سياسة

عن “عن بيان المجلس العسكري السوري”، محتوى البيان ومقالات مختارة تناولته وخوار مع “العميد مناف طلاس” عن الأمر

العميد مناف طلاس يطرح مرحلة انتقالية في سوريا تشمل جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي بهدف الوصول إلى حل سياسي

هبة محمد

باريس – «القدس العربي»: في مقابلة لـ”القدس العربي” مع العميد مناف طلاس ابن العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري الأسبق، برر فيها غيابه عن الواجهات الإعلامية، وعزا السبب في ذلك إلى “مسؤوليتنا الأخلاقية، وتماهينا المطلق مع قضية شعبنا، قد اقتضى منّا، بل أوجب علينا ألّا نكون مشاركين في العبث بتضحيات السوريين والمغامرين بمصيرهم” مؤكداً رفضه جميع المسارات التي “تحاول الالتفاف على قضيتنا السورية”.

وأضاف: هذا ما يجعلنا نؤكد للجميع بأن مشروع المجلس العسكري انبثق من إرادة السوريين، ولن يكون إلا مشروعاً وطنياً سورياً بعيداً عن أي شكل من أشكال الارتباط أو الوصاية لأية جهة، سواء أكانت دولية أو إقليمية. قضيتنا تجسّد قضية هي غاية في النبل والمشروعية، وكبوتنا أو تعثرنا لا يعني لنا سوى المزيد من اليقين بالنصر”.

دعم خارجي

وفي حوار مع “القدس العربي” تحدث طلاس عن وجود دعم سياسي خارجي للمجلس العسكري، مؤكداً أن الدعم الداخلي والخارجي موجود دائماً وخاصة من ناحية تقبل المشروع والحاجة إليه، وكونه مشروعاً لا بد منه في مسار المرحلة الانتقالية، لافتا إلى أن المجلس العسكري “جزء من الحراك السوري العام بكل تجمعاته” ويعمل مع التجمعات المدنية والسياسية والاقتصادية السورية.

وحول موقفه من مبادرة مدنية التي أطلقها رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري من باريس أكد طلاس دعم المجلس العسكري للحراك المدني.

ولفت العميد مناف طلاس إلى أن المجلس العسكري يعمل حالياً على ترتيب آلية العمل الخاصة به، للمرحلة القادمة وفق الإمكانات الدولية.

وكان الحوار التالي:

■ هل تؤمنون بأن حكم العسكر مازال صالحاً لحكم بلدان تطمح إلى الديمقراطية؟ وهل تعتقدون أن بلداً قدم ملايين الهداء والجرحى واللاجئين حول العالم راغب بحكم العسكر مرة أخرى؟

لم تنجح كل تجارب الحكم العسكري في دول العالم الثالث وخير مثال مآلات ونتائج الحكم العسكري في سوريا، ليس هدفنا العودة إلى الحكم العسكري أو العمل إلى الوصول إليه وإنما نحن سنعمل وفق تخصصاتنا ودورنا القانوني المتبع في كل دول العالم المتحضر وهو جمع السلاح غير المنضبط وحصره بيد المؤسسة العسكرية الوطنية والمحافظة على السلم الأهلي وحماية الاستقرار في المرحلة الانتقالية والمساهمة في توفير البيئة الآمنة لمرحلة التعافي بهدف الوصول إلى حل سياسي وعملية سياسية ذات مصداقية وفق قرارات الأمم المتحدة وتطلعات الشعب السوري.

■ أين يتموضع المجلس العسكري في خضم هذه التجمعات المدنية والسياسية السورية؟

نحن جزء من الحراك السوري العام بكل تجمعاته ولم نطرح المجلس يوماً كبديل عن هذه التجمعات ونعمل وسنعمل مع التجمعات المدنية والسياسية والاقتصادية السورية وفق الأهداف الوطنية المشتركة ودورنا هو مكمل ضمن تخصصاتنا وعلاقاتنا ومهامنا لهذه التجمعات وليس منفصلاً عنها ونساهم معاً في تحسين العمل الوطني المشترك لإيقاف نزيف الدم السوري وتوفير منصة وطنية للعمل المشترك للوصول إلى الحل السياسي العام في سوريا.

■ هل لديكم دعم سياسي خارجي ولماذا لم يظهر خلال ال 12 عاماً الماضية؟

الدعم الداخلي والخارجي موجود دائماً وخاصة من ناحية تقبل المشروع والحاجة إليه، وكونه مشروعاً لا بد منه في مسار المرحلة الانتقالية لكن ظروف عمله وبرامجه بقيت سرية خلال السنوات الماضية بسبب طبيعتها كما أن المشكلات في هذا الجانب ناتجة عن طبيعة التحركات السياسية الداخلية والدولية التي تنعكس على برامج المشروع وأعماله، حيث تمر هذه التحركات بتقلبات حسب طبيعة كل مرحلة وأحياناً تمر بجمود في الداخل والخارج وأحياناً أخرى تتغير بعض تحالفات الدول، وكل ذلك ينعكس على المشروع، لكن حالياً نحن نركز على إعادة ترتيب آلية العمل بحيث تساهم القوى الوطنية السورية بشكل أكبر من السابق في دعم المشروع خاصة مع استراتيجيتنا النضالية الجديدة وإطلاق حركة التحرر الوطني التي تحتاج لزج كل القوى الوطنية السورية فيها سواء العسكرية أو المدنية، وكذلك تساهم الدول المهتمة بأدوات تنفيذ القرار 2254 في هذا الدعم، لأنهم باتوا مقتنعين بالحاجة إلى توفير بيئة عسكرية مساعدة في ضبط السلاح المنفلت وتحسين ظروف المرحلة الانتقالية.

■ التجمعات السياسية الظاهرة حالياً تعد المجتمع السوري بالديموقراطية فبماذا يعده “المجلس العسكري”؟

نحن جزء من التوجه السوري المدني والديمقراطي ودور المؤسسة العسكرية الوطنية في هذا التوجه هو توفير البيئة المناسبة للديمقراطية (ضبط السلاح المنفلت وحماية السلم الاهلي وتوحيد البندقية وتحويلها الى بندقية وطنية وإخراج المليشيات الأجنبية) وبدون تحقيق هذه الأهداف سيبقى الحديث عن أي مشروع مجرد شعارات غير قابلة للتنفيذ وما يحصل في سوريا من أكثر من عشر سنوات مثال على ذلك فالكثير من المشاريع الديمقراطية لم تجد البيئة المناسبة لها بسبب السلاح غير المنضبط والبندقية الموجهة إلى هذه التجمعات والمشاريع الديمقراطية والمدنية وليس حماية الوطن والمواطن.

■ لماذا تحرككم يتوافق مع تحرك الكتل السياسية والمدنية في الداخل والخارج، هل ذلك نابع من الخوف على موقع المجلس العسكري في الخارطة السياسية السورية؟

تحركنا يتوافق مع آمال شعبنا، هناك خطوة ناقصة في سياق التطبيع مع نظام الأسد في مؤتمر القمة العربية، إذ لم يطلب من النظام أي خطوات إصلاحية تتوافق مع تأهيله، ونحن جزء من الخارطة السورية ومن التفاعل الدولي معها ولا يمكن لنا التحرك المنفرد في فترة جمود الآخرين ولا عدم التحرك في فترة تحرك الآخرين فالواجب الوطني ودورنا في الحراك الوطني هو من يفرض علينا توقيت التحركات وآلية التحركات ولسنا خارج هذه الخارطة ولا نخرج عليها، كما أننا لا نحتكر هذا الحراك ولا ندعي ذلك وإنما نتناغم مع توجهات وتحركات التجمعات السورية الأخرى.

■ ماهو موقفكم من مبادرة مدنية وهل ثمة تنسيق مع رئيسها رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري؟

نحن ندعم كل حراك ديمقراطي مدني يراعي تطلعات الشعب السوري ويسعى لتحقيق العدالة والديمقراطية والسلم الأهلي خاصة في هذه الفترة التي يعاني منها المشهد السوري من الضبابية والعطالة.

■ ما هي خطواتكم المقبلة؟

نسعى حالياً الى ترتيب آلية العمل الخاصة بالمجلس للمرحلة الحالية والقادمة وفق الإمكانات الداخلية والدولية المتاحة للعمل في سوريا وخارجها وندرك تعقيدات الملف السوري لكننا ندعم ضرورة التحرك وعدم الانتظار لأن الجمود والانتظار لا يخدمان السلام الدولي والأهلي ولا يساهمان سوى في زيادة المشكلات.

■ هل من خطط لتوحيد الجهود العسكرية في سوريا؟

لا أحد يختلف حول ضرورة توحيد الجهود السورية لكن أيضاً لا أحد يتوقع حصول ذلك بين ليلة وضحاها فما أفسدته سنوات طويلة من الحرب والتدخلات الدولية لا يمكن ترتيبه مباشرة ويحتاج مبادرات متعددة ومشاريع وبرامج ونعمل على ذلك حالياً، نتعثر أحياناً، وأحياناً ننجح لكننا متأكدون من أن الجهود ستتوحد في النهاية لمصلحة الاستقرار في سوريا.

ووجّه طلاس رسالة حيا فيها الشعب السوري وخاطب أعضاء المجلس العسكري “الذين كان لي شرف النضال معهم في إعلان انشقاقهم وانحيازهم إلى ثورة أهلهم، والضباط السوريين الذين اختاروا طرقا أخرى للتعبير عن موقفهم ورفضهم لاستخدام القوة الغاشمة ضد الشعب السوري” ، مؤكدا أن “الثورة بحاجة إلى كيانات وقيادات لديها الاستعداد الدائم للتضحيات والعطاء والقدرة على التماهي مع تطلعات الشعب والعمل بإخلاص لتحقيقها.”

وجاء في الرسالة “في ظل ما يشهده الواقع السوري والإقليمي من محاولات تهدف إلى الالتفاف على ثورة السوريين وتجاوز حقوقهم وتضحياتهم فإن إنشاء حركة تحرر وطني والتنفيذ الفعلي لانتزاع تمثيل السوريين والوصاية عليهم من جميع الأطراف التي وجدت باستمرار المأساة السورية المجال الأرحب لتجريب مواهبها وتجسيد رغباتها ومصالحها ما دون الوطنية وإعادة المبادرة فيما يخص تمثيل السوريين إلى الشعب السوري ذاته، لم يكن لدينا أي شك بفشل أي مسعى يهدف إلى حل عادل للقضية السورية بمعزل عن إرادة السوريين، وعلى الرغم من شيوع الأفكار التي تحاول تعزيز القناعة بأن القضية السورية باتت بأيدي الدول ولم يعد لأصحابها السوريين تأثير وإرادة للتغير، إلا أننا ما زلنا نجدد اليقين بأن الشعب السوري ما  يزال هو صاحب المبادرة الأقوى والأوراق الأكثر فاعلية، شريطة أن يبادر أبناؤه المخلصون إلى طرد الوهن والركون إلى الأوهام التي تحاول التعلق بالمقعد الخارجي، وهذا ما يجعلنا نؤكد للجميع بأن مشروع المجلس العسكري انبثق من إرادة السوريين، ولن يكون إلا مشروعا وطنيا سوريا بعيدا عن أي شكل من أشكال الارتباط أو الوصاية لأية جهة، سواء أكانت دولية أو إقليمية”.

وختم قائلا: قضيتنا تجسد قضية هي غاية في النبل والمشروعية، وكبوتنا أو تعثرنا لا يعني لنا سوى المزيد من اليقين بالنصر.

نص الرسالة

—————————–

أهلنا الأعزاء على امتداد سورية الحبيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحييكم تحية الكرامة، ولا أملك إلّا أن أنحني إجلالاً وإكباراً لجميع تضحياتكم العظيمة على مدى اثنتي عشرة عاما مضت من عمر ثورة الشعب السوري ، وإني إذ أتوجه إليكم اليوم  بهذه الكلمات الموجزة، فليس إلّا لأؤكّد لكم بأنني واحد منكم، متجذّر فيما نعانيه ، وكل عملي ومسعاي، ومنذ انطلاقة ثورة الحرية، هو جزء مما تفكرون به وتعملون لأجله، كما أتوجه بعد التحية لكم ، بأحر التحيات والشكر لجميع زملائي ورفاق دربي الاحرار في المجلس العسكري من ضباط وصف ضباط وأفراد ، هؤلاء الذين كان لي شرف النضال معهم في إعلان انشقاقهم وانحيازهم إلى ثورة أهلهم، والضباط السوريين الذين اختاروا طرقا أخرى للتعبير عن موقفهم ورفضهم لاستخدام القوة الغاشمة ضد الشعب السوري ، وإلى جميع من وقف معنا وآزرنا في تصدّينا لآلة البطش والإجرام التي استهدفت أهلنا السوريين، ولعل ابتعادنا طيلة الفترة السابقة عن الواجهات الإعلامية، وكذلك نأْيُنا عن تصدّر المشاهد ، وعدم مشاركتنا في العديد من الكيانات الرسمية وسواها في المشهد السوري، لا يعني أبداً ابتعادنا عن قضيتنا ولا يعني كذلك بالمطلق تخلّينا عن المسؤولية حيال قضيتنا السورية العادلة، ولكن أؤكد لكم بكل صدق أننا لم نغب بفكرنا وقلوبنا وامكانياتنا وكل أحاسيسنا عما يعانيه شعبنا ، وعما يجري ببلدنا، ولكن مسؤوليتنا الأخلاقية قبل كل شيء، وتماهينا المطلق مع قضية شعبنا، قد اقتضى منّا، بل أوجب علينا ألّا نكون مشاركين في العبث بتضحيات السوريين والمغامرين بمصيرهم، بل ما نؤكّده على الدوام ونقوله بملء الفم: إن الثورة بحاجة إلى كيانات وقيادات لديها الاستعداد الدائم للتضحيات والعطاء والقدرة على التماهي مع تطلعات الشعب والعمل بإخلاص على تحقيقها، أمّا حين تكون الأمور تمضي في سياقات بعيدة عن ذلك، فإن أي كيان أو قيادة ستصبح عبئاً على الشعب السوري. ولعل موقفنا الرافض لجميع المسارات التي تحاول الالتفاف على قضيتنا السورية، وكذلك مقاومتنا لجميع الضغوط الخارجية والداخلية التي حاولت ثَنْيَ إرادتنا وزجنا في المسارات والجوقات العابثة بقضيتنا، لهو تجسيد حقيقي  لموقفنا المبدئي المتمثل باستمرار النضال مع أهلنا السوريين حتى تحقيق أهدافهم بالانتقال من دولة الاستبداد والتسلّط والإبادة والحاكم الأوحد، إلى دولة القانون والعدالة والديمقراطية، وهذا لن يتحقق إلّا بزوال النظام القائم والتنظيمات الإرهابية ، ومحاكمتهم إزاء جميع ما ارتكبوه من جرائم بحق السوريين ، والعمل بكل إصرار على منع تعويمه وإعادة تسويقه من جديد.

أهلنا السوريين الاحرار : في ظل ما يشهده الواقع السوري والإقليمي من محاولات تهدف إلى الالتفاف على ثورة السوريين وتجاوز حقوقهم وتضحياتهم فإن إنشاء حركة تحرر وطني و التنفيذ الفعلي لانتزاع تمثيل السوريين والوصاية عليهم من جميع الأطراف التي وجدت باستمرار المأساة السورية المجال الأرحب لتجريب مواهبها وتجسيد رغباتها ومصالحها ما دون الوطنية، وإعادة المبادرة فيما يخص تمثيل السوريين إلى الشعب السوري ذاته، لم يكن لدينا أي شك بفشل أي مسعى يهدف إلى حل عادل للقضية السورية بمعزل عن إرادة السوريين، وعلى الرغم من شيوع الأفكار التي تحاول تعزيز القناعة بان القضية السورية باتت بأيدي الدول ولم يعد لأصحابها السوريين تاثير وارادة للتغير ، إلّا أننا ما زلنا نجدد اليقين بأن الشعب السوري ما يزال هو صاحب المبادرة الأقوى والأوراق الأكثر فاعلية، شريطة ان يبادر أبناؤه المخلصون إلى طرد الوهن والركون إلى الأوهام التي تحاول التعلق بالمنقذ الخارجي، وهذا ما يجعلنا نؤكد للجميع بأن مشروع المجلس العسكري انبثق من إرادة السوريين، ولن يكون إلا مشروعا وطنياً سورياً بعيداً عن أي شكل من أشكال الارتباط أو الوصاية لأية جهة، سواء اكانت دولية أو إقليمية. قضيتنا  تجسّد قضية هي غاية في النبل والمشروعية، وكبوتنا او تعثرنا لا يعني لنا سوى المزيد من اليقين بالنصر.

العميد الركن مناف طلاس       

قائد المجلس العسكري السوري  

———————————-

عن بيان المجلس العسكري السوري ( 1 )/ حسن النيفي

هل بمقدور السوريين استعادة زمام المبادرة من جديد والمساهمة في صياغة مصيرهم؟ وهل تتيح لهم التدخلات الدولية التي لم تترك من القضية السورية شيئاً إلّا وضعت يدها عليه، أي هامش أو مجال للمشاركة الفاعلة؟ وهل الشعب السوري الذي تناهبته أطياف الشقاء جميعها باتت لديه أي قدرة على أي مبادرة ثورية من شأنها أن تشي باستمرار النضال من أجل الحرية، ألم تتموضع على الجغرافيا السورية أربع سلطات أمر واقع وكلها تمارس على المواطن أشدّ أنواع التضييق والعسف وتمعن في إهانته وإذلاله، فكيف بها ستتيح له حيّز الانطلاقة من جديد؟ ولعل الأهم من ذلك كلّه هو أن المواطن السوري الذي لم يعد يملك سوى التعلّق بمقوّمات وجوده المعيشية في حدّها الأدنى، لم يعد – في الوقت ذاته – في مواجهة نظام متوحّش فحسب، بل هو يواجه عدة قوى سواء منها ما تمثل باحتلالات خارجية أو ميليشيات محلية أو معارضة رسمية لم تعد تختلف بمنظار معظم السوريين عمّا سواها من قوى التسلّط.

    يرى بيان المجلس العسكري أن وجود رأس النظام الإيراني في دمشق تزامناً مع انعقاد قمة جدّة ما هو إلّا دلالة واضحة ليس على انكسار سوري فحسب، بل علامة من علامات الخذلان العربي للقضية السورية

مثل هذه التساؤلات وسواها سرعان ما تتوارد على الأذهان في كل منعطف أو مفصل من المفاصل السياسية العاصفة التي تجتاح حياة السوريين، وتتعزز هذه التساؤلات أكثر حين تتزامن تلك المنعطفات مع مبادرات أو رؤى جديدة تطرحها بعض القوى السياسية ردّاً على ما تواجهه ثورة السوريين من موت أو اندثار، ولعل من أبرز تلك المبادرات أو الرؤى تلك التي تضمنها بيان المجلس العسكري السوري الصادر في السادس والعشرين من شهر أيار الماضي، إذ يشير القائمون على مشروع المجلس العسكري في الشطر الأول من بيانهم إلى المآلات الموجعة للمشهد السوري الراهن سواء من حيث الردّة العربية نحو إعادة العلاقة مع نظام الأسد، أو من حيث تسيّد العصا الإيرانية وقدرتها على إجبار خصوم الأمس بالتسليم لمنطق البلطجة الذي لم يعد هؤلاء الخصوم يرون بدّاً من التصالح معه، باعتبار أن سطوة طهران قد اخترقت مجمل الرهانات المعقودة على الرادع الأميركي، إذ يرى بيان المجلس العسكري أن وجود رأس النظام الإيراني في دمشق تزامناً مع انعقاد قمة جدّة ما هو إلّا دلالة واضحة ليس على انكسار سوري فحسب، بل علامة من علامات الخذلان العربي للقضية السورية.

وفي محاولة لمواجهة هذا المشهد من المأساة السورية يقدّم القائمون على بيان المجلس العسكري وجهة نظر أو مبادرة، وذلك انسجاماً مع ما انطوى عليه عنوان البيان (نحو إستراتيجية نضالية جديدة) وتتضمن تلك المبادرة مسألتين: تتمثل الأولى بضرورة الخروج من الأطر الناظمة للصراع بين المعارضة والسلطة، واعتبار أن (نضال السوريين للتحرر من نظام الإبادة والاستبداد لا يمكن اختزاله بالصراع الراهن بين معارضة لم يبق لها إلّا أدوارها الوظيفية، وبين نظام الأسد، بل يمكن التأكيد على أن ثورة الشعب السوري أصبحت حركة تحرر وطني، ومن حق جميع السوريين العمل على إسقاط النظام الغاصب وبناء دولة القانون والعدالة والديمقراطية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة والمشروعة). ولعل اللافت في الفقرة السابقة المقتبسة من البيان أمران، الأول هو طبيعة (حركة التحرر الوطني) هل تتجسد في جسم سياسي جديد يجبُّ ما قبله من الكيانات التي تصدّرت لتمثيل السوريين؟ أم تتجسّد في قيادة عسكرية فحسب؟ أم كيان قيادي مشترك عسكري ومدني؟ وهل ثمة من نواة لحركة التحرر هذه أم هي في طور التشكّل، وما هو مصدر شرعيتها وآليات تشكيلها؟ أما الأمر الثاني فهو مشروعية نضال السوريين من أجل التغيير من خلال (جميع الوسائل الممكنة والمشروعة) إذ هل يمكن أن تكون المقاومة المسلحة هي إحدى هذه الممكنات؟ أم المقصود بتلك العبارة هو الحراك المدني الذي يمكن أن يصل إلى حالات العصيان المدني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمتلك المجلس العسكري الحامل الشعبي الذي سينهض بهذه المهمة؟

أما المسألة الثانية التي تتضمنها رؤية المجلس فهي التمسك بالقرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية، باعتبارها ضامنة – من الناحية الشرعية – لحق السوريين في الانتقال السياسي، إلّا أن غياب الآليات التنفيذية للقرارات الأممية، باعتبارها غير ملزمة التنفيذ، وكذلك نظراً لقدرة نظام الأسد وحلفائه على الالتفاف الدائم على تلك القرارات نتيجة لغياب الضاغط الدولي، فإن اعتماد السوريين فقط على الإرادات الأممية لن يؤدي إلى نتيجة، بدليل اختزال تلك القرارات بلجنة دستورية مجهولة المصير، وحيال ذلك لا بدّ من العمل على إيجاد مسارات أخرى للمواجهة، فما هي تلك المسارات؟ هل هي عسكرية أم سياسية، أم مواجهات حقوقية كالتي يقوم بها بعض الناشطين الحقوقيين السوريين من خلال تعقب أزلام النظام ممن ارتكبوا جرائم بحق السوريين ومقاضاتهم في دول مختلفة من العالم؟

ربما من حق جميع القوى الوطنية السورية أن تعمل باستمرار على إنتاج رؤى وتصورات من شانها أن تقدّم مقاربات جديدة للقضية السورية، بل لعله من الواجب على الجميع التفكير باستمرار وبطرائق متجددة وعدم الركون للوصفات الجاهزة وحالات الندب وسرد المظلوميات والتذمر من السياسات الدولية الخاذلة وغدر الأصدقاء وتنصّل أبناء الجلدة، ولعل بيان الجلس العسكري كان دقيقاً حين أشار في تضاعيفه إلى الطبيعة الإبداعية للثورات وقدرتها على تجديد وسائلها النضالية باستمرار، وإن كان من الصحيح أيضاً أن قدرة أي ثورة على تجديد ذاتها وحيويتها باستمرار مشروط بتوافر حواملها الموضوعية المستندة إلى معطيات فعلية وليست كامنة في حيّز الرغبات فحسب.

    صدور البيان جاء متزامناً مع حراك سياسي عربي وإقليمي لم تكن القضية السورية بعيدة عنه، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عن إمكانية وجود أي صلة مباشرة لهذا البيان بجهة دولية محددة أم أنه بعيد عن تلك السياقات

ما جاء في بيان المجلس العسكري جدير بالتوقف عنده وقراءته قراءة دقيقة، خاصة وأن مجمل ما جاء به من أفكار، كان متداولاً هنا وهناك منذ سنوات، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تأتي هذه الأفكار ضمن رؤية تصدر بصفة رسمية عن مكوّن سوري مناهض لنظام الأسد، أضف إلى ذلك أن صدور البيان جاء متزامناً مع حراك سياسي عربي وإقليمي لم تكن القضية السورية بعيدة عنه، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عن إمكانية وجود أي صلة مباشرة لهذا البيان بجهة دولية محددة أم أنه بعيد عن تلك السياقات، وبعيداً عن الذهاب في إطلاق الأحكام المسبقة أو مصادرة الآراء، يمكن القول: لقد كان سياق البيان قد اتسم بطابع التعميم وعدم الوقوف عند تفاصيل الأفكار وجزئياتها، ما جعله يحمل طابعاً نظرياً على الأغلب، ولعل هذا ما يستدعي من أصحاب المشروع المزيد من التوضيح وجلاء ما كان غامضاً أو مثار تساؤل من جانب السوريين، ولعلهم يفعلون.

———————————-

بيان صادر عن المجلس العسكري السوري

نحو استراتيجية نضالية جديدة

مُنيَ المشهدُ السوري بعد زلزالِ السادس من شباط الماضي بارتداداتٍ سياسيةٍ عاصفة على المستويين العربي والإقليمي، لعلّ في طليعتها الانعطافةَ العربيةَ نحو التطبيعِ مع نظام الأسد، جاء ذلك بالتوازي أيضاً مع تغيّرات سياسية إقليمية كان لها أثرٌ واضحٌ على تداعيات المشهد السوري، ونعني بذلك التفاهمات التي أُبرمتْ بين إيران والسعودية، وبرعاية صينية، بل يمكن التأكيد على أن ما استجد بين الرياض وطهران كان له التأثير الأكبر على صيرورة التطبيع العربي مع الأسد، ولعل هذا الدور الريادي لإيران قد تجسّد بوجود رأس النظام الإيراني إبراهيم رئيسي في دمشق في الثالث من شهر أيار الجاري في زيارة جاءت موازية من حيث التوقيت لحراك عربي تقوده السعودية، يسعى لإعادة العلاقات مع نظام الأسد.

ولئن كان كل ما جرى من استدارات سياسية وتبدّل في المواقف العربية والإقليمية حيال نظام دمشق ليس وليدَ اللحظةِ الراهنة، وإنما كانت معظمُ إرهاصاته قد توضحت بالتدريج منذ أواخر العام 2015، ولكن هذا التدرّج ما كان ليحول دون أن يشعر السوريون بصدمة مباغتة كانت باعثاً لمزيد من الشعور بالخذلان العربي والإقليمي الصديق للقضية السورية.

إننا في المجلس العسكري السوري – إذ لا يمكننا تجاهل مشاعر الخذلان لدى أهلنا السوريين، وكذلك إذ نتفهّم جيداً ردود أفعال أهلنا الثائرين على نظام التوحّش والاستبداد، التي تجسّدت في خطاب الشارع الثوري الساخط على السياسات العربية حيال قضيتهم الوطنية، وكذلك إذ نؤكد على أحقية أصحاب القضية في التعبير عن عمق معاناتهم وما تعرضوا له من حيف إزاء مقايضة تضحياتهم العظيمة بالمصالح الأمنية للدول، ولكننا نؤكّد أيضاً على ان الركون إلى ردود الأفعال الساخطة والاكتفاء بسرد معالم المأساة السورية لن يكون سوى تعزيز لتلك المأساة، وإنما ندعو جميع القوى الوطنية السورية، وبكل انتماءاتها وتشكيلاتها إلى الخروج من أنفاق المسارات الراهنة ومغادرة الأطر التي باتت رهينة الإرادات الخارجية، والعمل على إيجاد إستراتيجيات نضالية جديدة أكثر فاعلية في مواجهة نظام الطغيان من جهة، وأكثر قدرة على التمسّك بالمصلحة الوطنية السورية وتحاشي الوصاية والارتهان للخارج من جهة أخرى، وإن كنا ندرك ان الواقع الميداني السوري وتعدد سلطات الامر الواقع بات عاملاً مؤثراً في تضييق الخيارات أمام أهلنا الثوار، ولكن في الوقت ذاته لدينا إيمان عميق بقدرة الثورات ذات القضايا العادلة على الخلق والإبداع، فالثورة فعل إبداعي سواء على المستوى الفكري أو السياسي أو العسكري، وهي قادرة على تجديد مستمر لوسائلها وآلياتها النضالية. وبناء على رؤيتنا هذه، فإننا نرى أن العبور من الأنفاق الكابحة للعمل الوطني والمتمثلة بالكيانات الرسمية للمعارضة ولواحقها، نحو أطر نضالية جديدة، لا بدّ أن يتأسس على مفهومين:

الأول: نضال السوريين للتحرر من نظام الإبادة والاستبداد لا يمكن اختزاله بالصراع الراهن بين معارضة لم يبق لها إلّا أدوارها الوظيفية ، وبين نظام الأسد، بل يمكن التأكيد على أن ثورة الشعب السوري أصبحت حركة تحرر وطني، ومن حق جميع السوريين العمل على إسقاط النظام الغاصب وبناء دولة القانون والعدالة والديمقراطية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة والمشروعة.

الثاني: إن سعي السوريين نحو إيجاد وسائل واستراتيجيات نضالية متجددة لا يعني تخلّيهم عن حقوقهم التي تضمنتها القرارات الأممية (جنيف1 – 2018 – 2254)، ولكن في ظل عطالة المسارات السياسية والالتفاف عليها من جانب نظام الأسد وحلفائه، فمن حق السوريين العمل ضمن مسارات أخرى لتضع حدّاً لتفلّت النظام ومشاغلاته للمرجعيات الأممية والمجتمع الدولي.

إن المجلس العسكري السوري إذ يثمّن جميع المواقف الدولية الرافضة لتسويق الأسد وإعادة تعويمه، وفي مقدمتها الموقف الأوربي والأمريكي، فإنه يؤكّد أيضاً للجميع بأن المخاطر الناجمة عن بقاء سلطة الأسد وتعويمها من جديد لن تبقى محصورة في الحيّز السوري أو العربي، بل إن تكريس نظام الأسد سيكون تكريساً لتصنيع الإرهاب بشقيه تنظيمات جهادية عابرة للحدود وجريمة منظمة، وتصديره إلى جميع بقاع العالم، الأمر الذي يؤكد بعمق على أن ثورة السوريين للتحرر من نظام الأسد هي ثورة وثيقة الجذور ببعدها الأخلاقي والإنساني العام.

المجلس العسكري السوري

———————————-

مناف طلاس يحاول إنعاش طرح مثير للجدل “ولد ميتاً

طرح العميد المنشق عن قوات النظام السوري، مناف طلاس “مرحلة انتقالية في سورية تشمل جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي بهدف الوصول إلى حل سياسي”.

وجاء ذلك في حوار مع صحيفة “القدس العربي“، اليوم السبت، إذ تحدث طلاس أيضاً عن ترتيب آلية العمل الخاصة بـ”المجلس العسكري”، وفق الإمكانات الدولية.

ولطالما أثار اسم مناف طلاس خلال السنوات الماضية الكثير من الجدل، وكذلك الأمر بالنسبة لـ”المجلس العسكري” الذي لا تعرف الأسماء المشكّلة له، ومدى فاعليته على أرض الواقع.

ويقيم ابن وزير الدفاع الأسبق، مصطفى طلاس في العاصمة الفرنسية باريس، ومنذ انشقاقه غاب عن الأضواء الإعلامية والسياسية والعسكرية.

ومع ذلك حاول صحفيون وضباط مقربون منه إثارة فكرة “المجلس العسكري” والدول الذي قد يلعبه طلاس “في سورية المستقبل”، بين عام وآخر.

ماذا يريد طلاس؟

وقال في حواره مع الصحيفة: “ليس هدفنا العودة إلى الحكم العسكري أو العمل إلى الوصول إليه، وإنما نحن سنعمل وفق تخصصاتنا ودورنا القانوني المتبع في كل دول العالم المتحضر”.

وأضاف أن طرحه يشمل “جمع السلاح غير المنضبط وحصره بيد المؤسسة العسكرية الوطنية، والمحافظة على السلم الأهلي، وحماية الاستقرار في المرحلة الانتقالية، والمساهمة في توفير البيئة الآمنة لمرحلة التعافي بهدف الوصول إلى حل سياسي وعملية سياسية ذات مصداقية وفق قرارات الأمم المتحدة”.

وأوضح أنهم “يركزون على إعادة ترتيب آلية عمل المجلس العسكري، بحيث تساهم القوى الوطنية السورية بشكل أكبر من السابق في دعم المشروع”.

وتحدث من جانب آخر عن نية “إطلاق حركة التحرر الوطني التي تحتاج لزج كل القوى الوطنية السورية فيها سواء العسكرية أو المدنية”.

ولا يوجد أي وزن عسكري أو سياسي معلن لمناف طلاس على الأرض، فيما تتحدث تقارير إعلامية عن وجود ضباط ينتهجون فكره في مناطق الشمال السوري، الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة.

وتأتي إطلاله العميد المنشق في وقت تتجه الأنظار إلى مآلات الحل السياسي المتعلق بسورية، ولاسيما بعدما أعادت دول عربية علاقاتها مع نظام الأسد، وفق مقاربة “خطوة مقابل خطوة”.

“ولدت ميتة”

وفي مطلع عام 2021 كانت فكرة “المجلس العسكري” المرتبط بطلاس قد ترددت على نحو كبير، وارتبطت باسم “منصة موسكو” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وبدأت القصة عندما نشر صحفيون وشبكات إعلامية معلومات أفادت بنية بعض الضباط تشكيل “مجلس عسكري” في سورية، على رأسهم العميد مناف طلاس.

وبينما لم يصدر أي تعليق من جانب العميد المنشق، اتجه عدد من الضباط إلى الترويج لهذه الفكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض التقارير الإعلامية.

ومن أبرز التقارير التي تناولت الأنباء، حينها، صحيفة “الشرق الأوسط”، من خلال حديثها عن “وثيقة”، قالت إن معارضون من منصتي موسكو والقاهرة قدموها لتنفيذ القرار “2254”.

وقدمت الوثيقة اقتراحاً بـ”تشكيل مجلس عسكري” خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها.

لكن “منصة موسكو” نفت في ذلك الوقت المعلومات بشكل قاطع واعتبرت أن فكرة “المجلس العسكري ولدت ميتة”.

بدوره أوضح الفنان جمال سليمان أحد أعضاء “منصة القاهرة” أنه طرح فكرة “المجلس العسكري” بشكل شخصي في زيارة له لموسكو.

ونفت روسيا، في وقت سابق وجود أي محادثات حول “المجلس العسكري”.

وقال مبعوث بوتين إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، في 16 فبراير/شباط 2021 إنه لا توجد أي محادثات حول “المجلس العسكري” في سورية.

وبحسب لافرنتيف، فإن الحديث عن تشكيل مجلس عسكري هو “تضليل متعمد يهدف لنسف المحادثات والعملية السياسية” السورية.

في المقابل أعلنت ” قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بموازاة التصريحات السابقة أنها تواصلت مع مناف طلاس بهدف التوصل لتفاهمات ترضي جميع الأطراف، وأبدت جاهزيتها للمشاركة بالجسم العسكري.

وقال المتحدث الرسمي لقوات “قسد”، غابرييل كينو، إن “تشكيل المجلس العسكري خطوة أساسية للحل في سورية”.

وأضاف: “ننظر بعين الثقة إلى العميد طلاس وليس لدينا مشكلة حوله أو معه وثقتنا به كبيرة”

==================

تحديث 16 حزيران 2023

—————————

ماذا يريد مناف طلاس والأصفري…؟/ عمر قدور

من باريس أتت في الأيام الأخيرة الأخبار السورية غير الرتيبة، ففيها عُقد قبل أسبوع مؤتمر منصة “مدنية” الجامعة لما يزيد عن 180 منظمة مدنية سورية، ومن مكان إقامته في باريس أطلق مناف طلاس قبل ثلاثة أيام “رسالة إلى الشعب السوري”. نضيف إلى الحدثين لقاءين آخرين سيُعقد واحد منهما في باريس أيضاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بينما سيُعقد الثاني خلال أيام في مدينة أوروبية أخرى، والمصادفة “وحدها؟” تشير إلى احتمال صدور مبادرة “وثيقة-بيان” عن اجتماع باريس، بينما الاجتماع الثاني ما يزال في طور تداول الأفكار.

أطلق العميد مناف طلاس رسالته بصفته “قائد المجلس العسكري السوري”، والمجلس المذكور أثار لغطاً حول الإعلان عن أنشطته قبل شهور، ثم تلاشت الضجة التي رافقت ظهوره. وكان المجلس، في 25 أيار الفائت، قد أصدر بياناً على خلفية التطبيع العربي مع الأسد، انتقد فيه المعارضة التي “لم يبقَ لها إلا أدوارها الوظيفية”، مؤكّداً على “أن ثورة الشعب السوري أصبحت حركة تحرر وطني، ومن حق جميع السوريين العمل على إسقاط النظام الغاصب وبناء دولة القانون والعدالة والديموقراطية، وذلك من خلال جميع الوسائل الممكنة والمشروعة”. لينوّه البيان في فقرته الأخيرة بالمواقف الدولية الرافضة لتسويق الأسد وإعادة تعويمه، وفي مقدمها الموقف الأوروبي والأمريكي.

في حوار نُشر في جريدة القدس العربي، حول رسالته التي حملت مضامين بيان المجلس وأتت كأنما بهدف إعطاء زخم إضافي له، أكّد طلاس على أن “الدعم الداخلي والخارجي موجود دائماً وخاصة من ناحية تقبّل المشروع والحاجة إليه”. والرسالة المتضمنة في وجود الدعم الخارجي واضحة جداً، ونميل إلى تصديقها، فالغاية منها القول أن مشروع المجلس العسكري يحظى بمصداقية لدى قوى فاعلة في سوريا؛ تحديداً الولايات المتحدة وأوروبا. ما يجعلنا نميل إلى التصديق، من دون مبالغة، أن طلاس بعد مغادرته سوريا نأى بنفسه عن أطر المعارضة السياسية والعسكرية، رغم صعودها آنذاك والعروض التي قُدِّمت له ليكون من ضمنها، ولا يستقيم منطقياً أن يرفض ما كان يحظى بالدعم ليعود إلى الساحة بلا دعم؛ هذا لا ينسجم أيضاً مع ما هو معروف عنه.

لم تنل رسالة طلاس الانتباه الذي ربما كان يتوخّاه، وهو ما يعود إلى حالة اليأس العامة في أوساط السوريين، والتي تجعلهم مُضرِبين عن التفاعل، وحتى عن المتابعة. نسجّل مثلاً أن قولاً عنصرياً تجاه السوريين، منسوباً إلى اللبنانية نضال الأحمدية، أثار تفاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعي يفوق ما أثاره العديد من الأحداث السورية أو المؤثّرة سورياً. في المعلن على الأقل، مرَّ بقليل جداً من التفاعل مؤتمر منصة “مدنية”، وأقلّ منه التفاعل مع رسالة طلاس. هذا في العلن، أما في العالم الموازي لوسائل التواصل، عالم المجموعات وغرف المحادثة المغلقة، فقد حضرت أخبار المنصة والرسالة مع غلبة التحفظ والتشكيك إزاء الاثنتين، من دون اتخاذ مواقف عدائية منسّقة يحملها إلى العلن أفراد من تلك المجموعات، حتى الآن.

ولو شئنا التعبير بصرامة، لما رأينا اليأس مبرراً كافياً لعدم خوض نقاش عام حول الحراك الجديد، ونذكر هنا أن طلاس في حواره مع “القدس العربي” ينوّه بأن رسالته وما يعتبره تحركاً للمجلس العسكري هما من ضمن حراك سوري يحدث الآن، وأشرنا إلى جزء منه في مستهل المقال. لقد طالب سوريون منذ سنوات بالحراك السياسي، خارج أطر المعارضة المعروفة، وطالبوا بأن يكون تواجده بعيداً عن القوى الإقليمية التي تُمسك بأطر المعارضة، وطبّعت أو في طريقها إلى التطبيع مع الأسد. واليوم ثمة حراك سوري بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد لا يكون هو المنتَظر أو المأمول، لكن تركه خارج النقاش لن يساهم في جعله أفضل، أو في التمهيد للأفضل.

من أسباب التحفّظ المسبق بروز التساؤل عمّا يريده طلاس وأيمن الأصفري، والسؤال التقليدي: لماذا الآن؟ الأول منهما كان مقرّباً من بشار الأسد، وابناً لوزير الدفاع الأطول مدة خلال حكم العائلة، أما الثاني فهو ثري سوري مغترب دخل في أعمال ومقاولات في سوريا قبل الثورة، ساعدته عليها علاقة جيدة ببشار الأسد، ويقول مقرّبون منه أن استثماراته كانت هي المدخل لتلك العلاقة التي لا مفرّ منها لأي مستثمر، وأنها شهدت فتوراً لمطالبته يوماً بإطلاق سراح المعارض الراحل ميشيل كيلو.

رغم أن ثروة الأصفري ليست محل استهجان، كالثروة الضخمة التي يُتوقّع أن يكون مناف قد ورثها من أبيه، فإن المناخ السائد لدى السوريين يميل بشدة إلى هجاء الثراء ولا يثق بأصحابه، مع ندرة شديدة جداً من الأثرياء الذين قدّموا للفضاء العام نموذجاً يستحق الاحترام. في الأصل قضى انقلاب البعث على فلول الإقطاع وبدايات البرجوازية الوطنية، ولم يبقَ في الساحة سوى أثرياء السلطة وقلة من الأثرياء القدامى قبِلت بشروط اللعبة وبالشراكة مع حيتان السلطة الجديدة في عهدها الأسدي. ذلك يفتح على السؤال عن مصادر التمويل “الوطني” المحكومة تماماً بهذا الواقع، وحيث يكون البديل تمويلاً خارجياً لا ينجو بدوره من التساؤل عن مراميه “الخبيثة”. جدير بالذكر أن الأخير ألقى عليه كثر مسؤولية إفساد المعارضة، عبر تمويل هياكلها السياسية والعسكرية ومنظمات المجتمع المدني!

ومن التحفّظات الأخرى على طلاس والأصفري القول أنهما يسعيان إلى السلطة، وفي حوارين منفصلين للاثنين، نشرتهما جريدة القدس العربي في السادس والتاسع من هذا الشهر، نفى كلّ منهما أن يكون طامعاً في السلطة إذا أزيح الأسد عنها. وهذه كما نعلم تهمة سورية تقليدية، دأب على ترويجها إعلام الأسد ومخابراته كأنها وصمة، بينما دأب على نفيها المعارضون منذ عهد ما قبل الثورة! وليت الاثنين أو واحداً منهما قال أنه يريد الوصول إلى السلطة، وأن هذا حقٌّ له ولأيّ سوري آخر ضمن التنافس الديموقراطي المنشود. لو فعل أيّ منهما ذلك لقدّم للمتابعين تمريناً ذهنياً مختلفاً عن التشكيك في صدق ما يقول، تمريناً ربما يساعد على تخطي التكاذب المعمم في ما يخص التعفف عن السلطة. ومن الطريف أن يُتّهم الأصفري بإنشاء تكتل لمنظمات المجتمع المدني ينحرف بها إلى ممارسة السياسة التي ينبغي ألا تخوض فيها، رغم أن فرنسا التي انعقد فيها لقاء “مدنية” تقود فيها النقابات حالياً أقوى عملية اعتراض “سياسية في الجوهر”، مع تراجع ملحوظ في فعالية الأحزاب التقليدية.

بالتأكيد لن نضع نفسنا في معرض تبديد التحفظات على طلاس والأصفري، بل نفضّل الانطلاق منها ومن تصديقها، فنفترض أننا أمام حالتين لطامحين إلى السلطة، لديهما الثروة والدعم الخارجي. وعلى ذلك، فليطرح أفراد “حزب الكنبة السوري” الأوسع انتشاراً على أنفسهم الأسئلة الواقعية حقاً، لا الصورة الافتراضية لما ينبغي أن تكون عليه المعارضة والتي يكذّبها الواقع المزري لهياكلها الموجودة. وربما، لو فعلوا، يكون بين الأسئلة الأولى: لماذا لا يتنازل بعضٌ من أصحاب العفة والعصمة بالدخول في ميدان العمل، بدل الاسترخاء على الكنبة وانتظار مجيء “معارضة الأحلام” على فرس أبيض؟

المدن

—————————-

برهان غليون: تطبيع السعودية هدية مجانية للنظام والمعارضة تتسابق إلى تصدر المنصات

غسان ياسين

في كانون الأول 2022، حدث أول لقاء علني ورسمي بين وزير الدفاع التركي (السابق) خلوصي أكار، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، وبدأ ما يمكن تسميته بمسار جديد قائم على التعامل مع بقاء بشار الأسد في حكم سوريا من قبل دول الإقليم، هذا التطبيع التركي كان بوابة لتسريع تطبيع عربي انتهى بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

في مقابل موجة التطبيع تلك، كانت هناك محاولات سورية لتحريك المياه الراكدة وحدثت عدة لقاءات بين أقطاب المعارضة في العاصمة القطرية الدوحة، وفي فرنسا أطلق رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري مشروعاً جديداً باسم “مدنية”.

وبعد انقطاع لسنوات عقدت هيئة التفاوض اجتماعاً في جنيف، وأصدر العميد المنشق مناف طلاس بياناً عاود فيه الحديث عن مشروع المجلس العسكري، وبناء على هذه المعطيات نود في موقع “تلفزيون سوريا” معرفة موقف المفكر والسياسي السوري برهان غليون من النشاطات السياسية الجارية مؤخراً:

حدثنا عن اجتماعات الدوحة الأخيرة ما هو الهدف منها وهل توصلتم إلى شيء أم أن المباحثات واللقاءات مستمرة؟

صحيح. اجتمعت منذ فترة بعض الشخصيات السياسية والثقافية فيما يشبه حلقة نقاش للتداول في وضع القضية السورية وما يمكن عمله لانتشالها من التجاهل الذي آلت إليه، في محاولة لكسر حلقة الاستعصاء الذي تشهده مسألة تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 منذ سنوات. وهذا النقاش مستمر بطرق مختلفة. وما تزال هناك صعوبات في التوصل إلى الاستنتاجات النهائية بسبب تباين توجهات الأفراد ونقاط تركيزهم وزوايا نظرهم وربما عدم تحرر بعضنا من الأوهام القديمة حول دور الدول الأجنبية ونيّاتها. والغاية من كل ذلك بلورة استراتيجية عمل سورية مستقلة تقوم على توحيد القوى وتعبئة الجهود لتشكيل قوة سورية سياسية قادرة على نيل ثقة الجمهور السوري والعالمي معاً. مما يستدعي تجاوز التجاذبات الشخصية والفئوية التي عطلت جهود المعارضة السورية خلال السنوات الماضية.

وللأسف لم ننجح بعد في التغلب على عقلية المنصة التي يتبارى في إنشائها بعض الأفراد لتعظيم قدرتهم التفاوضية داخل المعارضة نفسها مقابل المجموعات الأخرى. ولم نتمكن من القضاء على التعلق العنيد بوهم الحل الدولي والرهان على التفاهم الروسي الأميركي لفرض تطبيق قرار 2254 وعلى عدم الثقة بكل ما عدا ذلك، أي بقدرة السوريين على العمل بأنفسهم وتطوير مبادراتهم الخاصة.

كيف ترى عودة رجل الأعمال أيمن الأصفري من بوابة المجتمع المدني وكيف تقيم “مدنية”؟

أنا أفضل أن أرى في هذا اللقاء الذي حصل في باريس بداية هذا الشهر (حزيران 2023) تجمعاً مفيداً لمنظمات المجتمع المدني السورية وتعزيزاً لدورها وارتقاء بمستوى تعاونها والتنسيق فيما بينها لتحسين أدائها وتعزيز قدرتها على الاستجابة للأوضاع المأساوية التي يعيشها المجتمع السوري. ولا أرى في عودة أيمن الأصفري رجل الأعمال السوري المعروف إلى الساحة السياسية أي بأس. بالعكس نحن نريد من كل الشخصيات التي تمتلك رصيداً ونفوذاً من أي نوع، مالي أو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي، الانخراط ما أمكن في العمل العام وتحمل مسؤولياتهم أمام شعبهم ومساعدته على الخلاص من الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا اليوم.

ليت رجال الاعمال الآخرين يحذون حذوه. أخذ بعض النقاد على السيد الأصفري ترؤسه للشبكة المدنية الجديدة وهو رجل أعمال، وتمنى بعضهم عليه أن يبقى حراً ويترك الرئاسة لمجلس منتخب من قبل المنظمات المدنية، ولو فعل ذلك لوفر على نفسه هذا النقد. لكنه قبل المخاطرة بوضع نفسه في الواجهة وهذا خياره وينبغي أن نتمنى له النجاح.

ما هو تقييمك للخطوة السعودية بإعادة علاقات الرياض مع النظام بشكل كامل وأيضاً ومساهمتها بإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام؟

من وجهة نظرنا هذه هدية مجانية لنظام مجرم ما يزال يرفض حتى الآن الاعتراف بأخطائه وتصحيح سياساته الكارثية. لكني لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تجهل طبيعة النظام والجرائم التي تكبله والتي غالباً ما وصفت من المنظمات الحقوقية الدولية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية.

لا أعتقد أن تطبيع الرياض مع نظام الأسد لمساعدته على مسح جرائمه وتمكينه من الاستمرار في عدوانه على الشعب السوري. حسب ما تفيد التصريحات السعودية والعربية أيضاً، بل يتعلق الأمر باعتراف بالأمر الواقع لاستئناف علاقات مع نظام مارق وفي تحالف ضد العرب أنفسهم، في سبيل دفعه إلى التحرك على طريق تطبيق القرار الدولي 2254 على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

ليس لدى السوريين أية أوهام بأن الدافع إلى هذا الاعتراف هو الحفاظ على مصالح الرياض الأمنية والاستراتيجية. ونحن لا يمكننا، مهما بلغ عمق جراحنا، أن نحدد للدول حتى الشقيقة مصالحها. كل ما يمكننا عمله هو أن نسعى مع هذه الدول إلى أن لا يكون ذلك على حساب مصالح الشعب السوري الذي لا يزال نصفه في المنافي ومخيمات اللاجئين والنصف الآخر يعيش تحت حد الفقر وفي ظروف لا إنسانية. ومن أجل أن يكون لمسعانا أثرٌ ينبغي أن نظهر أيضاً أننا قوة وأننا قادرون على التصرف كشعب والتدخل المنظم في قضيتنا وما يجري من حولنا، في السياسة والإعلام والعمل المدني والعمل العسكري أيضاً. وهذا يستدعي أن نخرج من سباتنا السياسي ونتحرك في اتجاه بناء قوة سياسية قادرة على تحريك الرأي العام وشحذ إرادة السوريين وإعادتهم إلى ساحة معركة التغيير التي لم تنته ولن تنتهيَ قبل أن يتحقق رحيل نظام القهر والعنف والجريمة. وبالرغم من أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجامعة العربية ودمشق جرعة من الأوكسجين السياسي لنظام في حالة نفوق واحتضار طويل إلا أنها لم ولن تستطيع أن تعيد إليه الحياة. ولا أعتقد أن هذا هو القصد من ورائها أيضاً.

هل من نتائج مرجوة من هذا التقارب العربي مع النظام بعد بيان لقاء عمان الوزاري وبيان القمة العربية؟

أنا أعتقد بالعكس أن عزلة النظام وانسداد الطرق والخيارات أمامه لم يبرزا في أي حقبة سابقة كما يبرزان بعد عودة الاعتراف العربي به. والسبب أن الوهم الذي كان يسوقه النظام للسوريين بقرب الانفراج وتطوع الخليج بإعادة الإعمار قد سقط. ولم يخف وزير خارجيته ذلك في تصريحه الأخير بأن النظام قام بمئة خطوة (هكذا) ولم ير في مقابل ذلك أي خطوة عربية. باختصار سقطت ورقة الرهان على “التطبيع العربي” ومعها وهم الانتصار الذي لم يكف أنصار الأسد عن ادعائه والتغني به وانتظار عوائده. وما من شك في أن النظام كان يعتقد أن الاعتراف سوف يعيده إلى الحياة ويقدم لها خشبة الخلاص بتمويل إعادة الإعمار وتوفير الأموال للحاشية الملتحقة به من الشبيحة ورجال المافيا. فعاد الآن يطلب قروضاً جديدة على وجه السرعة من روسيا وإيران تحفظ الحد الأدنى من حاجاته.

مناف طلاس يصمت طويلاً ثم يذكرنا كل فترة بمجلسه العسكري، ما هو تعليقك على بيانه الأخير وعلى فكرة وجود مجلس عسكري؟

لا يوجد سوري معارض لنظام الأسد لا يرحب بوجود مجلس عسكري يقدم يد العون للشعب السوري وللمعارضة السياسية ويعزز موقفهما في مفاوضات تحاول الأمم المتحدة منذ 12 عاماً إطلاقها من دون جدوى للتوصل إلى حل سياسي ومخرج من المحنة الدائمة التي وضعت فيها البلاد.

كما لا يوجد معارض مخلص لم يكن يتمنى أن يلعب العميد مناف طلاس، ابن المؤسسة العسكرية القائمة، دوراً مركزياً في تعبئة الضباط المنشقين وتنظيمهم وزجهم في الصراع الدائر منذ سنوات طويلة مع إخوتهم الثائرين للخلاص من نظام الإبادة والإجرام. ولو حصل ذلك لجعل من العميد إضافة كبيرة لقيادة المعارضة. المشكلة أن السياسة قبل أن تكون فكرا هي ممارسة عملية على الأرض وفي كل الميادين اليومية. ولا تغني الفكرة في السياسة عن الفعل. ولا يمكنها أن تولد جسماً عسكرياً ولا سياسياً. ومع ذلك ما يزال الشعب السوري يتمنى وينتظر أن يجد العميد طلاس وضباطه طريقهم العملي للانخراط في معركة ما تزال بالرغم من مرور أعوام طويلة عليها عصية على الحسم.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على تجميد-تعطيل هيئة التفاوض اجتمعت مؤخراً في جنيف، كيف ترى هذه الخطوة؟

يعبر ذلك عن رغبة بعض مسؤوليها ومسؤولي الدول المستثمرة فيها في إثبات الوجود بعد أزمة داخلية عميقة وهجوع طويلين، وليس نتيجة انفتاح أي أفق جديد لمفاوضات تستخدم لتمرير الوقت وتمديد الوضع القائم.

بعد فوز حزب العدالة والتنمية وحلفائه بالبرلمان والرئاسة كيف ترى مسار العلاقة بين تركيا والنظام؟

لا أعتقد ان هناك تغييراً سريعاً منتظراً في السياسة التركية تجاه سوريا من هذا الفوز. فالأهداف التركية لن تتغير سواء ما تعلق منها بتقييد حركة قسد وميليشياتها أو بترحيل اللاجئين السوريين أو القسم الأكبر منهم، ولو أن ذلك سوف يكون بأقل ما يمكن من الضجيج الذي استثمرت فيه المعارضة التركية.

وفي المقابل سوف تستمر المساعي الروسية لدفع الطرفين إلى التعاون والتفاهم لكن من المستبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع يقف ضده الأميركيون ويخشاه الإيرانيون ولا يرحب به النظام.

بالعكس يريد هذا الأخير استغلال حالة النزاع مع أنقرة للتغطية على أوضاعه الداخلية وحرف الأنظار عن التوسع والتمدد المستمر لإيران في سوريا في جميع الميادين وبسط وصايتها على سوريا وسيطرتها على مقاليد الأمر في البلاد وعلى أهم المواقع الاستراتيجية فيها.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا لم ينعكس هذا العداء الغربي لروسيا على وضعنا كمعارضة سورية في مواجهة الروس. هل من الممكن أن نستفيد لاحقاً من هذه الحرب؟

الذين توقعوا أن تخدم الحرب الأوكرانية القضية السورية هم من كان يراهن دائماً على التدخلات الغربية لحسمها. فسودوا الاعتقاد بأن انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية سوف يدفعها إلى التقليل من اهتمامها بسيطرتها الجيوستراتيجية على سوريا.

وقد منّى البعض أنفسهم أيضاً بسحب موسكو بعض جنودها لزجهم في المسرح الأوكراني. والحال أن الكتلة الغربية اعترفت منذ بداية الأحداث السورية الكبرى بوصاية روسيا على الدولة السورية ونفوذها فيها، وتفاهمت مع موسكو لدفعها للتدخل لوضع حد للثورة وما تمخض عنها من صراعات داخلية وخارجية.

بالعكس أعتقد أن هذه الحرب همشت كلياً الاهتمام بالقضية السورية دولياً. ولا ينبغي لنا أن نغش أنفسنا بالمواقف السياسية العلنية من هنا وهناك. تحولت سورية لقضية إنسانية فحسب وثانوية سياسياً . وحتى في هذا المجال سنشهد انحساراً كبيراً للدعم الإنساني مع تراكم مآسٍ أخرى جديدة في بلدان مأزومة جديدة. وفي اجتماع بروكسل الأخير للمانحين قلصت المعونات المقدمة للسوريين إلى نصف حجمها في العام الماضي.

وحتى في حال دخول الغرب وروسيا في مفاوضات لإنهاء الحرب الأوكرانية، وهذا ما يزال بعيد الاحتمال، ليس من المؤكد أن ينعكس ذلك إيجابياً على سوريا. فليس هناك ما يمكن للغرب أن يقدمه مجاناً لروسيا أفضل من الاعتراف بنفوذه وأسبقية مصالحه في سوريا المنكوبة.

سوريا اليوم هي كرة النار التي لا يريد أحد أن يمسك بها أو ينتزعها، وإنما أن يحمي نفسه من مخاطر تطوراتها ويستخدمها مسرحاً لحروبه ومواجهاته الخارجية. وما لم ينجح السوريون في الوقوف على أقدامهم وإعادة توحيد صفوفهم وبناء قوتهم الذاتية، أي ما لم يصبحوا فاعلين في واقعهم وعلى أرضهم سوف تبقى سوريا كما هي اليوم مزرعة لميليشيات ممولة وموجهة من الخارج، وفي مقدمها ميليشيا نظام الأسد، وساحة لحروب الوكالة الإقليمية والدولية. 

وهذا ما ينبغي أن يكون هدف أي نشاط سياسي سوري في الأشهر وربما السنوات المقبلة. من دون ذلك لن تنجح أي مفاوضات سورية ليست في واقع الحال اليوم سوى مفاوضات إقليمية ودولية تجري في ثياب وعبر دمى القش السورية.

ما مستقبل العملية السياسية بعد أن عطلت روسيا مسار اللجنة الدستورية وبعد أن صار اللقاء الرباعي (تركيا وروسيا والنظام مع ايران) بما يشبه بديلاً لكل المسارات الأخرى؟

كما ذكرت سابقاً ليس هناك بعد أي أفق لمفاوضات جدية حول سوريا. بالعكس الأجواء حاملة أكثر بالمواجهات المحتملة بين العديد من الأطراف وعلى محاور مختلفة. وهي تبدو لجميع المتنازعين على أنقاض الدولة السورية فريسة مستسلمة من دون صاحب ولا مقدرة على المقاومة ورد الفعل. ولا توجد قوة في العالم تضيع وقتها في إنقاذ فريسة خائرة ينهش فيها حكامها وأحياناً معارضاتها قبل أعدائها ويتسابقون إلى فتات ما يلقيه لهم هؤلاء وأولئك. فالسياسة هي السياسة والحرب هي الحرب، وليس في السياسة، وأقل من ذلك في الحرب، مكان للعاطفة وعمل الخير والمعروف أو كما نقول بالعامية السورية “يا أمي ارحميني”. لم يبق أمام السوريين من خيار سوى أن يعضوا على الجرح والتقدم إلى الأمام بكل ما تبقى لديهم من قوة والتضامن فيما بينهم للحفاظ على البقاء الذي ينازعهم عليه أكثر من طرف إقليمي ودولي.

تلفزيون سوريا

—————————-

محكمة دولية ومجلس عسكري.. صفعتان تعكران حلم الأسد/ عبد القادر المنلا

استفاق النظام السوري من حلم الانتصار على وقع كابوسين سيشكلان لأول مرة تهديداً عميقاً وحقيقياً لنشوته التي لم تطل كثيراً بعد إعادة عضويته في الجامعة العربية وحضور رئيسه قمة جدة..

يتمثل الكابوس الأول في الدعوى التي تقدمت بها كل من كندا وهولندا لمحكمة العدل الدولية، والمتضمنة ضرورة محاسبته على الجرائم المرتكبة منذ العام ٢٠١١ بحق السوريين، وهو تحرك اعتقد النظام أن الزمن قد تجاوزه، وأنه لن يكون مضطراً لمواجهة ذلك الاستحقاق بعد إعادة تدويره من قبل معظم الدول العربية، وأن جرائمه ماتت بالتقادم، أو أنه استطاع طمس الأدلة وإقناع العالم بروايته وبراءته ولا سيما بعد أن خفت الصوت الغربي المضاد لروايته لسنوات طويلة..

لم يكن الأسد مخطئاً تماماً حينما شعر أنه بدأ يتخلص من الضغط الأوروبي، فقد اعتقدت أوروبا أن بديل الديكتاتور سيكون الإرهاب المتمثل بداعش، وبالفعل، بدأت الدول الأوروبية في السنوات السابقة تخفف من حدة خطابها تجاه الأسد بل وراحت تبدي مرونة في مسألة إعادة تدويره من منطلق ميزته الوحيدة بالنسبة لها والمتجسدة في أنه أفضل من البديل الداعشي كما اعتقدت، غير أن حرب روسيا على أوكرانيا غيرت الموقف الأوروبي بشكل كامل وأعادته إلى منشئه الأول، حيث أدركت أوروبا أن خطر الإرهاب الداعشي هو امتداد لخطر إرهاب الدولة المتمثل في روسيا ورئيسها بوتين والرؤساء المتحالفين معه وعلى رأسهم لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا غرباً، ورأس النظام السوري شرقاً.

ولربما كان حضور الأسد للقمة العربية الأخيرة في جدة وخطابه المستفز القشة التي قصمت ظهر ذلك الحلم، ولا سيما حينما استثمر الوقت المخصص لخطابه في القمة العربية للنيل من أوروبا، وتحديداً ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والقيم حينما اتهم الغرب بأنه بلا أخلاق، ورغم كل الابتذال والرخص الذي تضمنته الكلمة بمجملها، إلا أن مهاجمته للغرب كانت الجزء الأكثر كاريكاتورية، وكان من الواضح تماماً أنه استغل منبر الجامعة العربية لتأكيد عهد الولاء والوفاء للرئيس الروسي، والحصول على رضاه من خلال مهاجمة الغرب، الأمر الذي أكد لأوروبا أن حالة التساهل مع الأسد كانت خطأً لا بد من إصلاحه..

انقلبت لغة الغرب تجاه الأسد رأساً على عقب، فبعد أن اعتمد خطاب الإعلام الأوروبي -على مدار سنوات ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا- لغة أقرب للحياد في توصيفه للنظام، من خلال وصف الأسد بالرئيس، واستخدام مسمى “الحكومة السورية”، بدلاً من “النظام”، عاد دفعة واحدة لاعتماد اللغة التي خاطبه بها في بدايات الثورة، حيث كان يتحدث عن جرائم الأسد ويصفه بالديكتاتور ومجرم الحرب، ولكن ذلك كله تراجع بعد ظهور داعش إلى أن أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا اللغة القديمة فيما يتعلق بتوصيف الأسد ونظامه..

على مستوى الإعلام الهولندي، فقد رصدت القنوات التلفزيونية والكثير من الصحف خبر إعادة الأسد للجامعة العربية وتناولته بانتقاد لاذع مستعيدة السيرة الأولى للغة القديمة، كما انتقدت الجامعة العربية بشكل صريح في قرارها إعادة من سمته صراحة “الديكتاتور ومجرم الحرب”، وأعاد الإعلام الهولندي في هذا السياق سرد الحكاية السورية وسرد جرائم الأسد كما كان يفعل في بدايات الثورة، ومن يتابع ذلك الإعلام سيعرف أن سياسة هولندا تجاه الأسد -وهي جزء لا يتجزأ من سياسة أوروبا بالكامل- عادت للتعامل مع الأسد بصفته الحقيقية كمجرم حرب ومرتكب لا بد من جرّه إلى محكمة العدل الدولية.

وباشتراك كندا مع هولندا في الدعوى المقدمة لمحكمة العدل الدولية ضد النظام، نصبح أمام التزام يقطع الطريق على أي فرصة لإعادة الاعتراف بالأسد من قبل الغرب، ويشكل تهديداً وكابوساً حقيقياً يحول دون حلم الأسد الذي كاد أن يتحقق، أو هكذا ظن الأسد على الأقل، فضلاً عن كابوس المتابعة القضائية التي لم ينج منها أحد من مجرمي الحرب حول العالم ولا سيما حينما تتخذ المبادرة من دول ذات ثقل نوعي..

الكابوس الثاني والأخطر الذي يقض مضاجع الأسد، هو التحرك الجديد باتجاه مجلس عسكري يتولى الإشراف على الفترة الانتقالية في حال قرر المجتمع الدولي دعم ذلك المشروع، صحيح أن طبيعة التحالفات الحالية لا توحي بسهولة تحقيق ذلك، ولكن الحالة المزرية التي وصلت إليها سوريا، والمخاطر التي تترتب على دول الجوار والعالم أيضاً، قد تفرض على المجتمع الدولي التعاون في ذلك المشروع، إن لم يكن من أجل السوريين، ولا من أجل العدالة، فعلى الأقل من أجل ضرب حليف بوتين، والتخفيف من مخاطر إرهاب المخدرات العابر للحدود والقادم من سوريا الأسد.

ما يخيف الأسد في هذا السياق أيضاً هو اسم مناف طلاس، فبصرف النظر عن مواقفنا المتضاربة كسوريين من الرجل، إلا أن مكمن الخطر بالنسبة للأسد هو أنه لا يستطيع اتهام طلاس بالإرهاب، ولا بالأسلمة ولا بالطائفية، ورغم كل الاغتيالات التي قام بها النظام لقتل البدائل المحتملة، إلا أن مناف طلاس استطاع الخروج من سوريا وإعلان انشقاقه، غير أن انشغال العالم بلعبة محاربة داعش أخرج طلاس من دائرة الحدث لسنوات طويلة وها هو اليوم يعود إلى الواجهة محملاً بأوراق ضغط ثقيلة اعتقد الأسد أنه تجاوزها تماماً كاعتقاده بتجاوز كل الجرائم ودفنها مع جثث ضحايا الكيماوي والبراميل وضحايا التعذيب في المعتقلات.

ومهما كانت فكرة المجلس العسكري غير واقعية في ظل الواقع الحالي، وفي ظل التوازنات المعقدة في الداخل السوري، إلا أن مجرد وجود بديل محتمل ومقنع هو أمر مقلق وموجع للنظام، ولا سيما بعد أن طوى الزمن فكرة البديل كما طوى فكرة الرحيل أو السقوط، كما يعتقد الأسد.

وبإعادة كشف النقاب عن جرائمه من قبل الغرب، واحتمالية قبول المجتمع الدولي ببديل للأسد، فإن قلق الأسد سيعود إلى نقطة البداية، معززاً بواقع اقتصادي لا قبَلَ للنظام به، ولا قدرة له على معالجته حتى لو أراد، وبواقع اجتماعي مفتت، وواقع سياسي لا يضمن استمراره إلا القوة، وواقع عسكري يمكن أن يعود للانفجار في أية لحظة في ظل فوضى انتشار السلاح والميليشيات والفصائل والجيوش المتعددة المتناحرة على الأرض السورية، والأهم في ظل علاقة ميئوس من إصلاحها بين النظام والشعب، وفي ظل استهتار وسخرية النظام المستمرة من المواطن الذي يقبع تحت سيطرته على الأقل من خلال حديثه عن السيادة في واقع متناقض تماماً مع الحدود الدنيا للسيادة.

لقد توهم النظام أنه تجاوز أزماته، وراح يكثف الحديث عن إعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة، بل وراح يخطط من جديد للأبدية والتوريث معتقداً أنه استطاع تصفية كل الأشخاص وكل الأفكار التي قد تعرقل مشروعه في البقاء، ولكن المتغيرات العميقة في الجغرافيا السياسية التي أدت إلى بقاء الأسد خلال اثني عشر عاماً تشهد اليوم تصدعات جديدة، وثمة إعادة بناء لخريطة العلاقات في ضوء المتغيرات المتسارعة في السياسة الدولية، وقد تكون تقاطعاتها الجديدة لصالح السوريين وقضيتهم.

ربما كنا أمام آخر اختبار للمجتمع الدولي وللعدالة الدولية التي تشوهت صورتها بشكل عميق من جراء سكوتها وتواطئها أحياناً مع الأسد وجرائمه لدرجة أوصلت السوريين إلى حالة يأس كاملة من تلك العدالة وإمكانيات تحقيقها، غير أن التحولات السياسية كثيراً ما تكون مفاجئة وحادة، فهل ستكون التحولات القادمة لصالح السوريين؟ هل سيضطر المجتمع الدولي لتحقيق العدالة ليس من أجل العدالة بحد ذاتها كما حدث في حالات كثيرة بل لأنها تتقاطع مع مصالحه؟

الصورة السطحية للمشهد الدولي وتوازناته توحي بأن الواقع السوري مستمر في الغموض، وأن النفق لا يزال طويلاً دون أن تلوح له نهاية، ولكن الواقع العميق يشي بانفجارات قد تقلب الطاولة على حسابات الأسد، ولا سيما بعد التورط الروسي في المستنقع الأوكراني وملامح عرقلة مشروع المصالحة التركية مع الأسد، وفتور الحماس للأسد من قبل الدول العربية التي دعت إلى التطبيع معه..

هل ستشكل المرحلة المقبلة الحبلى بالمفاجآت منعطفاً حاداً يعيد وضع حبل المشنقة فوق كرسي الرئاسة؟ أم سيسهل على النظام الإفلات مرة أخرى من المصير الذي ينتظره ملايين السوريين؟  سؤال قد تجيب عنه الأيام القادمة، وقد يبقى مفتوحاً لفترة طويلة ويعيد معه فتح الجرح السوري المستمر في النزيف.

تلفزيون سوريا

———————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى