سياسة

فورين بوليسي: لا يمكن لبايدن رفض الضم الروسي وتجاهل ضم الجولان

إبراهيم درويش

 قال براين فينوكين، المستشار البارز ببرنامج الولايات المتحدة بمجموعة الأزمات الدولية، في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن الرئيس جو بايدن لا يمكنه رفض ضم روسيا للأراضي الأوكرانية وتجاهل ضم إسرائيل للجولان. وأضاف أن واشنطن عارضت بقوة عمليات الضم بالقوة من دول البلطيق لشبه جزيرة القرم ويجب ألا تكون مرتفعات الجولان استثناء.

وذكر الكاتب بما قاله جو بايدن “الولايات المتحدة، أريد أن أكون هنا واضحا حول هذا، لن تعترف أبدا أبدا بمزاعم روسيا في أراضي السيادة الأوكرانية”. وتعهد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأن “الولايات المتحدة لا تعترف ولن تعترف بشرعية أو نتيجة هذه الاستفتاءات المهزلة والتي تعلن عن ضم روسيا لأراض أوكرانية“.

ويعلق الكاتب أن الوعود بعدم الاعتراف بمحاولات استيلاء روسيا على أرض أوكرانية هي انعكاس للموقف الأمريكي الثابت من اكتساب الأراضي باستخدام القوة. وتم تقويض مصداقية هذه المزاعم من خلال تخلي دونالد ترامب عن هذه المبادئ واعترافه بضم مرتفعات الجولان السورية.

 وعلى إدارة بايدن التحرك الآن وإلغاء هذا القرار. وتمت بلورة الموقف الأمريكي القوي في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كما تشرح أونا هاثوي وسكوت شابيرو في كتابهما “الدوليون”، أو ما صار يعرف بـ “عقيدة ستيمسون” حول عدم الاعتراف بالأراضي التي تمت السيطرة عليها بالقوة، والتي تنسب إلى وزير الخارجية الأمريكي هنري ستيمسون في عام 1932 في رد على سيطرة اليابانيين على منشوريا. وأكدت الولايات المتحدة على هذا المبدأ بعدم اعترافها بضم الاتحاد السوفييتي لدول البلطيق عام 1940. وأصدر القائم بأعمال وزير الخارجية سومير ويلز ما صار يعرف بإعلان ويلز وأكد فيه أن الولايات المتحدة “تعارض النشاطات العدوانية مهما كانت، سواء بالقوة أو التهديد باستخدام القوة”، ورفض بالتالي الاعتراف بالغزو الروسي.

 وتم تجسيد الرفض باستخدام القوة بما في ذلك “ضد وحدة الأراضي لأي دولة” في ميثاق الأمم المتحدة، والذي شاركت الولايات المتحدة في كتابة مسودته. وصوتت الأمم المتحدة على مبدأ عدم الاعتراف بالسيطرة على أراض بالقوة، بما فيها سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحاذية لها عام 1967 ومرتفعات الجولان. وانضمت الولايات المتحدة لقرار 242 بمجلس الأمن الذي مرر بالإجماع حول “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب”.

وفي عام 1981 وبعدما طبقت إسرائيل اختصاصاتها على الجولان المحتل، انضمت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى مجلس الأمن وأكدت من خلال قرار 497 “عدم جواز الاستيلاء على أراض بالقوة بناء على ميثاق الأمم المتحدة، القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن المعنية”، وقرر مجلس الأمن أن “قرار إسرائيل فرض قوانينها واختصاصاتها وإدارتها على مرتفعات الجولان السورية لاغ وباطل وبدون آثار قانونية”.

وردا على الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم رفضت الولايات المتحدة في ظل إدارتي كل من باراك أوباما ودونالد ترامب الاعتراف بالضم وقانونيته. واستخدمت إدارة أوباما لغة الاحتلال لرفض المزاعم الروسية بالسيادة على القرم. وفي عام 2018، أصدرت وزارة الخارجية في ظل مايك بومبيو بيانا استعادت فيه الموقف الأمريكي السابق تجاه ضم الاتحاد السوفييتي لدول البلطيق “كما فعلنا في إعلان ويلز عام 1940، تؤكد الولايات المتحدة سياستها برفض الاعتراف بمزاعم الكرملين بالسيادة على أراض استولت عليها بالقوة في خرق للقانون الدولي”.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، مررت الجمعية العامة قرارا صادقت عليه الولايات المتحدة ودعمته 142 دولة شجب إعلان روسيا ضم الأراضي الأوكرانية وأعاد التأكيد على “المبدأ المعروف في القانون الدولي، أنه لا قانونية ولا اعتراف بأي أراض تم الاستيلاء عليها بالقوة أو التهديد باستخدام القوة”. وبناء على هذا فقرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان يبدو مثل إصبع ملتهب.

وكان القرار متساوقا مع إدارة لم تكن تحترم القانون الدولي إلا أن المبررات القانونية التي ساقتها لم تكن قوية أو متماسكة.

وأعلن ترامب عن قراره بشأن الجولان بتغريدة على تويتر في 21 آذار/مارس 2019: “بعد 52 عاما، حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة وبشكل كامل بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان والتي تعتبر مهمة استراتيجيا ومهمة أمنيا لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة”. وتمت صياغة الإعلان في بيان رسمي اعترف به بظرفية الجولان الاستثنائية.

وقدمت إدارة ترامب في الأشهر التي تلت الإعلان عددا من المبررات القانونية المتغايرة، ففي جلسة استماع شدد السناتور الديمقراطي ريتشارد ديربين على بومبيو وطلب منه تقديم تفسير للاختلاف بين ضم روسيا للقرم وإسرائيل للجولان، وكان رده غامضا حيث أشار للقانون الدولي. ولكن وزارة الخارجية حذفت في ردود خاصة لبومبيو على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ أي إشارة لعقيدة عدم الاعتراف. وتجنبت وزارة الخارجية أي مبرر قانوني كمضاد للسياسة وتبريرات تتعلق بالجولان وأكدت بشكل متبجح سياسة عدم الاعتراف بأي تغيير تقوم به دولة لحدود دولة أخرى.

وبعد شهرين من اعتراف ترامب بضم الجولان، كتب بومبيو والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان مقالا بصحيفة “وول ستريت جورنال” بعنوان “القانون الدولي يدعم سياسة ترامب في الجولان”. وقلبا قرار 242 رأسا على عقب حيث اقترحا أنه يسمح لإسرائيل بضم الجولان رغم البيان الواضح فيه بعدم جواز ضم أراض تم الاستيلاء عليها من خلال الحرب. وتجنبا ذكر قرار مجلس الأمن 497 الذي اعتبر توسيع اختصاصات إسرائيل القانونية والإدارية للجولان لاغيا وباطلا قانونيا، كما لم يذكرا أي شيء عن ضم الأراضي المستولى عليها بالقوة ومنعه بناء على القانون الدولي.

وحاولا تصوير الضم من خلال ثنائية إسرائيل الطيبة وإيران/سوريا الشريرة وقالا “لو لم تحافظ إسرائيل على السيطرة على الجولان فإن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم أو واحدة من جماعاتها الوكيلة ستحصل على موقع استراتيجي مهم. ويواجه العالم وبخاصة الاتحاد الأوروبي خيارا سهلا: ديكتاتورا بدون دولة فاعلة أو حليفا ديمقراطيا سلميا”، وهذه مبررات لا تصمد أمام الاعتبارات القانونية.

ويبدو أن المبررات المتغيرة هي نتاج رد متعجل لإدارة ترامب على الواقع الذي خلقته. ولدى بايدن الصلاحية الدستورية لإلغاء قرارات سلفه. وسيخدم قراره بعدم الاعتراف بالتغييرات الحدودية جمهورين واسعين، وهما محلي وخارجي. فعلى المستوى الدولي سيكون بإمكان بايدن تبرير رفضه للضم الروسي في أوكرانيا لو أرفق القول بالفعل. وقال إن منظمة الأزمات الدولية حثت الولايات المتحدة على تبرير رفضها لضم روسيا لأراض أوكرانية بناء على مبدأ السيادة ووحدة الأراضي وليس باعتبار النزاع بين روسيا والغرب. ومن خلال رفضه لقرار ترامب، سيظهر بايدن أن رفض الضم بالقوة أو التهديد باستخدام القوة ينطبق على الصديق والعدو.

وعلى الصعيد المحلي، فإلغاء قرار ترامب سيرسل رسالة لبيروقراطيي الأمن القومي ومؤسسة السياسة الخارجية أن الرئيس يتعامل مع القوانين الدولية بجدية. وسيعزز رفض بايدن لما فعله ترامب بالأعراف المتعلقة باستخدام القوة داخل الفرع التنفيذي الأمريكي ويعلم بيروقراطية الأمن القومي أن هذا المبدأ من القانون الدولي ليس مزحة. وسيكون أقوى لو قامت إدارة بايدن بإعادة النظر في استخدام القوة الأمريكية مثل غزو العراق عام 2003، والذي ينظر إليه بشكل واسع كخرق لميثاق الأمم المتحدة ولم يكن حكيما. وإجراءات كهذه ستعمل على إقناع البيروقراطية في الأمن القومي لوضع مقترحات بشأن استخدام القوة على الرف قبل وصولها إلى مكتب الرئيس.

ربما كانت حجج الرئيس فلاديمير بوتين ضد الإمبريالية الغربية لكن تصرف بايدن سيوقف أي مجال للحديث حول “ماذا عنكم؟”. وعلى الولايات المتحدة مقاربة موقفها الأخلاقي المستقيم بشأن عدم الاعتراف بأفعال قوية تطبق وبشكل متساو خارج أوروبا وحتى ضد شركائها. وعلى بايدن نبذ قرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان والعودة للموقف الأمريكي التاريخي القائم على عدم الاعتراف بالاستيلاء على أراض بالقوة.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى