مراجعات الكتب

ربيع راشيل كارسون الصامت

في العام 1962، نشرت عالمة الأحياء البحرية والكاتبة العلمية، راشيل كارسون كتابًا بعنوان “الربيع الصامت”، تحدثت فيه عن سوء إستخدام مبيدات الآفات الضّارة، وماخلفته من أضرار بيئية على الكائنات الحية، ومايمكن أيضا أن تخلفه -إذا تمادى جشع العلم في إنتاج هذه المواد السامة والقاتلة- للعالم مستقبلًا.

ولدت راشيل لويز كارسون في السابع والعشرين من أيار 1907 في ولاية بنسلفانيا-أمريكا- وتوفيت في الرابع عشر من نيسان 1964 ماريلاند-أمريكا-. عُرفت بكتاباتها حول التلوث البيئي، وعن التاريخ الطبيعي للبحر. جذبت إهتمام العديد إليها، فقد درست في جامعة بنسلفانيا للنساء بهدف دراسة الأدب لتُصبح كاتبة كما توقعها الجميع، لكنها ما إن لبثت قليلًا حتى وقعت في حب علم الأحياء، الذي غيّرت مجال تخصصها من أجله. وهبت نفسها لعلم الأحياء البحرية، وقد نشرت العديد من الكتب التي تتحدث عنه. لاقت كتبها إستحسانًا كبيرًا نظرا للمحتوى بداخلها، واللغة الشاعرية المستخدمة.

راشيل كارسون المحبة للطبيعة والعلوم، نشرت كتابها “الربيع الصامت” كرد على ما أحدثه سوء استخدام مبيدات الآفات على الكائنات الحية، والتي كانت سببا رئيسيا في تسمم وقتل العديد من الحيوانات والنباتات في أمريكا. لكنّ الضجة التي أحدثها الكتاب، جعلت منه محطّ إهتمام، وجدل واسع في كثير من الدول.. ذاع صيته، محدثا بلبلة تسببت في عرض راشيل كارسون أمام برلمان الولايات المتحدة، والإدلاء بشهادتها أمام مجلس الشيوخ، حتى أنه تم تشكيل لجنة تحقيق لما يحتويه الكتاب، والتحقيق وراء النتائج التي تخلفها المبيدات المستخدمة. كارسون كما وقفت في صف الطبيعة، وقفت أيضا في صف كتابها حتى النهاية.

“الإنسان جزء من الطبيعة، وحربه ضدها.. هي حتمًا حربه ضدّ نفسه”

كثر إستخدام المبيدات إبان الحرب العالمية الثانية، فترة إزدهار علوم الكيمياء والسموم. أستخدم تحديدا مبيد الـ DDT أولا كطارد للباعوض خلال أربعينيات القرن الماضي، ثمّ بعد ذلك أستخدم كبخاخ، وكطلاء على الجدران. إنتشر الـ DDT بشكل واسع قبل حتى أن يتم إختبار تأثيراته الضارة على البيئة والكائنات الحية، كان إستخدامه الواسع ناتجا من فعاليته السريعة، و رخص قيمته، وبدون التفكير في تأثيراته السلبية على المدى الطويل. فالـDDT يصعب تكسيره بسهولة، ولا يذوب في الماء، ولكن يذوب في الدهون ويتراكم في الأنسجة الدهنية للكائنات الحية، مما قد يؤثر بشكل كبير على أجيالها القادمة وكفاءة إنتاجيتها.

استخدم الإنسان مبيدات الآفات ليحل مشكلته، لكنه نسي بأنه تسبب في مشكلة أخرى زادت عن حدها منذ ستينيات القرن الماضي، ولازالت تكبر شيئًا فشيئًا حتى يومنا هذا، وهي ماتعرف بالمقاومة، فقد ردت الطبيعة على الإنسان بمقاومته أشد المقاومة على الحرب التي شنّها عليها، فقد قامت النباتات بعمل تغييرات جينية لحماية نفسها ضد الخطر المنكب عليها من الإنسان، وقامت الحشرات بعمل الأمر نفسه، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء عليها في حقل الصحة العامة. فعندما تصبح الحشرات الناقلة للأمراض مثلا، مقاومة. يزيد ذلك معدل الإمراضية والوفيات في المجتمعات وتزيد بجانبها معدلات إنتشار الأمراض والأوبئة.

ينسى الإنسان في خضم معركته مع الآفات وانغماسه في صنع مواد فتاكة، أن يتذكر نفسه. فلإستخدام هذه المواد على المدى القصير أو الطويل تأثير مباشر أو غير مباشر على الإنسان، كما أنها من الممكن جدا إذا ما تم استخدامها بطريقة عشوائية وإهمال، أن تؤثر مباشرة على الجهاز العصبي مثلا، أو التنفسي مسببة إختناقا في التنفس، أو آلاما في المعدة، أو حروقا على الجلد ولا نستبعد الوفاة أيضا. كما أنها تعتبرًا سببا رئيسيا مسببًا للسرطان. فالإستهتار التام أثناء إستخدام هذه المواد لا يخلف آثارا سلبية فقط على الطبيعة، بل أيضا على من صنع هذا السلاح بيديه، مؤديا بحياته للهلاك، ومخلخلا التوازن الطبيعي.

“كتب الإنسان في تقدمه نحو هدفه المعلن -وهو قهر الطبيعة- سجلا محزنا من التخريب. التخريب الموجه ليس فقط ضد الأرض التي يسكنها، وإنما أيضا ضدّ الكائنات الحية التي تشاركه فيها” فقد كانت إحدى أسباب كتابة “الربيع الصامت” هو أن صديقة راشيل كارسون أرسلت لها برسالة، تذكر فيها وبمعنى أنها رأت طائرة تحوم فوق المنزل منذ عدة أيام، تقوم برش احدى المبيدات، ثم في اليوم التالي لاحظت بأن الكائنات الحية في تلك المنطقة بدأت تنفق واحد تلو الأخرى. كثرت الشكوى من نفوق الكائنات الحية، حتى أن الطيور إختفت في بعض المناطق، وسكنها الهدوء.. الهدوء المخيف. ثم ما إن كتبت كتابها ونشرته حتى لقيت ردًا صاعقا من المنظمات الزراعية، ونظمت حملات منهاضة للكتاب. بعد عدة سنوات من نشرها لكتاب الربيع الصامت، تحديدًا في العام 1972، تم حضر منع استعمال الـ DDT من أمريكا. لكنّ كارسون لم تشهد هذا النجاح، إلا أن الإنسان يموت، لكن الفكرة تبقى، مُخلدة إسم صاحبها.

مالذي يمكن عمله للتقليل من حدة استخدام مبيدات الآفات، والحد من ضررها قدر الإمكان:

يعيش الإنسان الحالي عصر المقاومة، فبالنسبة للمبيدات المستخدمة عشوائيا، تقوم الكائنات الناجية من هذه المواد السامة، أو التي تعرضت لكمية ضئيلة لها، بتعديل نفسها جينيًا إستعدادًا لمقاومة المبيد مرة أخرى، وتقوم أيضا بتمرير جيناتها للأجيال التالية. وهكذا كلما نجت فئة ما، قامت بتعديل نفسها جينيًا وإمراره للأجيال التالية. لذلك، وبحسب منظمة حماية البيئة EPA، يجب إتباع كل التعليمات والمتطلبات المكتوبة على العلبة، أو في الأوراق الإرشادية المصاحبة للمادة. التفتيش المستمر على حالة حاويات المواد أو العلب، للحد من حدوث أي تسرب أو أي شيء من هذا القبيل، قبل أن يسبب كارثة ما.

خلط المواد، وغسل الأدوات بعيدا عن أماكن الصرف الصحي.. ومحاولة إبعاد مبيدات الآفات قدر الإمكان عن أي مصدر مياه. إستخدام المبيدات فقط عند الحاجة، ومحاولة ضبط الجرعات المستخدمة أثناء القيام بعملية الرش، أو الوضع.. لحماية الحشرات النافعة مثلا، أوالحيوانات الموجودة في البيئة وغيرها من الكائنات الغير مستهدفة. تغطية المكان المراد إستخدامه بالكامل، وإرتداء الملابس الواقية اللازمة أثناء استخدام المبيدات.

أخيرا، من عدة علاجات مستخدمة لمكافحة الآفات الضارة بشتى أنواعها، يعتبر العلاج الكيميائي المستخدم أخيرا، إلا أن الانسان يأبى إلا أن يتجاهل كل الحلول الأخرى -الطبيعي، الحيوي، والميكانيكي- ويقع إختياره الأول على الكيميائي، متجاهلا مضاره السميّة، وقدرة الكائنات الحية على تكوين جينات مقاومة لهذه المبيدات. مما يتسبب في صنع مشكلة أكبر تتزايد كل يوم.

-المصادر:

1- https://www.britannica.com/biography/Rachel-Carson

2- https://www.epa.gov/safepestcontrol/tips-reducing-pesticide-impacts-wildlife

3- ربيع صامت – راشيل كارسون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى