سياسة

حسابات أميركية متغيرة في الشرق الأوسط/ روبرت فورد

 04 مارس 2024

لا تخطط إدارة الرئيس جو بايدن للانسحاب من جميع قواعدها العسكرية في أنحاء الشرق الأوسط عام 2024، وإن يكن مستقبل وجود القوات الأميركية في العراق وسوريا لا يزال غير مؤكد.

ويتمركز الجزء الأكبر من القوات الأميركية في المنطقة، البالغ عددها 30 ألف جندي، في قواعد بالكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة. وقد حافظت البحرية الأميركية، منذ خروج الجيش البريطاني من الخليج العربي عام 1971، على قاعدة لأسطولها في الخليج العربي، في البحرين. وكانت هذه القاعدة قد أنشئت في الأصل لمواجهة النفوذ السوفياتي في الخليج، ولكن مهمتها تحولت، على مدى العقدين الماضيين، لردع إيران والتصدي للقرصنة في بحر العرب، وهي الأهداف التي ستستمر حتى بعد قتال القوات البحرية ضد الحوثيين.

وتستخدم الولايات المتحدة أيضا مرافق برية وجوية في قاعدتين كويتيتين، وقد بدأ انتشارها هناك بعد تحرير الكويت من صدام حسين عام 1991. أما قاعدة “العديد” الجوية في قطر فهي أكبر قاعدة أميركية في المنطقة. ومنذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، عملت الولايات المتحدة من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات العربية المتحدة وأجرت مهمات تدريبية واستشارية في الأردن والمملكة العربية السعودية، بموافقة وترحيب بالوجود الأميركي من هذه الدول العربية المضيفة. ونظرا لمخاوف واشنطن بشأن نفوذ إيران والصين المتزايد في المنطقة، يبدو من غير المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة بإخلاء هذه القواعد ما لم تطلب الدول العربية المضيفة.

وضع أكثر صعوبة

مع ذلك، فإن وضع القوات الأميركية في العراق وسوريا بات أكثر صعوبة، بعد أن تسببت الهجمات المتزايدة من الميليشيات المدعومة من إيران في مقتل وإصابة عشرات الجنود وخفض فعالية القوات. وأشار تقرير صادر عن مفتشي وزارتي الخارجية والدفاع في 5 فبراير/شباط إلى أن هجمات الميليشيات حولت الجهود الأميركية عن المهمة الأساسية في مكافحة فلول “داعش” وتعزيز القوات المتحالفة في كلا البلدين. وأدت هذه الأعمال العدائية أيضا إلى تأجيل أو إلغاء الاجتماعات بين الضباط الأميركيين والقادة العسكريين والسياسيين المحليين.

ولكن، من الجانب المشرق، نقل تقرير فبراير نفسه النتائج التي توصلت إليها المخابرات الأميركية بأن تنظيم “داعش” قد “هُزِم عسكريا” في العراق وسوريا، وبات الآن يكافح من أجل البقاء وغير قادر على تنفيذ هجمات واسعة النطاق سواء محليا أو دوليا. وفي حين تستمر فصائل “داعش” الصغيرة في نصب أكمنة صغيرة، فإنها لم تعد تشكل تهديدا كبيرا للسيطرة على المدن. والأهم من ذلك، فشل تنظيم “داعش” في العراق في التدخل في الانتخابات المحلية الأخيرة أو الأحداث الدينية في كربلاء وبغداد.

جدل حول وجود الأميركيين في العراق

صرح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأن القوات العراقية باتت قادرة على التعامل مع فلول “داعش” داخل البلاد، مشيرا بذلك إلى أن الوقت قد حان للتفاوض حول إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق. ويحرص السوداني على الحفاظ على علاقات ثنائية إيجابية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التعاون العسكري، وخاصة فيما يتعلق بالدعم الفني اللازم لصيانة ترسانة العراق من الأسلحة الأميركية، مثل مقاتلات “إف-16”.

وفي يناير/كانون الثاني 2023، صرح السوداني لصحيفة أميركية بأنه ليس لديه جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية. لكن لهجة حكومته بدأت تتغير مؤخرا. ووصف المتحدث باسم السوداني الغارات الجوية الأميركية في العراق والقتل المستهدف لقادة الميليشيات الذين هاجموا القوات الأميركية بأنها أعمال مزعزعة للاستقرار وتنتهك السيادة العراقية. وكرر مساعدو شياع السوداني معارضتهم لأن يصبح العراق ساحة معركة للصراعات بين إيران والولايات المتحدة.

ومن اللافت للنظر أيضا الانتقادات الحادة للغارات الجوية الأميركية من اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم قائد القوات المسلحة العراقية، الذي انتقد بشدة الضربات الجوية الأميركية في العراق، ودعا علانية إلى إجراء مفاوضات لتحديد موعد مغادرة الأميركيين. إن موقف الجيش العراقي في المفاوضات الثنائية حول مستقبل القوات الأميركية مهم، حيث ينظر البنتاغون إلى هذه المناقشات على أنها تقييم فني لاستعداد الجيش العراقي لتولي مسؤولية مكافحة “داعش” بشكل مستقل. وفي وقت لاحق، خفف رسول من لهجته في بيان صدر في 11 فبراير، مشيرا إلى التقييم الفني الجاري والذي ينبغي أن يؤدي إلى “تخفيض تدريجي ومخطط له” في قوات التحالف والانتقال إلى العلاقات العسكرية الثنائية.

وفي الوقت نفسه، لا تتحدث الشخصيات السياسية الكردية والعربية السنية حول هذا الموضوع في العلن إلا قليلا. وفي أعقاب الجدل الدائر بين الإسلاميين الشيعة العراقيين بسبب الاغتيال الأميركي للجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب زعيم ميليشيا “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، في يناير/كانون الثاني 2020، ابتعد أعضاء البرلمان الأكراد والعرب السنة عن الجلسة الخاصة التي دعت إلى الخروج الفوري للقوات الأميركية من العراق. ولم يحضر الجلسة التي عُقدت في 10 فبراير سوى 77 نائبا من أصل 329، مما يشير إلى أنه في حين تتمتع إيران وحلفاؤها بنفوذ كبير، فإنهم لا يملكون القدرة على الإملاء على بغداد باتخاذ القرارات النهائية فيما يتعلق بوجود القوات الأميركية في العراق.

وعلى الرغم من مواجهة بيئة عملياتية أكثر صعوبة بسبب زيادة هجمات الميليشيات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد كان من اللافت تضاؤل الخطاب العام بشكل ملحوظ داخل إدارة بايدن أو الكونغرس فيما يخص احتمال سحب القوات الأميركية من العراق. ويريد المسؤولون الأميركيون- الذين لا تزال ذكرى صعود “داعش” بعد الانسحاب الأميركي عام 2011 في أذهانهم- وقتا إضافيا. وفوق ذلك، ثمة قلق من أن الانسحاب المتسرع قد يظهر الأميركيين ضعفاء في مواجهة هجمات الميليشيات. على سبيل المثال، أرجأ الأميركيون مفاوضات المتابعة حول مستقبل القوات الأميركية في العراق بعد مقتل ثلاثة جنود في الأردن يوم 28 يناير، قبل أن تُستأنف مؤخرا في 11 فبراير بعد إصرار عراقي.

هل البقاء في أربيل ممكن؟

وسط نقاشات حول مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق، يتكهن بعض الأميركيين بإمكانية الانسحاب من بغداد وقاعدة الأسد الجوية غربي العراق، مع الحفاظ على العمليات في مطار أربيل بإقليم كردستان العراق، حيث تشارك القوات الأميركية هناك في عمليات تدريب مع البيشمركة وتدير مركزا لوجستيا.

وفي 8 فبراير، نقل رئيس الوزراء الكردي مسرور بارزاني لقناة “إن بي سي” أن الوجود الأميركي المستمر في العراق “ضروري”، مما يسلط الضوء على رغبة أربيل في زيادة الدعم الأميركي. ومع ذلك، بموجب المادة 110 من الدستور العراقي، تتمتع الحكومة الفيدرالية في بغداد بالسيطرة الحصرية على الشؤون الخارجية وسياسة الأمن القومي، مما يجعل حكومة إقليم كردستان في وضع محفوف بالمخاطر من الناحية القانونية إذا تجاهلت توجيهات بغداد بإغلاق العمليات العسكرية للولايات المتحدة في أربيل.

وكان نائب رئيس البرلمان شاخوان عبد الله، من الحزب الديمقراطي الكردي الذي ينتمي إليه بارزاني، قد أدان في 9 فبراير الضربات الجوية الأميركية في العراق والهجوم الإيراني على مطار أربيل، مؤكدا سلطة بغداد على القرارات الدبلوماسية والأمنية لدعم السيادة الوطنية العراقية. وقد أثار ذلك التصريح اهتماما خاصا في أوساط المراقبين، علما أن حكومة أربيل تعتمد حاليا على الحكومة الاتحادية للحصول على الدعم المالي لدفع رواتب موظفيها المدنيين. ويعارض قادة الميليشيات بقاء الأميركيين في أربيل، وسيتعين على حكومة المنطقة الكردية أن تدرس مخاطر الانتقام من بغداد والتصعيد بين البيشمركة والميليشيات المدعومة من إيران والتي اشتبكت بالفعل حول كركوك في الماضي، قبل أن تقدم على خطوة كهذه.

ماذا عن سوريا؟

يعد المركز اللوجستي في أربيل محوريا للحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في سوريا. وفي حال قررت الحكومة العراقية طرد القوات الأميركية من أربيل، فإن ذلك سيفترض انسحابا من سوريا أيضا. وأكدت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، المعروفة بخبرتها الواسعة، من أنقرة يوم 28 يناير أن الولايات المتحدة ليس لديها خطط لمغادرة سوريا، رغم بدء البنتاغون في صياغة خطط لإجلاء محتمل. ومن المهم التمييز بين الاستعداد اللوجستي لانسحاب محتمل والقرار السياسي الفعلي بتنفيذه.

ومع ذلك، فإن رحيل نائبة مساعد وزير الدفاع دانا سترول في ديسمبر/كانون الأول أدى إلى إزاحة أحد المدافعين الرئيسين عن دور الجيش الأميركي في شرق سوريا. وكان مصدر في شرق سوريا قد ذكر لي في 10 فبراير أن المسؤولين الأميركيين يقولون إن القوات لن تبقى إلى أجل غير مسمى، مما يشير إلى تحول في الموقف الأميركي.

ولكن إن خرجت الولايات المتحدة من سوريا في نهاية المطاف، فإن قوات سوريا الديمقراطية، التي تتألف في الغالب من “وحدات حماية الشعب” الكردية، سوف تواجه معضلات استراتيجية كبيرة.

ومن غير المرجح أن يهدأ العداء التركي المستمر تجاه هذه الوحدات الكردية. وكان هذا العداء التركي قد أجبر في الماضي “وحدات حماية الشعب” على قبول اتفاقات تكتيكية مع روسيا والحكومة السورية. على سبيل المثال، توصلت “وحدات حماية الشعب” إلى اتفاقين مع الروس والحكومة السورية عام 2019، مما أدى إلى توسيع وجود القوات الروسية وقوات الحكومة السورية في شمال سوريا لردع الغزوات التركية المحتملة.

ولهذا السبب، توجد القوات الموالية لدمشق، في مواقع متعددة في محافظتي حلب والحسكة، بما في ذلك الميليشيات الموالية لإيران، في مواقع مشتركة أحيانا مع مقاتلي ميليشيا “وحدات حماية الشعب”.

اتفاق وتحديات

وفي نهاية المطاف، سيتعين التوصل إلى اتفاق شامل بعد الانسحاب الأميركي، بين “وحدات حماية الشعب” وقوات سوريا الديمقراطية من جهة، وروسيا والحكومة السورية من جهة أخرى. وسيواجه مثل هذا الاتفاق ثلاث قضايا شائكة:

مستقبل الأمن في محافظتي الحسكة ودير الزور شرقي سوريا، اللتين تسيطر عليهما الآن قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع نحو ألف جندي أميركي. حيث يفتقر الجيش السوري إلى القوة البشرية اللازمة للسيطرة على شرق سوريا، بما في ذلك إدارة معسكرات الاعتقال التي تضم عشرات الآلاف من سجناء “داعش” وعائلاتهم التي يريد “داعش” تحريرها لإعادة بناء قوته.

ولذلك يحتاج الجيش السوري إلى مقاتلي وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية الحاليين لاحتواء “داعش”. ومع ذلك، سيتعين على دمشق ووحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية الاتفاق على كيفية العمل مع الجيش السوري.

مستقبل عائدات النفط الصغيرة، ولكن المهمة، من الحسكة ودير الزور والتي تطمع فيها كل من الإدارة الذاتية ودمشق.

وأخيرا، مسألة الإدارة المحلية وقبولها بسلطة دمشق المركزية على كامل محافظتي الحسكة ودير الزور.

الشروط المؤدية للانسحاب

هذه الأسئلة سوف تكون موضع نقاش في السنوات المقبلة عندما تمارس طهران والميليشيات ضغوطا سياسية وعسكرية على الأميركيين. إن الانتقام الأميركي ضد الميليشيات يؤدي تدريجيا إلى تضييق مساحة المناورة المتاحة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في المفاوضات حول مستقبل القوات الأميركية، وبالتالي، سيكون هناك مزيد من هجمات الميليشيات، ولا سيما إذا لم تؤد المفاوضات الثنائية إلى رحيل أميركي سريع.

وفوق ذلك فإن هجمات الميليشيات هذه تقوض المبرر الرئيس في واشنطن لإبقاء قواتها في العراق وسوريا، حيث تتضاءل قدرتها على محاربة “داعش” وبناء قوات شريكة قوية. ويبدو من غير المرجح أن يرغب بايدن، خلال هذا الموسم الانتخابي، في بدء حرب أكبر مع إيران للحفاظ على مهمة عسكرية محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد في العراق وسوريا لتحقيق فوائد هامشية ضد “داعش” الضعيفة بالفعل.

وفي الوقت نفسه، سيتلقى بايدن انتقادات حادة من كثيرين في الكونغرس بسبب انسحابه من سوريا والعراق ما لم يكن مضطرا إلى ذلك بالفعل. أما في العام المقبل، بعد الانتخابات، فسيكون أمام الرئيس- سواء بقي بايدن أم أعيد انتخاب دونالد ترمب- مساحة سياسية أكبر بكثير للانسحاب.

المجلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى