مراجعات الكتب

مراجعات متعددة لكتاب ” رياض سيف سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ”

حائك حي الميدان والسياسة في سوريا: رياض سيف… سيرة ذاتية/ محمد تركي الربيعو

على امتداد عقود طويلة عُرف أهل حي الميدان الدمشقي بالعمل في الحبوب والزراعة، وبقي ارتباط أهل هذا الحي بالريف السوري وثيق الصلة، وبالأخص مع حماة ومناطق حوران. ولذلك عندما درس المؤرخ الأمريكي مايكل برفنس أحداث ثورة 1925، وجد أن تحرك أهالي السويداء، ولاحقا انتقال المواجهات إلى حي الميدان لم يكن مجرد صدفة، بل هو وليد صداقات وعلاقات تاريخية واقتصادية بين هاتين المنطقتين. لكن هذا الانشغال بالزراعة، لم يعنِ عدم انفتاح أبنائها على مهن أخرى، وبالأخص مهنة النويلاتية (صناعة الخيوط والنسيج) في القرن التاسع عشر، في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية التي عرفتها دمشق، قبل أن يتحول الحي لاحقا إلى حي الحلويات والمطاعم الشعبية الأشهر في دمشق.

وفي مذكراته الصادرة قبل أيام قليلة (بتحرير أكرم البني، أسامة العاشور)، سيعود السياسي والصناعي السوري رياض سيف، ابن حي الميدان الدمشقي، لتذكيرنا قليلاً بهذا الإرث. ففي بدايات حياته استهواه العمل في الزراعة، والسبب «أن خاله كان يدير أراضي العائلة في ببيلا، وهي بلدة صغيرة في غوطة دمشق» قبل أن تتحول إلى ضاحية كبيرة بعد فترة الثمانينيات. لكن الشاب الشامي أدرك لاحقاً أن لا جدوى من العمل الزراعي، ليقرر المضي قدما في عالم صناعة الألبسة. ولن تقتصر هذه القطيعة على مجال العمل، بل ستولد لديه قطيعة موازية على سياق سرده لذكرياته، إذ خلافا لما اعتادت عليه كتب السير من العودة للطفولة وقصصها، لن نعثر في سيرته سوى على لقطات قصيرة وسريعة عن تاريخ عائلته. يذكر أن والده كان يعمل صاحب منشرة خشب، بدون أن نعلم أين درس أو أين عمل وهو شاب صغير، وكيف كانت عليه أسواق دمشق آنذاك، وربما هو منطق التاجر (أو الصناعي كما يفضل أن يوصف) الشامي، الذي يوصف عادة بانه ابن عصره ولا يولي للعواطف والذاكرة مكانة كبيرة، بل يؤمن بلغة الواقع وظروفه وكيفية التعامل معه، أو ربما لم يرغب بالعودة لطفولته لكي يقول بأن تحوله نحو السياسة قد حدث جراء عدد من المواقف والأحداث، وليس جراء نزعات أيديولوجية أو فكرية، وهذا ما تؤكده سيرته، فالرجل لم ينشأ في حزب شيوعي أو إسلامي، بل كان أقرب في سلوكه، أو هكذا يظهر، لمنطق أبناء المدن والسوق، الذين عادة ما واجهوا النظام بأسلوب هادئ، وفق تعبير آصف بيات (التدين مثلاً)، ولعل هذا الأسلوب في سرد الذكريات، بدون العودة للطفولة، يوافق آراء بعض دارسي السير الذاتية، ممن أخذوا يرون في السنوات الأخيرة أن المرء ليس نتاج طفولته بالضرورة، وأن تضخيم الطفولة ومرحلة الشباب جاءت أحيانا على حساب فهم التاريخ والأحداث بوصفها صدفا، أو فرصا بالأحرى، وليست أمورا مرتبة بالضرورة..

كانت الورشة الصغيرة التي بدأ العمل فيها برفقة أخوته في عام 1964 في صناعة القمصان، آخذة بالتطور، حتى غدت ماركة الـ 400 خاصته من قمصان وبناطيل من أشهر الماركات السورية، قبل الانفتاح، الذي عرفته البلاد لاحقا على بعض الماركات العالمية. بيد أن طموح الرجل الصناعي لن يقف عند هذا الحد، إذ مكنته سمعته في عالم صناعة الألبسة من الحصول على وكالة أديداس العالمية في عام 1993، وكان سيف بذلك أول وكيل لهذه الشركة العالمية في سوريا والعالم العربي..

هذا كل ما سنعرفه عن حياته قبل دخوله عالم السياسة، وهو عالم لم يدخله من زقاق المعارضة، بل عبر مجلس الشعب الصوري. ففي عام 1994 تقدم للانتخابات وحصل على أعلى الأصوات في قائمة المستقلين عن مدينة دمشق.. وهنا لا يذكر سيف كيف استطاع الحصول على هذه المرتبة، في ظل الرقابة الأمنية الصلبة في زمن الأسد الأب، وقد يتعلق هذا المرور بفترة قيل فيها إن حافظ الأسد يسعى لتوريث الحكم، ولذلك حاول عبر بعض الوسطاء الدمشقيين الانفتاح على المجتمع المحلي الدمشقي، وتقديم بعض الترضيات وحل بعض القضايا العالقة، أو لأن سيف آنذاك لم يكن معروفا لدى النظام ولمحيطه، سوى بوصفه صناعيا وصاحب ماركة الـ400، يعرف مصلحته، ولذلك يمكن التفاهم معه، أو ضبطه إن لزم الأمر.

ظن عضو مجلس الشعب الجديد أن بوسعه الدعوة لعدد من الإصلاحات الاقتصادية، ولذلك أخذ يسجل ملاحظاته، في الجلسات البرلمانية، على وزارة المالية ودورها السلبي في عرقلة الصناعة السورية، ومما سيكشفه لنا في هذه الفترة أن سوريا كانت مؤهلة لتكون البلد الأمثل، وليس تركيا لاحقا، لصناعة الألبسة في ظل التسهيلات التي قدمها عدد من الدول الأوروبية، لكنها تسهيلات بقيت طي الكتمان والنسيان والإهمال.

في عام 1996، وزع سيف دراسة تحت عنوان «الركود الاقتصادي في سوريا، الأسباب والحلول»، ما أثار حفيظة رئيس الوزراء محمود الزعبي (المنتحر كما قيل لاحقا) الذي لم يوبخ سيف وحسب، بل سيدفع وزير المالية إلى محاصرته في أعماله، وما هي إلا سنتان حتى وجد نفسه على «الحديدة/مفلس» كما يقال بالعامية.

مع انتهاء 1998، يذكر سيف في سيرته «لم أعد احتمل ضربات الحكومة الموجعة.. ما اضطرني لاتخاذ قرار الاعتكاف والانسحاب من الشأن العام.. لكن الجديد أن هذا الإحباط لم يدم طويلا، فقد اخترقته، موجة الترويج لبشار الأسد كخليفة لرأس النظام وتضخيم توجهاته الإصلاحية».. وفي ظل هذه الأوضاع، قرر العودة للترشح لمجلس الشعب مرة أخرى ونجح كذلك، لكن ابن حي الميدان، الذي عادة ما يُعرف ابناؤه بشهامتهم وبعنادهم، سيعود لفتح ملفات الاقتصاد في سوريا. وربما ما يجدر ذكره هنا، أن رواية سيف عن هذه الفترة تحمل لنا الجديد على صعيد بعض الزوايا من حياة البلاد، مقارنة ببعض السير الذاتية السورية، التي نشرت في سنوات ما بعد 2011؛ إذ يلاحظ أن مذكرات برهان غليون، غطت جزءا من نقاشات المعارضة السورية قبل وبعد الثورة، وفي مذكرات الشيخ سارية الرفاعي نعثر على تفاصيل حول أجواء المؤسسات الدينية على عتبة الثورة وطبيعة العلاقة بين رجال الدين والمؤسسات الأمنية وبشار الأسد، في حين تقدم لنا هذه المذكرات جانبا آخر وصورة أكثر قرباً عن أوضاع البلد الاقتصادية، وقضايا الفساد قبل الثورة، وربما أهمها ملف شركات الخلوي، وكيف أديرت هذه العملية.

وفي حكايات هذه الفترة يمكن أن نقف عند مشهد يعكس حالة الخلافات التي عرفتها البلاد بين ما قيل البيروقراطية البعثية القديمة، وجيل رامي مخلوف والمئة حرامي الذي قدموا برفقته. حيث يؤكد سيف أن محمود الزعبي كان يشعر بريبة حيال صفقة الخلوي، ولذلك حاول المماطلة من خلال طلب إعداد مذكرة شاملة تتضمن المداولات الوزارية كافة حتى تاريخه، وهذا ما يعني تأجيلها لأشهر، لكن معجزة حصلت، وأنجز كل ما هو مطلوب خلال ساعات، ووافق محمود الزعبي رئيس الوزارة عليها، ليُقال في اليوم نفسه أيضا، ويؤكد سيف أن رفض الزعبي لخيار/ أن بي أو تي (بناء المشروع واستثماره لعدد من السنين ثم إعادته للدولة) كان سبب إقالته، وكان سببا في عداوة كبيرة بينه وبين سليم ياسين (نائبه للشؤون الاقتصادية) مع محمد مخلوف (خال الرئيس الأسد).

ربيع دمشق

قبل هذه المعركة، كانت سوريا على موعد مع توريث الحكم بعد وفاة حافظ الأسد. قيل يومها إن ابن العراب/بشار الأسد (كما كان يصفه الأمريكيون في إشارة لفيلم العراب الشهير) لديه مشروع للانفتاح السياسي والقطيعة مع مرحلة الاستبداد، ولذلك حاول عدد من المثقفين والمعارضين السوريين استغلال هذه النافذة للمطالبة بالإصلاحات والتغيير الديمقراطي. وفي هذه الفترة، ستُنسج أولى خيوط التنسيق بين رياض سيف وعدد من المعارضيين من أمثال ميشيل كيلو ووليد البني، وقد حاول سيف كما يذكر تأسيس جمعية «أصدقاء المجتمع المدني» والحصول على ترخيص رسمي، وقبل أربعة أيام من التوافق على بيانها التأسيسي دعاه عبد الحليم خدام لزيارته في منزله، وهناك أخذ يثني على دوره، كما أخبره بأن بشار الأسد على علم بما فعله به محمود الزعبي (إفلاسه)، وأنه يرغب بعودته لأمجاده الصناعية. وبعد عدة أيام من هذا اللقاء، عاد سيف مرة ثانية إلى خدام طالبا منه المساعدة في ترخيص الجمعية، فامتقع لون خدام وقال «هذه ليست جمعية، هذا بلاغ رقم واحد لانقلاب تخططون له تحت يافطة المجتمع المدني»، ولن يقف خدام عند هذا الحد، بل سيصرح في وقت لاحق بأن هذه النشاطات تهدف إلى «جزأرة سوريا».. مع ذلك، استمر سيف في نشاطه وأسس منتدى الحوار الوطني في 13 سبتمبر/أيلول 2000. بدأ يومها الافتتاحية بمحاضرة لانطوان مقدسي أشار خلالها إلى «أن السلطة التي تحكم دمشق هي عرفية انقلابية، سلطة دينية، سلطة عشائرية، سلطة ثقافية، أما السلطة المدنية فغائبة»، ولم يتوقف عند هذا الحد بل أعلن عن فكرة تأسيس حزب سياسي، إلا أنه لم يحصل على تحفيز من قبل عدد من المثقفين السوريين من أمثال رضوان زيادة وأحمد برقاوي، مع ذلك أصدر ورقة باسم حركة السلم الاجتماعي، دعت إلى التركيز على مفهوم المواطنة والمجتمع المدني، ليُحال الصناعي بسببها، رغم حصانته البرلمانية، إلى السجن بتهمة إثارة النعرات المذهبية.

سجن الفايف ستار

في 6 سبتمبر 2001 تم توقيف سيف في سجن عدرا، ولن تكون المرة الأخيرة التي يزور فيها هذا المكان، فبعد ذلك بسنوات قليلة عاد مرة أخرى، لكن في ظروف سيئة للغاية. لكن ما يستوقف النظر في تجربة الاعتقال الأولى أيضا مشهدين آخرين، لا يخلو أولهما من بعض الغرابة. فخلافا لصور التعذيب والسجون المرعبة التي وضع فيها المعتقلون السياسيون في سوريا، وكتبوا عنها لاحقاً عددا من الروايات والسير، يروي لنا سيف تفاصيل مختلفة عن حياته اليومية داخل السجن، إذ نكتشف مثلا أن غرفته الخاصة ضمت «جهاز تشغيل الأقراص المدمجة، مع البوم للموسيقى، انتهاء بالراديو، والكومبيوتر الشخصي». لكن بحبوحة العيش هذه (مقارنة بوضع رياض الترك) لن تستمر، ففي أحد أيام 2015 زاره غازي كنعان، الذي عين آنذاك وزيرا للداخلية، وقيل إن تعيينه في هذا المكان كان بمثابة إخراجه على التقاعد بعد أن كان حاكم لبنان الفعلي، وعندما دخل أبدى استغرابه من محتويات غرفته، لكن سيف عامله بطريقة فظة، فما كان من كنعان إلا أن أمر بإخراج كل الأغراض للخارج وإحضار ثلاثة من المساجين الجنائيين (أحدهم متهم بجناية أخلاقية)، وهنا يكشف هذا المشهد بعض الشيء عن عدم دقة الصورة التي رسمت لاحقاً عن كنعان، بعد «انتحاره»، بوصفه شخصية ترغب في الإصلاح، وأنه كان رجلاً أقل عنفاً وأكثر مرونة بحكم الخبرة التي اكتسبها في لبنان.

المشهد الثاني، وهو أن سيف استغل هذه الفترة للاطلاع على كتب التاريخ السوري والسياسة، فقد حالت ربما سنوات الصناعة، وفترة الشباب دون هذا الاهتمام، ولذلك يبدو أن السجن هنا لعب دورا في تثقيف هذا الصناعي، وهذا ما ظهر بعد خروجه من خلال تصريحاته ومقابلاته، التي بدت مصاغة بلغة أخرى، تتناول الذاكرة السياسية السورية، وقضايا الحريات والديمقراطية، خلافا لاهتمامات ولغة ما قبل السجن، وربما لاختلاف المرحلة والدور أيضا، التي كانت تحوم حول عالم الأرقام والإحصائيات التي تسود عادة عالم الاقتصاديين.

المجلس الوطني لإعلان دمشق

بعد الخروج من السجن، عاد لنشاطه السياسي من خلال طرح فكرة حزب سياسي يقوم على الديمقراطية، ويبنى على قاعدة أخلاقية، وربما بدت لنا العبارة الأخيرة تحمل الكثير من الضبابية، خاصة أن هناك من أشاع لاحقا (ولعله النظام) عن نية رياض سيف في تلك الأيام تأسيس حزب إسلامي بصيغة ليبرالية، لكن لو تجاوزنا هذه النقطة التي كانت تتطلب كما نرى توضيحا أوسع، لفهم كيفية تخيل أشكال الأحزاب السياسية المقترحة في سوريا خلال تلك الفترة، فقد حاول سيف في هذه اللحظة المضي قدما في مشروع تأسيس المجلس الوطني لإعلان دمشق، وهذا ما جرى فعلا في عام 2007. ولعل ما يحسب لهذا القسم من السيرة، أنه مليء بالتفاصيل حول الأجواء التي أحاطت بتأسيس المجلس وانسحاب بعض الأحزاب لاحقاً (حسن عبد العظيم والعمل الشيوعي) وأيضا حول الأسماء المشاركة والمعارك اللفظية بين المعارضين، وهي معارك يبدو أنها استمرت بعد الثورة وسممت أجواءها، ولذلك توفر روايته هنا (للجيل الشاب) وثيقة جيدة مستندة إلى كم كبير من البيانات والأسماء عن تلك الفترة.

وربما ما يسجل على كلام سيف في هذه الفترة (نشاطات إعلان دمشق) أنه بدا أحيانا مفرطا في ثقته بدعم المجتمع الدولي للسوريين، وهي ثقة ستتراجع مع دخوله للسجن مرة ثانية. كما يبدو أحيانا في سيرته واثقا أكثر من اللزوم في هذا الحراك وقدرته على تحريك الحياة والنقاشات العامة في سوريا آنذاك، وهو رأي قد يكون محل خلاف أيضا؛ صحيح أنه كان لنشاط المعارضة تأثير وتضحيات ودور في تحرك المياه الراكدة في حياة الأحزاب والناشطين السياسيين، مع ذلك فإن الشارع العادي لم يكن قريبا من هذا الحراك، ولذلك بقي حراكا محدودا كما نعتقد، باستثناء النشاط السياسي الكردي، جراء تصاعد وتيرة الهوية الإثنية الكردية، بدون أن يتمكن من بناء قاعدة واسعة موازية مثلا لحركة 6 إبريل في مصر، وهذا أمر لا تتحمله المعارضة السورية وحسب، بل أيضا الرقابة الأمنية مقارنة بالواقع المصري. ويمكن تبرير أو فهم موقف سيف هنا من باب أن الوعي السياسي السوري التقليدي، وحتى العربي في فترة ما قبل 2011 كان ينظر أحيانا للتغيير من باب النشاط السياسي التقليدي، بينما كانت التغييرات، وحتى الوعي السياسي الشاب، يتشكلان في سوريا بصيغ وأدوات مغايرة عن أدوات هذا العالم التقليدي. ولعل ما يدعم استنتاجنا حول محدودية عمل وعلاقات المعارضة السورية في الشارع آنذاك، رغم نبله وأهميته، أن سيف عند إطلاق سراحه في آواخر يوليو/تموز 2011 كان قد تملكه شعور بضرورة الاستقالة من الأمانة العامة للمجلس الوطني والانسحاب، وهو اعتراف جريء حقيقة، إذا ما وضعنا في حسباننا أن الثورة السورية كانت قد انطلقت قبلها بثلاثة أشهر، بينما وللمفارقة، وفي هذا الوقت والرغبة بالاستقالة، كانت مجموعات شابة تقوم بمظاهرة في حي المزة الدمشقي، لتتيح فرصة جديدة لسيف ليعود لنشاطه السياسي، ولتبدأ فصول الأمل والجنون والشقاء في حياة السوريين، وهي فصول يبدو أننا سنطلع على تفاصيل مهمة منها مع صدور الجزء الثاني من سيرة رياض سيف، والتي ستتناول، كما قيل، تفاصيل وخفايا تشكيل بعض الأجسام المعارضة السورية.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

———————————

السيرة الذاتية لرياض سيف… ملاحظات/ ميشال شماس

صدر منذ أيام الجزءُ الأول من السيرة الذاتية للسيد رياض سيف، بعنوان “رياض سيف سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ”، عن دار الجديد في بيروت، وقد شارك في تحرير الكتاب الكاتبان: أكرم البني، وأسامة عاشور، وقدّم له الباحث جاد الكريم الجباعي.

يقع الكتاب في 321 صفحة، وقد احتوى على بابين: الأول بعنوان (من الصناعة إلى التشريع) وقد تضمن سبعة فصول، تحدث فيها رياض سيف عن تجربته في مجال الصناعة، وعن تجربته كنائب مستقل في مجلس الشعب، وعن مشاركته في ربيع دمشق، وإنشاء منتدى الحوار الوطني. وختم هذا الباب بالحديث عن اعتقاله ومحاكمته وسجنه الأول؛ وتضمن الباب الثاني ثمانية فصول، تحدث فيها عن خروجه الأول من السجن، وتجربته في إعلان دمشق، وسجنه الثاني، وعن استقالته من رئاسة الأمانة العامة لإعلان دمشق.

وبالرغم من أهمية ما كتبه السيد رياض سيف، فإن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات على ما تضمنه هذا الجزء من سيرته الذاتية، وهذا لا يقلّل أبدًا قيمة التجربة المهمة التي أراد أن يضعها -مشكورًا- بين يدي القراء في سورية والعالم العربي.

الملاحظة الأولى: تجاهل السيد رياض سيف محاكمة زميله النائب مأمون الحمصي

على الرغم من أن رياض سيف قد خصص ما لا يقل عن 25 صفحة في كتابه، للحديث عن محاكمته التي جرت مع محاكمة زميله النائب السابق مأمون الحمصي، فقد لوحظ تجاهل سيف التام لمحاكمة زميله التي كانت تجري بالتزامن مع محاكمته، في المحكمة والقاعة نفسيهما، وكانا يُحضران معًا من سجن عدرا إلى جلسة المحاكمة، ويجلسان جنبًا إلى جنب في قفص محكمة الجنايات، ويغادران المحكمة معًا برفقة الشرطة إلى سجن عدرا بريف دمشق. وظلاّ يحاكمان معًا أشهرًا عدة، حتى صدر الحكم بحقهما بالسجن خمس سنوات، وكانت وسائل الإعلام العربية تنشر أخبار محاكمتهما معًا، وكذلك البيانات الصادرة عن هيئة الدفاع وعن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية. بل إنهما خرجا من السجن معًا في اليوم نفسه، بعد قرار السلطات السورية إطلاق سراحهما، في 18 كانون الثاني/ يناير 2006.

أفلا تستحقّ المزاملة في المجلس النيابي، ومن ثَم في سجن عدرا وفي جلسات المحاكمة وقفص الاتهام، من السيد رياض سيف، الإشارة إليها، ولو بسطر واحد؟

الملاحظة الثانية: تجاهل السيد رياض سيف دور المحامين الذين تولوا الدفاع عنه

 لم أجد تفسيرًا واحدًا لعدم ذكر رياض سيف إشارة إلى المحامين الذين تطوعوا للدفاع عنه وعن المعتقلين، حيث إنه لم يُشر -ولو بكلمة واحدة- إلى جهود المحامين، لا في سياق حديثه عن اعتقاله الأول، ولا الاعتقالين الثاني والثالث. وكان من بين هؤلاء المحامين مَن قطع مئات الكيلومترات من شمال وشرق ووسط سورية، للمشاركة في الدفاع عنه وعن زملائه المعتقلين.

أقول هذا الكلام ليس لأني محام، ولا لأني كنت جزءًا من هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، فهذا أقل الواجب الذي كنّا نمارسه، وما زلت أعدّ نفسي مقصرًا في الدفاع عن المعتقلات والمعتقلين. إنما أقول ذلك، لأن عدم الإشارة إلى جهود هؤلاء المحامين هو إجحاف وظلم بحق هؤلاء المحامين الذين تحمّلوا كلّ المخاطر لأجل الدفاع عن المعتقلين، وقد تعرّض كثيرون منهم لضغوطات وتهديدات واستدعاءات أمنية متكررة، لترهيبهم وثنيهم عن متابعة الدفاع عن المتعلقين، سواء أمام محكمة أمن الدولة العليا التي ألغيت في آذار/ مارس 2011 أو المحاكم العادية والعسكرية.

وبهذه المناسبة، يُسعدني أن أوجّه التحية إلى كلّ المحامين الكرام الذين كنّا نراهم دائمًا في الصفوف الأولى للدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية، وفي مقدمهم المحامون أنور البني، خليل معتوق، رزان زيتونة، جيهان أمين، حسن عبد العظيم، عبد الله زريق، عبد الله خليل، إبراهيم ملكي، إبراهيم الحكيم، هيثم المالح، عبد الهادي عباس، سامي ضاحي، مهند الحسني، فيصل بدر، حسين عيسى، والراحلون عبد المجيد منجونة، وبهاء الركاض، وغيرهم كثير لا يتسع المجال لذكرهم في هذه العجالة.

ولا بد لي هنا من أن أشير إلى أن بعض هؤلاء المحامين فُصلوا من النقابة، نتيجة نشاطهم الحقوقي، ولا سيما دفاعهم عن المعتقلين، هذا فضلًا عن قيام المخابرات السورية بشن حملات تخوينٍ لتشويه سمعة المحامين الذين يدافعون عن المعتقلين، ومحاربتهم بلقمة عيشهم، من خلال تخويف الناس وتحذيرهم من توكيل أي من هؤلاء المحامين. 

لا أحد منّا يطلب ثناءً ولا مديحًا على واجب قُمنا -وما زلنا- نقوم به، لكن الحديث عن الاعتقالات والمحاكمات السياسية، سواء لشخصيات وطنية وسياسية أو لناشطين وكتاب وإعلاميين، لا يكتمل، ولا يستوي أبدًا، دون أن يقترن بالحديث أيضًا عن جهود هؤلاء المحامين في الدفاع عن المعتقلين، وتقديم كل عون لهم، ماديًا وقانونيًا وحتى نفسيًا، ولا سيما أن بعضهم دفع حياته ثمنًا، لنحيا، كحال المحامين برهان سقال ومعن الغنيمي وعماد الدروبي وعبد الهادي شيخ عوض.. الخ، وآخرين دفعوا حريتهم ثمنًا لننال حريتنا، وفي مقدمهم المحامون خليل معتوق، رزان زيتونة، ناظم حمادة، عبد الله خليل، رجاء الناصر، وكثيرون اختفى بعضهم قسريًا منذ سنوات في سجون الأسد، وبعضهم في سجون “جيش الإسلام”.

ومع ذلك، يبقى الحديث عن تجربة شخصية وطنية، كتجربة السيد رياض سيف، حديثًا مهمًا، وتستحق هذه التجربة أن نقف عندها ونطّلع عليها، خاصة لمن لا يعرف تفاصيل تلك التجربة التي خاضها السيد رياض سيف في مجال الصناعة والتشريع والسياسية، وهو صاحب الشخصية الوطنية التي لعبت دورًا مهمًا في مقارعة الاستبداد، على امتداد سنوات طويلة، على الرغم من كل الآلام التي عاناها وما زال يعانيها حتى اليوم.

وكل الأمل أن يستكمل السيد رياض سيف نشر سيرته الذاتية التي قيل إنه كتبها في ثلاثة أجزاء، نشر منها الجزء الأول، بانتظار أن ينشر الجزأين الثاني والثالث اللذين يتعلقان بتجربته بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، وبعد اضطراره إلى الخروج من سورية، وبدء مرحلة سياسية مختلفة خارج سورية.

ولطالما أعلن رياض سيف مشكورًا وضع خصوصية تجربته، بحقائقها وتفاصيلها، في مُتناول الجميع، عسى أن تساعد في استخلاص العِبَر والدروس للأجيال القادمة، وإن من حق “شعب سورية العظيم”، كما وصفه في كتابه، أن يكون على بيّنة من كل خفايا تجربته غير المعروفة، بدءًا من تجربته في المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهيئة التفاوض، وكل تلك الهياكل، ورؤيته لما سمّي بالمناطق المحررة، وصولًا إلى موقفه من الأكراد، وقوى المعارضة، والفصائل المسلحة والعسكرة بشكل عام، وكذلك موقفه من التدخلات الإقليمية والدولية في سورية.

مركز حرمون

——————————

سيرة رياض سيف وشهادته للتاريخ .. وقائع سورية/ عمر كوش

الجزء الأول من كتاب “سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ” (مؤسسة الجديد، بيروت، 2020) للمعارض السوري، رياض سيف، (حرره أكرم البني وأسامة العاشور) وثيقة هامة ومعلنة، تكشف حقائق غائبة عن سوريين كثر وسواهم، وترصد أحداث مرحلة مهمة من تاريخ سورية خلال حكم نظام الأسد (بنسختيه الأب والابن) الاستبدادي، تمتد من 1963 إلى 2008، سيما وأن مذكرات الفاعلين في المجال السياسي السوري، وخصوصا معارضي نظام الأسد، نادرة، على الرغم من أنهم عاشوا أحداثا تاريخية حاسمة في التاريخ السوري الحديث.

وإذا كانت السيرة الذاتية السياسية محكومة بما يرويه الأشخاص عن أنفسهم وعن أدوارهم في المراحل والأحداث التي عاصروها، انطلاقا من تجاربهم الخاصة، وأيضاً الجماعية، فإن كتابتها تسهم في تحويل الذاكرة المخفية إلى ذاكرة علنية في متناول الجميع. ولذلك أهمية ما يرويه رياض سيف تكمن في تقديمه شهادة تاريخية للأجيال السورية، وللمؤرخين وللباحثين والدارسين، مع أنها ليست جردة حسابٍ أو تقييما لما قامت به المعارضة السورية وشخصياتها في تلك المرحلة المفصلية، ولم تقدّم نقداً كاشفاً لها.

وتنهض سيرة رياض سيف على سرد تاريخي شخصي لأحداث ووقائع كان فاعلاً ومتأثراً فيها خلال فترات معينة، وهي تعبّر عن تجربته في الحياة العامة السورية خلال فترةٍ تبدأ من تسعينيات القرن الماضي، وتمتد إلى نهاية العشرية الأولى من القرن الحالي، ولا تخرج عن منطق السير الذاتية عموماً في التمركز على الذات، وتضخيم دورها في بعض الأحداث، لكن ما يميّزها أنه من خلال ما عاناه خلال فترة دخوله مجلس الشعب، ثم مشاركته في ربيع دمشق وإعلان دمشق، يكشف فظائع أجهزة نظام الأسد ومافياته وطغمته الفاسدة بحقه.

من الصناعة إلى التشريع

يروي رياض سيف في الباب الأول للكتاب تجربته في مجال الصناعة، وانتقاله إلى العمل في الشأن العام من خلال دوره نائبا مستقلا في مجلس الشعب في فضح الفاسدين، ثم مشاركته في ربيع دمشق عبر جمعية “أصدقاء المجتمع المدني”، وتأسيسه منتدى الحوار الوطني، لينتهي الباب الأول بالحديث عن حيثيات اعتقاله ومحاكمته وسجنه الأول. ويروي في الباب الثاني عن خروجه الأول من السجن، ومشاركته في إعلان دمشق والضغوط والممارسات التي تعرّض لها من أجهزة النظام، والملاحقات والاعتقالات التي طاولت سياسيين وناشطين، وأفضت إلى اعتقاله للمرة الثانية، لينتهي الباب الثاني باضطراره إلى تقديم استقالته من رئاسة الأمانة العامة لإعلان دمشق.

ويروي رياض سيف أنه، في البدايات، استهواه العمل في الزراعة، حيث ورثت زوجته قطعة أرض صغيرة، فراح يقتني كتباً عن الزراعة وأساليبها الحديثة، لكنه توصَّل، بعد قراءة بعضها، إلى أنه ليس ثمّة جدوى اقتصادية يمكنه تحقيقها في مساحةٍ صغيرةٍ من الأرض، فتوجَّه نحو النشاط الصناعي، مرجعاً ذلك إلى أن شروط هذا النشاط وآلياته كانت الأقرب إلى طبيعته الشخصية والأكثر ملاءمة لمرجعيته الأخلاقية، فانطلق، في نشاطه الصناعي في صيف 1963، حيث أسّس مع أخوته شركة قمصان 400 “سيف إخوان”، ثم في 1984 انفصل عن إخوته، وأصبحت شركته مستقلة، ونال نجاحاً متدرّجاً قاده إلى تأسيس “شركة أديداس الجديدة” عام 1993، بعد أن حصل على امتياز تصنيع منتجات شركة أديداس العالمية من الملابس الرياضية، وكانت الأولى من نوعها في سورية والبلاد العربية.

وكان يأمل في “بناء قاعدةٍ صناعية على مستوى البلاد تكون القاطرةَ للازدهار العام”. ولذلك فكر في ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب، ليس فقط لتعميم تجربته “في الصناعة على كافَّة أنحاء سورية من أجل توفير فرص عمل وبناء اقتصاد ومجتمع متطوّرين ومزدهرين، وإنما أيضا لمحاربة الفساد الذي كان يقف عائقاً في وجه فرص التنمية الحقيقيَّة ويُرهق الصناعيّين ومسار التطور الاقتصادي”. وعلى هذا الأساس، خاض انتخابات الدور السادس لما سمّي مجلس الشعب في عام 1994. وبالفعل خاض الانتخابات بنجاح، وحفّزه ذلك على الوفاء لمَن انتخبوه، والتمسّك بما رأه “ضرورياً وصالحاً لخدمة حاجات الناس والدفاع عن حقوقهم”.

وعلى الرغم من معرفته بأن ضمان النجاح في الانتخابات التشريعية وسواها يحتاج إلى ضوء أخضر من الأجهزة الأمنية أو السياسية، أو على الأقل ألا يكون المرشَّح معارضاً للنظام، إلا أنه يعتقد بأنه كان من القلائل الذين خرقوا هذه القاعدة، وهذا يلقي ظلالاً على مدى دقة ما يقول، إذ تقف عوامل عديدة وراء ذلك، لعل أهمها أنه جاء من قطاع الصناعة وكانت لديه علاقات، وهو دمشقي، وليس له ماض أو خلفية سياسية، كونه لم يكن منتسباً إلى أي حزب معارض لسلطة الأسد. ومع ذلك، تعرّض إلى ضغوط عديدة، كي يتمّ تطويعه وتدجينه تحت جناح نظام الأسد. ودخل معارك غير متكافئة مع النظام ومافياته الفاسدة، كانت نتيجتها الطبيعية، في نهاية الدور التشريعي السادس، أنه خرج مهزوماً منها، حيث خسر كل ما جناه في حياته، ومرتهناً لديونٍ وضرائب مُفتَعلة. وكانت الخسارة الأفدح فقدان ولده الأصغر في ظروف غامضة وملتبسة في 2 أغسطس/ آب 1996، ويصفها بأنها عملية اغتيال مُدبَّرة من رؤوس الفساد، لثنيه عن معركته ضدهم وضد فسادهم، والانتقام منه، وإرسال رسالة واضحة عمّا يمكن أن يفعلوه به إذا استمرّ في محاربتهم.

ويبدو أن رياض سيف، مثل سوريين آخرين، انطلت عليهم موجة التضليل التي قام بها النظام خلال ترويج بشار الأسد وريثا لوالده، وما رافقها من تضخيم توجُّهاته الإصلاحية، إلى جانب إلحاح أصدقائه. ولذلك قرّر ترشيح نفسه مرة أخرى لخوض انتخابات مجلس الشعب التي جرت في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 1998، ويعتقد أنه نجح فيها، على الرغم من حالات التزوير والتلاعب المؤكّدة، وقيام قيادات حزب البعث الحاكم ومسؤولي الأمن بحملة مركّزة ضده، بغية محاصرته وإفشاله.

وبعد تزايد المضايقات والخسارات التي تعرض لها من النظام، قرّر سيف بيع حصته في شركة أديداس في 1999، و”التفرّغ للشأن العام والخوض في القضايا الهامة التي تُؤثر على حياة السوريين، وتمسُّ كرامتهم ومستقبل أولادهم وتحفظ البيئة والثروة الوطنية. ومنها قضية عقود الهاتف الخلوي الذي يُفترض أن يوفر دخلاً هاملاً لخزينة الدولة. إضافة إلى حاجة سورية إلى “بناء صناعة متطورة توفر فرص عمل شريف وتكون قاطرة للاقتصاد”. وكانت أخطر القضايا التي تصدّى لها، وكشف خيوطها السرية صفقة عقود الخلوي التي مثّلت أكبر قضية فساد في سورية في ذلك الوقت، حيث منحت شركاتٌ أجنبيةٌ امتياز إدارة مرفق عام تملكه الدولة واستثماره، يتمثل في استثمار التردُّدات. وكان المستفيد الأكبر هو رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، بوصفه أهم المُتربّعين على قمة هرم المافيا الاقتصادية التي كانت تحكم سورية آنذاك، ومكّنه موقعه من الالتفاف على الدستور، وإتمام الصفقة بسرية مطلقة.

ويذكر رياض سيف أن الخوف كان يسيطر على رئيس مجلس الوزراء في تلك الفترة، محمود الزعبي، من تمرير تلك الصفقة كما تدل الوثائق، إذ لم يكن موافقاً على اختيار طريقة الـ “بي أو تي” في التعاقد (بناء المشروع واستثماره سنوات ثم إعادته إلى الدولة). وقد أشاع النظام زوراً أن الزعبي وافق على هذا الخيار، وتمّت إقالة حكومته في اليوم نفسه الذي تم فيه تلبيسه التهمة، الأمر الذي يثير الشكوك في مسألة انتحاره بعد ذلك.

كان فضح رياض سيف صفقة الخلوي من أسباب اعتقاله الرئيسية عام 2001، إذ قبل ثلاثة أسابيع من دخوله السجن للمرة الأولى، زاره أحد أصدقائه وصارحه بأنه مُرسل من محمد مخلوف (والد رامي مخلوف) ليسأل عن مطالبه مقابل التوقف عن التطرُّق إلى صفقة الخلوي، واقترح عليه أن يقدم له 500 مليون ليرة ( 10 ملايين دولار وقتها)، و”يمكنه استلامها في أيّ مكان يرغبه مع حِفظ ماء الوجه”، أي يمكنه أن يبقى معارضاً من دون أن يمسَّ محمد مخلوف شخصياً. وكان جواب سيف توزيع آلاف النسخ من دراسته التي تفضح الفساد في صفقة الخلوي.

ربيع دمشق

يروي رياض سيف بعض أحداث فترة ربيع دمشق بين عامي 2000 و2001، التي عاش فيها المجتمع السوري، وخصوصا نخبه الثقافية والسياسية، ورشةً جدِّية من النقاش حول مختلف القضايا العامة، لم يشهد لها تاريخ المجتمع مثيلاً، إذ بعد موت حافظ الأسد، أراد النظام تمرير مناخٍ من الانفتاح، بغية التمهيد لوصول بشار الأسد إلى سُدَّة الحكم بأقل ردود أفعال شعبية وثقافية وسياسية، والإيحاء بأن عهداً جديداً من الإصلاحات قد بدأ في تلك المرحلة. وقد استثمر المثقفون والناشطون السياسيون السوريون هذا المناخ، وخصوصا أن بعضهم قد صدّق ما ورد في خطاب قَسَم بشار، للدفع باتجاه إيجاد فضاءات للتعبير الحر والمسؤول، وذلك على الرغم من الامتعاض من مسرحية توريثه السلطة.

وتشكّلت في بدايات ربيع دمشق جمعية “أصدقاء المجتمع المدني”، من مجموعة من المثقفين والناشطين السياسيين، حيث يروي سيف أنه، قبل أربعة أيام من موعد اجتماع لإقرار البيان التأسيسي للجان، تلقى دعوة في 30 أغسطس/ آب 2000 لزيارة النائب السابق لبشار الأسد، عبد الحليم خدّام في منزله، حيث نقل خدام له رغبة بشار باستعادة أمجاده الصناعية، كما أبلغه طلب بشار تزويده بتقرير مُفصَّل عن حجم الخسائر التي تكبدها نتيجة تلك المعاملة الكيدية، وإيصاله له عن طريق خدّام نفسه. وجرى اجتماع 3 سبتمبر/ أيلول 2000 كما كان مقرَّراً له، وتمت الموافقة على الصياغة النهائية لبيان “جمعية أصدقاء المجتمع المدني”. واتفق المؤسسون على تكليف رياض سيف بإعلام عبد الحليم خدّام، ورئيس فرع الأمن الداخلي اللواء بهجت سليمان، ببيان التأسيس، كي يطلب منهما المساعدة في الحصول على ترخيص لهذه الجمعية. ويبدو أن سليمان كان على علم كامل بكل ما دار في اجتماعات التأسيس، وأنه كان يتوقع زيارة سيف، وأبلغه رفضه القاطع لقيام مثل هذه الجمعية. كما أن خدّام أبلغه بأن “هذه ليست جمعية، هذا بلاغ رقم واحد لانقلابٍ تخطّطون له تحت يافطة المجتمع المدني، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتمّ”. ومع ذلك، قرّر مؤسسو الجمعية ضرورة أن تُتابع نشاطاتها من دون ترخيص، لكن سيف قرّر افتتاح منتدى للحوار الوطني في منزله، وأن تقام جلسات حوار أسبوعية، تبدأ بطرح موضوعات خاصة بثقافة المجتمع المدني.

ومن المعالم البارزة في ربيع دمشق إصدار مجموعة من المثقفين والناشطين “بيان المثقفين الـ 99” في 27 سبتمبر/ أيلول 2000 ثم “بيان الألف” في بداية عام 2001، اللذيْن وجّها نقداً علنياً للنظام، ودعوا إلى التغيير الديمقراطي. وفي أعقاب ذلك، تشكلت “لجان إحياء المجتمع المدني”، وانتشرت ظاهرة المنتديات الحوارية في أرجاء سورية، وأسّس رياض سيف “منتدى الحوار الوطني” في 13 سبتمبر/ أيلول 2000، ثم خطا خطوةً نحو مشروع تأسيس حزب سياسي، معتقداً أن “عدداً من المثقفين وأساتذة الجامعة والسياسيين المُخضرمين سيكون متحمّساً للفكرة”، وسوف يساعدونه في إنجاز هذا المشروع، لكن أمله خاب. ومع ذلك ناقش ورقة المبادئ الأولية لمشروع الحزب الذي حمل اسم “حركة السلم الاجتماعي” مع الحاضرين في جلسة “منتدى الحوار الوطني” في 31 يناير/ كانون الثاني 2001.

وكان النظام بالمرصاد للخطوات التي كان يقوم بها رياض سيف وأترابه، فقرّر رئيس مجلس الشعب الموافقة على رفع الحصانة عنه، ثم مثل أمام قاضي التحقيق الأول بدمشق، ووجَّه إليه “تُهماً بجرم الاعتداء الذي يستهدف تغيير الدستور بطرقٍ غير مشروعة، وإثارة النَّعرات المذهبية وتشكيل جمعيةٍ سريةٍ لأغراض مخالفة للقانون، وتولي منصب رئيسها، وعقد اجتماعات مخالفة للقانون”.

وفي 7 سبتمبر/ أيلول 2001 تمّ توقيفه في سجن عدرا، بِناء على أمر من الحاكم العُرفي، ثم صدر حُكم بسجنه خمس سنوات، في 3 أبريل/ نيسان 2002 مع الحَجر والتجريد من الحقوق المدنية. كما جرت حملات اعتقالات عديدة لناشطين كثر في تلك الفترة، وسجن عدد منهم سنوات عديدة.

السجن وإعلان دمشق

امتدت فترة السجن أربع سنوات ونصف السنة تقريباً، وقرّر رياض سيف فيها الاستفادة صحّياً وثقافياً، بممارسة الرياضة والإقلاع نهائياً عن التدخين، ودراسة اللغة الإنكليزية وقراءة منظمة ومُمنهجة لكتب في السياسة والتاريخ. وخلال وجوده في السجن، أصدر سياسيون وناشطون وثيقة “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، والتي أعلنت قيام تحالف بين أحزاب وشخصيات سورية عديدة، ووقع عليها بصفة مُستقل. وقبل خروجه من السجن، طلبت سلطات النظام منه توقيع تعهّد يعترف بأنه كان على خطأ وكان مُذنباً، لكنه رفض وخرج من السجن أكثر تصميماً على الكفاح من أجل الحرية. ثم واصل نشاطه السياسي ضمن أطُر إعلان دمشق، مقرّراً “العمل على جعله وازناً عبر عقد مجلسٍ وطني، أو مؤتمر عام، يُكسب الإعلان حضوراً مُعتبراً، ومزيداً من المصداقية والشرعية أمام الشعب السوري والعالم”.

ولم تتقبل سلطات الأسد نشاطات رياض سيف المتنوعة، حيث سارعت مختلف أجهزة الأمن إلى استدعائه بشكل متكرّر، وتهديده وتحذيره من مواقف وتصريحات أعلنها في الصحافة، وراقبت علناً تحرّكاته، وضيقت نشاطاته في العلاقة مع أوساط إعلان دمشق، ومع وسائل الإعلام، كما حاصرت أسرته، وقامت بإرهاب وسطه العائلي والاجتماعي. واعتقلت سلطات نظام الأسد سياسيين وناشطين سوريين، لتوقيعهم على وثيقة إعلان “بيروت – دمشق/ دمشق – بيروت” في 12 مايو/ أيار 2006، التي طالبت بإبراز الروابط التاريخية بين البلدَين، وبوقف أساليب الوصاية والعنف والاغتيالات التي طاولت شخصياتٍ من المعارضة اللبنانية وفي بريطانيا. فتشكلت “جبهة الخلاص” من تحالف جماعة الإخوان المسلمين في سورية مع عبد الحليم خدّام، النائب السابق لبشار الأسد وأحد رموز الفساد والاستبداد في سورية. ولم ينسق “الإخوان” مع أطراف إعلان دمشق الذي كانوا جزءاً منه. وعقدت هذه الجبهة مؤتمرها التأسيسي في لندن في 5 يونيو/ حزيران 2006. وفي 9 يناير/ كانون الثاني 2009، جمَّد الإخوان المسلمون معارضتهم النظام السوري في أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة. ويخلص سيف من ذلك إلى “عدم التعويل على الإخوان المسلمين كحليف سياسيٍ حقيقي لبناء نظامٍ ديمقراطي، مع الاستمرار بدعم جهود المنظمات المدنية والحقوقية لإلغاء القانون رقم 49 لعام 1980 المتعلق بالإخوان المسلمين”، لكن تجربته في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة تؤكّد عدم التزامه بذلك.

ويروي رياض سيف أنه على الرغم من توافقه مع موقف إعلان دمشق من العلاقة مع الخارج، إلا أنه كان يشجّع دوماً “على الانفتاح على العالم، وإيجاد التقاطعات مع سياسات الدول التي نُنسّق معها في القضايا التي تَخدم مصالحنا كشعب، وأهداف إعلان دمشق كجزء حيوي من هذا الشعب يُعبّر عن تطلعاته وتوقه للحرية”. وقد شكلت العلاقة مع الخارج قضية خلافية داخل قيادة الإعلان بين تيار ليبرالي، تُمثله مجموعة “ربيع دمشق”، والإسلامِيين المستقلّين وقوى كردية وآشورية وحزب الشعب الديمقراطي وبعض أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي، وتيار قومي يساري، يُمثله أحزاب الاتحاد الاشتراكي والعمل الشيوعي واليسار الكردي. أما “تمويل الإعلان فكان ذاتياً بشكل مطلق من الاشتراكات والتبرّعات للأعضاء والأحزاب المنضوين فيه”.

ويروي رياض سيف ما دار بينه وبين موظفين ومسؤولين أوروبيين وأميركيين، حيث يذكر أنه في أواخر عام 2006 التقى في مكتبه في دمشق موظفا كبيرا في السفارة الأميركية، وأبلغه قرار الإدارة الأميركية تخصيص مبلغ لدعم المعارضة السورية، وسألَه عن احتياجاتها. وبعد التشاور مع سياسيين مقرَّبين منه، “استقر الرأي مطلع عام 2007 على أن ما تحتاجه المعارضة هو قناة فضائية لإيصال صوت المعارضة للسوريين في الداخل والخارج، ولكسر الحصار المفروض عليها من قِبل أهم القنوات العربية”. وحين سئل عن الجهة التي يثق بها والمتابعة معها لإنجاز هذا المشروع، قام بترشيح “حزب العدالة والبناء” المسجّل في لندن، وكان عضواً في إعلان دمشق، وتولى مشروع تنفيذه كل من أنس العبدة وأسامة المنجد، اللذان أرسلا خمسة آلاف دولار إلى رياض سيف، بعد أشهر من اعتقاله ثانية في يناير/ كانون الثاني 2008 عن طريق ابنته، لكنه أخبرها رفضه المبلغ. وحين تكرّر إرسال المبلغ نفسه ثانية، طلب منها أن تتصل بكل من المنجد والعبدة، من قيادة حركة العدالة والبناء، لتشكر كلا منهما على حدة، ما قدَّماه، والاعتذار عن قبول أي مبالغ إضافية”. وفي أثر تسريبات “ويكيليكس”، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريراً في 20 أبريل/ نيسان 2011، يفيد بأن الخارجية الأميركية حوَّلت نحو ستة ملايين دولار منذ 2008 لصالح منفِيّين سوريين من أجل إطلاق قناة تلفزيونية لصالح قوى المعارضة تبَثُّ من لندن سُميتْ “قناة بردى”، التي بدأت بثها في أبريل/ نيسان 2009.

ويذكر رياض سيف أنه، بعد خروجه من سورية، اجتمع بأنس العبدة، أمين عام حركة العدالة والبناء، وطلب منه “معلومات واضحة عن موضوع قناة بردى، فأقرَّ بأنه تلقَّى ستة ملايين دولار من جهات أميركية لإطلاق قناة فضائية، وُزعت حسب قوله إلى قسمين: ثلاثة ملايين دولار لتجهيزات اشترتها مؤسسات أميركية، وثلاثة ملايين دولار أخرى استلَمها العبدة وأنفقها، حسب قوله لتَغطية، تكاليف التأسيس والتشغيل”، لكن موضوع القناة أثار مسألة عدم شفافية كل من العبدة والمنجد، حسب روايات ناشطين وسياسيين سوريين.

خلافات الإعلان

مع تراجع تفكير رياض سيف في “عمل حزبي مستقل، راح يعمل ضمن أطر إعلان دمشق، لجعله وازناً عبر السعي إلى “عقد مجلس وطني أو مؤتمر عام يُكسب هذا الإعلان، حضوراً مُعتبراً، ومزيداً من المصداقية والشرعية أمام الشعب السوري والعالم”، لأن مثل هذا المؤتمر سوف يُعزّز الشرعية التعاقدية لهذا التجمع السياسي ويُوسّع المشتركات، ويمد الهيئات السياسية القيادية بالرُّؤى والتصورات والطاقات”.

وقد عقد اجتماع المجلس التأسيسي لإعلان دمشق في 20 فبراير/ شباط 2007، بحضور عدد من أعضائه، المجلس الوطني للإعلان، وتوافقوا على تشكيل أمانةٍ عامةٍ ولجان للمحافظات وأخرى للخارج، وعلى عقد مؤتمر وطني. وبعد سلسلة طويلة من الاجتماعات، “استغرَق التحضير للمجلس الوطني لإعلان دمشق نحو سنة ونصف السنة تقريباً، من الشهر السادس 2006 إلى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2000. وكان جوُ الاجتماعات إيجابياً، بوجه عام، تتخلَّله مشاحنات بين رياض الترك وحسن عبد العظيم، بين الحين والآخر”. وعُقد المجلس الوطني الموسَّع في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2007، وجرت انتخابات الأمانة العامة التي انتخبت بدورها هيئتها الرئاسية المُكوَّنة من خمسة أعضاء، ثم انتخبت هيئة الرئاسة رياض سيف رئيساً لها.

وبعد أقل من أسبوعٍ على انعقاد المجلس، فوجئ أعضاء من إعلان دمشق بإصدار حزب الاتحاد الاشتراكي في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2007 بيان تجميد نشاطه في الإعلان “مدَّعياً وجود خلافات عميقة سياسية ومنهجية مع قوى الإعلان الليبرالية، وحذا حذوه في اليوم التالي حزب العمل الشيوعي وأصدر بيان تجميد لنشاطه في الإعلان أيضاً”.

ولم تتأخر أجهزة الأمن السورية في مختلف المحافظات عن ملاحقة واستدعاء أعضاء من قيادات إعلان دمشق، إذ قامت في 9 ديسمبر 2007 بتوقيف 46 ناشطاً ممن حضروا اجتماع المجلس الوطني، وأطلقت سراح 34 منهم بعد فترات تتراوح بين عدَة ساعات وعدة أيام، فيما جرى اعتقال 12 عضواً من القيادات المنتخبة أو المشاركين الفاعلين في المجلس، وجرت محاكمتهم والحكم عليهم بمدة سنتين ونصف لكل منهم. ويبدو أن ناشطي إعلان دمشق نسوا أنهم يعيشون في دولة الاستبداد والديكتاتورية الأسدية، والأرجح أنهم لم ينسوا، لكنهم أرادوا تسجيل موقف، والتعبير عن حقهم الطبيعي في المشاركة بالحياة السياسية مهما كان الثمن.

واعتقل رياض سيف في 29 يناير/ كانون الثاني 2008، ووجهت له التهم نفسها التي اعتاد نظام الأسد توجيهها للمعارضين، “وهي الانتساب إلى جمعية سرّية بقصد تغيير كيان الدولة السياسي والاقتصادي ونشر أخبار كاذبة من شأنها أن تُوهن نفسية الأمَّة وإضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعَرات العنصرية والمذهبية والنَّيل من هيبة الدول”. ويروي رياض سيف أنه حين دخل السجن، والتقى بزميله المعارض ميشيل كيلو، وروى له ما جرى عند انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق، فوجئ بردَّة فعله الغریبة، حين قال “إنَ الإعلان خُطف، وأنه هو من كتبه وأسَّس له، والآن يقفز كل واحد ويدَّعي أنه هو الذي عمل وهو الذي أنجز”، فأجابه سيف بأن “لا أحد یُنكر أن میشیل كیلو وجورج صبرا وآخرين ساهموا بتأسيس الإعلان”، “ولكن هذا لا يعني أن يبقى الإعلان حكراً على من كتبه، لأنه ملكٌ عام وإنجازٌ وطني وليس قضية شخصية”. وبعد ذلك سار كل منهما في طريق مختلف.

وخرج رياض سيف من السجن في أواخر يوليو/ تموز 2011، بعد أن قضى فيه عامين ونصف العام، في ظروف قاسية جداً وغير إنسانية، وقد تعاون المرض والمُعاناة للنَّيل منه، حيث شعر بأنه بات غير قادر على العطاء وقيادة المجلس الوطني لإعلان دمشق، لذلك أعلن استقالته منه، وبذلك أسدل الستار على مرحلة صعبة ومهمة وغنية من مساره السياسي.

والحاصل أن رياض سيف قدم، في سيرته، روايته لدوره في الشأن العام السوري خلال مرحلة معينة، ويريد لها أن تقدّم شهادة للتاريخ. ولم تتضمن نقداً أو تقييماً أو مراجعة لدوره وأدائه أو أدوار سواه وأدائهم في المشهد السياسي السوري المعارض، بل تضمّنت روايته عن أحداث هامة جرت في سورية، ويأتي فيها على تبيان أدواره ومواقفه وأدائه فيها، وشاركت في تلك الأحداث شخصيات سياسية وثقافية ومدنية عديدة، لعبت أدواراً مهمة فيها. لذلك فالباب مفتوح أمام تلك الشخصيات لتقديم روايتها التي قد تتفق أو تختلف مع رواية رياض سيف، وبما يفتح نقاشاً عاماً عن تلك المرحلة والمراحل التي لحقتها أو سبقتها، بغية إغناء المشهد وتناوله من مختلف الجوانب. ولعل من يقرأ سيرة رياض سيف سينتظر قراءة الجزء الثاني للسيرة، الذي عليه أن يحكي عن مرحلة الثورة السورية وتشكيل هيئات المعارضة السياسية وكياناتها التي يقال في شأنها الكثير.

العربي الجديد

———————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى