صفحات الحوار

حوار مع المخرجة التونسية مفيدة تلاتلي ينشر في ذكرى رحيلها

صنفت مجلة الـ TIME فيلم مفيدة تلاتلي الأول < صمت القصور > من أجمل وأجود عشرة أفلام منتجة في عام 1995.

أجرى الحوار: حسين الشيـخ

 نرغب أن تقدمين نفسك إلى القراء.. الطفولة، الدراسة، التجربة السينمائية والحياتية…الخ؟

 ولدت في تونس، في أوائل سنوات الاستقلال، كانت طفولتي مشابهة للطفولة في الوطن العربي بشكل عام، كان يغلب عليها الصمت، عانيت من هذه الطفولة، لكن أجواء الألفة في العائلة العربية أشعرتني بالسعادة في الكثير من الأحيان، ثمة تساؤلات كبيرة بدأت تهز روحي، وكنت أبحث عن من يجيبني عليها، ولكنني اكتشفت أنني أستطيع العثور على تلك الإجابات عن طريق الصمت، وترجمة النظرات المتبادلة بين الكبار بعد كل تساؤل، كانت هناك خلافات وتناقضات في عائلتي، لذلك كانت أسئلتي تكبر. كانت طفولتي متركزة بشكل أو بآخر على قراءة لغة العيون، لذلك كانت مدرستي الأولى في تعلم ما يخبئه الصمت.

أحببت على الدوام أن أعيش طفولة وحياة مغايرتين عن التي عشتها. بعد أن أتى الاستقلال، تغيرت أوضاع البلاد بين ليلة وضحاها، وأيضاً الأحوال المحيطة بالمرأة كان لها نصيبها من التغيير. لم أشأ أن أعيش حياة أمي وجدتي اللتان لم يكن لديهما إمكانية القراءة والتعلم بالمدارس، لم يكن مسموحاً لهما الخروج بحرية، لم يكن لهم أية اهتمامات شخصية، لذلك نزعت إلى اختيار طريقي الخاص المغاير، درست في البداية في تونس، وعندما أردت إكمال دراستي الجامعية في فرنسا، لقيت معارضة كبيرة، لكنني تغلبت عليها. لقد قررت أن أعيش كامرأة متحررة، أن أدرس وأعمل، وأكون فعالة في المجتمع. أعتقد أنني جئت في مرحلة تاريخية مناسبة وفرت لي إمكانية التعلم والتحرر، وخصوصاً حين ساعدنا القانون التونسي المتعلق بالمرأة والذي كان من أوائل القوانين المتعلقة بحرية المرأة في الوطن العربي.

درست السينما في فرنسا، وهناك التقيت بزوجي الذي كان عليه البقاء في فرنسا لمدة ثلاثة سنوات ليكمل دراسته، عملت إثناء ذلك في التلفزيون الفرنسي، وبعد ذلك عدت إلى تونس ، لم أجد عملاً في الفترة الأولى، لضآلة وندرة الإنتاج السينمائي فيها، عملت بعد ذلك كـ < مونتيرة > في الأفلام القصيرة والطويلة لمدة عشرين عاماً حتى أخرجت فيلمي الأول < صمت القصور> في هذه الأثناء كبرت ابنتي، وبدأت الأسئلة الهامة تطرق روحها، إنها ابنة لامرأة تعلمت وساعدتها الظروف والقوانين على التحرر، أعتقد أنني نقلت إلى ابنتي كل الأفكار الموضوعية التي أحملها، هل صحيح ما فعلت!؟ أنقل لها تجربتي في التحرر والتعلم، وأنا أعرف أنها ستواجه مجتمعاً لم يتغير كثيراً عملياً، لكنني في المقابل أعرف أن لمجتمعنا عادات وتقاليد وثقافة وحدود خاصة لا يمكن للمرء أن يتجاوزها بسهولة، ولعل السؤال الهام الذي كان يتردد على روحي باستمرار: كيف أربي ابنتي؟ هل أستخدم نفس المفاهيم التي حصلت عليها من أمي؟ وقررت إذا اختارت ابنتي نموذج التحرر الغربي فإنني يقيناً سأحذرها وأنبهها بأنها ليست امرأة غربية، إنها امرأة عربية ومسلمة وعليها احترام ذلك، عليها الإحساس بالمجتمع الذي تعيش فيه، بالتغييرات التي تحدث في داخله، في العلاقة بين الرجل والمرأة فيه، لكي لا تحس بالاغتراب والبعد عن هذا المجتمع، لعلني ربيت ابنتي ولو بشكل غير واعٍ بالطريقة نفسها التي اتبعتها أمي في تربيتي.

 صنفت مجلة الـ < TIME > فيلمك < صمت القصور > من بين أجود وأجمل عشرة أفلام منتجة في عام 1995، ووضعتك بين مصاف مخرجين كبار ، ما هو إحساسك الداخلي بهذا التصنيف؟

 شعرت بأن الاحساسات العميقة والدافئة التي وضعتها في الفيلم قد وصلت إلى الناس، لذلك أحبه الناس، هذا الفيلم هو تجربتي الأولى، خطوتي الأولى، ولم تكن هذه الخطوة خائبة، لكنني أشعر بالخوف من هذا التصنيف، أخاف من نفسي أولاً، ليست لدي التجربة الكافية لأكون على ثقة كبيرة بنفسي، لست أستطيع القول عن نفسي أنني مخرجة عظيمة وسأنجح في كل عمل سأقوم به، يجوز أنني نجحت في هذه التجربة لأن موضوعها كان حساساً بالنسبة لي، يمكن حين سأختار موضوعاً آخر ربما سأفشل فيه، لذلك أخاف حين يقولون لي أن الجمهور ينتظر عملاً ثانياً، هذا الجمهور الذي أحب فيلمي الأول، لا أريد أن يخيب ظنه فيّ، يجب أن أعمل من الآن فصاعداً بجهد أكبر، وحين أعمل فيلمي الثاني يجب أن أبحث عن فكرة قوية تتلبس روحي مثل تلك التي تلبستني في < صمت القصور > حينها سأبدأ بالعمل، وإلا فسأعود إلى المونتاج وتركيب الفيلم وأترك تعب وقلق وهموم المخرج.

 نود سؤالك حول مدى استفادتك إبداعياً من العمل مع مخرجين جيدين أمثال مرزاق علواش، فريد بو غدير، وميشال خليفي، وغيرهم؟

 كانت تجربتي معهم مثيرة ومفيدة، تجربتي معهم كانت حياتي، وعندما أتذكر ذلك أدرك كم كانت غنية تلك التجارب، لقد تعلمت منهم وتكونت خبرتي السينمائية عبرهم. منذ الفيلم الأول < سجنان > الذي منحني المخرج < عبد اللطيف بن عمار > ثقته رغم أنه لم يكن يعرف إمكانياتي بعد، وهل سأكون بحجم هذه التجربة أم لا ؟ كانت تلك الثقة شيئاً عظيماً بالنسبة لي، لقد عملت مونتاج ذلك الفيلم، وكانت تلك بالنسبة لي التجربة الأولى لعمل مونتاج فيلم طويل، وكنت قد أنجزت قبل ذلك مونتاج فيلم قصير. دراستي السينمائية كانت مفيدة فيما يخص دراسة الأفلام المتنوعة الأجنبية، لكن مستوى التعليم آنذاك لم يكن متطوراً بما فيه الكفاية ليعطيك خبرة عملية في التركيب والتقنية، كان عليّ أن أتعلم وأنا أعمل. بعد ذلك كل فيلم عملت فيه كان بمثابة فرح آخر يزين روحي. كان الحوار الذي يدور بيني وبين المخرجين الذين تعاملت معهم مفيداً وهاماً، ينتج عنه بعد ذلك محبة عميقة من المخرج ومني للفيلم الذي عملناه، يبدو الفيلم في أغلب الأحيان كطفلٍ صغيرٍ صنعناه أنا والمخرج وطاقم العمل، لذلك كان علينا أن نحافظ على طفلنا حتى بالرغم من نقائصه وأخطائه. لقد تعلمت واستفدت الكثير جداً من كل المخرجين الذين عملت معهم، كلهم كانوا ولازالوا أحباء أعزاء.

 كيف استطعت حل المعادلة الصعبة وهي الجمع بين الإخراج والمونتاج، وتقديم فيلم مميز مثل < صمت القصور >؟

 لقد كنت وحدي بالفعل، كان الوضع صعباً جداً، والإمكانيات المادية ضئيلة، عملت المونتاج لأننا لم نكن نملك النقود اللازمة لإعطائها إلى مونتير آخر. عملنا الفيلم بنصف الميزانية المقررة له، والباقي كله ديون للتقنيين والممثلين ولنفسي، وحتى الآن لم أحصل من الفيلم على أي مردود. المسألة الصعبة الأخرى كانت مسألة الوقت، فعندما رأى المنتج الفيلم قرر بأنه يجب أن يشترك في مهرجان كان السينمائي، لقد كانت الفترة قصيرة للغاية، صورت الفيلم في ديسمبر، ومهرجان كان يعقد في مايو، ويجب أن يتم تقديم الفيلم في إبريل لـ اللجنة المحكمة، وكان عليّ أن أنجز المونتاج والمكساج و < التيراج كوبي > خلال تلك الفترة القصيرة. وإذا أردنا الاستعانة بمونتير آخر فلن يقبل بإنجاز ذلك في تلك الفترة القصيرة جداً، عملت المونتاج في سبعة أسابيع وعملت إثناءها من الثامنة صباحاً حتى الثالثة صباحاً يومياً. من الذي يقبل العمل ضمن هذه الشروط؟ وأنا أعرف المادة التي أنجزتها، لقد حذفت ساعة كاملة من الفيلم، كان الوضع صعباً جداً، وكنت أتمنى أن يعمل الفيلم مونتير آخر لكان أغنى العمل برؤيته الخاصة أيضاً.

يطرح فيلمك < صمت القصور > مشكلة المرأة ورغبتها في التحرر والانطلاق، نريد السؤال هل هي رغبة بالتحرر من الماضي أم رغبة العودة إليه، ولا سيما بعد أن اكتشفت < علياء> بطلة الفيلم أن الحاضر بشكل أو بآخر لا يختلف عن الماضي؟

 لقد بدأ الفيلم بـ < علياء > وهي تغني، علياء مغنية، وحامل من رجل تعيش معه، ولا يريد الزواج منها ولا الاحتفاظ بالطفل، لقد كانت في حالة صعبة للغاية، المجتمع لم يقبلها كونها مغنية، فما بالك وهي حامل من رجل لا يريد الزواج منها، كانت تعيش إذن في مشاكل كبيرة،. وعندما تذهب إلى القصر الذي عاشت فيه مع أمها التي كانت تعمل كخادمة في ذلك القصر، تعود بها الذاكرة إلى أحداث حياتها الماضية، وحياة أمها، إلى أن يصل الفيلم إلى نهايته. وبعد أن تقارن حياتها بحياة أمها، تصل إلى نتيجة مفادها بأنها تمر بنفس الحالة التي عاشتها الأم، الأم ماتت من أجل أن تحقق لابنتها مصيراً يختلف عن مصيرها، من أجل أن تحقق لها حياة أفضل، علياء تعيش نفس ظروف أمها الصعبة، وتقرر في النهاية مع إدراكها الكامل للصعوبات الجمة التي تنتظرها أن تحتفظ بالطفل الذي في داخلها، وتتمنى أن يكون الطفل القادم بنتاً، لكي تجرب أن تربي ابنتها، علها تنجح بما لم تنجح به أمها، لعل الجيل الجديد يستطيع التحرر، يستطيع تقرير مصيره بنفسه، هذا أمل علياء الذي هو بنفس الوقت أمل الفيلم.

لقد حدث لعلياء ما حدث لأمها، هذا شيء أؤمن به جداً، ولعلني بسبب ذلك عملت الفيلم. فعندما كبرت وعشت حياتي بشكل يختلف عن حياة أمي، وعندما بدأت بتربية ابنتي، وجدت نفسي وكأنني أمي، نفس الكلام الذي أقوله لابنتي، كانت أمي قد قالته لي ذات يوم، رغم أنني تبدلت، وتغيرت، وقرأت، وسافرت، وزوجي رجل منفتح جداً ويحب الحداثة، رغم كل ذلك فالميراث الذي أورثتني إياه أمي بصوت وبدون صوت، حتى بصمت، كان أقوى من كل شيء آخر، تلك القوة المُتضمنة في ميراث أمي دعتني لكي أفهم أكثر، وأتساءل هل تتحرر المرأة بقانون يقول لها أنت حرة، فتصبح حرة، أم أن هناك أشياء أخرى مثل مشاركتها الفعالة في المجتمع وفهمها لهذا المجتمع وعقلية الرجال فيه. هذا الهاجس كان يلاحقني عندما عملت الفيلم، إنني خائفة على ابنتي، لأن المجتمع لم يتحرر بعد كما يزعم القانون، العقلية في الداخل لا زالت كما هي، والتغييرات التي تعتريها بطيئة بشكل كبير، التغيير لا يتم بالعصا من جهة، والمرأة حين تريد التحرر فلا أعتقد أنها يجب أن تنفصل عن المجتمع أو عن الرجل، علينا العمل على التغيير بهدوء، حتى نصل إلى الهدف الذي يتماشى مع شخصيتنا وتقاليدنا وديننا، لا نستطيع أن نتبنى النموذج الأوروبي، لا يمكن للمرأة العربية أن تكون متحررة النمط الأوروبي لأن تلك الحرية ستكون مزيفة. المرأة الأوروبية لديها ثقافتها وتقاليدها ودينها وحضارتها، وأنا لدي أشياء أخرى مختلفة ولا أريد خسارتها لأنها أشياء جميلة برأيي، أشياء في الحضارة والتقاليد، وأنا متمسكة بها ولا أريد التفريط بها، وإلغائها، ومن ثم لنتحرر. يجب أن نُخضع التغيير لبطء مقصود.

 فيلمك دار في قصر بورجوازي كان مرتبطاً بالحكم والاستعمار آنذاك، دخول أحد الشباب الوطنيين المناضلين من أجل الاستقلال إلى القصر، دعانا لأن نفكر بأنه هو البديل، لكننا تفاجئنا به بعد الاستقلال وهو يتخلى عن كل المبادئ التي كان ينادي بها قبل ذلك، ما هي الرسالة التي رغبت في إيصالها إلى الناس عبر ذلك؟

 الاستعمار كان موجوداً في أغلب البلدان العربية، وفي كل تلك البلدان وجد مناضلون ناضلوا وكافحوا من أجل الاستقلال. وهذا هو شأن الشاب الوطني، لقد كان جدياً حين قال لـ علياء بطلة الفيلم بأن البلاد ستتحرر، وستتحررين أيضاً، ستصبحين في المستقبل مغنية كبيرة، وسأتزوجك. لقد كان مؤمناً بالفعل بكل ما يقوله، ولكن حين تبدل الوضع وحصلنا على الاستقلال، رأينا أن الكثير من الأشياء لم تتغير، وبقي الكثير من إرث الماضي، ورغم أن الرجل كان تواقاً للتغيير، لكنه واجه الكثير من الأمور لم يستطع وحده مقاومتها، لقد كان الشاب مشابهاً بعض الشيء لبورقيبة الذي أصدر قوانين تحرر المرأة . أنا لا أؤمن أن بالإمكان تغيير المرأة عن طريق القوانين، القوانين مهمة جداً، ولكنها لا تكفي لتحرير المرأة، المهم هو تغيير العقلية. لا يمكن أن تقول لعبد ما أنك اليوم عبد وغداً سأحررك بالقوانين، لن يستطيع التحرر، وإذا مارس حريته، فسيمارسها عبر خوفه العميق والقديم، أما عقليته وعقلية السادة فلن تتغير بين ليلة وضحاه، وسيكون هناك الكثير من المشاكل الجدية. وهذا الشاب الوطني في الفيلم رغم أمانيه وأحلامه بتغيير المجتمع نجده يفشل في تحرير ذاته بعد الاستقلال. الاستقلال لم يجلب لنا الحرية . بل واجهنا بمشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العويصة.

 يقال أن بعض الأفلام المغاربية بالإضافة إلى صعوبة اللهجة فيها مما يمنعها من الانتشار في العالم العربي، فإنها بالإضافة إلى ذلك تحاول تقديم صورة للمرأة العربية يرضى عنها الغرب، أو تلبي النظرة المسبقة عن المرأة العربية هناك، هل تظنين أن فيلمك يصب في هذا الاتجاه؟

 مشكلة اللهجة تعتبر من المشاكل الرئيسية، وتعتبر كعائق أمام انتشار الفيلم في الوطن العربي هذا صحيح تماماً، وأنا أحاول حل هذه المشكلة عبر التوصل إلى لغة مبسطة يستطيع الجمهور فهمها في أي مكان من العالم العربي، عوضاً عن استعمال اللغة العربية الفصحى الثقيلة على الحوار.

أما بالنسبة إلى الشق الثاني من السؤال، فإنني بإخلاص، لم أفكر لحظة واحدة حين كنت أعمل في الفيلم بالجمهور الغربي، جمهوري الأول الذي كنت أفكر فيه هو الجمهور التونسي ومن ثم الجمهور العربي. الفيلم هو عبارة عن حوار دافئ ذو شجون مع أمي ومن ثم ابنتي. لم يكن للجمهور الغربي أي وجود في مخيلتي، حتى ولو أن هذا الفيلم وجد له مكاناً في مخيلة المتفرج الغربي عن المرأة العربية. لكنني أردت أن أنقل وضعية المرأة العربية بشكل حقيقي في ذلك الزمان، وأعتقد أنني نقلت ذلك بأمانة. أحببت أن أصور فيلماً خاصاً جداً، في داخل قصر يمكن أن يوجد في أي بلد من البلدان العربية، ربما لو أردت تصوير حياة امرأة عادية في بيت عادي لاختلف الأمر جداً، لكنني أردت من بطلتي أن تبحث عن هوية خاصة ، وكان يجب أن تكون في هذه الخصوصية التي جسدتها في الفيلم.

 رغم أن فيلمك كما تقولين غير موجه للغرب، لكنه نجح في الغرب نجاحاً كبيراً، رغم أنه يضم مشاهد بعيدة عن الثقافة الغربية < مشهد المرأة وهي تضرب نفسها لتجهض > لماذا برأيك يهتم الجمهور الغربي بمثل هذه الأفلام التي تتمحور حول المرأة العربية؟

 لقد عملت الفيلم من أجلي، من أجلنا نحن العرب، كنت أفكر بمشاكلنا نحن، لم أكن أفكر بالسوق وبالجمهور الغربي، الفيلم بالنسبة لي كان من ضمن محاولاتي المستمرة لفهم ذاتي، لفهم موقعي كامرأة عربية ومسلمة في مجتمع عربي ومسلم، لفهم قدرتي على تربية أولادي، ونقل تجربتي لهم، واكتشاف مكامن الخطأ والصواب فيها.

الفيلم حين يراه الغربي ويعجب به، فإنه سيرى حياة المرأة في المجتمع العربي، ذلك ليس مشكلة بالنسبة لي، لأنني لم أبالغ في تصوير هذه الحياة، بعيداً عن قضية المرأة، لقد كان انبهار المرأة الغربية بحياة المرأة في القصر واضحاً جداً،بطريقة تحضير الطعام، بالملابس، بالحضارة العربية نفسها، بكل ما هو جميل في حياتنا، حتى بالنسبة لقيم وأخلاق وكبرياء المرأة العربية، واستغربوا أن يكون حتى لخادمات القصر < البطلات الحقيقيات للفيلم > قيم وأخلاق وكبرياء. اندهاش الجمهور الغربي بالفيلم كان واضحاً، ولكن لم يكن يهمني إن أعجبهم الفيلم أم لا، لقد قدمت صورة مليئة بالأحاسيس عن حياة المرأة العربية . السينما الغربية قدمت لنا بشكل عام صورة < حقيقية أم مزيفة > عن واقع المجتمعات الغربية ودعتنا لأن نستهلك هذه الصورة بغض النظر عن صحتها. لماذا يحاول الغرب دائماً ابتلاع حضارتنا، الأفلام الأمير كية مليئة بالعنف والقتل الموجودين في المجتمع الأمير كي، ونجد أنفسنا نشاهد مثل تلك الأفلام، رغم عدم وجود مثل هذه المظاهر في مجتمعاتنا، فلماذا لا يقبل الجمهور الغربي هذه الصورة الصادقة عن حياتنا. لا أقول ذلك لأدعو إلى الانغلاق والتقوقع، يجب أن نتفاعل مع الحضارات الأخرى كالحضارة الغربية مثلاً، والتي يجب عليها التفتح على حضارتنا وليس هضمها كما يحصل. يجب الاعتراف بأن هناك حضارات مهمة غير الحضارة الغربية.

رسالتي في الفيلم التي كنت أرغب في إيصالها يجب أن تصل إلى الغربيين أيضاً، رغم سوء الفهم الذي يحصل أحياناً، لكن من المهم الاستمرار في تقديم حضارتنا وثقافتنا عبر السينما.

في نهاية الأمر كان تقبل الجمهور الغربي للفيلم بشكل غير متوقع، لعله بعد ذلك لم يعد يتأسف ويفتعل الحزن على واقع المرأة العربية. لقد أعجب الفيلم النساء في فرنسا وفنلندا وأميركا، لقد شعرن بأن المشاكل التي يطرحها الفيلم عن واقع المرأة العربية ليست خاصة بالمرأة العربية فحسب، بقد ما هي مشاكل تعم كل النساء في العالم كله، مشكلة المرأة موجودة في كل مكان، والكثير من المشاكل التي عالجها الفيلم كانت باعتراف النساء الغربيات أنفسهن جزءاً من مشاكلهن بالذات.

لقد كان شيئاً جميلاً، أنهم وجدوا في الفيلم هذا الحوار العميق والإنساني مع ذواتهم، وأعتقد أنني فرحة جداً لأنني استطعت إجراء هذا الحوار والاتصال بين المرأة العربية والمرأة الغربية، ولولا ذلك لواجه الفيلم إعراض الغربيات والجمهور الغربي. مشكلة المرأة ليست مشكلة محلية أبداً.

هذه هي مشاكل المرأة العربية، ولكن لنا ثقافتنا وللغرب ثقافته. وجاء الفيلم ليطرح مشكلة المرأة كمشكلة عالمية ليست خاصة بمنطقتنا العربية. لقد وفر ذلك لي راحة نفسية كبيرة، ورضا عن هذا الفيلم. المرأة الغربية لا تعيش في الجنة، لها مشاكلها المتعلقة بالعلاقة مع الرجل، الطلاق، ظاهرة العنف. المشكلة إذن هي مشكلة امرأة بشكل عام، مشكلة الإنسان.

 إذاً أنت لم تخشين من استخدامك لـ اللقطات البطيئة والطويلة في الفيلم عندما يعرض في صالات أوروبا؟

 طريقة العمل هذه لاقت إقبالاً كبيراً في الغرب، لعل البطء المتعمد في التصوير أشعرهم بالراحة نوعاً ما، استراحوا من نمط الفيلم الأمير كي، السريع، الدموي، العنيف. ثمة فيلم آخر قادم من ثقافة أخرى، يحمل رسالة مختلفة. أما تلقي الجمهور العربي لهذا الفيلم، فمن الملاحظ أن أعمار المتفرجين الذين لاقى الفيلم لديهم القبول هم من الأعمار المتقدمة، هذه الأعمار هي التي قبلت باللقطات الطويلة والبطيئة، والدخول إلى الفيلم عبر تلك اللقطات. أما جمهور الشباب الذي في غالبيته لا يهتم بالقصة ولا بالنمط أو الأسلوب، بل يهتم بنوعية أفلام مثل الأفلام الأمير كية. الحقيقة أنني أعرف أن جمهوري ليسوا من أولئك الشباب. جمهور الفيلم هو جمهور ناضج في السن والتجربة.

 هناك الكثير من اللقطات الشاعرية التي تجمع بين الشعر والصورة في فيلمك < صمت القصور > ، بالإضافة إلى استخدامك الجميل والمتمرد والعنيف للعود في الفيلم، وأم كلثوم كانت حاضرة بقوة في الفيلم، كيف ترين العلاقة بين ما هو شاعري وبين السينما؟

 أنجزت كل مشاهد فيلمي بناءً على الأحاسيس، كل ما أردت روايته في الفيلم كان عبر الأحاسيس والمشاعر. لم أهتم كثيراً باللقطة أو الديكور أو الملابس كثيراً رغم أهميتهم في كل فيلم، كان هدفي الأساسي الوصول إلى الجمهور عبر أحاسيس ودوا خل أبطال الفيلم. رغم الثقل والبطء في < الرتم > في بعض المشاهد. أردت بذلك إيصال حتى نبضات القلب لأترك الجمهور يتفاعل معها بنفس الرتم وبنفس العمق. أردت نقل معاناة المرأة في القصر بكل تفاصيلها الجوانية، أردت للجمهور أن يتعايش مع كل اللحظات الجميلة والحزينة للمرأة، أردت لهذا الجمهور أن يدخل في أعماق المرأة المضطهدة. لذلك كانت تلك المشاهد قريبة من الشعر كما ذكرت. لم أكن أستطيع عمل هذا بإسلوب بارد كمبضع الجراح مثلاً. وهناك وجود هائل للعود في روحي وحياتي. حينما كنت صغيرة كانت تتملكني رغبة جارفة في تعلم العزف على العود، لقد كان حلمي أن أتقن العزف عليه، كنت أحلم بأن يكون لي أستاذ يعلمني الموسيقى مثل بعض البنات البورجوازيات اللواتي كنت أراهن. الموسيقى كانت بمثابة الملجأ لي دوماً، الموسيقى هي إنعتاق وتحرر بالنسبة لي. وفي الفيلم تتحرر < علياء > عن طريق الموسيقى، لم تكن تمتلك غير الموسيقى لتتحرر من خلالها. مثل الإنسان المحمل بثقافة معينة ولديه في الداخل مشاكل جمة. علياء بثقافتها كانت تحاول تفريغ هذه الحمولات عبر الموسيقى، استطاعت الخروج والتحرر من مشاكلها عبر الموسيقى، عبر الترنيم، عبر الدندنات التي ظهرت وكأنها محملة بالموسيقى. لم تستطع الهروب إلى أمها لتجد حلاً لمشاكلها لديها. فهربت إلى العود لكي تفرغ فيه كل تلك المعاناة. العود كان تعبيراً عن أعماق ومشاكل الفتاة، لذلك كان في بعض الأحيان حنوناً وفي الأخرى متمرداً عنيفاً صاخباً، العود هو البطل غير المعلن للفيلم. أما أم كلثوم فقد كانت في تلك المرحلة مهمــــة جداً للشعب العربي، كانت ملكــــاً للعرب جميعهم، وكل خميس تغني فيه أم كلثوم كان حدثاً مهماً للجمهور العربي. وحين كنت أفكر بالسيناريو، وعبر الحوارات التي أجريتها مع أناس عاشوا تلك المرحلة، وجدت أن الناس < البورجوازيين > والذين لم يكن لديهم أي عمل يعملونه، كانوا يمضون أوقاتهم في سماع أم كلثوم وأسمهان وعبد الوهاب، وما دامت القصة تدور زمنياً في تلك المرحلة فكان لا بد من البحث عن الموسيقى التي كانوا يستمعون إليها حين يلعبون الورق ويشربون الخمرة. وعلياء بوجودها في ذلك القصر كان لابد لذاكرتها السمعية أن تحفظ أغاني أم كلثوم. لقد كانت أم كلثوم موجودة بشكل أو بآخر في كل مكان.

 في الفيلم قدمت المرأة الفقيرة التي كانت تعمل كخادمة في القصر وتعيش في الطابق الأول منه، وقدمت أيضاً المرأة البورجوازية التي كانت تعيش في الطابق الثاني من ذلك القصر، الملاحظ أن الاضطهاد كان يعم كلا الآمرتين، لكن طريقة الاضطهاد هي التي تختلف. ما تعليقك على ذلك؟

 لقد أردت القول بأنه ليس هناك فارق كبير بين النساء الموجودات في القصر الواسع، ولكن الفرق كان في المشاركة والتفاعل، فالمرأة البورجوازية وحيدة، لا تكلم الأخريات، لا أحد يهتم بما تعانيه، ترضى بخيانة الزوج دون تذمر. أما الأخريات الفقيرات، فهن كعائلة واحدة، يجتمعن، ويغنين، ويبكين. عندما تبكي الواحدة منهن، تحس الأخريات بألمها، وحين تضحك، تحس الأخريات معها بالفرح، وحين تغني سيغني الجميع معها. كان تعاطفي وأحاسيسي هناك بالطبع في الطابق الأول. فيلمي كان يدور حول نساء فقيرات وليس عن نساء بورجوازيات.

 استخدامك للكاميرا في الفيلم كان لافتاً، كان المشاهد يحس بأنه على كاميرا تدخل من فوق إلى أعماق المشهد، بالإضافة إلى توفيقك في استخدام الملابس والديكور والتقنيات التي أكدت على واقعية الفيلم < الدورات الطويلة > وكأنك كنت تريدين إيقاف الزمان في لحظة معينة، والتأمل الطويل في المكان. كيف استطعت إنجاز ذلك كله؟

 كانت الكاميرا بالفعل تأتي من فوق، أحببت أن ألتصق بالكاميرا وأجعلها تبث أحاسيسي ومشاعري، وقد أكدت على الممثلين أن تكون ملابسهم حقيقية ما أمكن، فتشت عن ملابس ذلك العهد طويلاً، بعض الممثلات جلبن ملابس أمهاتهن أو إحدى أقربائهن، لم نصنع ملابس خاصة بالفيلم، كل الملابس التي ظهرت في الفيلم حقيقة موجودة لدى الناس أو في المتاحف. كنت أحاول ما أمكن، أن أقدم المشهد واقعياً، وشاعرياً بآن واحد. وكان يهمنا أن أصور رد الفعل على وجه الآخر. من السهل العمل عن طريق القطع السريع < لقطة مقابل لقطة > لكن هاجسي المتواصل كان تصوير شخصية الممثل في علاقته مع الفضاء المكاني. لذلك أحببت دوماً أن أكـــون قريبــــــة من تفاصيل المكان والديكور، دعيت المتفرج ليلتصق بالمكان كما يتفاعل مع الممثل والحركة. صورت بعض المشاهد مثل الخناقة التي دارت في بداية الفيلم عن طريق < لقطة مقابل لقطة > . لكنني طوال الفيلم حاولت أن أنقل بتمهل وشاعرية كل ما كان يدور في الأعماق.

 كنا نحس أن المرأة في الفيلم تمتلك الزمن، وتسيطر عليه؟

 المرأة الغربية التي تخرج من عملها متأخرة، تذهب إلى المنزل لتنجز كل شيء بسرعة كبيرة، غالباً ما يكون أكلها بارداً أو جاهزاً، ليس هناك من وقت تقضيه مع عائلتها، ليس هناك وقت لتصنع الطعام على مهل على سبيل المثال، لا، كل شيء يجب أن يجري بسرعة وبدون إتقان في الكثير من الأحيان. المرأة العربية على عكس ذلك، حتى المرأة العاملة أيضاً، خذ على سبيل المثال حين أنصرف من عملي، وحين أبدأ بتحضير الطعام، فإنني أحضره بهدوء، وبكل النكهة التي يجب على طعامنا أن يحمله، أطبخ على نار هادئة لكي ينضج الطعام دون أن يحترق، أقرأ في هذه الأثناء، أتفرج على التلفزيون بسرعة، وأعود، أطبخ بشكل شهي كما كانت أمي تفعل. جربت أن أعمل كل شيء بسرعة، أن أطبخ بسرعة، أن أعتني بأولادي بسرعة لكنني لم أنجح في ذلك. لا أستطيع أن أخرج في الصباح إلى عملي وأدع بيتي مليئاً بالفوضى، لا بد من عمل شيء في الصباح، حتى عندما نعود إلى البيت نرتاح، لم أستطع أن أنظف بيتي مرة واحدة في الأسبوع وكفى، هذا ما يخلق المشاكل بين الرجل والمرأة وأولادهما، وعندما تستولي المشاكل على الروح، فلا راحة بعد ذلك، وتعاونني ابنتي في ذلك ويعاونني زوجي وأبني كذلك، حياة العائلة لكي يجب أن تكون ناجحة يجب أن تكون منظمة.

 كيف استطعت الجمع بين الحياة الزوجية والعمل، وخصوصاً أن عمل المخرج من الأعمال الصعبة والمرهقة والطويلة؟

 حين أخرجت فيلمي الأول، كان زوجي قد أعتاد على عملي في المونتاج الذي كان يأخذ وقتاً طويلاً هو الآخر. لقد أعتاد على طريقة عملي، الذي أغيب فيه عن البيت حين يكون لدي عمل، لقد قبل هذا النظام منذ البدء، وعندما تزوجنا كان يكمل دراسته في فرنسا، وكنت أعمل في التلفزيون الفرنسي الذي كان يأخذ من وقتي الكثير، ويضطرني أحياناً إلى التنقل من مدينة إلى أخرى، من أجل تسجيل فيلم ما، ومنذ ذلك الوقت أعتاد على هذا النمط. ولو أنه رفض ذلك لما استطعنا إكمال حياتنا. ويعمل هو في شركة للغاز، وعمله أيضاً يضطره للبقاء في الحقول، كنا نتبادل الغياب، مرة أنا، ومرة هو، وعندما نلتقي، نلتقي بفرح، وباشتياق.، قبلنا بهذا. العائلة بالنسبة لي هي جنتي وأعتقد أنني سعيدة تماماً معهم وهم سعداء معي.

 هل ترين نفسك نموذجاً لتحرر المرأة في الوطن العربي؟

 أنا..!؟ لا أرى نفسي تماماً، هناك حركة وانفعال دائمين في روحي. ثمة رجال ونساء في تونس منذ مئات السنين وحتى اليوم يشكلون نموذجاً لذلك < الكاهنة، عزيزة عثمان، طه حداد > كما أن هناك الكثير في الوطن العربي ممن تبنوا قضية المرأة وناضلوا من أجل حصولها على حقوقها. حالتي لا يمكن أن تطلق عليها بأنها حالة نضالية. لكنني في حركة مستمرة. وفيلمي لم يحمل أي خلفية سياسية، كان فيلمي عبارة عن تساؤلات حاولت الإجابة عليها، عن حياتي، وحياة أمي وابنتي، قصة قصيرة حازت على مساحة أكبر من التي كنت أتوقعها، ربما لأنها جاءت في وقت محدد، الوقت الذي طرحت فيه مشكلة المرأة العربية على صعيد العالم كله. بالإضافة إلى ظهور الحركات الإسلامية، فالعالم تكلم كثيراً عن هذه الحركات وعن نظرتها إلى المرأة وعن أحوال المرأة في الوطن العربي. الفيلم جاء في هذا الوقت الذي يتساءل فيه العالم عن وضعية المرأة، ذلك ما حدا ببعض الناس إلى التفكير بأن هذا الفيلم يحمل خلفية سياسية.

 صحيح، حتى أنه في فيلمك لم يكن أي أثر للدين، لم تعالجي أثر الدين على أبطالك؟

 حين حاورني صحافيون في فنلندا كانت معظم أسئلتهم تتركز على الدين، لقد أحسست بالقلق جراء ذلك، فإضافة إلى تساؤلاتي المطروحة في الفيلم، كنت ولا أزال أعتقد أن الدين الإسلامي دين تسامح، لا كما تفعل الحركات الإسلامية. تقدمنا وتطورنا وكنا مسلمين ولم نرفض الإسلام أبداً. ولكن الجهات التي حاولت أن تستغل الإسلام لأغراض سياسية فهي المذنبة. الإسلام شيء وهو جزء من ثقافتنا وحضارتنا، والحركات الإسلامية التي تستغل الإسلام شيء آخر، هنا في الغرب يخلطون كل شيء، وهذا هو المقلق.

 رأينا الكثير من المشاهد المؤثرة في فيلمك، كانت البطلة فيها متميزة بشكل لافت، كيف استطعت إقامة مثل هذه العلاقة العميقة مع الممثلة لتؤدي دورها بمثل هذا الإحساس، هل تركتها تكتب أحاسيسها على الشاشة كما تراها هي، أم أنك وجهتها بهذه الطريقة أو تلك؟

 لبست الممثلة الدور بشكل كامل، وعاشت فترة الفيلم بشخصية أخرى مختلفة عن شخصيتها الحقيقة التي تمتاز بأنها مودرن تحب الرقص، تعمل بالمسرح، وتحب المرأة الثائرة بشكل مستمر، كانت امرأة رافضة ترفض السيطرة من قبل الآخر.حتى أثناء تصوير الفيلم كانت تتحرك بشكل رافض، لا تقبل العدمية أو السكون، كنت أعمل على تهدئتها لنستطيع العمل على منوال هادئ، هذه هي شخصية البطلة الحقيقية والتي تختلف عن دورها في الفيلم بشكل كبير. وبعد حوار طويل معها، قبلت الدور ومثلته بقوة وجدية كبيرتين، لقد كانت ممثلة عظيمة عندما أدت دور الإجهاض ودور الولادة. تنفيذها للمشاهد كان مفاجئاً لي في بعض الأحيان. كانت تعابير وجهها آسرة. وجهتها بعض الشيء. والعامل الذي ساعدنا أيضاً أننا عرفنا بعضنا عن قرب وكان نقاشنا حميماً، كنا نحمل في البداية أفكاراً متناقضة حول الدور. وكان حوارنا مفيداً وصلنا فيه إلى قناعة متقاربة حول تلك الشخصية.

كيف استطعت تخيل وتكوين شخصية علياء < عندما كانت طفلة في الفيلم > ، كيف اخترت هذه الممثلة؟

 لم تكن ممثلة بالأصل، لقيتها في إحدى المدارس، لقد فتشت عن هذا النموذج في مدارس تونس العاصمة، كنت أخرج في الصباح وأطوف على المدارس مع مساعدي، وكنا ننتظر انصراف البنات أيضاً، كنت أبحث عن الوجه الذي رسمته في مخيلتي لتلك الشخصية، وصادفت الكثير من البنات، لكنني كنت أصطدم بمعارضة الأهل، حتى عثرت على < هند صبري > التي وافق أهلها على أن تمثل الدور حتى في إثناء أوقات المدرسة، لقد كانت مطابقة لما رسمته في مخيلتي، وكانت ممثلة موهوبة بالفطرة.

 ألا ترين أن المتفرج العربي وخصوصاً في المشرق محروم من التواصل مع أفلام جميلة مثل < صمت القصور >؟

 المشكلة أن الأفلام العربية لا توزع في كل البلدان العربية، هناك مشكلة توزيع، ومشكلة سوق، ومشكلة الرقابة. أغلب البلدان العربية تشتري أفلاماً أمير كية، لكنهم لا يرغبون بشراء أفلام عربية جادة.الأفلام العربية الجادة لا تلقى المشتري. ترفض أغلب البلدان العربية شراءه، بحجة أنها غير متأكدة بأن هذه الأفلام ستلقى التجاوب الجماهيري المطلوب، رغم أن الواقع أثبت عكس ذلك مثلما حصل مع فيلمي في المغرب الذي عرضه التلفزيون المغربي لمرتين متتاليتين بناء على طلب الجمهور، رغم أنني كنت أتمنى أن يعرض في الصالات أولاً. الحجة الثانية التي تبديها الأقطار العربية لعدم شراء مثل هذه الأفلام هو السعر العالي للفيلم والذي يمكن بنفس السعر شراء أفلام عديدة ومسلسلات أمير كية رخيصة، والتي تفسد الذائقة السينمائية للمتفرج العربي. أتمنى أن يكون للفيلم العربي الجيد حظ في التوزيع في البلدان العربية. أنا أقبل الذهاب إلى أي مكان في الوطن العربي لكي أصل إلى الجمهور . ذهبت إلى عمان والمغرب ومصر، وذهب فيلمي إلى سورية مع الممثلة الرئيسية للاشتراك في مهرجان دمشق السينمائي. أتمنى لفيلمي بعد أن يعرض في صالات السينما أن يعرض في كل التلفزيونات العربية. وأمنى أن يرى الجمهور العربي هذا الفيلم.

 ما هو رأيك بالسينما العربية بشكل عام؟

 هناك تجارب مثيرة في السينما العربية، يوسف شاهين أبو السينما الجديدة في مصر، عاطف الطيب، يسري نصراللّــه، ولكن الأفلام الجميلة والجيدة تعاني من مشكلة توزيع ومشكلة تمويل، لذلك فالتجارب الجيدة قليلة. هناك محمد ملص من سوريا، لقد أعجبني فيلمه < الليل > جداً. في الجزائر كان هناك سينما جميلة في السبعينات، لكن المشاكل السياسية والاقتصادية هناك أثرت عليها، لذلك نرى المخرجين الجزائريين الذين يعملون في الخارج ينتجون أفلاماً جيدة. في المغرب ثمة المخرجين الجدد الذين يعملون أفلاماً جميلة جداً. في أغلب البلدان العربية رغم عدم وجود الإمكانيات لكن هناك تجارب جميلة ودافئة. المشكلة هي مشكلة إمكانيات وتوزيع.

أما مشكلة الرقابة، وأتكلم هنا عن تونس، فمثلاً فيلم < الحلفاويين > رغم المشاهد الموجودة فيه في الحمام لكن الرقابة لم تمنعه، حين عملت المونتاج في ذلك الفيلم كنت أظن أن الرقابة لن تسمح به، لكنها لم تفعل ذلك، فيلمي أيضاً لم تقطع الرقابة منه أي مشهد. الرقابة تتبع الوضع السياسي في كل بلد على حدة.

 هل تعتقدين أن هذا الحوار أضاف شيئاً إلى تجربتك؟

 هذا الحوار كان مفيداً وهاماً بالنسبة لي، ولاسيما وأنه أحاط بكل جوانب تجربتي، بالإضافة إلى أنني فعلاً أريد معرفة رأي الجمهور والنقاد بشكل أكثر دقة. وشكراً لكم.



صفحات سورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى