مراجعات الكتب

القائل نعم والقائل لا/ علاء رشيدي

    حين أراد وزير الدعاية

    منْعَ نقدِ الشعبِ للحكومة

    مَنَعَ النقدَ المسرحي، فالنظامُ

    يُكنّ حباً جارفاً للمسرح، وإنجازاته

    مسرحيةٌ أساساً،

    واستخدامُه البارعُ للأضواء

    لم يُفِدهُ أقلَّ

    من استخدامه البارع لهراوة المطاط

    وعروضه الباذخة

    تذاع بالراديو عبر الرايخ بأسره.

    وفي ثلاثة أفلام ضخمة

    يبلغ طول آخرها 26 ألف قدم

    يلعب البطل دور الفوهرر

    وزيارة هذه العروض تُرتَّب على أساس إجباري

    لتطوير مشاعر الشعب تجاه المسرح.

    وفي أول مايو كل عام

    حين يظهر ممثل الرايخ الأول

    في دور عامل سابق

    يجري الدفع للجمهور مقابل الحضور.

    واضحٌ أن هذه الإنتاجات الباهظة التكلفة

    تحتاج إلى الحماية من أي نأمةِ نقد

    فما الذي يحدث لو استطاع الجميع انتقاد

    إسراف قائد شباب الرايخ بالدور في استخدام المكياج

    أو حقيقة أن صوت وزير الدعاية يرن رنيناً يبلغ من زيفه

    أنَّ المرء لا يمكنه تصديق أي شيء يفعله، ولا حتى

    ضربة قدمه؟ باختصار فإنَّ كُلَّ هذا النشاط المسرحي

    يتطلب حظراً كاملاً على التفوه بالنقد، وفي الحقيقة

    لا يجب حتى ذكر اسم المسرحية

    ولا من يدفع تكاليف العرض.

    ولا من يلعب الدور الرئيسي.

    من قصيدة حظر النقد المسرحي لبروتولد بريشت

الروح النقدية من خصائص الجمال الفني

تتسم الإنتاجات الفنية في ظل الأنظمة الرقابية بسمات عامة، يمكن تحديدها من خلال دراسة التقاطعات في خواص ومميزات الأعمال الفنية في ظل أنظمة رقابية وشمولية في مناطق وحضارات ثقافية مختلفة، ومراحل سياسية مختلفة عبر التاريخ، بشكلٍ خاص في مجال المسرح. فيمكن تلمّسُ عناصر محددة للأعمال المسرحية في ظل الأنظمة الرقابية: تَحوُّل المسارح والعروض إلى منصات احتفالات واستعراضات النصر والتتويج والوطنية الملحمية، تَحوُّل الخطاب الفني إلى بروباغندا دعائية في خدمة الإيديولوجيا الفكرية المهيمنة، فرضُ المؤسسات الفنية الحكومية والرسمية قواعد ومعايير وبيانات تُحدَّد من خلالها دور الفن في المجتمع من خلال رؤية السلطة، وتثبيت معايير الخطاب الفني بما يسهم في تكريس النظريات المفروضة وما إلى ذلك. كل هذه السمات السابقة تتعلق بالعلاقة بين السلطة والمجتمع والفن، لكن سمة غياب النقدية هي النتاج والخلاصة لكل ما سبق ذكره.

في مقدمة بعنوان صناعة الفن الحر1 يعتبر الكاتب حازم النهار أن الحرية النقدية عنصرٌ من عناصر الجمال الفني: «فالفن إما أن يكون فناً جميلاً إيجابياً ونقدياً لا يتقيد بحدود ولا يعرف حزبية ولا تعصباً، فيبقى ويخلد في أذهان البشر وتاريخ أوطانهم لمئات الأعوام، وإما أن يكون فناً رديئاً يمجد العبودية والأنظمة الحاكمة، ويعمل لمصلحة فئة ما أو حزب سياسي ما، فلا يكون إلا فناً بلا قيمة، وينتهي مع ما قام لأجله». ويعتبر الكاتب أن جوهر الفن يقوم على تحريض الأسئلة المتعلقة بالشروط السياسية والاجتماعية والفلسفية والثقافية التي تحيط بالإنسان، ويميز بين فن الأسئلة التحريضية وبين فن تكريس الاستكانة ودعم الخطاب السائد، فيكتب: «الفن، إما أن يُذكي روح الشك والتساؤل والتمرد والتغيير، وإما روح الإستكانة والقبول والخنوع والمحافظة على الوضع القائم. الفن الحر فسحةُ تأمل وميدانٌ لتحريض العقل وإنتاج الأسئلة وحث الروح البشرية، وينطوي دوره الرئيس على إنتاج الحرية وإطلاق العقول والأرواح من أسرها العقائدي أو السياسي أو الديني. لا يتوافر الفن الحر بالتالي مع الركود والجمود والسكون، ولا مع المحافظة على التقليد والثوابت وما هو سائد، بل يجد دوره الطبيعي حين تفتح الأبواب غير المطروحة، وينبش في المحرمات والمحظورات والممنوعات، ولاسيما السياسية والدينية، وحين يتبنى الروح التحريضية، ويطرح الأسئلة الجديدة باستمرار، أي مع التخطي والتجاوز الدائمين، ومع الثورة الدائمة على الواقع».

يذهب بحث الناقد علي سفر بعنوان ملامح الخطاب السياسي في بعض عروض المسرح القومي في دمشق بين عامي 2012-20202 إلى أنّ غياب النقدية هو أحد خصائص الإنتاج المسرحي السوري خلال السنوات التي يشملها البحث. يكتب الباحث: «ظهرت على خشبات مديرية المسارح والموسيقى في دمشق، وهي الجهة المسرحية الرسمية، أعمالٌ قَدَّمَ أصحابُها رؤى متعددة، تتأرجح بين تأييد النظام وجيشه ومحور المقاومة بشكل صريح، والالتفات إلى قضايا أخرى. حاول صنّاع المسرح عدم الدخول في الجدال السياسي الراهن». يقدّم البحث استنتاجات هامّة في مجال النقد الفني في سوريا من خلال دراسة أربعة عروض مسرحية قُدّمت على المسارح في سورية: ستاتيكو 2017 من كتابة وإخراج جمال شقير، وبلاد ما فيها موت 2012، من تأليف وإخراج كفاح الخوص، وثلاث حكايات 2019 من إخراج أيمن زيدان ونصوص الأرجنتيني أوزفالدو دراغون، وهوى غربي 2020، عن بستان الكرز لتشيخوف من كتابة لوتس مسعود وإخراج غسان مسعود.

شخصيات دون دوافع سياسية

في العرض المسرحي ستاتيكو تقوم الحكاية على رغبة الانتحار عند الشخصية الرئيسية حَكَم، والمحمولة على تصريحات صادمة مفادها كراهية العالم والميل صوب إنهاء العلاقة التي تربطه بما حوله، والبدء بفعل الانتحار عبر تسجيل رسالة صوتية على شريط كاسيت، لتبدأ سلسلة من الأحداث تؤخر رغبته في الانتحار، منها تدخل جاره وعشيقة الجار. تنشأ بينهم علاقات يتخللها صدام بين الداخل/ الغرفة والخارج/ الشارع، وفي النهاية سيموت حَكَم برصاصة تنطلق من مسدسه، ولكن بيد جاره الذي يسارع إلى صرف عشيقته من المكان، والمغادرة تاركاً حَكَم ميتاً غارقاً بدمه. أمّا عن المضامين السياسية التي يمكن أن يحملها العرض، فيكتب علي سفر: «لقد قرأ كثيرون هذا العرض المسرحي بوصفه ذا مضمون سياسي سوري، وقد عُدَّ من العروض التي تحاكي الواقع السياسي السوري خلال زمن الحرب، على الرغم من أن ثيمة العرض تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي، فوجود لوحة غيرونيكا الشهيرة لبيكاسو على الجدار لا يعني تلقائياً أنها تمثيلٌ للدمار السوري، والإشارة الوحيدة التي تصدر عن حَكَم في هذا السياق تبدو عدمية، وهي قوله في تسجيله الصوتي: ليس هناك بُعدٌ سياسي من انتحاري، وإذا فَسَّرَ أحدهم انتحاري بأنه رفض للواقع الحالي فهذا نصف الحقيقة، لأن الحقيقة، أنني أرفض الواقع الحالي، والواقع القادم».

فن البوح والنقد والتفكير

يركز الكاتب حازم النهار على الجانب الحواري في الفن، كما ركَّزَ سعد الله ونوس في كلمته الشهيرة في يوم المسرح العالمي على الطبيعة الحوارية التي ينطوي عليها الفن المسرحي، يكتب النهار: «الفن، لا يحيا ولا يزدهر إلا في تربة الحرية، فالعنوان الرئيس للفن هو البوح، أي إخراج الكلمة والرأي والحلم والهواجس والآلام والأفراح إلى العلن، والتشارك فيها مع الآخرين من خلال الحوار المباشر بين الفن والجمهور، وخلق علاقة تبادلية بينهما، ليكون الفن حالة متغيرة باستمرار، عمادها الفن المؤثر في الجمهور، حيث يغير قناعاته وأمزجته وتصوراته. والجمهور الذي يعيد تشكيل الفن ومجمل العملية الفنية بانفعالاته وارتكاساته أو من خلال نقده واعتراضاته، مما يعني أن الجمهور يحتاج إلى الحرية ليمارس أدواره ووظائفه الطبيعية، فالفن والنقد الفني عمليتان متكاملتان، ولا ينجحان إلا في بيئة الحرية».

المصائر حتميات قدرية وبيولوجية

تأخذنا مسرحية حكاية بلاد ما فيها موت إلى فكرةٍ مسرحيةٍ مُغايرة، حيث يحاول بحر، الشخصية الرئيسية، ألّا يتعايش مع الظرف المحيط، الذي يمضي فيه الجميع من حوله إلى الموت، إما بالرصاص أو بحوادث غريبة تؤكد تفاصيلها أن وقوعها لم يأت صدفة، بل إنها تتأسس في واقع مأساوي يعيشه البشر على الرغم منهم. لكن هذا التعامل مع حضور الموت في المجتمع، والذي يُعتبر أساساً في حكاية المسرحية، يبقى بعيداً عن الإحالة إلى العوامل السياسية أو الاقتصادية التي يمر بها المجتمع السوري. يكتب الناقد علي سفر: «التفكير بالبحث عن جواب في سياق عرض يقوم على رفض بطله الموت الذي يجتاح حياته، وتوجهه لمقابلة شخصيات أخرى في رحلته للبحث عن النجاة، ولا سيما الشيوخ الذين يمثل كل واحد منهم خياراً من الخيارات المتاحة، ومع استخدام تقنيات شفوية، واستخدام فرقة موسيقية تستدعي أغنيات تراثية، تجول على أنحاء سورية المنكوبة، لا بد سيقود المتلقي إلى خطاب سياسي، يُراد له أن يجول في أروقة العقول، قوامه رفض الموت المجاني والعبثي الذي صار يحيط بمُشاهدي العرض أنفسهم بوصفه ’كاس داير على كل الناس‘ وفق المنطوق الشفوي اليومي المشترك بين الواقع والخشبة، من دون الإشارة أو الإفصاح عن الأسباب العميقة لحدوثه، مع غلبة واضحة للسياق الفني التعبيري الذي خلط بين الواقع والرمز والحلم».

وهكذا، وكما يُبيّن الباحث، يحضر الموت في العرض باعتباره قَدرَاً وجودياً أو نهاية بيولوجية حتمية مفروضة على البشر، أكثر من كونه ظاهرة تتوجب دراسة أسبابها السياسية والاجتماعية: « قصيدة المؤلف واضحة، ولا تحتاج إلى التأويل، فهو يواجه نزعة قدرية تفاقم حضورها وتمددها وسط الجمهور مع تعقد الصراع بين السوريين والسلطة القامعة، وما تبع ذلك من ردات أفعال دموية أيضاً. وصار الاستسلام للمصير جزءاً من آليات تعايش البسطاء والمتدينين عموماً مع أسباب الموت، وأيضاً استجابةً صامتة لخطاب الإعلام الرسمي الذي كان يضع الجمهور في سياق محتوم من تقبل الموت بوصفه دفاعاً عن الوطن، مع توصيف الطرف الآخر وتنميطه بوصفه إرهابياً يستحق الموت أيضاً».

العمل الفني والجمهور: التلقين أم التلقي التفاعلي

يهتم الكاتب حازم النهار بتحليل الأعمال الفنية انطلاقاً من العملية التفاعلية التي يبتكرها العمل الفني مع الجمهور: «الفن العقائدي له اتجاه واحد: من الفنان إلى الجمهور، معتمداً على أسلوب التلقين المباشر، ويفتقر إلى العودة الضرورية في الاتجاه المعاكس، أي من الجمهور إلى الفن، وهو الاتجاه الذي يعيد تكوين الفن ويحثه على إعادة النظر في أفكاره وآلياته ووسائله، وعلى الإبداع الجديد وإعادة بناء العملية الفنية كاملة دائماً». يعتبر الكاتب أن الفن المستقل والفعال، خصوصاً في مجال المسرح، هو المركز على علاقة تفاعلية مع الجمهور. يربط الكاتب بين التفاعل الفني ومدى ديمقراطية النظام، الفن الاستبدادي يمارس الدعاية الإيديولوجية لحزب السلطة ومقولاته وشعاراته، أما الفنان الحر فهو الساعي إلى التفاعل مع جمهور.

في مسرحية ثلاث حكايات يتوجه أعضاء الفرقة المسرحية بالخطاب إلى الجمهور، يُعرِّفون بمسرحيتهم وبكاتب النصوص، ويشرحون أنها نصوصٌ كُتبت خصيصاً للتقديم في عروض الشارع لكنهم عجزوا عن تقديم عرضهم في الشارع لأسباب تواجد الحواجز الأمنية والتفجيرات المتفرقة في المدينة، ثم يستطردون بالشرح: «نحنا جبنا الشارع لعنا لأنو أنتو ونحنا منعرف الظروف اللي منعت الشارع يجي لعنا». هنا يكتب الناقد علي سفر: «يؤسس العرض عبر هذه المقدمة علاقة غير سوية مع الموضوع الذي يريد أن يوصله إلى الجمهور، فهو يفترض أن بناء تواطؤ بين الممثلين والجمهور على الظروف الخارجية التي يعيشانها، ستجعل تقديم الحكاية وأمثولتها أكثر سلاسة، فالجميع هنا يعرفون الواقع، ولا حاجة بحسب منطق العرض إلى الحديث عمّا هو معروف. لكن ما يجري فعلياً هو تواطؤٌ على الصمت، وبينما كان هدف أسلوب التغريب البريشتي دفع الجمهور إلى التفكير بالمسكوت عنه، ووضع الحقائق أمامه، ومشاركته هو في صنعها، يحصل أن يؤدي هذا الأسلوب وفق عمل زيدان إلى رضوخ المشاهدين لواقعهم، فالجميع هنا يعرفون ما يجري خارجاً، ولكن لأنهم يعرفونه، صار من الواجب عليهم تجاهله وعدّه أمراً قدَرياً».

أما الحكايات التي تتناولها المسرحية فهي بعيدة عن الواقع السوري وتنتمي إلى موضوعات مجتمعات أخرى كما يبين الباحث: «يجد المشاهد أن الحكايات الثلاث التي تروى هنا، وهي حكاية الرجل المريض، والرجل الذي صدَّرَ الجرذان إلى أفريقيا وتسبب بمرض الطاعون، والرجل الذي صار كلباً، ستتحول من حكايات مفتاحية لطرح الواقع السيء الذي يعيشه الإنسان حول المعمورة، ولا سيما في علاقات الاستغلال الطبقي التي يعيشها، إلى حكايات غريبة عنه، فالجمهور يعرف أنها تدور في بلدان أخرى، وربما في كواكب بعيدة، طالما أنها بنيت فوق السطح البيتوني الذي أقفل به أيمن زيدان طريق الجمهور للوصول إلى حالة تضاد مع الإيهام والاستلاب، وأدى إلى صناعة علاقة غريبة بين الجمهور والمادة التي يشاهدها، قوامها اللامبالاة وعدم الاهتمام بمصائر الشخصيات».

ويوصف الباحث الآليات الدراماتورجية المستعملة في العرض للتعامل مع الموضوعات الراهنة بالآليات القديمة والفاقدة للتأثير، فيكتب: «آليات المعالجة التي يقترحها زيدان لمسائل غاية في الأهمية، ولا سيما علاقة المقهورين بالسلطة المالية والسياسية، باتت قديمة جداً. والتدقيق في المنطوق الشفوي والمزاح والطُرَف التي تُروى على الخشبة، يوضح كيف أن الحساسية التي ينطلق عمل زيدان منها تبدو قديمة وكهلة، فهو يستعيد أغنية ’يا بني بلادك قلبك عطيها‘ لوديع الصافي، من دون تغيير، في موقف باهت يحاول دفع العامل المقهور إلى خدمة وطنه أكثر، ويستخفّ بمسألة الاعتقال السياسي». وفي موضع آخر يصف الباحث الأسلوب الإخراجي بالمنفصل عن الواقع السوري، فيكتب: «السياق العام للعرض المسرحي يكشف بالإجمال عن تفكّك في وحداته، إذ لا يوجد ترابط داخلي بين الحكايات، والانفصال عن الواقع هو سمة واضحة، تبدأ من اللجوء إلى نص أجنبي، يطرح أسئلة خاصة بواقعه، وتمر بعدم بذل جهد في المعالجة لتقريب فضاءات الحكايات بالبيئة السورية، حيث أبقى المخرج على أسماء الشخصيات الأرجنتينية، وصولاً إلى تغليف الممثلين بأقنعة وألبسة غريبة، تفصل العرض أكثر فأكثر عن الواقع المحلي».

أما نص العرض المسرحي هوى غربي عن نص بستان الكرز لأنطوان تشيخوف، فقد سعى لمحاكاة الواقع السوري الراهن من خلال فتح الباب أمام رؤية تنتقد المصير الذي آلت إليه أسرةٌ سورية خرجت بناتها ليعشن في فرنسا في زمنٍ ماضٍ غير محدد، ثم عدن إلى بيتهن بعد انتهاء الحرب، ليبحثن عما ينقذهن من الوضع المالي السيء الذي تسببت به الأخت الكبرى هالة «نظلي الرواس» التي باتت مُقدِمة على خيارات أسوأ من مثل بيع بيت العائلة، والموافقة على بيع الأرض في القرية، لكن معارضة أخيها شهاب «سيف السبيعي» ستُصعّب عليها المهمة، بينما سيدعمها قريب العائلة شكر الله «لجين إسماعيل» الذي تحول خلال مرحلة الحرب إلى شخصية مَهيبة، بعد أن كان مجرد عامل في حديقة البيت، وسبق له أن تلقى الضرب الشديد من أبيها الذي جعل الكلاب تهاجمه. وسط هذه العلاقات وغيرها ستظهر شخصية العم رستم «جمال قبش» ومرافقه «غسان عزب» الذي يحاول استعادة أمجاده الشخصية في فرنسا، خالطاً بين الواقع والأحلام والأمنيات.

يكتب الباحث حازم نهار عن مستوى ولغة الخطاب السياسي الذي يحمله العرض: «إذا جاز لنا عدُّ هذا العرض نموذجاً عن الأعمال المسرحية التي تحاول مقاربة نتائج الحرب على الأسرة السورية عموماً، وعلى الأسرة العلوية خصوصاً، وبخاصة مع إظهار العرض عناصرَ توصيفية تؤكد انتماء الأسرة، فإن أولى الملاحظات التي سنخرج بها من خلال تلمّس علامات الخطاب السياسي الذي تحمله تتحدد في اللجوء إلى التوريات وإلى أسلوب المسكوت عنه، حيث لا يربط بين الحكاية الأساسِ في العرض ’انهيار العائلة‘ مع واقع المجتمع الذي يحتويها، لا بل إنه يحيل أسباب الانهيار إلى نزعات شخصية ’حياة الأخت الكبرى ونزواتها‘ بدلًا من ربطها بالأوضاع السياسية التي صنعت الواقع السوري الحالي. واللجوء إلى خلط سياقات الشخصيات، مع الإصرار على تنميط بنيتها وتحولاتها، لم يؤد إلى جعلها تحمل خطابات متضادة، فهي في النتيجة موافقة على مبدأ أنها ذات حق في أن تعيش في المستوى الاجتماعي الذي يبنى أصلاً على معاناة الآخرين، لكن مشكلتها هي عدم قدرتها على الثبات فيه، واحتمال انحدارها إلى الشريحة الأقل غنى وسلطة، مع إمكان أن تحل محلها شرائح أخرى، قد تنتقم منها بالنظر إلى ماضيها التسلطي».

أما الباحث علي سفر فهو يصل إلى نتائج مغايرة من رحلته البحثية، فيقدم خلاصة التجربة البحثية والتحليل الموضوعاتي والمسرحي للعروض بإستنتاجاتٍ يمكن حصرها في أن المسرحيين السوريين الذين قدموا أعمالهم في دمشق تحت رعاية المؤسسة المسرحية الرسمية، لم يطرحوا أي خطابات سياسية جذرية تتناول واقع المجتمع السوري مع النظام السياسي الحاكم. كما لجأ صنّاع هذه العروض إلى الأسطورة والرمز للاحتيال على المواجهة مع الرقابة، وعولجت قضايا مجتمعات أخرى لا تتقاطع مع قضايا السوريين، مع غيابٍ للحديث عن الحرب وتفاصيلها، ولم يلحظ أي اشتغال على تفكيك أركانها، بما يُجنّب صنّاع المسرحيات أي مواجهة مع أي طرف من أطرافها، والملمح الأشد وضوحاً هو التعمية وجعل الحرب قصة مبهمة. فيتم من خلال ذلك جعل الجميع متساوين في المسؤولية. يترافق كل ذلك مع اختفاء أي ملامح تطوير لآليات العمل المسرحي، كما غابت الملامح الفنية المتجددة، وهي مؤشرات لرتابة في إيقاع التفكير بالمسرح وعَدِّهِ شأناً وظيفياً.

1.من كتاب سورية الأخرى.. صناعة الفن المعارض، مريام كوك، المركز العربي لدراسة السياسيات، 2019، مقدمة بقلم حازم النهار.

2.علي سفر، ملامح الخطاب السياسي في بعض عروض المسرح القومي في دمشق بين عامي 2012-2020، مجلة قلمون، العدد 17، ملف المسرح السوري منذ الاستقلال وحتى عام 2020.

موقع الجمهورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى