد أوروبا وتُصبح تابعةً له، كل هذا لم يتحقّق، أمّا التاريخ الباطني كان هو انسلال أفكار الثورة الفرنسيّة سنة 1789م، هذه الأفكار هي التي جعلت العالم البشري ينفتحُ على تجربةٍ كونيّة، ومن بين هذه الأفكار الحريّة، الديمقراطية، العقلانيّة، المساواة، الإخاء.

وهناك مثال آخر، فعندما اشترى الاقطاعيون الرومان أراضي الفقراء أدى ذلك الى ثورة الفقراء وتدمير الجمهورية، وبذلك سخر العقل بدهائه ما لم يكن يفكر فيه الاقطاعيون الرومان. بل يمكن القول إن تصرفات الحمقى بكل ما تثيره في النفس من غضب وسخط وازدراء قد تجد صداها في مسيرة التاريخ، ولنا في النظم الاستبدادية التي سبقت ثورات الربيع العربي بما اتسمت به من غباء وعناد وغطرسة، وعداء مع العقل والمنطق، وتسخير لكل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والإعلامية والاقتصادية لخدمة مصالحها وأهوائها، لنا في هذه النظم الاستبدادية نموذج للدور الذي لعبته حماقتها في تفجير الثورات. بعبارة أخرى، فإن الأفراد الذين يتبعون مصالحهم الخاصة وينفذون مشروعهم الفردي، قد ينتهون دون أن يعلموا إلى تفعيل مشروع كلي وفائدة جماعية. ولكن هذا المعنى الخفي يظهر فقط عند النهاية ويحققه الأفراد دون أن يعلموا (مكر العقل).

والآن نأتي إلى الحالة السورية ودور مكر التاريخ فيها. كثيرون قالوا وتساءلوا: لو فعل النظام السوري هذا وذاك لما وصلت سوريا إلى هنا، لكن هناك شيئاً يسميه المؤمنون بالعناية الإلهية، التي علمها هيغل وغيره من الفلاسفة الكبار وأطلقوا عليها «دهاء التاريخ».

وهذه العناية بالمفهوم الإلهي والدهاء بالمفهوم العلماني لها دائماً رأي آخر بالأحداث التاريخية. لماذا لم يذهب رأس النظام السوري إلى درعا للاعتذار من أهالي الأطفال التي انتزعت أجهزة الأمن أظافرهم، فلو فعل ذلك لما وصلت الأوضاع في البلاد إلى هنا. فيرد أتباع نظرية دهاء التاريخ على ذلك بالقول إن للتاريخ أهدافاً أخرى غير الأهداف التي يرجوها النظام أو معارضوه أو أولئك الذين كانوا يريدون بقاء الأوضاع على حالها في سوريا.

لا شك أن النظام السوري وحلفاءه وداعميه كان هدفهم من قمع الثورة السورية بالحديد والنار والبراميل والكيماوي الحفاظ على ملكهم ومصالحهم وعروشهم، لكن كما رأينا في أحداث تاريخية أخرى، فإن العكس قد تحقق، كما في حالة نابليون الذي أراد من غزاوته وفظائعه أن يسيطر على العالم، لكنه فشل وأدت حملاته العسكرية إلى تفجير الثورة الفرنسية التي غيرت أوروبا كلها فيما بعد. وفي سوريا حاولت قوى داخلية وخارجية كثيرة بمن فيها النظام دق الأسافين بين السوريين وتحريضهم ضد بعضهم البعض كي يتقاتلوا ويتخاصموا ويتحولوا الى ملل ونحل متناحرة لتهجيرهم وتقسيم بلدهم إلى دويلات وإقطاعيات على مبدأ فرق تسد، لكن النظام وجد نفسه في النهاية غير قادر على إطعام مؤيديه الذين تحول معظمهم الآن إلى معارضين شرسين يقولون فيه ما لم يقله مالك في الخمر، لا بل باتوا يتفوقون على المعارضين في هجائهم للنظام. لقد أراد النظام أن يصنع من مؤيديه مجتمعاً متجانساً كما قال في أحد الخطابات، لكنه يواجه اليوم مجتمعاً منهاراً صار يقف في معظمه ضد النظام. القيادة خططت لشيء، والعناية الإلهية أو دهاء التاريخ أراد شيئاً آخر. لم ينجح النظام وداعموه في تحويل السوريين إلى طوائف متقاتلة. صحيح أنه نجح لفترة قصيرة، لكن سرعان ما نسي السوريون خلافاتهم وضغائنهم وصراعاتهم الطائفية والاجتماعية، وصاروا الآن كلهم صفاً واحداً في مواجهة النظام الذي قتل وشرد المعارضين ويعمل الآن على إذلال وتجويع وتشريد المؤيدين. لم يكن النظام يريد ذلك أبداً، بل كان يريد العكس، لكن دهاء التاريخ انتصر عليه وعلى مخططاته وبدأ يعمل على توحيد السوريين الذين كانوا إلى وقت قريب متناحرين ومتخاصمين. لم يعد هناك مؤيدون ومعارضون في سوريا ولا خارجها، لقد صار الجميع معارضين بفضل دهاء التاريخ. لقد أثبت التاريخ بأنه أدهى من الجميع. ها هو اليوم يوّحد السوريين جميعاً المعارضين والمؤيدين في الداخل والخارج ليصبحوا شعباً واحداً وأخوة في الفقر والقهر والجوع والذل والبؤس والعذاب والمعاناة. شكراً لدهاء التاريخ الذي خدع النظام ومشغليه وجعلهم بسياساتهم الشيطانية الإجرامية يوحدون السوريين في بوتقة واحدة دون أن يقصدوا ذلك. لقد اختفت المسافات اليوم بين المؤيد والمعارض بعد ان صار السوريون جميعاً أشقاء في الهم والغم والمحنة. فهل ينقذ دهاء التاريخ يا ترى سوريا والسوريين ولو بعد حين؟

كاتب واعلامي سوري

—————————–

انتفاضة السويداء:أوسع وأعمق من الماضي..والخوف من فتن النظام/ عقيل حسين

أعلن منظمو الاحتجاجات في محافظة السويداء جنوب سوريا تعليق الحراك “بشكل مؤقت” بناءً على طلب الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، مؤكدين أن الهدف هو تجنب الصدام مع النظام، بعد التعزيزات الأمنية والعسكرية التي تم إرسالها إلى المحافظة خلال الأيام الثلاثة الماضية.

ودخلت الاحتجاجات الشعبية في المحافظة أسبوعها الثاني الجمعة، حيث شهد مركز مدينة السويداء اعتصاماً شارك فيها المئات، بالتزامن مع وقفات أخرى في عدد من البلدات في الريف.

وكانت الموجة الجديدة من الحراك قد انطلقت قبل أسبوع، احتجاجاً على قرار الحكومة بإزالة عشرات آلاف الأسر من لوائح الدعم، وهو ما رأى فيه الكثيرون استمراراً طبيعياً للثورة الشعبية التي تشهدها البلاد منذ عام 2011.

تخوف وتأهب

ويرى الناشط ريان معروف أن الجديد في هذا الحراك هو المشاركة الواسعة لرجال الدين وانضمام فئات اجتماعية لم تكن ترى في المظاهرات والاحتجاجات طريقة ناجعة لحل مشكلاتها الاقتصادية والسياسية.

ويضيف ل”المدن”، أن “التهديدات التي أطلقها النظام ضد أهالي السويداء كان لها وقع بالتأكيد على المشاركين في الحراك، خاصة مع يقين الجميع أن النظام لا يتوانى في النهاية عن ممارسة كل الجرائم التي ارتكبها في المناطق الأخرى، ولذلك فإن العمل يتركز حالياً على مواصلة الحراك لكن مع الحرص على تجنب الصدام”.

معروف، وهو المتحدث باسم شبكة “السويداء 24″، قال: رغم ذلك فإنه عندما تم إرسال تعزيزات وأمنية وعسكرية إلى المحافظة قبل يومين، تضاعف عدد المشاركين في الاحتجاجات للتأكيد على أن أسلوب التخويف والترهيب لا يمكن أن ينجح في ثني الناس عن المطالبة بحقوقهم”.

وكان بيان صادر عن “مجلس الحراك” في السويداء، أكد أن المجلس قرر “منح فرصة لتنفيذ المطالب المحقة ضمن دولة القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين”. وقال البيان: “هدفنا كرامة الشعب بالدرجة الاولى وما ينطوي تحت ذلك من العيش الكريم الذي لا يشوبه الذل والهوان، بناء على توجيهات من  الهيئة الروحية، دون أن يعني ذلك التوقف عن الحراك الشعبي”.

وأضاف “نحن مستمرون ولكن لن نسمح لأحد بأن يفوت علينا هذه الوقفة لغايات ومقاصد نحن لا نسعى لها، وبعد هذه المهلة سيتم التعامل حسب معطيات الواقع”.

تحفظات واتهامات

بيان رأى فيه البعض بأنه يعبر عن توجه لإنهاء الاحتجاجات وقطع غير مباشر للطريق أمام المعارضة السياسية التي رحبت بالحراك، بينما رأى فيه آخرون تأكيداً على نفي الاتهامات التي وجهها النظام وحلفاؤه الروس بارتباط القائمين عليه بجهات خارجية.

وكانت وسائل إعلام النظام وشخصيات مقربة منه ومسؤولون فيه قد شنوا هجوماً عنيفاً ضد المحتجين، واصفين إياهم بال”عملاء”. وأبرز هذه الشخصيات كانت بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد، التي اعتبرت أن الاحتجاجات تصب في مصلحة إسرائيل، مطلقة أوصافاً مثل “الطابور الخامس” على الأفراد المتذمرين من تدهور الأحوال الخدمية والاقتصادية في البلاد.

اتهامات رأت فيها الكاتبة السورية المعارضة ريما فليحان أنها تعبر عن دقة المرحلة التي يمر بها النظام، خاصة وأنه يحاول إعادة تعويم نفسه مع تغيّر تعاطي بعض الدول العربية، وبدء الحديث عن إعادة العلاقات معه.

وقالت في حديث ل”المدن”: “هذا الحراك يهدد جهود النظام وحلفائه في إعادة تكريس سلطته الفاسدة غير المكترثة بالشعب، وبعد أن بدأ النظام يشعر بأنه استطاع سحق الناس وكمّ أفواههم للأبد، وأنه ينجح بالخروج من حالة المقاطعة، يأتي هذا الحراك الشعبي ليصفع النظام من جديد و يعبّر عن ضيق الناس بفساده وتضييقه الخناق على الشعب، بينما تعيش السلطة الحاكمة والطبقة المرتبطة بها براحة، غير مكترثة بالحالة المضنية التي وصلت إليها الناس من اذلال وتضييق وافقار وقمع حريات”.

مستقبل الحراك

ورغم الإعلان عن تعليق الاحتجاجات في السويداء من قبل “مجلس الحراك”، إلا أن ناشطين وسياسيين معارضين من أبناء المحافظة أكدوا أن “رفض النظام والقطع معه” باتت حالة متجذرة بين جميع السوريين، وأن المظاهرات والاحتجاجات ستستمر وتتصاعد، خاصة في السويداء التي لم تنقطع عن هذا النوع من الحراك منذ 2011.

وأكد عضو هيئة التفاوض المعارضة يحيى العريضي أن حراك السويداء لم ينقطع، حتى ولو لم يكن ظاهراً، وأن “مجرد عدم التحاق شباب السويداء بجندية الأسد، وكذلك استمرار المحافظة باستقبال السوريين الفارين من مناطق أخرى هو حراك أوجع للنظام الذي سعى باستمرار إلى دق الأسافين بين الشعب”.

وقال ل”المدن”: “لم يُعامل النظام جزءاً من سوريا بالخبث الذي عامل به محافظة السويداء، ولم يكن تسليط داعش عليها إلا انتقاماً من مواقف أبنائها، وفي سياق الحراك الأخطر فقد دفع الروس أخيراً ليعلنوا عن تواجد خلايا إرهابية فيها، تخويفاً للناس وردعاً لما قد يتطور إليه الحراك”.

ورأى العريضي أن الحراك الأخير يختلف عن السابق بعموميته “فالناس وصلت لقناعة أن من يبقى تحت جناح النظام ساقط مثله، وهو لا يكترث إلا لذاته”.

أما عن مآلاته، فيتوقع أن “يأخذ زخماً يوماً بعد يوم حتى وإن تفاوت عدد المشاركين”، مشيراً إلى أن الأهم هو تحريكه لمناطق راكدة “وهذا ما يرعب منظومة الاستبداد”، كما لم يستبعد أن يلجأ النظام إلى محاربته بشكل متصاعد عبر حوادث أمنية أو إشعال الفتنة والقيام بعمليات خطف، “لكن ذلك لن يكون مفيداً له لأن الجميع بات يعلم أساليب النظام وسياساته”.

جدل العلم

ورغم رفع المحتجين شعارات سياسية مناهضة للنظام ولإيران و”حزب الله” اللبناني، وترديدهم هتافات مطالبة بالحرية والديمقراطية، ورغم تنظيم ناشطين وقفات داعمة لهذا الحراك في مناطق أخرى، كان آخرها في عفرين شمال حلب، إلا أن التحفظات من قبل البعض على احتجاجات السويداء لم تتوقف عند التقليل من أهمية دوافعها، التي يرى البعض أنها اقتصادية وستنتهي بتلبية بعضها، بل طاولت أيضاً رفع رايات تمثل الطائفة الدرزية في هذه المظاهرات.

لكن العريضي يؤكد أن تلك الراية رمزية، وهي البيرق الذي حمله الثوار في وجه المحتل الفرنسي، واختيارها كان بهدف إبقاء جميع المشاركين في الحراك متوحدين، لأن الأهم هو تحقيق الهدف.

يدرك الجميع حساسية الموقف الذي يواجهه المشاركون في المظاهرات التي تشهدها محافظة السويداء وكذلك أهمية استمرارها في هذا التوقيت الذي تُبذل فيها جهوداً حثيثة لإعادة تعويم النظام، وعليه تعددت أوجه الدعم والمساندة التي قوبل به هذا الحراك. فإلى جانب تنظيم وقفات مؤيدة، سارع العشرات من السياسيين والناشطين المعارضين إلى إصدار بيانات تؤكد وقوف الجميع بجانب أبناء المحافظة وتأييد انتفاضتهم.

المدن

——————————

النظام يشيطن تظاهرات السويداء: “طائفية وعميلة”…فلا يُقنع حتى الموالين!/ عدنان نعوف

منذ عودة التظاهرات الاحتجاجية إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، والجميع يدرك صعوبة استمرارها لفترة طويلة في ظل الظروف الحالية. ورغم ذلك، وسواء استمرت هذه التظاهرات أو توقفت، فإنها شكلت بارقة أمل بأنّ السوريين مازال لديهم ما يجمعهم، وبأن الكثيرين منهم تعلموا دروساً واكتسبوا خبرات.

وبالنسبة لنظام الأسد، كان واضحاً كيف أنّ كلمات المحتجين ولُغَتهم السِلميّة الجامعة التي وصلت مسامع وقلوب السوريين، كانت أشد عليه من وقع الرصاص. ولهذا تمنى وتوسّل في كل لحظة، لو ينزلق هؤلاء إلى حمل السلاح، ويستبدلون وَعيَهُم بعنف وفوضى تطحن السوريين، ولا تطاول دائرة النظام الضيقة. وليس أدلّ على رغبة النظام هذه، سوى إطلاق حملته المضادة لإلصاق تهمة التسلح و”الزعرنة” بالمتظاهرين بأي ثمن، عبر منشورات منسوخة على الصفحات الموالية تتضمن مزيجاً مفبركاً من صُوَر قديمة لا علاقة لها بالحدث.

وحرص مسؤولو الصفحات الموالية المرتبطة بالأجهزة الأمنية، على استخدام كل الوسائل الممكنة في محاولة لتشويه صورة التظاهرات، ولو عبر حكاية خيالية تقول بأن” الهدف النهائي للحراك في السويداء هو إنشاء منطقة عازلة خالية من سلاح الجيش السوري بين دمشق والجولان العربي السوري المحتل على غرار شبه جزيرة سيناء”.

ولأن اتهامات كهذه عفا عليها الزمن، وباتَ أسلوب الكذب فيها مبتذلاً جداً، أوقفت تلك الصفحات التعليقات على منشوراتها، بعدما واجهت سخريةً وتهكماً وتوبيخاً من متابعيها.

ولم يكن استخدام الصور المزيفة والقصص الخيالية هو السبب الوحيد لغضب قسم من جمهور الموالين، حيث عبّر بعضهم عن انزعاجه من اختلاق جهات افتراضية وهمية متحدثة باسم الحراك تستخدم لغة عنفية، بهدف وصم المحتجين بما يريده النظام. فتمّ على سبيل المثال إنشاء صفحة باسم “السويداء الآن” لتكون نسخة عن الصفحة الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه، ولتنشر فبركات تحمل توقيع “انتفاضة الكرامة”.

ومن بين الأساليب المستخدمة لشيطنة احتجاجات السويداء، ورقة أساسية كشفت حجم قلق الماكينة الإعلامية للنظام، وهي ورقة الطائفية. ففي مسعى واضح لدق إسفين بين هذه المدينة وبين باقي المدن السورية، نشَرَ موقع إخباري مُوالٍ مادة صحافية للإيحاء بوجود حالة امتعاض من المَشاهِد المرافقة للاحتجاجات، فجمَعَ في مقال واحد بين لباس المحتجين التراثي، وراياتهم، وموقع انطلاقهم (مقام “عين الزمان” وهو معلم ثقافي وفكري واجتماعي يتبع لطائفة الموحّدين الدّروز) ليَخلُص الموقع إلى وصف كل تلك المظاهر بكلمة “دينية”، وبأنها تتناقض منطقياً مع مطالب أحد أبرز المتحدثين في التظاهرات حين أكد على “إقامة دولة مدنية عادلة ديموقراطية من دون حكم طائفي أو عرقي”.

ولم يكن مستغرَباً لجوء منصات النظام لألاعيب من هذا النوع، لأن مطلباً كهذا أزعجه وسلط الضوء على ما يتمتع به المتظاهرون من وعي، وقدرتهم على بلورة رؤيتهم كتعبير عن تطلعات السوريين، فلم يجد سوى محاولة نزع الأهلية والكفاءة والوطنية عنهم، عبر إظهارهم وكأنهم متناقضون ومنغلقون، وذلك على عكس ما هم عليه تماماً. والأكثر بالطبع أن النقاشات المتفرعة عن هذه الأخبار تصب كلها في القول أن النظام بالأساس وفر دولة مدنية علمانية وأن المحتجين منذ عشر سنوات وحتى اليوم كانوا كلهم مشاريع تقسمة طائفية لا أكثر.

ويجب القول أن قسماً من جمهور الموالين لم يكون الوحيد في وقوعه، عن جهل أو تواطؤ، في هذا الفخ، إذ سأل عن مكانة عَلَمه ذي النجمتين. إذْ ظهَرَ ناشطون معارضون أيضاً اهتمّوا بتفسير وتبرير غياب علم الثورة ذي النجمات الثلاث، بدلاً من تركيزهم على جوهر الحراك وعناوينه العابرة للمناطق والحدود!

وإلى جانب ورقة الطائفية المعتادة، كشف إعلام النظام هذه المرة عن سلاح إضافي خطير يستهدف الفرز ضمن الطائفة نفسها، عبر خلق موقف يميّز بين درزيّ وآخر، بناءً على ” الولاء للوطن والدولة”. ولتحقيق ذلك، استُخدمت أصوات إعلامية وصحافية على اعتبار أنها “تمثّل” مجتمع السويداء كي تقدم تصورها عما يحدث. وتمحورت المواعظ الوطنية لهذه الأصوات حول إظهار المحتجين وكأنهم “أقلية بين أقرانهم، وأنه تم التغرير بهم، فوقعوا في شرك الأعداء”. وأبرز وجوه هذه الحملة، مراسل قناة “الإخبارية السورية” محمد جربوع، الذي بث مقطع فيديو عبر صفحته في “فايسبوك”، كرّر خلاله المضمون المعمم أسديّاً لتشويه الحِراك، لجهة اتهام المتظاهرين بالعمالة للخارج، والسذاجة، وحمل السلاح، واللاوطنية.

وباستثناء ما عبّر عنه من خوف مفهوم على أقاربه المقيمين في السويداء، كحال أي سوري بعيد من أهله، فإنّ جربوع تفنّنَ في استخدام لغة استعلائية تحطّ من شأن أبناء جلدته المتظاهرين “البسطاء” وتلمّح إلى قابليتهم للتحول لمرتزقة ومأجورين، ثم تشير إلى قوة “الدولة” القادرة على الحسم عسكرياً.

ولعل هذه أهم نقطة ضمن ما ذكره، فبها تكتمل صورته كناطق باسم منظومة يدافع عن امتيازات منحته إياها، حتى ولو على حساب انتمائه وأهله. وعليه، لا يعود هناك داعٍ للاستغراب من تطابق كثير مما جاء به جربوع، مع ما كتبته بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية للرئيس السوري، في مقال لها مؤخراً. فرغم اختلاف المواقع والأهمية بين الاثنين، فقد عبّر كلاهما عن طبيعة نظام كانت تغلفه قشور وحواشٍ سميكة، ثم زال الكثير منها حتى بات ممكناً سماع قرقعة هيكله الأساسي على شكل تصريحات منتفعين كبار أو صغار يهددون ويتهمون ويضربون بسيف “الدولة” بعشوائية، وبلا أدنى تحفظ، بأسلوب مختلف نسبياً عما عُرف عن محللين موالين عقب الحراك السوري العام 2011.

نماذج كهذه تستدعي فهماً لقيمة الانتماء الطائفي الظرفيّة على سلّم الزبائنية الأسدي. وفي المقابل يَجبُ التوقف أيضاً عند نماذج متظاهرين أبرزتهم احتجاجات السويداء في الأيام الماضية، وكان منهم مَن لم يَنسَ أن يُحيّي مدن سوريا جميعها بلا تكلّف، متوجهاً بالتحية إلى “كلّ من يقف عند حقوقه وكرامته”، وكأنه يقدّم برنامج عمل يجمع المادي بالمعنوي، ويستغني عن اجترار معارك نشطاء وهيئات مشغولة بالتمييز بين “ثورة الكرامة” و”ثورة الجياع”، أكثر مما انشغل بيزنطيون بتحديد جنس الملائكة.

——————————-

احتجاجات السويداء: مشيخة العقل تدعم الحراك السلمي وتعزيزات للنظام/ ريان محمد

تواصلت الاحتجاجات المناهضة لسياسات النظام الاقتصادية في عدة نقاط من محافظة السويداء، أمس الخميس، في وقت أصدر فيه شيخ العقل الأول لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، موقفاً داعماً للحراك السلمي.

في موازاة ذلك، استقدم النظام تعزيزات عسكرية من العاصمة دمشق، مع تواصل الدعوات للمشاركة في الاحتجاجات، صباح اليوم الجمعة، في مركز مدينة السويداء، إضافة إلى دعوة السوريين في داخل البلاد وخارجها إلى المشاركة في الاحتجاج في مناطقهم.

وتجمع المحتجون لليوم الخامس على التوالي، أمس الخميس، أمام “دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز” في مدينة السويداء. وتوجهوا إلى ساحة السير في مركز المدينة، رافعين شعارات مناهضة لسياسات النظام، وانتشار الفساد وتردي الأوضاع المعيشية، مجددين دعوتهم للمشاركة في الاحتجاجات اليوم الجمعة.

ونقلت مصادر محلية عن الهجري أنه أعرب عن تأييده لأي حراك سلمي يطالب بالحقوق المشروعة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة.

وطلب عدم “الاصطياد في الماء العكر في ظل هذه الأزمات”، مشيراً إلى أن المواطنين لهم الحق في التعبير عن رأيهم، وتحصيل حقوقهم المشروعة، وأن هذه التوجيهات صدرت عنه فقط، ولم يُصدر غيرها.

وقال الهجري لزواره، الأربعاء الماضي، بحسب مصادر محلية تحدثت لـ”العربي الجديد”، إن مطالبات الناس لم تعد موضوع رفع الدعم ورغيف الخبز، بل أصبحت تمس كرامة السوريين، ومن خرج ليطالب بحقوقه ومكافحة الفساد وبمطالب معيشية هو مواطن صاحب حق، وعلى المعنيين في السلطة الاستماع والاستجابة.

من حق الناس التعبير عن رأيها

وأضاف أن الجميع تحت سقف القانون، الذي يسمح بالاعتصام السلمي، وطالما لم يتم التعدي على المؤسسات العامة، ولا أحد يحمل السلاح، فمن حق الناس أن تعبّر عن رأيها.

واستنكر الهجري كل خطابات التخوين. واعتبر أن “كل من يشكك في مصداقية انتمائنا الوطني، وتبعيتنا لوطننا الأم سورية، لا يمثل إلا نفسه مهما تبوأ من مناصب”. وقال: إننا نحمل إرثاً وطنياً لن نحيد عنه، وجميع أبناء المحافظة هم أبناؤنا، مهما ابتعد البعض أو جنح عن طريق الصواب، فيجمعنا في لحظة همّ واحد، وهدف واحد، يحكمه القانون العادل.

وقال الناشط أبو جمال معروف، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “موقف الشيخ الهجري سيكون داعماً للاحتجاجات، حيث ما زال لرجال الدين تأثير كبير على المجتمع، وخصوصاً أن مشيخة العقل تمثل أعلى سلطة دينية لدى الدروز، الذين يشكلون الغالبية من سكان المحافظة”.

ولفت إلى أن “الهجري كان يعتبر من المقربين من النظام، وأكثر مشايخ العقل نفوذاً. إلا أن خطابه تغيّر عقب صدامه مع رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية العميد لؤي العلي بداية العام الماضي، الأمر الذي أحدث احتقاناً في الشارع، وتوافد الكثير من أهالي المحافظة لتأييد موقف الشيخ والانتصار له، والمطالبة بالاعتذار منه”.

وأشار إلى أنه تبع هذا الأمر “العديد من المواقف المتهكمة على سياسات النظام، وتأييد الحراك في درعا، الأمر الذي أثار استياء ممثلي النظام، الذين حاولوا استيعاب الموقف وعدم التصعيد”.

النظام يستقدم تعزيزات من خارج المحافظة

وأوضح معروف أن “النظام بدأ منذ يوم الأربعاء باستقدام تعزيزات عسكرية من القوات النظامية من خارج المحافظة، حيث شوهدت العديد من الحافلات تنقل عناصر في القوات النظامية، ترافقها سيارات دفع رباعي تحمل أسلحة رشاشة متوسطة”.

وأشار إلى أن هذا الأمر “أثار القلق من أن يكون النظام يخطط لتوجيه ضربة للاحتجاجات في السويداء، التي يتم الدعوة لها الجمعة. وعلى الأقل منع الأهالي من التوافد إلى المدينة للمشاركة في الاحتجاجات”.

وبين أن “مصادر من السلطة تقول إن القوات القادمة إلى المحافظة تتبع إلى قوات حفظ النظام، وتهدف لدعم الضابطة العدلية لمكافحة عمل العصابات، بالرغم من أن تلك العصابات تحمل بطاقات أمنية وترتبط بأفرع المخابرات التابعة للنظام”.

قوى سياسية معارضة تؤيد احتجاجات السويداء

وكانت العديد من القوى السياسية السورية أعلنت تأييدها للاحتجاجات في السويداء، منها تيار “مواطنة نواة وطن” وتيار “مستقبل كردستان سورية” و”المجلس السوري للتغيير ــ منصة عفرين”.

واعتبر التياران والمجلس، في بيان مشترك أمس الخميس، أن تظاهرات السويداء “سجلت مجموعة من الرسائل السياسية، المؤكدة على التمسك بالوطنية السورية، ونبذ الخلافات بين مكونات الشعب السوري، على أمل انتفاضة عارمة تعم أرجاء البلاد تضغط وتدفع للمضي بالحل السياسي”.

واعتبر أن اليوم الجمعة “سيكون اختباراً حقيقياً لقدرة المنتفضين ولإمكانية توسيع حراكهم ليشمل الساحة الوطنية السورية كلها، من خلال تجاوب جماهيري أوسع في السويداء والمحافظات الأخرى، ومواجهة تحدي استعادة دور السوريين في الداخل”.

وشدد على ضرورة “عدم الاكتفاء بمطالب اقتصادية، بل توسيع آفاق الحراك للضغط على النظام، والمجتمع الدولي، لتحريك عجلة الانتقال السياسي، اعتماداً على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.

وفيما حذرت القوى الثلاث “السلطة/الطغمة من مغبة انتهاج العنف المفرط مع الحراك”، ناشدت “أهلنا في السويداء التمسك بسلمية حراكهم والاستمرار بمطالبهم، والسوريين جميعاً الاستجابة لنداء التضامن، ومشاركة إخوانهم في السويداء، بكل أشكال الحراك الممكنة وفي كل مكان”.

كما طالب البيان من المجتمع الدولي “الضغط على النظام السوري وحلفائه لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 وإنهاء معاناة السوريين”.

وفي حين انتقدت اللجنة المركزية لحزب “اليسار الديمقراطي السوري”، في بيان، “كافة الأصوات الشاذة التي تحاول التقليل من شأن الحراك الشعبي لأهلنا السوريين في السويداء”، فإنها دعت “أهلنا المنتفضين إلى الاستمرار في حراكهم الشعبي، الذي بكل تأكيد سيعمل على تقويض نظام بشار الأسد”.

وناشد الحزب “كافة السوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد، أن يلبوا دعوة إخوانهم في محافظة السويداء، ويبدأوا حراكاً شعبياً عارماً سلمياً، ضد سياسة التجويع وانتهاكات كرامة السوريين التي يمارسها هذا النظام”.

———————–

وفد عسكري روسي فيي السويداء..لدعم إجراءات النظام

زار وفد عسكري روسي محافظة السويداء جنوبي سوريا والتقى المحافظ ورئيس فرع أمن الدولة التابع للنظام السوري، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها السويداء منذ الأحد، وسط مخاوف من استخدام النظام للخيار الأمني لوقف الاحتجاجات الشعبية.

وقالت شبكة “السويداء” المحلية إن الوفد الروسي العسكري وصل الخميس إلى محافظة السويداء، وضمّ ضباطاً من القيادة الروسية في دمشق ومن مركز المصالحة الروسي. واجتمع الوفد الروسي مع المحافظ نمير مخلوف في مبنى المحافظة، بهدف الاطلاع على المستجدات الأخيرة في السويداء.

وأضافت أن الوفد الروسي استفسر عن طريقة تعاطي النظام وفروعه الأمنية مع المحتجين وأسباب قدوم التعزيزات الأمنية الأخيرة، مشيرةً إلى أن “محافظ السويداء أجاب قائلاً إن قوات النظام لم تستخدم القوة ضد المحتجين”، وإن “نقل القوات تمّ من أجل منع التصعيد وتجنب الاستفزازات”.

وقال مخلوف، وهو أحد أقارب بشار الأسد، للجانب الروسي إن سلطات النظام “على اطلاع جيد على ما يجري وتُبقي الوضع تحت السيطرة”، مضيفاً أن “الإعانات والمزايا الملغاة تنطبق فقط على الشرائح الثرية من السكان الذين يمتلكون أكثر من سيارة ويملكون عقارات خارج المنطقة وكذلك المواطنين ذوي الدخل المرتفع”.

وأطلع المحافظ الوفد الروسي على “خلل في قاعدة البيانات تسبب في خلل تقني مما أدى إلى احتجاجات”، مضيفاً أن “الحكومة تعمل بالفعل على إصلاح الوضع ومستعدة لحل مشكلات كل السكان”، بحسب شبكة “السويداء 24”.

وكان مخلوف قال في أول لقاء جمعه مع شيوخ عقل الطائفة الدرزية إن الملف الأمني في المحافظة له أهمية بالغة، وأضاف أن التعامل معه سيجري “بالود أولاً وبالتفاهم والتعاون بين مكوّنات المجتمع، على رأسها رجال الدين والدولة والجهات المعنية”.

وفي وقت سابق، نشر موقع “السويداء ANS” المحلي تسجيلات صوتية لأحد قياديي المجموعات المحلية المسلحة في السويداء يتحدث عن أوامر صادرة عن مخلوف تُبيح قتل المدنيين بذريعة “فرض هيبة السلطة”.

وكان موقع “السويداء 24” قد ذكر أن النظام السوري استقدم تعزيزات أمنية كبيرة من دمشق على دفعات متفرقة يومي الأربعاء والخميس لمواجهة الاحتجاجات. وأضافت أن “العشرات من قوات النظام وعناصر المخابرات مزودين برشاشات متوسطة انتشروا عند الساحات والطرق الرئيسية، وفي محيط المؤسسات العامة”.

ووسط تعزيزات أمنية مشددة وغير مسبوقة، توافد المحتجون صباح الجمعة، إلى أمام مقام عين الزمان في السويداء⁩ لمواصلة حراكهم ضد قرار رفع الدعم عن شريعة واسعة من المواطنين.

وخرجت مسيرات متفرقة هذا الأسبوع في القرى المحيطة في السويداء، حيث أغلق محتجون الطرق واحتشد عشرات في الساحة الرئيسية بالمحافظة للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي ومنددين بقرار رفع الدعم عن شريحة واسعة من العائلات. كما دعت الاحتجاجات إلى إسقاط النظام والانتقال السياسي في سوريا وإطلاق سراح المعتقلين.

—————–

المحتجون في السويداء: علم الثورة حمله سلطان باشا الأطرش ونتشرف به |فيديو

أكد أحد المتحدثين باسم الاحتجاجات في السويداء، اليوم الجمعة، أن علم الثورة السورية حمله سلطان باشا الأطرش، مشيرا إلى أنهم “يتشرفون به”.

جاء ذلك خلال الكلمة الافتتاحية للاحتجاجات التي انطلقت اليوم من أمام مقام “عين الزمان” في مدينة السويداء.

وتلا المتحدث البيان الافتتاحي للاحتجاجات قائلاً: “بخصوص علم الثورة أو كما يسميه البعض علم الانتداب ومن واجبي أن أوضح أمرا مهما بشأن هذا العلم نتشرف به فقد رفعه القائد العام سلطان باشا الأطرش وحمله ثوار جبل العرب عندما كسرنا أكبر حملة للفرنسيين، ومن ثم أكمل الثوار ورفعوا علم الثورة في السرايا بدمشق”.

وأضاف أن الاحتجاجات تهدف إلى “الدفاع عن كرامة سوريا وإننا سنبدأ من جبل العرب الأشم الانطلاق لتوحيد السوريين وليس للتفريق بينهم”.

وتابع: “نريد دولة مدنية عادلة دون حكم طائفي أو عرقي أو مناطقي ممتثلين لمقولة القائد العام سلطان باشا الاطرش عندما قال الدين لله والوطن للجميع”.

استمرار الاحتجاجات في السويداء

وجدد أهالي السويداء، اليوم الجمعة، احتجاجاتهم أمام “مقام عين الزمان”، المناهضة لقرار رفع الدعم، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.

وتوافد المتظاهرون إلى مكان التجمع تلبية لدعوى أطلقها “نشطاء الحراك الشعبي” في المدينة، وسط استنفار أمني كبير على الطرق الرئيسية.

وشهدت مدينة السويداء، صباح اليوم، استنفاراً أمنياً مشدداً، في ظل الدعوة لتجدد الاحتجاجات ضد قرار النظام الخاص برفع الدعم، حيث استقدم النظام تعزيزات أمنية كبيرة من دمشق، على دفعات متفرقة يومي الخميس والأربعاء الماضيين، وانتشر العشرات من عناصر الجيش وقوى الأمن التابعة للنظام مزودة برشاشات متوسطة، عند الساحات والطرق الرئيسية، وفي محيط المؤسسات العامة.

يعبّر عن مطالب غالبية السوريين.. تضامن واسع مع الحراك الشعبي في السويداء

إسقاط النظام وإطلاق سراح المعتقلين

وفي وقت سابق، قال متظاهرون لموقع تلفزيون سوريا إن “مطالبهم ليست فقط معيشية، بل أيضاً من أجل إطلاق سراح المعتقلين ومنهم الشاب نورس أبو زين الدين، وإسقاط النظام الذي أهانهم وأهان وقتل وشرد ملايين السوريين” وفق تعبيرهم.

ويوم الخميس الماضي، حذّرت “حركة رجال الكرامة” في السويداء من أن القرارات الأخيرة التي أصدرتها حكومة النظام برفع الدعم عن فئات من المواطنين هي عمل حكومي ممنهج، يهدف إلى تهجير الشعب السوري وتجويعه.

—————————

أهالي السويداء يلبون نداءات التظاهر.. اليوم الجمعة

استعرضت صفحات محلية في مدينة السويداء، خروج تظاهرات واسعة في المحافظة الواقعة جنوب سوريا، والتي جاءت تلبيةً لنداءات سابقة، بغية الاحتجاج على الحالة التي وصلت إليها المحافظة، في ظل اتهامات للنظام السوري بالمسؤولية.

وتشهد محافظة السويداء احتجاجات واسعة للأهالي ضد النظام السوري، على قرارات حكومة النظام الأخيرة بإبعاد نحو 600 ألف بطاقة ذكية للأهالي عن الدعم، في ظل الواقع المعيشي المتردي، وتطورت الاحتجاجات وسط المدينة رافعين لافتات مناوئة للنظام السوري، تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سوريا.

وحول تظاهرات الجمعة، ذكر صفحة “السويداء 24″، أن استنفاراً أمنياً مشدداً وغير مسبوق يجري في مدينة السويداء، وسط انتشار عشرات العناصر من قوى الأمن وقوات النظام، مع سيارات مزودة برشاشات متوسطة، عند الساحات والطرق الرئيسية، وفي محيط المراكز الحكومية، بجانب إغلاق عناصر الأمن للطريق المؤدية لمبنى المحافظة.

وذكرت أن الاستنفار جاء عشية دعوة لتنفيذ وقف احتجاجية اليوم الجمعة، فيما كانت الاجهزة الأمنية قد استقدمت تعزيزات أمنية كبيرة من دمشق، على دفعات متفرقة يومي الخميس والأربعاء الماضيين.

ونوهت الصفحة إلى توافد المحتجين إلى أمام مقام عين الزمان، في مدينة السويداء، تلبية لدعوى أطلقها نشطاء الحراك الشعبي، اليوم الجمعة، فيما قال شاهد للصفحة: “انطلقنا من جبل العرب الأشم لنوحد السوريين”.

ليفانت-وكالات

—————————-

السويداء.. الحراك متواصل لليوم السادس و”استنفار أمني غير مسبوق”

يتواصل الحراك السلمي في مدينة السويداء لليوم السادس على التوالي، في الوقت الذي يتجه فيه نظام الأسد لاستنفار قواته أمنياً، وخاصة في محيط المراكز الحكومية.

وتحدثت شبكة “السويداء 24” المحلية، اليوم الجمعة عن “استنفار أمني مشدد وغير مسبوق في المدينة، وانتشار عشرات العناصر من قوى الأمن والجيش، مع سيارات مزودة برشاشات متوسطة، عند الساحات والطرق الرئيسية”.

ويأتي الاستنفار، بحسب الشبكة مع بدء توافد المحتجين إلى أمام مقام “عين الزمان”، تلبية لدعوى أطلقها نشطاء الحراك الشعبي، أمس الخميس.

ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري عما تشهده المحافظة من احتجاجات.

في حين كتبت مستشارة رئيس النظام، بثينة شعبان، قبل أيام في صحيفة “الوطن” شبه الرسمية أن “الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت عام 2011، وسحقتها قوات الأمن وتطورت إلى الصراع المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، كانت بإيحاء من الخارج لتدمير البلاد”.

    #شاهد: “نريد دولة مدنية ديمقراطية لجميع السوريين”.. جانب من مطالب المحتجين في مدينة #السويداء الآن pic.twitter.com/aGWeDz3cYH

    — السويداء 24 (@suwayda24) February 11, 2022

ويؤكد المحتجون الذين خرجوا، على مدى الأيام الخمسة الماضية، في عموم المحافظة على مطالبهم الرافضة لقرار “رفع الدعم الحكومي”، الذي يشمل فئات متنوعة من المجتمع السوري.

بينما تحوّلت هتافاتهم خلال المظاهرات شيئاً فشيئاً لتصل إلى المناداة بتطبيق القرار الأممي “2254” وإسقاط النظام السوري، وخروج إيران وروسيا من البلاد.

وأشارت “السويداء 24″، أمس الخميس، أن وفد عسكري روسي زار المدينة، على وقع الاحتجاجات، والتقى محافظها، نمير مخلوف ورئيس فرع “أمن الدولة”.

واستفسر الوفد الروسي، وفق الشبكة المحلية عن طريقة تعاطي السلطات مع المحتجين، وأسباب قدوم التعزيزات الأمنية الأخيرة.

إذ قال مخلوف، وهو أحد أقارب رئيس النظام السوري، إن السلطات لم تستخدم القوة ضد المحتجين، وأوضح للوفد الروسي أن “نقل القوات الحكومية تم من أجل منع التصعيد وتجنب الاستفزازات”.

    مراسل السويداء 24: بدء توافد المحتجين إلى أمام مقام عين الزمان، في مدينة #السويداء، تلبية لدعوى أطلقها نشطاء الحراك الشعبي، اليوم الجمعة. pic.twitter.com/9KSTQWhIrJ

    — السويداء 24 (@suwayda24) February 11, 2022

وتعتبر السويداء أبرز المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، التي تشهد خروج مظاهرات مناهضة له بين الحين والآخر.

إذ سبق أن نفذ الأهالي، احتجاجات في أبريل/ نيسان الماضي، بسبب أزمات اقتصادية، أبرزها مسألة فقدان مادة البنزين التي أدت إلى أزمة مواصلات حادة في المحافظة وعموم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

وبينما تتركز الهتافات ضمن الاحتجاجات على الواقع المعيشي المتردي، تنسحب في أوقاتٍ إلى المطالبة بإسقاط الأسد، وخروج روسيا وإيران بشكل كامل من الأراضي السورية.

    قوات النظام تنتشر بمدينة #السويداء وتغلق بعض الطرقات بعربات مصفحة في ظل الدعوات للتظاهر#المرصد_السوريhttps://t.co/nbiVhv9nMv

    — المرصد السوري لحقوق الإنسان (@syriahr) February 11, 2022

———————————

أعلام السويداء وداء “الوطنية السورية”/ رستم محمود

المنتفضون في المظاهرات الاحتجاجية المؤخرة في محافظة السويداء السورية جنوب البلاد، حيث غالبية سكانها من أبناء طائفة “الموحدون الدروز”، كانوا يرفعون العلم الذي يتخذه أبناء هذه الطائفة رمزاً روحياً ومجتمعياً، بينما ذوي “الوطنية السورية” كانوا يسعون جاهدين للتعامل مع تلك الواقعة بما فعلوه مع أحداث أخرى مشابهة.

وهذا دل بوضوح على مأزق تلك الوطنية، التي مثل أي وطنية أخرى، مصابة بذلك المُركب المُرعب، المؤلف من العماء عن الواقع عبر نكرانه، والرُهاب من حقائقه عبر الإيحاء بخطورة مُطلقة متأتية منه. 

الشق المعارض من هذه “الوطنية السورية”، لم يرَ تلك الأعلام قط، وأنكر ما تتضمنه من نزعة مناطقية وجموح أهلي جماعاتي، هو حقيقة جوهر مشاعر وحدة الحال وشكل التضامن الداخلي الخاص الذي يجمع المنتفضين هؤلاء. هذه الأهلية والمناطقية التي هي الروح والجوهر السياسي الأكثر عمقاً لهؤلاء المنتفضين، راهناً على الأقل. 

فعل ذلك، لأن واقعة رفع العلم واختيار المقر الديني أو المذهبي لأبناء الطائفة كنقطة لانطلاق تلك التظاهرات، إنما هي أشياء مزعجة لخيالات ورغبات ومصالح ذلك الشق المعارض من “الوطنية السورية”.

فهذه الأخيرة، تريد أن تكون مختلف الجماعات والجهات السورية متمركزة حول قضايا ورموز واحدة، هي تلك التي يفترضها ويفرضها أبناء هذا الشق المعارض من مُلاك “الوطنية السورية”، وحيث، ولغير صُدفة، ينتمون إلى جماعة أهلية بذاتها ومنطقة جغرافية بعينها، بغالبيتهم المُطلقة على الأقل.

على العكس الظاهر، فإن الشق المؤيد من نفس تلك “الوطنية السورية” رأى تلك الأعلام بدهشة مبالغة للغاية، رآها بكونها تمثيلاً لمؤامرة كبرى ودلالة على ما يداهم البلاد من تهديدات، تسعى لتقسيمه وتفتيت مجتمعه الداخلي.

ولغير صدفة أخرى، فإن أبناء هذا الشق الأخير من “الوطنية السورية” ينتمون أيضاً، ولو بأغلبيتهم المُطلقة على الأقل، إلى جماعة أهلية ومناطقية بذاتها، تسعى لأن تُعمم رموزها وخياراتها باعتبارها الممثل الوحيد للـ”الوطنية السورية”.

في المحصلة، وحيث أن قطبي حاملي لواء “الوطنية السورية” يظهران وكأنهما متباينان، فهما مُتطابقان بوضوح في المحصلة، مُجمعان على ثنائية النكران مع الرُهاب. فالأشياء والحقائق حسبها إما غير موجودة وغير ذات معنى وعمق ودلالة وتعبير، أو شديدة الخطورة والمداهمة والتعبير والدلالة.

في الحالتين ثمة غياب مُطلق للمعاني والدلالة الموضوعية والطبيعية والعادية لمثل هذه الواقعة أو تلك الظاهرة المنافية لحقائق وتطلعات ذوي “الوطنية السورية”.

ليس في الأمر ما هو جديد تماماً، فهذا الداء الوطني له تاريخ ومسيرة ذاته هوية وأسس موضوعية، وهو تاريخ يدل على جذرية وأصالة الأهداف والمصالح التي يستميت “الوطنيون” في سبيل تحقيقها من خلال استخدام تلك الأدوات.

فقبل حادثة الأعلام المرفوعة في محافظة السويداء، كانت هذه الوطنية قد فعلت الأمر ذاته مع الأعلام التي رفعها الأكراد شمال البلاد، بين سعي للقول إنها لا تعني شيئاً، وتالياً نكران أي مظالم أو قضية ذات هوية كردية، وبناء على ذلك نفي أي فضاء أو حقوق ذات خصوصية كُردية.

كذلك فإن الشق النظير من تلك الوطنية تعامل مع الأعلام الكردية بنفس الآلية، فاعتبرها دلالة على النزعة الانفصالية والتدخلات الإقليمية والدولية في المسألة السورية. لكن أيضاً لأغراض مطابقة لمساعي الطرف الأول، أي نكران المظلومية الكُردية ورفض الاعتراف بحقوق وخصوصية أبناء هذه الجماعة، ولو ضمن الفضاء السوري الكلي.

وفي أوقات سابقة لهاتين الحادثتين، فإن شقي هذه الوطنية مارسا الأمر ذاته فيما بينهما، فيما يخص الأعلام التي رفعها كُل طرف منهما.

إذ قالت قوى المعارضة أن علم النظام السوري ومختلف رموزه تمثل وتعبر عن قوة احتلال وسلطة الحكم الطائفي على البلاد، وأن “الوطنية السورية” تقتضي رفضها جذرياً.

كذلك النظام السوري اعتبر العلم الذي ترفعه قوى المعارضة السورية ممثلاً فعلياً لقوى الإرهاب والسعي لتقسيم سوريا، وبذا يُقتضى اقتلاعه جذرياً.

وهما نزعتان كانتا في الأساس تسعيان لرفض الوقائع، واقعة أنه ثمة في سوريا ثورة ما، وإن كانت ذات وجه طائفي ومناطقي، والواقعة الثانية تقول إنه للنظام السوري شعب ما من المؤيدين، وإن كانوا بغالبيتهم من طائفة ومنطقة سورية بعينها.

قبل ذلك بسنوات وعقود كثيرة، كان ثمة نكران ورُهاب تام للطبيعة المركبة والمتنوعة للمجتمع والجغرافيا السورية. فسوريا التي تكونت أساساً من حساسيات مناطقية وأهلية متنوعة، كانت لسنوات طويلة أربع دول متحدة فيما بينهما، كل دولة منها كانت ذات هوية أهلية طائفية ومناطقية، ولم تتحد نهائياً إلا عبر قوة قسرية كان يمثلها الاحتلال الفرنسي وقتئذ.

أما الأكراد وغيرهم الكثيرين من أبناء الجماعات السورية إنما بقوا على الدوام يعتبرون الكيان السوري قوة قسر عمومية على كل أشكال حياتهم.

طوال المراحل اللاحقة، لم تشهد سوريا يوماً اندماجاً سياسياً ومجتمعياً إلا في خيالات ذوي النزعة الوطنية وفي أدوات القهر التي مارسها الغالبون في كل فترة من حاضر وتاريخ هذا الكيان.

فعلى الدوام كان ثمة طائفية ومناطقية في الحياة العامة السورية، وفي كافة القطاعات، مهذبة ومغلفة ومكاذبة في أوقات التوازن، عنيفة ومؤذية في أوقات الانفجار.

لكن الأهم هو الإدراك أن تلك الحقائق لم تكن منكرة لأسباب اعتباطية. فقطبا الحياة العامة السورية الأكثر حضوراً وفعالية خلال نصف قرن كامل مضى كانا يستخدمان “الوطنية السورية” المُدعاة تلك، لأنها كانت تؤمّن لحاملي لوائها استيلاءً كاملاً على البلاد، جغرافياها وذاتها وهويتها، على عكس الاعتراف، الذي قد يؤدي بالضرورة إلى أشكال من المقاسمة والشراكة والتوافقية، وإن ضمن نفس الكيان.

النكران التاريخي لتلك الحقائق السورية أنتج الرياء السياسي المحض، الذي أغرق الحياة السياسية والعامة السورية بتركيبة من المكاذبات وعدم الثقة والفشل في القدرة على بناء منصات سياسية ذات مصداقية.

أما الرُهاب، فقد حول تلك النزعات من طابعها النسبي والعادي والقابل للعلاج ضمن الفضاء الوطني، ليكون شيئاً سياسياً مُطلقاً، مفعماً بالمتاركة والكراهية المتبادلة.

وتسعى “الوطنية السورية” لأن تروجه كـ”سبب وجيه” لنكرانها لتلك الحساسيات الأهلية والمناطقية، أو رهابها منه، باعتبارها شكلاً ونزعة لتشييد الحياة العامة على أسس مدنية أو علمانية مبنية على روح المواطنة.

وعلى العكس فإن جميع الديمقراطيات الراسخة في التجارب العالمية مرت أولاً عبر الاعتراف بـ”الحقائق الوطنية”، ثم حاولت التخفيف من شحنة تلك الحقائق ونزعاتها الكلية والمتاركة، وذلك عبر أوسع طيف من الاعتراف والشراكة والسياسات الاندماجية أو الاحتوائية، وليس بطائفية مُستترة وقسر مُغلف بخطاب يدعي المدنية، كما يفعل الوطنيون السوريون هؤلاء، وحيث أن كل تفصيل من أفعالهم يدل على ما هو العكس تماماً من أقولهم المنمقة، من أفعال المعارضين في جبال عفرين إلى سلوكيات الموالين في أقبية سجون العاصمة، دمشق.

الحرة

———————–

“من السويداء- هنا سوريا”/ يحيى العريضي

ها هو جبل العرب يعطي صدقيَّة خاصة لثورة السوريين على الطغيان والاستبداد والفساد؛ وها هم آل معروف يعززون صرخة الحرية السورية وصدقها، وها هم يثبتون أن ثورة السوريين فكرة وطلقة حرية وكرامة خرجت لتنتصر، وتنهي عقوداً من الظلم والجور والإذلال للإنسان السوري، الذي سلّف البشرية مساهمات كبيرة، تستحق وقوفها إلى جانبه لابتلائه بطغمة لا تحلل ولا تحرم، ولا علاقة لها بالإنسانية إلا بالاسم..

لن أكتب عن مناقبيات الجبل في صدق اللسان، وإغاثة الملهوف، والأمانة، والشجاعة، وحب الوطن؛ فالفعل دليلها. ولا عن مقارعة أي معتدٍ أو باغٍ؛ فالثورة العربية الكبرى والثورة السورية الكبرى خير برهان. ولا عن التمترس في الأرض، أكان في فلسطين، أو في الجولان؛ وتحويله شوكة في عين كل مشكك أو صغير(ة). ولا عن استهداف منظومة الاستبداد الأسدية لهذه البقعة من الأرض والإنسان لعقود بحرمانها من أي منفذ أو مورد إنتاجي، تسبب باغتراب شبابها الدائم من أجل السترة والكرامة. ولن أغوص أبعد في التاريخ، لأذكّر بأن مَن ينتفض في هذا الجبل هو سليل أولئك الفرسان الذين رفضوا وأسقطوا بدمائهم دعوات استعمارية لخلق دويلات، وفصل هذا المجتمع عن محيطه وتاريخه، من “أمين ناصر الدين” الذي واجه نابليون منتصراً لعكا السورية، إلى “سعيد جنبلاط” مواجهاً حملة الفرنسيين في القرن التاسع عشر. هؤلاء هم أنفسهم الآن الذين يقولون “سوريا لنا”؛ “سوريا أمنا”؛ وهذه السورية التي يقصدون تمتد من درعا إلى حلب، ومن أرواد إلى البوكمال.

سأكتفي بشعلة ثورتها التي لم تنطفىء، رغم المشككين الصغار ضيّقي الأفق. فكما لم يخيّب سلطان الأطرش أمل عيون وأعيان الثورة السورية الكبرى كالشهبندر، وكما حمى أدهم خنجر في بيته الذي قصفه الاحتلال الفرنسي، وكما كان تنسيقه وتعاضده مع هنانو وثوار كل المناطق السورية، ليختاروه قائداً لثورة السوريين في وجه الاحتلال الفرنسي؛ بقي أحفاده على العهد في مقارعة الظلم، وإغاثة الملهوف، والتضحيات، والتمترس عند كرامة الوطن وأهله.

فعندما يستقيل حمود الشوفي، ويرمي منصب سفير سوريا في الأمم المتحدة في وجه حافظ الأسد، احتجاجاً ورفضاً لما حدث لحماة السورية؛ وعندما يفعل بعض أصحاب المواقع في نظام الأسد الشيء ذاته، احتجاجاً على إجرام المنظومة الأسدية الحالية؛ وعندما يصدح صوت سميح شقير: “إللي بيقتل شعبه خائن”؛ وعندما يكون الشهيد خلدون زين الدين من أوائل الضباط المنشقين على منظومة الاستبداد؛ وعندما يصل صوت فيصل القاسم إلى عشرات الملايين؛ فهم لا يبتدعون ذلك، بل يبنونه على إرث من الكرامة والقيم والحب الحقيقي للوطن وأهله.

من هنا لم يكن غريباً أن أول مَن هتف للثورة السورية منتهى ابنة سلطان الأطرش، قائد ثورة الخمسة وعشرين ضد الاحتلال الفرنسي. يكفي جبل العرب أنه تمنّع عن إرسال أبنائه إلى جندية منظومة الأسد لقتل أبناء بلدهم السوريين؛ والحديث هنا عن خمسين ألف مقاتل لا عشرات، ليدفع الجبل بسبب ذلك أبشع الأثمان. لقد كان أول اعتصام نقابي في سوريا، بعد أحداث درعا بأسبوع، في السويداء. وبين 2011 و2013، شهدت المحافظة أكثر من أربعين مظاهرة ضخمة ومئات المظاهرات التي سُميّت “طيارة”. هذه المظاهرات والوقفات الاحتجاجية لم تتوقف حتى اليوم.

عندما يتشرد السوريون في خيام لا تقي من البرد أو الحر داخل سوريا في أوضاع يرثى لها، يستقبل جبل العرب عدداً بقدر سكانه من أهله السوريين من جيرانهم وأهلهم في سهل حوران ومن إدلب وحلب وحمص وريف دمشق في بيوتهم معززين مكرمين. كثر من أبناء هذا الجبل ما زالوا في معتقلات منظومة الاستبداد، وبعضهم قضى تحت التعذيب كإخوة سوريين لهم؛ وما من بيت في السويداء إلا وجرحته قصة الاعتقال أو الاختطاف؛ ولا أريد التحدث عمّا هو شخصي.

هذه المنظومة الاستبدادية التي أذلت وجوّعت وقتلت وشردت السوريين تحت يافطة “المؤامرة الكونية” و”الإرهاب”، هي ذاتها التي أرسلت داعش إلى محافظة السويداء كعقوبة على موقفها؛ وهي التي صدمها دحر الجبل لداعش، وهذا ما يربك المنظومة أكثر؛ فهي لا تستطيع استخدام براميلها وصواريخها حرصاً على كذبتها فيما تسميه “حماية الأقليات”، ولا تحتمل وصول صرخة السويداء إلى مناطق سورية أخرى لا تزال تخدعها. يكفي جبل العرب شرفاً، ورداً موجعاً على فساد منظومة الاستبداد ودناءتها ذلك القرار الذي اتخذه أهل السويداء بمنع وتحريم شراء أو بيع ما /عفّشه/ أعضاء ميليشيات النظام وعصاباته من بيوت إخوتهم السوريين في المناطق المنكوبة.

لا تحتاج السويداء أن تقدم أوراق اعتمادها لأحد، وخاصةً مَن يرى في الثورة السورية ملكية خاصة لصاحبها فلان وأولاده وإخوانه. تثور بطريقتها الأصيلة على فساد منظومة الاستبداد وسقاطتها، وإجرامها، وبعثرتها لسوريا وشعبها، وارتهانها للمحتل؛ ولا تعير اهتماماً لِمَن في رأسه تشكيل كنتونات؛ ولا تلتفت لمشكك أو صغير، ولا لمَن يتجاهلها أو يتعامل معها بفوقية وإقصائية وكأنه وكيل ثورة السوريين وممثلها.

صوت الحرية والكرامة القادم من جبل العرب، مهما خَفت أو تقطّع، هو صوت حُماة الأرض والعرض، المتشبثين بالوطن: فمن فلسطين ما خرجوا، وفي قرى جولان سوريا تمترسوا، وفي جبلهم ثابتون باقون. إنه الوطن الذي ليس لهم غيره؛ لأن كل حفنة تراب فيه تختلط بدم أجدادهم، الذين قارعوا كل الاحتلالات. هم وأهلهم السوريون الأحرار سيبقون ضمير الوطن، وعنوان وحدته، وحمَلَة شعلته. “ويا حملة الله”؛ كما قال الشهيد وحيد البلعوس يوماً.

————————–

هل تستمر الاحتجاجات الشعبية في السويداء رغم تهديدات الحكومة؟

مع دخول الاحتجاجات في السويداء أسبوعها الثاني، لا يبدو أن حكومة دمشق تسعى لتقديم أي تنازلات للمحتجين، أو السير في اتجاه تنفيذ مطالبهم التي تركزت بشكل أساسي على الإصلاح الاقتصادي.

موجة الحراك في السويداء بدأت قبل أيام، وذلك بعد القرار الحكومي برفع الدعم عن مئات الآلاف من العائلات السورية، الأمر الذي تسبب بزيادة المعاناة الاقتصادية والمعيشية للسوريين، في حين قابلتها الحكومة بالتهديد والوعيد إضافة إلى اتهامات بالعمالة طالت المحتجين، ما يطرح التساؤل عن مصير هذه الاحتجاجات خلال الفترة المقبلة.

تعليق الحراك في السويداء

منظموا الاحتجاجات في السويداء أعلنوا الجمعة عقب مظاهرة رددت ذات المطالب تعليق الحراك الشعبي “بشكل مؤقت”، وذلك بناء على طلب الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، وبهدف تجنب الصدام مع قوات الأمن، لاسيما بعد استقدام تعزيزات عسكرية إلى المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية.

قد يهمك: الفقر والجوع يقتربان أكثر من السوريين بعد إلغاء الدعم

ويرى الصحفي السوري عقيل حسين أن موقف تعليق الاحتجاجات، يضع حراك السويداء الأخير بيد مجموعة يعود لها وحدها من حيث المبدأ تقرير مصير هذا الحراك، لا سيما وأن البيان الأخير أكيد على استجابة الحكومة للمطالب الاقتصادية للمحتجين.

ورغم أن بيان المحتجين تضمن تبرؤً غير مباشر من المعارضة السياسية السوري، يعتقد حسين خلال حديثه لـ”الحل نت”: أن: ” كل ما سبق لا يعني الجزم بأن هذا التظاهرات الأخيرة ليست جزء من الحراك الذي لم ينقطع في السويداء ضد النظام منذ العام ٢٠١١، بدليل الهتافات التي أطلقت والشعارات التي رفعها المتظاهرون وكان مضمون كثير منها المطالبة بإسقاط النظام والحرية لكل السوريين، ناهيك عن رفض الاحتلال الروسي والإيراني وتدخل حزب الله اللبناني في البلاد”.

ويضيف حسين: “أرى أننا أمام فئتين في السويداء تشتركان في هذه الفعاليات الاحتجاجية، الأولى مطلبها معيشي اقتصادي بحت، والثانية ثورية مناهضة للنظام، وهاتين الفئتين تساندان بعضهما اليوم وكل واحدة ترى أنها مستفيدة من الأخرى، بدليل أيضاً الخلاف على رفع علم الثورة أو العلم الرسمي، وهو ما تم حله بالتوافق على رفع الراية التي ترمز لطائفة الموحدين الدروز كحل وسطي للمحافظة على وحدة الصف.

تعزيزات أمنية .. الرد على المطالب

ووصلت تعزيزات أمنية إلى السويداء قبل أيام قادمة من دمشق، ودرعا، وتتشكل هذه التعزيزات من عناصر من المخابرات الجوية، والأمن العسكري، وقوات حفظ النظام التابعة لوزارة الداخلية، حيث بدأت بنشر الحواجز ونقاط التفتيش في المدينة.

وقد جعل وصول هذه التعزيزات المشهد أكثر تعقيدا في السويداء حسب ناشطين محليين، حيث أن المحتجين لديهم النية بإكمال الاحتجاج، في حين تسعى هذه القوات لإيقافها، كما دعت الفرق الحزبية التابعة لحزب البعث أتباعها إلى التصدي لهذه الاحتجاجات، ما جعل معظم منتسبي حزب البعث يرفضون هذه الدعوات منعل للاصطدام مع الأهالي.

وتشهد البلاد حالة من الاحتقان الشعبي، بعد قرار الحكومة السورية برفع الدعم عن مئات الآلاف من العائلات السورية، وتطور هذا الحراك إلى احتجاج شعبي على الأرض في السويداء، حتى وصل الأمر إلى أن اعتبرت بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية للرئيس السوري، بشار الأسد، الاحتجاجات على الأزمة المعيشية، بأنها تصب في مصلحة إسرائيل.

—————————–

==================

تحديث 15 شباط 2022

——————————-

«مفاوضات غير مباشرة» بين السويداء ودمشق بعد تعليق الاحتجاجات الشعبية

تحذيرات من «حرف» المظاهرات عن أهدافها

 رياض الزين

تجري «مفاوضات غير مباشرة» بين دمشق والسويداء، بعد توقف الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها محافظة السويداء جنوب سوريا واستمرت منذ يوم الخميس، شارك فيها معظم فئات المجتمع في السويداء من رجال دين ومدنيين وأطياف المعارضة.

وقال ريان معروف مدير تحرير «شبكة السويداء 24» لـ«الشرق الأوسط»: «علق منظمو الحراك الشعبي في السويداء الوقفات الاحتجاجية وأعلنوا ذلك بعد الخروج بمظاهرة حاشدة شهدتها مدينة السويداء يوم الجمعة عند مقام عين الزمان، وترك فرصة للتفاوض والتعاطي من دمشق فيما يخص مطالب المحتجين، ولا يمكن الحديث بعد عن تعاطي وتفاوض مباشر مع الحكومة بدمشق، لكن هناك مباحثات غير مباشرة تتجسد حالياً عبر إعداد مجموعة من منظمي الحراك الشعبي وناشطين والزعامات المؤيدة للحراك الشعبي في السويداء لورقة مطالب سترفع إلى الحكومة في دمشق، تحدد مطالب الأهالي المحتجين. وتؤكد حالة الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية والاقتصادية فقط».

ويقول المنظمون إن من أسباب التريث وتعليق الاحتجاجات كانت «محاولة بعض الأطراف تحريف الحراك عن مطالبه المحقة لغايات ومصالح خاصة، ولم يحددوا تلك الأطراف، وهناك مساعٍ لتنظيم الحراك وقد يتجدد في الأيام المقبلة».

وأكد أن عدة اتصالات من جهات حكومية وردت إلى السويداء تطالب بالتهدئة، وضبط الاحتجاجات، والطلب بالقدر المستطاع، مبررين موقفهم بالأوضاع التي تشهدها عموم سوريا بعد استمرار الحرب منذ أكثر من عشر سنوات، والعقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وابتعاد الكثير من الثروات النفطية عن سيطرة وخزينة الدولة.

في حين أن الغالبية العظمى في السويداء على إدراك بأن الحكومة غير قادرة على معالجة الأمر أو تحقيق المطالب، تحت اعتبارات أنها لا تملك شيئاً.

وأوضح أنه منذ اليوم الأول للاحتجاجات في السويداء، لم تقدم الحكومة أي تحسينات خدمية، واستمرت في تقديم التعهدات بالتحسين، ولكن أرسلت تعزيزات أمنية وشرطية إلى مركز المدينة تتألف من عناصر وسيارات تحمل رشاشات حربية دون عربات أو مصفحات عسكرية، وتركزت التعزيزات التي أرسلت إلى السويداء عند المباني الحكومية مثل مبنى المحافظة والمراكز الأمنية مثل فرع الأمن العسكري والجوي وأمن الدولة. ولم تتدخل بالاحتجاجات.

بدورها، صرحت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين المسلمين الدروز في سوريا عبر شبكة «الراصد» المحلية في السويداء، أنها تؤيد «حراك الناس بكل قوة وإيمان، وأنهم قلباً وقالباً مع المطالبين بحقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور السوري، وضمنتها القوانين السورية، وعلى الدولة تنفيذ هذه المطالب للمحتجين السلميين بالسرعة القصوى، باعتبار أن مطالب المواطنين في السويداء لم تكن لهم وحدهم؛ بل لكل السوريين، وأن المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع هم مواطنون من كافة فئات الشعب، أصيبوا كما كل السوريين بلقمة العيش والانتظار على الطوابير وخاصة طوابير الهجرة، وهذا شيء خطير جداً للوطن كله، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، واعتبرت أن السويداء كانت ولا تزال الحاضن للمشاريع الوطنية التي لا تهدف إلا إلى توحيد سوريا». وطالبت الرئاسة الروحية بأن تكون الدولة شفافة مع المواطنين بكل قطاعاتها، فالشفافية تعطي الثقة في التعامل بين المؤسسات والمواطنين.

وكانت قد تفجرت الاحتجاجات في السويداء، نتيجة القرار الذي صدر مؤخراً عن الحكومة السورية برفع الدعم عن بعض فئات المجتمع السوري التي وصفتها بأنها لا تحتاج للمواد المدعومة، وسط أخطاء اعترفت بها الحكومة أن رفع الدعم شمل كثيرين بطريقة الخطأ الإلكتروني.

الشرق الأوسط

——————————–

دروز سوريا..عملاء أميركا أم إسرائيل؟/ عمر قدور

محيّر أمر أهالي السويداء المحتجين منذ أسبوعين على إجراءات تقشفية جديدة أعلنتها حكومة الأسد، والذين رفعوا شعارات تتجاوز ما كان سببَ وقفاتهم الاحتجاجية إلى المطالبة بالتغيير السياسي أو الديموقراطي. هل هؤلاء الأهالي سوريون؟ أم دروز؟ وهل هم عملاء أمريكا حسب تلميح موسكو الأخير؟ أم هم عملاء إسرائيل بحكم القرابة مع دروز الأخيرة؟ نضيف إلى مَن يريد تبني الاتهام الأخير أن الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، قد وصل إلى موسكو بعد ظهر الاثنين قادماً من إسرائيل ليبحث في الكرملين ووزارة الخارجية الاحتجاجات الأخيرة في السويداء.

بعيداً عن الاستهلال الذي يصلح للإثارة لكنه عديم الانتباه إلى المؤثرات الخارجية الفعلية؛ لسوء حظ أهالي السويداء أن احتجاجاتهم انطلقت هذه المرة بينما العالم منشغل بتطورات الملف الأوكراني، وسوء الحظ لا يتعلق بعدم الاكتراث الإعلامي أو الدولي بهم، فهذه شكوى سورية عمرها سنوات أو حتى عقود. سوء الحظ هذه المرة يندرج ضمن سلسلة بدأت منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث صارت القضية السورية ملفاً من بين ملفات الكرملين الطامح إلى استعادة أمجاد روسيا كقوة عظمى استعمارية. المصيبة أن سوريا طوال هذه السنوات كانت المكان الذي يقبض فيه بوتين، إما ليدفع في مكان آخر أو ليُدفع شرّه هناك.

يوم الثلاثاء الفائت أعلنت هيئة الاستخبارات الخارجية الروسية أن لدى المخابرات الأمريكية مخططاً سورياً لـ”استغلال الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية الصعبة لتنظيم مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة، ما يدفع أجهزة إنفاذ القانون خلالها إلى استخدام غير متكافئ للقوة بحق هؤلاء الذين سيتم في ما بعد تسميتهم بالمحتجين السلميين”. بعد ساعات قليلة من هذا الإعلان، صدر بيان عن الجنرال أوليغ جورافليوف “نائب مدير مركز حميميم للمصالحة” جاء فيه: “تفيد المعلومات الواردة بأن زعماء العصابات المسلحة المختفية يخططون لتنفيذ عمليات تخريبية تستهدف الموظفين والمنشآت للحكومة في أراضي محافظات حمص ودمشق ودرعا والسويداء”.

الرسالة الروسية موجهة بلا لبس إلى أهالي السويداء، إذ ليس هناك أي حراك آخر، ومفادها أن روسيا لن تهدِّئ من ردّ الفعل المعروف لشبيحة الأسد على المحتجين، وستتّهم المحتجين بأنهم عملاء لأمريكا. بتعبير آخر، موسكو الآن هي بثينة شعبان التي سبقت الآلة الروسية بتوجيه الاتهام ذاته. وبما أن روسيا منخرطة حالياً في لعبة عضّ أصابع مع الغرب فهي لن تغطي مخالبها بقفازات، وستسمح لشبيحة الأسد بإظهار وجهها الحقيقي. رسالة موسكو من أوكرانيا هي المزيد من التعنت على جميع الجبهات، أو في جميع الملفات، وعلى أهالي السويداء العودة إلى بيوتهم لئلا يكونوا ضحايا هذا التوقيت الحساس.

تبنّت هيئة الاستخبارات الخارجية الروسية، ثم مركزها في حميميم، سردية الأسد القديمة المتجددة برمي الاحتجاجات على مؤامرة أمريكية مزعومة، لا لأنها تستشعر أدنى خطر على المصالح الروسية في سوريا، أو حتى على سلطة الأسد، بل لأن الكرملين يريد أن يدرأ عنه أية شبهة ضعف في مستعمرته السورية بينما يظهر شهيته لابتلاع جزء من أوكرانيا على الأقل. ولئن كان هذا وقت التصلب فإنه لا يمنع الدب الروسي من التمييز بين أوكرانيا التي تتسابق دول غربية لنزع فتيل الحرب فيها وبين سوريا غير المدرجة في أولويات الغرب، ووفق هذا التمييز يكون للتصلب في سوريا آفاق للتكسّب الروسي، فيما لو نجحت الديبلوماسية “ولو مؤقتاً” في إبعاد شبح الحرب.

العكس غير وارد، بمعنى أن يتصلب بوتين في أوكرانيا ويبدي مرونة في سوريا، لأن الغرب غير معني بسوريا استراتيجياً، وما تريده واشنطن منها متحقق وغير واقع تحت التهديد. المطمع الروسي المتجدد هو أن تتخلى واشنطن عما لا تعتبره مكسباً لها، أي أن تنسحب من سوريا نهائياً، وربما يكون بايدن وبعض أركان إدارته ممن يحبّذون فكرة الانسحاب لولا ضآلة عدد الوجود العسكري البشري لقواته، ولولا هجوم داعش الأخير على سجن غويران الذي أظهر أن الحرب عليه لم تنتهِ بعد. ما دون الانسحاب، قد يحصل بوتين على تنازلات من نوع فتح توريد النفط إلى الأسد من الآبار التي تسيطر عليها قسد، أو حتى تراجع واشنطن عن موقفها الأخير الرافض للتطبيع العربي معه.

أهالي السويداء فهموا الرسالة الروسية جيداً، وبعد الوقفات الاحتجاجية ليوم الجمعة، قرر منظّمو الحراك التريث، وأصدروا بياناً للتريث وإعطاء مهلة لتلبية مطالب الأهالي ضمن ما وصفوه بـ”دولة القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين”. البيان والتوقف، أتيا بتسوية مع مشيخة العقل، مع التعهد باستمرار الحراك بعد المهلة، والتعهد من جهة مقابلة بعدم السماح باستغلال الحراك لمقاصد لا يسعى إليها أهله، والعبارة الأخيرة واضحة لجهة التنصل من الشعارات السياسية التي رفعها البعض من المشاركين. لقد وصلت الرسالة من جبهة أوكرانيا: لا ثورة.

 إلا أن بيان التهدئة لم يلقَ صدى ملحوظاً لدى الأسد، فأول أمس تعرض و.ف.ط في مدينة شهبا، التابعة للسويداء، لإطلاق نار من مجهولين، ونجا من القتل. التعليقات على صفحة “السويداء24” التي نقلت الخبر يصب معظمها في توجيه أصابع الاتهام إلى السلطة، وبينها من يخاطب المستهدف بلهجة من يعرفه شخصياً، واصفاً المعتدين بخفافيش الليل، ما ينفي أن يكون الاعتداء جراء خصومة شخصية. بعض التعليقات أفصح عن التوجس من أن يكون الحادث بداية لحوادث مشابهة، والهدف هو ترويع الأهالي كي لا يفكروا في استئناف احتجاجاتهم.

التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى السويداء في الأيام الثلاثة الأخيرة رفدت كل مركز من المراكز “الأمنية” بما يتراوح بي 150 و300 عنصر، وكذلك تم تعزيز الحواجز العسكرية العديدة المنتشرة في المحافظة بأعداد إضافية من العسكر أو المخابرات أو الشبيحة، فضلاً عن إقامة حواجز جديدة. من المؤكد أن الأهالي يفهمون رسائل الأسد المتعطش لإلحاقهم بمن سبقهم إلى الثورة عليه، ومن المؤكد أن الشيخ موفق طريف ذاهب إلى موسكو كي تردع بشار عما يتوق إليه. ذلك بينما ينشغل معارضو الأخير بتفسير دلالة بيرقٍ رُفع هنا أو هناك في وقفات احتجاجية، ويُضطر بعض المشاركين في الحراك للتأكيد على أنهم سوريون بأقصى ما يرمون إليه.

المدن

——————————-

سقوط ورقة الأقليات السورية/ عبير نصر

في مواجهة الأطروحات التفتيتية الكارثية التي تشهدها سورية حالياً، يؤلمنا الاعتراف، حقيقة، أنه عندما بذلت سلطةُ الانتداب الفرنسي جهوداً مضنية لتأصيل فكرة الكانتونات الطائفية، وفرضها بالقوة العسكرية على البلاد، مُني مشروعها بفشلٍ ذريع. في المقابل، نجح الابن الوارث، وبدرجة امتياز، في إفقاد السوريين الهوية الجامعة وإيقاظ العصبويات الهامشية منذ بداية عهده المشؤوم. وباستثناء صور قليلة بالزيّ العسكري مزروعة عند النقاط أو الحواجز الأمنية، يظهر بشار الأسد دائماً ببزّات رسمية وربطة عنق، وبابتسامته الهوليوودية الفاقعة يبدو كمن يجرّ البلاد من عنقها إلى خرابها الأخير. وعلينا الاعتراف أيضاً أنّ الأسد، ومنذ تبنّى بكائيات نظرية المؤامرة وأنين تلاعب الغرب بالشرق، حشر شعبه في ساحة الصراع الطائفي التي يتقن اللعبَ فيها، فغدت عقليته الانتهازية أشبه بأيديولوجيا قائمة على التوجّس الدائم من “المؤامرات” وإلقاء كلّ أسباب التخلف والفشل والهزيمة على “الغرباء” و”ضعاف النفوس” و”المغرّر بهم”. وباتت لازمة ضروريّة مرتبطة بزعاقه المدوّي لتفسيرٍ لا يبحث عن الأسباب الحقيقيّة، وإنّما التهرّب من مواجهة المسؤوليّة. والواضح اليوم أنّ الأسد لم يعد في حاجة إلى السوريين مدافعين عنه، وأقصى حاجته إليهم أن يستخدمهم رهائن يبتزّ بمعاناتهم الخارج. إنهم، ببساطة، جزءٌ من نهج يعتمد على التلويح بالإرهاب بديلا، والتلويح بالرهائن الذين تودّ الغالبية منهم الهجرةَ وترك البلد لشبّيحته وفساده، بعدما فقدوا الأمل في خلاصٍ قريب، مع غيابٍ ملفتٍ للملفات الجادّة التي تعالج مشكلات الهوية السياسية في هذه المرحلة الحرجة من التحوّل البنيوي، ما يعكس سذاجة مستفزة في القراءة التاريخيّة، وضحالة فكريّة جرّت البلاد إلى جحيمٍ لا قرار له.

ويمكن القول إنّ وكالة الأنباء الروسية “RIA FAN” أظهرت، منذ إبريل/ نيسان 2020، إنّ 31% فقط من السوريين في مناطق سيطرة النظام يوافقون عليه. مع هذا، ثمّة درسٌ يتوهم الأسد أنه كافٍ لإفهام شعبه الواقع تحت قبضته، أنّ قوى الخارج المؤثرة موافقة على بقائه، وأنّ من ثاروا عليه كان مصيرُهم الإبادة والتنكيل والتهجير. غير أنه يخطئ في التقدير من جهتين. الأولى، في اعتقاده أنّ مَن ينظر إليهم عبيدا في مزرعته لن يحتجّوا إذا منع عنهم أبسط مقومات العيش. والثانية، تتعلق باندلاع الاحتجاجات في أماكن لا يستطيع فيها وصم المحتجّين بالإرهاب، كما في مظاهرات السويداء، أخيرا، والتي جاءت ردّاً على قرارات حكومته الفاسدة، إبعاد نحو 600 ألف بطاقة ذكية للأهالي عن الدعم الحكومي، متجاهلة البؤس الذي وصل بهم إلى قعرٍ لا يُطاق. وعلى الرغم من أنهم يتحرّكون ضمن المساحة التي يرونها متاحة، إلا أن شعاراتهم المطالِبة “بدولة مدنية” تثير حساسية النظام السوري، ما يجعل الصدام محتماً، خصوصا أنّ النفس العام غير مؤيد لحاكمٍ لا مستقبل له ولا لحلفائه المارقين. ولا يُستبعد أن يكون بشّار نفسه متلهفاً لشعار يعطيه ذريعة استخدام العنف ضدهم، بعدما جالت المظاهرات الغاضبة أهم مراكز المدينة، وترافقت بهتافاتٍ تندّد بسياسة التجويع والتركيع التي تنتهجها الحكومة، مطالبة الجميع بالمشاركة في العصيان المدني حتى تحقيق أهداف الانتفاضة الحالية.

وعلى الرغم من محاولات السويداء المتكررة تجنّب الواقع الثوري والاكتفاء بالمراقبة، إلا أنّ رعونة نظام الأسد في محاولة إخضاع سكانها، وترهيبهم بالتفجيرات والاغتيالات التي طاولت رموز المدينة التي جاهرت بمعارضتها، دفعت حتّى المحايدين إلى الانضمام إلى صفوف الثورة المطالبة بالحرية وإسقاط الاستبداد السياسي. ولم يكتفِ بهذا، ففي 2011، أصدر النظام المرسوم التشريعي 107 الذي تضمن قانوناً يهدف إلى “إضفاء الطابع اللامركزي على السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي عناصر مختلفة من الشعب”. ولكنّ هذا المرسوم، وكذلك المكرُمة اللاحقة المسماة “طرش الدم” التي سمحت للعائلات الدرزية الكبرى بالانتقام بالدم، في الحالات التي يرتكب فيها دورزٌ جريمة ضد دروزٍ آخرين، إنما يمثّلان جانباً من جوانب العودة إلى هياكل القيادة التقليدية التي ترى في المجتمع السوري مجموعة من الطوائف والقبائل، بدلاً من المواطنة والدولة التي يسود فيها القانون.

وغير مخفيّ على أحد أنّ النظام السوري كان حريصاً، منذ البداية، على إبقاء الدروز إلى جانبه، ضمن “حلف الأقليات” لمواجهة ما درج على تسميته “الخطر التكفيري والإرهابي”. في الوقت ذاته، غدت مجموعة “مشايخ الكرامة” قوةً عسكرية مناهضة لا يستهان بها، تمكنت من إنهاء حالة التجنيد الإجباري، ومنع سحب قوات النظام بعض السلاح الثقيل من المحافظة. المجموعة التابعة للشيخ وحيد البلعوس الذي اغتيل عام 2015، وهو صاحب الكلمة الشهيرة: “جيراننا في حوران هم مستقبلنا الباقي، والاستبداد سيرحل ويتركنا لمصائرنا”، لم تتمكّن من إنهاء سطوة النظام في ظلّ تسليحه مجموعة كبيرة من أبناء المنطقة، أهمها “الدفاع الوطني” أو “درع الجبل”، والذي يضمّ حوالي ألف مقاتل، لديهم بطاقات إذن بحمل السلاح صادرة عن وزارة الدفاع السورية. يزيد الطين بلّة اعتماد السويداء، وبشكل شبه كلّي، على حكومة دمشق، في التموين بالغذاء والوقود والخدمات الرئيسية. مع هذا، يبدو النظام مستعدّاً دائماً للتفاوض، شرط ألاّ تمسّ التنازلات هيبته، لصالح تعزيز نوعٍ من الحكم الذاتي مخفّف الصيغة، يظهر ذلك في السماح بنشر حواجز لمليشيات درزية تحمل رايات وشعارات طائفية، بينما لم يُقدّم تنازلاتٍ صعبة، كان قد طالب بها “مشايخ الكرامة”، مثل إقالة رئيس فرع الأمن العسكري. ما يوحي بإمساك النظام العصا من منتصفها، وبقائه مُحرّكاً رئيسياً للأحداث في السويداء.

عموماً، أصبح الأسد اليوم أضعف من أيّ وقت آخر، ويبدو أنّه انزلق، أخيراً، في فخّ الجحيم الذي حفره بنفسه، ويبدو أيضاً أنّه سيكون في مواجهةٍ خاصةٍ مع انتفاضة السويداء في ظلّ معطياتٍ على درجة عالية من الحساسية والتعقيد، لعلّ أهمها انتشار القوى الأمنية التابعة للنظام السوري ضمن الساحات الرئيسية في المدينة، بالإضافة إلى قطع بعض الطرقات، واعتلاء قناصيها أسطح مباني الحكومة. يزيد التوجّس أنّ وسائل إعلام روسية نقلت عن نائب مدير مركز حميميم التابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء أوليغ جورافليوف، بياناً ذكر فيه: “تفيد المعلومات الواردة أنّ زعماء العصابات المسلحة المختفية يخطّطون لتنفيذ عمليات تخريبية في أراضي محافظات حمص ودمشق ودرعا و(السويداء)”. بطبيعة الحال، لن يكون النظامُ السوري وحليفته الطرفَ الوحيد الذي سيشحذ مخالبه، فثمّة لاعبٌ خبيثٌ على مقربة من المنطقة الملتهبة، سيدس السمّ في الدسم إنْ تمكن، فقد سبق للصحافي الإسرائيلي المختص بالشؤون الأمنية والاستخباراتية، يوسي ميلمان، أن صرّح أنّ “إسرائيل لن تسكت عن تعرّض الدروز في سورية لخطر وجودي”. ونقل ميلمان عن مذكرات السياسي واللواء السابق في الجيش الإسرائيلي، إيغال ألون، قوله: “زرت السويداء مرات، وحلمتُ بالجمهورية الدرزية، التي تقع في جنوب سورية، بما في ذلك الجولان، في حلف عسكري مع إسرائيل. كما بنيتُ الكثير على الطائفة الدرزية في البلاد، التي كانت منظّمة في الجيش الإسرائيلي في أن يشكّلوا جسراً بيننا وبين الدروز الآخرين”.

وسط هذه المعطيات، يبقى السؤال الجوهري الواجب طرحه هنا: هل ستكون انتفاضةُ السويداء بدايةً لسقوط “ورقة الأقليات”، وكشف العورة التي كانت تخفي قباحة النظام السوري، أم أنّها صرخة بلا صدى، سرعان ما تتلاشى على أعتاب الحوار مع الأسد؟

العربي الجديد

——————————-

الموالاة.. صحوة غير مكتملة/ سليمان الطعان

المقولة الأساسية في تصور مالك بن نبي للحضارة ومسيرتها يمكن تلخيصها في أن الحضارة عموما تمر بثلاث مراحل في طريق سقوطها المحتوم: مرحلة الأفكار أو القيم، ثم مرحلة الأشخاص، وتليها مرحلة الأشياء التي تصل فيها الحضارة إلى قاع سقوطها.

بشيء من التحوير الذي لا يخلو من الخلل، يمكن أن تنطبق هذه النظرية على مسيرة النظام السوري في عقوده التي حكم بها سوريا، فالنظام البعثي بدأ قوميا ذا مشروع يهدف إلى إقامة الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج، ولكن سرعان ما أصابه ما يصيب الأنظمة الشمولية عادة من أمراض الأنظمة الشمولية والقمعية، كالارتكاس إلى فكرة القائد الضرورة التي تعد مرحلة لازبة في عمر تلك الأنظمة، جسدها الأسد الأب، وكان الأسد الابن صدى باهتا لها في سنواته العشر الأولى.

لم يتح للعدد الأكثر من السوريين أن يعيشوا المرحلة الأولى، إلا من خلال الكتب التي صارت تتداول بعد الثورة، والتي أسهمت التقنية المعاصرة في سهولة انتشارها، أما مرحلة الأشخاص فقد خبرها السوريون في المدارس والإعلام والجيش والسجون، وفي أجهزة الضبط والقمع التي اعتمد عليها النظام في سبيل ترسيخ سلطته.

منذ عام 2011م، عام استعادة السوريين أصواتهم، حاولت أجهزة الأمن والنظام التغلب على مطلب إسقاط النظام عبر الالتفاف عليه، وذلك بالاعتراف بحق المواطن السوري بالمطالبة بتحسين حياته وظروفه الاقتصادية، والتهاون في التطاول على العروبة والفكر القومي، والتغاضي أحيانا عن الانتقادات الموجهة لحزب البعث، ولكن الخط الأحمر بقي المطالبة بتنحي رأس النظام. كان هذا إقرارا متأخرا جدا بما وصل إليه النظام من تكلس حول فكرة الشخص، وهي محاولة كان النظام بعصبويته الفئوية يستميت في التستر عليها، ولكن اندلاع الثورة كشف المستور أمام الملأ، بعد أن كان الحديث الفئوي والعصبوي يجري داخل الحيطان السميكة، خوفا من الآذان التي يقال إنها مثبتة عليها.

حين خرج السوريون إلى الشوارع قبل عشر سنوات مطالبين بحقوقهم، لم تكن ثورتهم موجهة ضد الفكر القومي المتجذر في وجدان الإنسان السوري. ومع أن حزب البعث كان هو الواجهة التي اعتمد عليها النظام في ترسيخ حكمه، فإن السوريين ما كانوا في حالة عداء تام مع حزب البعث. كان المطلوب هو العودة إلى اللحظة التي سبقت استيلاء حزب البعث على السلطة، بكل ما تحمله من قيم يتطلع إليها السوريون: التداول السلمي للسلطة، والتوكيد على حقوق الإنسان، والإقرار بفصل السلطات وغيرها. بمعنى من المعاني كان السوريون يحاولون العودة إلى القيم التي خبرها أسلافهم في خمسينيات القرن الماضي، أي العودة إلى عالم الفكر القومي الرحب، بدلا من زواريب الطائفية ودروبها المعتمة الكئيبة التي قادهم إليها النظام، وخصوصا ما وصلت إليه من عبادة مطلقة للفرد-القائد الضرورة.

في مواجهة الثورة، ثورة العودة إلى القيم القومية، والنزوع الليبرالي، حاولت الطائفة الأسدية تثبيت الزمن وعدم التراجع عن عالم عبادة الفرد، عالم الحاكم بأجهزة المخابرات والجيش.

إذا استعرضنا أسماء الشهداء في أقبية النظام وسجونه في السنوات الماضية من عمر الثورة، فسنلاحظ أن عشرات الآلاف قتلوا لأن أجهزة الأمن وجدت في هواتفهم المحمولة شتائم لبشار الأسد، وحتى حسن نصرالله وغيره من قادة محور الخراب. كان تناول أي من هؤلاء يعني أن مصير الفرد هو الموت أو القتل، وقد شاهدنا في بداية الثورة أن أجهزة النظام قتلت أطفالا أبرياء لأنهم قالوا: لا لبشار الأسد.

الأمر ليس اعتباطيا، فالتطاول على بشار الأسد كان تطاولا على “الإله”، انتهاكا للمقدس الذي يأثم كل من يمس مكانته أو شخصه، كان الأسد الابن، ومن قبله الأسد الأب، في عيون أتباعهما أسمى من مرتبة البشر المدنسين، ولذلك يحرم على الفرد أن ينتقص من مكانتهما.

لكن صورة الأسد الابن في نفوس أتباعه كانت تشهد مسارا تراجعيا، فمنذ السنوات الأولى من عمر الثورة، وخصوصا في زمن هزائم النظام العسكرية، كان ذكر الأسد الأب حاضرا على أفواه الموالين والمناصرين، وهذا الاستحضار جزء من آلية النفور من الأسد الابن الذي بدا في أعين الموالين أقل شأنا وحكمة من أبيه. غير أنه بعد التدخل الروسي الذي قلب ميزان القوة العسكرية لصالح النظام، خفت الحنين العلني لأيام الأسد الأب؛ لأن الانتصارات العسكرية التي حققها الروس لصالح النظام أعادت شيئا من الاعتبار لرأس النظام في عيون مواليه وشبيحته. لكن الكارثة الاقتصادية التي يعيشها النظام أظهرت لمناصريه ومواليه وشبيحته أن النظام انتهى إلى كرسيّ لم يعد من المستطاع رؤية الجالس عليه.

ارتفعت مع أزمة النظام الخانقة أصوات الاحتجاجات والانتقادات ضد رأس النظام شخصيا، وهو أمر نادر ومحرم في الوعي الموالاتي. في ضوء هذه الكارثة المعيشية، عاد جمهور الموالاة إلى استحضار شخصية حافظ الأسد، بعد أن توارت كثيرا في السنوات الماضية، وهذا الاستدعاء غالبا ما يترافق مع التذكير دائما بالخط الأحمر الذي يذكره الموالون: الخبز.

يتلقى جزء من جمهور الثورة هذه الأصوات التي تخرج من بيئات النظام بكثير من الترحاب، ولكنه يخطئ في فك رموزها وشفرتها، إن جاز التعبير، لأنه يظنها بداية فراق بين الموالاة والنظام، وصحوة أخلاقية أو سياسية من الممكن الالتقاء معها، أو الوصول مع أصحابها إلى تفاهمات معينة، يمكن أن تؤسس لمسار سياسي ما. ولكن أصحاب هذا الرأي يصابون في كل مرة بالخيبة النابعة من العجز عن فهم الشفرة المضمرة في تلك الرسائل أو الأصوات الاحتجاجية. فالنقد الذي يوجهه الموالون للنظام ليس رفضا للنظام، ولكنه استياء من قاع الفقر الذي انحدروا إليه، وخصوصا مع انتهاء ظاهرة التعفيش.

إن ما يريده الموالي، اليوم، بعد أن خسر بشار الأسد رمزيته في نفوس الأتباع، هو العودة إلى عالم عبادة الفرد، إلى عالم الشخص، العالم الذي مثله حافظ الأسد أحسن تمثيل، والموالي مستعد للوقوف مع أي شخصية من قلب النظام تعيد له هذا المجد، لكن المعضلة التي لا يدركها الموالي أن هذا الشخص المتخيل -حتى لو جاء- عاجز عن تأمين أساسيات الحياة: الكهرباء، الطعام، الماء، الدفء…إلخ.

التحولات التي تشهدها الموالاة تحولات غير مكتملة، فالموالي يريد إعادة صيغة النظام في أوج قوته وجبروته، قبل أن تحيله الثورة إلى هيكل مستند إلى ميليشيات إيران، وطيران روسيا، وتواطؤ الولايات المتحدة، وخذلان الدولة الصديقة للشعب السوري. والإشارات القادمة من الموالاة، إذن، هي إشارات لا يحسن جزء من جمهور الثورة قراءتها، فما زال أمام الموالاة طريق طويل للعبور من عالم الأشخاص الذي تريد استعادته، إلى عالم الحرية ومحاربة الاستبداد، عالم القيم الذي صدحت مُطالبةً به حناجرُ السوريين عام 2011م، وفي هذا الطريق الطويل، ما يزال أمامنا كثيرٌ من الدماء والدموع.

—————————–

ثورة السويداء.. هل تصل للعصيان المدني؟/ أحمد مظهر سعدو

رغم كل ظروف القهر وسلب الحرية والعسف الأسدي، وواقع المعاناة المعيشي اليومي، فقد تمكنت السويداء بشبابها وكهولها، نسائها ويافعيها من الانتفاض مرة أخرى، وحجزت لنفسها المكان المرموق ضمن حالات الحراك المنتفض في مواجهة الطغيان، وهو تحرك طبيعي ومتوقع، لما للسويداء وشعبها وقواها الوطنية والثورية من عمق في قعر المجتمع السوري، والتاريخ القديم والحديث للفوران الوطني الثوري الشعبي، وهي مازالت في المخيال الشعبي السوري برمته ماثلة وواضحة المعالم.

تتحرك السويداء اليوم استمرارًا لسلسلة تحركات عملت عليها خلال سنوات الثورة السورية في الأعوام المنصرمة، فكانت من أولى المحافظات التي تحركت نصرة لدرعا وتماشيًا وطنيًا صرفًا مع باقي المواقع الوطنية الثائرة ضد حكم آل الأسد، وضد الفساد المتعشش في جوانية السلطة الأسدية، والذي كان وما يزال نهجًا ممارسًا للدولة الأمنية المخابراتية التي وَجدت في الوطن السوري وخيراته وموارده فسحة وحيزًا للانفلات العصاباتي وصولاً إلى مزيد من النهب، والتغول على الوطن كل الوطن، فهيمنت على البلاد والعباد وألغت السياسة من المجتمع، وجرَّت الناس إلى سجون القهر ومعتقلات الظلام، وكان دائمًا لناشطي السويداء ولشعبها الواعي المثقف النصيب الأكبر في الكثير من المداهمات وعمليات الاعتقال، والمزيد من الشهداء تحت التعذيب الذين سجلهم وسطرهم (قيصر) ضمن صوره التي أضحت نموذجًا عالميًا للقهر والمعاناة والاعتقال السياسي الذي يفضي عند حكام الطغيان والاستبداد إلى القبور.

في إطلالتنا اليوم على ما يجري في السويداء من حراك وطني ثوري متواصل ومستمر منذ ما ينوف عن أسبوع، لابد أن نقف عند بعض المؤشرات التي توصلنا إلى معطيات ماهية الحراك وإلى أين تسير مآلاته، وهل يفضي بالفعل إلى العصيان المدني المنشود؟ وكيف يمكن أن تتمكن ثورة السويداء من تحقيق آمالها المنسجمة بالضرورة مع تطلعات كل السوريين في باقي محافظات سوريا؟

ما يلفت المتابعين لهذه الثورة /الانتفاضة لأهل السويداء أن فيها شكلًا من أشكال العمل الوطني المنظم، فهناك حراك وحركة منظمة تقود الحراك، بشكله اليومي، وتعمل بشكل واعي على كيفية الاشتغال العقلاني على تصاعد هذا العمل دون إعطاء الفرصة للنظام المجرم من أجل الانقضاض على الناس وتحويل الحراك إلى دماء تسيل. الحراك بالفعل يأخذ طابعًا مؤسساتيًا وتنظيميًا ملحوظًا وهذا الأمر بحد ذاته هو بمثابة تطور كبير في شكل العمل الوطني في السويداء، ويكون الناس بذلك قد تعلموا الدروس من تحركات الماضي وأخذوا الدروس المستفادة من السابق.

المسألة الأخرى التي تلفت النظر أن عملية نقل الحراك من ساحة الكرامة، وهي الساحة التي سبق وأن أسقط ثوار السويداء فيها تمثال الأسد وكنسوه منذ سنوات، وهي تمتلك رمزية معينة، لكن مع ذلك تم نقل الحراك إلى ساحة مقام (عين الزمان) وهو مركز مشايخ عقل الطائفة، ولهذا المكان أيضًا رمزية كبيرة يخشاها النظام، ويحسب لها ألف حساب، فيما لو قرر الانقضاض على الناس المنتفضين. فهي تقع أمام المؤسسىة الدينية وضمن حمايتها إن صح التعبير.

مع ذلك فهناك تخوفات كبرى من محاولات الاختراق الأمني من قبل النظام القمعي، ومن ثم تسلل بعض العناصر الأمنية التشبيحية والعناصر المشبوهة لتفجير الوضع، ونقله إلى الحالة الدموية، وهو ما يحتاج إلى الكثير من الوعي، مازال شباب السويداء حتى الآن مدركين له وممسكين في وعي وإدراك بناصيته لعدم إفساح المجال لهذه العناصر المشبوهة من الدخول أو تخريب الحالة وتحويلها إلى مأساة كبرى.

مسألة أخرى ما برح شباب الحراك في السويداء يأملونها ويناشدون ويتوقعون الوصول إليها، وهي قضية التضامن الوطني على امتداد الساحة الوطنية معهم، فالتضامن من باقي محافظات سوريا ما زال أقل من المتوقع، ولم يرتق بعد إلى المستوى المطلوب والمأمول وهو ما يريده ويتمناه أهل السويداء، ليعطيهم الدفع المعنوي الأكبر، ويملكهم القدرة على المتابعة ضمن حالة ثورة وطنية سورية، لا تنحصر في مدينة أو محافظة بعينها، بل تمسك بآليات التضامن والتآزر، كما حصل مع بدايات الثورة السورية عام 2011.  إذًا مازال التضامن والتحرك الشعبي السوري في محافظات أخرى (حتى من المعارضة السورية بكل تلاوينها) لم يأخذ البعد الحقيقي المطلوب وإن صدرت بعض ملامحه هنا أو هناك. فالمطلوب أكثر وأوسع كما يقول شباب الحراك.

قضية أخرى لابد من الإشارة إليها وكشفها وهي تمظهر بعض حالات التشدد الديني والعصبيات الطائفية المنفلتة من عقالها، والتي مازالت تتعامل مع الحراك في السويداء على أنه حراك طائفي محلي، دون النظر إلى أهميته كجزء من الحالة الوطنية الديمقراطية الواعية والمنتمية إلى جملة حراكات ثورة الشعب السوري، ثورة الحرية والكرامة، التي لم تكن يومًا ذات أفق طائفي ولن تكون. وهي إحدى المؤشرات التي لابد من محاربتها ومنع تمظهرها، ووأدها، لأن أهل السويداء هم جزء أساسي من نسيج المجتمع السوري وهم أنفسهم من قادوا يومًا الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد الاحتلال الفرنسي عام 1925. ويؤلمهم جدًا أن ينظر البعض (ولو كان قليلًا) إلى حراكهم على أنه تحرك طائفي ليس إلا.

ويبقى السؤال الأهم هل يمكن وضمن هذه الظروف الآنفة أن يتحول الحراك الشعبي في السويداء إلى ثورة شعبية عارمة، وصولاً إلى العصيان المدني الذي طالما حلم به السوريون في ثورتهم، وهو فقط من يسقط هذا النظام المجرم.

وهنا لابد من دراسة واقع السوريين في دمشق أولًا وباقي المحافظات وكذلك في السويداء، وإدراك الواقع الميداني الذي حوله النظام إلى هذه المآلات بعد 11 عامًا من القتل والاعتقال وضرب السوريين بالكيماوي والبراميل والصواريخ. صحيح أن أهل السويداء وكل السوريين يأملون في الوصول إلى حالة العصيان المدني الكامل والشامل، لكن ذلك وفق المعطيات الآنية ليس سهلًا، وأمام التخلي المعولم من معظم (أصدقاء الشعب السوري) عنه، وتركه للقمع والمقتلة الأسدية، لا يعطي الكثير من التفاؤل، مع ذلك فإن المتغيرات المتدحرجة في الواقع السوري، يمكنها أن تحرك الوضع حتى داخل دمشق وتحوله إلى انبثاقات تغييرية جديدة، بعد أن وصلت الحالة المعيشية لدى السوريين إلى ما لا يحتمل أبدًا، وأصبح الموت ماثلًا أمام أعين الجميع، إما جوعًا أو قتلًا أو اعتقالًا أو بردًا وثلجًا.

العصيان المدني هو ما تبتغيه ثورة السويداء وكذلك ثورة السوريين، فيما لو تهيأت الظروف والمعطيات لدعم مثل ذلك، ويبقى أنه ليس مستحيلًا، لكنه من الصعوبة بمكان استنادًا إلى واقع الشعب السوري المر، رغم أن هذا الشعب بقضه وقضيضة مازال ممسكًا بفكرة التغيير، ولا يمكن أن يتراجع عن ثورته، بدلالة تجدد هذه الثورة الشعبية الجديدة اليوم في السويداء.

———————–

من احتجاجات السويداء

====================

تحديث 18 شباط 2022

—————————-

عن المطلبية والمحلية في احتجاجات السويداء/ راتب شعبو

أعادت المظاهرات التي شهدتها، أخيرا، محافظة السويداء في سورية، الحديث عن موضوع جدوى الاحتجاج المطلبي المعيشي وقيمته، وموضوع الأقليات وخلفيات انحيازاتها السياسية على مسار أكثر من عقد من الصراع المحتدم بعد اندلاع الثورة السورية. ويمكن ملاحظة سمتين عامتين في احتجاجات أهل السويداء: غلبة الطابع المطلبي على موجات الاحتجاج، والذي لخصه أهل السويداء بعبارة “بدنا نعيش” منذ حوالي سنتين. وبروز معالم محلية على الحراك، مثل رفع الراية المذهبية. وكل من هاتين السمتين كانت محلّ نقد واستهجان من عدد غير قليل من السوريين.

يمكن أن يجادل مراقبون في أن الاحتجاجات كانت سياسيةً أكثر منها مطلبية، لأنها طالبت بالكرامة والعدالة وبدولة مدنية وبإسقاط النظام .. إلخ، وأن يجادلوا في أن الكلام عن بروز ملامح محلية غير دقيق أو مبالغ فيه، وأن المحتجين رفعوا لافتاتٍ تقول “هنا السويداء، هنا سورية”. هذا كلام صحيح أيضاً، لكن ما يهم هذا المقال مناقشة هذين الملمحيْن الحاضريْن، بصرف النظر عن نسبة حضورهما في هذه الاحتجاجات، على أن ملاحظتنا تقول إن هذا الحضور هو من القوة بما يكفي للحديث فيه.

تدلّ المطلبية الظاهرة في احتجاجات السويداء، في الواقع، على العمق الشعبي لها، أي على أنها تتحرّك بدافع الحاجات المباشرة للناس أكثر مما تتحرّك بدفع من نخبة ذات أهداف سياسية، وهذا ما يُحسب لها وليس عليها. وإذا كان ثمّة نخبة لها دور في التنظيم أو الدعوة، فإن هذه النخبة اختارت المطلبية التي تلامس الهموم الاقتصادية المباشرة للناس، والتي باتت ثقيلة وباهظة في كل مكان من سورية، أي إنها عنصر توحيد بين السوريين.

من المفهوم أن قرار رفع الدعم عن شرائح من السوريين جاء تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها طغمة الأسد، وأن من شأن هذا القرار توفير بعض الموارد للسلطة، على حساب الحاجات الأساسية للناس، كي تصرفها في تمويل استمرارها في الحكم، سواء لجهة رشوة خدم السلطة بالفساد، أو تمويل التسلح والمليشيات أو حملات التلميع الإعلامي الموجه إلى الخارج، الذي تبرع به مؤسسات غربية تعتاش على هذا النوع من الأنشطة، كما سبق أن كشف الصحافي الأميركي، سام داغر، في كتابه “الأسد أو نحرق البلد”.

الخروج إلى الشارع اليوم للمطالبة بإسقاط النظام لا يؤلم النظام ولا يحرجه، في الحقيقة، بالقدر الذي تؤلمه وتحرجه المطالبة بالخبز والحاجات الأساسية. وصل الصراع ضد طغمة الأسد في سورية، بعد هذا المسار الطويل والمعقد والمتداخل، إلى لحظةٍ باتت المطالب الجذرية قليلة الفاعلية في زعزعة تماسك النظام وزيادة عزلته عالمياً. ولا سيما أن جمهور الاحتجاجات قليل ومحصور، وأن الاحتجاجات لا تشكل منطلقاً لموجه احتجاج تضامني شاملة، كما كان الحال في منطلق الثورة.

الأزمة الاقتصادية العامة في سورية اليوم، والتي اعتدتْ على أساسيات حياة الناس، يمكن أن تشكل أساساً مناسباً ودافعا لاحتجاجات مطلبية تجمع المحكومين السوريين بصرف النظر عن أماكنهم وانحيازاتهم السياسية أو عن طريقة فهمهم لما جرى ويجري أو عن مرجعياتهم الفكرية وشكل استيعابهم للعالم أو شكل الحكم الذي يريدون. قد تكون المطلبية هي العلاج “الداخلي” الأنسب للانقسام السياسي السوري العصي على العلاج الداخلي، بعد أن بات هذا الانقسام عميقاً ومترسّماً على شكل سلطات أمر واقع، تتعادى وتتساند في عدائها المتبادل. ما يجعل غالبية محكومي الجولاني يسكتون على تسلط هيئة تحرير الشام في إدلب ويكبسون الجرح ملحا، هو خوفهم من عودة طغمة الأسد إلى حكمهم، وكذا الحال فيما يخص المحكومين في مناطق طغمة الأسد الذين يرون أن هناك ما هو أفظع مما هم فيه إذا حكمهم الإسلاميون. كما أن مستوى العداء وانعدام الثقة بين السوريين الكرد والفصائل السورية التابعة لتركيا يصعب تجاوزه، طالما استمرّت هذه السلطات المسيطرة في هذه المناطق. على هذا، يبدو أن استمرار حكم طغمة الأسد يشكل سنداً لطغمة الجولاني، والعكس صحيح، أي إن وجود التهديد بحكم إسلامي يشكّل اليوم سنداً لطغمة الأسد، كما يشكل التهديد بعودة حكم الأسد سنداً لحكم الإسلاميين.

من الواضح أنه في وضعٍ على هذا القدر من الانقسام السياسي في البلد، يكون الأمل باستعادة الوحدة السياسية، نقصد الدولة الواحدة، مستبعداً من دون دور أممي فاعل، له القدرة على فرض ذاته على السلطات السورية الموزّعة (القديم منها والمستجدّ) التي تبلورت اليوم في سورية، حتى لو اتخذ هذا الدور الأممي شكل الوصاية.

وفيما يخص الملامح المحلية، يمكن ملاحظة خوفٍ مبالغ فيه على الرابطة الوطنية السورية لدى كثيرين مهتمين بالشأن العام في سورية، تجعل لديهم حساسية خاصة تجاه ظهور أي رابطة محلية على السطح. ويبدو هذا الأمر دليلاً على اعتلال وطني أكثر منه على معافاة، ذلك لأن ما يبرّر هذا الخوف هشاشة الرابطة الوطنية السورية وضعف الثقة بمتانتها. وقد اعتدنا أن تعني الرابطة الوطنية السورية قمع الروابط الأخرى، بدلاً من أن تكون إطاراً جامعاً يحتضن الروابط كلها بقدر ما يتغذّى منها.

لا يبدو لكاتب هذه المقالة أن في رفع البيرق المذهبي في احتجاجات السويداء ما يقلل من بعدها الوطني، وقد يكون العكس أقرب إلى الصحة، فللبيرق قيمة خاصة لدى أهالي السويداء كما لكل جماعة سورية رموزها الخاصة التي تحترمها وتحقق لها حاجة الشعور بالانتماء الصغير ضمن الانتماء الأكبر. هكذا هو الحال في كل مكان، يمكن الكلام فيه عن وطنية ديمقراطية، وليس عن وطنية تحرسها التابوهات السياسية والأعلام الوطنية وصور الرئيس في كل مكان وكل مكتب. وطنية كهذه الأخيرة عليلة ومحمولة على القمع، وهي إذًا شكلية ومرشّحة للانهيار ما أن تنكسر قليلاً سطوة الدولة “الوطنية”. .. في فرنسا، مثلاً، يوجد لكل منطقة وحتى لكل بلدية رمزها الخاص الذي تراه على آليات ومبنى البلدية، من دون أن ينتقص هذا من وطنيتها، ولعل العكس أصح.

يبدو أن موجات الاحتجاج في السويداء تشكل في مطالبها ما يقلق طغمة الأسد ويهدّدها أكثر من المطالب السياسية، وأن الملامح المحلية لا تتعارض مع الرابطة الوطنية السورية، ولعلها تعزّزها، وأن خروج احتجاجات مشابهة في مناطق أخرى تحت سيطرة طغمة الأسد احتمال قائم، ويمكن أن يعيد الصراع إلى محوره الأساس بين مصالح الناس المباشرة ومصلحة طغمة الحكم، وأن يستعيد الصراع الذي تحوّل في بازار السياسة الإقليمية والدولية إلى وسيلة في صراعاتٍ أوسع لا تعبأ بمصالح السوريين.

 العربي الجديد

——————————

حراك السويداء السورية.. ترقب لـ”رمزية كبيرة” و 3 أسباب لـ”التريث المؤقت”/ ضياء عودة

شهدت محافظة السويداء السورية خلال أسبوع كامل حراكا شعبيا وصف بـ”النادر والمفاجئ”، وبينما طالب المحتجون بتحسين أوضاعهم المعيشية وجهوا انتقادات لاذعة للنظام السوري، بعدما هتفوا بشعارات سياسية ضده، طالبوا فيها بتطبيق القرار الأممي 2254.

وخرج يوم الجمعة الماضي مئات المحتجين إلى الشوارع، في مظاهرات هي “الأكبر من نوعها”، لكن وعلى نحو مفاجئ لم يستمروا بها، الأمر الذي طرح تساؤلات عن أسباب هذا التوقف، لاسيما أنه لم يصدر أي بيان رسمي بشأن المطالب التي ترددت أو الوضع العام الذي عاشته المحافظة. 

وكانت الشرارة الأولى لتلك الاحتجاجات قد اندلعت عقب القرار الذي أصدرته حكومة النظام السوري برفع الدعم عن عشرات المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون، بينها الخبز والمحروقات، من مازوت وبنزين وغيرها. 

وقالت حكومة النظام إن التخفيضات في برنامج الدعم الذي كان سخيا في السابق تهدف لتخفيف العبء عن الموارد المالية للدولة المتضررة من العقوبات، وإنها لن تمس سوى الأغنياء.

لكن العديد من المتظاهرين ذكروا أن هذه الخطوة أدت إلى تفاقم محنة المواطنين السوريين الذين نجوا من ويلات حرب مدمرة مستمرة منذ عشر سنوات، ويعانون الآن من أجل توفير الغذاء والإمدادات الأساسية، في مواجهة استشراء التضخم وتآكل الأجور.

“ترقب لرمزية كبيرة”

والسويداء ذات الغالبية الدرزية هي محافظة تقع في أقصى الجنوب السوري، وعلى مدى السنوات العشر الماضية وقفت في “صف الحياد”، على خلاف باقي المناطق السورية، التي شهدت عمليات عسكرية واسعة ومعارك وحملات قصف جوي، قادها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون بشكل أساسي. 

وبهذه الحالة من “الحياد” رفض جزء كبير من شبانها الانخراط في “الجيش السوري”، فيما ابتعد مشهدها الداخلي عن أي انقسامات معلنة، سواء عسكرية أو سياسية وغير ذلك. 

وتحدث مدير تحرير شبكة “السويداء 24” المحلية، ريان معروف عن ترقب لاستئناف الحراك الشعبي الاحتجاجي، يوم غد الجمعة، موضحا أنه سيكون “في صرح قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في بلدة القريا”. 

ويقول معروف لموقع “الحرة”: “اختيار هذا المكان يعود نظرا للرمزية الكبيرة له في نفوس أهالي السويداء والسوريين”. 

وذلك ما يؤكده الصحفي حمزة المختار أحد المنظميّن للاحتجاجات السابقة، بقوله: “الاحتجاجات ستستمر في الأيام المقبلة. غدا الجمعة هناك دعوات للتظاهر عند ضريح سلطان باشا الأطرش”. 

ويوضح المختار في حديث لموقع “الحرة” أن المطالب التي نادوا بها خلال أسبوع كامل “لم يتحقق منها أي شيء”، وخاصة تلك المتعلقة بتحسين الأوضاع المعيشية، أو سحب قرار “رفع الدعم الحكومي”. 

“تريث مؤقت لـ 3 أسباب” 

وحتى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من جانب النظام السوري، وكان موقفه قد اقتصر، الأسبوع الماضي، بصورة غير مباشرة على لسان المستشارة الرئاسية، بثينة شعبان.

وكتبت هذه المسؤولة مقالة في صحيفة “الوطن” شبه الرسمية جاء فيها أن الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت عام 2011، وسحقتها قوات الأمن وتطورت إلى الصراع المستمر منذ أكثر من عشر سنوات، كانت “بإيحاء من الخارج لتدمير البلاد”.

وفي المقابل كان لافتا خلال الأيام السبعة الماضية تقارير إعلامية وحديث نشره صحفيون مقربون من النظام السوري و”حزب الله” اللبناني”، وهؤلاء وصفوا ما شهدته المحافظة بأنها “محاولة من إسرائيل لدعم انفصال السويداء”.

وعنونت صحيفة “الأخبار” اللبنانية الخميس على صورة غلافها وبالخط العريض عنوان: “إسرائيل تدعم انفصال السويداء”، واعتبرت في التقرير المنشور أن “المطالب السياسية في السويداء تجاوزت مسألة رفع الدعم”. 

وقالت الصحفية إن “سلطات العدو الإسرائيلي لم تجد بدّا من الدخول على خطّ الاحتجاجات، لإحياء مطالب قديمة – جديدة، مؤدّاها فدرلة الجنوب”، بحسب تعبيرها، مشيرة إلى أن هذا الأمر يرتبط بـ”انتداب إسرائيل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين، موفق طريف، إلى موسكو لينقل مطالبها”. 

من جهته نشر الصحفي المقرب من “حزب الله”، حسين مرتضى ومذيع أحد البرامج في قناة “الإخبارية السورية” مقالا تحدث فيه عما وصفه بـ”المخطط الصهيوني والمدعوم من أمريكا، من أجل تحريك التظاهرات العشوائية في السويداء، في خطوة لدعم مشروع الإدارة الذاتية”. 

ويربط الصحفي السوري، ريان معروف ما سبق من مواقف بأنها كانت أحد أسباب “التعليق المؤقت للاحتجاجات”، منذ يوم الجمعة الفائت. 

ويقول معروف: “المنظمون للحراك يريدون القول إن هناك أطراف حاولت حرف مطالب الحراك”. 

وهناك أسباب أخرى لـ”التعليق المؤقت”، بينها “رغبة المحتجين بتجنب الصدام مع النظام السوري، الذي لوّح باستخدام القوة وأرسل تعزيزات كبيرة للسويداء، ورغبة أخرى من الزعامات الاجتماعية بصياغة ورقة مطالب ورفعها لدمشق تتعلق بالأوضاع المعيشية والاقتصادية”.

ويضيف الصحفي السوري: “التعليق ارتبط أيضا بمحاولة لتنظيم الحراك وعدم استنزاف طاقة الشباب بالمظاهرات اليومية في ظل هذه الظروف القاسية معيشيا واقتصاديا. هؤلاء المحتجون بالمحصلة متضررين أيضا من الأوضاع السائدة”.

“سحب ذريعة ومطالب غير معلنة” 

في غضون ذلك يؤكد الصحفي وأحد منظمي الاحتجاجات حمزة المختار أن تعليق الاحتجاجات في الأيام الماضية يعتبر “عملية سحب ذريعة من النظام، بعدما اتهمنا بأننا عملاء للخارج”. 

ويوضح المختار: “القائمون على المظاهرات يعلمون مسبقا أن مطالبهم لن تتحقق. هم واثقون باستمرار ما بدأوه، ولابد من محاولة لسحب الاتهامات المتعلقة بالتعامل مع الخارج”.

وكان المحتجون في المحافظة قد طالبوا في الأيام الأولى من احتجاجاتهم بـ”العدالة الاجتماعية والمساواة بين فئات المجتمع، وتحسين الوضع المعيشي وإعادة الدعم لكل المواد الأساسية”. 

وتحدث الصحفي السوري عن مطالب أخرى وصفها بأنها “غير معلنة”، بينها موضوع “المختلفين عن الخدمة الإلزامية”، معتبرا أنه “ملف مهم جدا. يجب أن تجرى تسوية لهم، إما بعدم الخدمة في الجيش والتسريح أو السماح لهم بالمغادرة خارج البلاد”. 

وتعتبر قضية التخلف عن الخدمة العسكرية سواء الإلزامية أو الاحتياطية في “الجيش السوري” عالقة حتى الآن في محافظة السويداء، وحسب إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الشبان المتخلفين أكثر من 40 ألف شاب، بينهم عشرون ألفا ما يزالون داخل الحدود السورية.

وطوال السنوات الماضية حاولت الأفرع الأمنية في النظام السوري إقناع وجهاء السويداء وشيوخ العقل بإقناع الشبان للعودة إلى الخدمة في “الجيش السوري”، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، كان آخرها في أكتوبر من عام 2018.

ومنذ ذلك الوقت تصدرت أسماء لضباط في “الفرقة الرابعة” قدموا عروضا للالتحاق بالخدمة، بينها أن يخدم الشاب ابن مدينة السويداء في القطع العسكرية الموجودة في الجنوب السوري.

وبالتزامن مع ما سبق كان هناك جولات واجتماعات مكوكية لضباط من الشرطة العسكرية الروسية مع وجهاء المحافظة، من أجل حل مشكلة المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أيضا، أبرزها كانت مطلع عام 2018، قبل أشهر من الهجوم الذي نفده تنظيم “داعش” على قرى الريف الشرقي للسويداء، ما أسفر عن مقتل 200 شخصا.

وبحسب الصحفي حمزة المختار، هناك مطالب أخرى للمحتجين “غير معلنة”، بينها “تفعيل دور الضابطة العدلية. هو مطلب أساسي وطرح بأن الاعتقالات التعسفية والاتهامات يجب أن يكون لها حل”. 

وإضافة إلى ذلك يطالب المحتجون بملف آخر يتعلق بسياسة الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري. وهذا عليه انقسام، بحسب تعبير المختار. 

ويوضح: “مثلا لا يحق لفرع الأمن العسكري أن يعتقل شخص مدني، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الأفرع الأمنية. هذا الأمر يتم التداول فيه كمطلب، لكن لا إجماع عليه، بسبب وجود وجهة نظر أخرى تعتبر أن الأمر وفي حال تطبيقه سيكون بمثابة اعتراف كامل بسياسة النظام السوري الأمنية”. 

ضياء عودة – إسطنبول

الحرة

———————————-

تواصل الاحتجاجات في السويداء

 احتجاجات السويداء..سيرة غير مكتملة/ شورش درويش

أطلقت احتجاجات السويداء موجة من التكهّنات حول مآلات الأحداث، ذلك أن المحافظة باتت تغفو على احتمالات عديدة؛ كأن تتحوّل احتجاجاتها السلمية إلى أحداث دامية وهو احتمال مقترن بسلوك السلطة المركزية لا برغبة السكان، أو أن يستبدّ اليأس بالمحتجّين وتنفضّ الاحتجاجات لعدم جدواها أمام تعنّت النظام ولا مبالاته، أو أن تفضي الاحتجاجات إلى دفع النظام لتحمّل مسؤوليته الاجتماعية تجاه المحافظة التي تعيش تحت وطأة التهميش والفقر والفساد وبالتالي الانصياع إلى جزء من مطالب المحتجّين الخدميّة، فيما الاحتمالات الأضعف هي أن تتحوّل مطالب المحتجين إلى كرة ثلج تكبر لتشمل بقية المناطق السوريّة، أو أن تنزاح إلى حيث العسكرة وحمل السلاح.

ما يتحكّم في المشهد العام للاحتجاجات هو شكل من أشكال السياسة الواقعيّة وغير المنظّمة رغم الإيحاء بأن الاحتجاجات لا تطمح لأن تكون سياسية بمعنى أنها لا تهدف إلى القول بـ”إسقاط النظام” أو الاصطفاف خلف شعارات المعارضة ورفع رايتها؛ فالمتظاهرون ينتقون شعاراتهم بعناية ويحاذرون من استخدام الشعارات الراديكالية، وأبعد من ذلك فقد اختار المحتجّون رفع “البيرق” (علم الخمس حدود) وهو بيرق الدروز الذي يعكس رفعه دلالات شتّى من بينها أنّ المحتجين لا يرمون إلى أن يحسبوا على مقلب “المعارضة” على ما يؤمّنه هذا الاصطفاف من ذرائع للنظام وآلته العقابيّة المتحفّزة لمعالجة المطالبات الشعبيّة بلغة العسف والقسوة، فيما أمّن إشهار البيرق أيضاً، رفعاً لحرج آخر يتمثّل بعدم رفع علم النظام، ذلك أن الاحتجاجات التي رفعت شعار “الكرامة” لا يمكن أن تتظلّل بعلم من يسلبهم تلك الكرامة.

بيد أن المفارقة تكمن في أن المحتجّين يطمحون لاستعادة “الدولة” ويدعون لأن تقوم الدولة بوظائفها الطبيعيّة، وبذلك فهم لا يسعون إلى إلغائها مهما تبدّت بائسة ومعطّلة، فيما يتمنّع النظام عن التصرّف كدولة قادرة على تحمّل مسؤولياتها، أو قابلة لأن تتفهّم مطالب المحتجّين دون أن تلصق بهم تهم العمالة والتآمر.

تحتسب أصوات من داخل النظام الاحتجاجات مؤامرةً خارجيّة (أميركية وإسرائيليّة) وتشكّك في ولاء المحتجّين ووطنيّتهم، وهي طريقة هروب النظام الأثيرة من مواجهة أدنى المطالب الشعبيّة، ولا تشفع إلى ذلك شعارات المحتجّين ولافتاتهم التي تعلي من شأن هويّة المحتجّين السوريّة وانتمائهم الوطنيّ، ولا يغفل عن أحد أن دروز سوريا مسكونون بفكرتي العروبة ووحدة سوريا الترابيّة، بذا تأتي الدعوة إلى وقفة احتجاجية في القريا، أمام ضريح سلطان باشا الأطرش الجمعة القادمة، جزءاً من سياسة الرد الموضوعيّ على أهزوجة النظام، وأمّا الخطوات الرمزيّة التي يتّبعها المحتجّون فهي زاد الإبقاء على سلمية الحراك المدنيّ وردّاً على شبهات النظام في التآمر والعمالة.

كانت ثمّة أصوات درزيّة دعت في وقت لاحق إلى نيل السويداء حكماً ذاتياً “إدارة ذاتيّة” كتلك التي في شمال شرقي سوريا، غير أن الظروف الموضوعيّة والذاتية لم تساهم في إنضاج هذا الاتجاه، فالمحافظة شحيحة الموارد وقليلة السكّان، وفي متناول النظام نتيجة قربها من العاصمة، وقابلة لأن تطوّق وتحاصر في غياب معبر حدوديّ مع الجوار، بالإضافة إلى عدم توافر الظرف الذاتيّ المتمثّل بانقسام الأهالي، وغياب وجود حزبٍ يحظى بحضور تمثيلي، فضلاً عن صعوبة تشكيل مكافئ أمنيّ/عسكريّ لقوّات النظام يستطيع الذود عن المنطقة وحماية السكان، والأهم أن مثل هذه الدعوة قد تستحضر تهمة “الانفصال” وهو ما يشكّل أشد كوابيس الدروز حضوراً، وهي من التهم المكلفة التي طاولت كرد سوريا فيما يشبه عملية “تكفير وطني” لا تقل وطأة عن التكفير الدينيّ.

ولئن كان صحيحاً أن احتجاجات السويداء جاءت في وقتٍ فقد العالم شهية الحديث عن الأزمة السورية، فإن بقاء الأوضاع المعيشية الصعبة والتهميش والإفقار على ما هي عليها يعني استمرار وتيرة الاحتجاجات وربما تناميها، وقد يعني ذلك أن تستلهم مناطق سورية أخرى نموذج الاحتجاج في السويداء طالما أنّه لا يكلّفها دماً واعتقالات، ورغم التحشيد العسكري داخل وفي محيط المحافظة فإن النظام لا يسعى للانخراط في الخيار العسكري، والذي يبدو أنه لا يلقى غطاءً روسياً. ثم هل تدعو روسيا  إلى التهدئة بدلالة زيارة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين إلى موسكو، والعلاقات التي تربط الزعماء الدروز في لبنان بروسيا؟ هذا فضلاً عن أن اعتماد النظام الخيار العنفيّ سيعني بالضرورة تهشيم الصورة التي ألصقت به بوصفه “حامي الأقلّيات”.

ثمة سيرة غير مكتملة لاحتجاجات السويداء التي ظنّ المتابعون أنّها توقّفت، وأما ما يجعلها سيرة مفتوحة على الكثير من الاحتمالات هو أن النظام لا يملك الموارد اللازمة لإنهاء الأزمة المتفاقمة في المحافظة، كما أنّه يفتقر إلى الذرائع اللازمة للاحتكام للعنف في مواجهة احتجاجات مدنيّة سلميّة تنتقي مفرداتها بعناية، فوق أن احتكام النظام للعنف سيبدّد ما تبقى له من رصيد اجتماعي في المحافظة، وفي المقابل لا يملك المحتجّون العودة دون تحقّق مطالبهم، أو جزء منها، فالأوضاع المعيشية تسير من سيىء إلى أسوأ وهو ما سيمنح الحقّ، إن لم نقل كل الحق، لمزاولة الاحتجاجات المشفوعة لاحقاً بدعم الزعماء الروحيين، والكتلة القلقة التي هي سواد أهل السويداء في هذه الأثناء.

تصفّح المقالات

 نورث برس

—————————–

مساع روسية لاحتواء احتجاجات السويداء السورية رفع الدعم شرارة أججت الحراك الشعبي/ مصطفى رستم

صمتت حناجر المحتجين في ساحة مدينة السويداء، جنوب سوريا، ولو بشكل مؤقت عن نداءات أطلقوها على خلفية تظاهرات شعبية اندلعت أخيراً، وعلّق المتظاهرون نشاطهم، بشكل مؤقت، بعد أسبوع احتكموا فيه للشارع من دون تسجيل حوادث أو اعتداءات.

ولعل الشرارة التي أججت هذا الحراك هو رفع الحكومة الدعم في الأول من فبراير (شباط) الحالي، واستبعادها مئات آلاف العائلات من إمكان حصولها على مواد غذائية ومحروقات بما فيها البنزين بسعر التكلفة، الأمر الذي أشعل الشارع السوري برمته وأرهق حياة السوريين الاقتصادية لا سيما أن معدلات دخل الفرد متدنية مقابل ارتفاع متزايد بأسعار السلع والبضائع.

ويترقب الشارع السوري في جبل العرب، ذي الأغلبية من الطائفة الدرزية، ما ستفضي إليه المشاورات والمباحثات مع الجانب الروسي، التي يقودها الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ موفق طريف، لبحث مطالب المحتجين في موسكو، بعدما ساد توتر في أرجاء المدينة الجنوبية، وسط تخوف من تنامي حركة الاحتجاجات.

التظاهر بسلام

في غضون ذلك، تترقب القوى المحركة للتظاهرات، التي لم يظهر بعد عراب لها أو حزب سياسي يتبنى مطالبها، ما ستسفر عنه لقاءات الشيخ طريف في العاصمة الروسية حيث أجرى لقاءات مع مسؤولين في الكرملين والخارجية، سبقها تلويح من قبل الشيخ طريف بتدويل قضية السويداء، وسط صمت دمشق حول الأحداث الأخيرة التي شهدها جبل العرب.

وسرعان ما انتفض الشارع في السويداء (تبعد 100 كيلو متر عن دمشق) بعد مطالبته بطي قرار إلغاء الدعم، واتسع الغضب الشعبي مطالباً بحقوق مدنية وعدالة وديمقراطية.

وفضّل شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، حمود الحناوي، التريث في التعليق على تطور الأوضاع بعد تواصل “اندبندنت عربية” معه، في حين وصلت المدينة قوى أمنية وعسكرية كبيرة قبل أيام وصفها مصدر أمني بأنها باتت ضرورية للحد من حال الفوضى والفلتان الأمني، وهي قوى مدربة لمكافحة الشغب، وتأتي حماية للأهالي من أي أعمال تخريبية.

وعد روسي

وعقد الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين الشيخ طريف سلسلة لقاءات مع مبعوث الرئيس الروسي ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والمبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، نتج عنها اقتراح “فتح معبر آمن مع الأردن لإنعاش جبل العرب اقتصادياً وتوفير فرص المعيشة اللائقة، وضرورة ترسيخ مكانة الدروز في الدستور السوري”.

وطالب الشيخ طريف الروس، في اجتماعات موسكو، بإيجاد آلية لتقديم المساعدات لأبناء الطائفة في الجبل، ودعا إلى إنشاء مشاريع اجتماعية واقتصادية لتنمية الاقتصاد المجتمعي في جبل العرب.

ووعد الروس بدراسة المقترحات مع وزارة الدفاع الروسية والقوى العاملة على الأرض ومع الجانب السوري من أجل ضمان عودة الأمان إلى شوارع السويداء.

تجدد الاحتجاجات؟

وتوقع متابعون تجدد التظاهرات، يوم الجمعة المقبل، 18 فبراير، واللافت تحول المطالب بشكل متدرج من قضايا تحسين المعيشة إلى رفع شعارات تعود بالذاكرة للحراك الشعبي في سوريا عام 2011، ورجح مراقبون أن تستمر التظاهرات على الرغم من المساعي الروسية لاحتوائها.

وقلّل عضو لجنة المصالحة السورية والناطق باسمها، عمر رحمون، من خطورة ما يجري واصفاً ما يحدث بـ “فشة خلق” من قبل أهالي السويداء حول قرار رفع الدعم، “ما جرى هو مطالبة بتحسين الواقع المعيشي وبثني الحكومة، والتراجع عن قرارها، لكن أراد بعضهم جرّ الحراك إلى اتجاهات طائفية وعناوين لا تخدم القضية الوطنية بشكل عام، ولا تخدم مطالب الأهالي في السويداء، وبالتالي هي فشة خلق”.

وقال الناطق باسم لجنة المصالحة السورية إنه لا يمكن وصف ما يحدث بـ “الثورة”، بل هناك محاولة لإيصال الصوت إلى الدولة والسعي للتراجع عن قرار رفع الدعم، لافتاً النظر إلى موقع الجغرافيا للسويداء الذي لا يسمح لها أن تكون نقطة انطلاق لثورة، وبتقديره، ستثمر الوساطة الروسية لإنهاء هذه الأزمة.

وسارعت مجموعة أحزاب في الحراك بجبل العرب، منها هيئة التنسيق الوطني، إلى إطلاق حلول لما يجري أبرزها ضرورة التشاور والتنسيق من أجل توحيد القوى السياسية الوطنية الديمقراطية، والتفاهم على خارطة طريق للحل السياسي على أساس القرار الأممي 2254 للانتقال الديمقراطي، علاوة عن وقفات تضامنية مع الحراك الشعبي في الشمال السوري.

اندبندنت عربية

—————————————

احتجاجات السويداء ومشايخها/ ماهر إسماعيل

شكلت الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطن السوري منذ العام 2011، محطات في حياة الأسر السورية جميعها، فالعديد من الحكومات السورية ما قبل 2011، منذ أواسط العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، كانت ترغب في رفع الدعم عن شرائح طبقية من المجتمع السوري منذ أيام حكومة العطري ونائبه الاقتصادي الدكتور عبد الله الدردري.

لكنها لم تنفذ تلك السياسات إلى حكومة حسين عرنوس التي دخلت في مواجهة واسعة مع المستبعدين من الدعم من المواد الأساسية المقننة في حياة السوريين، من مواد الوقود (مازوت، بنزين، وغاز)، والمواد الغذائية (الخبز، سكر، رز، وزيت نباتي) عن طريق (البطاقة الذكية)، حيث أعلنت حكومة حسين عرنوس استبعاد حوالي (600) ألف أسرة من دعم المواد المقننة، وطلبت من المحرومين من الدعم تقديم اعتراضاتهم ليتم دراستها من جديد.

ومع قرار الحرمان واستبعاد العديد من الأسر حصلت موجة استياء واحتجاج جديدة لدى الأسر السورية بلغت ذروتها في مدينة السويداء وريفها، إذ تداعت الفعاليات الدينية (المشايخ)، والأهلية والمدينة، للتظاهر ضد الإجراءات الحكومية، كتعبير احتجاجي سلمي عن إجراءات الحكومة وطالبتها بالتراجع عن قرارها في رفع الدعم عن المواد المقننة، إلا أن أوساط المعارضة الكلاسيكية في المدينة لم يرق لها سيطرة وهيمنة المشايخ على حراك المدينة على الرغم أنه لأول مرة منذ بداية الثورة تنزل هذه الشريحة (المشايخ) إلى الشارع بهذا الزخم والحضور الواضح مع (أعلام، وبيارق) الطائفة، فبعض القوى الكلاسيكية شاركت عناصرها، مثل (تجمع القوى الوطنية، والهيئة الاجتماعية للعمل الوطني، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان).

وقابلت الحكومة ذلك بتعزيزات عسكرية أمنية وشرطية في مركز المدينة تتألف من عناصر وسيارات تحمل رشاشات حربية تمركزت عند المباني الحكومية، مثل (المحافظة، فرع الأمن العسكري، فرع الجوية، وأمن الدولة).

وتأتي مساهمة شريحة المشايخ في الحراك الشعبي في السويداء، وهي جزء وازن من مجتمع السويداء المحلي الفاعل بعيداً عن المشيخة الرسمية الدينية (الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي)، بينما الشيخ حكمت الهجري، الشيخ الأول في الطائفة، كان له رأي مختلف، فهو مع الحراك طالما بقي سلمياً ودون إراقة دماء. إن مشاركة المشايخ تعطي الحراك بعداً أهلياً اجتماعياً، بحيث يصعب التصدّي الأمني له، لأن دخول حالة القمع إلى هذا المستوى يحمل بعداً (طائفياً، وسياسياً) من قبل النظام.

فما عملية نقل الحراك من (ساحة الكرامة) إلى مقام (عين الزمان)، وهو مركز مشايخ عقل الطائفة، إلا استخدام واضح الرمزية للمكانة الكبيرة التي يخشاها النظام، ويحسب حسابها لما للوضع الطائفي من حساسية كبرى في المدينة، وما حمل (الأعلام، البيارق، العلم ذي الحدود الخمسة) سوى تيمناً بقيادة سلطان باشا الأطرش الذي وحد الطائفة وسوريا بالعلم الخماسي.

وتحسب مشاركة المشايخ تثقيلاً مجتمعياً للمطالب والحراك لأن هذه الشريحة هي الأكثر محافظة وتقليدية في مجتمع أهل السويداء من الجانب الاجتماعي الديني، وتعود الاحتجاجات لفشل سياسات الحكومة والنظام التي تقوم على الفساد والفقر والإفقار والاستبعاد، وهذا ما يجمع السوريين جميعاً في مناطق سيطرة النظام في جميع المحافظات والمناطق السورية.

وتأتي الاحتجاجات الجديدة التي توقفت بناءً على بيان من منظمي الحراك الذي جاء فيه، أنه “نتيجة المباحثات بمجلس الحراك قررنا أن نعطي مهلة لتنفيذ قرارات أهلنا المحقة ضمن دولة القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين”.

ويؤكد البيان أن هدف منظمي الحراك هو”كرامة الشعب بالدرجة الأولى، وما ينطوي تحت ذلك من العيشة الكريمة التي لا يشوبها الذل والهوان، وذلك بناء على توجيهات من الهيئة الروحية، وهذا لا يعني أننا توقفنا عن حراكنا الشعبي، فنحن مستمرون ولكن لن نسمح لأحد بأن يفوت علينا هذه الوقفة لغايات ومقاصد نحن لا نسعى لها. وبعد هذه المهلة يتم التعامل حسب معطيات الواقع. نحن صناع القرار ونحن من صنع مجد سوريا عبر التاريخ”. وهذا أول حراك تتدخل فيه مشيخة العقل بشكل مباشر بعد الحراك (الشبابي، الطلابي) الذي أطلق عليه اسم “بدنا نعيش”.

وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ ٢٠٢٢/٢/١٥، أن “مفاوضات غير مباشرة” تجري بين دمشق والسويداء، بعد توقف الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المحافظة، حيث نسب ريان معروف، مدير (شبكة السويداء 24)، أن مجموعة من منظمي الحراك الشعبي، وناشطين والزعامات المؤيدة للحراك الشعبي “تقدّمت بإعداد ورقة مطالب سترفع إلى الحكومة في دمشق، تحدّد مطالب الأهالي المحتجين”.

إن “مجلس الحراك” الذي قرر وقف الحراك في هذه الأيام، وتقديم لائحة مطالب يدخل الحالة في السويداء إلى تماسك والتفاف شعبي غير قابل للفكاك عنها مستقبلاً، سواءً حققت هذه المفاوضات غير المباشرة مع حكومة دمشق أهدافها في إلغاء حالة الحرمان من المواد المقننة في السويداء وريفها أو لم تحقق ذلك، لأن حالة الحراك أوجدت لذاتها قيادة ميدانية وعملية وأدوات تنفيذية إلى جانب مجلس واضح الأركان قادر في كل لحظة مناسبة على الطلب من الأهالي الاعتصام والاحتجاج الميداني بعيداً عن تنظير قوى المعارضة التقليدية ومثقفي المحافظة.

ومن جانب آخر، إن تكتيك التوقف والتفاوض، والتلويح بالنزول من جديد إلى الشارع، قد يجدي نفعاً في هذه المرحلة بتحقيق بعض مطالب الناس، سيكون أفضل من الاستمرار وعدم تحقيق شيء من بوابة من الأفضل، شرط أن يكون أحسن، حيث الصمود عند هذا الموقف على ما يوجد في بقية المحافظات من خراب ودمار ودون حصول موقف تضامي طالب فيه الحراك بقية المحافظات السورية، ولم تستطع هذه المحافظات تقديم شيء للحراك، وبالأخص محافظات (اللاذقية، طرطوس، ودمشق).

وترافق ذلك مع حملة من النظام وشبيحته لشيطنة الحراك، من مقالة المستشارة السياسية لرئيس النظام، بثينة شعبان، التي وصفت المتظاهرين الرافضين لقرار الحكومة برفع الدعم، بالطابور الخامس، وتنفيذهم لأجندات إسرائيلية وأمريكية، بالإضافة إلى تهديدات قائد مليشيات مغاوير البعث، جهاد بركات، مطالباً الجيش والقوى الأمنية بقمع كل من ينزل الشارع ويتظاهر ضد الحكومة. وكذلك بعض صفحات فيسبوك، مثل البعث ميديا، التي وصفت المتظاهرين بـ”الزعران والخارجين على الأعراف والتقاليد والأخلاق الوطنية”.

بالإضافة إلى تكهنات بعض المنتقدين للحراك بأن هناك محاولة جديدة لانبعاث “القضية الدرزية في سوريا”، ترابطاً مع زيارة شيخ عقل الطائفة الدرزية، موفق طريف، لموسكو، لنفل مطالب المحتجين في السويداء، إلى الحكومة الروسية، بعد اتصالات مكثّفة مع الزعامات الدرزية في سوريا، عبر اتصالات مع الشيخ “حكمت الهجري”، وكان طريف قد دعا خلال اجتماع عقده في قرية “كفر ياسيف” الفلسطينية إلى “ضرورة تجنيد الرأي العالمي وطرح موضوع الجبل عبر المحافل الدولية، وخاصة أمام القوى العاملة في سوريا ومجلس الأمن الدولي، وذلك من أجل ضمان عودة الأمن والأمان إلى سكان الجبل”.

إن ما يتضح من الحركة الجارية، أن العودة إلى الشارع بعد توقف الحراك الاحتجاجي أمر بات في غاية الصعوبة مع تدخل أطراف خارجية نحو الراعي الروسي لنظام دمشق، وداخلية نحو الحكومة السورية في دمشق، إلا إذا كان تعنت حكومة عرنوس في دمشق باتجاه استفزاز الحالة الشعبية في السويداء وباقي المحافظات بطرح أسلوب وطريقة جديدة لوقف الدعم عن المواطنين السوريين جميعاً، خصيصاً مع الإشاعات الواردة عن توقف هذا المشروع مؤقتاً بعد أن أثبت بشكل فعلي أن الحكومة غير قادرة على تأمين سلع المواد الغذائية وغير الغذائية بأسعارها الحقيقية، بعيداً عن (الاستغلال، الاحتكار، والنفقات الكثيرة غير المنظورة).

وكذلك لا تستطيع هذه الحكومة المحافظة على دخل هذه الأسر والمواطن السوري بسبب ما أفرزته الحرب من ممارسات وأنشطة غير شرعية.

فالتفاوت في توزيع الدخل القومي قائم، والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً على سوء، فإن إخراج أسر سورية من خانة الدعم، سيجعل وضع هذه الأسر أكثر فأكثر فقراً، وتحت خط الفقر الذي تزيد نسبته في سوريا على (90 بالمئة)، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، كما جاء على لسان الأمين العام غوتيرش.

أخيراً.. في تجمع سكاني في مكان واحد يصعب جمع كافة السكان على مطلب واحد، خصيصاً من مدخل احتجاجي، لكن في سوريا الحكومة تعمل على جمع كافة السكان على مطلب واحد، هو استمرار الدعم، ويحصل هذا في محافظة السويداء، وريفها، بعيداً عن ميسوري الحال وفقراء الحال، فهذا الدعم معطى “مواطني”، له علاقة بالجنسية السورية، ومن المقيمين على الأرض السورية من فلسطينيين، الذين يعاملون بحكم السوريين. لذلك سوف تبقى الأوضاع الاقتصادية السيئة مدخلاً للحالات الاحتجاجية التي قد تحصل في سوريا، خصيصاً في السويداء.

ليفانت – ماهر إسماعيل

—————————-

الصحافة الروسية تحمل الأجهزة الأمنية في السويداء ودرعا مسؤولية انهيار الأوضاع:

في خطوة لافتة وجهت الصحافة الروسية أصابع الاتهام للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة السورية مسؤولية ما يحدث في الجنوب السوري من احتجاجات وانهيار الأوضاع.

⬛️وتحت عنوان { جنوب سوريا “المُصالح” يتمرد على الأسد وموسكو} كتب الصحفي الروسي إيغور سوبوتين، في “نيزافيسيمايا غازيتا”، حول وجع الرأس الذي يأتي من المناطق التي استعادتها السلطة السورية من أيدي المعارضين للسلطة السورية.

⬛️وأضاف : الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية {درعا والسويداء} أصبحت منتظمة، وهناك عدة أسباب لذلك.

1️⃣أولاً: هذه {مناطق المصالحة في درعا } ، حيث قامت روسيا بدور الضامن لاتفاق دمشق مع أهالي درعا ، لكن الأجهزة الأمنية  تتجاهل شروط هذا الاتفاق وعلى رأس هذه البنود اخراج ايران وحزب الله.

2️⃣ثانيا:  تزامنت “المصالحة” مع انسحاب مختلف المنظمات غير الحكومية من هذه المناطق، وحل المجالس المحلية التي حافظت على مستوى معيشي معين في المحافظات”. وقد انخفض مستوى المعيشة بشدة بعد ذلك، والمقصود هنا محافظة درعا.

3️⃣ثالثا، هناك منافسة غير معلنة في درعا والسويداء بين جهات تابعة لروسيا، وأخرى تابعة لإيران داخل جيش السلطة والتشكيلات شبه العسكرية والأجهزة الأمنية.

⬛️وقد ضح الكاتب وجود صراع من أجل إخراج الجهات الموالية لإيران خارج الجنوب السوري كله وذلك من أجل تحقيق جنوب آمن خالي من الإرهاب،  لكن الأجهزة الأمنية في كل من درعا والسويداء ترفض هذه المعادلة وتعمل من أجل تلبية مصالح ايران في الجنوب وهذا ما انعكس سلبا على الواقع المعيشي والاقتصادي في الجنوب السوري.

⬛️يذكر أن روسيا باتت عاجزة عند طرد إيران وحزب الله من الجنوب السوري، وخاصة بعد أن تحولت الأجهزة الأمنية وعلى رأسهم الأمن العسكري وأمن الدولة بكل من درعا والسويداء أدوات بيد إيران وحزب الله.

—————————-

أعلام السويداء وداء “الوطنية السورية”/ رستم محمود

المنتفضون في المظاهرات الاحتجاجية المؤخرة في محافظة السويداء السورية جنوب البلاد، حيث غالبية سكانها من أبناء طائفة “الموحدون الدروز”، كانوا يرفعون العلم الذي يتخذه أبناء هذه الطائفة رمزاً روحياً ومجتمعياً، بينما ذوي “الوطنية السورية” كانوا يسعون جاهدين للتعامل مع تلك الواقعة بما فعلوه مع أحداث أخرى مشابهة.

وهذا دل بوضوح على مأزق تلك الوطنية، التي مثل أي وطنية أخرى، مصابة بذلك المُركب المُرعب، المؤلف من العماء عن الواقع عبر نكرانه، والرُهاب من حقائقه عبر الإيحاء بخطورة مُطلقة متأتية منه.

الشق المعارض من هذه “الوطنية السورية”، لم يرَ تلك الأعلام قط، وأنكر ما تتضمنه من نزعة مناطقية وجموح أهلي جماعاتي، هو حقيقة جوهر مشاعر وحدة الحال وشكل التضامن الداخلي الخاص الذي يجمع المنتفضين هؤلاء. هذه الأهلية والمناطقية التي هي الروح والجوهر السياسي الأكثر عمقاً لهؤلاء المنتفضين، راهناً على الأقل.

فعل ذلك، لأن واقعة رفع العلم واختيار المقر الديني أو المذهبي لأبناء الطائفة كنقطة لانطلاق تلك التظاهرات، إنما هي أشياء مزعجة لخيالات ورغبات ومصالح ذلك الشق المعارض من “الوطنية السورية”.

فهذه الأخيرة، تريد أن تكون مختلف الجماعات والجهات السورية متمركزة حول قضايا ورموز واحدة، هي تلك التي يفترضها ويفرضها أبناء هذا الشق المعارض من مُلاك “الوطنية السورية”، وحيث، ولغير صُدفة، ينتمون إلى جماعة أهلية بذاتها ومنطقة جغرافية بعينها، بغالبيتهم المُطلقة على الأقل.

على العكس الظاهر، فإن الشق المؤيد من نفس تلك “الوطنية السورية” رأى تلك الأعلام بدهشة مبالغة للغاية، رآها بكونها تمثيلاً لمؤامرة كبرى ودلالة على ما يداهم البلاد من تهديدات، تسعى لتقسيمه وتفتيت مجتمعه الداخلي.

ولغير صدفة أخرى، فإن أبناء هذا الشق الأخير من “الوطنية السورية” ينتمون أيضاً، ولو بأغلبيتهم المُطلقة على الأقل، إلى جماعة أهلية ومناطقية بذاتها، تسعى لأن تُعمم رموزها وخياراتها باعتبارها الممثل الوحيد للـ”الوطنية السورية”.

في المحصلة، وحيث أن قطبي حاملي لواء “الوطنية السورية” يظهران وكأنهما متباينان، فهما مُتطابقان بوضوح في المحصلة، مُجمعان على ثنائية النكران مع الرُهاب. فالأشياء والحقائق حسبها إما غير موجودة وغير ذات معنى وعمق ودلالة وتعبير، أو شديدة الخطورة والمداهمة والتعبير والدلالة.

في الحالتين ثمة غياب مُطلق للمعاني والدلالة الموضوعية والطبيعية والعادية لمثل هذه الواقعة أو تلك الظاهرة المنافية لحقائق وتطلعات ذوي “الوطنية السورية”.

ليس في الأمر ما هو جديد تماماً، فهذا الداء الوطني له تاريخ ومسيرة ذاته هوية وأسس موضوعية، وهو تاريخ يدل على جذرية وأصالة الأهداف والمصالح التي يستميت “الوطنيون” في سبيل تحقيقها من خلال استخدام تلك الأدوات.

فقبل حادثة الأعلام المرفوعة في محافظة السويداء، كانت هذه الوطنية قد فعلت الأمر ذاته مع الأعلام التي رفعها الأكراد شمال البلاد، بين سعي للقول إنها لا تعني شيئاً، وتالياً نكران أي مظالم أو قضية ذات هوية كردية، وبناء على ذلك نفي أي فضاء أو حقوق ذات خصوصية كُردية.

كذلك فإن الشق النظير من تلك الوطنية تعامل مع الأعلام الكردية بنفس الآلية، فاعتبرها دلالة على النزعة الانفصالية والتدخلات الإقليمية والدولية في المسألة السورية. لكن أيضاً لأغراض مطابقة لمساعي الطرف الأول، أي نكران المظلومية الكُردية ورفض الاعتراف بحقوق وخصوصية أبناء هذه الجماعة، ولو ضمن الفضاء السوري الكلي.

وفي أوقات سابقة لهاتين الحادثتين، فإن شقي هذه الوطنية مارسا الأمر ذاته فيما بينهما، فيما يخص الأعلام التي رفعها كُل طرف منهما.

إذ قالت قوى المعارضة أن علم النظام السوري ومختلف رموزه تمثل وتعبر عن قوة احتلال وسلطة الحكم الطائفي على البلاد، وأن “الوطنية السورية” تقتضي رفضها جذرياً.

كذلك النظام السوري اعتبر العلم الذي ترفعه قوى المعارضة السورية ممثلاً فعلياً لقوى الإرهاب والسعي لتقسيم سوريا، وبذا يُقتضى اقتلاعه جذرياً.

وهما نزعتان كانتا في الأساس تسعيان لرفض الوقائع، واقعة أنه ثمة في سوريا ثورة ما، وإن كانت ذات وجه طائفي ومناطقي، والواقعة الثانية تقول إنه للنظام السوري شعب ما من المؤيدين، وإن كانوا بغالبيتهم من طائفة ومنطقة سورية بعينها.

قبل ذلك بسنوات وعقود كثيرة، كان ثمة نكران ورُهاب تام للطبيعة المركبة والمتنوعة للمجتمع والجغرافيا السورية. فسوريا التي تكونت أساساً من حساسيات مناطقية وأهلية متنوعة، كانت لسنوات طويلة أربع دول متحدة فيما بينهما، كل دولة منها كانت ذات هوية أهلية طائفية ومناطقية، ولم تتحد نهائياً إلا عبر قوة قسرية كان يمثلها الاحتلال الفرنسي وقتئذ.

أما الأكراد وغيرهم الكثيرين من أبناء الجماعات السورية إنما بقوا على الدوام يعتبرون الكيان السوري قوة قسر عمومية على كل أشكال حياتهم.

طوال المراحل اللاحقة، لم تشهد سوريا يوماً اندماجاً سياسياً ومجتمعياً إلا في خيالات ذوي النزعة الوطنية وفي أدوات القهر التي مارسها الغالبون في كل فترة من حاضر وتاريخ هذا الكيان.

فعلى الدوام كان ثمة طائفية ومناطقية في الحياة العامة السورية، وفي كافة القطاعات، مهذبة ومغلفة ومكاذبة في أوقات التوازن، عنيفة ومؤذية في أوقات الانفجار.

لكن الأهم هو الإدراك أن تلك الحقائق لم تكن منكرة لأسباب اعتباطية. فقطبا الحياة العامة السورية الأكثر حضوراً وفعالية خلال نصف قرن كامل مضى كانا يستخدمان “الوطنية السورية” المُدعاة تلك، لأنها كانت تؤمّن لحاملي لوائها استيلاءً كاملاً على البلاد، جغرافياها وذاتها وهويتها، على عكس الاعتراف، الذي قد يؤدي بالضرورة إلى أشكال من المقاسمة والشراكة والتوافقية، وإن ضمن نفس الكيان.

النكران التاريخي لتلك الحقائق السورية أنتج الرياء السياسي المحض، الذي أغرق الحياة السياسية والعامة السورية بتركيبة من المكاذبات وعدم الثقة والفشل في القدرة على بناء منصات سياسية ذات مصداقية.

أما الرُهاب، فقد حول تلك النزعات من طابعها النسبي والعادي والقابل للعلاج ضمن الفضاء الوطني، ليكون شيئاً سياسياً مُطلقاً، مفعماً بالمتاركة والكراهية المتبادلة.

وتسعى “الوطنية السورية” لأن تروجه كـ”سبب وجيه” لنكرانها لتلك الحساسيات الأهلية والمناطقية، أو رهابها منه، باعتبارها شكلاً ونزعة لتشييد الحياة العامة على أسس مدنية أو علمانية مبنية على روح المواطنة.

وعلى العكس فإن جميع الديمقراطيات الراسخة في التجارب العالمية مرت أولاً عبر الاعتراف بـ”الحقائق الوطنية”، ثم حاولت التخفيف من شحنة تلك الحقائق ونزعاتها الكلية والمتاركة، وذلك عبر أوسع طيف من الاعتراف والشراكة والسياسات الاندماجية أو الاحتوائية، وليس بطائفية مُستترة وقسر مُغلف بخطاب يدعي المدنية، كما يفعل الوطنيون السوريون هؤلاء، وحيث أن كل تفصيل من أفعالهم يدل على ما هو العكس تماماً من أقولهم المنمقة، من أفعال المعارضين في جبال عفرين إلى سلوكيات الموالين في أقبية سجون العاصمة، دمشق.

الحرة

——————————-

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى