سياسة

هل يدفع “إخوان” سوريا ثمن ازدواجية سياسات أنقرة؟/ عبدالله سليمان علي

في خطوة غير مفاجئة، قرر الائتلاف الوطني السوري المعارض، قبل أيام، إجراء تغييرات في هيكليته تضمنت فصل عدد من أعضائه ومكوناته وتوسيع تمثيل مكونات أخرى.

هذه القرارات التي اتخذت بذريعة الإصلاح لتعزيز شرعية الائتلاف على الصعيد الدولي، وإعادة تنشيطه سياسياً بعدما فقد بريقه “الثوري” وتمثيله الشعبي، يبدو أنها ستضعه أمام تحديات جديدة قد يكون أبرزها: تفادي الانقسامات التي بدأت ملامحها بالظهور مع تشكيل “تيار الإصلاح” المناوئ لخطوات الائتلاف الأخيرة، وكذلك التعامل مع ردود فعل جماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا التي يبدو أنها استشعرت أن القرارات المتخذة جاءت للانتقاص من نفوذها داخل الائتلاف والحدّ من هيمنتها على مكاتبه الرئيسية.

وأصدر رئيس الائتلاف سالم المسلط يوم الأحد 3 نيسان (إبريل)، قراراً بإقالة 14 عضواً من أعضائه، واستبدال ممثلي المجالس المحلية في محافظات إدلب وحلب والرقة ودير الزور.

بالأسماء…

وذكر بيان صادر عن الائتلاف أنه “بناء على أحكام النظام الأساسي للائتلاف المقرّ بتاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 وتعديلاته، واستناداً الى متطلبات مشروع الإصلاح في الائتلاف، وبناء على مقتضيات المصلحة العامة، تقرر إنهاء العضوية في الائتلاف لـ14 شخصاً من أعضائه هم: حاتم الظاهر، عبد الله الفرج، جمال الورد، أمل شيخو، كفاح مراد، جلال خانجي، عبدالمجيد الشريف، علا عباس، محمد صفوان جندلي، حسين العبدالله، حسان الهاشمي، زياد العلي، وليد إبراهيم ومحمد أيمن الجمال”.

وجاء في بيان آخر للائتلاف أنه تقرر استبدال ممثلي المجالس المحلية لمحافظات إدلب وحلب والرقة ودير الزور، وهم: ممثل مجلس إدلب لدى الائتلاف عدنان ناصر الرحمون، ممثل مجلس حلب أحمد شحادي، ممثل مجلس دير الزور رياض الحسن، وممثل مجلس الرقة مصطفى النواف.

ووفق النظام الداخلي، استبعدت الهيئة العامة في الائتلاف، الخميس الماضي، 4 من مكونات الائتلاف، وهي: “حركة العمل الوطني”، “الكتلة الوطنية المؤسسة”، “الحراك الثوري”، و”الحركة الكردية المستقلة”. ووسعت الهيئة دائرة التمثيل لرابطة الأكراد المستقلين من ممثل واحد إلى ثلاثة، وأبقت على عضوية عدد من ممثلي كتلة “الحراك الثوري”، ولكن كمستقلين.

وجاءت قرارات الائتلاف بعد فترة قصيرة من محاولة إصلاح فاشلة شهدتها الفصائل المسلحة العاملة تحت لواء ما يسمى “الجيش الوطني السوري” الممول والمدعوم من قبل أنقرة. فقد أخفقت الفصائل في التخلص من ظاهرة “أبو عمشة” وظل قرار اللجنة الثلاثية بمثابة دليل حيّ على عجز الفصائل عن محاربة الفساد ووضع أسس ثابتة تساعد على التوحد والاندماج.

بصمات أنقرة

وكانت بصمات أنقرة واضحة في عرقلة مسار القضاء على “أبو عمشة” الذي يعتبر من أبرز أدوات أنقرة في تجنيد مرتزقة سوريين للمحاربة في جبهات خارجية تخدم السياسة التركية، وقد يكون انضمام “فيلق الرحمن” المدعوم من قطر وتركيا منذ كان يعمل في الغوطة الشرقية، إلى “هيئة ثائرون”، خصم “غرفة عمليات عزم” التي قادت الحملة ضد “أبو عمشة”، بمثابة دليل على مدى قدرة أنقرة على التلاعب في هيكلة الفصائل المسلحة لإبقائها خاضعة لسيطرتها وهيمنتها عبر تعزيز الانقسامات في صفوفها ومنعها من التوحد ضمن كيان مستقل عن التوجهات التركية.

وفي المثل، رأى مراقبون للمعارضة السورية ونشاطها، أن أنقرة ليست بعيدة عما يجري في أروقة الائتلاف السوري المعارض من تغييرات بدأت تمس بوحدة كيانه ومدى قدرته على الاستمرار. ورأى هؤلاء أن قرارات الائتلاف وإن جاءت ضمن سياق “إصلاحي” كان مطالباً به منذ سنوات، إلا أنها في الحقيقة تنطوي على رسالة تركية موجهة إلى بعض الدول العربية مفادها أن أنقرة بدأت تطويق “إخوان سوريا” بعدما قامت بخطوات مماثلة مع “إخوان مصر”. وما يعزز ذلك أن “إصلاح الائتلاف” الذي راح ضحيته عدد من المقربين والمحسوبين على جماعة “إخوان سوريا” مثل حسان الهاشمي ومحمد أيمن الجمال، تزامن مع استعداد الرئيس التركي لزيارة المملكة العربية السعودية الشهر المقبل، وكذلك مع التغييرات التي طرأت على المشهد اليمني عبر تشكيل مجلس قيادة جديد.

ويبدو أن القاسم المشترك في كل ذلك هو وجود توافق إقليمي على ضرورة إضعاف جماعة “الإخوان” وحرمانها من بعض المكتسبات التي حصلت عليها نتيجة التعقيدات التي كانت تحيط بأزمات بعض الدول كما في سوريا واليمن.

وقد وقعت جماعة “إخوان سوريا” في فخ الارتباك وهي تحاول الردّ على قرارات الائتلاف المعارض الذي طالما كانت تهيمن عليه وتستأثر بالسيطرة على أبرز مكاتبه السياسية والعسكرية.

وفي هذا السياق، أصدرت الجماعة بياناً اعتبرت بموجبه قرارات الائتلاف “خطأ”، وطالبت بالتراجع عنه. وورد في البيان أنه “في ظرف أحوج ما يكون فيه الصف الوطني إلى المزيد من الالتحام والاتحاد، والاهتمام بالواقع المضطرب الذي يحيط بثورة شعبنا المباركة وسط الأنواء والأعاصير، فوجئ الرأي العامّ الوطني في سوريا، كما فوجئت جماعتنا ‏بقرار صدر عن قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، بفصل بضعة عشر عضواً، بطريقة تمت خارج الأطر التنظيمية المتوافَق عليها ضِمن هذه المؤسسة الوطنية، المحكومة بنظام داخلي توافقي يُعتبر المرجع القانوني لكل المكونات أطرافاً وأفراداً”.

وأضاف البيان أن “الجماعة تعتقد أن الوقت لا يزال متاحاً لتدارك هذا الخطأ، وعليه دعت قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الى أن تعاجل إلى مراجعة هذا القرار وفق الأطر ‏واللوائح التنظيمية المتوافق عليها بما يريح الضمير الوطني، ويقطع الطريق على المتربصين”.

لكن الجماعة سارعت إلى سحب البيان وحذفه عن صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ساعات من نشره، في خطوة قد تؤكد وجود خلافات داخل الجماعة حول كيفية التعاطي مع التغيرات الحاصلة.

رسالة أولية؟

ومع ذلك فقد يكون من المبكر الحديث عن توجه تركي للتخلص من نفوذ “الإخوان” داخل الائتلاف السوري المعارض، إذ إن الخطوة المتخذة لا تعدو كونها مجرد رسالة أولية باستعداد أنقرة لاتخاذ خطوات أكبر على صعيد تطويق “الإخوان” مقابل استعادتها لأجواء التقارب السياسي مع بعض الدول العربية وعلى رأسها الدول الخليجية ومصر.

في غضون ذلك من الواضح أن أنقرة تتبع سياسات متباينة ومختلفة اختلافاً كلياً، حول مؤسسات المعارضة السياسية، وإعادة هيكلة الفصائل المسلحة، إذ بينما تستسهل عرض ورقة الإسلام السياسي للبيع في إطار المؤسسات السياسية بدءاً بسحب مقربين من جماعة “إخوان سوريا” من عضوية الائتلاف، إلا أنها تبدي حرصاً متزايداً على التمسك بهذه الورقة في إطار الفصائل المسلحة. وقد يعكس ذلك نوعاً من ازدواجية السياسة التركية وميلها إلى اتباع سياسات مخادعة من دون أن تقيم وزناً للأدوات التي تستخدمها على الأرض طالما أن مصالحها محفوظة.

وكما أدت خطوة “إعادة هيكلة الفصائل” التي بشرت بها تسريبات تركية منذ عام مضى، إلى انقسام “الجيش الوطني” إلى جناحين هما “غرفة عزم” التي تهيمن عليها “الجبهة الشامية”، و”هيئة ثائرون” التي يقودها فهيم عيسى، فمن المتوقع أن تؤدي إصلاحات الائتلاف إلى انقسام مماثل بين “الحرس القديم” و”تيار الإصلاح” الذي حمل رايته أحد المقربين من جماعة “إخوان سوريا” وهو أحمد رمضان رئيس “حركة العمل الوطني” التي استبعدت من الائتلاف أخيراً.

النهار العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى