سياسة

سورية وملف المخدرات -مقالات مختارة-

سوريا وملف المخدرات!/ أكرم البني

حاول طرح أسئلته بشكل منطقي ومحايد كي لا يبدو محابياً للنظام السوري… هل يعقل أن يغدو نظام سياسي برمته أداة لإنتاج المخدرات والاتجار بها؟ أليست ثمة مبالغة مقصودة للدول الغربية في تحميل حكومة دمشق هذه المسؤولية لتشديد الضغط عليها ومحاصرتها اقتصادياً وسياسياً؟ ألا يصح ربط ملف المخدرات بعصابات منفلتة، موالية أو معارضة، أفرزتها سنوات من الحرب الأهلية وباتت صاحبة اليد الطولى في إنتاج المخدرات، مستغلة تراجع فعالية مؤسسات الدولة وانحسار قدرتها على الرقابة؟ ثم لم لا يكون حزب الله اللبناني هو المسؤول الرئيس؟ لم نتناسى دوره العتيق في صناعة المخدرات وتسويقها كمصدر للتمويل.

وتالياً معمل «الكبتاغون» الذي اكتشف عام 2007 في مناطق سيطرته، وسجل رسمياً بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في بلاد الشام؟

أمام ما يبدو منطقياً ومحايداً في الأسئلة السابقة، ثمة حقائق لا يمكن لأحد إغفالها تؤكد التداخل العضوي بين ملف المخدرات ومصالح النظام السوري، وتدل على مسؤولية الأخير ودوره الممنهج في صناعة المخدرات وتسويقها وترويجها…

أولاً، طرداً مع تزايد الاتهامات حول ضلوع النظام السوري في الاتجار بالمخدرات، يتزايد عدد المنشآت والمصانع التي تنتج هذه الآفة في المناطق الخاضعة لسيطرته، وآخر الأرقام تشير إلى عدد يتجاوز الستين، منها خمسة عشر مصنعاً كبيراً، تقع بمعظمها قرب المنافذ الحدودية لضمان سهولة النقل، بجوار ميناء اللاذقية والمعابر البرية الشرعية، وعلى مقربة من ممرات غير شرعية ابتدعها المهربون للوصول لمختلف بلدان الجوار، واللافت أن غالبية قاطني تلك المناطق يعرفون حقيقة الأمر ويعرفون أيضاً أن هذه المنشآت محمية من قبل كيانات عسكرية وأمنية تشكل أعمدة مهمة في تركيبة السلطة السورية.

وتتشارك فيما بينها في صناعة وتخزين المخدرات وضمان سلاسة النقل والعبور، كالفرقة الرابعة، والمخابرات الجوية، والحرس الجمهوري، والمخابرات العسكرية، وتتعاون مع ميليشيا منفلتة يقودها بعض من باتوا يعرفون بأمراء الحرب، كقوات الدفاع الوطني، وصقور الصحراء، وسرايا العرين، وغيرها، ومع بعض جماعات «المافيا» التركية واللبنانية والعراقية لتسهيل عمليات التهريب والترويج، ولا يغير هذه الحقيقة، بل يؤكدها، وجود قلة من المصانع بمناطق سيطرة حزب الله، في القصير بريف حمص والقلمون بريف دمشق وبعض بلدات الجنوب السوري، كما يؤكدها ضعف اهتمام جماعات المعارضة الإسلاموية بإنتاج المخدرات وتسويقها، لعجزها عن تغطية الأمر دينياً.

ثانياً، غزارة كمية المخدرات كحبوب «الكبتاغون» ولفائف «الحشيش» ومؤخراً «الكريستال ميث» السام، التي ضبطت حتى الآن خلال محاولة تهريبها لبلدان مختلفة، وعرف أنها قادمة من سوريا من دون أن يحرك النظام ساكناً، الأمر الذي تكرر مراراً على الحدود السورية الأردنية، ومرات في لبنان والعراق وتركيا ودول الخليج العربي، ولا ننسى الكميات الكبيرة المصادرة من حبوب «الكبتاغون» في اليونان وإيطاليا والتي وصلت مخفية عبر سفن كانت راسية بميناء اللاذقية، وكشفت تورط شخصيات ورجال أعمال مرتبطين بأجهزة السلطة السورية، وربما ما يوضح الصورة أكثر، ما رشح عن محاولة توظيف النظام ملف المخدرات والوعد بمعالجته، لابتزاز الدول العربية المتضررة منها، من دون أن يرف له جفن لما تخلفه تلك السموم بين مواطنيها، كما حال ابتزازها بعلاقته مع إيران، وبملف الإرهاب وما يملكه من تأثير في تفعيل أو الحد من نشاط الجماعات المتشددة، مؤكداً أصالة دوره في توسل الشر والأذى لفرض حضوره!

ثالثاً، إذا صحت المعادلة الدارجة عند المهربين، بأن واحدة فقط من خمس عمليات تهريب يتم كشفها ومصادرتها، وإذا صحت الأرقام بأن ما تمت مصادرته من المخدرات، خلال العامين المنصرمين، يصل إلى عدة مليارات من الدولارات، يمكن للمرء أن يقدر حجم المبالغ التي درتها وسوف تدرها هذه التجارة غير المشروعة على القائمين بها، كما يمكنه أن يصل ببساطة إلى نتيجة، بأنه من المحال على النظام السوري التخلي عن هذه المبالغ وتركها بطيب خاطر لعصابات منفلتة، وهو النظام المعجون بمؤسسات أمنية وعسكرية اعتادت السيطرة على مختلف تفاصيل الحياة، ويمتلك وفرة من التجارب في القضاء على أي منافس يحاول محاصصته على ما يعتبره «ملكه»، وخير مثال سلوكه مع رامي مخلوف أحد «عظام الرقبة»، فكيف الحال حين يغدو إنتاج المخدرات اقتصاداً قائماً بذاته وتزيد قيمة صادراته عن صادرات البلاد مجتمعة، وكيف الحال مع وجود حاجة ماسة للنقد الأجنبي من أجل تعويض تهتك اقتصاد الدولة وتأمين الموارد المالية لتمكين السيطرة!

رابعاً، للسلطة القائمة مصلحة في تعميم الأضرار الممنهجة لنشر المخدرات لتطويع المجتمع السوري، راهناً بالمناطق التي لا تزال تمتلك روحاً للمطالبة بحقوقها، أو تلك التي بدأت تتململ من الظروف المعيشية القاسية، وليست وليدة اللحظة الصرخة التي أطلقها أهالي مدينتي السويداء ودرعا معاً، لا للمخدرات! في رفض صريح للدور الذي تلعبه هذه الآفة، وخاصةً «الكريستال ميث» السام، في تهديد حياة الشباب، ودفع الكثيرين منهم، تحت وطأة الحاجة، للانضمام لعصابات تساعد أجهزة السلطة في تخزين المخدرات وتهريبها.

ويصح أن نضيف هنا، ما عرف عن رعاية النظام لترويج حبوب «الكبتاغون» في أوساط المنخرطين بممارسة العنف الوحشي من ميليشياته وبطانتهم، لفصلهم عن الواقع، وتشجيعهم على الاستمرار فيما شرعوا بارتكابه من جرائم.

منذ أسابيع أقرت الإدارة الأميركية «قانون الكبتاغون» لمكافحة اتجار نظام دمشق بالمخدرات ولتطوير استراتيجية منسقة بين الوكالات الفيدرالية الأميركية والأطراف المتضررة لتعطيل وتفكيك الشبكات السورية لإنتاج المخدرات والاتجار بها، ومنذ أيام أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريراً يثبت استخدام النظام السوري غاز الكلور السام ضد شعبه في دوما والغوطة الشرقية.

وقبلهما تم إقرار «قانون قيصر» لتشديد العقوبات على حكومة دمشق بعد تسريب صور مرعبة لآلاف الضحايا المعذبين في السجون وأقبية التحقيق، ولا ننسى الضجة الإعلامية التي أثيرت حول ما عرف بمجزرة «حي التضامن» بدمشق، وإذ يدرك السوريون بأن هذه التعرية، على أهميتها، لارتكابات السلطة السورية، لم ولن تحدث فارقاً نوعياً، لكنهم يأملون، ربما، بأن تشكل عامل إعاقة لما يجري من محاولات للانفتاح عليها، ولتشجيع التمسك بالتغيير السياسي والقرار الأممي «2254» كبوابة للخلاص!

الشرق الأوسط

—————————-

هل بدأ حوار المخدرات بين الأسد ونتنياهو؟/ علي سفر

تاجر نظام الأسدين، الأب والابن، بقضية الجولان المحتل عدة عقود، ولكثرة ما كان إعلامهما يتحدث عنه، كاد السوريون يظنون أن التحرير قاب قوسين أو أدنى. لكن الحقيقة تقول إن لوك الشعارات الطنانة والرنانة، ليس هو التجارة، بل إن حماية الاحتلال، وتركه يستمر، مقابل البقاء في الحكم، والتسلط على حياة الناس، وجعلهم لا يفكرون لا بالجولان ولا غيره، هو التجارة الحقيقية!

في العام 2011، استشعر الأسد الابن تهديداً يطول كرسيه وحكم العائلة، فأرخى قليلاً حماية خط وقف إطلاق النار، وأوحى، أو ربما طلب من الفصائل الفلسطينية المستلبة له، بأنه لا يمانع ذهاب الفلسطينيين إلى الجولان، تحت شعارات حملة حق العودة، فحدثت هناك مقتلة، كان ضحيتها شباب فلسطينيون أرادوا أن يعبروا صوب فلسطين، لكن موتهم كشف أن العملية كانت جزءاً من مخطط جرى تنفيذه من قبل قادة الفصائل، ليكون حاملاً للرسائل بين الأسد وإسرائيل!

ربط رامي مخلوف، عبر تصريح وقح، بين بقاء النظام وأمن الكيان الصهيوني، وصحافة الأخير لم تكذب خبراً، فسمّت الأسد بملك إسرائيل، وصار واضحاً منذ بدايات الثورة، أنها لا تريد حاكماً لدمشق، سوى عائلة الأسد! وأن زعزعة أحوال هذه العصابة هي الخط الأحمر، الذي يجب ألا يتجاوزه أحد!

بعد مرور 12 سنة على تلك الواقعة الدموية، عند خط وقف إطلاق النار، وبعد أن صار كبتاغون الأسد ماركة مسجلة باسمه عالمياً، يوزعه شمالاً وجنوباً، ويهدد به دول الجوار، عدا إسرائيل طبعاً، سُجلت في الأيام الأخيرة أولى الوقائع المختلفة، إذ قال الناطق باسم جيش الاحتلال إنه تم اعتقال سوريين اثنين، حاولا تهريب كمية من المخدرات، عبر “الحدود السورية” إلى الداخل الإسرائيلي.

ورغم أن أفيخاي أدرعي أشار إلى ندرة عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية إلى إسرائيل، إلا أن المهربين كانا يحملان 21 كلغ من الحشيش المخدر!

المنطقة التي تتشدد أبراج المراقبة الصهيونية في رصد دبيب النمل فيها، خشية اقتراب عناصر الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، لم تكن هادئة قبل هذه الحادثة، إذ شهدت حادثتين سابقتين، اُعتقل فيها أشخاص، حاولوا اجتياز الخط الفاصل بين الجهتين، وقتل صياد سوري اشتبهت قوات الاحتلال به، ليتبين لاحقاً أنه لم يشكل خطراً، بحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية.

وقوع مثل هذه الحوادث، بتواتر قليل، يجب ألا يقلل من استثنائية محاولة البعض تهريب المخدرات إلى إسرائيل، خاصة وأن هذه المادة لا تنتج في سوريا إلا من قبل جهات مرتبطة بالنظام، أو تعمل تحت سيطرته وإدارته، وأيضاً أوامره!

فهل أصدر أحد ما الأوامر، بنقل هذه الشحنة إلى هناك، وهل هي حمولة تجريبية؟

أم أنها الحمولة المكتشفة فقط! وهل جرى نقل أنواع أخرى من المخدرات، كالكبتاغون مثلاً؟

لا أحد سيجيب عملياً عن هذه الأسئلة، سوى التحقيق مع المهربين، الذين سيجري تمديد اعتقالهما، بموجب أمر محكمة الناصرة، في شمال الأراضي المحتلة.

ربما تكون الحادثة مجرد اجتهاد للبعض، من الجهة السورية، وهذا احتمال ضعيف، لسبب أساسي مفاده أن التعاطي مع هذه المنطقة، في محافظة القنيطرة، لا يخضع للانفلات القائم، في مجمل من الأراضي السورية، فهو مقونن بحسب اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة في العام 1974، وهو أيضاً محمي من قبل النظام، بحسب التفاهمات بينه وبين تل أبيب، وهو في المحصلة غير قابل للاختراق أو التجاوز، لأن رد فعل قوات جيش الدفاع الإسرائيلي سيكون عارماً، وسينعكس هذه المرة ليس على التحركات الإيرانية في سوريا المستباحة، بل على النظام ذاته، ولهذا فإنه من الأرجح، وبحسب التعاطي الهادئ للإسرائيليين بعدما جرى، أن يكون الأمر برمته نوعاً من تبادل الرسائل العملية، بعد تضارب في المصالح، احتوته الرسائل الشفوية التي تدار بين الطرفين.

ما الذي طلبه الأسد من الإسرائيليين، ولم يجيبوه عنه، فقرر أن يخاطبهم بهذا الشكل، وهل فعل الأسد هذا، أم أن أحداً آخر من حاشيته قام بذلك؟

كل المؤشرات، ولا سيما لجهة غياب التصعيد في المكان، تقول إن الحادثة محدودة، وإن علينا ألا نبالغ في تحليلها، وتأويل معطياتها، لكن قراءة النمط السلوكي الذي تخضع له تصرفات الإسرائيليين، وكذلك الأسديين، يوحي بأن ثمة ما يجري، يجب الانتباه له، خاصة مع تكرار محاولات العبور.

فهل يحاول أحد الطرفين، تغيير بند من بنود اتفاق حماية النظام، لحدود إسرائيل الشمالية؟ أم أن فتح باب تهريب المخدرات عبر خط وقف إطلاق النار، محاولة إيرانية عبر أدوات محلية لتهديد نتنياهو، وكبح جماح شهيته الطيبة، بعد أن بدأ تصعيده المشترك مع الولايات المتحدة، ضد مراكز السلاح النووي الإيراني؟!

أياً يكن ما يجري، يكفي أن نراه من زاوية الاقتراب من محرمات تل أبيب، لندرك أن الحكاية ليست مجرد حادثة عابرة.

تلفزيون سوريا

—————————-

الكارتل الأسدي وتحويل سوريا إلى كَبتاغونيا/ ياسين الحاج صالح

سوريا مركز متقدم لصناعة الكبتاغون حسب صحيفة الغارديان البريطانية، تنتجه على نطاق صناعي، وما تمت مصادرته من هذه التجارة المحرّمة دولياً يتراوح بين خمسة مليارات ونصف وستة مليارات دولار عام 2021، أما ما لم ينكشف فلا يقل عن 5 أضعاف ما صودر، وقد يبلغ عشرين ضعفاً، ما يتجاوز 100 مليار دولار إن صح هذا التقدير الأخير، ويقتصر على ما بين 25 و30 مليار دولار إن كان التقدير الأول هو الأصح. الأمر لا يصدق في الحالين، لكن ما لا يصدق هو ما لا يكف عن الحدوث في «سوريا الأسد» وهي بنية سياسية قائمة على تجاوز الحد في كل شيء. بالمقابل، حجم تجارة المخدرات، غير الشرعية بطبيعة الحال، بين المكسيك والولايات المتحدة يبلغ ما بين خمسة وسبع ونصف مليار دولار. أما صادرات سوريا الشرعية فلا تتجاوز 800 مليون دولار، بالكاد سُبع ما تم مصادرته من كبتاغون، وأقل من 3٪ من سعر السوق المحتمل لما لم يتم كشفه.

في هذا، الحكم الأسدي لا يقف جانباً ويسمح بإنتاج المخدرات وتصديرها، بل هو بالذات كارتل الصناعة والتصدير، حسب جويل ريبورن، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا. ريبورن يقول، حسب ما نسبت إليه درشبيغل الألمانية في تقرير نشر قبل أسابيع، إنه يعتقد بأن نظام الأسد لن يبقى إذا خسر عائدات الكبتاغون. والمشرف على نقل الكبتاغون ليس أحداً غير ماهر الأسد، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة في الجيش الأسدي، ونائبه غسان بلال هو مسؤول العمليات والربط مع حزب الله، الشريك في هذه التجارة العابرة للحدود. وكان أيمن الجابر، صهر عائلة الأسد، المخطط الرئيس لتهريب مخدرات حزب الله إلى بعض الدول، انطلاقاً من ميناء اللاذقية الذي كان يديره بعد فواز الأسد، قبل أن يفقد حظوته. أما السوق الداخلية لهذه الصناعة فتبدو محدودة، وإن تواترت معطيات عن تأثيرها المخرب، حتى في الجامعات. وتستخدم في هذه التجارة المسلحة مجموعات خاصة مثل عصابة الحوت من صيدنايا التي أعطاها الكارتل العائلي امتياز تهريب بعض «كوكايين الفقراء» هذا، لضمان ولاء صيدنايا ومسيحييها للنظام بعد الثورة، حسب تقرير درشبيغل نفسه. وهناك شبكة من أسر الجريمة وقادة ميليشيات وشخصيات سياسية، ممن لا يكن المساس بهم حسب تقرير الغارديان، يشكلون كارتلاً عابراً للحدود لتوزيع هذه الكميات الصناعية من الكبتاغون.

ومثلما أن بعض كبار عملاء الكارتل تحولوا لتوهم من أمراء حرب إلى أمراء مخدرات، فإن دولة المخدرات السورية استمرار لحرب الحكم الأسدي بوسائل أخرى، وليست نتاج استيلاء عصبة مخدرات على السلطة، أو شرائها للسياسيين، مثلما هو الحال في أمثلة أسبق من أمريكا اللاتينية. في سوريا، الدولة استولت على المخدرات وصارت تاجرة ومحتكرة لها.

امحاء الفرق بين السياسة والجريمة قديم في سوريا قدم حكم هذه العائلة. يروي راتب شعبو في كتابه «كأجراس بعيدة» أن حافظ الأسد كان يضحك حين تنقل له قصص ابن أخيه فواز، ومنها أنه يدخل مقصف الجامعة في اللاذقية، ويجبر جميع رواده على الاختباء تحت الطاولات إلى حين ينتهي هو من تناول قهوته، ويجبر شاباً برفقة فتاته على أن يقف على إحدى الطاولات ويهتف بأعلى صوته «أنا حمار». لم تكن هذه بالضبط استجابة «الأب القائد» على أي معارضين سياسيين لنظامه. في أحسن الأحوال يتعرضون للتعذيب ولسنوات طويلة في السجن، قبل أن يحاكموا بتهم النيل من هيبة الدولة وتوهين نفسية الأمة.

امحاء الفرق بين الاقتصاد والجريمة قديم بدوره إن استذكرنا تجارة رفعت الأسد بالآثار السورية منذ سبعينات القرن العشرين. بالمناسبة، عرضت أملاك رفعت، ومنها قصره في شارع فوش الراقي في باريس، في مزاد علني مؤخراً، تألف كاتالوغه من 260 صفحة، وتعرض فيه مقتنيات تتراوح بين سجاد أصفهاني من القرن السّادس عشر، ولوحات فنية فرنسية أصلية، وثريات فاخرة وخزانة مذهبة الأدراج، و500 من النفائس. وحسب مصطفى طلاس، فإن حافظ أعطى لأخيه رفعت مبلغ 500 مليون دولار استدانها من معمر القذافي عام 1984 «خلو منصب» بعد محاولة رفعت الاستيلاء على سلطة أخيه المريض وقتها.

على أن التحول إلى دولة مخدرات يبقى تطوراً مهماً من حيث أنه سعي لجني المال عبر الجريمة المنظمة وعلى نطاق إقليمي ودولي، دون وساوس بخصوص الكلفة البشرية لذلك. فالأمر حسب تحقيق حديث لسبكتاتور البريطانية يتعلق بنظام قتل عشرات الألوف [مئات الألوف في واقع الأمر] من شعبه كي يبقى في السلطة.

وراء إرادة العائلة الجانحة الاستقلال بمواردها عبر المخدرات تقدم دمار البنية الإنتاجية المهملة أصلاً والمتقادمة تكنولوجياً وتأهيلياً في سوريا، وتحلل البنية الاجتماعية ذاتها بفعل التكوين العصابي للحاكمين الفعليين والإفقار الشامل للمحكومين، وهما معاً في خلفية الثورة والحرب في سوريا. الواقع أن العائلة الأسدية ونظامها لم تكن قط قريبة من عالم العمل والإنتاج وقيمهما. استثمرت في قوة السلاح لجني الثروة، وتاريخها هو تاريخ الانتقال من الاستيلاء على السلطة إلى الاستيلاء على المجتمع والاقتصاد، وصولاً إلى تغيير السكان بعد الثورة. منذ النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين، وبترابط وثيق بين ريوع تحصلت من دول الخليج بعد الصدمة النفطية الأولى إثر حرب 1973 وبين التحول البريتوري للنظام، أخذت قيمة العمل بالانهيار كنصيب من الدخل الوطني، لتصل إلى نحو 39٪ منه عام 2010 (الرقم المقابل أكثر فوق 60٪ في البلدان الرأسمالية) ومعها انهار مجتمع العمل، أي من يعيشون من عملهم، لمصلحة قيم السلطة والمال والقرابة. الثورة السورية هي ثورة مجتمع العمل، أي من تدهورت مقدراتهم المالية، مع كونهم كذلك بلا سلطة ولا واسطة.

وبتكوينه كقوة مسلحة ذات تماسك خاص، لم يقم الحكم الأسدي يوماً على تحالف اجتماعي قد يدخل شيئاً من المرونة والتعدد في مراتب الحكم العليا، فيتيح للمحكومين هامش مناورة حيال المتحالفين أو زحزحة ولاءاتهم من أحد مكونات التحالف إلى مكونه الآخر. ما وجد هو إعطاء امتيازات لأفراد ومجموعات هنا وهناك، نظام تنفيعات، يسهل للبعض الحصول على منافع اقتصادية أو نفوذ اجتماعي، لكن من التساهل المفرط تسمية ذلك تحالفاً. الغلبة الأمنية العسكرية والدور الحاسم لأجهزة القوة لم تتح لأي مجموعة في سوريا، طبقية أو أهلية أو إيديولوجية، أن تلعب دوراً مستقلاً ولو في حده الأدنى. تحطيم المنظمات الاجتماعية والسياسية المستقلة ينبع من تكوين النظام المضاد للسياسة، وليس شيئاً حدث لحماية توازن تحالف حاكم.

وليس فقط لم تتغير هذه البنية حتى بعد حربين أهليتين، كبيرة وأكبر، بل تعزز فيهما وزن السلاح والقوة الخام، وتهرأت وتداعت أي ادعاءات وطنية وقومية عامة، كانت من أدوات النظام في العيش على حساب السوريين وابتزاز المحيط العربي. لم يعد يستطيع جني شيء مهم من السوريين الذين يعيش نحو 90٪ منهم تحت خط الفقر، واستهدافه لمجتمعات الخليج، السعودية بخاصة، بالكبتاغون والحشيش، هي بمثابة تعويض للريع النفطي، وفي الوقت نفسه حرباً ضد مجتمعات هذه البلدان من مافيا لا انتماء لها لغير سلطتها وثروتها. الكبتاغون ليس تجارة، إنه إعلان حرب؛ ولا تتكون حول هذه المورد طبقات وشرائح اجتماعية، بل عصابات ومافيات.

العلاقة عارضة بين كون الكبتاغون والحشيش مصدر 90٪ من العملات الأجنبية بيد الحكم الأسدي في سوريا حسب تحقيق صحيفة سبكتاتور وبين عيش 90٪ من السوريين تحت خط الفقر. لكن إذا نظرنا في أصول هذا الفقر وذلك الثراء، فإننا نجد لهما جذراً مشتركاً: التكوين المافيوي المسلح للطغمة الحاكمة.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

عن انتهاء صلاحية الحاكم!/ موفق نيربية

يُقال إن» الصلاحية» هي المدى الرئيس الذي بناءً عليه يكون المفهوم أو الاستنتاج أو القياس مؤسّساً بشكل عقلاني ومنطقي من جهة، ومتوافقاً مع العالم الواقعي من جهة أخرى. ولكن، عند التوقّف لدى تلك «الصلاحية» لا بدّ من الالتزام ببعض الشروط: ومنها أن تكون مبنية على الحقائق والعقل، وتكون قانونية وشرعية وقاطعة بين أهل وهيئات الاختصاص المؤهلة لذلك. وقبل الاستطراد كثيراً، لا بدّ من التوقّف عند «صلاحية الحاكم»، التي يختلف فيها الناس كثيراً، ولا يصلون على الأغلب إلى محطات اتفاق أو توافق. تلك الصلاحية تتداخل كثيراً مع الشرعية، لكنّها لا تتطابق معها. كثير من الأنظمة السياسية تفقد شرعيتها بوضوح، لكنّها تبقى صالحة للاستمرار في مكانها لأسباب غير صحية، خصوصاً من حيث انعدام جاهزية بديل أكثر موثوقية وأماناً واستقراراً؛ أو لتداخل مصالح خارجية «غير صحية» بدورها.

في الدولة الحديثة تنتهي صلاحية الحاكم عند خسارته للأغلبية التي حصل عليها في الانتخابات السابقة، أو عند فقدانه للأهلية القانونية اللازمة، أو عجزه عن حماية الدستور أو الالتزام به. في الدولة «القديمة» تنتهي تلك الصلاحية بالانقلاب أو خسارة القوى الحارسة للسلطة، أو تدخّل قوة أكبر، أو بالقتل أو الموت العادي. هذا يعني أن تلك الصلاحية لا تتعلّق بالقياس وأدواته، ولا بالحكم الموضوعي، بل بالتغلّب والقهر قبل أيّ شيء آخر، بالقدرة ليس على حماية الناس وأمانهم – وهذا باب للصلاحية في الدول المشروعة قديماً – بل بالقدرة على قمعهم وقهرهم وإجبارهم، إلخ. من هنا وبعده، سوف يكون المثال المطروح هو سوريا، حتى لا نتناول بلاداً أكثر بعداً عن أعيننا.

لقد كان عهد الأسدين – الأب والابن- عودة مظفّرة وصاخبة إلى العهد العثماني، قاطعاً ما حدث من تطوّر صغير أو كبير في عهد الانتداب الفرنسي، ثمّ في العهد الوطني. يمكن القول إن» العقد الاجتماعي» المفترض وقتها كان من عمر هوبر، منتصف القرن السابع عشر؛ حين صدر كتاب» اللويوثان» الشهير، أوّل من تحدّث عن ذلك العقد. هنالك قام هوبز بتبرير السلطة المطلقة المستبدة بموافقة المحكومين، الذين وافقوا – في قلوبهم- على عقد افتراضي، يقدّمون فيه الولاء والطاعة للسلطان في كلّ شيء، مقابل السلام والأمن والأمان. ولكن ذلك العقد بين الأسد ورعيّته كان يغطّي أيام السلم الاجتماعي، وطمأنينة الحاكم لولاء المحكومين وحسب. أمّا حين لاحت بادرة مضادّة واحدة في مطلع الثمانينيات، فقد كان ردّ الفعل صاعقاً وساحقاً: كانت حصيلته عشرات الآلاف من الضحايا، ودمار حماة وبعض حلب وغيرهما. أمّا الأسد الابن، فقد كان له بريقه الخاصّ في البداية أيضاً، ثم تكشّف منذ مطلع العقد الثاني من هذا القرن عن استعداد غير محدود للقتل والتدمير والتشريد، وبمقاييس خارقة تضاءل أمامها كثيراً ما حدث في أيام الوالد. ومع أن هوبز كان بدعمه للاستبداد والسلطة المطلقة يمهّد لإمكانيات من التقدّم والتحديث كانت قد ابتدأت تلوح في الأفق، إلّا أن آخرين رأوا في طروحاته انغلاقاً متشدْداً على بناء الدولة، وعلى الحريّات التي أخذت الطموحات إليها تتزايد. كان لوك كذلك، وكان روسو أكثر وضوحاً من لوك بدوره. في معيار العقد الاجتماعي- أضعفها وأكثرها تخلّفاً- يفشل أي تقييم للنظام الأسدي في منح أية شرعية له. بطريقة أخرى، أكثر معاصرة: تتمتّع أية دولة بالتعريف بحقّ- وواجب – احتكار العنف في المجتمع، وتفقد هذا التعريف حين ينعدم هذا الحق والواجب. فهنالك حالياً على الأرض السورية حالة غير محدّدة ولا محدودة من الذين يمارسون العنف ويهددون به، من فرق الجيش النظامي المتفرّقة الولاء، إلى الميليشيات بالعشرات والمئات، إلى فصائل لا تحصى للمعارضات المختلفة التي تسود على زوايا متحركة الحدود على الأرض السورية. فلا تحتكر الدولة العنف ولا أدواته ولا إمكانياته، أي أن شرط وجود الدولة الأول منعدم وغائم وغائب.

من هذا الجانب أيضاً، لا بدّ للدولة من أن تكون قادرة على حماية الدستور والقانون وحدودها الوطنية، ولا شيء من هذا متحقّق وممكن الآن، إلّا في شروط وعلى أسس غير دولتية، إن جاز هذا التعبير. تكون تلك الدولة فاشلة في هذه الحالة؛ وهذا مدخل بدوره للبحث في الأمر من خلال هذا المفهوم، أو مفهوم «الدولة الهشّة» كما أصبح مؤخّراً في التداول. هذه الدولة هي الدولة التي أصبح نظامها السياسي والاقتصادي، بحيث لم تعد حكومتها قادرة على السيطرة عليه. تتحدّد جوانب الفشل والهشاشة من خلال درجة التماسك عن طريق أدوات السيطرة ومن خلال التدهور الاقتصادي والمعيشي والانزياحات السكانية، أو في الشرعية السياسية وتقديم الخدمات العامة – حتى لو تركنا حكم القانون وحقوق الإنسان جانباً- إضافة إلى التدخلات الخارجية ومدى نفوذها العملي.

في الحصيلة استطاعت هشاشة دولتين في العالم فقط أن تزيد عن هشاشة سوريا وفشلها، هما اليمن والصومال، في حين جاءت بعدها دول كجنوب السودان وافريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية. وفي كلّ من هذه الدول مشاكل خاصة بها، إلّا أن لتلك الخاصة بسوريا رنيناً مختلفاً: المخدّرات.

يقول قانون الكبتاغون الذي صدر مؤخّراً في إطار قانون ميزانية الدفاع الأمريكية إن تجارة النظام السوري – الأسد- بهذه المادة تهديد للأمن القومي عابر للحدود، ويستهدف الشبكات المرتبطة بالأسد، بناءً على استراتيجية سوف ينتهي إعدادها من قبل كلّ الإدارات المعنية قبل منتصف العام الجاري، وقد تشمل هذه الاستراتيجية الأردن ولبنان ودول الخليج. ومع أن التجارب تدلّ على أن مثل هذا الجهد غير مضمون النجاح – كما حدث في أفغانستان- إلّا أن المفاعيل المادية سوف تفاقم من مفاعيل قانون قيصر، والمفاعيل السياسية بدورها لن تتوقّف عند الضغط على جهود التطبيع الراهنة مع النظام السوري، بل ستتجاوز ذلك لاحقاً، خصوصاً تحت تأثير النصّ مباشرة وبالاسم على مسؤولية بشار الأسد.

جاء هذا التشريع مؤخّراً، ليغلق الطريق أمام أيّ مستقبل لإنعاش الحاكم السوري، بحكمه النهائي عليه بكونه أميراً لتصنيع وتجارة وترويج هذا المخدّر في العالم، وهو بذلك يضرب حقه في الوجود على نصف طاولة التفاوض على مستقبل سوريا… ذلك يشمله وكلّ من يسهم أو أسهم في ذلك المسار، من دون أن يغلق الطريق على العديد من أهل نظامه الآخرين، بعد ذلك لو توفّرت الشروط والظروف. تلك أخبار مزعجة في بعض وجوهها، قد تعرقل العملية السياسية السورية لاحقاً، وكذلك مسار السياسات الإقليمية الراهن.. ولكنّها- كما يبدو- كأس لا بدّ من شربه، وعقاب على الإصرار على صلاحية ما لم يعد صالحاً.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

التطبيع مع نظام الأسد قفزة في الفراغ..المطلوب تطبيق 2254/ أسامة آغي

تبدو خطوات التطبيع مع نظام أسد متناقضة مع جوهر القانونين الأمريكيين (قانون قيصر وقانون الكبتاغون)، وهذا يعني في المنحى العام، تقديم مصالح هذه الدولة أو تلك على المصلحة الدولية بتطبيق القرار 2254.

تقديم المصلحة الخاصة لا يتناقض فحسب مع جهود تنفيذ القرار الدولي المذكور، بل إنه يتناقض أيضاً مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه السياسة، ترتكز على منع تطبيع العلاقات مع نظام أسد، وترتكز على إجباره على الانصياع لتنفيذ التزاماته حيال القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية.

لهذا، تبدو خطوة دولة الإمارات والأردن بخصوص تطبيع علاقتهما مع النظام الأسدي، وكأنها تجاهل صريح للسياسة الدولية بصورة عامة، والسياسة الأمريكية بصورة خاصة.

التطبيع في هذه الحالة، يمثّل نسف كل مسؤولية للنظام عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها بحق المدنيين السوريين العزّل، وتحديداً في ارتكابه مجازر فظيعة عبر استخدامه للأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً، والتي أثبتت تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مسؤولية نظام أسد وحليفه الروسي لمجزرة دوما عام 2018.

التطبيع مع نظام أسد يعني تأييداً لخرق القوانين الدولية، والتي يؤدي خرقها إلى مفاقمة انتهاكات حقوق الانسان، فكيف يخطر ببال الدول المطبّعة إغماض العينين عن جرائم موثقة دولياً، هذا يعني في المحصلة أن هذه الدول تهتم بمصالحها الضيّقة على حساب الأمن والسلام الدوليين.

في هذا الصدد، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي (بوب منينديز) في تغريدة له على تويتر، إن “الحراك الدبلوماسي الأخير يقوّض جهود محاسبة النظام السوري على ما ارتكبه من جرائم حرب بحقّ شعبه، وأنه لا يمكن أن يكون هناك تطبيع دون محاسبة مشروعة”.

وفق ذلك، تبدو عمليات التطبيع مع نظام أسد وكأنها قفزة في الفراغ، فهذه العمليات إذا ما تمّ الشغل عليها من قبل الدول المطبّعة، أو الدول التي تبحث عن مكاسب في الوقت الضائع، فإنها ستكون هدفاً للعقوبات الأمريكية، وهذا ليس في مصلحة هذه الدول، سيما إذا ما تمّت المقارنة بين فوائد التطبيع والامتناع عنه، فإنها لن تكون في صالح المطبّعين.

هذه حقيقة، لذا أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثاً خاصاً إلى تركيا ودولة الإمارات العربية، لإبلاغهما رفض الإدارة الأمريكية لأي خطوات تطبيعية مع نظام أسد، وأن هذه الخطوات ستتعارض مع القرار الدولي رقم 2254، وسيكون التطبيع في هذه الحالة إنقاذاً لنظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذا يتناقض مع جوهر الاتفاقات الدولية، ومع جهود الأمم المتحدة الساعية لتنفيذ القرارات الخاصة بالصراع في سورية.

إن الأمريكيين الذين وافق مجلس نوابهم ومجلس شيوخهم على إصدار قانونين ضد نظام أسد وجرائمه، لم يصدروهما بدون غاية وهدف، فقانون قيصر الذي منع أي تعامل اقتصادي مع نظام أسد، سواءً كان التعامل من قبل دولة أو مجموعة اقتصادية أو شركة خاصة، فإن هذا التعامل سيخضع للعقوبات الأمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية تستطيع فرض عقوبات على منتهكي هذا القانون، وهذا سيضرّ بمصالح المتعاملين الاقتصادية والمالية.

لقد خنق قانون قيصر اقتصاد النظام الأسدي، وأدرك المتعاملون الاقتصاديون معه خطر هذا التعامل، وهو ما أدى إلى انهيار تام لاقتصاد النظام، والذي عجز ويعجز عن تأمين أولويات المعيشة للسوريين الخاضعين لهيمنته وحكمه، وهذا ينفي أن قانون قيصر يضرّ بالمدنيين السوريين فحسب، بل إنه أضرّ بقدرة النظام على السيطرة على الأوضاع الاقتصادية، التي بدأت تفلت من يده، وهو يشكّل بداية انهياره.

كذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت خطر تصنيع النظام لحبوب الكبتاغون المخدرة، وقيامه بترويجها إقليمياً ودولياً، وإن هذه التجارة الممنوعة دولياً ليست مجرد مصدرٍ للأموال التي يحتاجها النظام للاستمرار في حربه العدوانية ضد الشعب السوري، بل أنها مصدر تهديد لصحة وحياة الشعوب، حيث تدمّر هذه المخدرات القدرة على التفكير والعمل والابتكار، كما أنها تدمر القيم الاجتماعية والوطنية، وتحيل من يستهلكها إلى حالة من العجز العقلي والصحي والنفسي والأخلاقي، وهذا سينعكس على تماسك البنية الاجتماعية وأمن البلاد.

الخطر الذي شعرت به الولايات المتحدة الأمريكية حيال قيام نظام أسد وحليفته إيران من ترويج هذه المخدرات القاتلة، دفعها إلى سنّ قانون مكافحة وتدمير مرتكزات صناعة هذه المخدرات، واعتبار أن رئيس النظام بشار الأسد هو من يقوم برعاية هذه العمليات الخطيرة.

إن الإدارة الأمريكية معنية بوضع خطط فعالة لمكافحة الكبتاغون، ومحاسبة من يقف خلف تصنيعه وترويجه إقليمياً ودولياً، وهذا يشمل السماح لوكالات المخابرات الأمريكية باعتقال ومحاكمة كل من يساهم في هذه الصناعة وترويجها وفي مقدمتهم رئيس النظام الأسدي بشار الأسد.

وفق هذه المعطيات الملموسة، فإن عملية التطبيع مع نظام أسد تصبّ في خانة العداء للسياسة الأمريكية بهذا الشأن، وهذا يضع الدول المطبّعة قيد عقوبات أمريكية، كذلك فإن التطبيع مع نظام أسد يعني حمايته من المحاسبة العادلة وفق القانون الدولي، وهذا من شأنه الإضرار بالدول التي تذهب في هذا الاتجاه.

إن الحل الوحيد لإغلاق ملف الصراع في سورية وعليها، يكمن في تنفيذ القرارات الدولية وفي مقدمتها بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254، هذا التنفيذ الجوهري للقرارات المعنية يسمح بانتقال سياسي في سورية، وبتحقيق عدالة انتقالية، والتي من شأنها منع حدوث حالات فوضى وانتقام بشأن الجرائم المرتكبة وضرورة محاسبة مرتكبيها.

إن الذهاب إلى التطبيع مع نظام الأسد في هذه المرحلة، لا يمكن فهمه سوى أنه إطالة للصراع الذي يدفع ثمنه الشعب السوري، ولا يمكن فهمه سوى أنه محاولة للاستفادة البراغماتية على حساب حقوق الشعب السوري الجريح.

إن محاولات التطبيع لا افق لها، لأنها تتناقض مع القرارات الدولية الخاصة بسورية، وتتناقض أكثر مع السياسة الأمريكية حيال نظام أسد، لذا فهي قفزة في فراغ، لن يكون لها أي جدوى لدى من يقفزها.

كاتب وصحافي سوري

——————————-

تحقيق استقصائي لـ”نداء بوست” يكشف للمرة الأولى تفاصيل جديدة عن شبكة الكبتاغون في سورية

نداء بوست- تحقيقات- محمد الشيخ

”ضبط شحنة مخدرات قادمة من سورية”.. خبرٌ أصبح خلال السنوات الماضية عادياً، تتناقله وسائل الإعلام بشكل شبه يومي، بل إنه غطى في بعض الأحيان على أخبار العسكرية والسياسة، إلا أن المؤسف حقاً اقتران اسم سورية بشحنات الكبتاغون، وتحويل المكان الذي نشأت فيه أقدم الحضارات إلى مركز لتهديد البشرية.

لا يخرج ذلك عن سياق انتقام نظام الأسد من سورية وشعبها بعد ثورة آذار/ مارس 2011، فمنذ ذلك الوقت حوَّل البلاد إلى مركز عالمي لتصنيع المخدرات، ونقطة انطلاق نحو دول الجوار والعالم، بعد أن كان النشاط يقتصر -قبل الثورة- على حماية شبكات التهريب، وإنتاج كميات محدودة في مصانع سرية تدار من قبل أشخاص مقربين من عائلة الأسد.

واليوم وبعد نحو 12 عاماً تطور إنتاج المخدرات، وتطورت معه أساليب الترويج والتهريب، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى تسمية بشار الأسد بـ “زعيم عصابة مخدرات”، حيث وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ميزانية الدفاع التي قدمها الكونغرس لعام 2023، وتضمّنت قانوناً لمواجهة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري، واعتبره يشكل تهديداً أمنياً عابراً.

الأسد والكبتاغون

باتت تجارة المخدرات إحدى أكثر القطاعات ربحاً ورواجاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، خاصةً مع التسهيلات الكبيرة المقدمة من قبل الأفرع الأمنية وقادة الميليشيات للمسؤولين عن هذه التجارة وللعاملين في تصنيع موادها.

ولم يعد نشر الحشيش والحبوب المخدرة مقتصراً على مناطق سيطرة النظام، أو المناطق الخارجة عن سيطرته في إدلب وريف حلب وشرق الفرات، بل تجاوزها إلى دول الجوار بداية ومن ثم إلى دول الخليج، وحتى وصلت إلى القارة الأوروبية ومختلف أنحاء العالم.

ويبدو أن التصريحات التي أطلقها وزير خارجية النظام السابق وليد المعلم، في 22 حزيران/ يونيو 2011، وقال فيها: إن نظامه سيمسح أوروبا عن الخارطة، وسيتجه شرقاً وغرباً، وأن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليه هي بمثابة الحرب، كانت تحمل معاني ومقاصد بدأت تتكشف وتظهر مع امتداد سنوات الثورة والحرب.

وتنفيذاً لتهديدات المعلم ووعيده، سعى النظام السوري إلى إغراق أوروبا بالمخدرات، حيث ضبطت الشرطة الرومانية في 30 آب/ أغسطس 2020 أكبر شحنة مخدرات في تاريخ البلاد قادمة من ميناء اللاذقية، تضم 1.5 طن من مادة الحشيش، و751 كيلو غرام من مادة الكبتاغون، وتبلغ قيمتها نحو 60 مليون يورو.

إيطاليا هي الأخرى ضبطت في تموز/ يوليو 2020 عشرات الأطنان من حبوب الكبتاغون القادمة على متن سفينة شحن انطلقت من ميناء اللاذقية، وتبلغ قيمتها نحو مليار يورو.

يضاف إلى ذلك، إحباط الجيش الوطني السوري بريف حلب واليونان والسعودية والإمارات ومصر والأردن عدة محاولات تهريب مخدرات قادمة من مناطق سيطرة النظام، إلا أن المملكة الهاشمية كان لها النصيب الأكبر من تلك المحاولات، حيث لا يكاد يمر شهر دون إفشال وضبط محاولات تسلل وتهريب مخدرات إلى أراضيها.

إنتاج المخدرات في سورية

    حصل موقع” نداء بوست” على معلومات دقيقة عن أبرز أماكن زراعة وصناعة المخدرات في سورية، وذلك بعد رحلة بحث طويلة استمع خلالها لعشرات الشهادات من ناشطين وعسكريين ومدنيين مقيمين في مناطق سيطرة النظام، أعقبها مطابقة للمعلومات ومقاطعتها مع المصادر المختلفة.

    وركز تحقيق” نداء بوست” على ثلاثة عناصر رئيسية هي الزراعة والصناعة وطرق التهريب والترويج محلياً، يستعرضها وفقاً للآتي:

– الزراعة:

تعتبر منطقة القصير بريف حمص الجنوبي، المنطقة الأكثر احتضاناً لمزارع الحشيش، وبدأت هذه الزراعة فيها عقب سيطرة النظام السوري وحزب الله عليها في حزيران/ يونيو عام 2011، وبحسب مصادر” نداء بوست” فإن معظم المزارع تتركز في القرى الواقعة على ضفاف نهر العاصي والمحاذية للحدود اللبنانية مثل حاويك وزيتة والقصر والعقربية والديابية والبرهانية وأبو حوري.

وتقول المصادر: إن عملية الزراعة يشرف عليها خبراء من منطقة البقاع اللبناني وعناصر من ”حزب الله”، وبعد الانتهاء من جمع المحصول يتم تحويله إلى معمل في بلدة العبودية، ومن ثم تتولى شبكة تابعة للفرقة الرابعة نقله وتوزيعه داخل الأراضي السورية.

وكذلك تنتشر في محافظة طرطوس عدة مزارع حشيش، تقع أبرزها في القرى الحدودية مع لبنان مثل الخرابة، وبني نعيم، والشيخ جابر، والرنسية، وخربة الأكراد، والجواميسية، وفي منطقة الشيخ بدر، ويتم تصريف معظم إنتاجها محلياً كون المحافظة الساحلية تشهد إقبالاً من باقي المناطق خاصة في فصل الصيف.

وفي دمشق، تحتكر الفرقة الرابعة زراعة الحشيش، وتنتشر مزارعها في بلدات دير خبية والزبداني ومضايا وكناكر والهيجانة وزبدين، وفي منطقة القلمون الغربي.

شرقاً، تنتشر مزارع الحشيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام و”قسد” على حد سواء، وتتركز في أرياف دير الزور والرقة والحسكة ومنبج وعين العرب بريف حلب.

– الصناعة:

لجأ النظام وحزب الله إلى إقامة معامل ومكابس للكبتاغون في عدة مناطق على امتداد الأراضي السورية، وذلك لزيادة الإنتاج وتسهيل عمليات التهريب نحو دول الجوار والعالم.

وتتركز تلك المعامل في المنطقة الجنوبية القريبة من الحدود مع الأردن، وفي ريف دمشق على الحدود اللبنانية، وكذلك في محافظتي اللاذقية وطرطوس حيث المنافذ البحرية.

جنوباً، تقول مصادر” نداء بوست”: إن محافظة درعا تضم تسعة مراكز لتصنيع المخدرات، أكبرها في محطة تحلية المياه بالقرب من بلدة خراب الشحم، وفي حي الضاحية، ونوى، واللجاة، يضاف إلى ذلك مصنعين في محافظة السويداء، كتلك التي تم ضبطها داخل منزل راجي فلحوط في بلدة عتيل.

وأغلب تلك المصانع هي مكابس نصف آلية، في حين تتواجد 3 أو 4 مصانع في المنطقة آلية، وتبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 400 حبة كبتاغون يومياً.

وأما عن آلية التصنيع، توضح مصادرنا أن كل نقطة تضم خبيراً كيميائياً ومساعد له، إضافة إلى 5 عمال، يعملون بإشراف من ميليشيات محلية مرتبطة بإيران، وكذلك من قيادات في حزب الله.

ويعتبر القيادي السابق في الفصائل المعارضة والذي التحق بعد” التسوية” بشعبة الأمن العسكري، عماد أبو زريق، وابن عمه غسان أبو زريق من كبار تجار المخدرات في محافظة درعا، إذ تربطهما علاقة قوية مع قادة من حزب الله، وضباط من النظام السوري الذين يقدّمون التسهيلات لشحنات المخدرات أثناء مرورها على الحواجز، خاصة حاجز منكت الحطب التابع لفرع الأمن العسكري.

كذلك يعد القيادي السابق في الفصائل المعارضة مصطفى المسالمة المقلب بـ”الكسم” المسؤول عن مقر محطة التنقية في خراب الشحم والمهرّبين العاملين في هذا الموقع والذي غالباً ما يكون منطلقاً للطائرات المسيرة المحملة بالمواد المخدرة والتي يتم إرسالها نحو الأردن.

ويتزعم المسالمة ميليشيا محلية تتبع لشعبة الأمن العسكري، وتربطه علاقة وثيقة برئيس الفرع العميد لؤي العلي، كما أنه لديه علاقات مع قيادات في حزب الله.

وتشير مصادر” نداء بوست” إلى تنوع المواد المخدرة التي يتم إنتاجها في معامل الجنوب، وأن قسماً منها نوعيتها رديئة ورخيصة الثمن، وهذا النوع معد خصيصاً لتسويقه محلياً، ولإرساله إلى الأردن عبر معابر مكشوفة للتغطية على الشحنات الرئيسية القادمة من إيران والعراق والتي تضم الكريستال والكوكائين والهيروين.

ويتم تصنيع المواد الرديئة من بودرة بيضاء يتم الحصول عليها بعد طحن أنواع معينة من الحجارة، ويضاف لها مواداً كحولية، وكمية قليلة من مادة الكريستال، وكذلك الحال بالنسبة للحشيش الذي يتم خلطه مع أعشاب أخرى قبل توزيعه محلياً.

وفي ريف دمشق، أقام حزب الله عدة معامل في المناطق الحدودية القريبة مع معابر التهريب، أبرزها في قارة ورنكوس وعسال الورد وسرغايا، وذلك بالشراكة مع تاجر محلي يدعى حسن الدقو، فيما تتولى مجموعات من الحزب ومن الفرقة الرابعة مسؤولية حماية تلك المواقع.

يضاف إلى ذلك المعامل التي تديرها مجموعة” القاطرجي” في ريفي حلب وحماة، مصدر مقرب من المجموعة أفاد فريق التحقيق في “نداء بوست” أنها نقلت خلال الأشهر الأخيرة 11 خط إنتاج و26 مكبساً متوسط الحجم خاصة بتدوير وتغليف الحبوب المخدرة ومادة الحشيش من مزارع تملكها في ريف حماة، إلى المنشآت الصناعية في منطقتي الشقيف والشيخ نجار في حلب.

وتخطط المجموعة لتوزيع المخدرات من حلب إلى مناطق المعارضة السورية ومنها إلى تركيا، وإلى مناطق سيطرة “قسد” ومنها إلى العراق ثم الخليج العربي، وبحسب مصادرنا فإن هذا القطاع يديره شخص يدعى محمود رسلان وهو من أبناء مدينة حلب.

وأيضاً أنشأ النظام السوري مصانع مشابهة في قريتي البصة ودوير الشوا بريف اللاذقية، وهي تدار من قبل أشخاص من عائلة الأسد، حيث يتم نقل الإنتاج إلى مستودعات تابعة لحافظ منذر الأسد في قرية كلماخو ليتم تغليفه وتعبئته في حاويات، ومن ثم نقله إلى ميناء المحافظة لتهريبه بحراً.

– شبكة التهريب:

دخول المخدرات: يعتمد النظام السوري على شبكة من الخطوط لإدخال المواد الأولية ونقل المخدرات إلى دول الجوار، وتشمل تلك الشبكة المعابر الحدودية الرسمية وكذلك المنافذ البحرية.

وتعتبر المعابر غير الشرعية في ريف دمشق الغربي إحدى أقدم تلك الطرق، نظراً لسيطرة حزب الله على طول الشريط الحدودي بين لبنان وسورية، وطبيعة المنطقة التي كانت مسرحاً لعمليات التهريب حتى قبل عام 2011.

ومن أبرز الطرق التي تسلكها شحنات المخدرات في تلك المنطقة، الطريق الواصل بين بلدة رنكوس وبلدات البقاع، والطريق الواصل بين منطقة رأس الحرف في البقاع ومنها إلى قرية الطفيل وصولاً إلى عسال الورد، إضافة إلى الطرق التي تصل بين بلدتي فليطة وقارة بقرى البقاع ومعبر الزمراني الحدودي، وغالب الشحنات التي تدخل من هذه الطرق يتم ترويجها محلياً أو يتم نقلها إلى منطقة الساحل.

فيما سبق يعتبر المسار الأول لدخول المخدرات إلى سورية، أما المسار الثاني فيعتبر الأوسع كون هدفه المنطقة الجنوبية، وفيه يتم تجميع الشحنات في بلدة عيتا الفخار لبنان، ومن ثم يتم نقلها إلى بلدة جديدة يابوس السورية الحدودية، ومنها تتولى مجموعات من الفرقة الرابعة والأمن العسكري مسؤولية نقلها إلى منطقة الديماس، ثم إلى سعسع، وبعدها إلى خان أرنبة في ريف القنيطرة، ومنها إلى تل شهاب وخراب الشحم، حيث يتم في الأخيرة تجهيزها لتهريبها نحو الأردن، يضاف إلى ذلك طريق البادية الذي يصل المناطق الحدودية مع العراق بمنطقة اللجاة شمال شرقي درعا.

وفي حمص، تقول مصادر” نداء بوست” إن قيادياً في” الدفاع الوطني” يدعى شجاع العلي يعتبر المسؤول الأول عن استلام وتوزيع شحنات المخدرات، وإلى جانب مهمته في الترويج محلياً، يقوم بنقل قسم من الكبتاغون والحشيش إلى مناطق سيطرة النظام في دير الزور عبر سيارات الشحن والصهاريج، ويتولى هذه المهمة قيادي يدعى جعفر جعفر.

إلى جانب ذلك، يتم إدخال مواداً من إيران عبر الأراضي العراقية مثل الكريستال ميث والهيروين والكوكائين، وغيرها من المواد مرتفعة السعر التي تدخل الأراضي السورية بقصد نقلها إلى دول الخليج العربي بالدرجة الأولى.

توزيع المخدرات داخل سورية وإلى دول الجوار: تعتبر الأردن الدولة الأكثر تضرراً من مخدرات النظام السوري، حيث تعرضت منذ صيف عام 2018 لمئات محاولات التهريب، وتمكنت بالفعل من إحباط بعضها.

تؤكد مصادر” نداء بوست” أن قرى تل شهاب وكويا وبيت آرة ومنطقة الزمل، وخراب الشحم والمتاعية، وبلدة نصيب ومعبرها في درعا، تمثل نقطة مهمة لانطلاق شحنات المخدرات نحو الأردن، إلا أن النظام لا يعتمد على التهريب من هذه المناطق كاعتماده على ريف السويداء كون معظمها مأهولة بالسكان ويصعب التحرك فيها.

وتوضح المصادر أن تهريب المخدرات من هذه المنطقة يأخذ ثلاثة أشكال رئيسية، أولها عبر معبر نصيب الحدودي، حيث يتم تخبئة المواد المخدرة داخل البضائع أو في أماكن خاصة يتم تصنيعها وإضافتها لهيكل السيارة لهذا الغرض.

أما الطريقة الثانية فهي تسيير مجموعات راجلة في المناطق الوعرة وفي الوديان، تضم كل مجموعة نحو 15 شخصاً، يحمل كل منهم كمية تقدر بـ25 كيلو غراماً من الكبتاغون والكريستال ميث، وتتلخص مهمة هذه المجموعات بالمسير ليلاً مسافة تقدر بنحو ثلاثة كيلومترات، مقابل أجر يصل إلى ألف دولار للشخص الواحد في حال نجاح المهمة، فيما يرافقها أربعة أشخاص يحملون السلاح مهمتهم التغطية على عملية الانسحاب في حال تصدي حرس الحدود الأردني لهم.

أما الطريقة الثالثة، فهي إرسال طائرات مسيرة تحمل كميات من المخدرات ذات السعر المرتفع تحديداً، وتعتبر محطة تحلية المياه في بلدة خراب الشحم المنطلق الرئيسي لتلك الطائرات.

أما في السويداء، فقد أقام حزب الله علاقات مع تجار مخدرات وزعماء مجموعات مدعومة من الأفرع الأمنية كتلك التي كان يقودها راجي فلحوط، وتجري معظم عمليات التهريب في المحافظة بتغطية من رئيس مفزرة المخابرات العسكرية في صلخد محمد علي غالية الملقب بـ ”أبي شعيب”، والذي يملك نفوذاً أمنياً كبيراً في المنطقة المواجهة للحدود السورية الأردنية.

ويعتبر المدعو مرعي الرمثان المسؤول الأول عن تهريب المخدرات من السويداء إلى الأردن، حيث يقوم الرمثان المدعوم عشائرياً بتجميع المخدرات التي تصله من دمشق عبر طريق البادية في قرى خربة عواد والشعاب وأم شامة، جنوب شرقي السويداء، قبل البدء بتهريبها إلى المملكة.

شرقاً، تتولى مجموعات الدفاع الوطني مهمة توزيع المخدرات في محافظة دير الزور وإدخالها إلى الأراضي العراقية عبر معبر البوكمال، ويشرف على ذلك قائد الميليشيا فراس العراقية، ونائبه خليل العلوان، وقائد القطاع الشرقي حسن الغضبان، إضافة إلى أسامة نجم العبد الله الهباشي القيادي في ميليشيا جيش العشائر الموالية لإيران، والذي يتخذ من قرية العركوشي بريف الرقة مقراً له.

وتشير مصادر “نداء بوست” إلى أن الدفاع الوطني جندت شبكة محلية للترويج ضمن مناطق دير الزور الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وأخرى مهمتها التنسيق مع قيادات في قسد لتهريب المخدرات إلى مناطق سيطرتها، وتجري عمليات التهريب تلك عبر زوارق تعبر بين ضفتي نهر الفرات.

شمالاً، تعتبر المنطقة الشمالية مسرحاً للتنافس بين موردي المخدرات وتحديداً حزب الله ومجموعة القاطرجي، حيث يمتلك الأول عدة خطوط للتهريب أبرزها في بلدتي نبل والزهراء، فمنها تنتقل الشحنات نحو عفرين ليتم توزيعها في ريفي حلب وإدلب وإدخال قسم منها إلى تركيا.

في حين تمتلك مجموعة القاطرجي خطاً يمتد من دير حافر إلى مدينة الباب مروراً بمدينة منبج الواقعة تحت سيطرة قسد، وآخر من منطقة مسكنة نحو الرقة ومنها إلى تركيا والعراق.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن النظام السوري يعمد إلى تهريب المخدرات نحو أوروبا تحديداً من ميناء اللاذقية عبر البحر، مستخدماً مهمات مزورة، ومجنداً لذلك شركات شحن مرخصة في سورية ودول أخرى.

وعقب افتضاح أمره، لجأ النظام السوري إلى طرق مبتكرة لتهريب المخدرات كإخفاء الحبوب في الكابلات الكهربائية، وداخل ثمار الحمضيات، وفي عبوات المتة وحليب الأطفال، حتى وصل به الأمر إلى قسم حبة الفول قسمين ووضع الكبتاغون داخلها، وذلك سعياً منه لمضاعفة أرباحه التي وصلت في عام 2021 إلى نحو 6 مليارات دولار

—————————–

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى