سياسة

“جو بايدن” رئيسا جديدا للولايات المتحدة الاميركية، والوضع في سورية -مقالات مختارة-

بايدن و«الوديعة الكردية» السورية/ إبراهيم حميدي

بدعم أميركي، تستطيع «قوات سوريا الديمقراطية» التفاوض مع دمشق لإقامة «حكم ذاتي سياسي» في شرق الفرات، لكن «يجب عدم تكرار الاستفتاء الكارثي» في إقليم كردستان العراق لنيل الاستقلال في 2017. هذه نصيحة من «الفريق السوري» في واشنطن، ستكون هذه «الوديعة» ذات صدى لدى إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن المتعاطف وفريقه مع الأكراد السوريين ودورهم ضد «داعش».

كان هذا بين «نصائح» المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، ومسؤولين حاليين في «الملف السوري». يقول جيفري، الذي أصبح مسؤول قسم الشرق الأوسط في مركز «ويلسون»: «تعد قوات سوريا الديمقراطية من الضرورات في قمع جهود (داعش) لإعادة السيطرة على طول نهر الفرات. كما أنها من القوى الحيوية لأنه لن تكون هناك نهاية حقيقية لـ(داعش) ما لم تنتهِ الحرب الأهلية السورية، وتكون لدى دمشق حكومة قادرة على استيعاب الأغلبية السُّنية العربية». ويضيف أنه بالنظر إلى «تصلب» مواقف دمشق سياسياً وصمت موسكو «لن تنتهي الحرب إلا بضغوط مستمرة على عدة محاور:

أولاً، حملة الضغط المستمرة، عبر العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية بقيادة الولايات المتحدة، على النظام وحلفائه.

ثانياً، الضغط العسكري المتواصل في شمال سوريا ووجود قوى معارضة وقوات سوريا الديمقراطية.

ثالثاً، فضلاً عن الغارات الجوية الإسرائيلية.

رابعاً، القوات الأميركية المنتشرة في الشمال الشرقي وفي قاعدة التنف الجوية.

خامساً، الردع العسكري من جانب الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا ضد استخدام السلاح الكيماوي».

بالنسبة إلى واشنطن، فإن «قوات سوريا الديمقراطية» ذراع أساسية في استراتيجيتها السورية، وهي في حاجة إلى الدعم العسكري المباشر من أميركا عبر التدريب والذخيرة والسلاح و«السيطرة على المجال الجوي للتحالف فوق الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي تحتاج أيضاً إلى الدعم الدبلوماسي الأميركي في مواجهة الجهود العسكرية والسياسية التي تبذلها تركيا وروسيا والنظام من أجل إضعاف قوات سوريا الديمقراطية أو السيطرة على الأراضي الخاضعة لها». لكن في الوقت نفسه، فإن جيفري أوصى «قوات سوريا الديمقراطية» بأربعة أمور يجب تجنب القيام بها تحت أي ظرف من الظروف، هي:

«أولاً، قطع كل شحنات النفط إلى دمشق علماً بأنه يجري إنتاج 100 ألف برميل يومياً من مناطق سيطرتها يذهب قسم منه عبر وسطاء إلى مناطق الحكومة ويُستعمل قسم آخر للاستهلاك المحلي ما يوفر عشرات الملايين من الدولارات.

ثانياً، إعلان الحكم الذاتي أو الاستقلال عن سوريا، على غرار الاستفتاء الكارثي الذي أقدمت عليه حكومة إقليم كردستان العراق في عام 2017.

ثالثاً، تعزيز العلاقات مع حزب العمال الكردستاني الذي تعده الحكومة التركية منظمة إرهابية.

رابعاً، الهجوم على تركيا من شمال شرقي سوريا».

أغلب الظن، أن «الفريق السوري»، يعتقد أن الإقدام على أيٍّ من هذه الخطوات من شأنه أن يؤدي إلى توجيه ضربات مضادة لـ«قوات سوريا الديمقراطية». كما أنه يقدم «نصيحة للمدى الطويل، هي التفاوض مع دمشق لإقامة الحكم الذاتي السياسي للمنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، مع السماح لقوات سوريا الديمقراطية بالاحتفاظ بقوة مسلحة مستقلة عن الجيش السوري». وهما أمران، لم توافق دمشق عليهما، وهي متشددة في رفضهما بطريقة تقترب فيها من موقف أنقرة التي كان همها «تقطيع أوصال» أي إمكانية لقيام «كردستان سوريا». أما موسكو، فهي تحاول أن تلعب دور «الوسيط» بين ثلاثة فرقاء متحاربين: دمشق، أنقرة، الأكراد.

واشنطن، ترى التصعيد التركي في شرق الفرات، والتصريحات القادمة من أنقرة. لكنها في الوقت نفسه، تذهب إلى أن التوترات الحاصلة في شرق الفرات هي «محلية وليست استراتيجية» لن تغيّر كثيراً من «خطوط التماس» التي استقرت في شتاء 2019 بعد عملية «نبع السلام» التي قام بها الجيش التركي بين رأس العين وتل أبيض من جهة وتوقيع «قوات سوريا الديمقراطية» اتفاقاً مع دمشق لنشر جزئي لقوات الحكومة في تلك المنطقة من جهة أخرى. لذلك، فإن واشنطن «تستعمل تأثيرها الدبلوماسي لضبط التوتر هناك وألا تحصل عملية عسكرية تركية في شرق الفرات». كان بين ذلك، جهود لإبعاد قادة ورموز «حزب العمال» من شرق الفرات وترتيب «البيت الكردي».

استطراداً، فإن واشنطن تضع عدم عودة الحكومة إلى إدلب ضمن «أدوات الضغط» على دمشق، وهي تقدم دعماً لوجيستياً ودبلوماسياً لأنقرة لتحسين موقفها العسكري والتفاوضي مع موسكو. وحسب المسؤول الأميركي، فإن الجيش التركي نشر أكثر من عشرين ألف جندي وعشرات القواعد والنقاط وآلاف الآليات وبعض منصات الصواريخ، أي شمال غربي سوريا، لـمنع أي عملية عسكرية سورية فيها. وقال: «أي عملية شاملة في إدلب كما حصل في ربيع العام الجاري، ستكون انتحارية بالنسبة للجيش السوري. وفي سيناريو كهذا قد تسقط حلب. تركيا تريد الحفاظ على خطوط التماس ولا تريد إجراء أي مقايضة بين إدلب ومناطق أخرى. وهناك دعم من أميركا وحلف شمال الأطلسي لهم في ذلك».

المتوقَّع، أن يقوم فريق بايدن بعد استقراره باستخدام «أدواته» في التفاوض مع موسكو وربما طهران وأنقرة لتفحص مستقبل «الوديعة الكردية»، مع بعض المقايضات بين «ساحات محلية» مختلفة وقضايا كبرى… باعتبار أن سوريا ستكون في قائمته الإقليمية!

الشرق الأوسط

——————————-

لنركلْ ترامب على قفاه/ عمر قدور

ما الذي سيفعله ترامب في ساعاته الأخيرة كرئيس؟ هذا سؤال يصلح مكان العنوان أعلاه، وإذا وقعنا في فخه ربما نتخيل مجموعة من الحماقات التي تبدأ بإشعال حرب صغيرة في مكان ما، وتنتهي بالضغط على الزر النووي بموجب ما يتخيله كثر عن الأخير كزر يطلق تلقائياً تلك الصواريخ المتأهبة. قد لا تراودنا تلك الخواطر، لا لقناعة بتعقل ترامب، بل لقناعة بأنه بات محاصراً منبوذاً، مجرداً من صلاحياته الرئاسية، وهذا فقط ما يمنعه من الانتقام لخسارته الانتخابات متسبباً بأسوأ الكوارث داخل الولايات المتحدة وخارجها.

لم يشعل ترامب حرباً في الأسابيع الأخيرة، كي يورط فيها بايدن، وأصدر أمراً بسحب دفعة جديدة من الجنود المنتشرين في أفغانستان والعراق. هذه مفاجأة أيضاً، ولعلها تنطوي على تلاعب بالأمن القومي الأمريكي، إذ لا يعقل أن نأخذ على محمل الجد مزاعمه الخاصة بعدم خوض حروب جديدة وبإعادة الجنود إلى البلاد. هو قبل ذلك، طيلة أربع سنوات من حكمه، لم يخض حرباً رغم لغته التصعيدية تجاه بعض الخصوم والمنافسين، وأذِن باستخدام قدر مضبوط من العنف في مرات محدودة على غرار اغتيال قاسم سليماني. تبرير عدم انزلاقه إلى مواجهات أشد جاهزٌ؛ إنها الدولة العميقة التي ردعته وروضت جموحه.

 يؤمن أنصار ترامب المتحمسون بأن الدولة العميقة أعاقت تنفيذ برامج ترامب “العظيمة”، مثلما يؤمن كثر من خصومه بأن الدولة ذاتها “تحت مسمى المؤسسات الديموقراطية” أعاقته عن تنفيذ حماقاته. يؤمن أنصاره بأن فوزه كان انقلاباً ديموقراطياً مستحقاً على تلك الدولة، مثلما يؤمن الخصوم بأنه كان سينقلب على الديموقراطية لولا رسوخها، ويسهل الاستدلال على ذلك بدءاً من طريقته الفجة في استخدام صلاحياته، وصولاً إلى غزوة الكابيتول. وهو، بسخاء نادر، قدّم الحجج القوية لخصومه بقدر ما خاطب غرائز أنصاره.

غداً، ينتهي ذلك كله، ونركل الشرير على قفاه كما يليق بنهاية سعيدة لفيلم. وهو، لمعرفته بالحشد الضخم المتأهب لركله، سيغادر البيت الأبيض كأنه يتسلل منه بدل حضور مراسم تنصيب الرئيس الجديد. وقد يستمر موسم الركل إذا قرر عدد كافٍ من النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ مسايرة زملائهم الديموقراطيين والتصويت على عزله بعد مغادرته المنصب فعلاً، فهذا العزل “الشكلي” سيعقبه ركل ترامب من الحياة السياسية لأنه يتيح التصويت المضمون النتيجة على حرمانه من الترشح للمناصب العامة.

يُفترض بالعالم كله أن ينام مرتاحاً بعد تنصيب بايدن، وهو سيعزز الأجواء الإيجابية برزمة من القرارات التنفيذية التي تخص قضايا داخلية أو خارجية، ومنها العودة إلى اتفاق باريس للمناخ، وإبطال الحظر الذي فرضه ترامب على استقبال المسافرين من بلدان ذات غالبية مسلمة. بحسب الأخبار، شرع الرئيس الجديد في إجراء اتصالات مع طهران، ما يعني تبريد أسخن النقاط التي خلّفها له ترامب. سوف نرى صورة معكوسة عما حدث قبل أربع سنوات، عندما أصدر ترامب مجموعة من القرارات الأساسية التي تنقلب على نهج أوباما، من إلغاء برنامج الرعاية الصحية أوباما كير انتهاء بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وصل أخيراً الطيب ليمحو آثار الشرير.

البعض، على سبيل التظارف فقط، قد يتأسف على انقضاء عهد من التسلية مع رحيل ترامب بوصفه “القذافي” الأمريكي. الرئيس الجديد أكثر حصافة من أن يثني على رئيس آخر بوصف “ديكتاتوري المحبب” على نحو ما وصف ترامب السيسي، وأكثر لباقة من أن يصف رئيساً كيماوياً مثل بشار الأسد بالقول: إنه حيوان. قد يستقبل بايدن السيسي، بلا ثناء عليه، بل ربما يطالبه بتحسين وضع حقوق الإنسان في مصر، من دون تأثير لهذا الوضع على العلاقات بين البلدين. وقد يستنكر بايدن فظاعات جديدة يرتكبها بشار الأسد، مع تذكير الأخير بعدم وجود حل سوى الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة. ولا ندري، ربما يكون لدى الرئيس سياسات خارجية طموحة، إلا أنه عاجز عن تنفيذها بسبب وقوع الأمم المتحدة تحت طائلة الفيتو الروسي والصيني، وهو يتمنى إصلاح المنظمة لكنه عاجز عن ذلك.

 من السهل جداً أن نركل “الشيطان”، وهو قد أدى دوره بنجاح مطلق، وكان أشبه بعتبة واطئة يجتازها بالمقارنة مسؤولون غربيون آخرون، من دون التوقف عند كفاءاتهم وسياساتهم. الغالبية منا لا تتساءل أيضاً عن صناعة الشيطان، عن مقدار ما فيها من حقيقة ومقدار ما فيها من استثمار. ولا تتساءل عن أسباب بروز الشيطان، وعما إذا كانت الأسباب قد زالت بحيث لا يعاود الظهور من جديد. الفكرة الأسهل تقبلاً أن الديموقراطية الأمريكية صححت مسارها، أو قامت من كبوتها، وها هي تُظهر على نحو فاقع كل ما لا يشبه ترامب.

صار في وسعنا أيضاً، بعد أن ركلنا معاً ترامب، العودة إلى الخلافات المعتادة حول السياسات الأمريكية، والانقسام مجدداً بين من يربطونها بإدارة متغيرة ومعطيات تتبدل ومن يرونها تعبيراً عن جوهر الولايات المتحدة. لقد رحل من وحّد المتخالفين، بإظهار ملائكيتهم وحرصهم على الأمن والسلم الدوليين، بما يفوق خلافهم حول الديموقراطية نفسها.

هناك نكتة معروفة عن مريض ذهب إلى طبيب نفسي يشكو الكآبة الشديدة، فنصحه بتربية دجاج معه في الشقة الصغيرة، وعندما زاد الدجاج كآبته طلب منه إحضار عدد من الطيور، ثم طلب منه إضافة نعجة… وأخيراً طلب منه اقتناء ثور. كانت حالة المريض تتفاقم مع كل إضافة، فطلب منه الطبيب التخلص من الثور، ليشعر المريض بتحسن في مزاجه، وهكذا راح الطبيب يطلب منه التخلص من الحيوانات التي اكتظت بها الشقة، حتى فرغت منهم أخيراً وأحس المريض بالشفاء. لعل هذه النكتة لا تفقد صلاحيتها في علم نفس الجموع.

المدن

——————————–

بايدن أمام ثلاث سياسات تجاه الشرق الأوسط إيران و”معاهدة إبراهيم” وتركيا ومحورها بالإضافة إلى ملفات كالديمقراطية والنفط ومكافحة الإرهاب/ وليد فارس

مما يرشح في واشنطن حتى الآن، وربما يتغير مع أحداث مستقبلية، أن إدارة جو بايدن الآتية ستتبنى ثلاث سياسات مختلفة في الشرق الأوسط في الأشهر الستة الأولى من الحكم، حتى تتمكن من ربط هذه السياسات ببعضها البعض، في الأشهر الستة التالية، إذا سمحت الظروف؛ سياسة تجاه إيران، وسياسة تجاه “معاهدة إبراهيم”، وسياسة تجاه تركيا ومحورها، بالإضافة إلى ملفات كالديمقراطية، والنفط، ومكافحة الإرهاب، وغيرها.

سياسة تجاه إيران

الملف الأول والملح هو العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، بسبب إلحاح القوى الضاغطة الاقتصادية التي استثمرت في الاتفاق، إذ إن فريق بايدن للشؤون الخارجية موحد بشكل حاسم من أجل إطلاق مسيرة العودة السريعة، وإن دلت تعيينات بايدن الأخيرة في قيادة الـ”CIA”، والخارجية، ومجلس الأمن القومي، فهي تدل على تولي فريق باراك أوباما ملف الاتفاق، مما لا يبقي أي شك حول ذلك، والسؤال هو كيف سيعود بايدن إلى الاتفاق، على الرغم من انسحاب ترمب العلني منه، ووضع عقوبات واسعة، ووضع كيانات إيرانية كثيرة على لائحة العقوبات الأميركية، وإقامة تحالفات دولية وإقليمية ضد التوسع والنشاطات الإرهابية للنظام الإيراني؟

الجواب بسيط، ففريق بايدن هو نفسه فريق أوباما الذي هندس، وفاوض، ونفذ الاتفاق بين 2013 و2017، ولن تكون هناك حاجة لمفاوضات تأسيسية جديدة وطويلة، أضف إلى ذلك أن الطرفين، فريق بايدن أوباما والإيرانيين، حسب مصادر، وبعض التقارير، كانا على تواصل منذ أشهر عدة، والبعض يتصور أنهما كانا دائماً على تواصل عبر أطراف أوروبية ثالثة منذ 2017، والحاجة بين الطرفين في 2021 هي لوضع خطة عملية للعودة السريعة، من دون الدخول في ملفات معقدة قد تحدث ردود فعل تعرقل التقدم، بل تؤجل متابعة تلك الملفات لما بعد إعادة تشغيل الجزء التنفيذي للآلية، أي استكمال ضخ السيولة، ورفع بعض العقوبات مقابل إعلان طهران إيقاف العمل على البرنامج النووي.

“الاتفاق”

فريق بايدن يعرف تماماً أن عودة سريعة إلى “الاتفاق” ستلاقى بمعارضة داخلية أميركية وإقليمية، خصوصاً في بداية عهد الإدارة الجديدة، وستقوم القوى المعارضة بالضغط على بايدن ليضغط على طهران لتتراجع عن مواقفها، فتطول مفاوضات “العودة”، ما قد يغضب الأوساط “المستثمرة” في الاتفاق، لذا فقد تلجأ الإدارة الجديدة إلى خطة “تقسيم المسارات”، من ناحية أولى، وبسرعة، قد تقوم الإدارة الجديدة برفع القيود عن التعاطي المالي والاقتصادي مع طهران، من دون ضجة تذكر، ويبدأ الضخ المالي والنفطي، أما من ناحية ثانية، فسيتم تأجيل كل “الملفات الساخنة والمعقدة” إلى فيما بعد، ما يعني أن واشنطن الجديدة ستخفف من الخناق المالي من حل النظام فوراً، ولكنها ستأخذ وقتها في معالجة الملفات التي تهم التحالف العربي وإسرائيل، وكذلك ستؤجل معالجتها لأمور المعارضات في إيران و”مستعمراتها” في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وسنعود إلى التفاصيل في مقالات آتية.

سياسة تجاه “الكتلة الإبراهيمية”

لو قدر لفريق بايدن أن يتعاطى مع كل دول الشرق الأوسط على انفراد، لفضل ذلك، ولو لم يقم التحالف العربي بمساعدة أميركية في 2017، لكان أسهل إقناع هذه الدول أن تؤيد الاتفاق النووي من دون شروط تذكر، إلا أن السنوات الأربع الماضية كانت حافلة بوقائع جديدة ليست سهلة الإهمال، وأهم تلك الوقائع قطعاً كانت انطلاقة المعاهدة الإبراهيمية بمبادرة من الإمارات والبحرين وإسرائيل، تحت مظلة أميركية، والمعاهدة التي توسعت لتضم السودان والمغرب، باتت خلال بضعة أشهر جزءاً ثابتاً من السياسة الخارجية الأميركية ومحبوبة شعبياً، فمن لا يحب السلام؟ لهذا، فقد فرض “السلام الإبراهيمي” نفسه في واشنطن والمنطقة كواقع لا يمكن تجاهله، أما داخل الإدارة الآتية، فالفريق الذي سيمسك بالسياسة الخارجية قد اتخذ قراراً بدعم المعاهدة والعمل على الاستفادة منها دبلوماسياً، بالإضافة إلى الكسب الاقتصادي لبعض القطاعات الأميركية المرتبطة بإسرائيل والخليج.

لذا ستعتمد إدارة بايدن سياسة “البناء على ما أنجز”، والإضافة إليه، وقد تسهم في إضافة شركاء جدد في المعاهدة، إلا أنها، وكما هي عازمة بالنسبة للاتفاق النووي، ستعتمد على فصل المسارات، فهي من ناحية ستمضي قدماً في العودة إلى الاتفاق من ناحية، وستدعم السلام الإبراهيمي من ناحية ثانية، وكأن التناقض غير موجود، وسيعمل مهندسو هذه السياسة البراغماتية على “الكسب على كل الجبهات” حتى يتم تصليب وضع إدارة بايدن داخلياً، وبعد ذلك “لكل حادث حديث”، وللكلام صلة وقتها.

سياسة تجاه تركيا

المحور الثالث لسياسة بايدن في المنطقة سيعمل على معالجة العلاقة مع تركيا، ومعروف أن الرئيس رجب طيب أردوغان صور الوضع وكأنه كانت له علاقات خاصة مع الرئيس ترمب سمحت للرئيس التركي بأن يمرر سياسته من دون معارضة في واشنطن، ويبدو للمراقبين أن المسألة كانت كذلك، ولكن العارفين في الأمور الداخلية للبيت الأبيض في السنوات الماضية يدركون أن العلاقة الحقيقية مع قيادة أردوغان كانت عبر بعض المستشارين الثابتين لترمب وعبر لوبيات خاصة.

قيادة بايدن فيها تأثيران في هذا الموضوع، كما أسلفنا سابقاً، الخط الأول يمثله اليساريون المتشددون الذين يعادون أردوغان على أساس التضامن الأممي مع يساريي وتقدميي تركيا ومحيطها، وبالتالي، فسيضغط هؤلاء على بايدن لحمله على فرض تراجع لأردوغان في شمال سوريا أمام قوات “قسد”، وانتقاد حكومته سجلها في حقوق الإنسان داخليا، ومعروف أن بايدن كان قد انتقد الرئيس التركي مراراً من قبل.

إلا أن خطاً ثانياً يمثله اللوبي الإخواني مع تأثيره على عدد من النواب في الكونغرس، سيضغط على بايدن ليسوي الأوضاع مع أردوغان، ولهذا اللوبي حجم يسمح له بالتأثير لأنه شارك في الحملة الانتخابية علناً مصوراً نفسه بأنه شريك في الانتصار، وما يمكن توقعه هو أن بايدن في البيت الأبيض ليس هو نفسه المرشح، كما هو الوضع مع أي رئيس أميركي آخر، لذا فمن الممكن أن يرضي اليسار ببعض المواقف العلنية والأعمال المحدودة في سوريا، ومن ناحية أخرى، يرضي اللوبي الإسلاموي بالإبقاء على علاقة مقبولة مع أردوغان، أما في نهاية المطاف، وكما هو الوضع دائماً، فإن كتل المصالح الاقتصادية هي التي ستمسك بزمام التوجه النهائي تجاه تركيا.

سياسة المحاور

لذا في النهاية، من المتوقع أن تسلك إدارة بايدن على طريق “نستفيد من الكل”؛ الاتفاق النووي، ومعاهدة إبراهيم، والعلاقة مع تركيا، أما الملفات الأخرى، من حقوق إنسان، ومجتمعات مدنية، وأقليات، فتحول إلى “المكاتب المتخصصة للمتابعة”، مع ما تعني هذه العبارة في أروقة واشنطن. هذا في المدى المرموق، ولكن الأوضاع الداخلية، والأزمات العالمية، مليئة بالعواصف والبراكين، لنرى كيف سترسو الأمور في الأسابيع والأشهر المقبلة

 الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية

—————————-

ملاحظات على الحدث الأمريكي/ بكر صدقي

يطوي العالم صفحة دونالد ترامب، ليستقبل إدارة ديمقراطية برئاسة جو بايدن. ولكن هل انطوت صفحة ترامب حقاً في الداخل الأمريكي؟ تقول المؤشرات المتوفرة أن نحو نصف الأمريكيين لم يقبلوا بنتائج الانتخابات الرئاسية ولا يثقون بالنظام. وما نشر 25 ألفا من القوات الخاصة في العاصمة واشنطن، استعداداً ليوم التنصيب، إلا تعبيراً عن أجواء انقلابية أحاطت بعملية التغيير. فما حدث في السادس من الشهر الجاري لا يمكن اعتباره إلا كمحاولة انقلابية قام بها أنصار دونالد ترامب للتأثير على الكونغرس أثناء اجتماعه للتصديق على عملية نقل السلطة.

هذه سابقة غريبة لم نألفها في الولايات المتحدة، بل كنا ننظر إلى ما يشبه ذلك من انقلابات عسكرية أو تمردات شعبية مسلحة باعتبارها من مألوفات الحياة السياسية في بلدان الجنوب التي تتفارق في كثير من الأمور مع بلدان الديمقراطيات المستقرة كحال الولايات المتحدة. مع اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول، اتضح أننا «لسنا وحدنا» وأن النظام الديمقراطي ليس بتلك الدرجة من الاستقرار، ولا هو الإطار المضمون لحل جميع التناقضات في المجتمع، وإعادة التوازنات الراسخة كلما اعترى النظام خلل ما. صحيح أن ترامب استسلم في النهاية وسيخلي البيت الأبيض لخلفه، لكن جبهة مؤيديه لن تزول بغمضة عين، ولا أحد يعرف ما قد يحدث من ردات فعل في مقبل الأيام من أولئك الذين باتت لديهم قصة مظلومية من شأنها الحفاظ على تماسك صفوفهم لفترة قادمة، ما لم يتمكن بايدن وفريقه من استيعاب مطالبهم وتهميش الفئة الأكثر تطرفاً بينهم.

فقد كشفت الوقائع أن المجموعة التي اقتحمت مبنى الكونغرس لم تجتمع بصورة عفوية، بل تم العمل على تحريضهم وتنظيم حركتهم طوال الفترة الفاصلة بين الانتخابات ومطلع العام الجديد. وتقف وراءهم كتلة اجتماعية معتبرة ورجال أعمال وقسم من الإعلام وضباط متقاعدون وعناصر من الشرطة على رأس عملهم، بما في ذلك عدد من المكلفين بحراسة المبنى وقد ساعدوا المقتحمين على الدخول.

هذا الانقسام الحاد في المجتمع بين مؤيدي ترامب وسائر المجتمع، لا يمكن معالجته بإجراءات قمعية كحال السلطات في بلدان الجنوب التي تمد يدها فوراً إلى السلاح في حالات مشابهة، وما أن تتمكن من القضاء على التمرد حتى يبدأ صيد الساحرات «لاستئصال» الخصم بلا رحمة بالاعتقالات والإعدامات وتصفيتهم من إدارات الدولة ومؤسساتها، حتى لو بلغت أعدادهم مئات الآلاف. هذا ما فعلته، مثلاً، السلطات التركية في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة، فاعتقلت فوق مئة ألف من المشتبه بتعاطفهم مع جماعة فتح الله غولن، ناهيكم عن الجماعة نفسها، وطردت أكثر من هذا العدد من وظائفهم واستولت على ممتلكات قسم منهم، وما زالت عمليات الاستئصال جارية إلى اليوم، بعد مرور أكثر من أربع سنوات على المحاولة الانقلابية. بل إن القمع فاض عن الجماعة أو «بيئتها الاجتماعية الحاضنة» المزعومة ليشمل بعض أحزاب المعارضة والإعلام المستقل مما لا شيء يربطهم بالجماعة، بل كثير منها على خصومة أيديولوجية معها.

أما نظام بشار الأسد فقد تطور رده على الثورة الشعبية السلمية في 2011 من إطلاق النار على المظاهرات واعتقال ما تيسر لأجهزته من المتظاهرين أو «البيئات الحاضنة» إلى شن حرب شاملة على البلاد باستخدام جميع الأسلحة التي في حوزته، وصولاً إلى السلاح الكيماوي، وإذ لم يكف كل ذلك لسحق المجتمع الثائر استعان بجيوش ومجموعات إرهابية من روسيا وإيران ودول أخرى لـ«إنجاز المهمة» بعدما قتل مليون سوري وهجّر ثلث السكان خارج حدود البلاد.

للمقارنة، من ثبت تورطهم في عملية اقتحام مبنى الكونغرس، أطلق سراحهم بكفالة بسيطة بالمقاييس الأمريكية (25000 دولار) وسيحاكمون طلقاء إلى أن يدينهم القضاء. أما الرئيس بايدن فقد اكتفى بإدانة الاقتحام، والتزم الصمت بعد ذلك، فلم يلجأ لتجييش المجتمع ضد المتمردين أو التحريض ضد أنصار ترامب، ليس لأنه لا يملك ما يقول، بحق، ولكن لأنه يريد أن يكون رئيساً لكل الأمريكيين وليس فقط لمن انتخبوه.

عند هذه النقطة يمكننا قول ما قد يبدو متعارضاً مع التشكيك المذكور في مطلع المقال بقدرة النظام الديمقراطي على حل واستيعاب جميع التناقضات في المجتمع. فمسلك الرئيس المنتخب مع ذلك القسم من المجتمع الذي يشكك بشرعيته، سيلعب دوراً إيجابياً في خفض التوتر وتراجع الاستقطاب الحاد في المجتمع، وإن كانت النتائج غير مضمونة، لأن مسالك الطرف الآخر، في مقبل الأيام، قد تفشل أي محاولة من بايدن وإدارته، وتحافظ على الجو المشحون لفترة تطول أو تقصر. مع ذلك يمكن توقع تقلص تدريجي في القاعدة الاجتماعية لترامب، بما يحولها إلى حالة هامشية بمرور الزمن.

نعم، النظام الديمقراطي قد لا يكون مثالياً، وقد تنكشف هشاشته في حالات الاستقطاب الاجتماعي الحاد، وهو غير قادر، بذاته، على حل جميع مشكلات الناس، لكنه يبقى الإطار الأنسب لحل التناقضات الاجتماعية، إضافة إلى أنه يحتاج إلى حماية وتطوير دائمين.

كاتب سوري

القدس العربي

————————————

عِظة بايدن..ووصية ترامب/ ساطع نور الدين

لم يصبح دونالد ترامب من الماضي، ولن يكون جو بايدن هو المستقبل. هي مجرد إستراحة محاربَين، مرحلة إنتقالية بين “حربين”، تحسم نتيجتها بعد أربع سنوات.

مرّ حفل التنصيب بسلام، فقط لأن الرئيس السابق قرر أن يكبح جموحه. كان يمكنه ان يشاغب، أن يخرب، أن يشتم، أن يطيل التحليق الصاخب في سماء واشنطن، أن يرمي أكياس النفايات من الطائرة على مبنى الكونغرس..مثل هذا السلوك هو أقرب الى شخصيته وطبعه. لكنه لم يفعل، إكتفى بالتهديد بالعودة الى العاصمة، على رأس حزب، أو تظاهرة، أو ربما مليشيا مسلحة..للانتقام من الدولة العميقة التي أخرجته عنوة من معابدها. قرر فقط أن يمنح الرئيس الجديد فرصة كي يثبت قدرته على..الفشل.

أدى بايدن دور الكاهن-الكهل- بإتقان. إستعاد مهاراته الخطابية، برغم تلعثمه مرات عديدة، ليلقي عظة مطولة، ومملة، على جمهور يحنّ الى هذا النوع من التبشير بالمحبة، بالوحدة الوطنية، والتحذير من الحرب الاهلية.. لكنه تجرأ على ذكر المخاطر الثلاثة التي تهدد اميركا وأمنها وإستقرارها اليوم: نزعة التفوق الابيض والإرهاب المحلي والعنصرية. كاد يقول ان الصدع الاميركي أعمق مما هو ظاهر للعيان. وكاد يقول أن الديموقراطية الاميركية في مأزق، لا في أزمة عابرة.

أثار الكاهن الجديد لأميركا الشفقة والعطف، أكثر مما بث الثقة والطمأنينة: هو يدخل الى معبد عريق، تضربه الجائحة بعنف، وتودي بأرواح تفوق أعدادها ما قدمته أميركا في الحرب العالمية الثانية. الايمان لا يكفي لحماية الباقين، ولا الالتزام بمعايير السلامة. الفوضى والتخبط، أكبر من أن يوقف الكارثة الوطنية. الدولة الفيدرالية، لا تزال تبدو وكأنها غائبة، او على الاقل غير فعالة في وقف عداد الموت القياسي..الذي فتحه القس السابق بطريقة جهنمية. 

الوعود الاقتصادية التي أطلقها الكاهن الجديد وخص بها الفقراء والطبقة الوسطى، كانت أشبه بنصوص وعبارات مستوحاة من الكتب الدينية، تستعين بالوحى الالهي، الذي يختم رسالته الدائمة  بالاشارة الى الجنة الموعودة، إذا ضاق الحال، وتعثر الخلاص أو تأخر.. خصوصاً وأن القس السابق ترك خلفه ما يشبه الخراب، قبل أن يرسل مريديه حاملين المشاعل، مهددين بإحراق المعبد، على من فيه.

طقوس حفل التنصيب وبرتوكولاته المكررة، كانت من جهة تعبيراً عن الحرص على الاعراف والتقاليد والتمسك بالدستور، لكنها كانت أيضا تذكيراً بما فعله ترامب في مبنى الكونغرس وفي البيت الابيض وبقية أجزاء المعبد، وبما سببه من ضررٍ وأذى، قد يستغرق بايدن، سنواته الاربع المقبلة قبل ان يتمكن من إعادة الحياة الى طبيعتها في الدولة العظمى ومؤسساتها ومختلف أقلياتها.

ولعل بايدن قد إختير لأداء هذه المهمة بالتحديد: سنة كاملة أو أكثر لإحتواء خطر كورونا وسلالاته، التي تفتك بأميركا أكثر من أي بلد من العالم، والذي يحط بالولايات المتحدة الى مرتبة عالمية دنيا. سنة كاملة أو أكثر لإستيعاب الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها الوباء، والعنصرية. سنة أو أقل للشروع في عملية إنتقال السلطة والدخول في معركة الانتخابات الرئاسية الضارية، التي لن يكون ترامب بمنأى عنها، ولا جمهوره المتربص للانقضاض على عاصمة الإتحاد الاميركي المتصدع.

أربع سنوات كاملة يمكن أن تغيب فيها أميركا عن المسرح العالمي، وتتفرغ لترميم الهيكل القديم، أو تضطر الى بناء هيكل جديد، شركة مساهمة مختلفة، ترث عناصر القوة، وتكمل مسيرة اختراع الاحلام وتحقيقها. وهي ستكون أربع سنوات دولية صعبة، لأنها ستطلق العنان دول كبرى مارقة، أو حاقدة، لتدّعي الزعامة الدولية، ولتتنافس على إنتزاع النفوذ الاميركي المتضائل، في مختلف أنحاء العالم، ولتنشر الخراب في محيطها وفي الاقاليم القريبة منها.. تحت شعار وراثة أميركا وتقليد سلوكها، أو حتى الالتزام بوصيتها التي تركها ترامب، والتي فوضت إسرائيل، على سبيل المثال، أن تكون شرطيّ الشرق ومرشده الأعلى.

المدن

————————–

أميركا التي لا نحبها!/ حازم الأمين

أن يجلس المرء في منزله في بيروت ويشاهد عبر التلفزيون طقس تنصيب رئيس جديد لأميركا، فهو لن يستطيع طرد أشباح الحكام في الشرق الأوسط ممن تم تنصيبهم وفق منطق مختلف عن منطق التنصيب الأميركي.

فأميركا لم تكن بالأمس تحتفل برئيس جديد بقدر ما كانت تحتفل بنفسها، هي التي دأبت كل أربع سنوات على انتخاب رئيس جديد. الديمقراطية تقدمت على هموم المحتفلين، على رغم الانتكاسة التي رافقت الانتخابات، لا بل أن المحتفلين أصروا على تقديمها على أي اعتبار آخر بسبب هذه الانتكاسة التي أحدثها الرعاع في مبنى الكابيتول.

والحال أن أشباح حكام الشرق الأوسط سينغصون على المرء الانتعاشة التي تنتابه في لحظة انتصار الديمقراطية هذه. نعم انصرف دونالد ترامب وما زال بشار الأسد في منصبه، انصرف وها هو حليفه محمد بن سلمان يستعد لأن يصير ملكاً، وانصرف رئيس أميركا، وعبد الفتاح السيسي افتتح زمناً مصرياً باسمه لن ينافسه فيه أحد لعقود طويلة. كيف يمكن للمرء من بيروت أن يطرد هذه الأشباح في لحظة احتفال أميركا بالديمقراطية. كيف له أن لا يشعر بالخيبة والعجز، وأن يخلص إلى أن عقوداً طويلة تفصلنا عن مشهد من هذا النوع، وليس بحراً أو محيطاً أو قارة.

لكن هذا الشعور يتكثف ويأخذك إلى مناطق أخرى في وعينا البائس. ففي الأيام التي سبقت التنصيب شهدت بلادنا احتفالاً بالانتكاسة الأميركية، وتوقعات بنهاية الديمقراطية كنموذج لتداول السلطة. والحال أن الوعي الشقي الذي صدرت عنه هذه الغبطة بالرعاع الذين اقتحموا الكابيتول، إنما هو نفسه الذي أسس للاستبداد ولمنطق أن الرئيس يورث ابنه والملك له البلد بمن فيه، وأن تداول السلطة هو فعل من عمل الشيطان.

أميركا التي كانت بالأمس تحتفل بديمقراطيتها بغصة وألم كانا باديان على وجوه الحضور كانت بالأمس ضعيفة وخائفة، ليس لأن “جبروتها” اهتز على ما يطنب قومجيونا، بل لأن الديمقراطية هشة أصلاً وتحتاج إلى مواصلة تصويبها، ولأن أهلها غير منشغلين ببناء عضلات بل ببناء حياة أفضل.

هذا ما يتبادر إليك حين تشرع من بيروت بالتفكير بالمشهد في واشنطن. بيروت هي المكان الذي يتكثف فيه المشرق، بيروت حيث يبسط بشار الأسد نفوذاً، وحيث يقرر بن سلمان وقف تمويل الطائفة السنية، وحيث للولي الفقيه الإيراني نفوذ لا يفوقه نفوذ.

هؤلاء هم الأشباح التي تهوم فوق رأسك أثناء غبطتك الأميركيين على ضعفهم في لحظة نجاحهم في تجاوز الانتكاسة. المحتفلون كانت وجوههم تفيض حباً لأميركا واعتزازاً بقدرتها على التعامل مع العثرة. لم يكونوا في لحظة انتصارٍ على خصم، ولا في لحظة تشفٍ بمشهد مغادرته البيت الأبيض، على رغم أن الاحتقان الذي سبق التنصيب أسس لأمزجة انتقامية.

السلطة هنا تنصهر بوجدان لا يشبهها لجهة أنها صاحبة الحق بممارسة العنف. السلطة تصير الليدي غاغا وجنيفر لوبيز، ويختفي وجه الرئيس المنتخب والرئيس المنصرف. كم يبدو هذا المشهد بعيداً وغير واقعي إذا ما التقطه المرء من الشرق الأوسط. البكاء هنا تستدعيه أسباب أخرى غير تلك دفعت الأميركيين إلى البكاء في ذلك اليوم.

البكاء على عجزنا عن المباشرة بتجربتنا وعلى فشلنا في أن نحتفل بإنجاز صلب وعلى نجاح الأشرار في مواصلة حكمنا. بشار الأسد حكم حتى الآن فترة زمنية تساوي الفترة التي حكم فيها ستة رؤساء أميركيين، وقبله والده حكم سبعة فترات. بن سلمان مرشح لأن يحكم عشرة فترات، والأفق أمام السيسي مفتوح. والغريب والمفجع أن هؤلاء سارعوا لتهنئة أميركا على تجاوزها عثرتها وعلى نجاحها في تداول السلطة. لكن ماذا عنكم يا سادة ويا ملوك؟ متى سنهنىء أنفسنا على تجاوزكم؟

والحال أن أميركا التي لا نحبها، والتي لا تعيش أحسن أيامها، لا نملك تحفظاً واحداً على علاقتها بنفسها وعلى حبها لتجربتها، ونحن إذ نختلف على علاقتنا بها، لم نشعر يوماً بوجوب التفكير بعلاقتنا بأنفسنا انطلاقاً من انسجام أميركا مع نفسها. لا بل أننا آلينا على أنفسنا أن نحتفل بالانتكاسة الأميركية عساها تكون مقدمة لتشريع السوء الذي نحن فيه. “انظروا إلى الفشل هناك”، هذا ما تبادر لقومجيونا أن يقولوه في لحظة اقتحام الكابيتول، ثم عادوا وأشاحوا بوجوههم عن الشاشة بالأمس، فمشهد الأمس عينة عن فشلهم، لكنه للأسف عينة عن فشلنا أيضاً.

الحرة

—————————-

حين تصبح الديمقراطية عدوا لليبرالية/ طريف الخياط

تعرضت الديمقراطية الأمريكية، في الأسابيع الأخيرة من ولاية ترامب، إلى هزة عنيفة، أثرت سلبا على صورة الولايات المتحدة كقوة عظمى ولاعب دولي رئيسي. لم يكن هذا التطور شأنا غير متوقع، بل تناولته أقلام كثيرة في الصحافة الغربية، منذ بدأت تتكشف قبل شهور عدة نية الرئيس ترامب رفض نتائج العملية الانتخابية، في حال انتهت على ما لا يشتهي. لم يكن في ذلك تهديد خطير لسلمية انتقال السلطة في بلد لطالما فاخر بعراقة دستوره ومؤسساته الديمقراطية وحسب، بل بدت البلاد مفتوحة على سيناريوهات حرب أهلية، يكون أنصار ترامب أحد أطرافها، على ما استشرف بعض المحللين. قد يبدو مبررا إذا قرار كبريات وسائل التواصل الاجتماعي، كتويتر وفيسبوك وغيرها، حجب حسابات الرئيس الأمريكي لمنعه من التواصل مع جمهور يمثل تقريبا نصف الناخبين ممن شاركوا في الانتخابات الأخيرة، لكنه أيضا اعتداء على حرية التعبير. لعل في ارتداد شرائح من الناخبين في الغرب عن القيم الليبرالية باتجاه التطرف القومي والديني والأيديولوجي والشعبوية ونظريات المؤامرة، ما قد يكشف كعب آخيل في جميع الديمقراطيات؛ وخصوصا حين تلجأ الأخيرة في مساعيها لمواجهة تلك الظواهر إلى إجراءات تتناقض بشكل صارخ مع قيمها الرئيسية!     

لا شك تمكنت المؤسسات الأمريكية من إنقاذ الديمقراطية التي انقض عليها الغوغاء من أنصار الرئيس الحالي للولايات المتحدة دونالد ترامب، حين اقتحموا مبنى الكونغرس لمنع أعضاء مجلس الشيوخ من إقرار فوز منافسه جو بايدن كرئيس منتخب. فقد عبر يومئذ مشهد تعاضد الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مواجهة الهجوم الهمجي عن مكانة القيم الديمقراطية واحترام المؤسسات التي تضمن استمرارها في ذلك البلد. تلك هي أحد التمظهرات التي تتكشف عن جانب من المرونة تتمتع بها النظم الديمقراطية، في مقابل هشاشة الديكتاتوريات في مواجهة الأزمات. قد تبدو الأخيرة في مرحلة ما على قدر من الاستقرار، لكنه متوهم لا يلبث أن ينفرط عقده عند أول اختبار. وليست الثورات والحروب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن، وقبلها في البلقان إثر تفكك الدولة اليوغوسلافية، إلا شاهدا حيا على مصير الأنظمة الشمولية عندما يعتريها الضعف أو تنشد شعوبها التغيير. في المقابل، كان استفتاء بريكزت، وصعود حزب مودي في الهند، وترامب في أمريكا، وتمكن أحزاب نازية وفاشية من دخول برلمانات أوروبية، بعضها للمرة الأول منذ الحرب العالمية الثانية كما هو الحال في ألمانيا، الطريقة التي عبرت بها شعوب تلك الدول عن استيائها من ضعف النمو الاقتصادي والركود الذي أصاب معدلات الأجور على خلفية الأزمة المالية العالمية لعام 2008، والتي لم يبلغ الاقتصاد العالمي حتى يومنا هذا مرحلة التعافي من تبعاتها. رغم خطورة تلك التطورات على مستوى العالم، لكنها لم تبلغ، على الأقل، ما بلغته الأحوال في منطقتنا من قتل وفتك وتدمير وتهجير.

لعل في صندوق الاقتراع، وما يترتب عليه من تناوب على السلطة، بعض الأسباب التي تتوفر عليها الديمقراطيات، وتساهم في استمراريتها وكفاءتها في مواجهة الملمات واحتواء الاضطرابات، لكن في المقابل، تكمن فيها أيضا أحد أهم نقاط ضعفها. يعبر عن ذلك سؤال قديم متكرر، إذ ماذا لو سمحت الانتخابات لأحزاب غير ليبرالية بالوصول إلى الحكم، بشكل يمكنها من تقويض النظام من الداخل؟ يلقي هذا السؤال مزيدا من الضوء على مركزية القيم في تلك الأنظمة، وهي نفس القيم التي دفعت بأعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتجاوز عداواتهما البينية، والعمل جنبا إلى جنبا على حماية الديمقراطية. ليس بالطبع الإجماع على تلك القيم مقصورا على الكونغرس، بل يتجاوزه إلى البيروقراطيين في مؤسسات الدولة على اختلافها، وإلى غالبية كاسحة من الشعب الأمريكي، بما فيهم شرائح ممن منحت أصواتها إلى ترامب. نجد على النقيض من ذلك، في دول كالعراق ولبنان، حضورا لصندوق الاقتراع في مستنقع من الولاءات الطائفية والعشائرية، التي تتجاوز في أهميتها قضايا كحقوق الإنسان والمساواة أمام القانون لدى شرائح واسعة من الشارع، والتي تمقت إضافة إلى ذلك المساواة بين الجنسيين وحرية الاعتقاد على سبيل المثال لا الحصر، كما تتعامل بعصابية مرضية مع حرية الرأي حين تمس مقدساتها على وجه الخصوص. بمعنى آخر، عادة ما تكون الشعوب في الديمقراطيات هي الرقيب على التزام المؤسسات والسياسيين بالقيم التي تتبناها وتعلي من شأنها، وهي من تملك سلطة معاقبة ممثليها بعدم إعادة انتخابهم. هنا، وفي هذه الجزئية بالذات، تكمن خطورة الانفلاش المطرد للتيارات والأحزاب والحركات غير الليبرالية في الغرب، والتي هي انعكاس لمزاج تلك المجتمعات، وتنضوي على تهديد لليبرالية نفسها حتى في أهم معاقلها.

ثمة إشكال معضل في التعامل مع القوى غير الليبرالية يهدد بتفريغ الديمقراطيات الليبرالية من قيمها، فضررها واقع، سواء هي وصلت إلى السلطة، أو اشتغلت الحكومات بمواجهتها. لقد استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان لفترة ليست بالقصيرة ستر قبح تسلطيته واستبداده عبر قناع ليبرالي مزور، وذلك حتى استتب له الأمر، وأحكم سيطرته على حزبه وعلى الدولة التركية. ليس سرا إعراض الكثير من أنصاره عن القيم الليبرالية لصالح الأدلجة الدينية، مما سهل عليه مهمة استئصال معارضيه العلمانيين من المؤسسات الرئيسية بما فيها القضاء والجيش، وإبدالهم بإسلاميين ممن يدينون لشخصه بالولاء جريا على عادة المستبدين. في المقابل، وجدت الحكومة في فرنسا، الدولة التي يعتبر متجذرا فيها هذا الفكر، نفسها في مأزق لا تحسد عليه حين حملت بعض القوانين الجديدة المعنية بمواجهة الإرهاب الجهادي، واحتواء الهوة التي تتسع بين معتقدات فئات من المسلمين الفرنسيين ومبادئ الجمهورية، بعضا من مظاهر الدولة البوليسية التي هي بدورها على النقيض من تلك المبادئ.

يذهب بعض الخبراء إلى حد الإقرار بعدم فاعلية الوسائل والأدوات الليبرالية في مواجهة أعداء الأخيرة، وهو ما قد يسمح بإعادة إنتاج بعض مظاهر الفاشية والاستبداد. قد تبرر السلطات تقييد بعض الحريات ومنح حصانة كما تعزيز صلاحيات أجهزة الأمن لتيسير جهود مكافحة الإرهاب كما في فرنسا. وقد يرى الفرنسيون في تلك الإجراءات تعسفا واعتداء على مبادئ الجمهورية في سياق تخوف مشروع من نكوص متدرج نحو شكل من أشكال الأنظمة القمعية. تسبب انتشار الأخبار الزائفة، بدوره، بمنح وسائل التواصل الاجتماعي سلطة حذف أي محتوى يجري تصنيفه ضمن ذلك الإطار. وفي حين تحظى إزالة المحتوى الدموي العنيف والتحريضي من منصات كفيسبوك ويوتيوب وغيرها، بتوافق كبير، ينضوي حذف أي خبر على تهديد مباشر لحرية التعبير. لا شك أن المستهدف بما سبق، هي النصوص التي تتناول نظريات المؤامرة، كما الحسابات الوهمية التي تبث شائعات تتلاعب بالرأي العام، كتلك التي يعتقد بتأثيرها على نتيجة الانتخابات الأمريكية لعام 2016، لكن في النهاية يحوذ على نفوذ سياسي عظيم، من يملك سلطة تحديد الغث من السمين. قد يكون، في نفس السياق، حجب حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تويتر، قد منع اعتداء آخر على الكونغرس، لكنه أيضا سابقة لمسؤول في هذا المنصب الرفيع. فإذا بات مقبولا تجميد أي حساب، وحذف أي محتوى لا يلائم هذه الجهة أو تلك، تشرع حينها على مصراعيها الأبواب  للاعتداء على حرية التعبير، وبذرائع جاهزة!

يغيب عن طروحات الكثير من المثقفين والمنظرين السياسيين في منطقتنا إدراك سليم لأهمية القيم في بناء الدول. إذ يكتفي الكثيرون بتكرار مصطلحات كدولة المواطنة وحكم القانون والتناوب على السلطة وفصل السلطات، دون فهم معمق لاستحالة تطبيق أي مما سبق دون اتفاق الشعب في دولة ما على منظومة قيمية مشتركة. أي لا يصح الاعتقاد بالقدرة على إنتاج أنظمة حكم بتلك المواصفات، في مجتمعات تتفشى فيها العنصرية على أساس الاثنية، كما التمييز بين الناس على أساس الدين والطائفة والمذهب. في المقابل، يعبر القلق الغربي من صعود القوى غير الليبرالية، عن تخوف من تحلل قيم متقدمة حضاريا، سادت في الغرب في مرحلة ما بعد الحرب الثانية، وكانت أحد دعائم السلام في شبه القارة الأوروبية. قد يعمق ذلك الانقسامات في تلك المجتمعات التي بات التنوع أحد سماتها، وقد يتسرب إلى مؤسسات الدولة ويتصدر مشهدها السياسي، مهددا التعددية الثقافية وحتى السياسية منها. ذلك توجه إن كان له أن يتواصل ويتفاقم، فإنه قد يأتي على السلم الأهلي والسلام في أوروبا أولا، ولن تكون الديمقراطية الليبرالية آخر ضحاياه.

طريف الخياط كاتب وباحث سوري.

—————————–

بايدن أمام شرق أوسط لا يستسيغ أوباما جديدا/ فارس خشّان

وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض لن يقلب رؤية الولايات المتحدة الأميركية إلى الشرق الأوسط رأساً على عقب. الحليف لن يصبح عدوّاً، والعدو لن يتحوّل حليفاً.

لكنّ استقرار الرؤية لا يعني أنّ الأمور لن تختلف عمّا كانت عليه، لأنّ المتغيّرات لا تصنعها الأهداف الاستراتيجية بل الخطوات التكتيكية. وفي التكتيك ثمة فرق شاسع بين “الخارج” دونالد ترامب و”الداخل” جو بايدن.

دونالد ترامب كان مؤمناً بجدوى سياسة الضغوط القصوى، فهو ينتمي إلى تلك الفئة التي لا “تحب” أعداءها إلّا عندما يستغيثون.

المشكلة في هذا المسار، على الرغم من كثرة مؤيّديه، أنّه ليُثمر يحتاج إلى الوقت والديمومة في آن، وهذا غير متوافر للأنظمة الديمقراطية التي تقوم على “الولاية المؤقتة” من جهة، وعلى تداول السلطة من جهة أخرى، والدليل على ذلك أنّ جو بايدن أخرج دونالد ترامب من البيت الأبيض، بعد أربع سنوات فقط على دخوله إليه، من دون أن يتمكّن من مصافحة يد واحدة من تلك الأيادي التي كان يضغط عليها حتى… تلين.

إنّ المستهدفين بسياسة الضغوط القصوى هم عموماً من الديكتاتوريين الذين يعتبرون أنّ الوقت حليفهم وشعوبهم ملكهم ومصير أوطانهم جزء لا يتجزّأ من مصائرهم، وتالياً فهم يكتسبون قوتهم من ديمومتهم ومن استخفافهم بشعوبهم.

مدرسة بايدن ورهانات خصومها

أسلوب جو بايدن لا يشبه أبداً أسلوب دونالد ترامب، فهو ينتمي إلى مدرسة تُجزّئ الأهداف، وتتواصل مع العدو، وتستمع للخصم وتقود الحليف، رغماً عنه، إلى ما تعتبره هي… خيره.

إنّ شعور أعداء وخصوم واشنطن في الشرق الأوسط بالإرتياح، بعد دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، إنّما ينطلق من معرفتهم بأصول المدرسة التي ينتمي إليها جو بايدن، وفق ما سبق أن طبّقته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

وعليه، فإنّ إيران تعتقد أنّ الإدارة الأميركية الجديدة تريد بأيّ ثمن أن تمنعها من الوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية، ولهذا فهي تبث أخباراً عن أنّ أشهراً قليلة فقط تفصل بينها وبين هذه المقدرة، وتالياً فعلى واشنطن “الجديدة” أن تعود إلى الاتفاق النووي الذي مزّقه ترامب، من دون فرض شروط جديدة تتعلّق بمصير صواريخها الباليستية والميليشيات التابعة لها في عدد من العواصم العربية.

وتراهن طهران على أنّ إدارة بايدن سوف تضعف حلفاء واشنطن في المنطقة، بممارسة ضغوط عليهم، لتتمكّن من تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي يُعزّز سطوة إيران، مباشرة أو بواسطة القوى الملحقة بها، على منطقة الشرق الأوسط.

وترى طهران أنّ إدارة بايدن، بما أنّها تراهن دائماً على المعتدلين، فإنّها سوف تسلّف من تصدّق أنّهم “المعتدلون” حتى يتمكنوا من تحقيق انتصار على المتشددين في الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو المقبل في إيران.

لبنان و”حزب الله”

إنّ الرهان الذي يعقده خصوم الولايات المتحدة الأميركية وأعداؤها بخصوص إيران يعقدونه أيضاً على دول مثل لبنان.

في ظنّ هؤلاء، إنّ إدارة بايدن، خلافاً لإدارة ترامب، لا تنظر الى لبنان على أساس أنّه وحدة سياسية متراصة تتحمّل مسؤولية شاملة عن سيطرة “حزب الله” على البلاد، بل تعتبر أنّ في لبنان قوى متباينة، ولا بد من فتح قنوات داعمة حقيقية لتلك التي تؤمن بالدولة ممّا يعينها على تقوية المؤسسات لتتمكّن في اللحظة المناسبة من فرض نفسها على حساب الدويلة.

ويرى هؤلاء أنّ هذا التوجّه الأميركي من شأنه أن يعيد الإعتبار إلى المعادلات التي كانت قائمة في الولاية الثانية لإدارة باراك أوباما، بحيث تشكلت حكومات بالشراكة مع “حزب الله” وتمّ إيصال رئيس للجمهورية سبق أن اختاره “حزب الله”.

الفوارق بين زمني أوباما وبايدن

هل هذه الرهانات صائبة؟ الإجابة الحاسمة عن هذا السؤال غير ممكنة، لأنّ واشنطن “براغماتية”.

إنّ الواقع في الشرق الأوسط مع استلام بايدن للسلطة مختلف عن ذاك الذي كان عليه حين وضع باراك أوباما “عقيدته”.

في زمن أوباما، هبّت رياح الربيع العربي، وكان كثيرون يعتقدون أنّ هذه الرياح التي أسقطت حلفاء لواشنطن، مثل النظامين التونسي والمصري، سوف تهب، بالقوة نفسها، على دول مهمة في مجلس التعاون الخليجي.

الوقائع مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض تختلف اختلافاً جذرياً، فدول مجلس التعاون الخليجي هي، حالياً، أقوى بكثير ممّا كانت عليه، فيما الولايات المتحدة الأميركية، بسبب تأثيرات جائحة كوفيد-19 أضعف اقتصادياً ممّا كانت عليه، وتالياً، فإنّ التعاون بين هذا المجلس وواشنطن هو ضرورة أميركية كما هو ضرورة خليجية.

في زمن أوباما، تمكّن النموذج التركي الذي أرساه الرئيس رجب طيب إردوغان، قبل أن ينقلب عليه، في ضوء محاولة الانقلاب التي تعرّض لها، من “تسويق” فكرة استلام “الإسلام السياسي” للحكم في الدول الإسلامية، ولكن هذا “البديل” سقط، في الوقت الراهن، لا سيّما أن نظرة بايدن إلى إردوغان، بدعم من الحلفاء الأوروبيين، تميل إلى السلبية التي وصلت إلى حد التهديد بدعم خصومه للإطاحة به.

في زمن أوباما، لم تكن هناك اتفاقيات إبراهيم بين عدد من الدول العربية والخليجية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وتالياً كانت القوى الإقليمية التي تخاصم إيران مشرذمة و”يخجل” بعضها بالبعض الآخر. مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ثمة متغيّر استراتيجي، لا يمكن القفز فوقه أو إسقاط جدواه أو منع تعميم نموذجه.

في زمن أوباما، لم يكن “حزب الله” مدرجاً على لوائح الإرهاب الخليجية والعربية. كانت النظرة إليه كقوة مقاومة قد ضعفت، ولكنها لم تكن قد انقلبت كليّاً. مع وصول بايدن، لن تجد الولايات المتحدة الأميركية من يموّل أي دولة يلعب فيها “حزب الله” دوراً رائداً كما هي عليه حال دولة لبنان.

ومن يعتقد أنّ الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية تخضع لإملاءاتها، ليس عليه سوى مراجعة وقائع الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، رغماً عن أنف أوباما، ومسارعة الاتحاد الأوروبي إلى توقيع اتفاق تعاون اقتصادي مع الصين، على الرغم من شرارات اندلاع “حرب باردة” بين واشنطن وبكين.

ولكن، مهما كانت عليه الحال، فإنّ “البراغماتية” الأميركية التي يمكن المراهنة عليها تقتضي من الدول التي تسوؤها المدرسة التي ينتمي إليها جو بايدن أن تُثبت قوتها من جهة وأن تقدّم ما تمتلكه من حلول للمشاكل التي لن تقبل واشنطن بتحوّلها الى مأزق، مثل امتلاك إيران السلاح النووي، من جهة أخرى.

ثمة مبدأ أساسي في “عقيدة أوباما” لم يتضرّر مع مرور الزمن. إنّه مبدأ “القيادة من الخلف”. فهل بات حلفاؤها يملكون القدرة ليكونوا هم في مقدمة المواجهة؟

الحرة

————————–

سقوط المسلّمات/ مايكل يونغ

لقد ولّد وصول إدارة جديدة إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة شعورًا في الشرق الأوسط بأن أمورًا كثيرة سوف تتغير. لكن هذه النظرة المتمحورة حول الولايات المتحدة يَفوتها أنّ تأثير واشنطن على المنطقة في الآونة الأخيرة حدث لأنها وقفت مكتوفة الأيدي، بدلًا من اتّخاذ خطوات محدّدة.

اضطُرّ الشرق الأوسط، على امتداد ولايتَي باراك أوباما وولاية دونالد ترامب، إلى التكيّف مع فك الارتباط الأميركي في المنطقة، ما ولّد ديناميكيات إقليمية جديدة طرحت علامات استفهام حول عدد كبير من الافتراضات التي كانت من المسلّمات قبل فترة. لذا سقطت أمورٌ عدّة كانت من الثوابت الأكيدة، ولعل في ذلك ما يُحرِّر بعض الشيء.

لنأخذ على سبيل المثال التطبيع الذي حصل العام الماضي بين دول عربية عدّة، هي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، وبين إسرائيل. تختلف الأسباب التي دفعت بكل دولة من هذه الدول العربية إلى اختيار هذا المسار، لكن هذه الاتفاقات مجتمعةً أسقطت فعليًا فكرة أن الصراع العربي-الإسرائيلي لا يزال قائمًا. فحتى البلدان التي لم تفتح قنوات رسمية مع إسرائيل، مثل السعودية وسلطنة عُمان، سبق أن فتحت معها قنوات على مختلف الأصعدة لكن من دون أن تضفي عليها طابعًا رسميًا. فماذا يعني هذا السياق الجديد للمنطقة الأوسع؟

مما لا شك فيه أن تخلّي العرب عن الفلسطينيين يثير الحسرة. ولكن هذه الخطوة قد تعود بالفائدة على الفلسطينيين من نواحٍ كثيرة، لأنها تُرغِم جيلًا جديدًا منهم على إعادة النظر في مقاربتهم لإسرائيل، بعيدًا عن المناورات العربية. كان حل الدولتين ليُنشئ، وفقًا لمنتقديه، بانتوستانًا فلسطينيًا، لا سلامًا قائمًا على التكافؤ والاحترام المتبادلَين. والآن لم يبقَ أمام الفلسطينيين في ظل غياب الدولة سوى تحصيل حقوقهم من الإسرائيليين في دولة ثنائية القومية.

ديمغرافيًا، قد يقود ذلك إلى أسوأ نتيجة ممكنة ليهود إسرائيل، ولكن القيادة الإسرائيلية جعلتها شبه محتومة. فإما أن تُبصر النور دولة ثنائية القومية أو سيكون على إسرائيل طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس أو الاستعداد لمواصلة قمعهم إلى الأبد. وفي الحالتَين، ستتداعى الأسس الفاضلة المزعومة للدولة اليهودية. لقد ألقت البلدان العربية، من خلال قرار التطبيع مع إسرائيل، هذه المشكلة الهائلة في أحضان الإسرائيليين الذين لا يملكون حلًا سحريًا لها.

ولكن تمامًا مثلما أُعيد تعريف الصراع العربي-الإسرائيلي بحيث لم يعد قائمًا، تبدّل أيضًا تعريف مفهوم المقاومة، لا بل أيضًا تعريف مجموعة الدول والجهات التي تسمّي نفسها محور المقاومة، أي إيران وحلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم حزب الله والنظام السوري وحركة حماس. وإذا قاوم الفلسطينيون في المستقبل، فسيفعلون ذلك سعيًا وراء أهداف قابلة للتحقيق، مثل المساواة في الحقوق في دولةٍ يعيشون فيها مع اليهود، بدلًا من المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة. إذًا، لن تكون طبيعة مقاومتهم من النوع الذي يفضّله محور المقاومة، أي المقاومة المسلّحة، بل ستكون مقاومة غير عنفية. ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي على الفلسطينيين الاتفاق على استراتيجية مشتركة. ولكنهم بدأوا يعيدون النظر في المعنى الفعلي للمقاومة.

محور المقاومة حاليًا عبارة عن تحالف مبنيّ على الرمال. ففي كل أرجاء المنطقة، يعمل الشركاء المنتمون إلى هذا المحور في ظروفٍ تَحدّ من قدرتهم على محاربة إسرائيل أو أميركا: فسورية مدمّرة؛ ويتربّع حزب الله فوق لبنان المنهار اقتصاديًا، حيث يبلغ العداء للحزب وأجندته مستويات كبرى؛ ويرفض عدد متزايد من الشباب، وكذلك شخصيات حكومية ودينية رفيعة، المنظومة الفاسدة التي تسيطر عليها إيران وتعاني خللًا وظيفيًا في العراق؛ ويرأس الحوثيون في اليمن بلادًا مفكّكة ومنكوبة؛ وتسيطر حماس على قطاع غزة الذي هو أشبه بسجن كبير، مَنفَذه العملي الوحيد هو باتجاه مصر التي يتعامل نظامها بارتياب شديد مع الحركة.

بعبارة أخرى، يُعدّ الانتماء إلى محور المقاومة مرادِفًا للخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويصمد هذا التحالف المنكوب فقط لأن إيران وحلفاءها على استعداد للجوء إلى العنف من أجل الحفاظ عليه. وهذا يؤكّد أن الحديث عن محور مقاومة يحارب الظلم لا أساس له، لأن اعتماد الأساليب نفسها التي تلجأ إليها الجهات الظالمة والقمعية هو النفاق بعينه.

الافتراض الثالث الذي تغيّر هو الاعتقاد بأن إيران تمتلك حقًا مشروعًا في ممارسة نفوذها في العالم العربي. فحتى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بدا وكأنه يصدّق ذلك، انطلاقًا مما قاله لجيفري غولدبرغ من مجلة “ذي أتلانتيك” في العام 2016: “المنافسة بين السعوديين والإيرانيين، التي ساهمت في تغذية الفوضى والحروب التي تُشَنّ بالوكالة في سورية والعراق واليمن، تتطلب منا أن نقول لأصدقائنا، وكذلك للإيرانيين، إن عليهم التوصل إلى طريقة فعّالة لتشارُك المنطقة وإرساء نوع من السلام البارد”.

مع تسلّم بايدن الذي كان نائبًا للرئيس أوباما سُدة الرئاسة، يجب إعادة النظر جوهريًا في ذلك الافتراض. فعلى أي أساس يُعتبر هذا الاعتقاد صحيحًا، ولا سيما أن إيران لا تُقدّم نموذجًا مقبولًا للعرب؟ لا بل إن وعودها الإقليمية تكاد تكون أورويلية في تداعياتها، إذا كانت المقاومة مرادفًا للخراب، والتحرير مرادفًا للقمع.

لقد استغلّت إيران الانقسامات في الدول العربية التي تغلغلت فيها. وعمدت الدول الحليفة لها إلى تقويض مؤسساتها الوطنية من أجل توسيع نفوذ طهران، ما ساهم في تفكّكها. لدى إيران الكثير لتقدّمه على المستوى الثقافي، ولكن لا وجود للقوة الناعمة في قاموسها في الوقت الراهن. فعلى الرغم من كل ما تتبجّح به من براعة وصبر بوصفها أمّةً من حائكي السجاد، لم تُقدّم للعرب سوى فصول قاتمة من الاستشهاد والنزاعات والفقر والتضحية المستمرة، فضلًا عن الانتقام الشديد من كل مَن يتحدّى القوى السياسية التي تدعمها.

لكن عيوب طهران لا تنعكس بالضرورة إيجابيًا على الدول العربية. ففيما تستعد حكومات كثيرة في المنطقة لحقبة ما بعد ترامب، ليس لديها هي أيضًا ما تقترحه. فالعالم العربي يخلو من الأفكار الكبرى، وهو على هذه الحال منذ عقود. صحيحٌ أن الانتفاضات التي انطلقت في العام 2011 أطاحت بأنظمة سلطوية، لكن قادة جميع الدول العربية تقريبًا عمدوا، منذ ذلك الحين، إلى خنق التطلعات الديمقراطية. ويبدو أن محرّك العمل الأساسي في الوقت الراهن يتمثّل في السعي إلى تحقيق المصلحة الوطنية، وعادةً ما يتم من خلال تعزيز النفوذ، من دون التوقّف عند ما حدث قبل عقد من الزمن. وتُعتبر محاولة بناء منظومة إقليمية فعّالة بمعيّة القيادات العربية الحالية حماقة، تمامًا مثل توقُّع أن تقوم إيران بمثل هذه المحاولة.

إذا لم يعد الصراع العربي-الإسرائيلي قائمًا، وإذا لم تعد المقاومة تعني الكثير، وإذا كانت الدول العربية وخصومها الإيرانيون لا يُقدّمون نماذج حكم ذات صدقية للمستقبل، فهذا يعني أن المنطقة قد أينعت وحان وقت إعادة تشكيلها على نحوٍ جذري. لا تستطيع الإدارة الجديدة في واشنطن المساعدة في هذا الصدد، بسبب تورّط الولايات المتحدة إلى حد كبير في المنظومة القديمة التي ولّدت الركود والسخط. قد تستفيد دول الشرق الأوسط من إسقاط المسلّمات السابقة، لكن امتحانها الأكبر سيكون إثبات أنها قادرة على المضي قدمًا.

مركز مالكوم كير-كارينغي للشرق الأوسط

——————————-

تدشين الترامبية الاجتماعية/ سامح المحاريق

يشكل غياب ترامب عن البيت الأبيض الفرصة لانتهاء الترامبية السياسية، وفي الوقت نفسه تدشين الترامبية الاجتماعية، التي استطاعت أن تقدم فكرة عن حجمها وتركيبتها في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، مع خمسة وسبعين مليون صوت ذهبت إلى الرئيس السابق، ولكن ما هي ملامح الترامبية السياسية؟

الفوضى التي يستخدمها البعض للتعبير عن سياسات ترامب ليست تعبيراً دقيقاً، والحالة الترامبية تقوم على ملامح واضحة في السياسة، أولها، اتساع أفق الخيارات، فهو وإن كان يدير بعض الملفات يوماً بيوم، ويمكن أن ينقلب من موقف إلى نقيضه، كما حدث مع كوريا الشمالية، فإنه يظهر صاحب رؤية متعددة المراحل، وهدف واضح كما كان الأمر مع الصين وصفقة القرن، والخيارات المتنوعة والمتناقضة، تفضي إلى استنتاج بضعف البنية الأخلاقية لترامب، فأي رئيس يمتلك بنية أخلاقية معينة، وبغض النظر عن حكمنا على هذه البنية، فإنه يتحرك ضمن مبادئ في النهاية، تحدد ما يتوجب رفضه، أو عدم مناقشته من الأساس، وأقصى ما يمكن تقديمه من تنازلات، في حالة ترامب كانت الإثارة السياسية عنواناً للأداء الأمريكي في العديد من الملفات.

من الملامح المؤسسة لحقبة ترامب، عودته إلى سياسة عدم التدخل، فهو يعرف أنه رئيس لن يدخل حرباً جديدة، وطالما أن العلاقات مع العالم لا تحقق مغنماً واضحاً ومغرياً، كما كانت علاقته مع دول الخليج، أو مغرماً فادحاً كما في حالة الصين، فإنه يتخذ موقفاً سلبياً، ويعتقد ترامب أو يتصرف من غير وعي ربما تجاه الحالة الأمريكية، من افتراض أن الاستثمار في الثروات الكبيرة لدى الأمريكيين هو استراتيجية أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، ولذلك كانت توجهاته تصب جميعاً في خانة الوظائف.. وظائف والمزيد من الوظائف، الأمر الذي كان يحققه بصورة جيدة قبل وباء كورونا. هل يمكن النظر إلى خسارة ترامب على أساس أنها كانت خسارة أمام كائن فيروسي، وليست خسارة في مواجهة خصومه السياسيين من الديمقراطيين وتوجهاتهم المحلية والدولية؟ وهل تحرك الديمقراطيين في الشارع الأمريكي كان بناء على استشعار الخطر من تفكيك نظريتهم السياسية، وضرب مبادئهم المؤسسة، وهو ما لم يستشعروه مع جورج بوش الابن مثلاً؟ ما الذي أحدثه ترامب وجعله يصل بالمجتمع الأمريكي إلى أقصى حالات الاستقطاب؟ استطاع ترامب أن يوقظ الغرائز الأساسية للمجتمع الأمريكي، وهي غرائز تسهل استثارتها، فمنذ وصول المهاجرين الجدد تولدت العديد من الطوائف الدينية، التي حاولت أن تقدم ديناً أمريكياً، مثل المورمون والأميش، وتكررت حالات تبعية عمياء لقادة دينيين أو شعبيين، وصولاً إلى انتحار جماعي مثلما حدث مع ديفيد كورش في التسعينيات، وحادثة واكو التي شهدت مقتله مع عشرات المؤمنين به، وترامب في الأسابيع الأخيرة، أخذ يقدم نفسه مثل ملك توراتي يتآمر عليه العالم، وهذه الصورة وجدت صداها لدى الأمريكيين البيض، الذين يعتبرون أنفسهم ضحية لأمريكا العالمية التي بزغت بعد الحرب العالمية الثانية بوصفها القوة المسيطرة في العالم.

يتساءل الأمريكي في المزارع والمصانع، أي بعيداً عن الولايات الساحلية حيث التجارة والتكنولوجيا والانفتاح، حول أوباما وكاميلا هاريس، ويتخوف من أن يتولد المزيد من هذه النماذج من خلال سياسات تشجيع الهجرة، التي تحميها الصوابية السياسية، والتحيز الإيجابي للمرأة والمهاجرين والملونين، في الكثير من المواقع، ويراهم في حواره مع نفسه، القادمون من بعيد الذين يسعون لجني ثمار الحلم الأمريكي مع أنهم لم يدفعوا ضريبة بناء أمريكا في حربها الأهلية، وفي صراع المؤسسين مع الطبيعة وأنهارها وجبالها وطقسها المتمرد. عدم التدخل بوصفه سياسة خارجية كان يتوافق مع رغبة ترامب في تقييد التجارة، ومنح الفرص للأمريكيين من أجل إنتاج حاجات السوق الأمريكي، والعودة إلى السيارات الكبيرة، بعد أن تمكنت شركات مثل هوندا وتويوتا من تلبية متطلبات الأمريكي الحضري (الأوربان) في المدن، وشرعنة الانغلاق ستلقي ظلالها على سلوكيات اجتماعية وأفكار سائدة تتعلق بالمهاجرين. ترامب لا يؤمن بالاستدامة، لا في العلاقات الدولية ولا في الاقتصاد، ولا يحمل رؤية تجاه التخطيط الاستراتيجي، وخبرته القديمة بوصفه رجل كازينو، تجعله يريد أن يكون الجميع سعيداً بدون أن يمنح أحداً فرصة التوقف والتفكير في النتائج بعيدة المدى لرهاناته، وهذا ما تمكن من زرعه في الأمريكيين البيض من أنصاره المتحمسين، والذين يفكرون في مزيد من الوفرة، التي تبدو متاحة أمامهم، حتى لو كان ذلك يتطلب تعديلاً في أنماط معيشتهم.

طويت أيام الرئيس ترامب في البيت الأبيض، ولكن الترامبية ستتفاعل في الولايات المتحدة، وربما نشهد خلال سنوات أحد الأفراد الذين شاركوا في حصار الكونغرس واقتحامه مرشحاً للرئاسة، ومعبراً عن المشروع الترامبي في بعده الاجتماعي، فأحداث الأسابيع الأخيرة تدلل على أن الأمر أخذ يؤسس لحراك اجتماعي من خلال استلهام ما تم تسويقه من مظلومية ترامبية، ولذلك يمكن أن نجد في حالة الفوضى التي سيطرت على واشنطن لأيام صعبة، موازياً موضوعياً لمرحلة الستينيات، التي أنتجت بيرني ساندرز وتياره، وشكلت وعي بيل وهيلاري كلينتون، ولجميع أنصار حركة الحقوق المدنية، الذين أخذوا يعتبرون أوباما حلم مارتن لوثر كينغ الذي تأخر تحقيقه.

كاتب أردني

القدس العربي

————————

الشّرق الأوسط: ماذا بعد تسلّم بايدن؟

ما من شك في أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط سوف تتغير مع خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض، وحلول الرئيس جو بايدن مكانه. فمؤشرات التغيير بدأت ترتسم في العديد من الملفات، لا سيما من خلال أولى المراسيم التي أصدرها الرئيس الجديد لحظة بلوغه “المكتب البيضاوي”: إلغاء منع السفر من عدد من الدول الإسلامية الى الولايات المتحدة، ووقف الأعمال في الجدار الحدودي مع المكسيك. ومن المتوقع أن يعيد بايدن بلاده الى معاهدة المناخ العالمية التي خرج منها ترامب خلال ولايته. وأكثر من ذلك، ثمة حراك حاصل على صعيد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، خصوصاً مع توارد معلومات دبلوماسية تفيذ بحصول اجتماع بين شخصيات من حملة بايدن (قبل انتقال السلطة) وممثلين عن النظام الإيراني في نيويورك، للبحث في مسار العلاقات المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران، في ضوء إصرار إيران على رفع العقوبات وعودة واشنطن الى الاتفاق النووي شرطاً لعودة طهران الى الالتزام بمندرجات الاتفاق، ثم البحث في ملفات أخرى يتحدث محيط الرئيس بايدن عن أنه سوف يضعها على الطاولة للتفاوض مع إيران.

ثمة اتجاهان في محيط بايدن المعني بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط: الأول يريد الإسراع في العودة الى الاتفاق النووي من دون شروط، ويرى أن الحديث عن قصر السقوف الزمنية بالنسبة الى الالتزامات ليس في مكانه، وأن إدارة الرئيس السابق ترامب هي التي دفعت إيران الى خرق الاتفاق، وما إن تعود واشنطن الى ما قبل ترامب فسوف يعود الإيرانيون تلقائياً الى الالتزام كما كان عليه الوضع بعد التوقيع على الاتفاق سنة 2016.

أما الاتجاه الثاني فيرى أن الأمور تغيّرت في السنوات الأربع الأخيرة، وأن موضوع العودة الى الاتفاق النووي صار أسير شروط مسبقة لا بد من فرضها على إيران، قبل رفع العقوبات والعودة الى الاتفاق معدّلاً. فتعديل الاتفاق بنظر أصحاب هذا الاتجاه أمر ضروري جداً، نظراً الى ترابط أكثر من ملف ساخن بالاتفاق نفسه، من برنامج الصواريخ البالستية، الى السياسة التوسعية الإيرانية المهددة لأمن الحلفاء في المنطقة واستقرارهم، وصولاً الى صلب الاتفاق نفسه الذي يرى هؤلاء أن سقفه الزمني قصير جداً لضمان عدم امتلاك إيران قنبلة نووية بالمطلق.

صحيح أن لإيران “لوبي” قوياً في واشنطن، وأقول في محيط الرئيس بايدن، وهو مؤلف من العديد من الشخصيات التي كانت تدور في فلك الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقد عاد العديد منهم الى الإدارة الجديدة، وسوف يلعبون دوراً مهماً جداً للتأثير في قرار الرئيس في ما يتعلق بالعلاقات بإيران. ولكن الأصح أن واشنطن تحت إدارة الرئيس بايدن مدعوة قبل أي شيء آخر الى التنسيق مع الحلفاء في المنطقة، وخصوصاً بعدما ظهرت ملامح تمرّد على مقاربات أوباما السابقة، من هذه الدول المركزية التي تمثل حجر الرحى للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. فإذا كانت إيران مهمة، فإن مجموعة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من دول عربية مركزية وإسرائيل وتركيا أهم بأشواط من حلم باراك أوباما بأن تصبح إيران حليفاً للولايات المتحدة من دون أن يتغير نظامها جذرياً. وهنا سؤال أساسي يطرحه حلفاء أميركا: هل عاد أوباما الى البيت الأبيض؟ أم أن بايدن سيخلق المفاجأة التي يخشاها الإيرانيون فيبني على المكاسب التي حققها ترامب في مقاربته للتهديد الإيراني، ويستغل نظام العقوبات الذي ورثه عن سلفه، لكي يجلب الإيرانيين الى طاولة مفاوضات من موقع أضعف؟

في مكان آخر، وفي سياق مراقبة التغييرات التي ستحصل وفهمها، لا بدّ من انتظار استكمال بايدن التعيينات في المؤسسات المعنية بالسياسية الخارجية، ولا سيما في الشرق الأوسط. كما لا بدّ من تلقف أي موقف يصدر منذ اليوم من الشخصيات المعنية بالسياسة الخارجية لمحاولة فهم ما يفكّر به بايدن. فعلى سبيل المثال، ثمة تصاريح متناثرة من هنا وهناك تتعلق بالموقف حيال العودة الى الاتفاق النووي، تؤشر الى أن العودة لن تكون تلقائية أو سهلة، وأن لا بدّ من التفاوض على الملفات المتصلة، والتنسيق مع الحلفاء الذين تعرف إدارة بايدن أنهم لن يرضخوا بسهولة لأي توجه للعودة الى مرحلة أوباما بالنسبة الى العلاقة مع إيران.

انطلاقاً مما سبق، سيكون من المثير متابعة تضارب رهانات القوى المتصارعة في المنطقة على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن التي لا تزال غامضة في أيامها الأولى!

—————————

مقاربات في الشعبوية ../ حسين عبد العزيز

يكاد يكون مصطلح الشعبوية من أكثر المصطلحات السياسية غموضا، فهو مائع من جهة، لأنه يفتقر إلى بنية مفهومية واضحة، ولزج من جهة أخرى، لأنه يرتبط بمقارباتٍ أيديولوجيةٍ من دون أن يتحول إلى أيديولوجيا كاملة. تتقاطع مع الكفاح من أجل البناء الوطني، ومع مضامين سياسية في لحظات معينة، ومع استياء شعبي تجاه الآخر في البيئة الوطنية، ومع القومية، فتظهر عند اليمين كما اليسار، والشعب كما النخب، وتظهر في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية والاشتراكية، كما في الأنظمة الاستبدادية. لهذا السبب، لا يوجد تعريف محدّد للشعبوية بين المفكرين الذين درسوا الظاهرة، وإن كان قاموس أكسفورد قد عرّفها بأنها “ضرب من السياسة يسعى إلى تمثيل مصالح ورغبات الناس العاديين الذين يشعرون بأن جماعات النخبة المترسخة تتجاهل شواغلهم”. وقاموس بوتي روبير بأنها “خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام ومسؤوليه والنخب”. ولكن هذين التعريفين لا يحيطان بالمفهوم إحاطة كاملة، وهو ما دفع عالم الاجتماع الفرنسي، برتران بادي، إلى القول إن شدة المحاولة في جعل الشعبوية نظاما موصوفا متميزا، تؤدي إلى الفشل في إيجاد أسس نظرية له. من هنا دعت ناديا أوربيناتي إلى التوقف عن المناقشات المتعلقة بماهية الشعبوية وأسبابها العميقة، والانتقال إلى دراسة نتائجها باعتبارها مشروع حكم.

تسلط هذه المقالة الضوء على خمس مقارباتٍ تناولت إشكالية الشعبوية، من حيث الأسباب التي أدّت إلى نشوئها، والنتائج التي تتوخّى إحداثها داخل البيئة السياسية.

موفي ولاكلاو

يكاد يتفق معظم دارسي الشعبوية على أنها ظاهرة موجودة في كل الأنظمة السياسية على السواء، بيد أن اهتمام الباحثين تركّز على هذه الظاهرة داخل البلدان الديمقراطية ـ الليبرالية، لأنها أكثر وضوحا، ولأنها ناجمة عن أسباب موضوعية شبه مستدامة في ظل النظام السياسي القائم.

تعتبر عالمة الاجتماع البلجيكية شانتال موفي أن الوضع الذي تعيشه البلدان الديمقراطية ـ الليبرالية يمكن تسميته “ما بعد الديمقراطية”، لأن التوتر بين الديمقراطية والليبرالية قد انتهى بعد انتصار النيوليبرالية (تمدّد القطاع المالي على حساب القطاع الإنتاجي، تزايد الخصخصة) وإخماد الديمقراطية التي تحولت إلى احتفال بالانتخابات فقط.

تدرك موفي، منذ البداية، صعوبة الجمع بين التزام التعدّدية الاجتماعية والتزام المساواة بمتانة، لأن البنى المصمّمة لتعزيز المساواة تقيد الالتزام الأول. ولكن انتصار النيوليبرالية بهذا الشكل، وما نتج عنها من نشوء أوليغارشية فجّة، جعلها من أنصار الدعوة إلى إعادة بناء “الديموس”، وهذا لا يحصل إلا بتدخلٍ سياسي شعبوي، من أجل إعادة القوة إلى ديمقراطيةٍ تنادي بالمساواة من دون إلغاء التعدّدية.

مقاربة شانتال متأثرة بالتأكيد بنظرية لاكلاو (زوجها) الذي يعتبر الشعبوية مقاربة إيجابية، لأنها تنتج هوية جمعية، تجعل السياسة ممكنةً لفئةٍ كبيرةٍ في المجتمع، لمواجهة خطر البيروقراطية وخطر استبداد الأوليغارشية.

يؤكّد لاكلاو وموفي أن الديمقراطية ـ الليبرالية هي سبب نشوء الشعبوية، وأن الديمقراطية الراديكالية (ديمقراطية الشعب أو الديمقراطية المباشرة) هي الحل، لأنها تتجنّب المذهب الاستبدادي المرتبط باليقين الحديث بوجود حقيقة وقيمة مطلقتين من جهة، وبتصدّع التضامن الاجتماعي وتفكّكه المرتبطين بالألعاب اللغوية لما بعد الحداثة من جهة أخرى، وفق كلمات كيث ناش.

بالنسبة لـ لاكلاو، يوجد شرطان لنشأة الشعبوية: نشأة السلسلة المتكافئة من المطالب، ونشأة الحد التخاصمي بين السلطة وسلسلة المطالب، ثم حصول توحيد رمزي لسلسلة المطالب. بعبارة أخرى، تنشأ سلسلة من المطالب الاجتماعية المختلفة في وجه السلطة. وعند هذه المرحلة لا تنشأ الشعبوية، لأننا أمام مجرد مطالب، وعندما يحدث توحيد رمزي لهذه المطالب مجتمعة، تحدث خصومة حادّة مع السلطة، هنا تنشأ الشعبوية. ولكن هذه المعطيات الثلاثة تتوفر في أية انتفاضة شعبية ضد النظم الاستبدادية، وبالتالي هي غير كافية لتحديد التمايز بين الشعبية والشعبوية. وقد تنبه إلى ذلك المفكر السلوفيني سلافوي جيجك الذي كان ردّه على لاكلاو عاملا مساعدا في فهم نظرية الأخير. يرى جيجك أن العناصر الثلاثة التي تحدّث عنها لاكلاو لنشوء ظاهرة الشعبوية لا تكفي لوصف أي حركة اجتماعية بوصف الشعبوية، فهناك حركاتٌ اجتماعيةٌ لم تكن شعبوية، مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. يرد لاكلاو أن هذه الحركة لم تُحدث خصومة سياسية مع السلطة، وبالتالي لا يمكن أن تكون استراتيجية سياسية للقوى الديمقراطية.

تطرح نظرية لاكلاو إشكالات كثيرة، لأن فكرة الحد التخاصمي بين فئة اجتماعية من جهة والسلطة من جهة أخرى، كانت حالة متوفّرة في كل الحركات أو الانتفاضات الاجتماعية، خصوصا في الأنظمة الاستبدادية، وفي الأنظمة الديمقراطية الناشئة. الغريب في مقاربة لاكلاو أنه في وقتٍ يؤكّد فيه أن منشأ الشعبوية كان نتيجة التوتر بين الديمقراطية والليبرالية، يقدم حلا من خارج السياق الديمقراطي ـ الليبرالي، حيث يعتبر أن حل التوتر بين الديمقراطية والليبرالية لا يكون إلا من خلال نضال وصراع حاد ضد النخبة الحاكمة، وليس من خلال الحوار العقلاني. 

من الواضح أن فكرة الصراع ناجمةٌ عن الخلفية الماركسية للاكلاو، وناجمة أيضا عن معاينته التجربة السياسية في أميركا اللاتينية، حيث كان الصراع ضد النخب السياسية ـ الاقتصادية حادا.

موده وكالتواس

يتفق كاس موده وكالتواس مع لاكلاو وموفي في أن الشعبوية هي نتاج الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية، وأنها رد فعل ديمقراطي على التجليات غير الديمقراطية لليبرالية، ويتفقان معهما أيضا في أن الشعبوية ديمقراطية في جوهرها، ولها بعد إيجابي (مشاركة جمهور الناخبين في السياسة)، وإن كانت تختلف عن الأنموذج الديمقراطي ـ الليبرالي السائد، من حيث أنها ترفض تقييد إرادة الشعب، وترفض فكرة الليبرالية القائمة على التعددية. ولكن موده وكالتواس يختلفان مع لاكلو وموفي في اعتبار أن للشعبوية منطقا سياسيا، وأنها تعيد الحياة للديمقراطية، فبرفض الشعبوية الليبرالية، قد ننتهي بنزعة استبدادية هوياتية تدمر النظام السياسي القائم. وبالنسبة لـ موده تحديدا، التقسيم الأخلاقي للعالم هو السبب في نشوء الـ “نحن”/ “الشعب”، مقابل الـ “هم”/ “النخبة”، الأولى خيرة والثانية فاسدة. وعلى الرغم من ذلك، يرى موده وكالتواس أن الشعبوية قد يكون لها تأثير إيجابي في الديمقراطيات الناشئة في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية المتطوّرة.

وفي حالة الديمقراطيات الناشئة، ثمّة أثر إيجابي للشعبوية، خصوصا في المرحلتين، الأولى والثانية، من عملية الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي.

في المرحلة الأولى، تطبيق الليبرالية، تبدأ الشعبوية في تطبيق الليبرالية، حين يرفع نظام استبدادي بعض القيود، ويوسّع بعض الحقوق الفردية والجماعية، وهي من هذا الجانب عامل إيجابي للديمقراطية. وفي المرحلة الثانية، مرحلة الانتقال من الليبرالية إلى الديمقراطية، تلعب الشعبوية دورا إيجابيا، بسبب دفاعها عن مبدأ انتخاب الناس لمن يحكمهم.

أما تأثير الشعبوية في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية، فهو إيجابي وسلبي، فهي من جهة تكون مصححة لمسار الديمقراطية من حيث إسماعها صوت جمهور الناخبين الذين لا يشعرون بأن النخبة تمثلهم. ومن جهة ثانية، تؤثر الشعبوية سلبا من خلال ادّعائها عدم أحقية أي مؤسسة في تقييد حكم الأغلبية، وهي عمليةٌ قد تنتهي بالقوى الشعبوية إلى مهاجمة الأقليات، وتقويض جهد المؤسسات المتخصصة في حماية حقوق الإنسان الأساسية، وإن كان موده وكالتواس يستبعدان حصول ذلك بسبب قوة النظام الديمقراطي ـ الليبرالي.

لا تسعف هذه المقاربة في تحديد الفرق الجوهري بين الشعبي والشعبوي، فوفقا لمقاربة موده وكالتواس، يصبح كل ضغط شعبي على الأنظمة الاستبدادية ظاهرة شعبوية، وتصبح كل حركة اجتماعية ـ سياسية مناهضة للاستبداد أو داعية إلى تصحيح العلاقة المتوترة بين الديمقراطية والليبرالية، هي حركة شعبوية. ومع أنهما أوضحا في مقدمة كتابهما “مقدمة مختصرة في الشعبوية” أن دراستهما الشعبوية تأتي من منظور ديمقراطي ـ ليبرالي، لأن الشعبوية تتضح إذا ما قورنت بالديمقراطية ـ الليبرالية، فإن تمظهر الشعبوية في معاداتها البعد الليبرالي، قد يوضح تجليات الشعبوية على مستوى الخطاب السياسي، لكن لا يوضح الأسباب العميقة للظاهرة.

فيرنر مولر

عمل فيرنر مولر على تكثيف مفهوم الشعبوية، من أجل تمييزها عن الظواهر السياسية الأخرى المشابهة، فلا يجب أن نستخلص منها أساسا قوميا أو عنصريا. ولا يجب ربطها بالزعامة، ولا يمكن معرفة الشعبويين من خلال معرفة ناخبيهم في أسفل الطبقة الوسطى، ولا يمكن اعتبار نقد النخبة معيارا كافيا لتحديد المفهوم، ولا يمكن اعتبار معاداتها التعدّد سمة خاصة بها.

وفي مقابل هذه التوضيحات، يقدم مولر سماتٍ تميز الشعبوية: ادّعاء أنهم يمثلون إرادة الشعب من أجل ضرب المؤسسات الديمقراطية التي لا يسيطرون عليها، رفض الشعبوية التعدّد (الليبرالية)، رفضها النخبة الحاكمة، رفضها البرلمان بوصفه مؤسسة وسيطة، تحويل عملية التمثيل السياسي إلى عملية تفويض كامل.

لا تظهر هذه السمات إلا في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية. ولذلك يعتبر مولر أن ظاهرة الشعبوية ستبقى ما بقيت الديمقراطية قائمة، وأنها ظاهرة معادية ليس فقط لليبرالية، بل أيضا للديمقراطية (بخلاف لاكلو وموفي وموده وكالتواس) لأن الشعبوية تضع سيادة الإرادة الشعبية فوق كل شيء، وتجري تقسيما أخلاقيا بين “نحن” و”هم”، تقسيم سرعان ما يحمل بعدا أخلاقيا ومن ثم هوياتيا، في عودة ما ورائية إلى ما قبل مكيافيلي لربط السياسة بالأخلاق ربطا محكما.

الشعبوية هي انعكاس لسياقاتٍ ثلاثة غير مسبوقة تعيشها الديمقراطية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: سياق الإشكالية السياسية التي طرحتها النازية بديلا للمؤسسات الديمقراطية، من داخل الديمقراطية ذاتها التي كانت حكومة فايمار تجسيدا لها. سياق شعبوي نشأ في أوروبا الشرقية ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ووجّه نقده إلى الاتحاد الأوروبي كمؤسسة محكومة من بيروقراطية غير منتخبة، تفتقر لأي بعد ديمقراطي. سياق الأزمة المالية ـ العقارية في الولايات المتحدة عام 2008، وما فرضته من سياسات تقشف أثّرت سلبا على فئات اجتماعية كبيرة. 

تؤكد هذه السياقات الثلاثة، وفقا لمولر، أن الشعبوية ارتبطت بالديمقراطية في سياق تاريخي خاص، وهو الأمر الذي جعلها تتميز عن التيارات السياسية المعارضة للديمقراطية أو المنافسة لها، فليست كل التيارات المعادية أو المنتقدة للديمقراطية شعبوية، وليست كل التيارات التي تتحدّث باسم الشعب شعبوية، فما يميزها عن التيارات السياسية أن الشعبوية تعارض الديمقراطية من قلب فكرة الديمقراطية نفسها.

ناديا أوربيناتي

ليست الشعبوية أيديولوجيا أو نظاما سياسيا محددا، بل هي سيرورة تمثيلية، تتكوّن عبرها ذات جمعية، بحيث يكون في مقدورها الوصول إلى السلطة. تحاجج أوربيناتي في أن الديمقراطية الشعبوية اسم نمط جديد من الحكم التمثيلي، يرتكز على ظاهرتين: علاقة مباشرة بين الزعيم وأولئك الذي يعرفهم الزعيم بأنه صالحون أو أخيار. تخويل سلطة مفرطة لجمهور المتلقين، وأهدافها المباشرة هي العقبات التي تعترض تطوّر هاتين الظاهرتين: هيئات صنع الرأي الوسيطة (الأحزاب، وسائل الإعلام، الأنظمة ذات الطابع المؤسسي المخصصة لرصد السلطة السياسية ومراقبتها). تنامي أوليغارشية مستفحلة وجشعة تجعل السيادة سرابا.

الشعبوية إذا، مشروع حكمٍ جديدٍ للحكم التمثيلي، إلا أنه مشوّه، لأنه يبعد المعارضة ويجعل السياسة غير ممكنة. وهذا لا يتحقق إلا بإجراء تحويل في ركائز الديمقراطية الحديثة الثلاث: الشعب، مبدأ الأغلبية، التمثيل، وهذا هو هدف كتابها “أنا الشعب: كيف حوّلت الشعبوية مسار الديمقراطية”.

تتفق ناديا أوربيناتي مع نقد جيجك لاكلاو بأن من غير الصحيح التعامل مع الشعبوية بوصفها متطابقة مع الحركات الشعبية أو الاحتجاجية، إذ قد تتضمّن الحركات الشعبية بمفردها خطابا شعبويا، لكنها لا تمتلك مشروع سلطة شعبوية. ثمّة فرق بين حركات ديمقراطية معترضة على اتجاه اجتماعي يرى المواطنون المعبأون خيانة للمبادئ الأساسية للمساواة، ومقاربة شعبوية تسعى إلى التغلب على المؤسسات التمثيلية والفوز بأغلبية حكومية من أجل نمذجة المجتمع وفق أيديولوجيتها الخاصة بالشعب.

وفي سياق ردّها على نظرية لاكلاو وموفي، تتوجه أوربيناتي مباشرة إلى القول إن بنية الشعبوية لا تميل من تلقاء نفسها إلى نوع من السياسة التحرّرية، مهما حاول يساري، مثل لاكلاو، ترويجه. وإذا وصفت الديمقرطية بأنها إستراتيجية للظفر بالسلطة قائمة على القبول، ينتهي توصيف لاكلاو الشعبوية باحتواء السياسة الديمقراطية عامة، ووفقا لرؤية لاكلاو تصبح كل السياسات شعبوية.

تتفق أوربيناتي مع مولر في اعتبار الشعبوية مضادّة للديمقراطية، لكنها ترفض حججه، فالتقسيم المانوي الأخلاقي الذي وضعه مولر وكوده وكالتواس في صلب الشعبوية “نحن” و”هم”، لا يفسّر خصوصية الشعبوية، ذلك أن “نحن” و”وهم” هي محرّك أنماط التجمع الحزبي كافة، وإن كان ذلك بكثافاتٍ وأساليب متباينة، فضلا عن أن فقدان الثقة في من يتولون السلطة وانتقادهم هما مكونان من المكونات الأساسية في الديمقراطية، ولا يفسّران الشعبوية.

وترفض أوربيناتي مقاربة موده وكالتواس في أن الشعبوية تعادي النموذج الديمقراطي ـ الليبرالي فقط، ولا تعادي الديمقراطية في ذاتها، فمن وجهة نظرها إن التمييز بين الديمقراطية والليبرالية في الأنظمة المعاصرة لا يوضح منشأ الشعبوية، لأن الديمقراطية تحيل إلى مزيج من السيادة الشعبية وحكم الأغلبية، وإن إسناد قيمة الحرية إلى الليبرالية لا إلى الديمقراطية يعجز عن توضيح العملية الديمقراطية نفسها.

ومن منظور ثنائية الحكم الذي تعتمده، تدحض أوربيناتي الحكمة التقليدية التي تُفهم الشعبوية وفقها بوصفها ديمقراطية غير ليبرالية، فديمقراطية تنتهك الحقوق السياسية الأساسية، وتمنع تشكل أغلبيات جديدة ليست ديمقراطية على الإطلاق. ولذلك التمييز بين ديمقراطي وديمقراطي ـ ليبرالي فعل مضلّل.

يكمن القصور الرئيسي في المقاربات الأيديولوجية في حقيقة أنها لا تولي اهتماما كافيا بالجوانب المؤسسية والإجرائية التي تتّصف بها الديمقراطية وتظهر الشعبوية ضمنها. لا توضح هذه المقاربات، وفقا لأوربيناتي، ما الذي يجعل تركيز الشعبوية المتصل بمناهضة مؤسسة الحكم مختلفا عما نجده في الباراديغم الجمهوري، أو في السياسة المعارضة التقليدية، أو حتى في التحزّب الديمقراطي؟

عزمي بشارة

قد يبدو الخلط بين الشعبية والشعبوية مفهوما إلى حدّ ما في الأنظمة الاستبدادية والأنظمة التي تنتقل نحو الديمقراطية بسبب صعوبة تلمّس الظاهرة بعيدا عن الحالة الشعبية الغاضبة، وهي مسألة حرص عزمي بشارة على تأكيدها في مقدمة كتابه “في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟” (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، حين قال “ليست كل استراتيجية شعبية هي شعبوية، لكنها قد تتضمّن عناصر شعبوية”، لكن الخلط بين الشعبية والشعبوية في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية يبقى غير مفهوم. لم تكن مهمة كتاب عزمي بشارة “في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟” تقديم سرد نظري للشعبوية، بقدر ما هي قراءة للبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلدان والمجتمعات المتطوّرة، بحيث لا يمكن فهم الشعبوية من دون فهم آليات عمل النظام الديمقراطي ـ الليبرالي ومشكلاته. إنها علاقة جدلية: تُفهم الشعبوية من خلال فهم النظام الديمقراطي ـ الليبرالي، بقدر ما تُفهم مشكلات الأخير من خلال الشعبوية، كتجلٍّ للتوتر الدائم في هذه الأنظمة.

يتفق بشارة مع دارسي الشعبوية في أنها نتاج للتوتر بين التقليدين، الديمقراطي والليبرالي، لكنه يغوص أكثر في فهم الميكانيزمات الاجتماعية والسياسية لهذا التوتر. ويحدد عناصر الأزمة في النظام الديمقراطي ـ الليبرالي بثلاثة توترات بنيوية:

1ـ التوتر القائم بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر وافتراض المساواة في القدرة على تمييز مصلحتهم التي تقوم عليها المساواة السياسية من جهة، وبين البعد الليبرالي القائم على مبدأ الحرية المتمثلة في الحقوق والحريات المدنية من جهة ثانية.

2ـ توتر داخل البعد الديمقراطي ذاته، بين فكرة حكم الشعب ذاته وضرورة تمثيله في المجتمعات الكبيرة والمركبة عبر قوى سياسية منظمة ونخب سياسية.

3ـ توتر بين مبدأ التمثيل بالانتخابات الذي يقود إلى اتخاذ قرارٍ بأغلبية ممثلي الشعب المنتخبين، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من جهة، ووجود قوى ومؤسسات غير منتخبة ذات تأثير في صنع القرار (الأجهزة البيروقراطية للدولة) من جهة أخرى.

ليست هذه التوترات عابرة، بل هي دائمة وجزء رئيسي داخل منظومة العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية. لكن في حين اعتبر مولر أن هذه التوترات الثلاثة هي سبب نشوء الشعبوية، لا يعتبر عزمي بشارة أن هذه التوترات في ذاتها سبب لنشوء الشعبوية، لأنها لا تؤدي تلقائيا وبالضرورة إلى غضب قطاعات اجتماعية، أو إلى نشوء خطاب شعبوي، فغالبا ما لا يفكّر الناس في هذه التوترات.

هنا، ينتقل بشارة إلى البنية الاجتماعية ـ الاقتصادية، فالتفاوت بين المساواة الاجتماعية والمساواة السياسية، وفجوات توزّع الدخل وتشوهه، وإشكالية الحرية في غياب المساواة الاجتماعية، ومسألة الهويات والحقوق الجماعية، والثقافة والتقاليد السائدة، هي مصدر التهميش ووجود فئات متضررة وأخرى مستفيدة من النظام. وتتغذّى الأزمة بتعمق اللامساواة مع انهيار إجماع ما بعد الحرب العالمية الثانية على دولة الرفاه وهيمنة النموذج النيوليبرالي وتضرّر الطبقة الوسطى والعمال الصناعيين. ولذلك ينبه بشارة الباحثين الليبراليين الذين شخّصوا خطر الشعبوية في تشويه تقاليد المساواة بتحويلها إلى قيم مطلقة، في أنهم لم يولوا الاهتمام الكافي بمعالجة المصادر الاجتماعية والثقافية للشعبوية.

وافق بشارة على مقاربة ديفيد غودهارت في أهمية مسائل الهوية والانتماء والثقافة في تفسير الشعبوية. وقد ميز غودهارت بين فئتين اجتماعيتين في الغرب الديمقراطي: تنتمي الأولى إلى بيئة محلية، وتحافظ على قيمها وتقاليدها، ويتسم أعضاء هذه الفئة بأنه لم يغادروا بيئتهم المحلية. والثانية هي فئة اللامحليين أو المتنقلين الذين لا ينتمون إلى مكان محدّد، وبسبب تنقلهم المستمر بحكم عملهم، تفاعلوا مع الثقافات الأخرى.

الفئة الأولى، هي التي ترفض الغريب والطارئ. ولذلك هي الأكثر تعرّضا لخطاب الشعبوية، خصوصا في جانبه المضاد للهجرة، في حين أن الفئة الثانية غير قلقة من الهجرة والاندماج. وقد دافع غودهارت عن الفئة الأولى من خلال دعمه الشعبوية اليمينية، فما يجب حمايته ليس حقوق الفرد، وإنما حقوق الجماعة والأعراف والتقاليد الأصلية. وينتقد بشارة الحلول التي قدّمها غودهارت، لأنها تعني أن معركة التعدّدية الثقافية ستكون خاسرة، وأن اليسار يجب أن يتبنّى سياساتٍ ثقافيةً إثنيةً كي يجتذب هذه الفئة بعيدا عن اليمين الشعبوي. ويتجاهل هذا الرأي أو التيار أيضا، بحسب بشارة، أهمية الحقوق الاجتماعية ورفع مستوى التعليم في مقابل التشديد على تعظيم عنصر الثقافة.

فكرة المحلوية غير كافية لتفسير الشعبوية، الأمر الذي دفع بشارة إلى توجيه نقد لتحديدات موده الشعبوية في المحلوية والسلطوية وعدم الثقة بالنخب، لأن ثالوث السياسات الشعبوية هذا في المجتمعات المتطوّرة يجمع بين أحزاب كثيرة في أوروبا، وبالتالي تصبح الشعبوية غير مختلفة نوعيا عن التيار المركزي.

يسلط بشارة الضوء على التداخل الحاصل بين الشعبوية والحركات الاجتماعية الشعبية، ويأخذ على ذلك مثال عملية وضع الحدود لسلطة الدولة، فيقول إن عملية تحديد سلطة الدولة لم ترتبط بالليبرالية فقط، فالحركات الاجتماعية مثلت، في ظل النظام الديمقراطي أيضا، توجها لتحديد سلطة الدولة من خلال إعادة الحياة لسلطة المجتمع المدني. وهذا يقتضي أن ثمّة استنتاجات غير شعبوية مستخلصة من الاغتراب عن المؤسسات والقيادات السياسية، إذ تُطرح صيغ من الديمقراطية غير المركزية في البلديات الصغيرة ووحدات الإنتاج الصغيرة وتستخدم البلاغة الشعبوية، لكنها ليست شعبوية، لأنها لا تمتلك أيديولوجيا تعتبر الشعب خيرا في حد ذاته.

فكرة الشعب بأنه خير في ذاته مقابل النخبة، قد تنتهي إلى نشوء الـ “نحن” مقابل الـ”هم”، إذا زاد منسوب الكراهية وشيطنة الآخر، وهنا ثمّة فرق بين رؤية بشارة الـ”نحن” و الـ”هم”، مغايرة لرؤية موده وكالتواس.

بالنسبة لبشارة، ليست الرؤية الأخلاقية للعالم عند فئة اجتماعية معينة سبب نشوء الـ”نحن” مقابل الـ”هم”، فهذه الثنائية هي نتاج الخطاب الشعبوي، أو بالأحرى هي أحد أشكالها الأخيرة، فليس ثمّة موقف أخلاقي حدي مكتمل وناجز عند فئة اجتماعية قبيل نشوء الخطاب الشعبوي من البنية الفوقية (الزعيم أو الأحزاب السياسية).

العربي الجديد

————————————-

=====================

تحديث 23 كانون الثاني 2021

————————–

وهكذا ينام بشار مطمئناً/ عمر قدور

لا نعلم ما إذا كان بشار قد احتفل ذلك اليوم بصخب، قبل أن يغط في نوم عميق، أم أنه خشي تسرب نبأ فرحه إلى بوتين الذي لديه حسابات مختلفة. منذ الأربعاء الماضي، ولأربع سنوات مقبلة، يستطيع بشار النوم بلا قلق يتسبب به شبح ترامب. النظام عاد أخيراً إلى البيت الأبيض ولن تكون هناك مفاجآت، خاصة في الشأن السوري البعيد عن اهتمامات الرئيس الجديد.

من جهة، كان ترامب مبعث أمل لبشار، فيما لو لم تمنعه المؤسسة الأمريكية من سحب جنوده من سوريا، وتوصلت معه إلى حل وسط يقضي ببقاء عدد محدود منهم. من جهة أخرى، كان ترامب حسبما صرح أثناء حملته الانتخابية الأخيرة قد أراد قتله عام 2017، إلا أن وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس عارض الفكرة. أي أن المؤسسة التي رفضت انسحابه من سوريا رفضت في المقابل قتل بشار، والمؤسسة الباقية “أو العائدة بقوة” لن تمنحه الأمل.

كان الأمل مع ترامب ملاصقاً الخوف والقلق، الأمل بأن يتسرع ذات ليلة أو نهار بسحب جنوده، والقلق من أن يتصرف براديكالية مضادة. على نحو معكوس، كان هذا حال خصوم بشار الذين يتمنون نوبة “حماقة” ينقض بها ترامب على رأس بشار، ويخشون نوبة مقابلة يقرر فيها الانسحاب التام من الشأن السوري. هكذا تكون الحماقة منصفة، وليس من طبيعتها التمييز بين قاتل وضحية.

ينام بشار مطمئناً لأنه لن يكون بعد الآن تحت طائلة قرار أمريكي “طائش” بتصفيته، ومهما كانت سياسة بايدن فهي لن تصل إلى استهدافه شخصياً. هذا الحد كافٍ لمن كان منذ اندلاع الثورة همّه البقاء بأي ثمن، ولمن اعتاد شراء بقائه بضعفه وبهوانه أمام الحلفاء والخصوم الدوليين والإقليميين. قد تعزز إدارة بايدن قواتها في سوريا، وقد تستمر بفرض عقوبات جديدة بموجب قانون قيصر، ذلك كله وسواه لن يؤرقه، لن تؤرقه أية إجراءات أو ضغوط لا تقترب من قصره.

بل ثمة مكاسب محتملة لبشار من إدارة بايدن، فالأخير بحسب الأخبار فتح قبل تنصيبه قناة اتصال بطهران، ولم يحتفظ مؤقتاً بالمبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، وقد لا يعين مبعوثاً خاصاً ليبقى الشأن السوري رهن المفاوضات مع إيران. رأينا ما يشبه ذلك في عهد أوباما، وكانت النتيجة إفلات الميليشيات الإيرانية والشيعية في سوريا. المعارضة التي ارتمت في الحضن التركي، برضا نسبي من إدارة ترامب، ربما تدفع الثمن مع موقف بايدن الذي لن يحابي أنقرة، خاصة في إدلب التي كانت محمية مؤخراً بالموقف الأمريكي أكثر مما هي محمية بالحشود التركية أو بالتفاهمات التركية-الروسية.

في الجهة المقابلة، يخشى سوريون كثر أن تكون سياسات بايدن إزاء سوريا استئنافاً لسياسات أوباما، لا يبدد الخشية إعلان بعض أركان إدارته المقبلة عن نوايا مختلفة في ما خص التعاطي مع الملف النووي الإيراني ربطاً بملف الصواريخ والتدخلات الإيرانية في المنطقة. الأمل يكاد ينحصر بوزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن الذي كان في أثناء إدارة أوباما مع توجيه ضربة لبشار عقاباً على استخدامه الكيماوي، تعيين ويندي شيرمان في منصب نائب وزير الخارجية يثير المخاوف بسبب ماضيها ككبيرة المفاوضين في الاتفاق النووي أيام أوباما، وكان الاتفاق من ضمن الأسباب التي دفعت الأخير إلى التضحية بوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون المتحفظة حينها على المفاوضات.

هذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها المفارقة ذاتها، إذ يُفترض أن تبتهج الشعوب المقهورة في المنطقة بمجيء إدارة لها موقف متقدم من قضايا المهمشين عموماً، وما يخص البشرية قاطبة مثل قضايا المناخ والصحة والهجرة وغيرها. إلا أن هذه المواقف المتقدمة تبدو بمعظمها شأناً داخلياً لا ينعكس على السياسات الخارجية التي لا يندر أن تكون في غير صالح تطلعات هذه الشعوب.

من الأمثلة الشائعة اتخاذ الأحزاب اليسارية، أو الأقرب إلى اليسار، مواقف إيجابية في بلدانها من اللاجئين والمهاجرين، مع اتخاذ مواقف خارجية محابية لطغاة مثل بشار الأسد. هذا يضع اللاجئ، بسبب أولئك الطغاة، في مأزق سياسي إذ يضعه موقعه كلاجئ أمام استحقاق تأييدها، بينما تدفعه سياساتها الخارجية الخاصة ببلده الأم في الاتجاه المعاكس. ومن الأمثلة الشائعة، التي لا تخلو من دلالة وتبعات أيضاً، اتفاق اليمين واليسار المتطرفين والشعبويين على دعم أولئك الطغاة رغم اختلافهما الشديد في الموقف من اللاجئين.

ليس هذا ما يريده أنصار التغيير الديموقراطي في سوريا؛ أن يبتهج بشار وينام مطمئناً بفضل انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية، بينما لا يستطيعون الابتهاج بلا غصة أو بلا تخوف من سياسات بايدن. هكذا يجد بشار لنفسه مكاناً ضمن العالم الواسع المحتفل برحيل ترامب، بينما يُطرد ملايين السوريين من الانتماء إلى الاحتفال، وإلى القيم التي يُفترض أنها لصالحهم بينما يرونها تعمل ضدهم.

من السهل على الذين اعتادوا توبيخ شعوب المنطقة وصمها بمعاداة القيم “التقدمية” المشتركة للبشرية، إذا علّقت آمالها على قادة مثل ترامب، من دون التوقف عند الواقع العملي الذي يطرد تلك الشعوب خارج المنظومة المشتركة بينما يستوعب بقاء بشار وأمثاله. لقد قدّم أوباما درساً نموذجياً، عندما كان يرى وحشية بشار، لكنه لا يرى بديلاً مناسباً له، أو لا يرى سوريين قادرين على الانتصار عليه لأنهم بسبب سياسة إدارته محرومون من وسائل فعالة للدفاع عن أنفسهم.

ما سبق لا ينبغي أخذه كإمتداح لقيادات من طراز ترامب، هو دفاع عن حقنا بالشراكة والاحتفال بقيم تكون لصالحنا مثلما هي لصالح البشرية. هو دفاع عن ألا يبقى احتفالنا احتفال الضعفاء بفرح الأقوياء “البخلاء”، بل أن يكون احتفالاً بما لنا حق فيه.

المدن

——————–

المشهد الإقليمي ما بعد ترامب..”سوريا الأسد” تحتمي بـ “حميميم”/ منير الربيع

في شهر أيلول الفائت، كتبت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان: “لم يبق للأسد إلا إسرائيل”. في إشارة إلى مساع لبدء مفاوضات مباشرة بين النظام السوري وإسرائيل، كحبل خلاص أخير لبشار الأسد، الذي يبحث عن أي فرصة لإعادة تعويم ذاته. كانت الفترة بعيدة نسبياً عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي حينها كانت بعض التقديرات السياسية وليس الإحصاءات تشير إلى أن دونالد ترامب سينتخب لولاية ثانية، ما يعني استمرار النهج الأميركي الضاغط نفسه على النظام ومن خلفه إيران، ما سيجبر الأسد على الدخول في مفاوضات مع إسرائيل بناء على نصائح ومساع روسية. خسر ترامب في الانتخابات وجاء جو بايدن، نائب باراك أوباما والذي بمجرد ذكر اسمه، لا بد من التشاؤم إلى أقصى الدرجات حيال الملف السوري وتطوراته.

لقاءان عقدا بين النظام السوري والإسرائيليين، الأول في قبرص برعاية روسية، والثانية في قاعدة حميميم الروسية. المطلب الإسرائيلي واضح وهو لا يمانع إعادة تعويم نظام، منبوذ من شعبه، ومنبوذ عربياً، لا يزال قائماً فوق ركام سوريا، ولا يقوى سوى على البقاء في قصره بينما بلده تفتقد لأي من مقومات الحياة، شخص ونظام مثل هذا هو أكثر ما تفضله إسرائيل، هي التي لا تريد شيئاً أكثر من تهجير سوريا وتفريغها وإخراج القوات الإيرانية منها.

ومن المفارقات هنا، هو أنه بعد تعرضّ الحدود السورية العراقية إلى غارات كثيفة الأسبوع الفائت طالت مواقع ومقار ومراكز عسكرية إيرانية، بدأت إيران وحلفاؤها بإجراء عمليات انسحاب من تلك المواقع والمقار، وإزالة الأعلام واللافتات الإيرانية واستبدال أعلام النظام السوري بها، وكأن رفع علم النظام هو دافع الحماية من الغارات الإسرائيلية. طبعاً استهدفت الغارات مراكز أساسية ومباشرة للنظام، وكانت هذه أبرز الرسائل التي يلجأ الإسرائيلي إلى استخدامها في سياق المفاوضات الدائرة، فيعزز أوراقه.

أسئلة كثيرة تطرح حول السياسة الأميركية تجاه الملف السوري وتجاه إيران في عهد جو بايدن، تلك السياسة لم تتضح بعد، هناك تضارب في التقديرات والمعطيات، المؤشرات تفيد بأن التوجه هو للمزيد من التصعيد على مستوى العقوبات، وزيادة الضغوط والشروط بشأن الأسلحة البالستية والنفوذ الإقليمي والتوسع الإيراني في المنطقة. أما سورياً فالتقديرات تشير إلى التركيز الأميركي على دعم الأكراد بشكل كبير، وستسعى إلى ضرب ما تبقى من نفوذ النظام السوري في المناطق ذات الغالبية الكردية، مع تأكيد على أن النظام في أضعف حالاته.

لدى إسرائيل قناعة بأن فريق إدارة جو بايدن بكامل أعضائه من الذين يحبذون إيران والتفاهم معها، من سوزان رايس إلى رئيس الـ CIA.  في المقابل، هناك فريق آخر من أبرز المتشددين ضد إيران، كمستشار الأمن القومي، ورئيس الأركان في الجيش الأميركي، والذي يقال إنه كان صاحب الدفع الأكبر في سبيل اغتيال قاسم سليماني. وهناك من يعتبر أن هناك وقائع لا يمكن التنازل عنها بسهولة، وأي تنازل لا بد أن يقابل بثمن كبير بالحد الأدنى لن تكون هناك عودة إلى الاتفاق النووي كما كان سابقاً. هذا التضعضع أو عدم اتضاح الصورة، يشكل عامل تخوف لدى الإسرائيليين من السياسة الأميركية المقبلة، لذلك فهي ستبحث عن تحالفات جديدة ونسج علاقات متنوعة، فيما سيدفع هذا الخوف ببنيامين نتنياهو إلى تكثيف حملاته السياسية والإعلامية بهدف فوزه في الانتخابات التشريعية التي ستجري في شهر آذار.

بحال نجح نتنياهو في الانتخابات، فإن ذلك سيؤدي إلى تعاون روسي إسرائيلي كبير في سوريا، هذا التعاون سيكون له مجموعة نقاط، أولاً قد يستفيد منها بشار الأسد حتى العام 2022، سعي روسيا إلى التقارب أكثر مع سوريا، مقابل رفع منسوب المطالب الإسرائيلية بجعل إيران لاعباً ثانوياً في سوريا، وإضعاف نفوذها هناك.

في المقابل، لا بد من مراقبة التحالف الاستراتيجي التركي الباكستاني الأذربيجاني، وهو أيضاً موجّه ضد إيران في محاولة لتطويق نفوذها، وسينعكس سلباً على دورها في سوريا، مقابل الاندفاع أكثر إلى عقد اتفاق إيراني مع الإدارة الأميركية الجديدة، على قاعدة تقاسم النفوذ في العراق مع الأميركيين، ويبقى لبنان ساحة مفتوحة لمندرجات التفاوض. إيران وحزب الله سيستثمران بفريق بايدن الذي يحبذ أعضاؤه بغالبيتهم إيران على روسيا، وهذا عنصر في لعبة التجاذب والتفاوض في لبنان من خلال ادعاء إيران ومن خلفها حزب الله بأنهما يمنعان النفوذ الروسي في لبنان.

هناك معطيات ميدانية لم يعد بالإمكان إغفالها، ولا يمكن الذهاب إلى اتفاق مع إيران بدون حصول كل هذه التطورات وفتح كل الملفات على المستوى الإقليمي، في ظل وجود وضع خليجي وغربي ضاغط ضد إيران. بالحد الأدنى أو بأحسن الظروف بالنسبة إلى إيران، فإنه في حال كانت هناك حماسة أميركية لعقد الاتفاق، سيكون على واشنطن لعب دور الوسيط بين طهران وخصومها، وهذا حتماً لا يرتبط فقط بالملف النووي، ولا برفع العقوبات. إنما يشهد العالم تطورات كثيرة، أبرزها الموقف الفرنسي الألماني المشترك من خروج إيران من الاتفاق النووي، والإعلان الصريح عن عدم جدوى العودة إلى الاتفاق كما كان، بالإضافة إلى مفاوضات تركية يونانية قبرصية في البحر الأبيض المتوسط، تحسين العلاقات التركية الفرنسية، بمساع أوروبية، هذه كلها سيكون لها انعكاساتها على واقع العلاقة بين واشنطن وطهران.

تلفزيون سوريا

—————————–

أمريكا… أمريكا/ نور الدين ثنيو

ما يجري اليوم في أمريكا هو الحصاد الفاسد لسياسة دونالد ترامب، المقاول الفاشي الذي اجتاح البيت الأبيض عبر رصيد الحزب الجمهوري، وأخفق في إضافة اللبنة الإيجابية في تجربة وتاريخ هذا الحزب، على ما فعل أقرانه في السابق، الذين حققوا عهدة ثانية، كشاهد على نجاح سياساتهم.

أمريكا في عهد ترامب، آلت إلى مَجرّة سياسية غريبة عن تاريخ الولايات المتحدة ومكانتها في العالم المعاصر. فأمريكا قوة تاريخية معاصرة، تكثف الزمن الراهن في كل كيانها، بالقدر الذي تختصر العالم كله في لحظتها، فما يحدث في العالم له تداعياته الفورية على أمريكا، وما يجري في أمريكا له نتائجه تلقائيا وحالا على سائر العالم.

العالم وأمريكا لحظة واحدة، على ما نلحظ ونشاهد في ظاهرة كوفيد 19، الذي ظهر في الصين، لكنه تفشى ودمّر أمريكا، وعليه، نحتاج إلى بحث موضوع فساد السياسة الأمريكية، وصلته بظهور الأوبئة والأمراض البيئية والمعضلات الاقتصادية، وتوتر العلاقات الدولية، كما حضرنا وعانينا من سياسة ترامب، الذي تنكر بدون وجه حق للعديد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وكانت وبالا على الوضع الدولي برمته، ونحضر اليوم العاصفة الهوجاء التي تجتاح أمريكا في الداخل. أمريكا لم تعد للأمريكيين، كما رفعت شعارها مع مطلع القرن العشرين ورسمت لنفسها سياسة العزلة، كأفضل سبيل لنهب وسلب القارة الأمريكية على طولها وعرضها. فقد تأكد بشكل قطعي ضرورة أخذ الحذر من الشخصيات الشاذة والأصولية والمتطرفة، التي تظهر عليها علامات الجموح والانحراف والعبث في تصرفاتها وطريقة تفكيرها. فلا تكفي تعزية النفس والشعوب بوجود الهيئة الاستشارية حول شخص الرئيس، لأنه كشخصية اعتبارية أقوى، بالقدر الذي ينفرد بالحكم على مزاجه، ويوجد من يساعد على ذلك لاعتبارات خاصة، على ما رأينا طوال سنوات حكم ترامب، حيث تعرض العديد من مقربيه إلى التنحية، ومنهم من اضطر إلى الاستقالة، وإلى من واجهه بالفضائح وسرّب ضده معلومات فادحة تنال من شخصه ومن ثروته ومن سياسته، كلها تُسْقِط من مصداقية أمريكا ومكانتها التاريخية. أراد ترامب من خلال إعلانه الحرب على أمريكا ذاتها، أن ينهي حكمه على طريقة الزعماء الفاشيين والنازيين وعتاد السياسة الشمولية. وبمعنى آخر يفيد المعنى ذاته، أراد أن يخرج من البيت الأبيض بانهيار الدولة الأمريكية نفسها، كما فعل من قبل هتلر وموسوليني والعديد من الأنظمة السلطوية، التي انهارت بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في منطقتنا العربية. فسياسة ترامب، كما خلص إليها التحليل السياسي، من نمط السياسة التي لا تحترم المؤسسات وتروم أن تتخطاها إلى الحكم الفردي، والمبادرة الخاصة التي جلبت الويلات ليس على الداخل الأمريكي فحسب، بل على العالم كله.

في المقالات كافة التي خَصَّصْتها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بداية من عام 2017، ركزت على شخصيته الفاشية للشَّبَه الكبير والمروّع مع مُؤسِّس الفاشية في القرن العشرين الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني، يماثله ويحاكيه لحد التماهي التام معه، مع فرق في العصر والزمن. فجريمة ترامب مضاعفة لأنه أراد أن يقلد نظام حكم انتهى وتوارى إلى الأبد، ولم يعد يجاري التاريخ المعاصر، وأن أي محاولة لاستعادة الماضي الفاشي هو من قبل الجرائم المضاعفة لأنها تنطوي على حقيقة فسادها في حينها، أي النصف الأول من القرن العشرين، ولأنها ثانية جريمة في حق الزمن العالمي المعاصر، الذي لا يقبل إطلاقا أنظمة شمولية وأنظمة الطغم العسكرية والعصابات المافيوية، والنوادي الإمبريالية، وحكاما جاءوا من دور القمار والفساد الجنسي والمالي والخداع الصهيوني. الدمار الهائل الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الجمهوري الفاشي ترامب هو أيضا من الدمار المضاعف، الذي نال من حزبه الجمهوري، فضلا على وقعه الأخطر على الدولة الأمريكية ذاتها. فالذين صوّتوا له وهم عدد كبير لم يكن له بقدر ما كان للحزب الجمهوري، الذي يؤكد دائما أنه كان وراء الهزات والأزمات الكبرى التي تنتاب أمريكا من حين لآخر، على ما حدث مع مطلع القرن الحالي عندما خضّ زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن أمريكا في عقر دارها، مع بداية أعتى نظام حكم جمهوري تمثلّ باليمين الإنجيلي المتطرف: جورج بوش الابن، ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد… غلاة وعتاد المال الصهيوني الرهيب، ولقبوا في ذلك الوقت بفرسان الانهيار الكبير على غرار فرسان الآخرة. كل الذين صوّتوا لصالح ترامب سيشعرون بالخيبة وتبكيت الضمير، بعدما ما لاحظوا آخر فصول الاعتداء على مؤسسات الجمهورية ورمزها القوي، مجلس النواب، من قبل أنصار الرئيس الفاشي وتحت أنظاره، يتلذذ بالانتصار العظيم على طريقة من يسمع الأخبار المقبلة من ساحات الوَغَى، وما حققه جيشه. فيوم 6 يناير/كانون الثاني، إضافة جديدة بارزة من الأيام السوداء في التاريخ الحديث والمعاصر لأمريكا. فما فعله ترامب في هذا اليوم التعيس والطويل، يجب أن يدرج في الهزة العنيفة التي انتابت الحزب الجمهوري، باعتباره حدثا غير عادي، يجب أن يخضع إلى إعادة تصحيح طبيعة الحزب ذاته بسبب عدم تساوق سياسته الفاشية واليمينية المتطرفة، وتوجهه الصهيوني، مع حقائق الدنيا الجديدة في أمريكا وفي العالم.. فالظاهر أن فجوة سحيقة تفصل بين العقل الأمريكي البراغماتي لمَّا رفع شعار أمريكا للأمريكيين مع نهاية القرن العشرين، ومطلع القرن الواحد والعشرين، حيث كان المذهب البراغماتي يحقق فعلا النفع للأمريكيين لبداية عهدهم بالثروة، والعمل وتحقيق المجد. وبين المذهب ذاته الذي يجب أن يحقق النفع والخير اليوم لأمريكا في علاقاتها مع الآخرين، لأنهم في مرتبة الحرص نفسها على العيش في أمن وآمان وسلم وسلام، كما أن القوة تغيرت معاييرها واعتباراتها، وحتى طبيعتها على ما فعل بن لادن الذي كاد أن يحوّل كل أمريكا إلى رماد ورفاة.

وعليه، وفي التحليل الأخير وقبل الختام، على الحزب الجمهوري قبل غيره أن يعيد النظر في فلسفته السياسية، ومرتكزات عقيدته الأيديولوجية وليست الدينية، لأن لا دين له، فقد انتهت في أوروبا والعالم ثنائية اليسار اليمين، ولم تعد ذات موضوع، ولم تعد تصلح إطلاقا لتحديد السياسات والمواقع والمواقف، فلم يعد يفصل اليمين واليسار إلا محاولة توكيد الفاشية والعنصرية والتطرف والغلو، جهة اليمين لتشييد الموقف والسياسة والموقع في الحملات الانتخابية. وكثيراً ما أفضى التشبث بالسياسة اليمينية إلى كوارث ومدلهمات الكبرى، تُحدث أثر الكوارث الطبيعية الكبرى والأوبئة الساحقة على نمط وباء كورونا الذي لا يزال يفتك بالمجتمع الأمريكي إلى الآن، ساعدته على التفشي والاستفحال جائحة أمريكية اسمها هذه المرة دونالد ترامب.

كاتب وأكاديمي جزائري

القدس العربي

——————————

البديل عن الديمقراطية/ محمد أبو رمان

على الرغم من نهاية حقبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بهزيمته أمام الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدين، إلّا أنّ هنالك هواجس مشروعة وحقيقية بأنّ “الترامبية” لم تنته بعد، وأنّها نجحت بقوة في زلزلة القيم والمثل التي تشكّل البنية التحتية لأي نظام ديمقراطي مستقر.

في أدبيات النظرية الديمقراطية، يجرى الحديث عادةً عن التعدّدية الدينية والسياسية، وتداول السلطة، والفصل بين المؤسسات، والحريات العامة وحقوق الإنسان، بوصفها أسساً صلبة ضرورية للعملية الديمقراطية. لكن مرحلة ترامب، عملياً، وضعت سؤالاً مهماً يهدّد كل ما سبق، يتمثّل بأزمة الهوية، وما تستبطنه من تساؤلاتٍ ثقافيةٍ مجتمعيةٍ عن البنية الداخلية للمجتمع وتماسكه وقدرته على بناء هويةٍ جامعةٍ تعدّديةٍ تتسع للجميع.

لم يكن ترامب طفرةً مفاجئة، ولا يمثل خطابه خروجاً عن النص العام، بل كان متداولاً وحاضراً وله جذور في وسائل إعلامية ومراكز تفكير وقوى سياسية واجتماعية، والجماعات اليمينية والخطابات الإقصائية في أحشاء من المجتمع الأميركي، وفي خطاب قوى سياسيةٍ يمينيةٍ اتكأت عليه في تعزيز هويةٍ معينةٍ في مواجهة شرائح أخرى عريضة في المجتمع.

المفارقة، كما يرصد رئيس معهد السياسة والمجتمع في الأردن، جعفر حسّان، (في مقالة له على موقع المعهد)، أنّ خطر الإرهاب الأكبر لم يعد خارجياً بالنسبة للأميركيين متمثلاً في القاعدة و”داعش” وغيرهما، أو في الصين ودول أخرى، بل في الداخل عبر تلك الجماعات اليمينية التي تهدّد السلم الداخلي والقيم الديمقراطية ذاتها.

أحد أبرز المفكرين والمنظّرين الذين أشاروا إلى قصة الهوية في أميركا هو صموئيل هنتنغتون، في كتابه “من نحن؟”، الذي يكاد يكون تنبأ فيه (في عام 2004) بما حدث في أميركا لاحقاً، خلال فترة ترامب. ثم يأتي المفكر الأميركي البارز الآخر وزميل هنتنغتون، فرانسيس فوكوياما، وهو أيضاً أحد علماء السياسة الكبار في عالم اليوم، ليؤكّد أنّ هنالك أزمة حقيقية في الديمقراطية الأميركية، وخطورة ما حدث في مرحلة ترامب.

في حواره مع مجلة فورين بوليسي، أخيراً، يؤكّد فوكوياما، وهو صاحب مؤلفات مهمة عديدة في النظرية الديمقراطية (منها كتابه الجديد “النظام السياسي والانحطاط السياسي”، 2014)، أهمية الانتباه إلى أنّ الديمقراطية مرتبطة بشروط أخرى، اقتصادية واجتماعية وسياسية، وكان قد ذكر في كتابه السابق ثلاثة شروط رئيسية للدولة القوية: قوة المؤسسات السياسية، حكم القانون، مساءلة الحكومة.

من المهم الإشارة إلى أنّ سؤال الديمقراطية والهوية لا ينفصل عن موضوع العدالة الاجتماعية، ففي أوقاتٍ كثيرة تبرز الهوية بوصفها انعكاساً أو تعبيراً عن مصالح سياسية واقتصادية لفئات تشعر بالضرر من الوضع القائم، وربما تتمثل أحد الأمراض التي أصبحت تعاني منها الديمقراطيات التقليدية بهيمنة طبقة من السياسيين التقليديين ممن يرتبطون بمصالح مع مؤسساتٍ وشركاتٍ اقتصاديةٍ وإعلاميةٍ تعمل لصالح فئة قليلة على حساب الأكثرية، كما ألمح إلى ذلك فوكوياما نفسه، وكتب عنه كثيراً المفكر اليساري، نعوم تشومسكي.

تزداد أهمية مثل هذه النقاشات في النظر ليس فقط إلى ما أحدثته مرحلة ترامب من ضرر كبير في المجتمع الأميركي، بل إلى التحولات الكبيرة التي تحدث في العالم اليوم، بخاصة بعد صعود حركاتٍ اجتماعيةٍ في قلب المجتمعات الأوروبية تطالب بالعدالة الاجتماعية، كحركة “احتلوا وول ستريت”، والحركات الأوروبية الشبيهة، من الشباب الجدد الذين يطالبون بإصلاح الديمقراطية، وهي ظواهر مهمة أشار إليها عالم الاجتماع مانويل كاستلز، في كتابه “شبكات الغضب والأمل”.

على الرغم من ذلك كلّه، لا يوجد شك حقيقي في أنّ الديمقراطية بما حققته على الصعيد المؤسساتي والإجرائي والعملي والقيمي تمثّل النظام الأكثر نجاعة في العالم، وأنّ البديل الحقيقي ليس الأنظمة الدكتاتورية أو التسلطية، وأنّ ما يتمتع به الإنسان في نظام ديمقراطي لا يقارن بأي حال بما يجرى في مجتمعاتٍ أخرى، والحوار الحالي هو لتعزيز الديمقراطية وتطويرها والوصول إلى أفضل صيغة لها، بما لا يقارن بالأنظمة الأخرى!

العربي الجديد

—————————–

 الحراك الأميركي والصراع السياسي المجتمعي في أمريكا/ د.جعفر حسان

 للمرة الأولى منذ الحادي عشر من أيلول 2001، نرى مظاهر التواجد العسكري في العاصمة واشنطن (منذ الهجمات الارهابية على ابراج مركز التجارة العالمية في نيويورك والبنتاجون في واشنطن بواسطة الطائرات المدنية).

إنّ اقتحام الكونجرس كان أكثر من مجرد تظاهرة خرجت عن السيطرة ، حيث تشير التقارير الى نوايا لدى بعض المشاركين الى وقف العملية المؤسسية لانتقال السلطة في أدنى حد في حين علت مطالبات قلة في الحشد على شاشات التصوير بإعدام مسؤولين في الكونجرس منهم نائب الرئيس الذي رفض اعتراض عملية اقرار نتائج فوز بايدن في مرحاتها الاخيرة في الكونجرس الأميركي في السادس من الشهر الحالي).

     مشكلة الولايات المتحدة اليوم انها تتعامل مع مجموعات من صميم نسيجها الاجتماعي  باتت تمثّل مصدر الخطر الأكبر ، وليس الإرهاب الخارجي او الغرباء الذين يكرهون سياساتها…

     ترامب اليوم لا يمثل صدفة بل يمثل حالة قوامها تقريبا نصف الذين صوتوا في الانتخابات الأميركية واكثر من ربع الشعب الأميركي بمجمله صغارا وكبارا.

هل سيكون ترامب رئاسة عابرة غريبة في تاريخ السياسة الأميركية أم ستشكل رئاسته حالة سياسية متجذرة تتعمق. وهل سيتمكن من توجيه هذا الدعم في اطار عقائدي مؤسسي داخل الحزب الجمهوري. فالمهم ليس فيما إذا كان سيتاح له أن يترشح عام 2024 بقدر استطاعته على حشد دعم وتمويل المكون المجتمعي والشعبي الرافض لأسس العمل السياسي الأميركي التقليدي والتعمق في الدوائر السياسية الجمهورية وإنتاج قيادة يمينية متشددة داخل الحزب وعواقب ذلك على الحزب والديمقراطية الأميركية.

فالعديد من السياسيين الجمهوريين مدينون له او بحاجة لقواعده الشعبية في دوائرهم الانتخابية (ما يقارب ثلثي النواب الجمهوريون رفضوا اقرار اصوات بايدن الانتخابية في جلسة مجلس النواب في السادس من يناير) مما سيكون له اثره على سياسات الكونجرس واعضاءه مستقبلا.  ومن الصعب التنبؤ بقدرة ترمب بعد مغادرة البيت الابيض على تجاوز الضرر الذي لحق به نتيجة اقتحام مؤيدوه الكونجرس سياسيا واخلاقيا والمقاطعة الواسعة من مؤسسات الاعلام التقليدية والالكترونية والشركات والبنوك وحتى شركاؤه من الاستمرار في العمل وتنظيم مؤيديه وحشد التمويل والصمود في مواجهة دعاوي قضائية مرتقبة.

نحن اليوم أمام ما يمكن أن يتطور إلى حراك أميركي عنيف ومعطل بغض النظر عن اهدافه الايديولوجية ومنظوره الاخلاقي حيث يمكن ان يشكل حالة من التصادم المجتمعي الخطير. فقد شهدنا حجم الغضب المجتمعي في الشارع من خلال حركة “حياة السود مهمة”، التي صبت جم غضبها الشعبي الواسع على المؤسسات ابالاضافة الى حركة انتيفا اليسارية المناهضة للفاشية وللرأسمالية واليمين المتطرف. ومن ناحية أخرى (وإن لم تكن المقاربة تساوي او تشابه بين الطرفين) فإن المجموعات اليمينية المختلفة التي اقتحمت الكونجرس تمثل حالة من الغضب المناقض تماما.

القاعدة السياسية التي وجدت تمثيلا رسميا لها على أعلى مستوى في تويتات ترامب (88 مليون متابع لحسابه على تويتر قبل اغلاقه) وسياساته، يمكن أن تجد في خسارة رئيسها وقناعتها بسرقة أصوات ترامب من قبل الطرف الاخر عاملا يوحدها كقوة سياسية انتخابية فاعلة في وجه الجسم السياسي الجمهوري والديمقراطي التقليدي والقوى الليبرالية (المتحالفة مع حركة الاقليات المطالبة بالفرص والمعاملة المتساوية). كما قد ينتج عنها قوى يمينية متطرفة تمارس العنف السياسي داخل المجتمع الأميركي وبشكل خارج المعهود مع انتشار الاسلحة والتدريب والتنظيمات التي تدعي لنفسها من دون غيرها الوطنية والولاء للقيم الامريكية “الحقيقية” بنظرها.

إنّ متغيرات اجتماعية هامة في تكوين الجسم الانتخابي الأميركي خلال العقد القادم ستترك أثرا على السياسة الخارجية الأميركية قد يكون بقدر أهمية التطورات على ساحات التماس العالمية والإقليمي سواء من خلال سياسات منفتحة ودور فاعل بناء أو سياسات منغلقة ودور مصالحي في لعبة لا رابح فيها كان يمكن أن تتعمق في إدارة ثانية للرئيس ترامب.

————————

ثلاثة مشاهد تنتظر الولايات المتحدة/ محمد السعيد إدريس

ما مدى قدرة الأمريكيين في ظروف صراعية غير مسبوقة على تطوير لقاح يمكنه منع الانقسام الذي يهدد بتفكك البلاد؟

هل ينجح الرئيس بايدن في استعادة «أمريكا موحدة» كما دعا في خطاب التنصيب وتأكيد شعار «أمريكا موحدة»؟

أم يفشل في مشروعه لإعادة توحيد الأمريكيين فيفرض ترامب نفسه زعيماً لتيار رافض للطبقة الحاكمة من جمهوريين وديمقراطيين.

أم لا هذا أو ذاك، أي أن يفشل كلا المشروعين، فلا تكون أمريكا موحدة كما يريد بايدن، ولا تكون عظيمة كما يأمل ترامب؟!

هل تصبح الفوضى والانقسام والتفكك مصيرا محتوما للإمبراطورية الأمريكية كحال إمبراطوريات كانت عظيمة في وقت مضى؟!

*     *     *

وسط حفل تنصيب استثنائي وغير مسبوق بكل المعاني عاش الأمريكيون، ربما لأول مرة، مشاهد الخوف المرعب والانتظار المقلق وهم يشاهدون عاصمتهم وقد تحولت إلى ثكنة عسكرية لتأمين حفل تنصيب رئيسهم الجديد.

ربما يكون البعض من هؤلاء قد تساءل: هل هي لحظة شؤم عابرة في التاريخ الأمريكي وهل كل هذا الاستنفار العسكري والأمني المنتشر في العاصمة الأمريكية واشنطن وعواصم أكثر من 21 ولاية أمريكية يمكن أن يكون ابن لحظته فقط؟

أم أن الأزمة ممتدة والخطر سيظل يفرض نفسه لوقت غير محدود ربما إلى حين يكون في مقدور الطبقة السياسية الحاكمة من ديمقراطيين وجمهوريين حل معضلة ذلك التيار اليميني المتشدد في تعصبه للعرق الأبيض دون غيره من المكونات والأعراق الأخرى، وإيجاد حلول أمنية وقانونية توافقية لإنهاء وجود تلك المنظمات اليمينية المتطرفة، باعتبار هذه المنظمات تمارس إرهاباً داخلياً وليس مجرد تهديدات أمنية جنائية.

وللتأكيد على جدية هذا التحدي الذي تكشف بضراوته غير المسبوقة في حادثة اقتحام مبنى الكونجرس بتحريض من الرئيس الأمريكي السابق يمكننا رصد ثلاثة مؤشرات مهمة:

أولها، التحذير الذي ورد على لسان عمدة واشنطن موريل بوزر لسكان العاصمة من أن «الإجراءات الأمنية المشددة الراهنة (تقصد حالة العسكرة والاستنفار الأمني في واشنطن لتأمين حفل تنصيب الرئيس جو بايدن) ستكون الوضع الطبيعي الجديد بعد يوم التنصيب».

وزادت بقولها إنها «لا تستطيع توفير إطار زمني لوقت إزالة الحواجز حول مبنى الكابيتول». هذا التحذير لم يأت من فراغ، لكنه فرض نفسه وفق تحذيرات وإشارات أخرى لمكتب التحقيقات الفيدرالي من أن أعضاء تلك التنظيمات اليمينية لديهم خطط لاستخدام مرافق حساسة في واشنطن للدخول إلى مكان الحفل، وأن منهم من يحاولون انتحال صفة أعضاء الحرس الوطني المكلف بالحراسة والتأمين لينفذوا أعمالهم الإرهابية.

ثاني هذه المؤشرات وجود تأكيدات، وفق ما يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) بأن عناصر حاليين وسابقين من قوات الأمن المكلف بحماية الكونغرس وأعضاء من النواب والشيوخ يواجهون اتهامات بالمشاركة في أعمال العنف التي تعرض لها الكونغرس.

وهذا ما دفع وزارة الدفاع ومكتب التحقيقات الفيدرالي للتدقيق في الخلفيات والسير الذاتية لعناصر الحرس الوطني المشاركة في حماية وتأمين حفل التنصيب. وقال الجنرال ويليام ووكر «نريد أن نتأكد من أننا ننشر الأشخاص المناسبين ضمن الفريق الذي سيتولى حماية أمن الرئيس ونائبته».

ثالث هذه المؤشرات، وربما يكون أهمها هو احتمال وجود انقسام في الولاءات في صفوف الجيش الأمريكي، في ظل ما يعيشه المجتمع الأمريكي الآن من انقسام حاد بين من يؤيدون الشرعية الجديدة وبين من هم يرفضونها ويؤيدون الخطاب السياسي للرئيس السابق الذي يشكك في نزاهة الانتخابات ويؤكد أنه الفائز بها.

تردد الجيش الأمريكي في حسم موقفه من الصراع السياسي على السلطة بين معسكر ترامب ومعسكر بايدن، دعم هذه المخاوف، فحسب وكالة «رويترز» أنه ورغم اتخاذ قيادة الجيش، بعد تردد وانتظار طال قليلاً، قراراً بدعم شرعية الرئيس بايدن.

إلا أن هذا «لا يمنع من وجود مخاوف بوجود انقسامات داخله، وأن هناك قسماً كبيراً من الجيش من البيض، وقد يكونون متطرفين يعملون لصالح ترامب».

مؤشرات الخطر ربما تكون أكثر من ذلك في جذريتها التي تفاقم من فرص تعميق حالة الانقسام الأمريكي الراهنة، لذلك أضحى ضرورياً التساؤل عن مدى قدرة الأمريكيين في مثل هذه الظروف الصراعية غير المسبوقة، أن يطوروا لقاحاً يكون في مقدوره منع الانقسام الذي يهدد بالتفكك للولايات المتحدة.

طرح هذا السؤال الآن يصعب أن يجد إجابة عنه ب «نعم» أو «لا» ولكن يمكن، وعلى ضوء هذا الواقع الصعب، تحديد ثلاثة مشاهد للمستقبل الأمريكي:

فإما أن ينجح الرئيس بايدن في استعادة «أمريكا موحدة» وفق ما جاء في خطابه أمس الأول وتأكيد حملته على أن شعار «أمريكا موحدة» هو شعار حفل تنصيب الرئيس السادس والأربعين.

وإما أن يفشل في مشروعه لإعادة توحيد الأمريكيين، وعلى العكس أن يتمكن دونالد ترامب من فرض نفسه زعيماً لتيار الرفض للطبقة الحاكمة، كلها من الجمهوريين والديمقراطيين.

وإما ألا يحدث هذا أو ذاك، أي أن يفشل كلا المشروعين، فلا تكون أمريكا موحدة كما يريد بايدن، ولا تكون عظيمة كما يأمل ترامب.

وأن تكون الفوضى والانقسام والتفكك هي المصير المحتوم للإمبراطورية الأمريكية كما هو حال ما سبقها من إمبراطوريات كانت عظيمة في وقت من الأوقات.

* د. محمد السعيد إدريس باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

المصدر | الخليج

—————————–

سوريا وإسرائيل بين بايدن وبوتين/ عريب الرنتاوي

تتحدث إسرائيل عن رسائل سورية تشي برغبة دمشق، في تطبيع العلاقات معها، وتحدثت مصادر سورية من أنقرة عن لقاء رعته موسكو في «حميميم»، جمع علي مملوك بغادي إيزنكوت. دمشق، نفت خبر الرسائل واللقاء، وأعادت التذكير بجولانها المحتل، وموقفها المؤيد لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

لكن حديث سيرغي لافروف أمس الأول، ورسالته إلى «زملائه الإسرائيليين»، طالباً إليهم تبليغ موسكو بأية مصادر لتهديد أمن إسرائيل في سوريا، حتى تتكفل روسيا بـ«تحييدها»، يدفع للسؤال عمّا يفكر به الكرملين بخصوص العلاقات السورية–الإسرائيلية، بل وربما يلقي المزيد من الأضواء الكاشفة، على دينامية العلاقة الروسية–الإيرانية في سوريا وحولها.

ليس خافياً على أحد، أن الزمن الذي كانت فيه موسكو بحاجة للوجود العسكري الإيراني و«الحليف» في سوريا، قد انقضى. الكرملين سبق وأعلن أن زمن المعارك الكبرى في سوريا قد انتهى، وأن مصائر الشمال السوري، شرقاً وغرباً، ستتقرر على مائدة الحل التفاوضي النهائي، وليس في ميادين القتال.

وليس خافياً على أحد، أن العربدة الإسرائيلية في السماوات السورية، ما كان له أن تستمر طوال هذا الوقت، وأن تتمادى في قتل الأنفس وتدمير المنشآت، الإيرانية (والحليفة) في الغالب، من دون «غض طرف» روسي، لا ينكره أحد.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك، أن أحاديث جيمس جيفري ومقالاته الملخصة لاستراتيجية واشنطن في سوريا، قد نزلت بردًا وسلامًا على الكرملين، لجهة التأكيد على قبول واشنطن بتلزيم سوريا لروسيا، وتأييد فكرة انسحاب القوات الأمريكية والتركية والإيرانية (مع الحليفة)، من سوريا في إطار حل نهائي (لم يذكر القوات الروسية).

وأن واشنطن ما زالت على موقفها «غير الداعي» لرحيل الأسد، بل تعديل سلوكه، بفك عرى ارتباطه بإيران وحلفائها، فمن المنطقي تصور، أن موسكو ربما تكون راودتها فكرة تفتيح قنوات اتصال خلفية بين الأسد وإسرائيل، فهذا ينسجم أتم الانسجام، مع الوجهة العامة لسياستها في المنطقة.

وطالما أن موسكو رفضت فكرة تحويل جنوب سوريا إلى «جنوب لبنان 2»، ولم تقبل بنظرية «المقاومة والممانعة» بوحدة الجبهات ووحدة «المحور»، وتدعم إدماج سوريا في الحراك السياسي الرامي لإنجاز تسوية عربية–إسرائيلية.

ولا تريد لدمشق التخلف عن ركب الرهانات التي انتعشت مع مجيء إدارة بايدن في الإقليم، فإن من المنطقي الافتراض، أن موسكو تراهن على دمشق، لتكون بوابتها للانخراط كشريك في عملية سلام الشرق الأوسط.

لكن هذه المقاربة، تعترضها جملة من العقبات الكأداء، فدمشق، لا يمكن أن تمضي إلى سلام مع إسرائيل من دون استعادة الجولان، كما قال الأسد، هذا أمر محرج للغاية ويسحب آخر غطاء عن النظام. والأسد مطالب بفك عرى التحالف مع إيران وحلفائها كمقدمة لتطبيع علاقاته مع «المجتمع الدولي» وعودته إليه.

والأسد سيكون مطالباً من الاتحاد الأوروبي اليوم، وإدارة بايدن غداً، بمزيد من الانفراجات الداخلية، كإشراك ما تبقى من المعارضة في السلطة، وفتح الفضاء العام، وتخفيف قبضته المشدودة حول رقاب معارضيه، وتلكم تحديات، من الممكن تذليلها نظرياً، بيد أنها صعبة للغاية عملياً، حتى لا نقول أنها مستحيلة في المدى المنظور.

روسيا تخشى «المستنقع الاقتصادي» في سوريا: إعادة الإعمار واستعادة اللاجئين. وهي تدرك أن المجتمع الدولي، لن يقدم المساعدة المطلوبة لدمشق من دون تحولات في مواقفها وتحالفاتها، والأسد يعي أن سياسة «الخنق الاقتصادي» لا تقل خطورة عن التهديد العسكري الذي تعرض له في السنوات الأولى للأزمة…

فهل تصدق رواية «القنوات الخلفية» وما يجري عبرها، من تبادل للرسائل، حول الشروط والشروط المقابلة لأية تسوية، سورية–سورية كانت، أم سورية -إسرائيلية؟

* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني

المصدر | الدستور

———————–

=========================

تحديث 24 كانون الثاني 2021

—————————–

ذهب ترامب وأتى بايدن: هل بدّلا تبديلاً عظيماً؟/ صبحي حديدي

الآن وقد طُويت صفحة رئاسة دونالد ترامب (وليس ترامب الشخص، أو الترامبية كخطّ وعقيدة، أغلب الظنّ)؛ فإنّ من الجدوى أن يستعيد المرء بعض خصال الرئيس الأمريكي الجديد، وتلك التي قد تذكّر بسلفه، أو حتى بالأسوأ بينها. ولعلّ بعض الخير، بادئ ذي بدء، أن ينأى المرء عن الأسطوانة المعتادة التي تُدار عادة في بعض الأوساط العربية، والتي تحصي عدد الصهاينة، فما بالك باليهود، في فريق بايدن أو المقربين منه. ليس، بالطبع، من باب خفض الأهمية وراء هذا الاعتبار، ولكن لأنه على وجه الدقة حكاية مكرورة مستهلكة؛ يندر أن تتغير، جوهرياً، لدى مجيء أية إدارة أمريكية.

يعنيني، في مقام أوّل، أنّ بايدن كان ضمن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين أيدوا غزو العراق سنة 2003، ولا يبدّل من تبعات موقفه أنه أبدى الندم عليه، بل لعلّ الأكثر خزياً أنّ أسفه ذكّر بمقدار أقصى من النفاق الذي طبع لاحقأً مواقف معظم مؤيدي بوش. ومن موقعه كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أدار بايدن سلسلة مداولات انتشلت إدارة بوش الابن، وجموع المحافظين الجدد، من حرج قراءة مستقبل العراق ما بعد الغزو. ليس أقلّ سوءاً، ربما، أنه كان في عداد مؤيدي تقسيم العراق إلى دولة كردية في الشمال، وسنّية في الغرب، وشيعية في الوسط والشرق.

في المقام الثاني، هذا رجل وول ستريت والشركات الكبرى ورأس المال الأكثر شراسة ضدّ المجتمع، وسجلّه في هذا حافل ومذهل؛ ويدحض، أوّلاً، نظرية الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي، والتي تقول إنه “أهون الشرور” ضمن لائحة المرشحين. المفضّل عندي، هنا أيضاً، تعاونه مع عتاة الجمهوريين لإقرار قانون إساءة استخدام مبدأ الإفلاس، الذي كفل للشركات الكبرى منافذ تهرّب عديدة ومنعها عن ملايين المواطنين المشتغلين بالأعمال الصغيرة. كذلك صوّت بايدن ضدّ قانون يزيد من حقوق حملة بطاقات الائتمان في مقاضاة الشركات عند زيادة الرسوم، كما عارض (هو الذي سوف يصبح نائب الرئيس في ولايتَي بارك أوباما صاحب قانون التأمين الصحي الشهير) أيّ تخفيض في رسوم التأمين لطلاب الجامعات.

في المقام الثالث، ولأنّ ترامب اشتُهر بالكذب وتزييف الحقائق، فإنّ الأشهر بين حكايات بايدن الكاذبة زعمه أنه تشرف بالتعرّض للاعتقال في شوارع مدينة سويتو، في جنوب أفريقيا، خلال السبعينيات، بينما كان يحاول زيارة نلسون مانديلا في سجنه. وأمّا حقيقة الواقعة فهو أنه عُزل عن مجموعة السود المرافقين له في مطار سويتو، على مبعد 1223 كم من جزيرة روبن حيث سجن مانديلا؛ وبالتالي فإنه لم يُعتقل البتة، ممّا أجبره على تبيان الحقيقة، وخاصة بعد اضطرار أندرو يونغ، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة يومذاك والذي رافقه بايدن، إلى تكذيب الحكاية. أيضاً، خلال حملته للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي سنة 1988، استعار بايدن الكثير من الزعيم البريطاني العمالي نيل كينوك، ولكنه لم يعترف بالاستعارة/ السرقة إلا بعد أسابيع؛ زاعماً، مع ذلك، أنه شاهد شريط فيديو لـ”زعيم في بلد آخر”، بينما اضطرّ أحد المستشارين إلى الإقرار لاحقاً بأنه هو الذي مرّر الشريط إليه، وإلى عدد من المرشحين.

مياه كثيرة جرت تحت جسور أمريكا والعالم بعدئذ، غنيّ عن القول، والماضي يمضي تارة دون عواقب، أو تارة أخرى يُثقل على الحاضر وبعض المستقبل؛ والأرجح، استطراداً، أنّ الكثير من سمات بايدن التي التصقت أكثر بشخصيته لن تضمحلّ سريعاً، أو بسهولة في أقلّ تقدير. ومن الخير لنا، نحن أبناء العوالم الثالثة والفقيرة والنامية، أن نترك لأمريكا ما لأمريكا، وأن نترقب جيداً حصّتنا وما ينتظرنا من نسخة بايدن، تلك التي تستأنف بعض نسخة سلفه تحديداً؛ إذْ يصحّ الافتراض بأنهما، في ذلك الـ”بعض”، لن يبدّلا تبديلاً عظيماً.

القدس العربي

—————————

أميركا والدولة العميقة/ فاطمة ياسين

بدأت أميركا القرن الحالي مع رئيس جمهوري، هو جورج بوش الابن، الذي وجد نفسه أمام هجمات “11 سبتمبر” غير المسبوقة، فتعامل مع الأمر وكأن حربا شنّت على الولايات المتحدة. ردّ بشكل عشوائي، وغيّر قليلا في سياسة أميركا مع الشرق الأوسط، وزعزع بعض القيم التوافقية التي كانت سائدة .. بدا بوش حينها الرجل الذي يتخذ القرارات بنفسه، بعد مراجعة مستشاريه. وفي لحظة ما، ظهر التردّد عليه، وبدأت ارتدادات الحملة العسكرية التي شنها ضد العراق تظهر بوضوح على أميركا، فسارعت الهيئات التشريعية، بما تملكه من سلطات دستورية، إلى تأليف لجنة سياسية ضمّت مسؤولين من الدرجة الأولى من كلا الحزبين لتقدّم توصياتها ونتائجها للرئيس والرأي العام الأميركي.

لا تعني تلك التصرّفات السياسية التي قامت بها مؤسسات الرئاسة والكونغرس أن هناك قوى خفية تعمل تحت السطح، وتوجه السياسة الأميركية، بما يعرف بالدولة العميقة، فما قام به الرئيس المنتخب كان من موقعه السياسي، ومن مرجعيته الحزبية، وبناء على توصيات مستشاريه الذين وجدوا أن عليه شنّ الحروب. وفي المقابل، اقترح أحد أعضاء المؤسسة التشريعية، ينتمي إلى حزب الرئيس، تشكيل لجنة سياسية للدراسة وتقديم اقتراحات، حين وجد أن قرارات الرئيس يمكن أن تعدّل، أو يتم تطويرها لتناسب المصلحة العليا الأميركية أكثر. وهذا ما حصل، فقدّمت اللجنة تقريرا وتوصيات جرى اعتمادها وتنفيذها بشكل كامل، بما يعني أن المؤسّسة تقوم بعملها وفق بروتوكول محدّد، وانطلاقا من موقعها، منتخبة كانت أو معينة.

مفهوم الدولة العميقة يوظِف، من دون قصد، نظرية المؤامرة، ويفترض أدوارا أساسية وحاسمة خفية. ومن دون توضيحاتٍ كافية، قد يشير كثيرون، بصورة عابرة، إلى دور أجهزة أمن وشركات سلاح ونفط ومنتجات أخرى، مع غيابٍ كبيرٍ في المعلومات حول آلية عمل كل هذه الهيئات مع بعضها ضمن دائرة واحدة، ومن دون تبيان لكيفية ائتلاف هذه الجهات، لتصدر قراراتها ولآلية توصيل القرار إلى الجهة المنفذة .. لا يلغي المقال وجود جماعات الضغط، وهي كيانات فاعلة، لكنها ليست جهة واحدة، ولا ترسم سياسة موحدة، فلوبيات كثيرة عاملة في أميركا تستطيع الوصول والتأثير، بدرجات متعدّدة، في مصدر القرار، من دون القدرة على اتخاذه. ووضعه موضع التنفيذ، وكثير من هذه اللوبيات متناقضة ومتضاربة، ومدى قوتها متفاوت، ويرتبط بقدرتها على التأثير الانتخابي، حيث تقاس فعالية اللوبي بإمكاناته في تقديم التبرّعات، أو حشد الأصوات، أو المساهمة في تحريك أرقام الاقتصاد إلى الأعلى.

عدم وجود دولة عميقة لا يعني أن الولايات المتحدة دولة سطحية، بل يعني أن آلية عمل المؤسسات المختلفة مضبوطة ومتناسقة، بحيث يضمن الدستور عدم التناقض أو التضارب. وقد توحي قوة المؤسسات الرسمية الأميركية، وخصوصا مؤسسة الرئاسة، بوجود مثل هذه الدولة. ويعزّز هذا الشعور مدى تحكم أميركا في الخارج، ومدى طول ذراعها العسكري والاقتصادي، فهذه العجلة السياسية والعسكرية الضخمة التي تطاول كل أركان الكرة الأرضية قد تشعل المخيلة، بوجود قوة ما غير مرئية تحرّك الأشياء، فيما يمكن الاستنتاج من السياسات الأميركية أن من يحكم هو المؤسسة، وليس الشخص الذي يمثلها. وقد يكون نجاح مراسم تنصيب جو بايدن مظهرا آخر لقوة المؤسسة، فلم يعرقل غياب دونالد ترامب عن تلك المراسم، تسلم الرئيس الجديد كامل مهامه، وهذه المؤسسات تلتزم بتقاليد تعود إلى زمن الرئيس الأميركي رقم واحد، ولم يسجّل التاريخ اختراقات مهمة، ولا يجب اعتبار الشغب الذي سبّبه مناصرو ترامب حول مبنى الكونغرس دليلا على وجود أي أمر غير طبيعي. بالعكس، هذا الشغب جزء من العملية الديمقراطية التي تسمح بالتظاهر الذي استغله متهوّرون لإظهار موجة عالية من الاعتراض، وجرى تجاوز ذلك بسهولة، وبايدن يجلس في البيت الأبيض بشكل دستوري، أربع سنوات مقبلة.

العربي الجديد

———————————-

أميركا الجديدة القديمة/ حسام كنفاني

نجح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في أن ينسينا النسخة التي كانت عليها الولايات المتحدة قبل وصوله إلى الرئاسة، ولا سيما في سياسة تعاطيها مع قضايا المنطقة العربية التي تهمنا. سياسة كانت تلاقي الكثير من الانتقادات والاعتراضات من قوى سياسية وثقافية في الوطن العربي، خصوصاً في ما يتعلق بفلسطين، وكان ينظر إليها بأنها امتداد لفكرة الهيمنة الأميركية ومحاباة إسرائيل، والتي لم نكن نتصور أنها من الممكن أن تتجاوز الحدود التي كانت عليها في الإدارات الأميركية السابقة، إلى أن جاء دونالد ترامب.

لم يترك ترامب أي بابٍ من أبواب السياسة الأميركية إلا وذهب به إلى الحد الأقصى من التطرف، حتى بات القلق عالمياً من احتمال نجاحه في الانتخابات وبقائه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، وأصبحت العودة إلى السياسة الأميركية القديمة أمنية، وتحديداً في ظل الحكم الديمقراطي، أمنية يجاهر بها سياسيون ومثقفون عرب وغربيون. وهو ما يفسر الحالة الاحتفالية التي عمت العالم مع تنصيب جو بايدن يوم الأربعاء الماضي، معلنا نهاية الكابوس الترامبي، ولو مؤقتاً.

في غمرة هذه الاحتفالات، نسي الجميع كيف كان التعاطي الأميركي قبل سنوات حكم ترامب، واعتبروا أن أميركا جديدة في طريقها للولادة، لكنها نفسها أميركا القديمة التي لم تحد كثيراً عن المسار السياسي لترامب، إلا أن تعاطيها سيكون أقل وقاحة، ومعتمداً على القوة الناعمة، وهي الأسلوب الذي دأب الديمقراطيون في الولايات المتحدة على اعتماده، من دون أن يحمل أبعاداً إيجابية، خصوصاً للقضايا التي تهمنا في الوطن العربي.

يمكن البدء بالقضية الفلسطينية، وترقب تعاطي الإدارة الأميركية الجديدة مع كل التغييرات التي أحدثها دونالد ترامب خلال ولايته. تغييرات على الصعد كافة لا تحيد عن القناعة السياسية الأميركية، سواء ديمقراطية أو جمهورية، في تعاطيها مع إسرائيل. فقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة كان على طاولة كل رئيس أميركي وكان يتم رميه إلى الإدارة التالية، إلى أن جاء قرار ترامب، وهو ما سيتعاطى معه بايدن باعتباره أمراً واقعاً، وقضية شائكة لم يعد هناك حاجة لإعادة فتحها، وخصوصاً أن ردود الفعل على القرار كانت أقل كثيراً من المتوقع خلال السنوات الماضية. لكن، ووفق استراتيجية “الدبلوماسية الناعمة” ستعمد الإدارة الجديدة إلى تقديم “خطوة ترضية” لمعارضي خطوة ترامب الخاصة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهم غير مقتصرين على الفلسطينيين. “جائزة” يجري الحديث بأنها ستكون افتتاح قنصلية أميركية في القدس الشرقية، في إشارة إلى أن مسألة القدس الموحدة ليست محسومة، والاعتراف الأميركي يقتصر على القدس الغربية. الأمر الذي لن يلغي مفاعيل قرار ترامب، بل سيثبته عملياً، ولو على جزء من القدس.

وفي ما يخص التطبيع العربي الإسرائيلي، والذي أطلقه ترامب بقوة خلال ولايته، من المؤكد أن الإدارة الجديدة لن تعمد إلى التراجع عنه، فهو كان هدفاً لكل الإدارات الأميركية التي تعاطت مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي. ولا شك في أن كل السياسيين الأميركيين، حتى وإن لم يعلنوا ذلك، يرون أن ما تحقق يعتبر إنجازاً للسياسة الأميركية. الفرق الذي سنراه اليوم مع الإدارة الجديدة في ما يخص هذا الأمر هو عودة إلى ما كانت عليه السياسة الأميركية خلال السنوات السابقة لحكم ترامب، أي تشجيع هذا التطبيع والترغيب فيه، والمساومة عليه، من دون الضغط الذي كان تمارسه إدارة ترامب، والذي حوّل وزير الخارجية مايك بومبيو خلال جولاته في المنطقة إلى وزير خارجية لإسرائيل.

وفق هذه المعايير يمكن قياس التعاطي الأميركي مع كل القضايا، العربية وغيرها. هي عودة جديدة إلى السياسة القديمة، والتي لم تكن مثالية.

———————————-

مقترح أميركي جديد..تخفيف العقوبات على الأسد مقابل الإصلاحات؟

يرى موقع “Responsible Statecraft” التابع لمعهد كوينسي الأميركي، أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورث أزمة عمرها 10 سنوات في سوريا ولا تزال تشكل تحديات استراتيجية وإنسانية حادة. لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز المصالح الأميركية.

ويقول الموقع في مقال للدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان وهارير بيلمان بعنوان: “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة في سوريا”، أن المصالح الأميركية في سوريا تشمل القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والمشكلة التركية مع الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. هناك اهتمام مهم آخر وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردود الفعل الشعبوية.

نجحت السياسة الأميركية الحالية -التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها- في شلّ اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. كانت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على بشار الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة غير ناجحة. وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.

أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحسب الكاتبين، إلى نقصٍ حاد في العملة السورية وساهمت في انهيار العملة السورية ، لكنها لم تُضعف الدعم الرئيسي بين جمهور الأسد المحلي ولم تغيّر سلوك النخبة الحاكمة. لقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، وروسيا وتركيا وإيران بصفتهم الحكام الرئيسيين لمستقبل سوريا. في غضون ذلك، تعثّرت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية.

والأسوأ من ذلك، أن العقوبات المفروضة على سوريا تؤدي إلى عواقب إنسانية ضارّة غير مقصودة من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب، والقضاء على الطبقة الوسطى السورية، وهي محرك محتمل للاستقرار والإصلاح طويل الأجل. من الآمن الافتراض أن قيادة البلاد لا تعاني بسبب العقوبات.

تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً بين النهج الحالي، الذي نجح فقط في المساهمة في دولة فاشلة، أو عملية دبلوماسية أعيد تصورها من قبل مركز كارتر، تهدف إلى تطوير إطار مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والعملية التي يمكن التحقق منها، والتي، في حالة تنفيذها، ستقابلها مساعدات موجهة وتعديلات في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الهدف من هذا الإطار، بحسب المقال، هو وقف دوامة الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يمكّن من إحراز تقدم في القضايا المنفصلة ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. فهو لا يتصدى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، وهو أمر مرفوض من الولايات المتحدة، ولا يُحاسب أي شخص على الوفيات والدمار المروعين في سوريا، لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.

أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة جائحة كورونا في سوريا من العقوبات. وبالقدر نفسه من الأهمية سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري. سيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية.

لن يتم إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة يتم التفاوض عليها مع حكومة النظام السوري. من شأن آليات الرصد التأكد من التقدم في خطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيماوية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة، عملية جنيف والمزيد من اللامركزية.

ولكن يجب ألا تكون هناك أوهام؛ عوائق النجاح كثيرة. أظهرت القيادة السورية القليل من الاستعداد لتقديم تنازلات. يتطلب الزخم في هذا النهج التدريجي تحركاً سورياً يمكن التحقق منه، وسيؤدي مجرد التشدق بالإصلاح إلى تعليق الحوافز الأميركية والأوروبية وقد يؤدي إلى إعادة فرض سريعة عقوبات.

تخّلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا “المطلب المتطرف” منذ سنوات. لكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في إنتاج أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي.

هذه ليست هدية للنظام السوري، المسؤول عن الكثير من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية. بل هو اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011. من خلال الإفراج العلني عن قائمة متفاوض عليها من الخطوات المتبادلة، يمكن في جوهرها، للولايات المتحدة وأوروبا، تطبيق نوع مختلف من الضغط على سوريا لإنتاج الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن.

ويختم المقال قائلاً: “يوفّر تغيير الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة فرصة لتشخيص واختبار هذا النهج الجديد”.

المدن

———————————

فريق بايدن: الثوابت والمتغيرات

ينطوي وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض على متغيرات كثيرة في الداخل والخارج، تقترن أيضاً بثوابت قد لا تقل عدداً لجهة إعادة إنتاج سياسات استقرت في عهود رؤساء سابقين أمثال بيل كلنتون وباراك أوباما، أو جمهوريين أمثال جورج بوش الابن ودونالد ترامب نفسه. تنفيذ ملامح العهد الجديد تقع على عاتق عدد من كبار المسؤولين في دوائر مثل مجلس الأمن القومي ووزارات الدفاع والخارجية والأمن والاقتصاد والعدل والخزانة، بالإضافة إلى وزارة الصحة التي باتت تكتسب أهمية خاصة مع تفاقم حالات الإصابة بفيروس كوفيد ـ 19. واضح حتى الساعة أن بايدن اختار فريقاً اختبر معظم أفراده عن كثب، خلال عمله كنائب للرئيس في ولايتّيْ أوباما، الأمر الذي لا يعني أن متغيرات غير قليلة سوف تطرأ، إلى جانب سلسلة من الثوابت التي ستبقى أو يُعاد إنتاجها مع تعديلات هنا وهناك.

——————————-

جوزيف بايدن والمهمة المستحيلة: ترتيب البيت الداخلي والعودة إلى عالم متغير لا يثق بالسيد الأمريكي/ إبراهيم درويش

العود إلى العقلانية أهم ما ستجسده مرحلة بايدن

في غلاف مجلة “إيكونوميست” الأخير “صباح اليوم التالي في أمريكا” (كناية عن حفلة صاخبة وسكر) بدا الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة جوزيف بايدن مثل عامل نظافة حاملا ممسحة وسطلا ويقف أمام البيت الأبيض مستعدا للدخول وتنظيف حقبة سلفه دونالد ترامب التي تركت خلفها أرضا محروقة.

ففي اليوم الذي خرج فيه الرئيس السابق من البيت الأبيض وصل عدد ضحايا فيروس كورونا إلى 400.000 أمريكي بالإضافة لملايين العاطلين عن العمل، ولهذا لم يتوقف بايدن عن العمل منذ اليوم الأول لتنصيبه في حفلة خلت من الجماهير الحاشدة وحلت محلهم الأعلام التي رمزت لكل ضحية أمريكي من كوفيد-19 ووفر الحرس الوطني أكثر من 25.000 جندي لحراسة حفلة التنصيب التي غاب عنها الرئيس السابق وتسلل إلى منتجعه في فلوريدا بعدما فشل في الحصول على حفلة وداع كبيرة واستخدم العفو الرئاسي ليعفو عن حفنة من المقربين إليه المدانين بجرائم وتجاوزات ومنهم مستشاره السابق ستيفن بانون.

قرارات تنفيذية

ومن هنا فمهمة بايدن وفريقه صعبة جدا وتتولى العمل وسط أزمة وطنية وفيروس خرج عن السيطرة. وقضى بايدن أول يومين من عمله في مكتب “العزم” موقعا على جملة من القرارات التنفيذية التي ألغت قرارات مثل حظر مواطني دول إسلامية من دخول أمريكا والعودة إلى منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، لكن القرارات الأهم تتعلق بمكافحة فيروس كورونا والمساعدات الاقتصادية للأمريكيين الذي بات الملايين منهم بحاجة للمساعدة المالية وبدون عمل. ويريد بايدن وفريقه حزمة حوافز مالية سريعة من 1.9 تريليون دولار للسيطرة على الفيروس وإنقاذ الاقتصاد.

 وبدا بايدن في خطابه الذي ألقاه في حفلة التنصيب تصالحيا، وأكد على الوحدة وأنه سيحكم باسم كل الأمريكيين لا طائفة منهم كما كان ديدن سلفه. وأغلق بايدن حقبة ترامب في خطاب التنصيب لكن المهمة معقدة فالخراب الذي تركه كبير والجراح عميقة. وربما وصل عدد ضحايا كوفيد-19 بنهاية أول مئة يوم على حكم بايدن إلى نصف مليون شخص.

ورغم ضخامة المهمة إلا أن العمل يبدأ من الداخل كما تقول “إيكونوميست” (23/1/2021) بالسيطرة على الفيروس وتوفير اللقاحات بشكل يخفف من انتشار الوباء ويساعد على التعافي الاقتصادي.

ولدى الرئيس الحالي خبرة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، فعندما أدى القسم كنائب لباراك أوباما في2009 كانت الأزمة المالية العالمية في ذروتها، مع أن التراجع الاقتصادي الحالي مختلف. وربما نجح بايدن في تخفيف الأزمة الاقتصادية، لكنه سيظل أمام أزمة سياسية نبعت من احتلال مبنى الكابيتول وإنزال الجنود لحماية واشنطن وتأمين انتقال السلطة، وهذه لن تختفي بسهولة، فالحزب الجمهوري بات منظما حول فكرة الولاء لرجل لا يهمه أي شيء باستثناء نفسه. ويمكن لبايدن السيطرة على هذه الأزمة من خلال التمسك بالمركز والبحث عن طرق للتعاون مع الجمهوريين في الكونغرس. مع أن المخاطر قائمة من رفض الجمهوريين التعاون معه لأنه ديمقراطي. وفي نفس الوقت إنقلاب التيار التقدمي في حزبه عليه نظرا لتقربه من الجمهوريين. وهناك حاجة للعمل السريع من أجل مساعدة أمريكا لا حرف المشاكل عن الطريق، لأن الولايات المتحدة كانت أسوأ دولة غنية من ناحية الحفاظ على استمرارية التعليم في العام الماضي. وتراجع التسجيل في المدارس مما يقترح أن هناك اعدادا من الأطفال بدون تعليم. كما أن ارتفاع حالات الإصابات بين الهسبانو والأمريكيين من أصل أفريقي يعني أن المرض له علاقة بلون البشرة وغياب العناية الصحية.

 المهمة في الخارج

هذا على صعيد الداخل ولو تحولنا إلى الخارج فالمشكلة أعقد، فإدارة بايدن ستواجه عالما متغيرا ومتشككا في الولايات المتحدة، وهناك خوف لدى الحلفاء من أن القوى التي انتجت ترامب قبل أربعة أعوام قادرة على إنتاج نفس الظاهرة، وعليه فلا معنى من عقد اتفاقيات وأخذ كلام الإدارة الحالية على عواهنه.

ولأن إدارة ترامب تعاملت مع السياسة الخارجية عبر منظور التنمر والبلطجة التي مثلها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، فالولايات المتحدة تحتاج للتعاون مع الحلفاء والقبول بمقايضات صعبة. فعلى المدى القريب، تحتاج واشنطن للتعاون مع موسكو لتمديد اتفاقية ستارت الجديدة بشأن الأسلحة النووية والتي ستنتهي في 5 شباط/فبراير. مع أن موسكو سجنت المعارض أليكسي نافالني. ونفس المعضلة ستواجه فريق بايدن مع الصين التي يحتاج إليها في ملف المناخ، لكن بيجين نفسها متهمة بحملة إبادة ضد المسلمين الإيغور في إقليم تشنجيانغ. ومن هنا على حلفاء أمريكا في الغرب عدم توقع معجزات تعيد الأمور إلى ما كانت عليه. فقد ظلت إدارة ترامب تزرع الالغام أو المفخخات للإدارة الحالية لكي تقيد يدها عن التحرك خاصة في الملف الإيراني التي المحت إدارة بايدن للعودة إليه. ويظل الحديث عن الملف الخارجي مرتبطا بما ستقوم به الإدارة في الداخل لمعالجة التحديات.

الفريق

ومن هنا تساءل المراقبون والحلفاء حول نشاط بايدن في السياسة الخارجية رغم ما تعانيه بلاده من أزمة اقتصادية وضعف داخلي وانتشار لفيروس كورونا. وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” (20/1/2021) إلى تجربة بايدن في الشؤون العالمية كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ ونائب للرئيس، مضيفة أن بايدن تعامل مع العالم من رؤية أن بلاده كانت ضامنة للنظام العالمي. لكن العالم مكان مختلف الآن وبعد أربع سنوات كارثية من حكم ترامب. ومع ذلك فبايدن لن يبتعد عن المسرح العالمي، ويمكن معرفة هذا من الفريق الذي اختاره ليدير السياسة الخارجية. وأكد بايدن في خطابه يوم التنصيب أن أمريكا “ستقود ليس عبر النموذج القوي ولكن قوة نموذجنا”. وأمام بايدن مناسبات دولية من قمة الدول السبع في المنتجع البحري البريطاني كورنويل إلى قمة الدول العشرين في روما ومؤتمر المناخ الذي تخطط له الأمم المتحدة في غلاسكو بإسكتلندا حيث سيقدم رؤيته حول عودة أمريكا لاتفاقية المناخ الموقعة في باريس. وهناك تداخل بين الداخل والخارج في اختيارات بايدن، مثل كيرت أم كامبل منسق السياسة في آسيا مما يشير إلى تشدد مع الصين وتطمينا للدول الحليفة مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وعمل كامبل في وزارة الخارجية أثناء فترة أوباما ونصح الإدارة في استراتيجية التوجه نحو آسيا. وقال توماس رايت الخبير في السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز “اختار بايدن الأشخاص الذين يعرف ولديهم التزام بالإستراتيجية التنافسية”. وربما وجدت إدارة بايدن معضلة في التأكيد على الديمقراطية بعد أحداث الكابيتول وهو ما دعا إيما أشفورد، الزميلة البارزة في المجلس الأطلنطي بمقال نشرته “فورين بوليسي” (8/1/2021) للقول إن “سياسة خارجية بأهداف طموحة لا تتماشى مطلقا مع الوقائع السياسية المحلية للبلاد والخلل في اقتصادها” وأضافت “كيف يمكن للولايات المتحدة نشر الديمقراطية كمثال للآخرين في وقت لا يوجد لديها ديمقراطية فاعلة”. وجاء تعيين سوزان رايس التي عملت مستشارة للأمن القومي في عهد أوباما كمديرة لمجلس السياسة المحلية في البيت الأبيض ليؤكد على الترابط بين ما هو محلي وخارجي. واستخدم مرشح بايدن لمجلس الأمن القومي جيك سوليفان تويتر للتعليق على أمور حساسة قبل تولي رئيسه المنصب. فقد شجب اعتقال روسيا لزعيم المعارضة الكسي نافالني وتوقيع أوروبا اتفاقية تجارية مع الصين وتصنيف إدارة ترامب الحوثيين كحركة إرهابية حيث قال إن القرار “سيزيد من معاناة الشعب اليمني”. وليس أدل على أهمية الواقعية في السياسة الأمريكية من قرار الاتحاد الأوروبي توقيع اتفاقية استثمارية مع الصين قبل نقل السلطة في واشنطن. مما يظهر كما يرى توم ماكتاغيو في مجلة “ذي أتلانتك” (20/1/2021) مدى تغير العالم منذ أن كان بايدن في الحكم آخر مرة. أوروبا اليوم ليست مستعدة “للتشاور” مع أمريكا قبل التوقيع على اتفاقية بهذه الأهمية، كما طلب سوليفان، وهي ترفض الفكرة القائلة بضرورة ذلك. ويجادل الاتحاد الأوروبي بأن مجرد دفاع أمريكا عن أوروبا لا يعني وجود نوع من عقيدة بريجنيف للطاعة. ومشكلة بايدن في أوروبا واضحة: إن القارة التي خاضت أمريكا حربين لتحريرها، ودفعت تكاليف إعادة بنائها، وقضت 75 عاما في الحماية بتكلفة كبيرة، تعقد الآن صفقات مع المنافس الاستراتيجي الرئيسي لها ومن خلف ظهرها، هل هذا فعل حليف؟

عقيدة جديدة؟

والسؤال هنا عن ملامح عقيدة بايدن؟ فهي كما تقول “واشنطن بوست” (20/1/2021) في طريقها للتشكل وبالتأكيد ستكون مختلفة عن شعار “أمريكا أولا” لترامب الذي كان عقيدة هلامية وشاذة وتم استخدامه لتبرير كل شيء، من فرض العقوبات على الدول أو زيادة التعرفة الجمركية على البضائع وطرد طالبي اللجوء السياسي من الحدود الأمريكية، إلى تخلي أمريكا عن المنظمات الدولية المهمة. وهي “عقيدة” وضعت ترامب على طريق غاضب نفر فيه الحلفاء القدامى في الوقت الذي زاد فيه التوتر مع أعداء الولايات المتحدة. ومع عودة فريق أوباما فعليا، يتوقع منهم تقديم رؤية واقعية وأقل طموحا لمعالجة الكثير من تحديات الولايات المتحدة المتعددة في الخارج. وأهم ما ستجسده مرحلة بايدن هي العود إلى العقلانية، وكما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين في جلسة أمام الكونغرس فالإدارة الجديدة ستعمل من خلال أخلاقيات وثقة وتواضع وليس عبر “التبجح” الذي تبناه بومبيو. وقال “تواضع، لأن لدينا الكثير من العمل في الداخل وتقوية موقفنا في الخارج” و “تواضع لأن معظم مشاكل العالم ليست عنا مع أنها تؤثر علينا. ولا يمكن لدولة واحدة مواجهة المشاكل الكبرى، وحتى دولة قوية مثل الولايات المتحدة”. وفي مقابلات ومقالات رأي وخبراء في الأمن القومي ممن تم ترشيحهم لأدوار في إدارة بايدن أكدوا فيها على ضرورة تعزيز التحالفات الأمريكية بعد الدبلوماسية المتنمرة والمتقلبة لترامب. وأول خطوة في تغيير المسار هي التعامل مع ملف الاتفاق النووي مع إيران الذي انهار بسبب ترامب. ويخشى الشركاء الأوروبيون من زيادة المخزون الإيراني من اليورانيوم وقد يكون عقبة أمام عودة إيران للاتفاقية.

الشرق الأوسط

ولن يكون الشرق الأوسط على قائمة اهتمامات بايدن، من غير اتخاذ إجراءات تجميلية، وإطلاق نفس التصريحات، فقد أكد بلينكين على بقاء السفارة الأمريكية في القدس مع تأكيده على التزام الإدارة الجديدة بحل الدولتين. ومن المحتمل أن يعيد الرئيس الجديد القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية لكي تعمل كسفارة للفلسطينيين حيث سيعيد إليهم المساعدات. ويعارض فريق بايدن ضم أجزاء من الضفة الغربية ومن طرف واحد، ولكن الموضوع ليس على أولويات أجندة بايدن المزدحمة. وهو موضوع معقد وخطير كاف لأن يمتص الكثير من الجهود الدبلوماسية ويعرض عمليات التطبيع الإسرائيلية مع دول عربية للخطر. وكما قال ديفيد غاردنر في “فايننشال تايمز” (20/1/2021) فبايدن سيجد الكثير من المرارة في الشرق الأوسط، وهو يعرف هذا من تجربته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أحرجه في آذار/مارس 2010 وأعلن عن خطط توسيع استيطانية واسعة. ونشط ذاكرة الرئيس بإعلانه عن سلسلة من التوسع الاستيطاني الواسعة قبل دخول بايدن البيت الأبيض.

وسيجد بايدن مشاكل أكبر مع حلفاء بلاده التقليديين في الشرق الأوسط أكثر من أعدائها. فإلى جانب إسرائيل هناك منظور واسع من العداء مع السعودية وتركيا. ويعتقد أن على الولايات المتحدة وأوروبا التعامل بواقعية مع تركيا والاعتراف بأن الأشكال القديمة في التعامل مع أنقرة كحليف تابع قد انتهت. فالرغبة للتعامل مع تركيا كلاعب مستقل ولديها مصالح مشروعة تجد الدعم أبعد من معسكر اردوغان.

وأشار غاردنر إلى أن السعودية تواجه مشكلة تتعلق بسلوك ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، القاسي والمتهور. فقد هدد بايدن أثناء الحملة الانتخابية بمراجعة التحالف الأمريكي-السعودي الذي مضى عليه 79 عاما.  ومن هنا قام الأمير محمد الذي صعق من هزيمة ترامب بعدة تحركات تظهره كرجل دولة في الوقت الذي يتحرك فيه بايدن نحو مركز المسرح. لكن المراجعة الواقعية لمصالح الولايات المتحدة في الخليج والتي تأخذ بعين الاعتبار نمو صناعة النفط الصخري والاهتمام بقضايا البيئة، تعني أن علاقات أمريكا سيتم تخفيضها مع المنطقة على أي حال. وتساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” (19/1/2021) إن كانت التغييرات الهادئة في السعودية كافية لتهدئة التوترات مع الرئيس الجديد جوزيف بايدن. فتخفيض عدد حالات الإعدام وإزالة خطاب الكراهية من الكتب المدرسية وتحديد مدد سجن الناشطين هي جزء من التغييرات التي قامت بها السعودية مع دخول بايدن البيت الأبيض. لكن هناك حرب اليمن والدعم الأمريكي لها وملف جمال خاشقجي الذي بدأ بالسخونة بمطالبة النائب الديمقراطي أدم شيف، مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز بالكشف عن وثيقة لسي آي إيه قد تحدد علاقة ولي العهد والمتورطين بقتل خاشقجي. وقد تعهدت هينز في جلسة تأكيدها الالتزام بالقانون.

 القدس العربي

 ——————————

سوليفان مستشاراً للأمن القومي: شبح “الترامبية” في خلفية المشهد!/ رلى موفّق

لا يحتاجُ جيك سوليفان إلى إعطاء شهادته أمام مجلس النواب الأمريكي، ولا إلى مصادقة مجلس الشيوخ لتثبيت تعيينه في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن كونه يُعدُّ من ضمن طاقم العاملين في “البيت الأبيض”.

يصفُ ستيفن هادلي، الذي عَمِلَ مستشاراً للأمن القومي للرئيس جورج دبليو بوش بين 2005 و2009 هذه الوظيفة بأنها “الأفضل في السياسة الخارجية في الحكومة، إذ يمكنك قضاء المزيد من الوقت مع الرئيس أكثر من أي عضو آخر في فريق الأمن القومي للرئيس. أنت أول شخص يرى الرئيس في الصباح عندما يحضر للعمل في المكتب البيضاوي، وآخر شخص يراه قبل أن يتّخذَ أي قرار رئيسي في السياسة الخارجية أو الأمن القومي”.

سوليفان من خريجي جامعة ييل الأمريكية، حائز على شهادتيّ العلوم السياسية والقانون، وعلى ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة أوكسفورد البريطانية. وسيكون ابن الـ44 عاماً المستشار الأصغر سناً بين أقرانه ممن تولّوا هذا المنصب لعقود طويلة.

هو من برلينغتون ولاية فيرمونت ترعرعَ في مينيابوليس ولاية مينسوتا، وإلى مينسوتا عاد بعد دراسته الجامعية ليلتحق بمكتب للمحاماة بداية، ويعمل لاحقاً مستشاراً للسناتور إيمي كلوبوشار التي قدّمته إلى هيلاري كلينتون خلال ترشحها للمرة الأولى للانتخابات الرئاسية عام 2008 والتي خسرت فيها أمام باراك أوباما في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي. عندما عيّنها أوباما وزيرة للخارجية، كان سوليفان المدير الأصغر سناً لتخطيط السياسات في الخارجية. سافر برفقة رئيسة الدبلوماسية الأمريكية إلى 112 بلداً. وحين استقالت، بقي هو في الإدارة، وشغل منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس حينذاك جو بايدن. فالرئيس الجديد يعرف عن كثب الرجل الواقف على يمينه.

كان سوليفان أحد الأعضاء الثلاثة للفريق الأمريكي المُفاوض سراً مع إيران على برنامجها النووي. سنوات ثلاث من المفاوضات السريّة في سلطنة عُمان بدأت صيف 2012 وانتهت صيف 2015 بتوقيع الاتفاق بين دول 5+1 وطهران حول وقف برنامجها النووي، وأفضى إلى رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنها.

هو من المدافعين الشرسين عن الاتفاق الذي انسحب منه ترامب عام 2018. في رأيه أن الاتفاق لم يكن مثالياً لكنه جَمّـدَ طموح إيران النووي، وفرض قيوداً رقابية صارمة عليها لمنعها من امتلاك السلاح النووي. لا يرى أن الاتفاق تجاهل حلفاء واشنطن بل حَفِظَ وضَمِنَ أمن الجميع: الولايات المتحدة، ومصر، والخليج، وإسرائيل. وأتاح الاتفاق التركيز على أنشطتها الأخرى المتعلقة بالصواريخ الباليستية والإرهاب. يقول إن باراك أوباما أصرَّ على حصر التفاوض بالملف النووي لأن الأنشطة الأخرى لإيران تتطلب مشاركة الحلفاء. للمفارقة، يعتبرُ الإيرانيون أنهم فرضوا على أوباما التفاوض فقط على النووي دون غيره من المسائل التي تتضمّن منظومة صواريخهم وتمدّد نفوذهم في المنطقة.

وفي سِجل سوليفان أيضاً مفاوضات لتحقيق اتفاق وقف النار بين حركة حماس في غزة وإسرائيل لقطع الطريق على اجتياح بَـرّي للقطاع، كان يراه حاصلاً. وفي جعبته كذلك جَـمْعُ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غرفة واحدة لدفع عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية قدماً.

ثمّة محطة أساسية في تاريخ سوليفان، وهي وجوده إلى جانب كلينتون كمستشار سياسي أوّل في حملتها للانتخابات الرئاسية عام2016 في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. تلك الانتخابات التي كانت استطلاعات الرأي فيها تؤكّد فوز المرشحة الديمقراطية، فإذا بمنافسها يُخالفُ كل التوقعات ليكون الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية الذي شكَّلَ علامة فارقة في تاريخ الرؤساء، وسيبقى كذلك لفترة طويلة.

هذه التجربة في الحملة الانتخابية الرئاسية لكلينتون جعلته يخوصُ غمار كل ما يتعلق بالسياسات الداخلية، من الرعاية الصحية إلى السيطرة على الأسلحة، إلى الهجرة. تقرأ بين سطور أقواله، ضمن تحقيق مطول لـ”بوليتيكو” عن الرجل الذي يحتل راهناً موقعاً متقدماً وحساساً في القرار ضمن دائرة الرئيس الضيّقة، أن ثمّة شيئاً تغيَّر لديه. لا يعزوه فقط إلى “الترامبية”، بل أيضاً إلى النقاشات السياسية ضمن الحزب الديمقراطي خلال الحملة الانتخابية لكلينتون، والتي لمسَ من خلالها مدى شعور جزء كبير من الطبقة العاملة بأن حكومتهم لا تعمل لصالحهم.

يُقرُّ بأنه لم يجلبْ إلى الطاولة في “البيت الأبيض” زمن أوباما أجندة المواطن العادي. ويقول: “عندما تقضي سنواتٍ في الإدارة تعمل على صفقة مع إيران، أو تعمل على إعادة التوازن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أو تعمل على قضايا تتعلق بعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، فهذا لا يعني أنك تغفل تماماً عمّا يحدث على الجبهة الداخلية، لكن تركيزك ينصبُّ أكثر على أشياءٍ أخرى”.

ما خرجَ به من خلاصة تتماهى مع رسالة بايدن السياسية تقوم على أن قوة السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة تكمن أساساً في الطبقة الوسطى الأمريكية المزدهرة، التي يتعرّض ازدهارها للخطر بسبب التهديدات العابرة للحدود التي تجاهلتها إدارة ترامب أو سَعَتْ للتقليل منها.

اليوم، في إدارة جو بايدن، فريق أَتى منذ سنوات وعَمِلَ لولايتين مع أوباما، ويتمُّ وصف هذه الولاية بأنها الولاية الثالثة للرئيس الأسود الأول في تاريخ الولايات المتحدة. سوليفان واحد من هؤلاء، وعلى تماسٍ مباشر مع الرئيس الجديد الذي عمل في حملته الانتخابية مستشاراً للسياسات الخارجية والأمن القومي.

ولكن، بين الولايتين الثانية والثالثة زمن مرَّ على أمريكا والعالم ليس كأي زمن، وسيفرض أولوياته بقوّة على صنّاع القرار في الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستجد نفسها غارقة في معالجات الأزمات الداخلية، ولا سيما وباء كورونا الذي توقّع بايدن أن يَحصدَ 600 ألف أمريكي ناهيك عن التداعيات الاقتصادية التي تتطلّب جهداً كبيراً ونمطاً جديداً في التفكير.

وربما من المفيد التوقف ملياً عند ما يردده سوليفان عن وجوب وضع حدٍ للتصوّر الخاطئ بأن السياسة الخارجية بعيدة ومنفصلة عن السياسات الداخلية. يقول في إحدى مقابلاته الصحافية بعد تعينيه مستشاراً للأمن القومي إنه “لا بدّ أن تكون هناك رؤية تجمع وتمزج بين مسارات السياسات الخارجية بما يتوافق مع السياسات اللوجستية الداخلية، وأن نتعلّم من التجارب السابقة في زمن إدارة أوباما”.

ويتابع: “في إدارة بايدن – هاريس سنسعى إلى أن نضع نصب أعيننا أن ما تقوم به الولايات المتحدة في ما يتعلق بسياساتها الخارجية في أي من دول العالم، يجب أن يكون هناك رابط في تصوراتنا حول انعكاساته على الشعب الأمريكي وعلى مسارات السياسات الداخلية على النحو ذاته أيضاً”. يشعرُ المرء أن هاجس المواطن الأمريكي بات هو العنصر الطاغي، وكأنها من مفاعيل “الترامبية” التي سيبقى شبحها حاضراً في خلفية أي قرار لهذه الإدارة.

لم يأتِ سوليفان حتى اللحظة بأي مواقف مفاجئة من خارج السياق حيال القضايا المطروحة في السياسة الخارجية لبلاده. يدعو إلى العودة للاتفاق النووي بمفاوضات جديدة، وإلى المراكمة على “الاتفاق الإبراهيمي” بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. يرى أن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية سيمنع الجهود الدبلوماسية الأساسية لإنهاء الحرب، ويُعلن عن نيّة واشنطن مراجعة الاتفاق المبرم مع حركة طالبان الأفغانية، وضرورة صوغ سياسة متوازنة مع الصين تؤمّن علاقات مستدامة. بالنسبة إليه، فإن العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ وإلى منظمة الصحة العالمية أمر بديهي.

سيكون تواقاً لاستعادة المسار الذي كانت تسير عليه السياسات الأمريكية، لكنه يُدرك أن ذلك ما عاد كافياً ولا مفيداً البتة من دون نظرة جديدة ومختلفة. فعقارب الساعة لا تسير إلى الوراء. سيكون عليه وفريق عمل الرئيس “التفكير من خارج الصندوق”. يُقال: إن تلك صفة من صفاته.

——————————

 هل سينجح جو بايدن في توحيد الأمريكيين؟

منذ 18 ساعة

هل سينجح جو بايدن في توحيد الأمريكيين؟/ لميس أنس

تبدأ رئاسة جو بايدن من نقطة محفوفة بالمخاطر في التاريخ الأمريكي. إذ تواجه الأمة وباء أودى بحياة ما يقرب من 400 ألف أمريكي، وأزمة اقتصادية مع عشرات الملايين عاطلين عن العمل، واستياء عميقا من الظلم العنصري وعنف الشرطة، فضلا عن حالة انعدام الثقة في العملية الديمقراطية التي خلفها دونالد ترامب وخطابه الخبيث منذ أن خسر محاولة إعادة انتخابه.

ولا يزال جزء كبير من الشعب يتساءلون عما إذا كان الرئيس بايدن قد تم انتخابه بشكل شرعي، على الرغم من عدم وجود دليل على تزوير الأصوات الانتخابية، والعديد من الدعاوى القضائية غير الناجحة وجهود ترامب المختلفة لتقويض نتائج الانتخابات. وفيما يعتقد 65 في المئة من الأمريكيين أن بايدن انتخب بشكل شرعي كرئيس، إلا أن ما يقرب من ثلث الأمريكيين (31 في المئة) لا يعتقدون ذلك، بعد أن استسلموا لجهود ترامب لزرع الشك في نزاهة العملية الانتخابية، وفقا لآخر استطلاع أجرته شبكة “بي بي إس” الأمريكية.

وبينما يرى 7 من كل 10 أمريكيين أن الولايات المتحدة ستظل منقسمة سياسيا خلال السنوات الأربع المقبلة، فإن الغالبية تؤمن أن بايدن سيفعل المزيد لتوحيد البلاد.

الخروج من أزمة كورونا

ترى لارا براون، مديرة كلية الدراسات العليا للإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن، أن إدارة بايدن يجب أن تركز على الوفاء بوعودها بإعادة بناء الثقة مع الشعب وسط السياسات الحزبية السلبية.

وتقول براون: “عندما لا يثق بك الناس، لا يهم ما تقوله. عليك أن تفعل الأشياء”.

إحدى الخطوات الحاسمة لإعادة بناء تلك الثقة ستكون الطريقة التي يقود بها بايدن الأمة للخروج من جائحة فيروس كورونا، تقول براون. فقد أصاب الفيروس معظم الأمريكيين على المستوى الشخصي، إذ قال 72 في المئة إنهم أصيبوا بالفيروس أو يعرفون شخصا مصابا به، وفقا لاستطلاع “بي بي إس”. وقال 32 في المئة إنهم أو أحد أفراد أسرتهم فقدوا وظيفة أو دخلا بسبب الوباء.

بعد فوز بايدن في الانتخابات، كان أحد إجراءاته الأولى إنشاء لجنة استشارية لكوفيد- 19 حتى يتمكن الخبراء من إطلاعه وفريقه على آخر تطورات الفيروس، وحالة الموارد المتاحة وكيفية الاستجابة للأزمة المستمرة بشكل أكثر فعالية.

تعهد بايدن أيضا بالعمل بسرعة لجعل الاختبار المجاني متاحا للجميع وتحسين توزيع اللقاح بعد أن كان الطرح الأولي أبطأ مما كان متوقعا. وفقا للاستطلاع “بي بي إس” فإن وصول اللقاحات إلى المواطنين هو أهم أولويات الأمريكيين.

وظيفة شبه مستحيلة

عندما فاز ترامب في انتخابات عام 2016 لم تعتقد الخبيرة بولا ماكلين، نائبة رئيس جامعة ديوك، أنه يشكل تهديدا للديمقراطية الأمريكية على الرغم من مخاوفها بشأن مزاعم التحرش الجنسي ضده، وافتقاره إلى الخبرة في الحكم. إلا أن اقتحام مبنى الكونغرس، في 6 كانون الثاني/يناير الجاري جعلها تعيد التفكير في كل ذلك.

وتضيف ماكلين “إن ديمقراطيتنا ليست هشة فحسب، بل يمكن تدميرها بسرعة!. كيف تجعل الناس يؤمنون بفكرة الديمقراطية مرة أخرى؟ سيتعين على إدارة بايدن محاولة الإجابة على ذلك، بينما يتساءل الأمريكيون عما إذا كان بايدن يستطيع تسلق مثل هذا التل الكبير”.

لا يختلف الكاتب سولومون جونز مع رأي ماكلين، إذ يقول في مقال نشرته “فيلاديلفيا انكوايرر” إنه لا يعتقد أن مهمة بايدن هي إعادة توحيد البلاد، مشيرا إلى أن رؤية مدى سهولة “جعل سيادة البيض تبدو عادية، وسحق الضمانات الحكومية، وتورط الشرطة في الانتهاكات ضد السود بوتيرة تنذر بالخطر” تركه يتساءل “عما إذا كان الأمريكيون متحدين في المقام الأول”. وأضاف “إذا كانت وحدتنا، كما أظن، مجرد وهم، فإن وظيفة بايدن شبه مستحيلة”.

ويرى جونز أنه قبل أن يتمكن الأمريكيون من الشفاء بشكل تام، سيتعين على بايدن تحديد ما أوصلهم إلى وضع سمحت فيه كلمات ترامب التحريضية بغزو الغوغاء مبنى الكابيتول.

وأضاف “لكن ذلك لا يعني الكثير الآن، عندما يقف الأمريكيون يوميا في صفوف الطعام. المساعدة الملموسة هنا فقط هي التي يمكنها إحداث التغيير”.

أسطورة الوحدة

يرى كثيرون أن الانقسام الأمريكي لم يبدأ مع دونالد ترامب ولن ينتهي بمغادرته البيت الأبيض، وأن ترامب جعل الانقسام المتأصل في المجتمع الأمريكي “يظهر إلى السطح لا أكثر”.

يقول عالم الاجتماع في جامعة كولومبيا، تود جيتلين، “لطالما كانت أمريكا منقسمة. أعتقد أن تسمية الدولة الموحدة هي أسطورة. كانت المعتقدات الأمريكية محل نزاع منذ البداية. اختر لحظة في التاريخ لم نكن فيها منقسمين بشدة”.

ويضيف جيتلين “خلال تاريخها البالغ 244 عاما، عانت الولايات المتحدة من انقسامات عميقة بين أحزابها السياسية. متى لم نكن منقسمين بعمق؟”. ويوضح قائلا: “لسنا مجرد أمة عادية تأسست على اتفاق حول قصة وطنية أو إجماع وطني. أمريكا موحدة بواسطة عقيدة أيديولوجية. إعلان عن إيمان وليس الهوية”.

وترى الخبيرة القانونية جانيت البرشتسن أن مغادرة ترامب المسرح لن يعالج الانقسامات السياسية المتأصلة في الولايات المتحدة، حيث كان الاستقطاب بين اليسار واليمين قائما قبل وصوله إلى السلطة.

وتشير إلى أن زعيما مثيرا للجدل مثل ترامب “لا يسقط من السماء”. إذ إنه “نتاج حزب جمهوري فشل في فهم أيديولوجيته الضيقة”.

————————-

إدارة بايدن الخارجية وسياسة تفكيك الألغام في الشرق الأوسط/ صادق الطائي

التركة الملغومة التي خلفها دونالد ترامب ستتطلب جهدا استثنائيا من إدارة الرئيس بايدن لتفكيكها وإزاحة ركام السياسات التي تجمعت عبر أربع سنوات صاخبة. وقد أفادت تسريبات البيت الأبيض أن الرئيس بايدن وقع في يومه الأول 15 قرارا تنفيذيا حاول عبرها إزاحة أهم الألغام من ساحة السياسة الداخلية وإصلاح بعض النقاط المحورية في السياسات الأمريكية الخارجية. إلا ان الملفات التي حظيت بالأولوية في القرارات التنفيذية أو في مشاريع القرارات التي سترفع للكونغرس للتصويت عليها، لم تتضمن ملفات الشرق الأوسط. إذ سينصب جهد إدارة بايدن في الـ 100 يوم الأولى على مواجهة كارثة أزمة كوفيد-19 والعودة إلى بعض الاتفاقات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، وإعادة دعم الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية، مع بعض القرارات الخاصة بتنظيم الهجرة ورفع ما شابها من خطايا في عهد الرئيس ترامب.

الولاية الثالثة لأوباما

عندما نلقي نظرة على الأسماء التي رشحت لتشغل الكابينة الوزارية في إدارة بايدن، نتبين أن أغلب الأسماء لشخصيات لعبت أدوارا مهمة في ولايتي الرئيس الأسبق باراك أوباما، لذلك وصف بعض المحللين الأمر على أنه يبدو “ولاية ثالثة للرئيس أوباما” وقُرأ الأمر على أن سياسات إدارة بايدن ستكون، بطريقة ما استمرارا لسياسات إدارة أوباما في ولايتيه الرئاسية.

فمستشار الأمن القومي في إدارة بايدن هو جيك ساليفان، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي بين عامي 2013 و2014 كما شغل منصب نائب هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية، ثم شغل فيما بعد منصب كبير مستشاريها للسياسة الخارجية أثناء حملتها الرئاسية عام 2016. أما وزير الخارجية بايدن أنتوني بلينكن فقد شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي ونائب وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. ومديرة الاستخبارات المقبلة أفريل هاينز كانت أول امرأة تشغل منصب نائب مدير وكالة المخابرات المركزية “CIA” ما بين 2013 و2015 كما شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي بعد انتقال أنتوني بلينكن إلى وزارة الخارجية عام 2015.

مرشح بايدن لوزارة الدفاع هو الجنرال لويد أوستن، وهو أول أمريكي من أصل أفريقي يتولى قيادة البنتاغون، وقد عمل أوستن نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، وقبل ذلك كان آخر قائد للقوات الأمريكية في العراق، وتحت أمرته جرت عملية “الفجر الجديد” لسحب القوات الأمريكية من العراق في كانون الأول/ديسمبر 2011 في عهد الرئيس أوباما الذي نقله بعدها ليشغل منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية، ويعتبر لويد أوستن المهندس العسكري الأول لحملات التحالف الدولي، الذي أنشئ لهزيمة تنظيم الدولة “داعش” وهو من صمّم الخطط الأساسية لضرب التنظيم، مع دعم القوات على الأرض.

تحديات

بالرغم من إن إدارة أوباما كانت قليلة الاهتمام بملفات الشرق الأوسط، ونأت بنفسها عن صراعات المنطقة لصالح تركيزها على ملفالت الشرق الأقصى والتحدي الصيني والخطر الكوري والتنافس الآسيوي، إلا إن بعض ملفات الشرق الأوسط كانت حاضرة في السياسة الخارجية لإدارة الديمقراطيين على مر التاريخ المعاصر، ويبدو أن حال إدارة بايدن لن يكون استثنائية عن ذلك، بالرغم من ان الرئيس الجديد يبدو وقد ابتدأ ولايته بهدوء ملحوظ  في الشرق الأوسط. فقد أشار سيث فرانتومان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل في تقريره الذي نشرته وكالة “بلومبرغ” للأنباء، إلى إنه “مع اقتراب تولي الرئيس بايدن زمام الأمور، تقوم العديد من الأطراف المتحاربة بالتخفيف من حدة  نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطا في المنطقة”.

وبالرغم من أن جوزيف بايدن، تحدث كثيرا عن ملف حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، كما تحدث عن التزامه بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير في العالم، وأكّد أنه سيطبق سياسة أكثر صرامةً تجاه الديكتاتوريات العربية، عبر الضغط عليها لاحترام حقوق الإنسان في بلدانها، ووعد بأنه سيعاقب الدول المتورّطة في جرائم حرب اليمن، بالحدّ من صفقات الأسلحة معها، وتوعد بالاسم المملكة العربية السعودية التي تقود هذه الحرب، إلا ان بعض المراقبين اعتبروا تلك التصريحات مجرد حملات للدعاية الانتخابية.

لكن رئيس منظمة “هيومن رايتس ووتش” كينيث روث،  صرح يوم 13 كانون الثاني/يناير مطالبا الرئيس الجديد بالعمل على استعادة مصداقية بلاده فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الداخل والخارج، وذلك بعد ما وصف رئيس المنظمة الحقوقية حقبة الرئيس ترامب بـ”أربع سنوات من امتهان المبادئ الديمقراطية” كما وجه روث العديد من المطالب للرئيس بايدن، من بينها إلغاء صفقات السلاح لدول مثل مصر والسعودية وإسرائيل. وقال في تصريح لوكالة “رويترز”؛ “إن الرئيس دونالد ترامب استهان بحقوق الإنسان في الداخل، وتفاوتت انتقاداته لسجلات الدول الأخرى في تلك الحقوق”. وأضاف: “إن على بايدن أن يجعل من حقوق الإنسان حجر زاوية في السياسة الخارجية الأمريكية”.

الملف الإيراني

الملف الإيراني يمثل عصا الرحى في سياسات إدارة بايدن الشرق أوسطية، فقد أكد وزير الخارجية  أنتوني بلينكن في جلسة المصادقة على تعيينه في المنصب أمام مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني/يناير؛ أن”حكومة الرئيس بايدن مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، شرط أن تفي طهران مجدداً بالتزاماتها”. وقال بلينكن إن الرئيس المنتخب “يعتقد أنه إذا عادت إيران للتقيد بالاتفاق، فنحن أيضاً سنتقيد به” مشيراً إلى أن إدارة بايدن ستلجأ إلى ذلك “كنقطة انطلاق، مع حلفائنا وشركائنا الذين سيكونون مجدداً إلى جانبنا، سعياً لاتفاق أقوى يستمر وقتاً أطول” معتبراً أن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل البرنامج الإيراني للصواريخ البالستية، بالإضافة إلى “أنشطتها المزعزعة” للشرق الأوسط. وقال بلينكن؛ “إيران ستكون أكثر خطورة مما هي عليه الآن في حال امتلكت السلاح النووي أو أوشكت على تصنيعه سريعاً”.

كما صرح الجنرال المتقاعد لويد أوستن المرشح لوزارة الدفاع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ بالقول؛ “إن إيران شكلت تهديدا لحلفاء الولايات المتحدة والقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة”. وأضاف في جلسة الاستماع “تواصل إيران دورها كعنصر مزعزع للاستقرار في المنطقة، وتشكل تهديدا بالفعل لشركائنا في المنطقة والقوات المتمركزة فيها”. وفيما يخص الملف النووي، قال أوستن؛ “إن تمكنت إيران من الحصول على قدرات نووية، فإن كل مشكلة تواجهنا ستزداد تعقيدا”.

من قراءة التصريحات السابقة بالإضافة إلى تصريحات للرئيس بايدن حول الملف الإيراني يتضح أن موقف الإدارة الجديدة هو الرجوع إلى الاتفاق النووي كخطوة أولى يجب أن تنفذ سريعا مع الضغط على طهران لتحجيم مشروعها الصاروخي، ومطالبتها بايقاف دعم وتحريض شركائها الإقليميين في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما تم طرح فكرة إجراء تعديل على الاتفاق النووي ليضم قوى إقليمية بينها السعودية والإمارات.

وفي جانب ذي صلة بالملف الإيراني، رأى البعض أن المصالحة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة الاربع خطوة استباقية لاستقبال إجراءات إدارة بايدن في الشرق الأوسط، فقد قرأها البعض على أنها محاولة سعودية لتصفير مشاكلها في المنطقة بعد أن خسرت دعم ترامب، بينما قرأها آخرون على أنها محاولة سعودية إماراتية لفتح حوار مع إيران، وهذا ما أعلنه يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني/يناير وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني كمشروع حوار ومصالحة بين إيران ودول مجلس التعاون، ولم تظهر ردود الفعل الخليجية على الموضوع بعد، بينما رحبت إيران من جانبها بالمقترح على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف.

ملف الصراع العربي الإسرائيلي

يمثل الأمن القومي الإسرائيلي خطا أحمر في الاستراتيجيات الأمريكية ولمختلف الإدارات جمهورية كانت أم ديمقراطية، إلا إن هناك بعض التفاصيل التي قد تنعكس على آليات العمل على هذا الملف الشائك، فقد سعى الديمقراطيون جاهدين منذ إدارة كارتر لتبني معاهدات السلام بين العرب وإسرائيل، وقد تبنت الإدارات الديمقراطية حل الدولتين ودعمته في إدارات كلينتون وأوباما، لكن الكثير من الجهود تعثرت وفشلت، وقد انعكس ذلك على شكل برود بين إدارة نتنياهو اليمينية المتطرفة وإدارة أوباما في آخر أيام ولايته الثانية.

لذلك يتخوف الإسرائيليون من القادم من سياسات إدارة بايدن، خصوصا بعد المكاسب التي أغدقها عليهم ترامب من دون مقابل. إلا إن بعض المراقبين يقرأون عمليات التطبيع التي انخرطت فيها أربع دول عربية جديدة أضيفت إلى الدولتين السابقتين على أنها مؤشر قد يقود لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وقد تنضم لقطار التطبيع دول أخرى مثل سلطنة عمان قريبا.

لكن يبدو أن إدارة بايدن تعلمت الدرس من فشل الجهود الكبيرة التي بذلتها إدارة أوباما، وتحديدا وزير خارجيته جون كيري، لحل الأزمة وتطبيق شروط السلام بين الطرفين على أساس حل الدولتين. لذا يبدو أن إدارة بايدن تنوي التعامل ببرود مع هذا الملف، وهذا ما نقرأه في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي قال؛ إن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في ذلك النزاع هي “حل الدولتين” ولكنه شكك في تصريحه أمام مجلس الشيوخ بإمكانية تحقيق هذا الحل على المدى القصير. وأوضح بلينكن؛ “يظن الرئيس، وأنا شخصياً، أن السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، هو عبر حل الدولتين، واقعياً أظن أنه سيكون من الصعب تحقيق أي شيء على هذا الصعيد في المدى القصير” لكنه دعا الإٍسرائيليين والفلسطينيين فوراً “إلى تجنب اتخاذ خطوات تزيد هذه العملية تعقيداً”.

—————————

المرشح لمنصب مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز يدعو لتعديل قواعد الاشتباك السياسي في الشرق الأوسط/ إبراهيم نوار

تواجه الإدارة الجديدة للولايات المتحدة بقيادة الرئيس جو بايدن عبء إنجاز مهمة ثقيلة للخروج الولايات من الهوة السحيقة التي سقطت فيها خلال السنوات الأربع الأخيرة داخليا وخارجيا. ومع أن عددا كبيرا من وجوه الإدارة الجديدة سبق له العمل في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما (2008 – 2016) فإن المرشح لمنصب مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز هو دبلوماسي مخضرم عمل مع وزراء الخارجية في الإدارات الجمهورية والديمقراطية منذ تسعينيات القرن الماضي. ويمثل بيرنز نموذجا للكفاءة في العمل، والقدرة على إقامة وتطوير علاقات مثمرة مع الأصدقاء والخصوم على السواء، وممارسة الدبلوماسية العملية من خلال شبكة علاقات ذات طابع عنكبوتي بعيدا عن الاستقطابات.

وقد دعا بيرنز في السنوات الأخيرة إلى ضرورة تجديد الدبلوماسية الأمريكية، والاستفادة من أسلوب دبلوماسية الأبواب الخلفية، التي تتجنب الإحباطات الناتجة عن المزايدات في المؤتمرات وأمام الكاميرات. كما يتمتع بيرنز بكثير من المهارات التي تؤهله للنجاح في إقامة وتطوير العلاقات في منطقتي الشرق الأوسط وأوراسيا، منها إجادته للغتين العربية والروسية. ومنذ خروجه من وزارة الخارجية، انخرط بيرنز في مجالات التعامل مع اللاعبين غير الحكوميين على مسرح العلاقات الدولية، من خلال رئاسته لمؤسسة “الوقف الوطني من أجل السلام” التي سينتقل منها إلى منصبه الجديد.

ويتمتع بيرنز بمعرفته العميقة وخبرته الواسعة بالعلاقات الأمريكية مع روسيا، وخفايا الصراع العربي الإسرائيلي، وما زال يحتفظ بصداقات قوية مع عدد من صناع القرار في المنطقة ومساعديهم، وله اهتمام خاص مبكر بمصر، حيث كانت رسالته للدكتوراه من جامعة أكسفورد في موضوع المساعدات الاقتصادية ودورها في العلاقات الأمريكية – المصرية. وربما جاء اختيار بايدن له في هذا المنصب نظرا لأن العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط وروسيا ستحتاج إلى الكثير من الدبلوماسية الخفية التي تديرها المخابرات المركزية أفضل من غيرها.

ويعتقد بيرنز أن الشرق الأوسط يجب أن يكون في صدارة أولويات الولايات المتحدة، نظرا للموقع الإستراتيجي للمنطقة ودورها التاريخي في حسم صراعات القوى في العالم. لكن كثيرين من قيادات الإدارة الجديدة بمن فيهم الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، يعطون أولوية قصوى في السياسة الخارجية للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا قبل الشرق الأوسط. وبينما ستلعب وزارة الخارجية بقيادة بلينكن الدور الأكبر في ترميم العلاقات عبر الأطلنطي، فإن دور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط تحت قيادة بيرنز لن يكون مجرد دور وكالة استخبارات على الطريقة التقليدية، ولكنه سيصبح أقرب ما يكون إلى دور تصنيع السياسة عبر الأبواب والنوافذ الخلفية، وتمهيد الأرض لاستقبال واستيعاب تغييرات سياسية ضرورية لإقامة توازن جديد في المنطقة يحافظ على دور قيادي للولايات المتحدة.

الأولويات في الخليج

من المتوقع أن سياسة “أمريكا أولا” ستسقط تدريجيا وليس بين عشية وضحاها، لتجنب حدوث هزات في العلاقات مع دول المنطقة، لكن إشارات سقوط تلك السياسة الترامبية ستكون واضحة بقوة لدى بعض حكام المنطقة الذين تمتعوا بالأمان في مواقعهم مع إطراء ترامب على سياساتهم وإبدائه الإعجاب بهم.

وخلال فترة رئاسة بايدن ستكون العلاقات مع مصر وتركيا والسعودية وإيران وإسرائيل محطات اختبار رئيسية لقدرة الإدارة الجديدة على الإبحار في صراعات الشرق الأوسط بسياسة مختلفة عما كانت في حكم ترامب، بدون التسبب في المزيد من الاضطرابات. ويقول ويليام بيرنز إن قواعد الاشتباك السياسي مع هذه الدول ومع المنطقة ككل يجب أن تتغير وأن تنتقل من موقف التأييد المطلق، كما هو الحال مع السعودية، أو موقف العداء المطلق، كما هو الحال مع إيران. وبدلا من ذلك يتبنى استخدام منهج يتحرك بخطوات تقترب من مبادئ السلام والديمقراطية والتعاون المتبادل في الأجل الطويل، مع المحافظة على “شعرة معاوية” في الأجل القصير. ومن الأمثلة التي ذكرها بيرنز في حوار مع قيادات برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في العام الماضي، أن الولايات المتحدة في علاقاتها مع السعودية يجب أن تضغط من أجل عدم استخدام الأسلحة الأمريكية في الحرب على اليمن ووقف صادرات أسلحة بعينها، وليس كل صفقات الأسلحة. بمعنى آخر فإن المخابرات المركزية الأمريكية قد توصي باتخاذ قرارات انتقائية تستهدف تحقيق غايات بعينها، بدون الإضرار بالمصالح الاستراتيجية. وحدد بيرنز في مقال بمجلة “أتلانتيك” أواخر عام 2019 معايير جديدة للعلاقات مع دول الخليج العربية قائلا إن هذه العلاقات يجب أن تكون أكثر من مجرد طريق واحد ذي اتجاهين “يجب أن نساندهم ضد التهديدات الأمنية التي يتعرضون لها من إيران أو أي طرف آخر، لكننا في الوقت نفسه يجب أن نحثهم على إدخال إصلاحات كافية لتحديث النظام الاقتصادي والسياسي”. وقال إن حكام هذه الدول “يجب أن يتوقفوا عن التصرف كما لو كان لديهم صك على بياض من الولايات المتحدة”. وحدد ثلاث أولويات يجب العمل على تحقيقها مع دول الخليج هي إنهاء الحرب في اليمن، والتوقف عن التدخل السياسي في شؤون بلدان أخرى مثل ليبيا والسودان، إضافة إلى ضرورة تحسين وعقلنة إدارة المنافسة بين دول الخليج العربية وبعضها البعض.

وعلى صعيد العلاقات مع إيران يتمتع بيرنز بخبرة كبيرة تراكمت لديه من خلال رئاسته للوفد الأمريكي الذي كان يتولى إدارة مفاوضات سرية مع طهران عام 2013 قبل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015. وتكشف قراءة كتاب بيرنز عن دبلوماسية الأبواب الخلفية أنه ينظر للعلاقات الأمريكية – الإيرانية من عدة نوافذ، الأولى هي نافذة الأمن الخليجي، والثانية الأمن النووي العالمي، والثالثة السباق الإستراتيجي بين القوى الرئيسية، والرابعة هي مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بشكل عام. ويميل إلى عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران، حيث صرح أكثر من مرة بأن الولايات المتحدة بانسحابها فإنها “تعزل نفسها بدلا من أن تعزل إيران” . لكن هذا لا يعني أن هذه العودة ستتحقق بسهولة وبسرعة، وإنما ستخضع لاعتبارات كثيرة منها التفاهم مع شركاء الولايات المتحدة، ومع الدول الحليفة في المنطقة ومنها إسرائيل والسعودية والإمارات التي تتخذ موقفا متشددا من إيران.

الدولة الفلسطينية

يتبنى بيرنز رؤية للعمل على تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإن كانت تلك الرؤية عامة وغامضة فيما يتعلق بشروط إقامة الدولة الفلسطينية. وقد انتقد “صفقة القرن” وقال إنها تنحاز للجانب الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية، وتضفي شرعية على كل المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وكذلك على مشاريع التوسع الإسرائيلي في القدس الشرقية، وهو ما يؤدي في رأيه إلى القضاء تماما على حل الدولتين. ومع ذلك فإنه يميل إلى ضرورة الاستمرار في رعاية اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، مع العمل على توسيع نطاقها وضم أطراف جديدة إليها وتعميقها في كل المجالات. ومن المتوقع أن يعمل ويليام بيرنز في حال تأكيد الكونغرس لترشيحه مع قيادات السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومي من أجل فتح طريق لتفاهم جديد بشأن طبيعة الدولة الفلسطينية المقترحة وضرورة تحديد مناطق الاستيطان، بما يسمح للدولة بممارسة سلطة حقيقية بموارد حقيقية لتوفير حياة أفضل للفلسطينيين، واستئناف تمويل الولايات المتحدة لوكالة غوث اللاجئين، وتقديم مساعدات مالية للسلطة الوطنية الفلسطينية.

حقوق الإنسان

بعد أن قامت سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط على مبدأ “أمريكا أولا” فإن الإدارة الجديدة ستحاول تقديم نموذج مختلف يأخذ في الاعتبار القيم الليبرالية والديمقراطية. إذا سارت الأمور على هذا النحو فإن المستبدين الصغار في منطقة الشرق الأوسط سيفقدون عهد السلامة والأمان الذي كان ترامب قد قطعه لهم، بعد أن فشل هو في حماية نفسه من السقوط. وفيما يتعلق بمصر فإن الإدارة الجديدة ستراقب عن قرب طبيعة علاقاتها مع كل من روسيا والصين، ومدى تأثير ذلك على سباق النفوذ الإستراتيجي في المنطقة الممتدة بين شرق البحر المتوسط، والخليج العربي، والقرن الأفريقي. ومن المرجح أن تستخدم الإدارة أسلحة ضغط مختلفة منها إثارة موضوعات تتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان والمساعدات الاقتصادية والعسكرية، لتحقيق غايات تخدم المصالح والقيم الأمريكية في المنطقة. ولا يجب أن نتجاهل قوة الجمهوريين والموالين لإسرائيل في مجلس الشيوخ، وهو ما يعني أن موقف إسرائيل من مصر سيكون أحد العوامل المحددة لدبلوماسية الولايات المتحدة معها.

ترتيب البيت من الداخل

في ممارسته لمهام وظيفته الجديدة سيحتاج بيرنز إلى توفير عدد من الشروط الجوهرية التي تقع خارج نطاق مسؤولياته وتتضمن:

-إستراتيجية جديدة للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية تقطع الصلة مع الإستراتبجية التي صاغ أهدافها ترامب التي تقوم على مبدأ “أمريكا أولا” وكانت تمثل خطوة خارج السياق بالنسبة للسياسات الخارجية والدفاعية والأمن القومي للولايات المتحدة.

-التنسيق إلى أقرب درجة ممكنة مع أجهزة صنع السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومي، ومقاومة إغراء التورط بشكل منفصل في عمليات صنع السياسة الخارجية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تداخل في الوظائف بينه وبين أنتوني بلينكن وزير الخارجية المرشح. وفي هذا السياق فإن من المرجح أن تعتمد العلاقات الأمريكية عبر الأطلنطي على الدبلوماسية المباشرة الذكية بقيادة بلينكن، بينما تعتمد في منطقتي الشرق الأوسط وأوراسيا على الدبلوماسية الخفية، أو دبلوماسية الأبواب الخلفية بقيادة بيرنز.

-الوعي بالقيود التي تحاصر القوة الأمريكية من الخارج، وعوامل الانقسام والضعف في الداخل، التي تقلل من القدرة على ممارسة النفوذ الخارجي. بمعنى آخر فإن الإدارة الجديدة بأكملها ستمارس عملها في مناخ مختلف داخليا وخارجيا عما كان عليه الحال أثناء حكم باراك أوباما قبل أربع سنوات من حكم ترامب.

هذه الاعتبارات تعني أن قدرة الولايات المتحدة على ممارسة نفوذ أكبر على المسرح الدولي ستكون محكومة بمدى قدرة الإدارة على تحقيق إصلاحات داخلية لإزالة الأضرار التي تسبب فيها حكم ترامب. ومن الصعب جدا أن تتمكن الإدارة الديمقراطية من تحقيق تغيير حقيقي على الصعيدين الداخلي والخارجي في فترة رئاسية واحدة، لأن ذلك يتطلب أولا إعادة بناء الثقة بين الناخبين ومؤسسات الدولة، وإعادة الثقة إلى دور الولايات المتحدة في النظام الليبرالي الدولي المتعدد الأطراف. وتتطلب هذه الأولويات تحقيق نجاحات سريعة في مواجهة خمسة تحديات رئيسية عاجلة، هي السيطرة على وباء كوفيد-19 وتحفيز النمو الاقتصادي، وتضييق فجوة التفاوت الاجتماعي التي اتسعت بشدة خلال العام الماضي لتقليل حدة الانقسام الاجتماعي، وتبني سياسة بيئية جديدة، وأخيرا إدراك ضرورة تعزيز النظام الليبرالي الدولي المتعدد الأطراف، وضرورة إصلاح العلاقات مع الحلفاء خصوصا الاتحاد الأوروبي، وعودة الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية ومعاهدة الأمم المتحدة للمناخ ومنظمة اليونسكو والقبول بدور أكبر للصين في النظام العالمي.

—————————-

صورة أمريكا في فريق بايدن الوزاري: القوة في التنوع/ عبد الحميد صيام

نيويورك-“القدس العربي”:  حرص الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منذ بداية حملته الانتخابية وترشحه للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، بالتأكيد على أنه سيكون رئيسا لكل الأمريكيين. وهذا ما أكده مرارا بعد فوزه وفي خطاب التنصيب. وبدأ فور فوزه عملية اختيار كبار المسؤولين لتعكس هذه الحقيقة. ونظرة إلى تشكيلته الوزارية الحالية، من أقر رسميا في مجلسي النواب والشيوخ ومن ينتظر، يرى بشكل جلي نموذجا غير مسبوق في التنوع يعكس كافة أطياف الشعب الأمريكي في صورته الحالية. وإذا ما تم تأكيد جميع المرشحين الذين اختارهم، فإن مجلس الوزراء – بمن فيهم نائب الرئيس ورؤساء 15 إدارة تنفيذية وثمانية مناصب رئيسية أخرى – سيكون الأكثر تنوعًا على الإطلاق.  فمن بينهم ستة أمريكيين من أصل أفريقي وأربعة من أصل لاتيني وثلاثة أمريكيين آسيويين وواحد من السكان الأصليين.

المشكلة التي وقع فيها ترامب، من بين مئات المشاكل الأخرى، أنه نظر إلى أمريكا من عدسة ضيقة لا ترى إلا البيض وخاصة الأغنياء منهم. انحاز إلى العنصرية البغيضة التي تهمش كل من لا ينتمي إلى نفس العرق أو اللون أو الدين الذي ينتمي إليه المسؤول العنصري. أمريكا تتغير، وهو ما لم يدركه ترامب وأتباعه أو لا يريدون أن يقروا به. أمريكا الـ “واسب” (أوروبيون أنغلوساكسون بروتستانت) انهارت أو تكاد. لم يعد هؤلاء يمثلون الغالبية الساحقة من الشعب الأمريكي. نسبتهم تنخفض باستمرار والأقليات بدأت تأخذ حيزها الطبيعي في ألوان الطيف المتحرك أبدا. أمريكا اللون الواحد انتهت وإلى الأبد. وكلما اعترفت النخب السياسية بهذه الحقيقة كلما وفرت جهدا أكبر في تضييق الهوة بين الفئات المختلفة وترميم الانشقاقات التي تركتها إدارة ترامب طولا وعرضا.

سننظر في هذه المراجعة إلى الإدارة الجديدة، أساسا من حيث الشكل، لا من حيث المضمون، والتي يطرحها الرئيس بايدن على الكونغرس لنرى كيف أن هذه التوليفة تختلف عن سوابقها وأنها محاولة جادة لتعكس صورة أمريكا ذات الخلفيات الدينية والعرقية والجنسانية المتنوعة. وتضم هذه التشكيلة 26 حقيبة بين وزير ومنصب برتبة وزير، وتضم تعيينات غير مسبوقة لتمثل، كما قال بايدن، صورة أمريكا الحقيقية كما هي اليوم لا كما هي مستقرة في خيال بعض العنصريين.

في البداية يجب أن نقر أن إدارة بايدن قد حققت سابقة باختيار إمرأة نائبة للرئيس، ليس لأنها أول محاولة لانتخاب إمرأة لأحد منصبي البيت الأبيض، بل لأنها أول إمرأة تفوز بالمنصب فعلا وتصبح أول سيدة تحتل موقع نائب الرئيس. والسابقة الثانية التي تمثلها كمالا هاريس أنها رسميا تصنف على أنها سوداء من جهة وأنها تنتمي للأقليات المهاجرة. فأبوها أسود من جامايكا وأمها هندية. فقد جمعت هذه المزايا ثلاث التي لم تتوفر لغيرها من قبل.

لنراجع بعض التعيينات التي يقترحها بايدن، صدق عليها الكونغرس أو لم يصدق بعد، لنرى كمية هذا التنوع في الاختيار لتشكل بطريقة جمعية صورة أقرب إلى واقع أمريكا الحالي:

    1. الأمريكيون من أصول أفريقية

وزارة الدفاع: إن أرفع منصب يقترحه بايدن ويحظى بتأييد عارم في الكونغرس هو وزير الدفاع الأسود، لويد أوستن، أول وزير دفاع ينتمي للأصول الأفريقية في تاريخ الولايات المتحدة. وقد حصل الجنرال أوستن، البالغ من العمر 67 عاما، والذي تقاعد من الجيش في عام 2016 على إعفاء من الكونغرس بمجلسيه للسماح له بتولي منصب وزير الدفاع، وتم التصويت عليه يوم الجمعة كأول وزير دفاع من أصول أفريقية.   القانون الأمريكي يقتضي مرور سبع سنوات على الضباط خارج الخدمة العسكرية وبعد التقاعد قبل تولي أو الترشح لمناصب سياسية.

ويذكر أن أوستن كان أول قائد أسود للقيادة الأمريكية الوسطى، كما أصبح أول نائب أسود لرئيس هيئة الأركان، وهو ثاني أعلى منصب في الجيش الأمريكي، علما بأن الجنرال كولين باول، وهو أمريكي من اصول أفريقية (والذي أصبح وزيرا للخارجية في عهد جورج بوش الابن) كان رئيسا لهيئة الأركان بين عام 1989 وعام 1993 وقاد حرب “عاصفة الصحراء” ضد العراق عام 1991.

سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة: رشح بايدن ليندا توماس غرينفيلد سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وهي من أصول أفريقية وشغلت عدة مناصب في الخارجية أيام الرئيس أوباما ومتخصصة في الشؤون الأفريقية. وهي إشارة واضحة تؤكد أن الإهمال الذي تعرضت له القارة الأفريقية في عهد ترامب لن يتكرر الآن. عملت توماس غرينفيلد مساعدة لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون أفريقيا في عهد أوباما من عام 2013 حتى عام 2017. وقادت السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء خلال أحداث عصيبة مثل تفشي فيروس إيبولا على نطاق واسع في غرب إفريقيا. غرينفيلد قالت بعد اختيار بايدن لها لهذا المنصب المصنف برتبة وزير:  “إن التحديات التي نواجهها من جائحة عالمية، وأزمة المناخ، والهجرة الجماعية والفقر المدقع، والعدالة الاجتماعية – كلها مشاكل لا هوادة فيها ومترابطة، لكنها قابلة للحل إذا كانت أمريكا تقود الطريق”.

ومن بين المناصب الرفيعة التي أسندت للسود رئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين وأسند للسيدة سيسليا روس، وأسندت رئاسة وكالة حماية البيئة لمايكل ريغان، ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية للسيدة مارسية فج.

    الأمريكيون من أصول لاتينية

أسندت للأمريكيين من أصول لاتينية أربع حقائب مهمة على رأسها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية وكانت من نصيب خافيير بيكارا، ووزارة الأمن الوطني وذهبت لألخاندرو مايوركاس ووزارة التربية والتعليم  للسيد ميغيل كاردونا وإدارة الأعمال الصغيرة  للسيدة إزابيل غوزمان.

    السكان الأصليون

لأول مرة تسند حقيبة مهمة للسكان الأصليين. فقد اختار بايدن لوزارة الداخلية ديب هالاند، وهي أول إمرأة من السكان الأصليين تتبوأ أحد أهم المناصب السيادية.

    4. المرأة

ستكون وزارة بايدن من أكثر الوزارات في تاريخ الولايات المتحدة إنصافا للمرأة. فمن بين  26 منصبا وزاريا هناك 12 سيدة يتبوأن أعلى المناصب الوزارية، إضافة إلى المتحدثة باسم البيت الأبيض، جن بساكي. وللعلم فقد اختار بايدن جميع أعضاء المكتب الإعلامي للبيت الأبيض من النساء وعددهن سبعة، وهذه سابقة لم تحدث من قبل. ومن بين النساء اللواتي يشغلن مناصب سيادية وزيرة الخزانة والإدارة العامة للمخابرات، ومكتب إدالرة الميزانية.

    البيض (بمن فيهم اليهود)

 لا نستطيع أن نصنف أعضاء الوزارة حسب أديانهم فهذا من الممنوعات في النظام الأمريكي ويكون التصنيف حسب الخلفيات العرقية أو اللون. لذلك لا نملك إلا أن نضع هذه الأسماء تحت يافطة البيض إلا أن التعليقات والملاحظات على العدد الكبير من الحقائب ذهبت للبيض من أتباع الدين اليهودي  بشكل لا يتناسب مع عددهم. فوزارة الخارجية ذهبت لأنطوني بلنكن. ووزارة الخزانة لجانيت يلين، وهي أول إمرأة تتبوأ منصب وزارة الخزانة وقد شغلت من قبل رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي السابقة. ووزير العدل ميرك غارلاند، وكبير موظفي البيت الأبيض من نصيب رونالد كلاين، وونائب رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي أيه” عين لها ديفيد كوهن. ووزير العدل ميريك غارلاند، وأفريل هاينس/ مديرة الوكالة الوطنية للاستخبارات، ونائبة وزير الصحة راتشيل ليفين، ورئيس الأمن الوطني؛ أليخاندرو مايوركاس.

    6. المثليون

 لغاية اللحظة لم يعين بايدن شخصا من مجموعة المثليين والمتحولين جنسيا مع أن هناك وظيفتين في البيت الأبيض أسندتا لهذه المجموعة، لكن المجموعة لم تحصل على أي منصب وزاري. وقد أرسل “تجمع المساواة للمثليين والمتحولين جنسيا في الكونغرس” رسالة إلى الرئيس بايدن يذكرونه بضرورة عدم إقصاء هذه المجموعة. وجاء في الرسالة: “بينما تسير إدارتك على الطريق الصحيح لتكون الأكثر تنوعًا في التاريخ الأمريكي، نطلب منك مواصلة التزامك بالتنوع من خلال ضمان تضمين مهنيين من (LGBTQ) في حكومتك وفي جميع أنحاء إدارتك”.

    الأقليات

تضمنت وزارة بايدن والمناصب الرفيعة الأخرى عددا من أبناء الأقليات عدا عن من هم من أصول لاتينية. فقد عين بايدن مديرة للإدارة والميزانية وهي نيرا تاندن (من أصول هندية) كما عين كأثرين تاي ممثلة الولايات المتحدة في التجارة وهي من أصول آسيوية.

كما اختارت إدارة بايدن، ريما دودين، أول امرأة من أصول فلسطينية (الخليل) لتكون نائبة مدير المكتب التشريعي في البيت الأبيض.

تلك هي الصورة عشية بداية طرح المرشحين والمرشحات للتصديق عليهم في الكونغرس. قد نتفق أو نختلف على سياسة بايدن، لكن لا نملك إلا أن نثمن هذا التنويع في توزيع الحقائب على مكونات الطيف الأمريكي الذي بدأ الآن يفتح المجال للأقليات والملونين والمهاجرين وأبنائهم لصناعة المستقبل الجديد لدولة خالية من العنصرية واشرار الحرب وأباطرة المال.

————————–

لويد أوستن وزير دفاع استثنائي قادم من الأقلية الأمريكية-الأفريقية لمواجهة ملفات استثنائية/ حسين مجدوبي

لندن-“القدس العربي”:صادق مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع على تعيين الجنرال المتقاعد لويد أوستن وزيرا للدفاع في حكومة الرئيس الجديد الديمقراطي جو بايدن. وهو أول جنرال ينتمي إلى الأمريكيين من أصل أفريقي. وينتظر مسؤول البنتاغون الجديد الكثير من العمل والتحديات بترميم ما “يعرف بالغرب العسكري” والتخطيط لقوة الردع ضد روسيا والصين علاوة على تطوير الترسانة العسكرية للبلاد.

واستأثر تعيين الجنرال المتقاعد باهتمام الرأي العام الأمريكي والدولي، واعتبر الكثيرون تعيينه تكريما للأقلية السوداء بعد الظلم الذي شعرت به بعد مقتل جورج فلويد في ولاية مينيسوتا على يد الشرطة في جريمة شنعاء، وما ترتب عن ذلك من مواجهات هزت الشارع الأمريكي برمته. وكانت من الأسباب التي ساهمت في تراجع شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب.

في الوقت ذاته، يعتبر هذا التعيين استكمالا لتعيين في آخر منصب لم يتولاه الأمريكيون السود حتى الآن، وهو رئاسة البنتاغون، وذلك بعدما شغلوا مناصب قيادة مثل رئاسة البلاد مع الرئيس باراك أوباما، ومنصب نائب الرئيس مع السياسية الحالية كمالا هاريس ثم منصب وزير الخارجية مع كولن باول ومنصب مستشارة الأمن القومي مع سوزان رايس وكونداليزا رايس. وبالتالي، مزيدا من إدماج للأقلية السوداء في مؤسسات الدولة بحكم أنه أول فرد من الأقلية السوداء يتولى هذا المنصب.

ويواجه وزير الدفاع الجديد تحديات كبرى وأجندة شائكة للغاية. وهذا الجنرال الذي يعد سادس أمريكي من أصل أفريقي يصل إلى مرتبة “جنرال بأربعة نجوم” هو عسكري الميدان، فقد حارب في العراق وأفغانستان، ويدرك جيدا متطلبات الجيش والأمن القومي. واعتاد الجنود الترحيب بوزير دفاع من صفوفهم بدل تولي المدنيين المنصب. وتتجلى الأجندة المستقبلية في النقاط الرئيسية التالية: تعزيز وحدة الجيش الأمريكي وعدم تأثره بالسياسة، إعادة بناء الغرب العسكري، تطوير الترسانة العسكرية الأمريكية وأخيرا الانتشار العسكري في العالم.

وحدة الجيش الأمريكي: مر الجيش الأمريكي بهزات حقيقية خلال إدارة ترامب وعلى رأسها الاحتجاجات التي تلت مقتل جورج فلويد خلال ايار/مايو الماضي ثم معارضة دونالد ترامب لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وعمل ترامب على إحياء تفوق البيض في الولايات المتحدة. وانتبه قادة الجيش إلى خطورة هذا الطرح على صفوف الجنود، مما جعل قادة الجيش سواء قائد القوات العسكرية مارك ميلي أو وزراء دفاع سابقين مثل جيم ماتيس إلى التنديد بسياسة ترامب التي تهدد وحدة البلاد ووحدة المؤسسة العسكرية. وخلال المراسيم التي سبقت تنصيب جو بايدن رئيسا للبلاد، وجهت قياد الجيش نداء إلى وحدة الجيش وعدم الانجرار وراء دعوات التفرقة بل خدمة الشعب الأمريكي. وكان هذا البيان سابقة في الحياة العسكرية بعد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في ستينيات القرن التاسع عشر.

ويمر الجيش الأمريكي من فترة مفصلية الآن، ويرى المختصون في الشؤون العسكرية الأمريكية ضرورة تبني وزير الدفاع الجديد سياسة نضج كبيرة للقضاء على نزعة التفوق العرقي وسط الجيش والذي ساد كثيرا.

بناء وحدة الغرب العسكرية: وعلى شاكلة التصدع الذي تعرض له المجتمع الأمريكي ونسبيا المؤسسة العسكرية، تدهورت العلاقة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية على خلفية مشاريع الدفاع. ويحتاج البنتاغون إلى جهد حقيقي لإعادة بناء هذه الثقة. وتميزت فترة دونالد ترامب بهيمنة تصور يدافع عنه حتى بعض قادة الجيش سابقا يتجلى في إجبار الحكومات الأوروبية على الرفع من ميزانية الدفاع إلى 2 في المئة من الناتج القومي الخام لكي تطور سلاحها وترفع من جاهزيتها العسكرية. كما تميزت بتقرب واشنطن من موسكو والاعتقاد في اعتبارها حليفا ضد الصين مستقبلا. ولم يقبل الأوروبيون نهائيا بهذا التصور، فهم يعانون من الضغط العسكري الروسي ويرون استحالة جلب تعاطف موسكو، ويعتقدون في الوقت ذاته أنه بدل الرفع من ميزانية الدفاع من الأحسن عمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز تصوره للدفاع باستقلالية عن الولايات المتحدة، وهذا يعني بدء تدهور الحلف الأطلسي.

ورغم الترحيب الأوروبي بفوز بايدن، تستمر الأصوات في القارة العجوز في الدفاع عن استقلالية القرار العسكري لاسيما في ظل تغلغل الفكر الترامبي في مؤسسات الدولة الأمريكية واحتمال عودة ترامب سنة 2024 لرئاسة البلاد أو سياسي يتبنى أفكاره. ومن ضمن مخلفات ترامب، قرار الاتحاد الأوروبي تخصيص ميزانية ضخمة للبحث العلمي في مجال الصناعة العسكرية.

تطوير الترسانة العسكرية: تعتبر الولايات المتحدة الأولى عسكريا في العالم بفضل سلاحها النووي وسلاحها غير النووي من حاملات طائرات ومقاتلات وأنظمة صاروخية للاعتراض. لكنها بدأت تفقد الرهان خلال السنوات الأخيرة بفضل القفزة النوعية للصناعة العسكرية الصينية ثم الروسية أساسا. وتفيد عدد من تقارير اللجنة العسكرية في الكونغرس إلى التقدم الذي تحققه الصين وروسيا في مجال الصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الصاروخي ثم المقاتلات الحربية مثل سوخوي 57 الروسية. وكانت مجلة “مليتاري واتش” قد كشفت في عدد من تقاريرها عن القلق الأمريكي. ومن مؤشرات هذا القلق كيف تهدد واشنطن عددا من الدول في حالة اقتنائها سلاحا روسيا متطورا مثل منظومة إس 400 المضادة للطائرات والصواريخ. ويدرك البنتاغون أنه كلما اقتنت دول مثل هذا السلاح يقلص من قوة الردع الأمريكية والغربية بسبب قوته في اعتراض المقاتلات وكذلك الصواريخ. ولهذا، يتوجه البنتاغون إلى تطوير الصناعة العسكرية لتجاوز قوة الصناعة الروسية والصينية سواء لتعزيز قوة الردع أو تحقيق النصر في أي مواجهة. وتشير معطيات الواقع العسكري صعوبة تحقيق واشنطن لهذا الهدف العسكري نظرا للقوة التي اكتسبتها الصناعة العسكرية للبلدين، وكل ما ستحافظ عليه هو نوع من الردع لنفسها ولحلفائها على شاكلة السلاح النووي.

ولعل التحدي الكبير الذي سيواجه الإدارة الجديدة للبنتاغون تحت قيادة وزير الدفاع الجديد هو تطوير القوات الفضائية أو ما يصطلح عليه “عسكرة الفضاء”. وكان الرئيس ترامب قد أعلن إنشاء هذا الفرع العسكري الجديد يوم 29 آب/اغسطس 2019 وقال وقتها “هي لحظة تاريخية، هو يوم تاريخي، يؤكد على أن الفضاء هو مركزي في الأمن الوطني والدفاع عن الولايات المتحدة”. وقوات الفضاء تختلف عن القوات الجوية الكلاسيكية، فمن مهامها حماية الأقمار الاصطناعية من التدمير بعدما اكتسبت الصين وروسيا القدرة على ذلك، ثم التحكم في الفضاء على شاكلة التحكم في المياه الدولية بسبب الأسطول الحربي المكون من مدمرات وحاملات الطائرات ومئات السفن العسكرية الأخرى.

إعادة الانتشار في العالم: تتغير الأجندة العسكرية للقوى الكبرى وفق التغيرات الدولية. وتشهد الآن بداية تغيير حقيقي بسبب عودة روسيا إلى قوتها بعد الانهيار الذي سجلته في أعقاب سقوط جدار برلين وتفكك المعسكر الشرقي، ثم بزوغ نجم الصين خاصة هذه الأخيرة التي تهدف إلى ريادة العالم وإزالة الولايات المتحدة عن العرش. وتعد الصين تحديا عسكريا حقيقيا للبنتاغون بفضل امتلاكها للتطور العسكري الدقيق ثم القوة الاقتصادية لتمويل نفوذها في شتى بقاع العالم. وهذا يترجم عسكريا، بالبحث عن حلفاء وشركاء علاوة على إقامة قواعد عسكرية خارج التراب الصيني. وإقامة بكين لقاعدة عسكرية في القرن الأفريقي ثم المشاركة في مناورات عسكرية في مناطق مثل البحر الأبيض المتوسط وزيارات سلاحها البحري لدول في أمريكا اللاتينية كلها مؤشرات تؤكد نوعية خريطة الطريق التي تتبناها. وتهدف الاستراتيجية العسكرية الأمريكية إلى احتواء أعداء مزعجين مثل إيران وتفادي سقوط دول ذات موقع استراتيجي في فلك الصين وروسيا.

كل هذه الملفات والتحديات هي استثنائية وتصادفت مع وزير دفاع استثنائي القادم لأول مرة من صفوف الأقلية الأمريكية-الأفريقية.

————————

اختبارات إيرانية مبكرة لسياسة بايدن الشرق أوسطية/ إياد أبو شقرا

في مستهل فترة حكم أي إدارة أميركية تكون هناك عادةً فترة تعارف وتلمّس واختبار نيات. غير أن ثمة مَن يرى أن إدارة الرئيس الديمقراطي الجديد جو بايدن ليست بحاجة إلى فترة تعارف، وذلك من واقع مسيرته الطويلة في الشأن السياسي الدولي خصوصاً. من جهة ثانية، فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، بالذات، فإن القوتين الأثقل تأثيراً على أمن المنطقة – وهنا أعني إسرائيل وإيران، من دون إغفال الثقل التركي – ليستا غريبتين إطلاقاً عن أجواء واشنطن.

ولكن، إذا كانت العلاقات الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية أقوى وأمتن من تبدل حكومة هنا وتغير إدارة هناك، فإن إيران نجحت خلال العقود الأخيرة في بناء شبكة علاقات ومصالح عميقة وواسعة. وتمكنّت أذرعها «الأخطبوطية» من التمدد في الداخل الأميركي… من الإعلام إلى شركات النفط، ومن التنظيمات الإسلامية إلى الجماعات التي تصف نفسها بـ«التقدمية»، ومن كراسي الجامعات ومراكز الأبحاث إلى جماعات العلاقات العامة.

عندما كان العالم العربي مطمئناً إلى رومانسية «الصداقات التاريخية» مع أميركا، كان «لوبي» إيران يخدم «نظام الملالي» ويفتح لرجاله الأبواب في ردهات القرار ودهاليز التأثير في واشنطن.

محمد جواد ظريف، وزير خارجية النظام الإيراني، ليس بالضرورة نسخة طبق الأصل عن إبراهيم رئيسي أو قاسم سليماني… لكنه كرّس جهده وعلمه لخدمة «قضيتهما»، وأسهم إسهاماً كبيراً إبان دراسته الجامعية وعمله في الولايات المتحدة في بناء «لوبي» النظام الإيراني الناشط داخل أميركا.

كثيرون من الإيرانيين الأميركيين، مثل البروفسور ولي نصر – ابن البروفسور سيد حسين نصر – والبروفسور محسن ميلاني وغيرهما كثر قد لا يتفقون كلياً مع خزعبلات الغلو الصادرة عن بعض الملالي، أو «العنتريات» الاستفزازية التي يطلقها «جنرالات الحرس الثوري»، إلا أن خيارهم واضح عند المفاضلة بين ضرب طموح إيران الإقليمي أو القبول به. هؤلاء وغيرهم يرون أن إيران في وضع المعتدى عليه، وبالتالي، من حقها الدفاع عن نفسها. كذلك، لا يرون غضاضة في إصرار طهران على «شيطنة» السُّنة العرب… من صدام حسين – بل قبل صدام حسين – إلى حقبة «القاعدة» و«داعش».

ويظهر أنه لفترة طويلة، كانت ولا تزال ثمة قوى متشددة في إسرائيل، وأخرى محسوبة عليها داخل الولايات المتحدة مرتاحة لتصاعد النفوذ الإيراني في واشنطن، لجملة من الأسباب، منها:

– أولاً، العلاقات الإسرائيلية – الإيرانية أيام الشاه، ودور إيران المحوَري في «حلف بغداد» (السنتو لاحقاً)، مع تركيا، وعلاقات الدولتين الدبلوماسية مع إسرائيل.

– ثانياً، أن ثمة عدواً مشتركاً لإسرائيل وإيران هو الدول العربية، وبالذات الأنظمة التي تولت السلطة منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي في كلٍّ من مصر وسوريا والعراق.

– ثالثاً، أنه مهما كانت راديكالية الخطاب السياسي «الثوري» في إيران الخمينية، فإن هذه «الإيران» لا حدود برّية لها مع إسرائيل. وبالتالي، فهي لا تشكل خطراً عسكرياً عليها.

– رابعاً، ولعل هذا هو السبب الأهم، أن النظام الإيراني، بنهجه الميليشياوي المذهبي الفاقع، يخلق حالة انقسام إسلامي وفتنة سنّيّة – شيعية لا تقدّر بثمن في الحسابات الأمنية لليمين الإسرائيلي. وحقاً، بعدما دعم «المحافظون الجدد» في واشنطن – وجلّهم من المقربين لليمين الليكودي الإسرائيلي – غزو العراق عام 2003… سلّمت واشنطن العراق إلى إيران على طبق من ذهب. ولاحقاً، أعلن بول بريمر، رئيس «هيئة الحكم الانتقالي»، بصراحة أنه أنهى قروناً من هيمنة الأقلية السنّيّة على العراق.

– خامساً، بعد 2003 استغلت طهران وحليفها النظام السوري الزّمر السنّيّة «القاعدية» وسهّلت تسللها عبر الحدود السورية – العراقية، من أجل مناوشة القوات الأميركية ودفعها للتعجيل بمغادرة العراق المحتل، وتركه في عهدة ميليشيات إيران وواجهاتها السياسية. وبلغ مخطط «شيطنة» السنّة الذروة فيما بعد باستثمار «داعش» داخل العراق وصولاً إلى تدمير الموصل، ثم في سوريا من أجل إجهاض ثورتها الشعبية السلمية.

طوال هذه المرحلة ما كانت هناك مصلحة حقيقية، لا إسرائيلياً ولا أميركياً في احتواء الطموح الإيراني. بل أثبت ابتكار «الحالة الداعشية» أنه «ضربة معلم» ممتازة، «أقنعت» الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بأن الإيرانيين «ليسوا انتحاريين» مثل السُّنة، وعليه، يمكن التفاهم معهم ولو على دماء السوريين وأشلاء بلدهم. وكما، نتذكر، كانت إدارة أوباما، التي شغل فيها الرئيس الجديد جو بايدن منصب نائب الرئيس، تفاوض الإيرانيين سراً على اتفاق نووي… يتجاهل تماماً طموح طهران السياسي وتوسعها العسكري الميليشياوي في أربع دول عربية.

وحتى، بعد 2016 عندما خسر الديمقراطيون الرئاسة الأميركية، وأنهى دونالد ترمب علاقة واشنطن بالاتفاق النووي الإيراني، لم يتغيّر الواقع على الأرض طوال 4 سنوات. إذ التزم ترمب سحب القوات الأميركية من العراق تاركاً إياه تحت رحمة ميليشيات إيران. وفي سوريا، رأى أن معركته هناك هي ضد «داعش» لا الأسد المدعوم روسياً وإيرانياً. كذلك لم يفعل ترمب شيئاً لإنقاذ لبنان واليمن من احتلالَي «حزب الله» و«الحوثيين».

إذاً، بعد 4 سنوات لم يتغير المشهد الإقليمي، رغم الأمل في أن يكون قد طرأ تغيرّ على فهم واشنطن للتعقيدات في المنطقة. وأيضاً أن تكون إسرائيل قد خرجت من عادة الهروب إلى الإمام بعدما أسقط «حرس إيران الثوري» الحدود معها… ووضعها أمام خيارين: إما حرب تهرب منها إيران ولا تريدها إسرائيل، أو جعل ميليشيات إيران رسمياً «حرس حدود» لإسرائيل بموجب صفقة إقليمية كبرى… لن يدفع ثمنها سوى العرب. الطاقم الذي اختاره بايدن للتعامل مع ملفات الشرق الأوسط موروث من «الحقبة الأوبامية»، وهذا أمر مقلق جداً، ولا سيما بوجود أمثال روبرت مالي. ولكن، في المقابل، ثمة حرص – كما يبدو – على جعل واشنطن شركاءها العرب أطرافاً في أي عملية تفاوضية مع إيران، كما أن التفاوض «العلني» هذه المرة لن يقتصر على التفاصيل النووية التقنية، بل سيشمل المناخات والهواجس السياسية والترسانات التقليدية.

وسط هذا الغموض المبكر، نتفهم «الاختبارات» الإيرانية -وبصورة غير مباشرة، الإسرائيلية- لنيات إدارة بايدن عبر تفجيرات بغداد، والقصف داخل سوريا، والإمعان في تدمير لبنان سياسياً واقتصادياً، والتصعيد الصاروخي الحوثي ضد المملكة العربية السعودية.

الشرق الأوسط

—————————–

أوروبا في زمن بايدن/ حازم صاغية

يقول أحد تعريفات الشعبويّة إنّها دفع السياسة من المركز إلى الأطراف والهوامش، مع تصديع المؤسّسات وإضعاف الثقة بها. انتخاب جو بايدن وتنصيبه ربّما كانا، بهذا المعنى، بداية هزيمة للشعبويّة وبداية إعادة اعتبار للسياسات الديمقراطيّة في الوسط. مما يدفع إلى شيء من التفاؤل بهذه الوجهة، فضلاً عن متانة التقليد المؤسّسي الأميركيّ، أنّ الرئيس الجديد جاء مصحوباً بأكثريّتين ديمقراطيّتين في الكونغرس، وإن كانت أكثريّته ضعيفة في مجلس الشيوخ. يُتوقّع كذلك أن يكون الحزب الجمهوري مضعضعاً ومنقسماً على نفسه بما يعيق قدرته على الفعل والمبادرة في المدى المنظور. ما ذكرته «وول ستريت جورنال» عن تأسيس حزب ترمبي يصبّ في هذه الخانة.

في المقابل، ما يقلّل هذا التفاؤل شعبيّة دونالد ترمب الذي استطاع أن يحصد قرابة 75 مليون صوت في الانتخابات الرئاسيّة، وواقع الانقسام الحادّ الذي ركّز عليه بايدن في خطاب تنصيبه أكثر مما على أي عنوان آخر، ناهيك عن الأوضاع الاقتصاديّة المتردّية بفعل «كورونا»، و«كورونا» نفسها.

يبقى أنّ أي انحسار للشعبويّة، إذا حصل، ستكون أوروبا مرآته الخارجيّة، أكان بسبب ديمقراطيّتها أم بسبب علاقاتها الخاصّة بالولايات المتّحدة. ولأنّ أي انقسام أميركي – أوروبيّ، كما في عهد ترمب أو إبّان حرب العراق في 2003، يُضعف الزخم الديمقراطيّ، فإنّ استعادة العلاقة الخاصّة تقوّيه وتعزّزه.

النافذة الأوروبيّة الأهمّ على الولايات المتّحدة هي حكم بريطانيا. وإذا صحّ أنّ «بريكزيت» قد يصيب دور الوسيط البريطاني مع أوروبا، فالصحيح أيضاً أنّ استعادة العلاقة الخاصّة قد تصيب «بريكزيت».

بريطانيا، وبغضّ النظر عن الدرجة، ستبقى أوّل من يتلقّف التحوّل الأميركيّ، بفعل الشراكة في عدد من التقاليد والتجارب الدستوريّة، ولكون نظاميهما نظامي حزبين اثنين، ونظراً إلى التشابه في مساري الصعود والهبوط اللذين عرفتهما الحركة النقابيّة فيهما بما لها من تأثير على تركيبة أحد الحزبين وتوجّهاته («العمّال» في بريطانيا و«الديمقراطيّ» في أميركا).

هنا، لا بأس بأن نلاحظ درجة التناغم، أقلّه منذ الحرب العالميّة الثانية، حيث تكثر محطّات التقاطع والتأثّر بين المسارين السياسيين للبلدين. على جبهة حزبي «العمّال» و«الديمقراطيّ»، أقام فرانكلين روزفلت «نيو ديل» في الثلاثينات، وأنشأ كليمنت أتلي «دولة الرفاه» في الأربعينات. وإذ ساد العلاقة بين ليندون جونسون وهارولد ويلسون بعض التوتّر، أساساً بسبب حرب فيتنام، فإنّ اهتمام ويلسون بمزاوجة الاشتراكيّة العمّاليّة والتكنولوجيا عبّر عن تأثّره بأميركا، حين كان جونسون يبني «المجتمع العظيم» أواسط الستينات. ومع انحياز «الديمقراطيّ» يساراً مع جورج ماكغفرن وترشّحه الرئاسي في 1972. حصل شيء مماثل في «العمّال» مع قيادة مايكل فوت أوائل الثمانينات، ثمّ في منافسة توني بن لنيل كينوك على قيادة الحزب في أواخر ذاك العقد. وإذ انتقل الحزبان إلى الوسطيّة مع بيل كلينتون وتوني بلير، فقد مالا يساراً مع بيرني ساندرز وجيريمي كوربن.

وعلى جبهة «الجمهوريّ» و«المحافظين»، نجد شيئاً مشابهاً. حكومة ونستون تشرشل الثانية والأخيرة (1951 – 1955) كانت مهجوسة بالتوافق مع دوايت أيزنهاور الذي وصل إلى البيت الأبيض في 1953. واستمرّ فيه حتّى 1961. هذه السياسة استأنفها هارولد ماكميلان الذي شغله محو آثار الخلاف الذي أثارته حرب السويس عام 1956. وبالطبع بات رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر أقرب إلى كليشيه عن التطابق في السياستين الداخليّة والخارجيّة، وهو ما أعيد التذكير به مع ثنائي دونالد ترمب وبوريس جونسون.

ومن يدري، فقد تكون من تأثيرات بايدن وصول القائد الحالي لـ«العمّال»، كير ستارمر، إلى 10 داوننغ ستريت في انتخابات 2024 العامّة، سيّما إذا استمرّت شعبيّة جونسون في التراجع الذي تسبب به تعامله مع «كورونا».

لكنّ انتخاب بايدن ترافق مع حدثين أوروبيين آخرين قد يكونان قليلي الأهميّة بذاتهما: في ألمانيا نجح أرمن لاشيت في تولّي قيادة «الاتّحاد المسيحي الديمقراطيّ» وريثاً للمستشارة أنغيلا ميركل واستمراراً لخطّها، كما رسب في المنافسة المرشّح الشعبوي فريدريش ميرتس. هذا لا يلغي تحدّيات كثيرة ستواجه لاشيت حيال شعبويي حزبه، كما حيال حليفه ماركوس سودر قائد «الاتّحاد المسيحي الاجتماعيّ» في بافاريا، ناهيك عن «حزب البديل».

في إيطاليا، تمكّنت حكومة جيوسيبي كونتي من نيل ثقة مجلس الشيوخ. صحيح أنّ الحكومة تضمّ «حركة النجوم الخمسة» الشعبويّة، إلى جانب «الحزب الديمقراطيّ»، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ المهمّ اليوم، وحتّى إشعار آخر، هو إبقاء «رابطة الشمال» وزعيمها ماتيّو سالفيني خارج الحكم. هذا ما تحقّق.

الإشارات المبعثرة لا تسمح بأي جزم، خصوصاً أن السياسات الاقتصاديّة هي ما سيلعب دور الفصل والتقرير في النهاية. لكنّ المرجّح في مكان آخر من أوروبا، هو وسطها وشرقها، أن تستفيد الحركات الديمقراطيّة المناهضة للشعبويّة من سياسة الضغط المتوقّع على فلاديمير بوتين، وهذه، في أي حال، قصّة أخرى.

الشرق الأوسط

————————

جوزيف بايدن… الرجل العملي/ روبرت فورد

كانت لي محادثات جادة مع نائب الرئيس جوزيف بايدن، أثناء رحلاته إلى بغداد في عام 2009 وأوائل عام 2010، وكنت إلى جواره على مائدة العشاء في كلتا المناسبتين. ولقد أوضحت إحدى الدبلوماسيات من الشباب بالتفصيل أسباب مجادلة بعض السياسيين العراقيين حول مسألة من المسائل. ولقد قاطعها السيد بايدن بعد دقيقة ليقول: «لدي بنفسي، بعض الخبرة في الأمور السياسية».

إنَّ جوزيف بايدن مستمع جيد، غير أنَّه لا يتحمل إلقاء المحاضرات الطويلة الممتدة على مسامعه. فضلاً عمَّا يملكه من خبرات واسعة في المجال السياسي، كانت أولى تجاربه الانتخابية لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1972، عندما كان الرئيس ريتشارد نيكسون حاكماً على البيت الأبيض.

ولم يبرح السيناتور بايدن مقعده في مجلس الشيوخ طيلة 38 عاماً منذ ذلك الحين. ثم هو شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة لثماني سنوات متتالية أخرى. ويشدد السيد بايدن، على العكس من باراك أوباما، على أهمية العلاقات الشخصية بأكثر من الاستناد إلى التحليل المجرد أو الحجج القانونية الرصينة. وهو أكثر الناس شبهاً بالسيد جون كيري، من حيث الحديث بصورة مباشرة من دون مواربة، وأحياناً بدرجة أكثر من اللازم. ويفضل كلا الرجلين مناقشة الأمور السياسية والقضايا ذات الأهمية، ويصيران أكثر حماساً وسروراً مع تعمق المناقشات – وذلك طالما أنهما يشعران أن أطراف المناقشة من الجانب الآخر يكنان نفس قدر الاحترام إليهما.

تشير شخصية السيد بايدن وخبرته السياسية الطويلة إلى أنّه يعرف الكثير من الناس – ولا بد أن هاتفه الخلوي الخاص يحمل أفضل قائمة من الشخصيات المهمة في كافة أرجاء الولايات المتحدة، سيما داخل المعترك السياسي. وهو على معرفة جيدة بقادة الحزب الجمهوري المعارض، وعلى وجه الخصوص السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية الأسبق في مجلس الشيوخ. ويشدد السيد بايدن رفقة المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض السيدة جين ساكي على الوحدة الوطنية في البلاد. وجوزيف بايدن مخلص للغاية في ذلك. ولقد دعا قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي لمرافقته إلى قداس الكنيسة قبل مراسم التنصيب الرسمية في 20 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، ولم يتخلف منهم أحد.

ويعتبر السيد بايدن، على غرار وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، من حيث اهتمامه بالجوانب العملية البراغماتية وتفضيلها على الأطروحات الآيديولوجية. فإنّه سيبحث عن الوسائل المؤدية إلى التسوية والوصول إلى إبرام الصفقات السياسية، كما سيحتاج إلى الاستعانة بهيبته وجاذبيته الشخصية، وإخلاصه الوطني، واستعداده الكبير لعقد المساومات إن كان يرغب حقاً في التعامل والتعاون مع الحزب الجمهوري المعارض الذي ما يزال غاضباً للغاية من نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وإذا ما نجح جوزيف بايدن في ذلك الأمر، ستنشأ جولات بالغة الاحتدام من المفاوضات المكثفة، حول إجراءات الحكومة الأميركية في مواجهة جائحة فيروس «كورونا»، وبشأن مقترح السيد بايدن بإنفاق 1.9 تريليون دولار في مساعدة الأفراد، والشركات، والولايات في مكافحة التداعيات السلبية للوباء الراهن على المجتمع الأميركي. وصرحت السيدة جين ساكي المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض في وقت سابق من الأسبوع الجاري، بأن السيد بايدن يذهب إلى النوم وهو منشغل بالتفكير في كيفية الاستجابة إلى مواجهة الوباء، ثم هو يستيقظ في الصباح وما يزال يفكر في نفس الأمر.

إنني أعرف السيدة ساكي جيداً منذ أن كانت تشغل منصب المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية في وزارة السيد جون كيري، وهي امرأة ذكية، وعلى قدر كبير من الوعي السياسي. فإن صرحت تقول إنَّ الوباء هو جل أولويات السيد جوزيف بايدن، فإنني أثق بقولها تماماً. ومن ثم، ليس من الواضح حتى الآن مقدار الوقت الذي يمضيه الرئيس الجديد بعيداً عن الاجتماعات والمفاوضات بشأن محاولة التغلب على الوباء الراهن، ومن أجل صياغة أجندة السياسات الخارجية لإدارته الجديدة.

يعرف السيد بايدن الكثير من قادة العالم، من الرئيس شي في الصين إلى الرئيس بوتين في روسيا، وأنجيلا ميركل في ألمانيا وحتى جوستين ترودو في كندا. (ومن المثير للاهتمام في السياق نفسه، أنَّه يعرف العديد من العراقيين غير أنَّه لا يعرف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي كان صحافياً، إبان إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما). كانت أولى محادثات جوزيف بادين الخارجية كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، مع السيد جوستين ترودو رئيس الوزراء الكندي. وهذه عبارة عن رسالة مقصودة مفادها أن الولايات المتحدة تطمئن حلفاءها التقليديين إلى أنَّه سيواصل تنسيق التعاون معهم في مواجهة التهديدات المشتركة. وهناك قائمة مطولة من المكالمات الهاتفية التي يجري إعدادها لأجل الرئيس بايدن مع مختلف القادة الأجانب كرئيس جديد للبلاد. غير أنَّ المكالمات مع الحلفاء التقليديين تأتي على رأس الأولويات قبل مهاتفة الخصوم السياسيين من هنا أو هناك. ومن شأن جوزيف بايدن أن يتحدث بصراحة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، لقد اتخذ قراره بإلغاء مشروع خط أنابيب النفط مع كندا الذي كان السيد ترودو يدعمه، ولقد وافق عليه الرئيس الأسبق دونالد ترمب، نظراً لأنَّ الرئيس بايدن يضع الأولوية القصوى للإقلال من الاعتماد على المصادر الهيدروكربونية مع إبطاء التغييرات المناخية.

كما يمنح السيد بايدن، وهو السياسي الديمقراطي التقليدي، أولوية أخرى لملف حقوق الإنسان. ولفريقه موقف مختلف في اليمن، مع محاولة لإعادة النظر في إدراج الحوثيين على قوائم المنظمات الإرهابية من وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو. لكن لا بد أن نتذكر أنَّ جوزيف بايدن رجل براغماتي. إذ تستشعر الإدارة الأميركية الجديدة القلق بشأن إجراءات بومبيو ضد الحوثيين ليس استناداً إلى التعاطف الآيديولوجي معهم، وإنما بسبب أنهم لا يرغبون أن يسفر إدراجهم على قائمة التنظيمات الإرهابية إلى حجب قنوات المساعدات من الوصول إلى أجزاء في اليمن ترزح تحت سيطرة الحوثيين حتى الآن.

ومن شأن السيد بايدن وفريقه الرئاسي أيضاً أن يتوجه بالانتقادات إلى أوضاع حقوق الإنسان في بلدان في الشرق الأوسط وأمور أخرى. وستكون الانتقادات بشأن حقوق الإنسان قوية، وقاسية، وعلنية، لكنها لن تعني أن الحكومة الأميركية الجديدة ستلغي كافة أشكال التعاون والحوار مع البلدان المعنية. وسيستمر السيد بايدن العملي للغاية، في البحث عن سبل التعاون بشأن المصالح المشتركة من شاكلة مكافحة التطرف، وإبطاء التغيرات المناخية، حتى مع البلدان التي ينتقدها بسبب ملفات حقوق الإنسان. ذلك هو أسلوبه وتلك هي شخصيته.

والتساؤل الكبير في هذا السياق، ما إذا كان الأصدقاء والحلفاء القدامى للولايات المتحدة، على استعداد حقيقي لرؤية الولايات المتحدة تستأنف دورها القيادي على الصعيد العالمي من دون أسئلة.

الشرق الأوسط

———————

هل ينتهي شهر العسل بين بايدن وأوروبا أسرع مما بدأ؟ 3 منغصات مصدرها ألمانيا

حالة الارتياح التي سادت جانبي الأطلنطي بعد تولي جو بايدن المسؤولية في البيت الأبيض واختفاء دونالد ترامب من الصورة، يبدو أنها قد لا تستمر طويلاً، وتأتي مؤشرات القلق من ألمانيا، فماذا يحدث هناك وما علاقة الصين وروسيا بالقصة؟

إذ بعد أربع سنوات عجاف شهدت توتراً غير مسبوق في علاقة واشنطن بحلفائها في الاتحاد الأوروبي وشركائها في حلف الناتو خلال رئاسة دونالد ترامب، ما إن أظهرت نتائج الانتخابات الأمريكية فوز جو بايدن وهزيمة ترامب، انهالت رسائل الارتياح من جانب قادة الاتحاد الأوروبي نحو الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، ولم يكن الارتياح من اتجاه واحد، حيث كان الارتياح متبادلاً.

وجاءت اختيارات بايدن لكبار المسؤولين في إدارته من وجوه معروف عنها إيمانها الكبير بالشراكة مع أوروبا لتؤكد أن عهداً جديداً يسوده التعاون والعمل المشترك قد بدأ بالفعل بين شطري الأطلنطي، وهو ما أكده بايدن فعلاً وليس قولاً فقط بإعادته الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية لاغياً قرار ترامب بالانسحاب من تلك المعاهدات الدولية.

رئاسة ترامب شهدت خلافات بين أمريكا وأوروبا /رويترز

لكن ذلك لا ينفي حقائق على الأرض تعكر صفو التعاون المنتظر وتتمثل بالأساس في اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الاتحاد الأوروبي مع الصين والتي كانت برلين القوة الدافعة الرئيسية وراء توقيعها العام الماضي، إضافة إلى خط توصيل الغاز الروسي إلى أوروبا وهو أيضاً يحمل بصمة ألمانية خالصة.

وتعتبر إدارة بايدن الصين وروسيا منافسين بارزين على الساحة الدولية، وتريد إعادة إحياء التحالف الغربي التقليدي في مواجهتهما معاً، وهو ما يعني أن التعاون الأوروبي بقيادة ألمانيا مع بكين وموسكو يمثل عائقاً من السهل التكهن بكيفية تجاوزه كي تستمر رسائل الغرام التي بدأت مع تولي بايدن المسؤولية في البيت الأبيض.

مجلة Foreign Policy الأمريكية رصدت المنغصات لذلك الدفء في العلاقات الأمريكية الأوروبية، واصفة إياها بالماء البارد الذي تسكبه ألمانيا على علاقة الحب بين “بايدن وأوروبا”.

فرحة عارمة بتنصيب بايدن

فبعد أربعة أعوام من العداء الصريح من الرئيس السابق دونالد ترامب مع أوروبا، كان تنصيب جو بايدن خلفاً له إيذاناً ببدء علاقة جديدة عابرة للأطلنطي يسودها الود والتناغم، والارتياح هنا ملموس على الجانب الآخر من الأطلنطي، خاصة في ألمانيا التي وجدت نفسها في مرمى غضب ترامب مراراً.

إذ لاقى انتخاب بايدن ترحيباً فورياً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس فرانك والتر شتاينماير، ووزير الخارجية هايكوماس، ووزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنباور، وكلهم يطرح صفقة جديدة عابرة للأطلنطي.

أنتوني بلينكن، مرشح الرئيس جو بايدن لمنصب وزير الخارجية

وتحسن طالع أوروبا في واشنطن أيضاً، فقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن عن “التحالفات الجوهرية” للولايات المتحدة، وتعهد بالقيادة “بالتواضع”، وأضاف أنه “لا يوجد تحدٍّ نواجهه تقدر عليه دولة بمفردها”. وهذا الكلام يطرب آذان الأوروبيين، ليس فقط في برلين. فإدارة بايدن تستمر في ملء المناصب الخارجية والأمنية بفريق من الخبراء المتمرسين المؤيدين لأوروبا.

3 منغصات مصدرها ألمانيا

لكن هناك علامات لا تخطئها العين في الأفق على مشاكل قادمة، ولا يمكن لإدارة موالية لأوروبا أن تتجاوزها بهذه السهولة. وهذه المشاكل تأتي من ألمانيا. هناك ثلاثة أحداث مثيرة للجدل وقعت منذ انتخاب بايدن تظهر كيف تحاول ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، التوفيق بين غريزته العميقة ببناء علاقات جيدة مع الأصدقاء والخصوم على حدٍ سواء، وبين الحقيقة غيرالمريحة التي تُشير إلى أن الساحة الإستراتيجية قد تجبر ألمانيا على الانحياز أكثر للغرب، وتدفع ثمن ذلك.

أولاً، كانت ألمانيا هي القوة الدافعة تجاه صفقة مثيرة للجدل بين الاتحاد الأوروبي والصين ستصبح على الأرجح مصدراً مستمراً للخلاف بين أمريكا وأوروبا. فقبل نهاية عام 2020، وقع الاتحاد الأوروبي برئاسة ألمانيا وقيادة ميركل نفسها الاتفاقية الشاملة للاستثمار مع الصين، ما أدى إلى غضبة واسعة على جانبي الأطلنطي.

تمويل اقتصاد الصين

ثانياً، انتخاب أرمن لاشيت خليفة لميركل في قيادة الحزب المسيحي الديمقراطي، ما يجعله المرشح الافتراضي لمنصب المستشار في الانتخاب الألمانية سبتمبر/أيلول القادم. وهذا يُشير إلى مصدر آخر للانقسام بين جانبي الأطلنطي. فلاشيت حالياً حاكمٌ بولاية نورث راين وستفاليا، وهو حالياً يخضع للكثير من التمحيص بسبب انصياعه سابقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد.

والمسألة الثالثة ترسم أكثر ملامح النفوذ الروسي فى السياسة الألمانية، وقدرتها على إحداث الفرقة بين ألمانيا وجاراتها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. مانويلا شفيزيغ، حاكمة ولاية مكلنبرغ وسترن بوميرانيا المنتمية إلى الاشتراكيين الديمقراطيين، من المروجين لخط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل، الذي سيجلب الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر ولايتها. وهي تتعرض لضغطٍ شديد لإنها مساهمة في تأسيس مؤسسة بيئية حاصلة على 20 مليون يورو تمويلاً من الشركة المالكة لخط الأنابيب في روسيا، غازبروم.

ومن المغري أن نقرأ كل هذه الحالات باعتبارها تنويعات على موضوع واحدٍ مألوف: القومية الجيواقتصادية في ألمانيا وبحثها المحموم عن المسافة المتساوية بينها وبين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والشرق المتمثل اليوم في روسيا والصين. إنها انتقادات لألمانيا لطالما وجهها باحثون مثل هانز كوندناني، لكن الحقيقة أبسط وأعقد في آن معا.

كما زادت حدة التصورات عن الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ في برلين مؤخراً، ويرجع ذلك أساساً إلى الموقف العالمي العدواني والاستغلالي المتزايد لبكين، بما في ذلك في أوروبا. ومع ذلك، في الوقت الذي يتم فيه الترحيب باتفاقية الاستثمار الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والصين باعتبارها انتصاراً استراتيجياً في بكين، دافع الدبلوماسيون في بروكسل وبرلين عن الاتفاقية باعتبارها تقدماً يدفع الصين إلى التوقيع على مزيد من معايير الشفافية والعمل الدولية، على الرغم من السجل السيئ للبلاد في الوفاء بهذه الالتزامات. ويشير الأوروبيون إلى صفقات مماثلة مع الصين أبرمتها إدارة ترامب ومجموعة من الحكومات الآسيوية، ويقولون إنهم فقط يهيئون ساحة اللعب للشركات الأوروبية للوصول إلى السوق الاستهلاكية الضخمة في الصين.

الصين وروسيا ومستقبل أوروبا

فالقاسم المشترك بين هذه الحالات الثلاث ليس القومية الجيواقتصادية الساخرة ولا السذاجة الاستراتيجية، ولكن للأسف قصر النظر. التظاهر بأن أوروبا والولايات المتحدة من ناحية وروسيا والصين من ناحية أخرى يمكن التعامل معهما على أنها على قدم المساواة والموازنة بينهما، أو أن مشروعات مثل نورد ستريم 2 وصفقات مثل اتفاقية الاستثمار اقتصادية ذات طبيعة متبادلة – بينما هي في الواقع سياسية واستراتيجية ومصممة من جانب موسكو وبكين لتسليح الاعتماد المتبادل – كل هذا يقوض الوحدة الأوروبية والتماسك عبر الأطلنطي، ويؤدي إلى نفور شركاء ألمانيا وحلفائها.

وفي النهاية، هذه أهداف تحرزها ألمانيا في نفسها، وأفعال لا تصب في مصلحة ألمانيا. يعرف قادة ألمانيا هذا، لكنهم يمضون قدماً على أي حال.

ومع ذلك، لم يفت الأوان بعد لتصور سياسة أوروبية أكثر قوة واستراتيجية حقاً تجاه روسيا والصين، تلعب فيها ألمانيا دوراً رئيسياً باعتبارها الاقتصاد المحوري في أوروبا. وقد يدفع وابل النقد الحالي ألمانيا إلى القيام بذلك. مثل هذه السياسة لن تستبعد بأي حال التعاون مع روسيا والصين في القضايا العابرة للحدود مثل الأوبئة أو تغير المناخ. وستقبل الاعتماد المتبادل باعتباره حقيقة جغرافية واقتصادية وتكنولوجية. ومع ذلك، فإنها ستضع التعاون في الحوكمة العالمية والمشاركة الاقتصادية بحزم في سياق التنافس النظامي، وتصر على المعاملة بالمثل والخطوط الحمراء الواضحة، وتمتلك الإرادة لاستخدام النفوذ الاقتصادي والسياسي الكبير لأوروبا على نحو أشد قوة.

وهنا يأتي دور إدارة بايدن، إذ يحتاج الأوروبيون إلى دعم القوة الأمريكية ضد البلطجة الروسية والصينية، وثقة أوروبا في هذا الدعم اهتزت بشدة خلال السنوات الأربع الماضية. وتحتاج الولايات المتحدة بدورها إلى الثقل الدبلوماسي والاقتصادي والتنظيمي للاتحاد الأوروبي. لكن فريق بايدن – رغم أنه ربما يكون الأكثر صداقة مع الاتحاد الأوروبي منذ عقود – منقسم بين المتفائلين والمتشائمين عندما يتعلق الأمر بإمكانية التعاون مع أوروبا، وخاصة فيما يتعلق بهمهم الأكبر، الصين.

—————————–

محاكمة ترامب: هل يتخلى الجمهوريون عنه؟/ هشام ملحم

غادر الرئيس السابق دونالد ترامب البيت الأبيض مرغماً، ولكنه لم يغادر المسرح السياسي. خسارته الدعاوى والطعون بالانتخابات التي رفعها أمام عشرات المحاكم، كانت محرجة. وأحالته على المحاكمة للمرة الثانية في مجلس الشيوخ، كانت مذلة وقوّضت علاقاته ببعض القيادات الجمهورية في الكونغرس. ولكن ضعف ترامب لا يعني أن سيطرته على شريحة كبيرة من الجمهوريين المتشددين قد تبخّرت. ومع الإعلان عن بدء محاكمته في مجلس الشيوخ في التاسع من شباط (فبراير) بتهمة تحريض أنصاره على مهاجمة الكابيتول في السادس من الشهر الجاري، وجد الجمهوريون في مجلس الشيوخ أنفسهم في مواجهة امتحان صعب. هل يتخلّون عن ترامب، ويجازفون في إغضاب القاعدة التي يحتاجونها في الانتخابات المقبلة، أم يتمسكون به مع ما يعنيه ذلك من تسليم ببقائه زعيماً للحزب، وبقائهم في ظله؟ وبقاء ترامب قائداً فعلياً للحزب، بدلاً من قادة الكونغرس، يعني أن الطامحين للترشح لمنصب الرئاسة سوف يضطرون لمواجهته، إذا نفذ إصراره على الترشح للرئاسة مرة ثانية.

هذه الحسابات تفترض أن مجلس الشيوخ لن يجرّم ترامب بتهمة التحريض على اقتحام الكابيتول، كما تفترض إفلاته من القضاء الذي يحقّق بانتهاكاته لقوانين الضرائب وغيرها من التهم، وبخاصة في ولاية نيويورك، كما تفترض عدم إفلاس أو إغلاق نواديه وفنادقه التي تبين التحقيقات أن دخل معظمها قد انحسر كثيراً، وأن مستقبله كرجل أعمال ليس واعداً بعدما أعلنت مؤسسات مالية، ومن أبرزها البنك الألماني Deutsche Bank وقف التعامل مع شركات ترامب. وتصل ديون ترامب المستحقة لهذا البنك الى أكثر من 340 مليون دولار. قرار هذا البنك يمثل نكسة مالية كبيرة لترامب، لأنه كان البنك الوحيد الذي بقي على علاقاته  بترامب بعدما أعلن عن إفلاس يعض شركاته خلال تسعينات القرن الماضي.

وبعد إحالة ترامب على المحاكمة في مجلس الشيوخ، سرّبت مصادر مقربة من السناتور ميتش ماكونال زعيم الجمهوريين في المجلس قوله إنه يريد التخلص من ترامب كقوة سياسية في الحزب، وإن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي في تجريمه في مجلس الشيوخ. وترى هذه المصادر أن ترامب هو في أسوأ وضع له منذ حملته الانتخابية في 2015.

وتجريم ترامب في مجلس الشيوخ يتطلّب تصويت ثلثي الأعضاء على القرار، ما يعني أنه في حال حضور مئة سناتور جلسة التصويت، يجب أن ينضمّ 17 عضواً جمهورياً الى الأعضاء الديموقراطيين الخمسين. ولكن أكثرية الثلثين لا تعني أكثرية جميع أعضاء المجلس، بل أكثرية ثلثي الحضور، ما يعني أن بعض الأعضاء الجمهوريين قد يختارون البقاء خارج المجلس، والمساهمة مساهمةً غير مباشرة في معاقبة ترامب. يذكر أن السناتور مت رومني كان الجمهوري الوحيد الذي تحدّى حزبه وصوّت ضد ترامب عندما حوكم للمرة الأولى العام الماضي.

وذكرت مصادر مطّلعة على المداولات بين الجمهوريين أن هناك شخصيات جمهورية خدمت الرئيس ترامب في السابق، وقيادات حزبية خارج الكونغرس، إضافة الى فئة ثالثة ونافذة جداً، وهي فئة المموّلين الكبار للحزب، جميعهم يضغطون على السناتور ميتشل لقيادة حملة التحلص من ترامب وتحييده سياسياً في المستقبل. ويرى هؤلاء أن مستقبل الحزب، وعدم انقسامه هو في ضمان تخطي حقبة ترامب. ويرى هؤلاء أن توقيت المحاكمة مناسب لتحييد ترامب لأنه معزول في فندقه في ولاية فلوريدا، والأهم من ذلك محروم من الاتصال بأنصاره بعدما قررت شركات الاتصال الاجتماعي، وتحديداً شبكة “تويتر”، تجميد حساباته.

ولكن للتدليل على أن شبح ترامب لا يزال مهيمناً على قيادات الجمهوريين، فإنهم يتفادون الحديث عن ترامب علناً، ويلجأون الى التصريحات الخلفية والتسريبات. الجمهوريون الذين يتحدّثون علناً هم الذين يؤيدون ترامب.

تأتي هذه التطورات بين قيادات الحزب الجمهوري، في الوقت الذي ذكرت فيه تقارير صحافية أن هناك حالة من الإحباط والضياع في أوساط الجماعات المتشددة والمتطرفة، بما في ذلك تلك الميليشيات التي ساهمت باقتحام الكابيتول، بأن ترامب قد تخلى عنها، وأنه لم يحاول حتى مساعدة المعتقلين وإصدار العفو عنهم، واعتبره البعض جباناً، ولا يستحق دعمهم ومجازفتهم بأمنهم من أجله.

الحزب الجمهوري اليوم هو حزب منقسم على بعضه، ويضم شريحة متطرفة وعنصرية بشكل سافر، ولم تكن تجرؤ على التحرك علناً قبل أن يجعلها ترامب مقبولة أكثر ومرحّباً بها تحت خيمة الحزب الجمهوري الضيقة. هناك القيادات التقليدية في مجلسي الكونغرس التي ساومت ترامب كثيراً حين قبلت بسيطرته شبه المطلقة على الحزب وجعله في السنوات الأربع حزب ترامب. هؤلاء يريدون استعادة بعض صدقيتهم. وهناك أيضاً بعض المثقفين المحافظين الذي كانوا في السابق تحت خيمة الحزب، ولكنهم عارضوا ترامب واتخذوا موقفاً رافضاً بالمطلق لكل ما يمثله، وشكلوا في 2019 لجنة سياسية باسم “مشروع لينكولن”، قامت خلال السنة الماضية ببث أفضل الدعايات السياسية المضادة لترامب ولكل النواب والشيوخ المقربين منه.

المعلومات التي رشحت عن التحقيقات في اقتحام الكابيتول تؤكد أن العملية كانت منظمة وإن لم تكن مركزية أو جيدة التنظيم، وأن هناك عناصر تنتمي الى ميليشيات متطرفة وعنصرية شاركت في الاقتحام. هذه التحقيقات سوف تبقي الضغوط السياسية على الحزب الجمهوري، إضافة الى التقارير الصحافية الاستقصائية التي تبيّن كل يوم تقريباً مدى تورط ترامب في محاولة تقويض نتائج الانتخابات. وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن ترامب حاول التخلص من وزير العدل بالوكالة وتعيين بديل له كان مستعداً لتغيير نتائج انتخابات ولاية جورجيا، ولكنه عدل عن ذلك بسبب معارضة كبار الموظفين في الوزارة. ويوم أمس كشفت وزارة العدل عن اعتقال أحد الذين اقتحموا الكابيتول لأنه هدد باغتيال عضوة مجلس النواب الديموقراطية التقدمية ألكسندرا أوكاشيو كورتيز.

سوف تجرى محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ على خلفية هذه التطورات السياسية والميدانية. وسوف يراقب الأميركيون كيف سيتعامل معها الجمهوريون وهل سيصوّتون على تجريم ترامب وتخطي حقبته، أم سيختارون البقاء في ظله، مع ما يعنيه ذلك لحزبهم ولبلدهم.

التهار العربي

——————

اتفاق أطول وأقوى”.. خيارات إدارة بايدن في التعامل مع ملف إيران النووي/ صالح قشطة

خلال حديثه عن ملامح السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة، أكد مرشح البيت الأبيض  لمنصب وزير الخارجية، آنتوني بلينكن، أن إدارة الرئيس، جو بايدن، ستسعى للتوصل إلى اتفاق نووي “أطول وأقوى” مع إيران.

ووصف بلينكن اتفاق 2015 بأنه سيكون “منصة” للانطلاق نحو اتفاق يشمل قضايا أخرى تمتد إلى برنامج إيران الصاروخي ونشاطاتها الخبيثة في المنطقة.

وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، الثلاثاء، قبل يوم من تنصيب بايدن، أضاف بلينكن أن واشنطن لا يزال أمامها “طريق طويل” للتوصل إلى اتفاق مع طهران.

وكان بايدن قد صرح بأنه يرغب بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي أبرمته عام 2015 مع إيران، والذي يضع حدودا لبرنامج طهران النووي، فيما لو عادت الأخيرة للامتثال للاتفاق.

وكانت إيران، من جهتها، قد انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاق النووي تحت ذريعة انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أحادي الجانب، من الاتفاق النووي في 2018.

قيود دائمة

الخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ديفيد بولوك، يشير إلى جوانب “نظرية” كفيلة بأن يصبح الاتفاق النووي مع طهران أكثر قوة، بغض النظر عن مدى واقعيتها أو عمليتها.

وقال بولوك لموقع الحرة “ستكون هناك طريقة واحدة لجعل الاتفاق أقوى، وهي جعله أطول أو قد تكون (وضع) قيود دائمة على برنامج إيران النووي”.

ولفت بولوك إلى أن جعل الاتفاق أقوى يتطلب “الإصرار على جعل القيود أقسى على برنامج إيران النووي”، ويشير، على سبيل المثال، إلى أن القيود قد تكون بشأن “وسائل التكنولوجيا الأخرى المرتبطة بالأسلحة النووية”.

وشدد بولوك على ضرورة “رفع أي محددات زمنية أو ظروف جغرافية، بشأن المواقع التي يمكن للمفتشين الذهاب إليها: المواقع العسكرية، والمواقع غير المعلن عنها”، وأن يكون ذلك “من دون إشعار مسبق. بتفتيش مفاجئ”.

وبحسب بولوك، يمكن “تضمين قضايا هامة أخرى في الاتفاق، إلى جانب البرنامج النووي نفسه؛ الصواريخ الباليستية على سبيل المثال، والتي يفترض أن تحمل ببعض الحالات أسلحة نووية، يمكن تقييدها أو منعها بطريقة ما”.

وأكد أنها “غير مشمولة أبدا في الاتفاق النووي الحالي”.

“جميع هذه القضايا ممكنة، لكن إيران قالت فعلا إنها لن توافق على أي شروط جديدة من ذلك النوع”، قال بولوك.

وتابع أن إدارة بايدن “ستحاول التفاوض، لكنني لا أدري إن كانت إيران تنوي الحديث عن ذلك”.

صداقات واشنطن في المنطقة

ويقول الخبير في مركز الخليج العربي للدراسات، حسين إيبش، في حديث إلى موقع الحرة، إن “من الممكن إقناعهم (الإيرانيين) إذا كانت الشروط صحيحة. أعتقد بأنهم سيعتزمون العودة إلى نوع من الاتفاق الذي قاموا به (سابقا) والذي (تضمن) رفع العقوبات مقابل إرجاء برنامجهم النووي”.

وأضاف “لكن حتى لو رغبوا بالعودة إلى ذات النوع من الترتيبات، أظن أن ذلك سيكون صعبا على صعيدين؛ الأول هو أن إعادة بدء المفاوضات ستكون صعبة، لأنك ستبدأ بشيء كالعودة إلى الامتثال باتفاق خطة العمل المشتركة (السابق)، وسيكون عليك التفاوض حول ما يُشكل (ذلك) الالتزام على الطرفين (..) وأي من العقوبات التي وضعها ترامب سيتم رفعها وأي منها لن تُرفع “.

ولفت إبيش إلى أنه سيتعين على الولايات المتحدة العمل بشكل متوازٍ للتوفيق ما بين توصلها إلى اتفاق نووي مع إيران، وصداقاتها في المنطقة.

“سيكون ذلك صعبا جدا، أعتقد أن أفضل الطرق هو أصعبها، وهي اجتذاب إيران للموافقة على نوع من التفاهم بشأن الصواريخ والجهات الفاعلة (التي تدعمها)”، قال إيبش.

وأضاف “أعتقد أن الممكن هو بناء شيء يشبه اتفاق خطة العمل المشتركة يبدو أكثر شمولية للدول في المنطقة، هم لم يكونوا منخرطين أبدا المرة الماضية، وأظن أن لديهم حاجة للتوثق من أن مصالحهم قائمة دون تجاهلها”.

وبحسب الخبير، فإن “طريقة فعل ذلك ستكون بإنشاء نوع من الإجراءات المتوازية، بما يشمل دول الشرق الأوسط، حيث تتم مشاورتهم باستمرار”.

“الأهم هو أن لا تكون هناك مفاجآت. أعني أن أسوأ شيء بشأن فترة 2014 و2015 هو أن القوى الإقليمية (..) لم تفهم تماما ما الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة”، قال إيبش.

وشدد إيبش على ضرورة أن تفهم دول الخليج العربي وإسرائيل أن الولايات المتحدة لا تتجاهل مصالح أمنهم القومي الأساسية.

الصواريخ البالستية

وتشير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تصر على ضرورة أن تتناول أي صفقة ملف برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعمها للجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط.

ونقلت الصحيفة عن مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد “بروكينغز”، سوزان مالوني، قولها إن إدارة بايدن يتعين عليها البدء بخفض التوترات مع إيران، تجنبا لعقبات عدة في طريقهم نحو التوصل لاتفاق.

“الدخول بمفاوضات معقدة للغاية مع إيران (..) ليس تماما الطريقة التي ستختارها أي إدارة بالفعل لبدء سياستها”، قالت مالوني.

وتتوقع الخبيرة أن تباشر الولايات المتحدة بمد الجسور المباشرة، ولو على مستوى منخفض، لترى أي نوع من الثقة المتبادلة يمكن بناؤها.

وتعتقد مالوني بأن الأشهر الستة المقبلة ستوفر فرصة لاستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق مؤقت يضع إيران بموقع أقرب من الامتثال لالتزاماتها. وفي المقابل، تعود الولايات المتحدة إلى تخفيف بعض العقوبات المنصوص عليها في الصفقة الأصلية على أقل تقدير، بالتزامن مع استمرار عملية دبلوماسية تسمح بمحادثات تتعدى صفقة 2015 وبنودها.

وتنصح مالوني بأن تبدي إدارة بايدن لفتة إنسانية مبكرة إلى طهران، قد تتمثل بالتأسيس لقنوات للوصول “إلى السلع الإنسانية: الأدوية، والأجهزة الطبية، والغذاء”.

وأشار الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مارك دوبويتز، في حديث مع هآرتس إلى ظهور جبهة إقليمية موحدة ضد دخول الولايات المتحدة في صفقة نووية مع إيران.

وشدد دوبويتز على أنه يترتب على الولايات المتحدة أن تستمع إلى تلك الدول الواقعة في مرمة الصواريخ الإيرانية، والأكثر عرضة لتهديدات طهران.

النهار العربي

————————–

مناورة الجمهوريين.. التيار الترامبي يقود المحافظين إلى مواجهة داخلية/ وائل قيس

كان الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب واضحًا في كلمته الأخيرة من البيت الأبيض عندما خاطب مناصريه بالقول: “سنعود بطريقة أو بأخرى”، وضوح أكدته صحيفة واشنطن إكزامينر الأمريكية المحافظة التي نقلت أن ترامب رد بجواب مقتضب على سؤال مرتبط بخططه المستقبلية بالقول أيضًا: “سنفعل شيئًا ما.. لكن ليس الآن”، مضيفة أن أحد مساعديه أخبر الصحيفة المحافظة بأن الرئيس “يحتاج إلى استراحة”.

لا شك أن التصريحات السابقة لترامب تفصح عن تمسكه بموقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2024، على الرغم من اصطدام هذا الموقف بمحاكمة العزل الثانية التي يخضع لها من قبل مجلس الشيوخ بتهمة “تحريض مناصريه” على اقتحام مبنى الكابيتول، وليكون بذلك أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه محاكمة العزل لمرتين خلال فترة ولايته الأولى، ودفع بالجمهوريين للانقسام فيما بينهم بشأن التصويت بالموافقة من عدمها على محاكمة العزل، والتي في حال أقرت ستمنع ترامب من الترشح لولاية ثانية بعد أربعة أعوام.

قاعدة ترامب الشعبية بين الجمهوريين

يعتبر استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة CNN الأمريكية ما بين يومي 9 – 14 كانون الثاني/يناير الجاري –بعد ثلاثة أيام من اقتحام الكابيتول – مؤشرًا لقياس شعبية ترامب بين الجمهوريين أنفسهم، حيث يتضح أن معارضته بين الجمهوريين تتأرجح ما بين 24 – 25 بالمائة كما يظهر الاستطلاع، لكن من اللافت أن 65 بالمائة من الأمريكيين يوافقون على أن الرئيس الديمقراطي جو بايدن حصل على أصواته بطريقة شرعية، ما يدحض مزاعم ترامب المرتبطة “بسرقة الانتخابات”. كما حمّل 55 بالمائة من الأمريكيين ترامب مسؤولية اقتحام الكابيتول.

لكن عند الذهاب إلى آراء الجمهوريين بشأن القضايا الخلافية المرتبطة بترامب بعد اقتحام الكابيتول، نجد أن 10 بالمائة من الجمهوريين يرون بأنه (كان) يجب إقالة ترامب منصبه قبل 20 كانون الثاني/يناير الجاري، في حين وافق 20 بالمائة من الجمهوريين على اعتبار حادثة الاقتحام “أزمة للديمقراطية الأمريكية”، كما يعتقد 58 بالمائة من الجمهوريين أن هناك أدلة على صحة نظرية المؤامرة المرتبطة “بسرقة الأصوات” من الرئيس الجمهوري، والذي يحظى بتأييد 34 بالمائة من الأمريكيين مع نهاية ولايته.

يدل استطلاع الشبكة الأمريكية على وجود انقسام واضح بين الجمهوريين بشأن مستقبل ترامب داخل الحزب المحافظ، فإذا ذهبنا لآراء الديمقراطيين في الاستطلاع نجد أن نسبة توافقهم في الإجابات تزيد في مجملها على 90 بالمائة، وهو ما لا نلمسه كثيرًا عند الجمهوريين الذين عبر 75 بالمائة منهم عن عدم ثقتهم بأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت نتائجها وفقًا لإرادة الأمريكيين.

على الرغم من أن تداعيات اقتحام الكابيتول على الجمهوريين قد تؤدي إلى نتائج سلبية في انتخابات التجديد الصيفي لمجلسي الكابيتول في عام 2022، فإن 13 بالمائة من الحزب المحافظ يوافقون على أن ترامب يتحمّل مسؤولية اقتحام الكابيتول، بينما اعتبر 14 بالمائة أن الجمهوريين في الكابيتول الذين اعترضوا على نتائج الانتخابات الرئاسية يستحقون قدرًا كبيرًا من اللوم، في حين وافق 24 بالمائة من الجمهوريين على أن ترامب غيّر النظام السياسي الأمريكي إلى الأسوأ.

مناورة الجمهوريين

لا شك أن الأرقام التي قدمها استطلاع الشبكة الأمريكية يؤكد على أن ترامب يحظى بنسبة تأييد كبيرة بين الجمهوريين، مما يشير إلى حجم قاعدته الشعبية داخل البيت الجمهوري، والذي يعيش انقسامًا حادًا بشأن مستقبل ترامب السياسي، ما قد ينجم عنه من تداعيات سياسية تؤثر سلبًا على قاعدة الجمهوريين الشعبية على المستوى الوطني.

تشير مجمل التقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى بروز تياريّن رئيسييّن داخل البيت الجمهوري في الوقت الراهن، إذ بينما يسعى التيار الأول بقيادة السيناتور ميتش ماكونيل منع ترامب من الترشح في الانتخابات القادمة، فإن التيار الثاني الموالي لترامب (أو التيار الترامبي) يسعى لمعاقبة الجمهوريين الذين يعارضون أو انقلبوا على الرئيس السابق، مما يدل على أن الجمهوريين يواجهون انقسامات عميقة غير معروفة النتائج حتى الآن.

مخاوف الجمهوريين في هذه القضية تدور في إطار خسارتهم للولايات المتأرجحة في التصويت فضلًا عن أنها حاسمة في نتائج الانتخابات الرئاسية، كما الحال مع ولاية أريزونا الذي وصف التيار الترامبي حاكمها الجمهوري دوغ دوسي بأنه لا يؤيد الرئيس بشكل كافي، أو ولاية جورجيا التي يواجه حاكمها الجمهوري بريان كيمب أيضًا دعوات التيار اليميني داخل الحزب لهزيمته في الانتخابات التمهيدية.

تعكس الحالتان السابقتان نوعًا من القلق يعيشه الجمهوريون، يتزايد في ظل مخاوفهم من ترشح النواب الجمهوريين من التيار اليميني المتطرف– الموالي لترامب– لانتخابات مجلس الشيوخ في الولايات المتأرجحة، ويقفون في مواجهة ماكونيل الذي يقود حملة لمنعهم من الفوز في الانتخابات التمهيدية للولايات عينها، لكن جهوده تبقى معقدة أمام إصرار حلفاء ترامب على إلحاق الأذى بالجمهوريين الذين وقفوا ضده.

في هذا السياق، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اعترافًا من كلا التيارين الجمهورييّن بأنهما يتجهان إلى المواجهة الداخلية، وترتبط المخاوف بشكل أساسي بالحملات الانتخابية للنواب الجمهوريين الذين عارضوا نتائج الانتخابات الرئاسية، إضافةً لنشرهم نظريات المؤامرة في الولايات المتأرجحة، وزاد عليها تعهد ترامب بشن حملة سياسية للانتقام من الجمهوريين الذين صوتوا على صحة الانتخابات، مدفوعًا بقاعدته الشعبية بين الجمهوريين التي ستساعده على جمع ما يكفي من التبرعات ليكون منافسًا لمعارضيه الجمهوريين.

أول مواجهة جمهورية – جمهورية

تصب التوقعات في اتجاه مواجهة الجمهوريين لأول اختبار داخلي خلال الأسابيع إن لم تكن الأيام القادمة، وذلك من خلال محاولة التيار الترامبي تجريد النائبة الجمهورية ليز تشيني من منصبها القيادى كرئيسة للمؤتمر الجمهوري أولًا، ودورها القيادي أيضًا في الكابيتول هيل بصفتها ثالث النواب الجمهوريين ثانيًا، بعدما كانت من بين 10 نواب جمهوريين صوتوا بالموافقة إلى جانب 222 ديمقراطيًا على عزل ترامب في محاكمته الثانية أمام الكابيتول هيل، في مقابل 197 نائبًا جمهوريًا صوتوا بالرفض.

وبحسب مجلة بوليتيكو الأمريكية فإن التيار الترامبي كسب زخمًا كبيرًا بين النواب الجمهوريين، إذ إنه على الرغم من صعوبة تجريد تشيني من منصبها، والتي كان يُنظر إليها سابقًا على أنها مستقبل الحزب الجمهوري، فإن ما لا يقل عن 107 نواب جمهوريين من بين 211 نائبًا جمهوريًا أعربوا عن دعمهم لإزاحة تشيني من دورها القيادي في حال نظم اقتراع سري، فيما هدد آخرون بمقاطعة المؤتمرات المستقبلية للحزب إذا ما بقيت في منصبها القيادي.

ينقل عن التيار الترامبي شعورهم بالإحباط من النائبة المحافظة، إذ وفقًا لما تحدث الجمهوريين في الكابيتول للمجلة الأمريكية فإن الغضب من تشيني يدور في ثلاثة جوانب، الأول تصويتها بالموافقة على عزل ترامب، والثاني إعلانها من التصويت على محاكمة العزل قبل يوم واحد من انعقاد الجلسة، وهو ما منح الديمقراطيين المزيد من الوقت لاستخدام البيان الذي أصدرته في تصريحاتهم لوسائل الإعلام، وأخيرًا ما تسبب بيانها بمنح غطاء للنواب الجمهوريين (تسعة نواب) الذين صوتوا بالموافقة على العزل.

ومنذ الأسبوع الماضي بدأ التيار الترامبي بتوزيع عريضة على النواب الجمهوريين تطالب بعقد اجتماع خاص لمناقشة قرار إزاحة تشيني من دورها القيادي، والتصويت على قرار يطالبها بتقديم استقالتها، وتحتاج العريضة لتوقيع 20 بالمائة أو 43 نائبًا من أجل عقد الاجتماع، لكن يبقى قرار التصويت بحاجة موافقة ثلثي أعضاء المؤتمر الجمهوري لإجرائه فوريًا، وفي حال عدم حصوله على الموافقة يجب أن تذهب العريضة إلى لجنة خاصة من القيادات الجمهورية لإعطاء توصيات إيجابية، مما يسمح بالتصويت على القرار في اقتراع سري قبل انعقاد المؤتمر الجمهوري.

فرصة الجمهوريين لإزاحة ترامب من عالم السياسة

ما كان واضحًا أن تأثير ترامب على سياسة الجمهوريين داخليًا وصلت لدرجة كبيرة، ويبدو أن أهم هذه التأثيرات – الذي مرّ بدون أي ضجة إعلامية – تخلي اللجنة الوطنية في الحزب الجمهوري لأول مرة منذ تأسيسه في عام 1854 عن صياغة برنامج انتخابي لمرشح الحزب لانتخابات الرئاسة الأمريكية، والذي استبدل بإصدار بيان يدعم حملة ترامب لانتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2020.

لكن هذا التأثير يبدو أنه بدأ في طريقه للانهيار، بالأخص بعد إعلان زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ماكونيل إمكانية تصويته على إدانه ترامب، مما يهدد مستقبل نجم برامج تلفزيون الواقع سياسيًا، ويُعرف عن ماكونيل أنه من أكثر الداعمين لترامب حتى ما قبل اقتحام الكابيتول، وقاد جهودًا بين الجمهوريين في محاكمة العزل الأولى، منعت بضعة مشرعين من التصويت بالموافقة على إدانة الرئيس، التي من الصحيح أنها لم تكن ستؤدي إلى عزل ترامب، إلا أنها كانت ستفرض على المحكمة الرضوخ لمطلب الديمقراطيين بالاستماع لشهادة الصقر الجمهوري جون بولتون.

ماكونيل على غير المتوقع هاجم ترامب في تصريحات صحفية قبل أيام محملًا إياه مسؤولية اقتحام الكابيتول، فقد نقل عنه قوله إن: “الحشود الغاضبة شحنت بالأكاذيب، لقد حرضهم الرئيس (ترامب) وأشخاص نافذون آخرون، وحاولوا استخدام الخوف والعنف” لمنع المصادقة على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، في حين أجاب في وقت سابق على سؤال مرتبط بموافقته على إدانه ترامب في مجلس الشيوخ بالقول: “لم أتخذ قرارًا نهائيًا بعد حول كيفية التصويت”، مضيفًا أنه يريد الاستماع للحجج القانونية عند تقديمها لمجلس الشيوخ قبل التصويت عليها.

وحتى لحظة إعداد التقرير عينه، فإن ماكونيل بحسب صحيفة الغارديان البريطانية لم يمارس ضغوطًا على المشرعين الجمهوريين بشأن موقفهم من إدانة ترامب في مجلس الشيوخ، إلا من خلال تقديم بعض النصائح لهم، إضافةً لمطالبته مجلس الشيوخ بتأجيل أول جلسات محاكمة العزل الثانية التي كانت محددة يوم 28 من الشهر الجاري لأسبوعين آخريّن، حتى يتمكن فريق الدفاع عن ترامب الذي يقوده المحامي  المقيم في كارولينا الجنوبية بوتش باورز من إعداد المدافعة عن التهم الموجهة للرئيس  السابق.

وفي وقت سابق من اليوم السبت أعلن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أن موعد الجلسة الأولى لمحاكمة عزل ترامب الثانية حُددت يوم الثامن من شباط/فبراير القادم بعد الاتفاق مع ماكونيل على جدول جلسات المحاكمة، والتي يواجه من ورائها الجمهوريين واحدًا من مجموعة أسئلة يُنظر إليها على أنها مفصلية في تحديد مستقبل السياسية الأمريكية، والطريقة التي ممكن أن تكون عليها الإدارة الديمقراطية بدءًامن صنع سياسات الكابيتول هيل حتى خيارات الناخبين في الانتخابات القادمة.

وقد أعرب عدد من المسؤولين الجمهوريين الكبار عن أملهم بأن تتراجع سيطرة ترامب داخل الحزب بمجرد انتهاء فترة ولايته الأولى، إلا أن هذه الأماني يبدو أنها تبددت بعدما أشار مسؤولون آخرون إلى ضرورة إنهاء نفوذ ترامب داخل الحزب من أجل استعادة مصداقيتهم أمام قاعدتهم الشعبية على المستوى الوطني، ويحتاج الديمقراطيون في الوقت الراهن إلى تصويت 17 مشرعًا جمهوريًا على إدانة ترامب.

في المجلس الحالي، يتقاسم الديمقراطيون مع الجمهوريين مقاعد المجلس مناصفة بنسبة 50 مقعدًا لكل حزب، مع زيادة بمقعد واحد للديمقراطيين الذي ذهب لنائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس التي ترأس المجلس وفقًا للدستور الأمريكي، وفي حال تمكن المجلس من إدانة ترامب بالأغلبية، فإنه يمكنه التصويت كذلك على منع ترامب من تولي أي منصب فيدرالي في المستقبل، وتحظى جهود الديمقراطيين فيما يخص إدانة ترامب بدعم 12 مشرعًا جمهوريًا، فيما قال 23 إنهم لن يصوتوا على قرار الإدانة، ورفض 14 آخرين الإجابة عن ذلك.

الجمهوريون الجدد في الكابيتول

مثّل اقتحام مناصري ترامب للكابيتول مدفوعين بتصريحاته التي استبقت الحادثة بساعات قليلة، واحدًا من التحديات الصعبة التي واجهها النواب الجمهوريون الجدد في بداية حياتهم السياسية، وسيكون لها أثرها السلبي أو الإيجابي على مستقبلهم السياسي في السنوات القادمة إن لم تكن الأشهر القادمة، وبالأخص أن الاقتحام أسفر عن سقوط خمسة أشخاص، بينهم شرطي، وأجمعت الصحافة الأمريكية على وصفها بـ”انقلاب فاشل”.

تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن حادثة الاقتحام أسفرت عن انقسام عميق بين النواب الجدد، مشيرةً إلى مهاجمتهم بعضهم البعض بشكل علني وسري مع التوترات المتزايدة التي يشهدها الحزب، ووفقًا للصحيفة عينها فإن قرابة 12 نائبًا جمهوريًا جديدًا صوتوا ضد الطعون التي قدمها الجمهوريين للاعتراض على نتائج الانتخابات في ولايتي أريزونا وبنسلفانيا، بينما صوت نائب جمهوري جديد فقط على عزل ترامب من منصبه، وبالعموم صوت 139 جمهوريًا إلى جانب 8 جمهوريين من مجلس الشيوخ بالموافقة على الطعون الانتخابية.

يمكن القول إن الفترة الزمنية التي قضاها ترامب داخل البيت الأبيض سيكون لها انعكاسات مجهولة التوقعات على الحياة السياسية الأمريكية، وهو الأمر الذي بدأ يظهر فعليًا على المستوى الداخلي للحزب الجمهوري، قد يجعله يواجه تعقيدات غير معروفة النتائج إذا ما فشل مجلس الشيوخ في إدانته في محاكمة العزل الثانية، والتي وصفها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بأنها “غير دستورية”، وقد تزيد من حالة الانقسام السياسي الذي تشهده الولايات المتحدة.

الواضح من تصريحات ترامب التي وردت في مقدمة التقرير أنه لن يتخلى عن طموحاته السياسية، حتى في حال استطاع الجمهوريين تحجيم نفوذه على المستوى الحزبي إذا ما فشلت محاكمة العزل، فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية مرخرًا، أن ترامب ناقش مع بعض مساعديه بالإضافة لدائرته المقربة فكرة تأسيس حزب جديد باسم “الحزب الوطني/”Patriot Party.

وعلى الرغم من الغموض الذي يسيطر على التصريحات التي نقلها مقربون من ترامب كانوا حاضرين عندما ناقش الفكرة في الأيام الأخيرة من فترة ولايته، فإن ترامب كما يظهر يعتمد على قاعدته الكبيرة من المؤيدين سواء أكانوا جمهوريين أم مستقلين، وبالأخص أن التقارير تتحدث عن مشاركة جمهوريين في السياسة الحزبية بشكل كبير بعد انطلاق حملة ترامب الانتخابية لعام 2016، بينما كانوا قبل انطلاق الحملة غير فاعلين على المستوى الحزبي.

الفكرة لا تبدو غريبة عن ترامب الذي تناقلت تقارير إعلامية سابقًا اتجاهه لتأسيس شبكة تواصل اجتماعي خاصة ردًا على حظره من قبل منصات التواصل الاجتماعية العالمية واسعة الانتشار، كذلك فإن تقارير أخرى كشفت عن رغبة حلفاء ترامب بشراء شبكة الأخبار الأمريكية المحافظة نيوز ماكس لمنافسة شبكة فوكس نيوز الأمريكية المحافظة أيضًا، والتي حمّلت ترامب مسؤولية اقتحام الكابيتول.

وليس غريبًا أن نجد أن التعريف الذي أوردته رابطة مكافحة التشهير الأمريكية لمصطلح Patriot يرتبط بالجماعات اليمينية المتطرفة التي تؤيد ترامب، إذ تُعرف الرابطة كلمة Patriot أو الحركة الوطنية بأنها “مصطلح جماعي يستخدم لوصف مجموعة من الحركات والجماعات المتطرفة ذات الصلة في الولايات المتحدة، والتي تركز في الأيديولوجيا على نظريات المؤامرة المناهضة للحكومة”، مشيرةً إلى أن المجموعة تعتمد على ثلاث حركات أساسية هي: “الميليشيا، حركة السيادة الوطنية، وحركة الاحتجاج الضريبي”.

ولا يبدو أن فكرة ترامب لتأسيس حزب ستكون مجرد رد فعل متسرع على انقلاب الجمهوريين ضده، فقد سجل تأسيس حزب جديد بقيادة ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام التقليدية والمواقع الإلكترونية 131 ألف إشارة ما بين يومي 19 – 20 كانون الثاني/يناير الجاري، في حين حصل حساب باسم الحزب الوطني على منصة تويتر على أكثر من 117 ألف متابع، علمًا أن التقارير تتحدث عن أن ترامب حصل على اسم الحزب من مناصريه عبر الرسائل المؤيدة التي وصلته منذ أسابيع، فضلًا عن أن الحزب الجديد يحظى بدعم شخصيات يمينية متطرفة فاعلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الترا صوت

———————

========================

تحديث 25 كانون الثاني 2021

—————————-

النواب الأميركي يقدم اليوم لائحة اتهام ضد ترامب إلى الشيوخ: هل يحاكم رغم ترك منصبه؟

بينما يستعد مجلس النواب الأميركي، اليوم الاثنين، لتقديم لائحة اتهام بحق الرئيس السابق دونالد ترامب إلى مجلس الشيوخ، الذي تعود إليه صلاحية محاكمته بتهمة “التحريض على التمرد”، يقول عدد متزايد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إنهم يعارضون الإجراء، وهو ما يقلل من فرص إدانة ترامب بتهمة التحريض على اقتحام مبنى  الكابيتول.

ويحمل أعضاء مجلس النواب الديمقراطيون قرار العزل المتضمن تهمة وحيدة متمثلة في “التحريض على التمرد” عبر اقتحام مبنى الكابيتول، في وقت متأخر من مساء يوم الاثنين، في مسيرة نادرة واحتفالية إلى مجلس الشيوخ، بواسطة المدعين الذين سيدافعون عن قضيتهم. وهم يأملون في أن تترجم التنديدات الجمهورية القوية لترامب بعد أعمال الشغب، في 6 يناير/ كانون الثاني، إلى إدانة وتصويت منفصل لمنع ترامب من تولي المنصب مرة أخرى.

لكن بدلاً من ذلك، يبدو أن عواطف الحزب الجمهوري قد خفتت منذ التمرد. والآن بعد انتهاء رئاسة ترامب، يلتف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون الذين سيؤدون دور المحلفين في المحاكمة للدفاع القانوني عنه، تماماً كما فعلوا خلال محاكمة عزله الأولى في العام الماضي.

وقال السيناتور ماركو روبيو، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية فلوريدا: “أعتقد أن المحاكمة غبية، وأعتقد أنها تأتي بنتائج عكسية. في أول فرصة لي للتصويت لإنهاء هذه المحاكمة، سأقوم بذلك”، لأنه يعتقد أن ذلك سيكون سيئاً للبلاد وسيؤجج المزيد من الانقسامات الحزبية.

وكان مجلس النواب قد أطلق إجراء عزل ترامب للمرة الثانية، في خطوة غير مسبوقة بتاريخ الولايات المتحدة، في 13 يناير/كانون الثاني قبل أسبوع من انتهاء ولايته.

وترامب هو أول رئيس سابق يواجه محاكمة عزل، وستختبر المحاكمة سيطرته على الحزب الجمهوري إضافة إلى إرث فترة ولايته، التي انتهت عندما استجاب حشد من المؤيدين لصرخته في مسيرة باقتحام مبنى الكابيتول ومحاولة إلغاء انتخاب جو بايدن.

وستجبر الإجراءات أيضاً الديمقراطيين، الذين لديهم سيطرة كاملة على البيت الأبيض والكونغرس، على موازنة وعدهم بمحاسبة الرئيس السابق بينما يسارعون أيضاً إلى الوفاء بأولويات بايدن.

وستبدأ المرافعات في محاكمة مجلس الشيوخ في الأسبوع الذي يبدأ في الثامن من فبراير/ شباط. واتفق القادة في كلا الحزبين على التأجيل القصير لمنح فريق ترامب والمدعين العامين في مجلس النواب وقتاً للتحضير، ومنح الفرصة أيضاً لمجلس الشيوخ لتأكيد اختيار بعض مرشحي بايدن لمجلس الوزراء.

ويقول الديمقراطيون إن الأيام الإضافية ستسمح بتوفير مزيد من الأدلة حول أعمال الشغب التي قام بها أنصار ترامب، بينما يأمل الجمهوريون في صياغة دفاع موحد عن ترامب.

وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية ديلاور كريس كونز، في مقابلة مع وكالة “أسوشييتد برس”، أمس الأحد، إنه يأمل في أن الوضوح المتزايد بشأن تفاصيل ما حدث في 6 يناير/ كانون الثاني “سيبين لزملائي وللشعب الأميركي أننا بحاجة لبعض المساءلة”.

وتساءل كونز كيف يمكن لزملائه الذين كانوا في مبنى الكابيتول في ذلك اليوم أن يروا التمرد على أنه ليس إلا “انتهاكا مذهلا” لتقاليد النقل السلمي للسلطة.

وتابع كونز: “إنها لحظة حاسمة في التاريخ الأميركي وعلينا أن نتمعن فيها وننظر إليها بجدية”.

وربما لن ينجح التصويت المبكر لرفض المحاكمة، بالنظر إلى أن الديمقراطيين يسيطرون الآن على مجلس الشيوخ. ومع ذلك، تشير المعارضة الجمهورية المتصاعدة إلى أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين سيصوتون في النهاية لتبرئة ترامب. وسيحتاج الديمقراطيون إلى دعم 17 جمهورياً – وهو رقم مرتفع- لإدانته.

وعندما قام مجلس النواب بعزل ترامب في 13 يناير/ كانون الثاني، أي بعد أسبوع بالضبط من الاقتحام، قال السيناتور توم كوتون، وهو جمهوري من أركنساس، إنه لا يعتقد أن مجلس الشيوخ لديه السلطة الدستورية لإدانة ترامب بعد تركه لمنصبه. وقال كوتون، أمس الأحد: “كلما تحدثت مع أعضاء جمهوريين آخرين في مجلس الشيوخ، كلما بدأوا في دعم” تلك الحجة.

وقال كوتون “أعتقد أن الكثير من الأميركيين سيعتقدون أنه من الغريب أن يقضي مجلس الشيوخ وقته في محاولة إدانة وعزل رجل ترك منصبه قبل أسبوع”.

ويرفض الديمقراطيون هذه الحجة، مشيرين إلى قضية مماثلة في عام 1876 لعزل وزير حرب كان قد استقال بالفعل، إضافة لآراء العديد من علماء القانون.

ويقول الديمقراطيون أيضاً إن المحاسبة على الاقتحام الأول لمبنى الكابيتول منذ حرب عام 1812، والذي ارتكبه مثيرو شغب بتحريض من الرئيس الذي قال لهم “قاتلوا مثل الجحيم” ضد نتائج الانتخابات التي كانت تُفرز في ذلك الوقت، أمر ضروري للغاية لكي يمكن للبلد المضي قدماً والتأكد من عدم تكرار مثل هذا الاقتحام مرة أخرى.

واتفق عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري مع الديمقراطيين، وإن لم يكن عددهم قريباً من العدد المطلوب لإدانة ترامب.

وقال السيناتور ميت رومني، وهو من ولاية يوتا، إنه يعتقد أن هناك “رجحاناً في الرأي” بأن محاكمة العزل مناسبة بعد ترك شخص ما لمنصبه.

وتابع رومني: “أعتقد أن ما يُزعم وما رأيناه، وهو تحريض على التمرد، هو جريمة تستوجب العزل. إذا لم يكن كذلك، فماذا يكون؟”.

لكن يبدو أن رومني، الجمهوري الوحيد الذي صوت لإدانة ترامب عندما برأ مجلس الشيوخ الرئيس آنذاك في محاكمة العام الماضي، هو الاستثناء بين الجمهوريين.

(أسوشييتد برس)

العربي الجديد

——————————

ترامب .. الشخص والشبح/ سامح راشد

خرج دونالد ترامب من البيت الأبيض، وهو يلوّح بالعودة إليه. وعلى الرغم من أن اقتحام من وُصفوا بأنصاره مبنى الكونغرس كان نقطة فاصلة ساعدت على إتمام عملية نقل السلطة إلى الرئيس بايدن بسلام، إلا أن عملية الاقتحام ذاتها، وما سبقها من إشارات تحريضية، قام بها ترامب، قبل أن يتراجع ويغيّر خطابه خشية الملاحقة القانونية، كانت كفيلة بإثارة هواجس حقيقية من نياته، ليس شخصاً وحسب، ولكن أيضاً بصفته رأس حربة تلك الظاهرة، أو بالأحرى التيار اليميني المتطرّف الذي بدأ يفرض نفسه فاعلاً مهماً على الساحة الأميركية.

من شأن ذلك التداخل العضوي بين العنصري الشعبوي دونالد ترامب وموجة التطرّف اليميني المتصاعد أن يُكسب إشارات ترامب وتلميحاته، في ساعاته الأخيرة، أهمية كبيرة ودلالات يجب التوقف عندها. فهي إن لم تكن تعني أن ترامب عائد أو لن يغادر الساحة أصلاً، فهي مؤشّر على أن التيار الذي يقوده أو يرمز إليه ترامب، لن يعجز أن يجد قيادة أو رمزاً آخر، يجسّد جموح شريحة معتبرة من المجتمع الأميركي وعنصريتها وتطرّفها.

وإذا كان ترامب قد أخطأ بدفع هؤلاء المتطرّفين إلى الاعتداء على مبنى الكونغرس بشكل همجي أقرب إلى الإرهاب من الاحتجاج، فإن ذلك الانفلات ذاته هو الذي ساعد على تمرير مراسم تنصيب بايدن بسلام، بعد أن تراجع الترامبيون “اليمينيون” خطوةً إلى الوراء أمام انتفاضة الأميركيين الغيورين على ديمقراطيتهم.

كشف تضارب مواقف ترامب وتصريحاته في الساعات الأخيرة لرئاسته المأزق الذي يعانيه، باعتباره رئيساً دعا إلى الفوضى، وحرّض بغرض انتهاك حرمة مقارّ مؤسسات رسمية وكياناتها، ولكونه قائداً أو رمزاً لتوجّه يميني عنصري تنامى بين الأميركيين. لذلك جاءت كلمات ترامب الأخيرة غامضة غير متسقة، وتدعو إلى التساؤل والتفكّر في نياته المستقبلية، خصوصاً في ظل الإحباط الذي أصاب مناصريه بعد تصريحاته الاستدراكية بشأن ضرورة محاسبة أولئك الذين اقتحموا الكونغرس.

حاول ترامب الهروب من تبني موقفٍ واضح، قد يحسب عليه، وقد يستخدم ضده قضائياً، فركز في كلمته الوداعية في قاعدة أندروز الجوية، بعد مغادرته البيت الأبيض، على أنه حقق إنجازات غير مسبوقة، وقطع أشواطاً نحو استعادة “أميركا العظيمة”. وبدا هذا الإصرار المتجدّد على أنه حقق إنجازاتٍ غير مسبوقة، تمهيداً لعودة سياسية لاحقة.

ويتضافر هذا التوقع مع كلمة ترامب التي ألقاها في باحة البيت الأبيض قبل مغادرته، حيث قال مودّعاً الصحافيين: “وداعاً.. آمل ألا يكون طويلاً”، ثم أكد المعنى ذاته في قاعدة أندروز بالقول: “سنعود بشكل أو بآخر”. وكان ترامب قد سجّل كلمة قبل مغادرته بيومين، قال فيها لأنصاره: “لقد بدأنا حركة ستستمر”. ولا تعني هذه الإشارات المتتالية فقط أنه لا يزال غير معترف بالهزيمة، بل الأهم أنها تكشف نيته عدم الخروج من الساحة السياسية، ولا يريد تخييب آمال مؤيديه.

ربما كانت هذه “حلاوة روح” لا أكثر. لكنها في حالة ترامب يجب عدم الاستهانة بها، فقياساً على التشبيه نفسه، قد نفاجأ بأنه “بسبعة أرواح”. لكن الأهم أن ترامب العنيد المراوغ قد يجد في استمرار الوجود السياسي، وإنْ من خارج البيت الأبيض، مخرجاً له ومدخلاً لمواجهة الملاحقات القضائية والإعلامية التي تنتظره، والرد على خصومه، بطريقة أنّ الهجوم أفضل طريقة للدفاع.

لا يعني ذلك أن ترامب سينجح سياسياً، أو لاعباً جديداً في المشهد الأميركي، لكنه سيبقى رمزاً وتجربة تغري مؤيديها بالتكرار. وسيظل ترامب، الشبح والرمز والفكرة، باعثاً لآمال المتطرّفين والعنصريين داخل أميركا وخارجها. وإن كان ترامب “مات” سياسياً، فروحه مُلهمة ومُغذية ليمينية 74 مليون أميركي وتطرّفهم، وسيزيدون. وفي هذا حديث آخر.

العربي الجديد

————————–

الترامبية .. إذا ما تفكّكت المنظومة/ سوسن جميل حسن

الديمقراطية والمواطنة نموذجان يحضران إلى الذهن بمتابعة الأحداث الراهنة في أميركا، وبعد انتهاء عقد على ما سمّي الربيع العربي الذي رفعت فيه الشعوب المنتفضة شعارات عن مفاهيم ومطالب عديدة، أهمّها هذان الشعاران. الهجوم على الكابيتول (مقر الكونغرس)، وقد رصدته الكاميرات، وتابعه العالم مكتوم الأنفاس، وأعمال العنف التي وقعت خلال مدة قصيرة، لا تعادل رمشة عينٍ بالنسبة لأمد العنف في سورية مثلًا، قالت عنها إدارة الرئيس المنتهية ولايته نفسها إنها مستهجنة ومروّعة ومخالفة للقيم الأميركية، ثم توالت الاستقالات في أكثر من موقع ومنصب لمسؤولين فيها، معظمهم تابع له، ثم المطالبة بإدانته وعزله، حتى لو لم يبقَ إلا يوم واحد في ولايته، فهل هذا مؤشّر على خللٍ جسيم في الديمقراطية الأميركية، الديمقراطية الراسخة، وقبلة الحالمين في مشارق الأرض ومغاربها؟ يبدو الحراك الحامي في أميركا في ظاهره دفاعًا عن قيم الديمقراطية، وهو يحصُد تأييدًا ليس فقط من الديمقراطيين، بل من الجمهوريين أيضًا، إن كان على مستوى النخبة أم على مستوى القاعدة، فمن البنود المهمة في الديمقراطية التداول السلمي للسلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وليس العنف والسطو المسلّح. لكن على الرغم من أن صناديق الاقتراع حكمت النتيجة، بعد كل محاولات التشكيك فيها من الرئيس منتهي الصلاحية ترامب، وأكّد القضاء فيها استقلاليته سلطةً، كما يجدر بالديمقراطية أن تكون، إلّا أنه لا يمكن غضّ الطرف عن أن ما يقارب نصف الشعب الأميركي من جمهوره ليس من جمهوره تحديدًا، إنما من أنصار حزبه، وهم عندما انتخبوه انتخبوا مرشّح حزبهم الذي يحقق لهم تطلّعاتهم بشأن القضايا الخلافية التي تصنع الفارق بالنسبة للمواطن الأميركي. وأمام هذه القضية، وما نجم وينجم عنها: أين الخلل؟ ولماذا هذا الصعود اللافت لحركات في جميع أنحاء العالم “الديمقراطي” لحركات وتيارات ما يسمى اليمين المتطرّف أو الشعبوية؟

حركة “كيو أنين” التي باتت أقرب إلى ديانة بالنسبة إلى أتباعها ترفع شعارًا: حيثما نذهب مجتمعين نذهب بكامل زخمنا، والتي من قادتها ذلك الرجل ذو القرنين في الهجوم على الكابيتول الأميركي، مؤشّر على تنامي هذه النزعة. ظهرت الحركة في 2017، يؤمن أتباعها بنظرية المؤامرة، وبأن ترامب يحارب دولةً يحكمها عبدة شياطين، ومتحرّشون بالأطفال، وهم يؤمنون بأن التغير المناخي والجيل الخامس وكورونا أكاذيب، ويؤمنون باقتراب نهاية العالم. وجدت هده الحركة طريقها إلى أوروبا، ويعتبر أتباعها ترامب المخلّص من كل الشرور في العالم. يبلغ عدد متابعي قناتها في ألمانيا 158 ألفًا، بحسب تقرير مصوّر بثّته قناة دوتشه فيليه الألمانية، حيث برز حضورهم في المظاهرات المناهضة لإجراءات الوقاية من كورونا. إيديولوجية هذه الحركة التي يعتبرها بعضهم الأخطر حاليًا تأخذ منحىً أكثر تطرّفًا في ألمانيا، فبعض أتباعها يؤمنون بضرورة تطهير ألمانيا من الدولة العميقة بقوة السلاح، واقتحام مبنى الكابيتول الذي بات يمثل الخطر على الديمقراطيات الغربية، سبقه بأشهر في ألمانيا اقتحام مبنى البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) في شهر أغسطس/ آب من العام المنصرم، ويتساءل التقرير: هل تصبح الترامبية ديانة؟

على الرغم من فجاجته والصدمة التي يحدثها، إلّا أنه سؤال مشروع، فهذه الظاهرة التي يترسّخ حضورها في المشهد العام، ويزداد عدد مؤيّديها والمنتسبين إلى أنشطتها، لا يمكن تجاهلها، خصوصًا بخطابها العنفي الكاره للآخر، كما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ونظيراته، ربما قد يكون ترامب، بما قدّم من كاريزما أربع سنوات، يمثّل الزعيم والقائد والملهم الحالي لموجةٍ من الحراك يزداد صخبها، ويعلو ضجيجها في الغرب الذي يتباهى أكثر ما يتباهي بديمقراطيته، يُضاف إليها الشعور بالظلم والاعتداء الذي يتعرّض له، كما تعرّض في التاريخ كل الأنبياء وأصحاب الدعوات الجديدة من رفضٍ ومحاربةٍ وقتال، لكننا لسنا في عصر الأنبياء، فالعالم اليوم بعد كل إنجازاته العلمية وتقدّمه محصور في عنق زجاجة يخنقه، ويهدّد وجوده كائن مجهري يجيد المناورة والحرب، ويدير معاركه في سباقٍ مع البشرية كلّها، ويتفوق عليه في العولمة، كائن لم يكن معروفًا جنسه قبل أقل من مائة عام. يصفع البشرية المعولمة على خدّها الذي كان يظنه أرباب العولمة والاقتصاد والمال أنه معافى، فإذا به يظهر أكثر ما أعدّوا لها العدّة من نقاط الضعف والخلل العضوي.

بلى، النظام العالمي يعاني من خلل عضوي أكثر ما يشبه الأورام التي تقضم الحياة، فلولا الشعور بانتقاص المواطنة في تلك الدول من وجهة نظرهم التي تستحق الدراسة، لا المحاربة والمحاصرة فقط، لما نمت تلك النزعات المعادية لكل ما لا يشبهها. لا بدّ من الاعتراف بأن العولمة التي جعلت العالم مفتوحًا على بعضه بعضًا، وتحكّم حيتان المال في العالم بمصيره ومصير كل الشعوب، وجعل الفارق فلكيًّا بين طبقة المال والأعمال والأثرياء وبين باقي الشعوب، عمّقت الهوّة بين الشعوب، ليس بينها فحسب، بل حفرت الخنادق، ودقّت الأسافين لدى كل شعبٍ بمفرده، هذا الشعور بالغربة والظلم وعدم القدرة على صياغة الحياة المشتهاة بالنسبة لهؤلاء جعلهم ينشئون جماعتهم ويلوذون بها، ويديرون معاركهم وحروبهم مجتمعين، مثل أي طائفة أو ديانة.

لم تحمِ الديمقراطية المجتمع بالكامل، على الرغم من أنها صارت ثقافة متجذّرة فيها، والدليل الإقبال على صناديق الاقتراع بزخم كبير، باعتباره حقًّا وواجبًا في الوقت نفسه، فأين الخلل؟ هل في المواطنة التي تفتقر إلى العدالة في هذه المجتمعات؟ لا بدّ من أن النموذج صار يعاني من النقصان الذي يجب دراسته وتشخيصه وعلاجه، فالأمر ليس كما جاء في مقالة كتبها ونشرها، في 12 يناير/ كانون الثاني الحالي، المحلل الروسي ألكسندر نازاروف في موقع روسيا اليوم (ويا للعجب): “لكن نخبة الأوليغارشية المتعفنة في الولايات المتحدة تشن حرب عصابات أربع سنوات ضد الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيًّا، والذي يدعمه حتى الآن نصف الشعب الأميركي على الأقل”. وهو يرى في الهجوم على مقر الكونغرس الأميركي “احتجاجات شعبية عارمة”، يستنكر قمعها من “الأوليغارشية”، ويرى أن “حرية التعبير وحقوق الإنسان لم تعد عقبة، وسقطت الأقنعة”، وهذا عجب آخر.

مؤكّد أن الأمر ليس كما يشخصّه المحلل الروسي، روسيا التي تعتبر الاحتجاجات الشعبية في سورية غير محقة، وتدخلت بزخم لإجهاضها بحجّة محاربة الإرهاب، مرتكزة على خبرة يراها المحلل المذكور غير متوفرة لدي النخبة الأميركية: “ومع ذلك، ليس لدى النخبة الأميركية خبرة في حل النزاعات داخل البلاد بخبرتها نفسها في تجربة النزاعات الدولية التي تعوّدت فيها الولايات المتحدة على أكبر قدر من القسوة”.. انتهى الاقتباس المذهل.

هل صحيح أن الرأي الذي طرحه عن الحالة الأميركية الراهنة هو السبب؟ عندما يقول: “ولكن مثلما أصيبت النخبة السوفييتية بخرف الشيخوخة وقت انهيار الاتحاد السوفييتي وتقزّمت، ولم تعد قادرة على الاستجابة بشكل مناسبٍ للتحدّيات، تبدو النخبة الأميركية الحالية مصمّمة على تكرار مراحل الانهيار نفسها”، هذا التشخيص الذي يستدرج نبوءة يبدو أن العقل الروسي اعتاد عليها: “باختصار، ستبدأ حرب أهلية تقليدية، والتي رأيناها في سورية أو ليبيا. بمعنى أدق، سوف تبدأ المرحلة الدموية للحرب الأهلية، بعد أن اندلعت الحرب الأهلية “الدافئة” بالفعل”.

أمام هذه التساؤلات والواقع المتوهج كالجمر، ليس في أميركا وحدها، بل في العالم الذي يهزّ عروشه وقواعده كورونا المستجد والماضي في تحوّره، أخمّن أن صروح الديمقراطية لن تنهار بالكامل، كما يتنبّأ المحلل الروسي، لكن النماذج ستخضع للتعديل، نماذج بعض المفاهيم أو الكثير منها، خصوصًا الديمقراطية والمواطنة. وأمام ضيق الشعوب وتمرّدها على واقعها سوف يغيّر النظام العالمي من سلوكه، وستطرح الحلول نفسها، هذا هو منطق الأشياء. وعلينا، نحن أبناء المناطق المنكوبة المنحوسة، أن نُبقي أعيننا تراقب وتخزّن في أرشيف ذاكرتنا ملامح التجارب في هذا العالم، وأن نعرف كيف نرسم خريطة طريق لمصائرنا.

العربي الجديد

————————

مرحلة الاختبار بين القيادة الأميركية وتعدد الأقطاب/ عبد الوهاب بدرخان

حفلت خطابات الرئيس جو بايدن والأعضاء البارزين في فريقه بالإشارات إلى «عودة» الولايات المتحدة إلى زعامة/ قيادة العالم، ما عنى أن هذه المكانة تعرضت للتراجع في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وكان الأخير قد اعتمد قبل أربعة أعوام وطوال ولايته شعار «أميركا عظيمة مجدداً»، موجّهاً نقداً شديداً لسياسات سلفه باراك أوباما التي اتهمها بالإخلال والفشل في الحفاظ على العظمة الأميركية.

وبعدما أصبحت القوة العظمى الوحيدة، غداة تفكك الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، يتفق مؤرّخون ومحللون عموماً على أن مرحلة أفول الولايات المتحدة بدأت فعلياً في عهد جورج بوش الابن، تحديداً بسبب خوضه حرباً ضرورية، لكن غير مدروسة ضد الإرهاب، وتورّطه في غزوَين واحتلالَين لأفغانستان والعراق.

وفي الأثناء كانت روسيا والصين تراقبان تعثّرات أميركا، وتصطادان في أخطائها، وتوسّعان استقطاباتهما ومصادر قوتهما.

عندما تسلّم أوباما مقاليد السلطة، غداة الأزمة الاقتصادية المالية، كانت الصين قد بلغت مستوى مهمّاً من النفوذ التجاري والمالي حتى داخل أميركا نفسها، وبدأت تترجمه إلى نفوذ سياسي، أما روسيا فكانت تواصل تطوير تسلّحها.

اهتمّ أوباما داخلياً بإعادة الاستقرار إلى الأسواق وتعديل النظام الصحّي، وكان هاجسه الخارجي أن يتجنّب أي حرب جديدة ويخفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في العالم.

وإذ حاول ضبط سباق التسلّح بمعاهدات جديدة مع روسيا، فقد انخرطت إدارته في مفاوضات صعبة وطويلة للحدّ من الاختراق الصيني للاقتصاد الأميركي من دون أن تنجح، إلا أن أزمات أوكرانيا وسوريا وليبيا كانت عناوين فاشلة في سياسته، لذا اعتبر أن إرثه الوحيد يتمثّل بالاتفاق النووي مع إيران.

لكن هذا الإرث وغيره تعرّض لنقض جراحي من جانب خلفه ترامب، الذي انطلق عهده واستمرّ عملياً بمهادنة لروسيا لم ترتقِ إلى وفاق معها بسبب ما قيل إنه تدخّلات سيبرانية لا تزال أشباحها مهيمنةً على السياسة الأميركية.

واستخدم ترامب سلاح العقوبات والضرائب ضد الصين، لكن لحظة حصوله على اتفاق تجاري مناسب معها توازت مع بداية تفشي وباء كورونا، ومذّاك لم تفسد العلاقة مع بكين فحسب، بل شهدت تصعيداً ينذر بمواجهة عسكرية في بحر الصين. غير أن ترامب أشار يوم انتهاء ولايته إلى أنه سيُذكر لاحقاً كرئيس لم يورّط أميركا في أي حرب.

هذا صحيح ظاهرياً، لكن نُذر المواجهة وأسبابها تبقى ماثلةً في عهد بايدن، إذ كان لافتاً في شهادة وزير خارجيته أنتوني بلينكن أمام اللجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، أنه أيّد بلا تحفظ سياسة ترامب حيال الصين، ولم يكن داعية انفتاح على روسيا أو وفاق معها.

تبدو الإدارة الجديدة موقنةً بأن العالم أصبح في خضم حرب باردة جديدة، وأن ترامب كان يتجاهلها بحثاً عن اتفاقات تجارية، لكن لا بدّ لأميركا من خوضها بجوانبها كافةً، خصوصاً الجيوسياسية والعسكرية، سواء لتوطيد زعامتها أو لتعزيز شبكة التحالفات التي بنتها على مرّ العقود الماضية، لكنها اختلّت في الأعوام الأخيرة.

سيكون هناك مزيج من سياسات أميركية قديمة وجديدة في الاختبار المقبل للقيادة الأميركية العائدة والقطبين الروسي والصيني اللذين أحرزا اختراقات دولية يتمسّكان بها ويريدان توسيعها.

وفي هذا السباق (الصراع) سيكون لوباء «كورونا»، بمثابة «قطب» آخر، دورٌ يلعبه أيضاً بعدما أصبحت اللقاحات وسيلة أخرى لممارسة النفوذ الاستراتيجي.

* عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني

المصدر | الاتحاد

——————————

بايدن والعقيدة الاستراتيجية الأميركية/ السيد ولد أباه

بتولي جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية يتجدد الحوار الفكري والسياسي على نطاق واسع حول قدرة الرئيس الجديد على إعادة الوضع السياسي إلى توازناته ومحدداته التقليدية، بحيث تكون حقبة الرئيس السابق ترامب مجرد قوس عابر في المسار السياسي الأميركي الحديث.

صحيح أن المستجدات الأخيرة أظهرت فروقاً حقيقية بين الظاهرة الترامبية وتركيبة الحزب الجمهوري الذي تخلت العديد من قياداته البارزة عن الرئيس المنتهية ولايته بعد أحداث «الكابيتول» المثيرة.

كما أن الرئيس بايدن لا يمثل الاتجاهات الجديدة في الحزب الديمقراطي، في مكوناته اليسارية الراديكالية ومجموعات الأقليات الصاعدة في صفوفه، بل هو أقرب لخط الوسط الليبرالي المعتدل، ومن ثم لن يجد صعوبةً في التوافق مع البرلمانيين «الجمهوريين» الذين يسيطرون على نصف مقاعد مجلس الشيوخ.

إلا أن ما كشفت عنه الظاهرة الترامبية هو ما لاحظه الجميع من تصدعات وانشقاقات عميقة في الخريطة الاجتماعية والسياسية الأميركية، وما يهمنا هنا هو أثر هذه الظاهرة على طبيعة الرؤية الاستراتيجية الأميركية التي تعرضت لهزة قوية خلال السنوات الأربع الماضية.

ما نعنيه هنا بالرؤية الاستراتيجية الأميركية هو العقيدة التي تشكلت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أساس الربط العضوي بين طبيعة النموذج الليبرالي الداخلي والمصالح الحيوية الخارجية، بما انجرَّ عنه خيار النظام الليبرالي الدولي الذي كانت الولايات المتحدة القوة الفاعلة في بلورته وتقنينه.

وعلى الرغم من التباين المعروف بين الاتجاهين الانعزالي الانكفائي والاتجاه التدخلي الأممي، فإن التشبث بنموذج النظام الليبرالي العالمي ظل طيلة العقود الست الأخيرة مسلمةً مشتركةً بين مختلف مدارس الفكر الاستراتيجي الأميركي.

والسؤال المطروح اليوم هو: هل سيتمكن الرئيس الجديد بايدن من تنشيط هذا النموذج واستعادة زخمه وفاعليته بعد سنوات ترامب المضطربة؟

يعالج «هال برانديز»، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، هذا السؤال في مقالة هامة بـ«فورين آفيرز» (20 يناير 2021) تحت عنوان «الفرصة الأخيرة للأممية الأميركية».

وخلاصة الرأي الذي يدافع عنه برانديز هو أن التحدي الكبير الذي تواجهه الإدارة الجديدة هو إعادة بناء وتصور المنظور الليبرالي الدولي الذي هو جوهر العقيدة الاستراتيجية الأميركية التقليدية بمعالجة الاختلالات التي كشفت عنها المقاربة الوطنية غير الليبرالية التي اعتمدها ترامب في سعيه الواضح لتقويض أسس مرتكزات النظام الدولي القائم.

لقد أثبتت تجربة ترامب أن الخطاب القومي المناوئ للقيم الليبرالية لم يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً ورفاهيةً، ولم يفض إلى التغلب على خصومها الخارجيين، بل أضعفَ قدرتَها على التأثير الدولي حتى في حزامها الجيوسياسي المباشر.

ما يتضح من تصريحات الرئيس بايدن، خلال حملته الانتخابية وبعد اعتلائه مركز السلطة، هو أنه عازم على إحياء العقيدة الاستراتيجية الليبرالية الأميركية في مرتكزاتها الأربع الأساسية:

– العودة القوية للمؤسسات الدولية وتنشيط الدور الأميركي المحوري فيها،

– إحياء وتفعيل دوائر التحالف التقليدي بين الولايات المتحدة وشركائها الخارجيين وفي مقدمتهم أوروبا الغربية والحلف الأطلسي،

– الدفاع عن قيم حقوق الإنسان والديمقراطية خارج حدود الولايات المتحدة،

– مواجهة الخصوم الأيديولوجيين والاستراتيجيين التقليديين للولايات المتحدة وبصفة خاصة الصين وروسيا.

وقد لا تكون هذه التوجهات موضع خلاف كبير بين القوى السياسية الأميركية، بما فيها الجناح الليبرالي المحافظ في الحزب الجمهوري الذي لا يزال الطرف الأقوى في الحزب، إلا أن الحقبة الترامبية نبّهت إلى خلل مضاعف في هذه التوجهات قد يكون من الضروري اعتباره في أي مقاربة جديدة للأممية الليبرالية.

إن هذا الخلل المزدوج يتعلق بتركيبة النظام الدولي نفسه الذي لم يعد محكوماً بالتوازنات الموروثة عن الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي تلتها. فمن الواضح أن الانفصام تزايد بوتيرة متسارعة بين المحددات الاقتصادية في النظام الليبرالي ومحدداته السياسية، أي بين الديناميكية الرأسمالية والديمقراطية التعددية.

فإذا كانت العولمة الرأسمالية وحدت السوق الدولية وقضت على معادلة الاستقطاب السابقة، فإنها عمّقت الشروخ داخل المنظومة الرأسمالية، وأصبحت آليات التجارة الحرة والتنافسية الإنتاجية في صالح القوى الرأسمالية غير الغربية (مثل الصين والهند).

كما أن الشرخ ذاته تفاقم داخل المنظومة الديمقراطية ببروز خلافات عميقة بين الديمقراطيات الليبرالية الكلاسيكية والديمقراطيات الشعبوية المناوئة للقيم الليبرالية التي تنتمي إليها الترامبية والعديد من التجارب المماثلة في شرق أوروبا ووسطها.

وهكذا يصبح السؤال العصي هو: كيف يمكن إحياء وتنشيط العقيدة الاستراتيجية الأميركية وتجديد بنائها الأيديولوجي، في الوقت الذي لم تعد فيه الولايات المتحدة مؤهلة لقيادة نظام عالمي لا تتحكم في مركزه الاقتصادي ولا في بنياته الأيديولوجية والسياسية؟

* د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

—————————

بايدن وطهران ..المهمة أشدّ تعقيداً/ عريب الرنتاوي

الشهادات التي أدلى بها المرشحون لتولي حقائب الخارجية والدفاع والاستخبارات في إدارة بايدن أمام الكونغرس، كانت كافية لإعطاء فكرة عن النهج الذي سيعتمده الرئيس الأمريكي مع إيران، والتي يعتقد بحق، أنها واحدة من أولى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، بعد الصين وروسيا وترميم العلاقات على ضفتي الأطلسي.

وثمة «خيط ناظم» لا يصعب تتبعه في الشهادات الثلاث، ويمتد إلى:

(1) إيران هي التهديد الأخطر لمصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة.

(2) لا عودة تلقائية للاتفاق النووي، بعد أن جرت «مياه ثقيلة» كثيرة في أجهزة الطرد المركزي، مذ أن انسحبت واشنطن من هذا الاتفاق.

(3) برنامج إيران الصاروخي، سيكون محوراً للتفاوض اللاحق مع طهران.

(4) دور إيران «المزعزع للاستقرار» في الإقليم، هو محور آخر، سيقرر شكل ومستوى العلاقات بين الجانبين.

تصطدم هذه الخطوط العريضة لموقف الإدارة الجديدة، مع المصالح الأعرض لإيران، وتتناقض مع جملة المواقف المعلنة التي ما انفك الإصلاحيون والمحافظون في طهران، عن ترديدها، مذ أن لاحت في أفق السياسة الأمريكية، بوادر انتقال السلطة من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن.

طهران تتنظر كشرط مسبق، لعودة المفاوضات مع واشنطن، إقدام الأخيرة على رفع العقوبات التي فرضها ترامب من جانب واحد، وهي مستعدة لمقابلة كل التزام أمريكي بالاتفاق بالتزام إيراني مماثل.

هذه العملية لن تحدث فوراً ولن تحدث تلقائياً. سيكون من المجدي للجميع اتخاذ جملة من إجراءات بناء الثقة، التي تمهد لتسوية القضايا الخلافية العالقة.

في هذا السياق، قد تقدم إدارة بايدن على رفع بعض العقوبات، أقله من باب «إنساني – وبائي»، لكنها لن تكون خطوات كافية لدفع طهران للتراجع عن «خروقاتها» للاتفاق النووي، عملاً بقرار مجلس الشورى إثر اغتيال قاسم سليماني ورداً عليه: تخصيب بنسبة 20 بالمئة، وإنتاج لليورانيوم…

يصعب انتظار خطوات بناء ثقة من الجانب الإيراني، أقله حتى الصيف القادم، فالبلاد تنتظرها انتخابات رئاسية حاسمة، والصراع محتدم بين أجنحة السلطة وتياراتها، ومن غير المتوقع أن يقدّم أي فريق «هدايا مجانية» للفريق الآخر.

وقد يزداد المشهد تعقيداً، إن استمرت طهران، من خلال وكلائها في العراق، في استهداف القوات الأمريكية المرابطة هناك، عملاً بما يقال إنه قرار للبرلمان العراقي بإخراج القوات الأمريكية من العراق ثأراً لاغتيال سليماني والمهندس، عندها لن تقف إدارة بايدن مكتوفة الأيدي، ولن ترضخ لما يمكن اعتباره «ابتزازاً» إيرانياً…

وقد تعمد إسرائيل إلى «صب مزيد من الزيت الحار» على جمر الخلافات بين طهران وواشنطن، من خلال تكثيف عملياتها الاستخبارية – السيبرانية في إيران، أو استهداف موقع الحرس الثوري وحلفائه في سوريا والعراق، مما يزيد من «انعدام الثقة» ويسهم في توسيع شقة الخلاف بين الجانبين.

السياسة الداخلية الإيرانية، قد تفضي إلى تأخير «فتح الملف الإيراني» بمختلف صفحاته للبحث والحوار والتفاوض…فيما ستواجه واشنطن مطالب و«شروطا»، بل و«محاولات توريط»، من قبل حلفائها في المنطقة، للتشدد في صياغة اتفاق جديد مع إيران، يشتمل على برنامجيها النووي والصاروخي ودورها الإقليمي.

في مطلق الأحوال، لن تكون إدارة بايدن، جاهزة للقيام بأدوار فعّالة في منطقتنا حتى الصيف القادم، لديها من هموم الداخل وتحدياته، ما قد يستغرق ردحا من الوقت وقدراً كبيراً من الجهد…

وفي منطقتنا، ثمة سلسلة من الاستحقاقات التي سيتعين انتظار نتائجها: انتخابات أواخر آذار في إسرائيل، وانتخابات حزيران في إيران، وبينهما انتخابات تشريعية ورئاسية، يجري العمل لضمان أن تكون «بلا مفاجآت» في فلسطين بين مايو ويوليو..

ما يعني أن النصف الثاني من العام الحالي، هو الوقت الذي قد تتضح فيه مفاعيل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وتتظهّر خلاله، التوجهات الجديدة لإدارة بايدن وسياساتها في الإقليم.

* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني

المصدر | الدستور

—————————-

العلاقات الصينية الأميركية تفتتح فصلاً جديداً يتّسم بالاستقرار/ معن البرازي

من المحتمل أن تبدأ العلاقات الصينية الأميركية فصلاً جديداً يتّسم بمزيد من الاستقرار والبناء بعد دخول جو بايدن الى البيت الأبيض، حيث يبدو الرئيس الأميركي الجديد أكثر واقعية في ملف النزاعات الدولية وحول قضايا، من بينها التجارة وحقوق الإنسان. وأعلنت بورصة نيويورك أنها لم تعد تخطط لشطب ثلاث شركات اتصالات صينية عملاقة، تشاينا تليكوم وتشاينا موبايل وتشاينا يونيكوم. وجاء التخطيط في الأصل في ما يتعلق بالشطب من أجل تنفيذ قرار وقّع عليه الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. كما اتخذ عمالقة مؤشرات الأسهم الرئيسية مثل MSCI و S&P Dow Jones Indices و FTSE Russell إضافة إلى تطبيق التداول الشهير Robinhood خطوات مماثلة لتنفيذ الأمر.

وقالت وزارة التجارة الصينية إنها ستتخذ “الإجراءات الضرورية” لحماية مصالح شركاتها بعدما بدأت بورصة نيويورك إلغاء إدراج ثلاث شركات اتصالات صينية تقول واشنطن إن لها علاقات عسكرية. وقالت بورصة نيويورك، الخميس الماضي، إنها ستلغي إدراج الأوراق المالية لشركات تشاينا تليكوم وتشاينا موبايل وتشاينا يونيكوم، بعد تحرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنع الاستثمارات الأميركية في 31 شركة تقول واشنطن إن الجيش الصيني يملكها أو يتحكم فيها.

وقد أدى بايدن البالغ من 78 عاماً اليمين الدستورية، الأربعاء الماضي، كرئيس للولايات المتحدة، بحضور ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين، ولكن ليس سلف بايدن، دونالد ترامب. وأشاد ترامب، في كلمة وداع يوم الأربعاء الماضي أيضاً، بإرثه وتمنى الحظ للإدارة المقبلة من دون ذكر اسم بايدن. إن انتقال السلطة، والإشارات التي أرسلها بايدن وفريقه مؤخراً، تمكن المحللين من القول إن هناك سبباً للأمل في حدوث تغييرات إيجابية في العلاقة بين الصين والولايات المتحدة. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الأميركي بنسبة 4.3 في المئة عام 2020. وذكرت أرقام وزارة العمل الأميركية أن عدد العمال الأميركيين الذين تقدموا للحصول على طلبات البطالة الأسبوع الماضى، سجل أكبر مكسب أسبوعي منذ انتشار الوباء فى آذار (مارس) 2020.

وفي أسابيعها الأخيرة، قبل تولي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن منصبه في 20 كانون الثاني (يناير)، صعّدت إدارة ترامب من موقفها الصارم تجاه الصين. وشهدت العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم توتراً متزايداً وسط سلسلة من النزاعات حول قضايا، من بينها التجارة وحقوق الإنسان.

وأدرجت وزارة التجارة الأميركية عشرات الشركات الصينية إلى قائمتها السوداء التجارية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، متهمة بكين باستغلال شركاتها لتسخير مصادر التكنولوجيا المدنية للأغراض العسكرية. وعبر دبلوماسيون صينيون عن أملهم أن يسهم انتخاب بايدن في تخفيف التوتر بين البلدين.

وفي تراجع مفاجئ، قالت بورصة نيويورك إنها لم تعد تنوي شطب شركات الاتصالات الصينية الثلاث بعدما أجرت مزيداً من المشاورات مع الجهات الرقابية المعنية. وقال مصدر لـ”رويترز” إن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيسة سوق نيويورك للأوراق المالية ستاسي كانينغهام ليبلغها بمعارضته لقرار البورصة التراجع عن شطب ثلاث شركات صينية للاتصالات. وخطط شطب شركات تشاينا موبايل وتشاينا يونيكوم وتشاينا تليكوم كان الدافع اليها أمر تنفيذي للبيت الأبيض يحظر الاستثمارات الأميركية في شركات صينية لها صلات عسكرية.

وقال الباحث في المعهد الوطني للاستراتيجية الدولية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، شو ليبينغ، إن ترامب دفع العلاقة بين الصين والولايات المتحدة إلى وضع خاسر. وحتى في الشهر الأخير من ولايته، أصدر ترامب سياسات راديكالية تستهدف الصين لا تتماشى حتى مع المصالح العامة للولايات المتحدة.

أضاف “من المرجح أن يصحح بايدن هذه السياسات، ما يدفع العلاقات الثنائية في اتجاه أكثر عقلانية. وفيما ستستمر المنافسة بين البلدين، ستكون هناك حاجة أيضاً إلى التعاون في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك التجارة وتغيّر المناخ”. وقال شو إنه يتعين على إدارة بايدن استعادة قنوات الاتصال مع الصين واستئناف المفاوضات حول القضايا الاقتصادية والتجارية الثنائية والحد من الصراعات وتعزيز التعاون فى التعامل مع القضايا العالمية.

وقال دياو دامينغ، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في جامعة رنمين الصينية، إن بايدن، بوصفه سياسياً متمرساً، شهد صعوداً وهبوطاً في العلاقات الصينية الأميركية على مدى العقود القليلة الماضية. “كان موقف بايدن العام تجاه الصين عملياً وعقلانياً، ما يعني أن التعاون في المجالات ذات المنافع المتبادلة، مثل التبادلات بين الشعبين والتعاون التجاري، من المرجح أن يتعافى”. بيد أن دياو قال إن الولايات المتحدة تواجه صعوبات على المستوى الداخلي دفعت الحكومة الى تعديل وجهات نظرها تجاه العالم الخارجي وسياساتها الدبلوماسية التي لن يكون من السهل تغييرها حتى بعد انتقال السلطة. وقال “ربما لا تحدث تغييرات جوهرية في العلاقات الصينية الأميركية قريباً، بيد أنه ما زال في إمكاننا أن نتوقع منها أن تكون أكثر استقراراً وتوجهاً نحو الحوار”.

وقالت وزارة التجارة الصينية في بيان إن “هذا الشكل من إساءة استغلال الأمن القومي وسلطة الدولة لقمع الشركات الصينية لا يمتثل لقواعد السوق وينتهك المنطق الذي يعمل به”. أضاف البيان، “كما أن ذلك لا يضرّ بالحقوق الشرعية للشركات الصينية فحسب، بل يلحق أيضاً ضرراً بمصالح المستثمرين في دول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة”.

وإلى جانب حديثها عن اتخاذ تدابير لحماية شركاتها، دعت الوزارة الصينية أيضاً الولايات المتحدة للوصول إلى حل وسط مع الصين وإعادة العلاقات التجارية الثنائية إلى مسارها. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ في بكين اليوم، إن الصين تؤمن دائماً بأن العلاقات الصينية الأميركية السليمة تخدم المصالح الجوهرية للشعبين، كما أنها الطموح المشترك للمجتمع الدولي. وعلى الرغم من الخلافات، فإن الصين والولايات المتحدة تشتركان في مصالح مشتركة واسعة، كما تتقاسمان مجالات للتعاون، وهما تتحملان مسؤوليات خاصة في سبيل السلام والتنمية العالميين. وقالت إنها تأمل أن تعمل الإدارة الأميركية الجديدة مع الصين لتجديد الحوار وإدارة الخلافات وتوسيع التعاون وإعادة العلاقات الصينية الأميركية الى المسار الصحيح في أقرب وقت ممكن.

إن أكبر اختبار لبايدن بعد أدائه اليمين الدستورية سيكون “استمراراً في أن يكون رئاسياً فوق المشاحنات الحزبية”، وفقاً لما ذكره ويليام بانكس، الأستاذ الفخري المتميز في كلية الحقوق بجامعة سيراكيوز في نيويورك.

وقال كال جيلسون، وهو عالم سياسي ومؤرخ في جامعة ساوثرن ميثوديست في دالاس، إن معظم حفلات التنصيب الرئاسية هي احتفالات وطنية، حتى بالنسبة إلى العديد من أولئك الذين لم يفز مرشحهم في الانتخابات. “هذا الافتتاح يتم في دولة أكثر انقساماً. وسيتعين على الرئيس بايدن خفض درجة حرارة سياستنا الوطنية مع سحب الأمة ببطء معاً”. ويريد بايدن من الكونغرس أن يتصرف بسرعة بشأن حزمة تحفيز ضخمة لإنعاش الاقتصاد. لديه هدف لرؤية 100 مليون جرعة من لقاح فيروس كورونا خلال أول 100 يوم له في منصبه.

ومع ذلك، قال جيلسون إن التحدي الأكبر الذي يواجه بايدن سيكون معالجة الاستقطاب في الجمهور وفي الكونغرس. وقال “إن الكفاءة البسيطة فى توزيع وإدارة لقاح الفيروس التاجي ستقطع شوطاً طويلاً في مواجهة هذا التحدي”. وقال ستانلي رينشون، وهو عالم سياسي في جامعة سيتي في نيويورك، إنه يتوقع من بايدن أن يؤكد التغلب على الانقسامات، والجمع بين الأميركيين، واتخاذ خطوات فورية لوضع البلاد على الطريق الصحيح. وقال “إن أكبر اختبار له سيكون حكم دولة منقسمة بشدة بقشرة من الاعتدال بينما تحاول إخفاء أجندة سياسية ديموقراطية ليبرالية للغاية يتم دفعها الى اليسار بحسم. وهذه ليست وصفة للنجاح”.

النهار العربي

—————————

عقبات إيرانيّة إستباقاً للتفاوض مع واشنطن/ عبدالوهاب بدرخان

تتعجّل إيران رفع العقوبات الأميركية، لكن مرشدها يقول إنها غير متعجّلة التفاوض مع واشنطن، فكيف ستتوصّل إذاً الى هدفها؟ برفع العقوبات “من دون شروط”، يجيب وزير خارجيتها الذي فقد كل حصافة ودبلوماسية ولم يعد يكتب أي تغريدة إلا ليفرغ شحنة من الحقد على السعودية ودول الخليج والعرب عموماً. في المقابل، لا تبدو الإدارة الجديدة في واشنطن متعجّلةً أيضاً مقاربة الملف الإيراني، وإنْ باتت توجّهاتها الأساسية معروفة: عودة اميركا الى الاتفاق، عودة إيران الى التزاماتها، التحضير للتفاوض بهدف تعديل الاتفاق… وتتركّز التساؤلات حالياً على: متى يبدأ هذا التفاوض، وفقاً لأي أجندة، أيكون اميركياً – إيرانياً يبدأ سريّاً ثم يتوسع، بأي طريقة ووتيرة ستتصرّف واشنطن بالعقوبات، الى أي مدى ستنسّق مع إسرائيل، وكيف ستراعي المصالح الأمنية للدول الخليجية والعربية؟

هناك مساحات من الغموض في هذه المرحلة، لكن المتوافق عليه أن أميركا بايدن ستخفّض تلقائياً التصعيد الذي ساد العام الماضي حتى الأيام الأخيرة من ولاية دونالد ترامب، واستغلّته إيران، غير المتعجّلة، لتستعدّ للتفاوض على طريقتها. اتخذت من جدل احتمال توجيه ضربة لها (برغبة ترامبية – اسرائيلية) ذريعةً لإعلان التأهب، وأرفقته بمناورات بحرية وجوية حوّلتها استعراضا للقوة، سواء باختبار صواريخها الباليستية (يفترض أن تكون موضع تفاوض) أم بالتدريبات الهجومية. وبهذه المناورات أرادت طهران أيضاً أن تستهلّ تكتيكاتها التفاوضية المقبلة، إذ كانت باشرت تخصيب اليورانيوم وصولاً الى درجة 20 في المئة بموجب قانون خاص سنّه برلمانها (كأحد الردود على اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده)، ثم أبلغت عن اقترابها من انتاج معدن اليورانيوم، أي أنها ماضية نحو امتلاك سلاح نووي، بحسب تحذير وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان.

قبل ذلك، عمدت إيران مباشرة أو عبر ميليشياتها الى تسليط الضوء على خريطة سياساتها الاقليمية (يفترض أيضاً أن تكون موضع تفاوض)، خصوصاً بتأجيج الصراع مع الحكومة العراقية وتهديد رئيسها، وبتصعيد أتباعها الحوثيين هجماتهم على أهداف في السعودية، فيما تعمّد قائد القوات الجوية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده اعلان أن إيران مكّنت فصائل غزّة و”حزب الله” في لبنان من امتلاك قدرات صاروخية باعتبارها “الخط الأمامي للمواجهة”. وللتوضيح بادر الأمين العام لـ “الحزب” حسن نصرالله الى القول إن “المقاومة هي التي تحمي لبنان وتحافظ على سيادته”، متجاهلاً، بل متحدّياً لبنان الدولة والجيش والمجتمع. أما في سوريا فتتحكّم إيران بجزء مهم من جيش النظام وأجهزته وتقيم في الجنوب قواعد متواصلة مع الجنوب اللبناني تحسّباً للحرب ضد إسرائيل.

في السياق نفسه أيضاً طرح التفجيران الانتحاريان في قلب بغداد تساؤلات متناقضة. فالتوقيت غداة تنصيب الرئيس بايدن كان لافتاً، وشبه الاجماع على أنهما “رسالة سياسية” ذهب أبعد من كون التفجيرين صنيعة تنظيم “داعش” ليحاول التعرّف الى الجهة التي تدير التنظيم أو جزءاً من فلوله حالياً. ما استدعى الشكوك افتضاح الاختراقات الأمنية والاستخبارية التي تفوق امكانات “داعش”، وما عزّزها أن قريبين من نظام طهران اعتبروا التفجيرين “نتيجة للحقد الوهابي التكفيري” فيما وجّه أطراف عراقيون موالون لإيران الاتهام الى “أجندات معادية للعراق”، لكن هؤلاء تشاركوا جميعاً في إعادة تعويم “الحشد الشعبي” وتنظيف سمعته الداخلية، مذكّرين بدوره في محاربة إرهاب “داعش”.

أما “الرسالة السياسية” الموجّهة الى واشنطن، كما لخّصها مصدر عراقي، فمفادها أن “الإرهاب السنّي” هو الذي يهدّد العراق، وما على الإدارة الجديدة سوى أن تتذكّر ذلك إذا كانت ترغب فعلاً في التفاوض مع إيران على سياساتها الإقليمية.

واستكمالاً لهذا المسار تسعى طهران الى تأطير “محور الممانعة/ المقاومة” في “معاهدة دفاعية” أُعلن أن مجلس الشورى يعدّها بهدف صدّ أي هجوم إسرائيلي محتمل على إحدى “دول جبهة المقاومة” بردّ جماعي “تبذل فيه الدول الأعضاء (في المعاهدة) كل مساعيها العسكرية والاقتصادية والسياسية لدرء الخطر بصورة كاملة”.

بديهي أن الدول المرشحة للانضمام الى “المعاهدة” هي تلك الأربع التي تعتبر إيران أنها “تسيطر” على عواصمها. لكن الواقع يشي بأن محاولة طهران “شرعنة امبراطوريتها” تأتي متأخّرة بعدما بذلت كل إمكاناتها لإضعاف أو إلغاء “الدول” التي تريد الآن استغلال قدراتها. وبالتالي فإنها تأخّرت في طرح “معاهدة” لم يعد ممكناً أن تحصل عليها مع سوريا التي تدفعها روسيا الى التطبيع مع إسرائيل، ولا مع العراق الذي يرتبط باتفاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، ولا مع لبنان الذي يعاني تحديداً من سلاح “حزب الله” كعقبة تمنع خروجه من أزمته الاقتصادية… إذاً فإن “المعاهدة” ستكون مع “اللادُول” والميليشيات التي لا يعترف أحد بدويلاتها كما في صنعاء وغزّة.

لم يكشف انطوني بلينكن، أمام لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، شيئاً عن أوراق التفاوض المزمع مع إيران، واكتفى بالحديث عن مبدأ “الالتزام مقابل الالتزام”. لكن وزير الخارجية الأميركي الجديد، الذي كان في كواليس مفاوضات الاتفاق النووي، مقتنع بأن النصّ الذي أمكن التوصّل اليه عام 2015 لم يعد صالحاً في أكثر من جانب، خصوصاً بالنسبة الى المهل الزمنية لتجميد البرنامج النووي والتشديد على التفتيش المفاجئ وغير المبرمج للمنشآت المشتبه بها. ورغم إلحاح الشركاء الأوروبيين على مراجعة الاتفاق، لم يبدِ بلينكن الدرجة نفسها من قلق نظيره الفرنسي، فأولويته الآن لترتيب العودة الى الاتفاق النووي وما تستلزمه من رفع نسبي للعقوبات مع إبقاء طهران تحت الضغط. لم يتطرّق بلينكن الى “أمن إسرائيل” في محدّدات التفاوض مع إيران، لكنه أبدى إيجابية حيال إشراك دول الخليج في المفاوضات، لكن هذا الاحتمال يطرح أيضاً إمكان إشراك إسرائيل، ما يعني أن التعقيدات، الكثيرة أساساً، ستتضاعف. إذ ترفض إيران ضم أطراف آخرين الى التفاوض، ولا تقبل تغيير صيغة الـ 5+1 رغم استيائها من الأوروبيين بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق.

—————————-

بايدن يصالح خامنئي والأسد.. وعون/ ساطع نور الدين

لن يتأخر الوقت حتى تثبت الرؤية، ويتأكد أن إدارة الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن ستباشر بسرعة في تقديم التنازلات او بتعبير أدق في تنفيذ تراجعات في السياسة الخارجية، لكي تضمن التفرغ للمشكلات الداخلية الناجمة عن جائحة كورونا وما خلفته حتى الآن من خسائر بشرية كارثية على الاميركيين، ومن خسائر مادية تقدر قيمتها بثلاثة تريليونات دولار على الاقتصاد الاميركي.

الملامح الاولى لتلك التراجعات يمكن تلمسها في مواقف مختلف الدول المرتبطة بأميركا في علاقات تحالف او تخاصم او حتى عداء، والتي تترقب ان يعمد بايدن وفريقه الى التخلي التدريجي عن سياسات سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب، ويعيد تنظيم السياسة الدولية على أسس براغماتية جديدة تخفض الاعباء عن أميركا المثقلة بالأزمات الداخلية، وتفوض الحلفاء إدارة شؤونهم وقضاياهم بأنفسهم، وتترك للخصوم والاعداء مسؤولية التخفف من العقوبات وحالات الحصار.

الحالة الايرانية نموذجية، وكذا الحالة الاسرائيلية. وهما، وإن كانتا تقفان على طرفي نقيض، لكنهما تتوقعان من إدارة بايدن، الموقف نفسه: التراجع عن نقض الاتفاق النووي مع إيران، والتخلي عن سياسة العقوبات المشددة. وهما تعبران عن هذا التقدير على طريقتهما الخاصة. تريد تل ابيب ان تكون شريكاً مباشراً في التفاوض مع الجانب الايراني، حول العودة الى الاتفاق النووي، والشروط المطلوبة للقبول بهذه العودة. بينما تطلب طهران إعتذاراً أميركياً عما فعله ترامب بالاتفاق النووي وبإعتماد سياسة الضغط القصوى، وتسليماً مسبقاً بعدم البحث في أنظمة الصواريخ الايرانية المنصوبة في كل من لبنان واليمن والعراق وسوريا، والتي جرى إستخدام بعضها بكثافة منذ تنصيب بايدن رئيساً، الاربعاء الماضي.

لن تجد إدارة بايدن على الارجح صعوبة في التوصل الى صيغة مرنة تخفض سقف المطالب المطروحة حاليا من قبل الجانبين، وتطرح حلاً مبتكراً يطمئن الاسرائيليين ولا يغضب الايرانيين، يبدأ بتخفيف تدريجي للعقوبات القاسية على إيران، مقابل تجديد الالتزامات الايرانية بخفض تخصيب اليورانيوم، وخفض إطلاق الصواريخ من بغداد ومن صنعاء خاصة، وإبقائها صامتة في لبنان وسوريا.

السيناريو نفسه تماماً مطروح بالحرف على إدارة بايدن ومراجعتها المرتقبة للأزمة السورية: الورقة الصادرة قبل أيام عن مركز كارتر، الذي يغذي في العادة الادارات الديموقراطية الاميركية بالدراسات والاقتراحات والافكار، والتي تحمل عنوان “مسار نحو تحويل النزاع في سوريا..إطار لمقاربة متدرجة” تتضمن سبعة مقترحات لبناء الثقة مع نظام بشار الاسد، وهي عبارة عن خطوات تدريجية مشروطة تقضي بتخفيف العقوبات بما يسمح بمواجهة جائحة كورونا والشروع في إعادة بناء البنى التحتية، مقابل تنفيذ الاصلاحات الواردة في قرار مجلس الامن الدولي الرقم 2254، لا سيما الافراج عن المعتقلين والسماح بعودة المهجرين..

السطر الاول من تلك الورقة، يشهد وحده على ما يمكن إنتظاره من إدارة بايدن، عندما يقول بالنص: “خلال العام الماضي، شهدت سوريا عنفاً أقل من وقت مضى منذ بدء الحرب الاهلية قبل عشر سنوات..”، ويبدو ان محرري الورقة فاتهم أن يوجهوا الشكر الى كل من روسيا وإيران ومليشياتهما، على هذه المحصلة الصحيحة (والمحرجة لأميركا)، للعام السوري الفائت!

لدى بايدن وفريقه الجديد نبذ تام لفكرة العقوبات التي تحولت مع ترامب الى سلاح فتاك، غير إنساني وغير أخلاقي، يؤذي الشعوب ولا يضر بالحكومات، بدليل التجربة الايرانية والسورية واليمنية، وقد جرى إستخدامه لتعويض النقص في الافكار الاميركية الخلاقة لمقاربة مشكلات معقدة واجهتها الولايات المتحدة في أكثر من بقعة في العالم، لا سيما الشرق الاوسط.

وهو موقف متقدم فعلاً لفريق بايدن، لأنه يفترض الرغبة في الخروج من المآزق التي خلفها ترامب وراءه، لاسيما في إيران وسوريا.. لكن إسقاطه مثلا على الحالة اللبنانية، لا يفسح في المجال إلا لترقب مثل هذا المشهد الكاريكاتوري: يمكن أن تتبنى الادارة الاميركية الجديدة، (حرصاً على ان تظل السماء زرقاء) موقف الرئيس ميشال عون المتشدد، وتوصي الرئيس سعد الحريري بتوسيع حكومته المقترحة لتضم عشرين وزيراً بينهم سليم جريصاتي وطلال ارسلان..

مع بايدن، كما يبدو، لن يشعر أحد بالحنين الى ترامب، بل بالكثير من الملل.

المدن

—————————-

======================

تحديث 26 كانون الثاني 2021

—————————-

بايدن المُدجَّج بالاحتمالات السورية/ مازن أكثم سليمان

يشكل موضوع الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثاً عالمياً بكل معنى الكلمة، ويبلغ الاهتمام به في مناطق كثيرة، خاصة تلك التي تفتقر إلى القرار السياسي الذاتي إلى حد ما، مستوى أكبر من أي حدث محلي خاص، إذ تنظر شعوبها إلى القرار الأمريكي على أنه المفصل الحاسم الذي يحدد مصير قضايا متنوعة ومحورية في بلدانهم المنكوبة.

راقب العرب بوجه عام، والسوريون بوجه خاص، الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأعصاب مشدودة، وبقلق يتمدد بين الألم البالغ والأمل الباهت، ولا سيما بعد مرور عشر سنوات على انبثاق ثورات الربيع العربي، وما خلّفته من تداعيات، وملفات معلقة، واتهامات مبطنة أحياناً، ومباشرة أحياناً أخرى، للدول الإقليمية والكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، باتّباع سياسات منعت الربيع العربي من إعطاء أكله بالتحوّل إلى الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة.

تبدأ التكهنات مبكراً مواكبةً لمراحل الانتخابات الأمريكية، وتظهر القراءات المتنوعة حول شكل السياسات القادمة المتوقعة. وفي الإطار العربي والسوري، تتقدم مقاربات كثيرة على أجنحة من الرؤى العاطفية والرغبوية، ولا يعدو أن يكون معظم هذه القراءات ضرباً من الأمنيات، أو بيعاً للأوهام، أو تسويقاً لاتجاهات معيّنة غير بريئة، وكل ذلك يتأسس على نقطتي ضعف لا تخفيان على المتمعن في الواقع العربي/ والسوري.

نقطة الضعف الأولى هي تقديم البعض لوجهات نظرهم بقطعية توحي كأنهم من صناع القرار الأمريكي، وأن لهم دورهم في المطبخ السياسي العميق هناك، وهذا محض ادّعاء ومبالغة، ولا سيما أن نقطة الضعف الثانية ترتبط، أصلاً، بغياب قوى الضغط العربية والسورية المنظمة والموحدة، إلى حد ما، في أمريكا. فرغم وجود بعض تنظيماتها النشطة حالياً، ما زالت تفتقر إلى الثقل الحقيقي القادر على تحريك القرار الأمريكي الداخلي، والتأثير عليه بقوة.

بايدن ملتبساً

تبدو قراءة ما كُتب، وسماع ما قيل عن سياسات الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن المتوقعة في سوريا، ضرباً من خبط العشواء، فالمتابعون يستطيعون أن يسمعوا تحليلات من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار. يسمعون تكهنات تصل إلى حدود توقع لجوء بايدن إلى عمل عسكري في سوريا، وفي الوقت نفسه يسمعون -من الأمريكيين أنفسهم- ما يتكهن بإبقاء الوضع السوري على ما هو عليه من خراب ودمار وتعفن وجمود، كأن هذا البلد لا يعني بايدن وسياساته لا من قريب ولا من بعيد.

معظم ما كُتب وقيل يبدو منتمياً إلى باب التوقعات والأمنيات المتضاربة والمتناقضة، ولا سيما في ظل قلة تصريحات بايدن وفريقه حول الملف السوري، والاختلاف النسبي في مواقف أعضاء فريقه من هذا الملف، لتكون الآراء مرتبطة بملفات المنطقة الإقليمية، وبملفات دولية كبرى، تبقي سوريا ورقة تابعة، لا موضوعاً محورياً قائماً بذاته.

والمسألة الأخيرة تحتاج إلى تدقيق تحليلي تفصيلي وشامل، في الآن نفسه، لتلمس انعكاسات ما هو خارجي على ما هو داخلي، والعكس صحيح، في ضوء الاشتباك (التدويلي) والاحتلال القائم من قبل جيوش عدة لسوريا.

سياسات أوباما السورية

يذهب بعض المحللين إلى القول إن بايدن يتبنى سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لا بل هو أحد أهم مهندسيها، وسيعود من جديد إلى هذا المربع في سوريا، فيحتفظ بوجود عسكري معقول، رداً على الانسحاب الجزئي الذي أنجزه سلفه دونالد ترامب، ويستخدم هذا الوجود كمرتكز قوة ضرورية، ولازمة يضغط ويساوم عبرها في اتجاهات خمسة.

هذا التوقّع يتآلف مع سياسة دعم وحدات حماية الشعب الكردية في إطار استعمالها للضغط على تركيا من جانب أول، وفي الضغط على روسيا من جانب ثانٍ، وفي مفاوضة إيران على ملفها النووي من جانب ثالث، وفي الضغط على النظام في دمشق من جانب رابع، وفي محاربة داعش بوصفها أولوية أمريكية، ولا سيما بعد استيقاظ خلاياها من جديد في المساحة السورية.

تبدو هذه الرؤية واقعية إلى حد كبير للوهلة الأولى، ذلك إذا افترضنا أن الواقع الجيوسياسي الإقليمي والدولي ساكن وجامد، ولم يتغير منذ عهد أوباما، وأن القوى الفاعلة كتركيا وإيران وروسيا لم تراكم أوراق قوة خلال السنوات الأربع الأخيرة. وأيضاً، خلقت سياسات ترامب نفسها معطيات جديدة لا يمكن القفز فوقها، وهو ما يعني أن انزياحات نسبية قد تكون ممكنة في سياسات بايدن السورية.

تركة ترامب السورية

غادر ترامب البيت الأبيض بعد أن عمّق حضور قانون قيصر، والذي يقول بعض المحللين إن ذراعه الطولى لا تقف عند حدود النظام في دمشق، بل ترمي إلى الضغط على كل من إيران وروسيا.

وجود هذا القانون يضع بايدن أمام خيارات واسعة تبدأ بتجميد القانون وتفريغه من مضمونه، وتنتهي بمحاسبة النظام، وهذا لن يحدده الواقع السوري البحت والمنفصل افتراضياً عن الملفات الأخرى الشائكة، إنما ستحدده سياسات بايدن تجاه روسيا وإيران وتركيا وطبعاً إسرائيل.

يدخل بايدن المعترك السوري وهو يرى اتساع النفوذ الإقليمي لتركيا، وتعمق الخلاف معها حول ملفات عدة، منها منظومة الدفاع الجوي الروسي أس-400، وملف شرق المتوسط، والملف الليبي.

كما يراقب بايدن امتداد القبضة الروسية إلى المياه الدافئة على البحر المتوسط، في ظل تعقد الملفات الأمريكية الروسية، بدءاً بالدرع الصاروخية، مروراً بأوكرانيا، وانتهاءً بشبه جزيرة القرم.

بجانب ذلك، تجذّر وجود إيران في سوريا والإقليم، وصار يصعب التفاوض معها حول ملفها النووي من دون الخوض في الوضع السوري، ولا سيما في ظل الموقف الإسرائيلي المعارض لوجود إيران في سوريا، وخطورة الاشتباك بينهما، وتسارع الغارات الإسرائيلية على مواقع إيران في سوريا. وكان الإسرائيليون قد استقبلوا بايدن بإرسال رسالة حادة حاسمة له حول خيارات إسرائيل وموقفها، عبر تنفيذ غارة كبيرة على الإيرانيين في سوريا.

ويمكن أن نضيف إلى كل هذه الملفات قلق الخليجيين من الدور الإيراني في المنطقة، وقلق الأوروبيين من ملف اللاجئين، وبوجه خاص في ضوء الوضع الهش في إدلب وشمال غرب سوريا، وكل ذلك يدل على أن خيوط اللعبة لا ترتبط بالمساحة السورية وحدها، ولا تتعيّن بمعزل عن تشابكات إقليمية ودولية كبرى، وهي تشابكات لن تسمح لبايدن -مهما حاول تجميد الوضع السوري- أن يحافظ على ستاتيكو سوري شبيه بالمنظور الأوبامي، أو الترامبي.

انفجار التناقضات في سوريا

سيجد بايدن نفسه مضطراً إلى التعامل مع الملف السوري من باب الملفات الإقليمية والدولية وتناقضاتها، أو بمعنى آخر: سيدخل بايدن على الملفات الأخرى من المدخل السوري الإجباري، ولا سيما عندما ترتفع وتيرة التشابك الإسرائيلي الإيراني من جانب أول، أو عندما تتعمق العلاقات الروسية التركية في جوانب عدة لمواجهة الأمريكيين، وقد نجد أيضاً تحالفاً خليجياً تركياً روسياً بمعنى ما، فضلاً عن تطور ملف السلاح الكيميائي واستخدامه في سوريا في أروقة الأمم المتحدة في الأسابيع والأشهر القادمة.

لعل شعار بايدن الأكبر في حملته الانتخابية، بعد الضرر الذي أصاب أمريكا على يد سياسات ترامب الخارجية تحديداً، هو إرادة عودة أمريكا إلى قيادة العالم، وهذا لا يعني أنه سيفتتح جمعيةً خيريةً لحلحلة الوضع في سوريا، لكن الوقائع المختلفة ستفرض نوعاً ما انزياحاً ما في سياسات أمريكا السورية. وإذا كانت سياسات الدولة العميقة في أمريكا لا تهتم بهذا الملف، كما يقول كثيرون، فإن سياسات أي رئيس أمريكي تستقى كثيراً من الواقع المعطى، وتسمح له بهامش حركة كبير.

ولهذا، يمكن لبايدن أن يستثمر كثيراً في الملف السوري، وأن يؤكد الحضور الأمريكي الثقيل في الشرق الأوسط، إذا كان وفياً فعلاً لمقولة عودة أمريكا إلى قيادة العالم، ثم ستكون سوريا بذلك إما مكان تصفية حسابات وصدامات هائلة بين إرادات القوى المختلفة، أو مكان توافقات وصفقات كبرى.

ويمكن أن تكون المواجهات الضخمة، بحد ذاتها، مدخلاً إلى توافقات تاريخية، ويبقى السؤال المعلَّق: إلى أي مستوى سيستفيد السوريون من التناقضات لانتزاع بعض حقوقهم وجانباً من مصالحهم وتحقيق بعض أهدافهم على أقل تقدير؟

* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف

رصيف 22

——————————-

أميركا ما بعد ترامب.. ومستلزمات التعافي/ توماس فريدمان

قبل أن ننهال على بايدن بالانتقادات ما رأيكم في أن يمهله الجميع أشهر ليفاجئنا بالجانب الإيجابي؟ لنمنحه فرصة لوضع البلد قبل الحزب والوفاء لقسم تنصيبه.

إذا منحنا بايدن فرصة ليفاجئنا بالجانب الإيجابي، نستطيع حينها كسر الحمى السياسية الفظيعة التي أصابت بلدنا. ألن يكون ذلك مفاجأة سارة؟

*     *     *

لقد نجونا للتو من شيء فظيع: أربع سنوات من حكم رئيس، يدعمه حزب وأصوات تعمل على ضخ نظريات المؤامرة بلا حقيقة، وتجلبها مباشرة إلى أدمغتنا شبكاتٌ اجتماعية غير مسؤولة – وكل ذلك في ظل وباء بلا رحمة. لقد كانت تجربة فظيعة للغاية!

هذا لا يعني أن ترامب لم يفعل أبداً أي شيء جيد، بل يعني أنه لم يكن يستحق ثمن ترك بلدنا أكثر انقساماً وأكثر مرضاً من أي فترة أخرى في التاريخ الحديث.

ولهذا، علينا أن نعمل على إعادة توحيد أنفسنا، وإلغاء برمجتنا، وإعادة التركيز والثقة والطمأنينة. فالبلد برمته في حاجة للذهاب إلى خلوة نهاية الأسبوع ليعيد اكتشاف من نحن والروابط التي توحّدنا – أو على الأقل، التي كانت توحّدنا.

وأعتقد بكل صدق أننا نستطيع أن نكون أفضل مرة أخرى، غير أن تحقيق ذلك يتوقف علينا جميعاً. بالنسبة لي، كانت أبرز سمة في رئاسة ترامب هي أنه عاماً بعد عام ظل يفاجئنا على الجانب السلبي.

فعاماً بعد عام، كان ينزل إلى مستويات جديدة في كسر القواعد، وتلطيخ سمعة كل من سار في فلكه. غير أنه لم يفاجئنا أبداً – ولو مرة واحدة – بالجانب الإيجابي من خلال أفعال لطف أو نقد ذاتي أو مد اليد للخصوم.

شخصيته كانت قدره، ثم أصبحت قدرنا نحن أيضاً. ولكن لديّ خبر سار. ذلك أننا نستطيع التعافي شريطة أن نركّز جميعاً – سياسيين وإعلاميين ونشطاء – على فعل ما لم يستطع ترامب فعله أبداً: مفاجأة بعضنا بعضاً بالجانب الإيجابي. المفاجآت الإيجابية هي قوة قُلِّل من شأنها كثيراً في السياسة والدبلوماسية، والحال أنها هي ما يكسر قيود التشاؤم، ويدفع حدود ما نعتقد أنه ممكن.

كما أنها تذكّرنا بأن المستقبل ليس مصيرنا، وإنما اختيار – تترك الماضي يدفن المستقبل أو المستقبل يدفن الماضي.

وما زلتُ أتذكر أين كنتُ حين وصل أنور السادات إلى إسرائيل، مفاجئاً العالم برغبته في تحقيق السلام. حدثٌ غمرني بفرح عارم وإحساس جديد كلياً بالإمكانات بالنسبة للشرق الأوسط.

والواقع أنني فاجأتُ ترامب ذات مرة. فأنا لم أكن أتردد أبداً في الاتفاق معه عندما كان يفعل شيئاً أعتقد أنه صائب. ولكن بعد أن رعى و«جاريد كوشنر» اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، كتبتُ مقالاً يشيد بالاتفاق.

وبعد بضعة أيام رنّ هاتفي. وكان المتصل الرئيس ترامب. كانت أولى كلماته: «لم أستطع أن أصدّق أن (نيويورك تايمز) ستسمح لك بكتابة شيء بهذا اللطف».

بالطبع، الصحيفة لا تملي عليّ ما أكتبه، ولهذا بدا مصدوماً؛ لأنني فعلت ذلك بمبادرة شخصية وبملء إرادتي. وقد جعله ذلك يعيد النظر، ولو للحظة، فيّ وفي جريدتي. فالمفاجأة تفعل ذلك.

ولو أن ترامب خرج مرة واحدة عن شخصيته بخصوص شيء كبير وصعب يتحدى قاعدته وفاجأنا بالجانب الإيجابي، بخصوص المناخ مثلاً أو الهجرة، لكنتُ أشدت به أيضاً. غير أنه ما كان ليفعل.

وهذا مؤسف؛ لأننا كصحافيين ومواطنين، نعيش من أجل مفاجأة بالجانب الإيجابي من زعمائنا.

فقد شاهدتُ السيناتور ميت رومني مراراً وتكراراً يضع قسمه بالدفاع عن الدستور قبل حزبه ومصالحه السياسية الشخصية. وفي الأثناء، تعرفنا على بعضنا بعضاً.

والواقع أننا لا نتفق حول كل شيء، ولكن هناك احترام متبادل بيننا. ومؤخراً، قدّمني رومني من أجل إلقاء خطاب عن بُعد على ائتلاف من الحزبين حول العمل المناخي في ولاية يوتا.

وهو ما فاجأ بعض الأشخاص، وربما جعلهم ينظرون إلى الموضوع برمته على نحو مختلف. ومن المفاجئ حقاً ما قد يحدث حينما نفاجئ الناس بالأحسن!

وعليه، لديّ مطلبان لكل أميركي: امنح جو بايدن فرصة ليفاجئك على الجانب الإيجابي، وتحدَّ نفسك لتفاجئه.

وهنا، ينبغي على الشركات الأميركية أن تفاجئنا بأن تقول لروبرت ولاكلن مردوخ إن شبكتهم غذّت «الكذب الكبير» الذي أدى إلى اقتحام الكونغرس الأميركي، وإنها ستكف عن بث إعلاناتها التجارية على أي برنامج ينشر نظريات المؤامرة.

كما يتعين على مارك زوكربرغ وشيريل ساندبرغ (رئيس «فيسبوك» التنفيذي ورئيسة العمليات فيه) أن يفاجئانا بالكف عن تقديم الأخبار التي تقسّمنا وتغضبنا – مقابل أرباح – على مصادر الأخبار الأكثر موثوقية وموضوعية.

وإذا كان لا يوجد على اليسار معادل للعنصريين البيض اليمينيين وغيرهم من المتطرفين الآخرين الذين اجتاحوا مبنى الكابيتول مؤخراً، فإن الليبراليين سيفاجئون أشخاصاً كثيرين على اليمين.

وربما يقنعون البعض بدعم بايدن، إذا رفضوا بقوة «الصواب السياسي» حينما يخنق المعارضة، ولفتوا الانتباه ليس فقط إلى عنف الشرطة– وهو أولوية ملحة بلا شك – لكن أيضاً إلى مصادر العنف في أحياء الأقليات التي ترهب السكان السود والبنيين والبيض على حد سواء. فشخصياً، أرى هذا في مدينتي مينيابوليس كل يوم.

والآن وبعدما رحل تهديد ترامب، علينا جميعاً في قطاع الصحافة والإعلام العودة لفصل الخبر عن الرأي من جديد. فنحن في حاجة لأماكن أكثر، حيث يستطيع الأميركيون من مختلف الألوان السياسية الشعور بأنهم يستطيعون الحصول على أخبارهم بشكل صحيح – دون أن يصبحوا غاضبين أو منقسمين أو ناقمين، ولنترك ذلك لقسم الرأي.

وكما أسلفتُ، فقبل أن ننهال على بايدن بالانتقادات، ما رأيكم في أن يمهله الجميع بضعة أشهر ليفاجئنا بالجانب الإيجابي؟ لنمنحه فرصة لوضع البلد قبل الحزب والوفاء لقسم تنصيبه.

وحينما يكون هناك على درج مبنى «الكابيتول» ظهر الأربعاء، يؤدي اليمين الرئاسية على أن يفعل ذلك بالضبط، ما رأيك في أن نؤدي القسم جميعاً – أنت وأنا وأطفالك ووالداك – معه في البيت: «أقسم على أن أبذل ما في وسعي من أجل الحفاظ على دستور الولايات المتحدة وحمايته والدفاع عنه».

ربما إذا فعلنا جميعا ذلك ومنحنا جميعاً «جو» فرصة ليفاجئنا بالجانب الإيجابي، نستطيع حينها كسر الحمى السياسية الفظيعة التي أصابت بلدنا إلى جانب «كوفيد 19». ألن يكون ذلك مفاجأة سارة؟

* توماس فريدمان كاتب وصحافي أميركي

المصدر | خدمة «نيويورك تايمز»

————————–

ملامح إستراتيجية جو بايدن في سوريا/ محمود عثمان

يشهد الملف السوري حالة من الترقب الحذر بانتظار الخطوات الأولى التي ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة، فيما تلوح مؤشرات على أن إدارة الرئيس جو بايدن ستتجه لتبني استراتيجية مختلفة عن إدارة سابقه دونالد ترامب، حيث ستعمل على استعادة الدور الأمريكي في سوريا، بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة.

سيمثل استمرار دعم ميليشيات (ب ي د)، والوجود الإيراني في سوريا، وتمركز روسيا على البحر المتوسط، والعلاقة مع أنقرة، محور التعاطي الأمريكي مع القضية السورية، وقد تتبنى إدارة بايدن إجراءات أكثر خشونة ضد القوات الإيرانية المنتشرة على الأراضي السورية، وضد النفوذ الروسي أيضا.

الميول والتوجهات السياسية لطاقم بايدن حول الأزمة السورية

عموما، لا تحدث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية الأمريكية باختلاف الرؤساء والأحزاب، فالإدارات الأمريكية على تنوعها تخضع لاستراتيجيات موحدة بعيدة المدى، مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، والقول الفصل في المحصلة يكون للمؤسسات وليس للأشخاص، وتعتبر فترة ترامب حالة فريدة في التاريخ الأمريكي.

مع ذلك، يبقى للرئيس وإدارته هوامش كثيرة تسمح بحيز واسع من التغييرات في الداخل والخارج، وتكتسب هذه الهوامش أهمية إضافية، عندما يتعلق الأمر بإحداث تغييرات ملموسة في مسار البوصلة الأمريكية، بالنسبة لدول كثيرة، دون أن يؤثر ذلك على المصالح الكبرى للولايات المتحدة.

الرئيس جوزيف بايدن، خلال حملته الانتخابية، ولقاءاته مع الجاليات الإسلامية في أمريكا، عبر عن بالغ حزنه عما يعانيه الشعب السوري، والمسلمون الأيغور الصينيين، والروهنغيا، وتعهد برفع الظلم والجور عنهم، مستشهدا بالحديث النبوي الشريف، “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه..”.

صحيح أنها وعود انتخابية هدفها كسب أصوات الناخبين، إلا أنها إلى جانب العمل الدؤوب والمطالبات المستمرة من طرف الجاليات المسلمة، والسورية منها خصوصا، سوف تشكل قوة/ لوبي ضغط مؤثرة على القرارات ذات الصلة بالقضية السورية.

نائب الرئيس كمالا هاريس، في مناظرة رئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، هاجمت النائبة تولسي غابارد لرفضها وصف رأس النظام بشار الأسد بـ”مجرم حرب”. وقالت هاريس في تلك المناظرة: “هذا يأتي من شخص كان مدافعًا عن الأسد، الذي قتل الناس في بلاده مثل الصراصير”. مضيفة “هي تدافع عنه وترفض وصفه بمجرم حرب”.

وفي أعقاب الضربة الأمريكية لنظام الأسد والتي استهدفت مطار الشعيرات وعدة مواقع للنظام عام 2017 ردا على هجوم خان شيخون الكيماوي، أصدرت هاريس بيانا قالت فيه: “بشار الأسد هاجم المدنيين الأبرياء بشراسة، بمن فيهم عشرات الأطفال، الذين ماتوا اختناقا بالأسلحة الكيماوية. وهذا الهجوم يعزز الحقيقة الواضحة بأن الأسد ليس فقط دكتاتورا لا يرحم، يعامل شعبه بوحشية، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله”.

وزير الخارجية أنتوني بلنكن، عمل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، قبل أن يصبح مديراً للموظفين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، عندما كان بايدن رئيساً للجنة. ثم عاد في السنوات الأولى من إدارة أوباما، إلى مجلس الأمن القومي، قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية ليعمل كنائب لوزير الخارجية جون كيري.

وفي معرض انتقاده لسياسة ترامب في سوريا، صرح بلنكن قائلا: “فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح وفي منع النزوح الجماعي للناس داخليًا في سوريا، وبالطبع في الخارج كلاجئين”.

وأضاف: “في الوقت الذي كان لدى الولايات المتحدة نفوذ ما متبقيا في سوريا لمحاولة تحقيق بعض النتائج الإيجابية، لسوء الحظ، قامت إدارة ترامب بتحويل ذلك إلى حد ما للانسحاب بالكامل في سوريا”.

صحيح أن بلنكن كان مهندس الاتفاق النووي الإيراني، الذي تسعى طهران لإحيائه من جديد، إلا أنه كان بنفس الوقت من دعاة توجيه ضربة عسكرية لبشار الأسد، بعد تخطيه خطوط أوباما الحمراء.

وصرح بلنكن وقتها أنه ضد وضع الخطوط الحمراء. لكن “أما وقد وضعت، فمن المفروض التصرف بموجبها، حفاظا على هيبة الولايات المتحدة”. لذلك وجه بلنكن انتقاداته لإدارة أوباما التي تغاضت عن تخطي الأسد لتلك الخطوط وعدم اكتراثه بها.

أما بريت ماكغورك، المبعوث السابق للتحالف الدولي لقتال تنظيم داعش، الذي استقال احتجاجا على قرار ترامب أواخر 2018 بسحب القوات الأمريكية من سوريا، فقد اعتبر ذلك بدوره “انقلاباً كاملاً على السياسة المرسومة سابقاً”، والآن يعود للمشهد السوري بقوة، بعد تعيينه مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، من قبل بايدن.

خلال توليه منصب مبعوث التحالف الدولي، منذ 2015 حتى أواخر 2018، عُرف ماكغورك بدعمه المطلق للميليشيات الانفصالية شرقي سوريا.

ومما يجدر ذكره بهذا الخصوص أيضا، أن غالبية الطاقم القيادي الذي عينه الرئيس بايدن، وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، لهم مواقف مناهضة وحادة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه “القمعي” بشكل عام.

تطبيق قانون “قيصر”

منذ اعتماده قبل عام تقريبا، أصبح “قانون قيصر”، قانوناً أمريكياً نافذاً، وعابراً للتوجهات السياسية للإدارات الحاكمة، ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء. وبموجبه طبقت إدارة ترامب عقوبات صارمة طالت نظام الأسد، وداعميه الروس والإيرانيين، والعديد من الشخصيات والمؤسسات اللبنانية.

وفي حكم المؤكد، أن تستمر إدارة الرئيس بايدن في تطبيق القانون، عبر فرض حزم إضافية من العقوبات بموجبه، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام، للحد من تفكيره بالإقدام على مزيد من العمليات العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة، ما سيتسبب في مزيد من الدماء والتهجير.

ورغم أن القانون يتيح للرئيس الأمريكي رفع العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، شرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني، أو لأسباب أخرى تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، إلا أن هذا الخيار، في حال فكر فيه بايدن، سيكون محط نقاش ولغط كبير في الكونغرس، وسيتوجب على بايدن إقناع النواب بالأسباب الموجبة لذلك.

ملامح سياسات بايدن في سوريا

تدرك إدارة بايدن أن استمرار سوريا كدولة فاشلة، سوف يترتب عليه تداعيات خطيرة، في مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، واحتمال عودة الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، مما قد ينعكس سلبيا على استقرار دول الجوار.

يشكل تعهد بايدن بالعودة للاتفاق النووي الإيراني، هاجسا يؤرق السوريين خشية انعكاسه على استمرار تواجد إيران في سوريا. لكن إحياء اتفاق تم تعطيله لسنوات لن يكون سهلا، حيث هناك فرصة بأن تطالب الولايات المتحدة والدول الأوروبية إيران بالمزيد من التنازلات، خصوصا فيما يتعلق بملف برنامجها الصاروخي المثير للجدل، وكذلك دعم طهران لميليشيات مسلحة تعتبرها الولايات المتحدة وأوروبا مزعزعة للاستقرار.

إن إعادة عقارب الساعة إلى عام 2015 أمر مستحيل، وإذا فشلت الدبلوماسية مرة أخرى، فإن انتشار الأسلحة، وانهيار الاقتصاد الإيراني المحتضر قد يتبعان ذلك، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تبعات هامة وخطيرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.

يبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس جو بايدن وإدارته في سوريا، مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254، وجديته في دفع عملية الانتقال السياسي، ومنع نظام الأسد من فرض أمر واقع، من خلال إجراء انتخابات صورية، يكتسب من خلالها شرعية زائفة تستند عليها موسكو في إطالة أمد معاناة السوريين.

(الأناضول)

القدس العربي

———————————

الجمهوريون يلمحون إلى مقاومة عميقة لمحاكمة ترامب في مجلس الشيوخ

أشار المشرعون الجمهوريون، الأحد، إلى أنه على الديمقراطيين خوض معركة إدانة دونالد ترامب بأنفسهم مع التئام مجلس الشيوخ الشهر المقبل، وافتتاح أول محاكمة لرئيس سابق في تاريخ البلاد.

ومن المتوقع أن ترسل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى مجلس الشيوخ، الإثنين، مادة الاتهام التي تم إقرارها في مجلس النواب، وتحمّل ترامب مسؤولية التحريض على اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الذي خلف خمسة قتلى.

ولكن مع تحضر كلا الطرفين لمحاكمة يتوقع أن تكون سريعة نسبيا، عرض كبار المسؤولين الجمهوريين حججا سياسية ودستورية تشكك في قدرة الديمقراطيين، الذين يسيطرون على 50 مقعدا في مجلس الشيوخ المكون من 100، على تأمين 17 صوتا جمهوريا مطلوبين للإدانة.

وقال السناتور الجمهوري البارز وعضو لجنة الاستخبارات ماركو روبيو لبرنامج “فوكس نيوز صانداي”، إنه يعتقد “أنها محاكمة غبية وستأتي بنتائج عكسية. لدينا حاليا نيران مشتعلة في البلاد والأمر أشبه بصب الزيت على النار”.

لكنه اعترف بأن ترامب الذي حض الآلاف من أنصاره على التوجه إلى مبنى الكونغرس للاحتجاج ضد المصادقة على فوز بايدن “يتحمل بعض المسؤولية عما حدث”.

ولفت روبيو، المرشح الرئاسي السابق الذي هزمه ترامب في الانتخابات التمهيدية عام 2016، إلى الآثار السيئة المترتبة عن “إثارة هذا الأمر مرة أخرى” على البلاد.

سؤال دستوري

وأشار جمهوريون آخرون إلى أن مجلس الشيوخ لا يملك صلاحية محاكمة مواطن عادي كما هو حال ترامب الآن.

وقال السناتور مايك راوندز لبرنامج “واجه الصحافة” على شبكة “أن بي سي” إن الدستور لا يسمح بمحاكمة رئيس سابق.

وأضاف “هناك أشياء أخرى نفضل العمل عليها”، بما في ذلك المصادقة على المزيد من مرشحي بايدن للحكومة.

لكن السناتور ميت رومني المرشح الجمهوري للرئاسة لعام 2012 قال لشبكة “سي أن أن” إن “الرأي القانوني المرجح هو أن محاكمة الرئيس بعد ترك منصبه أمر دستوري. أعتقد أن الحال على هذا النحو”.

وألمح رومني الذي كان السناتور الجمهوري الوحيد الذي صوت لإدانة ترامب في المحاكمة الأولى لعزله، إلى أنه ربما يميل لتكرار خطوته.

وقال إنه يعتقد أن “ما يتم زعمه وما رأيناه هو تحريض على العصيان، وهو جريمة تستوجب المحاكمة. وإلا فما هو ذلك؟”.

موقف بايدن

وآثر بايدن النأي بنفسه في العلن واتخاذ نهج عدم التدخل وترك الأمر لمجلس الشيوخ ليقرر، مفضلا التركيز على تحقيق تقدم سريع في مكافحة وباء كوفيد-19 وإنعاش الاقتصاد المتدهور.

وقالت المتحدثة باسم بايدن، جين بساكي، إن الرئيس “يعتقد أن الأمر متروك لمجلس الشيوخ والكونغرس لتحديد كيفية مساءلة الرئيس السابق”.

وفي الوقت الذي عمل فيه الديمقراطيون على إعداد الاتهام ضد ترامب، أملت النائبة مادلين دين التي ستكون من بين النواب الذين سيقدمون القضية في مجلس الشيوخ، أن تجري العملية بسرعة.

وقالت لشبكة “سي أن أن” أنها تتوقع “أن تسير الأمور بشكل أسرع” من المحاكمة السابقة لترامب التي استمرت 21 يوما عام 2020.

وأضافت دين أنها كانت في قاعة مجلس النواب خلال تلك اللحظات “المرعبة”، عندما بدأ المتظاهرون بقرع الأبواب بقوة وهم يهتفون “اشنقوا نائب الرئيس بنس”.

وقالت إن الديمقراطيين سيطالبون بمحاكمة ترامب لدوره في هذا الأمر الذي وصفته بأنه “جريمة رئاسية شنيعة بشكل غير عادي”.

(فرانس برس)

—————————-

ترامب نحو النجاة ثانيةً: الجمهوريون يحمون الرئيس السابق في الكونغرس

بين البعد الوطني والأخلاقي والسياسي الذي يحاول الديمقراطيون إضفاءه على محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة التحريض على اقتحام أنصاره الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي، وبين نظرية المؤامرة المهيمنة على فريق ترامب من الموالين له، والتي ترى في المحاكمة محاولة جديدة لتصفية الملياردير الشعبوي سياسياً، يبدو الحزب الجمهوري في موقع لا يحسد عليه، بانتظار حسم أعضائه في مجلس الشيوخ قرارهم بتبرئة ترامب أو إدانته، بعدما أصبحت محاولة عزله الثانية في يدهم، وإن كان خيار التبرئة الأكثر ترجيحاً بحسب المعطيات.

من جهته، سعى الرئيس جو بايدن، أول من أمس، إلى إبراز الجانب التاريخي من المحاكمة. لكن بايدن استبعد، في تصريحات لـ”سي أن أن”، أن تجد محاكمة ترامب 17 سيناتورياً جمهورياً مؤيداً لعزله، ما يعني أن الصفحة طويت عملياً قبل أن تبدأ. أما محصلتها الفعلية، فقد تجد صداها قريباً، عبر تصميم ترامب على الانتقام من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين صوتوا في مجلس النواب لإقرار المحاكمة، والذين أبدوا تجاوبهم معها في مجلس الشيوخ، وقد يصوتون لاحقاً لإدانته. ولم تهبط شعبية ترامب لدى القاعدة الجمهورية إلى دون الـ40 في المائة، رغم كلّ تداعيات الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقبلها عاصفة وباء كورونا. ويُبقي ذلك “فزاعة” ترامب قائمة لدى الحزب الجمهوري، لا سيما لجهة ولادة حزب “ماغا”، أو أي حزب مستمد من شعار ترامب “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً”، في أي وقت. وسيكون هدف هذا الحزب، إذا تم المضي به من قبل ترامب، الانتقام من الجمهوريين، والتأكيد على أن قاعدة أميركية واسعة لم تعد تؤمن بالحزبين التقليديين، لكن تأثيره في المقابل سيكون إيجابياً على الحزب الديمقراطي، الذي يزيد من خلال المحاكمة، عن سابق تصور وتصميم، في تخبط الحزب المحافظ وانقسامه.

في الأثناء، برز تطور لافت، أول من أمس الإثنين، تمثل بإنهاء المحكمة العليا الأميركية التي يهمين عليها المحافظون، دعاوى قضائية تتهم ترامب بانتهاك بنود مكافحة الفساد في الدستور الأميركي، باحتفاظه بملكيته لإمبراطورية أعماله أثناء توليه الرئاسة. وتجاهل قضاة المحكمة أحكام محاكم أقل درجة سمحت بقبول هذه القضايا، إحداها رفعتها مقاطعة كولومبيا (واشنطن)، وولاية ماريلاند، وأخرى رفعها مدعون، منهم مجموعة مراقبة. كما رفض قضاة المحكمة العليا، كذلك، نظر استئناف ترامب على هذه الأحكام، وأمروا المحاكم الأقل درجة برفض القضايا بسبب إنهاء الخلاف بتركه السلطة.

وسلّم مشرعون ديمقراطيون، أول من أمس الإثنين، اللائحة الاتهامية لمحاكمة ترامب إلى مجلس الشيوخ، للبدء بجلسات المحاكمة في الأسبوع الثاني من فبراير/ شباط المقبل. وحمل 9 “مدعين” من مجلس النواب، أو مدراء المحاكمة، كانت رئيسة المجلس نانسي بيلوسي قد عينتهم، وعلى رأسهم جايمي راسكين من ماريلاند، القرار الاتهامي بـ”التحريض على التمرد” بحق ترامب، بهدف عزله، إلى مجلس الشيوخ، بمسيرة مرّت في الأروقة التي “احتلها” أنصار ترامب لبعض الوقت في 6 يناير. وبحسب “أسوشييتد برس”، فإن معلومات أفادت، أول من أمس، بأن رئيس المحكمة العليا جون روبرتس لن يرأس جلسات المحاكمة، تماماً كما فعل خلال محاكمة ترامب الأولى بقضية “أوكرانيا غيت” في فبراير الماضي، وهذه المرة بحجة التزام البروتوكول، لأن ترامب لم يعد رئيساً، ما قد يضعف المحاكمة. وسيبقى الحرس الوطني مكثفاً انتشاره أمام مبنى الكابيتول، حتى منتصف فبراير، لحماية الكونغرس وأعضائه.

من جهتهم، يسعى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون إلى خفض الانتقادات بحق ترامب، والتي كانت قد تعالت في صفوفهم إثر “غزوة الكونغرس”. كما يُقلل هؤلاء من أهمية الدعوات التي تطالب بإدانته لدوره في التحريض على الاقتحام. ويقدم عدد منهم مجموعة من الحجج القانونية لنقض شرعية المحاكمة، وما إذا كانت طلبات ترامب إثر إعلان نتائج رئاسيات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفوز بايدن، بالانقلاب عليها، ترقى إلى مستوى التحريض.

وتقف خلف هذه الحجج خشية الحزب الجمهوري من الرئيس السابق وأنصاره، الذين يشكلون كتلة انتخابية وازنة. وتساءل السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين، عما إذا كان الكونغرس قد بدأ فعلاً بمحاكمة الرؤساء السابقين. وقال: “هل علينا أن نحاكم باراك أوباما؟”، معتبراً أن ترامب نال جزاءه، إذ إنه “في نظامنا، تتم معاقبتك عبر خسارة الانتخابات”. بدوره، رأى السيناتور راند بول (كنتاكي)، أنه من دون رئاسة رئيس المحكمة العليا لجلسات المحاكمة، فستكون الإجراءات بمثابة “العار”. وقال السيناتور جوني إرنست، من أيوا، إن “ترامب أظهر قيادة ضعيفة، لكن من يتحمل مسؤولية اعتداء الكونغرس هم الذين اقتحموه”. وأكد السيناتور تومي توبرفيل، من ألاباما، أن ترامب هو سبب فوزه بمقعد في “الشيوخ”، وهو “فخور بفعل كل ما يلزم من أجله”. وأكد السيناتور ليندسي غراهام أن الجمهوريين الذين سيصوتون لإدانة ترامب في مجلس الشيوخ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، وهؤلاء يتقلصون أيضاً. ومن المعروف أن السيناتور ميت رومني سيصوت لصالح الإدانة. وكان زعيم الأقلية ميتش ماكونيل قد أعلن أنه سيفكر في التصويت لإدانة الرئيس السابق. ورأى السيناتور رون جونسون، من ويسكونسن، أن الديمقراطيين سيكونون الفائزين الوحيدين من العزل. ويفترض أن يكون ترامب قد تسلمّ، أمس، استدعاء رسمياً من المجلس في إطار محاكمته، علماً أن ماكونيل ورومني والسيناتور روجر مارشال (كنساس)، هم فقط الذين كانوا من الجمهوريين داخل قاعة مجلس الشيوخ لدى تسليم الديمقراطيين للقرار، الإثنين. ومن الأسماء التي قد تصوت أيضاً لإدانة ترامب ليزا موركوفسكي وسوزان كولينز وبن ساسي.

ويسعى الجمهوريون إلى الموازنة بين المانحين الذين يريدون أخذ مسافة من ترامب، وبين تحذيرات بعض هؤلاء من مغبة قيام الأخير بشق الحزب، وبين القاعدة الجمهورية التي تضع ترامب بمرتبة “الأيقونة”. ووصل الأمر ببعض الجمهوريين في الكونغرس إلى الإعلان عن عدم ترشحهم للانتخابات النصفية في 2022. وقال السيناتور روب بورتمان، من أوهايو، إنه لن يسعى لتجديد مقعده بعد عامين “بسبب الجو السياسي شديد الاستقطاب”. وكان مجلس النواب الأميركي قد وافق على المضي بإجراءات محاكمة ترامب، في 13 يناير، مع دعم حصل عليه من 10 نواب جمهوريين، أبرزهم ليز تشيني وآدم كينزينغر وجون كاتكو.

وكان بعض السياسيين الجمهوريين الذين أدلوا بإدانات لترامب، قد تعرضوا لتهديدات وترهيب من قبل مجهولين، يرجح أنهم من أنصار ترامب من اليمين المتطرف.

ودخل الرئيس جو بايدن، أول من أمس، على خطّ المحاكمة، إذ نقلت عنه شبكة “سي أن أن” اعتقاده بأنه لن تكون هناك أصوات كافية لإدانة سلفه في مجلس الشيوخ في إطار مساءلته. وقال بايدن في مقابلة مع الشبكة، إن المحاكمة يجب أن تحصل، مقراً بأنها قد تؤثر على أجندته التشريعية، ولكن الأمر سيكون أسوأ “إذا لم تحصل”. واستبعد الرئيس الأميركي أن يجد المجلس 17 سيناتوراً جمهورياً مؤيدين للعزل.

ومع المحاكمة، تعود ملامح الحرب المستعرة بين ترامب وأعدائه داخل الحزب الجمهوري إلى الواجهة، وتبرز معها فرضية تأسيس ترامب لحزب جديد، منشق عن الحزب المحافظ. ورأى جون بولتون، مستشار ترامب السابق للأمن القومي، في مقال في “ناشونال ريفيو”، أن المحاكمة “ستخدم ترامب، وليس من يريد تصفيته سياسيا”. وبحسب “واشنطن بوست”، فإن فريق ترامب يخطط لإجراء استطلاعات إضافية خلال الأيام المقبلة، ممولة من لجنة العمل “أميركا أولاً”، لتحذير أعضاء مجلس الشيوخ من العواقب السياسية التي قد تنجم عن تصويتهم لإدانته. وكانت الصحيفة قد ذكرت في وقت سابق أن ترامب أمضى عطلة نهاية الأسبوع يخطط لكيفية الانتقام، وأنه قال إن تهديده بإنشاء حزب جديد، من شأنه منع الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ من التصويت لإدانته، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” أكدت أنه تراجع عن الفكرة، لكنه سيظلّ يبحث عن كيفية معاقبة من وقفوا ضدّه، لا سيما في تمهيديات الحزب المقبلة.

العربي الجديد

———————————

=======================

==========================

تحديث 28 كانون الثاني 2021

—————————–

بايدن يتسلّح بخبرته لاستعادة الدور الأميركي في سوريا

سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إيران وروسيا وتركيا عامل حيوي في المعادلة السورية.

يشهد الملف السوري حالة من الترقّب الحذر بانتظار أولى الخطوات التي ستتخذها الإدارة الأميركية الجديدة، فيما تلوح عدة مؤشرات على أن إدارة جو بايدن ستتجه إلى تبني استراتيجية مختلفة عن إدارة سلفه دونالد ترامب. ويراهن محللون على أن الإدارة الجديدة ستعمل على استعادة الدور الأميركي في سوريا بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة، لكن ذلك يبقى رهين تسويات مع الفاعلين في الأزمة وفي مقدمتهم روسيا وإيران.

لندن – تدور تساؤلات تراود المراقبين السياسيين عما يمكن أن تحمله الرياح الأميركية إلى السوريين مع وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض قادما من مدرسة سياسية مغايرة عن سلفه دونالد ترامب، الذي لم يفعل الكثير بحسب البعض للتأثير أكثر على نظام بشار الأسد الذي لم يسقط من اندلاع انتفاضة شعبية قبل عشر سنوات.

ويبدو أن استمرار دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شرق سوريا، والوجود الإيراني، وتمركز روسيا على البحر المتوسط، والعلاقة مع تركيا، ستمثل كلها محاور كبرى لكيفية التعاطي الأميركي مع القضية السورية، وقد تتبنى إدارة بايدن إجراءات أكثر خشونة ضد القوات الإيرانية المنتشرة على الأراضي السورية، وضد النفوذ الروسي أيضا.

ميول طاقم بايدن

لا تحدث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية الأميركية باختلاف الرؤساء والأحزاب، فالإدارات المتعاقبة على تنوعها تخضع إلى استراتيجيات موحدة بعيدة المدى، مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، والقول الفصل في المحصلة يكون للمؤسسات وليس للأشخاص، وتعتبر فترة ترامب حالة فريدة في التاريخ الأميركي.

ومع ذلك، تبقى للرئيس وإدارته هوامش كثيرة تسمح بحيز واسع من التغييرات في الداخل والخارج. وتكتسب هذه الهوامش أهمية إضافية، عندما يتعلق الأمر بإحداث تغييرات ملموسة في مسار البوصلة الأميركية، بالنسبة إلى دول كثيرة، دون أن يؤثر ذلك على المصالح الكبرى للولايات المتحدة.

وغالبية الطاقم القيادي الذي عيّنه بايدن، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، ونائبته كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، لهم مواقف مناهضة وحادة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه “القمعي” بشكل عام.

وعمل بايدن خلال حملته الانتخابية الرئاسية على استمالة الناخبين من خلال إطلاق الوعود بتحقيق استراتيجيته، وخاصة في ما يتعلق بالملف السوري، لكنّ بعض المتابعين يعتقدون أن حقائق الأمر الواقع اليوم قد تجعله يعيد حساباته وربما ينتهي به المطاف مع انتهاء ولايته في 2024 دون إحداث أي اختراق في جدار الأزمة.

غالبية أعضاء فريق بايدن لديهم مواقف مناهضة وحادة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه القمعي بشكل عام

وثمة مؤشرات على أن فريق بايدن يعمل على سياسية مغايرة لفريق ترامب، فنائبة الرئيس هاريس هاجمت في مناظرة رئاسية في نوفمبر الماضي، النائبة تولسي غابارد لرفضها وصف رأس النظام بشار الأسد بـ”مجرم حرب”. وقالت هاريس حينها “هذا يأتي من شخص كان مدافعا عن الأسد، الذي قتل الناس في بلاده مثل الصراصير”.

وفي أعقاب الضربة الأميركية لنظام الأسد، والتي استهدفت مطار الشعيرات وعدة مواقع للنظام عام 2017 ردا على هجوم خان شيخون الكيميائي، أصدرت هاريس بيانا قالت فيه إن “بشار الأسد هاجم المدنيين الأبرياء بشراسة، بمن فيهم العشرات من الأطفال الذين ماتوا اختناقا بالأسلحة الكيمائية. وهذا الهجوم يعزز الحقيقة الواضحة بأن الأسد ليس فقط دكتاتورا لا يرحم، يعامل شعبه بوحشية، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله”.

ولا يقل موقف وزير الخارجية بلينكن، الذي عمل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون قبل أن يصبح مديرا للموظفين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عندما كان بايدن رئيسا للجنة، حدة عن مواقف هاريس وبقية “فريق أحلام” بايدن في التعاطي مع أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط.

وفي معرض انتقاده لسياسة ترامب في سوريا صرح بلينكن، الذي عمل في السنوات الأولى من إدارة باراك أوباما، إلى مجلس الأمن القومي، قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية ليعمل كنائب لوزير الخارجية جون كيري في ذلك الوقت، قائلا “فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح وفي منع النزوح الجماعي للناس داخليا في سوريا، وبالطبع في الخارج كلاجئين”.

وشدد على أنه في الوقت الذي كان لدى الولايات المتحدة نفوذ ما متبقٍ في سوريا لمحاولة تحقيق بعض النتائج الإيجابية، لسوء الحظ، قامت إدارة ترامب بتحويل ذلك إلى حد ما للانسحاب بالكامل في سوريا.

ورغم أن بلينكن كان مهندس الاتفاق النووي الإيراني الذي تسعى طهران إلى إحيائه من جديد، إلا أنه كان في نفس الوقت من دعاة توجيه ضربة عسكرية للأسد بعد تخطيه خطوط أوباما الحمراء.

أما بريت ماكغورك، المبعوث السابق للتحالف الدولي لقتال تنظيم داعش، الذي استقال احتجاجا على قرار ترامب أواخر 2018 بسحب القوات الأميركية من سوريا، فقد اعتبر ذلك “انقلابا كاملا على السياسة المرسومة سابقا”.

والآن يعود ماكغورك، الذي عرف خلال توليه منصب مبعوث التحالف الدولي منذ 2015 حتى أواخر 2018، بدعمه المطلق للأكراد في شرق سوريا، إلى المشهد السوري بقوة بعد تعيينه مستشارا في مجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

سياسة جديدة

يبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس بايدن وإدارته في سوريا، مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254، يبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس بايدن وإدارته في سوريا، مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254،

تدرك إدارة بايدن أن بقاء نظام الأسد ستترتب عليه تداعيات خطيرة، في مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، واحتمال عودة الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، مما قد ينعكس سلبيا على استقرار دول الجوار.

ويشكل تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، هاجسا يؤرق السوريين خشية انعكاسه على استمرار تواجد إيران في سوريا. لكن إحياء اتفاق تم تعطيله لسنوات لن يكون سهلا، حيث هناك فرصة بأن تطالب الولايات المتحدة والدول الأوروبية إيران بالمزيد من التنازلات، خصوصا في ما يتعلق بملف برنامجها الصاروخي المثير للجدل، وكذلك دعم طهران لميليشيات مسلحة تعتبرها الولايات المتحدة وأوروبا مزعزعة للاستقرار.

ويرى محللون أن إعادة عقارب الساعة إلى العام 2015 يبدو أمرا مستحيلا، وإذا فشلت الدبلوماسية مرة أخرى، فإن انتشار الأسلحة، وانهيار الاقتصاد الإيراني المحتضر قد يتبعان ذلك، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تبعات هامة وخطيرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.

ويبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس بايدن وإدارته في سوريا، مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254، وجديته في دفع عملية الانتقال السياسي، ومنع نظام الأسد من فرض أمر واقع، من خلال إجراء انتخابات صورية يكتسب من خلالها شرعية زائفة تستند عليها موسكو في إطالة أمد معاناة السوريين.

وفي خضم ذلك، قد تستمر إدارة بايدن في اتباع بعض السياسات التي اتخذتها إدارة ترامب، كفرض عقوبات على دمشق والتي يجسّدها “قانون قيصر”، فمنذ اعتماده قبل عام تقريبا أصبح قانونا أميركيا نافذا وعابرا للتوجهات السياسية للإدارات الحاكمة، سواء بالنسبة إلى الديمقراطيين أو الجمهوريين على السواء.

وبموجب هذا القانون، طبقت إدارة ترامب عقوبات صارمة طالت نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين، والعديد من الشخصيات والمؤسسات اللبنانية.

وفي حكم المؤكد، أن تستمر إدارة الرئيس بايدن في تطبيق القانون، عبر فرض حزم إضافية من العقوبات بموجبه، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام، للحد من تفكيره بالإقدام على المزيد من العمليات العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة، ما سيتسبب في المزيد من الدماء والتهجير.

ورغم أن القانون يتيح للرئيس الأميركي رفع العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، شرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني، أو لأسباب أخرى تتعلق بالأمن القومي الأميركي، إلا أن هذا الخيار، في حال فكر فيه بايدن سيكون محط نقاش ولغط كبيرين في الكونغرس، وسيتوجب عليه إقناع النواب بالأسباب الموجبة لذلك.

العرب

—————————–

بايدن وفرصة جديدة في سوريا/ رضوان زيادة

لحظتان فارقتان في تاريخ الثورة السورية، الأولى استخدام السلاح الكيماوي بهجوم واسع النطاق في الغوطة عام 2013، والثانية التدخل الروسي في سوريا في أيلول 2015.

ما الذي أعنيه باللحظة الفارقة هنا، أقصد بالتحديد طريقة رد فعل الشعب السوري والمعارضة السورية من طرف والمجتمع الدولي من جهة ثانية، فقرار استخدام النظام للسلاح الكيماوي ضد منطقة مدنية بالرغم من التحذير الأميركي المتكرر له عنى تماما أن النظام حرق كل أوراقه فيما يتعلق بالتعامل مع الثورة السورية بطريقة مختلفة غير العنف الأقصى، وصل الأسد حينها إلى قناعة رددها كثيرا شبيحته وموالوه على حساباتهم على الفيس بوك “الأسد أو نحرق البلد” ليس شعارا وإنما هو سياسة منهجية يجب تطبيقها على الأرض مهما كانت الكلفة البشرية والمادية ومهما كانت كلفة ذلك على سوريا كوطن وأمة.

رد الفعل الدولي كان مخزيا للأسف عندما لم يلتزم أوباما بالخط الأحمر الذي حدده وهو ما فهمه الأسد أن ضوءا أخضر أعطي له كي يمارس العنف بحدوده القصوى ولن تكون هناك أية تداعيات عسكرية، وحينها فهمت المعارضة السورية أن نظاما يستخدم العنف بحده الأقصى لن تزيحه سوى القوة العسكرية وهو ما حول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة لكنها فشلت في إسقاط الأسد لأسباب كثيرة أهمها التشتت والقتال العنيف بين الفصائل وغياب قيادة موحدة ونقص الدعم الحقيقي للمعارضة الذي لم يوازِ الاستخدام العسكري لنظام الأسد.

اللحظة الثانية كانت لحظة التدخل العسكري الروسي وهي عنت بشكل أو بآخر أن لا قدرة للمعارضة العسكرية على مواردها المحدودة على حسم الصراع طالما أن روسيا وضعت ثقلها تماما خلف الأسد بغض النظر عن الحسابات السياسية لكل طرف، لكن هذه اللحظة عنت أيضا بالنسبة للمعارضة أن القوة الوحيدة القادرة على إخراج روسيا من سوريا هي قوة موازية لها أو أشد قوة وهي القوة الأميركية.

الذي حصل للأسف أن انسحاب القوة الأميركية مكن الأسد من استغلال اللحظة الأولى إلى الحد الأقصى، وعدم الرغبة الأميركية بمواجهة روسيا في سوريا دفع روسيا لاستغلال اللحظة الثانية للأقصى.

ومن هنا نفهم حجم تعويل المعارضة السورية على دور أميركي أكبر في سوريا يساعدها في التخلص من الأسد ووضع سوريا مجددا على الخريطة الدولية، فمن دون قيادة أميركية في سوريا سيبقى الأسد مستغلا الانسحاب الأميركي الكامل ومن دون هذه القيادة ستستمر روسيا في فهم سوريا وكأنها ساحة صراع دولية لها فيها قصب السبق.

واضح هنا، أن كلا الطرفين الدوليين روسيا وأميركا أرهقا في سوريا عسكريا، أميركا ليس لها الرغبة في أي عمل عسكري بعد العراق وأفغانستان، وروسيا جمدت عملياتها العسكرية في الشمال السوري لأنها ترى في تركيا صدا منيعا لها وبالحقيقة لا تشعر تماما بجدوى أي عمل عسكري تكلفته أكثر من المكاسب الخاصة بها.

لكن للأسف رغم وصول الطرفين إلى هذه القناعة لكنهما لم يجدا في الحل السياسي بديلا مناسبا، فروسيا ما زالت تعتبر أن تغيير المعادلات على الأرض هو قوتها وأن تمسكها بمفاوضات جنيف هو بسبب التغطية على دورها العسكري في سوريا. فروسيا اليوم لا تتدخل لحساب نظام الأسد وإنما تتصرف بوصفها قوة احتلال، وتستخدم القوة لفرض رغبتها العسكرية والقوة ذاتها لرغبات أحلامها السياسية.

على أميركا وروسيا الإقرار بأن مزيدا من القوة العسكرية لن يكون حلا في سوريا، وأن مشكلة سوريا اليوم تكمن في الأسد، بقاؤه في السلطة يعني مزيدا من المعاناة للسوريين وتعميقا لأزمة اللاجئين والمشردين والنازحين، التي لا يبدو أن روسيا تكترث كثيرا لها.

تلفزيون سوريا

—————————–

بايدن: رئيس مقتدر أم مجرد خيال لرئيس سابق؟/ محمد ياسين نجار

تتربع السياسة على قمة المهن المعقدة والتي يعتبر فك شيفرتها وطلاسمها قضية بالغة الصعوبة، لا يجيدها إلا قلة؛ من خلال وضع البرامج والتصورات لتحقيق الإنجازات لبلادهم، تخلد ذكراهم في وجدان شعوبهم وتضع أوطانهم في مصاف القمة.

تقود أميركا العالم منذ عقود، اعتمدت على قادة أفذاذ أمثال جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وإبراهام لينكولن وتيودر روزفلت منذ تأسيسها عام 1776؛ لكنها حاليا أمام منعطف هام في تاريخها وأمامها تحديات لاستمرار قيادتها للعالم أمام دول طامحة أمثال الصين وروسيا وألمانيا، فترة بايدن هامة على صعيد إعادة الهيبة والتعامل مع الدول الطامحة دوليا وإقليميا والملفات الشائكة مثل الصحة والمناخ والنووي الإيراني.

يتكلم كثير من المحللين السياسيين عن توقعاتهم لمرحلة بايدن ذي الجذور الإيرلندية؛ ثاني شخصية كاثوليكية تشغل الرئاسة بعد كيندي، ذهب الغالبية وبشكل متسرع إلى توصيف فترته بأنها نسخة ثالثة عن حكم أوباما بسبب شغله موقع النائب له لفترتين وعدم بروزه أمام شخصية أوباما الطاغية؛ مما جعل السوريين يتخوفون منه، فلم تعد أوضاعهم تتحمل المزيد من التجاهل وإبرام الصفقات على حساب ثورتهم.

هل بايدن نسخة مكررة عن أوباما؟

للقيام بتحليل دقيق لتلك الفرضية، إقرارها أو نقضها، نحتاج إلى دراسة تاريخ الرجل منذ دخوله إلى عالم السياسة، ودراسة شخصيته، والمحطات الرئيسية في حياته، والقرارات التي شارك بها، والفريق الذي قام باختياره، حتى نستطيع الوصول إلى تصور منطقي بعيدا عن العواطف أو التسرع في إطلاق الأحكام.

بدأ بايدن بممارسة السياسة بالتزامن مع انقلاب حافظ الأسد على الحكم عام 1970؛ أي: لم يكن يتجاوز عمره حينها 28 عاما، بوصفه عضوا محليا في ولاية ديلاوير التي انتقلت إليها عائلته ولم يتجـاوز العاشـرة؛ تعتبـر ولايـة “ديلاوير” ثاني أصغر ولاية في أميركا بعد “رود آيلاند” والتي لا يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة ومساحتها قرابة نصف مساحة لبنان، طموحه دفعه إلى الترشح لمجلس الشيوخ والفوز عن ولايته ليعتبر سادس أصغر سيناتور في تاريخ مجلس الشيوخ؛ يعتبر بايدن شخصية ديمقراطية مركبة فهو يجمع بين الليبرالية على صعيد الحقوق المدنية والحريات والرعاية الصحية والمحافظة على صعيد الإجهاض والتجنيد العسكري؛ استمر في مجلس الشيوخ لستة فترات حتى عام 2009، شغل خلالها موقع رئيس لجنة العلاقات الخارجية والقضائية، وأقر قوانين حازمة على صعيد مكافحة الجريمة والمخدرات والعنف ضد المرأة، سعى للترشح للرئاسة مرتين؛ عام 1988 ولم يتجاوز عمره حينها “46 عاما”، وعام 2008 في الأدوار التمهيدية أمام أوباما، مما سبق يتبين لنا أنه يمتلك خبرة متراكمة شهدت أحداثا كبيرة شارك بها بوصفه شخصية فاعلة مثل توسع الناتو شرق أوروبا وحرب البوسنة والهرسك وأيضا التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان وأحداث الربيع العربي، كل تلك المشاركات كانت من موقع الشخصية الفاعلة في المشهد السياسي.

تعرض بايدن خلال مسيرته الحافلة لمطبات كبيرة استطاع تجاوزها بل عاد أكثر قوة، مثل وفاة زوجته الأولى وابنته ناعومي بالتزامن مع انتخابه لمجلس الشيوخ، وفي عام 2015 توفي ابنه “بو” المدعي العام في ولاية ديلاوير بعد إصابته بورم في المخ.

فريق بايدن

أما إذا انتقلنا إلى فريقه المشكل حديثا، والذي يدل على نمط تفكيره؛ فهو اختار كامالا هاريس بوصفها أول امرأة تشغل موقع نائب الرئيس ذات أصول أفروآسيوية مما يقلق الصين، من ولاية كاليفورنيا والتي مثلتها في مجلس الشيوخ عام 2017، ولوضع مقاربة أداء بايدن على صعيد الملف السوري؛ سوف نركز في فريقه المساعد له في المشهد السياسي الخارجي، ونبدأ بوزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي انخرط في العمل السياسي مبكرا مع الرئيس كلينتون عام 1993 فعمل مساعدا خاصا له وكاتبا لخطاباته، ثم عمل مع بايدن لفترة طويلة فشغل موقع مدير الموظفين في لجنة العلاقات الخارجية ولاحقا مستشاره للأمن القومي، ثم نائب مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما بين 2013 – 2015، ثم نائب وزير الخارجية جون كيري 2015 – 2017، اصطدم خلال تلك الفترة مع أوباما بخصوص تجاوزه للخطوط الحمراء في الملف السوري عند استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة واعتبره تقويضا للمصداقية الأميركية، يعتبر مرحلة أوباما شهدت فشلا في التعامل مع نظام الأسد، كما أنه مؤمن بالديمقراطية بشكل أيديولوجي، ويرى ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني من منطلق جديد بحيث تشمل الصواريخ الباليستية، ننتقل إلى “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي، ويعتبر أصغر من شغل هذا الموقع منذ ستين عاما، يبلغ 44 عاماً، وهذا المنصب شغلته شخصيات تاريخية مثل كيسنجر وبريجنسكي، وقدوته هاري ترومان الذي استخدم القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي، شغل موقع كبير المخططين الاستراتيجيين في وزارة الخارجية فترة هيلاري كلينتون، ساهم بشكل فاعل في الاتفاق النووي الإيراني، أمّا وزير الدفاع المختار فهو “لويد أوستن” المتقاعد حديثا من الجيش الأميركي ممّا اضطره إلى أخذ استثناء عليه إذ لم يمض عليه فترة السبع سنوات المشروطة لقبول عمل العسكريين في السياسة؛ شغل أوستن موقع قائد القيادة المركزية الأميركية حتى عام 2016 والتي مقرها في ولاية فلوريدا، وقاعدة العديد في قطر والتي تشمل الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وأجزاء من آسيا تصل الى أفغانستان، وهو من قاد العملية العسكرية في العراق 2003 ويعتبر مهندس الحملة على داعش مما يجعله مطلعا على الأوضاع في المنطقة عن كثب، بل مشاركا رئيسا في هندستها.

بالإضافة إلى تلك الشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي الأميركي في فريق بايدن هناك شخصيات هامة مثل: “وليام بيرنز” نائب وزير الخارجية السابق حتى عام 2014 الذي سوف يشغل موقع مدير وكالة المخابرات المركزية، عمل بيرنز سفيرا في الأردن وروسيا وألف كتابا عن مصر ويتقن اللغات العربية والروسية والفرنسية، وأيضاً: “ليندا توماس غرينفيلد” السفيرة في الأمم المتحدة فهي تؤمن بقوة اللطف والرحمة من أجل تحقيق عالم أفضل، وهناك شخصية أخرى هي “أفريل هاينز” التي ستقود الاستخبارات الوطنية، وكانت قد عملت مع بايدن في مجلس الشيوخ، ثم مستشارة في البيت الأبيض في فترة أوباما، وشغلت موقع نائب مدير وكالة الاستخبارات عام 2015 بوصفها أول امرأة تشغل هذا المنصب.

من خلال استعراض تاريخ بايدن، وتحليل الشخصيات المختارة بعناية فائقة، والمتميزة بتنوع الخلفيات، وجميعها تتمتع بتأهيل علمي مرتفع، تخرجت في أرفع الجامعات العالمية، ولديها اطلاع مباشر ودقيق على الأوضاع في المنطقة؛ معظمهم عملوا معه بشكل شخصي سواء في مجلس الشيوخ أو في البيت الأبيض، بل الغالبية تم ترشيحهم لأوباما بسبب قلة خبرته في الشق السياسي قبل مجيئه إلى الرئاسة، على عكس بايدن الذي تدرج سياسيا وامتلك الطموح والإرادة والمعرفة مما جعل وصوله إلى الرئاسة تتويجا طبيعيا لتاريخه الحافل، وتبقى أهم نقاط ضعفه اقترابه من الثمانين، فهل يبقى محتفظا بحيويته ولياقته حتى آخر فترته؟.

الفرصة الأخيرة

أمام المعارضة السورية تحدّ كبير في كيفية التعامل مع مرحلة بايدن، خاصة بعد التغييرات الطارئة في هيئة التفاوض واستعصاء اللجنة الدستورية، واقتراب “قسد” من منصة موسكو المرتبطة بروسيا سياسيا، وهذا بالذات ما حذر منه بلينكن تركيا وقال: إنَّ عليها حسم خياراتها، فكيف سيكون الموقف من قسد؟ أيضاً هناك تخوف من أن يتم إنجاز اتفاق جديد بالملف النووي الإيراني مرة أخرى على حساب ملف الثورة السورية.

المعارضة السورية أمامها تحديات جديدة، وأمامها كذلك فرص كبيرة خلال عام 2021 يمكن أن تكون آخر الفرص ولا تتكرر ثانية، إن لم يحسنوا التعامل معها ويرتقوا إلى مستوى التضحيات التي قدمها السوريون خلال عقد كامل يعتبر من أقسى وأصعب ما مر على السوريين في تاريخهم المعاصر، وإذا لم يتم تجاوز هذه المرحلة الحرجة والمفصلية من عمر الثورة السورية باقتدار؟ وإذا لم تعمل المعارضة على تنظيم صفوفها وجعل هدفها الوحيد إسقاط نظام الأسد؟ فسيفشلون! وهذه المرة سيسقطهم الشعب السوري إلى غير رجعة.

تلفزيون سوريا

———————-

=====================

تحديث 29 كانون الثاني 2021

———————————

الأسد بين خيارين.. عراق التسعينيات أو مصير علي عبد الله صالح/ منير الربيع

تتزاحم العاطفة مع العقل، الواقعية والتمنيات، السياسة والأخلاق، لدى مقاربة ملف كالملف السوري. بالنظر إلى إدارة أميركية راحلة، ومجيء إدارة جديدة، تتشابك في مخيلة أي مراقب قراءات وتصورات وخلاصات لا يمكن أن يصل من خلالها إلى نتيجة واضحة.

ولكن في خلال التفكير بها، يستعيد بذاكرته إعادة تعريف شاملة للسياسة وأصولها، لصراعات الأمم أو لعبتها، والتي غالباً ما تسحق الشعوب. وهذا أكثر ما ينطبق على الإدارات الأميركية المتعاقبة. جورج بوش والذي نظر إليه الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة الأميركية، بأنه فاتح عصره، والذي ضرب لهم صدام حسين، ولوح مراراً بضرب بشار الأسد، وكان شديد “الشراسة” ضد إيران، كانت نتائج حروبه أكثر من عرفت طهران كيفية توظيفها في صالحها، فسيطرت على العراق، وتمكّنت من الاستحواذ على القرار الفلسطيني، عمّقت علاقتها أكثر بالنظام السوري، وورثت عنه دوره في لبنان.

عهد باراك أوباما والذي تأمل فيه المضطهدون، لم يسهم بغير سحقهم، مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية معه قد تغيرت من جمهورية إلى ديمقراطية. قضى أوباما على آمال السوريين وعلى أدوار شخصيات مؤثرة في إدارته كوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مثلاً بسبب رفضها لسياق الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران، وكان كثير الحماسة لتوقيعه وإبرامه. استكملت إيران في ولاية باراك أوباما ما أسسته في ظل حروب جورج بوش، مع أوباما أعلنت طهران عن سيطرتها على أربع عواصم عربية، وأصبحت على مشارف السعودية.

في ولاية دونالد ترامب الجمهوري النزق، صاحب الطباع الغريبة، كان من البديهي عدم الرهان على الرجل في غير سياق المقاولات وتجارة المال في السياسة، وله الكثير من المواقف في هذا المجال، لم يكن من الوارد الرهان على ما سيقدم عليه ترامب، والذي استخدم أسلوب رجال الأعمال في عمليات الابتزاز سواء لإيران من خلال فرض العقوبات أو العراضات العسكرية، أو ابتزاز دول الخليج مقابل استجرار كبريات القطعات العسكرية للاستعراض فقط، ولم يقدم على خطوة، وهو بنفسه أعلنه أنه عندما كان ينوي اغتيال بشار الأسد ولكن وزير دفاعه حينها هو الذي رفض ذلك، وهذا مؤشر على سياسة الدول العميقة، أو متركزات المؤسسات.

حالياً يأتي جو بايدن، ومخاوف الشعب السوري ومناصري ثورته، تتعاظم من احتمال تكرار تجربة باراك أوباما السوداء، وحقبة إطلاق يد إيران وجماعاتها في سوريا وفي كل منطقة الشرق الأوسط، بلا شك أن هناك مخاوف حقيقية لا بد من التوقف عندها، وقد ترافقنا لأربع سنوات جديدة بهواجسها ومكائدها ولعبة المصالح التي لا تضرب غير الشعوب.

لم تتضح حتى الآن وجهة جو بايدن، وسط تناقضات كبيرة في خلاصات جانب منها يعتبر أن الرجل ومن خلال فريق عمله سيستعيد تجربة أوباما، في حين أن وجهة نظر أخرى تقول إنه لا بد من يصحح الخطايا التي ارتكبها.

واقعياً على الأرض، هناك مؤشرات حول استمرار الدفع باتجاه تكريس الفصل بين القوى الكردية، والنظام السوري، مؤشر المعارك بين الطرفين سيتصاعد، في حين أن طموح الأكراد هو الذهاب إلى ما يماثل الوضع الكردي في العراق، وهم يراهنون بقوة على جو بايدن، كعراب لنموذج تقسيم العراق. كلام وزير الخارجية الأميركية الجديد أنطوني بلينكن كان واضحاً حول الوضع السوري، والتركيز على دعم الأكراد وعدم الانسحاب من سوريا، مقابل اعتماد سياسة متشددة تجاه النظام.

في المقابل، هناك أجواء أميركية تعمل على تشكيل لوبي ضاغط بهدف تغيير السياسة الأميركية تجاه سوريا، وفق مبدأ تخفيف الإجراءات العقابية التي تنعكس على الشعب السوري، لأن الضغط على السوريين لن يؤدي إلى تغيير النظام.

ستتحول سوريا إلى لا دولة خاضعة للحصار على مدى سنوات طويلة، في حين تكون هناك منطقة كردية محصنة. يتحول الواقع السوري اليوم إلى ما يشبه واقع العراق في التسعينيات.

تطورات كثيرة سيشهدها الملف السوري في المرحلة المقبلة، بعض المؤشرات تفيد بأن إيران لن تقدم على أي خطوات في سبيل تنشيط نفوذها أو تحركاتها في سوريا في المرحلة الاولى من إدارة بايدن.

ويقول حزب الله: إن الإدارة الأميركية الجديدة لا تمانع بوجود النفوذ الإيراني ولكن تحت الضابطة الروسية وبما يحفظ مصالح إسرائيل. سيكون بشار الأسد بين منزلتين، أو بين خيار من اثنين، إما الذهاب أكثر باتجاه حميميم والبحث عن العلاقة سراً وعلناً مع إسرائيل، ما قد يدفعه إلى مصير علي عبد الله صالح، أما بحال أصر على البقاء في الكنف الإيراني، لن يجد من يعومه أو من يرفده بأي دعم وبالتالي سيبقى في عزلته في حين يدفع السوريون الثمن طالما أنه لا إجراء سيطاله في قصره.

تلفزيون سوريا

——————————

إدارة بايدن تصدر أول قرار يخص السوريين في أمريكا.. هذه تفاصيله

أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن أول قرار يخص السوريين المقيمين على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية.

وبموجب القرار الذي جاء من قبل وزير الأمن القومي الأمريكي بالإنابة، ديفيد بيكوسكي، اليوم الجمعة تم السماح بتمديد إقامات السوريين المؤقّتة في الولايات المتّحدة لـ 18 شهرا.

كما سمح للسوريين الذين دخلوا إلى الولايات المتحدة بعد تاريخ 1 أغسطس 2016 بالتقدم على “الإقامة المؤقتة”، حتى ولو لم يكونوا قد حصلوا عليها سابقاً.

ويمكّن هذا الإجراء أكثر من 6700 مواطن سوري مؤهل (وأفراد بدون جنسية أقاموا في سوريا آخر مرة) من الاحتفاظ بنظام الحماية المؤقتة الخاص بهم حتى أيلول / سبتمبر 2022.

ويسمح لحوالي 1800 فرد إضافي بتقديم طلبات أولية للحصول على هذه الحالة، حسب ما ترجمت “السورية.نت” من القرار.

وأشار القرار إلى أن الوزير بالإنابة ديفيد بيكوسكي قرر تمديد عضوية سورية في نظام “الحماية المؤقتة”، بعد التشاور والنظر بعناية في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.

وجاء في القرار أيضاً: “تستمر الحرب الأهلية السورية في إظهار الاستهداف المتعمد للمدنيين، واستخدام الأسلحة الكيماوية وتكتيكات الحرب غير النظامية”.

وتابع: “تسببت الحرب أيضاً في الحاجة المستمرة للمساعدات الإنسانية، وزيادة في عدد اللاجئين والنازحين، وانعدام الأمن الغذائي، ومحدودية الوصول إلى المياه والرعاية الطبية، إلى جانب تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في سوريا. تمنع هذه الظروف المواطنين السوريين من العودة بأمان”.

متى بدأت “الحماية المؤقتة؟

وكانت الولايات المتحدة قد منحت ما يعرف بـ “الحماية المؤقتة” للسوريين الذين دخلوا أراضيها بعد عام 2012، في عهد الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما.

لكن في عام 2016 عدلت وزارة الأمن الوطني الأميركية التصنيف، ليشمل أهلية تسجيل أي سوري أقام في الولايات المتحدة بشكل مستمر حتى الأول من أغسطس من العام ذاته.

وجددت وزارة الأمن الوطني في يناير 2018 منح وضع الحماية المؤقتة للسوريين، لكنها لم تمدد التاريخ الذي يجب أن يتواجد فيه السوريون في الولايات المتحدة ليكونوا مؤهلين للحصول عليها.

ويعيش نحو سبعة آلاف لاجئ سوري على الأراضي الأمريكية بدأوا بالتوافد إليها منذ عام 2012، فراراً من الحرب في سوريا، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وكانت المنظمة قد أصدرت تقريراً لها في عام 2019، دعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة تمديد “الحماية المؤقتة” للسوريين، على خلفية استمرار أعمال العنف التي ينفذها النظام السوري.

    وزارة الأمن الوطني في #أمريكا ستقرر بنهاية يوليو/تموز إذا ما كان سيُمدَّد وضع الحماية المؤقتة الحالي للسوريين. لماذا يجب التمديد؟ الجواب: https://t.co/NyYaD4sBQq pic.twitter.com/ddJuMGVwi6

    — هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) July 31, 2019

إلغاء قرارات ترامب

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد ألغى في أثناء وصوله إلى البيت الأبيض قرار سلفه دونالد ترامب حظر السفر إلى أميركا من دول ذات أغلبية مسلمة، بينها سوريا وليبيا واليمن والصومال.

وقرار حظر السفر كان من بين القرارات الأولى التي صدرت عن ترامب عند تسلمه الرئاسة في يناير 2017، وأصبحت سمة ملازمة لإدارته في السنوات الأربع الماضية، وكان مبرره “حماية الأمن القومي الأميركي”.

———————————–

فرص العولمة الإنسانية في عهد جو بايدن/ عبد الباسط سيدا

“العالم بات قرية صغيرة”. عبارة نسمعها كثيرًا في المناسبات والأماكن المختلفة، من أشخاص من مستويات واختصاصات مختلفة. وهي عبارة لا تجانب الصواب؛ بل تشير إلى واقع الحال الذي يتمثل في تشابك وتفاعل العلاقات والمصالح والمؤثرات والنتائج، بين جميع أصقاع عالمنا الراهن؛ فارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام يؤثر في الجميع، وكذلك ارتفاع أو انخفاض نسب الفائدة، كما تؤثر الحروب وقوافل اللاجئين والأوبئة والمجاعات والمشكلات البيئية في الجميع.

وفي المقابل، هناك ظواهر أخرى تنعكس نتائجها إيجابًا، بهذه الصورة أو تلك، على الجميع، ومنها ثورة الاتصالات والمعلومات، والنهوض الاقتصادي، والاستقرار الأمني، في هذا الجزء أو ذاك من المعمورة، هذا إلى جانب التقدّم في ميادين البحث العلمي. ولعل ما شاهدناه أخيرًا بخصوص الأبحاث والاستثمارات المشتركة، من أجل الحصول على لقاحات ناجعة لمواجهة جائحة كورفيد-19، يؤكد بوضوح طبيعة عصرنا التي باتت العولمة الواقعية معلمًا رئيسًا من معالمه الحيوية التي نعيشها، وستكون من معالمه المستقبلية أيضًا. هذا بصرف النظر عن المواقف الأيديولوجية، والحسابات السياسية، والتخوفات المشروعة أو اللا مشروعة، التي تعاملت مع ظاهرة العولمة -سلبًا أو إيجابًا- في مختلف المناسبات.

فأن يشتري العامل أو الموظف السويدي من متوسطي الدخل بيتًا في إسبانيا أو تايلاند، أو أن يسافر العامل الألماني أو الفرنسي في إجازته إلى جزر الكاريبي أو مصر أو المغرب أو الهند، وأن يهاجر الطبيب والمهندس أو العامل والفلّاح المغربي أو السوري أو العراقي، إلى أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا، بحثًا عن فرصٍ أفضل، وأن تتحول التجارة عبر الإنترنت إلى ظاهرة عالمية، وأن يقدّم الهندي أو الباكستاني أو الفليبيني خدماته التقنية إلى زبائنه في مختلف أنحاء العالم، وهو في بلده وفي بيته، ومع أسرته، وأن تقوم بعض الدول والشركات بامتلاك الأراضي الزراعية والموانئ والشركات في دول أخرى، وأن تتخصص مصانع في الهند والصين ودول جنوب شرق آسيا لإنتاج السلع لصالح شركات أوروبية أو أميركية، وأن يستثمر الناس في أسواق الأسهم في مختلف أنحاء العالم، وأن يشتري النرويجي أو الدانماركي الفواكه والخضروات والمواد الغذائية المستوردة من دول أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط وأفريقيا؛ كلّ هذه الظواهر، وغيرها الكثير، تؤكد أن عالمنا المعاصر قد تحوّل بالفعل إلى قرية صغيرة، ولم يعد في مقدور أحد التهرّب من مسؤولياته تجاه هذه الوضعية الجديدة التي تجسّد واقع التمازج الحضاري والثقافي، وتبادل المصالح والتأثيرات بين مختلف مجتمعات العالم.

وهذه الظاهرة لا تعدّ من جهة النوعية ظاهرة جديدة، بل كانت موجودة على الدوام؛ ولكنها لم تأخذ الطابع الشمولي الذي تتسم به في وقتنا هذا، وإنما كانت تحدث في أقاليم محددة في العراق القديم وسوريا القديمة، مثلًا، أو بين دول حول المتوسط، وبين الصين وشبه القارة الهندية، وصولًا إلى بلاد فارس وآسيا الصغرى، وفي منطقة إسكندنافيا وبينها وبين روسيا، على سبيل المثال. ولكن الذي باتت ملامحه واضحة، خاصة في العقدين الأخيرين، هو أن نزعة الانعزال، والتركيز على المصالح الخاصة بكل دولة، أو بكل مجموعة سكانية دينية أو اثنية، ضمن نطاق كل دولة، قد باتا يؤثران في السياسات والقرارات، ويؤديان إلى مزيد من التنافس والصراع والحروب، خاصة بعد تفاعل هذه القضايا مع تنامي ظواهر الفساد والاستبداد في العديد من بقاع العالم.

وقد تجسدت النزعة الانعزالية في الجدران الفيزيائية التي أقامتها بعض الدول على حدودها، أو فصلت بموجبها بين مناطق لم يتم التوافق بعدُ على أحقيّة السيادة عليها. هذا إلى جانب الجدران النفسية والاقتصادية التي أسهمت في توتير الأجواء الدولية، وزيادة حدة التشنج والتوجس بين الأطراف المختلفة. وبينما كان من المفروض أن تؤدي الأمم هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات التابعة لها، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، دورًا أكبر في ميدان حلّ الخلافات، وفض المنازعات، ومدّ أواصر التفاهم بني الجميع، والعمل على تأمين المساعدات المطلوبة للمحتاجين، خاصة في المناطق التي تعاني الكوارث الطبيعية والحروب والفقر والأوبئة، وجدنا أنها بقيت عاجزة عن كل ذلك.

عالمنا العولمي، إذا صحّ التعبير، يحتاج إلى إدارة تحرص على بناء الجسور، وإزالة العراقيل، وتحقيق التكامل من أجل تلبية الحاجات، ومعالجة القضايا التي تهدد الأمن والاستقرار في مختلف أنحاء العالم.. إلى إدارة تتخذ من الحاجات والتطلعات الإنسانية أولوية لها، وسيكون ذلك في مصلحة الجميع.

لقد حقق العِلم تقدّمًا هائلًا لمصلحة الإنسان؛ ولكن المشكلة تتمثل في غياب هذه الإدارة. وكان من المفيد المنتظر أن تتوافق الدول بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1991 على تجديد الأمم المتحدة ومنظماتها، لتصبح مؤهلة للتعامل الإيجابي المجدي مع الوضعية العالمية الجديدة؛ ولكن هذا الأمر لم يحدث، مع كل أسف. وقد تجلى عجز الأمم المتحدة بصورة فجة فاضحة، حينما فشلت -عبر مجلس الأمن- في اتخاذ قرارات ملزمة تنص على الحلول الواقعية لجملة الأزمات التي ظهرت عقب ثورات الربيع العربي، في عدد من الدول العربية، خاصة في سورية، وذلك نتيجة استمرار النظام في قتل السوريين، وتدمير مدنهم وبلداتهم، وتهجيرهم، ومع ذلك استخدم الروس، بالتنسيق مع الصين، حقّ النقض (الفيتو)، في مجلس الأمن، لعرقلة إدانة النظام 16 مرة.

ولم يتمكن المجلس المذكور من وضع حدّ للجهود الإيرانية التخريبية، في عدد من الدول العربية؛ وظل النظام الإيراني وميليشياته خارج دائرة الاتهام والتصنيف ضمن قوائم الإرهاب؛ بالرغم من أنه لم يستخدم سوى الإرهاب أداة لتدمير المجتمعات المجاورة، وقمع المجتمع الإيراني نفسه. ولم يتمكّن أوباما، بالرغم من الوعود الجميلة والتحذيرات العديدة التي أطلقها في مناسبات كثيرة، من الالتزام بتلك الوعود؛ ولم يلتزم بمآلات الاستهتار بتحذيراته، الأمر الذي أضعف كثيرًا من هيبة الولايات المتحدة الأميركية، وأدى إلى اضطراب العلاقة بينها وبين حلفائها التقليديين في العالم، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط. وهذا ما أدى إلى عجز إدارته عن الدفع باتجاه قيادة رشيدة حكيمة للعالم. فقد ركز في منطقة الشرق الأوسط على الملف النووي الإيراني، مع علمه المسبق بأن المشروع هو في أساسه ورقة تفاوضية من بين الأوراق التي يستخدمها النظام الإيراني، وذلك للاستمرار في الحكم، بالرغم من رفض غالبية الإيرانيين له.

وكان التبرير المألوف هو أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد من أولويات الإدارة الأميركية، مقارنة مع مناطق أخرى من العالم، مثل الصين وجنوبي شرق آسيا، والعلاقة مع أميركا اللاتينية. ولكن الإدارة المعنية لم تحقق أي إنجاز من الإنجازات التي بشّرت بها، ولم تلتزم بوعودها المعسولة، ولم تتحمل مسؤولية تحذيراتها، كما أسلفنا، خاصة ما يتعلق منها بموضوع “الخط الأحمر” الذي أعلنه أوباما في تهديده لنظام بشار، في حال إقدامه على استخدام الكيمياوي ضد المدنيين.

وجاءت إدارة ترامب لتبدأ معها الفوضى العارمة، على مختلف المستويات؛ وبات التوجس من توجهات الإدارة وقراراتها المزاجية المفاجئة هو المهيمن على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها. وهو الأمر الذي استفاد منه بوتين كثيرًا، وبنى عليه لتجاوز عقدة شبه جزيرة القرم، وذلك عبر الحرص على الظهور في مظهر المنتقم للروس وروسيا؛ وربما يذكرنا هذا الأمر بما فعله هتلر، بعد فرض شروط الاستسلام المذلة التي فرضتها معاهدة فرساي 1920 على ألمانيا، بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ وجد الروس أنفسهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أمام اندفاع أطلسي، اجتاح ما كان يُعدّ تاريخيًا المجال الحيوي لروسيا في مختلف المراحل.

لقد كُتب كثير من الكلام على شعبوية ترامب، وحرصه على جمع النقاط الرخيصة عبر رفع شعار: “أميركا أولًا”، مدغدغًا في ذلك انفعالات العنصريين، إلى جانب استثماره في مشاعر المتدينين. كما كُتب الكثير عن تسبّب ترامب في تسميم العلاقات مع الأوروبيين، وتشجيعه لبريطانيا (بوريس جونسن) على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، واستغلاله للسلطة، حتى باتت أشبه بالتشاركية العائلية، هذا إضافة إلى إثارته لنزعات الكراهية ضد المسلمين بصورة عامة، إذ حمّلهم مسؤولية مجموعات من المتطرفين المتشددين الذين يدور جدل كبير حول الجهات التي صنعتهم وسوقتهم، واستفادت منهم. والأمر ذاته اتبعه مع الصين والصينيين، بإصراره على مصطلح “الفيروس الصيني”، في إشارته إلى فيروس كوفيد-19.

الآن، وقد أصبحت هذه الإدارة جزءًا من الماضي، وسط ارتياح أميركي وعالمي، باتت الأنظار جميعها متوجهة نحو إدارة جو بايدن الذي بدأ عهده باتخاذ جملة من القرارات التنفيذية التي جاءت لتلغي بعض الآثار السلبية لمرحلة ترامب، ومن بينها العودة إلى اتفاق باريس للمناخ، والعودة إلى منظمة الصحة العالمية، وإلغاء أوامر ترامب الخاصة بمنع دخول مواطنين عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة إلى الولايات المتحدة الأميركية. وفي خطاب التنصيب، أدان بايدن النزعات العنصرية الخاصة بتفوق الرجل الأبيض، كما أدان العنف السياسي والإرهاب المحلي. ودعا إلى الوحدة، واحترام الاختلاف على المستويين الأميركي والعالمي. وشدد على أهمية اعتماد الدبلوماسية في معالجة القضايا الخلافية.

وكل ذلك يُعدّ من المطلوب المنتظر الذي يدفع باتجاه قيادة عالمية، تتناسب مع عصرنا العولمي وموجباته، هذه الموجبات التي تتمثل بصورة أساسية في الحوار والتفاهم، وبناء العلاقات المستدامة على أساس المصالح المشتركة للأمم، واحترام تطلعاتها، ومساعدة الأمم الضعيفة للنهوض، لتتمكن بدورها من الإسهام في عملية التقدم والإنتاج والمساعدة على المستوى العالمي؛ وكل ذلك يستوجب المزيد من الاهتمام بالجانب الإنساني والبيئي، والعمل على إيجاد حلول واقعية ممكنة لأزمات ونزاعات إقليمية مزمنة، في مختلف أنحاء العالم.

أميركا -بقدراتها وإمكاناتها الاقتصادية والبشرية والعلمية التقنية- ما زالت مؤهلة لموقع الريادة العالمية؛ ولكنها لا تستطيع إنجاز كل شيء بمفردها، وإنما تحتاج إلى علاقة تفاهم مستقرة مع حلفائها، خاصة الأوروبيين؛ وهو الأمر الذي سيعزز من إمكاناتها في مفاوضاتها مع المنافسين/ الخصوم، من أجل التوافق على مرحلة جديدة من العلاقات التكاملية التي تحدد نقاط الخلافات لتعالج بالتدريج، وتُبرز النقاط المشتركة للبناء عليها.

هل سيتمكّن بايدن، مع فريقه الخبير المتنوع المتميز، من تنفيذ وعوده، وهو الذي يمتلك خبرة واسعة في ميدان العمل الحكومي وعلى المستوى الشخصي الإنساني؟!

البديات الأولى مبشّرة، ولكن النتائج الواقعية على الأرض هي التي ستقدّم لنا الإجابة في نهاية المطاف.

مركز حرمون

—————————–

اكتمال «الفريق السوري» في إدارة بايدن ينتظر تعيينات الخارجية

واشنطن: إيلي يوسف

لم تعلن الخارجية الأميركية حتى مساء أمس، عن أسماء الفريق الذي سيتولى الإشراف على الملف السوري، ما يعكس تريثا يراه البعض مدفوعا إما بعامل الوقت أو بعامل مدى الأهمية، في وقت تتسلم دانا سترول مسؤولية السياسة العليا في وزارة الدفاع (بنتاغون) على أن تركز فقط على منطقة الشرق الأوسط.

كان لافتا أن الوزير الجديد أنتوني بلينكن لم يتطرق في أول مؤتمر صحافي يعقده بعد تسلمه منصبه، إلى ملفين يحتلان على الأقل أهمية لدى أصحابهما، هما سوريا والعراق. بلينكن الذي انتقد في العديد من مقابلاته العلنية وغير العلنية، سياسات إدارة الرئيس باراك أوباما من الملف السوري، كان ينتظر منه أن يشير إلى خططه في هذا المجال. كما لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» الحصول على رد من الخارجية حول السياسات المتوقعة.

أحد المسؤولين في فريق العمل السوري الذي ساهم في تحويل «قانون قيصر» إلى عقوبات، قال إن السوريين يخشون من أن تعيد إدارة الرئيس جو بايدن النظر في العقوبات المفروضة على النظام، في ظل ضغوط تمارس خصوصا من الأمم المتحدة تحت عنوان التصدي لجائحة «كورونا». ورغم أنهم نقلوا عن بلينكن في لقائهم به تخصيصه نصف ساعة من الحوار للاعتذار عن أخطاء إدارة أوباما، فإنهم لا يطمئنون إلى باقي الأسماء التي يجري تداولها لتولي الملف السوري، في باقي فروع الإدارة.

ويؤكد بلينكن أن كثيرا من القرارات التي اتخذتها الإدارة السابقة ستتم مراجعتها، ويعتقد أن تجميد قرار سحب القوات من كل من أفغانستان والعراق وحتى سوريا، ستشارك في مراجعته دانا سترول في البنتاغون. فهي شاركت في رئاسة مجموعة دراسة سوريا التي أنشأها الكونغرس عندما كانت زميلة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

ويعبر ناشطون سوريون في واشنطن عن خشيتهم من أن يتم تجميد الملف السوري ودمجه عمليا بالملف الإيراني أو التركي أو أي ملف آخر، في وقت لم يوضح مسؤولو إدارة بايدن بعد كيف سيتعاملون مع سياسة حقبة مايك بومبيو في سوريا، ويسعون فيه لتجديد المفاوضات مع إيران. لكن اختيار الموظفين يوفر بعض الأدلة على ما قد يحدث.

وكانت سترول بصفتها رئيسا مشاركا لـ«مجموعة دراسة سوريا» أوصت بترك قوات أميركية لمكافحة «داعش» في سوريا لمواصلة الضغط على الرئيس بشار الأسد ومواصلة دعم الحملة الجوية الإسرائيلية ضد وكلاء إيران، مع مضاعفة الجهود السياسية لحل قضية آلاف المقاتلين المتطرفين وعائلاتهم المعتقلين تحت إشراف «قوات سوريا الديمقراطية».

كما دعت هي والرئيس المشارك مايكل سينغ إلى إجراء محادثات سلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني للمساعدة في الحفاظ على «قوات سوريا الديمقراطية» لقتال «داعش». وهو ما تتفق فيه مع ما نقل عن بريت ماكغورك المبعوث السابق للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، الذي انضم في وقت سابق إلى فريق بايدن للعمل كمنسق لـ«الشرق الأوسط» في مجلس الأمن القومي برئاسة جايك سوليفان. فقد شدد ماكغورك على ضرورة إعادة تقديم الدعم لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وإقناع الأكراد بفك ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني من أجل تصحيح العلاقة مع تركيا.

كما تم تعيين باربرا ليف، السفيرة الأميركية السابقة لدولة دولة الإمارات العربية والخبيرة في شؤون الخليج، مديرة أولى لمجلس الأمن القومي لـ«الشرق الأوسط» الذي يشرف أيضا على ملف سوريا.

الشرق الأوسط

——————————

إيران وبايدن وثالثهما الاتفاق النووي… بين “نعم” و”لا”! / يوسف بدر

اتّبعت إيران سياسة “الصبر الاستراتيجي” حتى رحيل الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب الذي فرض عليها سياسة “أقصى ضغط” من العقوبات بعد خروجه من الاتفاق النووي؛ وذلك من أجل دفع طهران للجلوس مرة أخرى الى طاولة التفاوض مع واشنطن حول نقائص في الاتفاق النووي ومناقشة قضايا أخرى تشغل حلفاء واشنطن في المنطقة، ومنها ملف البرنامج الصاروخي البالستي والتدخلات الإيرانية في دول المنطقة.

انتظرت إيران حتى وصول الرئيس الديموقراطي جو بايدن البيت الأبيض؛ إذ رأت فيه عودةً لنهج الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما الذي تم في عهده فتح الحوار مع إيران والتوصل إلى عقد الاتفاق النووي داخل إطار مجموعة 5+1 الدولية عام 2015.

وبالفعل، بوصول بايدن إلى البيت الأبيض، تغيرت سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران، وبتعيين وليام بيرنز رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.ايه.)، يبدو أن الإدارة الجديدة تعتزم استئناف المفاوضات في القضية النووية الإيرانية، لأن بيرنز هو شريك كامل لموقف الرئيس القائل إن ثمة حاجة إلى حل القضية النووية الإيرانية بوسائل دبلوماسية. وهو الذي بدأ قناة المحادثات السرية مع الإيرانيين عام 2013، في عُمان ومن وراء ظهر إسرائيل. ولكن مشهد التوتر بين البلدين لم ينته بعد.

العودة الى الاتفاق النووي

العودة الى الاتفاق النووي هي عنوان بايدن العريض؛ من أجل منع حصول إيران على قنبلة نووية قد تغيّر من التوازنات في المنطقة، وتضر بحلفاء واشنطن.

ترتكز خطة بايدن على “إعادة إيران للصندوق”، وهو تعبير من وصف مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، جيك سوليفان؛ إذ تستهدف خطته العودة إلى الاتفاق النووي أولاً؛ من أجل ضبط سلوك إيران مرة أخرى ومنع الموقف من التأزم أكثر معها، ومن ثم إجبار طهران على الامتثال لشروط الاتفاقية الأصلية.

وعبّر بايدن عن تلك الخطة في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، بقوله: “بمجرّد العودة الى الاتفاق النووي، يجب أن تكون هناك، في وقت قصير جداً، جولة من المفاوضات من أجل السعي إلى إطالة مدّة القيود على إنتاج إيران للمواد الانشطارية، وكذلك لمعالجة أنشطة إيران الإقليمية، من خلال وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. هناك الكثير من الحديث عن الصواريخ الدقيقة ومجموعة من الأشياء الأخرى التي تزعزع استقرار المنطقة، وأفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة، هي عبر التعامل مع البرنامج النووي”. ورأى أنه إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فإن ذلك سيمارس ضغوطاً هائلة على السعودية وتركيا ومصر وغيرها من دول المنطقة، للحصول على أسلحة نووية بنفسها.

ولكن، تصر إدارة بايدن على مناقشة قضايا أخرى الى جانب الاتفاق النووي، بما يضمن الملاحة الدولية في منطقة الخليج ومضيق هرمز، وبما يضمن حماية حلفاء واشنطن في المنطقة، ولذلك، لا مفر من مناقشة مدة الاتفاق النووي، والتشديد على مستوى تخصيب اليورانيوم، واستخدام التكنولوجيا المتطورة في عملية التخصيب، وملف البرنامج الصاروخي البالستي.

والنتيجة، أن إدارة بايدن تقول نعم للعودة إلى الاتفاق النووي من أجل احتواء إيران، ولكننا لسنا متعجلين للقبول بالواقع الذي تريد أن تفرضه طهران.

طهران: نعم

تصر طهران على العودة إلى الاتفاق النووي الأصيل أولاً، ومن ثم يمكن النقاش في القضايا الأخرى. كما تؤكد طهران استمرار قاعدة “خطوة تقابلها خطوة” التي اتبعتها في عملية التفاوض إبان الاتفاق النووي في المرة الأولى، وما زالت تعتمدها خلال عملية العودة؛ فمقابل عودة واشنطن ورفع العقوبات كاملة ستوقف إيران كل الأنشطة النووية التي أقدمت عليها بعد خروج واشنطن، وذلك بالتراجع عن سياسة “خفض الالتزام النووي”.

وتأمل طهران تحقيق مكاسب، منها العودة إلى مستوى إنتاج النفط إلى ما قبل العقوبات الأميركية، والإفراج عن أرصدتها المجمدة في الخارج.

لكنّ هناك انقساماً سياسياً داخل إيران في التعامل مع الاتفاق النووي؛ فالإصلاحيون وحكومة الرئيس روحاني، يسعون لإنقاذ الاتفاق النووي من أجل تحصيل مكاسبه؛ بعد الانهيار الاقتصادي الكبير الذي عاشته حكومة روحاني، والذي أضعف شعبية هذه الحكومة، ومنح المحافظين والمتشددين فرصة للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة بعدما سيطروا على مقاعد الانتخابات البرلمانية.

ولذلك، يماطل المحافظون في الموافقة على أي قوانين أو اتفاقيات قد تساعد الحكومة الحالية في إيران؛ ولذلك، لم يوافق مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يسطر عليه المحافظون على لوائح مجموعة العمل المالي (FATF) المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ لأن ذلك سيساعد حكومة روحاني في إدارة التجارة الخارجية والتعاملات المصرفية الأجنبية.

والنتيجة، أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة ستُجرى في 18 حزيران (يونيو) 2021، وأن الوقت ضيّق لإتمام مناقشة كل المواضيع بين واشنطن وطهران خلال هذه المدة. والعراقيل التي يضعها المحافظون أمام حكومة روحاني؛ تدل على أن المحافظين، سواء من المدنيين أم العسكريين، يراهنون على الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعلى أن عملية التفاوض مع واشنطن يجب أن تتم من خلالهم. وبالطبع لن تراهن واشنطن على عقد اتفاق شامل مع حكومة أوشكت أيامها على النهاية.

ومع ذلك، لن تنتظر إدارة بايدن حتى رحيل حكومة روحاني للبدء في اتخاذ خطوات إيجابية تجاه طهران؛ فالهدف هو احتواء إيران قبل فوات الأوان.

 الوصول لاتفاق شامل:

بايدن: نعم

تريد إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران؛ بما يضمن مصالح الحلفاء وسلامتهم، عبر محاور ثلاثة:

1. العودة الى الاتفاق النووي أولاً، والسعي لإصلاح ما دمّرته سياسات الرئيس ترامب، وكبح تقدم إيران النووي.

2. العمل على كبح التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، دبلوماسياً وعملياً، وهو ملف يشمل الوضع في العراق، والحرب في سوريا، والحرب في اليمن، وأمن دول مجلس التعاون الخليجي.

3. ضمان أمن إسرائيل، وهو ملف معقد؛ يتداخل مع الملفين السابقين. وهو ما سيفرض على إدارة بايدن وضع اتفاق طويل الأمد يضمن تقليص التهديد النووي والصاروخي الإيراني الذي تتخوف منه إسرائيل.

ولذلك، تقوم إدارة بايدن بالتشاور مع الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، وكذلك إسرائيل ودول الخليج، في إدارة هذه المحاور الثلاثة؛ لتفهم ما الذي يجب طرحه على إيران ليضمن سلامة الحلفاء، وفهم متطلباتهم، قبل دخول واشنطن في محادثات مع إيران. وفي دلالة على حرص بايدن على طمأنة الحلفاء من أجل ضمان التوصل الى اتفاق شامل، كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أعلن العمل على مشاركة دول الخليج وإسرائيل في أي مفاوضات نووية بشأن إيران.

ويمثل المحور الإسرائيلي ـ الخليجي، الجانب الذي يمارس الضغوط على إدارة بايدن؛ من أجل عودة مشروطة للاتفاق النووي. إذ تجمع إسرائيل ودول الخليج مخاوف مشتركة تجاه إيران. وتمثل إسرائيل ورقة ضغط على إدارة بايدن بالنسبة الى دول الخليج التي تقاربت مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكانت تراهن على فوزه بولاية رئاسية ثانية. ولذلك، وحسب موقع دبكا فايل الإسرائيلي، يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القيام بأول رحلاته الرسمية إلى الإمارات والبحرين في الأسبوع الأول من شهر شباط (فبراير) للقاء حكامهما وجهاً لوجه. وذلك لتنشيط المحور الإقليمي الخليجي ـ الإسرائيلي ضد إيران الذي شكله الرئيس ترامب في أيلول (سبتمبر) الماضي. وسيكون الهدف الرئيس هو تنسيق موقف موحد في إدارة ملف إيران مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وعلى ذلك، يلجأ بايدن إلى الجانب الأوروبي للتوازن أمام هذا المحور، وللتمهيد للعودة إلى الاتفاق النووي بصفتهم أعضاء مجموعة 5+1 التي أدارت الاتفاق النووي مع إيران؛ بخاصة أن الأوروبيين لديهم مصالح اقتصادية منتظرة من العودة إلى الاتفاق النووي. ومع ذلك، لديهم مخاوف مشتركة مع المحور الإقليمي تجاه برنامجي إيران النووي والصاروخي.

إيران: نعم ولا

تقبل إيران الوصول إلى اتفاق شامل مع الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي، ولكن بشرط فصل الاتفاق النووي، عن أي اتفاق لاحق يتناول أي قضية أخرى. وهو ما ترجمه تصريح كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، الذي أكد في تصريح سابق، أنه “لن يكون هناك “اتفاق نووي +” ولا اتفاق جديد ولا مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع الدول الست الكبرى عام 2015″. وهو ما يعني أن طهران لن تقبل أي محاولة تغيير في اتفاقها النووي مع مجموعة 5+1، وتضع العراقيل أمام سيناريوات إدارة بايدن نحو العودة الى الاتفاق النووي.

وهو ما يفسّر عدم الإعلان حتى الآن عن اجتماع رسمي بين واشنطن وطهران للعودة الى الاتفاق النووي، وما زالت عملية التواصل بين الطرفين تتم بشكل غير رسمي، ومنها عن طريق قناة مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانتشي، الذي نقل إلى واشنطن شروط طهران للعودة إلى الاتفاق النووي، وفحواها:

– يجب تنفيذ الاتفاق النووي بالكامل، وبالتالي لن تقبل طهران برفع جزئي للعقوبات؛ وإن قامت واشنطن بذلك، فستكون خطوة طهران بالمثل؛ وهي الالتزام الجزئي بالاتفاق النووي.

– مناقشة أي خلاف حول الاتفاق النووي يجب عدم بحثه إلا في إطار اجتماعات لجان الاتفاق. وتريد طهران الاستفادة من هذه النقطة، بما يضمن عدم تكرار خروج طرف من الاتفاق كما فعلت واشنطن في عهد ترامب، إلى جانب مناقشتها الحصول على تعويضات جراء خروج واشنطن من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على طهران.

– رفض مشاركة أي أطراف جديدة في مجموعة الاتفاق النووي 5+1. وتهدف طهران من ذلك، إلى منع مشاركة إسرائيل ودول الخليج في أي اجتماع قادم يتعلق بالاتفاق النووي. وهو أمر تخطط له إدارة بايدن، وتقلق طهران من هذه المشاركة التي قد تؤدي إلى القضاء على الاتفاق النووي. بخاصة أن هذه الأطراف عارضته وعملت على إفشاله أو تغييره من قبل.

– يجب عدم ربط أي ملف آخر بالاتفاق النووي، مثل برنامجها الصاروخي وأنشطتها الإقليمية. وتهدف إيران من هذا الشرط، الى استخدام الملفات الأخرى في إمكان التوصل إلى تفاهمات أمنية واقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال طرحها مبادرة “هرمز للسلام”، التي طرحتها من قبل.

– البرنامج الصاروخي لا يمكن التفاوض حوله ضمن الاتفاق النووي، ولكن طهران مستعدة لبحثه في إطار أممي وشامل. وبذلك تريد طهران معالجة قضية الصواريخ البالستية في المنطقة ككل، تحت مظلة الأمم المتحدة. كما تهدف للوصول إلى اتفاقية أمنية شاملة، بما يمهّد لخروج القوات الأجنبية من المنطقة. وتمهّد إيران لهذه الخطوة مع روسيا، قبل عامين، وما زالت، حيث تقدمت بمقترح “أمن الخليج في يد دول الخليج وبمشاركة وإشراف الأمم المتحدة”. وتسعى إيران إلى الاستفادة من سياسة فك الارتباط الأميركية بمنطقة الخليج؛ بإحضار روسيا والصين إلى هذه المنطقة.

– لن تقبل طهران عودة مشروطة من واشنطن الى الاتفاق النووي؛ مثلما فعل ترامب في حل كثير من قضايا المنطقة، بشرط الاعتراف بإسرائيل. ولذلك، لن تقبل إيران شرط اعترافها بحل الدولتين للقضية الفلسطينية، وما زالت تصر طهران على أن الفلسطينيين هم من يجب أن يقرروا مصيرهم.

والمحصلة، أن هذه النقاط تمثل موقف الدولة الإيرانية، لا موقف الإصلاحيين أو المحافظين، وبالتالي ستظل حائط صد أمام مساعي بايدن وإن تعامل مع حكومة إيرانية غير الحكومة الحالية. وطهران، مقابل سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي انتهجتها إبان إدارة ترامب، لن تقبل بعودة مشروطة للاتفاق النووي، وأن على واشنطن اتخاذ الخطوة الأولى في هذه العودة.

ولذلك، تستمر طهران في سياسة “خفض الالتزام النووي” للضغط على واشنطن والأوروبيين؛ وهو ما ترجمه تصريح علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، الثلثاء 26 كانون الثاني (يناير)، الذي قال: “ما زلنا ننتظر الموقف الرسمي للولايات المتحدة بالعودة إلى التزاماتها.. في الوقت الحالي، لا خطط للتفاوض مع الولايات المتحدة، وأي إجراء عملي في هذا الصدد مرهون بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي والتزاماتها بموجب القرار 2231. والولايات المتحدة لن تحظى بهذه الفرصة إلى الأبد، فهذه النافذة محدودة بالنسبة الى الولايات المتحدة والدول الأوروبية المفاوضة”. وأكد تنفيذ قرار البرلمان الإيراني حول تعليق البروتوكول الإضافي، الذي يسمح للمفتشين النوويين الدوليين بدخول الأماكن النووية، في الأسبوع الأخير من شباط المقبل.

النهار العربي

——————————-

 عنوان المرحلة في الإقليم: تصعيد المواجهة مع إيران/ علي حمادة

بعد مرور أقل من عشرة أيام على تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن سلطاته الدستورية، لا دلائل ملموسة الى أن إدارته سوف تذهب في اتجاه “تطبيع” العلاقات مع إيران كسراً للمسار التصعيدي الذي اتخذته هذه العلاقات خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. ولعل التصعيد الكبير الذي تمارسه إيران في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها واشنطن قبل أن تكتمل التعيينات المرتبطة بالعلاقات الخارجية والدفاع والاستخبارات في الإدارة الأميركية، يفسر إجازة الرئيس بايدن لوزارة الدفاع إرسال قاذفة استراتيجية من طراز “بي-52 ستراتفورترس” من قاعدتها في ولاية لويزيانا الى منطقة الخليج في استعراض قوة مماثل لمرتين سابقتين في بداية العام قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ترامب، وذلك من أجل إرسال رسالة الى الإيرانيين مفادها أن المرحلة الانتقالية في واشنطن لا تعني أن إيران يمكنها أن تعتبرها بمثابة ضوء أخضر لتصعيد ميداني يمسّ أمن الحلفاء في المنطقة، لا سيما أمن دول الخليج، وفي المقدمة الممكلة العربية السعودية التي تعرّضت عاصمتها الرياض للعديد من رشقات الصواريخ البالستية الإيرانية التي أطلقتها ميليشيات الحوثي من اليمن نيابة عن طهران. أضف الى ذلك مواقف عدة عبّر عنها وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن يندّد فيها بعمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات ضد أهداف مدنية في المملكة العربية السعودية.

انطلاقاً مما تقدّم، تبقى المنطقة واقفة على صفيح ساخن، لا سيما مع استمرار الاستنفار العسكري لدى كل الأطراف، خوفاً من أن تنزلق الأمور نحو مواجهة غير محسوبة، وخصوصاً انطلاقاً من سوريا أو لبنان ضد إسرائيل التي لم توقف تحليق طيرانها المكثف في الأجواء اللبنانية والسورية تحسباً لأي طارئ في هذه المرحلة الشديدة الحساسية، نظراً لغياب أي تفاهمات مرئية أو غير مرئية مع الإيرانيين على المستويين الأمني والعسكري. وثمة دوائر دبلوماسية غربية في بيروت تعتبر أن المرحلة خطيرة للغاية، وأن سياسة تجميع الأوراق الراهنة التي تمارسها إيران قد تتوسع لتصبح سياسة فرض أمر واقع جديد يضاف الى أجندة التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة، وذلك في مرحلة لاحقة.

وإذا كانت إيران ترى أن الأوروبيين يسعون بقوة الى إقناع شريكهم الأميركي بالعودة المبسطة الى الاتفاق النووي الإيراني المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”  (JCPOA)، فإن الأوروبيين يدركون تماماً أن طهران مطالبة أولاً بالعودة الى الالتزامات السابقة بالنسبة الى الاتفاق النووي كمقدمة لعودة الولايات المتحدة الى الاتفاق، وبدء رفع العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي تدريجياً، لا سيما أن إدارة بايدن تستفيد من العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب لكي توسّع من نطاق الشروط المرتبطة بالعودة الى الاتفاق.

فالعودة المبسطة الى الاتفاق قد لا تكون مدرجة على أجندة الإدارة الجديدة، بعدما تغيّر الكثير من الأمور منذ 2015 تاريخ التوقيع على الاتفاق النووي. فالرهان الإيراني على عودة وفق التفكير الذي ساد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما قد لا يكون في مكانه، وقد لا يكون متاحاً فصل العودة عن ملفي برنامج الصواريخ البالستية والسياسة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وخصوصاً أن حلفاء الولايات المتحدة الكبار في المنطقة، أي إسرائيل والدول العربية المركزية، يتمسكون بموقف واحد حيال إيران وطريقة العودة الى الاتفاق الذي يعتبرونه منقوصاً، ويحتاج الى تعديلات كبيرة ليصبح عنصراً ضامناً لعدم امتلاك إيران القنبلة النووية.

وهؤلاء الحلفاء الذين فتحوا قبل وصول بايدن الى البيت الأبيض، باب إقامة تحالف إقليمي ذي إمكانات هائلة بهدف مواجهة التهديد الإيراني الوجودي، لن يسيروا خلف خيار مطلق أي إدارة أميركية جديدة تحاول إعادة الوضع في المنطقة الى مرحلة باراك أوباما التي شهدت تغليب محاولات استمالة إيران على حساب الحلفاء الاستراتيجيين، وهددت مصالح الحلفاء الى أبعد الحدود.

في هذا الإطار، يمكن التوقف عند ما قاله وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن الذي كان في عداد فريق الرئيس أوباما في مجلس الأمن القومي، وذلك خلال جلسة الاستماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ للنظر في ترشيحه لمنصب وزير الخارجية، عندما بدا حاسماً في أن على الولايات المتحدة أن تبقي على العقوبات المتصلة بالإرهاب على إيران، حتى لو عادت الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي وبدأت رفع العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي.

ومن الناحية المنطقية، تشمل العقوبات المتصلة بالإرهاب الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة، وأولها “حزب الله” في لبنان، وميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق، فضلاً عن عدد من الميليشيات الشيعية العاملة في سوريا تحت إمرة “الحرس الثوري” الإيراني.

في الأثناء، يمكن لطهران أن تضع في حسابها أن المنطقة تغيرت، وأن ما كان يصحّ قبل أربع سنوات، ما عاد يصح اليوم حيث تتقدم خيارات مواجهتها في أجندة التحالف الإقليمي الجديد الذي سيتعين على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يأخذه في الاعتبار عند صوغ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

النهار العربي

—————————-

مركز مسارات للتنمية السياسية يصدر بحثا بعنوان : السياسة الخارجية الامريكية حول القضية السورية

لتحميل البحث عبر رابط Telegram APP

https://t.me/all4Syrianews/15495

——————————-

إيران وإسرائيل في سوريا:أطول حرب بالوكالة

قالت مجلة “ناشونال انترست” الأميركية إن إيران وحزب الله لم ينقذا نظام بشار الأسد من التمرد ضده، لكنهما أبقياه في غرفة الانعاش، حتى وصول التدخل الروسي في خريف 2015 لينقذه.

وسردت المجلة في تقرير لسيباستيان روبلن بعنوان: “كيف أصبحت سوريا ساحة قتال للنفوذ الإيراني، الروسي والإسرائيلي”، جذور الصراع الإيراني-الإسرائيلي منذ الثورة الإسلامية، وصولاً إلى أن أصبح الطرفان وجهاً لوجه على الأراضي السورية، في معركة تميل لصالح إسرائيل.

في منتصف الليل على الحدود السورية الإسرائيلية في 8-9 أيار/مايو 2018، أطلقت قاذفة صواريخ متعددة يديرها فيلق القدس الإيراني، وابلاً من عشرين صاروخاً غير موجه من طراز “فجر-5” تجاه إسرائيل. تم إسقاط أربعة من الصواريخ بواسطة نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية”، بينما أخطأت الصواريخ الباقية وسقطت في الأراضي السورية.

بعد ساعات قليلة، أطلقت حوالي عشر قاذفات صواريخ إسرائيلية أرض-أرض و28 طائرة “إف-15” و”إف-16″، 10 صاروخ كروز وقنابل انزلاقية دقيقة التوجيه أصابت القواعد اللوجستية الإيرانية والمواقع الاستيطانية في جميع أنحاء سوريا. تم تدمير قاذفة الصواريخ الإيرانية، وعندما حاولت الدفاعات الجوية السورية الاشتباك مع المقاتلات الإسرائيلية، تم تدمير خمس بطاريات.

يُعتبر صدام 9 أيار أول اشتباك مباشر بين القوات الإيرانية والإسرائيلية، وهو حدث على الأرجح مرتبط بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في اليوم السابق للهجوم. ومع ذلك، قد يتذكر المراقبون في المنطقة أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت قافلة إيرانية في سوريا في وقت سابق من اليوم نفسه. كانت هناك ضربات إضافية في 6 أيار و29 نيسان/أبريل أسفرت عن مقتل العشرات من القوات السورية والإيرانية -ربما من بينهم جنرال إيراني- ودمرت بطارية صواريخ أرض-جو من طراز “إس-200”.

تشير إحدى الإحصائيات إلى أنه كان هناك أكثر من 150 غارة إسرائيلية في سوريا امتداداً حتى عام 2012. استهدفت العديد من الغارات عمليات نقل أنظمة أسلحة متطورة إلى حزب الله، أو تم تنفيذها رداً على هجمات عبر الحدود.

إذا قمت بربط النقاط، يصبح من الواضح أن تبادل الصواريخ في 9 أيار كان أكبر اندلاع لحرب بالوكالة طويلة الأمد. القوات الإيرانية وحزب الله -بعد أن قامت بتأمين حكومة بشار الأسد بشكل فعال من الانقلاب المحتمل- أصبحت منشغلة بإنشاء وجود طويل الأمد ونقل أسلحة متطورة إلى سوريا والحزب، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة صواريخ أرض-جو ومدفعيات صاروخية. في الوقت نفسه، تحاول الطائرات الحربية الإسرائيلية تدمير هذه المواقع وأنظمة الأسلحة قبل أن تترسخ بعمق. يبدو أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي دفع طهران إلى السماح أخيراً بهجوم انتقامي مباشر على إسرائيل، حتى لو كان غير فعال.

من غير المعتاد أن تكون قوتان إقليميتان بلا حدود مشتركة بينهما على تماس قريب مع بعضهما البعض. ومع ذلك، فإن سلسلة من الظروف التاريخية دفعتهما إلى صراع عسكري مفتوح أكثر من أي وقت مضى.

في ظل نظام الشاه، طوّرت إيران علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة نسبياً مع إسرائيل. جلبت الثورة الإيرانية عام 1979 رجال الدين المتشددين إلى السلطة وأنهت العلاقات الدبلوماسية رسمياً، لكن إسرائيل استمرت في تزويد إيران بأكثر من 500 مليون دولار من الأسلحة التي كانت في أمس الحاجة إليها خلال الحرب الدامية بين إيران والعراق. في ذلك الوقت، رأت الحكومة الإسرائيلية أن العراق يمثل تهديداً مباشراً، ويرجع ذلك أساساً إلى برامج الأسلحة النووية والصواريخ البالستية.

مع ذلك، فقد زُرعت بذور الصراع الإيراني-الإسرائيلي الأعمق خلال الحرب الأهلية في لبنان. أدّى قيام دولة إسرائيل عام 1948، واحتلالها لأراضٍ إضافية عام 1967، إلى تشريد مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. وبسبب عدم تمكنهم من العودة إلى ديارهم، أصبح اللاجئون الفلسطينيون سكاناً دائمين بلا وطن في البلدان العربية المجاورة. أدى وجودهم في دولة لبنان الصغيرة متعددة الثقافات في النهاية إلى زعزعة استقرار توازن القوى غير المستقر بين الفصائل المتنوعة المقسمة على أساس العرق والدين والأيديولوجيا، ما ساهم في اندلاع حرب أهلية في عام 1975.

بعد سبع سنوات، دخلت القوات الإسرائيلية لبنان في عملية سلام الجليل، في محاولة لقلب الحرب لصالح الفصائل المسيحية في لبنان. سوريا، التي خاضت حروباً متعددة مع إسرائيل للسيطرة على مرتفعات الجولان، نشرت بالفعل قوات في لبنان لدعم الفصائل الفلسطينية، لذلك اشتبكت الدبابات والطائرات السورية مع القوات الإسرائيلية في معارك ضخمة. كما أرسل الرئيس رونالد ريغان قوات إلى لبنان في محاولة للتأثير على الصراع، لكنه سحبها في تشرين الأول/أكتوبر 1983 بعد انفجار شاحنة أسفر عن مقتل 241 أميركياً.

في غضون ذلك، سهّلت الانقسامات الدينية تورط إيران في الصراع. تكمن أهم الانقسامات في العقيدة الإسلامية بين المذهبين السني والشيعي في الإسلام، على غرار الانقسام الكاثوليكي-البروتستانتي في المسيحية. إيران، الدولة الشيعية الرئيسية في العالم الإسلامي، نظّمت وسلّحت تحالفاً من المقاتلين الشيعة سُمي حزب الله لمحاربة الإسرائيليين. على الرغم من أن حزب الله عارض في البداية النفوذ السوري في لبنان، إلا أن دمشق ستصبح في النهاية شريكاً صغيراً في إدارة حزب الله.

خلال التسعينيات، كثّفت إيران من حدة الخطاب المناهض لإسرائيل من أجل حشد الدعم السياسي في العالم الإسلامي الأوسع. ومع ذلك، في عام 2003، أرسلت حكومة محمد خاتمي المعتدلة عرض سلام واسع النطاق لاستعادة العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، لم تهتم إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بالرد على أعضاء “محور الشر”.

في نيسان/أبريل من العام نفسه، غزت القوات الأميركية، عدو إيران القديم، العراق. قد يكون من الصعب تذكر ذلك اليوم، لكن في الأسابيع التي أعقبت سقوط بغداد، تكهّن الكثيرون في واشنطن علناً بأن طهران أو دمشق قد تكونا التاليتين للسقوط. مع الإطاحة بصدام حسين، صعد السياسيون ورجال الدين الشيعة العراقيون إلى السلطة وسرعان ما حولوا بلدهم نحو علاقات أكثر دفئًا مع طهران. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة أزالت أحد الحواجز الجغرافية الرئيسية أمام النفوذ الإيراني.

كانت إسرائيل قلقة من برنامج الأسلحة النووية السري لإيران وسوريا، وقدرات إيران الصاروخية الباليستية على وجه الخصوص. في سوريا، كان مهندسون إيرانيون وسوريون وكوريون شماليون يتعاونون في إنشاء منشأة مفاعل نووي ومصنع جديد للأسلحة الكيماوية. في تموز/يوليو 2007، تعرض معمل السفير الكيماوي لانفجار “غامض” ، بينما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية مفاعلاً نووياً في دير الزور في شهر أيلول/سبتمبر من ذلك العام، مما وضع حداً فعلياً لطموحات سوريا النووية.

في عام 2011، تسبب الربيع العربي في موجة من الاضطرابات السياسية التي اجتاحت الشرق الأوسط، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية في سوريا التي ضربها الجفاف. بحلول عام 2012، فقدت دمشق السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد لصالح الجماعات المتمردة.

فعلت طهران كل ما في وسعها لإنقاذ الأسد، فأرسلت فرقاً من جنود وضباط الحرس الثوري الإيراني لتدريب قوات الحكومة السورية وقيادتها إلى المعركة. ومع ذلك، تطلب الجيش السوري المجزأ مزيدًا من القوة البشرية مع انتشار التمرد، لذلك في عام 2012، تدفق حوالي 3000 من مقاتلي حزب الله عبر الحدود اللبنانية للانضمام إلى القتال نيابة عن الأسد.

في الحقيقة، حتى دعم إيران وحزب الله لم يكن كافياً للأسد لكسب الحرب، لكنهما أبقيا نظامه على أجهزة الإنعاش. لقد كان تدخل الجيش الروسي وقوات المرتزقة الذي بدأ في خريف عام 2015 هو الذي قلب المدّ في النهاية.

ظلّت سوريا آخر بؤرة أمامية رئيسية للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ولا سيما في شكل قاعدة بحرية في اللاذقية. حسبت موسكو أن التدخل في الحرب لن يحافظ على سوريا كأصل فحسب، بل يمنحها أيضاً فرصة لاختبار العديد من أنظمة الأسلحة التي لم يتم استخدامها في القتال من قبل، وبالتالي الإعلان عن قدراتها لعملاء التصدير المحتملين.

الآن بعد أن أصبحت قبضة الأسد على السلطة آمنة، أصبح من الواضح أن البنية التحتية المتنامية للقواعد الإيرانية في سوريا ستبقى على الأرجح، وأن إيران تنوي استخدامها لإرسال الطائرات بدون طيار والمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات والدبابات إلى حزب الله تحدي الهيمنة العسكرية الإسرائيلية. وقد أدى ذلك إلى اندلاع حملة قصف إسرائيلي مكثف للقضاء على التعزيزات العسكرية، سواء من خلال الضربات الوقائية والهجمات المضادة التفاعلية.

حتى الآن، كان التبادل غير متوازن، حيث أسقط الدفاع الجوي السوري طائرة حربية إسرائيلية واحدة فقط على مدى سبع سنوات، في مقابل إصابة عشرات الأهداف بالذخائر الموجهة الإسرائيلية وتدمير العديد من المنشآت والأسلحة المتطورة. ومع ذلك، استمرت القوات الإيرانية وقوات حزب الله في اختبار الدفاعات الإسرائيلية بطائرات بدون طيار وقصف مدفعي، لذلك من المحتمل أن تستمر الحرب بالوكالة في التصعيد لبعض الوقت.

المدن

—————————

==========================

تحديث 31 كانون الثاني 2021

—————————–

أين كان بايدن من ذاكرة “الربيع العربي”؟/ صبحي حديدي

في مطلع سنة 2011، قبل أن تطلق هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأمريكية يومذاك، تحذيرها الشهير من أنّ الحكّام العرب يخاطرون بـ”الغرق في الرمال” إذا لم يستجيبوا لمطالب شعوبهم؛ كانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في حال من المفاجأة إزاء احتمالات ما سيُسمى بـ”الربيع العربي” شبيهة، إلى حدّ غير قليل، بحالها قبيل سقوط شاه إيران وانطلاق الثورة الإسلامية. صحيح أنّ زين العابدين وحسني مبارك ومعمر القذافي، ثمّ لاحقاً علي عبد الله صالح وبشار الأسد، وبدرجة أقلّ آل خليفة في البحرين؛ لم يكونوا في مصافّ مماثلة للشاه، فضلاً عن كونهم هم أنفسهم في درجات مختلفة لجهة المصالح الأمريكية؛ إلا أنّ حسابات مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، ومعها المخابرات المركزية وتقديرات خبراء الشرق الأوسط في الخارجية، لم تكن على قدر المطلوب منها في استباق الوقائع العاصفة.

ذلك بعض السبب، وليس كلّه أو أغلبه كما يتوجب القول، في أنّ طرازاً من التأتأة اللفظية طبع الفارق بين أقوال أوباما نفسه وأقوال وزيرة الخارجية كلنتون، ووزير الدفاع روبرت غيتس، ورئيس أركان القوات المسلحة الأدميرال مايكل مولن، ومساعد وزيرة الخارجية جيفري فلتمان، ومساعدها للشؤون السياسية بيل برنز… وبمعزل عن خصوصية التدخل الأمريكي/ الأطلسي في ليبيا، كان قفاز التحدّي الذي ألقاه مبارك في وجه متظاهري التحرير، والذي وُجّه أيضاً إلى البيت الأبيض، هو الذي أتاح سماع تلميحات أوباما حول انتقال منتظم في مصر يتوجب أن يكون “ذا معنى، سلمياً، ويبدأ الآن”. كذلك انتظر فريق البيت الأبيض حتى شهر أيار (مايو) من العام ذاته كي يسمع من أوباما، خلال خطبة ألقاها في وزارة الخارجية، تأكيداً صريحاً على أنّ الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب التونسي. وأمّا الشعوب صاحبة العلاقة، فلسوف تنتظر فترة أطول، خاصة في سوريا (ولكن ليس البتة في البحرين!)، كي ينطق الرئيس الأمريكي بالدرّة المكنونة، حول فقدان أمثال بشار الأسد شرعية الحكم.

استرجاع تلك السياقات يستهدف طرح أسئلة لعلها تكتسب راهنية ذات مغزى: أين كان جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، من كلّ ملابسات الربيع العربي تلك؟ وهل يصحّ الافتراض بأنه كان على تباين من نوع ما، في كثير أو قليل، مع سيد البيت الأبيض؟ وفي ضوء ما يتردد عن عزمه عقد “مؤتمر ديمقراطي” شامل، يخصّ كما للمرء أن ينتظر شعوب الشرق الأوسط أكثر من أمريكا ذاتها، هل ثمة حظوظ في تغييرات هنا وهناك؟ وإذا صحّ أن الموقف من إيران، بمعنى مراعاة طهران أو حتى استدراجها على خلفية برنامجها النووي، كان واحداً من أحجار الزاوية في سياسات أوباما؛ فهل منهجية بايدن المقبلة تجاه الملفّ ذاته ستبدّل شيئاً، طفيفاً أو جوهرياً؟

ثمة بعض المعنى، ولكن ليس كلّه هنا أيضاً، في تعليق جزء من محاولات الإجابة على دلالات استعادة بعض كوادر أوباما، أو حتى الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلنتون؛ أمثال أنتوني بلينكين في وزارة الخارجية، أو روبيرت مالي كمبعوث إلى إيران، أو وليام برنز في إدارة المخابرات المركزية، أو سوزان رايس في قيادة السياسة الداخلية… غير أنّ الأصل الأهمّ، حتى يتضح العكس بالطبع، أنّ تطابقاً شديداً كان يحكم علاقة أوباما بنائبه بايدن في مبدأ أوّل يحكم تسخير السياسة الخارجية لخدمة مصالح الولايات المتحدة: أنّ أوزان تلك المصالح أثقل بكثير مما يزن هذا المبدأ الأخلاقي أو ذاك، إلى جانب المنطق البسيط الذي يفترض صياغة المواقف تبعاً لمعطيات كلّ دولة على حدة.

وكما أنه لم يكن من عزاء للذين راهنوا على أوباما من بعض معارضات “الربيع العربي”، فالأرجح أنّ فقدان العزاء سوف يكون مصيرهم ذاته مع بايدن؛ إنْ لم يكن أسوأ، وأشدّ خيبة!

القدس العربي

——————————–

مبعوث إدارة ترامب إلى سوريا والشرق الأوسط: سياسة بايدن في المنطقة لن تختلف كثيرا

هدير عبد العظيم

أعدَّ جيمس فرانكلين جيفري، الدبلوماسي الأميركي الذي خدم في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مبعوثا دبلوماسيا لكلٍّ من سوريا والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تحليلا نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية. ركّز جيفري في تحليله على السياسة الخارجية التي انتهجتها إدارة ترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط المُلتهبة، التي تتضمّن الملف النووي الإيراني والحرب الأهلية في سوريا، وزعزعة الاستقرار في العراق. ورأى الكاتب أن إدارة ترامب حقّقت نجاحات للمصالح الأميركية في المنطقة لم يسبق لإدارات قبلها تحقيقها. ويُدلِّل جيفري بذلك على أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن قد لا يتعيّن عليها أن تسلك مسلكا مختلفا عن ذلك الذي سارت عليه الإدارة السابقة.

هيمن الشرق الأوسط الكبير على معظم السياسة الخارجية للرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك على غرار آخر ثمانية رؤساء للولايات المتحدة. وعلى الرغم من الحديث عن إنهاء “الحروب الأبدية” والتوجُّه نحو آسيا فإن المصالح الوطنية الجوهرية كانت تجر الولايات المتحدة مرة أخرى إلى المنطقة.

اختلفت أولويات ترامب في الشرق الأوسط قليلا عن أولويات سلفيه (أوباما وبوش) المُتمثِّلة في القضاء على أسلحة الدمار الشامل ودعم شركاء الولايات المتحدة ومحاربة الإرهاب وتسهيل تصدير البترول، إذ أشرفت إدارة ترامب التي خدمتُ فيها مبعوثا لكلٍّ من سوريا والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة على نقلة نوعية ملحوظة في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة. سعى الرئيسان السابقان جورج بوش وباراك أوباما إلى حملات تغيير في الشرق الأوسط مستندين إلى اعتقاد خاطئ يقول إنهم إنْ تدخَّلوا سياسيا وعسكريا في دول المنطقة، فإن الولايات المتحدة قد تُعالج الأسباب الكامنة وراء “الإرهاب الإسلامي” والأمن المتزعزع باطراد.

على الرغم من أن وجهات النظر السياسية الحقيقية لترامب كانت صعبة الاستنباط فإن إدارته اتخذت مسارا مختلفا حمل نتائج واضحة. تجنَّب ترامب المآزق التي واجهت سلفيه مع الاستمرار في خدمة المصلحة الأميركية، وذلك عن طريق الحفاظ على أهداف أميركية محدودة والاستجابة للتهديدات الإقليمية الوشيكة، ولكنه من ناحية أخرى عمل ميدانيا بصورة أساسية مع شركاء الولايات المتحدة. وفي كل الجدالات الحزبية المُحتدمة حول السياسة الخارجية يجب أن يستمر هذا النموذج الجديد، وهو ما سيحدث غالبا، في تشكيل السياسة الأميركية، إذ يُمثِّل هذا النموذج الخيار الأمثل لاحتواء التحديات في الشرق الأوسط ووضع تحديات جيوسياسية لمناطق أخرى على رأس الأولويات.

تعتمد معظم الإدارات الجديدة إستراتيجية معينة للأمن القومي ثم سرعان ما تذهب أدراج الرياح. لكن الوثيقة التي صاغها البيت الأبيض عام 2017 قدَّمت خطة مبتكرة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، تلك الخطة التي اتبعتها إدارة ترامب عموما. باختصار دعت تلك الإستراتيجية إلى تحويل التركيز على ما يُعرف بـ “الحروب الأبدية” إلى منافسة القوى العظمى وعلى رأسها الصين وروسيا. وبالنسبة للشرق الأوسط فإن هذا المبدأ الأول من الإستراتيجية يعني تجنُّب الولايات المتحدة التورُّط في قضايا داخلية، وفي الوقت ذاته مواجهة المخاطر الإقليمية أو تلك التي قد تمس الشركاء. وعمليا، فإن ذلك يعني العمل على احتواء إيران وروسيا وفي الوقت نفسه محو تهديدات إرهابية خطيرة.

لكن المبدأ الثاني، أي العمل جنبا إلى جنب مع حلفاء وشركاء في المنطقة بدلا من النهج الذي عادة ما كان مُتَّبعا باتخاذ إجراءات أُحادية الجانب كان أعقد من ذلك. فقد كان وسيلة وليس غاية، إذ عمل ترامب، مدفوعا بهذه الغاية، إلى إنهاء الدور الأميركي المحوري في حملة محاربة تنظيم الدولة بعد سقوط مدينة الرقة، عاصمة التنظيم في سوريا، في 2017، كما خفَّض ترامب مستويات القوات الأميركية في أفغانستان وأسند المُهمتين إلى حلفاء محليين. أراد مستشارو ترامب العسكريون أن تُبقي الولايات المتحدة على التزاماتها في المنطقة، فيما سعى قادة مدنيون آخرون إلى تضمين القوات الأميركية في سوريا والعراق في جهود ترامب الأوسع لاحتواء إيران. كانت الكثير من الصراعات الداخلية في إدارة تراامب نتاج هاتين الرؤيتين المتنافستين: الانسحاب وإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب أو التركيز على كلٍّ من الإرهابيين وإيران. وفي النهاية استقرت الأمور على تسوية معقولة تتمثَّل في سحب عدد كبير من القوات الأميركية مع تكريس القوات الباقية لمحاربة الإرهاب وتنفيذ عمليات تستهدف إيران.

وجزءا من هذا المبدأ الثاني، أوضح ترامب أنه سيدعم أي أعمال إسرائيلية وتركية ضد إيران وروسيا في سوريا، وسيعتمد اعتمادا أساسيا على دول الخليج والأردن والعراق وإسرائيل في مواجهة طهران. وفي المقابل ستُثني الولايات المتحدة على هذه الجهود عسكريا عند اللزوم ببيع السلاح أو استهداف الإرهابيين أو معاقبة رئيس النظام السوري بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية. كانت الإدارة الأميركية، على الرغم من ذلك، حذرة عموما في استخدام القوة العسكرية وخصوصا في حال عدم وجود خسائر في أرواح الأميركيين. ولكن عندما قرّرت الإدارة التحرُّك، استهدفت القوات الأميركية الأسد والجماعات الإرهابية والمرتزقة الروس والمليشيات المدعومة إيرانيا بفعالية.

وفي مقابل حمل إدارة ترامب هذا العبء الزائد على عاتقها، غضّت الطرف عن السلوك المحلي الذي انتهجه شركاء مُهمّون بما فيهم مصر وتركيا وحتى السعودية على الرغم من مقتل الصحافي جمال خاشقجي. كما أوضحت الإدارة أنها ستدعم إسرائيل صراحة في أي قضايا تتعلق بفلسطين والانقلاب على السياسات الأميركية والدولية التي استمرت طويلا فيما يخص نقل الأسلحة، ووضع هضبة الجولان والقدس والصحراء الغربية. هذه السياسات أنتجت “معاهدات أبراهام” التاريخية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، في مؤشر على أن المنطقة كانت في طريقها لتجاوز الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وضعت مهمة احتواء إيران النموذج الجديد الذي ابتكرته إدارة ترامب تحت الاختبار. رأى ترامب أن اتفاق إيران النووي عام 2015 الذي صمّمته إدارة أوباما كان صفقة خاسرة، إذ كان محدودا بمدة زمنية معينة، واشتكى الحلفاء الإقليميون من أن الاتفاق فشل في معالجة السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار. وفي النهاية، وبعد سعي إيران لمدة 18 شهرا لشروط أصعب؛ انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. وعلى الرغم من أن إيران انتقمت بالزيادة الجنونية في نشاط التخصيب النووي فإنها لم تنسحب من الاتفاق كليا.

على الرغم من الخطاب المعادي، فإن سياسة الإدارة لاحقا لم تكن تغيير النظام الإيراني، على الرغم من نظرة بعض السياسيين بأن هذا خيار ممكن. وبدلا من ذلك فإن حملة “الضغط الأقصى” التي شنّها ترامب صُمِّمت لإجبار إيران على التفاوض على صفقة أوسع لتحجيم أنشطتها النووية، وبرنامجها الخاص بالصواريخ، وسلوكها الإقليمي. أثَّرت السياسة الأميركية بفعالية في كلٍّ من الاقتصاد الإيراني ومغامرات إيران الإقليمية. وعلى الرغم من استمرار طهران في تهريب البترول والغاز إلى خارج البلاد بمقابل زهيد، فإن العقوبات حدَّت من المساعدة المالية التي قد تُوفِّرها لحلفائها في العراق ولبنان وسوريا. لم تكن الصين ولا روسيا مستعدتين لإنقاذ إيران ماليا، كما أن الأوروبيين، على الرغم من معارضتهم لتصرفات إيران، لا يمكنهم فعل الكثير للانتقام من إدارة ترااامب.

جادل المعارضون لإدارة ترامب بأن إيران لن تُقدِّم تنازلات واسعة، لكن على الرغم من ذلك فإن مطالب ترامب كانت تختلف قليلا عن تلك التي طلبتها إدارة أوباما في البداية. وفي الحالتين كانت الإدارتان تتمسكان بمواقف تفاوضية أولية مُغالى فيها، إذ أراد ترامب، على غرار أوباما، التفاوض على اتفاق لكن باختلاف جوهري: كانت أولوية ترامب المحورية هي التصدي لمغامرات إيران الإقليمية، والحد من إمكانياتها النووية بقدر الإمكان، بصرف النظر عن الحدود الدبلوماسية، إن كان من الممكن تحقيق الاتفاق على هذا النحو، فلِمَ لا؟ وعلى عكس إدارة أوباما، التي وضعت الوصول إلى اتفاق على رأس أولوياتها، رأى ترامب إيران تهديدا شاملا، وأخضع كل التفاصيل السياسية الدقيقة الأخرى، بما فيها الملف النووي، إلى هذه الحقيقة. وبالتالي زاد ترامب من ضغطه، فإما أن يفرض شروطه التي يرغب بها وإما أن تعاني إيران مزيدا من الضعف. وحتى الآن لا يمكن الحكم على جدوى هذه السياسة، فالوقت وصناعة القرار في إدارة بايدن وحدهما سيُقرِّران ما إذا كانت سياسة “الضغط الأقصى” فتحت الباب أمام التسوية مستقبلا، أم أنها تدفع إيران لتكون أقرب لتحقيق الانتشار النووي وأبعد ما تكون عن التسوية التفاوضية.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن عزمه الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني بالبيت الأبيض

قَرَن ترامب حملة عقوباته بجهود لمكافحة توسُّع إيران الإقليمي خصوصا في سوريا والعراق. ورثت إدارته سياسة مرتبكة عن إدارة أوباما، تلك السياسة التي انتقدها فيما بعد مستشارون سابقون في إدارة أوباما نفسها. كان جزء من هذه السياسة هو الإطاحة بالأسد بيد المعارضة المسلحة، وجزء ثانٍ هو السعي لتسوية سياسية تتوسط فيها الأمم المتحدة، وجزء ثالث هو هزيمة تنظيم الدولة.

وبحلول نهاية عام 2017 كانت إدارة ترامب شكّلت سياستها الخاصة في سوريا، ومرة أخرى اعتمدت فيها على مبادئ مواجهة التهديدات الإقليمية، والعمل مع حلفاء وشركاء في الوقت ذاته: طرد إيران من سوريا، وهزيمة تنظيم الدولة للأبد، وحل النزاع الأهلي الدائر في البلاد. وعلى الرغم من أن الجيش الأميركي عارض التشتت فيما هو أكثر من مهمته في محاربة تنظيم الدولة، فإنه في النهاية وجَّه قواته لتحقيق كلا الغرضين في شمال شرق سوريا وجنوبها، من أجل توسيع السياسة الأميركية في البلاد عن طريق حرمان نظام الأسد وحلفائه من الموارد ومن التوغُّل ميدانيا.

وبحلول عام 2020 كانت الولايات المتحدة قد دشّنت تحالفا منيعا، حتى مع سعيها لخفض التزامها المباشر. كما عملت تركيا وعناصر المعارضة المسلحة في سوريا مع الولايات المتحدة من أجل حرمان الأسد من انتصار عسكري حاسم. وعلاوة على ذلك فإن الغارات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على أهداف إيرانية في سوريا قد قلَّلت من الخيارات العسكرية التي في يد النظام السوري. وفي هذه الأثناء قادت الولايات المتحدة تحالفا دبلوماسيا عالميا كبيرا دعَّم الجهود السياسية للأمم المتحدة لحل النزاع، وعزل دمشق دبلوماسيا، وسحق الاقتصاد المحلي من خلال العقوبات. ومع ذلك فإن نتيجة السياسة الأميركية في سوريا، كما هو الحال في السياسية الأميركية الأوسع تجاه إيران، ما زالت في طريق مسدود. وفي ظل غياب الحل التفاوضي فإنه من المحتمل استمرار حرب الاستنزاف، لكن هذه هي الطريقة التي آتت ثمارها في الحرب ضد السوفييت في أفغانستان. ومع ذلك فإن الإدارة الأميركية الجديدة يجب عليها أن توازن بين هذه الإيجابيات في مقابل مخاطر أخرى تتضمّن الخسائر في صفوف المدنيين.

ومن غير المفاجئ أن هذه السياسة الأميركية وضعت واشنطن في خلاف مع موسكو، التي رأت سوريا باعتبارها الساحة الأساسية للعودة دبلوماسيا وعسكريا من جديد إلى الشرق الأوسط. استجابت الولايات المتحدة مرارا، بما يتفق مع هدفها المُتمثِّل في مواجهة تهديدات أندادها الإقليمية، لنشاط روسيا العسكري وتوكيلها للمرتزقة في شمال شرق سوريا، كما ساعدت تركيا في صد الغارات السورية-الروسية المشتركة على الشمال الغربي للبلاد. لكن معارضة تركيا للسوريين الأكراد، وهم الشريك المحلي للولايات المتحدة في شمال شرق البلاد مُتمثِّلا في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه)، قد عقَّدت من العلاقة الأميركية التركية. وأدّت هذه التوترات إلى حادثة عسكرية ودبلوماسية محدودة في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وعلى الرغم من اتفاق واشنطن وأنقرة على حل الأزمة، فإن هذه الحادثة أوضحت صعوبة العمل من خلال الشركاء قسد أو الأتراك على حدٍّ سواء، الذين تتجاوز أجندتهم قدرات واشنطن على دعمها.

أما في العراق فقد حاولت الولايات المتحدة عزل جهودها العسكرية لمكافحة تنظيم الدولة عن المعركة الأوسع ضد إيران، لكن المليشيات المحلية الموالية لطهران بدأت تُصعِّد حملتها ضد القوات الأميركية. لكن ترامب انتقم في النهاية باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق “القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، فيما ردّت إيران بإطلاق هجمة صاروخية باليستية على قاعدة أميركية لكنها فشلت في إلحاق أضرار بالغة. كانت النتيجة واضحة، على الرغم من أنها ليست نتيجة نهائية، بانتصار الولايات المتحدة. لا تزال القوات الأميركية موجودة في العراق، لكن المليشيات مثل “كتائب حزب الله” ما زالت تُمثِّل تهديدا. وما زال العراق هو الجبهة الأكثر تقلُّبا بين واشنطن وطهران.

حقّقت إدارة ترامب على مدار السنوات الأربع الماضية نجاحين رئيسيين في الشرق الأوسط: اتفاقات التطبيع، وتدمير خلافة تنظيم الدولة الإقليمية في العراق وسوريا. كما أنها استطاعت مواجهة التوسع الروسي في سوريا ومناطق أخرى، وأحكمت قبضتها على التهديد الإيراني المستمر متعدد الأوجه للاستقرار الإقليمي، وحشدت تحالفا لمواجهة سلوك طهران. لم يضع ترامب حدًّا للتحدي النووي الإيراني، وهو ما لم يفعله أوباما أيضا، إذ تلاشت بسرعة الحدود التي فرضتها الاتفاقات النووية الأصلية على التخصيب النووي الإيراني غير المحدود خلال السنوات الخمس الماضية فقط.

تعتبر نتائج هذه السياسة جديرة بالتقدير، بمعايير الشرق الأوسط الحديثة، إذ استطاع ترامب خفض التزامات الولايات المتحدة المباشرة ونفقاتها، وفعل ذلك كله بينما كان يعمل عن كثب مع حلفاء إقليميين. ومع ذلك فإنه قد يكون من الصعب على الإدارة الجديدة الحفاظ على هذا النهج، مع إعادة التركيز على الاتفاق النووي الإيراني. وحاليا يرغب الكثير من الحلفاء الإقليميين في استمرار الضغط الأميركي على الاقتصاد الإيراني ومغامرة إيران الإقليمية أكثر من رغبتهم في عودة أميركا الفورية للاتفاق النووي، وسيتعيّن على بايدن الموازنة بين هذه الأولويات بحرص.

هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs

——————————–

 بايدن والسياسة الأمريكية حيال سوريا.. الحاضر والغائب فيها/ أسامة آغي

الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 26 من كانون الثاني الحالي، ناقش مسائل عديدة تهم الجانبين، لكنه لم يعرّج على القضية السورية. وشمل الاتصال التطرق لاتفاق بشأن تمديد معاهدة “ستارت 3″، الخاصة بتقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بينهما، وكذلك أبلغ بايدن بوتين قلق الولايات المتحدة إزاء اعتقال الأمن الروسي المعارض أليكسي نافالني وبعض أنصاره، والوضع الأوكراني.

الغائب عن المحادثة الهاتفية بين بايدن وبوتين، كان ملف الصراع السوري، وهذا يكشف من الجهة الأمريكية، استمرار غياب استراتيجية أمريكية ملموسة متكاملة، حيال حل ملموس وواقعي للصراع السوري، يقوم على مضمون القرار الدولي “2254” الصادر عن مجلس الأمن في نهاية عام 2015.

أمام بايدن سوريًّا، تعقيدات ميدانية وسياسية واضحة، هذه التعقيدات، تشمل العلاقة بين الولايات المتحدة وحزب “PYD”، ووجود القوات الأمريكية في سوريا، وتحديدًا في شمال شرقي سوريا (الجزيرة والفرات)، وما ينتج عن هذه العلاقة من خلافات بين الأمريكيين وتركيا من جهة، والضرر الواقع على السكان العرب وغير العرب نتيجة هذه السياسة.

وهناك مشكلة تتحدث بها الإدارات الأمريكية المتتالية (إدارة أوباما التي كان بايدن يشغل فيها منصب نائب الرئيس، وإدارة ترامب، والآن إدارة بايدن نفسه)، هذه المشكلة هي وجود وتهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بإقامة خلافة إسلامية، يعتبرها الأمريكيون تهديدًا لمصالحهم، ومصالح حلفائهم الاستراتيجية، هذه المشكلة هي التي تقف خلف ادعاءات الأمريكيين بضرورة بقاء قوات عسكرية أمريكية لمحاربة هذا التنظيم المتطرف.

ولكن الإدارات الأمريكية المتتالية، لا تزال عاجزة عن حل مسألة الأمريكيين المحتجزين لدى نظام الأسد، وفي مقدمتهم الصحفي الأمريكي أوستن تايس.

أمام هذه اللوحة، يمكن التذكير بأن حملة بايدن الانتخابية لم تقترب من أي طروحات حل، أو موقف يخصّ حلّ الصراع في سوريا، لكن إدارة ترامب في آخر أيامها، وتحديدًا في 10 من كانون الأول 2020، مرّرت للكونجرس مشروع قرار يحظر على إدارة بايدن الاعتراف بنظام الأسد، كحكومة سوريّة شرعية، أو حق بشار الأسد في الترشح لأي انتخابات مستقبلية في سوريا.

أمام هذه اللوحة، كيف يمكن لإدارة بايدن أن تدير الدور الأمريكي في ملف الصراع السوري؟ فالخيارات الأمريكية ليست خارج التعامل مع الواقع الموجود على الأرض، وهذا الواقع يمكن تحديده بسهولة، ولكن معالجته، وطريقة التعامل معه، ليست بالسهولة ذاتها.

فالإيرانيون، عبر قوات ما يسمى “الحرس الثوري”، إضافة إلى الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات، لا يزال نفوذهم العسكري والسياسي والاقتصادي يتوسع في سوريا يومًا وراء يوم، وإن حلًا سياسيًا بوجودهم لا يمكن أن يحدث، وفق تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصراع السوري، وهذا يحيل وجودهم في سوريا باعتباره عقبة جدية أمام حل الصراع، وفق تلك القرارات، وذلك، لأن المشروع الإيراني في دول الشرق الأوسط العربية، يقوم على الهيمنة والسيطرة على شعوبها ومواردها الاقتصادية، عبر استخدام القوة العسكرية المحمية ببرنامجها النووي، وعبر استخدام الأيديولوجيا الدينية (المذهب الشيعي).

إدارة بايدن لا يمكنها أن تُغفل الوجود والنفوذ الإيراني في بلدان عربية عديدة، مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذا يتطلب من بايدن وفريق عمله أن يتم ربط العودة إلى الاتفاق النووي “5+1” بشروط جديدة فعّالة، منها برنامج إيران الصاروخي الباليستي، ومنها خروجها وعدم تدخلها في دول المنطقة.

عدم الإغفال يتطلب برنامجًا واضحًا، وأهم ما فيه، الاعتماد على قوى تعادي الوجود الإيراني وتقاومه، وفي مقدمة هذه القوى، فصائل المعارضة السورية، التي يميل أنتوني بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة الجديد، والمقرّب جدًا من جو بايدن، إلى رؤية أن يُفرض الحل الأمريكي من خلال تسليح المعارضة وبتعاون مع حليفة الولايات المتحدة تركيا.

ولكن لا يمكن للأمريكيين إغماض أعينهم عن الوجود الروسي في سوريا، وأهداف هذا الوجود على المديين القريب والبعيد، وتهديد هذا الوجود للمصالح الأمريكية في المنطقة.

هذه الرؤية ليست الوحيدة بالنسبة لإدارة بايدن حيال حل الصراع في سوريا، فالتفاهم الممكن مع تركيا، يمكنه أن يلعب دورًا إيجابيًا لمصلحة سياسة الولايات المتحدة وحلفائها، ونقصد بالدور الإيجابي إعادة ترتيب أولويات العلاقات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، فليس طبيعيًا تجاهل حليف كتركيا، التي تمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط عدة وعتادًا، ويأتي ترتيبها الـ11 على مستوى قوة الجيوش في العالم.

كذلك تملك الولايات المتحدة قوة قانون “قيصر”، وتفعيله لدرجات قصوى، لإجبار النظام على الانخراط الفعلي والجدي في تحقيق التسوية السياسية، وفق القرار الدولي “2254”، فالنظام لن يستطيع الصمود أكثر، إذا زادت الولايات المتحدة من فعالية قانون “قيصر”، مع ضغوط عسكرية جديّة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين من سجون الأسد.

إن موقف الولايات المتحدة من القضية السورية لم يتغير مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، من ناحية منع تقديم أي دعم لإعادة إعمار سوريا، قبل انخراط النظام بالتسوية السياسية، وبالتالي، هي معنية بإعادة صياغة موقفها وتعاونها مع الروس بالملف السوري، ومن المحتمل أن يرتكز هذا التعاون على محاولة إقناع الروس بقبول فرض الحل السياسي الأممي على سوريا، مقابل تحسين علاقات الغرب معها.

إن وجود استراتيجية أمريكية نحو سوريا، ولو كانت قريبة المدى، سيساعد على شقّ طريق حل سياسي، يأخذ بالاعتبار مصالح السوريين، الذين عانوا الأمرين على مدى عشر سنوات من الصراع، الذي كان من الممكن أن تحسمه إدارة أوباما، التي كان بايدن نائبًا للرئيس فيها، لكنها لم تفعل، ليس لأنها كما يدعي البعض لا تمتلك رؤية استراتيجية للصراع في هذا البلد، بل يمكن القول إنها كانت لا تريد لهذا الصراع أن ينتهي في أجل قصير، تماشيًا مع رؤيتها للصراعات في المنطقة والعالم.

لهذا يمكن القول، إن إدارة بايدن أمامها خيارات متعددة للتعامل مع الملف السوري، من هذه الخيارات تعميق تعاونها مع تركيا، وتقديم الدعم لها ضد أي محاولات لتغيير الواقع الميداني في إدلب أو في شمالي سوريا، من قبل النظام وحلفه الروسي- الإيراني، والدفع باتجاه تغيير سياسة حزب “PYD” من واقعها الحالي المتشابك مع حزب “العمال الكردستاني”، إلى التنسيق والتعاون مع قوى الثورة والمعارضة السورية، بغية خلق جبهة واحدة لفرض الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تحفظ حقوق مكوناتها الوطنية على قاعدة المواطنة الواحدة.

وهناك احتمال أضعف بإمكانية انزياح الموقف الأمريكي الحالي، بحيث تتجه الولايات المتحدة لتقارب سياسي مع الدول الضامنة لاتفاقات “أستانة” و”سوتشي”، هذا الموقف يبدو أنه متعارض مع جوهر الموقف الأمريكي الذي لا يريد أن يوزع الكعك على المتورطين الخارجيين بالصراع السوري، ولا يريد مكافأة نظام الأسد على غرقه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، موقف دول “أستانة” ظهر بذهاب مسؤوليها إلى جنيف، لمنع انفراط عقد جلسات اللجنة الدستورية، باعتباره تذكيرًا للأمريكيين بوجودهم.

حتى اللحظة لم يتبلور موقف نهائي لبايدن وإدارته من الصراع السوري، ولكن كل المؤشرات وحديثه مع بوتين، لا توحي باتفاق قريب مع روسيا في سوريا، التي بقيت قضيتها حاضرة غائبة.

عنب يلدي

———————————

عن مبعوث أميركي إلى إيران ترفضه إسرائيل/ لميس أندوني

أحدث تعيين الدبلوماسي، روبرت مالي، مبعوثاً أميركيا خاصا إلى إيران، موجة من اعتراضات قوية، بين الأوساط اليمينية والصهيونية المتشدّدة في الولايات المتحدة، وهذه تتهمه بمعاداة إسرائيل ومحاباة ايران والفلسطينيين، باعتبار اختيار الرئيس الأميركي، جو بايدن، هذا الرجل مؤشرا إلى ذلك، عوضاً عن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران. على الرغم من هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، فإن قوى داخل الكونغرس وخارجه تستمر في التحريض على حربٍ ضد إيران، وفي دعم غير مشروط لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتأييد في خططه لضم المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى غور الأردن، أي استكمال ما تسمى صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.

ومردّ الهجوم الذي يتعرّض له روبرت مالي أنه كان الدبلوماسي الوحيد في الفريق الأميركي الذي أشرف على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وانتقد الموقف الإسرائيلي علنا وهو في موقعه الرسمي، معارضا الحملة التي شنتها إدارة الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، ضد الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ولومه على فشل مفاوضات كامب دايفيد العام 2000. فما كان من مالي إلا أن نشر مقالا استعرض فيه ما حدث في تلك المفاوضات، ووضع اللوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، بتقديم خطةٍ لا يمكن لأي فلسطيني قبولها، مضمونها “دولة” ممسوخة مجزّأة فاقدة السيادة، متوقعا من عرفات ليس قبولها فحسب، بل التوقيع على اتفاقٍ بالتخلي عن كل الحقوق التاريخية والوطنية للشعب الفلسطيني وإعلانه نهاية الصراع.

إضافة إلى أن إسرائيل، ومعها معظم اليمين الأميركي الصهيوني، تعتبر روبرت مالي واحدا من فريق وزير الخارجية السابق، جون كيري، الذي شارك في المفاوضات التي أدت إلى توقيع الولايات المتحدة على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس السابق ترامب، في محاولة لمنع خلفه في البيت الأبيض من العودة إليه أو على الأقل وضع قيود وشروط تضعف إيران دولةً، وليس قوة إقليمية فحسب. ولكن تعيين مالي، الدبلوماسي الذي اكتسب احتراما واسعا لنقده المستمر المستوطنات والسياسات الإسرائيلية، وتهوّر ترامب، لا يعني أن هناك تغيرا استراتيجيا في السياسة الأميركية، فهو يؤمن بالمؤسسة الأميركية وملتزم بأهدافها، وإن كان قد وصل إلى أن لا سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من دون الاعتراف بتبعات الاحتلال، وبضمان تسويةٍ تأخذ في الاعتبار حقوق الفلسطينيين، وأنه لا حل من دون موافقة الفلسطينيين. وقد وصل إلى هذا الاستنتاج معظم الفريق التفاوضي الأميركي إبّان عهد كلينتون، حتى الصهاينة منهم، لكن مع اختلاف درجات الاستعداد للاعتراف بحقوق الفلسطينيين، فالاعتراف وتضمين ذلك في اتفاق سلامٍ بقيا مشروطين بعدم الإخلال بأمن إسرائيل وسلامتها وتفوقها الاستراتيجي في المنطقة. وبالنسبة للمتشددين من مؤيدي نتنياهو من اليمين الإسرائيلي، يشكل هذا التفكير خطرا على إسرائيل، حتى جاء من الملتزمين بالصهيونية في الإدارة الأميركية ومؤسساتها، لذا نرى هجوما على مالي، وانتقادات متوالية للوزير السابق جون كيري، الذي يتولى مسؤولية ملف اتفاقيات المناخ، ومدير وكالة الاستخبارات الدبلوماسي وليام بيرنز، فهم يمثلون العودة إلى إدارة الرئيس السابق، أوباما، الذي فضّل توقيع اتفاق مع إيران على الحل العسكري. وقد نشرت الصحف الإسرائيلية مقالات متتالية تعرب عن استياء من عودة كيري وبيرنز ومالي، فالخشية من أن لا يخدم ذلك السياسة الإسرائيلية في توجيه ضربة إلى إيران، كما أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران تعرقل خطط نتنياهو في استمرار بناء المستوطنات وتهويد مدينة القدس، فالادعاء أن إيران خطر وجودي على إسرائيل والعالم العربي يزيح الأنظار عن جرائم الجيش الإسرائيلي، وقد يعزّز القبول العربي للتطبيع مع إسرائيل.

الخشية الحقيقية في إسرائيل والمراكز اليمينية في أميركا أن جملة التعيينات مرفقة بخطوات تعارضها إسرائيل ستؤدي إلى عكس ما أسّسه ترامب من إنجازات لصالح المشروع الصهيوني، فقرارات مثل استئناف العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وموقف عدد من فريق بايدن المؤيد لوقف بناء المستوطنات، أضف إليه التوجه إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، كلها مؤشرات انتكاسة للنهج الترامبي. ولكن ما نراه ليس هو عكس سياسات ترامب؟ على الأرجح، هو تعديل (مع عدم التقليل من أهميته) على سياسات ترامب، وليس إلغاء لها، فترامب أوجد وقائع جديدة، أهمها اتفاقيات التحالف التطبيعية غير المسبوق بين دول عربية وإسرائيل، واعترف بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية وبالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهي قرارات لن تغيرها الإدارة الجديدة، بل وكما رحب بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، بهذه الاتفاقيات، باعتبارها إنجازا يجب البناء عليه في التخطيط للسياسة الخارجية. كما أن بايدن لن يلغي خطوة ترامب الاستباقية، في آخر أيام رئاسته، نقل إسرائيل من مسؤولية القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا إلى مسؤولية نظيرتها في الشرق الأوسط، وهي أهم خطوة استراتيجية لربط أمن المنطقة بالأمن الإسرائيلي، تدعيما لحلف أمني عربي تحت هيمنة إسرائيلية، كما أوضح هذا مقال سابق للكاتبة في “العربي الجديد” (17/1/2021). بل دعمت إدارة بايدن الخطوة بزيارة أولى إلى إسرائيل، أدّاها قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكينزي، وإن لم يكشف عن مضمونها، غير أن رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، يبدو أنه استقوى بالتطمينات الأميركية، فأعلن، بعد أيام، عن تبلور تحالف إقليمي قوي، لمواجهة “المحور الشيعي”، مخاطباً ومهدّدا سكان لبنان وقطاع غزة بأن يغادروا بلدهم ومناطقهم “التي ستغمرها هجمات الجيش الإسرائيلي”.

التعيينات في الإدارة الأميركية مهمة، لأنها تكشف عن توجهاتٍ ومؤشراتٍ سياسية، وإنْ تبقَ في إطار الأهداف الاستراتيجية الأميركية، والملاحظ ان إسرائيل التي تغالي في اليمينية والتشدد أصبحت لا تقبل تعيين أي أميركي حتى لو كان ملتزما بالصهيونية، إذا تعارض ولو قليلا مع سياسات نتنياهو، فبمجرّد تسريب خبر عن احتمال ترشيح دينيس روس لمنصب سفير أميركا في إسرائيل، وهو الصهيوني الملتزم، المدافع عن إسرائيل في عدة إدارات أميركية، ارتفعت أصوات في الولايات المتحدة وإسرائيل تعارض تعيينه، لمجرّد معارضته فرض حل على الفلسطينيين من دون إحياء ما تسمى “عملية السلام”، والدخول بمفاوضات مع الفلسطينيين.

والملاحظ أنه لم يتم بعد تعيين نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، بل تم تعيين الدبلوماسي والباحث من أصول عربية، هادي عمر، مساعدا له للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، في خطوةٍ تبدو محاولة للحفاظ على بعض التوازنات، خصوصا أن وزير الخارجية بلينكن معروف بموقفه المتشدّد من إيران وبتأييد إسرائيل. والتحدّي أمام بايدن كيف ينجح بتعديل بعض سياسات ترامب التي عزلت أميركا عن حلفائها، والظهور بصورة القوة المعتدلة، من دون الخروج من هدف ضمان الهيمنة الأميركية والتفوق الإسرائيلي في المنطقة.

المهم أن لا يقع الزعماء العرب والنخب العربية في وهم جديد، فالواضح أن إدارة بايدن تريد استرضاء حلفائها العرب التقليديين، وكبح جماح بعض الحلفاء الذين فضّلهم ترامب، لمنعهم من مغامراتٍ قد تشكل خطرا على الأهداف الاستراتيجية الأميركية.

العربي الجديد

———————————

سوريا والمجال الأمني الأمريكي/ غسان المفلح

من خلال نقاشاتي مع الأصدقاء بخصوص أمريكا وإدارة أوباما، هنالك نقطتان لا بدّ من تأكيدهما، وقد أكدت عليهما مراراً وتكراراً منذ عقود: سوريا

الأمر الأول: المنطقة الشرق أوسطية هي جزء عضوي من المصالح القومية العليا لأمريكا. ويتم التعامل مع كل ما فيها بناء على هذا المعطى الأمني، أولاً، وقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لهذا نحن نطالب أمريكا ولا نطالب دولاً أخرى بإنصاف شعوبنا. ويجب ألا تتوقّف هذه المطالبة أبداً وفضح سياساتها في كل بقعة من سوريا. عسى ولعلّ يتغير الوضع نحو الأفضل.

الأمر الثاني: أمريكا باتت حاضرة في كل تفصيل سياسي أمني يخصّ هذه المنطقة. لهذا أمريكا لا تحلّ أيّ ملف يخصّ الشرق الأوسط في أروقة الأمم المتحدة، ووفقاً للقانون الدولي، بل وفقاً “للقانون الأمريكي” والمصالح القومية العليا.

من باب الاعتراف والنقد، إسقاط نظام صدام حسين بعد احتلال العراق عام 2003، خلق لدي أملاً في أنّ أمريكا ربما تساعد شعوبنا في التخلّص من هذه الديكتاتوريات. لكن سرعان ما تبدّد هذا الأمل بعدما وجدت أمريكا تسلم العراق لإيران. هذا الأمل أيضاً لم ينتج لأنّ أمريكا حيادية في المنطقة، أو أنّها لا تتحكّم بالمنطقة ومساراتها، بل لأنّها المتحكّم ومن خارج أطر القانون الدولي ومؤسساته وداخلها أحياناً. حتى إنّ أمريكا وافقت على قرارات مجلس الامن التي تنصّ على أنّ الوجود الأمريكي في العراق هو احتلال (القرار 1483 في 22/ أيار 2003). عندما تقرّ أمريكا أنّها دولة محتلة للعراق وفي قرار دولي، ثم تسلم العراق لإيران وتتركه ساحة حرب داخلية، يصير الدفاع عن السياسة الأمريكية مجرد تهريج دموي. هكذا الحال بالنسبة لليمن وليبيا وسوريا والصومال. الصومال الذي تركته أمريكا لعدم وجود نفط هناك، ولا يحتلّ موقعاً استراتيجياً، تركته لحرب أهليّة طاحنة، علماً أنّها أبقت على نشاطها الاستخباراتي والسياسي.

الحديث عن المصالح الأمريكية العليا في المنطقة، عموماً، وسوريا، خصوصاً، يأتي أيضاً من أنّ سوريا الحالية والتي تأسست وفقاً لاتفاقيات سايكس- بيكو 1916، هي بلد مدولن. هذه الاتفاقيات التي تم تبنيها من قبل عصبة الأمم المتّحدة. يمكن العودة بالطبع إلى أدبيات كثيرة عالجت هذه الدولنة بشكل مباشر أو غير مباشر. كتاب باتريك سيل الجزء الأول الذي يحمل عنوان “الصراع على سوريا”. أيضاً ما كتبه الدكتور غسان سلامة عن “أزمة الدولة المعاصرة في المشرق العربي”، وما كتبه الدكتور برهان غليون “محنة الأمة في الدولة” كما أسماها، وغيرهم.

هذه الدولنة أو التدويل Internationalization انتهت بعد فرنسا وبريطانيا، تشاركياً وتنافسياً، إلى دولنة أمريكية، دخل العامل الإسرائيلي عليها بقوة أمريكا. أزعم أنّ هذه القضية باتت بداهة لا تحتاج كثيراً لمجادلات ونقاشات، لأنّ سوريا ومعها المنطقة كلها، كنفط، وما يعنيه النفط بالنسبة لأمريكا، وكموقع استراتيجي في قلب العالم. يضاف إلى ذلك طبعاً المجال الأمني لإسرائيل الذي بات، منذ الستينيات من القرن الماضي، ضمن هذا المجال الأمني والمصالح القومية العليا الأمريكية.

ما يغفله الباحثون عن قضية أمركة العالم أو المنطقة هو تراكم القوة الأمريكية، ليس بوصفها احتلالاً من الخارج، بل وصلت إلى درجة من القوة أنّها احتلال داخلي. بات لديها مرتكزات داخلية في كل مجتمع على وجه الكوكب تقريباً. لا نريد التحدّث عن هيمنة اللغة الإنكليزية. لا نريد التحدّث عن هيمنة الإنترنت الذي هو أحد أهم مصادر القوة والأمركة معاً. لا نريد التحدّث عن قوة الحضور الهوليوودي في العالم، في كل بيت ومع كل فرد عبر موبايله.

التدويل Internationalization: يعتبر مفهوم التدويل من المفاهيم التي ترتبط بالعلاقات الدولية، والتدويل هو كناية عن نظام سياسي يخضع بموجبه بلد ما لإدارة دولية، تشترك فيها دول متعددة، وتصبح سيادة الإقليم “المدولن” تابعة لإشراف جماعي. هذا من التعريفات التي تحاول إيجاد موقع قانوني للتدويل في مدونات القانون الدولي وتفرعاته. لكن ما نتحدّث عنه هنا أنّ سوريا مدولنة خارج القانون الدولي أو تدويل لا قانوني Illegal internationalization. تدويل سوريا أمريكياً وفرنسياً، على سبيل المثال، كان واضحاً في مباركة عملية التوريث التي تمّت عام 2000 في سوريا، بمباركة مباشرة من جاك شيراك، ومادلين أولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا، آنذاك. هذه محطة من التدويل خارج إطار القانون الدولي.

هذا ببساطة أيضاً هو التدويل الأمريكي الأوروبي لسوريا. احتلال أمريكا للجزيرة السورية هو أيضاً حلقة من حلقات هذا التدويل. احتلال تركيا لعفرين ورأس العين وتل أبيض، الاحتلال الروسي وكذلك الإيراني تمّا بموجب اتفاق مع الاحتلال الأسدي. أيضا حلقة من حلقات التدويل المباشر المسيطر فيه دوماً هو الأقوى. في حالتنا السورية أمريكا هي الاقوى.

طبعاً يضاف إلى ذلك عشرات القرارات من مجلس الأمن الدولي بخصوص سوريا منذ استقلالها، ولن يكون آخرها القرار 2254 القاضي بتسوية سياسية وتحقيق انتقال سياسي في سوريا 2015، أو ما يمكننا تسميته بالتدويل، وفقاً للقانون الدولي الذي تعبر عنه الأمم المتحدة ومؤسساتها. غايتنا هنا كانت الحديث عن التدويل خارج إطار القانون الدولي. يتضح أنّ أمريكا متدخلة في سوريا بشكل مؤكد وواضح، على الأقل منذ عام 1967. اتفاقيات الفصل 1974-1975 على الجبهة السورية، مثلاً، تمّت مباشرة بين أمريكا والأسد بغطاء سوفييتي رغم عدم رضا السوفييت آنذاك. السماح أمريكياً وفرنسياً لقوات الأسد بالدخول إلى لبنان واحتلاله، أيضا خارج القانون الدولي.

لم تكتفِ أمريكا بالسيطرة على الدولنة من بعيد، بل نتيجة رؤيتها للمنطقة وسوريا، جاءت بقواتها واحتلّت الجزيرة السورية. احتلّتها للحفاظ على المجال الأمني الأمريكي والمصالح الأمريكية العليا. وفقاً لهذا المنظور، إدارة أوباما احتلّت الثورة السورية. تدويل سوريا على هذه الشاكلة الأمريكية، لا علاقة له بأي حدّ إنساني، بل بنظرة أمريكا لسوريا بوصفها ملفاً أمنياً فقط حتى اللحظة… يتبع سوريا

\ليفانت

——————————-

إيران و”امتداد الترامبية”/ حسام كنفاني

يبدو أن مرحلة جسّ النبض بين إيران والإدارة الأميركية الجديدة قد انتهت سريعاً، والتعويل الذي كان لدى طهران على سلوك مختلف من واشنطن في ظل حكم بايدن لم يتطابق مع واقع توجهات الإدارة الجديدة. فكما يبدو كانت الجمهورية الإسلامية تتوقع انقلاباً كلياً من حكومة بايدن على كل القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وفي مقدمتها طبعا، العودة إلى الاتفاق النووي وفق الشروط السابقة، خصوصاً أن بايدن يمثل امتداداً لإدارة باراك أوباما الذي أُبرم الاتفاق في عهده. غير أنه من الواضح أن حسابات الإدارة الجديدة مختلفة كلياً، فهي حتى وإن كانت لا توافق كلياً على سلوك إدارة ترامب في الملف الإيراني، غير أنها لن تتراجع عن قسم كبير منها، ولا سيما أن ذلك السلوك أدى إلى نتائج ملموسة في ما يتعلق بالضغط على طهران، والحد من قدرتها على التدخل في ملفات إقليمية عدة.

خلال الفترة الفاصلة بين نهاية عهد ترامب وتولي بايدن المسؤولية، عمدت طهران إلى محاولة التهدئة، والانكفاء والانتظار، خصوصاً مع التوتر الذي كان قائماً وسط الكثير من المعطيات التي كانت تشير إلى أن ترامب في طريقه إلى تصعيد عسكري مع إيران في نهاية ولايته، ربما يقود إلى حرب تبقيه في السلطة. وخلال تلك الفترة، تكثفت الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في الداخل السوري، إضافة إلى اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة في قلب طهران، وتصاعد الاختراق الإلكتروني لمواقع إيرانية حساسة. في تلك الفترة، حرصت طهران على التمسك بما سمّته “الصبر الاستراتيجي” بانتظار انقضاء الشهرين وانتهاء ولاية ترامب، مراهنة على صفحة جديدة مع إدارة بايدن. لكن مع الأيام الأولى لهذه الإدارة، وظهور الشروط الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووي، بدا أن العلاقة بين طهران والولايات المتحدة بدأت تعود إلى الفترة الأولى من حكم دونالد ترامب.

الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى عكس ما أمل الإيرانيون، لم تعلن نيتها العودة مباشرة إلى الاتفاق النووي، بل باتت هناك شروط جديدة – قديمة تحكم هذه العودة. فوزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكن، طالب إيران بـ “العودة إلى الالتزام باتفاقها النووي قبل أن تقوم واشنطن، التي انسحبت من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بخطوة مماثلة”. وقال إنه إذا عادت إيران إلى الالتزام بالاتفاق، فستسعى واشنطن لبناء “اتفاق أطول وأقوى” يتناول مسائل أخرى “صعبة للغاية”. وفي حين لم يحدد بلينكن هذه المسائل، إلا أن بايدن سبق أن أشار إلى أنها تشمل وقف تطوير إيران للصواريخ البالستية، ووقف دعم المليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط. مثل هذه الشروط كانت حاضرة بقوة في الفترة الأولى من حكم دونالد ترامب، حتى أنها أخذت قسطها من النقاش مع الأوروبيين الشركاء في الاتفاق النووي، وكان هناك إجماع على أهميتها، لكن من دون أن تؤدي بالأخيرين إلى الانسحاب من الاتفاق، قبل أن تدفع العقوبات الأميركية العديد منهم إلى تعليق الالتزام ببنود الاتفاق.

إيران باتت مدركة أنها تعود إلى مرحلة حكم ترامب في العلاقة مع الولايات المتحدة، على عكس ما كانت تبتغي، وهو ما عبّر عنه مستشار الرئيس الإيراني، حسام الدين آشنا، حين وصف تصريحات وزير الخارجية الأميركي بأنها “عودة إلى إرث ترامب”. هذه العودة، ولو الجزئية، تمثل كارثة للنظام في إيران، خصوصاً أنها تعني استمرار العقوبات التي فرضها ترامب، والتي أرهقت طهران اقتصادياً، ولا تزال تحمل في طياتها الكثير من التداعيات في المستقبل.

الترقب اليوم للخطوة الإيرانية الجديدة في مواجهة “امتداد الترامبية”، وما إذا كان “الصبر الاستراتيجي” سيبقى يحكم السلوك الإيراني أم أن “التفجير المضبوط” في الهند أمام السفارة الإسرائيلية هو بداية مسار من الرسائل الأمنية.

العربي الجديد

————————–

رئاسة جو بايدن لن تكون عودة إلى الطبيعية

جريمي كليف ترجمة: علاء الدين أبو زينة

سيكون من الصعب عليّ، كمراقب لمجريات الأمور في الولايات المتحدة (ناهيك عن كوني مواطناً ليبرالي العقلية في هذا البلد) ألا أتنفس الصعداء بمجرد أن يؤدي جو بايدن اليمين الدستورية. مرة أخرى، سوف يقود أقوى دولة في العالم شخص يتمتع بالنضج واللياقة والعمق العاطفي. لكنّ الأكثر من ذلك هو أن بايدن شخص مألوف تمامًا أيضًا. فقد انضم إلى مجلس الشيوخ في العام 1973، وترشح لأول مرة لمنصب الرئيس في العام 1988، وقاد لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ لأول مرة في العام 2001. كما أنه أصبح شخصية سياسية عالمية منذ فترة طويلة في العام 2008، عندما اختاره الرئيس الأسبق باراك أوباما ليتسابق في فريقه على منصب نائب الرئيس. ومن حيث الشخصية، يعد بايدن في كل تفصيل منه النموذج الأصلي القابل للتمييز لسياسي أميركي من القرن العشرين، مع أصداء مخصوصة من رؤساء عائلة كينيدي. وقد تكون متحمساً لبايدن وقد لا يكون، لكنك تعرف حتماً أين تقف منه.

ومع ذلك، فإن مساواة رئاسته بالعودة إلى الطبيعية هي قراءة خاطئة تمامًا. في المظهر والأسلوب، قد يبدو الأمر وكأنه استعادة؛ إعادة تشغيل تعيد الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه في العام 2016 -أو قبل ذلك. لكن التحديات التي يواجهها بايدن والقرارات التي سيترتب عليه مجابهتها تعني أن رئاسته ستكون أي شيء سوى ذلك.

على الصعيد المحلي، سوف تستمر الآثار التي خلفتها إدارة دونالد ترامب في المشهد. فقد أصبحت السياسة الأميركية مستقطبة أبعد من أي شيء كان يمكن تخيله قبل أربعة أعوام. وأظهر استطلاع جديد أجراه مركز “بيو” أن 64 في المائة من الناخبين الجمهوريين وذوي الميول الجمهورية كانوا يعتقدون -خطأً- بأن ترامب سيفوز بالتأكيد، أو ربما يفوز، في الانتخابات التي أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وأن 57 في المائة كانوا يعتقدون بأنه يجب أن يظل شخصية سياسية رئيسية. وتشير دراسة استقصائية أجرتها شركة البيانات YouGov مؤخرًا إلى أن 45 في المائة من الجمهوريين أيدوا اقتحام مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني (يناير). والمشاهد من واشنطن العاصمة، التي تبدو اليوم وكأنها مدينة أجنبية تحت الاحتلال الأميركي أكثر من كونها عاصمة سعيدة وواثقة، ما تزال تذكرنا بأعمال الشغب. وبغض النظر عن حسن سير مراسم التنصيب، فإنه لا يمكن القول إن ذلك كان انتقالًا “سلميًا” للسلطة.

أمّا أن الولايات المتحدة وصلت إلى هذه النقطة، فواقع يتحدى على الأقل بعضًا من أحلك المخاوف التي حامت فوق الرؤوس في الفترة التي سبقت الانتخابات. ولا شك في أن سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونغرس هي شيء جيد لقدرة الإدارة القادمة على البدء في شفاء البلاد. ولكن ليس من الصعب أن نتخيل نتيجة انتخابات رئاسية أضيق، والتي كانت لتنتهي بطريقة أكثر فوضوية. كما أنه ليس من الصعب تخيل عالم من دون جائحة “كوفيد -9” والذي يكون فيه ترامب قد فاز بولاية ثانية. وفي مقال كئيب في العدد الأخير من مجلة “فورين أفيرز”، كتب عالم السياسة فرانسيس فوكوياما أنه حتى مع وجود أغلبية ديمقراطية في مجلس الشيوخ، “سوف يحتاج الرئيس المنتخب جو بايدن إلى الحظ والمهارة لتمرير حتى التشريعات غير الطموحة نسبيًا”، وأن الإصلاحات التي يمكن أن تحسِّن الديمقراطية الأميركية حقاً (مثل تحديث نظام المجمع الانتخابي) ستكون على الأرجح بعيدة المنال. ومن السهل تماماً تخيل استبدادي أكثر كفاءة وقسوة من ترامب وهو يفوز بالرئاسة في العام 2024 أو 2028 -وهي حقيقة ستظل تحوم فوق رئاسة بايدن.

الانقسامات العرقية في الولايات المتحدة، والتفاوت الاقتصادي المروع، والاستيلاء على السياسة بالمال الوفير، والخلافات حول الحقيقة الأساسية للأحداث، واستحالة الإجماع العابر للأحزاب على الإصلاح -ليست أي من هذه القضايا جديدة في السياسة الأميركية. لكنها أصبحت الآن، بفضل ترامب بطرق عديدة، والوباء وعوامل تكنولوجية واقتصادية أخرى، شديدة جداً لدرجة تجعل أي حديث عن “الطبيعية” سيكون مثيرًا لضحك قاتم.

ثم هناك الصورة الدولية. وهنا، تكون أي فكرة عن وجود طبيعية مستقرة -حتى قبل تولي ترامب الرئاسة- في غير محلها. كانت العديد من التحولات خلال فترة رئاسته -سيادة علاقة باهتة عبر الأطلسي، وتمحور غير مؤكد نحو آسيا، وانسحاب أميركي من الشرق الأوسط، وتوترات متزايدة مع الصين الصاعدة- كانت كلها قادمة قبل قدوم رئيس “أميركا أولاً”. ولكن مرة أخرى، تقدّمت الاتجاهات التي كانت سائدة مسبقاً قبل ترامب كثيرًا في الأعوام الأربعة الماضية. المؤسسات العالمية أصبحت أضعف، والأزمات -مثل حالة الطوارئ المناخية- أصبحت أكثر إلحاحًا، وبعد عام عاث فيه وباء فساداً في عالَم بلا قيادة، أصبح حدوث الكوارث الإنسانية أكثر احتمالاً.

الأوروبيون والحلفاء الآخرون تخلوا أخيراً عن أوهامهم بشأن تحالفاتهم مع الولايات المتحدة. وأظهر استطلاع جديد أجراه “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” أنه حتى في ضوء رئاسة بايدن القادمة، توقع 49 في المائة فقط من الأوروبيين الذين شملهم الاستطلاع أن يتمكن البلد من حل مشاكله الداخلية وأن يستثمر في حل المشاكل العالمية. وينعكس مثل هذا التفكير في قرارات سياسية ملموسة. وكانت اتفاقية الاستثمار الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والصين، والتي تم إبرامها على الرغم من كل اعتراضات فريق بايدن الانتقالي، مدفوعة بإحساس في أوروبا (بما في ذلك على أعلى المستويات الحكومية) بأن القارة لم يعد بوسعها الاعتماد على الولايات المتحدة ويجب عليها التحوط في رهاناتها طويلة الأجل.

في الولايات المتحدة والأماكن الأخرى، شجعت أعوام ترامب القوميين والسلطويين بشكل كبير. وسوف يستمر إرث الرئيس المنتهية ولايته في فعل ذلك تحت شعار أن ما يسري في الولايات المتحدة، القوة الديمقراطية العظمى، سوف يسري بالتأكيد في البلدان الأخرى أيضًا. شاهِد جايير بولسونارو، رئيس البرازيل، الذي بدأ بالفعل في تقليد احتجاجات ترامب حول بطاقات الاقتراع المزورة قبل انتخابات بلاده في العام 2022. وقد يرغب أولئك الذين يتساءلون كيف كانت محاولات ترامب لإلغاء النتيجة لتنتهي في بلد فيه مؤسسات أضعف في الانتباه لما يحدث في البرازيل.

ثم هناك الصين. لا تعرِضُ بكين قطب قيادة منافسًا مثل منافس أميركا القديم، لكنها ملأت الفجوات التي خلفتها مغادرة الإدارة الأميركية للهياكل التعددية: فهي تصبح صوتًا مهيمنًا في منظمة الصحة العالمية، وتجعل اللقاحات التي تنتجها متاحة للحكومات الشريكة، وتزيد من وصولها الدبلوماسي في أماكن مثل إفريقيا والشرق الأوسط، حيث كان الغرب الذي بلا قيادة غائبًا أو غير متساوق.

والأهم من ذلك كله، نمت الصين. ويعني تعافيها القوي من الوباء أن اقتصادها، حسب توقعات مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال (CEBR) سوف يتفوق على اقتصاد الولايات المتحدة ويصبح الأكبر في العالم بحلول العام 2028؛ أي قبل خمسة أعوام مما كان متوقعًا، وسوف يمضي قدمًا بسرعة بعد ذلك. وبحلول العام 2035، تشير تقديرات مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي للصين سيصل إلى 49 تريليون دولار، مما يجعله أكبر بمقدار الثلث من الاقتصاد الأميركي الذي سيقف في ذلك الحين عند 36 تريليون دولار. لهذا العالم يجب على إدارة بايدن أن تُعِدَّ الولايات المتحدة -في وقت يتساءل فيه العديد من حلفائها وشركائها أحيانًا عن مصداقيتها الأساسية.

في هذه المرحلة، من الضروري أن نلاحظ، نعم، أن الولايات المتحدة لديها قدرة هائلة على التغيُّر والتقدم. إن شخصيتها نفسها، كأمة شابة مهاجرة، تحارب ضد شطبها. وقد مرت بفترات من الأزمة والتراجع من قبل (الحرب الأهلية، الكساد العظيم، السبعينيات) وخرجت دائماً من الجانب الآخر. وغالبًا ما فشلت القوى العظمى في العالم، بدءًا من الإمبراطورية الرومانية وما بعدها، عندما توقفت عن جذب ودمج القادمين الجدد؛ عندما أصبحت جامدة ومنغلقة وآفلة. ولكن، على النقيض من ذلك، ما تزال قدرة الولايات المتحدة الدائمة على جذب الموهوبين وتوليد العديد من -أو معظم الاختراقات- الأحدث والأكثر إثارة في التكنولوجيا والعلوم هائلة، وسوف تعززها الإدارة القادمة بالتأكيد. ومن الجدير ملاحظة أن احتجاجات “حياة السود مهمة”، التي انتقدت التفاوت الحاد داخل الولايات المتحدة ولكنها أثارت احتجاجات دولية، كانت دليلاً على القوة الناعمة للبلد. وفقط عندما يتردد صدى الاحتجاجات المحلية في الصين بهذه القوة في جميع أنحاء العالم بحيث تلهم لحظات تقلِّدها، وتستهدف المظالم العالمية والمحلية، سيكون لوضع أميركا كقوة عظمى ناعمة عالمية منافس خطير.

ومع ذلك فإن الصورة قاتمة في الحقيقة. ويمكن مقارنة ميراث بايدن الصعب بميراث فرانكلين دي روزفلت، أو هاري إس ترومان أو ليندون بي جونسون. لكن كل هؤلاء الرؤساء تولوا مناصبهم في وقت كانت فيه الولايات المتحدة ما تزال القوة الاقتصادية الرائدة بلا منازع، وهو وضع احتفظت به منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، ومن شبه المؤكد أنها ستتنازل عنه للصين في الأعوام العشرة المقبلة. وعلى المرء أن يعود إلى زمن الحرب الأهلية، إلى السابقة النبيلة لأبراهام لنكولن والمحزنة لأندرو جونسون، حتى يجد رؤساء وجدوا أنفسهم في مواجهة تحديات بهذا الحجم.

من نواح كثيرة، يعتبر التحدي الذي يواجهه بايدن فريدًا في التاريخ الأميركي. الولايات المتحدة بلد يعرِّفه ويزوده بالطاقة ارتياد الحدود الجديدة؛ من خلال السعي إلى المضي قدمًا، وصعودًا وإلى الخارج. وقد بدأت تلك القصة بالقيم (لا ضرائب من دون تمثيل)، وأصبحت جغرافية (الاندفاع غربًا)، ثم قومية (رأسمالية السوق الحرة)، وكوكبية (الحرب الباردة) ورقمية (الإنترنت). والآن، ولأول مرة منذ إنشائها، أصبحت قوى التاريخ تدفعها وراءاً، ونزولاً، وإلى الداخل.

وليست هذه عودةً إلى الطبيعي -ولا حتى طبيعياً جديداً. إنها شيء جديد تمامًا في التاريخ الأميركي، وإن كانت له جذور في الاتجاهات والسمات القديمة. ومن المؤكد أن بايدن هو شخص آمِن، ومعروف ومألوف. ولكن، سوف يُحكَم عليه من خلال قدرته على التعامل مع كل ما هو ليس كذلك.

*Jeremy Cliffe: المحرر الدولي لمجلة “ذا نيو ستيتسمان”.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Joe Biden’s presidency will not be a return to normality

المصدر: الغد الأردنية/(ذا نيو ستيتسمان)

 ——————————-

طهران ترفع السّقف وواشنطن تتوخّى الحذر/ راغدة درغام

تعمل الدبلوماسية الإيرانية على حشد الدعم الروسي والأوروبي والصيني للضغط على إدارة جو بايدن لاستئناف الصفقة النووية JCPOA، بتفعيل تلقائي بلا شروط مسبقة، وبرفع فوري لكل العقوبات المفروضة على إيران، لا سيّما في القطاع النفطي ومنع طهران من استيراد الأسلحة، بالذات من روسيا. دبلوماسية وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ليست منفصلة عن السياسة الرئيسية التي يصوغها مرشد الجمهورية ويصقلها “الحرس الثوري الإيراني”، المسؤول فعلياً عن صنع السياسة الخارجية، بل إنها تعتمد قاعدة الاستفزاز والابتزاز رهاناً منها على ما تعتبره حاجة ماسّة للرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لإلغاء انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية بقرار من سلفه دونالد ترامب، وذلك خوفاً من استئناف طهران تخصيب اليورانيوم وامتلاك السلاح النووي سريعاً.

الدبلوماسية “الظريفة” توجّهت الى موسكو بطلب المساعدة في حشد الأوروبيين وراء مواقفها، وحصلت على مواقف لافتة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ليس فقط في الشأن النووي، بل أيضاً في الشأن الإقليمي على نسق الأدوار الإيرانية في سوريا ولبنان. الأوروبيون متشوّقون لاستعادة أدوارهم في إحياء الصفقة النووية، وقد تراجع بعضهم عن الحديث عن ضرورة إدخال تعديلات تتعلّق بالصواريخ وبالسلوك الإقليمي الإيراني على صفقة JCPOA، وهو يريد إصلاح العلاقات الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. روسيا منخرطة ليس فقط من أجل إيران بل أيضاً من أجل سوريا، وهي حريصة جداً على علاقاتها مع إسرائيل في الملفين السوري والإيراني، ولذلك هي تُبحر ببالغ الحذر. أما الفريق المعني بالملف الإيراني في إدارة بايدن الجديدة فإنه يتشاور ويدرس تداعيات الاستراتيجية الإيرانية نحوه ونحو المنطقة، بعضه يرفض الهرولة وبعضه الآخر يوافق على أن يبدأ الحديث مع إيران بصورة “خاصة” و”غير مُعلنة” في مباحثات سرّية تشبه ما تمّ في عُمان على أيادي رئيس الاستخبارات المركزية الحالي بيل برنز ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، وأدى الى الصفحة الجديدة في العلاقات الأميركية الإيرانية والصفقة النووية. وهناك كلام عن قطر كبديل لعُمان في إطار استضافة هذه اللقاءات المغلقة بعيداً من الأضواء، إن كان على مستوى المسؤولين الرسميين في إدارة بايدن أو عبر أفرادٍ مقرّبين منهم يُفترض أن يتولّوا لاحقاً وقريباً مواقع مهمّة في الإدارة الجديدة.

أثناء زيارته موسكو هذا الأسبوع حصل ظريف من لافروف على موافقة روسيا على مد الدعم الكامل للعودة التلقائية الى الصفقة النووية بلا شروط مسبقة ومن دون إعادة التفاوض على عناصرها أو ملاحقها، حسبما أكدت مصادر وثيقة الاطلاع. ما أراده ظريف هو: أولاً، دعم موقف طهران لما هو “عودة بسيطة” simple return الى JCPOA، وثانياً، رفع كامل العقوبات قبل العودة الى الصفقة النووية. رسالته انطوت على الإنذار بأنه في حال عدم تحقيق التقدّم في هذا الشأن مع حلول منتصف شباط (فبراير) المقبل، فإن إيران في وارد تغييرٍ في مواقفها والبدء بمرحلة جديدة من تخصيب اليورانيوم. هكذا ترفع السقف وتضع إدارة بايدن تحت الضغوط الصارمة، وهكذا تطوّق التفكير داخل إدارة بايدن بأن المجال مفتوح لرفع العقوبات خطوة بخطوة، بالتتالي، وليس كرزمة. وقد أوضحت طهران موقفها هذا علناً ورسمياً عبر سفيرها لدى الأمم المتحدة، ماجد تاخت رافانشي، والذي أكد أن على الولايات المتحدة أن “تتصرف بسرعة” must act quickly قبل أن تفوتها فرصة للعودة الى JCPOA. يُذكر أن البرلمان الإيراني حدّد موعد 21 شباط (فبراير) المقبل كموعدٍ أخير لرفع الإدارة الأميركية العقوبات عن إيران.

ما طلبه ظريف من لافروف هو “الضغط الجماعي” على واشنطن عبر التواصل، ليس فقط مع وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، بل أيضاً عبر وزراء خارجية 5+1 إشارة الى الدول الموقّعة على الاتفاق النووي: الصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الى جانب الولايات المتحدة وروسيا. ما أبلغه اليه أن هناك فرصة شهر أو أقل “للمرونة” الإيرانية إذا برزت مؤشرات تجاوب من قِبَل واشنطن في غضون أسبوعين، وطهران في الانتظار لامتحان القدر الذي يستطيع الرئيس بايدن من “المرونة” الأميركية.

بكلامٍ آخر، طهران تريد كل شيء اليوم وليس غداً، وهي مقتنعة بأن بايدن سيكون مضطراً لتلبيتها، لأن إحياء الصفقة النووية بات مشكلته وليس مشكلتها، وأن في وسعها الانتظار بأدوات التصعيد التي تمتلكها. طهران تريد أيضاً “ضمانات” أميركية بعيدة المدى في أن لا مجال إطلاقاً في المستقبل لمنع إيران من استيراد الأسلحة، وهي عازمة على صفقة كبيرة مع روسيا. ودبلوماسية ظريف الأوروبية تنطوي على بعض الحقد من مواقف أوروبية في عهد ترامب والعزم على تلقين الدرس الفارسي – لمن لا يحفظ – وفي يدها التخويف والرعب من أوراقها النووية والتخريبية أوروبياً وفي كامل الشرق الأوسط.

قبل الخوض في المواقف الأميركية نحو الاستراتيجية الإيرانية، وعودةً الى المحادثات بين لافروف وظريف، نقلت المصادر الوثيقة الاطّلاع أن الوزيرين تحدّثا عن سوريا ولبنان وعن المواقف الإسرائيلية من الأمرين. اتفقا على محاولة إحياء عملية “آستانا” لسوريا في غضون شهر بين أطرافها، روسيا وإيران وتركيا، وبحسب المصادر، أبلغ لافروف الى ظريف أمل موسكو بأن تعمل إيران على “لجم تركيا في سوريا كي لا تكون تركيا مُهيمنة هناك”.

في ما يخص لبنان، أكّد ظريف الموقف الإيراني المصرّ على استمرار “الإشراف” supervising الإيراني على لبنان، باعتباره حجراً أساسياً في “المعادلة الأمنية” لموازين القوى الإقليمية. طلب ظريف من لافروف الضغط على إسرائيل كي لا تقوم بخطوات عسكرية ضدها، محذّراً من أن طهران ستضطر للرد. لافروف من جهته طلب من ظريف أن يضمن ألا يقوم “حزب الله” باستفزاز إسرائيل أو التحرّش بها.

مصادر أميركية تولّت مناصب رسميّة في إدارة ترامب نقلت عن مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمؤسسة الإسرائيلية أن المسألة النووية هي موقع اهتمام إسرائيل الأساسي للغد، أما اليوم، فإن الأولوية هي للدور والوجود الإيراني في سوريا وللصواريخ الإيرانية في لبنان وسوريا. قالت هذه المصادر إن دور الرئيس السوري بشار الأسد “يعتبر ثانوياً مقياساً مع أولوية إخراج إيران من سوريا في أسرع ما يمكن”، في الحسابات الإسرائيلية.

أضافت المصادر أن دور إيران في سوريا هو جزء مما سيسمعه قائد القوات الأميركية المركزيّة الجنرال كينيث ماكنزي أثناء زيارته إسرائيل، خصوصاً بعدما أصبحت إسرائيل عضواً في مظلّة الدول التابعة للقوات الأميركية المركزية، ما شكّل نقلة نوعية أتت نتيجة سياسات ترامب في صوغ العلاقات العربية – الإسرائيلية الأمنية. فالجنرال ماكنزي بات مسؤولاً عن المنطقة بِرُمّتها، وزيارته إسرائيل ستكون استطلاعية وفائقة الأهمية، لا سيّما في زمن البحث عن الفرص المواتية إقليمياً – إيرانياً وإسرائيلياً وعربياً. والتحديات كبيرة.

من المرتقب في الأيام المقبلة تعيين بايدن مبعوثه لإيران وهو روبرت مالي المثير للجدل حتى داخل فريق بايدن، بسبب الاعتقاد أن ميوله إيرانية وتشوقيّة لإحياء الصفقة النووية الإيرانية تلقائياً برفع العقوبات واستبعاد المفاوضات على الصواريخ والسلوك الإيراني الإقليمي، من اليمن الى العراق، الى سوريا فلبنان. المعارضون لروبرت مالي يخشون ليس فقط من انحنائه أمام إيران نوويّاً برفع للعقوبات، بما يمكّن “الحرس الثوري” من تنفيذ أجندته الإقليمية، وهؤلاء ينظرون الى التداعيات بالذات على سوريا كمصدر قلق. فأولوية مالي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما كانت دوماً إيرانية بامتياز، بما في ذلك على حساب سوريا، بغضّ النظر عن المجازر وتمزيق البنية التحتية الإنسانية.

حتى وزير الخارجية أنطوني بلينكن تحفّظ على “الفشل” والأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما في سوريا، وليس هناك ما يؤشِّر إلى استعداده للتهاون مع بشار الأسد والعقوبات ضده أو على أدوار الحرس الثوري و”حزب الله” في سوريا. وفي مقالة له عام 2019 قال إننا “في سوريا كنّا على حق في محاولة تجنّب عراق آخر بعدم القيام بالكثير، لكننا فعلنا العكس وارتكبنا خطأ القيام بالقليل”. بريت ماغرك Brett MeGurk الذي يتولى الآن المنصب الذي شغره روبرت مالي في إدارة أوباما، منسّق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، لا يوافق على توسيع الدور الأميركي في سوريا، وكان قد دعا عام 2019 الى التركيز على أمرين هما: الخطر الإيراني على إسرائيل، ومحاربة “داعش” في سوريا.

لا يريد بلينكن أن يترك سوريا لإيران وروسيا ولا لتركيا، ويتردد في الأوساط الإعلامية أنه ينظر في تعيين الدبلوماسي المخضرم جيفري فيلتمان كمبعوث خاص لسوريا. وحسبما يبدو، أن سوريا ستكون المحطّة المباشرة لتداعيات ما تقرره إدارة بايدن في شأن العلاقة الأميركية – الإيرانية.

يتمهّل بلينكن ولا يهرول، وهذا مفيد للمصلحة الأميركية التفاوضية كما للأمن القومي الأميركي، لأن الهرولة على وقع الإملاءات الإيرانية توقع الولايات المتحدة بين أنياب الابتزاز والاستفزاز. فليس خطأً أن يوافق أنطوني بلينكن وجايك سوليفان على مباحثات تمهيدية وراء الكواليس مع إيران، شرط أن تكون شرحاً للتوقعات وخريطة طريق وليس مفاوضات سريّة تخضع فيها إدارة بايدن للخوف من أنماط الانتقام الإيرانية.

إنها فرصة إذا صاغت إدارة بايدن استراتيجية اللاخوف من الانتقام، وإذا استدركت أخطاء الماضي، وإذا ذَكّرت نفسها بأن في أياديها أدوات التأثير الحقيقية والفعلية، بما فيها البناء على إنجازات الإدارة السابقة، مهما كرهتها، حفاظاً على المصالح الأميركية والأمن الإقليمي.

النهار العربي

——————————–

تركيا وايران، ابرز واصعب تحديات بايدن في الشرق الاوسط

يقوم الرئيس جوزف بايدن، عبر القرارات التنفيذية العديدة التي يوقعها يومياً بنقض أو تفكيك معظم سياسات سلفه الرئيس ترامب في مختلف المجالات الداخلية والخارجية، في عملية مماثلة لما قام به ترامب حين أوضح بسلوكه وقراراته وبتصريحاته انه يعتزم نقض سياسات سلفه الرئيس باراك اوباما.

في مجال السياسة الخارجية والأمنية سوف يسعى بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن لاعادة بناء العلاقات التقليدية مع اوروبا من خلال اعادة الاعتبار الى حلف شمال الاطلسي، وهو الحلف الذي شكك ترامب بجدواه، وكذلك العلاقات مع الحلفاء في الشرق الاقصى مثل اليابان وكوريا الجنوبية. المكالمة الهاتفية التي اجراها بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لم تكن ودية، ويتبين من بيان البيت الابيض حولها أنها تطرقت الى القضايا الخلافية بين الطرفين، من رفض التدخل الروسي في الانتخابات الاميركية الى حقوق الانسان في روسيا والمطالبة بالافراج عن المعارض الروسي أليكسي نافالني، الى الخلاف القديم حول احتلال وضم جزيرة القرم. العلاقات المتوترة حاليا مع الصين، سوف تبقى على توترها.

وتبين التعيينات في مجلس الامن القومي والاجهزة الحكومية الاخرى ان ادارة بايدن سوف تركز على شرق آسيا، وتحديداً على الصين بصفتها المنافس الاقتصادي والاستراتيجي الاكبر للولايات المتحدة في المنطقة التي تعتبر الاكثر اهمية للاقتصاد الاميركي. وكان الرئيس الاسبق اوباما، قد سعى الى تحويل اهتمام الولايات المتحدة الى الشرق ىالاقصى، ولكنه لم يحقق هذه السياسة بشكل كامل لان حروب العراق وسوريا وافغانستان وليبيا وأزمات المنطقة المستعصية على الحلول مثل النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، منعته من ذلك.

الرئيس بايدن أجرى اتصالات هاتفية مع قادة كندا والمكسيك، وهذا تقليد قديم، وايضا مع قادة فرنسا وبريطانيا والمانيا، واليابان وكوريا الجنوبية. ولكنه لم يتحدث حتى الان مع أي من قادة منطقة الشرق الاوسط.

الرئيس بايدن يريد إعادة النظر بعلاقات الولايات المتحدة مع عدد من خصومها وحلفائها القدامي، بدءاً من خصمها الرئيسي ايران، حيث سيحاول التوصل الى اتفاق نووي معّدل معها، وايضا بحليفها التقليدي وخصمها الحالي تركيا. الوزير بلينكن، قال انه لا يتوقع بدء المفاوضات مع ايران في أي وقت قريب. لكن احياء المفاوضات مع طهران سوف يكون محفوفا بالمشاكل والصعوبات. الرئيس بايدن يريد ان تعود طهران الى الالتزام الكامل ببنود اتفاق 2015 على ان يتبع ذلك تطوير الاتفاق لاطالة مدة العمل به، وليشمل الترسانة الصاروخية الايران. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم تعلموا درساً هاماً من مفاوضاتهم الاخيرة مع ايران، وهو أن التفاوض النووي مع إيران لا يعني عدم تحدي سلوكها التخريبي في العراق وسوريا ولبنان واليمن. كل هذه الاعتبارات تبين أن استئناف المفاوضات سوف يكون عملية صعبة ومعقدة جداً، وحتما لن تكون في أي وقت قريب.

الرئيس بايدن قال قبل انتخابه إنه يريد مراجعة العلاقات مع السعودية، لاكثر من سبب من ابرزها معارضته للحرب في اليمن ورغبته في انهائها . ويجب وضع قرار ادارة بايدن الاخير بتعليق “مؤقت” لصفقات اسلحة للسعودية ودولة الامارات العربية المتحدة أبرمت خلال الاشهر الاخيرة مع سلفه ترامب، في هذا السياق. أيضا انتقد انطوني بلينكن في الكونغرس قرار ادارة الرئيس السابق ترامب تصنيف الحوثيين كتنظيم ارهابي، لانه سيؤثر سلبا على اغاثة اليمنيين. وانتقد بلينكن بشدة سلوك الحوثيين وانتهاكاتهم لحقوق اليمنيين.

المسؤولون الاميركيون لا يتوقعون الغاء هذه الصفقات العسكرية للسعودية ودولة الامارات، ولكن تعليقها يعني ان المفاوضات اللاحقة بشأن هذه الصفقات ومسألة استخدام الاسلحة الاميركية في حرب اليمن، هي دليل جديد على ان العلاقات الودية التي ربطت ادارة الرئيس السابق ترامب بالبلدين الخليجيين سوف تدخل في مرحلة جديدة. وقال مسؤول سابق مطلع على مواقف المسؤولين الجدد في ادارة بايدن في هذا السياق ان واشنطن تريد ان تكون صفقات الاسلحة هي المدخل لمناقشة سبل انهاء الحرب في اليمن، وتوقع ان لا يستمر تعليق الصفقات لوقت طويل .

سفارة دولة الامارات في واشنطن قالت إنها توقعت مراجعة للعلاقات كما حدث في السابق، واضافت ان صفقة طائرات اف-35 سوف تساعد الإمارات على تحمل جزء من ” اعباء الامن الجماعي الاقليمي، الامر الذي يسمح للولايات المتحدة استخدام اسلحتها لمواجهة التحديات الدولية الاخرى”. وأشارت السفارة الى ان دولة الامارات “قد حاربت مع الولايات المتحدة، وسلاح جو الامارات قام بمئات الطلعات الجوية وشارك في ستة حروب قام بها ائتلاف دولي برئاسة الولايات المتحدة”.

العلاقات القوية التقليدية بين الولايات المتحدة واسرائيل مرشحة ايضاً للدخول في مرحلة توتر وفتور لأن ادارة بايدن تريد ابقاء حل الدولتين للنزاع بين الفلسطينيين واسرائيل هو الحل المنشود. ولكن الخلاف المتوقع أن يهيمن على العلاقات هو رفض اسرائيل القوي لأي اتفاق نووي مع ايران يعطيها حق تخصيب ولو كميات ضئيلة من اليورانيوم. العلاقات الجيدة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي والرئيس السابق ترامب، سوف تتسم ايضاً بالفتور مع الرئيس بايدن.

ولكن الدولة الاقليمية الحليفة رسميا للولايات المتحدة التي ستجد ان علاقتها سوف تزداد توتراً مع ادارة الرئيس بايدن فهي تركيا. وخلال الحملة الانتخابية دعا بايدن الى اعتماد اسلوب مختلف في التعاون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بما في ذلك التعاون مع المعارضة التركية، وتمكين أكراد تركيا للعب دور سياسي أكبر، وقال ان أردوغان “يجب ان يدفع ” ثمن تصرفاته بسبب شرائه لمنظومة صواريخ أس -400 الروسية الصنع. واضاف بايدن في مقابلة اجرتها معه صحيفة “النيويورك تايمز” انه قلق جدا جراء سياسات اردوغان. واضافة الى أزمة الصواريخ الروسية التي ادت الى فرض عقوبات اميركية ضد تركيا، هناك الخلافات الاخرى ومن بينها سلوك تركيا العدائي في شرق المتوسط وارسالها لسفنها الحربية إلى المياه المتنازع عليها مع اليونان وقبرص بشأن التنقيب عن الغاز والنفط، والخلاف حول أكراد سوريا، والدور التركي العسكري في دعم أذربيجان في النزاع مع أرمينيا، والوضع المتدهور لحقوق الانسان في تركيا. وكان لافتاً أن الوزير بلينكن في شهادته في الكونغرس، لفت إلى أن تركيا لا تتصرف كدولة حليفة، وقال “فكرة ان شريكاً استراتيجياً، أو ما يسمى شريك استراتيجي لنا يقف في الصف ذاته مع أحد اكبر المنافسين لنا، أي روسيا، هذا أمر غير مقبول”.

ولوح بلينكن بأن الادارة الجديدة لا تستبعد فرض عقوبات جديدة ضد تركيا، حين قال: “أعتقد انه علينا ان نلقي نظرة على وقع العقوبات الحالية وان نقرر ما اذا كان علينا فرض المزيد” وتابع: “تركيا هي حليف، ولكنها بأكثر من طريقة لا تتصرف كما يجب ان يتصرف الحليف، وهذا يمثل تحدياً كبيراً جداً لنا، ونحن نتعامل معه بعيون مفتوحة “.

تركيا الحليف اللدود، وايران الخصم اللدود، هما أبرز تحديات بايدن في منطقة يريد تخفيف التزاماته فيها، ويعرفها أكثر من اسلافه، بما في ذلك صعوبة حل نزاعاتها وصعوبة الخروج منها.

النهار العربي

—————————–

 مبعوث بايدن لإيران يعقّد مقاربة الرئيس للملف السوري

اعتبر الصحافي الأميركي جوش روغين في مقاله في صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية اختيار الرئيس الأميركي جو بايدن المسؤول في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما روبرت مالي مبعوثاً خاصاً إلى إيران يعقد النهج التي ستعتمده الإدارة الجديدة في تعاملها مع الملف السوري.

ووسبق تعيين مالي جدل قوي وانقسام بين المؤيدين والمعارضين تحول معركة بالوكالة عن الحرب المقبلة حول سياسة إيران. إلا أنَّ لعودة مالي المحتملة إلى الحكومة تداعيات هائلة على سوريا، ما يمهّد الطريق أمام خلاف محتمل بين أعضاء فريق بايدن في الأيام الأولى من توليه إدارة البلاد.

وبدأ السجال عندما كتب العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي توم كوتون على حسابه في “تويتر” الأسبوع الماضي أنَّ التعيين المحتمل “مقلق للغاية” بسبب “سجل مالي الحافل في التعاطف مع النظام الإيراني والعداء لإسرائيل”.

أما السناتور الديموقراطي بيرني ساندرز، فتولى الدفاع عن مالي، إلى جانب الكثير من مسؤولي إدارة أوباما السابقين ومنظمة “مود بينك” المناهضة للحرب.

وانضمّت منظمة “صقور إيران” إلى رفض التعيين من خلال شخصيات بارزة في المعارضة السورية تخشى أن يقوّض مالي وعود بايدن بإصلاح سياسة أوباما الفاشلة في تعامله مع سوريا.

وأشار روغين إلى أنَّ مسؤولين سابقين في إدارة أوباما أخبروه أنَّ مالي، وقت كان مسؤولًا في البيت الأبيض، عارض دعم الحركة السورية المؤيدة للديموقراطية وقاوم الإجراءات ضد الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعود جزئياً إلى محاولة حماية المفاوضات حول التوصل إلى اتفاق مع إيران.

وفي مقابلة عام 2018، انتقد مالي الدعم الأميركي للمعارضة السورية، معلناً: “كنا جزءاً من العوامل التي أججت النزاع بدلاً من إخماده”.

ويشعر الكثير من السوريين بالقلق إزاء معارضة مالي مرة أخرى فرض العقوبات على الأسد ودعم المعارضة السورية من جهة، وجهوده الرامية إلى التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي من جهة أخرى، ما يؤدي إلى تدهور الملف السوري من جديد ويقلل من شأن أنشطة إيران الخبيثة التي تشمل جهود الدولة في دعم الأسد ومشاركتها في الفظائع الذي يقترفها النظام واستمرارها في توفير الصواريخ لـ”حزب الله”.

والواقع أنَّ آراء مالي حول الملف السوري تتعارض مع اعتبارات كبار مسؤولي إدارة بايدن، ومن بينهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين.

وذكر روغين أنَّه خلال الحملة الانتخابية، أخبره بلينكين أنَّ إدارة أوباما “فشلت” في سوريا وعلى الفريق الجديد تولي الملف وتنفيذ “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” الذي يهدف إلى معالجة أسوأ الفظائع التي ارتكبها الأسد، ومن بينها التعذيب والقتل والاحتجاز الجماعي للمدنيين وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية.

وعام 2019، كتب بلينكن مقالة مع المؤرخ الأميركي روبرت كاغان طرحا فيها موقفاً مختلفاً عن ذلك الذي اتخذه مالي في سوريا، قائلين: “في سوريا، سعينا بالفعل إلى تجنب الوصول إلى المشهد العراقي من خلال عدم بذل الكثير من الجهد، إلا أنَّنا ارتكبنا الخطأ الأكبر من خلال التدخل المحدود إلى حد كبير”.

وجاء تعيين بريت ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط، أي في منصب مالي السابق، ليضاعف تعقيد استراتيجيا إدارة بايدن في سوريا.

وخلال إدارة أوباما، كان ماكغورك مسؤولاً أميركياً رئيسياً يقود المعركة ضد تنظيم “داعش”. وركزت الولايات المتحدة اهتمامها ومواردها على التحالف مع الأكراد، متجنبة الجهات المعارضة العربية وعازلة الأتراك.

وعام 2019، نشر ماكغورك مقالة في مجلة “الفورين أفيرز” تخالف وعود بلينكن بتعزيز التدخل الأميركي في سوريا. واعتبر أن على الولايات المتحدة تشجيع الأكراد على عقد اتفاقية مع روسيا ونظام الأسد، مضيفاً “على واشنطن الآن الحد من طموحاتها” بهدف صب تركيزها على مصلحتين في سوريا هما تنظيم “داعش” وتهديد إيران لإسرائيل.

وداخل الإدارة، شاع أنَّ بلينكين يعتبر المسؤول السابق في وزارة الخارجية والدبلوماسي جيفري فيلتمان مبعوثه الخاص إلى سوريا. وفي الأسبوع الراهن، كتب فيلتمان مع مدير برنامج حل النزاعات في مركز كارتر هرير باليان، مقالة جاء فيها أنَّ على الولايات المتحدة تقديم عرض إلى الأسد يقضي بتخفيف العقوبات المفروضة عليه مقابل تنازلات محدودة من جانبه.

وفي المقابل، يؤمن بعض المسؤولين السابقين أنَّ المحاولات الأميركية في سوريا تبقى من دون جدوى. واعتبر السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد أنَّ لا أمل في أن تدفع العقوبات والضغوط الأسد إلى العدول عن سلوكه، وليست ثمة قابلية على دفع أميركي قادر على إحداث الفرق، معلناً: “لقد خسرنا، هذا ليس ما أردت أن يحدث، ولكنه ما حدث”.

وأخيراً، كما ذكر بلينكن بوضوح، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل التخلي عن سوريا والوثوق بتولي موسكو وطهران الملف السوري.

وفي غياب حل سياسي حقيقي يوفر للملايين من السوريين القليل من الكرامة والأمان والعدالة، ستزداد الظروف التي أدت إلى الانتفاضة قبل 10 سنوات سوءاً، ما يعني المزيد من اللاجئين والتطرف وعدم الاستقرار في المنطقة وخارجها.

———————

حدود التغيير في السياسات الأميركية تجاه المسألة السورية في عهد بايدن

لم يكن للمسألة السورية مكانٌ في الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب جو بايدن، ولذلك يصعب استشراف سياسة إدارته تجاهها، خاصة إذا علمنا أنّ سورية لم تكن أولوية سياسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولم تشكل مرتكزًا محوريًا في السياسة الأميركية منذ استقلالها في عام 1946، ولكنّ السنوات العشر لاستمرار الكارثة السورية ربّما تدفع إدارة بايدن إلى الانتقال من سياسة “إدارة الأزمة” إلى الانخراط الجدي في عملية الحلّ السياسي، المرتكز على القرار الدولي 2254، خاصة أنّ ثمة مؤشرات توحي بأنّ سياسة الإدارة الجديدة ستكون مختلفة عن سياسة إدارتي أوباما وترامب، نتيجة ضغط حجم الكارثة السورية من جهة، وتعثر الحلول التي دعمتها روسيا من جهة ثانية، وعدم الانخراط الجدّي للإدارتين الأميركيتين السابقتين من جهة ثالثة.

ولا يخفى على أحد أنّ سياسة بايدن ستركز على الداخل الأميركي بالدرجة الأولى، من خلال إعادة توحيد الأميركيين بعد التصدعات التي سببتها إدارة ترامب، وإنعاش الاقتصاد الأميركي بعد تداعيات جائحة كورونا، وأخيرًا ضبط السياسة الخارجية لتصحيح ما يمكن من التراجع الأميركي عن الدور القيادي في العالم. وقد أكد الرئيس المنتخب أنّ بلاده ستأخذ “دور القيادة العالمية”، خاصة في مجال قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا شك في أن هذا التوجه لن يسرَّ النظام السوري وأمثاله.

محددات سياسة إدارة بايدن تجاه المسألة السورية

من أجل صياغة تقدير موقف أقرب إلى واقع السياسة الأميركية في سورية، قد يكون من المفيد -إلى حدّ ما- العودة إلى محددات السياسة الخارجية الأميركية، إبان إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، باعتبار أنّ بايدن كان نائبًا له، مع العلم أنّ مستشارين لبايدن قد نصحوه -وفقًا لشخصيات من الجالية السورية بأميركا- بـ “التعامل بطريقة مغايرة لما كان عليه الوضع إبان إدارة أوباما، من خلال تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها إدارته، وأدّت إلى مزيد من الدماء والتهجير”. ولكن من المؤكد أنّ إدارة بايدن ستتعامل مع ما خلّفته إدارة ترامب في سورية، من خلال المحددات التالية: قانون قيصر، الوجود العسكري الأميركي، العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الرهائن الأميركيين لدى النظام السوري، شروط العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، التنافس مع روسيا، المصالح الأمنية الإسرائيلية، الدور الأميركي البارز في التسوية السياسية. ويمكن القول: إنّ هذه المحددات ستكون من مرتكزات سياسة بايدن إزاء المسألة السورية.

ومن المؤكد أنّ إدارة بايدن لن تباشر سياستها السورية من نقطة الصفر، لكونها على معرفة بتفاصيل المسألة ومواقف الأطراف المختلفة، خاصة معرقلي التوجّه نحو الحلّ السياسي وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، أي النظام وحليفيه الروسي والإيراني. وقد أكد مرشحا وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية أنّ إدارة الرئيس بايدن سوف تولي المسألة السورية، وما يرتبط بها من تفرعات إقليمية ودولية، أهمية خاصة.

وفي سياق هذه المحددات، ستستمر إدارة بايدن في تطبيق “قانون قيصر”، وربما تفرض حزمًا جديدة من العقوبات بموجبه، وقد ترفع العقوبات إذا انخرط النظام السوري في عملية الحل السياسي، طبقًا للقرار 2254، أو لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي، طبقًا لتصريحات بعض الدبلوماسيين الأميركيين، أمثال السفير السابق في سورية روبرت فورد وجيفري فيلتمان، الذين يدعون إلى تخفيف العقوبات والإصلاحات في ظلّ النظام السوري (خطوة خطوة)، وستحافظ على القوات الأميركية في شمال شرق سورية، بهدف الهزيمة النهائية لتنظيم (داعش) في المنطقة، ومساندة مشروع (قسد) للحكم الذاتي، وهذا أمرٌ مرهون بالمصلحة المشتركة الأميركية-التركية، خاصة أنّ لتركيا أهمية إستراتيجية لا يمكن تجاوزها. ولكنّ تعيين الدبلوماسي بريت ماكغورك مديرًا لملف الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي سيكون سلبيًا، من زاوية دعمه الحكم الذاتي لـ (قسد). وقد جاء في بيان صادر عن مكتب بايدن أنّ الدور الأساسي لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض “يتمثل بتقديم المشورة ومساعدة الرئيس، بشأن الأمن القومي والسياسات الخارجية، وتنسيق تلك السياسات عبر الوكالات الحكومية”.

وفي المقابل، يبدو أنّ لوزير الخارجية المعيّن أنتوني بلينكن رأيًا آخرًا في مجمل الملف السوري، قد يكون تأثيره في خيارات الرئيس بايدن أكثر من غيره. ويبدو أنّ المسألة مرتبطة، إلى حد بعيد، بما ستؤول إليه العلاقات الأميركية-التركية، ولكنّ الأهم ديناميات التنافس التقليدي بين المؤسسات الرئيسية المؤثرة في رسم السياسات الخارجية، ومدى تأثيرها في قرارات الرئيس: وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، مجلس الأمن القومي، وكالة المخابرات الأميركية (CIA).

وبناء على ذلك، قد تزيد إدارة بايدن الدعمَ للإدارة الذاتية في البداية، وقد تصل إلى حد الموافقة على “الحكم الذاتي” لمكوّنات المنطقة، عملًا بتوصيفات مركز (راند) الأميركي التي نشرها في تقارير عديدة له منذ سنة 2016، إضافة إلى أنّ المحافظة على القوات الأميركية، في شمال شرق سورية، تهدف إلى منع إيران وروسيا من توسيع نفوذهما في هذه المنطقة، بل إلى خروج الميليشيات الإيرانية من سورية، بحيث لا يكون بوسع إيران البقاء وتهديد استقرار سورية والمنطقة.

ومن المتوقع أن تسعى الإدارة للإفراج عن الرهائن الأميركيين لدى النظام السوري، لدعم حضورها في الداخل. وهنا ستبدأ المساومات والتنازلات وتشابك الملفات بين النظام والإدارة الجديدة، وسيصعّب ذلك بلورة الحديث عن التنازلات التي يمكن للإدارة تقديمها للنظام السوري، بحيث لا يمكن الركون إلى تصريحات فريق الإدارة، التي تؤكد التشدد في محاصرة النظام، وعدم الاعتراف بشرعية الانتخابات التي سيجريها في صيف هذا العام، والدفع في اتجاه الحل السياسي.

أهمية الدور الأميركي في الحل السياسي

تنتظر مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، المنخرطة في الصراع السوري، موقفَ الإدارة الأميركية الجديدة التي تمتلك نفوذًا على مختلف هذه الأطراف، من عملية التسوية السياسية للمسألة السورية. حيث إنّ وجود القوات الأميركية في شمال شرق سورية (يمتلك التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية 33 موقعًا عسكريًا بين قاعدة ونقطة)، إضافة إلى الأهداف التي ذكرناها أعلاه، يُعدّ ميزة إستراتيجية للتفاوض مع روسيا، حول عملية الانتقال السياسي في سورية، وإجبار النظام السوري على قبول القرار 2254 الذي يتضمن تشكيل حكم غير طائفي، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة بإشراف الأمم المتحدة. ومن أجل تحقيق ذلك، قد تتجه إدارة بايدن إلى تنشيط دبلوماسيتها لإعادة بناء تحالف أصدقاء سورية، بهدف زيادة الضغط على روسيا للقبول بحلّ سياسي يضمن تطبيق القرار 2254، خاصة بعد فشل مساري آستانة وجنيف.

والسؤال هنا: هل يمكن لإدارة بايدن أن تجعل الملف السوري من أولوياتها، على صعيد سياستها في الشرق الأوسط، جنبًا إلى جنب، مع التفاوض مع إيران لتجديد اتفاقية إيقاف البرنامج النووي الإيراني؟ أم أنها ستدعو النظام إلى التخلص من النفوذ الإيراني، والاكتفاء بتغيير سلوكه تجاه شعبه؟

ولعل دور وزير الخارجية المعيّن أنطوني بلينكن، بما أعلنه من مواقف إيجابية تجاه المسألة السورية، يكون وازنًا في الإدارة، للدفع في اتجاه عملية انتقال سياسي جدي في سورية. وقد قال، في مقابلةٍ أجريت معه في أيار/ مايو 2020، منتقدًا تعاطي إدارة أوباما التي كان واحدًا منها: “علينا أن نعترف بأننا فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح. لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخليًا في سورية، وبالطبع خارجيًا، كلاجئين. وهو شيء سآخذه معي لبقية أيامي. إنه شيء أشعر به بقوة”.

ومقياس صدقية هذه المشاعر يكمن في مدى تنشيطه للحراك الدبلوماسي الدولي متعدد الأطراف بشأن المسألة السورية، من خلال دعوة الحلفاء كافة إلى العمل بحزم، خاصة مجموعة “أصدقاء سورية”، من أجل المضي قدمًا لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وفي الوقت نفسه، الحوار مع روسيا (الطرف الدولي المؤثر في المسألة السورية) للوصول إلى رؤية مشتركة للحل السياسي، على قاعدة ما كان بلينكن قد صرّح به، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2015، عندما طُلب منه توضيح مسألة رحيل الأسد: أهي شرط مسبق لإجراء مفاوضات جوهرية مع روسيا أم لا، وكان جوابه “ليس شرطًا مسبقًا، ولكنّ العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى رحيل الأسد”. وبعد انتخاب بايدن، سُئل بلينكن عن احتمال تطبيع إدارة بايدن العلاقات مع نظام الأسد، فقال: “من المستحيل عمليًا أن أتخيّل ذلك”. ويمكن الاستنتاج أنّ إدارة بايدن ستكون مهتمة بتنفيذ “إستراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد”.

وعندما كان بايدن نائبًا للرئيس أوباما، تراجع الدور الأميركي في سورية لصالح التدخل العسكري الروسي، بدءًا من 30 أيلول/ سبتمبر 2015. أما اليوم فإن المعطيات تشير إلى أنّ إدارة بايدن ترغب في شراكة جزئية مع روسيا، وليس على مستوى إستراتيجي، في المسألة السورية، بهدف احتواء الطموحات الروسية بخطوات تضمن المصالح الروسية في سورية، مقابل موافقة روسيا على الانخراط في الحل السياسي، المفضي إلى عملية الانتقال السياسي. 

ولا شك في أنّ الانتخابات الرئاسية التي يُهيئ لها النظام السوري، والمقررة في صيف العام الحالي، ونية النظام التجديد للأسد، ستكون محطة مفصلية حيال تعامل إدارة بايدن مع المسألة السورية، لجهة الدفع بتنحية الأسد من عدمه.

فهل يختار بايدن ما فشلت السياسة الروسية فيه، حتى الآن، أي إعادة تعويم بشار الأسد؛ أم يستخدم أوراق الضغط الأميركية: السيطرة على شرق الفرات، حيث تتركز منابع الطاقة والثروات الزراعية، وورقة العقوبات “قانون قيصر” على رجالات النظام السوري وعلى كلّ من يدعمه، وعرقلة المساعي الروسية لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار من دون حل سياسي يقوم على قرار 2254؟

ويبدو أنّ التحدي الذي سيواجه إدارة بايدن هو مدى قدرتها على إقناع روسيا وإيران بقبول الحل السياسي في سورية، مستغلة أنهما غطستا في مستنقع دولة فاشلة، وتريدان الخروج منه بأقل الأضرار. مع العلم أنّ الرئيس المنتخب بايدن كان قد اعترف، أمام مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي في عام 2018، بأن جهود إدارة أوباما لإقناع موسكو بالانتقال السياسي، بدون الأسد، لم تثمر إلا وعودًا كاذبة. وتابع اعترافه قائلًا: “بدلًا من ذلك، أطرح ما يبدو أنه ترتيب مجالات نفوذ مع موسكو، ضمن إطار رؤية لسورية مقسّمة”. وقال: “هكذا، يمكنني أن أرى أين يمكنك العمل في مكان يوجد فيه ملاذ آمن بشكل أساسي لأجزاء معينة من ذلك البلد، ويمكنك تقليل عدد الأشخاص الذين يتم تهجيرهم وقتلهم بشكل كبير. لقد حاولنا ذلك أيضًا، ولم يلعبوا بشكل عادل هناك”.

وهكذا، فإن تجربة السوريين مع الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى تراجع إدارتي أوباما وترامب عن إعلاناتهما في تأييد مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة؛ فأطال ذلك أمد المقتلة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. فهل يدخل الرئيس بايدن فضاء الكارثة السورية ليكتب فصلًا جديدًا فيها، بالترافق مع تحرّك نخبة سورية في أميركا، لتشكيل مجموعة ضغط على صانعي السياسات، يكون فاتحة خير على الشعب السوري، حين يجري العمل الجدي نحو انتقال سياسي حقيقي من الاستبداد إلى الديمقراطية؟

مركز حرمون

———————-

 مقترحات على طاولة بايدن لـ«تفاوض مشروط» مع الأسد

تضمنت مقاربة «خطوة مقابل خطوة»… ومسؤولون غربيون يشككون في نجاحها

 إبراهيم حميدي

قبل أن تستقر إدارة الرئيس جو بايدن وتكتمل تشكيلة «الفريق السوري»، انهمرت على واشنطن خلال المرحلة الانتقالية، مقترحات لاختبار مقاربة «خطوة- خطوة» مع دمشق و«التفاوض» مع الرئيس بشار الأسد لتحقيق الأهداف الأميركية بسياسة جديدة.

– «غرام» كردي

إلى الآن، المعروفون من المسؤولين عن الملف السوري في واشنطن، بريت ماغورك، في قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. وماغورك لقّبته أنقرة بـ«لورانس العربي» الجديد، وهو معروف بأولوية محاربة «داعش» لديه وشكوكه إزاء تركيا مقابل تعاطفه مع الأكراد، بل إن أحد أسباب استقالته كان «تخلي» الرئيس السابق دونالد ترمب عن «قوات سوريا الديمقراطية»، حليف واشنطن ضد «داعش»، وإعطاؤه (ترمب) الضوء الأخضر لتوغل تركيا شرق الفرات وإقامة جيب عسكري هناك. يُضاف إلى ماغورك، زهرا بيل، وهي التي كانت مسؤولة على تسهيل الحوار الكردي – الكردي السوري بهدف «ترتيب البيت» وتعزير استقرار هذه المنطقة، التي تضم نحو 500 جندي أميركي تدعم مائة ألف جندي من «قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على ربع مساحة سوريا وتضم 80% من موارد البلاد، باعتبار أن كل هذه «ورقة تفاوض» لواشنطن مع موسكو وطهران ودمشق وأنقرة.

كان متوقعاً أن تلعب دونا سترول دوراً في الملف السوري في الخارجية الأميركية، لكنها عُيّنت في وزارة الدفاع، ما فتح أسئلة عمن سيتسلم منصب الخارجية لسوريا خلفاً للسفير جيمس جيفري وخلفه جويل روبرن، وما إذا كان الثقل الرئيسي للملف سيكون في مجلس الأمن القومي، على عكس السنوات السابقة التي انكمش فيها هذا المجلس لصالح دور أوسع للوزير مايك بومبيو الذي كان وفريقه «السوري» من أصحاب نهج «الضغط الأقصى» اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً علي دمشق، مع «أحكام العزلة» السياسية عربياً وغربياً.

– على الهامش

هناك إجماع على أن الموضوع السوري لن يكون رئيسياً لإدارة بايدن. هي مهتمة بالعلاقة المتوترة مع روسيا وشروط العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إضافةً إلى المسار مع تركيا في ضوء موضوع روسيا وسعي واشنطن لاستعادة دور «حلف شمال الأطلسي» (ناتو). لذلك، فإن التقديرات أن يكون «الملف السوري» جزءاً من هذه الملفات ذات الأولوية لبايدن وفريقه.

ضمن هذا الهامش، انهمرت على واشنطن أوراق بحثية ومقالات ودراسات علنية وسرية تتضمن مقترحات لتغيير المقاربة. كان بين ذلك، أن السفير الأميركي الأسبق روبرت فورد كتب في «فورين بوليسي» مقالاً قال فيه إن السياسة الأميركية «فشلت» في تحقيق أهدافها المعلنة عدا قتال «داعش»، مقترحاً التعاون مع روسيا وتركيا في سوريا، علماً بأن هاتين الدولتين تتعاونان وحدهما في أمور كثيرة تخص الملف السوري.

لم تكن مفاجئة الرسالة التي وجهتها شخصيات لبنانية وسورية وغربية، بينهم رجال دين مسيحيون، إلى الرئيسين الأميركي بايدن والفرنسي مانويل ماكرون، تحثّهما على العمل على رفع العقوبات عن دمشق واعتماد سياسة أخرى. لكنّ كثيرين فوجئوا بمقال كتبه السفير الأسبق جيفري فيلتمان والمسؤول في «مركز كارتر» هراير باليان، في موقع «ريسبونسبل ستيتكرافت»، اقترح أيضاً «سياسة جديدة». جاء فيه: «لا يخفى على أحد أن واحداً (فيلتمان) منّا هو من أشد منتقدي الرئيس الأسد وسياسات سوريا الداخلية والخارجية منذ سنوات. أما الآخر (باليان) فهو ناقد شرس للفكرة القائلة إن سياسة ممارسة الضغط وحدها كفيلة بإحداث تغيير في سلوك نعدّه سلوكاً إشكالياً».

– خياران ومقاربة

أمام الولايات المتحدة، حسب الأفكار الجديدة، خياران: إما الاستمرار في المقاربة الحالية التي لم تُفلح إلا في تفاقم انهيار الدولة (السورية) المنهارة، أو اعتماد عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى وضع إطار مفصّل للتحاور مع الحكومة السورية بشأن مجموعة محددة من الخطوات الملموسة التي يمكن التحقق منها، والتي في حال نُفذت، تقدّم الولايات المتحدة وأوروبا مقابلها المساعدة المستهدفة لسوريا وتُجري تعديلاً في العقوبات.

كان «مركز كارتر» قد قدم بتفصيلٍ المراحل التي تنطوي عليها هكذا مقاربة في ورقة تم نشرها في مطلع العام الجاري، بعد مشاورات مع سوريين من كل الخلفيات ومع المجتمع الدولي. ما المطلوب من واشنطن ضمن مقاربة «خطوة – خطوة»؟ حسب الورقة – الأفكار، أن ذلك يشمل إعفاء جهود محاربة «كوفيد – 19» من العقوبات، وتسهيل إعمار البنى التحتية المدنية على غرار المستشفيات والمدارس ومنشآت الري، ثم تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل تدريجي، على ألاّ تُفعّل هذه الخطوات إلا بعد التحقق من تنفيذ الخطوات الملموسة التي تمّ التفاوض عليها مع دمشق.

المطلوب من دمشق، في المقابل، أن تقوم بـ«خطوات» تشمل إطلاق المعتقلين السياسيين وتأمين العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق، والتخلّص مما تبقى من الأسلحة الكيماوية بموجب اتفاق عام 2013، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والأمنية، بما في ذلك المشاركة بنيات حسنة في مسار جنيف، واعتماد المزيد من نظام اللامركزية.

– لا هدية لدمشق

بالنسبة إلى مؤيدي هذه المقاربة، فإن «غالبية الدول تخلّت عن مطلب رحيل الرئيس الأسد منذ سنوات»، لكنها «واصلت سياسات الضغط والعزلة التي أخفقت حتى الساعة في إحداث أيٍّ من الإصلاحات».

عليه، فإن أصحابهما يرون، أن الـ«خطوة – خطوة» المقترحة ليست «هدية للحكومة السورية التي تتحمّل مسؤولية معظم الدمار وسفك الدماء». وحسب دبلوماسيين، فإن أصحاب هذه المقاربة يعتقدون أنه «من خلال الإعلان عن سلسلة من الخطوات المتبادلة المتفاوض عليها، يمكن لأوروبا والولايات المتحدة ممارسة نوع آخر من الضغوط على سوريا بغية إطلاق الإصلاحات التي تم رفضها حتى اليوم، ووصول الإدارة الأميركية الجديدة يقدّم فرصة فريدة لتغيير الوجهة ولاختبار جدوى هذه المقاربة الجديدة».

ويقترح المدافعون عن هذه المقاربة أن تكون الخطة علنية، كي يُعرف مَن المسؤول عن فشل الحل. لكنّ مسؤولين غربيين وأميركيين يقولون إن هذه المقاربة جُرِّبت وعُقدت اجتماعات غير علنية بين الجانبين الأميركي والروسي في فيينا وجنيف وأن موسكو «لم تقدم شيئاً». كما يحذّرون من أن «مقاربة كهذا تعني بدء التطبيع مع دمشق من دون أي تنازلات». وقال أحد المسؤولين: «نعرف أن دمشق غير معنية بأي حل سياسي أو تسوية، لذلك لا فائدة من هذه المقاربة». كما أشار إلى أن «إحدى مشكلات هذه المقترحات، هي غياب البعد الجيوسياسي عنها، خصوصاً ما يتعلق بالوجود الإيراني أو التركي».

في موازاة ذلك، جرت تحركات من دول حليفة لواشنطن ومعارضين سوريين باتجاه فريق بايدن للإبقاء على سياسة «الضغط الأقصى» على دمشق. كان بين ذلك، لقاء فريق «قانون قيصر» الذي بدأ تنفيذه منتصف العام بفرض عقوبات على مائة كيان وفرد في سوريا بعد إقرار من الكونغرس بأعضائه من الحزبين، لضمان استمرار تطبيق بنوده السياسية والاقتصادية. كما خاطب معارضون لندن وباريس لهذا الغرض، للحيلولة دون تغيير مقاربة واشنطن، وسط دعوات لفرض قانون جديد في الكونغرس يزيد من الضغط على دمشق.

الشرق الأوسط

————————

سيناريوهات سورية مع الإدارة الأمريكية الجديدة بعد تأرجح سياسات ترامب

يسود ترقبٌ في سورية، للخطوات الأولى التي ستتخذها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، حول الملف السوري بمختلف تشعباته، بعد أربع سنوات من تأرجح سياسية إدارة دونالد ترامب في سورية.

ومع اقتراب الأسبوع الثالث من وصول بايدن، إلى البيت الأبيض، وحتى اليوم الأحد، لم يتحدث حتى الآن عن سورية إطلاقاً، وغابت تصريحات إدارته الجديدة،  بشأن الملف السوري، إلى جانب عدم اكتمال تشكيل فريق واشنطن، الذي سيكون مشرفاً على الملف السوري.

تعيينات محتملة

و خلال الأسبوع الماضي تحدثت بعض  وسائل الإعلام الأمريكية، عن احتمالية مراجعة الإدارة الأمريكية الجديدة، بعض العقوبات المفروضة على نظام الأسد، تحت عنوان الوضع المعيشي ومواجهة فيروس كورونا في سورية.

وتزامن ذلك الحديث مع رسالة وجهها شخصيات سورية ولبنانية، سياسية ودينية، إلى الرئيسين الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، تحضهما على رفع العقوبات عن نظام الأسد، معتبرين أن العقوبات أسفرت عن تفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية في سورية وقلصت وصول المساعدات الإنسانية لمواجهة كورونا.

كما تزامن ذلك مع ورقةٍ كتبها مدير برنامج حل النزاعات في مركز “كارتر”، هرير بليان، والدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فلتمان، الذي تتحدث تخمينات عن وجود اتجاه في إدارة بايدن، لتعيينه مبعوثاً أمريكياً  لسورية، وتتضمن الورقةُ رؤية لضرورة اتباع واشنطن، نهجاً جديداً في سورية، بما في ذلك منح النظام “حوافز” اذا قدم تنازلات.

وتحدث فلتمان وبليان في الورقة، عن السياسية الأمريكية السابقة بكونها “فاشلة”، وعن  اتباع منهجية جديدة تقوم على “إعطاء الدبلوماسية لتعزيز المصالح” الأمريكية، معتبرين بأن العقوبات الاقتصادية بموجب قيصر ومعها العقوبات الأوروبية، أدت إلى “نقص حاد وأسهمت في انهيار الليرة السورية، لكن لم تغير سلوك النظام، إضافة إلى أن “العقوبــات المطبقــة علــى ســورية تــؤدي بشــكل غيــر مباشــر إلــى عواقــب إنسـانية كبيـرة مـن خـلال تعميـق وإطالـة بـؤس السـوريين العادييـن”.

وجاء في الورقة، أن “عمليــة دبلوماســية جديــدة تهــدف إلــى تقديـم إطـار عمـل مفصـل لإشـراك الحكومـة الســورية فــي مجموعــة محــدودة مــن الخطـوات الملموسـة والقابلـة للتحقـق، والتـي فــي حــال تنفيذهــا، ســتقابلها مســاعدة موجهـة وإعـادة نظـر فـي العقوبـات مـن طـرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.

و يقول الدكتور زكي لبابيدي رئيس المجلس السوري الأمريكي، بأن “هناك ضغطاً شديداً من قبل الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب بالكونغرس الأمريكي للنظر برفع العقوبات عن النظام، ويتسترون وراء رفع العقوبات بسبب كورونا”.

وأضاف لبابيدي لـ”السورية. نت” أن ذلك ليس بالجديد، ومع وصول الإدارة الجديدة تجددت المطالبات، لكن “في نفس الوقت، يوجد 150 نائباً من الحزب الجمهوري قدموا مشروع قرار بالكونغرس الماضي وسيتم تقديمه في المجلس الحالي، واحد من بنوده ممتاز، وهو تبني الولايات المتحدة الأمريكية سياسة رسمية هي إزاحة سفاح سورية ونظامه عن الحكم واستخدام كل الوسائل بما فيها الوسائل العسكرية لتحقيق الهدف”.

وفيما يخص عقوبات “قيصر”، اعتبر لبابيدي أن من الصعب إلغاء العقوبات أو تجميدها  دون تصويت بمجلس النواب والشيوخ، مشيراً إلى أن “الإدارة ممكن تتباطأ بتطبيق القانون إلا أن ذلك يعتبر صعباً أيضاً، لأن أحد بنود قيصر هو تقديم الحكومة تقرير عن التطور ونتائج العقوبات على نظام وعصابة سورية”.

من جهته أكد ضياء الرويشدي، محاضر في القانون في كلية واشنطن، أن هناك نقطتين في قانون “قيصر” وهو نص القانون وتطبيقه، إذ أن القانون تم صدوره عن طريق الكونغرس، وتطبيقه عن طريق الرئيس الأمريكي ووزارة الخزانة.

لكن الرويشدي أضاف خلال حديثه لـ”السورية.نت”، أن هذا لا يعني أن الرئيس ليس لديه سلطة، ولا يلغي إمكانية تجميد إنفاذ العقوبات وإعادة النظر فيها.

إيران والتداعيات في سورية

وإلى جانب ذلك، اعتبر بعض المحللين، أن تعيين الرئيس الأمريكي الجديد، للدبلوماسي روبرت مالي، مبعوثاً لشؤون إيران، مؤشراً لما قد تتبعه السياسة الأمريكية حيال طهران، لكون روبرت مالي، يميل إلى احتواء إيران لا مواجهتها.

واعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” أن “عودة مالي إلى الحكومة لها أيضاً تداعيات هائلة على سورية”.

وأشارت الصحيفة في عددها الصادر، الخميس الماضي، إلى أن “سياسة مالي ستعارض داخلياً مرة أخرى فرض العقوبات على الأسد، ومساعدة المعارضة السورية”، وأن “جهوده للتفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي قد تدفع مرة أخرى بملف سورية إلى الوراء، وتؤدي إلى التقليل من شأن أنشطة إيران الخبيثة الأخرى، بما في ذلك جهودها لدعم الأسد ومشاركتها في الفظائع في سورية واستمرارها في نقل الصواريخ إلى حزب الله”.

ويعتبر مالي أحد عرابي الاتفاق النووي الإيراني في عهد باراك أوباما عندما كان يشغل منصب المستشار، في حين اعتبرت وكالة “بلومبيرغ” أن تعيين مالي هو “أول تخبط محتمل للسياسة الخارجية لبايدن”.

ملفات شائكة

وبعيداً عن الأسماء التي قد تلعب دوراً في السياسية الأمريكية في سورية، ستكون أمام بايدن وفريقه مجموعة من الملفات المتشابكة في سورية، مثل إدلب وشرق البلاد وكلاهما مرتبطٌ بتركيا وروسيا.

ففيما يتعلق بإدلب، كان المبعوث الأسبق إلى سورية، جيمس جيفري، قد قال، إن واشنطن “تضع عدم عودة حكومة النظام السوري إلى إدلب ضمن أدوات الضغط على دمشق، وهي تقدم دعماً لوجيستياً ودبلوماسياً لأنقرة لتحسين موقفها العسكري والتفاوضي مع موسكو”.

واعتبر المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، أنه “في حال حصول تغيير كبير على الأرض من نوع شن روسيا والنظام بشن عملية عسكرية في إدلب، في هذه الحالة ستجد إدارة بايدن نفسها مضطرة للمواجهة المباشرة وتغيير مقاربتها السورية، وستقدم الدعم الكبير لتركيا للتصدي لهذه العملية”.

وفيما يتعلق بشمال شرق سورية، فقد اشار المحلل التركي خلال حديثه لـ”السورية.نت”،  إلى أنه “من المحتمل تفعيل اللجنة الدستورية للتوصل إلى حل سياسي قبل انتخابات الرئاسية الصيف المقبل، لكن المعضلة الأساسية تبقى هي إدخال الإدارة الذاتية في المفاوضات السياسية التي تجري في جنيف، التي سيعمل بايدن على دعمها، لكنه سيتعرض لانتقادات من تركيا التي ترفض مشاركتهم”.

ويرى شفان إبراهيم، الباحث السوري في الشأن الكردي، أن “الإدارة الذاتية” ترغب في “الدخول إلى اللجنة الدستورية، لكن دخولها بحاجة إلى إزالة الفيتو التركية وهذا يتطلب كيفية إرضاء تركيا”.

وأوضح إبراهيم أن “الإدارة الذاتية في شكلها الحالي وتركيبتها الحالية لا اعتقد ستنضم إلى أي مسار حل سياسي، لان عملية الانضمام تحتاج إلى شروط” وهي أن “تكون الإدارة تمثل وتعبر عن جميع مكونات المنطقة وبصيغة سورية واضحة”.

ولفت خلال حوارٍ مع “السورية.نت”، إلى أن “الدخول إلى مسار جنيف السياسي يعني حتماً قطع العلاقة مع دمشق وروسيا، وهو الأمر الذي لم تلجأ إليه الإدارة الذاتية حتى اليوم، وربما نشهد منصات معارضة أو أجساد سياسية معارضة جديدة على أنقاض الائتلاف وربما تشكل جبهة السلام والحرية، حجر أساس في ذلك لأنها تضم ثلاث قوميات وهناك مساعي لضم القومية الرابعة وهي التركمانية”.

تحالف واشنطن -أنقرة ..و”الادارة الذاتية”

يعتبر شفان إبراهيم بأن “أمريكا لن تتخلى عن تركيا لصالح القضية الكردية، وأمريكا لن تتخلى عن علاقاتها مع تركيا التي تبلغ مئة عام لأجل علاقة مع كُرد سورية التي تبلغ ست أو سبع سنوات، لذلك على كرد سورية أن يعوا جيداً”.

وبرأيه أن “الكرد لا يملكون قوى عسكرية ضاربة في وجه أي قوة عسكرية في المنطقة كتركيا على سبيل المثال، لذلك التعاطي الجديد سيبكون مرهون بمدى جدية الإدارة الذاتية بتنفيذ الشروط الأمريكية، كون واشنطن هي من تملي الشروط والإملاءات وليس العكس، وعلى الإدارة أن تعي جيداً أنه لا يمكن لأحد أن يكون مع روسيا وأمريكا في وقت واحد”.

وتوقع إبراهيم، أن يكون هناك محاولات من الجانب الأمريكي لردم الهوة بين “الإدارة الذاتية” وتركيا والمعارضة السورية، وهذا الأمر يتطلب إزالة الخلافات بين الإدارة والمجلس الوطني وكل المكونات الأخرى من عرب وتركمان، وتكون هناك إدارة جديدة تمثل تطلعات أبناء المنطقة بعيداً عن وجود هويات عابرة للحدود.

فـ” الأمر مرهون بمدى استجابة الإدارة الذاتية لشروط أمريكا وأيضاً مدى جدية بايدن بحل الملف السوري وتسريع تنفيذ القرار 2254، كونه لا يمكن حل القضية الكردية بمعزل عن القضية السورية بشكل عام” حسب ابراهيم.

أما المحلل التركي عودة أوغلو، الذي يتوقع عدم حدوث تغيير كبير في تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الملف السوري، فإنه يشير إلى احتمالية حدوث تغيير في الاستراتيجية الأمريكية حيال الشأن الكردي.

إلا أنه في الوقت نفسه اعتبر أن “استمرار الدعم الأمريكي لقوات قسد سيزيد من التباعد مع تركيا، أي بين الحليفين في حلف الناتو”، مشيراً إلى “التعيينات الأمريكية الجديدة المعروفة بمعارضتها للتدخل التركي في شرق الفرات”.

وكان بايدن عين مؤخراً، شخصيات في فريقه عرفت برفضها لأي تدخل تركي في شرق الفرات، ومن هذه الأسماء بريت ماكغورك، الذي عُيّن مسؤولاً لإدارة ملف الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس الأمن القومي.

وحول شكل المسار السياسي في سورية عموماً، قال الدبلوماسي السوري السابق، المقيم في واشنطن، بسام بربندي، إنه وحسبما يتم تداوله في الأوساط السياسية بواشنطن، فإن الإدارة الجديدة قد تتعاون مع فكرة المبعوث الدولي إلى سورية، غير بيدرسون، حول ضم المجموعة المصغرة، التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ومصر والسعودية والأردن، مع مجموعة أستانة التي تضم تركيا وروسيا وإيران.

وأشار بربندي في حديثه لـ”السورية.نت”، إلى  أن “واشنطن تعتبر إيران جزء من الحل في سورية ويجب أن تكون موجودة على الطاولة، وهي جزء من المبادرة تجاه طهران”، مضيفاً أن “الإدارة الجديدة أكثر تقبلاً بأن تكون إيران موجودة بالحوار لحل الأزمة السورية”.

السورية نت

————————–

روبرت مالي… حامي الطغاة/ د.مكرم رباح

قد يتفاجأ من يقرأ لروبرت “روب” مالي أو يسمعه للمرة الأولى بفجور هذا الأكاديمي والباحث الأميركي اليهودي من أصول شامية وهو يستميت في الدفاع عن الطغاة في عالمنا العربي والشرق أوسطي، بل وقد يُخيّل إليه أنه يستمع إلى عضو قيادة قطرية في حزب البعث أو شخص يحتسي الشاي يومياً مع الولي الفقيه.

 مالي الذي خدم في السابق ضمن فريق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كمبعوث خاص للشرق الأوسط والمفاوضات النووية، يتهيّأ اليوم ليكون مبعوث الرئيس جو بايدن الخاص لإيران. وهو تعيين أثار مخاوف لدى الكثيرين من أن تكون الإدارة الأميركية في صدد إعادة تشكيل عقيدة أوباما القاتلة، لكن بحلة جديدة.

 ولد روب في عائلة تمتهن أعمال تبييض سمعة الطغاة والدفاع عنهم. فوالده سيمون مالي، الرجل الشامي اليهودي الذي ولد في القاهرة وخدم كمراسل لجريدة الجمهورية في نيويورك قبل أن ينتقل إلى فرنسا في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ويتعرّف إلى زوجته الجزائرية أثناء خدمتها ضمن وفد جبهة التحرير الوطني في الأمم المتحدة، أمسى واحداً من أبرز الأبواق المدافعة عن سياسة عدم الانحياز المزعومة والقومية المقيتة التي قدّمت صخب المعركة على أنين ضحايا مجازر طغاة الثورة الإيرانية أو مجازر الخمير الحمر في كمبوديا.

 قبل دخوله إلى إدارة أوباما، سعى مالي جاهداً، عبر مركزه “مجموعة الأزمات الدولية”، للترويج لفرضية الحوار مع “محور الشر”، من دون أن يفوّت فرصة أو تقريراً لمخاطبة صناع القرار في واشنطن ومحاولة إقناعهم بأن جنوح إيران ونظام الأسد وإخوانهما من الميليشيات هو نتيجة سياسات الغرب المجحفة، وأن تلك الأنظمة القاتلة تتمتع بالشرعية المحلية والمنطق المتميز فقط عن منطق الغرب.

 لا يخجل مالي ولا يتردد من تبرير تجاوزات أحزاب تابعة لإيران كـ”حركة حماس” أو “حزب الله”، ولا يرى في المشروع التوسعي الإيراني بقيادة “الراحل الكبير” اللواء قاسم سليماني احتلالاً لدول المنطقة، لا سيما أن الإرهاب وفق “روب” لا يأتي إلا من البيئة السنية، وأن إيران هي حليف استراتيجي لمحاربة “داعش”، من دون الاعتراف بأن هذا الوجه من التوحش والتطرف المذهبي “السنّي” هو نتيجة إطلاق يد إيران وحرسها الثوري. والأسوأ ربما هو جزم روبرت مالي بأن الانتفاضات الإيرانية الشعبية على نظام الولي الفقيه ليست إلا نتيجة تحريض أميركي، وأن بطش النظام الإيراني ضد تلك الحركات، وآخرها في خريف 2019، هو مجرد عمل مبرر بل سيادي.

 لعل الجريمة الكبرى التي شارك فيها مالي وجماعته وعبّدوا طريقها هي النصيحة التي قدّموها للرئيس أوباما عقب المجازر الأسدية واستعمال السلاح الكيميائي بعدم عبور الخطوط الحمراء ومعاقبة بشار الأسد عسكرياً، وبذلك استحق مالي وأقرانه عضوية نادي الصامتين الملطخة أيديهم بدماء أطفال الغوطة ودوما وسائر المدن السورية.

 وفي آخر تقرير صدر عن مجموعة أزماته عقب انفجار مرفأ بيروت، نصح مالي الإدارة الأميركية التي تخلف إدارة ترامب بعدم التركيز على نزع سلاح “حزب الله” بزعم أنه مطلب خليجي إسرائيلي، بل التركيز على الإصلاح الاقتصادي والسياسي في لبنان، موحياً أن “حزب الله” وتنظيمه الإيراني المسلح عنصران أساسيان في منع انهيار الدولة اللبنانية. والأزمة الكبيرة تكمن في تغاضي مجموعة الأزمة عن أن سلاح إيران هو الحامي الأول للنظام اللبناني الفاسد، وأن انفجار المرفأ، إن لم يكن ناجماً عن تخزين إيران للمتفجرات في عنابر المرفأ، فهو نتيجة ذوبان أسس الدولة التي ساهم السلاح غير الشرعي بتسريعه.

 تعيين بايدن لمالي ليس نهاية العالم، بل قد يكون الطلقة النهاية في نعش أمثاله من المطبعين مع أنظمة القتل والإجرام، على اعتبار أن إيران لم ولن تتغير، وأن مالي الذي يحظى بمحبة الفرس لن يتمكن ولو بعد مليون عام من إقناع أحد، ومن بينهم الشعب الإيراني، بأن نموذج الحرس الثوري هو مستقبل المنطقة. وربما نشهد قريباً خروج حامي الطغاة هذا من المنظومة السياسية بعد فشل محتوم، على أنغام ومعاني أغنية “مالي شغل بالسوق مريت أشوفك”.

 النهار العربي

—————————

رفع العقوبات عن الأسد.. لوبي بطابع مسيحي | الصالون السياسي

—————————-

تحركات دولية منسقة حول إمكانية رفع عقوبات عن دمشق

ماكرون مع تخفيف العقوبات عن سوريا لتقليص أثرها على لبنان.

لوقت قريب لم يكن الحديث عن تخفيف أو رفع العقوبات عن دمشق مطروحا، بل كان التوجه نحو تعزيزها لإجبار نظام الرئيس بشار الأسد على تغيير سلوكه، بيد أن تحولا طرأ على المشهد حيث برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات على إمكانية إعادة النظر في تلك العقوبات لاسيما وأن الشعب السوري كان المتأثر من وطأتها.

دمشق – يبرز حراك دولي في الفترة الأخيرة، يدفع باتجاه تبني خيار رفع العقوبات أو تخفيفها عن النظام السوري، كان انطلق من أروقة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وامتد إلى نقاشات بين الزعماء الغربيين ولاسيما بين فرنسا والولايات المتحدة حول صوابية هذه الخطوة وتأثيراتها.

وتعاني سوريا منذ عام 2012 من عقوبات اقتصادية فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإجبار نظام الرئيس بشار الأسد على تغيير طريقة تعاطيه مع الأزمة والقبول بانتقال ديمقراطي حقيقي في سوريا.

أيمن عبدالنور: رفع العقوبات أو تجميدها لفترة سيتطلب تنفيذهما عدة أشهر أيمن عبدالنور: رفع العقوبات أو تجميدها لفترة سيتطلب تنفيذهما عدة أشهر

وعزز قانون قيصر الأميركي الذي جرى تفعيله في يونيو الماضي العقوبات التي طالت الدائرة المحيطة بالأسد، ورجال أعمال سوريين والبنك المركزي، بغرض زيادة الضغط على دمشق، التي لم تظهر أي نية للتنازل، فيما زادت معاناة الشعب السوري الذي يوجد أكثر من 80 في المئة منه تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة.

ويقول المعارض السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبدالنور لـ”العرب” إن “هناك تغيرا في المقاربة الدولية حيال العقوبات في سوريا، انعكس في عدة مواقف وخطوات لا تبدو أنها عفوية بل جرى تخطيط مركزي لها”.

وبدأت هذه التحركات أولا حينما دعت خبيرة حقوق الإنسان المستقلة في الأمم المتحدة، ألينا دوهان، إلى رفع العقوبات المفروضة على دمشق، لأنها “قد تعرقل جهود إعادة بناء البنية التحتية المدنية التي دمرتها الحرب”.

وقالت الخبيرة التي تنحدر من بيلاروسيا في كلمة لها في 29 ديسمبر الماضي “عندما أُعلن عن العقوبات الأولى بموجب قانون قيصر، أكدت الولايات المتحدة أنها لا تنوي إلحاق الأذى بالسوريين”، مضيفة “ومع ذلك، قد يؤدي تطبيق القانون إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، ما يحرم الشعب السوري من فرصة إعادة الإعمار”.

وأثارت تصريحات المسؤولة الأممية حينها ضجة في سوريا وخارجها، في ظل اعتقاد للوهلة الأولى بأن ذلك تحرك عفوي من قبلها قبل أن تظهر مؤشرات أخرى تشكك في الأمر. ويقول عبدالنور في هذا السياق “إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حث مؤخرا رجال الدين المسيحيين على توجيه رسالة له وأيضا لنظيره الأميركي جو بايدن للمطالبة برفع العقوبات”.

وأضاف المعارض السوري “وهو ما تحقق حينما اتصل كبار رجال الدين في سوريا ولبنان بالمنظمات المسيحية من دول العالم وخاصة من فرنسا وسويسرا وبريطانيا التي وقعت على مطلب رفع العقوبات”.

وكان البطريرك أفرام الثاني وعدد من رؤساء الكنائس والفعاليات السياسية في العالم توجهوا فعلا قبل أيام ببيان إلى بايدن بمناسبة توليه الرئاسة طالبوا فيه بـ”الإلغاء الفوريّ للإجراءات العقابية المفروضة على سوريا”، وأوضحوا في رسالتهم أن هذا الأمر “أصبح ملحا في ظل تفشي جائحة كورونا وتزامنها مع الأوضاع الصعبة والتداعيات التي خلفتها هذه الإجراءات غير الشرعية ولاسيما على قطاع الصحة ونظام الرعاية الصحية”.

وأعاد البيان التذكير بما توصلت إليه المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة إلينا دوهان من أن الإجراءات بحق سوريا كانت السبب في الظروف القاسية التي يعيشها المدنيون في ظل تفشي جائحة كورونا عن طريق حرمانهم من الحصول على المساعدات الصحية والإنسانية.

وأوضح أن هذه الاستنتاجات تعكس إجماعاً متزايداً لدى الهيئات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان على أن هذا الشكل من الإجراءات “العقابية” يفاقم معاناة الشعب السوري بشكل غير مسبوق.

ولفت عبدالنور إلى أن دوافع ماكرون لتبني نهج تخفيف وطأة العقوبات على دمشق عديدة، من بينها إدراكه أنه لا يمكن إعادة بناء مرفأ بيروت وتشغيله في ظل قانون قيصر الذي فرض عقوبات على العديد من الشركات السورية ذات الصلة الوثيقة بلبنان، كما أن الرئيس الفرنسي يرى أن قيصر يعيق مشاركة الشركات الفرنسية في إعادة إعمار سوريا.

ومعلوم أن الاقتصادين السوري واللبناني مرتبطان بشكل عضوي، وكل طرف يؤثر بشكل كبير على الآخر، ويسعى ماكرون جاهدا -منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، والذي فاقم أزمة لبنان المالية- إلى إنعاش هذا البلد وإعادته إلى سكة الاستقرار.

وضع على المحك وضع على المحك

وكان الرئيس الفرنسي أجرى الأحد اتصالا هاتفيا مع نظيره الأميركي تطرق خلاله إلى الوضع في المنطقة، ولاسيما في لبنان، وأكد الإليزيه عقب الاتصال أن هناك توافقا في الرؤى بين الرئيسين.

وليس من المستبعد أن يكون هناك تنسيق فرنسي أميركي مشترك حيال مسألة العقوبات على سوريا. وقال المعارض السوري إن الولايات المتحدة بدورها بدأت تعيد مراجعة خيار العقوبات، وهو ما يظهر بشكل جلي في طلب الرئيس الأميركي من وزارات الخارجية والدفاع والخزانة بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية تقديم دراسة عن تأثير العقوبات الاقتصادية على الدول وتداعيات ذلك على معركة تلك الدول مع كوفيد – 19.

وأشار عبدالنور إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجه في الـ11 من الشهر الجاري بتشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، برئاسة بيل اينغدون رئيس المجلس النرويجي للاجئين الذي له مكتب في دمشق ويحظى بعلاقة وطيدة مع النظام السوري، لإعادة دراسة كيفية توزيع المساعدات الإنسانية داخل سوريا على أن يتم إنجاز التقرير خلال ثلاثة أشهر.

ويرى مراقبون أن بحث رفع العقوبات أو تجميدها الغرض منه على ما يبدو رفع الحرج عن الدول الغربية لاسيما وأن هذه العقوبات كان المتأذي منها الشعب السوري، فيما لا يبدو أن النظام مهتم كثيرا بذلك، وليس في وارد تغيير سلوكه.

وبموجب العقوبات المفروضة على سوريا، لا يستطيع النظام الذي يسيطر على أكثر من نصف مساحة البلاد توريد الحاجيات الأساسية من وقود وطحين وأصبح من المألوف رؤية طوابير طويلة من المواطنين أمام المخابز ومحطات البنزين.

وأوضح عبدالنور في تصريحاته لـ”العرب” أن “قرار رفع العقوبات أو تجميدها لفترة سيتطلب تنفيذه عدة أشهر”، لافتا إلى وجود تحرك للجالية السورية في الولايات المتحدة للضغط باتجاه أن يكون هذا التوجه مشروطا بجملة من المطالب لعل من بينها “إبقاء العقوبات على الفاسدين والمجرمين والذين تلطخت أيديهم بالدماء من النظام السوري”، وأن تبقى العقوبات على الأسلحة وأن يتم توزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة حتى لا تسرق أو تباع من قبل “الشبيحة”.

العرب

————————-

سوريا:113مدنيا قتلوا الشهر الماضي بينهم 36 طفلا و6 سيدات

سوريا:113مدنيا قتلوا الشهر الماضي بينهم 36 طفلا و6 سيدات تقرير حقوقي: النظام مستمر في خرق القوانين الدولية وقتل المدنيين (Getty)

لا تزال آلة القتل في سوريا تحصد المزيد من الأرواح. وجاء في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشرته الإثنين، أن القتل خارج نطاق القانون حصد 113 مدنياً في سوريا في كانون الثاني/يناير 2021 بينهم 36 طفلاً و6 سيدات، و3 ضحايا بسبب التعذيب، مشيرة إلى مقتل 18 مدنيا بسبب الألغام بينهم 16 طفلاً.

وذكر التقرير أنَّ جريمة القتل اتخذت نمطاً واسعاً ومنهجياً من قبل قوات النظام السوري والميليشيات المقاتلة معه بشكل أساسي، وأن عملية توثيق الضحايا الذين يقتلون في سوريا ازدادت تعقيداً بعد دخول أطراف عدة في النزاع السوري.

وقال التقرير: “استمرَّ وقوع ضحايا من المواطنين السوريين بسبب الألغام في محافظات ومناطق متفرقة في سوريا، حيث شهد كانون الثاني مقتل 18 ضحية بينهم 16 طفلاً بسبب الألغام، وهذا يشير إلى عدم قيام أيٍ من القوى المسيطرة ببذل أية جهود تذكر في عملية إزالة الألغام، أو محاولة الكشف عن أماكنها وتسويرها وتحذير السكان المحليين منها”.

 وبحسب التقرير فإن الإحصائيات التي وردت فيه لحصيلة الضحايا الذين قتلوا تشمل عمليات القتل خارج نطاق القانون من قبل القوى المسيطرة، والتي وقعت كانتهاك لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني، ولا تشمل حالات الوفيات الطبيعية أو بسبب خلافات بين أفراد المجتمع.

  عمليات القتل خارج نطاق القانون استمرت مع بداية عام 2021 حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 113 مدنياً بينهم 36 طفلاً و6 سيدات قتلوا على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، و17 مدنياً بينهم 6 أطفال، وسيدتين قتلوا على يد قوات النظام السوري، فيما قتلت قوات سوريا الديمقراطية مدني، وقتلت هيئة تحرير الشام 3 مدنيين جميعهم أطفال. كما سجَّل التقرير مقتل 92 مدنياً، بينهم 27 طفلاً، و4 سيدات على يد جهات أخرى.

واعتبرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان النظام السوري المسؤول الرئيس عن وفيات المواطنين السوريين بسبب جائحة كورونا. وأشارت في تقريرها إلى “أنه وحليفه الروسي متّهمان بشكل أساسي بقصف معظم المراكز الطبية في سوريا وتدميرها، وبقتل المئات من الكوادر الطبية وإخفاء العشرات منهم قسرياً، مع اعتقال أو اختفاء قرابة 3327 من الكوادر الطبية لدى النظام السوري بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.

 وأشار التقرير إلى أنَّ وزارة الصحة في النظام السوري أعلنت عن وفاة 911 حالة في سوريا بسبب فيروس كورونا المستجد، واصفاً هذه الإحصائية بغير الدقيقة؛ نظراً لعدم وجود أية شفافية في مختلف الوزارات الحكومية، ونظراً لإشراف الأجهزة الأمنية على ما يصدر عن هذه الوزارات، وهذا هو حال الأنظمة التوتاليتارية بحسب التقرير

—————————–

الإدارة الأميركية الحائرة!/ خيرالله خيرالله

يتولّد لدى من يستمع إلى شهادات كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن في مجلس الشيوخ، بمن في ذلك وزير الخارجية أنطوني بلينكن، انطباع بأنّ الإدارة راغبة في العودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. من أجل تأكيد الرغبة في العودة إلى الاتفاق، عيّن بايدن روبرت مالي، أو روب مالي، كما يناديه القريبون منه، مسؤولا عن ملفّ إيران. سيعمل مالي، الذي يتظاهر بأنه يساري، والذي لا يخفي تعاطفه مع النظامين الإيراني والسوري فضلا عن “حزب الله” و”حماس”، مع وزير الخارجية ويقدّم تقاريره مباشرة إليه.

وقّع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني صيف العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما. لعب بلينكن ومالي دورا في المفاوضات السرّية التي أدت إلى الاتفاق الذي وقعته مجموعة الخمسة زائدا واحدا مع إيران، أي البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا.

لكنّ هذه الرغبة الأميركية في العودة إلى الاتفاق الذي مزّقه الرئيس دونالد ترامب في العام 2018 مرتبطة بعوامل أخرى تحدّث عنها وزير الخارجية الأميركي الجديد نفسه أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. بين هذه العوامل جعل الاتفاق مع إيران أكثر شمولا واتساعا على أن تشارك فيه دول أخرى في المنطقة مثل المملكة العربيّة السعودية وإسرائيل.

تعني عبارة أكثر شمولا أنّه يفترض أن يتناول أي اتفاق مع إيران سلوكها في المنطقة، أي مشروعها التوسّعي، والصواريخ الباليستية التي تمتلكها فضلا عن طائرات من دون طيّار استخدمتها في مناسبات عدّة بطريقة مباشرة أو عبر أدواتها المختلفة من ميليشيات تأتمر بأوامرها.

هل سيعمل مالي على تنفيذ هذه السياسة الأميركية التي تأخذ في الاعتبار أن الوضع في المنطقة كلّها تغيّر منذ العام 2015، بما في ذلك استغلال إيران للأموال التي حصلت عليها من إدارة أوباما بمجرّد توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي لدعم ميليشياتها المذهبية في المنطقة؟ هذا هو السؤال الكبير الذي سيطرح نفسه، خصوصا أن كلّ ما صدر عن “مجموعة الأزمات الدولية”، وهي منظمة غير حكومية يشرف عليها مالي، يشير إلى أن الرجل ينتهج خطا مؤيدا لإيران لا أكثر، خصوصا أنّ هدفه الأوّل كان الدفاع عن الاتفاق في شأن ملفّها النووي من جهة وانتقاد كلّ ما قامت به إدارة ترامب من جهة أخرى. تتلخص مواقفه بأنّ الاتفاق كان مفيدا وأن كلّ ما قامت به إدارة ترامب كان سيّئا، بما في ذلك فرض أقصى العقوبات على “الجمهورية الإسلاميّة”.

بغض النظر عن الخط الذي سيسير فيه مالي، سيبقى السؤال مرتبطا بمدى تأثيره على الإدارة الجديدة التي ستجد نفسها عاجلا أمام وقائع جديدة. في مقدّم هذه الوقائع أن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران أدّت مفعولها. هل ستتجاهل الإدارة هذه الوقائع وأن المنطقة في 2021 ليست المنطقة في 2015 وأنّ العقوبات الأميركية كشفت أنّ إيران نمر من ورق؟

الأهمّ من ذلك كلّه، هناك الصواريخ الإيرانية. الصواريخ في خطورة البرنامج النووي الإيراني. في النهاية لو امتلكت إيران كلّ ما تريده من قنابل نووية، يبقى السؤال ما الذي ستفعله بهذه القنابل؟ أما الصواريخ الإيرانية، فقد استخدمت في مناسبات عدّة كانت آخرها قصف مطار عدن قبل أسابيع قليلة. أصيب مطار عدن إصابة دقيقة بصواريخ أطلقت من منطقة تعز، أي من مسافة تزيد على مئة كيلومتر جوّا، وذلك في وقت كانت تحط في المطار طائرة مدنية تنقل أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة. أكثر من ذلك، يطلق الحوثيون صواريخ إيرانية بين وقت وآخر في اتجاه الأراضي السعودية. قبل ذلك، في أيلول – سبتمبر 2019، أصابت صواريخ إيرانية منشآت لشركة “أرامكو” السعودية في منطقة ابقيق داخل المملكة. وقد أثر ذلك مؤقتا على صادرات النفط السعودي.

عاجلا أم آجلا، سيتبيّن أن لا مفرّ من التعاطي مع مسألة اسمها الصواريخ الإيرانية. ليس معروفا كيف سيتصرّف المسؤولون في الإدارة الأميركية الجديدة.

لكنّ الأكيد أنّ كل النظريات التي ينادي بها مالي لا تساعد في إحراز أي تقدّم في مجال تحويل إيران إلى دولة طبيعية تهتمّ بشؤون شعبها ورفاهته بدل تصدير أزماتها إلى خارج حدودها.

الأكيد أنّ تسليم ملفّ إيران إلى شخص مثل مالي لا يوحي بالثقة، بل يطرح أسئلة في ما يخصّ طريقة عمل إدارة بايدن وقدرتها على أن تبني على ما حققته إدارة ترامب بدل التنكر لها. ففي السنة 2000، كان مالي بين الذين وقعوا مقالا صدر في نشرة “نيويورك ريفيو اوف بوكس” (New York Review Of Books) يبرر موقف ياسر عرفات في القمة التي جمعت بينه وبين الرئيس بيل كلينتون وإيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في كامب ديفيد. كانت الحجة التي اعتمدها مالي أن باراك لم يقدّم شيئا لأبوعمّار وأن الرئيس الفلسطيني لا يتحمّل أي مسؤولية عن فشل القمّة الثلاثية. هذا ليس صحيحا، بل كان يمكن القول إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يقدّم لعرفات وقتذاك شيئا كافيا وكان مفترضا بالزعيم الفلسطيني الأخذ والردّ بدل جعل بيل كلينتون يشعر باليأس منه ويوصي خليفته جورج بوش الابن بوقف أي تعامل معه.

أساء أشخاص مثل مالي إلى القضيّة الفلسطينية. أساء من حيث يدري أو لا يدري. هل كان حسن النيّة أم لا؟ مثل هذا الأمر ليس معروفا، لكنّ كلّ ما فعله وقتذاك أنّه لعب دوره في أخذ الزعيم الفلسطيني إلى الهاوية وإلى القطيعة مع واشنطن. عمليا، خدم اليمين الإسرائيلي، من منطلق أنّه أميركي يهودي من أصل مصري متعاطف مع قضايا الشعوب!

ستظهر الأيّام والأسابيع المقبلة هل لدى إدارة بايدن سياسة شرق أوسطية وخليجية واضحة أم أنّها إدارة حائرة. هل تعرف ما هي إيران بنظامها الحالي أو لا؟ هل تعرف أن أشخاصا مثل مالي أو غيره لا يمكن أن يغيّروا شيئا في السلوك الإيراني؟

سيبقى مطروحا ما العمل بالصواريخ الإيرانية وكيف يمكن وضع حدّ لمحاولات إيران ضرب الاستقرار الإقليمي عبر هذه الصواريخ وعبر ميليشياتها المذهبية، أكان ذلك في العراق أو في سوريا أو في لبنان أو اليمن…

إعلامي لبناني

العرب

—————————

ثقوب دبلوماسية موسكو بين السرعة والتسرع/ سام منسى

يبدو أن سمة المنطقة هذه الأيام هي السرعة إن لم يكن التسرّع، سرعة تلازم مواقف وممارسات الأطراف المنخرطة مباشرةً في قضايا الإقليم، وهي روسيا وإسرائيل وإيران بخاصة كما باقي الجهات إنما بوتيرة مختلفة.

خلال أيام قليلة، أطلقت روسيا مبادرتين على لسان وزير خارجيتها المخضرم سيرغي لافروف. اقترحت الأولى على إسرائيل إبلاغها بالتهديدات الأمنية الإيرانية المفترضة عليها من سوريا لتتكفل بمعالجتها كي لا تكون سوريا ساحة للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية الشاملة. وتضمنت الأخرى دعوة لعقد مؤتمر الربيع المقبل في موسكو لبحث إطلاق عملية السلام، يكون على مستوى وزراء خارجية دول الرباعية الدولية (روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة) إضافة إلى مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين وإسرائيل والفلسطينيين.

يضاف إلى ذلك التسريب غير البريء في هذا التوقيت بالذات لخبر يشكَّك في صحته بشأن لقاء سوري إسرائيلي روسي عُقد في قاعدة حميميم.

وبهاتين المبادرتين، خصوصاً الدعوة إلى مؤتمر «الرباعية الدولية»، تكون روسيا قد فعّلت حراكها الدبلوماسي الذي بدأته قبل اتصال الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، ما يدفعنا إلى قراءة هذا الحراك من باب رغبة روسيا الواضحة في دور جديد لها، أو تفعيل دور قديم، يواكب الإدارة الأميركية الجديدة، ويكسر حلقة الجمود التي أصابت دبلوماسيتها لا سيما في سوريا وفشلها في لجم التوتر الإسرائيلي الإيراني المتصاعد على الحدود وفوق الأراضي السورية.

كما أن الدور الروسي في التوصل إلى تسوية للنزاع في سوريا يدور في حلقة مفرغة أيضاً جراء تعثر الإصلاح، على الرغم من معاودة لاجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف غير الواعدة، بدليل أنها لم تسفر عن أي نتيجة، ما يؤكد ما عبّر عنه المندوب الأممي غير بيدرسن بحديثه عن هشاشة الوضع في سوريا. وجُلّ ما يطرح مباشرةً ومداورة هو التجديد لبشار الأسد في انتخابات رئاسية قادمة على أساس الدستور الحالي.

وأيضاً، يشكل غياب ملامح أي مشروع لإعادة الإعمار في سوريا أو الحديث الجدي عن عودة المهجّرين فشلاً ذريعاً لروسيا التي ستعاود إحياء اجتماعات آستانة أواخر فبراير (شباط) الحالي.

في مقلب آخر، نشهد حركة إسرائيلية غير معهودة بسرعتها، وبتوصيف أكثر دقة وعي متجدد للقيادة الإسرائيلية للأدوار الإيرانية التخريبية في المنطقة على أكثر من صعيد، سواء هَمّ الملف النووي القديم الجديد أو الهموم المتجددة والمتصاعدة جراء تمدد إيران وحلفائها ووكلائها مع أسلحتهم المحدَّثة باستمرار على الحدود الشمالية في لبنان كما في سوريا.

ليس من مجال للتباين بشأن يقظة إسرائيلية لمعالجة الوجود الإيراني في سوريا. وقد تُرجمت هذه اليقظة في عمليات عسكرية مكثفة ضد مواقع إيرانية بوتيرة لم نشهد مثيلاً لها، وتوّجت الأسبوع الماضي بتحركات وحشود عسكرية على جبهة الجولان.

اليقظة الإسرائيلية هذه متعددة الأسباب، لعل أبرزها اليقين بفشل الوعود الروسية بإبعاد إيران عن حدودها والخيبة الخبيثة من قدرة نظام الأسد على لجم التمدد الإيراني في بلاده، وهو الذي يعتمد على الحليف الإيراني للسيطرة المزعومة على 80% من الأراضي السورية. فإذا صحّت هذه السيطرة فهي حصلت بفضل الإيرانيين الموجودين على الأرض، أكثر منها بفضل موسكو التي اختصرت دورها في دعم النظام باستعمال سلاح الطيران من جهة، والدعم الدبلوماسي من جهة أخرى.

وإسرائيل المقبلة على انتخابات غير محسومة، مسرعة أيضاً بسبب قلق مزمن ينتابها بدأ مع ولاية باراك أوباما الأولى، واستعر في الثانية مع توقيع الاتفاق النووي عام 2015 في ظل امتعاض إسرائيلي وبرودة في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن.

القلق الإسرائيلي هذا تجدد مع وصول بايدن وانطفاء سياسات دونالد ترمب بحيث باتت مضطرة وبعجالة واضحة لأن تعبر للإدارة الجديدة عن خشيتين؛ الأولى هي العودة إلى الاتفاق النووي كما وُقع عام 2015 ورفع العقوبات، والأخرى لا تقل أهمية عن الأولى وإن لم تكن بحجمها وتتعلق بالصواريخ الباليستية الإيرانية وأدوار حلفاء وأذرع إيران في المنطقة لا سيما على حدود إسرائيل الشمالية.

وما يزيد من الخشية الإسرائيلية هي المتغيّرات في الداخل الأميركي على أكثر من صعيد، بدءاً من الانشغال الكبير بمعالجة جائحة «كورونا» كما بالأزمة السياسية الداخلية الحادة إثر الانتخابات الرئاسية ومحاولة الاعتداء على الكابيتول. هذا الانشغال لا يخفي أيضاً بوادر متغيرات في مواقف اليسار الأميركي من إسرائيل، من دون أن يعني ذلك بتاتاً التفريط في أمنها والتغاضي عن ردع كل ما من شأنه أن يهدد وجودها. وينبغي أيضاً الأخذ في الاعتبار مواقف يسار الوسط الديمقراطي بالنسبة للمنطقة ككل والمتمثلة في خفوت الاهتمام بالشرق الأوسط بعامة جراء هموم أميركية رئيسية تبدأ من الصين إلى روسيا وإيران وصولاً إلى الاقتصاد.

هذه المتغيرات تشكل مصادر قلق لإسرائيل لأنها قد تخفض حرارة الدعم الأميركي لها، على الرغم من صلابة العلاقات بين البلدين والتي تعد بنيوية واستراتيجية لواشنطن. هذه المشهدية قد تحث إسرائيل على تنفيذ عمليات قد تنزلق معها إلى مواجهة كبيرة أو محدودة في المنطقة غير محسومة النتائج.

يبقى الطرف الثالث، أي إيران، التي لم تتوقف عن عراضاتها العسكرية وتصريحاتها المستفزّة واعتداءاتها عبر وكلائها من اليمن إلى بيروت. طبعاً تعيش إيران ضغوطاً متعددة الجوانب في الاقتصاد والصحة والاجتماع والسياسة. ومهما بلغت العنجهية الإيرانية المغلّفة بالمناورات العسكرية المتكررة، فهي لن تخفي رغبة إيران في تغيير الأوضاع وبأسرع السبل. فهي لم تنتظر وصول الإدارة الأميركية الجديدة لتوجّه إليها الرسائل المباشرة وغير المباشرة في حراك يدل على التعب من الأوضاع الحالية بدءاً من الداخل المثقل بجائحة «كورونا» وتداعيات العقوبات الاقتصادية والاجتماعية، والمقبل على انتخابات وسط توقع عودة الاحتجاجات الشعبية وإلقاء الجناح المتشدد بثقله لتأتي النتائج لصالحه. كذلك أحوال الأذرع والحلفاء، بحيث بات التذكير بالرفض الشعبي الذي تواجهه في العراق ولبنان والهجمات التي تتعرض لها في سوريا يشبه الأسطوانة المشروخة. وأصدق مَن عبّر عن الانسداد في السياسة الإيرانية المقالة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مجلة «فورين أفيرز» والذي لم يخرج فيها عن إطار مرسوم لخشبية رؤية إيران ودبلوماسيتها الممجوجة.

ولا يكتمل المشهد بدون معرفة ما تسعى إليه روسيا وما إذا كان هناك متغيّر جدي في العلاقات بين موسكو وواشنطن. هل المتغيّر هو وجود رغبة أميركية في دور روسي فاعل أكثر في الإقليم؟ هل هو قدرة روسيا على لعب دور إيجابي في المنطقة لا سيما في المشرق، أي العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، من دون معالجة التشدد الآيديولوجي الإيراني المنتشر عبر حلفاء إيران وميليشياتها وأذرعها المحلية في أكثر من دولة؟ هل هو إقلاع روسيا عن رغبتها القديمة والمتجددة في إخراج الأميركيين من المنطقة بما يسمح بتحقيق المتغيّرين الأول والثاني إذا صحّا؟

لعل الإجابة الحاسمة متعذّرة، لكن الأرجح أن أي تغيير في العلاقات الروسية الأميركية سابق لأوانه، وستبقى سيناريوهات الحلول لأزمات المنطقة هشّة من دون انخراط أميركي يتصدى لثلاث معضلات مستعصية في الإقليم هي: آيديولوجية حكّام إيران المتزمتة والاستعلائية والتوسعية، والمطامع الإسرائيلية الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، والحوكمة الفاشلة في العالم العربي.

الشرق الأوسط

————————–

بايدن والإخوان… المكاسب المحتملة من المواجهة بين القاهرة وواشنطن

ما من شيء طلبه حكام الإمارات والسعودية ومصر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلا وأظهر جهداً في تلبيته، لكن شيئاً واحداً كثرت التقارير حول سعيهم لتحقيق دون نتيجة، وهو تصنيف “الإخوان المسلمين” كتنظيم إرهابي.

في الأيام الأخيرة من إدارة ترامب، صدر بيان عن وزارة الخارجية الأمريكية وصف قادة تنظيم “حسم” الذي تعتبره القاهرة الذراع العسكري للإخوان، بالأعضاء السابقين في الجماعة وبتعبير أدق بـ”مرتبطين في السابق بتنظيم الإخوان”، وهو ما يعد تبرئة ضمنية للجماعة من الوقوف خلف التنظيم الإرهابي.

لم يُعرف السبب الفعلي الذي منع ترامب من تلبية طلبات حلفائه بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، سوى أن البعض يربطه بعلاقة الإخوان بأجهزة الاستخبارات الأمريكية، وتعاونهم معاً في مواجهة الشيوعية منذ خمسينيات القرن الماضي، وهذا أيضاً غير مؤكد.

تجاوزت الجماعة ولاية ترامب بمكسب البقاء خارج لائحة التنظيمات الإرهابية، لكن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض توقع كثيرون أن تحصل على مكاسب أكبر بالعودة إلى السلطة.

تُظهر التجارب الماضية أن هذه التوقعات تحمل مبالغة وهي غير واقعية تماماً، فقد تم عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي وفض اعتصام رابعة خلال وجود بايدن في البيت الأبيض كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما.

هذا لا يعني، في المقابل، أن الإخوان لن يستفيدوا من إدارة بايدن، فكل الضغوط التي ستمارسها واشنطن على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ملف حقوق الإنسان، ستعتبرها الجماعة مكسباً لها كونها قد تتسبب في إضعافه.

ترحيب الإخوان

بعد فوز بايدن، أصدرت جماعة الإخوان بياناً اعتبرت فيه أن الأوان آن لـ”مراجعة سياسات دعم ومساندة الدكتاتوريات، وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب”.

وفي 5 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صرّح نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير بأنه لا يستبعد حدوث تغيير في مصر والمنطقة مع قدوم بايدن إلى السلطة.

وقال المنير الذي تولى إدارة الإخوان بعد اعتقال محمود عزت القائم بأعمال مرشد الجماعة محمد بديع إنه لا يتوقع أن يمارس بايدن “فوراً” ضغوطاً على السيسي للإفراج عن أعضائها، معلقاً بأنه “يحتاج وقتاً ليرتب نفسه”.

ورجّح المنير، في حديثه مع قناة “الجزيرة مباشر”، ألا تكون سياسة بايدن مع مصر كآخر أيام وجوده نائباً لأوباما، معللاً ذلك بقوله: “الأمر اختلف فهناك سنوات مضت، والخارجية والإدارة الأمريكية راجعتا ما يتم في مصر، ولن تكون سياسات بايدن كما مضى، الصورة تغيرت، وندرك أنه مع التقارير التي سيطلع عليها سيتبين أن الكلام الذي وصل إليه عنا من قبل غير صحيح”.

وحول الدافع من تحرك بايدن لدعم الجماعة، وما الذي يمكن أن تقدمه الأخيرة في المقابل، قال نائب المرشد: “تعبير ′نُقدّم لأمريكا′ صعب، ولا نقبل به، فلن نقدم لأمريكا شيئاً، نحن سنقدم للعالم الإسلام السياسي، وسيجدونه مختلفاً عما كان يقال”.

وعندما سُئل المنير عما يمكن أن يقدمه الإخوان لواشنطن في سبيل الضغط لعودة الجماعة، أجاب: “لا شيئ سوى إسلام سياسي ديمقراطي”.

إدارة بايدن

لم يعلن أي مسؤول أمريكي في إدارة بايدن موقفه من الجماعة سواء خلال الفترة الانتقالية أو بعد تولي الحكم، لكن تُظهر السيرة الذاتية لبعض كبار المسؤولين أنهم كانوا على اطلاع على ملف الإخوان أو على تواصل معهم.

على سبيل المثال، كان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز الذي يتحدث العربية بطلاقة قد لعب دور الوسيط بين المجلس العسكري والإخوان، إثر عزل محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو عام 2013.

وقبل توليه رئاسة الـ”سي آي إيه”، كان بيرنز يترأس معهد كارنيغي للأبحاث في واشنطن، والذي يعمل فيه عدد كبير من الباحثين الأمريكيين الذين يشكلون مجموعة العمل المعنية في مصر، برئاسة مشتركة لميشال دن، والتي تعارض النظام المصري الحالي.

خلال رئاسة بيرنز لكارنيغي، شاركت دن في كتابة تقرير حذرت فيه من تصنيف الجماعة تنظيماً إرهابياً، مؤكدة ألا مؤشرات على أن قادة كبار في “الإخوان المسلمين” هم الذين أمروا بالقيام بأعمال عنف أو أنهم غضوا الطرف عنها.

وفي وزارة الدفاع الأمريكية، تم تعيين كولن كال المعروف بآرائه الإيجابية حول الإخوان المسلمين، مسؤولاً عن رسم السياسات.

وكتب المحلل المختص في شؤون الإرهاب جون روسوماندو، في مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، معلقاً أن كال يدعم أنشطة الإخوان المسلمين في المنطقة، وكذلك النظام الإيراني الذي تعتبره دول الخليج عدواً.

وأضاف الكاتب: “خلال فترة توليه منصب نائب وزير الدفاع، أيّد كال مشاركة الإخوان المسلمين في الربيع العربي… وأيد المفهوم الخاطئ القائل بأن تشجيع المشاركة الإسلامية في السياسة من شأنه أن يقلل من جاذبية الجهاديين”.

في بحث نشره كال، مع أستاذ العلوم السياسية مارك لينش، في 2013 اعتبر أن “جماعة الإخوان المسلمين في مصر ظهرت أنها لن تخضع لإيران، ومن المرجح أن تبرز مصر الديمقراطية كثقل موازن مهم بدلاً من اتباع القيادة الإيرانية”.

وأضاف كاتبا البحث ذاته بالقول: “عندما هاجمت إسرائيل غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012، أثبت مرسي بشكل ملحوظ براغماتية وفاعلية في كبح جماح الحراك الشعبي والتفاوض لعمل هدنة”.

هل يدعم بايدن الإخوان؟

تبدو دوائر النخبة السياسية والإعلامية في مصر مقتنعة تماماً بأن بايدن سيعيد إحياء جماعة الإخوان المسلمين، بل روجوا إلى أنه سيكرر سياسة باراك أوباما في دعم الإسلاميين للسلطة.

وما يعزز هذا التصور لدى هذه النخبة هو بيان الإخوان الذي دعا بايدن إلى دعم الديمقراطية، كذلك احتفال وترحيب الإعلام المحسوب على الجماعة في تركيا وقطر بهزيمة ترامب.

ومع ذلك، ثمة من يقول إن الأمر لن يكون كذلك، ومن هؤلاء وزير الخارجية السابق عمرو موسى الذي قال إن الوضع اليوم يختلف عما كان عليه قبل سبع سنوات، لأن السيسي أقوى بكثير من عام 2013.

ومن المتغيرات أيضاً أن إدارة الإخوان حالياً ليست في مكتب الإرشاد في حي المقطم في القاهرة، لكن في لندن حيث يقيم المنير الذي أكد أمام مجلس العموم البريطاني احترام الجماعة للحرية الجنسية، وهو تصريح لم يكن يخرج من قيادي إخواني عام 2013.

وفي هذا السياق، استبعد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان أن تكون إدارة بايدن امتداداً أميناً لإدارة أوباما، إذ “مرت سنوات وهناك العديد من المتغيرات، فلم تعد الجماعة تنظيماً له شعبية يحظى بحضور وتأثير ولم يعد مشروع الفوضى الخلاقة مطروحاً كالسابق”، على حد قوله.

وأضاف بان، في حديث لرصيف22، موضحاً: “قد تُبقي إدارة بايدن على الإخوان كورقة ضغط تبتز بها القرار المصري دون رهانات على الجماعة كبديل للنظام كما كان يراهن أوباما”.

وفي رأي بان، انشقت الجماعة أفقياً ورأسياً على المستوى التنظيمي، مع تصدعات فكرية جديدة على التنظيم تجعل فرص دعمه غير مطروحة.

وقال بان إن الجماعة لن تتمكن حتى من الاستفادة من التغييرات الإقليمية، فلم تعد رقماً قابلاً للتعويم، كما لن تجني أي مكاسب من المصالحة الخليجية التي قد تخصم من رصيدها حتى، ولن تبادر واشنطن إلى مضاعفة توتر حلفائها التقليديين في مصر والخليج من أجل التنظيم.

رصيف 22

————————-

==================

تحديث 02 شباط 2021

————————–

بايدن وصعوبة الرقص مع إيران/ روبرت فورد

يعتبر اختيار الرئيس جو بايدن لروبرت مالي مبعوثاً رئاسياً خاصاً إلى إيران من العلامات الواضحة على أن جولة المفاوضات الأميركية – الإيرانية باتت وشيكة. ومن الجدير بالذكر في السياق ذاته، أن السيد جيك سوليفان الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بايدن كان قد صرح في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي بأن تأسيس الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 من المتطلبات الملحة. ولقد تسنى لي العمل مع السيد سوليفان في وزارة الخارجية تحت قيادة هيلاري كلينتون، وهو من الشخصيات الحريصة على الإعراب عن تفكير رؤسائه.

يرى مالي وسوليفان، أن جولة المفاوضات الأولى مع إيران ينبغي لها التركيز على العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وأن التباحث بشأن قضايا أخرى من شاكلة البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني أو تصرفاتها الرعناء في منطقة الشرق الأوسط ربما يُتاح لها المجال في أوقات لاحقة. ولقد دعا السيد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي الجديد إلى استغلال العودة إلى اتفاق عام 2015 النووي كمنطلق جديد للتفاوض بأن قضايا أخرى مهمة مع الجانب الإيراني.

لكن هناك سؤالاً كبيراً ومهماً يتعين طرحه: كيفية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015؟ أعرب السيد بلينكن عن أنه يتوجب على إيران وقبل كل شيء إيقاف الانتهاكات المرتكبة من قِبلها بحق اتفاق عام 2015 النووي. ومن شأن ذلك، أن يعني وجوب تخفيض إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب، مع وقف برنامج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وكذلك التوقف عن مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 3.67 في المائة (تستهدف الحكومة الإيرانية الآن بلوغ نسبة 20 في المائة). ووفقاً لتصريحات بلينكن، يتعين على الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من الإجراءات الإيرانية المتخذة في هذا الصدد قبل شروع الحكومة الأميركية في إلغاء العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس السابق دونالد ترمب فرضها على إيران. وليس من المستغرب أن تصر إيران على أن تتخذ الحكومة الأميركية الخطوة الأولى على هذا المسار بإلغاء حزم العقوبات التي أعادتها إدارة الرئيس ترمب مع دفع تعويضات مناسبة إلى الحكومة الإيرانية عن الأضرار الاقتصادية الفادحة التي لحقت بها إثر إعادة فرض العقوبات الأميركية، وذلك قبل أن تعاود إيران الامتثال لبنود الاتفاق النووي المبرم في عام 2015.

ومن المحال مجرد تصور أن تسدد الحكومة الأميركية تعويضات مالية إلى إيران. والسؤال المهم في هذا السياق هو: هل تأتي خطوة رفع العقوبات الاقتصادية أولاً أم الخطوات الإيرانية الملموسة لإعادة برنامجها النووي إلى مستويات عام 2015 السابقة؟ لاحظ بعض المراقبين المعنيين أن تصريحات سوليفان في 29 يناير الماضي لم تتطرق إلى وجوب أن تتخذ الحكومة الإيرانية الخطوة الأولى في ذلك.

من شأن الحكومة الأميركية التشاور مع حلفائها في أوروبا وفي الشرق الأوسط قبل أن تتخذ قرارها بالمضي قدماً على مسار هذه الاستراتيجية الجديدة. ومع ذلك، هناك خطة واحدة حول الخطوات الإيرانية التالية من التي يمكن الوقوف على فحواها من قراءات موقع «مجموعة الأزمات الدولية» المنشورة بتاريخ 15 يناير الماضي. وكان مالي مديراً سابقاً لـ«مجموعة الأزمات الدولية» حتى تاريخ 29 يناير، ولقد عمل لصالح المجموعة قبل وبعد فترة عمله في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. ويؤكد تقرير «المجموعة» في 15 يناير على حالة انعدام الثقة الواضحة بين واشنطن وطهران، وهو مستوى سيئ للغاية من العلاقات يفوق شكوك عامي 2013 و2015. ومن ثم، يوصي التقرير المذكور بالدخول في اتفاقية من أربع مراحل خطوة بخطوة. ففي المرحلة الأولى، تتخذ الحكومة الأميركية والحلفاء في أوروبا تدابير فعالة لبناء الثقة مثل تقديم المساعدات المالية إلى إيران من خلال صندوق النقد الدولي، وتمويل الجانب الأوروبي للواردات الطبية والإنسانية الموجهة إلى إيران. كما تقوم الحكومة الأميركية، في المرحلة الأولى، برفع أسماء كبار المفاوضين الإيرانيين – من أمثال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني – من على قوائم العقوبات الأميركية. من ناحية أخرى، تقوم الحكومة الإيرانية بإطلاق سراح السجناء من الرعايا الغربيين في سجونها.

تدخل المرحلة الثانية حيز التنفيذ في ربيع العام الحالي، وتدور حول إجراء المفاوضات بين بلدان الاتفاق النووي الأول لعام 2015 بشأن وضع جدول زمني محدد للحكومة الإيرانية لإيقاف الانتهاكات خطوة بخطوة من جانبها في مقابل قيام الإدارة الأميركية برفع العقوبات المعاد فرضها بواسطة الرئيس السابق دونالد ترمب خطوة بخطوة كذلك.

ثم أشار التقرير السالف الذكر إلى الدور المهم للوكالة الدولية للطاقة الذرية في التحقق من الإجراءات الإيرانية المتخذة في هذا الصدد. كما يشير التقرير نفسه إلى أن يشرع الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة الثانية في تشجيع الشركات الأوروبية على مباشرة الأعمال التجارية في إيران.

وإثر عودة البلدان المعنية كافة إلى التزاماتها السابقة بموجب بنود الاتفاق النووي لعام 2015، يمكن للحكومة الأميركية وقتئذ الشروع في المرحلة الثالثة من التباحث المبدئي مع الجانب الإيراني بشأن جملة من القضايا الإقليمية. ومن شأن اليمن أن يكون الخيار الأفضل في ذلك بحسب التقرير المذكور.

ومن المقرر أن تبدأ المرحلة الرابعة في أعقاب انتخاب الرئيس الإيراني الجديد في يونيو (حزيران) من العام الحالي. مع البدء في المفاوضات في ذلك الوقت بُغية تناول وتغطية القضايا المهمة من شاكلة تمديد القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، والبرنامج الصاروخي الإيراني، والتدخلات الإيرانية السافرة في شؤون منطقة الشرق الأوسط.

لا تعتبر «مجموعة الأزمات الدولية» جزءاً من الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بايدن، ومن شأن القرار بخصوص استراتيجية التفاوض مع الحكومة الإيرانية أن يُتخذ من قبل الرئيس بايدن شخصياً. ويرفض الحزب الجمهوري المعارض وعدد من النواب الديمقراطيين التفاوض مع الحكومة الإيرانية بالكلية. كما يطالبون بالاستمرار في حملة الضغوط القصوى على النظام الإيراني حتى التنازل التام عن البرنامج النووي والصاروخي ووقف تدخلاته الإقليمية في المنطقة. ويقود معسكر الممانعة السيناتور الجمهوري توم كوتون الذي سوف يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024. ولقد حذر السيناتور كوتون الرئيس بايدن من مغبة تعيين روبرت مالي في منصبه الجديد، غير أن الرئيس بايدن قد تجاهل هذا التحذير تماماً كما هو واضح.

ومن المتوقع أن يفتح الرئيس بايدن قناة للاتصال مع طهران خلال الأسابيع المقبلة. غير أن هناك فارقاً كبيراً بين الأقوال المعلنة واتخاذ الخطوات الواقعية الملموسة. إذا وافق الرئيس بايدن على برنامج المساعدات المالية لإيران من صندوق النقد الدولي ومن أوروبا من دون أي خطوات واضحة من جانب إيران، فسوف يلقى موجة حادة وعارمة من الانتقادات من كلا الحزبين الكبيرين في الكونغرس.

من المعروف أن الرؤساء الجدد كافة يفقدون نفوذهم وزخمهم السياسي مع مرور الوقت، غير أن الرئيس بايدن يخاطر بتراجع سريع للغاية في نفوذه ومخاطر جمة على أجندته السياسية الداخلية إن بدا ضعيفاً في مواجهة إيران.

الشرق الأوسط

—————————

هل ينام السوريون أربع سنوات؟/ مر قدور

كأنما هناك جبهة من الساسة والخبراء الأمريكيين تتطوع “على الأقل” بإسداء النصائح لبايدن في الشأن السوري، العنوان العريض هو فشل إدارتي أوباما وترامب في إدارته، وهذا يلاقي آراء كثر من المتابعين في العالم، لكنه يُفترض أن يلاقي أولاً توجهات سيد البيت الأبيض. أصحاب البضاعة الجديدة، من أمثال روبرت فورد وهراير باليان وجيفري فيلتمان، لا يقدّمون ضمانة لنجاح طروحاتهم، هم ينطلقون من حوالى عقد ضائع في سياسة أمريكية فاشلة، وبناء عليه لا خسارة في القول: لنجرّبْ ونرَ.

الشأن السوري كما نعلم غير موجود في أولويات إدارة بايدن، ولم تعين “وقد لا تعين في المدى المنظور” مبعوثاً خاصاً بسوريا، في دلالة على عدم إبداء اهتمام خاص وأيضاً على عدم وجود سياسة خاصة ناضجة. في المقابل، يظهر الملف الإيراني مستعجلاً مع تكثيف طهران خطواتها التي تقرّبها من امتلاك سلاح نووي، أما العلاقة مع موسكو فهي بطبيعة الحال ضمن مشاغل أية إدارة؛ سلباً أو إيجاباً أو الاثنين معاً.

ينطلق ناصحو بايدن في الشأن السوري من واقع عدم امتلاك واشنطن سلاحاً مؤثراً سوى العقوبات، وهي مستخدمة الآن بمثابة عصا، بينما يجب استخدامها على نحو إيجابي كجزرة. أي أن على الإدارة الأمريكية التوجه إلى بشار ومقايضته، وكل “تنازل” من قبله “كوقف إطلاق النار وإطلاق سراح معتقلين وبعض الإصلاحات السياسية” يُقابل بإزالة عقوبات. لا حديث عن محاسبة الأسد على جرائمه، إذ مرة أخرى باسم الواقعية السياسية لا تملك واشنطن أمر محاسبته بينما لا تملك نفوذاً عليه أسوة بموسكو وطهران.

كما نرى، تبني الواقعية السياسية المذكورة على الأخطاء السابقة لإدارتي أوباما وترامب، لسان حالها “ما حدث قد حدث” ولا تستطيع إدارة بايدن استدراك تلك الأخطاء. تالياً، أي نهج تجربه الإدارة الحالية، مع التشديد مع قبل الناصحين به “ومن قبلنا أيضاً” على أنه غير مضمون النتائج، بل من المستبعد تجاوب بشار معه، ستأتي إدارة مقبلة لتبني عليه أيضاً. إننا نتجاوز النظر إلى السوريين كفأر تجارب، لنصل إلى فهم غريب للواقعية السياسية بوصفها تراكماً لأخطاء التجريب الأمريكية، تحديداً في الجزء من السياسات الخارجية الذي لا يعتبر مؤثراً في الأمن القومي.

التنبؤ بفشل الطروحات الحالية لا يحتاج نباهة خاصة، ويُفترض بمن تولوا مناصب لصيقة بشؤون المنطقة مثل فورد وفيلتمان، أو مثل هراير باليان الذي يملك خبرة من عمله في برنامج تسوية النزاعات في مركز كارتر، أن يروا احتمالات الفشل قبل النجاح. لدينا أولاً نماذج عن عدم تأثير العقوبات الاقتصادية فيما خص تغيير سلوك الأنظمة، إيران وروسيا وكوريا الجنوبية وإلى وقت قريب كوبا والعراق، هذه كلها تدلل على سطحية التعويل على العقوبات كسلاح وحيد. بشار، الذي رفض تقديم أدنى تنازل عندما شارف على السقوط عسكرياً، لن يقدم التنازلات نفسها وقد نجا، إذا كان يملك حقاً اتخاذ قرار على هذا المستوى.

لن يكون بايدن استئنافاً لأوباما حتى إذا رغب في ذلك، ففي مفاوضات النووي لن تكون سوريا جائزة لطهران فوق الطاولة أو تحتها. لقد أعطاها أوباما الجائزة أثناء المفاوضات الأولى، وانتشرت الميليشيات الشيعية في عرض البلاد وطولها من دون نجاح نهائي، لتاتي موسكو بقواتها وتتقاسم معها النجاح في استعادة السيطرة على ثلثي البلاد. ليست واشنطن اليوم في موقع من يوزع حصص النفوذ بين موسكو وطهران في سوريا، وتراجعها عن مطلب ترامب بانسحاب إيران من سوريا لن يحدث فرقاً في الواقع.

الجائزة قد تُعطى لطهران في لبنان، بإنقاذه من الأزمات الحالية مع الاعتراف بهيمنة حزب الله وهيمنتها من خلفه، ومن خلالها يسترجع الأسد نافذته للالتفاف على العقوبات، ما يعزز عدم تجاوبه مع عروض أمريكية بتخفيف العقوبات عنه لقاء تنازلات غير أساسية. إلا أن التحايل على العقوبات لن يحل الأزمة الاقتصادية لبشار، لأنها أزمة بنيوية لاقتصاد منهار ومدمر، والأهم أنه محروم من جزء كبير من المصادر الطبيعية مثل النفط والمزروعات والمياه، إذا بقيت خريطة السيطرة الحالية التي يحظى فيها بثلثي الأراضي مقابل ثلث الثروات تقريباً.

لا يبدو مطروحاً للنقاش حتى الآن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وما يستتبعه من بقاء القوات التركية، وهنا ورقة الضغط التي تمسك بها واشنطن في انتظار تسوية نهائية للقضية السورية. الانسحاب لم يكن مطروحاً على أجندة الجمهوريين، باستثناء ترامب، وكتلة كبيرة من الديموقراطيين لا تؤيده، بل هناك كتلة منهم ترغب في تقديم دعم أقوى لقسد. حتى السماح لقسد بالتجارة مع الأسد قد يخفف من الخناق على مناطق سيطرته، بتوفير النفط والحبوب مثلاً، إلا أن العائد المالي سيكون لمصلحة قسد وتعزيز سيطرتها على المنطقة، ما يرسخ القسمة القائمة.

كان وزير خارجية بايدن قد أثار بعض الآمال بحديثه عن خطأ أوباما عندما لم يعاقب الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي، لكن تلك الإشارة العابرة لا تنطوي حتماً على توجه الوزير شخصياً تجاه الشأن السوري بقدر ما يراه إساءة إلى بلاده كقوة عظمى تضع خطاً أحمر ثم تتجاهل الدوس عليه. مع إضافة نواب وموظفين كبار إلى جانب الوزير، مثل ويندي شيرمان وروبرت مالي وبريت ماكغورك، تتبدد شبهة الأمل بالوزير نفسه، خاصة إذا كان الرئيس أقرب إلى تصورات أولئك الموظفين.

وجود هذا الطاقم هو ما يشجع فورد وفيلتمان وغيرهما على طرح مقاربات غير جذرية أصلاً، ومع رؤية حظوظها الهزيلة من النجاح تكون جدواها في مكان آخر تماماً؛ هي في تنحية مبدأ المحاسبة نهائياً وتمهيد الطريق للتطبيع مع الجريمة الأسدية. أفضل تحقق لما يريده هؤلاء لا يعني سوى السير في عملية بطيئة جداً، عملية لا تكفي ولاية بايدن للانتهاء من صعوبتها ومماطلة الطرف الآخر فيها. ربما، على السوريين النوم لأربع سنوات مقبلة، قبل التساؤل عن جديد أمريكي. 

المدن

————————–

مبعوث أمريكي سابق: أوباما لم يتدخل في سوريا رغم وعيده للأسد بسبب صفقة مع إيران.. وهذا ما يحتاجه بايدن/ إبراهيم درويش

تساءل المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا والزميل في المجلس الأطلنطي فردريك سي هوف بمقال نشره على موقع المجلس عن الوجهة التي ستتجه فيها سوريا تحت إدارة الرئيس جوزيف بايدن.

وذكر في البداية أن الشهر المقبل سيشهد الذكرى العاشرة على انطلاق التظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح وقرار الرئيس بشار الأسد شن حرب عليها. وهو قرار أنتج أزمة لاجئين تدفقوا على أوروبا وغيروا سياستها بطريقة أفرحت روسيا. وأدى قراره إلى تدمير الدولة السورية وإلى ردود فعل أمريكية عمقت من الأزمة وأثرت على مصداقية أمريكا ليس في داخل سوريا ولكن أبعد منها.

وعلى الإدارة الأمريكية الجديدة الآن التعامل مع المشكلة المستعصية فما هي فاعلة؟ وربما كان الموقف الافتراضي لبايدن وفريقه هو محاولة إدارة الفوضى. وحتى نكون منصفين فإرث سوريا من إدارة دونالد ترامب لم يكن مسموما كذلك الذي ورثته عن إدارة باراك أوباما. ولأن الرئيس أوباما كان حريصا على عقد صفقة مع حليف الأسد الإقليمي، إيران فقد رفض وبشكل مستمر أن يحرك ساكنا ويعاقب الأسد على المجازر التي ارتكبها ضد المدنيين كوسيلة للحفاظ على السلطة في دمشق. ولم تتحرك الإدارة حتى عندما قررت إرسال قواتها وطائراتها لمحاربة تنظيم الدولة في العراق وشمال سوريا. بل ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” رسالة من أوباما إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية يؤكد له أن العمليات الأمريكية في سوريا لن تطال وكيله في دمشق.

وبعد انهيار الخط الأحمر الذي أعلن عنه أوباما في 2013 شعر الأسد بالجرأة لكي يستخدم الشيك المفتوح الذي حصل عليه. وقامت إدارة ترامب باللجوء إلى العمليات العسكرية مرتين لمعاقبة نظام الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، مما أثبت خطأ أطروحة باراك اوباما أن معاقبة الأسد ومحاولة احتوائه لن تقود إلا إلى الغزو والاحتلال.

بل وثبت عدم صحة “الانزلاق” الذي يقود للتصعيد عندما تم التصدي لهجوم روسي في غرب نهر الفرات. وصعدت إدارة ترامب من الحرب ضد تنظيم الدولة بدرجة أدت لحرمانه من معاقله المادية و”خلافته”. وتم تخريب هذا الإنجاز بسبب السياسة السيئة التي انتهجتها ادارة ترامب وقبلها إدارة أوباما. فالقرار الطائش الذي اتخذته إدارة أوباما للتشارك مع الفرع السوري الكردي لحزب العمال الكردستاني، بي كي كي نفر تركيا وأطال من أمد المواجهة ضد تنظيم الدولة. وتعاملت مع ميليشيا بدلا من مقاتلين محترفين في الحرب ضد التطرف. ثم جاءت مكالمة ترامب العرضية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التي تخلى فيها عن الأكراد. وفي الوقت نفسه ناقش المسؤولون أن أمريكا لا تستطيع التعامل مع مرحلة ما بعد المواجهات مع تنظيم الدولة وتحقيق الإستقرار في المناطق المحررة. ومن هنا ستجد إدارة بايدن التي وصلت إلى السلطة بعد اسبوعين من تمرد مسلح ضد الكونغرس مع حزمة من التحديات النابعة من آثار فيروس كورونا صعوبة في جعل سوريا مركز عملياتها الأهم. وتحاول الأطراف التي تريد تعزيز فرصها السياسية بمن فيها نظام الديكتاتور السوري نفسه الإستفادة من انشغالات الإدارة. ويناقش نظام الأسد وبشكل مستمر أن العقوبات الأمريكية، لا فساده ووحشيته وعقمه هي السبب وراء فشل الإقتصادي السوري.  ويدعم مركز كارتر هذا النهج ويقوم بمضاعفة جهوده لرفع العقوبات عن سوريا والتعامل التدريجي مع نظام الأسد، كما بدا في مقال رأي نشر في 2018 بصحيفة “نيويورك تايمز”، مع أن الأسد هو أكبر مجرم حرب في القرن الحادي والعشرين حتى هذا الوقت. وعلى إدارة بايدن مراجعة العقوبات المفروضة على رجال النظام ومؤسساته والتأكد من أي شيء تقوم بعمله وحتى لو كان صغيرا لا يزيد من معاناة الشعب السوري ويطيل أمد الحكم الفاسد. ويرى هوف أن العقوبات تكون أحيانا وسائل واضحة تؤدي إلى آثار غير مقصودة ولكن لا حاجة لأن تستمع الإدارة الجديدة لتعليمات من أطراف تحاول تقوية الطرف الرئيسي الذي دمر سوريا.  ومن هنا فستظل سوريا في ظل إدارة بايدن بعيدة عن الإهتمامات الرئيسية أو خارج مطبخ السياسة.

وستواصل عوضا عن هذا بتقديم الدعم الإنساني للاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المناطق غير الخاضعة للنظام. وقد يتغير هذا لو تحدت روسيا أو أي من المساعدين للنظام أمريكا عسكريا، وعندها تتغير الحسابات. وبالتأكيد يجب التركيز على تقديم الدعم، وهذا ينسحب على الشركاء لكل السوريين بعيدا عن أماكن إقامتهم. وكما اكتشفت الأمم المتحدة سابقا فمحاولة توفير الدعم للسوريين في مناطق النظام صعب نظرا لحاشية النظام التي حاولت إثراء نفسها من خلال الحصول على عقود لتوفير الدعم.

وعلى مستويات العمليات وما يجب أن تعمله الإدارة في شمال- شرق سوريا حيث تشترك القوات الأمريكية مع المقاتلين المحليين لمواجهة تنظيم الدولة، فالمراجعة الداخلية مهمة جدا.  واقترح دبلوماسي أمريكي سابق تسليم مهمة مكافحة تنظيم الدولة إلى الروس والنظام السوري مع المناطق المحررة من تنظيم الدولة في شمال- شرق سوريا. ويصلي تنظيم الدولة الباحث عن طرق للعودة بأن تقبل واشنطن النصيحة. فهم يعرفون أن الخلافة لم تكن لتظهر لولا سوء إدارة الاسد في سوريا ورئيس الوزراء نوري المالكي في العراق. وتساءل الكاتب عن البلد الذي ساهم في إحلال الإستقرار في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وعدم قدرته اليوم للعمل مع السوريين والشركاء الدوليين لتقوية نظام حكم محلي في شمال – شرق سوريا يكون بديلا عن نظام الأسد. ويجب على وزارتي الدفاع والخارجية التي لها رأي في وكالة التنمية الدولية مراجعة الوضع. لكن أي قرار في شمال – شرق سوريا يجب أن يتجنب النتائج الكارثية في العراق وليبيا. ويجب ألا يحكم الأكراد العرب في سوريا، وبنفس المقام يجب ألا يحكم الأتراك الأكراد. لكن النظام الوحشي في سوريا ظل يذكر الأقليات وحتى الغالبية السنية أن البديل عن نظام العائلة الوحشي سيكون نظام أكثر قسوة بقيادة تنظيم الدولة. وهنا يتساءل الكاتب إن كانت منطقة شمال- شرق سوريا هي المكان لإظهار خطأ المعتذرين عن النظام؟ ويجيب أن يظل إجراء نقل للسلطة الهدف الأهم للسياسة، لكن هذا لن يحدث سريعا. إلا أن سوريا في ظل الأسد وحاشيته لن تكون أقل من كونها تهديدا للسلام، وستظل شرا على جيرانها وداعمة للتطرف الإسلامي والإرهاب ومنصة للهيمنة الإيرانية.

وفي ظل الأسد ستظل سوريا تفرغ نفسها حتى حالة انهالت أموال الإعمار على النظام. ولا حل سريع في سوريا والأخطر من هذا هو الإعتراف بانتصار الأسد. ومن المهم مواصلة دعم جهود المبعوث الأممي إلى سوريا والإلتزام بالبيان الختامي لمجموعة العمل السورية حول نقل السلطة في 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254. ويجب مضاعفة جهود محاسبة الأسد والمرتبطين به كما أوصت مجموعة دعم سوريا في 2019 والتحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا. وعلى الإدارة الحالية الإلتزام بالتحرك عسكريا ومعاقبة أي عملية للنظام ضد المدنيين. وكان النظام والمحامون عنه في طريقهم للخروج عام 2013 عندما شطب أوباما خطه الأحمر. وعبر المسؤولون السابقون عن ندمهم بشأن سياسات أوباما من سوريا.

وسيتم امتحان مصداقيتهم حالة استأنف النظام علمياته ضد المدنيين، سواء كانت بالسلاح الكيماوي أم بالبراميل المتفجرة أو أي شيء آخر في ترسانته. وكانت تحركات أمريكا في سوريا وصمتها دليلا لأعدائها حول الكيفية التي يدفعون بها لتحقيق أهدافهم في أوكرانيا وغيرها. وبعد مرور عشرة أعوام ربما سرى شعور أن السياسة الأمريكية السيئة قد جعلت من الإنضباط والتفكير وتحديد الأهداف أمرا لا قيمة له. ولكن نظام الأسد لا يحضر لإفراغ سجونه والترحيب باللاجئين أو التشارك بالسلطة بل وينتظر بفارغ الصبر استسلام الغرب. ويجب على إدارة بايدن تجنب تغيير النظام العنيف سوريا ولكن عليها لا تتعايش معه أبدا.

القدس العربي

——————————-

بايدن بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى/ هشام ملحم

الخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري عميقة، ووصل التنافس بين الحزبين خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب إلى مرحلة العداء المفتوح، كما يتبين من الخلاف المستمر حول الانتخابات الرئاسية حيث ترفض أكثرية من الجمهوريين الاعتراف بشرعية انتخاب الرئيس جو بايدن، ولا تزال تصدق ما يسمى “بالكذبة الكبرى” والتي تدعي أن الديمقراطيين سرقوا الرئاسة من ترامب. هذا الادعاء هو في جوهر اجتياح الكابيتول من قبل عناصر متطرفة وعنصرية موالية بشكل أعمى للرئيس السابق. ولكن هناك قضية خارجية يلتقي حولها معظم قادة الحزبين، وهي أن الصين تشكل المنافس الأكبر، ومصدر التهديد الحقيقي والاقتصادي بالدرجة الاولى للولايات المتحدة، كما أنها القوة العسكرية الصاعدة في شرق آسيا والتي تهدد مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في تلك المنطقة ومصالح أصدقائها.

بروز الصين كقوة اقتصادية منافسة للولايات المتحدة، اكتسب أهمية متزايدة بعد أن تخطت الصين الاقتصاد الياباني، لتصبح الاقتصاد الثاني في العالم بعد اقتصاد الولايات المتحدة. في العقود الماضية أصبحت الصين شريكا اقتصاديا ضخما للولايات المتحدة التي بدأت تستورد كميات كبيرة من منتجات الصين الرخيصة نسبيا والتي كان المستهلك الأميركي يقبل عليها بنهم كبير. وبعد أن أصبحت العولمة الاقتصادية حقيقة لا يمكن تجاهلها، وما صاحب ذلك من هجرة الكثير من الصناعات في الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة إلى أسواق الدول ذات العمالة الرخيصة نسبيا مثل الصين والهند وغيرها، ازدادت علاقات الاعتماد المتبادل بين أسواق الولايات المتحدة والصين إلى مرحلة متقدمة وغير معهودة في العلاقات الاقتصادية بين أي دولتين في السابق.  الولايات المتحدة تقترض من المصارف الصينية، وتعتمد على صناعاتها الرخيصة الثمن، بينما تستورد الصين الطائرات الأميركية المدنية وغيرها من المنتجات الأميركية المتطورة، والمنتجات الزراعية الأميركية. وهكذا أصبح مستقبل هذه العلاقات المعقدة بين الصين والولايات المتحدة مسألة تهم المزارع الأميركي في الولايات الزراعية الهامة في الانتخابات الأميركية، كما تهم المستهلك الأميركي الذي يعيش في المدن ويعتمد على منتجات الصين.

خلال جائحة كورونا، اكتشف العديد من الأميركيين أن بلادهم، على الرغم من تقدمها العلمي والطبي والصناعي، تستورد الكثير من الأدوية – وغيرها من المواد الهامة والحساسة – التي يستهلكها المجتمع الأميركي من الخارج. ومنذ أن بدأ التبادل التجاري بين البلدين بالنمو بوتيرة سريعة، بدأت الحكومات الأميركية المتعاقبة من جمهورية وديموقراطية تشكو من الممارسات التجارية السلبية للصين، بدءا من تخفيض العملة الصينية ومرورا بإجراءات الحماية وانتهاء بالشكوى من انتهاكات الصين السافرة للملكية الفكرية، ولجوئها إلى الهندسة العكسية لسرقة الاختراعات الأميركية.

الرئيس السابق ترامب استخدم سياسة الجزرة والعصى مع الصين، وفي كلا الحالتين واجه خصما صعبا لا تؤثر فيه العقوبات الأميركية بشكل جذري كما تؤثر بخصوم آخرين مثل روسيا وإيران. وفي النصف الثاني من ولايته اضطر ترامب إلى فرض عقوبات اقتصادية هامة ضد الصين الذي يحكمها صديقه السابق جي شينغ بينغ.

مواجهة الصين سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا، كانت الهاجس الأساسي للرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب، وسوف يرث الرئيس جو بايدن هذا الهاجس خلال السنوات الأربعة المقبلة. الرئيس أوباما الذي حاول في ولايته الأولى معالجة بعض أزمات الشرق الأوسط القديمة وفي طليعتها النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، والانسحاب العسكري من العراق، قبل أن يركز اهتمامه الرئيسي على معالجة التحدي الصيني، أخفق في تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، ونجح مؤقتا في العراق حين سحب القوات الأميركية عام 2011. ولكن موسم الانتفاضات العربية، والائتلاف الجوي الذي اضطر أوباما لقيادته للمساهمة في إسقاط طغيان معمر القذافي في ليبيا، ولاحقا بروز ظاهرة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، سحبته من جديد إلى الرمال المتحركة في الشرق الأوسط، وحرمته من التركيز على ما أسماه “التحول باتجاه آسيا”، وتحديدا التحول لمواجهة الصين.

تبين مختلف المؤشرات الصادرة عن إدارة الرئيس بايدن الجديدة، وخاصة التعيينات المكثفة في المناصب المعنية بشرق آسيا والصين، أن بايدن وفريقه سوف يركزون اهتماماتهم وطاقاتهم على منطقة شرق آسيا لأنها المنطقة الجغرافية الأكثر أهمية للاقتصاد الأميركي في العالم، وهي المنطقة التي تعتبرها الصين حديقتها الخلفية، والتي تحاول في السنوات الماضية تعزيز نفوذها العسكري، من خلال الاستيلاء على جزر متنازع عليها وتحويلها إلى قواعد عسكرية، وتعزيز نفوذها الاقتصادي من خلال زيادة اعتماد بعض دول المنطقة على مساعداتها الاقتصادية والتقنية.

حاول الرئيس السابق ترامب إنهاء ما كان يسميه “الحروب التي لا نهاية لها” في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ولكنه لم يحقق هدفه بشكل كامل وإن أفلح في تخفيض عديد القوات الأميركية في سوريا والعراق وأفغانستان، وفي سحبها من الصومال. خلال العقد الماضي، حققت الولايات المتحدة استقلالها النفطي عن الشرق الأوسط، بعد أن تحولت إلى أكبر منتج للنفط في العالم، حيث تنتج حاليا 19 مليون برميل من النفط يوميا. وهناك إرهاق أميركي – في الكونغرس وفي المجتمع ككل- من مواصلة أطول حربين في تاريخ الولايات المتحدة، في أفغانستان والعراق.

الانتشار العسكري الأميركي الكثيف في منطقة الشرق الأوسط لم يعد مبررا استراتيجيا او ماليا. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة سوف تنسحب كليا – أو يجب أن تنسحب كليا – من المنطقة، لأن ذلك سيخلق فراغا أمنيا ستسارع روسيا وبعض الدول الإقليمية الطموحة إلى ملئه كما رأينا في سوريا التي تحولت إلى ساحة اقتتال بين دول مثل روسيا وإيران وإسرائيل وتركيا، إما بشكل مباشر أو بالوكالة، وكما رأينا في ليبيا.

وكان من اللافت أن إدارة الرئيس بايدن طالبت روسيا وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تتقاتل فيما بينها بشكل مباشر أو عبر قوات مرتزقة فوق أرض ليبيا منذ سنوات، بالانسحاب من ليبيا. ولكن ما هو ضروري هو أن تتوقف واشنطن عن معاملة “حلفائها” القدامى بمن فيهم إسرائيل والسعودية ومصر وتركيا وكأنها ترتبط بهم بعلاقات خاصة. من الأفضل للولايات المتحدة أن تكون لها علاقات طبيعية مع هذه الدول وليس أكثر، وأن تتوفر لها قدرات عسكرية كافية للدفاع عن مصالحها إذا تعرضت للتهديد، ولكن ليس للتدخل في نزاعات لا تهدد أمنها القومي بشكل مباشر.

وسوف يكون من الصعب على إدارة الرئيس بايدن في السنوات المقبلة تبرير وجود عسكري أميركي في سوريا والعراق والكويت والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. تركيز الاهتمام السياسي والاقتصادي والاستراتيجي على منطقة شرق آسيا سوف يؤدي بالضرورة إلى تقليص الانتشار العسكري في الشرق الأوسط. التحالفات الجديدة في المنطقة بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات والبحرين، والتعاون والتنسيق الضمني بين إسرائيل والسعودية، وما تشكله هذه الدول من كتلة واحدة في مواجهة إيران من جهة وتحالف سني يشمل تركيا وقطر وتنظيمات إسلامية في المنطقة من جهة أخرى، هذه التحالفات مبنية على توقع تقليص الانتشار العسكري الأميركي وحتى الاهتمام السياسي بالشرق الأوسط. هذه الدول تسعى الآن إلى حماية مصالحها ومواجهة خصومها، لأنها لا تستطيع الاعتماد في المستقبل على الغطاء أو الحماية الأميركية. تقليص الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا هو خطوة ضرورية سوف يرحب بها الأميركيون الذين أرهقهم تهور رؤسائهم في منطقة تهدر ثرواتها على نزاعات مستعصية على الحل، ويحكمها قادة متسلطون ولا يخضعون إلى المحاسبة والمسائلة.

التحوّل الأميركي تجاه شرق آسيا لمواجهة الصين، يمثل سياسة عقلانية وضرورية لمستقبل أميركا الاقتصادي والاستراتيجي. وتجربة الولايات المتحدة المرّة خلال العقدين الماضيين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا: حربان كارثيتان اختارهما بتهور الرئيس الأسبق جورج بوش، وأديا إلى خسائر بشرية ومالية كبيرة ناهيك عن الأضرار المعنوية التي لحقت بسمعة ومكانة أميركا في العالم، يجب أن تضع حدا نهائيا لأي تدخل عسكري كبير في المنطقة إلا إذا كان للدفاع عن النفس.

التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط تقول لنا بوضوح إن دول المنطقة تحضر لما تراه بداية النهاية للحّظة الأميركية الكبيرة في الشرق الأوسط. لقد آن الاوان لكي تضع أميركا منطقة الشرق الأوسط في مرآتها الخلفية.

الحرة

———————————-

صحيفة عبرية: كيف تبدو عودة بايدن للاتفاق النووي الإيراني تهديداً وجودياً لإسرائيل؟

تقف إسرائيل أمام تهديد واحد قد يتطور إلى حجوم وجودية: التهديد الإيراني، وهو الآن تحت السيطرة مع ضعف إيران بعد فرض العقوبات، وقمع تطوره في سوريا في حرب وقائية محدودة، وفي ردع توسيع المواجهة بسبب تصميم إسرائيل والولايات المتحدة.

تسعى إدارة بايدن إلى اتفاق مع إيران يسقط عناصر مهمة من هذه المعادلة، فيما سترفض إيران اتفاقاً يقيد فرض هيمنتها في المنطقة ويمس بقدراتها الباليستية والنووية على مدى الزمن.

واستعادة مبادئ الاتفاق السابق أو تحسينه في الهوامش سيعرض إسرائيل ودولاً عربية في الخليج وما وراءه للخطر. تجري “لعبة مجموعها صفر” بين النظام القائم في إيران من جهة، وإسرائيل وهؤلاء العرب من جهة أخرى. وإن أي اتفاق قد يتحقق بين بايدن وخامينئي سيمس بالضرورة باحتياجات إسرائيل الحيوية واحتياجات أنظمة عربية في المعسكر الأمريكي.

إن مزايا التهديد الإيراني معروفة لمن يراجع الصورة الاستراتيجية بكاملها، وأساسه في محاولة فرض هيمنة القوة العظمى الإسلامية القوية والراديكالية هذه على الشرق الأوسط، على حساب دول عربية ضعيفة وفي بعضها لا تؤدي مهامها. لا تستوعب إيران سيطرة مثل هذه الهيمنة، وبالتأكيد ليس احتلالاً: لا تريد إيران أن تتحمل مسؤولية الأزمات البنيوية للعرب في دولهم الفاشلة، بل هي معنية بتجنيد سيطرتها على المقدرات الهائلة في المنطقة، مثل مقدرات الطاقة، والمفترقات الاقتصادية والاستراتيجية التي تنطوي على الموقع الجغرافي – الاستراتيجي لهذه الدول، والمعنى الإسلامي لمكة والمدينة. لقد سبق لإيران أن أثبتت قدرتها على السعي إلى مثل هذه الهيمنة في ضوء موازين القوى الإقليمية، من خلال سياسة ذكية وناجعة لتجنيد المبعوثين، إذا ما عطلت المعارضة القاطعة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل. والاتفاق الذي جرى في عهد أوباما كان قد عطل أساس المعارضة الأمريكية. وتأمل إيران في تعطيل قسم مهم من نجاعة المعارضة الإسرائيلية، من خلال استئناف الاتفاق في عهد بايدن.

المهم هو الهيمنة. تجنيد مقدرات المنطقة لخدمتها سيجعل إيران قوة عظمى أهم بكثير وتتجاوز حدود الشرق الأوسط، بحكم قدرتها على تهديد أوروبا المنبطحة. وستسمح لها مثل هذه الهيمنة بأن تشكل تهديداً ذا أبعاد وجودية على إسرائيل، إذا ما رفعت قدراتها وقدرات فروعها الراديكاليين لإملاء إرادتها في الأردن وسوريا وتشكيل تحدٍ لمصر.

أثبتت إيران قدرات كهذه في خلق أفق من خلال مبعوثيها بينها وبين الحوض الشرقي للبحر المتوسط، على حساب الأنظمة المتفككة في العراق وسوريا ولبنان. فروعها في اليمن تضرب السعودية وتعرض الملاحة في مضائق باب المندب للخطر. لزمن ما نجحت، من خلال السودان، في أن تهدد مصر والملاحة في البحر الأحمر. ويستهدف النووي إعطاء النظام المبادر لهذه الخطوات حصانة من إحباط أمريكي وإسرائيلي لمساعيه.

في اتفاق 2015 أخّر أوباما مساعي التخصيب النووي الإيراني لعقد من الزمان، دون أن يمنع تطوير أجهزة الطرد المركزي، ودون رقابة ناجعة على تطوير السلاح، في ظل تجاهل تطوير وسائل الإطلاق الباليستية، وهكذا سمح لإيران عملياً أن تقيم مكانة في مستوى متدن. في اختبار الاستراتيجية العامة، منح أوباما إيران تسليماً للأمر من حيث الهدف (السعي إلى الهيمنة الإقليمية) بثمن لجم مؤقت وجزئي للأداة النووية التي تستهدف ضمان الحصانة لهذه الهيمنة. يحاول الآن بايدن استئناف هذه الصيغة، على أمل في أن يحسنها قليلاً في هوامشها. ويشخص الإيرانيون حماسته للاتفاق والآفاق المحدودة لفهمه وتوقعاته.

إن طبيعة ممثله الكبير تشهد على نوايا الرئيس: فقد اختار بايدن مبعوثاً مجرباً ولطيف المعشر – روف مالي – مع سجل واضح من العلاقات غير الودية مع إسرائيل ومظاهر التفهم لأعدائها المتطرفين، المعادين للولايات المتحدة أيضاً. في كامب ديفيد 2000 أيد رواية عرفات، عملياً. لو أراد بايدن أن ينال ثقة إسرائيل وحلفائها العرب لكان أعاد النظر.

رئيس الأركان يفهم كل هذا جيداً.

بقلم: دان شيفتن

إسرائيل اليوم 2/2/2021

القدس العربي

——————————

إدارة بايدن تصدم إيران/ إياد الدليمي

سارع الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، إلى تهنئة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، وقال إنه كان يصلي من أجل فوز بايدن بالرئاسة. تصريح يعكس المزاج الإيراني حيال إدارة الرئيس السابق ترامب، والرئيس الحالي بايدن، فقد عاشت إيران أربع سنوات عجاف مع إدارة ترامب، أو هكذا كان يبدو، فترامب انسحب من الاتفاق النووي الذي وقّعه معها سلفه أوباما، وشدّد العقوبات الاقتصادية عليها، ووضع عشرات من الشركات والقادة الإيرانيين على لائحة الإرهاب، في خطواتٍ زادت من حبل الخناق على رقبة إيران التي كانت تعاني أصلاً بسبب برنامجها النووي.

كانت إيران تنظر إلى ترامب أنه الأكثر قسوة في تعامله معها خلال العقدين الماضيين. وعملياً، كانت خطوات ترامب غير المدروسة ذريعة لطهران من أجل خرق الاتفاق النووي الذي وقّع عام 2015، وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%. ناهيك عن أنها وجدت في إدارة ترامب فرصة لزيادة نفوذها في العراق وسورية واليمن ولبنان، حيث قرّر ترامب خفض قوات بلاده في كل من العراق وسورية، ناهيك عن عدم قيامه بأي إجراءات عملية ضد نفوذ إيران المتعاظم في لبنان واليمن.

صحيحٌ أن حدّة التصريحات بين طهران وواشنطن كانت عالية السقف، لكنها في المجمل لم تكن سوى تبادل ناري في الكلام، مع عدم رغبة ترامب في خوض أي صراع في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى خسارته انتخابات الرئاسة. واليوم، وجدت إيران نفسها في مواجهة مع إدارة بايدن الذي كانت تصلي لأجل وصوله إلى البيت الأبيض، فإدارة بايدن الديمقراطية كشّرت عن أنيابها ضد برنامج إيران النووي والبالسيتي، فقد أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن من الأولويات القصوى والمبكرة لإدارة بايدن “التعامل مع أزمة متصاعدة مع إيران، مع اقترابها من الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لامتلاك سلاح نووي”، مشدّداً على أن “إيران باتت أقرب إلى إنتاج قنبلة نووية خلال السنوات الأربع الماضية”.

الأكثر من ذلك تلويح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، بضرب منشآت نووية إيرانية، تبعته زيارة لقائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال كينيث ماكينزي، إلى إسرائيل، حيث بحث مع مسؤوليها استراتيجية التعامل مع الملف النووي الإيراني. وكان قبل توجهه إلى تل أبيب قد زار السعودية، وتفقّد القواعد العسكرية هناك، وتدارس مع المسؤولين فيها خطط إيجاد طرق بديلة لوصول القوات العسكرية بعيداً عن مياه الخليج العربي التي قد تكون غير آمنة. ورافقت كل هذه التحرّكات تصريحات أميركية تشدّد على منع إيران من الحصول على السلاح النووي، معتبرين هذا الأمر مسألة أمن قومي أميركي، ما يعني أن إدارة بايدن الديمقراطية لن تكون أقل حدّة في التعامل مع هذا الملف، ولكنها تبدو الأكثر قدرةً على اتخاذ خطوات عملية يمكن من خلالها كبح جماح طهران من أجل الوصول إلى الحلم النووي.

ترفض إيران اليوم أي تعديل على بنود الاتفاق النووي، وهو رفض يأتي في إطار رفع سقف مطالبها من الإدارة الجديدة التي ستسعى، من أجل كسب بعض الوقت، إلى تنسيق المواقف مع الشركاء الأوروبيين، مع الإبقاء على نبرة التصعيد وحدّة التصريحات الإسرائيلية تحديداً، من أجل زيادة الضغط على إيران، للتفاوض على بنود اتفاق جديد، ينهي مطامع إيران في الحصول على النووي.

على الضفة الأخرى المقابلة لإيران من مياه الخليج، تبدو الدول العربية الخليجية أكثر قدرةً على استيعاب الدرس، فهي، وبعد إتمام المصالحة مع قطر، باتت تسعى إلى أن تكون ممثلةً في أي مفاوضاتٍ مقبلةٍ بين واشنطن وطهران، على الرغم من رفض الأخيرة ذلك، لكنها تدرك جيداً أنه لا يمكن التمسّك بمثل هذه المطالب، خصوصا في حال قرّرت تل أبيب شن ضربةٍ خاطفةٍ على مواقع إيران النووية، والتي لا تبدو مستبعدة، خصوصا بعد ما تردّد عن تعرّض ذلك المفاعل لمثل هذه الضربة قبل أيام.

لا يمكن لإيران، وفقاً لتقديرات خبراء، أن تنتج القنبلة النووية بما لديها من إمكانات، فهي، بحسبهم، تعتبر في المرحلة الثالثة من خمس مراحل لإنتاج القنبلة النووية، لكن تخصيب ما نسبته 20% من اليورانيوم يعتبر مقلقاً. كما أن سرّية البرنامج النووي الإيراني، وما يحيط به من غموض؛ يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بما قد تكون إيران قد وصلت إليه بالفعل. وعموماً، ستجد إيران نفسها مضطرة لقبول الأمر الواقع والتعامل مع إدارة أميركية أكثر قسوة عليها من إدارة ترامب، ولكن بنعومة، فأمن الولايات المتحدة القومي من أمن إسرائيل. وبالتالي، حصول إيران على القنبلة النووية سيعني تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل، وهو ما لا يمكن أن تسمح به واشنطن.

إيران محاصرة، وهي بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لتنفيس حصارها. وبالتالي، يمكن للعبة العصا والجزرة الأميركية، أن تجدي نفعاً معها، خصوصا إذا ما استشعرت إيران بجدّية التهديدات الإسرائيلية، والتي حتماً ستكون مدعومة من إدارة بايدن التي تمنّت طهران، ذات ضيق وحصار؛ أن تدخل البيت الأبيض.

العربي الجديد،

—————————

====================

تحديث 03 شباط 2021

———————-

حضور خجول في أول تعاطٍ للإدارة الأميركية الجديدة مع القضية السورية/ عماد كركص

حضرت القضية السورية لأول مرة بشكل رسمي عند الإدارة الأميركية الجديدة، خلال مباحثات أميركية – تركية، أمس الثلاثاء، تطرقت للأوضاع في إدلب، بعد أن شاب موقف الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن الغموض من سورية وأزمتها المستمرة.

وعلى الرغم من استبعاد بايدن وفريقه التطرق للملف السوري طيلة الحملة الانتخابية وحتى ما بعد نجاحه والوصول إلى البيت الأبيض، إلا أن تعاطي واشنطن مع أنقرة حيال قضايا عدة مشتركة بين الطرفين، سيفرض الملف السوري كمحط اهتمام مشترك بينهما، وربما تختلف نسبة الاهتمام بين الطرفين. 

ونقلت وكالة الأناضول الرسمية التركية، بياناً صادراً عن مكتب المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أمس الثلاثاء، أن الأخير تباحث هاتفياً مع مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأشار البيان، إلى أن المحادثة الهاتفية التي استمرت نحو ساعة، هنأ من خلالها قالن المستشار سوليفان بتوليه منصبه الجديد، وبحث معه العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية.

وأشار البيان إلى أن الجانبين اتفقا على “ضرورة تعزيز مساري الحل السياسي في سورية وليبيا”، إذ شدد قالن على “وجود حاجة لكفاح فاعل ومشترك ضد كافة التنظيمات الإرهابية”، وتطرقا إلى الأوضاع في إدلب، شمال غربي سورية، وأكدا الحاجة إلى “اتخاذ تدابير ملموسة للحيلولة دون حدوث موجة نزوح جديدة من شأنها مفاقمة الأزمة الإنسانية في المنطقة”.

من جهة أخرى، لم يتطرق البيان، الذي صدر عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إميلي هورن، إلى مباحثات قالن- سوليفان، للجزء المتعلق بالحديث عن سورية أو إدلب خلال المكالمة، سوى بالإشارة إلى أن سوليفان أكد رغبة إدارة بايدن في بناء علاقات بناءة بين الولايات المتحدة وتركيا، وتوسيع مجالات التعاون وإدارة الخلافات بشكل فعال، والتشاور عن كثب بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

وسبق هذه المباحثات بيوم تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، نقل فيها إدانة بلاده للهجمات الإرهابية التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي في أعزاز والباب وعفرين وأسفرت عن مقتل 20 مدنيا على الأقل، “بمن فيهم أطفال”، مقدماً التعازي لضحايا القتلى الذين قضوا جراء التفجيرات. 

وأشار المتحدث إلى أن “الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من وتيرة تكرار الهجمات المماثلة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الاستخدام المتكرر للعبوات الناسفة في السيارات”، مؤكداً على وجوب “تقديم المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف إلى العدالة، فأفعالهم تعرض الشعب السوري للخطر وتهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة أكثر”.

كاريكاتير السلام الميت / حجاج

ورغم هذا التعاطي الخجول للإدارة الجديدة في البيت الأبيض مع القضية السورية، إلا أنه يشكل خطوة ربما تزيل التكهنات حول استبعاد الاهتمام الأميركي نحو سورية من أجندتها، ولو من خلال مباحثات مشتركة مع تركيا التي تعد أبرز الفاعلين الإقليميين في سورية سياسياً وعسكرياً، وكان لها شراكة كبيرة مع الإدارة السابقة حيال العديد من الملفات السورية، شرق البلاد وغربها، لا سيما إدلب والتعاطي مع القضية الكردية.

ولا يزال أطراف الصراع في سورية، ينتظرون مواقف أكثر وضوحاً تجاه الأزمة السورية من إدارة الرئيس بايدن، للتعامل على أساسها في العلاقة مع واشنطن، لا سيما المعارضة السورية، التي نسجت خلال الفترة الأخيرة علاقات جيدة مع المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سورية، جويل ريبرون، قبل أن ينتهي عمله مع وصول الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.

وإلى الآن، لم تعمد الإدارة الجديدة لتعيين مبعوث جديد، وسط معلومات تشير إلى أن إدارة بايدن قد تلجأ لإدارة الملف السوري عبر موظف أو سياسي مختص في البيت الأبيض يتبع لمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي. 

وتبقى الأعين متجهة بشكل رئيسي نحو وزير الخارجية الجديد، أنتوني بلينكن، الذي غاب الحديث عن سورية، في تصريحاته، منذ إعلان بايدن ترشيحه لمنصب وزارة الخارجية وحتى الآن.

 وخلال جلسة استماع للأخير في الكونغرس للمصادقة على تعيينه، لم يتطرق بلنكين لتعامل الإدارة مع القضية السورية طوال الجلسة التي استمرت حوالي أربع ساعات قبل نحو أسبوعين، فيما كان الأبرز عدم مناقشة نواب الكونغرس لبلنكين في هذا الشأن خلال الجلسة، ما يزيد من احتمالية تهميش الملف السوري أو تقديم أولويات أخرى عليه ضمن اهتمامات وأجندات إدارة بايدن وسياستها الخارجية. 

ووفق ذلك، فإن مصير “قانون قيصر” للعقوبات على النظام يبقى القاسم المشترك الأكبر، في إطار العلاقة الأميركية مع القضية السورية، وتشكل زيادة مفاعيله أو تخفيفها المستوى الذي ستتعاطى به الإدارة مع الشأن السوري.

وضمن ذلك، لمّح منسق عمل متابعة قانون قيصر في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عبد المجيد بركات، إلى عدم اليقين التام حول تأثير تغيّر الإدارة الأميركية على مستقبل قانون قيصر ومتابعة تنفيذه من قبل الإدارة الأميركية الجديدة”. 

وتشكل مساعي بايدن لإعادة بلاده للاتفاق النووي مع إيران، نقطة هامة في مسار التعاطي الأميركي مع القضية السورية، سيما أن عودة واشنطن للاتفاق مع نوايا بزج أطراف إقليمية عربية ضمن صيغة جديدة له، قد تنعكس بشكل أو بآخر على الوضع السوري، لا سيما خلال المفاوضات مع طهران للعودة إلى الاتفاق، من خلال حل مشكلة الانتشار الإيراني في سورية، بشكل يرضي الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي.

ويُتوقع ألا تكون النتائج إيجابية بالنسبة للمعارضة السورية في هذا الإطار، وما زال يُنتظر تطورات أكثر، وتعاطٍ أوسع من إدارة بايدن حول الشأن السوري في قادم الأيام.

العربي الجديد

————————-

سورية في شعار بايدن “عودة أميركا”/ رانيا مصطفى

يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، وفريقُه، قيادة البيت الأبيض رسمياً في العشرين من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني)، من دون مؤشرات على تغييرات جوهرية في السياسة الأميركية تجاه سورية؛ فشعاره “عودة أميركا” محكومٌ بواقع تعترف فيه واشنطن بأنّها لم تعد المتحكّم الأوحد في عالم رأسمالي بات متعدّد الأقطاب، مع صعود الصين الاقتصادي وحلفائها، وأن على واشنطن أن تستعين بشركاء لتطبيق سياساتها الرأسمالية في العالم، ومنها الشرق الأوسط. على هذا الأساس، كان اتفاق جنيف في العام 2012 بين الرئيسين، الأميركي أوباما، والروسي بوتين، تعترف فيه واشنطن بأن سورية منطقة نفوذ روسي، وأن على الأخيرة أن تقود الحل السياسي بإقرار مرحلة انتقالية، من دون حسم ما إذا كان بشار الأسد سيقودها أم لا.

متغيرات كثيرة جرت لاحقاً، أهمّها التوغل الإيراني في سورية، والذي غضّت عنه موسكو النظر، وواشنطن أيضاً، في مقابل دور المليشيات الإيرانية المفصلي في دعم النظام ومنعه من السقوط. وتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق إلى الشام، وما ترتب على ذلك من تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته، فيما فشلت السياسة الروسية في سورية في اختيار مساراتٍ أخرى تراهن عليها، غير إعادة تدوير نظام الأسد. وقد مكّنت هذه المتغيرات واشنطن من امتلاك أوراق ضغط قويّة تجاه موسكو، عبر سيطرتها على شرق الفرات، حيث تتركّز منابع الطاقة والثروات الزراعية؛ إضافة إلى ورقة العقوبات الأميركية على رجالات النظام السوري، وعلى كل من يدعمه، وفق قانون قيصر، وعرقلة أي مساعٍ روسية لإعادة الإعمار من دون حل سياسي يحقق الشروط الأميركية. لكن فريق بايدن لم يقل الكثير عن سورية سوى مزيد من التشدّد في محاصرة النظام، عدا عن تصريح المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عن عدم شرعية انتخابات الأسد التي يزمع إجراءها العام المقبل.

تميل السياسة الأميركية إلى إعطاء مناطق الإدارة الذاتية بعض الاستقلالية، وعرقلة المساعي الروسية بعودتها إلى حضن النظام. وأربك قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سورية قبل عامين الإدارة الأميركية التي عملت على تجاوزه، عبر الاكتفاء بالسيطرة على الحدود العراقية – السورية، لمراقبة تحرّك المليشيات الإيرانية، وعلى قاعدة التنف على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وعلى حقول النفط والغاز شرق الفرات. لكن هذا الانسحاب غير المدروس ارتبط بسيطرة تركيا على شريط “نبع السلام”، وتمركز روسيا في مواقع القواعد الأميركية المنسحبة، وزاد من وتيرة تواصلها مع قيادات الإدارة الذاتية الكردية والعربية.

تسعى السياسة الأميركية في الفترة الأخيرة إلى المصالحة بين “قوات سورية الديمقراطية” والمجلس الوطني الكردي، وتهدئة مخاوف تركيا، بالعمل على إبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني من الواجهة، وهناك عقد استخراج النفط من حقول شرق دير الزور الذي وقعته شركة دلتا الأميركية مع “مجلس سورية الديمقراطية”. ويصبّ ذلك كله في استمرار دعمها استقلالية الإدارة الذاتية، لكن ضمن صيغة تبقي على مركزية ما في سورية.

تصريحات المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (المستقيل)، جيمس جيفري، أخيرا عن استمرار الدعم الأميركي لتركيا في إدلب، وأن النظام لن يعود إليها، تؤكّد على السياسة الأميركية المتّبعة حيال ملف إدلب، وهي تعزيز مناطق النفوذ منذ مارس/ آذار الماضي، حيث دعمت واشنطن إنزال تركيا جيشها واستخدامه الأسلحة الثقيلة، ومنع تقدم النظام وحلفائه. وعلى الرغم من أن هذا الجيب الحدودي مع تركيا حول إدلب لا تسيطر عليه تركيا تماماً، وهو محكومٌ من هيئة تحرير الشام، المصنّفة إرهابية في القوائم الأميركية والدولية؛ لا يبدو أن محاربة “الهيئة” ضمن أولويات واشنطن، على عكس ما فعلته مع تنظيم حرّاس الدين، الموجود في الشمال السوري؛ فـ”الهيئة” لا تشكل خطراً حالياً خارج سورية، وهي تقوم بما يقوم به النظام من قمع المواطنين، وتتولى مهمة ضبط الجهاديين في المنطقة، ومنهم مهاجرون، كما أن استمرار التوتر مع النظام ومليشيات إيران يشكل استنزافاً لكل الأطراف.

وقد وافقت واشنطن على كلّ اتفاقات التسوية والمصالحة التي قامت بها موسكو مع تركيا، واستعادة سيطرة النظام على مناطق واسعة، بل كانت عرّاب اتفاق الجنوب، برفقة الأردن والإمارات، وبدعم إسرائيلي. وبالتالي هي تدعم السيطرة الروسية على تلك المناطق، وكذلك لا تعارض معظم مسارات الحل الروسي بشأن مؤتمر سوتشي مطلع 2018، ومسار أستانة مع تركيا وإيران، ومسار اللجنة الدستورية، لكنها عارضت الهراء الروسي عن مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق، من دون حل سياسي. ولم تقل معظم التصريحات الأميركية الرسمية بشرط التخلي عن الأسد، بل قالت إن عليه تغيير سلوكه، على الرغم مما ارتكبه من مجازر. تركّز الولايات المتحدة الآن على تقليص الوجود الإيراني في سورية، وتعمل على إضعاف إيران في سورية ولبنان والعراق، والضغط عليها في ما يتعلق بشروط جديدة عن إعادة العمل بالاتفاق النووي، وتريد إرضاء إسرائيل بمنع تشكّل “حزب الله” سورياً في الجنوب، وإرضاء الحلفاء من العرب، الرافضين للنفوذ الإيراني في المنطقة. لكن الدور الإيراني في سورية خدم السياسات الأميركية في تعزيز الطائفية في المنطقة، حيث تتوغل إيران داخل المجتمع السوري في دير الزور ودمشق وحلب؛ وواشنطن لم تمنع مليشيات إيران من المرور على بعد عدة كيلومترات من قاعدة التنف الأميركية.

في المجمل، لا يمكن أن تدعم السياسات الأميركية، مهما تغيّر وجه حكامها، ثورات الشعوب، هي تدعم كل ما يقمعها، من أنظمة ومن تطرّف إسلامي، ومن صراعات طائفية وقومية وغيرها. للنظام دور في هذه السياسات، هو تدمير سورية، وهي تضغط على الحليف الروسي، لكي يؤدي الدور الذي قامت به هي في العراق، أي تحطيم سورية بترسيخ تقسيماتها إلى كانتونات بطابع طائفي أو قومي. هي ليست مؤامرة على سورية، كما يدّعي النظام ومحور المقاومة، بل مؤامرة على مجمل العالم العربي، حيث الخوف من نهوض هذه الشعوب وإسقاط أنظمتها والتقائها في مشتركات قوة. ومن هنا، كان لا بد من نماذج سيئة، كسورية واليمن وليبيا وقبلها العراق ولبنان، لإخافة بقية الشعوب العربية من الثورات ..

لن تخرُج “عودة” بايدن عن هذه السياسات، بل قد تسرّع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي، وربما يُغلق الملف السوري في هذا السياق.

العربي الجديد

————————-

معركة عضّ أصابع بين واشنطن وطهران/ علي العبدالله

انطلقت، مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، رسائل إيرانية، دبلوماسية وسياسية وعسكرية، ردّاً على مواقف أعلنها الرئيس المنتخب، خلال حملته الانتخابية، بشأن الاتفاق النووي وبرنامجها الصاروخي وسياستها الإقليمية، في محاولة لدفعه إلى تغيير مواقفه تحت تأثير التصلّب الإيراني، وفرض تصوّرها للخروج من الجمود الراهن.

انطوت الرسائل السياسية الإيرانية على حجةٍ منطقية تقول إن على من انسحب من الاتفاق العودة إليه أولاً، ورفع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق، دونالد ترامب، كي تعود هي عن الخطوات التي قامت بها ردّاً على الانسحاب الأميركي وإعادة فرض العقوبات، كما انطوت على رفضها إجراء تغيير في الاتفاق. وسعت إلى تعزيز موقفها بالحصول على دعم خارجي، إذ قام وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، بجولة إقليمية شملت أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وروسيا وتركيا، تمخّضت عن حصولها على تأييد روسي وتركي لموقفها. وزادت في الضغط على الإدارة الأميركية الجديدة بالإعلان عن ضيق الوقت المتاح، عبر التلويح بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي في الأسبوع الأخير من شهر فبراير/ شباط الجاري، ومنع المفتشين الدوليين من زيارة المنشآت النووية، ومتابعة تنفيذ قرار مجلس الشورى، القاضي برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%. وأعلنت نصب ألف جهاز طرد مركزي في منشأة نطنز النووية خلال ثلاثة أشهر، وتخصيب 17 كيلوغراماً من اليورانيوم بنسبة 20% في منشأة فوردو، وعن وصول مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى أربعة آلاف كيلوغرام مقارنة بـ300 سابقاً، وعن إدانة رجل الأعمال الإيراني الأميركي، عماد شرقي، بتهم تجسّس غير محدّدة. وقد انضم شرقي إلى ثلاثة مواطنين أميركيين آخرين من أصل إيراني محتجزين في إيران، كما أعدمت أربعة رياضيين إيرانيين على خلفية مشاركتهم في احتجاجات سياسية واجتماعية. وقد صاحبت هذه الرسائل السياسية تحرّكات عسكرية: مناورات في الخليج العربي، تعمدت إطلاق صواريخ قرب حاملة طائرات أميركية موجودة في الخليج، وإطلاق صواريخ بعيدة المدى باتجاه المحيط الهندي وبحر عُمان، وقصف مليشياتها في العراق السفارة الأميركية، والعاصمة السعودية، بالصواريخ.

لم تكن الإدارة الأميركية الجديدة ضد العودة إلى الاتفاق، فقد سبق أن أعلنت أنها ستعود إليه، وهذا ما أكّدته تعييناتها لمسؤولي السياسة الخارجية ومجلس الأمن القومي والمخابرات المركزية والمبعوث الخاص لإيران، أنتوني بلينكن وجايك سوليفان ووليام بيرنز وروبرت مالي، على التوالي، الذين يفضلون اعتماد الدبلوماسية، ولعبوا دوراً بارزاً في إنجاز الاتفاق النووي العتيد. لكنها لا تنوي العودة من دون مراعاة هواجس حلفائها في المنطقة ومخاوفهم، إسرائيل ودول الخليج العربي، الذين شكّلوا حلفاً رافضاً للعودة إلى الاتفاق الحالي، وداعياً إلى اتفاق مطوّر، بحيث ينهي أية فرصة لبناء سلاح نووي إيراني. إسرائيل تذهب بعيداً بالمطالبة بمنع إيران من تخصيب اليورانيوم، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، بقوله: “بمجرّد العودة إلى الاتفاق النووي، يجب أن تكون هناك، في وقت قصير جداً، جولة من المفاوضات من أجل السعي إلى إطالة مدّة القيود على إنتاج إيران المواد الانشطارية، وكذلك لمعالجة أنشطة إيران الإقليمية، من خلال وكلائها في لبنان والعراق وسورية واليمن. هناك كثير من الحديث عن الصواريخ الدقيقة وأشياء أخرى تزعزع استقرار المنطقة، وأفضل طريقةٍ لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة، هي عبر التعامل مع البرنامج النووي”. وهذا عنى عدم الموافقة على المطالب الإيرانية التي قدمتها عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانتشي، والتي انطوت على المطالبة بتنفيذ الاتفاق كاملاً، ومناقشة أي خلافٍ حوله بحضور الدول الموقعة عليه، وعدم ربط الاتفاق بأي ملفٍّ آخر، مثل ملف الصواريخ البالستية أو سياسة إيران الإقليمية، ورفض مشاركة أطراف جديدة في المفاوضات. ما يعني رفض الدعوة الأميركية والفرنسية إلى مشاركة السعودية وإسرائيل فيها.

كان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، قد قال: “إذا اتخذت القرار بالعودة إلى التزاماتها فسيستغرق الأمر بعض الوقت، وثمّة حاجة أيضاً إلى وقتٍ لنتمكّن من تقييم احترامها التزاماتها. نحن بعيدون من ذلك”. وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، في بيان نشره موقع صحيفة بوليتيكو الأميركية، أن العودة إلى الاتفاق النووي ستستغرق وقتاً أطول مما قد يرغب فيه مدافعون عديدون عن هذا الاتفاق. وقال إن إيران لا تزال بعيدة عن الامتثال لمتطلبات الاتفاق النووي، وهناك خطوات عديدة ستحتاج إلى تقييم. وقد عززت الإدارة موقفها السياسي برسائل ردع من خلال إجراء مناورات التمرين المشترك مع القوات الجوية السعودية. وكشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن استعدادات لزيادة قواتها ومعداتها في السعودية خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك نشر “القبة الحديدية”، وشبكات مضادة للصواريخ من صناعة إسرائيلية، فضلاً عن إبرامها؛ وزارة الدفاع، ترتيباً أولياً مع الرياض لاستخدام القواعد الجوية والموانئ البحرية المختلفة، في المناطق الغربية من البلاد؛ وذلك للتعامل مع أي حربٍ مع إيران. هذا بالإضافة إلى التطور الذي حصل بنقل إسرائيل إلى مظلّة الدول التابعة للقوات الأميركية المركزية. زارها قائد هذه القوات، الجنرال كينيث ماكنزي، للاطلاع على الأوضاع وتنسيق العمل، بعد أن غدت ضمن منطقة عمل قواته.

لن تكون العودة إلى الاتفاق سهلة أو قريبة في ضوء جملة عوامل داخلية وإقليمية ودولية، فإيران تستعد لانتخابات رئاسية، تجرى يوم 18 يونيو/ حزيران 2021، وشدّ الحبال بين التيارين، الإصلاحي والمتشدد، على أشده، ما يجعل كل طرفٍ يدفع العملية السياسية نحو أهدافه، فالإصلاحيون مع المرونة لاستثمار العودة إلى الاتفاق في تحسين الوضع الاقتصادي عن طريق تحرير الأموال المجمّدة في الخارج، والعودة إلى تصدير النفط، ما يعزّز فرصهم في الانتخابات. والمتشدّدون، الساعون إلى السيطرة على السلطة الثالثة، كانوا قد سيطروا على مجلسي الشورى وصيانة الدستور، يتطلعون إلى الفوز في الانتخابات الرئاسية، ويعملون على عرقلة خطوات الحكومة، جدّدوا رفض التصديق على لوائح مجموعة العمل المالي (FATF) المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ لأن ذلك سيساعد حكومة الرئيس حسن روحاني في إدارة التجارة الخارجية والتعاملات المصرفية الأجنبية وتحسين موقفها الشعبي، كما يرغبون في قيادة المفاوضات بدعوى قدرتهم على تحصيل شروطٍ أفضل.

لا ترى الإدارة الأميركية وجود فرصة للاتفاق مع حكومةٍ على وشك الرحيل، فضلاً عن تداخل الملف النووي مع توجهها إلى محاصرة الوجود الروسي في الإقليم ومواجهة الصعود الصيني في شرق آسيا وتمدّده في بقية الدول، وما يثيره ذلك من تعارضٍ في النظر إلى الاتفاق النووي مع إيران، وبقية الملفات، حيث تبنت روسيا الموقف الإيراني بالعودة إلى الاتفاق الأصلي؛ ووعدت بإقناع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق للحذو حذوها. والصين وقعت معاهدة تحالف مع إيران مدتها 25 عاما تعهدت فيها باستثمار 400 مليار دولار خلال مدة المعاهدة. وفي المعاهدة بنود تضرّ بالمصالح الأميركية، مثل التنسيق الأمني واستئجار جزر وموانئ إيرانية، وتحويلها إلى قواعد عسكرية. وهذا سيدفعها إلى الضغط على حلفائها العرب والإسرائيليين، لتخفيف تعاونهم مع روسيا والصين في مجالات الدفاع والأمن والفضاء الإلكتروني والذكاء الصناعي والطاقة النووية، والسعي إلى استثمار المعطيات الجديدة؛ حيث إيران اليوم أضعف مما كانت عليه عام 2015، فقد أنهكتها العقوبات الاقتصادية، وحاصرتها تغيرات جيوسياسية في الإقليم، في ضوء التظاهرات الشعبية في العراق ولبنان المندّدة بدورها في البلدين، وإصرار إسرائيل على مواصلة مهاجمة الموارد الإيرانية في سورية، على خلفية اعتبار إخراج إيران منها أولوية، وقيام حلف إسرائيلي خليجي لمواجهتها، واتفاقه على رفض عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق من دون تعديله، ومن دون شمول المفاوضات البرنامج الصاروخي لإيران وتوسّعها الإقليمي.

سيبقى الشد والرخي مستمراً بحدّه الأدنى، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وسيستمر عضّ الأصابع في محاولة كل طرفٍ دفع الطرف الآخر إلى الصراخ أولاً والقبول بشروطه.

العربي الجديد

———————–

إيران وبايدن ولعبة الحافّة/ مروان قبلان

لم تنتظر إيران يومًا واحدًا بعد استلام الرئيس بايدن السلطة، لمحاولة الدفع بملفها النووي إلى رأس أولويات الإدارة الأميركية الجديدة. لذلك شرعت فورا في الضغط لفتح هذا الملف، خشية أن تحول تطورات داخلية وعالمية أخرى انتباه بايدن في اتجاه مختلف، فينسى موضوعها، وهي تئن تحت ضغط أوضاع اقتصادية وصحية صعبة. من هذا الباب، زادت إيران من تحللها من بنود الاتفاق النووي، سواء بإعلان سعيها الى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% أو زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي، أو إعادة العمل بمفاعل آراك، وأخيرا التهديد بطرد المفتشين الدوليين إذا لم تعد إدارة بايدن إلى الاتفاق خلال ثلاثة أسابيع. سعت إيران من ذلك إلى إبلاغ الأميركيين أنها على وشك الوصول إلى الحافة النووية، إذا هم لم يسرعوا بإمساكها، عبر العودة إلى الاتفاق. لكن هذه الاستراتيجية لم تحقق، على ما يبدو، غرضها. وعليه، يمكن تفسير تراجع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، عن شروط كان يتحدث عنها لعودة بلاده إلى التزاماتها النووية، ثم طلبه وساطة أوروبية لإقناع واشنطن بالعودة المتزامنة إلى الاتفاق، فما الذي غير موقفه؟

استبشرت إيران خيرًا بتعيينات إدارة بايدن، إذ تسلم المناصب العليا فيها مسؤولون يعرفهم ظريف جيدا، ويقيم علاقات شخصية وثيقة مع بعضهم. لكن تبين، من جهة ثانية، أن الإدارة الجديدة ليست في عجلة للعودة إلى الاتفاق النووي، ولا تنوي التفريط بالذخيرة الهائلة من العقوبات التي تركها لها ترامب، أملا في انتزاع أكبر تنازلاتٍ ممكنةٍ من إيران. اتضح، فوق ذلك، اهتمام بايدن بالحصول على تعاون الكونغرس في قضايا السياسة الخارجية، فالرجل الذي أمضى معظم عمره في مجلس الشيوخ يسعى إلى رأب الصدوع التي تركها سلفه بين مؤسسات الحكومة. لكن العداء لإيران يبلغ ذروته في الكونغرس ويحظى بإجماع الحزبين، ولا يمكن مثلا تخيل أن يوافق زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ورئيس لجنة الاستخبارات، بوب مينانديز، على رفع العقوبات عن إيران، وهم أصلا من أشد المعارضين لاتفاق 2015. لذلك سيلجأ بايدن، في حال قرّر العودة إلى الاتفاق النووي، إلى إصدار إعفاءات مؤقتة، يمكن تجديدها كل ستة أشهر، ما يترك سيف العقوبات مسلطا على إيران.

النقطة الأخرى المهمة أن إدارة بايدن نفسها تبدو منقسمةً بخصوص التعامل مع إيران، فوزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، يريدان أن تعود إيران إلى التزاماتها النووية أولا، وأن تتأكد واشنطن من ذلك قبل أي حديثٍ عن رفع العقوبات. وبالنسبة لهما، كل ما يمكن أن تقدمه واشنطن خلال هذه المرحلة تفعيل آلية “أنستكس” التي توصل إليها الأوربيون للسماح لإيران ببيع جزء من نفطها مقابل الحصول على مواد طبية وغذائية (سيناريو برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق). كما يريد بلينكن وسوليفان أن تمثل العودة إلى الاتفاق مرحلة أولى للوصول إلى اتفاق جديد، يتضمن برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية، باعتبار أن ذلك شرط حلفاء واشنطن (دول الخليج وإسرائيل) لدعم إحياء الاتفاق. هناك في المقابل طبعا المتحمسون للعودة سريعا إلى الاتفاق داخل إدارة بايدن، ويشمل هؤلاء الأشخاص الذين يعتبرون الاتفاق النووي إنجازهم الدبلوماسي الأكبر أيام إدارة أوباما، وهم رئيس المخابرات المركزية، وليام بيرنز، ونائب وزير الخارجية، ويندي شيرمان، وروبرت مالي الذي تم تعيينه مسؤولا عن الملف الإيراني في وزارة الخارجية.

أخيرا، يرى بعضهم في واشنطن الانتظار حتى إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران، والتي يتوقع أن يفوز بها المحافظون، لإبرام اتفاقٍ مع أصحاب السلطة الحقيقية. وبالنسبة لهم، يفضل أن يكون الاتفاق مع ممثلين عن الحرس الذي يقبض فعليا على سياسة إيران الخارجية والأمنية، ويتوقع أن يدفع بأحد قادته السابقين إلى منصب الرئاسة هذا العام، وأن يتوسّع نفوذه في مرحلة ما بعد خامنئي. ويرى هؤلاء أن لا داعي للقلق من تقديراتٍ (تسهم إيران في تغذيتها) عن قرب حصولها على قنبلة نووية، فإيران تحاول منذ عام 1991 فعل ذلك من دون نجاح حقيقي، وهذا ما يؤكده الأرشيف النووي الإيراني الذي سرقته إسرائيل من قلب طهران عام 2018 وشاركته مع الولايات المتحدة. كل هذه التفاصيل تثير قلق ظريف، وهي التي دفعته، على الأرجح، إلى تغيير تكتيكاته من التهديد بالخروج كليا من الاتفاق إلى طلب وساطة الأوروبيين لتسهيل التواصل مع واشنطن.

العربي الجديد

—————————

تحالف واشنطن وأنقرة: إما أزمة متجددة أو شراكة مستديمة

بدرت من إدارة بايدن نُذر أزمة وشيكة في العلاقة مع أنقرة، تعود أسبابها إلى اختلافات ظرفية وتحولات بنيوية في موازين القوى، لكن مصالح الطرفين المشتركة قد تدفعهما إلى التوافق على أسس جديدة لشراكة مستديمة.

لم تكن علاقات تركيا أردوغان بإدارة ترامب على ما يرام دائمًا. ففي 2018، عندما لم تستجب أنقرة لمطالب واشنطن بالإفراج عن القس الأميركي، أندرو برنسون، الذي سجنته السلطات التركية بانتظار محاكمته بتهمة الاتصال بتنظيمات إرهابية كردية، فرض ترامب عقوبات سريعة على مسؤولين أتراك كبار. وطوال أربع سنوات من عهد الرئيس الأميركي السابق، لم تستطع تركيا إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن دعم الفصائل الكردية السورية، التي تقول أنقرة إنها ليست سوى فرع لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حربًا ضد الدولة التركية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي. وقبل أيام من نهاية ولاية ترامب، لم تتردد إدارته في فرض عقوبات على مؤسسة الصناعة العسكرية التركية، على خلفية شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400. وكانت الولايات المتحدة قبل ذلك، وفي خطوة إنذار أولى، قد أوقفت توريد طائرات إف 35 لتركيا، بالرغم من أن الأخيرة شريكة في صناعة الطائرة، وأنها دفعت ثمن الطائرات المتعاقَد عليها مقدمًا.

ولكن، ولأن ترامب وأردوغان حافظا على علاقة مباشرة، وبدا في سياق هذه العلاقة أحيانًا أن الرئيس الأميركي السابق يتجاوز موقف مؤسسات الأمن والدفاع الأميركية (كما حدث في محاولة ترامب المجهَضة للانسحاب العسكري الكامل من سوريا)، وُلِد انطباع في أوساط مراقبي الشرق الأوسط بأن إدارة ترامب كانت مفضَّلة من صانع القرار التركي.

الآن، وبعد أن انتهت ولاية ترامب في أجواء سياسية عاصفة، وتسلم الديمقراطي، جو بايدن، مقاليد البيت الأبيض، واعدًا بإعادة نظر شاملة في سياسة سلفه الخارجية، تثار أسئلة لا تنتهي حول مستقبل العلاقات الأميركية-التركية. ثمة تحالف عميق الجذور بين الولايات المتحدة وتركيا، يعود إلى نهاية الأربعينات، وإلى التحاق تركيا بعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو). ولكن أسئلة العلاقات الأميركية-التركية لا يثيرها مستقبل هذا التحالف وحسب، بل وبروز تركيا في الأعوام القليلة الماضية قوةً بالغة التأثير في جوارها العربي، وفي البلقان، وجنوب القوقاز، وشرق المتوسط.

فأي مسار يمكن أن تأخذه علاقات أنقرة وواشنطن في ظل إدارة بايدن؟ وما الذي يمكن أن يتركه اتجاه هذه العلاقات من أثر على السياسات الأميركية في محيط تركيا الإقليمي؟

مؤشرات لا تبعث على ارتياح أنقرة

خلال الصيف الماضي، وفي ذروة الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، نُشر شريط تسجيل صوتي لمقابلة بين المرشح، جو بايدن، وعدد من كبار صحفيي النيويورك تايمز. احتوى الشريط على تصريحات بالغة الحدة لبايدن بشأن تركيا، شجب فيها سياسات أردوغان، وقال: إن على الولايات المتحدة تعزيز اتصالاتها بقوى المعارضة التركية والعمل على إطاحة أردوغان. لم يكن ثمة شك في صحة الشريط؛ الأمر الذي أكدته نيويورك تايمز، ولكن تصريحات بايدن فُسِّرت حينها بأنها محاولة منه لكسب ودِّ صحفيين ليبراليين، أو أن بايدن تحدث بوحي اللحظة، دون أن يدقق بالضرورة في كلماته. بيد أن الشريط، من وجهة نظر أنقرة، كان أول مؤشر على أن فوز بايدن لن يأتي بكثير من الخير لمستقبل العلاقات بين البلدين. وما إن حُسمت نتائج الانتخابات لصالح بايدن، حتى ازدادت المؤشرات على متاعب جديدة لأنقرة في علاقاتها بحليفتها الغربية الرئيسة.

وقبل أسابيع قليلة من تولي بايدن مقاليد الرئاسة، تسربت تقارير من أنقرة حول قيام الرئاسة التركية بطلب اتصال هاتفي بين أردوغان والرئيس الأميركي المنتخب، ولكن بايدن تجاهل طلب الاتصال التركي. وحتى نهاية يناير/كانون الثاني، لم يكن قد سُجِّل بعدُ أي اتصال مباشر بين الرئيسين، بالرغم من أن بايدن، قبل وبعد بداية رئاسته، سارع إلى إجراء عدد من الاتصالات الهاتفية بقادة عدد من الدول الحليفة، إضافة إلى روسيا. وفي 19 من نفس الشهر، أثناء جلسة استماع مجلس الشيوخ، الخاصة بإقرار ترشيح بايدن تولِّي أنتوني بلينكن وزارة الخارجية، سُئل بلينكن عن تصوره للعلاقات مع تركيا. أجاب وزير الخارجية المرشح في لغة ساخرة بأن “تركيا، التي يقال: إنها شريك استرتيجي”، هي مسألة بالغة الصعوبة. وخلال يومين من توليه منصبه، أجرى بلينكن ما لا يقل عن 20 اتصالًا بنظرائه من وزراء الخارجية في مختلف الدول، بما في ذلك العراق، ولكن لم يكن من بينها اتصال بين بلينكن ووزير الخارجية التركي.

في 28 يناير/كانون الثاني، قال جيك سوليفان، مستشار بايدن للأمن القومي، في جلسة لمركز أبحاث أميركي: إن تركيا باتت مصدر قلق مشترك لأميركا وحلفائها في أوروبا. وفي الوقت نفسه، كان نائب المندوب الأميركي في الأمم المتحدة (لم تكن المرشحة لمنصب المندوب قد أُقِرَّت بعدُ في مجلس الشيوخ)، يتحدث في جلسة لمجلس الأمن الدولي خاصة بالأزمة الليبية. طالب نائب المندوب الأميركي في كلمته روسيا وتركيا بسحب قواتهما من ليبيا، والتوقف عن عسكرة الساحة الليبية. وهذا هو أول موقف أميركي صريح من الدور التركي في ليبيا، الذي أخذ طابع التعاون العسكري والأمني، منذ الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الشرعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

بخلاف هذا الأخير، لم تصدر عن مسؤولي إدارة بايدن، ولا حتى عن الرئيس نفسه، أية توضيحات حول دوافع قلق واشنطن الجديدة من السياسات التركية. ومع ذلك، تشير تصريحات مسؤولي إدارة بايدن إلى أن ثمة رؤية سلبية مسبقة لتركيا، وربما بالغة السلبية، ولكنها لا تقول الكثير حول جذور هذه الرؤية. والمؤكد أن ترشيح بايدن بلينكن لوزارة الخارجية، وجيك سوليفان مستشارًا لمجلس الأمن القومي، وبرت ماكغورك مسؤولًا للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، أطلق أجراس الإنذار في أنقرة حتى قبل تولي بايدن الرئاسة. سيكون لهؤلاء المسؤولين الثلاثة دور مباشر وبالغ التأثير في رسم سياسات الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط وتجاه تركيا. وقد عُرف بلينكن وسوليفان، بعد نهاية إدارة أوباما، بكتاباتهما الناقدة لتركيا وسياساتها الخارجية. كما لعب ماكغورك دورًا رئيسًا، خلال توليه مسؤولية مكافحة الإرهاب في عهد أوباما وحتى استقالته من إدارة ترامب في نهاية 2018، في رسم السياسة الأميركية في سوريا، ودعمها الهائل للفصائل الكردية السورية. بعبارة أخرى، لا تقتصر الرؤية السلبية لعلاقات الدولتين على مسؤولي إدارة بايدن، بل هي أيضًا السمة الرئيسة لتقدير أنقرة لهذه العلاقات منذ ولاية أوباما الثانية على الأقل.

ملفات متراكمة من الخلاف

في مطلع ولايته الأولى، كانت تركيا أولى محطات جولة أوباما الخارجية، حيث اتخذ من إسطنبول منصة لتوجيه كلمة للعالم الإسلامي ومحاولة ترميم علاقة الولايات المتحدة بمسلمي العالم. وقد شهدت علاقات البلدين مزيدًا من الدفء خلال السنوات القليلة التالية، سيما بفعل المقاربة المشتركة للتعامل مع الثورات الشعبية العربية وعملية التحول الديمقراطي التي أطلقتها. ولكن تردد أوباما في لعب دور فعال في مجريات الثورة السورية، منذ بداية ولايته الثانية، وشكوك أنقرة في حقيقة الموقف الأميركي من انقلاب يوليو/تموز 2013 في مصر، بدأت في إحداث نوع من التوتر في العلاقات.

في 2014، فاجأ تنظيم الدولة كافة الأطراف بتوسيع سيطرته في العراق وشرق وشمالي شرق سوريا، وعادت إدارة أوباما للعب دور عسكري في المواجهة مع تنظيم الدولة في العراق وسوريا. ولكن ما عملت عليه إدارة أوباما هذه المرة لم يكن تدخلًا عسكريًّا مباشرًا، تتعهده قوات أميركية، بل إيجاد أدوات محلية، تعمل الولايات المتحدة على تسليحها ودعمها لخوض المعركة ضد تنظيم الدولة. في العراق، أُلقي معظم عبء المواجهة، بدعم أميركي كبير، على الحشد الشعبي. وفي سوريا، وبعد تردد تركيا وحلفائها من الثوار السوريين في تحمل مسؤولية المواجهة، وجدت إدارة أوباما في الفصائل الكردية السورية، ما بات يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكِّل وحدات حماية الشعب الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني عمودها الفقري، الأداة المناسبة، سيما بعد حسم معركة عين العرب (كوباني) في نهاية 2014 وبداية العام التالي.

قبلت تركيا على مضض دورًا لقسد في شرق الفرات، على أساس أن الدعم الأميركي للفصائل الكردية سيظل محدودًا، زمنيًّا وجغرافيًّا. ولكن، وفي ربيع 2016، تدخل أوباما شخصيًّا لدى أردوغان للسماح لقسد بالتحرك غرب الفرات، لتحرير مدينة منبج من تنظيم الدولة، واعدًا بأن تنسحب قوات قسد بمجرد دحر تنظيم الدولة من المنطقة. المشكلة، كما يقول الأتراك، أن أوباما لم يَفِ بوعده، وأن الأميركيين استمروا في حماية ودعم وجود قسد في منبج، بالرغم من عمل القوات الكردية على تغيير البنية الديمغرافية للمنطقة، التي تقطنها أغلبية عربية. استمرار الدعم الأميركي لقسد، ماليًّا وتقنيًّا وتسليحًا، وبصورة كبيرة نسبيًّا، وإحجام الولايات المتحدة عن التدخل لمعادلة التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا منذ خريف 2015، كسر ما تبقى من تفاهمات أميركية-تركية في سوريا.

وفي يوليو/تموز 2016، حين شهدت تركيا محاولة انقلابية، قادتها عناصر موالية لجماعة غولن في القوات المسلحة التركية، وجد الأتراك أن الأميركيين، حتى وإن لم يكونوا خلف المحاولة الانقلابية، عرفوا بها قبل وقوعها، دون أن يبلغوا نظراءهم الأتراك. ما فاقم من الشكوك في أنقرة، كان رفض إدارة أوباما التعامل مع الطلب التركي بتسليم غولن، المقيم في بنسلفانيا الأميركية، لسلطات بلاده. بعبارة أخرى، عندما انتهت ولاية أوباما الثانية في يناير/كانون الثاني 2017، كانت العلاقات الأميركية-التركية قد وصلت أدنى مستوى لها منذ عقود.

قبل ذلك، كانت إدارة أوباما قد رفضت طلب تركيا شراء بطاريات باتريوت الأميركية المضادة للطائرات. وقد ثار بعض من الجدل بعد ذلك حول الأسباب التي دفعت واشنطن لرفض طلب التسلح التركي، في وقت اشتدت فيه حاجة تركيا لنظام دفاع جوي. في النهاية، أفضى الرفض الأميركي إلى شراء تركيا منظومة الدفاع الروسية المتقدمة إس 400، وهو الأمر الذي ولَّد غضب واشنطن، سواء في الكونغرس أو في مؤسسة الدفاع الأميركية، نظرًا لأن منظومة إس 400 طُوِّرت أصلًا للتعامل مع أسلحة الجو لدول الناتو.

وهكذا، ومنذ تولي إدارة ترامب، أضيف ملف منظومة إس 400، إلى ملفات الخلاف حول السياسة الأميركية في سوريا ورفض واشنطن تسليم غولن. وخلال فترة قصيرة من ولاية ترامب، فتحت سلطات الادعاء الأميركية ملف بنك خلق التركي واتهمت هذه المؤسسة المالية الكبيرة بمساعدة إيران على التهرب من العقوبات الأميركية. ولا يزال هذا الملف مفتوحًا، حتى بعد اعتقال ومحاكمة وسجن وانتهاء محكومية نائب لمدير خلق كان في زيارة للولايات المتحدة.

من جهة أخرى، بدأت تركيا، مدفوعة بعدة أسباب، بما في ذلك تراجع الشرق الأوسط في سلم الاهتمامات الأميركية، بتعهد دور أكثر نشاطًا وفعالية في محيطها الإقليمي، سواء لحماية حلفائها، أو لحراسة ما تراه مصالحها القومية الحيوية. ففي صيف 2017، ردَّت تركيا على حصار قطر بتنفيذ اتفاق التعاون بين البلدين، وتعزيز الوجود العسكري التركي في الدولة الخليجية الصديقة. ولم تتردد تركيا في إيفاد بعثة عسكرية لتدريب وتنظيم جيش الدولة الصومالية الشرعي. كما قدمت يد العون العسكري لكل من حكومة طرابلس في ليبيا ولجمهورية أذربيجان، لحماية الأولى من هجمات اللواء المتقاعد، حفتر، ودعم جهود الثانية في تحرير إقليم قرة باغ من الاحتلال الأرميني.

وبعد ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري، منذ 2015، باتت تركيا تتحكم في شريط طويل في الجانب السوري من خط الحدود، بهدف تأمين الأرض التركية من هجمات تنظيم الدولة واختراقات الفصائل الكردية، وحماية المدنيين السوريين من هجمات قوات النظام. كما قامت تركيا خلال العامين الماضيين بتسيير سفن استكشاف في شرق المتوسط، سواء في المياه الإقليمية التركية أو تلك المتنازع عليها بين تركيا وجمهورية شمال قبرص، من جهة، واليونان وحكومة نيقوسيا القبرصية، من جهة أخرى.

بخلاف سوريا، حيث اصطدمت نشاطات تركيا العسكرية في مناطق سيطرة قسد بالتأييد الأميركي المكشوف للفصائل الكردية، لم تتخذ إدارة ترامب مواقف واضحة ضد الحراك التركي الإقليمي. ولكن تصريحات متقطعة، نُسبت أحيانًا لمسؤولي الخارجية الأميركية أو القيادة العسكرية المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط، أوحت بعدم ارتياح أميركي من نفوذ تركيا المتزايد في ليبيا، ونشاطاتها الاستكشافية في شرق المتوسط. وبالنظر إلى أن تصريحات بلينكن وسوليفان بخصوص تركيا أشارت إلى قلق أميركي-أوروبي مشترك من السياسات التركية، فالأرجح أن إدارة بايدن تتجه، كما الأوروبيين، سيما فرنسا، إلى إعلان موقف مناهض للمصالح التركية في شرق المتوسط، وللوجود التركي العسكري في ليبيا.

وبالرغم من غياب أية إشارة مباشرة من إدارة بايدن إلى العلاقة المتطورة بين تركيا والصين، فالأرجح أن الأميركيين لا ينظرون بارتياح للتعاون التركي-الصيني المتزايد، سيما على الصعيد الاقتصادي وتسهيل طرق التجارة الصينية إلى أوروبا. كما أن الأرجح أن إدارة بايدن ستعيد فتح ملف منظومة إس 400، التي تلحُّ أنقرة على ضرورة إيجاد حل تفاوضي حولها، يحفظ مصالح وأمن تركيا والناتو معًا، ومن ثم استئناف توريد طائرات إف 35 الأميركية ورفع العقوبات الأميركية المتعلقة بهذا الملف. ولكن الأخطر في أفق علاقات البلدين يتعلق بلا شك بالدعم الأميركي لقسد في سوريا، وما يلوح من احتمال تبني إدارة بايدن مشروعًا لإنشاء إدارة كردية ذاتية في شمال وشمال شرقي سوريا. فالملاحظ منذ تولي بايدن مهامه، وهو المعروف بتأييد الخيار الكردي، أن ميليشيات قسد ووحدات حماية الشعب صعَّدت من عملياتها في الحسكة والقامشلي ضد قوات النظام السوري، التي تعايشت معها منذ اندلاع الثورة السورية، مطالبة بإخلاء النظام لكافة مواقعه في المدينتين اللتين تقطنهما كتلة كردية سورية ملموسة.

علاقة مضطربة تتطلب إعادة نظر شاملة

الملاحظ، بعد عام من توسع النفوذ الإقليمي المطرد، أن تركيا بدأت الاستعداد لمواجهة مناخ التأزم المحتمل مع إدارة بايدن بالعودة إلى دبلوماسية الوفاق والمصالحة، سواء في جوارها أو على صعيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. ولكن هذه الانعطافة في السياسة الخارجية لن تصل إلى حدِّ التخلي عن حلفاء تركيا، أو المس بما تراه أنقرة مصالح قومية حيوية. فتركيا، مثلًا، لن تنسحب من الخليج أو ليبيا أو أذربيجان، ولن تتخلى عما تعتبره حقوقها في شرق المتوسط. وبالتأكيد، لن تتراجع عن معارضة قيام كيان كردي في شمال وشمال شرق سوريا، تقوده قوى كردية وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، ويهدد وحدة سوريا. وهذا ما يترك العلاقات التركية-الأميركية في عهد بايدن مفتوحة على كل الاحتمالات.

هناك، بالطبع، من يرى أنه في ضوء التعقيدات التي تحيط بالملف النووي الإيراني وصعوبة تبلور توافق أميركي-إيراني سريع، وتوجه واشنطن نحو التصعيد في المواجهة الجيوسياسية مع روسيا، والاقتصادية مع الصين، فإن إدارة بايدن ستتجنب تأزيم العلاقة مع تركيا. كما أن خطوات تركيا الإيجابية نحو أوروبا، وانطلاق المباحثات الاستكشافية مع اليونان، وإعلان أنقرة بأن السلام في قرة باغ سيؤدي في النهاية إلى التطبيع مع أرمينيا، ستصب جميعًا لصالح تركيا في موازين السياسة الخارجية لإدارة بايدن. ولكن هذا كله قد يكون مجرد تمنيات. فثمة نزعة أيديولوجية تعكسها تصريحات مسؤولي إدارة بايدن بخصوص تركيا، ترتكز، بغض النظر عن تفاصيل الخلافات، إلى خشية واشنطن (كما أوروبا) المتزايدة من الصعود التركي، وبروز تركيا جديدة، مختلفة بصورة كبيرة عن تلك التي عرفتها واشنطن خلال سنوات الحرب الباردة. وهذا، ربما، ما قد يدفع إلى إعادة نظر شاملة وكلية لطبيعة العلاقات الأميركية-التركية، تحرر الدولتين من ميراث تحالف الحرب الباردة الطويل، وتؤسس لشراكة بعيدة المدى، ترتكز إلى أسس جديدة ورؤية براغماتية لمصالح البلدين.

لقد وُلدت علاقات التحالف الأميركية-التركية من مبدأ ترومان، والمساعدات الأميركية الملموسة التي قُدمت منذ نهاية الأربعينات لكل من تركيا واليونان لمساعدتهما على الصمود أمام الأطماع التوسعية السوفيتية. وقد تَعَزَّز هذا التحالف بمشاركة تركيا في الحرب الكورية، وعضويتها في حلف الأطلسي. ولكن تركيا كانت الطرف الأضعف، الأكثر حاجة، في هذه العلاقة التحالفية، سواء على الصعيد الاقتصادي-التجاري، أو على الصعيد التقني والتعليمي، أو على الصعيد العسكري. وقد عملت واشنطن، طوال سنوات الحرب الباردة، على بناء نفوذ كبير في مؤسسات الدولة والمجتمع التركيين. ووُلد بالتالي شعور متعاظم في تركيا، لدى مسؤولي الدولة وفي أوساط المثقفين والصناعيين الأتراك، بصعوبة حدوث أو تغيير أي شيء دون موافقة أميركية.

صحيح أن العلاقات الأميركية-التركية تعرضت لبعض الأزمات خلال سنوات الحرب الباردة، مثل سحب الأميركيين للصواريخ النووية من تركيا في نهاية الأزمة الكوبية، ورسالة جونسون الشهيرة بخصوص قبرص في 1964، والعقوبات التي فُرضت على تركيا بعد تدخلها في قبرص في 1974، وبعد انقلاب 1980. ولكن جوهر العلاقة ظل على ما هو عليه، أسيرًا لاعتقاد واشنطن بأن تركيا شريك صغير، ولكنه حيوي، يقف على خط المواجهة ويحرس الممر من الغرب إلى الشرق، ولسيكولوجيا النفوذ الأميركي الذي لا يقاوم لدى الطبقة السياسية والعسكرية التركية.

ولكن تركيا مختلفة أخذت في البروز خلال العقدين الماضيين. تركيا أكثر ثقة بالنفس، تستلهم تاريخها الطويل، وتأمل في لعب دور أكبر في جوارها. وقد نجحت في بناء صناعة عسكرية متنوعة، جعلتها أقل حاجة لحلفائها الغربيين، وأكثر شعورًا بالاستقلال. وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها حاليًّا، فإن القاعدة الاقتصادية-الصناعية التركية تؤهلها لاحتلال موقع متقدم بين دول الصف الثاني في العالم. وهذا ما فرض تغييرًا ملموسًا في طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة، ومع الكتلة الأطلسية ككل.

المشكلة، بالطبع، أن الولايات المتحدة ستظل، مهما تغيرت طبيعة الأولويات الأميركية، لاعبًا بالغ التأثير في الشرق الأوسط، وفي محيط تركيا العربي والإيراني والبلقاني والقوقازي. كما أن تركيا باتت دولة محورية في دائرة التوسع الصيني الاقتصادي، من جهة، والحراك الروسي الجيوسياسي، من جهة أخرى. وهذان التطوران يمسَّان بصورة مباشرة رؤية أميركا لدورها وتأثيرها في العالم، كما يُعتبران، من جهة أخرى، مصدر تهديد وفوائد لتركيا، معًا.

هذا كله ما قد يدفع إلى ضرورة إطلاق حوار تركي-أميركي استراتيجي، يأخذ في الاعتبار متغيرات ما بعد الحرب الباردة، سواء ما يتعلق منها بكيفية رؤية تركيا لنفسها ودورها، وبمصالح الولايات المتحدة ومخاوف أنقرة المستديمة من التدخلات الأميركية في الشأن التركي، أو ما يتعلق بالآثار السلبية لتأزم العلاقات الأميركية-التركية على موقع تركيا ومصالحها. بهذا فقط يمكن بناء علاقات أكثر صحية وأكثر قدرة على مواجهة الخلافات الطارئة بين البلدين.

—————————–

=======================

تحديث 04 شباط 2021

—————————

من فيلتمان إلى مالي.. هل دخلت المنطقة في الحقبة السوداء مجدداً؟/ منير الربيع

غالباً ما تنطوي السياسة الخارجية الأميركية على كمّ هائل من التناقضات لأسباب عديدة منها ما هو داخلي وآخر خارجي. تلك التناقضات تفسح المجال أمام الذهاب إلى تحليلات كثيرة حول خلفيات المواقف، وطرح أسئلة إذا ما كانت سياسة الولايات المتحدة تتغير بتغير الأشخاص، أم أن المسار الذي تفرضه الدولة العميقة هو الذي يبقى قائماً ومستمراً.

حتى الأشخاص الذين يتولون مناصب في الإدارة تتضمن مواقفهم جانباً من التناقض، وأبرزهم جيفري فيلتمان، الذي سرت معلومات عن احتمال تعيينه مبعوثاً أميركياً إلى سوريا، فيما استبعدت معطيات أخرى أن يحصل هذا التعيين.

كان لفيلتمان قبل أيام مواقف لافتة ومهمة حيال الملف السوري والسياسة الأميركية التي وصفها بالفاشلة تجاه سوريا. جاء كلامه بالتزامن مع نشر مركز دراسات بيغن السادات تقريراً تناول اللقاء الذي عقد بين وفدين إسرائيلي وسوري في قبرص.

وبحسب ما يشير إليه التقرير، كانت وجهة النظر السورية واضحة، حول الحاجة إلى الحصول على مساعدات لأن الأزمة الاقتصادية الخانقة لا يمكن تحملها وقد تؤدي إلى تداعيات أمنية. ويفيد التقرير بأن النظام السوري رأى أنه لا يمكن التخلص من النفوذ الإيراني من دون التخلص من الديون لأن إيران منحته مبالغ مالية طائلة، وللتخلص من الديون هناك حاجة للعالم العربي ودعمه والعودة إلى الجامعة العربية، وهذا لا بد أن يرتبط بتفاوض مع إسرائيل.

مما لا شك فيه أن النظام السوري جاهز لتقديم أي تنازلات للإسرائيليين، لكنه لن يكون قادراً على توفير أي مقومات للخلاف أو الصراع مع الإيرانيين، أولاً هو لا يريد ذلك، وثانياً حتى لو أراد يفتقد القدرة على ذلك، بسبب التغلغل الإيراني الهائل في المجتمع السوري والمناطق السورية، من خلال عمليات تملك وتجنيس وتشييع واختراقات أمنية في مخلتف مؤسسات النظام. لا بد من التنبه إلى أن النظام الخبير في لعبة التسويف والرهانات على التحولات الدولية والإقليمية بتناقضاتها، لديه رهان أساسي في ظل ولاية جو بايدن، وهو حصول مفاوضات إيرانية أميركية، يستفيد منها إلى جانب مفاوضاته مع الإسرائيليين لتحسين موقعه والبحث عن فرص لإعادة تعويمه دولياً. يراهن الأسد على أن تؤدي المفاوضات الأميركية الإيرانية إلى تخفيف العقوبات التي يتعرض لها، فيلتقط أنفاسه ويكسب المزيد من الوقت.

من جهته يقول فيلتمان في تعليقه على السياسة الأميركية الفاشلة في سوريا، إن المخاطر التي تهدد النظام هي الضغوط الاقتصادية، ومن غير الممكن أن تقوم سياسة واشنطن على تغيير النظام، وهذا يعني أن فيلتمان يطرح على النظام نوعا من المقايضة بين تخفيف العقوبات مقابل تقديم تنازلات، على الرغم من قناعته أن النظام السوري لن يقدم أي تنازلات حقيقية تتعلق بالإصلاح السياسي أو إطلاق المعتقلين، والأهم في ما قاله فيلتمان إن الإيراني لن يخرج من سوريا، وهناك مسار طويل، هذا الكلام يكفي للرد على كل الرهانات التي يبنيها البعض بأن الانفتاح على النظام وتقديم الدعم المالي له سيؤدي به إلى الخروج من الحضن الإيراني. بمعنى آخر أنه حتى لو تم منح الأسد 20 مليار دولار فلن يكون قادراً على إخراج إيران من سوريا.

يمثل جيفري فيلتمان شخصية إشكالية كبيرة في السياسة الأميركية، فهو من أكثر الخبراء بالوضع السياسي في المنطقة، لا سيما عندما كان سفيراً في لبنان، واكب أبرز التحولات التي شهدتها المنطقة، وهو الذي كان شاهداً ومواكباً لانحسار النفوذ السوري في لبنان لحساب النفوذ الإيراني، وواكب ودعم أيضاً انتفاضة 14 آذار اللبنانية ضد النظام السوري وحزب الله، وصولاً إلى حدّ المواجهة العسكرية التي عندما اندلعت انكفأ الأميركيون والأوروبيون ولم يدعموا حلفاءهم بل تخلوا عنهم، ما أدى إلى تعزيز دور حزب الله ونفوذه وفتح الطريق أمام السيطرة الكاملة. السياسة نفسها اتبعت من قبل الولايات المتحدة في سوريا عند اندلاع الثورة السورية.

فيلتمان نفسه الذي كان من أشرس المعارضين لإيران والنظام السوري، تبين فيما بعد أنه صاحب الدور الأبرز انطلاقاً من موقع في الأمم المتحدة بالعمل على المفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي، وكان من أبرز العاملين في سبيل توقيع الاتفاق، وبالإمكان العودة إلى لقائه الشهير مع المرشد الإيراني علي خامنئي وكل ما قاله فيلتمان عن مزايا هذا اللقاء في حينها.

 إشكالية أخرى مطروحة حول السياسة الخارجية الأميركية وهي تعيين روبرت مالي مبعوثاً من قبل البيت الأبيض لإيران، مالي معروف بتأييده لإيران وتعاطفه معها، ومن أبرز المعارضين للثورة السورية، وهو الذي عمل سابقاً بقوة على خطّ المفاوضات الأميركية الإيرانية للوصول إلى الاتفاق النووي، وجوده وحده يكفي لأن يتشاءم معارضو النظام وخصومه، ويشعر بالخوف، بينما آخرون يعتبرون أن تعيينه في منصبه تمّ لأنه لا يحتاج إلى موافقة من الكونغرس، مع الإشارة إلى أن الكونغرس لم يكن بالإمكان أن يوافق عليه، وتعيينه يأتي بسبب انتماء مالي إلى اليسار المحسوب على أوباما والذي يتمتع بعلاقات قوية مع الإيرانيين، بعض الأميركيين يعتبرون أن التعيين له أسباب داخلية أميركية، فيما لن يكون للرجل أي أثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إيران، خصوصاً في ظل مواقف وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي والبنتاغون.

 في أحد الردود على المتخوفين من المسار الجديد للسياسة الأميركية، ثمة من يستعين بالإجابة إلى نجاح ترامب في إلغاء كل المفاعيل التي أرساها أوباما، أولها الانسحاب من أفغانستان والعراق، وتحسين العلاقة بدول الخليج وبتركيا، بينما خاض أوباما مجموعة حروب، حرب اليمن، الحرب على داعش، بينما ترامب أرسى مبدأ الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. كل هذه المواقف يراد منها الإشارة إلى التناقض في السياسة الأميركية عندما تتغير الإدارات. ولكن بحال استمر بايدن في سياسة الانكفاء والانسحاب، فإن ذلك سيؤدي إلى تكريس نظرية الفراغ الذي يحتاج لطرف يملؤه، هذا الدور الذي تطمح إليه فرنسا إيمانويل ماكرون، فيطرح الرئيس الفرنسي العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي بمشاركة الدول الإقليمية وهو يقصد السعودية، يريد ذلك لتمرير صفقات أسلحة إلى السعودية وليتمكن من تكريس دوره في المنطقة بالرهان على علاقته مع إيران والسعودية معاً. هذا كله يقود إلى أن السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط لا تزال غير واضحة.

عندما أعلن دونالد ترامب عن نيته في توجيه ضربة إلى إيران لم يفعل وبقي مساره التصعيدي مرتكزاً على العقوبات الاقتصادية والخطابات فقط، بينما كان يؤكد أنه لو أعيد انتخابه فسيذهب إلى اتفاق مع طهران، الذهاب إلى هذا الاتفاق لا تختلف عليه الإدارات، ما يعني أن بايدن أيضاً يريد الذهاب إلى توقيع اتفاق. وعندما أعلن ترامب عن نيته باغتيال الأسد في العام 2018 بينما رفض وزير الدفاع حينها جيمس ماتيس فهذا يؤشر إلى دور الدولة العميقة في الولايات المتحدة والتي تتقدم على الأشخاص ومواقفهم.

بالنظر إلى المزيد من التناقضات، كان يقال سابقاً إن أمن الخليج من أمن أميركا، ولكن عندما ضربت السعودية لم تقم الولايات المتحدة بأي خطوة، وهذا لا يمكن إلا أن يستمر في مرحلة جو بايدن، ودول الخليج تعرف ذلك، لسببه اندفعت إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل. وسط قناعة بأن الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط مستمر. خلاصة التعيينات والمواقف والتناقضات، ستسهم في إعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة، دول الخليج وتركيا ومصر لن تكون على وئام مع واشنطن ما سيدفعها إلى التقرب من بعضها أكثر، ستبقى العين على مناطق النفوذ في سوريا والتي ستتعزز أكثر فأكثر انطلاقاً من الحماسة الأميركية لدعم الأكراد، إيران ستتشبث أكثر في مناطق نفوذها ومكتسباتها ولن تكون أبداً مستعدة لتقديم أي تنازل، ولو أدى ذلك إلى إعادة إنتاج تنظيم داعش للعودة إلى محاربته على غرار ما حصل أيام أوباما وتقاطع المصالح الإيرانية الأميركية التي فتحت الطريق أمام توقيع الاتفاق النووي. ستكون المنطقة أمام حقبة سوداء متجددة.

تلفزيون سوريا

————————–

فايننشال تايمز: تعيين مالي كمبعوث لإيران وعرب أمريكيين في إدارة بايدن إشارة لنهج جديد/ إبراهيم درويش

 أشار ديفيد غاردنر المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” إلى أن تعيين الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لروبرت مالي مبعوثا لملف إيران يكشف عن جديته بشأن إحياء الصفقة النووية التي وقعها باراك أوباما عام 2015.

ويرى أن تعيين مالي هو تحول مفاجئ عن المدخل الذي تبنته إدارة دونالد ترامب مع طهران. وقال إن أوباما أثناء الحملة الانتخابية في 2008 عين مالي كمستشار بارز له في شؤون الشرق الأوسط.

وحاول أنصار مالي مواجهة حملة شديدة من الجماعات اليمينية المتطرفة المؤيدة لإسرائيل. ولكن فريق أوباما استسلم وتخلى عنه عندما كشف عن لقاء مالي مع مسؤولين في حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. ولم يرض التيار المعارض لتعيينه بأن لقاءه كان جزءا لا يتجزأ من عمله السابق في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية كرست نفسها لحل المشاكل إلا أن تعيينه في منصب بارز في ذلك الوقت نظر إليه كتهمة.

والآن اختار الرئيس جوزيف بايدن الذي كان نائبا لأوباما وقت التخلي ذلك الحادث، مالي لكي يكون مبعوثه الخاص لإيران. ومرة أخرى تعرض لحملة سخرية ونقد من اليمين المؤيد لإسرائيل والمسؤولين في الخليج وبعض الإيرانيين الأمريكيين الذين زعموا أنه متحيز ضد إسرائيل وأنه “مرشح إيران المثالي لمنصب المبعوث الأمريكي”.

وفي هذه المرة كان وابل النقد من نخبة السياسة الخارجية الحافل بالشخصيات المؤيدة لإسرائيل جاهز لإطلاق النار على مالي. وتم الرد وبشكل حاسم على حملات التشهير التي استهدفت اختيار بايدن. وفشلت المحاولة لتخريب التعيين من خلال تفجير حرب بالوكالة ضد فريق بايدن للسياسة من إيران.

وتقوم السياسة على العودة إلى اتفاقية 2015 والتي وقعت عليها الولايات المتحدة وخمس دول أخرى لتخفيض معظم ملامح المشروع النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية. ولكن الرئيس دونالد ترامب قام وبقرار فردي بالخروج من الإتفاقية النووية هذه.

وعلق غاردنر أن مهمة بايدن وفريقه ستكون صعبة حالة حاولت واشنطن الحصول على اتفاقية للحد من نشاطات الجماعات الوكيلة لإيران الراغبة بتحويل العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى شبه محميات ومواصلة تهديد دول الخليج في الوقت نفسه. لكن تعيين بايدن لمالي وعدد من الدبلوماسيين المجربين مثل أنتوني بلينكن كوزير للخارجية وويليام بيرنز كمدير لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي إي) هي إشارة قوية عن نيته لإحياء الملف النووي مع إيران. وسيكون تعيينه مختلفا جدا عن المبعوث السابق إليوت أبرامز، أحد مساعدي ترامب الذين كانت مهمتهم المحاماة عن إسرائيل لا لعب دور الوسطاء. ويبدو أن خصوم بايدن مستاؤون أكثر من أن النهج الذي سيتخذه مالي سيكون مسلحا بالحقائق.

وبعد خسارة ترامب كتب مالي تغريدة أن استراتيجية “أقصى ضغط” أدت لزيادة ترسانة إيران من اليورانيوم إلى 2.5 طنا من 102 كيلوغراما عندما التزمت ببنود الاتفاقية. كما وسيحاول النظر وفهم الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع أعدائها.

وكان مالي جزءا من المحاولة الفاشلة لتحقيق تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين بمنتجع كامب ديفيد عام 2000 حيث قال إن إجهاض المحاولة لا يتحمل مسؤوليتها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات فقط ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيسه بيل كلينتون. وعندما انضم لاحقا لفريق أوباما كان جزءا من فريق التفاوض على الاتفاقية النووية مع إيران في 2015. وقبل استقالته من إدارة مجموعة الأزمات الدولية في الشهر الماضي نشر ما يمكن النظر إليها خطة طريق معدلة للتفاوض مع إيران، وهي فكرة يبدو أن فريق بايدن قد تبناها.

وكان هناك تحول آخر عن نهج ترامب فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فرغم دعمه المعروف والطويل لإسرائيل إلا ان بايدن عين عربا أمريكيين في مناصب حساسة. وأرسل رسائل لدول الخليج من خلال تعليقه لصفقة أف-35 للإمارات العربية المتحدة وصفقات أسلحة للسعودية. وتحذر مصادر خليجية من العودة إلى مرحلة أوباما. لكن التطور الأهم في كل هذا هي المحادثات السرية التي تجري بين السعودية وإيران، كما ورد في مقال نشرته صحيفة “الغارديان” هذا الأسبوع وكتبه عبد العزيز صقر وحسين موسويان المقربان من الدوائر الرسمية في البلدين وناقشا فيه التعاون الذي يستجيب لمظاهر القلق الأمني لكل منهما. وهو نهج يبدو أن بايدن يفضله.

القدس العربي

————————

إيران والخليج: فتاوى أوباما!/ محمد قواص

في تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشأن سبل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ما يُراد منه تقديم إيران بصفتها دولة كبرى وأساسية في رسم خرائط الأمن والاستقرار في العالم. يوزّع الرجل “تعليماته” من منابر العواصم التي يزورها، ويكلّف منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيه بوريل بالإشراف على آلية تعود من خلالها واشنطن عن “خطيئة” دونالد ترامب لاستئناف العمل باتفاق فيينا وكأن شيئاً لم يكن.

يقترح الرجل عودة “متزامنة” لواشنطن وطهران. تعود أميركا للاتفاق من دون شروط، وتعود إيران للالتزام ببنود الاتفاق من دون شروط. في الوقت عينه، يدعو الرجل من الكويت إلى حوار مع الخليج ويروّج ونظيره الروسي من موسكو لمنظومة أمن إقليمية، في وقت تتبرّع فيه الدوحة بالوساطة لتسهيل حوار إيراني سعودي. وفي هندسات ظريف افتراض أن بلاده تعالج مع الكبار “سوء تفاهم” عرضي حول برنامجها النووي، فيما الخلاف مع دول المنطقة تحلّه تفاهمات تلفيقيّة مكمّلة.

من حق ظريف وحكومة طهران والولي الفقيه في إيران الإيمان بأن التناقض الرئيسي لإيران هو مع الولايات المتحدة فقط. يكلّف ظريف الأوروبيين بالتوسّط لدى واشنطن، معتبراً في ذلك أن أوروبا تقف على المسافة نفسها من واشنطن وطهران. يدرك الرجل هراء هذه القياسات، وحقيقة أن أوروبا حليف تاريخي أصيل للولايات المتحدة، وركن مؤسس للمنظومة الغربية فكراً وعقيدة ومصيراً. لكنه يرى أوروبا بالنسبة لإيران فرعاً لا أصلاً، ذلك أنه يعرف أن اتفاق فيينا لم يوقّع عام 2015 إلا بعد تخصيبه بقناة اتصال إيرانية أميركية خلفية، تولّت سلطنة عُمان رعايتها قبل ذلك. كما أنه شهد عجز أوروبا عن حماية الاتفاق النووي وحماية إيران داخله، بعدما أسقط ترامب منه عضوية بلاده.

لا يتوقّف مشروع إيران الأيديولوجي وطموحاتها الإمبراطورية على التوافق مع واشنطن. صدّرت الجمهورية الإسلامية ثورتها على الرغم من العداء لـ”الشيطان الأكبر” وعلى قاعدة العداء له. وتولّت طهران مدّ نفوذها في المنطقة وفق شعار نصرة المظلومين ضد “الاستكبار” (الأميركي طبعاً)، من دون أن تلقى من الولايات المتحدة والمنظومة الغربية رداً استراتيجياً رادعاً خلال العقود الأخيرة. لا بل إن مغادرة المارينز لبنان في الثمانينات بعد الهجمات التي وقفت طهران وراءها ضد سفارة الولايات المتحدة الأميركية وثكنة قواتها في لبنان، وتخليص إدارة جورج بوش الابن إيران من خصومها في أفغانستان شرقاً والعراق غرباً (2001-2003)، لا يمكن إلا أن يكون تهاوناً وتعاوناً تودّ إيران أن تحوّله إلى شراكة علنية في العالم والمنطقة.

كادت إيران أن تحصل على ذلك. أسكتت إدارة باراك أوباما كل جلبة يمكن أن تكون مؤشراً عدائياً ضد طهران في المنطقة والعالم. تحدّثت تقارير متخصصة آنذاك كيف وأدت واشنطن تحقيقات أميركية حول أنشطة تهريب مخدرات وتبييض أموال تابعة لإيران في بلدان أميركا اللاتينية وأوروبا، حتى لا يشوّش الأمر على ورشة الإعداد للاتفاق النووي. حتى أن أوباما نفسه أفرج بعد ولادة الاتفاق عن “عقيدة” (وفق ما أطلق الصحافي الأميركي جيفري غولدبيرغ في “ذي أتلانتيك” في آذار (مارس) 2016)، مفادها نقد لدول الخليج ودعوة لها للشراكة مع إيران، بما يوحي لطهران بتحوّل أميركا إلى حليف وشريك.

قد يوحي جو بايدن لإيران أنه نسخة محدّثة لأوباما وعقيدته. ولمَ لا؟ ما دام معظم وجوه تلك الإدارة أوبامية الهوية والهوى، وأن غموض خريطة الطريق الأميركية وقوانين السير عليها يبيح لظريف وصحبة الاجتهاد والتفسير.

وفق قوانين علاقة طهران مع أوباما، تقرأ إيران سطور علاقتها مع بايدن. تحدّد للأوروبيين الدور والموقع والمهمة، وتستبق أي تطوّر بتذكير السعودية والخليج برؤية أوباما ووصاياه. بيد أن سلوك ظريف، المفترض أنه يمثّل الواجهة الرسمية التي تتعاطى مع العالم ومتغيّراته، تبدو ناكرة عن عمد لأي تغيّر طرأ على عامل الزمن، رافضة الاعتراف بأن العالم قد اختلف، متهيّبة الإقرار بأن المنطقة قد تغيّرت وأنها باتت أكثر قدرة على تعطيل أي “عقيدة” والانقلاب على أي اتفاق لا يضمن استعادة طهران بضائعها المصدرة إلى بلدانها.

في التجربة أن واشنطن التي ارتضت الإسلام السياسي الشيعي حليفاً بعد لحظة 11 سبتمبر، روّجت للإسلام السياسي السنّي في لحظة ما أطلق عليه “ربيعاً” في المنطقة. وفي التجربة أيضاً أن عواصم المنطقة صدّت خطط العواصم البعيدة، وهي قادرة وفق النمط نفسه على فرض رؤاها وحماية أمنها ومصالحها.

بيد أن طهران المزهوّة دوماً بـ”احتلالها أربعَ عواصم عربية” ما زالت تعتبر المنطقة من الغنائم التي ستحملها إلى طاولة مفاوضات مع واشنطن. تتوجّس إيران من الضجيج حول شركاء جدد حول طاولة المفاوضات. تبدي غضباً من حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن ضم السعودية ودول أخرى إلى أي اتفاق. تسعى بتذاكٍ إلى تصويب البوصلة صوب اتفاق فيينا وحصرية أعضائه وعبثية ضم أعضاء آخرين.

في تكرار ظريف لحوار ما مع الرياض والمجموعة الخليجية فقه يفتي بأن أي اتفاق مع الجوار يأتي نتيجة لأي اتفاق مع الكبار وليس شرطاً له. يفهم أهل المنطقة أمر ذلك التحاذق ويوصدون الباب جيداً على أي تواصل أو حوار تريده طهران خلفياً ثانوياً ملحقاً بورشة التعامل مع التناقض الرئيسي الكبير.

يريد ظريف من أهل المنطقة حواراً مع إيران بعقائدها وحرسها وأحزابها وعصائبها وصواريخها وحشدها..إلخ. يريد أهل المنطقة إيران دولة لا تفجّر شوارعهم ولا تقصف صواريخها مدنهم ولا تسمّم ميليشياتها دولهم. بديهيات لم يهتد إليها أوباما وفتاويه.

النهار العربي

——————————

بايدن والشرق الأوسط… انكفاء أم انخراط؟ عثمان ميرغني الشرق الاوسط/ عثمان ميرغني

أكثر الناس تفاؤلاً لا يتوقعون أن تنخرط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في قضايا المنطقة العربية فوراً، أو حتى في وقت قريب. فهذه الإدارة حددت لنفسها أولويات يطغى عليها الشأن المحلي، وهو أمر مفهوم في ظل الظروف الراهنة وإرث إدارة دونالد ترمب الذي عمق الانقسامات الأميركية.

هذه الرسالة هي التي حرص البيت الأبيض على إيصالها في مقطع الفيديو الذي نشره على تويتر، والذي حدد فيه أربع أولويات للإدارة هي السيطرة على جائحة «الكورونا» التي تتصدر فيها أميركا العالم من حيث عدد الإصابات والوفيات، ومواجهة تحديات المناخ، وإعادة بناء الطبقة الوسطى الأميركية، والعمل على تحقيق العدالة العرقية في المجتمع الأميركي. فالمقطع لم يأتِ على ذكر السياسة الخارجية، وهي حتماً موجودة وبالضرورة في اهتمامات إدارة قالت إنها تريد عودة أميركا إلى دورها لا الانكفاء عنه و«استعدادها لقيادة العالم لا الانسحاب منه»، على حد تعبير بايدن. لكن حتى في هذا الجانب فإن تركيز الإدارة سيكون بعيداً عن منطقتنا لوقت قد يطول أو يقصر حسب الظروف والتطورات.

نظرة فاحصة إلى إدارة بايدن وفريق السياسة الخارجية على وجه الخصوص، تشير إلى أنها ترتب أولوياتها وعينُها على الصين وآسيا. فالمعركة مع الصين هي معركة وجود ونفوذ. معركة حول مقعد القوة العظمى الأولى في العالم الذي انفردت به الولايات المتحدة لفترة طويلة، لكنها الآن تواجه تحدياً جدياً من الصين التي تنافس الآن على الصدارة الاقتصادية، وتفرد عضلاتها في آسيا، ونفوذها حول العالم. المؤسسة السياسية الأميركية من البيت الأبيض إلى الكونغرس تبدو متفقة على أن التهديد الأكبر لمركز الولايات المتحدة ومصالحها يأتي من الصين وبدرجة أقل من روسيا بوتين. لذا فإن الهدف الإستراتيجي في احتواء التهديد الصيني سيكون مثلما كان في عهد ترمب، الاختلاف الوحيد سيكون في اللهجة لأن بايدن لن يستخدم مفردات ترمب، ولن يقود المعركة عبر تويتر، بل سيعمل على ترميم التحالفات الأميركية خارجياً وتحجيم تمدد النفوذ الصيني في آسيا وأفريقيا وحتى في أوروبا، وتعزيز الاقتصاد داخلياً وتحفيز الشركات الأميركية للإنتاج محلياً.

ستكون المعركة الاقصادية والتجارية مع الصين التي عدها بايدن «تحدياً من نوع خاص» من أولويات الإدارة، لذلك تم تعيين عدد من الخبراء في الشؤون الصينية في مواقع مهمة من الخارجية إلى وزارة الدفاع. أضف إلى ذلك أن كاثرين تاي التي عينها بايدن في منصب مفوضة التجارة، محامية ضليعة في ملف علاقات أميركا التجارية الخارجية من خلال عملها مع لجنة المخصصات في مجلس النواب الأميركي، ومع مكتب مفوضية التجارة. وهي أميركية من جذور صينية تتحدث الماندرين بطلاقة ولديها إلمام واسع بملف العلاقات مع الصين، لا سيما في جانب الشوؤن الاقتصادية وأدق تفاصيل الحرب التجارية مع العملاق الآسيوي.

وزير الدفاع الجديد لويد أوستن كان واضحاً أمام مجلس الشيوخ خلال جلسة الاستماع قبل التصويت بالمصادقة على تعيينه، إذ قال إنه على الصعيد الخارجي «أفهم أن الصين يجب أن تكون محور جهودنا»، معتبراً أنها تمثل التهديد الأكبر للمصالح الأميركية. هذه الرسالة ستكون واضحة بشكل أو بآخر في مختلف مواقف الإدارة الجديدة، بل حتى في التعيينات التي تمت في مستويات مختلفة فيها.

جيك سوليفان مستشار الأمن القومي في الإدارة الجديدة قال إن الرئيس بايدن طلب منه إعادة صياغة سياسات مجلس الأمن القومي من منظور «توظيف قرارات السياسة الخارجية من أجل العائلات العاملة في الولايات المتحدة». تفكيك هذا الكلام يؤكد مجدداً أن أولوية إدارة بايدن في سياساتها الخارجية ستكون لموضوعات الاقتصاد والتجارة والمنافسة مع الصين واحتواء نفوذها الذي بات يهدد مركز أميركا.

من هذا المنطلق عكف سوليفان على إعادة ترتيب وهيكلة إدارات مجلس الأمن القومي بتقليص حجم فريق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يشرف عليه بريت ماكغيرك وتوسيع الفريق المكلف سياسات جنوب شرقي آسيا الذي يديره كورت كامبل.

ماذا يعني كل ذلك للمنطقة العربية؟

إدارة بايدن لن تهمل المنطقة تماماً ولن تستطيع بالنظر إلى العلاقات والمصالح المتشابكة، لكن علينا أن نتوقع أن القضايا العربية ستأتي متأخرة في سلم أولوياتها إلا إذا حدث أمر طارئ كبير يجبرها على إعادة ترتيب أولوياتها. فالإدارة حددت أولوياتها في قضايا أخرى تعتبرها مصيرية من «الكورونا» إلى الاقتصاد إلى التحدي الصيني، وبالتالي لا تريد صرف الكثير من جهدها ووقتها في ما تعتبره «الحروب الأبدية» في المنطقة العربية.

مع ذلك وبالنظر إلى أن الإدارة لديها في فريق الأمن القومي والخارجية عناصر تتمتع بخبرة واسعة في ملفات المنطقة، فإنه يمكن توقع تحركات محددة في قضايا معينة. فالإدارة من واقع أنها تضع أمن إسرائيل في قائمة أولوياتها في الشرق الأوسط فإنها ستكون منفتحة على إحياء الاتفاق النووي الإيراني ولكن مع إدخال تعديلات تتناول موضوع الصواريخ الباليستية والتدخلات الخارجية. وكان بايدن قد تطرق إلى هذا الاحتمال في حواراته الصحافية بعد إعلان نتيجة الانتخابات ومنها حواره مع صحيفة «نيويورك تايمز» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الذي قال فيه إن إحياء الاتفاق النووي لن يكون سهلاً، لكنه ممكن. واشترط أن تعود إيران إلى الامتثال الكامل بالاتفاق، بما يعني وقف كل عمليات تخصيب اليورانيوم، ووقتها يمكن للولايات المتحدة أن تعتبر ذلك نقطة انطلاق لاستئناف المفاوضات بهدف إحياء الاتفاق ومعالجة القضايا الأخرى مثل برنامجها الصاروخي وتدخلاتها الخارجية، ومن ثم رفع العقوبات. ولوّح بايدن بورقة العقوبات كجزرة إذا حدث تقدم، وكعصا إذا لم تتجاوب طهران.

أي تقدم في الملف النووي قد ينعكس على الأوضاع في سوريا والعراق واليمن ولبنان ويشجع على حلحلة إذا التزمت طهران وقف تدخلاتها الخارجية، ورأت أن الأفضل لها التعاون مع إدارة بايدن وتحقيق رفع العقوبات لمعالجة أوضاعها الداخلية. كثيرون يرون أن إيران لن تتخلى عن نهجها السابق بسهولة ما قد يثني إدارة بايدن عن صرف وقت كبير في الملف، وبالتالي تبقى الأمور تدور في ذات الحلقة السابقة.

في موضوع عملية السلام يصعب توقع انخراط إدارة بايدن فيه بشكل كبير وإن كانت ستسير على نهج إدارة ترمب في تشجيع دول عربية أخرى على الانخراط في عملية تطبيع العلاقات.

في نهاية المطاف إدارة بايدن ستكون اهتماماتها الأكبر بعيدة عن الصراعات في المنطقة، ومركزة على همومها الداخلية وعلى قضية تعتبرها دوائرُ القرار في واشنطن، التحدي الأكبر الذي يواجه أميركا، وهو النفوذ الصيني المتعاظم.

الشرق الأوسط

——————————

=======================

تحديث 05 شباط 2021

—————————-

نيويورك تايمز: بايدن يحاول إجبار السعودية على حل دبلوماسي في اليمن/ إبراهيم درويش

لندن– “القدس العربي”: قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن خطاب الرئيس جوزيف بايدن في وزارة الخارجية أعلن فيه عن تحول في السياسة الخارجية عن تلك التي تبناها سلفه دونالد ترامب وفي عدد من المجالات وأهمها وقف الدعم العسكري للحملة السعودية في اليمن والذي بدأ في إدارة باراك أوباما التي كان بايدن جزءا منها واستمر بشكل واسع أثناء فترة سلفه ترامب.

وفي تقرير أعده ديفيد سانغر وإريك شميدت قالا إن بايدن وصف الحرب في اليمن بأنها “كارثة إنسانية واستراتيجية” وأعلن أن الولايات المتحدة لم تعد “تتدحرج أمام الأعمال العدوانية الروسية”. وأشارا إلى أن إعلان بايدن هو أوضح إشارة عن نية الرئيس الجديد التعامل مع أصعب موضوعين في السياسة الخارجية بطريقة تختلف عن نهج ترامب. فقد رفض الأخير الحد من القصف السعودي الذي لا يميز في الحرب اليمنية وكذا في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وذلك خوفا من تأثر صفقات السلاح الأمريكية مع المملكة والتي زعم أنها توفر مئات الآلاف من الوظائف” في الولايات المتحدة.

كما رفض مرارا الأدلة عن تورط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات التي أدت لانتصاره عام 2016 بالإضافة للدور الروسي في القرصنة الإلكترونية على مؤسسات الحكومة الأمريكية. وأضافت الصحيفة أن القادة السعوديين كانوا يعرفون أن التحرك الأمريكي قادم، فقد وعد بايدن بوقف مبيعات السلاح أثناء حملته الانتخابية، وجاء بعد تعليق الإدارة الجديدة صفقات أسلحة بـ 478 مليون دولار لتصدير قنابل ذكية إلى السعودية والتي وافقت عليها الخارجية الأمريكية في كانون الأول/ديسمبر رغم المعارضة القوية من الكونغرس، كما أعلنت الإدارة عن مراجعة شاملة لصفقات أسلحة كبيرة مع الإمارات العربية المتحدة. إلا أن بايدن ذهب أبعد من خلال الإعلان عن وقف البيانات التي تساعد السعوديين على ضرب أهداف وكذا الدعم اللوجيستي.

وقالت الصحيفة إن الإعلان لا يعني فقط تراجعا عن سياسة إدارة ترامب ولكن إلغاء للدعم الأمريكي الذي بدأ في عهد أوباما وساهم كل من بايدن وبلينكن في تشكيله. فبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2014 بدأ السعوديون وحلفاؤهم في الخليج بشراء أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات من أجل هزيمة الجماعة المتمردة القادمة من شمال اليمن. وقدم أوباما دعمه للحرب في محاولة منه لتخفيف غضب السعوديين على توقيعه اتفاقية نووية مع إيران في 2015. وبعد عامين زادت إدارة ترامب من تعاونها وتبنت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رغم الأدلة المتزايدة عن قتل السلاح والذخيرة الأمريكية المدنيين اليمنيين مما ساهم في خلق أكبر كارثة إنسانية كما وصفتها الأمم المتحدة.

والآن لم يعد بايدن يناقش أن الدعم الأمريكي لا يساعد في إنهاء الحرب ووقف قتل المدنيين بل ويهدف لإجبار السعوديين على التفاوض على حل دبلوماسي، وعين دبلوماسيا مخضرما وهو تيموتي ليندنركينع للعمل كمبعوث خاص له لليمن والإشراف على تسوية. وقال بايدن “يجب وقف الحرب”. وقال في أول خطاب له عن السياسة الخارجية إنه أراد أن يرسل “رسالة واضحة للعالم: عادت أمريكا”. وفي الوقت الذي كان فيه بايدن واضحا حول اليمن ووقف الدعم الأمريكي للحملة السعودية إلا أنه وعد بعدم ترك السعوديين لوحدهم يواجهون إيران معادية وتعهد بتوفير الحماية لها من الطائرات المسيرة والصواريخ والهجمات الإلكترونية من إيران وأتباعها في المنطقة. وقال “سنواصل دعم السعودية على حماية سيادتها ووحدتها الوطنية وشعبها”.

ولم يقل شيئا عن إمكانية فرض عقوبات على محمد بن سلمان لتورطه في جريمة قتل خاشقجي، رغم وعد مديرة المخابرات الوطنية أفريل هينز عن خطط للكشف عن تقرير سري حول جريمة القتل. وأعلن بايدن عن إلغاء قرار اتخذه ترامب لسحب قوات أمريكية من ألمانيا، حيث طلب الرئيس السابق سحب 12.000 جندي من هناك. ويقول خبراء الأمن القومي إن قرار ترامب نبع من عدم حبه للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وقام على رؤية ضيقة ومحاولة لإجبار دول حلف الناتو على إنفاق مزيد من الأموال على الدفاع مهما كان الثمن الإستراتيجي على الولايات المتحدة.

ولكن خطاب بايدن لم يكن فقط عن وقف الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن بل وكان تحويلا للسياسة خاصة تجاه روسيا، فهو أول رئيس أمريكي منذ نهاية الحرب الباردة يقدم رؤية معارضة لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا، وبدلا من ذلك دعا إلى الردع إن لم يكن الاحتواء. وشدد بايدن من لهجته تجاه روسيا ومحاولاتها تخريب الديمقراطية وقرصنتها على شركة البرامج الإلكترونية “سولار ويندز”. وقال إنه أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة معه الأسبوع الماضي أنه “بطريقة تختلف عن أسلافي، الأيام التي كانت تتدحرج فيها أمريكا أمام الأفعال العدوانية الروسية- التدخل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية وتسميم المواطنين، قد ولت”. وقال إنه سيطرح موضوع المعارض ألكيسي نافالني والإفراج عنه. و”لن نتردد في رفع الثمن على روسيا” لكنه لم يحدد كيف سينجز هذا مع أن خياراته تظل محدودة.

وعبر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من تهديد الرئيس بالرد على الهجمات الإلكترونية مما يفتح المجال أمام التصعيد. وجاء خطاب بايدن بعد يوم من اتفاق الولايات المتحدة وروسيا على تمديد معاهدة ستارت الجديدة لخمس سنوات أخرى، وهي الاتفاقية الوحيدة المتعلقة بالتسلح الباقية بين البلدين. وأصر ترامب على تعديلها إلا أن بايدن توصل لنتيجة وهي منع سباق تسلح نووي محتمل وإزالته عن الطاولة في وقت تزداد المنافسة في هذا المجال. وكانت زيارة بايدن التي بدأها بالحديث مع 165 موهبة جديدة أضيفت للقوة العاملة فيها رمزية وإشارة عن عودة الدبلوماسية.

وخلافا لترامب الذي فضل زيارة البنتاغون وسي آي إيه رمز القوة فقد اختار بايدن الذي قضى سنوات في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ زيارة الوزارة و7.000 من العاملين فيها والتأكيد لهم أنه يريد دعمهم. وقالت الصحيفة إن هؤلاء الدبلوماسيين وجدوا صعوبة في الدفاع عن الدعم الأمريكي للسعودية. فعندما انطلقت مقاتلات أف-15 من القواعد العسكرية في جنوب السعودية لضرب اليمن، لم تكن الطائرات أمريكية الصنع فقط بل والفنيون الذين عملوا في صيانتها. وقام الفنيون الأمريكيون بتحديث برامج الاستهداف والتكنولوجيا السرية الأخرى والتي لا يسمح للسعوديين بلمسها.

كما أن الطيارين الذي قادوا الطائرات ربما تلقوا تدريبهم في قواعد سلاح الجو الأمريكي. وفي غرفة العمليات بالعاصمة الرياض جلس القادة السعوديون إلى جانب المسؤولين الأمريكيين الذين زودوهم بالمعلومات الأمنية والنصيحة التكتيكية والتي تهدف لوقف السعوديين توجيه ضرباتهم ضد المدنيين.

وفي الوقت الذي نفت فيه وزارتا الخارجية والدفاع أي معرفة عن استخدام السلاح الأمريكي في الغارات الجوية والتي ضربت الجنازات وبيوت العزاء والأعراس والمساجد إلا أن مسؤولا بارز عمل سابقا في الخارجية الأمريكية أكد لنيويورك تايمز عام 2018 أن الولايات المتحدة لديها علم بكل غارة جوية على اليمن ومنذ بداية الحرب.

وفي نفس الوقت قام السعوديون بتبييض مبادرة دعمتها أمريكا للتحقيق في الغارات التي لم تصب الهدف وتجاهلوا قائمة طويلة عن الأهداف التي يجب تجنبها. وأثنى دعاة حقوق الإنسان والكونغرس على خطوة بايدن. وقال ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني السابق ومدير “لجنة الإنقاذ الدولية”: “التحول من استراتيجية حرب فاشلة إلى نهج دبلوماسي شامل جاء متأخرا”.

وقال السناتور كريس ميرفي، الديمقراطي عن كونيكتيكت الذي يعد من الناقدين الأشداء للسعودية وحملتها في اليمن “لستة أعوام، قادت الحرب في اليمن إلى أزمة إنسانية مروعة وأضرت بأمن الولايات المتحدة ومصداقيتها، وتحرك الرئيس بايدن اليوم هو أول خطوة حاسمة لإنهاء الكابوس”. وكان قرار بايدن زيارة الخارجية أولا محسوبا ومحاولة للقول إن السنوات الأربع التي حكم فيها ترامب كانت انحرافا وسبة للقيم الأمريكية.

القدس العربي

————————-

أكسيوس: إيران على رأس أجندة بايدن وكبار المسؤولين يلتقون كل جمعة لبحث قضيتها/ إبراهيم درويش

لندن– “القدس العربي”: نشر موقع “أكسيوس” الأمريكي تقريرا حصريا جاء فيه أن اهتمام الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بالملف النووي الإيراني بدا من خلال تشكيل لجنة رؤساء في مجلس الأمن القومي مهمتها إيران وتلتقي كل جمعة.

وأشار الموقع إلى أن إدارة بايدن لا تزال تعيد النظر وتقلب الآراء حول كيفية إحياء الاتفاقية النووية 2015 والتي خرج منها الرئيس دونالد ترامب في 2018. إلا أن الإدارة تريد العمل مع الحلفاء لإبطاء جهود إيران في تخصيب اليورانيوم ومنع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.

وأضاف الموقع أن لجنة الرؤساء تعقد في “سيتويشن روم” (غرفة الوضع) ويحضرها وزيرا الدفاع والخارجية وعدد آخر من المسؤولين الكبار في الإدارة حيث تتم دراسة السياسة على أعلى مستوى قبل تقديم توصيات إلى الرئيس. وعادة ما تسبقها لقاءات نواب المسؤولين من كل مؤسسات الأمن القومي.

وفي يوم الأربعاء ترأس نائب مدير الأمن القومي جون فاينر جلسة ركزت على الشرق الأوسط. وشملت بنود اللقاء يوم الجمعة بندا حول العودة إلى الاتفاقية النووية قبل انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران/يونيو. وأشار الموقع إلى أن وزارتي الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي لم ترد على أسئلة وجهت إليها للتعليق. وأضاف أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيعقد لقاء افتراضيا مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا لبحث موضوعات عدة منها إيران.

وألمح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في إيجاز صحافي يوم الخميس إلى التوجه الدبلوماسي القادم مع إيران. وقال “نحن نتصل بشكل فعال” مع الشركاء في أوروبا و”ستؤدي الاستشارات إلى جبهة موحدة عندما يتعلق الأمر بالإستراتيجية”. لكن الرئيس جوزيف بايدن لم يذكر شيئا عن الاتفاق النووي أثناء زيارته لوزارة الخارجية يوم الخميس، وهو الاتفاق الذي كان إنجاز باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري. لكن بايدن أعلن عن وقف الدعم العسكري الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، مع تعهد بتزويد السعوديين بالأنظمة الدفاعية مشيرا إلى “التهديدات من القوى التي تدعمها إيران في عدة دول”.

وكانت إدارة ترامب قد فرضت بعد إلغاء الاتفاقية نظام عقوبات على إيران أشرف عليه وزير الخارجية مايك بومبيو واستهدف النفط الإيراني والبنوك وغير ذلك بهدف إجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات. لكن إدارة ترامب لم تكن ناجحة في إقناع الدول الموقعة على الاتفاقية النووية الأصلية وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين بفرض العقوبات من جديد على طهران وتبنى النظام فيها سياسة الانتظار.

وأعلنت إيران في الشهر الماضي عن زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم إلى 20% وأعلى مما سمح به الاتفاق وهو 5%، أي خرق واضح له. وطلب بلينكن من مبعوث إيران الجديد روبرت مالي تشكيل فريق من الدبلوماسيين والخبراء والبحث في كيفية التقدم من إيران. بل وطلب بلينكن من مالي استشارة أشخاص يحملون مواقف صقورية من إيران، حسب مصدر مقرب من الإدارة. وقال بلينكن إن إيران عليها الالتزام أولا بالاتفاقية قبل رفع العقوبات “نحن بعيدون عن هذه المرحلة”، حسبما قال في الأسبوع الماضي.

———————-

بايدن يدشن سياسته الخارجية..ويتجاهل إيران وفلسطين وسوريا

غاب كل من الملف السوري والقضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني عن الخطاب الأول للرئيس الأميركي جو بايدن حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة والذي أعلن فيه عودة الدبلوماسية الأميركية إلى المحافل الدولية.

حدد بايدن أولويات سياسة إدارته الخارجية وذلك بإنهاء الصراعات دبلوماسياً وإعادة بناء التحالفات ومحاربة الاستبداد، مشيراً في ذلك إلى الصين وروسيا، متهماً سلفه الرئيس دونالد ترامب بأنّه كان “ضعيفاً” خاصة إزاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال من وزارة الخارجية إنّ الولايات المتحدة يجب أن “تكون موجودة في مواجهة تقدم الاستبداد، خصوصاً الطموحات المتزايدة للصين ورغبة روسيا في إضعاف ديموقراطيتنا”، وأضاف “لقد قلت بوضوح للرئيس بوتين، وبشكل مختلف جداً عن سلفي، إنّ الزمن الذي كانت تخضع فيه الولايات المتحدة لأفعال روسيا العدوانية قد ولّى”.

وتابع بايدن: “لن نتردد في رفع الثمن الذي ستدفعه روسيا وسندافع عن مصالحنا الحيوية وعن شعبنا، وسنكون أكثر فعالية في التعامل مع روسيا في عملنا ضمن التحالف والتنسيق مع الشركاء الذي يلتزمون بأسلوب التفكير المشابه”.

كما أعرب بايدن من جديد عن قلق واشنطن من اعتقال السلطات الروسية المعارض ألكسي نافالني مجدداً الدعوة إلى الإفراج عنه.

ووصف بايدن الصين بأنها أخطر منافس للولايات المتحدة، لكنه قال إن واشنطن مستعدة للعمل معها عندما يكون من مصلحتها القيام بذلك. وأضاف “سنتصدى بشكل مباشر للتحديات التي تشكلها الصين، أخطر منافس لنا، على قيمنا للازدهار والأمن والديمقراطية”.

وتابع: “سنواجه انتهاكات الصين الاقتصادية وسنتصدى لتحركاتها العدوانية وتعديها على حقوق الإنسان والملكية الفكرية والحوكمة العالمية، لكننا مستعدون للعمل مع بكين عندما يكون من مصلحة أميركا القيام بذلك”.

وأعلن بايدن أن بلاده سوف تنهي الحرب في اليمن ووقف كافة أشكال الدعم العسكري للحرب فيها، قائلاً إن هذه الحرب يجب “أن تنتهي” لكنه تعهد بمواصلة الدعم الأميركي للسعودية، معلناً عن تعيين تيموثي ليندركينغ مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى اليمن للدفع باتجاه حل دبلوماسي بعد أن أحدثت الحرب فيها “كارثة إنسانية واستراتيجية”.

ولم يتطرق بايدن إلى الملف النووي الإيراني انما اكتفى فقط بذكر إيران حينما أشار إلى مساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها من التهديدات الإيرانية وإرساء الحوار معها.

ودافع الرئيس الديموقراطي عن القيم التقليدية للدبلوماسية الأميركية، مثل تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان، التي تخلّى عنها ترامب.

ولإبراز عودة هذه “القيادة الأخلاقية” على الساحة الدولية، أعلن أنّ الولايات المتحدة ستستقبل في السنة المالية المقبلة 125 ألف لاجئ في إطار برنامج إعادة التوطين، أي ثمانية أضعاف العدد الذي جرى استقباله في 2020 والبالغ 15 ألفاً، وهو أدنى مستوى تاريخياً.

—————————–

البوكمال: الاستعداد الروسي-الإيراني لاستقبال بايدن في سوريا/ تيم الحاج

مع قدوم إدارة بايدن، سعت روسيا وإيران إلى إحداث تغييرات في شكل وجودهما العسكري شرقي سوريا لإيصال رسائل لواشنطن وتل أبيب أن موسكو قادرة على ضبط الميليشيات الإيرانية، الأمر الذي يصب لمصلحة طهران التي تعاني قصفاً مستمراً على مواقع نفوذها في سوريا.

شهد الشهران الأخيران من عام 2020، حراكاً عسكرياً روسياً ملفتاً في مدينة البوكمال شرقي سوريا، التي تعدّها طهران أكبر مكسب لها هناك، حيث تمثل المدينة التي تقع على بعد 130 كيلومتراً من مدينة دير الزور وثمانية كيلومترات من الحدود مع العراق، أهمية استراتيجية عسكرية واقتصادية لكل من سوريا والعراق وإيران، وتتجه الأنظار إليها لوقوعها على الطريق الذي تستخدمه الميليشيات الإيرانية للتحرك بين سوريا والعراق وإيصال إمدادتها العسكرية إلى الداخل السوري وحتى إلى حزب الله في لبنان قادمة من طهران، وهو النشاط الذي تسعى إسرائيل لوقفه، فهي ترى أن الوجود الإيراني في سوريا يقوّض جهود الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وتتهم النظام السوري بالسماح لإيران ووكلائها باستخدام المنشآت العسكرية والبنية التحتية بسوريا لترسيخ وجودها، ما يشكل خطراً على أمنها. ينسجم مسعى إسرائيل هذا مع رؤية الإدارة الأميركية الجديدة، إذ يعتبر الرئيس بايدن مواجهة وجود إيران ونفوذها في سوريا أولوية لدى إدارته، لأن طهران تساهم في زعزعة استقرار المنطقة بدعمها النظام في دمشق الذي يقمع شعبه بوحشية، وأيضا بضخّها الأسلحة في العراق ولبنان وسوريا.

أما إيران فهي ماضية في ترسيخ وجودها في سوريا على الرغم من تشديد الضربات على ميليشياتها من قبل إسرائيل، ووفق مصادر محلية فإن إيران تعزز نقاطها عسكرياً بعد كل قصف يستهدفها مما يعني أن ليس لديها نية بالخروج.

البوكمال.. شراكة استراتيجية روسية- إيرانية

شهدت المدينة الحدودية انتشاراً عسكرياً روسياً هو الأول من نوعه منذ انتزاع السيطرة عليها من يد تنظيم الدولة الإسلامية نهاية عام 2017، بعد معارك صاخبة قادها قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، قاسم سليماني الذي قُتل بغارة أميركية في مطار بغداد مطلع عام 2020.

وتزامن هذا الانتشار الروسي الذي جاء محدوداً كماً ووقتاً، مع حراك لجنرالات روس في أرياف دير الزور عبر لقاءات مع وجهاء من عشائر المنطقة، حملت هذه اللقاءات رسالة واحدة هي أن روسيا قررت وقف الفوضى في تلك المنطقة، وعادت لتتسلم زمام الأمور، وفُهم من هذا الحراك أن المقصود هو الحد من التحكم الإيراني في تلك المنطقة والحد من تسلط ميليشياتها على سكانها.

يقوّي الانتشار الروسي في البوكمال شبكات التواصل العسكرية بين طهران وموسكو عامة بسوريا، التي من وظائفها دعم استمرار النظام السوري، كما لهذا الانتشار دور كي لاتنزلق المنطقة نحو نزاع مع أميركا، التي تتحدث مصادر محلية عن وجود نية بسيطرة قوة تدعمها أميركا على البوكمال، وإذا ما نظرنا إلى بلدة الباغوز المطلة على البوكمال، والتي تمتلك فيها أميركا قاعدة بنتها مؤخراً، فيمكن أن تكون  قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي القوة المرجحة لفعل ذلك، خاصة وأن قائد المجلس العسكري لدير الزور، أحمد الخبيل، سبق وأن أبدى رغبته مع قواته التي قدّرها بـ 15 ألف مقاتل في طرد الميليشيات الإيرانية من دير الزور كلياً.

ومن هنا يرى المحلل السياسي الروسي أندريه أنتكوف1، أن البوكمال هي منطقة استراتيجية، ولا يستبعد أن يكون الاهتمام بها فقط عند الروس والإيرانيين، بل لدى الولايات المتحدة الأميركية، إذ يعتقد أن التواجد العسكري الروسي فيها وعند المعبر الحدودي بين العراق وسوريا يضمن التواصل والتبادل التجاري بين دمشق وبغداد ويُزيل الخطر بأن تصبح هذه المنطقة تحت سيطرة القوى المعادية للنظام السوري وروسيا وإيران. التواجد الروسي في البوكمال هو لمصلحة موسكو ودمشق وطهران، وفق أنتكوف، الذي يعتبر أن روسيا، عبر خطوة انتشارها هذه، تُعيق القدرات الأميركية في سوريا، حيث من المهم لروسيا أن تشكل كل الظروف لعرقلة كل التحركات الأميركية، والانتشار في البوكمال إحدى تلك العراقيل.

ينعكس النفوذ الإيراني في البوكمال من الصورة القائمة هناك، إذ يقود الحرس الثوري الإيراني فيها، منذ نهاية 2017، طيفاً متنوّعاً من الميليشيات التي تعمل على تحقيق أهدافه العسكرية في حماية منطقة نفوذه. وعبر تجنيد شبّان محليين في صفوف هذه الميليشيات، يلبّي الحرس حاجته العددية إلى مزيدٍ من المقاتلين، صانعاً أتباعاً يمكن دمجهم في تشكيلاتٍ محليةٍ أكبر وأصلب عوداً في المستقبل، تُجذّر النفوذ الإيراني في دير الزور، وتُشكّل بديلاً عن الميليشيات الأجنبية. فضلاً عن ذلك، تقدّم الأنشطة والأعمال المدنية التي يضطّلع بها المركز الثقافي الإيراني ومنظمة جهاد البناء على نحوٍ خاص، صورةً ودودةً لإيران تجاه المجتمعات المحلية، تحاول إيران من خلالها اكتساب شرعيةٍ وتقبّلٍ من هذه المجتمعات لأدوارها المختلفة. ولميليشيات إيران مقرات وحواجز على امتداد مساحة البوكمال التي تقدر بـ 6,807.01 كم²، وضمن هذه المساحة أنشأت إيران قاعدة الإمام علي الاستراتيجية التي طالما كانت هدفاً للصواريخ الإسرائيلية.

تمكنت روسيا، خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من عام 2020، من إحداث اختراق في البوكمال عبر إرسال قواتها إلى هناك، وتجولت على الحدود مع العراق وفي مطار الحمدان العسكري، برفقة مستشارين من الحرس الثوري الإيراني، إذ جاءت هذه الجولة بعد ممانعة من قبل بعض حواجز الميليشيات قبل أن تأتيهم الأوامر بالسماح بدخول الروس. ويعطي مشهد مرافقة الإيرانيين للروس في البوكمال تصوراً عن الشراكة الاستراتيجية والمركبة بين إيران وروسيا في سوريا عموماً، وهذه الشراكة هي التي أفضت إلى دخول روسيا إلى أقصى الشرق السوري، وهذا الحدث يأتي بعكس ما يقال إن سوريا تحولت إلى ميدان صعب للتعاون بين روسيا وإيران، لأن روسيا وعبر انتشارها في مناطق النفوذ الإيراني، عكست فهماً كبيراً بين الطرفين، ومع ذلك فإن التفاعل الروسي- الإيراني يبقى تكتيكياً وليس بالضرورة أن يلتقي دوماً وفق مواقف سابقة جرت بينهما.

وفي هذا الشأن، يرى العميد الركن هشام جابر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات2، أن روسيا تسعى منذ زمن لتكون هي ضابط الإيقاع الأول والوحيد على المسرح العسكري السوري، ولإيران مصلحة في أن تتعاون مع روسيا في البادية السورية والبوكمال والحدود العراقية- السورية، كي تأمن الغارات الإسرائيلية والأميركية، لكن ليس على حساب أن تتخلى عن السيطرة عن البوكمال ومعبر القائم الحدودي، أما مصلحة روسيا بالتواجد في الشرق السوري عند البوكمال فتنبع من الرغبة في التمدد أكثر في الجغرافية السورية على غرار تمددها في الجنوب السوري، وهي تعلم أن انتشارها لن يمنع الضربات الاسرائيلية لكنه سيحد منها.

رسالة إلى بايدن

ترك الدخول الروسي إلى البوكمال انطباعاً أن الهدف منه سياسي وليس عسكرياً. وذلك من خلال تفحص المواقع التي زارها المستشارون العسكريون الروس، واختيار مقاتلين محليين موالين لموسكو للتمركز في بعضها كـالفندق السياحي وسط المدينة الذي تنتشر به ميليشيا القاطرجي، وميليشيا لواء القدس التي استولت برفقة 20 جندياً من القوات الروسية في يوليو/ تموز 2020 على حقل الورد النفطي الواقع قرب بلدة الدوير في منتصف المسافة بين مدينتي البوكمال والميادين شرقي دير الزور.

يعتقد الخبير في العلاقات الدولية العراقي عمر عبد الستار3، أن المنطقة تستقبل جو بايدن، وعليه فإن روسيا وإيران تستقبلان بايدن أيضاً بمجموعة اتفاقات عبر تقاربات لم تكن في السابق بينهما، ويرى أن روسيا قد تكون تُحَضِر المنطقة لا تفاق يشبه اتفاق هلسنكي المبرم عام 1975، والذي دعا إلى خلق أسس للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية.

ويقول عبد الستار في إمكانية التوصل لمثل هذا الاتفاق في منطقة الشرق الأوسط، إن بايدن يأتي وهو يريد أن ينفتح على إيران للعودة إلى الاتفاق النووي، وأن المنطقة اليوم مستعدة كي تكون فاعلا إقليميا مستعداً للجلوس بين إيران مع خمسة زائد واحد للاتفاق، وروسيا مستعدة للعودة للاتفاق النووي، وهو مايفسر بعض الشيء تحركاتها على الحدود بين سوريا والعراق وفي البوكمال، فهي مستعدة كي تكون الضابط لمجريات الصراع في الشرق الأوسط بين إيران والخليج، وبين إيران وإسرائيل.

العميد الركن خالد حمادة مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات4، يرى أن روسيا تدرك أن الإدارة الأميركية الجديدة قد تجري بعض التعديلات والتغييرات على صعيد السياسة الخارجية، وقد تكون سوريا إحدى هذه الساحات، ويعتقد أن روسيا تستطيع انتزاع موقع الشريك الأكبر في سوريا مع الولايات المتحدة الأميركية. ووجودها في البوكمال سيعطيها عمقاً استراتيجياً أكبر وسيكرس وجودها في منطقة ترتسم فيها عمليات نفوذ جديدة، وقد تستطيع روسيا إلزام طهران ببعض التنازلات بما لا يكسر الشراكة مع طهران وإنهاء وجودها.

أما العميد هشام جابر فيرى أن قرار إدارة بايدن بإبعاد الوجود الإيراني في سوريا يتوقف أولاً على معرفة ما إذا كانت هناك عودة للاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة خمسة زائد واحد، متوقِعاً أن تدخل أميركا بهذا الاتفاق سواء أكان معدلاً أم غير معدل. ثانياً أن سياسة بايدن تجاه إسرائيل لن تتغير بشكل دراماتيكي فيما يخص الحد من الانتشار الإيراني، لكن هذا الدعم يمكن ترشيده أو إدارته، عبر اللجوء للدبلوماسية الهادئة وليس الارتجالية.

إسرائيل تراقب وتشدد ضرباتها

يبدو أن مساعي إيران لحماية ميليشياتها من القصف الإسرائيلي عبر إشراك الروس في مناطقها لم تؤت أُكلها، إذ تعرضت عدة مواقع للميليشيات الإيرانية منتصف يناير/ كانون الثاني 2021 لضربات جوية واسعة، وصفها القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، عاموس يادلين، عبر سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر، بـ “الاستثنائية”. وعدّ هذا الهجوم دليلاً على أن إسرائيل مصممة على مواجهة القدرات العسكرية التي تبنيها إيران في العمق السوري، حتى في عهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

 أعلن الجيش الإسرائيلي في خطوة نادرة، في تقريره السنوي الأخير، أنه قصف خلال عام 2020 حوالي 50 هدفاً في سوريا، دون أن يقدم تفاصيل إضافية. وتعتبر إسرائيل أن هذا القصف أبطأ وتيرة ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا، وسبق للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن قال في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، غداة إعلان إسرائيل عن قصفها أهدافا عسكرية لفيلق القدس الإيراني وللجيش السوري في جنوب سوريا، إن إسرائيل “ستواصل التحرك وفق الحاجة لضرب التموضع الإيراني في سوريا الذي يشكل خطرا على الاستقرار الإقليمي”.

وبالعودة إلى التحرك في البوكمال، استبعد العميد الركن خالد حمادة، أن تكون روسيا قد لعبت دوراً في حماية الميليشيات الإيرانية من الطائرات الإسرائيلية التي تجوب المنطقة وتقوم بضربات في العمق، تؤذي البنية التحتية الإيرانية، مدللاً على اعتقاده بالغارات التي جرت في دير الزور. ويرى أن اتفاق موسكو مع طهران في البوكمال يجعل الأخيرة تشعر ببعض الأمان لجهة الحد من خسائرها والاستمرار بنوع من التواجد المعنوي والسياسي وربما الميداني في الشرق السوري، متوقعاً استمرار القصف الإسرائيلي مع الإدارة الأميركية الجديدة وسيتم تحت عنوان أنه لا تراجع عن القصف، لأنه بات يستهدف المشروع النووي العسكري الإيراني الذي من المفترض أنه يقع ضمن الأولويات الأميركية والإسرائيلية وحتى العربية التي دخلت في مرحلة التطبيع مدفوعة بالخوف من تطور النفوذ الإيراني في المنطقة. مرجحاً أن تدفع إيران ثمن استظلالها بروسيا شرقي سوريا.

تيم الحاج، صحفي ومعد تحقيقات وملفات في العمق في الشأن السوري.

لمتابعته في تويتر :  @TAIMALHAJJ

1 أجريت معه مقابلة بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2021

2 أجريت معه مقابلة بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2021

3 أجريت معه مقابلة بتاريخ 10 يناير /كانون الثاني 2021

4  أجريت معه مقابلة بتاريخ 12يناير/ كانون الثاني 202

صدى

————————–

“أمريكا عادت لقيادة العالم”.. 7 نقاط تشرح لك خطة بايدن للسياسة الخارجية

في أول خطاب رئيسي له فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وقف الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، معلناً عودة بلاده إلى دور القيادة العالمي، وقصد بذلك إلى إعلان واسع النطاق عن إصلاح مقرر للدبلوماسية الأمريكية وإعادة ضبط النظام الدولي للعودة إلى قواعد ومعايير ما قبل ترامب. ووعد بايدن بعهد جديد بعد تخبط السياسة الخارجية في عهد سلفه دونالد ترامب، قائلاً في أولى كلماته الدبلوماسية بعد توليه المنصب، إن “أمريكا عادت” على الساحة العالمية. فكيف ذلك؟ وما أبرز النقاط التي يجب الوقوف عندها في هذا الخطاب؟

بايدن يحاول تبديد أي شكوك حول “قوة أمريكا”

وفي خطاب ألقاه الخميس 4 فبراير/شباط 2021، أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وتحدث عن اتباع نهج قوي إزاء الصين وروسيا كما حثَّ زعماء ميانمار العسكريين على إيقاف انقلابهم.

وقال بايدن: “لا بد للقيادة الأمريكية أن تواجه هذه الفترة الجديدة من تزايد النزعة السلطوية، بما في ذلك تنامي مطامح الصين لمنافسة الولايات المتحدة وعزم روسيا على الإضرار بديمقراطيتنا وإفسادها. لا بد لنا أن نواجه الفترة الجديدة… فترة تسارع التحديات العالمية من الجائحة إلى أزمة المناخ إلى الانتشار النووي”.

وكان ترامب قد أغضب زعماء أوروبا وآسيا بالتعريفات الجمركية والخروج من تحالفات عالمية والتهديد بسحب قوات أمريكية، ولم يبذل جهداً يُذكر في التصدي لموجة من التيار السلطوي في بعض الدول.

بعد أن هاجم أنصاره مبنى الكونغرس في 6 من يناير/كانون الثاني احتجاجاً على فوز بايدن في الانتخابات، أبدى حلفاء واشنطن الأجانب ومنافسوها على السواء تشككاً في قوة الديمقراطية الأمريكية.

وتقول رويتر إن خطاب بايدن كان بمثابة “محاولة قوية لتبديد تلك الشكوك وإقناع الأمريكيين بأهمية انتهاج خط دولي قوي”. يقول بايدن: “الاستثمار في دبلوماسيتنا ليس شيئاً نفعله لأن هذا هو الصواب للعالم وحسب، بل نفعله كي نحيا في سلام وأمان ورخاء، نفعله لأنه يصب في مصلحتنا الذاتية”.

بايدن: “أمريكا عادت”.. كيف ذلك؟

ومع ذلك، يشير تحليل منشور عبر موقع Responsible Statecraft الأمريكي، كتبته كيلي فلاهوس، كبيرة مستشاري معهد كوينسي في واشنطن، إلى أن خطاب بايدن الأخير وملاحظاته الموجزة لم تتطرق بالضبط إلى سبل “عودة أمريكا” على مستوى الممارسة العملية على الأرض، فقد اتسمت السنوات الـ16 التي سبقت ترامب بحروب أمريكية في أنحاء مختلفة من العالم وعمليات مكافحة للإرهاب في عديد من البلدان، مع ما نجم عن ذلك من أزمة لاجئين، وانهيار شديد للنفوذ الأمريكي والنظرة العالمية إليه في جميع المجالات.

وقال بايدن: “نحن بلد يأتي أفعالاً كبرى، الدبلوماسية الأمريكية تنجح في هذا وإدارتنا على أهبة الاستعداد لحمل الشعلة وتولي القيادة من جديد”.

لكن في سردية بايدن، كانت الأزمة الكبرى هي في تدمير ترامب للديمقراطية في الداخل الأمريكي، وانصرافه عن الحلفاء التقليديين، ما شوَّه سمعة أمريكا بوصفها نموذجاً للديمقراطية في الخارج، بحسب فلاهوس.

ويقول بايدن إن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لاستعادة هذه المكانة الأمريكية، وفصّل ذلك بالقول: “الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة بلورة عادة التعاون، والعمل على إعادة بناء عضلات التحالفات الديمقراطية التي انهارت على مدى السنوات القليلة الماضية بفعلِ الإهمال وإساءة الاستخدام، حسبما أزعم”. ثم شدد بايدن على أن “الولايات المتحدة عليها استعادة مكانتها القيادية”، وأنه لا داعي للقلق، “فأمريكا قد عادت”.

“التحالفات الأمريكية هي أهم بند في رأسمالنا”

كان اختيار بايدن لوزارة الخارجية مكاناً لإلقاء أول كلمة دبلوماسية رئيسية دلالة كبيرة على الأهمية التي يوليها للدبلوماسيين، الذين كان يعتبرهم ترامب معارضين معظم الوقت.

وقال بايدن: “التحالفات الأمريكية هي أهم بند في رأسمالنا، والقيادة من خلال الدبلوماسية تعني الوقوف جنباً إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا الرئيسيين مرة أخرى”.

وسعى بايدن في أيامه الأولى في الرئاسة لإصلاح ما وصفه بالضرر الذي لحق بوضع أمريكا في العالم وتراجَع عن سياسات اتبعها ترامب. وهو يعمل على إحياء الاتفاق مع إيران وأعاد عضوية بلاده في اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية.

“أخطر منافسينا”.. رسائل “صارمة” لروسيا والصين

بايدن مرَّ سريعاً على عددٍ -وليس كل- من المخاوف الخارجية الأمريكية الرئيسية، وكيف يمكن للولايات المتحدة التعامل معها من خلال نهجٍ دبلوماسي متجدد ومكثّف.

ففيما يتعلق بالصين، التي تطور جيشها وتعمل على زيادة نفوذها حول العالم، ربما كانت أكبر تحد دولي يواجه بايدن في مستهل رئاسته، وصفها بايدن بأنها “أخطر منافس للولايات المتحدة”. واتخذ بايدن نبرة صارمة حيال بكين، قائلاً إن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الانتهاكات الاقتصادية لبكين أو السلوكيات العدوانية الأخرى، لكنها ستكون سعيدة بالحديث والتعاون عندما “يكون من مصلحة أمريكا القيام بذلك”.

وسعى ترامب في البداية لبناء علاقة وطيدة مع رئيسها شي جين بينغ، لكن الخلافات حول التجارة وهونغ كونغ وما يصفه الجيش الأمريكي بسلوك بكين العدائي المزعزع للاستقرار في بحر الصين الجنوبي أحدث شقاقاً.

وأضاف بايدن: “سنتصدى لانتهاكات الصين الاقتصادية وسنواجه عملها القهري الشرس على مواصلة الهجوم على حقوق الإنسان والملكية الفكرية والأحكام العالمية.. لكننا مستعدون للعمل مع بكين عندما يكون هذا في مصلحة أمريكا”.

أما لهجته الأشد قوة، فاحتفظ بايدن بها لـروسيا، وتحدى بكلماته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال: “أوضحت للرئيس بوتين، بأسلوب شديد الاختلاف عن سلَفي، أن أيام صمت الولايات المتحدة أمام أعمال روسيا العدائية وتدخلها في انتخاباتنا وهجماتها الإلكترونية وتسميم مواطنيها قد ولّت”. وطالب بايدن بالإفراج الفوري عن المعارض أليكسي نافالني من السجن “دون قيد أو شرط”.

على أنه، وبخلاف التلويح بـ”العواقب”، لم يقدم أي توجيهات حول الطريقة التي سيفرض بها تلك المطالب على بوتين أو غيره من الزعماء الاستبداديين، فلم يكن هناك، على سبيل المثال، حديث عن فرض عقوبات، رغم أنه كان قد أثارها هو ومسؤولوه في تصريحات سابقة لهم.

إنهاء دعم السعودية في حرب اليمن مع “الحفاظ على سيادتها”

ومع ذلك، فإن المسار الذي اتخذه بايدن لنقض سياسة ترامب لم يكن غامضاً على نحو تام، فقد أعلن أن واشنطن ستنهي دعمها للعمليات السعودية “الهجومية” في الحرب على اليمن، “ويشمل ذلك جميع مبيعات الأسلحة ذات الصلة”. كما أعلن تعيين مبعوث دبلوماسي، تيموثي ليندركينغ، وهو دبلوماسي محنك يتمتع بخبرة طويلة في شؤون الخليج واليمن، للمساعدة فيما يتعلق بالتفاوض على وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء حقيقي للصراع هناك.

غير أن بايدن أعقب ذلك بتنويه، مفاده أن الولايات المتحدة ستستمر في مساعدة السعودية (التي ما انفكت تقصف اليمن منذ عام 2015) للدفاع عن “سيادتها وسلامة أراضيها وشعبها” من هجمات “القوات المدعومة من إيران في دول مختلفة”.

تتساءل كيلي فلاهوس حول ذلك: لكن السؤال هنا: هل يشمل ذلك أيضاً حماية السعوديين من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن؟ ألن يعني ذلك الحفاظ على تدفق مبيعات الأسلحة واستمرار الحرب؟ لم يجب بايدن عن ذلك.

صمت بايدن حول الاتفاق النووي الإيراني وعدم التطرق لقضايا أخرى

اللافت للنظر أن بايدن تخطّى ذكر بعض من أعظم تحديات السياسة الخارجية في فترة ولايته المبكرة. فلم يتطرق إلى “كيم جونغ أون” أو “كوريا الشمالية” في خطابه قط. والأدهى أنه لم يرد ذكر للحرب الأمريكية المستمرة منذ 20 عاماً في أفغانستان، أو الموعد النهائي المحدد في الأول من مايو/أيار المقبل لسحب القوات الأمريكية المتبقية هناك، والبالغ عددها 2500 جندي. غير أنه قال إنه كلف وزير الدفاع لويد أوستن بمراجعة شاملة لهياكل القوات الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني وعودة واشنطن إليه، فقد التزم بايدن الصمت حياله، على الرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) ربما تكون أفضل نموذج على التعاون متعدد الجنسيات في العقد الماضي، كما تقول فلاهوس، وكان تخلي ترامب عنه في عام 2018 أوضح مثال على تجاهل الرئيس السابق للدبلوماسية ومعاييرها في فترة ولايته.

تعزيز القيم الديمقراطية حول العالم

في غضون ذلك، تحدث بايدن عن أن سياسته الخارجية ستعزز “القيم الديمقراطية” في الولايات المتحدة وفي الخارج، ويشمل ذلك “المساواة العرقية وحقوق المثليين ومعالجة مشكلات الاقتصاد المحلي والطبقة الوسطى الأمريكية”. كما قال إنه سيصدر أمراً تنفيذياً يعيد فتح الباب أمام قبول اللاجئين، وأشار إلى دور وزارة الخارجية في التعامل مع قضية التغير المناخي، واصفاً إياها بأنها “تهديد وجودي”، وتعهد بالعمل مع دول أخرى في “قمة المناخ” للضغط من أجل التغيير.

في النهاية، تقول فلاهوس، إن الدبلوماسية لا شك في أنها نهج مفضل على الإكراه المسلح والحرب، وإن أي “عودة ” أمريكية إلى نهج أكثر سلمية، ستكون موضع ترحيب، غير أنه على مدى عقدين من الزمن، كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تنفصم عن نهج التدخل العسكري، وتجاهل هذه الحقيقة -خاصة المتعلقة بآلاف القوات الأمريكية التي ما تزال في الخارج منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001- لن يجعلها تختفي. ومن ثم تشدد فلاهوس على أن تلك القضايا سيتعين التعامل معها إن عاجلاً أو آجلاً، ما لم يكن يريد الإبقاء على الوضع الراهن كما هو، وهو ما صرّح ترامب بخلافه.

——————————

بايدن يقلب إرث ترامب في الشرق الأوسط والعالم / هشام ملحم

معلناً “عودة أميركا” من عزلتها الدولية خلال ولاية سلفه دونالد ترامب، لتتصدر دورها القيادي ‏العالمي، ومؤكداً أن “الديبلوماسية عادت الى جوهر” السياسة الخارجية الأميركية، قال الرئيس ‏جوزف بايدن في أول خطاب له حول السياسة الخارجية أن الولايات المتحدة سوف توقف دعمها ‏‏”للعمليات الهجومية” في اليمن، “بما في ذلك مبيعات الأسلحة”،  في إشارة الى الغارات الجوية ‏السعودية، معتبراً أن حرب اليمن “قد خلقت كارثة إنسانية واستراتيجية”.

وكان الرئيس بايدن قد ‏قرر تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة “موقتاً”، بعد أن أقرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في الأسابيع والأيام الأخيرة من ولايته.‏

وقال بايدن إنه سيعيّن الديبلوماسي المخضرم تيموثي لينديركينغ مبعوثاً خاصاً لليمن للسعي الى ‏تحقيق حل سلمي للنزاع في البلاد وفقاً لمبادرة الأمم المتحدة لفرض وقف لإطلاق النار، وفتح ‏القنوات لتوفير المساعدات الإنسانية واستئناف محادثات السلام… ولتيموثي لييندركينغ خبرة ‏واسعة في شؤون الخليج وشبه الجزيرة العربية‎.‎‏

وسوف ينسق المبعوث لينديركينغ مع الوكالة ‏الأميركية للتنمية الدولية لضمان وصول المساعدات الانسانية “للشعب اليمني الذي يعاني من ‏خراب لا يمكن تحمله”. وشدد بايدن على أن “هذه الحرب يجب أن تنتهي”. ويحظى موقف بايدن ‏من حرب اليمن بدعم واسع في أوساط  المشرعين الديموقراطيين في الكونغرس.‏

وأشار بايدن الى أن السعودية تواجه خطر الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة وغيرها من ‏التهديدات من قبل قوى مختلفة تسلحها إيران في عدد من الدول، التي لم يذكرها بالاسم، وتابع: ‏‏”وسوف نواصل دعم ومساعدة السعودية للدفاع عن سيادتها وحرمة أراضيها وشعبها”.‏

قرار بايدن سوف ينهي ما تبقى من الدعم اللوجستي والاستخباراتي والذي بدأته إدارة الرئيس ‏الأسبق باراك اوباما للحرب التي شنها أئتلاف من الدول العربية بقيادة السعودية ودولة الإمارات ‏العربية المتحدة ضد الحوثيين بعد أن استولوا على السلطة في اليمن والذي استمر خلال ولاية ‏الرئيس السابق دونالد ترامب. وقبل الخطاب قال مستشار الأمن القومي جايك سوليفان إن بايدن ‏كان قد وعد خلال الحملة الانتخابية بأنه سيتخذ مثل هذا القرار.

وكان بايدن ووزير خارجيته قد ‏انتقدا في السابق الغارات السعودية في اليمن والتي أدت الى خسائر بشرية واسعة. وخلال ولاية ‏الرئيس السابق ترامب، صوّت الكونغرس على قرارات لوقف تسليح السعودية ودولة الإمارات، ‏ولكن ترامب استخدم حق النقض الفيتو ضد هذه القرارات.‏

وجاء قرار بايدن بعد أسابيع من تصنيف إدارة الرئيس ترامب حركة الحوثيين التي تزودها ‏إيران بالأسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية، كتنظيم إرهابي. وقام الحوثيون في أكثر من ‏مناسبة بإطلاق صواريخ باليستية بشكل عشوائي ضد أهداف في العمق السعودي. وتقوم إدارة ‏الرئيس بايدن حالياً بمراجعة هذا التصنيف الذي قال وزير الخارجية انطوني بلينكن إنه يؤثر سلباً ‏في العمليات الدولية لإغاثة اليمنيين، بخاصة أن الحوثيين يسيطرون على مناطق واسعة في ‏اليمن.‏

وفي السنوات الماضية خفضت الولايات المتحدة من دعمها للعمليات العسكرية حيث أنهت في ‏‏2018 عمليات تزويد الطائرات الحربية السعودية بالوقود في الجو، وإنْ واصلت تدريبها ‏وإرشاداتها للطيارين السعوديين بهدف تفادي قصف المدنيين. وللقرار أهمية رمزية وسياسية تفوق ‏أهميته العسكرية، لأنه يعكس معارضة بايدن وطاقمه الأمني لاستمرار الحرب في اليمن. ومع أن ‏المحللين رأوا في التعليق “الموقت” لصفقات الأسلحة لدولة الإمارات والسعودية، أن إدارة بايدن ‏سوف تفرج عن هذه الصفقات بعد مراجعة ليس من المتوقع أن تكون طويلة، إلا أنها مؤشر بأن ‏المشاعر الحميمة التي ميزت علاقات الرئيس السابق ترامب بقادة دول الخليج، قد انتهت.

ويمكن ‏القول إن مواقف الرئيس بايدن النقدية لوضع حقوق الإنسان في المنطقة وانتقاداته لقادة بعض ‏الدول ومن بينهم على سبيل المثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب مواقفه العدائية ‏تجاه الغرب وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وانتقاد بايدن لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي ‏الفلسطينية المحتلة، أن علاقات ادارة الرئيس بايدن بحلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة ومن ‏بينهم تركيا وإسرائيل، اضافة الى السعودية سوف تتسم بالفتور، وربما أكثر من الفتور، وبخاصة ‏اذا استعجل بايدن استئناف الاتصالات مع إيران بهدف إحياء الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة ‏الرئيس أوباما في 2015، والذي ألغاه ترامب في 2018، والذي يريد بايدن تطويره، ما يعني ‏إدخال عامل سلبي آخر للعلاقات بين واشنطن من جهة وإسرائيل والسعودية ودولة الإمارات من ‏جهة أخرى. ‏

وباستثناء الإشارة العابرة للقوى التي تسلحها إيران في المنطقة، لم يتطرق بايدن الى العلاقات مع إيران، أو استئناف المفاوضات النووية معها. كما لم يتطرق الى النزاعات الدموية الأخرى في ‏المنطقة ومن بينها الحروب التي تخوضها دول إقليمية ودولية في سوريا وليبيا. كما لم يتطرق ‏بايدن الى إسرائيل أو تركيا.‏

وتوجه بايدن الى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ليؤكد لهم أنه سيسعى لإصلاح العلاقات معهم ‏بدءاً بجيران الولايات المتحدة: كندا والمكسيك، والدول الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا ‏وبريطانيا، وحلفاء واشنطن في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وهي علاقات اتسمت خلال ‏ولاية الرئيس السابق ترامب بالفتور والجفاء وحتى بالتوتر. وركز بايدن على ضرورة استعادة ‏القيادة الأميركية على المستوى الدولي “لمواجهة هذه اللحظة الجديدة لتقدم السلطوية بما فيها ‏الطموحات المتنامية للصين لمنافسة الولايات المتحدة، وتصميم روسيا على إلحاق الأضرار ‏بديموقراطيتنا وعرقلتها”.‏

واتخذ بايدن موقفاً نقدياً قوياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطالبه بالإفراج الفوري وغير ‏المشروط عن المعارض الروسي  أليكسي نافالني، وقال إنه أوضح لبوتين حين تحدث معه هاتفياً ‏‏”وبطريقة تختلف جداً عن أسلوب سلفي (ترامب) أن ايام تراجع الولايات المتحدة في وجه ‏نشاطات روسيا العدائية – التدخل في انتخاباتنا، والهجمات الإلكترونية وتسميم مواطنيها – قد ‏انتهت”. وتابع محذراً “ولن نتردد في زيادة الثمن الذي ستدفعه روسيا وأن ندافع عن مصالحنا ‏الحيوية وعن شعبنا”.‏

أراد الرئيس بايدن بخطابه أن يقول للعالم، أولاً، إن الديموقراطية الأميركية التي اجتازت امتحاناً ‏صعباً قبل شهر واحد حين اقتحم متطرفون اميركيون مبنى الكابيتول ليقوضوا نتائج الانتخابات ‏الأميركية وسرقتها لصالح الرئيس المهزوم دونالد ترامب، لا تزال مصرّة على دورها القيادي في ‏العالم، وأنه سيسعى الى تعزيز الديموقراطية في الداخل، لكي تواصل الولايات المتحدة دفاعها عن ‏القيم والمؤسسات الديموقراطية في العالم، وأنها ستفعل ذلك بشكل شفاف في الداخل كما في ‏الخارج. وثانياً، انه انتخب من قبل أكثر من 80 مليون أميركي ليقلب تركة سلفه ترامب في ‏الخارج رأساً على عقب.

النهار العربي

————————-

قسد تنتقد ترامب.. وتتأمل من بايدن تصويب أخطاءه

شدد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، على أن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، منح الضوء الأخضر لتركيا “لتحتل رأس العين وتل أبيض”، مبدياً أمله أن تصحح الإدارة الأميركية الجديدة “الكم الهائل من الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة السابقة، بما فيها كيفية التعامل مع الأزمة السورية، ومعظم السياسات التي أثرت سلباً على الدور الأميركي فيها”.

وصرح عبدي خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة “الشرق الأوسط” حول استمرار قوات سوريا الديمقراطية بملاحقة خلايا داعش: “ارتأينا، وبعد العمليات الإرهابية التي وقعت في مناطق عدة، أن نبدأ، وبالتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، حملة لضرب تلك الخلايا، وحققنا بعض النتائج المرجوة في القبض على العديد من قادات وعناصر التنظيم التي كانت تنفذ أعمال القتل والتفجير، والحملة لا تزال مستمرة”، لافتاً إلى أن نشاط خلايا داعش ازداد   “بعض احتلال تركيا لمناطق رأس العين، وتل أبيض في شمال شرقي سوريا”.

وبخصوص شكل التنسيق بين التحالف الدولي وقوات سوريا مع تسلم الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، شدد عبدي على أنه “لم يطرأ عليه أي تغيير”، منوهاً إلى أنه “بحسب ما فهمنا من لقاءاتنا مع مسؤولين من التحالف، أن هناك توجهاً لدى التحالف لتوسيع عملياته ضد الإرهاب، خاصةً بعد التهديدات التي أطلقها التنظيم باستهداف مناطق متفرقة ودول عديدة، ومحاولاته زعزعة الاستقرار فيها”.

أما حول هجمات داعش في شرق الفرات، فأعادها عبدي إلى “الاحتلال التركي لمناطق رأس العين وتل أبيض ساهم في إعادة إحياء التنظيم، عبر الدعم الذي تلقاه من قوات الاحتلال التركي. ولدينا معلومات مؤكدة، أن العناصر التي فرت من شمال وشرق سوريا، وصلت إلى المناطق التي تحتلها تركيا مثل عفرين وجرابلس وإعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض، وأعادت تنظيم صفوفها ضمن صفوف ما يسمى الجيش الوطني السوري، ودعمتها تركيا عسكرياً ولوجيستياً وسهلت لها سبل الوصول إلى مناطقنا للقيام بعمليات قتل وتفجير، استهدفت في غالبيتها المدنيين”.

فيما عزى عبدي السبب الثاني لـ “انشغالنا في مقاومة الاحتلال التركي الذي يستهدف مناطقنا كل يوم، أتاح الفرصة للتنظيم لتنفيذ بعض العمليات، كما أن أطرافا أخرى تسعى للاستثمار في عمليات التنظيم، سعياً لإضعاف قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية”، لكنه نفى وجود أي اتفاق عسكري أو تنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري أو مع روسيا حول الهجمات التي تقوم بها خلايا داعش في مناطق البادية السورية.

قسد

واعتبر عبدي أن التواجد الأميركي في سوريا هو في إطار الحرب ضد “الإرهاب” والمساهمة في إعادة الاستقرار إليها “لدورها الأساسي في حل الأزمة السورية”، مبيناً أن “الوجود الأميركي في سوريا مرهون بعاملين: الأول، القضاء على الإرهاب وعودة الأمن والاستقرار إلى مناطق شمال وشرقي سوريا، والثاني، مرتبط بحل الأزمة السورية وفق قرارات الأمم المتحدة، ومن ثم المشاركة في إعادة إعمار سوريا”.

وبخصوص الانسحاب الأميركي في تشرين الأول 2019 من بعض مناطق شرق الفرات فقد اعتبرها “خطأً كبيراً”، مشدداً على أن “الرئيس السابق دونالد ترمب منح إردوغان الضوء الأخضر لاحتلال تلك المناطق”، ولا شك أنها أثرت على فعالية “قواتنا في محاربة الإرهاب”، وبالتالي قرار الانسحاب “انعكس سلباً على الولايات المتحدة واستراتيجيتها في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموماً”.

كما أبدى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية أمله في أن تعمل الإدارة الأميركية الجديدة على تصحيح “الكم الهائل من الأخطاء” التي وقعت فيها إدارة ترمب السابقة، بما فيها كيفية التعامل مع الأزمة السورية، وغالبية السياسات التي “أثرت سلباً على الدور الأميركي في سوريا”، وهي مدعوة إلى اتباع استراتيجية جديدة من شأنها “إعادة تفعيل الدور الأميركي في الدفع باتجاه وضع نهاية للمحرقة السورية”.

ليفانت-وكالات

—————————-

سورية.. إدارة بايدن تواجه دعوات لكسر هيمنة موسكو على طرق المساعدات

وجه دبلوماسيون أمريكيون سابقون دعوات للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن للتحرك بشكل سريع من أجل كسر الهيمنة الروسية على طرق إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية.

وتأتي هذه الدعوات قبل خمسة أشهر من قرار (سنوي) سيتم التصويت عليه في مجلس الأمن، من أجل تمديد إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، والتي تنحصر في الوقت الحالي عبر معبر “باب الهوى” الحدودي فقط.

وفي مقالة نشرتها مجلة “نيوز ويك” الأمريكية، اليوم الجمعة، ذكرت أن موسكو ستحاول وقف آخر عملية إدخال مساعدات عبر الحدود إلى سورية، وذلك في التصويت المقبل في مجلس الأمن (يوليو 2021).

وكتب المقالة كل من: روبرت فورد سفير الولايات المتحدة إلى سورية سابقاً، ووائل الزيات الذي عمل مستشاراً أولاً للسفيرة الأمريكية سامانثا باور في الأمم المتحدة.

وجاء في المقالة التي ترجمتها “السورية.نت”: “ستهدف روسيا إلى وقف آخر عملية مساعدة عابرة للحدود، وبالتالي وقف شحنات المواد الغذائية، الأمر الذي سيتسبب في فرار الملايين من الناس. ولهذا، يجب أن تكون إدارة بايدن مستعدة لاستبدال عملية الأمم المتحدة هذه بآلية مانحين دوليين”.

وعلى مدى السنوات الـ6 الماضية، أرسل المانحون الدوليون المساعدات إلى النازحين السوريين في مختلف المناطق داخل سورية وفي الدول المجاورة أيضاً، في إطار عملية للأمم المتحدة يوافق عليها مجلس الأمن كل 6 أشهر.

ومع ذلك، فإن روسيا تعرقل كل هذه الجهود، وعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، استخدمت موسكو سلطتها في مجلس الأمن لخفض عدد المعابر الحدودية المسموح بها لتوصيل المساعدات من 4 إلى واحد، وهو معبر “باب الهوى”.

دعوات لوضع الخطط

واقترح فورد والزيات في مقالتهما أن تتولى “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الدور في إيصال المساعدات”.

وقالوا: “لترجمة ذلك بالفعل، يتعيّن على إدارة بايدن البدء في وضع خطط للتدخل لصالح الأمم المتحدة والتشاور مع الشركاء الآن”.

وتابعوا: “سيتطلب هذا الجهد أيضاً تبريراً قانونياً لعملية دولية تحل محل دور الأمم المتحدة. كذلك، يجب أن يركز فريق بايدن على شرعية الاستجابات الدولية عندما تجوّع الدول ذات السيادة الناس، وتثير عن قصد عدم الاستقرار الإقليمي”.

ووفقاً للمقالة التي نشرها الدبلوماسيّان، فإنّ إدارة بايدن تحتاجُ أيضاً إلى تعزيز عملية المساعدة التابعة للأمم المتحدة في بقية مناطق سورية، إذ أنّ حكومة نظام الأسد تعرقل تحركات طواقم المساعدات الدولية، وتعيق قوافل المساعدات لـ”الناس اليائسين” في إدلب.

التحرك بعد الانتخابات

وستدعم روسيا إعادة انتخاب بشار الأسد لفترة ولاية جديدة مدتها 7 سنوات “في انتخابات مزيفة مقررة مبدئياً في الربيع المقبل”.

وحسب ما جاء في المقالة: “ستسعى موسكو بعد ذلك إلى الحصول على تفويض مطلق للأسد، لتوجيه جميع عمليات المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة في سورية”.

ولمواجهة هذه العقبات اقترح فورد والزيات أن تضع إدارة بايدن مع مانحين آخرين، معظمهم من الأوروبيين، مجموعة من المبادئ، التي تحكم العمل الإنساني للأمم المتحدة في سورية.

وإذا رفضت دمشق هذه المبادئ، أشارت المقالة إلى أن “المانحون يحتاجون إلى إعادة تقييم ما إذا كان ينبغي أن تذهب أموال مساعداتهم إلى عملية الأمم المتحدة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، أو إذا كانت هذه الأموال ستوفر تأثيراً أفضل في مجتمعات اللاجئين بالدول المجاورة، وفي شمال سورية الذي تسيطر عليه المعارضة”.

السورية نت

————————-

========================

تحديث 06 شباط 2021

—————————-

سورية بين فيلتمان وفورد وهوف/ وائل السواح

كتب ثلاثة دبلوماسيين أميركيين ديمقراطيين سابقين، أخيرا، مقالات مميّزة عن سورية، طالبين من الرئيس جو بايدن رسم سياسة جديدة لسورية. جيفري فيلتمان وروبرت فورد وفريد هوف. يشغل فيلتمان الآن منصب زميل زائر في الدبلوماسية الدولية في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز. وكان قد شغل منصب وكيل الأمين العام للشؤون السياسية في الأمم المتحدة نحو ست سنوات. وكان سفيرا للولايات المتحدة في بيروت ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. وفي كلّ مراحل عمله، كانت سورية جزءا من اهتماماته. وكان روبرت فورد سفير الولايات المتحدة في دمشق في أثناء اندلاع الانتفاضة السورية في مارس/ آذار 2011، وله خبرة واسعة في العالم العربي، حيث كان سفيرا في الجزائر ونائبا لرئيسة البعثة في العراق بعد إطاحة صدّام حسين. وهو حاليا أستاذ في جامعة يال وزميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. أما فريد هوف فكان المبعوث الخاص إلى سورية، وقدّم استقالته احتجاجا على سياسة الرئيس الأسبق، أوباما، الهلامية بشأن سورية، بعد مهزلة الخطوط الحمراء والأسلحة النووية الشهيرة في عام 2013.

كتب فيلتمان مقالته بالاشتراك مع هراير بليان، وهو أحد الاعتذاريين المشهود لهم للدكتاتور السوري بشار الأسد، وأحد أقوى الأصوات الديمقراطية التي تطالب برفع الضغوط المفروضة عليه، من معهد كارتر. نشرت المقالة في موقع بروكينغز بعنوان “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة تجاه سورية”. ونشر فورد مقالته في مجلة فورين أفيرز المرموقة تحت عنوان “فشل سياسة الولايات المتحدة في سورية”. ونشر هوف مقالته في موقع أتلانتيك، “سورية: أي طريق للمضي في عهد بايدن؟”.

مقالة فيلتمان وبليان هي الأغرب، فالأول من أشد منتقدي الرئيس السوري بشار الأسد ومناهضي سياساته الداخلية والخارجية، بينما كان الآخر منتقدًا قويًا لفكرة أن الضغط وحده سيغير السلوك الإشكالي للأسد. ويستطيع القارئ العارف أن يميّز في المقال بين كتلتين من الأفكار، تلغي إحداهما الأخرى. وتقدّم المقالة مجموعتين من التوصيات لإدارة الرئيس بايدن، الأولى (تستطيع أن ترى فيها خطّ هراير بليان) ترى أن على الولايات المتحدة “النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة كوفيد 19في سورية من العقوبات. وبالقدر نفسه من الأهمية سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري. سيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية”.

في المقابل، تستطيع أن تتقفّى أثر جيفري فيلتمان في الاستدراك التالي: “لن يتم إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة تم التفاوض عليها مع الحكومة السورية. ومن شأن آليات الرصد أن تتأكد من التقدم. ستشمل الخطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيميائية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة في عملية جنيف، وتحقيق المزيد من اللامركزية”.

يرى السفير روبرت فورد، في مقالته، أن ثمة روابط سياسية وعسكرية تاريخية تربط بين روسيا وسورية، وهي علاقات تبلغ من القوة حدّا يغدو معه من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأميركية. حافظت روسيا وسورية على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة، وعمل المستشارون الروس في البلاد قبل وقت طويل من بدء الصراع الحالي في عام 2011. كما أن وجود إيران طويل الأمد، ولن تغير الدوريات الأميركية الصغيرة العرضية في شرق سورية أيًا من هذه العلاقات الثنائية، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد، وهو أمر تقوم به القوات الجوية الإسرائيلية بالفعل بشكل فعال. وبالتالي، فإن نصيحة فورد للرئيس بايدن هي باختصار أن “يسمح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية من خلال تحمل عبء مكافحة تنظيم داعش. في النهاية، تشكل هذه الصفقات جوهر الدبلوماسية، العمل على حل مشكلات محدّدة، حتى مع شركاء بغيضين، لتحقيق أهداف محدودة ولكنها مشتركة.

في المقابل، يتبنى فريد هوف موقفا مغايرا تماما لموقف السفير فورد المهادن، وموقف فيلتمان السلبي. كان واضحا في إدانته سياسة الرئيس السابق أوباما، الذي رفض بشدّة “رفع إصبعه لمعارضة أو معاقبة استراتيجية بقاء القتل الجماعي للمدنيين للنظام السوري، حتى عندما نشر أوباما قواته لمحاربة “داعش” في شمال شرق سورية والعراق. وفي الواقع … أكد للمرشد الأعلى لإيران أن العمليات العسكرية الأميركية في سورية لن تستهدف عميله (الأسد)، الذي شجّعه بالفعل انهيار “الخط الأحمر” (رسمه الرئيس أوباما) عام 2013، فاستخدمه كشيك على بياض مجدّد ومجاني، وأغرق البلاد بأقصى قدر من الدماء”.

ويستنتج أنه بينما يتعيّن على إدارة بايدن أن تراجع العقوبات المفروضة على زعماء النظام والمؤسسات، في محاولة للتأكد من أن لا شيء تفعله الولايات المتحدة لمحاسبتهم، يضيف، ولو بشكل هامشي، إلى المعاناة التي يعاني منها السوريون، بسبب سوء الحكم في بلادهم، فلا يجب أن تكون الإدارة بحاجة “لتلقي تعليمات من أولئك الذين يسعون إلى ترسيخ حكم المدمر الرئيسي لسورية”. وسأل الدبلوماسي العريق: “أيعقل أن الدولة التي أشرفت على الاستقرار بعد الحرب في اليابان وألمانيا تفتقر الآن إلى المهارات اللازمة للعمل مع السوريين والشركاء الدوليين” في سورية؟

وبينما لا يكاد كلّ من فورد وفيلتمان يذكر الانتقال السياسي، يكرّر هوف، بوضوح، أن الانتقال السياسي الذي ينتج حكمًا شرعيًا سيظل هدف السوريين. ويجب على الإدارة الجديدة أن “تلزم نفسها بمعاقبة أي حملة متجدّدة من القتل الجماعي للمدنيين وإرهاب الدولة التي يمارسها نظام الأسد عسكريًا”. وذكّر هوف بحقيقة أن أنصار النظام كانوا يتجهون إلى مخارج مدينة دمشق في صيف 2013، “عندما مسح الرئيس أوباما خطه الأحمر الخاص بالأسلحة الكيماوية.” وأضاف أن كبار مسؤولي إدارة بايدن أقرّوا علناً بالأسف على السياسات السورية لإدارة أوباما، مؤكّدا أنه “سيتم اختبار صدق أسفهم ذاك وأهميته على الأرض عندما يستأنف نظام الأسد المذابح الجماعية، سواء بالأسلحة الكيماوية أو البراميل المتفجرة أو أي أدوات أخرى لإرهاب الدولة في مخزونه”.

تعبّر المقالات الثلاث عن وجهات نظر ثلاث متباينة: وبينما يسعى السفير فورد إلى إقناع الإدارة الجديدة بالانسحاب من سورية وإخلاء المنطقة للروس والإيرانيين، من دون أن يقدّم سببا مقنعا لذلك، يقع فيلتمان في حيرة من أمره، فهو يريد رفع البأس عن السوريين، ويأمل أن يتمّ ذلك من خلال رفع العقوبات عن النظام وتشجيعه ليقدّم تنازلات حقيقية، يدرك هو نفسه أن النظام غير راغب في ذلك، ثم يأتي أوضح الأصوات بين الثلاثة: فريد هوف. كان هوف دوما أوضح الأصوات الديمقراطية المدافعة عن السوريين، وهو لا يزال صلبا في موقفه الحازم من أن الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من الحل، وهو الوحيد الذي يحترم القرارات الدولية المطالبة بانتقال سياسي حقيقي، بعيدا عن الأسد وزمرته. وأخيرا هو الوحيد الذي تخلّى عن حزبيته، وقال قول الحق في الضربات التي وجّهها الرئيس السابق ترامب إلى الرئيس السوري “على الرغم من كونها رمزية استطاعت أن توصل رسائل قوية إلى النظام”.

تشكّل هذه الأصوات الثلاثة الخلفية التي ستستأنس بها سياسة الرئيس بايدن في سورية، ولا نستطيع سوى أن نأمل في أن الإدارة الجديدة لن تعيد مأساة سياسة الرئيس أوباما الجبانة والمتردّدة، ولن تعتبر جزءا من الملفّ الإيراني، وإن يكُن ذلك الأمر مستبعدا، وخصوصا بعد تعيين صديق الإيرانيين، روبرت مالي، مبعوثا لإيران، فهل تستفيق المعارضة السورية من سباتها العميق وتنظر حولها، عسى أن يكون لها قول مختلف؟

العربي الجديد

انظر المقالات الثلاثة المذكورة في الأسفل

—————————–

الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة جديدة في سوريا/ جيفري فيلتمان و هرير بليان

سيرث الرئيس المنتخب “جو بايدن” أزمة عمرها 10 سنوات في سوريا ولا تزال تشكل تحديات استراتيجية وإنسانية حادة بالنسبة للولايات المتحدة، لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز مصالحها.

يُعرف أحدنا(يقصد نفسه والكاتب المشارك معه في كتابة المقال) منذ سنوات بأنه من أشد المنتقدين للرئيس السوري بشار الأسد ولسياسات سوريا الداخلية والخارجية، في حين كان الآخر منتقداً قوياً لفكرة أن الضغط وحده سيغير ما نعتبره سلوكاً إشكالياً، ولا تزال خلافاتنا السياسية قوية، خاصة فيما يتعلق بالرئيس الأسد، مما يجعل توصيتنا المشتركة أكثر أهمية، في الواقع، نتفق على أنه باستثناء مواجهة تهديد داعش في شمال شرق سوريا، وهو محور مهم، فقد فشلت السياسة الأمريكية منذ عام 2011 في تحقيق نتائج إيجابية.

تشمل المصالح الأمريكية في سوريا القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك صراع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وروسيا وتركيا، وصراع تركيا والجماعات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وهناك اهتمام آخر مهم وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج رد الفعل الشعبوي.

نجحت السياسة الأمريكية الحالية – التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها – في شل اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي، حيث فشلت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها بالضغط على الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة، وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.

أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إحداث نقص حاد في العملة السورية وساهمت في انهيارها كاملاً، لكنها لم تضعف الدعم الرئيسي للأسد من قبل جمهوره المحلي ولم تُغير سلوك النخبة الحاكمة، لقد وضعت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش وجعلت كلاً من روسيا وتركيا وإيران المتحكمين الرئيسيين بمستقبل سوريا. في غضون ذلك، توقفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية.

والأسوأ من ذلك، أن العقوبات المطبقة على سوريا تؤدي بشكل غير مباشر إلى عواقب إنسانية كبيرة من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب وتدمير الطبقة الوسطى السورية التي تعتبر عاملاً مهماً للاستقرار والإصلاح طويل الأمد، وفي المقابل من الصعب الافتراض أن من يقود سوريا اليوم يعاني بسبب هذه العقوبات.

تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً بين استمرار النهج الحالي، الذي حقق نجاحاً مؤقتاً بالنسبة لدولة فاشلة في الأساس، أو بدء عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى تقديم إطار عمل مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والقابلة للتحقق، والتي في حال تنفيذها، ستقابلها مساعدة موجهة وإعادة نظر في العقوبات من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الهدف من هذا الإطار هو وقف دوامة الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يُمكّن من إحراز تقدم في مختلف القضايا، ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية، دون أن يتصدى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، مع أنه أمر مرفوض من الولايات المتحدة، وهذا النهج الجديد أيضاً لا يُحاسب أي أحد على الوفيات والدمار المروع في سوريا- لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.

تم وضع اللبنات الأساسية لمثل هذا الإطار في ورقة بحثية صادرة عن مركز كارتر في أوائل كانون الثاني (يناير) وتستند إلى المشاورات المكثفة التي أجراها المركز مع السوريين على جميع جوانب الانقسامات السياسية في البلاد وكذلك المجتمع الدولي.

أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة كوفيد 19 في سوريا من العقوبات، كما يجب أن يحظى تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري بنفس القدر من الأهمية، وسيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للتغيير للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

لن يتم منح هذه التسهيلات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة تم التفاوض عليها مع الحكومة السورية، ومن شأن آليات الرصد التأكد من تقدم هذه المفاوضات، وستشمل هذه الخطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإزالة ما تبقى من الأسلحة الكيميائية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بإيجابية وفعالية في اجتماعات الأمم المتحدة في جنيف، والقبول يالمزيد من اللامركزية.

بالمقابل يجب ألا تتكون لدينا أوهام كبيرة؛ فإن حواجز النجاح في هذه المسألة كثيرة، إذ لم تُظهر القيادة السورية الاستعداد لتقديم تنازلات، وتحقيق تقدم في هذا النهج الجديد التدريجي يتطلب استجابة سورية قابلة للقياس، ففي حال اكتفى نظام الأسد بمجرد التشدق بالإصلاح فيجب أن يؤدي هذا إلى تعليق التسهيلات الأمريكية والأوروبية وقد يؤدي إلى فرض عقوبات “سريعة”.

تخلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا المطلب منذ سنوات، لكنهم استمروا في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في تحقيق أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي.

هذا الاقتراح ليس هدية للحكومة السورية، المسؤولة عن القسم الأكبر من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية، بل مضمون هذا الاقتراح هو أنّ إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011.

نعتقد أنه من خلال الإعلان لقائمة تفاوضية من الخطوات المتبادلة، سيكون بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا ضمنياً ممارسة نوع مختلف من الضغط على سوريا لتحقيق الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن،

والتغيير الحالي في الإدارة الأمريكية يوفر فرصة لدراسة واختبار هذا النهج الجديد.

جيفري فيلتمان: كان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية.كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية الأمريكية، من ضمنها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى.

هرير بليان: كان مدير برنامج حل النزاعات في مركز كارتر، وعمل في البلقان وأوروبا الشرقية والدول المستقلة والناشئة عن الاتحاد السوفيتي والشرق الأوسط وأفريقيا، وفي المنظمات الحكومية الدولية (الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا) والمنظمات غير الحكومية (مجموعة الأزمات الدولية وغيرها).

———————————-

فشل إستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا/ روبرت فورد

Mahmoud Ghanemيناير 25, 2021

يجب أن تقر واشنطن بأنها لا تستطيع بناء دولة

خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه ، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا بإخراج الولايات المتحدة من سوريا. وقال إن جهود الولايات المتحدة طويلة الأمد لإعادة بناء مجتمعات ما بعد الصراع وتحقيق الاستقرار فيها كانت مضللة ومحكوم عليها بالفشل. بالنسبة للجزء الأكبر ، أقدم ترامب على خفض أعداد القوات في العراق وأفغانستان ، وخفض تمويل الترويج للديمقراطية بنحو مليار دولار خلال فترة توليه المنصب.

لكن إدارة ترامب تخلت عن سياسة عدم بناء دولة لمتابعة جهد طويل الأمد – في سوريا. حاولت الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية والضغط المالي لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على قبول إصلاحات دستورية كبرى وإنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرق البلاد. تحت إشراف الولايات المتحدة ، تطورت تلك المنطقة إلى شبه دولة بجيشها الخاص ، قوات سوريا الديمقراطية (SDF) ، وبيروقراطية راسخة – تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG) وذراعها السياسي ، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). ).

بعد ست سنوات وحوالي 2.6 مليار دولار ، هذه الدويلة هي طفل أمريكا ، نشأت تحت الحماية العسكرية الأمريكية ومحمية من الجيران المعادين. غير قادر على دعم نفسها ، ستظل منطقة الحكم الذاتي معتمدة على موارد الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. ومع ذلك ، فإن الالتزام المفتوح من هذا النوع ليس ما تحتاجه الولايات المتحدة. لم تكن سوريا أبدًا قضية أمن قومي أمريكية رئيسية ، وكانت المصالح الأمريكية هناك دائمًا مقتصرة على منع الصراع من تهديد مخاوف واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى. السياسة الأمريكية الحالية لا تفعل الكثير لتحقيق هذا الهدف المركزي. كما أنها لم تؤمن الإصلاح السياسي في دمشق ، ولم تعيد الاستقرار إلى البلاد ، وتعاملت مع فلول تنظيم الدولة الإسلامية ، المعروف أيضًا باسم داعش. من الأفضل أن يغير الرئيس جو بايدن مساره – سحب مئات الجنود الأمريكيين المنتشرين حاليًا في سوريا والاعتماد على روسيا وتركيا لاحتواء داعش.

ظاهريًا ، تم تصميم الإستراتيجية الأمريكية في شمال شرق سوريا للتخلص من آخر بقايا داعش ، مما يحرم التنظيم من الملاذ الآمن لشن الهجمات منه. على الرغم من أن الحملة العسكرية الدولية التي استمرت لسنوات دمرت المجموعة الإرهابية إلى حد كبير ، إلا أن أعضائها الباقين ما زالوا يشنون هجمات متفرقة منخفضة المستوى في سوريا والعراق. من المفترض أن يساعد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية ، ووحدات حماية الشعب الكردية التابعة لها ، هذه الجماعات على احتواء داعش بأقل قدر من المساعدة الخارجية ودون الحاجة إلى انتشار أمريكي واسع النطاق.

على الرغم من جاذبيتها من الناحية السياسية ، إلا أن هذه الاستراتيجية معيبة للغاية. وأدى حلفاء الولايات المتحدة الأكراد السوريون إلى تفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد. بين المجتمعات العربية على وجه الخصوص ، هناك إحباط واسع النطاق من الهيمنة السياسية الكردية – التي مكنتها الولايات المتحدة – والسيطرة الكردية على حقول النفط المحلية. كما احتج السكان العرب على الفساد الإداري المزعوم لقوات سوريا الديمقراطية ، وعمليات مكافحة الإرهاب القاسية ، وممارسات التجنيد الإجباري. من جانبها ، شنت القوات الكردية هجمات بسيارات مفخخة على بلدات عربية خاضعة لسيطرة الجيش التركي. في مثل هذه البيئة المليئة بالتوترات العرقية والخلافات القبلية ، يمكن لداعش العمل بقبول ضمني من المجتمعات المحلية والتجنيد من صفوفهم الساخطين. ستواجه الولايات المتحدة دائمًا هذه المشكلة إذا كانت سياساتها تفضل دولة يهيمن عليها الأكراد في شرق سوريا.

استراتيجية الولايات المتحدة لها عيب آخر أكثر جوهرية: تنظيم الدولة الإسلامية لا يتم احتواؤه في المناطق الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية تعمل الجماعة الإرهابية أيضًا في منطقة تسيطر عليها بشكل فضفاض الحكومة السورية وحلفاؤها ، بما في ذلك روسيا وإيران ، والتي تمتد ما يقرب من 200 ميل إلى الغرب من نهر الفرات. إذا كان الهدف هو منع داعش من إعادة تشكيل نفسها أو استخدام سوريا كنقطة انطلاق لشن هجمات في مكان آخر ، فإن حصر الانتشار الأمريكي في الربع الشرقي من البلاد لا يحل هذه المشكلة.

يفتقر النهج الأمريكي الحالي أيضًا إلى نهاية قابلة للتحقيق. بدون غطاء دبلوماسي وعسكري أمريكي ، من المرجح أن تواجه وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية حربًا على جبهتين أو ثلاث جبهات ضد كل من تركيا والحكومة السورية ، الأمر الذي من شأنه أن يبتعد مقاتليهما عن المعركة ضد داعش. لمنع هذه النتيجة ، مع استمرار دعم القوات الكردية ، سيتعين على الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى. إذا اختارت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية أو الدولة الكردية الوليدة ، فستضطر الولايات المتحدة إلى إلقاء المزيد من الموارد على المشكلة. كان هذا هو الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية في مضايقة الدوريات الأمريكية في صيف عام 2020 – وأرسلت القيادة المركزية الأمريكية وحدات مدرعة خفيفة جديدة كرادع. من المرجح أن تزداد هذه الديناميكية سوءًا في السنوات القادمة.

الاعتماد على روسيا وتركيا

بالنظر إلى هذه العيوب في سياسة ترامب تجاه سوريا ، تحتاج الإدارة الجديدة إلى نهج مختلف – نهج يحتوي على داعش بنجاح دون إلزام الجيش الأمريكي بحرب أخرى إلى الأبد. بدلاً من الحفاظ على الإستراتيجية الأمريكية الحالية ، يجب أن يعتمد فريق بايدن ، بتركيزه الجديد على الدبلوماسية ، بشكل أكبر على روسيا وتركيا. يبدو أنه غير سار ، فإن الاعتراف بمصالح هذين البلدين في سوريا قد يؤدي إلى نتائج أفضل.

روسيا ليست شريكًا مثاليًا ، لكن دعمها للأسد يجعلها القوة المناسبة لتولي القتال ضد داعش. إن موسكو ملتزمة بضمان بقاء الحكومة السورية ، كما أن عودة ظهور داعش (التي يُحتمل أن تمولها حقول النفط السورية التي تم الاستيلاء عليها من قوات سوريا الديمقراطية) سيهدد الأسد بشكل خطير. للاستفادة من هذا الشريط الضيق من الأرضية المشتركة ، يجب على إدارة بايدن إبرام صفقة تفوض موسكو مهام مكافحة داعش على جانبي نهر الفرات. سيتطلب هذا حتماً زيادة البصمة العسكرية الروسية في شرق سوريا ، وستحتاج الولايات المتحدة إلى التفاوض على انسحاب تدريجي لقواتها ووضع جدول زمني للانتقال من السيطرة الأمريكية إلى السيطرة الروسية.

ومع ذلك ، فإن تسليم المسؤولية عن مهام مكافحة داعش في شرق سوريا لن يلغي الحاجة إلى منع الجماعة الإرهابية من استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة أو مصالحها. للتخفيف من هذا التهديد ، يجب على الولايات المتحدة إقناع تركيا بتأمين حدودها الجنوبية. مثل موسكو ، لدى أنقرة حوافز واضحة للتعاون. كما شن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات إرهابية داخل تركيا أيضًا. ومع ذلك ، سيكون من الصعب إغلاق حدود يبلغ طولها حوالي 600 ميل بالكامل ، لذا سيتعين على واشنطن تزويد تركيا بالدعم التكنولوجي والاستخباراتي لمراقبة حركة الإرهابيين. سيتطلب مثل هذا الجهد تعاونًا مكثفًا ، وكان من الصعب التعامل مع الأتراك حتى قبل أن يساعد دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب ، التي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية ، في تعزيز العلاقات. لكن التعاون سيكون أسهل بمجرد أن تتوقف الولايات المتحدة عن مساعدة القوات الكردية بشكل مباشر. الهدف الأساسي لتركيا هو منع هذه الجماعات من إنشاء كيان مستقل في سوريا.

الدور الصحيح

يجب على بايدن تجنب مفاجأة شركاء الولايات المتحدة الأكراد بهذه الاستراتيجية الجديدة. يجب على إدارته إبلاغهم في وقت مبكر بشأن الخطوات الأمريكية الوشيكة. كانت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب شريكين جيدين في القتال ضد داعش ، وسيكون من الحكمة أن يواصل الروس العمل معهم بموجب ترتيب جديد. موسكو لديها خبرة في هذا المجال: لقد أنشأ الروس ، وجُهِّزوا ، ويشرفون حاليًا على “الفيلق الخامس” من المقاتلين الموالين لدمشق الذين يقومون بمهام في جميع أنحاء البلاد. بالاشتراك مع الحكومة السورية ، يمكن لموسكو إنشاء “الفيلق السادس” الجديد المكون من أعضاء قوات سوريا الديمقراطية تحت القيادة الروسية.

بشكل منفصل ، سيتعين على حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التفاوض مع دمشق حول الوضع السياسي للأراضي التي يسيطرون عليها. يمكن لعلاقة حزب الاتحاد الديمقراطي الطويلة الأمد مع الحكومة السورية أن تسهل هذه العملية. في عام 2012 ، أبرم التنظيم اتفاقًا مع الأسد للسيطرة على المدن الشمالية الشرقية مع انسحاب الجيش السوري ، ولم تتعرض مجتمعاته مطلقًا لحملات قصف حكومية كتلك التي استهدفت حمص وحلب وضواحي دمشق. الآن ، يجب على وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي البناء على هذا الإرث لتأمين حقوق المواطنة والملكية المتساوية لمجتمعاتهم – وهي حماية لطالما حرمها الكثير من الأكراد السوريين. على الرغم من أن مثل هذا الترتيب لن يشكل حكماً ذاتياً كاملاً في سوريا الفيدرالية ، إلا أنه سيكون بمثابة تحسن كبير مقارنة بالوضع الراهن قبل الحرب.

ومع ذلك ، سيكون هناك بلا شك صيحات احتجاج من السياسيين والمحللين الأمريكيين الذين يصرون على أن واشنطن مدينة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية بأكثر من ذلك بكثير. لكن على الرغم من المساعدة الكردية القيّمة في الحرب ضد داعش ، فإن الولايات المتحدة لا تدين لهذه الجماعات بمظلة عسكرية غير محددة على حساب دافعي الضرائب الكبير. المصلحة الوطنية للولايات المتحدة هي احتواء التهديدات الإرهابية ، وليس ضمان شكل الحكم في شرق سوريا.

الاعتراف بالحدود الأمريكية

في نهاية المطاف ، تحتاج إدارة بايدن إلى أن تكون واقعية بشأن قدرة الولايات المتحدة على انتزاع التنازلات السياسية في سوريا. لطالما سعى المسؤولون الأمريكيون ، إلى إصلاحات من حكومة الأسد – دون نجاح يذكر. من جانبها ، حاولت إدارة ترامب استخدام العقوبات المالية والسيطرة على حقول النفط السورية لإجبار دمشق على تغيير سلوكها. الأسد بالكاد يتزحزح. تتفوق دمشق في توتير المفاوضات ، ومحادثات الأمم المتحدة في جنيف التي علقت واشنطن آمالها عليها متوقفة. بالنسبة للأسد وزمرته ، الصراع هو لعبة محصلتها صفر حيث تؤدي مطالب الإصلاح أو الحكم الذاتي حتمًا إلى عدم الاستقرار أو تحديات لسيطرتهم أو دعوات غير مرحب بها للمساءلة. وهكذا ، يحارب النظام على افتراض مؤلم بأن الإصلاح سيقصر من عمره. سيطرة الولايات المتحدة أو قوات سوريا الديمقراطية على حقول النفط الصغيرة في شمال شرق البلاد لن تغير هذا الحساب.

يجب على الولايات المتحدة أن تكون واقعية بشأن قدرتها على انتزاع التنازلات السياسية في سوريا

يزعم محللون آخرون أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يمنح إيران وروسيا السيطرة على سوريا. تتجاهل هذه الحجة الروابط السياسية والعسكرية بين البلدين منذ عقود طويلة مع دمشق – وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأمريكية. حافظت روسيا وسوريا على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة ، وعمل المستشارون الروس في البلاد قبل وقت طويل من بدء الصراع الحالي في عام 2011. لن تغير الدوريات الأمريكية الصغيرة العرضية في شرق سوريا أيًا من هذه العلاقات الثنائية ، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد – وهو أمر تقوم به القوات الجوية الإسرائيلية بالفعل بشكل فعال.

يمكن لبايدن بالطبع الحفاظ على استراتيجية إدارة ترامب. لكن القيام بذلك سيعني إهدار مليارات الدولارات مع تفاقم التوترات الطائفية والفشل في احتواء داعش. للولايات المتحدة أهداف محدودة في سوريا يجب أن تكلف واشنطن أقل بكثير. مهما كانت الأموال النقدية التي تريد إنفاقها يجب أن تذهب إلى مشكلة اللاجئين الهائلة. من الأفضل السماح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية من خلال تحمل عبء مكافحة داعش. في نهاية المطاف ، تشكل هذه الصفقات جوهر الدبلوماسية – العمل على حل مشاكل محددة ، حتى مع شركاء بغيضين ، لتحقيق أهداف محدودة ولكنها مشتركة.

المصدر: فورين أفيرز

———————————–

سوريا.. ما الطريق للمضي قدماً في عهد بايدن؟/ فريدريك هوف

ترجمة: ربى خدام الجامع

يصادف شهر آذار من العام 2021 الذكرى السنوية العاشرة لقرار بشار الأسد الذي يقضي بشن حرب على المتظاهرين السلميين، وقد نجم عنه تدفق كبير للاجئين أدى في نهاية المطاف إلى تغيير سياسة أوروبا بطريقة أسعدت سكان الكرملين. كما أدى ذلك القرار إلى تدمير “الدولة السورية”، وأسفر عن ظهور استجابات للسياسة الأميركية قامت بتعميق الأزمة كما قوضت من صدقية الولايات المتحدة، سواء في الداخل السوري أو خارجه. والآن يتعين على أي إدارة أميركية جديدة أن تتعامل مع تلك المشكلة التي وصلت إلى قعر جهنم، ولكن ما الذي يمكن فعله بعد كل هذا؟

إن الموقف الافتراضي للرئيس جو بايدن وفريقه من المحتمل أن ينضوي ضمن حدود محاولة إدارة الفوضى. ولكن لنكون منصفين، لا بد أن نعلن بأن الإرث الذي خلفته إدارة دونالد ترامب في سوريا لم يكن ساماً، كذلك الذي تركته إدارة أوباما لمن أتى بعدها.

إذ خلال سعيه الحثيث لعقد اتفاق نووي مع إيران، الحليفة الإقليمية للأسد، رفض الرئيس أوباما وبكل إصرار أن يحرك أي ساكن للوقوف في وجه المجازر الجماعية التي يتعرض لها المدنيون أو لمعاقبة النظام السوري عليها والذي اتخذ منها وسيلة وأسلوباً للنجاة والبقاء في سدة الحكم، بل حتى عندما قام أوباما بنشر جنوده لمحاربة تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا وفي العراق، لم يفعل أي شيء من ذلك. فقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال رسالة كتبها أوباما ووجهها للمرشد الأعلى في إيران، أكد له فيها أن العمليات العسكرية الأميركية في سوريا لن تستهدف صاحبه، الذي سبق له أن تجرأ أكثر بعد انهيار الخط الأحمر الذي رسمه له أوباما في عام 2013، وهكذا أخذ الأسد يسفك الدماء كما يحلو له إلى أبعد الحدود، بالاعتماد على ذلك الشيك الموقع على بياض والذي يتم تجديده تلقائياً بلا أي مقابل.

غير أن إدارة ترامب ردت مرتين بصورة عسكرية على هجمات الأسد الكيماوية التي استهدفت المدنيين، لتدحض بذلك نظرية أوباما التي ترى بأن معاقبة الأسد في سوريا أو ردعه لن تؤدي إلا إلى حالة من الغزو والاحتلال. ثم إن منحدر التصعيد الزلق أصلاً الذي تقوم عليه فكرة إدارة أوباما التي ركنت إلى السلبية، قد تقوض بشكل أكبر بعد الهجوم الذي شنته روسيا عبر نهر الفرات. في حين قامت إدارة ترامب بتسريع وتيرة المعركة ضد تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا، ما أدى إلى إنهاء دولة الخلافة بصورتها الفعلية. غير أن هذا النصر أيضاً قد تقوض هو الآخر بسبب تلك السياسة الفاشلة. فقد أدى القرار العفوي الذي اتخذته إدارة أوباما بلا أدنى تفكير، إلى عقد شراكة ضد تنظيم الدولة مع “الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي” ما أدى إلى نفور تركيا وإبعادها عن ذلك الملف، مع إطالة أمد المعركة ضد تنظيم الدولة، وذلك بعد الاستعانة بميليشيا وليس بأشخاص محترفين لقتال متطرفين مسلحين. ثم بعدما أجرى الرئيس ترامب مكالمة مع الرئيس التركي، وأقدم على “خيانة” حلفاء واشنطن من قوات سوريا الديقمراطية “قسد”، في الوقت الذي أعلن فيه مسؤولون في إدارته بأنه من الصعب على الأميركيين تنظيم ملف استقرار المناطق المحررة من تنظيم الدولة بعد انتهاء القتال.

وهكذا أتت إدارة بايدن وتسلمت السلطة بعد أسبوعين بالضبط من وقوع تمرد مسلح، لتركز بشكل واضح وصريح على الجائحة وتبعاتها الاقتصادية، ولهذا أصبح وضع سوريا ضمن قائمة الأولويات بالنسبة للعمليات الأميركية ضرباً من المستحيل.

وهنا تحاول الأطراف التي يهمها تعزيز الحظوظ السياسية للأسد، ابتداء من الديكتاتور نفسه، وتبذل كل ما بوسعها للاستفادة من انشغالات الإدارة الأميركية الجديدة. فقد ادعى النظام السوري مرات عديدة بأن العقوبات الاقتصادية الأميركية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن فشل الاقتصاد السوري، لا فساد ذلك النظام وعدم كفاءته ووحشيته. ويدعم هذا التوجه مركز كارتر، الذي يركز على الافتتاحية التي كتبها الرئيس جيمي كارتر في صحيفة نيويورك تايمز عام 2018، والتي ذكر فيها بأن رفع العقوبات عن سوريا شرط أساسي لإنعاش الاقتصاد السوري، كما طالب بالعودة بشكل تدريجي للتعامل مع الأسد على المستوى الدبلوماسي، بالرغم من أنه أصبح أكبر مجرم حرب خلال القرن الواحد والعشرين.

وبلا شك، يتعين على إدارة بايدن مراجعة أمر العقوبات المفروضة على أعوان النظام والمؤسسات التابعة له حتى يضمن عدم وصول أي شيء تفعله الولايات المتحدة لمحاسبة تلك الجهات، لزيادة معاناة الشعب السوري، ولو بشكل طفيف، بعدما تحمل ذلك الشعب ما تحمله نتيجة لفساد الحكم في البلاد. إذ كثيراً ما تتحول العقوبات لأدوات قاسية وفظة تتسبب بوقوع أضرار غير محسوبة، ولكن لا حاجة للإدارة الأميركية الجديدة لأية تعليمات تتلقاها ممن يسعون لترسيخ حكم ذلك الشخص الذي دمر سوريا قبل أي طرف آخر.

وإذا لم تتم مجابهتها مجدداً بصيغة عسكرية من قبل الروس أو من يدعم النظام السوري، فستسعى إدارة بايدن على المدى القريب إلى إضعاف النار تحت الإناء الذي يطبخ فيه الملف السوري، أو استبعاد سوريا بشكل كامل عن فرن السياسة، والاعتماد على تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين وللسوريين الذين يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وبالطبع يجب بذل كل الجهود في هذا المضمار، مع الشركاء كافة، وذلك لتقديم المساعدات العاجلة لكل السوريين المحتاجين، بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه. إلا أن القيام بذلك في المناطق التي يسيطر عليها النظام أمر صعب، وهذا ما اكتشفته هيئة الأمم المتحدة، وذلك لأن أفراداً من حاشية النظام نجحت بالاستئثار بعقود الإغاثة حيث اعتمدت عليها لإثراء نفسها وجمع ثروات لصالحها هي فقط دون غيرها.

إن العمليات التي يجب أن تتم في شمال شرقي سوريا حيث تسعى القوات الأميركية مع شركائها المحليين لمنع تنظيم الدولة من العودة للظهور، يجب أن تخضع لمراجعة داخلية فورية. فقد اقترح دبلوماسي أميركي سابق أن يتم تسليم مهمة محاربة تنظيم الدولة إلى روسيا والنظام، إلى جانب المناطق التي تم تحريرها من تنظيم الدولة في شمال شرقي سوريا، وهنا يأمل المتطرفون الإسلاميون الذين يسعون جاهدين للعودة مجدداً لقيادة ذلك التمرد، أن تصغي الإدارة الأميركية لتلك النصيحة، وذلك لأنهم يعرفون تمام المعرفة بأن دولة الخلافة لن تقوم لها قائمة دون وجود حكم الأسد الفاشل في سوريا، وحكم نوري المالكي الفاشل في العراق.

وهنا كيف لنا أن نصدق بأن الدولة التي أشرفت على عملية ترسيخ الاستقرار بعد الحرب في اليابان وألمانيا لم يعد لديها اليوم من المهارات ما يساعدها على التعاون مع السوريين والشركاء الدوليين لتمكين نظام حكم شرعي محلي من القيام في شمال شرقي البلاد، أي إيجاد البديل الذي طال انتظاره ليحل محل الأسد؟! لهذا ينبغي على وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، بالاعتماد على المعلومات التي تقدمها وكالة التنمية الدولية أن تقوم بمراجعة هذه النتيجة التي خلصت إليها إدارة ترامب. صحيح أن القرار الذي اتخذ في شمال شرقي سوريا والذي سعى لتجنب غياب الاستقرار الكارثي بعد القتال في العراق وليبيا سيكون من الصعب تنفيذه على الأرض، إلا أنه لا ينبغي للكرد السوريين أن يحكموا العرب السوريين، كما لا ينبغي أن يحكم الأتراك الكرد السوريين. بيد أن الأسد ونظامه نجحوا في تحويل سوريا إلى جرح نازف مفتوح وذلك عبر إقناع الأقليات بل حتى العرب السنة أنه لا بديل عن حكم العائلة المتوحشة، إلا حكم المتطرفين الإسلاميين المتوحشين مثلها تماماً. وبالتأكيد كان شمال شرقي سوريا المكان الملائم لإثبات كذب النظام والمدافعين عنه، ولكن أما تزال تلك المنطقة تثبت كذب ذلك الادعاء؟

بالنسبة للهدف الشامل الذي يتصل بالملف السوري، ما يزال الانتقال السياسي الذي ينتج عنه ظهور حكم شرعي في البلاد هدفاً بالنسبة للإدارة الأميركية، بيد أن ذلك لن يحدث خلال الدقائق العشرين القادمة، هذا طبعاً بالمعنى المجازي للكلام. غير أن سوريا في ظل حكم الأسد وحاشيته لن تمثل إلا تهديداً خطيراً على السلم في تلك المنطقة، حيث ستمثل تهديداً بالنسبة لجيرانها، وستعتبر دولة داعمة للتطرف والإرهاب، ومنصة لانطلاق إيران في هيمنتها على المنطقة. وهكذا ستظل سوريا تحت حكم الأسد دوماً تلوح بإفراغ نفسها من كل المضامين الأخرى، حتى ولو، بل على الأخص بعدما يتم إغداق أموال إعادة الإعمار على ذلك النظام الذي لا يشبع.

في الحقيقة ليس هنالك ما يصلح حال سوريا على المدى القريب، إلا أن الخيار الأكثر تدميراً بالنسبة للمصالح الأميركية ولمستقبل سوريا هو أن نفترض أن الأسد قد انتصر وأن نسعى للعودة إلى حضنه اللزج. وهنا من الضروري مواصلة دعم المبعوث الأممي الخاص، إلى جانب التمسك بقرارات الانتقال السياسي التي يقرها المجتمع الدولي كما تجسدت في عام 2012 بالبيان الختامي لمجموعة العمل من أجل سوريا، وفي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. كما لا بد من مضاعفة الجهود لجمع سجل كامل يدعم بالنهاية عملية محاسبة الأسد وأعوانه بشكل قانوني، بحسب توصيات مجموعة دعم سوريا في عام 2019، إلى جانب إجراء تحقيقات حول جرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا في سوريا.

ويجب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تلزم نفسها بفرض عقوبة عسكرية عند تجدد عمليات القتل الجماعي التي تستهدف المدنيين في سوريا أو عند ممارسة نظام الأسد لإرهاب الدولة. ثم إن أنصار النظام كانوا يبحثون لهم عن مخرج في صيف عام 2013 عندما قام الرئيس أوباما بمسح خطه الأحمر بالنسبة لاستخدام الأسلحة الكيماوية، ولقد اعترف كبار المسؤولين لدى إدارة بايدن أمام الملأ بالندم فيما يتصل بالسياسة الأميركية تجاه سوريا أيام إدارة أوباما. ولهذا سيختبر مدى صدق ذلك الندم وكذلك مدى أهمية العمليات التي سيقوم بها ذلك الفريق في حال مواصلة نظام الأسد قتل المدنيين بصورة جماعية، سواء عبر استخدامه للأسلحة الكيماوية أو البراميل المتفجرة، أو أي أداة أو وسيلة أخرى موجودة في مخازنه ومستودعاته بوسعها أن تعبر عن إرهاب الدولة.

إن اتخاذ أميركا أو عدم اتخاذها لأي إجراء في سوريا هو الذي أوعز لخصوم الولايات المتحدة إلى أي مدى بوسعهم أن يتقدموا في أوكرانيا وغيرها وإلى أي مدى بوسعهم أن يستخدموا القوة والشدة في هذا المضمار. إلا أن سوريا لم تكن مرشحة في يوم من الأيام للاحتواء الذاتي، إذ من الممكن أن تذهب عشر سنوات من السياسات الأميركية الخاطئة هناك والتي نجم عنها تفكير وتعقل كبير مع انضباط في تحديد الأهداف ورسم الاستراتيجيات سدى دون أي فائدة ترجى، كما أن الأسد ونظامه ليسوا على وشك تبييض السجون، أو الترحيب بعودة اللاجئين، أو مشاركة السلطة مع أي أحد، بل إنهم ينتظرون بكل صبر وأناة استسلام الغرب الذي أكد لهم من يدعمهم بأنه آت لا محالة. ولهذا لا ينبغي لإدارة بايدن وهي تتجنب تغيير النظام في سوريا بالقوة، أن تفكر باستيعاب نظام الأسد أو التوصل معه إلى أية تسوية.

——————————-

بعد عقد من الفشل.. هل يملك بايدن القدرة على تغيير سياسة أمريكا في سوريا؟

ن لدى الغرب أي خطة للتدخل في سوريا وانقاذ الثورة”/ أرشيفية

تمثل سوريا فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقد من الزمان، ومن الطبيعي أن الرئيس الجديد جو بايدن سيسعى على الأرجح لاتباع سياسة جديدة، والسؤال هل يمتلك خيارات فعالة يمكنها أن تغير الواقع المرير هناك؟

فمنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس بشار الأسد المتسم بالفساد والقمع قبل عشر سنوات، وكان وقتها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، تمحور هدف الولايات المتحدة الرئيسي في التخلص من نظام الأسد، لكن حتى الآن فشلت واشنطن في تحقيق الهدف الأساسي من سياستها، ولا حتى الأهداف الأخرى تحقق منها شيء يذكر.

وربما يكون الشيء الوحيد الذي نجحت السياسة الأمريكية المطبقة حالياً والتي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها، هو شلّ اقتصاد البلاد الذي مزَّقَته الحرب بالفعل، لكن تلك السياسة فشلت في إحداث أي تغييرٍ جوهري يذكر في مسار الأحداث. إذ لم تُكلَّل الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على الأسد لتغيير الاتجاه أو مغادرة السلطة بالنجاح. وفي المقابل، أسهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.

وتناول موقع Responsible Statecraft الأمريكي موقف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن من الملف السوري، من منطلق أنه ورث أزمةً عمرها 10 سنوات ولا تزال تشكِّل تحدياتٍ استراتيجية وإنسانية حادة، راصداً أن الإدارة الجديدة لديها فرصةٌ لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة إزاء سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز المصالح الأمريكية.

سياسة أمريكا في سوريا فاشلة

البعض في دوائر السياسة الأمريكية الخارجية يُعرَف بالانتقاد الشديد للرئيس السوري بشَّار الأسد ولسياسات سوريا الداخلية والخارجية، فيما يُعرَف البعض الآخر بالانتقاد القوي لفكرة أن الضغط وحده سيغيِّر ما يُعتَبَر سلوكاً إشكالياً. ولا تزال الخلافات السياسية، خاصةً فيما يتعلَّق بالأسد قوية، وباستثناء مواجهة تهديد داعش في شمال شرق سوريا، هناك اتفاقٌ على أن السياسة الأمريكية فشلت منذ العام 2011 في تحقيق نتائج إيجابية.

وتشمل المصالح الأمريكية في سوريا القضاء على التهديد الذي تشكِّله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مزَّقَت الحرب والقمع والفساد والعقوبات حياتهم.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتَبَر سوريا نقطة اشتعالٍ للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وتركيا والأكراد، المدعومون من الولايات المتحدة. وهناك أمرٌ آخر مهم، وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، إذ تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردِّ الفعل الشعبوي.

وقد أدَّت العقوبات الأمريكية والأوروبية إلى ضررٍ حاد في الاقتصاد، وساهمت في انهيار العملة السورية، لكنها لم تضعِف الدعم الرئيسي بين جمهور الأسد المحلي الأساسي، ولم تغيِّر سلوك النخبة الحاكمة. لقد دفعت سياسة العقوبات الولايات المتحدة إلى الهامش، وجعلت روسيا وتركيا وإيران الحكَّام الرئيسيين لمستقبل سوريا. وفي غضون ذلك توقَّفَت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جينيف، والتي تركَّزَت على الإصلاحات الدستورية.

والأسوأ من ذلك هو أن العقوبات على سوريا تؤدِّي إلى عواقب إنسانية ضارة غير مقصودة، من خلال تعميق وتمديد بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلِّي الحرب، وتدمير الطبقة الوسطى السورية، وهي مُحرِّكٌ مُحتَمَل للاستقرار والإصلاح طويل الأمد. ومن المُفتَرَض أن قيادة البلاد لا تعاني بسبب العقوبات.

عندما أظهرت نتائج الانتخابات الأمريكية أن ترامب قد خسر، وأن بايدن هو الرئيس الجديد في البيت الأبيض، ساد العالم جو من التفاؤل بأن السياسات الشعبوية القومية التي سادت الكرة الأرضية بتأثير ترامبي سوف تنتهي، وتحل محلها سياسات تقوم على التعاون واحترام حقوق الإنسان، والسوريون أيضاً كانوا ينتظرون نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، شأنهم شأن باقي العالم، والآن تولى بايدن الرئاسة بالفعل.

لكنّ تقريراً نشره موقع المجلس الأطلنطي للدراسات رسم صورة غير مبشرة في هذا الشأن، فإدارة بايدن مثقلة بأعباء داخلية قاسية، تتمثل في جائحة كورونا التي أودت بحياة أكثر من 400 ألف أمريكي وأصابت الملايين ولا تزال، إضافة إلى تداعياتها التي أطاحت بالاقتصاد الأمريكي إلى انخفاضات لم يشهدها منذ عشرات السنين، هذا بخلاف الانقسام العميق الذي تشهده البلاد، والذي كانت أحداث الاقتحام الدموي للكونغرس وتنصيب بايدن تحت التهديد أبرز المؤشرات على أنه أزمة قد تمتد.

وبخلاف معاناتها الداخلية، تواجه إدارة بايدن تحديات هائلة في السياسة الخارجية، تتمثل في الصين وروسيا، وسعيهما لتأكيد المكاسب التي حصلت عليها كل منهما خلال رئاسة ترامب وسياساته الانعزالية من جهة، والاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب ويرغب بايدن في العودة إليه، وحرب اليمن وغيرها من ملفات الشرق الأوسط الشائكة، ناهيك عن الخلافات داخل حلف الناتو بين تركيا واليونان وفرنسا وغيرها من قضايا وصراعات السياسة الخارجية.

في ظل تلك الأجندة المزدحمة يرى كثير من المراقبين أن الملف السوري ربما لا يجد مكاناً على أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة على المدى القصير ولا المتوسط أيضاً.

هل يملك بايدن أوراقاً للتغيير الحقيقي؟

لكن حتى في حال قررت إدارة بايدن أن تتعامل مع الملف السوري سيكون عليها أن تختار بين النهج الحالي، الذي نجح فقط في المساهمة في الفشل المزمن للدولة السورية، أو العملية الدبلوماسية التي يُعاد تصوُّرها بهدف تطوير إطار مُفصَّل لإشراك الحكومة السورية في مجموعةٍ محدودة من الخطوات العملية والملموسة، التي في حال تنفيذها ستُقابَل بمساعدةٍ مُوجَّهة وتعديلاتٍ في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

والهدف من هذا الإطار هو وقف دوَّامة الانحدار في سوريا، وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مريح يمكِّن من إحراز تقدُّمٍ في القضايا المنفصلة، وإعطاء الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. لا يتعاطى هذا الإطار مع التحدي الاستراتيجي المتمثِّل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، وهو أمرٌ مرفوضٌ من الولايات المتحدة، ولا يحاسب أيُّ شخصٍ على الوفيات والدمار المُروِّع في سوريا، لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.

وتبلورت اللبنات الأساسية لهذا الإطار في ورقةٍ بحثية صادرة عن مركز كارتر، في أوائل يناير/كانون الثاني، وتستند إلى المشاورات المُكثَّفة التي أجراها المركز مع السوريين من جميع جوانب الانقسامات السياسية في البلاد، وكذلك مع المجتمع الدولي.

أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة جائحة كوفيد-19 في سوريا من العقوبات. وبالقدر نفسه من الأهمية، سيكون من الضروري تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري، على أن يتبع ذلك تخفيفٌ تدريجي للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

لن تُطلَق هذه الخطوات إلا حين تتحقَّق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطواتٍ ملموسة جرى التفاوض عليها مع الحكومة السورية. ومن شأن آليات الرصد التأكُّد من التقدُّم في ذلك. وستشمل الخطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والترحيب باللاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ونزع الأسلحة الكيماوية المتبقية، وإصلاح القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة حسنة النيَّة في عملية جينيف التي تديرها الأمم المتحدة، والمزيد من اللامركزية.

روسيا أصبحت القوة الأبرز المسيطرة على سوريا

لكن يجب ألا تكون هناك أيُّ أوهام، إذ إن الحواجز كثيرة أمام النجاح، إذ أظهرت القيادة السورية القليل من الاستعداد لتقديم تنازلت، ويتطلَّب الزخم في هذا النهج التدريجي تحرُّكاً سورياً يمكن التحقُّق منه.

لقد تخلَّت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا المطلب منذ سنوات، لكنهم استمروا في سياسة الضغط وفرض العزلة التي فشلت في توليد أيٍّ من الإصلاحات المُتصوَّرة في هذا الاقتراح التدريجي. وهذه ليست هديةً للحكومة السورية، المسؤولة عن الكثير من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية، بل إنها طرحٌ بأن استمرار الوضع الراهن لن يؤدِّي فجأةً إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011. ومن خلال الإطلاق العلني عن قائمةٍ مُتفاوَض عليها من الخطوات المتبادلة، يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تطبيق نوعٍ مختلفٍ من الضغط على سوريا، لتوليد الإصلاحات التي رُفِضَت حتى الآن. إن تغيير الإدارة الأمريكية يمنح فرصةً لاختبار هذا النهج الجديد.

————————–

أطراف الحرب السورية تجس نبض إدارة بايدن/ عماد كركص

في ظل عدم وضوح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة حيال القضية السورية، إذ غاب الملف السوري عن تصريحات الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، خلال الحملة الانتخابية وحتى اليوم، تبرز رسائل توجهها أطراف مختلفة في الصراع باتجاه واشنطن.

وفي هذا الإطار، وجّه النظام السوري مؤشرات لإمكانية التعاطي مع إدارة بايدن، لكن ضمن شروط، حددها من خلال بعثته الدائمة في الأمم المتحدة. على طرف آخر، تلقت إدارة بايدن نصائح من “مجموعة الأزمات الدولية”، بإعادة النظر في تصنيف “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) كمنظمة إرهابية، وذلك بعد ظهور قائدها أبو محمد الجولاني بحلة جديدة “عصرية” لدى استقباله الصحافي الأميركي مارتن سميث في إدلب، أراد من خلالها الجولاني إيصال رسالة باتخاذه، مع تنظيمه، طريقاً بعيداً عن التشدد وأكثر تقرباً من الانفتاح على الغرب والمجتمع الدولي.

ونقلت مجلة “نيوزويك” الأميركية، في عددها الصادر أول من أمس، عن البعثة الدائمة للنظام لدى الأمم المتحدة، أن “سورية (النظام) مستعدة للتعامل مع إدارة جو بايدن إذا تراجعت عن سياسات أسلافها في سورية”، مشيرة إلى أن مثل هذا التراجع سيشمل وقف التدخل في الشؤون الداخلية لسورية، وسحب القوات الأميركية المنتشرة من دون إذن دمشق، ووقف استغلال موارد النفط والغاز. كما طالبت البعثة بأن تشمل أيضاً إنهاء المساعدة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، فضلاً عن وقف مساعدة الجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية المنخرطة في الحرب.

ولفتت البعثة، في حديثها للمجلة، إلى أن “سبب الخلافات القائمة مع الولايات المتحدة هي سياسات الإدارات الأميركية السابقة، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لسورية، واحتلال أراضٍ سورية، وسرقة مواردها الطبيعية، ودعم المليشيات الانفصالية والمسلحة وكيانات إرهابية”، مشيرة إلى أنه في حالة تلبية هذه الشروط، ستنظر دمشق في إعادة العلاقات مع واشنطن، التي قطعت في عام 2012. كما أوضحت أنه “في حال استعداد الإدارة الأميركية للتخلي عن هذه السياسات، فإن سورية لا تعترض على الاتصالات الهادفة، بعيداً عن الشروط التي كانت الإدارة السابقة تحاول فرضها في ما يتعلق بالوضع في سورية والمنطقة”.

سورية

ويبدو أن نظام بشار الأسد يحاول إعادة التواصل مع أميركا بعد تغيير الإدارة، التي أعلنت عن نيّتها بحث العودة للعمل بالاتفاق النووي مع إيران. وباتت دمشق تدرس جدياً سلوك هذا الطريق لتحسين علاقاتها مع واشنطن، بالاستفادة من الشروط الإيرانية لإعادة الاتفاق إلى حيز التنفيذ، بما قد يتضمنه من علاقة طهران مع النظام، وحل مشكلة انتشار قواتها ومليشياتها في سورية. وشكّل انتخاب بايدن بالنسبة للأسد بارقة أمل لإمكانية فك العزلة المشددة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عليه، سواء بالضغط على أطراف دولية وإقليمية لتعزيز العزلة، أو من خلال العقوبات المستمرة، وآخرها المقوننة المتمثلة بـ”قانون قيصر”.

غير أن إدارة بايدن لم تعط إشارات واضحة، لا نحو النظام أو المعارضة، أو باقي الأطراف لإمكانية التعامل مع أي منها. ولا يزال تعاطيها مع القضية السورية ضعيفاً، لا سيما أن الإدارة لم تقم إلى الآن بتعيين مبعوث أميركي خاص إلى سورية خلفاً للسابق جويل رايبرون. وحضرت القضية السورية في تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس حول التفكير الحالي لإدارة بايدن بشأن سورية، قبل الذكرى العاشرة للحرب. وقال برايس، في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء الماضي، “سنجدد جهود الولايات المتحدة للترويج لتسوية سياسية لإنهاء الحرب الأهلية السورية، بالتشاور الوثيق مع حلفائنا وشركائنا والأمم المتحدة”. وأكد أنه “يجب أن تُعالج التسوية السياسية الأسباب الكامنة التي أدت إلى ما يقرب من عقد من الحرب الأهلية. سنستخدم الأدوات المتاحة لنا، بما في ذلك الضغط الإقتصادي، للضغط من أجل إصلاح ذي مغزى والمساءلة. وسنواصل دعم الأمم المتحدة ودورها في التفاوض على تسوية سياسية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

من جهة أخرى، يشكّل عدم وضوح موقف إدارة بايدن من الأزمة السورية، منطلقاً حتى للتنظيمات التي تصنفها واشنطن إرهابية، لتصور آلية يتم اعتمادها ومشاركتها في العملية السياسية، من خلال إعادة تقييم أدائها واعتمادها من قبل إدارة بايدن، أو الإدارة في واشنطن بشكل عام، التي تُعتبر البوصلة للغرب والمجتمع الدولي في تصنيف الجماعات في سورية، والشرق الأوسط عموماً. ولم يشكل ظهور أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، بحلة جديدة، بعيدة كل البعد عن زي الإسلاميين المتشددين، المبادرة الأولى لتقديم أوراق اعتماده حول إمكانية تغيير أفكار ومنهجية تنظيمه ليكون مقبولاً من الفاعلين الدوليين في الأزمة السورية. وهي ليست المحاولة الأولى للجولاني لإعطاء هذا الانطباع، إذ سبقتها إشارات سابقة في هذا السياق، ولا سيما في العامين الأخيرين، مع تمدد “الهيئة” في إدلب وقضائها على جزء كبير من الفصائل المعارضة المعتدلة أو تهميشها.

وعلى ذلك، جاءت نصائح “مجموعة الأزمات الدولية”، وهي منظمة غير حكومية مقرها بروكسل، لإدارة بايدن، حول إعادة النظر بتصنيف “هيئة تحرير الشام” كمجموعة إرهابية، وذلك من خلال “تقدير موقف” أصدرته المجموعة، يوم الأربعاء الماضي، حمل عنوان “في إدلب السورية، هناك فرصة لواشنطن لإعادة تصور (تعريف) مكافحة الإرهاب”.

وقالت المجموعة إنه “إذا كانت إدارة بايدن تسعى إلى تصحيح السياسة الخارجية المفرطة في استخدام القوة العسكرية التي تنتهجها واشنطن، فإن هناك فرصة لإعادة تعريف استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تكمن في إدلب، وهي المنطقة التي وصفها مسؤولون أميركيون ذات يوم بأنها أكبر ملاذ آمن لتنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر/أيلول (2001). ولم تعد المحافظة السورية الشمالية الغربية كذلك لعدة أسباب”. وأشارت إلى أن “إدلب تبقى ملجأ مزدحماً لثلاثة ملايين مدني، وموقع كارثة إنسانية محتملة تلوح في الأفق ومعقلا أخيرا للجماعات الثورية السورية. كما أن مصيرها قد يكون محورياً لمستقبل وسياسة الولايات المتحدة تجاه التشدد الإسلامي في المنطقة”.

ونبهت المجموعة إلى أن “علاقة هيئة تحرير الشام، وهي الجماعة المتمردة الأكثر هيمنة في إدلب، انكسرت مع شبكات الجماعات الجهادية، وتسعى الآن إلى الدخول في مجال المشاركة السياسية بشأن مستقبل سورية. من الناحية النظرية، ينبغي أن تتيح هذه الوقائع فرصاً لتجنب تجدد العنف”. وأكدت أنه “من الناحية العملية، يشكل استمرار وضع هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية (كما صنفتها الولايات المتحدة وروسيا ومجلس الأمن الدولي وتركيا) عقبة رئيسية، وله تأثير مخيف على الدعم الغربي لتوفير الخدمات الأساسية في إدلب، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية. كما منعت إجراء مناقشات مع هيئة تحرير الشام نفسها حول سلوكها ومستقبل الأراضي التي تسيطر عليها، حيث تتجنب الدول الغربية والأمم المتحدة الاتصال مع الهيئة تماماً، في حين تقصر تركيا نفسها على الحد الأدنى اللازم لتسهيل وجودها العسكري في إدلب”، موضحة أن “غياب هذا التواصل يقوض وقف إطلاق النار ويوقف القوى الخارجية عن الضغط على الهيئة لاتخاذ المزيد من الخطوات البناءة”.

ورأت المجموعة أن “هناك حاجة ملحّة إلى أفكار خلاقة لكيفية الحفاظ على هذه الهدنة الهشة، من خلال إيجاد جواب مباشر بشأن وضع الهيئة. ومع ذلك، من الصعب تصور أن تنبع هذه الأفكار من الأطراف الفاعلة في شمال غرب سورية”، بالإشارة إلى أن أنقرة مترددة في الانخراط دبلوماسياً مع “هيئة تحرير الشام” بسبب غياب الدعم الدولي، في حين تفضّل موسكو ودمشق انتصاراً عسكرياً صريحاً على “الهيئة”. وفي خضم ذلك تقدّم “تحرير الشام” نفسها على أنها تدافع عن إدلب من أي تقدم آخر للنظام. وبناء على ذلك ترى المجموعة بأن هناك فراغاً سياسياً، وواشنطن الآن في وضع جيد لملء هذا الفراغ، موضحة أنه “يجب على إدارة بايدن أن تعمل مع الحلفاء الأوروبيين وتركيا للضغط على هيئة تحرير الشام من أجل اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تعالج المخاوف المحلية والدولية الرئيسية، وتحديد معايير واضحة (إذا تم الوفاء بها) يمكن أن تمكن هيئة تحرير الشام من التخلص من علامتها الإرهابية”.

وبعد انتشار صورة الجولاني، قبل أيام مع صحافي أميركي، عبّرت “الهيئة” صراحة، في تصريح عبر مكتبها للعلاقات الإعلامية، عن اعتقادها بأنه “من الواجب علينا كسر العزلة، وإبلاغ واقعنا بكل السبل الشرعية المتاحة، وإيصال ذلك إلى شعوب الإقليم والعالم، بما يساهم في تحقيق المصلحة ودفع المفسدة لثورتنا المباركة”.

على صعيد الأطراف الأخرى المتحكمة في الأرض، فليس هناك مخاوف كردية كبيرة من جهة الإدارة الأميركية الجديدة، في ظل الإجماع الأميركي، حتى مع إدارة ترامب، على دعم الأكراد شمال شرق سورية، حتى حين أراد التخلي عن دعم المجموعات الكردية المقاتلة بشكل مباشر، من خلال قراري الانسحاب من سورية، اللذين لم ينفذا بسبب عرقلة مؤسسات الحكم الأميركية المختلفة. في حين تبقى المعارضة المتمثلة بالائتلاف الوطني السوري والمقربة من أنقرة، مشتتة، من دون أن تقدم موقفاً حقيقياً للإدارة الأميركية الحالية. وتكمن أبرز مخاوفها في تخفيف إدارة بايدن لمفاعيل عقوبات “قانون قيصر”، وتعيين مسؤول جديد عن الملف السوري في البيت الأبيض أو الخارجية غير منسجم مع أفكارها وتطلعاتها، بعد خسارتها لأبرز أصدقائها من المبعوثين الأميركيين إلى سورية، بعد انتهاء خدمة جويل ريبرون.

العربي الجديد

——————————-

مقترح أميركي جديد..تخفيف العقوبات على الأسد مقابل الإصلاحات؟

يرى موقع “Responsible Statecraft” التابع لمعهد كوينسي الأميركي، أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورث أزمة عمرها 10 سنوات في سوريا ولا تزال تشكل تحديات استراتيجية وإنسانية حادة. لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز المصالح الأميركية.

ويقول الموقع في مقال للدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان وهارير بيلمان بعنوان: “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة في سوريا”، أن المصالح الأميركية في سوريا تشمل القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والمشكلة التركية مع الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. هناك اهتمام مهم آخر وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردود الفعل الشعبوية.

نجحت السياسة الأميركية الحالية -التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها- في شلّ اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. كانت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على بشار الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة غير ناجحة. وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.

أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحسب الكاتبين، إلى نقصٍ حاد في العملة السورية وساهمت في انهيار العملة السورية ، لكنها لم تُضعف الدعم الرئيسي بين جمهور الأسد المحلي ولم تغيّر سلوك النخبة الحاكمة. لقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، وروسيا وتركيا وإيران بصفتهم الحكام الرئيسيين لمستقبل سوريا. في غضون ذلك، تعثّرت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية.

والأسوأ من ذلك، أن العقوبات المفروضة على سوريا تؤدي إلى عواقب إنسانية ضارّة غير مقصودة من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب، والقضاء على الطبقة الوسطى السورية، وهي محرك محتمل للاستقرار والإصلاح طويل الأجل. من الآمن الافتراض أن قيادة البلاد لا تعاني بسبب العقوبات.

تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً بين النهج الحالي، الذي نجح فقط في المساهمة في دولة فاشلة، أو عملية دبلوماسية أعيد تصورها من قبل مركز كارتر، تهدف إلى تطوير إطار مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والعملية التي يمكن التحقق منها، والتي، في حالة تنفيذها، ستقابلها مساعدات موجهة وتعديلات في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الهدف من هذا الإطار، بحسب المقال، هو وقف دوامة الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يمكّن من إحراز تقدم في القضايا المنفصلة ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. فهو لا يتصدى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، وهو أمر مرفوض من الولايات المتحدة، ولا يُحاسب أي شخص على الوفيات والدمار المروعين في سوريا، لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.

أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة جائحة كورونا في سوريا من العقوبات. وبالقدر نفسه من الأهمية سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري. سيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية.

لن يتم إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة يتم التفاوض عليها مع حكومة النظام السوري. من شأن آليات الرصد التأكد من التقدم في خطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيماوية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة، عملية جنيف والمزيد من اللامركزية.

ولكن يجب ألا تكون هناك أوهام؛ عوائق النجاح كثيرة. أظهرت القيادة السورية القليل من الاستعداد لتقديم تنازلات. يتطلب الزخم في هذا النهج التدريجي تحركاً سورياً يمكن التحقق منه، وسيؤدي مجرد التشدق بالإصلاح إلى تعليق الحوافز الأميركية والأوروبية وقد يؤدي إلى إعادة فرض سريعة عقوبات.

تخّلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا “المطلب المتطرف” منذ سنوات. لكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في إنتاج أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي.

هذه ليست هدية للنظام السوري، المسؤول عن الكثير من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية. بل هو اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011. من خلال الإفراج العلني عن قائمة متفاوض عليها من الخطوات المتبادلة، يمكن في جوهرها، للولايات المتحدة وأوروبا، تطبيق نوع مختلف من الضغط على سوريا لإنتاج الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن.

ويختم المقال قائلاً: “يوفّر تغيير الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة فرصة لتشخيص واختبار هذا النهج الجديد”.

———————–

=============================

تحديث 09 شباط 2021

—————————–

إدارة بايدن تضع الحوار الكردي – الكردي ضمن استراتيجيتها في سورية/ عماد كركص و سلام حسن

ينظر للأيام القليلة القادمة على أنها مصيرية في ما يخص الحوار الكردي – الكردي، الذي ستستأنف الجولة الثانية منه برعاية أميركية بعد أيام، وذلك بعد توقف الأطراف عند قضايا عالقة لم يتم الاتفاق عليها، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر لـ”العربي الجديد” أن مسؤولين أميركيين شددوا على مركزية توحيد البيت الداخلي الكردي في استراتجية واشنطن تجاه سورية.

ومع التغيير الحاصل في البيت الأبيض، بات هناك مسؤولون ومبعوثون أميركيون جدد للإشراف على ملف منطقة شرق وشمال سورية الخاضعة لـ”الإدارة الذاتية” الكردية، وحتى على مسألة الحوار الكردي – الكردي الذي كان من مهمة المبعوثة الأميركية السابقة لشمال وشرق سورية زهرة بيلي، التي تسلمت منصباً أرفع يتعلق بالملف السوري داخل البيت الأبيض. 

واعتمدت إدارة بايدن ديفيد براونستين ممثلاً لوزارة الخارجية في شمال وشرق سورية، إلى جانب مساعدته إيميلي برندت. وزار براونستين مناطق “الإدارة الذاتية” بعد أيام من فوز بايدن، والتقى بقائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي في الحسكة، وسيكمل مع مساعدته الجهود التي قامت بها بيلي، علماً أن برندت كانت مساعدة للأخيرة خلال مهمتها السابقة في سورية. 

وتعد الاجتماعات المتوقعة لاستئناف الحوار الكردي – الكردي بين كل من “المجلس الوطني الكردي” و”أحزاب الوحدة الوطنية” التي يقودها “حزب الاتحاد الديمقراطي” استكمالاً لأعمال الجولة الثانية من الحوار، التي توقفت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

واصطدمت تلك الجولة بعقبات عدة، أبرزها إصرار “المجلس الوطني الكردي” على عودة قوات البشمركة السورية إلى منطقة شرقي نهر الفرات، وفكّ ارتباط “الاتحاد الديمقراطي” بـ”حزب العمال الكردستاني”، وإلغاء التجنيد الإجباري، بالإضافة إلى حسم مصير المعتقلين والمختطفين.

وتعد البشمركة السورية، المتمركزة في شمال العراق، بمثابة ذراع عسكرية لـ”المجلس الوطني الكردي”، الذي يريد دخولها إلى الشمال الشرقي من سورية، والمشاركة في القرارين العسكري والأمني، في ظل هيمنة “الإدارة الذاتية” بقيادة كل من “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”قسد” على حكم المنطقة الشرقية، الغنية بالثروات الزراعية والنفطية. 

وبخصوص هذه التطورات، أكدت المتحدثة باسم “الاتحاد الديمقراطي” سما بكداش، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تحديد موعد الجولة القادمة في هذا الشهر جاء بعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهامها، وبعد تعيين مسؤولين أميركيين جدد مبعوثين إلى شمال وشرق سورية.

وأوضحت بكداش أن “الوفد الأميركي وصل إلى الحسكة قبل أيام وعقد اجتماعات مع كل طرف من طرفي الحوار على حدة، تمهيداً لبدء المفوضات بشكل مباشر”، مضيفة أن “الحديث تركز حول التوفيق بين طرفي الحوار للخروج بنتائج لاتفاق بينهما، الذي يعد هدفا استراتيجيا للولايات المتحدة بحسب ما أبلغنا المبعوث الجديد”. 

وينتظر أن تتناول المرحلة الثانية من الحوار التي ستستأنف بعد أيام “المرجعية الكردية”، أي كيفية التوصل إلى مرجعية سياسية واحدة تمثل الأكراد السوريين في استحقاقات الحلّ السياسي، وبعض القضايا العسكرية والأمنية. ولفتت بكداش إلى أن “الحوار سيستأنف من النقطة التي توقف عندها، ببحث آلية مشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية، وبعد الانتهاء من نقاش هذه النقطة، سيتم اللجوء لبحث المسائل العسكرية والأمنية بحضور من قيادة (قسد)، والاستناد إلى اتفاقية دهوك في المسائل التي ستتم مناقشتها عسكرياً وسياسياً ومدنياً”. 

وأكدت بكداش،أن الجانب الأميركي الراعي لهذه المباحثات والحوار سيكون الضامن كذلك لتطبيق نتائجه من خلال أي اتفاق سيتم التوصل إليه، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الاتفاقات السابقة لم ترَ النور، كونها تمت بدون ضامن. لكنها استدركت بالإشارة إلى عدم وجود جدول زمني لإنهاء الحوار، ومعربة عن استعداد “أحزاب الوحدة الوطنية” لدوام الجهوزية للانخراط في أي اجتماعات لإتمامه.

وتابعت بكداش أنه رغم الصعوبات والعقبات، إلا أن لديهم “إيماناً بتحقيق الوحدة الوطنية بين المكونات الكردية”، وعلى أساس ذلك فهم يبذلون كل الجهد لإنجازها “بما يخدم وحدة الصف الكردي في المسارات السياسية الرامية لحل الأزمة السورية”.

وقالت كذلك “هذه الوحدة ستكون من ضمنها المكونات العربية والسريانية وغيرها من مكونات شرق سورية”، مشددة على أن “الاتفاق النهائي سيخدم التوصل إلى الحل السياسي وفقاً للمرجعيات الأممية والقرار الدولي 2254”. 

بكداش: “الاتحاد الديمقراطي” قدّم تنازلات (العربي الجديد)

وخلال المباحثات السابقة بين الجانبين، تم الاتفاق على أن تكون اتفاقية دهوك، التي أبرمت بينهما برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أرضية للمفاوضات. ونصت الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل “حركة المجتمع الديمقراطي” (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية – 25 حزباً) فيها 40 في المائة، و”المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين. كذلك تمّ الاتفاق على أن يكون عدد أعضاء المرجعية 32 شخصاً ممثلين وفق الآتي: 12 من “حركة المجتمع الديمقراطي”، و12 من “المجلس الوطني”، و8 من القوى السياسية من خارج الإطارين المذكورين.

وتعد مسألة دخول “البشمركة السورية”، التي تضم مقاتلين سوريين كرداً متمركزين في شمال العراق إلى الشمال الشرقي من سورية، من التحديات الكبرى التي تواجه المفاوضات بين الطرفين الكرديين، حيث يرفض “الاتحاد الديمقراطي” دخول هذه القوات إلى سورية كي يبقى متفردا بالقرار في منطقة شرقي نهر الفرات، طارحا اندماج هذه القوات في مليشيا “قسد” من دون شروط، وهو ما يرفضه “المجلس الوطني الكردي” الذي يعتبر “البشمركة السورية” ذراعا عسكرية له.

العربي الجديد

———————————

هل تترحم إيران على أيام ترامب؟/ مهند الحاج علي

لا تُنبئ الدبلوماسية الأميركية بأي انفراجة على مستوى المفاوضات مع ايران، ولا بد أن ينعكس ذلك على منطقة نفوذ طهران بأسرها، سيما مع اشتداد الضائقة المادية. ذلك أن الـ”كلا” التي نطق بها الرئيس الأميركي جو بايدن كانت شديدة الوضوح، ولا لبس فيها، لجهة اشتراط التزام إيراني بالاتفاق النووي قبل رفع العقوبات، رغم جو التفاؤل الذي رافق تعيين روبرت مالي مبعوثاً الى ايران. فريق جو بايدن ليس نسخة عن إدارة الرئيس باراك أوباما وسياساتها في سوريا وإيران، بل هو أشبه بحركة تصحيحية ترمي إلى ردم هفوات الماضي.

لا تنظر الإدارة الحالية الى سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب بوصفها كارثة يجب الاعتذار عنها وتصحيحها. بالعكس، وقبل وفود هذه الإدارة الى مواقعها، أعرب أقطاب فيها عن أملهم بالاستفادة من الأخطاء السابقة، ليس لجهة تصحيحها، بل لأنها تُوفر فرصة لاعادة تركيب سياسات أوباما بشكل يأخذ الهفوات في الاعتبار، ومنها الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

وهكذا لم يطرق بايدن الباب الإيراني في اليمن أولاً، بل حاول تجاوزه بالتعاطي مع المكون المحلي، ولمعرفة الساسة الاميركيين بأن الحوثي لا يخضع بالكامل لإرادة طهران رغم التحالف بينهما. رفعُ جماعة الحوثي عن قائمة الجماعات الإرهابية، أعطى زخماً محدوداً لسياسة بايدن. وهذا مثال على نهج الإفادة من سياسات ترامب، بدلاً من ادانتها والعودة عنها بلا مقابل. صحيح أن المبعوث الدولي مارتن غريفيث نقل أخيراً رسالة أميركية إلى ايران في الشأن اليمني، لكن ذلك حصل متأخراً ويعكس مراساً غير متعاون ومتحايلاً في واشنطن.

في الملف النووي الإيراني، تعلم إدارة بايدن مأزق طهران، ذلك أن هناك حاجة ماسة لبيع النفط، والأرجح أن احتياطي العملات الصعبة الذي مثّل ذخراً للايرانيين خلال السنتين الماضيتين، لن يدوم طويلاً. وقد يجد النظام الإيراني نفسه في موقع حرج مالياً الصيف المقبل، بما يجعل التفاوض مع الجانب الأميركي في الملفات الإقليمية، ضرورة أو “سُمّاً” لا بد من تجرعه، كما حصل في نهاية الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.

بيد أن الجانب الإيراني اليوم يفرض شروطاً صعبة، ومنها رفع كل العقوبات قبل العودة الإيرانية للاتفاق. وهذا شرط منطقي من الجانب الإيراني، إذ أن واشنطن هي التي أخلت بما التزمت به في الاتفاق النووي، وليس إيران، وبالتالي على الولايات المتحدة المبادرة بالعودة إليه.

لكن بالنسبة للجانب الأميركي، من الضروري الاستفادة من لحظة الضعف الإيرانية لتحسين شروط الاتفاق ومناقشة قضايا إقليمية مقلقة مثل دور الميليشيات العراقية المدعومة إيرانياً، وعرقلة ولادة الحكومة اللبنانية، والدور الإيراني في اليمن وأفغانستان.

طبعاً، لن يعني ذلك انهاء الوجود الإيراني، ولكن الأمل في واشنطن هو في ضبطه وربط السلوك الإقليمي الإيراني بالعقوبات. إذا أخلت ايران بما تلتزم به، لن تتمكن من بيع النفط، على الأقل ليس بالكميات المأمول بها.

لكن على الجانب الإيراني، ليست الأمور بهذه السهولة أيضاً. الرئيس حسن روحاني وفريقه يرغبون في العودة للاتفاق، لكن هناك من يُخوّن هذا النهج، ويُطالب بشروط أقسى إيرانياً، جاء بعضها على لسان المرشد علي خامنئي.

فيما يضيق الخناق مالياً على الطرف الإيراني، تزداد احتمالات التهور في التصعيد، لكن أي خطوة غير محسوبة قد تجد أمامها رد فعل دولياً أوسع نطاقاً. عملية شد الحبال اليوم أصعب من الأمس، والأرجح أن ترى المطالب الأميركية، النور، ولو بعد حين.

المدن

————————

الاتفاق النووي:بايدن يعرض حوافز من تحت الطاولة

نقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة تبحث مجموعة من الأفكار حول كيفية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بما فيها خيار يتخذ فيه الجانبان خطوات صغيرة دون الالتزام الكامل لكسب الوقت.

وقد ينطوي هذا الخيار على إتاحة واشنطن امتيازات اقتصادية لطهران قيمتها أقلّ من تخفيف العقوبات التي نص عليها الاتفاق النووي، مقابل توقف إيران أو ربما تراجعها عن انتهاكاتها للاتفاق.

وأكدت المصادر أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يقرر سياسته بعد. ولا يزال موقفه المعلن هو استئناف إيران التزامها الكامل بالاتفاق قبل أن تفعل الولايات المتحدة ذلك.

وقال أحد المصادر المطلعة على المراجعة الأميركية: “يفكرون بشكل حقيقي”. وأضاف أن الأفكار التي يدرسونها تشمل عودة مباشرة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015 وما سمّاه “الأقل مقابل الأقل” كخطوة مؤقتة. وقال مصدر آخر إن إدارة بايدن إذا خلصت إلى أن التفاوض بشأن العودة الكاملة للاتفاق سيستغرق وقتاً طويلاً، فقد تتبنى نهجاً أكثر اعتدالاً.

وقد تجد واشنطن سبلاً أخرى لتخفيف الألم الاقتصادي عن إيران، لتمهد الطريق أمام صندوق النقد الدولي لإقراض طهران أو تسهل وصول البضائع الإنسانية أو تتبنى فكرة أوروبية لتسهيل ائتماني.

وقال دبلوماسي غربي إن قرضاً من صندوق النقد الدولي “قد يكون فعالاً بالتأكيد. ووصف إمكانية تقديم تسهيل ائتماني أوروبي لإيران بأنه “معقول وقابل للتنفيذ” لكنه يتطلب قبولاً ضمنياً من الولايات المتحدة.

وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية طلبت عدم نشر اسمها، إن إدارة بايدن ما زالت تستشير الكونغرس وكذلك الحلفاء والشركاء. وأضافت “ندرس مجموعة من الأفكار التي تتفق مع سياستنا المعلنة المتمثلة في الاستعداد للعودة إلى الامتثال للاتفاق إذا فعلت إيران ذلك”.

وقال ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين إنه حتى فرصة الحل المؤقت قد تضيع بسرعة قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران/يونيو. وقال أحدهم: “إنه وضع عاجل. إذا لم نتمكن من اغتنام الفرصة الآن، فمن الصعب للغاية التفكير في أننا سنتمكن من الدخول في مفاوضات جوهرية قبل الخريف… المسار الحالي قد يغلق كثيراً من الأبواب”.

على المستوى الأميركي الرسمي، جدّد المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، القول إنه لا يريد التفاوض مع إيران بشأن الملف النووي، لكنه أعلن تمسك الإدارة بالاقتراح الذي تقدم به بايدن في حملته الانتخابية.

وأكد على موقف إدارة بايدن قائلاً: “إذا كانت إيران ترغب في مواصلة تطبيقها التام لخطة العمل المشتركة الشاملة، فإن الولايات المتحدة ستنضم مجدداً إلى هذا الاتفاق وستسعى إلى إطالة أمده وتقوية بنوده واستخدامه كمنصة للتفاوض على اتفاقات أخرى تعالج نشاطات إيران الخبيثة الأخرى”.

وحول إمكانية إعطاء حوافز لطهران، مثل قرض من صندوق النقد الدولي أو حوافز مالية أخرى، لتشجيعها للعودة إلى الاتفاق النووي، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن “ذلك يقع تحت إطار التفاوض على المنبر ولا أريد القيام بذلك. ولكن نريد التأكد من أننا على  الصفحة نفسها مع شركائنا وحلفائنا والكونغرس قبل الحديث عن هذه القضايا”.

من جهة ثانية، حذّر تقرير أممي من إمكانية أن تكون إيران وكوريا الشمالية قد استأنفتا في 2020 تعاونهما في مجال تطوير صواريخ بعيدة المدى.

وقال خبراء الأمم المتّحدة المكلّفون مراقبة العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية في تقريرهم السنوي الذي قدموه إلى مجلس الأمن، إنّ طهران نفت أن تكون قد استأنفت تعاونها الصاروخي مع بيونغ يانغ، وهو اتّهام ساقته ضدّ الجمهورية الإسلامية دولة لم يسمّها الخبراء في تقريرهم.

وأضاف التقرير أنّه “وفقاً لإحدى الدول الأعضاء، فقد استأنفت كوريا الشمالية وإيران تعاونهما في مشاريع تطوير صواريخ بعيدة المدى. استئناف هذا التعاون شمل على ما يبدو نقل أجزاء مهمّة، وآخر شحنة مرتبطة بهذه العلاقة جرت في 2020”.

ووفقاً للتقرير. قالت طهران في رسالة للخبراء، إن معلومات خاطئة وبيانات ملفّقة قد تكون استخدمت في التحقيقات والتحليلات التي أجراها الفريق.

المدن

————————–

أميركا تتخلى عن حماية نفط قسد:مهمتنا مكافحة “داعش

قال قائد القيادة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكنزي إن تقديرات بلاده تشير إلى أن “هناك نحو 10 آلاف مقاتل لتنظيم الدولة في سوريا”.

وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام ليل الاثنين، أن “روسيا تتحدى التواجد الأميركي وتقدم نفسها كبديل للغرب عبر التوسط في النزاعات الإقليمية”.

بدوره، قال المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش” واين ماروتو إن “التحالف يواصل العمل مع قسد لتقويض القدرات المحدودة لبقايا داعش في شمال شرق سوريا”، مضيفاً في سلسلة تغريدات، أن “مثل هذه العمليات تُظهر جهدنا الموحد لهزيمة داعش وتوفير الأمن، وحرمان الإرهابيين من الموارد اللازمة لإعادة الظهور في المنطقة”.

يأتي ذلك فيما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن قواتها في سوريا لم تعد مسؤولة عن حماية النفط، وأن واجبها هو مكافحة تنظيم “داعش”، وذلك خلافا لما كان أعلنه الرئيس السابق دونالد ترامب.

وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي للصحافيين، إن “موظفي وزارة الدفاع ومقاوليها من الباطن ليسوا مخولين بمد يد المساعدة إلى شركة خاصة تسعى لاستغلال موارد نفطية في سوريا ولا إلى موظفي هذه الشركة أو وكلائها”.

وأضاف كيربي رداً على سؤال بشأن مهمة القوات الأميركية في سوريا، أن العسكريين الأميركيين المنتشرين في شمال شرق سوريا وعددهم حاليا حوالي 900 عسكري “هم هناك لدعم المهمة ضد تنظيم داعش في سوريا… هذا هو سبب وجودهم هناك”.

ولا تزال الغالبية العظمى من حقول النفط في شرق سوريا وشمالها الشرقي خارج سيطرة النظام، فهي تقع في مناطق تسيطر عليها بشكل أساسي قوات سوريا الديمقراطية.

وفي آب/أغسطس 2020 تم التوصل إلى اتفاق بين شركة النفط الأميركية “دلتا كريسنت إنيرجي” والإدارة الذاتية الكردية يتيح لقوات الأخيرة الإفلات من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على النظام السوري، كما أعلنت الخارجية الأميركية في ذلك الوقت تأييدها الاتفاق.

وكان ترامب قال في 2019 عندما عدَل عن قراره سحب جميع القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، إنّه سيبقي على بضع مئات من العسكريين “حيث يوجد نفط”.

—————————-

بلينكن :الجولان محل تفاوض إذا خرجت إيران.. والاسد

امتنع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ليل الاثنين، عن تأييد اعتراف إدارة ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، مشيراً بدلاً من ذلك إلى أهمية المنطقة لأمن إسرائيل.

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منح اعترافاّ أميركياّ رسمياّ بسيادة إسرائيل على الجولان في عام 2019، في تحول كبير عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة لعشرات السنين.

وقال بلينكن لشبكة “سي.إن.إن”: “من الناحية العملية، أعتقد أن السيطرة على الجولان في هذا الوضع تظل لها أهمية حقيقية لأمن إسرائيل طالما أن الأسد يحكم في سوريا وإيران وميليشياتها حاضرة هناك. وأضاف أن “كل هذه تشكل تهديداً أمنياً كبيراً على إسرائيل. الأسئلة القانونية شيء آخر وبمرور الوقت إذا تغيّر الوضع في سوريا، فإننا سنبحث في ذلك، لكننا لسنا قريبين من ذلك بأي حال”.

وأضاف أن حكومة النظام السوري علاوة على وجود الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تشكل “تهديداً أمنياً كبيراً” لإسرائيل.

وأكد بلينكن، من جهة ثانية، التزام إدارة بايدن بالإبقاء على السفارة الأميركية في القدس، بعد أن اعترفت إدارة ترامب بالمدينة عاصمة لإسرائيل. وأضاف أن اختراق الطريق نحو حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مازالت طويلة.

ورحب بلينكن ب”اتفاقيات أبراهام” لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبين الإمارات والبحرين، لكنه أضاف أن “هذا لا يعني أن التحديات في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين قد انتهت. وهي لن تختفي”. وتابع: “سنضطر إلى بحث ذلك، لكن قبلها يتعين على إسرائيل والفلسطينيين البحث في ذلك”.

وعبر وزير الخارجية الأميركية عن تأييد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لحل الدولتين، وقال إن هذه الطريق الوحيدة لضمان بقاء إسرائيل “دولة يهودية وديمقراطية”.

ورداً على سؤال عن سبب عدم تحدث بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال بلينكن: “أنا متأكد من أنه سيكون لديهما فرصة للتحدث في المستقبل القريب”.

لكن تقديرات ترددت في إسرائيل، أفادت بأن بايدن يعاقب نتنياهو بامتناعه عن الاتصال معه رغم مرور ثلاثة أسابيع على تنصيبه، فيما درج الرؤساء الأميركيين السابقين على الاتصال مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بعد فترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أيام بعد تنصيبهم.

وكان نتنياهو تطرق إلى موضوع الاتصال الهاتفي الاثنين، وادعى أنه “تحدثت مع بايدن بعد فوزه مباشرة” علما أنه اتصل به بعد إعلان نتائج الانتخابات بأيام. وبرر نتنياهو عدم اتصال بايدن به حتى الآن بأنه لم يأتِ دوره بعد.

———————–

=====================

تحديث 13 شباط 2021

—————————-

بايدن

 هل تتآمر واشنطن على الأسد؟/ ميشيل كيلو

ركّب بشار الأسد، بإيحاء روسي، مؤامرة كونية على نظامه، طرفها الخارجي الرئيس هو الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، والداخلي هو الشعب السوري: عميل واشنطن وتل أبيب القديم، الذي تحوّل بقضه وقضيضه إلى شعب إرهابي، بمجرّد أن طالب بحريته. وبهذه التركيبة، صارت معركة الأسدية موجهةً ضد الثورة بوصفها مؤامرة إمبريالية/ صهيونية ينفذها السوريون، لذلك، انقلبت جرائم جيشها ضدّهم إلى بطولاتٍ وطنيةٍ تستحق الإشادة.

تثير هذه الفرية عن تآمر الشعب السوري مع صهاينة واشنطن وتل أبيب، العجب، وتطرح أسئلة منها: لماذا امتنع شريكا الشعب في المؤامرة عن حمايته من الذبح، وتركا الأسدية تشطبه من موازين الصراع لصالحهما؟ وهل كان البيت الأبيض عاجزا عن حمايته، أم مستغنيا عنه وعن دوره؟ ألا تكون المؤامرة سيئة التخطيط ومحكومة بالفشل، إما لأن واشنطن وتل أبيب خائفتان من جيش الأسد، أو ممتنعتان عن توظيف قدراتهما الهائلة ضده، والنتيجة: ليس الطرفان منخرطين في مؤامرة عليه، فلا أحد يتآمر ليفشل، أو عندما يكون عاجزا عن استخدام ما لديه من قدرات، وتكون المؤامرة الحقيقية على السوريين الذين أوهمهم البيت الأبيض بأنه معهم، ثم تخلى عنهم، وتنكّر لثورتهم، بحجة أنها ثورة مزارعين وأطباء أسنان، كما قال الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما؟

وإذا كانت واشنطن وتل أبيب تتآمران على الأسد، لماذا لم تستغلا تمرّد الشعب لتنقضّا عليه، عندما وصل عامي 2012 و2015 إلى حافّة الانهيار، وسارع حزب الله والجيش الروسي إلى إنقاذه، وكان إسقاطه متاحا لهما، لكنهما تفرّجتا على الغزاة وهم يسحقون الشعب الثائر، حليفهما المزعوم، حتى بعد تهديد أوباما باستخدام القوة ضد الأسدية، إنْ أقدمت على استخدام السلاح الكيماوي، وعندما أقدمت وضربت بتهديده عرض الحائط، لم ينفذ وعيده، هو أو نتنياهو، وقبل تسوية مع موسكو سمحت للجنة من الأمم المتحدة بزيارة تلك المواقع التي يوافق الأسد على تفتيشها! وحين تبيّن أنه لم يسلّم كل ما لديه من سلاح كيماوي، امتنعت واشنطن عن تطبيق البند السابع من قرار مجلس الأمن عن نزعه بالقوة. أهكذا عوّدتنا واشنطن وتل أبيب أن تتآمرا، وكيف تتآمران إن وقفتا مكتوفتي اليدين دوما، بينما كانت الأسدية تتسلّى باستخدام أسلحتها المحظورة دوليا، وتفتك بعمليهما السوري المزعوم؟ هل كان من المؤامرة تأييد أميركا وإسرائيل دخول حزب الله ثم روسيا إلى سورية، لإنقاذ من تتآمران عليه، مع الشعب السوري؟ وكيف يفسر امتناعهما عن ممارسة أي رد فعل على تدخلّهما، لو كانا يتآمران حقا ويريدان إطاحته ونظامه؟

سأفترض أن واشنطن خافت من الجيش الأسدي وشبّيحته، ونأت بجيشها عن المؤامرة، لماذا امتنعت عن تزويد شريكها السوري بأسلحة ردع متقدّمة، وعن فرض حظر جوي يحمي ما احتله المتآمر السوري عام 2013، ويعادل ثلثي الأرض السورية التي تركها المتآمران الدوليان تسقط في يد إيران وحزب الله وروسيا: الأطراف التي تصدّت لهما؟ أخيرا، إن كانت واشنطن متآمرة على الأسد، بماذا يفسّر إحجامها عن تطبيق قرارات دولية داعمة لشريكها السوري في المؤامرة، مع أن تطبيقها يحقق أهدافهما؟

ترتكز أكذوبة المؤامرة على سذاجةٍ ادّعى أصحابها أن جيش الأسد الذي لا يصلح لغير التشبيح والتعفيش، بشهادة جنرالات روسيا، هزم أميركا وإسرائيل والشعب السوري مجتمعين، بعد إخراج معظمه من المعركة. إذا كان هذا هو ما حدث حقا، أين كمنت المؤامرة، وكيف سمحت أميركا للمعفشين والمشبحين بهزيمتها، وكيف تشبّح إسرائيل ليلا ونهارا فوق سورية، إن كان جيش التعفيش قد أفشل مؤامرتها بقوته؟

قد تنطلي هذه السذاجة على الذين مسحت عقولهم، ولا تنطلي على المصرّين على نيل حريتهم ويسخرون منها.

العربي الجديد

——————————

تصريحات بلينكن حول سوريا.. رسالة أمريكية لـ “سوتشي”/ أسامة آغي

أجرى وزير الخارجية الأمريكية الجديد أنطوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووفق تصريحات نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “تطرق الطرفان إلى الملف السوري، وأكّدا على الالتزام بالعملية السياسية في ظل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتمديد التفويض لتقديم المساعدات عبر الحدود، والمساعدة في رفع معاناة الشعب السوري”.

تصريحات بلينكن تسبق اجتماع دول ضمان أستانا في سوتشي، وهذا يعني رسالة أمريكية واضحة المعنى لهذه الدول، بأن لا حلّ للقضية السورية سوى تنفيذ جوهر القرار 2254.

تصريحات بلينكن سبقها بيان الدول الأوربية الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، التي حمّلت النظام السوري مسؤولية إفشال الدورة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف قبل أيام.

من طرفه طالب بيان صادر عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الأمم المتحدة بإيجاد آلية لمنع التعطيل في مفاوضات جنيف، وهذا معناه البحث عن صيغة وآلية تيسران التوصل لحل سياسي وفق القرار الدولي 2254.

إن الموقف الأوربي الغربي، والأمريكي، إضافة لموقف الأمم المتحدة، يضع الروس تحديداً في زاوية المسؤولية عن تعطيل تنفيذ قرارات دولية وقّعوا عليها، وهذا يعني دولياً، أن الروس لا يحترمون تواقيعهم، ولا يمكن الركون إلى التعاون الدولي معهم.

إن نظرية الروس السياسية، التي تريد استنزاف نظام الأسد إلى أقصى درجة، بسبب حاجته لهم، هي نظرية انتهازية وقحة، بات المجتمع الدولي يدركها، وبالتالي صار لزاماً على هذا المجتمع إيجاد وسيلة خارج نطاق مجلس الأمن، لمنع الروس من الاستفادة من الفيتو المعطل للقرارات الدولية.

إن استباق الأمريكيين لاجتماعات سوتشي المنوي عقدها في 16 و17 شباط /فبراير الجاري، يراد منه تبليغ دول ضمان أستانا، وتحديداً الروس، أن الأمريكيين لن يسمحوا بغير مسار مفاوضات جنيف التي تجري وفق القرار الدولي 2254، وأن محاولة الانعطاف بهذا القرار لن تقبل بها الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوربي.

الروس الذين دفعوا النظام السوري لإفشال مفاوضات اللجنة الدستورية، معنيون اليوم بإعادة عربة التفاوض إلى سكتها، ومعنيون بمنع الأسد من إجراء انتخابات رئاسية زائفة، تعقّد مشهد الصراع السياسي في سوريا.

تصريحات بلينكن هي دعوة جادة في أكثر من اتجاه، فهي تحمّل الروس مسؤولية ما يحدث من فشل في مفاوضات جنيف، وهي أيضاً تعيد التأكيد على ثبات الموقف الأمريكي من أن الحل السياسي للصراع السوري له طريق واحدة هي طريق القرار الدولي 2254، إضافة إلى أنها رفض مسبق لأية خطوات تحاول روسيا مع الضامنين التركي والإيراني إيجاد مخرج سياسي خارج القرار الدولي المذكور.

إن إصرار وفد المعارضة على وضع جدول زمني للتفاوض، ووضع آليات تفاوض ناجعة وملزمة، من شأنه إنهاء الوضع الكارثي، الذي يعيشه الشعب السوري في مناطق يحكمها النظام، ومناطق خارج حكمه.

هذا الموقف لقوى الثورة والمعارضة يحتاج هو الآخر إلى تعزيز الفعل الشعبي، فقضية الحل السياسي هي قضية السوريين بنازحيهم ولاجئيهم، وقضية من لا يزال تحت قبضة حكم الاستبداد. أي بمعنى آخر يحتاج ممثلو الثورة السورية المفاوضون إلى دعم شعبي عريض، وهذا واجب يقع على عاتق التنسيقيات الثورية والتجمعات السياسية والقوى الأهلية.

مثل هذا الموقف سوف يتلاقى مع تشبث قوى الثورة على إنجاز الانتقال السياسي عبر العملية التفاوضية، وسوف يتلاقى مع موقف الأمريكيين والأوربيين اللذين أعلنا صراحة وقوفهما مع انتقال سياسي بإشراف دولي عبر انتخابات ستجري في نهاية المرحلة الانتقالية، كما حددتها القرارات الدولية.

تصريحات بلينكن تزيد من حصار نظام الأسد، وتفرض عليه إما التآكل الداخلي السريع والمريع، أو الرضوخ للإرادة الدولية، إضافة إلى أنها تسقط ورقة التلاعب من يد الروس، هذا مغزى اتصال بلينكن بغوتيريش.  

——————————–

لملاحقة داعمي الأسد.. “مكافآت لأجل العدالة” على طاولة إدارة بايدن

أعاد عضوان في “الكونغرس” الأمريكي طرح مشروع قانون “مكافآت لأجل العدالة” الخاص بسورية، في خطوة منهما لإبراز أهميته واستمراريته في الوقت الحالي على الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن.

والعضوان هما: جو ويلسون النائب عن ولاية كارولاينا الجنوبية وتيد دويتش.

وقال ويلسون عبر مدونته الرسمية، اليوم السبت: “أعدنا طرح مشروع قانون لتوسيع نطاق المكافآت من أجل العدالة في وزارة الخارجية الأمريكية”.

وأضاف العضو في الكونغرس: “سيحفز مشروع القانون الذي يتصدره الدبلوماسي بسام بربندي على تقديم معلومات عملية فيما يتعلق بالتهرب من عقوبات الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة في سورية”.

وأشار ويلسون إلى أن “بسام بربندي دبلوماسي سوري سابق انشق وعمل على معارضة انتهاكات نظام الأسد لحقوق الإنسان”.

وأضاف: “خلال الفترة التي قضاها في السفارة، قدم بربندي معلومات عن أنشطة النظام والتهرب من العقوبات إلى الكونغرس والمسؤولين الأمريكيين وعلماء مراكز الفكر. أنا ممتن لبسام، الذي ألهم مشروع القانون هذا، ودافع عن توسيع برنامج مكافآت وزارة الخارجية الأمريكية من أجل العدالة”.

ويخضع نظام الأسد لعقوبات أمريكية بموجب قانون “قيصر”، وبلغ عدد حزمه ستة، طالت مسؤولين أمنيين واقتصاديين أقدموا على عمليات التفاف لتخفيف أثر العقوبات المفروضة.

تعديل سابق

وتعتبر الخطوة المذكورة المتعلقة بالعقوبات في سورية وتقييد عمليات كسرها الأولى من حيث عرضها على الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن.

وفي نوفمبر / تشرين الثاني الماضي كان مجلس النواب الأمريكي قد أقر تعديل قانون “مكافآت من أجل العدالة” في برنامج الخارجية الأمريكية، بما يسمح بالإبلاغ عن ممولي وداعمي الأنظمة التي تقوم بانتهاكات لعقوبات الولايات المتحدة الأمريكية.

ويشمل القانون الذي مرره مجلس النواب، في ذلك الوقت، تقديم مكافآت مالية لمن يقدم معلومات عن كيانات ورجال أعمال وممولين للنظام السوري، المدرج على قائمة العقوبات الأمريكية.

وتم تعديله لينص على تحديد هوية أو مكان الأفراد أو الكيانات التي تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر (عن علم) في تصدير أو استيراد من أو إلى أي بلد، سلع أو خدمات أو تقنيات تتحكم الولايات المتحدة في تصديرها، واستخدام هذه السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا، بما يخالف عقوبات الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة.

ما هي “مكافآت من أجل العدالة”؟

وأُنشئ برنامج “مكافآت من أجل العدالة” تحت قانون عام 1984، لمكافحة الإرهاب الدولي، وتتم إدارته بواسطة مكتب الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية.

ويتركز هدف البرنامج على تقديم “الإرهابيين الدوليين” للعدالة ومنع أعمال الإرهاب الدولية ضد مواطني أو ممتلكات الولايات المتحدة.

وفي الأشهر الماضية كان البرنامج قد خصص عدة مكافآت مالية، ارتبط البعض منها بالحصول على معلومات تفيد بموقع قائد “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، والقسم الآخر ارتبط بالشخصيات التي تكسر العقوبات المفروضة على نظام الأسد.

تطبيق “صارم” لقيصر

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أكدت في الأسابيع الماضية أن إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن، ستعمل على تطبيقٍ صارم لقانون “قيصر” ضد نظام الأسد، والذي أقرته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وقال متحدث باسم الخارجية لصحيفة “الشرق الأوسط”، مطلع الشهر الحالي، إن بايدن “لن يتهاون” بتطبيق عقوبات “قيصر”، مع العمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، لحين الوصول لحل سلمي في البلاد، حسب قوله.

وأضاف المتحدث، الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته، أن الإدارة الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار حين تطبيق “قانون قيصر”، عدم استهداف خطوط التجارة أو المساعدات الإنسانية بما يضر الشعب السوري، مؤكداً أن القانون سيستهدف الشخصيات والجهات التي تقدم دعماً لنظام الأسد، وتعيق الوصول لحل سلمي للملف السوري.

————————–

========================

تحديث 14 شباط 2021

————————–

ما الذي ينتظر أكراد سورية؟/ محمد أمين جنكيز

ترجمة علي كمخ

مع تولّي بايدن السلطة، من المتوقع أن تكثّف الإدارة الذاتية جهودها سعيًا وراء نيل الشرعية السياسية؛ إذ بدأت نداءات “اعترف بنا سياسيًا” تصدر عن شخصيات في الإدارة الذاتية، قبل تولي بايدن منصبه!

وكانت الإدارة الذاتية، لمنطقة شمال وشرق سورية الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، قد تلقّت طعنة كبيرة، نتيجة إطلاق تركيا لعملية نبع السلام العسكرية في 9 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، وإخضاعها جزءًا من المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين لسيطرتها، في مدة وجيزة.

وفي عام 2018، تكبدت الإدارة الذاتية، التي أُعلنت بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (العمود الفقري لوحدات حماية الشعب، الجناح السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي) على المناطق ذات الكثافة السكانية العربية في شرق سورية، خسائر في الأراض والنفوذ نتيجة هذه العملية. فيما تبدي قوات نظام الأسد وجودًا إلى جانب القوات الروسية في المناطق الواقعة اليوم تحت سيطرة وإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، كنتيجة للاتفاق التركي-الروسي الذي تُوصّل إليه في أعقاب العملية السالفة الذكر. 

وبعد مرور مدة زمنية معينة على العملية العسكرية، قام حزب الاتحاد الديمقراطي، بقيادة قائد قوات سورية الديمقراطية مظلوم عبدي، وبدعم من الولايات المتحدة وفرنسا، وبهدف إيجاد حلول للأزمات التي يعيشها، بالبدء بمحادثات الوحدة مع منافسه في سورية: المجلس الوطني الكردي السوري المدعوم من أربيل، وهو يُعدّ أحد مكونات المعارضة السورية التي تتخذ من مدينة إسطنبول مقرًا لها. لكن من المعروف أن هذه المحادثات تتمتع بسياق تاريخي، وقد أجرى الجانبان العديد من اللقاءات والمفاوضات منذ عام 2012. ونتيجة للمحادثات الهادفة إلى تشييد بناء سياسي مشترك قائم على تقاسم السلطة بين الأطراف الكردية؛ تم التوقيع على اتفاقية أربيل الأولى والثانية واتفاقية دهوك. وتمكن الأطراف بين عامي 2012 و 2013، من إنشاء آلية سياسية مشتركة، وإن كان ذلك لمدة قصيرة.

وقد أسس الفاعلون الأكراد في تموز/ يوليو عام 2102 “اللجنة الكردية العليا”، وبدؤوا بحكم وإدارة مناطق شمال سورية معًا. لكن المشكلات بين الطرفين طفت مرة أخرى على سطح الماء، وانفكت الشراكة بينهما في آب/ أغسطس عام 2012، نتيجة منع وحدات حماية الشعب لعناصر “بيشمركة سورية” المدربين في أراضي إقليم كردستان من دخول الشمال السوري.

ومع ضعف المجلس الوطني الكردي السوري تدريجيًا، مع انهيار المصالحات اللاحقة بين الجانبين؛ فرض حزب الاتحاد الديمقراطي بالقوة هيمنته أحادية الجانب في المنطقة. إضافة إلى اضطرار بعض شخصيات المجلس الوطني الكردي إلى المغادرة، بسبب التوتر بين الجهات الفاعلة الكردية؛ غير أن محادثات الوحدة بين الأكراد التي لا شك في أنها نتاج فترات الأزمات انطلقت مجددًا عام 2020، على إثر أزمة أخرى.

الجولة الثالثة من مباحثات الوحدة

حتى الآن، انتهت جولتان من محادثات الوحدة التي انطلقت في نيسان/ أبريل عام 2020، بين ائتلاف أحزاب الوحدة الوطنية الكردية الذي يضم 25 حزبًا بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكردي وهو ائتلاف يضم 15 حزبًا. ومن المتوقع أن يصل المندوب الأميركي الذي اضطر إلى مغادرة سورية بسبب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثم تغير بعد ذلك، إلى شمال سورية بعد 15 كانون الثاني/ يناير. وبعد ذلك -كما ذُكر- سيبدأ المسؤولون الأميركيون الجولة الثالثة من مفاوضات الاتحاد الذي يقومون بدور الضامن والمراقب فيه. ففي الجولتين الماضيتين، جرت مفاوضات عديدة بين الأطراف وتم التوصل إلى توافق بشأن بعض القضايا السياسية، وإن لم تكن شاملة. حيث وافق الأطراف على تشكيل مرجع كردي أعلى (سلطة كردية عليا). ويكون من بين أهداف المرجع الكردي الأعلى المتوقع تشكيله من 40 شخصًا، إيجاد إستراتيجية سياسية مشتركة، يتبعها الفاعلون السياسيون الأكراد في سورية، وإقامة شراكة في الإدارة، وتطوير التمثيل الكردي على الساحة الدولية، وحماية المكتسبات الكردية والحفاظ عليها. وإضافة إلى جانب ذلك، اتُّفق على أن تؤخذ اتفاقية دهوك لعام 2014 كأساس للجولات القادمة، وأن يكون الحكم في سورية بالإدارة اللامركزية مستقبلًا. ويؤكد الجناحان السياسيان أن الجولة الثالثة من المحادثات ستبحث في مشاركة المجلس الوطني الكُردي في الإدارة الذاتية، وقضايا النظام العام والمسائل العسكرية.

تأثير إدارة بايدن في المفاوضات

تعرّضت الإدارة الذاتية في عهد ترامب غير العقلاني، وهو عهدٌ لا يمكن تصويره بحال من الأحوال، لخسارة جدية وكبيرة في الأراضي، نتيجة العمليات العسكرية التركية. ولهذا، ليس من الصعوبة بمكان التكهن بأن أكراد سورية رغبوا في انتخاب جو بايدن رئيسًا، في الوقت الذي تحركت فيه الأطراف بشكل براغماتي والتزمت الصمت طوال مدة انتخابات عام 2020. وقد عزز الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب لعملية نبع السلام هذا الشعور بين الأكراد.

انطلاقًا من معادلة أن جو بايدن على معرفةٍ بالأكراد والمنطقة أكثر من ترامب، بحكم الجولات التي قام بها في المنطقة من جهة، وأن العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وكلٍّ من حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب قد بدأت في مدة نيابة بايدن لباراك أوباما من جهة؛ توقّع حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي حدوث علاقات أفضل بين الولايات المتحدة والأكراد في عهد بايدن. خاصة أن شخصيات من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي أدلت بتصريحات تشير إلى هذا الوضع بعد الانتخابات. أضف إلى أن تعيين السفير الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد (داعش) الذي كان مؤثرًا للغاية في عهد أوباما، بريت ماكغورك، منسقًا لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن، سببٌ آخر من أسباب النظرة الإيجابية إلى مستقبل العلاقات الأميركية بأكراد سورية.

في الواقع، لا ينتظر من جو بايدن في الملف السوري أن يخرج “الأرنب من قبعته”، لكن الأكراد السوريين يعتقدون أنهم لن يواجهوا مفاجأة سيئة لهم في عهد بايدن. ومع ذلك، من غير المحتمل -كما يبدو- أن يعترف بايدن سياسيًا بالإدارة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي. وعلى الأرجح؛ سيتبع بايدن سياسة مماثلة لسياسة سلفه ترامب في الملف السوري، وسيواصل دعمه العسكري لقوات سوريا الديمقراطية.

إن احتمال إدراج محاربة (داعش) ومكافحة الإرهاب في جدول الأعمال بشكل مكثف مرة أخرى، في مدة الإدارة الجديدة، يقوّي هذا التوقع. وبتعبير آخر: إن مواصلة الولايات المتحدة الوضع الفعلي في الميدان دون الاعتراف رسميًا بالإدارة الذاتية أمرٌ قوي الاحتمال. وفي الحقيقة، هذا ليس شيئًا جديدًا في السياسة الإقليمية الأميركية للأكراد؛ فعلى الرغم من تجربة الحكم الذاتي الفعلي لأكراد العراق منذ عام 1991، فإن الولايات المتحدة لم تعترف رسميًا بهذه التجربة الفعلية، إلا بعد دستور عام 2005، وتحويل العراق إلى دولة فدرالية دستوريًا.

بحث الإدارة الذاتية عن الوضع السياسي في شمال وشرق سورية

بعد انتهاء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المنطقة؛ كثفت الإدارة الذاتية جهودها لتحقيق الوضع السياسي. وعلى الرغم من هذا، فقد فشل حزب الاتحاد الديمقراطي/ قوات سوريا الديمقراطية، حتى الآن، في تحويل انتصاراته العسكرية ضد التنظيم إلى إنجاز سياسي على المستوى الدستوري. ولم تكن هناك مكاسب دستورية لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي/ قوات سوريا الديمقراطية، في المفاوضات التي جرت بينه وبين النظام السوري في دمشق وقاعدة حميميم الجوية، بوساطة روسية. ومع ذلك، لم تتراجع الإدارة الذاتية عن سعيها للحصول على اعتراف سياسي. ولهذا الغرض، بدأ مسؤولون في مجلس سوريا الديمقراطية، في أيلول/ سبتمبر عام 2020، بتنظيم سلسلة من الندوات والمؤتمرات، شملت عموم المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. وبعد عقد 13 ندوة في مناطق كالحسكة والطبقة والرقة والقامشلي، والاجتماع بوجهاء المنطقة؛ عقد مجلس سوريا الديمقراطية، في تشرين الثاني/ نوفمبر، مؤتمرًا في الحسكة تحت اسم “المؤتمر الوطني لشعوب الفرات والجزيرة”؛ حيث كان هذا المؤتمر خطوة نحو تقوية اليد في طريق نيل الاعتراف السياسي. قطع المؤتمر وعودًا بإجراء إصلاحات في الإدارة الذاتية، وأُعلن البيان الختامي المكون من 17 مادة حول هذا الموضوع في نهاية المؤتمر. وكان من أبرز البنود التي وردت فيه الاستعدادات للانتخابات المحلية في شمال وشرق سورية. ومن المتوقع، مع تولي بايدن السلطة، أن تكثف الإدارة الذاتية جهودها سعيًا وراء نيل الشرعية السياسية. فقد بدأت نداءات “اعترف بنا سياسيًا” تصدر عن شخصيات في الإدارة الذاتية، قبل تولي بايدن منصبه!

ويُعتقد أن الحوار بين الأحزاب الكردية في سورية يخدم هذا الغرض أيضًا. حيث تجري محاولات تهدف إلى إبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي من حزب العمال الكردستاني، وإدماج المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية بشكل من الأشكال؛ إذ إن الغاية من وراء إشراك مجلس سوريا الديمقراطية في إدارة الحكم الذاتي هي التغلب على أزمة الشرعية إلى حد معين، والتخفيف من المخاوف الأمنية لتركيا، وتأمين مشاركة قيادات المجلس ومسؤوليه في العملية السياسية التي ستصوغ مستقبل سورية.

إضافة إلى ذلك، بدأت رئيسة المجلس التنفيذي لـ مجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد، عام 2021، تطلق إشارات حول استخدام لغةٍ من شأنها تخفيف حدة التوتر مع المعارضة السورية، وقد صرّحت، قبل مدة قصيرة، بأنهم يرغبون في إقامة مشروع مع المعارضة السورية عام 2021، يجعل من شمال وشرق سورية مركزًا مشتركًا للديمقراطية. هذا التغيير في الخطاب هو أيضًا خطوة في سبيل ديمومة الإدارة التي تم إنشاؤها. لكن يجب قراءة خطابات كل من مظلوم عبدي ومجلس سوريا الديمقراطية وخطاب شخصيات الإدارة الذاتية المتعلقة بالإصلاح والتغيير الإداري، في سياق كسب الشرعية ونيل الاعتراف السياسي أيضًا.

الورقة الرابحة في طريق نيل الاعتراف السياسي: عناصر (داعش) الأجانب المعتقلون

تعد قضية معتقلي (داعش) الأجانب المحتجزين منذ مدة طويلة، في السجون والمعسكرات التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، نقطة أخرى في طريق البحث عن الاعتراف السياسي والشرعية؛ فقد تطرق عبد الكريم عمر (الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي) في الآونة الأخيرة إلى نقطةٍ مثيرة للاهتمام، في مقابلة حول عناصر (داعش) الأجانب المحتجزين في مخيم الهول سيئ السمعة؛ فالإدارة الذاتية التي كانت حتى قبل مدة وجيزة تناشد الدول الغربية وباستمرار بوجوب “استلام مواطنيها”، لم تجد بأسًا في استخدام لغة انتقادية لاذعة، ضد من لا يفعل ذلك، يبدو وكأنها قامت بمراجعة خطابها، إذ قال عمر: “حتى لو طالبت دولهم بتسليمهم، فلن نسلّم الأشخاص الذين ثبت تورطهم في ارتكاب جرائم”. وأثار قضية إنشاء المحكمة الدولية التي سبق ذكرها في سورية بدلًا من ذلك. وأضاف: “على الرغم من صعوبة إنشاء محكمة دولية، يمكننا إنشاء هذه المحكمة، بمشاركة عدد محدود من الدول الأجنبية -كالسويد وهولندا والنمسا- التي تدعم هذه المسألة”. ومن الواضح أن هذا التغيّر في الخطاب لم يأت عن عبث، فعناصر (داعش) الأجانب المسجونون ومسألة المحكمة الدولية ورقتان رابحتان في نيل الاعتراف السياسي؛ وإن السبب الرئيس الذي دفع مسؤولي الإدارة الذاتية للإتيان على ذكر المحكمة الدولية هو هدفها بأن تكون قادرة على الاتصال بالعديد من الدول، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال هذه المحكمة، ومن ثم كسب مزيد من الاعتراف والشرعية في الساحة الدولية.

عوائق المفاوضات

إن وجود العديد من العوائق في طريق مفاوضات الوحدة هي حقيقة لا يمكن إنكارها. وبالرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية قد أدرجا مسألتي الإصلاح الانتخابي والإداري على جدول الأعمال، فإن مصادر المجلس الوطني الكردي لم تتحمس لقضية الانتخابات بعد، إذ إن شخصيات المجلس الوطني الكُردي تشترط، من أجل إجراء الانتخابات، وجود اتفاق شامل، وإصلاحات حقيقية في الإدارة، والضمان الكامل للأمن في المنطقة، وإجراء الانتخابات بعد عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد. وتعارض بعض الشرائح العربية الموجودة في المنطقة إجراء انتخابات في ظل الظروف الحالية. ويعرب السكان العرب، انسجامًا مع موقف شخصيات المجلس الوطني الكردي، عن عدم مشاركتهم في الانتخابات، مستشهدين باللاجئين والمشكلات السياسية والعسكرية والأمنية.

إضافة إلى ما سبق، هناك قضايا معقدة ويصعب التوصل إلى توافق بين الأطراف بشأنها، خلال الجولة الثالثة، وهي القضايا التالية:

• بداية، ليس من الواضح بعد كيفية مشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة، إذ ذكر في اجتماعات سابقة تخصيص حصة 40% في الإدارة، لكل من أحزاب الوحدة الوطنية الكردية وائتلاف المجلس الوطني الكردي، فيما تخصص نسبة الـ 20% الباقية للمستقلين، ومع ذلك، لم يتم بعدُ التوقيع على نص يوضح هذه المشكلة.

• ثمة أزمة ثقة بين الطرفين. ولهذا السبب يعاني الطرفان مشكلات في الجلوس على طاولة واحدة، من دون إشراف وضمانات الولايات المتحدة. وهو ما يؤثر في سير المحادثات.

• هناك اختلافات عميقة في وجهات الرأي، بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي السوري، بشأن الخدمة العسكرية الإجبارية ومناهج التعليم؛ إذ يطالب المجلس الوطني الكردي بتغيير المنظومة الحالية كاملة. فيما يتهم حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، المجلس الوطني الكردي، بعدم الرغبة في تعليم اللغة الكردية، وهو ما ينفيه المجلس الوطني الكردي.

• لا تزال قضية الفصل بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني مبهمة؛ وقد اعترف مظلوم عبدي، في لقاء أجراه مع Crisis Group، بوجود كوادر من حزب العمال الكردستاني في بنية الإدارة الذاتية، وقال: سيتم في البداية إعفاء هؤلاء الأشخاص (غير السوريين) من مناصبهم، واستبعادهم من سورية مع مرور الوقت. غير أن هذا المشروع يلقى معارضة شديدة من قبل أحد أجنحة حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة، ومن قادة حزب العمال في قنديل من جهة ثانية. فيما يطالب المجلس الوطني الكردي بفك الارتباط بحزب العمال الكردستاني، كشرط رئيس للوحدة. أما الهدف الرئيسي لتركيا في هذا الخصوص فهو المشكلة الأساسية المتعلقة بالارتباط التنظيمي بينهما، حيث يبدو أن طرد كوادر حزب العمال الكردستاني (غير السوريين) من سورية لا يكفي لترضى أنقرة.

• ثمة مسائل ما تزال غير واضحة: كيف سيعود آلاف من قوات بيشمركة روج المنتشرة في أربيل والتابعة للمجلس الوطني السوري الكردي، إلى سورية؟ وهل سيتم إلحاقهم بقوات سوريا الديمقراطية أم لا؟ حتى لو أنهم أُلحقوا بقوات سوريا الديمقراطية، فإن المجلس الوطني الكردي يعارض بشدة وجود البيشمركة المذكورة، كقوة دفاعية في المناطق ذات الكثافة العربية كالرقة ودير الزور. إضافة إلى أن أحزاب الوحدة الوطنية الكردية تؤكد أنها لن تقبل قطعًا بوجود قوة دفاع مزدوجة. ويبقى السؤال الذي ينتظر إجابة: كيف سيكون تأثير الهجوم العنيف لوسائل الإعلام التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي على “بيشمركة روج”، مع المشكلات التي شهدتها الآونة الأخيرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردساني، على المفاوضات؟

• لا يزال مصير السجناء السياسيين والمفقودين (الذين يُعتقد أنهم قُتلوا) موضوعَ جدل ونقاش عميق.

• كأن وجود 40 حزبًا في ائتلافي أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي في سورية، التي يعيش فيها ما يقرب من 2 مليون كردي حاليًا، ليس مأساةً كافيةً ليبدي كلٌّ من الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي السوري – Partiya Pêşverû وحزب الوحدة تحفظاتهما على محادثات الوحدة، وعلى رغبتهما في الانضمام إلى المفاوضات الجارية، كطرف ثالث. ويذكر أن الجهة التي تمنع هذه الأحزاب من المشاركة في المحادثات هي المجلس الوطني الكردي.

• إن عدم مشاركة أي أحد من المجتمع المدني في مفاوضات الوحدة هو عائقٌ آخر بحد ذاته. وعلى الرغم من أن أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي قالوا “إننا سنتلافى هذا النقص مستقبلًا”، فإن ضبابية هذا “المستقبل”، بعد مرور أكثر من 8 أشهر على المفاوضات، تثير العديد من التساؤلات في الأذهان، عن مصير هذه المحادثات.

• إن المشكلات القائمة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني تقوّض الحوار الكردي في سورية؛ فالحرب الإعلامية بين الأطراف تمتدّ مباشرة إلى الميدان السوري.

• الموقف التركي من مفاوضات الوحدة، إذ إن أنقرة سبق أن أعربت عن استيائها من المحادثات، من أعلى المستويات. ولا توجد بين أيدينا دلائل أو معطيات تشير إلى تحمّس تركيا تجاه دعم انفصال المجلس الوطني السوري الكردي عن جسم المعارضة السورية. ولهذا، من المؤكد أن يكون حلم تنفيذ المشروع المشترك مع المعارضة، الذي تتخيله إلهام أحمد، عرضة لـ (فيتو) تركي قطعي.

مختصر الحديث؛ ثمة طريق طويلة ووعرة، يتعين على الأطراف قطعها في سبيل تحقيق النجاح المنشود؛ إذ إن محادثات الوحدة، على الرغم من تواصلها منذ شهور، لم تحقق نتائج ملموسة، بل زادتها أجندة الانتخابات صدعًا جديدًا بين أطرافها.

الكاتب   محمد أمين جنكيز

المترجم قسم الترجمة- علي كمخ

مركز حرمون

——————————

بايدن واليمن: «الشريف» الجديد في البلدة/ صبحي حديدي

بين مصائب دونالد ترامب الشرق – أوسطية الكثيرة، صحا الرئيس الأمريكي جو بايدن على مأساة اليمن، وأن يصل مبكراً، من عتبة وزارة الخارجية الأمريكية، خير من أن يتأخر أكثر؛ أو حتى يتخلف عن تصحيح ميادين أخرى شهدت حصّة واسعة لأمريكا في تجويع اليمنيين وإراقة دمائهم. خير، كذلك، أنه سارع إلى إبطال قسط غير قليل من القرار الأحمق الذي اتخذته الإدارة السابقة بصدد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؛ كما اختار دبلوماسياً مثل تيموثي ليندركنغ، غير الغريب عن شؤون المنطقة وشجونها والمحارب القديم في إدارة ترامب، فعيّنه مبعوثاً خاصاً إلى اليمن.

وتحت لافتة عريضة، هي أنّ «أمريكا تعود» و»الدبلوماسية تعود إلى صدارة سياستنا الخارجية»، حسب تعبيره خلال الخطبة ذاتها، استذكر بايدن أنّ «النزاع» في اليمن تسبب في مقتل 10,000 يمني، وشرّد ثمانية ملايين، و»خلق كارثة إنسانية وستراتيجية»، و»لا بدّ لهذه الحرب من أن تنتهي». وللتشديد على التزام إدارته بهذه الغاية أعلن إنهاء «جميع عمليات الدعم الهجومي للحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة». وذلك، بالطبع، لا يعني تخلّي الولايات المتحدة عن تزويد السعودية بالدعم الدفاعي ضدّ الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ولا التوقف عن العمليات ضدّ «القاعدة» في الجزيرة العربية.

جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الجديد، لم يغب عن المشهد فأطلّ عليه من زاوية تجمع بين التطمين والتوضيح وترسيم صيغة جديدة للعلاقة مع الحلفاء، أو بعضهم على الأقلّ (إذْ ليس التعامل مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يماثل التعامل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان). وهكذا، حتى قبيل إعلان رئيسه، قال إنّ الإدارة «تحدثت مع كبار المسؤولين في الإمارات العربية المتحدة وكبار المسؤولين في السعودية»، إذْ أنّ الإدارة الجديدة «تتبع سياسة انعدام المفاجآت حين يتصل الأمر بهذا النمط من الأفعال».

وتلك، كما يصحّ الترجيح، أفعال تتجاوز بكثير ما أشار إليه بايدن من إعادة ترميم «القيادة الأخلاقية للولايات المتحدة في العالم»، لأنها في واقع الأمر قد تنتهي مجدداً إلى إحياء دور «الشرطي الكوني»؛ وكان الكثير من المحللّين الأمريكيين المعترضين على هذه الوظيفة يفضّلون إحالتها إلى وظيفة «الشريف»، سواء بمعناها الراهن أم بتمثيلاتها التقليدية كما عكستها أفلام الوسترن (وهذا ما دفع أسبوعية الـ»إيكونوميست» العريقة، وليس أيّة جهة معادية للولايات المتحدة، إلى التعليق على قرارات بايدن تحت عنوان «شريف جديد في البلدة»).

والحال أنّ آخر «شريف» أمريكي سبق بايدن في اليمن لم يكن الرئيس السابق ترامب، بل كان الرئيس الأسبق باراك أوباما؛ الذي ساند مغامرة بن سلمان لأسباب تتجاوز صفقات السلاح التي سوف تحرّك مساندة ترامب، بل على سبيل مراضاة آل سعود بعد خيبة الأمل التي ألحقها بهم الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وإلى جانب السلاح والعتاد والدعم الاستخباراتي واللوجستي، والكثير منه سفك دماء آلاف اليمنيين وجوّعهم وشرّدهم، لم يتوقف «الشريف» أوباما عن إصدار الأوامر إلى البنتاغون باقتفاء سياسة التصفيات الفردية في اليمن، عن طريق الطائرات المسيّرة.

وليس بغير دلالة خاصة أنّ وليام هارتنغ، مدير برنامج الأسلحة والأمن في «مركز السياسة العالمي» لا يرحب بقرار بايدن إلا من زاوية المحذور القديم: الشيطان سيكون في التفاصيل! المطلوب وقف جميع مبيعات السلاح إلى المملكة والإمارات، يتابع الرجل، بما في ذلك الصيانة والدعم اللوجستي؛ مقابل زيادة المساعدات الإنسانية إلى اليمن.

فقد يحجب «الشريف» القنابل الذكية عن السعودية والإمارات، ويواصل في المقابل توريد القذائف «الغبية»، وبالتالي فإنّ سفك الدماء لن يتبدّل إلا من حيث الكيف، وليس الكمّ؛ وكذلك لن تلحق «الشريف» عاقبة صارخة، على مستوى القيادة الشرطية للكون!

القدس العربي

—————————–

=========================

تحديث 16 شباط 2020

—————————

بايدن في الملف السوري: انعطافة أم استئناف؟/ كرم الحمو

يملك بايدن تاريخًا سياسيًا حافلًا، قد تصعب الإحاطة به كله مرةً واحدةً، ولكن تناول بعض جوانبه قد يقدم بعض الوضوح في فهم توجهاته. بالطبع، فإن استقراء ما ستكونه سياسة بايدن الخارجية بشكل قاطع لن يكون بالأمر السهل أيضًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية شائكةٍ كسوريا. إلا أن تعقيد الشأن السوري يأتي، في إحدى طبقاته، من تعدد الفاعلين فيه. لذا، قد يكون من المفيد تفكيك مواقف بايدن وفريقه من أبرز هؤلاء الفاعلين على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ابن مصلحة

قبل أن يصبح شريك أوباما في حملته الناجحة عام 2008، ونائبه لثمان سنوات في البيت الأبيض بعدها، كان بايدن عضوًا في مجلس الشيوخ الأميركي بلا انقطاع لستةٍ وثلاثين عامًا، ترأَّسَ فيها لجنة الشؤون الخارجية ثلاث مرات. سياسيٌ مخضرم، يعرف سياسيي واشنطن، ويعرفونه. بل ويعرف من يختار من بينهم فريقًا يساعده في إدارة شؤون البلاد. وقد كانت خياراته على شاكلته بالفعل. سياسيون محنكون، يملكون خبرةً في المجالات التي اختارهم لها بايدن؛ أنتوني بلينكن ولويد أوستن مثلًا. لكنه اختار أيضًا جايك سوليفان لجدارة أثبتها في مباحثات سياسية عدة. وسيكون تناول هؤلاء الثلاثة أداةً تساعد بالتأكيد في فهم من سيصوغ السياسة الأميركية الخارجية في عهد بايدن.

أما بايدن نفسه، فهو لم يكن في الشأن السوري الصقر1 الذي كانته هيلاري كلينتون ضمن إدارة أوباما، على حد وصف نيويورك تايمز في 2015. ومع أن بايدن يفهم كل الانتقادات التي وُجِّهَت لإدارة أوباما بخصوص سوريا، إلا أنه لم يكن يرى وجود الكثير من البدائل لما قامت به إدارتهما يومها، كما تقول مجلة ذا ناشونال إنترست المعنية بشؤون الولايات المتحدة الخارجية. ولكن كيف تجلّى ذلك على صعيد الفاعلين الأبرز في الشأن السوري؟

سوريا في إيران وروسيا وتركيا

في المقابلة التي أجراها مع توماس فريدمان من نيويورك تايمز منذ نحو شهرين، تحدّثَ بايدن عن التركة التي خلّفها له سلفه ترامب، وعن أولوياته في السياسة الداخلية. ولكنه لا يلبث في تلك المقابلة أن يعرّج على دور الولايات المتحدة الجديد في العالم، ليتحدث عن عودة محتمة للصفقة مع إيران. وهو ما أكدت الحكومة الإيرانية على رغبتها بحصوله أيضًا، ولو مع بعض التحفظات. يرى ماثيو برايزا، الذي عمل في الخارجية الأميركية لأكثر من ثلاثة وعشرين عامًا، أن العودة إلى تلك الصفقة لن تحصل من فورها بسبب تلك التحفظات، ولكن شيطنة أصحاب القرار في الولايات المتحدة لإيران ربما ستنتهي مع دخول بايدن للبيت الأبيض؛ ذلك ولو بعد حين. وفي هذا يتحدث بايدن في مقاله الذي كتبه بنفسه في فورن بوليسي بعنوان «لمَ على أمريكا أن تقود من جديد» عن ضرورة إعادة تفعيل تلك الصفقة التاريخية على حد قوله، والتي يذكرنا بأنه كان نائب الرئيس يوم عقدها. يستدرك بايدن قائلًا إنه غير غافل عن دور إيران التخريبي في المنطقة، في إشارة إلى وجودها في سوريا. إلا أن بايدن يعود ليُذكِّرَنَا أنه يريد إنهاء «الحروب الأبدية» كما سماها. يشابه هذا ما أراده ترامب قبله في إنهاء «الحروب غير المنتهية». يريد بايدن العنب النووي، دون أن يقاتل ناطوره الإيراني.

وحيث ينكر ترامب أنه أعطى أردوغان الضوء الأخضر ليجتاح الشمال السوري، فإن إعلانه انسحاب القوات الأميركية من الشمال السوري مهّد بالتأكيد لتدخّل تركيا عسكريًا. أمرٌ انتقده بايدن بشدة بما سمّاه «فشلًا ذريعًا» يخلّ بصورة الولايات المتحدة ومصداقياتها حول العالم، ما أكد بايدن على أهميته في مقاله في فورن بوليسي. ومع أن بايدن كان قد صوَّتَ لصالح حرب العراق، إلا أنه تعلّمَ من تلك التجربة فكان من معارضي التدخل في أفغانستان أو حتى دخول ليبيا. ترى كاترينا مانسون، مراسلة فاينانشال تايمز لشؤون السياسة الخارجية الأميركية، ذلك دليلًا على تراجع الدور العسكري للولايات المتحدة واستبداله بدورٍ قيادي دبلوماسيًا، خاصة في ظل إدارة بايدن.

وبالفعل كان هذا التغيّر قد بدأ يتأصل في توجّهات بايدن قبل زمن. فقد صرَّحَ بذلك في مناظرته مع بول راين في 2012 بقوله إن «آخر ما تحتاجه أميركا هو أن تدخل حربًا جديدةً في الشرق الأوسط» في إشارة إلى أي تدخل عسكري في سوريا. ومع أن قلب بايدن لم يخامره أي شك بمسؤولية النظام السوري عن هجوم الغوطة الكيميائي عام 2013، لا يرى وائل الزيات، الخبير السابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية لعشر سنوات، أن لدى بايدن ميلًا لزيادة عدد الجنود الأميركيين في شمال شرقي سوريا بعد قرار ترامب سحبهم من هناك. ولكنه أيضًا لا يريد سحبهم بالكامل. ربما يأخذ بايدن بنصيحة جيمس جيفري، المبعوث الخاص للإدارة الأميركية السابقة إلى سوريا، بأن يترك كل شيء على ما هو عليه.

في مقابلة مطولة له مع موقع المونيتور، يُعرّجُ جيفري على الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة على إيران، مذكرًا بأن دعم إيران لسوريا يكلفها الكثير، أكثر ربما مما تطيق. ولكنه لا يبشر بأن تلك الضغوط ستؤدي بالضرورة لانسحاب إيران من سوريا. ثم يتحدث جيفري في تلك المقابلة المطولة عن العلاقة الشائكة بين الولايات المتحدة وتركيا، وخاصة فيما يتعلق بالكُرد.

يرى برايزا أن العلاقات الأميركية التركية قد تعاني في بادئ الأمر من بعض الصعوبات. فقد انتقد بايدن يومَ كان نائب أوباما حكومة تركيا بخصوص ما رآه يومها سياسات تصب في مصلحة داعش، ومع أنه اعتذر عن ذاك التصريح لاحقًا، إلا أن علاقة بايدن بالكُرد ما تزال طيبة. فحسب ما يقوله الزيات، تربط بايدن بالكُرد علاقة قديمة منذ أيام العراق، كما أن لديه الكثير من التعاطف مع قضيتهم، بينما للولايات المتحدة، حسب قوله، تحفظات عديدة على ما قامت به حكومة أردوغان، سواء بشرائها نظام الصواريخ إس-400 من روسيا، أو فيما يخص سياساتها القمعية للمعارضة داخل تركيا. ولكنه لا ينكر بالطبع الأهمية الإقليمية لتركيا خاصة كعضو في الناتو. يُذكِّرُ بايدن في مقاله آنف الذكر في فورن بوليسي بأهمية حلف الناتو كخط دفاع أمام أي عدوان روسي ويتكلم عن سياسة أقسى تجاه الروس من تلك التي كانت في عهد سلفه ترامب، بل إن روسيا تشكل «التهديد الأكبر بما يخص اختراق أماننا وتحالفاتنا» كما قال في مقابلته على برنامج «60 دقيقة» الشهير. مع أن موقف بايدن من تركيا لن يكون بالتسامح الذي كانه ترامب معه، إلا أنني مع ابن عمي على الغريب، ومع حلف الناتو على روسيا.

صقور أم حمائم؟

اختيار بايدن لبلينكن وزيرًا لخارجيته هو تأكيدٌ على رغبته بالاعتماد على سياسيين مخضرمين، حسب ما قال آليكس راول في مقاله في الجمهورية. بلينكن كان نائب مستشار الأمن القومي في عهد أوباما. ولكن اختياره ليس بالضرورة دليلًا على استمرار سياسات أوباما في عهد بايدن. في مقابلة له مع قناة سي بي إس قال بلينكن إن الإدارة الأميركية فشلت في منع مأساة الشعب السوري في النزوح والتهجير، مُعبّرًا عن استحالة أي تطبيع للعلاقات مع الأسد. فبلينكن يرى بوجوب التعاون مع الحلفاء الكُرد في شمال شرق سوريا، وضرورة استمرار منع النفط هناك عن النظام السوري. ولو أن النظام في الحقيقة يحصل على النفط بأشكال أخرى، عن طريق القاطرجي مثلًا، الذي يخضع وشركته لعقوبات الخزينة الأميركية منذ 2018. ولكن الرغبة بالحفاظ على هذا التحالف لا تناقض رغبة بلينكن بالحفاظ على علاقة جيدة بتركيا هو الآخر، كما ذكر في حديث له مع معهد هدسون للدراسات. يُذكّرنا بلينكن، كما فعل بايدن قبله، بأن تركيا عضو في حلف الناتو، لينتقل في حديثه إلى مقابل الناتو، أي روسيا، ودورها في العالم الذي لا يرغب بلينكن في أن يرى أي تعاظم له. وربما يكون هذا ما دفع بالإدارة الأميركية لتمديد اتفاق الحد من الأسلحة النووية مع روسيا خمس سنوات أخرى، وذلك في مطلع شهر شباط (فبراير) الجاري، فيما بقيت لغة بلينكن صارمة بأن هذا التعاون لن يعني تساهلًا في أمور أخرى. وفي النووي أيضًا، تحدَّثَ بلينكن عن الرغبة بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، موضحًا أن هذا لن يعني زوال كل عقوبات الولايات المتحدة على إيران، كما ذكر في مقابلته مع سي بي إس. في تلك المقابلة يعرج بلينكن على سوريا قائلًا إن الولايات المتحدة تملك ما يكفي من النفوذ لفرض عملية انتقالية فيها «تعكس ما يرغب به الشعب السوري»، مُذكِّرًا بالوجود العسكري لكل من إيران، وروسيا وتركيا في شمال شرق سوريا، وبغياب الدور الأميركي عسكريًا هناك، ليختم قائلًا «أستطيع الضمان بأننا تحت إدارة بايدن سنكون على الأقل حاضرين [هناك]».

حسب ناتاشا برتراند وزملائها في مقالهم في مجلة بوليتيكو، فإن من حسن حظ بلينكن أن خيار بايدن لوزير الدفاع وقع على لويد أوستن بدلا من ميشيل فلورني، المرشحة السابقة لذاك المنصب قبله. ربما لأن أوستن أقرب في تصوراته للسياسة الخارجية إلى بقية الفريق منها. يتحدث جوش روغين في مقال له في واشنطن بوست عن تركة أوستن كقائد للقوات الأميركية في سوريا والعراق ضد داعش قبل أن يتقاعد منذ أربع سنوات. هو الذي قال بايدن إنه اختاره «لسجله في الشرق الأوسط»، إذ أشرف أوستن على انسحاب القوات الأميركية من العراق في ما رآه بايدن عمليةً ناجحة. أوستن رجل عسكري، يقدم خدماته وفق الأوامر، ويعترف بالأخطاء عندما تحصل، كما يقول جوناثان مارتن وزميلاه في مقالهم المشترك في نيويورك تايمز. أوستن كان القائد الأعلى للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، والمشرف أيضًا على مشروع تدريب مسلحين سوريين مناهضين للنظام، ما جلب توبيخ ماكين له في 2015 يوم أعلن أن ذاك المشروع باء بالفشل. سألَ ماكين أوستن يومها إن كان يوصي بمنطقة حظر جوي لمنع طائرات الأسد من قصف المدنيين، أو بمنطقة عازلة قد تحمي المدنيين، ليجيب أوستن حينها بالنفي على السؤالين. ليس أوستن الصقر الذي كان لفلورني أن تكونه.

اختيار نافذ على الأقل

لن يحتاج جايك سوليفان، خيار بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي، لموافقة مجلس الشيوخ على تعيينه لكونه من طاقم البيت الأبيض، لا جزءًا من الحكومة مثل بلينكن وأوستن. جايك سوليفان اسمٌ يعرفه سياسيو واشنطن، فهو الجندي المجهول/المعروف الذي كان وراء مباحثات الصفقة النووية التي عقدها أوباما مع إيران تحت إمرة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية وقتها، وأول المتحمسين اليوم لإعادة إحيائها. يتحدث سوليفان عن تعقيد العلاقات بين كل الفاعلين في المنطقة، من اتفاق الروس والأتراك على بعض النقاط، واختلافهم على أخرى، فيما يتوافق بدوره مع المصالح الإيرانية حينًا، ويختلف معها حينًا آخر، وما يؤثر به ذلك على الإدارة الذاتية والنظام السوري. ويقول سوليفان إن الولايات المتحدة لن تقطع علاقاتها بالكُرد، وإن سياسات تركيا ستحمل عواقب دبلوماسية وسياسية عليها، خاصة فيما يخل بالتنسيق العسكري داخل حلف الناتو، المتجسد في صفقة نظام الصواريخ آنفة الذكر. تتشابه الرؤية بين سوليفان وبلينكن وبايدن هنا في تحفظاتهم على تركيا، وفي رغبتهم تفعيل دورها في الناتو في مقابل روسيا. أما بشأن سوريا، فقد قال سوليفان في مقابلة له مع مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية إن الحديث عن رحيل الأسد هو ما صَعَّبَ الموقف الأميركي في هذا الشأن، وإن محاولة الوصول إلى حل دبلوماسي كان الأجدى. ومع ذلك، فسوليفان لم يكن ضد توجيه ضربات للنظام السوري بالمطلق كما يذكر بيل بيرنز، الذي اختاره بايدن لإدارة وكالة الاستخبارات، في كتابه.

أولويات

لن تكون سوريا ربما أول أولويات إدارة بايدن الجديدة، كما يخبرنا الزيات، إلا أن قدومه إلى البيت الأبيض سيشكل بالتأكيد نقلة نحو دور أميركي أكثر حضورًا في العالم، وفي سوريا، كما ترى المؤسسة البحثية أتلانتيك كاونسيل. قد لا تغير الإدارة الجديدة بالضّرورة توجّهات سابقتيها بألا يكون لها سياسة خاصة بسوريا، إلا أن حضورًا أبرز على الصعيدين الدبلوماسي والإنساني يبدو ممكنًا جدًا على حد قول المؤسسة ذاتها. وقد بدأت بوادر ذلك بالظهور بالفعل في تصريح المتحدث باسم الخارجية الأميركية مثلًا، الذي تحدث فيه عن رغبة الولايات المتحدة «تفعيل تسوية سياسية لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا». وحيث أن الأغلبية الديمقراطية في مجلسي الكونغرس ستمنح بايدن الكثير من الحرية في تطبيق ما وعد به من سياسات، فإن سياسته في سوريا ستكون سياسته مع الفاعلين الإقليمين الأبرز فيها، على حد قول جريدة ميدل إيست آي اللندنية المعنية بشؤون الشرق الأوسط. كما يفعل مجلس الشيوخ الأميركي اليوم، عندما يحث بايدن على الضغط على تركيا في الشأن الحقوقي. وعلى كل حال، لا يرى الزيات أن الإدارة الأميركية الجديدة سترفع العقوبات الحالية على نظام الأسد تحت قانون قيصر، بل قد نرى عقوبات جديدة تُفرض عليه وعلى ومن يتعاونون معه.

في تشرين الثاني من العام الماضي، سألَ عروة خليفة عمّا «سيفعله بايدن بخصوصنا». وإذ لا توجد حتى اليوم أي مؤشرات على انعطافةٍ حقيقية، لكن التحولات الهامة، إن حصلت، فالأرجح أنها ستكون نتيجة تغيرات في العلاقات الأميركية مع أولئك الفاعلين الأساسيين في سوريا، وليس نتيجة أسبابٍ تتعلق بالملف السوري بعينه.

1. يُصنَّف السياسيون الأميركيون بين صقور وحمائم حسب قسوة مواقفهم في السياسة الخارجية.

موقع الجمهورية

——————————–

الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة جديدة في سورية

بعد عشرة أعوام من الحرب الأهلية في سورية، لدى إدارة بايدن فرصة لإعادة المشاركة في العملية الدبلوماسية والهوية في إطار جديد، لإنهاء معاناة الشعب السوري. وقد رسم السفير جيفري فيلتمان وهراير باليان إطارًا لوقف دوامة الانحدار في سورية، في هذا المقال الذي نشره معهد كوينسي.

يرِث الرئيس المنتخب جو بايدن أزمة عمرها عشرة أعوام في سورية، ما تزال تطرح تحديات إستراتيجية وإنسانية حادة. لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقويم سياسة الولايات المتحدة بخصوص سورية، مع إعطاء الأولوية للدبلوماسية للنهوض بمصالحنا.

كان أحدنا معروفًا منذ أعوام، بوصفه منتقدًا قويًا للرئيس السوري بشار الأسد، ولسياسات سورية الداخلية والخارجية. والآخر كان ناقدًا قويًا لفكرة أن الضغط وحده سيغيّر ما نعدّه سلوكًا إشكاليًا. وما تزال خلافاتنا في السياسة العامة، ولا سيّما فيما يتعلق بالرئيس الأسد، قويةً، وتجعل توصيتنا المشتركة أكثر أهمية. والواقع أننا نتفق على أن السياسة الأميركية منذ عام 2011، باستثناء مواجهة تهديد داعش في شمال شرق سورية، فشلت في تحقيق نتائج إيجابية، وأن ذلك المحور ضروري.

تشمل مصالح الولايات المتحدة في سورية القضاءَ على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيمياوية وانتشارها، والتخفيف من معاناة ملايين المدنيين الذين تحطمت حياتهم بسبب خليط من الحرب والقمع والفساد والعقوبات. وإضافة إلى ذلك، سورية هي نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، ومن ضمنها بين الولايات المتحدة وروسيا، وإسرائيل وإيران، وروسيا وتركيا، وتركيا والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. ومن بين المصالح المهمة الأخرى إزاحة عبء اللاجئين عن البلدان المجاورة وعن أوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردات الفعل الشعوبية.

لقد نجحت سياسة الولايات المتحدة الحالية -من حيث التركيز على عزل سورية ومعاقبتها- في شلّ اقتصاد البلاد الذي دمّرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. وبالقدر نفسه، كانت الجهود التي بذلت في وقت سابق لتدريب وتجهيز وتسليح جماعات المعارضة، للضغط على الأسد من أجل تغيير الاتجاه أو التخلي عن السلطة، فاشلة. وبدلًا من ذلك، أسهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سورية على روسيا وإيران.

إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية أدت إلى حدوث نقص حاد، وأسهمت في انهيار العملة السورية، لكنها لم تُضعف الدعم الأساسي بين الدوائر المحلية الأساسية للأسد، ولم تغير سلوك النخبة الحاكمة. وقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، وجعلت من روسيا وتركيا وإيران المتحكمين الرئيسين في مستقبل سورية. وفي الوقت نفسه، توقفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركز على الإصلاحات الدستورية.

والأسوأ من ذلك أن العقوبات العقابية المفروضة على سورية أنتجت عواقب إنسانية ضارة غير مقصودة، من خلال تعميق وإطالة أمد بؤس السوريين العاديين، ومكّنت أمراء الحرب، ودمّرت الطبقة المتوسطة السورية، وهي المحرّك المحتمل للاستقرار والإصلاح الطويل الأجل. ومن المؤكد أن قيادة البلد لا تعاني بسبب تلك العقوبات.

تواجه الولايات المتحدة الآن خيارًا بين النهج الحالي، الذي لم ينجح إلا في الإسهام في إنتاج دولة فاشلة متقيحة، أو عملية دبلوماسية متكررة تهدف إلى وضع إطار مفصّل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة التي يمكن التحقق منها، التي ستقابلها، إذا نفذت، مساعدة محددة الأهداف، وتعديلات على العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إن الهدف من هذا الإطار يتلخّص في وقف دوامة الانحدار في سورية، وإعادة تنشيط الدبلوماسية، من خلال تقديم مقاربة مرحلية (على مراحل) تمكّن من إحراز تقدم بخصوص القضايا المتفرقة، ومنح الحكومة السورية ومؤيديها طريقًا واضحًا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. فهي لا تتصدى للتحدي الإستراتيجي المتمثل في اصطفاف سورية مع إيران وروسيا، وهو تحدٍ غير مقبول من جانب الولايات المتحدة، ولا تحاسب أي شخص على الوفيات المروعة والدمار في سورية، ولا النهج الحالي يفعل ذلك أيضًا.

ترد تفاصيل لبِنات بناء هذا الإطار في ورقة مركز كارتر التي صدرت في أوائل كانون الثاني/ يناير، وهي تستند إلى المشاورات المكثفة التي أجراها المركز مع السوريين، بخصوص جميع جوانب الانقسامات السياسية في البلاد وكذلك في المجتمع الدولي.

أولًا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة (كوفيد -19) في سورية من العقوبات. ومن الأمور الملحّة أيضًا تيسيرُ إعادة بناء الهياكل الأساسية المدنية الأساسية، مثل المشافي والمدارس ومرافق الري. ويلي ذلك تخفيف تدريجي يمكن التراجع عنه للعقوبات الأميركية والأوروبية.

لن تبدأ هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة يتم التفاوض بخصوصها مع الحكومة السورية. وستتحقق آليات الرصد والمراقبة من التقدم المحرز. وستشمل الخطوات إطلاق سراح السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين والوصول إلى المساعدات الإنسانية من دون عوائق في جميع أنحاء البلد، وإزالة الأسلحة الكيمياوية المتبقية، وإصلاح القطاع السياسي والأمني، ومن ضمن ذلك المشاركة بحسن نية في عملية الأمم المتحدة في جنيف، وتوسيع اللامركزية أكثر.

ولكن لا ينبغي أن تكون هناك أوهام؛ فالعوائق التي تحول دون النجاح كثيرة. خاصة أن القيادة السورية لم تبد سوى القليل من الرغبة في التوصل إلى حلول توفيقية. ويستدعي الزخم في هذا النهج التدريجي تحركًا سوريًا يمكن التحقق منه، وإذا ثبت أن ذلك التحرك يقتصر على التشدق بالإصلاح، فسيؤدي ذلك إلى تعليق الحوافز الأميركية والأوروبية، وقد يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات “سريعة وقاسية”.

لقد تخلت أغلب البلدان التي تدعو إلى رحيل الأسد عن هذا المطلب الذي نادت به بشدة قبل أعوام. ولكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في التوصل إلى أي من الإصلاحات المتوخاة في هذا الاقتراح التدرجي. هذه ليست هدية للحكومة السورية، المسؤولة عن كثير من القتلى والدمار خلال الأعوام العشرة الماضية، بل إنه اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن تسفر فجأة عن نتائج مختلفة عن النتائج التي شهدناها منذ عام 2011. وبوسع الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال إصدارهما علنًا لقائمة تفاوضية من الخطوات المتبادلة، أن تمارسا نوعًا مختلفًا من الضغوط على سورية، للوصول إلى الإصلاحات التي رُفضت حتى الآن. وإن تغيير الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة يُتيح فرصة لتركيز واختبار هذا النهج الجديد.

(*) الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز ومواقفه من القضايا المطروحة

جيفري فيلتمان هو زميل زائر في الدبلوماسية الدولية في برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينغز. تشمل أبحاثه دراسة جهود الأمم المتحدة وغيرها من جهود الوساطة لاستخلاص الدروس بشأن التحسينات المحتملة في منع نشوب الصراعات، وحلّها على الصعيد المتعدد الأطراف في سياق عالمي يزداد استقطابًا. وهو أيضًا باحث كبير في مؤسسة الأمم المتحدة التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها.

اسم المقال الأصلي         The United States needs a new Syria policy

الكاتب* جيفري فيلتمان وهراير باليان،Jeffery Feltman and Hrair Balian

مكان النشر وتاريخه         معهد بروكينغز،Brookings Institute، 29 كانون الثاني/ يناير 2021

رابط المقال         http://brook.gs/3tqoHbX

ترجمة / أحمد عيشة

هراير باليان: مدير برنامج حل الصراعات -مركز كارتر

مركز حرمون

——————————

ترامب والقضية السورية/ سلام الكواكبي

بدا واضحاً حزن عدد من المنتمين إلى التيار المؤيد للتغيير السياسي الجذري في سوريا إثر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة التي أخرجت دونالد ترامب من البيت الأبيض ليدخل مكانه الديمقراطي جون بايدن.

وقد استند هؤلاء في موقفهم إلى خشيتهم من أن تعمد إدارة بايدن الجديدة إلى إعادة إنتاج المواقف الرخوة وغير المؤثرة بحسب تقديرهم والتي تُنسَب إلى إدارة باراك أوباما التي كان بايدن نائباً للرئيس فيها. وقد تعزّز هذا الموقف من خلال استعراض انتقائي لأسماء بعض أعضاء الإدارة الجديدة، وخصوصاً من يتولى ملفات لها علاقة بالمنطقة العربية، للإشارة إلى أنهم قد أتوا من ثنايا إدارة الشؤون الخارجية التي سبق أن عملت مع أوباما. وقد بلغ هذا الحزن أقصى درجاته من خلال بعض النصوص التحليلية التي توقعت إهمال القضية السورية من قبل الإدارة الجديدة إضافة إلى سعي متوقع لها باتجاه تحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في طهران.

وبعيداً عن الخوض في السياسة الأميركية التي لها أهلها من المتابعين ومن المتخصصين، يمكن في الحد الأدنى مناشدة أصحاب هذا الحزن بأن يسعوا إلى تخفيفه أو مداراته من خلال التمعّن ببعض العناصر المرتبطة بهذا الملف المعقد.

مبدئياً، لقد أكدت الوقائع التي عرفتها مساعي المعارضات السورية تجاه البيت الأبيض في الفترة الأوبامية على أنها كانت فاشلة ومتضاربة وكذا، تميّزت بشحنة سذاجة تجعل من الممكن التندر بسرد مروياتها. وهناك تفاصيل عديدة منها الصحيح ومنها غير الصحيح وما بينهما من المبالغات التي استندت إلى صحيح نسبي. وفشل المعارضات السورية لم يقتصر على البيت الأبيض بل امتد إلى جميع العواصم صاحبة القرار من أصدقاء المعارضة السورية ومن أصدقاء النظام السوري. سيأتي بالتأكيد في اليوم الذي سيجرؤ فيه بعضهم على توثيق هذه النوادر السياسية والإجرائية التي يدخل جزء منها في مفهوم مسرح العبث الذي لا يختلف جذرياً عن مسرح البعث.

كما يُشير خبراء الشأن الأميركي الخارجي، إلى عدم أولوية الملف السوري لدى الإدارة الجديدة إلا من خلال الجانب الإنساني الذي يبدو أن تعزيز دعمه سيتزايد رقمياً. والتوجه القائم لفتح ملفات جانبية في المنطقة هو في أكبر احتمالاته لإطفاء شعلة التوتر في الخليج بين طهران والعواصم الصديقة لأميركا تاريخياً وبنيوياً. وسيقول قائل: إن الملف السوري يدخل في إطار هذا التوتر. إلا أن حل هذا التوتر بعيداً عنه ليس مستبعداً خصوصاً مع تبيان سعي بعض دول المنطقة إلى “فصل الملفات” قبل أن تعمد الإدارة الأميركية إلى تبني ذلك. فالحديث إذاً عن إدراج حل القضية السورية في حزمة التفاوض المتجدد مع طهران غير وارد في المراحل الأولى على الأقل.

أما خبراء الشأن الأميركي الداخلي، وبعد إصرارهم على ميل الإدارة الجديدة إلى الانشغال بمعالجة فاجعة كورونا التي أماتت أكثر من نصف مليون أميركي، كما انعكست ركوداً اقتصادياً مقلقاً، فهم ينبهون إلى ضرورة التوقف عند مفهوم المؤسسات وتقاليدها ليتوسعوا باتجاه الفصل بين الأسماء والسياسات، معتبرين أن بعض الأسماء التي لاح لبعض السوريين أنه يجب الحذر منها لن تقوم إلا بتنفيذ ما يرسم لها من قبل المؤسسة وليسوا بأفراد منعزلين ينفذون سياسات شخصية. كما يشير آخرون إلى أن الحكم المطلق الذي أصدره بعض “المنجمين” من المعلقين السياسيين السوريين على بعض الدبلوماسيين الأميركيين كان في أحسن الأحوال مبالغاً فيه.

الوقوف إلى جانب دونالد ترامب مبني على عدة عناصر أولها كلامه النابي بحق القيادة السورية والذي أثلج صدور البعض والذين غاب عنهم بأن السياسيين يقولون الشيء وضده في زمن قياسي في المطلق. أما فيما يتعلق بالكلام النابي مهما كان موجها لمن يستحق أو لا يستحق، فلم يشكل يوماً منهجاً سياسياً واضحاً يُبنى عليه. بالمقابل، فقد شكل عنصر جذب للمثخنة قلوبهم بالغضب ليساعدهم على رفع الضغط الآني من خلال “فشة خلق” لا أكثر ولا أقل، فالبعض يتوقف عند القصف الأميركي لمطار الشعيرات الذي كانت تخرج منه الحوامات التي تستهدف المدنيين بالبراميل المتفجرة. متناسين في الوقت ذاته أن الأمر تم بعد إبلاغ ولي الأمر الروسي بساعات طويلة.

وأخيراً، يُشكل قانون قيصر وما تمخّض عنه من عقوبات سبباً أساسياً لموقف بعض السوريين المؤيد لترامب. علماً بأنه قانون، مهما كان الاتفاق عليه بين السوريين المعارضين أنفسهم متفاوتاً، تم تبنيه من غرفتي الكونغرس بديمقراطييه وبجمهورييه، مما يعني استمرار العمل به مع بعض التعديلات التي تسمح بتحسين شروطه الإنسانية.

إن مجرد الاعتقاد بأن ترامب كان أشد صرامة فيما يخص قضية السوريين العادلة، وإن لم يكن هذا دقيقاً، وبالتالي اعتماده وكأنه “مقاتل من أجل الحرية”، فهو يدخل ضمن الحسابات الخاسرة التي ما فتئنا ندفعها منذ عقد من الزمان. إن الرئيس الأميركي السابق المتهم بقضايا تحرش وفساد، والمعادي للأجانب والمصاب برهاب الإسلام وصديق الدكتاتوريين والساعي إلى تدمير البيئة، وهذا غيض من فيض صفاته “الحميدة”، لا يمكن أن يكون مأسوفاً عليه.

كيف لمن يتبنى موقفاً سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً لصالح الشعب السوري المكلوم بمكوناته كافة أن يحزن لغياب ترامب الذي سيسجله التاريخ كأحد أسوأ رؤساء أميركا؟

تلفزيون سوريا

——————————

=====================

تحديث 19 شباط 2021

—————————–

لماذا يهرب بايدن من سورية؟/ مروان قبلان

بعد أربعة أسابيع على تسلمه منصبه رئيسا للولايات المتحدة، ما زال جو بايدن يتجنّب الإشارة، ولو عرضا، إلى سورية، في تصريحاته العامة، علما أن الرجل يتحمّل من الناحيتين، السياسية والأخلاقية، مسؤولية كبيرة عما آل إليه الوضع فيها، بحكم أنه كان نائبا للرئيس في إدارة باراك أوباما، التي ظلت ست سنوات من عمرها (2011 – 2017) تتفرّج على المأساة السورية تتوالى فصولا، واستخدمتها خلال ذلك عربون ثقة لجرّ إيران إلى اتفاق 2015 النووي.

يزعم بايدن أن أولويته في منطقة الشرق الأوسط الآن هي إنهاء الحرب في اليمن، نظرا إلى الوضع الإنساني الكارثي في هذا البلد. جهود وقف الحرب في اليمن مهمة، ويجب أن تكون محلّ ترحيب، لأن الشعب اليمني دفع ثمنا باهظا لصراع داخلي على السلطة، تطوّر إلى حرب إقليمية مدمرة. لكن خطوات بايدن في اليمن تُبرز تناقضا كبيرا في سياساته، ولا تدلّ في الحقيقة على أن دوافعها إنسانية، كما يزعم، ففي المقابل هناك كارثة إنسانية لا تقل سوءا في سورية، يتجنّب بايدن حتى ذكرها، مستمرّة منذ عشر سنوات، سقط فيها ضعف ما سقط في اليمن من قتلى، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، الى جانب مليون مصاب، كما تسببت الحرب في تشريد نصف السكان (5.6 ملايين لاجئ، و6.4 ملايين نازح داخلي) إضافة إلى 6.5 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و11.7 مليونا بحاجة إلى مساعدة إنسانية.

ليس الحال أن بايدن يتجاهل الكارثة الإنسانية في سورية، بل إنه يسهم في إطالة عمرها من خلال توجهه إلى تشديد العقوبات الاقتصادية عليها. منذ عام 2011، تستخدم الولايات المتحدة سلاح العقوبات أداة ضغط على النظام السوري، لدفعه باتجاه حل سياسي. وبعد عشر سنوات، لا يبدو النظام أقرب إلى الاقتناع بجدوى أي حل سياسي، لا بل غدا مصمّما أكثر على أن ما لم ينتزعه منه خصومه بالقوة لن يعطيه بالمفاوضات، يؤيده في ذلك حلفاؤه.

ذكرنا مرارا أنه لا توجد في التاريخ المعاصر واقعة واحدة تدلّ على أن العقوبات الاقتصادية تسببت في إسقاط نظام متشبث بالسلطة بالأظافر والأسنان. استمرّ نظام كاسترو ستة عقود في حكم كوبا تحت الحصار (1959 – 2016)، وصمد نظام كوريا الشمالية 70 عاما وما زال، ونظام الملالي في طهران باق ويتمدّد بعد نيفٍ وأربعين عاما من العزلة والعقوبات. لا أدري لماذا ينبغي لنا بناء عليه توقع نتيجة مغايرة في سورية. الواقع أن العقوبات المفروضة من الخارج لا تفشل فقط في إضعاف نظام يمدّه حلفاؤه بما يكفي لإبقائه قائما، بل تسهم في تعزيز سطوته على مجتمعه، فالإنسان الجائع لا يملك رفاهية التفكير بحقوق مدنية أو ديمقراطية أو حرّيات. وليس لديه متسع ليلعن الاستبداد، دع جانبا مسألة أن يستجمع قواه الخائرة للثورة عليه. في المقابل، تؤدي العقوبات الى فتح أبواب ارتزاق جديدة أمام بطانة النظام وحاشيته، فكل شيء يغدو لديهم مباحا من أجل البقاء.

الواقع أن العقوبات ليست استراتيجية لتقريب الحل في سورية، أو إجبار النظام عليه، بل هي سياسة ممنهجة لتدمير ما تبقى من المجتمع السوري، وإماتته بصمت. ولا أحسب أن بايدن، الذي ساهم في صوغ العقوبات على العراق بين 1991- 2003، عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، مقتنع بأن العقوبات على سورية ستؤدّي إلى نتائج مختلفة عنها في العراق. أميل، فوق ذلك، إلى الاعتقاد بأن الوضع الإنساني في اليمن لا يعني بايدن، كما لا يعنيه في سورية. أولويته الوحيدة هنا إيران، وهو يستخدم اليمن، كما سورية، لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات، يخفّف الضغط هنا ويزيده هناك، أملا في الوصول معها إلى تسويةٍ تعفيه من التورّط في أزمة جديدة في المنطقة. طبعا هناك من سيسأل ولماذا تلوم بايدن، إذا كان جزء مهم من المعارضة السورية يؤيد العقوبات الأميركية، لا بل ساهم في صياغتها؟ سؤال وجيه يحتاج إلى تفصيل، لكني أميل إلى تقديم حسن النية في إجابة مختصرة عليه، وأقول: سوء التقدير، إذ تغلبت لدى بعض المعارضة، على الأرجح، أولوية إسقاط النظام على ما عداها، حتى لو كان الثمن فناء السوريين جميعا، في حين أن المطلوب هو إبقاؤهم أحياء، حتى يتمكّنوا من إسقاط النظام.

العربي الجديد

————————–

هل عادت أميركا الآن حقاً؟/ روبرت فورد

منذ أسبوعين، زار الرئيس جو بايدن مقر وزارة الخارجية وأعلن أن أميركا عادت وستقود العالم من جديد. ويرغب بايدن في إعادة توحيد صفوف الأمة الأميركية. وكانت عملية مساءلة الرئيس السابق دونالد ترمب على امتداد الأسابيع الثلاثة الماضية فرصة أمام الحزب الجمهوري لرفض ترمب والاقتراب من تيار الوسط السياسي، لكن السياسيين الجمهوريين رفضوا هذه الفرصة تماماً. والآن، هل انتهى أمر ترمب؟

اللافت أن 43 من إجمالي 50 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ و201 من إجمالي 211 جمهورياً بمجلس النواب صوتوا لصالح ترمب خلال عملية المساءلة الثانية. ومن بين الجمهوريين السبعة في مجلس الشيوخ الذين صوتوا ضده، علينا الانتباه لمن منهم سيتقاعد العام المقبل. ومن بين الخمسة الآخرين، فاز أربعة بإعادة انتخابهم داخل ولاياتهم عام 2020 ما يعني أنهم لن يواجهوا إعادة انتخابهم حتى عام 2026. وواحد فقط من السبعة سيخوض انتخابات العام المقبل، وينتمي لعائلة سياسية بارزة تضرب بجذور عميقة في ألاسكا.

وينبغي للقارئ أن ينتبه إلى أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري لديهما تنظيمات داخل كل ولاية. وتشن التنظيمات التابعة للحزب الجمهوري داخل الولايات بالفعل هجمات ضد أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الذين صوتوا ضد ترمب. وزار زعيم الجمهوريين داخل مجلس النواب كيفن ماكارثي، ترمب في فلوريدا، الأسبوع الماضي، بينما ذهب إليه السيناتور ليندسي غراهام إلى فلوريدا فور انتهاء التصويت على المساءلة، السبت، داخل مجلس الشيوخ. وحيث أعيش داخل ولاية مين، لا تزال أعلام تحمل اسم ترمب ترفرف في الكثير من الأماكن. من جهته، لا يزال ترمب يرفض الاعتراف بفوز جو بايدن في الانتخابات، ولا يزال الشخصية الأكثر تأثيراً داخل الحزب الجمهوري.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن ترمب سيترشح للانتخابات مرة أخرى عام 2024. في الواقع، ربما يواجه المواطن ترمب محاكمة جنائية عن تدخله في إجراءات التصويت في جورجيا أو عن الاحتيال الضريبي في نيويورك. ومع هذا، ترفض قاعدته السياسية «الأخبار الزائفة» مثل الأدلة التي تدين ترمب بأفعال احتيالية أو جنائية. والملاحظ أن هذه القاعدة ضخمة: علينا أن نتذكر هنا الـ74 مليون أميركي الذين صوتوا لصالح ترمب عام 2020 وكان ذلك أكبر عدد من الأصوات الانتخابية في التاريخ باستثناء الـ81 مليون صوت الني نالها بايدن.

الواضح أن غالبية المرشحين الجمهوريين الذين سيخوضون انتخابات الكونغرس عام 2022 سيحاولون الفوز بدعم ترمب. وبذلك يتضح أن حالة الاستقطاب لا تزال مستمرة، ومن غير الواضح بعد ما إذا كان الجمهوريون والديمقراطيون سيتمكنون من التوصل إلى تسوية فيما بينهما تمكنهما من الوصول لاتفاقات سياسية.

وعليه، ثمة سببان أمام بايدن يدفعانه لإرجاء أي مبادرات كبرى على صعيد السياسة الخارجية. يتمثل السبب الأول في أنه يحتاج إلى تشريع من الكونغرس للحصول على الأموال اللازمة لتحفيز جهود التعافي الاقتصادي وإصلاح منظومة الهجرة اللذين يشكلان أولوية في رأي معسكره السياسي. في المقابل، لا تشكل السياسة الخارجية أولوية، ومن وجهة نظر بايدن لا يبدو الوقت الراهن مناسباً لاتخاذ قرارات بمجال السياسة الخارجية من شأنها تصعيد حدة الانقسامات في واشنطن.

ولا يبدو أن جميع أنصار بايدن راضون عن هذا الأمر، فعلى سبيل المثال يبدو أن أحد المراقبين البارزين للسياسة الخارجية، فريد زكريا، قد نفد صبره ويتساءل لماذا لا يمضي بايدن قدماً نحو إحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 أو وقف الحرب التجارية مع الصين أو العودة لسياسة أوباما الساعية لبناء علاقات مع كوبا. وأعرب محلل آخر، هاري كازيانيس، عن قلقه من أن بايدن يرفض أي مبادرة بخصوص الملف النووي الكوري الشمالي، ويتبع بدلاً عن ذلك سياسة تقليدية تقوم على العقوبات الاقتصادية سبق أن أخفقت في وقف البرنامج النووي الكوري الشمالي، لكنها رغم ذلك تبدو رهاناً آمناً داخل واشنطن.

من جهته، يبدو بايدن حذراً، وبإمكان إدارته إجراء مشاورات مع حلفاء في أوروبا وآسيا، وباستطاعته توجيه تحذيرات صارمة لموسكو وبكين – وكل هذا من دون إثارة جدل سياسي في واشنطن. وباستطاعة بايدن وقف دعم الجهود العسكرية إزاء الحرب الدائرة باليمن. وبإمكان واشنطن في الوقت ذاته إعادة التأكيد على دعمها لأمن السعودية بعد الهجوم الذي تعرض له مطار أبها، نظراً لأن هذه كانت السياسة التقليدية المتبعة منذ عهد جيمي كارتر.

حتى توجيه النقد لأوضاع حقوق الإنسان داخل دول مختلفة في العالم، من غير المحتمل أن يشعل جدلاً داخل واشنطن، ذلك أن الجمهوريين والديمقراطيين يتفقون على ضرورة أن تعلن واشنطن معارضتها للحكام المستبدين، حتى وإن كانوا مختلفين فيما بينهم حول الإجراءات الملموسة ضد هؤلاء الحكام.

في المقابل، تبدو مسألة تقديم تنازلات علنية كبرى أمام كوريا الشمالية أو إيران أو كوبا أمراً مختلفاً تماماً من شأنه إثارة جدل كبير ومزايدات سياسية.

أما السبب الثاني وراء عدم إقدام بايدن على إطلاق مبادرات كبرى في مجال السياسة الخارجية فيتمثل في أن الفريق المعاون له غير مستعد بعد، ذلك أن مرشحيه لمناصب وكلاء الوزارات ومساعدي الوزراء في وزارات الدفاع والخارجية والخزانة وكذلك وكالة الاستخبارات المركزية، في انتظار تصديق مجلس الشيوخ على تعيينهم. ومن المنتظر أن يكون هؤلاء المسؤولون القادة الحقيقيين لمجموعات العمل داخل الإدارة والتي تضطلع بالعمل الفني، ويحتاج بايدن لأصوات الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ للموافقة على تعيين هؤلاء المسؤولين سريعاً.

تاريخياً، من المعتاد أن يركز الرؤساء الجدد على الشؤون الداخلية أولاً. وحتى يحرز بايدن تقدماً على صعيد تلك الأولويات، وتكتمل عناصر فريقه المعني بالسياسة الخارجية، لا تنتظروا أي إجراءات جديدة جريئة من الإدارة الجديدة على صعيد السياسة الخارجية.

الشرق الأوسط

————————-

فايننشال تايمز: صمت بايدن تجاه نتنياهو وقادة المنطقة.. تلاعب بأعصاب أم محاولة لضبط ميزان العلاقات؟/ إبراهيم درويش

قال ديفيد غاردنر في صحيفة “فايننشال تايمز” إن كلاما مشاكسا كثيرا سيق في معرض تأخر الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي مكالمة عادة ما يقوم بها الرؤساء الأمريكيون حالة توليهم السلطة ويؤكدون فيها التزامهم بدعم حليفتهم إسرائيل.

لكن الإدارة الحالية على خلاف الإدارات السابقة مارست صمتا بشأن الشرق الأوسط وعبرت عن قوة في طريقة من ترفع الهاتف وتطلب الحديث معه. وقال غاردنر إن مشكلة نتنياهو هي أن الرئيس السابق دونالد ترامب غمره وبشكل مسرف بهداياه وسياساته المتعلقة بالشرق الأوسط والتي استجابت لكل قائمة الأماني التي طلبها اليمين المتطرف. وحتى في ظل إدارة باراك أوباما، رئيس بايدن السابق، شعر نتنياهو بثقة جعلته يطلب جلسة مشتركة في الكونغرس عام 2015 ويخاطب أعضاءه محاولا التصدي لإنجاز أوباما الرئيسي في السياسة الخارجية وهي الاتفاقية النووية مع إيران. وقام ترامب بإلغاء الصفقة في 2018، ولكن بايدن يحاول اليوم استعادتها.

ويواجه نتنياهو انتخابات جديدة ومعها ملاحقات في قضايا فساد. وفي العام الماضي نشرت حملته الانتخابية صورة له إلى جانب ترامب والتي لم يحذفها من حسابه على تويتر إلا الشهر الماضي. ومع أن سجل بايدن في الدفاع عن إسرائيل لا تشوبه أي شائبة إلا أنه يحاول على ما يظهر إرسال رسائل. ويشعر الناخبون الإسرائيليون بالحساسية من قادتهم الذين يقفون على الجانب الخطأ في الولايات المتحدة، وهو عامل مهم في هزيمة نتنياهو في 1999 وتلتها فترة من خمس فترات في الحكم، حيث أصبح أطول رئيس وزراء يتولى الحكم منذ ديفيد بن غوريون.

ويرى الكاتب أن المكالمة ستتم لكن البيت الأبيض يستخدم الصمت كجزء من عملية إعادة تقييم علاقاته مع حكام الشرق الأوسط المستبدين. وعدم الحديث هي طريقة غير تقليدية في الدبلوماسية ولكن لها استخداماتها. فحتى هذا الوقت لم يتحدث بايدن مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن بايدن سيتحدث مباشرة مع الملك سلمان وليس ولي العهد. كما لم يتصل بايدن مع رجب طيب أردوغان الحليف في الناتو. ولم يتلق عبد الفتاح السيسي رئيس مصر مكالمة بعد. وكانت محادثات ترامب غير المرتبة والقائمة على البعد التعاقدي أحيانا تترك آثارا غير متوقعة. فقد أدى الانسحاب الأمريكي الجزئي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى التوغل التركي في شمال- شرق سوريا. وبعد محادثات ترامب في قمة الرياض في أيار/مايو 2017 قام قادة الإمارات والسعودية ومصر بفرض حصار على قطر والذي دعمه ترامب بداية قبل أن يقنعه وزيرا الدفاع والخارجية بالتراجع عن موقفه وذكروه أن أمريكا لديها 12 ألف جندي في قاعدة العديد بقطر.

ويرى الكاتب أن معاملة بايدن الصامتة تأتي على رأس مجموعة من الإجراءات القوية مثل تعليق صفقات السلاح إلى السعودية والإمارات وهي دفعة مرحب بها لسلوك حذر. ففي الشهر الماضي تم رفع الحصار عن قطر فيما نظر إليه على أنه عرض تم تحضيره وتقديمه لفريق بايدن. وقام السعوديون بتخفيض معدلات إنتاج النفط لمساعدة شركات النفط الصخري الأمريكية. وفي الأسبوع الماضي أطلقوا سراح الناشطة لجين الهذلول التي اعتقلت وتعرضت للتعذيب والانتهاك لدفاعها عن حق المرأة بقيادة السيارة. وأظهر أردوغان بعد سلسلة من المغامرات الإقليمية وجها براغماتيا.

 وعقدت تركيا في الشهر الماضي أول اجتماع مباشر لها مع اليونان ومنذ خمسة أعوام في محاولة لتخفيف العاصفة المتراكمة فوق شرق المتوسط والخلافات المتعلقة بالحدود البحرية ومصادر الغاز الطبيعية. ودعمت تركيا اللاعب الرئيس في الحرب الليبية الحكومة الانتقالية الجديدة التي انتخبت لكي توحد البلاد. ومن بين المشاكل الكثيرة التي تواجه أنقرة مع واشنطن هي منظومة الدفاع الصاروخي الروسي أس-400. وعبرت تركيا حتى في هذا الموضوع الرئيسي عن رغبة بتقديم تنازلات. وربما كانت التحركات العقلانية تعبيرا عن أجواء حذرة. وقال فريق بايدن إن وقت الشيكات المفتوحة للمستبدين قد انتهى. ويشمل هذا ديكتاتور ترامب المفضل، أي السيسي. ووعد بايدن بمراجعة العلاقات مع السعودية التي منحها ترامب صكا مفتوحا وحتى بعد تقرير المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) الذي أكد أن عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي لم تكن لتتم بدون موافقة من محمد بن سلمان. ولم يعد سياج الحماية الذي وفره ترامب لأردوغان في واشنطن موجودا.

ويشير الكاتب إلى الشكوك التي تثار في المنطقة حول المدى الذي ستذهب فيه الإدارة وتخاطر بزعزعة تحالفاتها التقليدية. وقد تراجع التأثير الأمريكي من التدخل الأمريكي الكارثي في العراق تحت إدارة جورج دبليو بوش إلى تردد باراك أوباما في التدخل بسوريا إلى سياسات ترامب المتقلبة. وخلقت أمريكا فراغا ملأته وإن بطريقة فوضوية روسيا وإيران وتركيا والسعودية والإمارات. وبناء على هذا الواقع فمن الصعوبة بمكان تخيل قيام إدارة بايدن بتحويل هذه الإشارات إلى إعادة ضبط في العلاقات والتحالفات.

القدس العربي

—————————

واشنطن وطهران: طريق الدبلوماسية مفتوح..من يسلكه أولاً؟

قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن واشنطن هُزمت في سياسة الضغط الأقصى ضد بلاده، معتبراً أنه لا حل أمامها سوى العودة إلى الاتفاق النووي. وأكد أن الحكومة ستنفذ القانون الذي أقرّه البرلمان الإيراني، حول خفض التعهدات النووية “رغم موقفها منه”.

وأضاف روحاني الأربعاء، أن “الاتفاق النووي هو ما تم توقيعه عام 2015 ولا يمكن أن تضاف إليه أي مادة أخرى”. وقال: “لو أردنا التفاوض على ملفات إقليمية أو برنامجنا الصاروخي لعاد ترامب إلى الاتفاق”.

وانتقد الرئيس الإيراني “الدعاية الأجنبية” حول قرار بلاده وقف تنفيذ البروتوكول الإضافي من الاتفاق النووي، بدءاً من 21 شباط/فبراير، قائلاً إنه مع هذه الخطوة “لن يحدث شيء مهم”، وواصفاً الحديث عن نية طهران طرد المفتشين الدوليين بأنه “شائعات ودعاية”.

وأوضح أن وقف العمل بالبروتوكول “لا يعني إخراج نشاطنا النووي من الرقابة الأممية”، داعياً إلى الحديث عن هذا الموضوع “بدقة”. وقال إن “من يتحدث عن أننا سنطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فكلامه هذا يُفهم في العالم على أننا نسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية”.

ويأتي تصريح روحاني بعد ساعات على اتصال أجراه به الرئيس السويسري غاي بارملين، الذي ترعى بلاده المصالح الأميركية لدى إيران. وقالت الرئاسة الإيرانية إن تطورات الاتفاق النووي احتلت حيزاً كبيراً في المباحثات بين روحاني وبارملين.

وأكد الرئيس الإيراني خلال الاتصال، أن كرة الاتفاق النووي باتت في الملعب الأميركي، قائلاً إنه “عندما يتم إلغاء جميع العقوبات غير القانونية بشكل عملي فكل شيء يعود إلى مساره الصحيح”.

وشدد روحاني على أن “إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الذي كان حصيلة جهود طويلة لمختلف الدول أمر غير ممكن، وهي تتعارض مع القرار 223 لمجلس الأمن”، المكمل للاتفاق، مشيرا إلى أن “استراتيجية طهران تجاه الاتفاق واضحة جدا”، وهي “رفع أميركا العقوبات عمليا وليس على الورق فقط ستعقبه عودة إيران إلى تنفيذ تعهداتها بموجب الاتفاق النووي والتي قلصناها”.

في المقابل، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إن الاتفاق النووي كان “فعّالاً للغاية في قطع جميع المسارات (المفروضة) على إيران وقتها لإنتاج المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي… ومن المؤسف للغاية أننا انسحبنا منه”.

وأكد في مقابلة مع موقع الإذاعة الأميركية العامة، أن سياسة الولايات المتحدة لا تزال تقضي بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. وأضاف أنه بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، بدأت طهران في التخلي عن التزاماتها فيه “والنتيجة هي أن إيران اليوم أقرب إلى امتلاك القدرة على إنتاج المواد الانشطارية لسلاح في وقت قصير مما كانت عليه عندما كانت الصفقة سارية المفعول”.

وقال إن “الخطوة الأولى” يجب أن تكون عودة إيران إلى الامتثال ببنود الاتفاق، مضيفاً أنه سيكون هناك حاجة أيضاً إلى العمل على اتفاق “أطول وأقوى من الاتفاق الأصلي”، وكذلك “الانخراط في قضايا أخرى لم تكن جزءاً من المفاوضات الأصلية والتي تمثل إشكالية عميقة بالنسبة لنا ولبلدان أخرى حول العالم، وهي: برنامج الصواريخ الباليستية لإيران، وأعمالها المزعزعة للاستقرار في دولة تلو الأخرى”.

وأضاف وزير الخارجية الأميركي “كان الرئيس بايدن واضحا في أنهم إذا امتثلوا، فسنفعل الشيء ذاته. الطريق إلى الدبلوماسية مفتوح الآن”.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت هناك خطوات للتواصل مع إيران بشكل مباشر، قال إن “الرئيس بايدن كان واضحاً جدا علناً وبشكل متكرر حول موقفنا. سنرى رد فعل إيران على ذلك”.

من جهته، اعتبر وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الأربعاء، أن “الإدارة الأميركية الحالية تنتهج سياسة الغطرسة نفسها التي اتبعتها الإدارة السابقة”.

وأضاف أن “بعض مسؤولي إدارة بايدن يعتقدون أنه لا يزال بإمكانهم الحصول على امتيازات عبر سياسة الضغط الأقصى على طهران”، متابعاً أنه “إذا عادت الأطراف إلى الاتفاق النووي، وقتها يمكننا الاستمرار في تنفيذ البروتوكولات الإضافية كما فعلنا منذ خمس سنوات”.

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية قالت إنه بينما يفكر المسؤولون في الولايات المتحدة بالعودة إلى الاتفاق النووي، تركّز الكثير من الجدل حول ما إذا كانت واشنطن ستفقد سطوتها على طهران. وأضافت أن بعض الخبراء والمسؤولين يجادلون بأنه إذا عادت إدارة بايدن للانضمام إلى الصفقة، فإن أميركا ستهدر النفوذ الذي تم بناؤه في السنوات الأخيرة من خلال استراتيجية الضغط الأقصى للرئيس السابق دونالد ترامب.

ورأت أن إيران ليست أقرب إلى امتلاك القدرة على صنع قنبلة فحسب، بل إن الخطاب السياسي للمسؤولين الرئيسيين حول ما إذا كان ينبغي تجاوز هذه العتبة قد تغير. وأضافت أن النفوذ لا يكون مجدياً إلا إذا كان من الممكن استخدامه بفعالية لتحقيق النتائج السياسية المرغوبة، إذ إن الاستمرار في بناء النفوذ فقط من أجل إلحاق الألم أو زيادة الضغط ليس استراتيجية تفاوض فعالة أو مستدامة.

ومن خلال إحياء الاتفاق النووي، قالت المجلة إن “الحكومة الأميركية لن تهدر أي نفوذ ناتج عن العقوبات، ولكن إذا لعبت أوراقها بحكمة، فقد تعزز موقفها لمتابعة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني والأنشطة الإقليمية”.

واعتبرت أنه “يجب على أمريكا أن تحاول بسرعة العودة النظيفة إلى الاتفاق باتباع نهج الامتثال مقابل الامتثال؛ لأن ذلك يمكنه أن يوقف البرنامج النووي الإيراني سريع النمو في مساره”. وقالت: “لن تقوض هذه الخطوة النفوذ الأميركي، بل ستعززه، وستسمح لأميركا بإيقاف عقارب الساعة بشأن التقدم النووي الإيراني، والتخفيف من احتمال المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل أو أميريكا، واستعادة الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف”.

—————————–

هل الشرق الأوسط من أولويات بايدن الخارجية؟/ منار الشوربجي

أولويات بايدن الخارجية يحددها الوضع الداخلي الأمريكي وسياسات سلفه تجاه العالم، فقد تسلم بايدن منصب الرئاسة في وقت صارت فيه الولايات المتحدة تعاني من خصم واضح هو سمعتها الخارجية، وتواجه أزمات داخلية كبرى، فعلى الصعيد الدولي، لم يعد حلفاء أمريكا الأوربيون يثقون بأن الولايات المتحدة حريصة على تحالفاتها.

وباتوا أكثر استعداداً لاتخاذ قراراتهم دون الولايات المتحدة، وهو ما مثل بالقطع خصماً من «قيادة أمريكا» لحلفائها، ويصدق الشيء نفسه على حلفاء أمريكا في آسيا، من اليابان لكوريا الجنوبية، إذ خلقت مواقف ترامب، التي دارت حول نفسها دورات كاملة ومتكررة إزاء كوريا الشمالية، شعوراً لدى البلدين بأنه لا يمكن التنبؤ بمواقف أمريكا، ولا الاعتماد عليها. والمواقف نفسها، التي انتقلت من النقيض للنقيض، اتخذها ترامب تجاه الصين أيضاً.

أما الوضع الداخلي، فقد تسلم بايدن من سلفه بلداً يعاني من تفشي وباء «كورونا» المستجد على نحو غير مسبوق، يصاحبه تدهور كبير في الاقتصاد الأمريكي، فضلاً عن عنف، يتبناه تيار تفوق البيض، ومرشح للبقاء طويلاً.

وتلك هي المحددات الرئيسية لأولويات ترامب الخارجية، فهناك مؤشرات تدل على أن أوروبا، حيث حلفاء أمريكا الأقوى، ستحتل الأولوية الأولى.

ولعلها من المفارقات الجديرة بالتأمل أن آخر إدارتين ديمقراطيتين، أي إدارتي أوباما وبايدن، كان عليهما رأب الصدع مع الحلفاء الأوروبيين، بعد أن تدهورت في عهد بوش الابن بفعل الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق، وتدهورت بدرجة أعمق بفعل سياسات ترامب تجاه الحلفاء. وفي سابقة ذات دلالة على أولوية أوروبا، عمدت إدارة بايدن لنشر فيديو للاتصال الهاتفي الأول للرئيس الجديد مع الأمين العام لحلف الأطلسي.

بينما جرت العادة على أن ينشر البيت الأبيض نص المحادثة مكتوباً، غير أن قيادات الحزب الديمقراطي في أغلبها باتت منذ عقود تؤمن بأن التحدي الأكبر لبلادهم يأتي من الصين، وبايدن ليس استثناء من ذلك، فهو أثناء الحملة الانتخابية كتب مقالاً عن التهديد الصيني للأمن القومي الأمريكي عسكرياً واقتصادياً.

كما أن اهتمام إدارة بايدن بكارثة المناخ يعزز من ذلك الموقف لضرورة دفع الصين للالتزام بالمعايير المتفق عليها دولياً، وبايدن يرى روسيا تهديداً هي الأخرى، وإن بدرجة أقل عن الصين، لكن الأوضاع الاقتصادية الأمريكية لا تجعل الصين وحدها، وإنما دول آسيا عموماً على قمة أولويات بايدن، فالتعاون الاقتصادي مع تلك الدول، يمثل وسيلة لتحسين أحوال الاقتصاد ورفع مقدرات الطبقتين العاملة والوسطى.

باختصار، من المتوقع أن تتبوأ دول أوروبا وآسيا أولويات إدارة بايدن، والأوضاع الداخلية الأمريكية تفرض نفسها أيضاً لتضع دول الأمريكتين ضمن الأولويات، فلم تكن مصادفة أن يكون رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، أول من يتلقى اتصالاً هاتفياً من بايدن بعد توليه منصبه، بينما كان رئيس المكسيك من بين زعماء دول ثلاث، كندا وبريطانيا، اتصل بهم الرئيس الأمريكي قبل باقي زعماء العالم، فبريطانيا الحليف الأقوى.

وكندا والمكسيك هما الجارتان اللتان لا تملك أية إدارة ترف تجاههما، غير أن قضية الهجرة شديدة الجدلية داخل الولايات المتحدة تفرض أمريكا اللاتينية على أولويات إدارة بايدن، خصوصاً بعدما اتخذت إدارة ترامب مواقف اتسمت بالعنصرية تجاه المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية.

كل ذلك معناه أن يتراجع الشرق الأوسط وأفريقيا على أولويات الإدارة الجديدة، ما لم يحدث في أيهما توترات تفرض نفسها على قمة الأولويات، وهي لم تكن مصادفة أن بايدن لم يتصل برئيس وزراء إسرائيل خلال الأيام التسعة الأولى لتوليه، في سابقة لم تحدث، على الأقل، طوال العقد الأخير.

لكن اعتبارات الداخل الأمريكي وحدها قد تجر الشرق الأوسط لمكانة متوسطة على أولويات بايدن، فقد رفضت نسبة معتبرة من نخبة الجمهوريين، بمن في ذلك صقور السياسة الخارجية، ترامب ودعمت بايدن في الانتخابات الأخيرة، وأغلبهم من المحافظين الجدد، وهو التيار المعروف باهتمامه الخاص بالشرق الأوسط، وصاحب المواقف المعروفة منذ عهد بوش الابن.

ومن هنا، فكلما زاد نفوذ هذا التيار عند بايدن، ارتفعت أسهم الإقليم على أولويات الإدارة الجديدة، بغض النظر عما إذا كان ذلك النفوذ يصب في مصلحة دوله.

* د. منار الشوربجي استاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في النظام السياسي الأمريكي.

المصدر | البيان

———————–

ميراث الإدارة السابقة: ألغام هنالك وتصدع هنا/ حسن منيمنة

ربما أن معيار الانفصام الثقافي الذي تشهده الولايات المتحدة، وعدواه تنتشر كالجائحة في أرجاء العالم، هو الموقف من شخص دونالد ترامب.

ثمة من يعتبر أن الرجل هو في الأصل ظاهرة انتهازية، وأن نجاحه في التسلق إلى موقع الرئاسة كان لتضافر عوامل عرضية، ولا سيما منها الوهن وسوء التقدير في الحملة الانتخابية المنافسة، وأن أداءه كرئيس كان كارثيا، وأنه ضاعف بالتالي من مصائب الولايات المتحدة في الداخل وفرط بموقعها وسمعتها وهيبتها ومصالحها في الخارج، وأن التخلص منه، رغم تعنته وصولا إلى المسعى الانقلابي للبقاء في السلطة، هو الدليل على نضوج النظام السياسي الأعرق في العالم.

في المقابل، فإنه ثمة من يعتبر أن ترامب، وإن شابت أسلوبه الشوائب، جاء بمثابة التحدي الموضوعي الصارم لمنظومة سياسية نخبوية أخضعت الولايات المتحدة لعولمة تتعارض مع صالح مواطنيها، وأن خطواته التصحيحية كادت أن تحقق الموعود رغم إلحاح الأعداء والخصوم على محاولات الإفشال، سوى أن الجائحة عرقلتها، قبل أن تعمد النخبة المتضررة إلى الاستفادة من الارتباك لإعادة الإمساك بالحكم.

العرضي هو بالتالي منع الرئيس من عهدة ثانية استحقها، غير أن الفطن لا يلدغ من جحر مرتين، والعودة إلى ما جرى اعتراضه من مسار تصحيح متحققة لا محالة، وأول الغيث الانتخابات النصفية بعد أقل من عامين.

ليت الخلاف السياسي في الولايات المتحدة يتوقف عند الحد المذكور أعلاه. بل هذه وتلك هما الصيغتان المهذبتان له. أما أخواتهما الوقحة، فتنغمس بمؤامرات الأيادي الخفية وعبادة الشيطان وشرب الدماء والاعتداء على الأطفال، ولا حاجة للخوض فيها.

ما شهدته الولايات المتحدة في الأعوام الخمسة الماضية، أي في رئاسة دونالد ترامب والسنة الانتخابية التي سبقتها، هو زلزال صدع قشور الاستقرار وأعاد إطلاق العنان لحروب الثقافة، والتي لجمها الخوف المشترك من الإرهاب إلى حين، وكشف افتقاد الخطاب السياسي في البلاد القدرة على مواجهة الشعبوية التعبوية وما يصاحبها من بذاءة لفظية، كادت أن تكون العلامة الفارقة لهذا الرئيس، وبما تضاعفه من جذب ودفع في الاستقطاب.

في مواضيع الشرق الأوسط، كما في غيرها، كان أداء ترامب مزيجا من السياسة الجادة المبنية على الرؤية المحافظة المتشائمة في واقعيتها والتي سعى العديد من الجمهوريين إلى إقناعه بها، ومن الاعتبارات الآنية الدائرة حول تحقيق الرجل لمصلحته الذاتية، سواء المباشرة بالشكل المبهم، أو غير المباشرة للأصدقاء والشركاء بشكل أكثر جسارة، مع الاحتفاظ بإمكانية توظيف الفعل خطابيا وتعبويا.

يختلف ترامب عن غيره من الرؤساء وسائر السياسيين هنا بالكم وحسب، حيث أن كل فعل سياسي ينضوي على مصلحة ذاتية لمن يقدم عليه. ومن وجهة نظر المتلقي، فإنه لا عزاء مثلا، بأن تكون “هفوات” باراك أوباما قد جاءت عن “عمق تفكير” و”حسن نية”، مع العلم بأن أصول السلوك السياسي لباراك أوباما، رغم طلاقته الخطابية، لا تبتعد عن تلك التي انتهجها ترامب ضمنا، ابتداءا من الغرور الرافض للإنصات لآراء الخبراء، مرورا بالإصرار على قناعات شعاراتية وإن تعارضت مع الوقائع، وصولا إلى شخصنة العلاقات الخارجية. بل أن حساب الضرر، والألغام، التي خلفها دونالد ترامب، لا يكون إلا بالبناء على تلك التي تركها الرئيس السابق له.

ولكن، دون الحاجة إلى مراجعة تاريخية عميقة لنقد شامل لسياسة الولايات المتحدة، يمكن الانتباه إلى ثلاثة ملفات كان لترامب دور في تأزيمها بعد انتهاء ولايته.

 الملف الأول هو الملف الإيراني. لا شك أن باراك أوباما كان قد خاض هذا الملف انطلاقا من قناعات مسبقة، تعتبر أن استعداء إيران خطأ لا بد من تصحيحه. بل إن أوباما أقحم نفسه، وهو الحائز على جائزة نوبل للسلام، بحاجة التوصل إلى اتفاق بأي ثمن، وبالاعتماد على حسن النوايا التي قد ينشئها هذا الاتفاق لدى الجانب الإيراني.

الحصيلة كانت اتفاقا هزيلا يتوافق مع المطالب الإيرانية، ولكنه لا يلزم إيران إلا بالقليل. ما كان على طهران إلا التقيد بنص الاتفاق، وهكذا فعلت، ليكون الإنجاز لها، فيما يستطيع أوباما أن يتفاخر وحسب بأنه حصل على اتفاق، وإن كان المضمون متعارض مع مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.

وعمدت إدارة ترامب بالتالي إلى الخروج من هذا الاتفاق، وهو للتأكيد، من وجهة نظر أميركية، اتفاق بين إدارة أوباما والجمهورية الإسلامية، وليس اتفاقية صادقت عليها السلطة التشريعية في الولايات المتحدة لتصبح قانونا ملزما، ولا يبدل ذلك أن تكون إدارة أوباما قد ناورت لربط الاتفاق بقرار لمجلس الأمن الدولي.

أن تعمد إدارة ترامب إلى فرض عقوبات قصوى على إيران، هو حق سيادي للولايات المتحدة له ما يفسره ويبرره من وجهة نظر تحقيق المصلحة الوطنية والاستقرار العالمي.

 والخطأ الذي ارتكبته إدارة ترامب هنا، بل الذي ارتكبه ترامب شخصيا هو توظيفه هذا الانسحاب ضمن معركته الجانبية الخرافية مع الحلفاء الأوروبيين، في استعدائه الصبياني لهم، واتهامهم بأنهم يستغلون الولايات المتحدة,

فبدلا من السعي الجدي لاستمالتهم إلى منطق تصحيح الاتفاق، جعلت منهم مواقف ترامب العدوانية طرفا واحدا مع إيران (والصين وروسيا) إزاء الخطوات الأحادية للولايات المتحدة.

وبدلا من أن تجتهد إدارة ترامب بالتواصل مع الديمقراطيين في الداخل الأميركي للتأسيس لقناعة وطنية مشتركة حول الحاجة إلى تصحيح المسار التفاوضي مع إيران، أمعن ترامب، بما ينسجم مع شغفه بالطعن والاتهام والسباب، بقذف أوباما وكافة الديمقراطيين باتهامات الخيانة والتواطؤ، بما أضاع الفرصة أو كاد أن يضيعها لمتابعة نهج التصحيح بعد انتهاء عهده.

بل الرجل، بعد أن قوض طاقمه في نهاية رئاسته ليقتصر على الأتباع الخاضعين، حاول أن يضع العراقيل أمام الإدارة الجديدة، في تعيينات مربكة وقرارات إشكالية.

 لا تبدو توجهات إدارة بايدن إزاء إيران محسومة بالشكل الكامل. الشخصيات المولجة بالملف قد توحي بأنه ثمة عودة إلى موقف أوباما، غير أن المواقف الصادرة عن فريق العمل وعن الرئيس بايدن نفسه تفيد بأن المقاربة لن تكون مطابقة لتفريط أوباما وقد تتمكن من الاستفادة من بعض منحى إدارة ترامب، رغما عن ترامب.

وكما في الملف الإيراني، كذلك في الملف الفلسطيني الإسرائيلي. الحاجة إلى تحريك هذا الملف كانت قائمة، ولا سيما بعد سوء إدارته من جانب باراك أوباما وطاقمه. غير أن خطوات التحريك، وإن كانت منطقية من وجهة نظر أميركية، بما فيها مساءلة المسلمات والتسليم بالوقائع، جاءت تطبيقيا مفعمة بأخلاقيات ترامب، الطاعنة بالفلسطينيين والمهينة لهم والساعية علنا إلى إقصائهم، والمتصرفة بحقوقهم وكأنها منة ارتأى صاحب العز والجاه، سلطان البحر وخاقان البر دونالد ترامب دام ظله الوفير، منحها للإسرائيليين بدلا منهم.

ثمة فارق بين الإقرار بالحق السيادي لإسرائيل بأن تختار عاصمتها على أراض لا خلاف بشأن سلطتها عليها، أي أورشليم (القدس الغربية)، وبين تقديم “القدس الموحدة”، بما فيها القدس (الشرقية) الفلسطينية المحتلة، لإسرائيل كـ “عاصمة أبدية” بقرار عقدة عظمة صادر من واشنطن.

وثمة فارق بين أن تدعو القوة العظمى إلى الواقعية في التعاطي مع حال الأراضي المحتلة، والتي قامت عليها المستوطنات الإسرائيلية منذ أجيال، فتعمل على إيجاد صيغة عملية للتعايش والتكامل، وبين أن يتقدم فريق من الأهوائيين بمهزلة الجسور والأنفاق والأحياء المقطعة الأوصال تحت مسمى “الدولة الفلسطينية”، وأن يصاحب هذا الطرح الفظ بمسعى علني لطمس مقومات القضية الفلسطينية، وبهبة فورية لإسرائيل بأن تضم ما شاءت من الأراضي المحتلة.

من الإسرائيليين من يجد في خطوات ترامب هذه فعل صداقة. بل هي شناعات تضر في نهاية المطاف بإسرائيل بقدر ما تضر بالفلسطينيين.

قد يدرك الفلسطينيون يوما مقدار الاحتواء والتلطيف لهذا التهور من جانب إدارة ترامب في الخطوة التطبيعية التي أقدمت عليها الإمارات.

إسرائيل واقع على المحيط العربي أن يرتقي إلى القبول به، وإن ثابر العقائديون على محاولة التعامي عن حقيقته. وفلسطين، المجتمع بالتأكيد وربما الدولة العتيدة المستقلة إن لم تكن الصيغة المستقبلية جامعة في إطار اتحاد مع إسرائيل، واقع لا ينفيه جهل دونالد ترامب أو وقاحته أو غروره. فريق بايدن يبدو مؤهلا للتعاطي مع الوقائع، قليلها البناء وكثيرها التخريبي، من مخلفات الإدارة السابقة.

لا تتوقف ملفات ترامب الملغومة في الشرق الأوسط على هذين الملفين الرئيسيين، بل تشمل كذلك العراق وسوريا واليمن ولبنان ومصر وليبيا والسودان والمنطقة المغاربية. على أنها كذلك تطال جانبا آخر على قدر خطير من الأهمية في الولايات المتحدة نفسها.

جاليات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، قبل ترامب، كانت للتو على قدر من الاستقطاب. أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط كانت تشهد الانحدار، وهجرتهم إلى الغرب فاقت في نسبتها هجرة المسلمين وغيرهم. المسؤوليات في هذا الشأن عديدة وعلى اختلاف وفق البلدان، على أن القاسم الجامع بين معظمها هو استسهال التضييق على المسيحيين ضمن نظم سياسية وفكرية لم تنتقل إلى منطق المواطنة، بل اختارت أن ترى فيهم ما يبرر إقصاءهم، دينيا أو قوميا، وما يهيئ للانتقاص منهم إنسانيا واقتصاديا.

من لا يدرك مقدار الاضطهاد والتهميش والذي يعاني منه المصريون الأقباط، إما أن يكون جاهلا للحقائق أو متجاهلا لها. من لا يرى كيف جرت تصفية المجتمع المسيحي في العراق، ليمسي شذرات مما كان عليه، وليستمر في معاناة تقليصه إلى اليوم، يبقى بعيدا عن الإنصاف.

من لا يعتبر من توظيف نظام دمشق لخوف المسيحيين لردعهم عن الاصطفاف الوطني، ولدحرجة هذا الاصطفاف إلى الفشل، يتجاهل شقا هاما من المأساة السورية. ومن لا يرى فيما يجري في لبنان، الدولة الوحيدة في المنطقة والتي للوجود المسيحي فيها طابع سيادي، في إخضاع الراغبين بالسلطة منهم لعقد ذمة مع وكلاء ولاية الفقيه، يتجاهل الجانب الأخطر مما تتعرض له الحالة المسيحية في مشرقها الأول.

ولكن، إلى أمس قريب، كانت جاليات المنطقة في الولايات المتحدة تسير باتجاه التأسيس لما منعتها منه ظروف المنطقة البائسة: هويات ذاتية سيدة عزيزة، متباينة حينا متداخلة أحيانا، عربية قبطية مسلمة أشورية لبنانية شيعية فلسطينية يمنية عراقية مارونية درزية وغيرها، وهوية ثقافية جامعة تحاكي بعض أوجه ما كان يتمناه المنفتحون فيها، شرق أوسطية، عربية، ناطقة بالعربية، ضمن هوية وطنية أميركية مطمئنة.

ليس أن حروب الثقافة في الولايات المتحدة قد عفت عن هذه الجاليات. ولكن أصداء هذه الحروب كانت بعيدة نوعا ما. الواقع تبدل مع دونالد ترامب.

هل أن الملامح “الشرق أوسطية” لهذا الرجل البريء من الحداثة بمعانيها القيمية والحقوقية والساعي صراحة إلى التشبه بطغاة المنطقة والعالم قد استهوت البعض إلى حد الإغواء، أم هل أن سبابه وشتائمه قد روت غليل البعض؟ بل قد يقول البعض إنه قد رأى فيه فعلا النصير والموالي، وإنه دون غيره قد وقف دفاعا عن المسيحيين في المنطقة. رغم أنه لم يفعل.

النتيجة هي أن وجوهاً عديدة حاولت زعم تأييد، بعضه متحقق وبعضه مبالغ فيه، الرجل في صفوف جاليات شرق أوسطية، في بعض الأحيان تحت يافطات دينية، علنية أو مقنّعة. والحصيلة هي حالة تصدع لهذه الجاليات هنا، واتجاه إلى استيراد فئويات هنالك ومضاعفتها، ومن ثم إعادة تصديرها، بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة الحاضنة للتجاوز الناضج للفئويات، كما كان التوقع.

 إدارة بايدن سوف تعمد حكما إلى معالجة الملفين الإيراني والفلسطيني الإسرائيلي. أما ملف التصدع في جاليات الشرق الأوسط هنا، فليس من اختصاصها. الحاجة ماسة إلى مراجعة ذاتية وإلى عودة إلى تواصل قد تضرر، الشرق الأوسط بحاجة إلى العقلانية والحوار. على ما يبدو، كذلك حال جالياته هنا.

——————————-

بعد رسالة من مسييحين سوريين .. “بلينكن” يناقش القضية السورية مع “غوتيريش” ويحدد ثلاث نقاط للعمل

أورينت نت – يحيى الحاج نعسان

تفاعل وزير الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس جو بايدن، أنطوني بلينكن على الرسالة التي وجهتها شخصيات مسيحية سورية وعربية طالبوا فيها بزيادة العقوبات الدولية على نظام أسد باعتباره المسؤول عن كافة الجرائم ضد السوريين.

وقال بلينكن في بيان نشرته الوزارة على موقعها الرسمي أمس،  مركزا على ثلاث نقاط للعمل عليها، وهي التأكيد على الحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتمديد التفويض عبر الحدود لتقديم المساعدات والمساهمة في التخفيف من معاناة الشعب السوري.

وبحسب البيان جاء كلام بلينكن في سياق اتصال هاتفي أجراه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، تطرقا خلاله حول عدد من المواضيع من ضمنها سوريا.

أول مرة

وقال المعارض أيمن عبد النور رئيس منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” تأتي أهمية تعليق بلينكن كونه المرة الأولى التي يتطرق فيها وزير الخارجية الجديد للموضوع السوري واستخدامه بندين من المطالب التي وجهها مسيحيون سوريون وعرب لوزارته وللإدارة الأمريكية قبل يومين، الأول يتعلق بالحل السياسي والثاني بالمساعدات الإنسانية.

وذكر عبد النور المقيم في أمريكا باتصال هاتفي مع موقع أورينت نت، أن بلينكن لم يستخدم سابقا في خطاب ومقابلة تعيينه أمام الكونغرس الأمريكي اللذين استمرا حوالي 5 ساعات ولا كلمة عن سوريا.

وأضاف عبد النور أنه عقب الرسالة التي قدمها المسيحيون، تم جدولة لقاء لبلينكن خلال الأيام القادمة مع وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو، وسيكون الموضوع السوري على جدول أعمال الزيارة.

رسالة من 5 بنود

وفي 10 شباط الجاري، وجهت 47 شخصية من سياسيين ومثقفين مسيحيين سوريين وعرب رسالة إلى الرئيس جو بايدن وإيمانويل ماكرون طالبوا فيها باتخاذ إجراءات مشددة تجاه نظام أسد تتمثل بزيادة العقوبات على النظام وتوسيعها لتشمل كل المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب، و”السعي نحو إيجاد الوسائل الفاعلة لمساعدة الشعب السوري في إنهاء هذه المعاناة، والتصدي للتدهور في أمنه الصحي والاقتصادي.

وطالب الموقعون على الرسالة بالضغط على نظام أسد لإجباره على الموافقة على إجراءات عديدة مؤلفة من خمسة بنود؛ الأول هو السماح للمنظمات الدولية بالدخول إلى سوريا، للتنظيم والإشراف الدقيق على عملية تأمين وصول المساعدات لمستحقيها، كي لا يتم كما يحصل حالياً، تبددها ضمن شبكات الفساد المرتبطة بالمنظمتين الحصريتين “الهلال الأحمر السوري”، و”الأمانة للتنمية”، والتي تديرها أسماء الأسد الموضوعة على لائحة العقوبات.

والثاني، ربط أي مساعدة للنظام بالكشف عن مصير المغيبين قسراً وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بأن تتحمّل المنظمات الدولية (الصليب الأحمر) مسؤولية عملية إيصال اللقاح ضد فيروس “كورونا” إلى كل السجناء والمعتقلين في كافة السجون ومراكز الاعتقال على كافة الأراضي، وكذلك لكافة الفئات الهشة تجاه مقاومة الفيروس من كبار السن ومصابي الحرب.

وأما الثالث فهو السماح بأن يتم تصميم خطة العملية الصحية وملف اللقاح ضد فيروس “كورونا” والإشراف عليها من قبل المنظمات الدولية، وذلك بعد إثبات فشل وزارة صحة أسد في معالجة أزمة الفيروس المستجد على الأراضي التي تقع تحت سيطرة النظام مقارنة بمناطق شمال – وشرق وشمال – وغرب سوريا.

وفي حين طلب البند الرابع بالعمل على العودة لدخول المساعدات الإنسانية لسوريا عبر أربعة معابر حدودية بدلاً من اثنين، والذي حصل بسبب “الفيتو” الروسي لإدخال المساعدات للسوريين النازحين خارج مناطق النظام.

ونص البند الخامس من المطالب على تسريع الحل السياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الأمر الذي سيساهم في تحقيق هذه الخطوات وفي ضمان الأمن والاستقرار على مستوى سوريا وعموم المنطقة، كما يدعم ضمان الأمن والسلم على المستوى العالمي وذلك ما نحتاجه اليوم لمواجهة كافة التحديات التي تنتظر الإنسانية في العقود القادمة.

يشار إلى أن رسالة المسيحيين السوريين والعرب، التي وقّعت باسم “لجنة متابعة مؤتمر المسيحيين العرب”، جاءت ردا على رسالة وجهها رجال دين مسيحيون وحلفاء للنظام يطالبون من خلالها برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عنه.

—————————–

إدارة بايدن تؤكد دعمها للأكراد في سورية: نعمل معهم وهذا لن يتغير/ محمد الأحمد

أوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جون كيربي، أن “العمليات العسكرية الأميركية بكل من سورية والعراق تركز حالياً على التصدي لتنظيم داعش، الذي لا يزال موجوداً”، مضيفاً: “نحن في سورية نعمل مع قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وهذا الأمر لم يتغير”.

جاء ذلك خلال مؤتمره الصحافي، يوم أمس الأربعاء، في العاصمة الأميركية واشنطن، ونقلت تفاصيله، اليوم الخميس، وكالة “الأناضول” الرسمية التركية.

وأضاف المتحدث: “كما قلنا دائماً إنّ أفضل طريقة يمكن الاستمرار فيها لمواجهة تنظيم داعش وهزيمته، هي العمل مع القوات المحلية”. وتابع: “نحن في سورية نعمل مع قوات سورية الديمقراطية، وهذا الأمر لم يتغير”.

ويعتبر هذا التصريح محطة مهمة في تأكيد الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن دعم الأكراد شمال شرقي سورية، والتشديد على أنّ “قسد” حليف استراتيجي لواشنطن، كان سابقاً وسيبقى.

وكان كيري قد لفت، خلال مؤتمر صحافي سابق، في 8 فبراير/ شباط الجاري، إلى أنّ “القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرقي سورية، لم تعد مسؤولة عن حماية حقول النفط في البلاد”، وذلك في أول تعديل بالملف السوري للأهداف الأميركية في عهد الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن.

وأكد المتحدث في تصريحه السابق أنّ “موظفي وزارة الدفاع الأميركية ومقاتليها ليسوا مخولين بمدّ يد المساعدة إلى شركة خاصة تسعى لاستغلال موارد نفطية في سورية، ولا إلى أي من موظفي هذه الشركة أو إلى وكلائها”.

وأشار إلى أن “العسكريين الأميركيين المنتشرين في شمال شرق سورية (وعددهم نحو 900 جندي)، موجودون لدعم المهمة ضد تنظيم داعش”. معتبراً أن “روسيا لم تكن طرفاً مساعداً في الساحة السورية”، ومحذراً موسكو “من اتخاذ أي إجراءات استفزازية قد تؤدي إلى حوادث مع القوات الأميركية المنتشرة شرقي البلاد”، وفق ما ذكرت وكالة “فرانس برس” الفرنسية، حينها.

وتأتي التصريحات الأخيرة من قبل المتحدث باسم البنتاغون عقب بدء القوات الأميركية إنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها في ريف الحسكة، شرقي سورية، وهي الثانية لها خلال أقل من شهر في تلك المنطقة.

وأوضحت مصادر مطلعة من المنطقة الشرقية، لـ”العربي الجديد”، أنّ القوات الأميركية بدأت، الاثنين الفائت، العمل على إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة المالكية، أقصى شمال شرق محافظة الحسكة، مضيفةً أنّ تعزيزات التحالف بقيادة واشنطن وصلت، صباح الاثنين، إلى المنطقة عبر معبر الوليد الحدودي الشمالي قادمةً من العراق، وضمّت 50 شاحنة محملة بعربات من نوع همر، ومدرعات عسكرية مصفحة، وشاحنات أسلحة وذخائر، ومعدات لوجستية، للقيام بأعمال الحفر والتسوية وبناء السواتر في المنطقة، الواقعة جنوب غرب عين ديوار بكيلومتر، وفي المثلث الحدودي الواقع بين سورية والعراق وتركيا.

واتهمت وكالة النظام الرسمية (سانا)، واشنطن بأن “الهدف من إحداث قاعدة عسكرية في المنطقة، إضافة إلى تعزيز نقاط الاحتلال الأميركي ومواقع تمركزه في محيط حقول النفط، ضمان استمرار عمليات السرقة والنهب للثروات السورية وتأمين الطرق التي تستخدمها بعمليات السرقة من خلال المعابر غير الشرعية التي أحدثتها لهذه الغاية في ريف الحسكة الشرقي”.

وباشرت القوات الأميركية، نهاية يناير/كانون الثاني من العام الجاري، إنشاء قاعدة لها قرب تل علو في منطقة اليعربية بريف الحسكة الشرقي، سبقها بأسبوعين إنشاء مطار عسكري تابع لقاعدتها في منطقة حقل العمر النفطي بريف دير الزور الشرقي، شرقي سورية.

وقد أشار المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش” واين ماروتو، في تغريدة له نشرها على حسابه عبر “تويتر”، الأسبوع الماضي، إلى أنّ “شركاءهم في سورية والعراق نفذوا، بدعم من التحالف الدولي، 33 عملية عسكرية ضد التنظيم الإرهابي في سورية والعراق خلال الشهر الحالي”.

جاء ذلك الإعلان عقب مقتل قياديين من التنظيم، من بينهم أمني وأمير قاطع البادية السورية في دير الزور، في 12 فبراير/ شباط الجاري، إثر غارة نفذتها طائرة مُسيرة تابعة للتحالف الدولي، استهدفت سيارة تستقلها مجموعة من قيادات “داعش” في منطقة الروضة ضمن بادية ناحية الصور، في الريف الشمالي لمحافظة دير الزور، الواقعة ضمن سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، والتي تحوي وجوداً أميركياً.

وكان التحالف الدولي بقيادة واشنطن وحليفته “قسد” قد أعلنا القضاء على التنظيم في آخر جيب له في سورية، بعد الهجوم الواسع على بلدة الباغوز، شرقي دير الزور، في مارس/ آذار 2019، ولكن يبدو أنّ التحالف الدولي بات يتسلم زمام المبادرة من جديد لملاحقة التنظيم في سورية، إثر تعاظم نشاطه منذ منتصف العام الماضي عبر خلاياه المنتشرة في البادية، والتي نفذت منذ ذلك الحين عشرات العمليات الخاطفة والسريعة التي استهدفت قوافل ونقاطاً وأرتالاً لعديد من الأطراف التي تسيطر على البادية، إلى جانب ظهور التنظيم وقياداته في مناطق السيطرة الكردية، التي تشهد انتشاراً أميركياً.

العربي الجديد

———————————

===================

تحديث 20 شباط 2021

————————

ماذا سيفعل بايدن؟/ ميشيل كيلو

أعترف أنه لا معلومات لدي عمّا سيفعله الرئيس بايدن بشأن سورية، وأن الجهل بنواياه وخططه يشمل اليوم معظم من يدّعون المعرفة به وبما سيفعله، من الذين يتحدّثون وكأنهم أعضاء في إدارته، يشاركون في اجتماعاتها ويعرفون أسرارها، مع أنهم ليسوا غالبا من أصدقائنا الأميركيين/ السوريين، الأقدر على تخمين وتوقع ما قد يفعله، أو يدور في خلد مساعديه. لكنني أعرف أن بايدن ليس في عجلة من أمره، لثقته بنفوذ واشنطن وحضورها في سورية وحولها، وبأن جيش بلاده يستطيع تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر، انطلاقا من قواعده السورية، وتلك المتناثرة بكثافة في العالم، والتي يمنحه دورها ما يريد من وقت للتفكير بما عليه اتخاذه من خطوات، ولا سيما أن مصالحه السورية مضمونة تماما، وليس هناك من يمكنه تحدّيها أو تقليصها، فهي حصة نهائية، فلماذا يتعجّل ويجعل للمسألة السورية أولوية على القضايا الأخرى التي لا يسعه تجميدها كالقضية السورية، بما أنها تستدعي تدخلا عاجلا منه.

تُمسك واشنطن بأوراق الحل السوري الذي أعتقد أنها قرّرت تجميده إلى زمان يعرفه دهاقنتها المتحكّمون، بهذه الدرجة أو تلك، بمواقف من ترابط جيوشهم في بلادنا، وخصوصا منهم إيران، الجهة التي يكيل لها محتل الأرض السورية الآخر، إسرائيل، ضرباتٍ متتابعةً قد يكون بين أهدافها منع إيران من ممارسة دور متفوق على دور روسيا السوري، والإعداد للضربة الأكبر، في حال قرّرت واشنطن إخراجها من مستعمرتها الأسدية بالقوة، بموافقة موسكو، الحائرة بسبب قلة خبرتها في المجال الدولي، وفشل استئثارها بسورية، والذي تحدّى قدراتها، فأخفقت في بلوغ الهدف الذي حدّده الرئيس بوتين لغزوها، ويتلخص في الانفراد بموقعها الاستراتيجي، وتحويله إلى منطقة عبور تستعيد، انطلاقا منها، ما كان للسوفييت من حضور ونفوذ في الوطن العربي، وها هي تجد نفسها عالقةً بين خطوط واشنطن وطهران وإسطنبول وتل أبيب والأسد الحمراء، وعازفة، أو عاجزة، عن تصحيح غلطةٍ خطيرةٍ جسّدها دفاعها عن عصابة أسدية حاكمة، يرفضها شعبها، وشنّها حربا ظالمة عليه، مع أنه لم يكن يوما عدوا لها، أو يستخف بعلاقاته معها، كما فعل النظام الأسدي في مناسبات عديدة، منها غزوه لبنان بطلب من واشنطن وتل أبيب، والقتال إلى جانب الجيش الأميركي الذي دمر العراق وأسقط نظامه، وتقاسمه مع إيران!

جمدت واشنطن الوضع السوري، واستخفت بـ”انتصار” موسكو التي رفضت القرارات الدولية بشأن الحل السياسي في سورية، لاعتقادها أن فوزها بالغنيمة السورية يتطلّب رفضه تطبيقها، وها هي تجد نفسها عاجزةً عن إكمال الحسم العسكري، وأعجز من عاجزة عن الانفراد بحل سياسي، كثيرا ما حلم الرئيس بوتين به، بينما يُمسك صاحب البيت الأبيض أوراق الحل، وينظر بارتياح إلى الغارق في ما سماه جيمس جيفري، ممثل مكتب الأمن القومي الأميركي السابق في سورية، “المستنقع السوري”، ويتابع بارتياح فشل غريمه الروسي في القضاء على السلاح الذي يقاتل غاصب السلطة في دمشق، كما كان قد وعد مرارا وتكرارا، وتقليص حضور إيران في سورية، بينما خرج صفر اليدين سياسيا من تفاهمه العسكري مع واشنطن، وأخفق، أخيرا، في تدبير رؤوس أموال تمكّنه من إعادة إعمار سورية وابتلاعها وثرواتها، أو إيقاف عميله بشار ولو على ركبتيه، ومنعه من اللعب بورقة طهران، ضده. ليس بايدن مستعجلا على إخراج بوتين من المستنقع، أو على حل مشكلاته مع تركيا وإيران. ولذلك، ليس مستعجلا على حل.

هل هذا ما يفكر ساكن البيت الأبيض الجديد به؟ أعتقد أن هذا ما يجب أن يستنتجه كل من يتأمل كيف تحاصص الغزاة سورية، قبل الحل، وكيف أجلوه بدورهم، لأنه يرجّح أن يكون موضوع نزاع بينهم. ترى، لماذا يجعل بايدن الحل من أولوياته، في ظروف مريحة له كهذه؟

العربي الجديد

————————-

هل تتصادم السياسات الأميركية والإسرائيلية في عهد بايدن؟/ حسن نافعة

قد يبدو السؤال مستغربا أو حتى مستهجنا، خصوصا لدى القارئ المتابع والمدرك لحقيقة العلاقات الأميركية الإسرائيلية التي كانت وما تزال تشكل استثناء يخرج عن النمط المألوف في تاريخ العلاقات الدولية، فهناك ما يشبه الإجماع على أن للعلاقات الأميركية الإسرائيلية خصوصية تميزها عن كل أنواع العلاقات الدولية الثنائية. بل إن بعضهم يرى أن من الخطأ أصلا اعتبار العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل جزءا من علاقاتها الدولية أو سياستها الخارجية، لأن الأصح، من وجهة نظرهم، اعتبارها من قبيل العلاقات الداخلية التي تربط بين الحكومة الفيدرالية في واشنطن وحكومة أية ولاية أميركية أخرى. وقد بات من المسلم به أن الولايات المتحدة الأميركية، أيا كان شكل الإدارة التي تقودها، لا تتعامل مع حكومة إسرائيل باعتبارها حكومة تمثل دولة أجنبية، وإنما باعتبارها جزءا من المجتمع الأميركي نفسه. ومع ذلك، يُظهر الفحص الموضوعي المجرّد للمسار التاريخي للعلاقات الأميركية الإسرائيلية بجلاء أنه لا يخلو من منعطفاتٍ تشهد تباينا شديدا في المصالح بين البلدين، وبالتالي تباينا أيضا في زوايا الرؤية للأمور ذات الاهتمام المشترك، يمكن أن يصل، أحيانا، إلى حد التناقض أو حتى الصدام. وأذكّر القارئ هنا بواقعتين تؤكّدان هذا المعنى:

الأولى: جرت عام 1956، حين تواطأت إسرائيل مع كل من فرنسا وبريطانيا لارتكاب جريمة العدوان الثلاثي على مصر، ولأن هذا التواطؤ تم من وراء ظهر الولايات المتحدة، وفي وقت كانت فيه الأخيرة تخطط لوراثة الاستعمار التقليدي في منطقة الشرق الأوسط، ولتطويق الاتحاد السوفييتي بسلسلة من الأحلاف العسكرية، فقد انتهزت الفرصة للوقوف في وجه العدوان، ولم تتردّد في ممارسة ضغوط مكثفة على إسرائيل، لحملها على الانسحاب من سيناء، وهو ما تم بالفعل، على الرغم من أن إسرائيل كانت قد أعلنت، بالفعل، عن ضم سيناء إليها.

الثانية: جرت عام 1991. حين تمنّعت إسرائيل عن قبول دعوة للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام. ولأن الولايات المتحدة بدت، في ذلك الوقت، حريصة على الوفاء بوعد كانت قد قطعته على نفسها بالدعوة إلى مؤتمر دولي يعالج قضايا الصراع العربي الإسرائيلي دفعة واحدة، خصوصا بعد قبول مصر وإسرائيل المشاركة في التحالف الدولي الذي قادته لتحرير الكويت، فإنها لم تتردّد وقتها في ممارسة ضغوط مكثفة على إسرائيل، وصلت إلى حد التهديد بإلغاء ضمانات قروض بمليارات الدولارات، وذلك لحملها على المشاركة في المؤتمر، وهو ما تم بالفعل.

اليوم، وبعد خروج ترامب من البيت الأبيض ودخول جو بايدن، يبدو أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تتجه نحو الدخول في مرحلة جديدة من تناقض المصالح والأهداف. صحيحٌ أن بايدن صديق قديم لإسرائيل ولنتنياهو شخصيا، بل لم يتردد في أن يصف نفسه بـ”الصهيوني”، انطلاقا من قناعته بأنه ليس من الضروري أن يكون الانسان إسرائيليا كي يصبح صهيونيا، غير أن علينا، في الوقت نفسه، ألا نغفل أن نظرته إلى إسرائيل تختلف اختلافا كبيرا عن نظرة ترامب وحاشيته، فمن الواضح أن نظرة الأخير كانت مدفوعةً باعتبارات يغلب عليها الطابع العقائدي أو الديني، بينما يغلب على نظرة بايدن الطابع السياسي البراغماتي. من هنا قناعتي بأن السياسات الأميركية والإسرائيلية في عهد بايدن ستتابين تباينا كبيرا حول عدد من الملفات، أهمها الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، والملف الخاص بالصراع العربي الإسرائيلي. ولا أستبعد أن يصل التباين إلى حد التناقض الذي قد يتطوّر إلى صدام، خصوصا إذا تمكّن نتنياهو من الاحتفاظ بمقعده رئيسا للوزراء، عقب الانتخابات التشريعية المقرر أن تجرى خلال الشهر المقبل (مارس/ آذار).

للتباين في الموقفين، الأميركي والإسرائيلي، بشأن كيفية معالجة أزمة البرنامج النووي الإيراني، جذور عميقة، تعود إلى اختلاف رؤيتي واشنطن وتل أبيب إلى كيفية التعامل مع النظام الذي استقر في إيران عقب نجاح ثورتها الإسلامية في نهاية سبعينيات القرن الماضي. صحيحُ أنهما يشتركان معا في كراهيتهما النظام، وينسقان معا لزعزعة استقراره، بل ويسعيان لإطاحته، غير أن الوضع الجيوسياسي يفرض على كليهما التعامل معه من منطلقاتٍ مختلفة، فبينما تتعامل معه الولايات المتحدة بمنطق الدولة العظمى، ذات المصالح الكونية التي ينبغي أن تحرص عليها، تتعامل معه إسرائيل باعتباره تهديدا وجوديا، فهي لم تنس أبدا أنه النظام الذي أزاح الشاه، أهم حليف لها في المنطقة، وطرد السفير الإسرائيلي من طهران، وحوّل مقر إقامته إلى سفارة فلسطينية، بل وجعل من إيران دولة تقود محورا إقليميا لمقاومة المشروع الإسرائيلي في المنطقة. ولأن إسرائيل ترى أن محور المقاومة الذي تقوده إيران يشكل العقبة الرئيسية التي تحول دون تمكينها من فرض شروطها للتسوية وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، فمن الطبيعي أن ترى في النظام الإيراني تهديدا وجوديا غير قابل للتفاهم معه. لذا، يمكن القول إن الخلاف بين إسرائيل وإيران لا يعود فقط إلى البرنامج النووي الإيراني، وإنما يعود أساسا إلى رفض النظام الإيراني الحالي كل ما تمثله إسرائيل في المنطقة.

في سياقٍ كهذا، ومع تراكم مظاهر الفشل في إطاحة النظام الإيراني، أو الحدّ من تمدّد نفوذه في المنطقة، من الطبيعي أن تسعى إسرائيل دائما إلى توسيع الفجوة بين النظامين، الإيراني والأميركي. ولأن هذه المساعي وصلت، في عهد الرئيس أوباما، إلى طريقٍ مسدود، خصوصا حين أقدم أوباما مع مجموعة 5+1 على إبرام صفقةٍ حول البرنامج النووي الإيراني في إبريل/ نيسان عام 2015، فقد كان من الطبيعي أن تلقي إسرائيل بكل ثقلها لإجهاض هذه الصفقة، وللحيلوله دون إتمامها. بل لقد وصل الأمر إلى حد إقدام نتنياهو على تحدّي الرئيس أوباما في عقر داره، ولم يتردّد في مهاجمته، في خطابٍ ألقاه أمام الكونغرس بمجلسيه، في مارس/ آذار 2015. وحين خسر نتنياهو الجولة، بدأ يراهن على ترامب الذي وعد في حملته الانتخابية بالانسحاب من الاتفاق. لذا حين فاز ترامب، وانسحب فعلا من الاتفاق النووي، وراح يتبنّى سياسة العقوبات القصوى في مواجهة إيران، أحس نتنياهو بالنشوة والنصر، وعادت السياسة الأميركية لتتطابق من جديد مع السياسة الإسرائيلية، غير أن صمود إيران في وجه العقوبات الأميركية، من ناحية، ورحيل ترامب من البيت الأبيض بعد فترة ولاية واحدة، من ناحية ثانية، شكلا انتكاسة جديدة لنتنياهو، وقلبا مفردات المعادلة من جديد. ولأن إدارة جو بايدن تعدّ، بشكل أو بآخر، امتدادا لإدارة أوباما، يتوقع أن تعود العلاقات الأميركية الإسرائيلية إلى النقطة التي كانت عندها قبيل رحيل أوباما من البيت الأبيض، وهي نقطة تقترب تدريجيا من احتمالات الصدام.

يبدو الأمر مختلفا حول ملف الصراع العربي الإسرائيلي، ففي الظاهر تبدو مساحة التباين بين السياسيتين، الأميركية والإسرائيلية، حول طريقة إدارة هذا الملف أقل وضوحا وأضيق نطاقا، غير أن الأمور تبطن بأكثر مما تفصح، فمن المعروف أن نتنياهو صفق طويلا لترامب، حين طرح الأخير “صفقة القرن” التي حصل بموجبها على اعتراف أميركي بسيطرة إسرائيل على القدس موحدة، وتم نقل السفارة الأميركية إليها بالفعل، كما حصل على اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان السورية، وبحق إسرائيل في ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة ومنطقة غور الأردن. ثم عاد نتنياهو، وصفق أكثر لترامب، حين بدأ الأخير يمارس ضغوطا هائلة على السلطة الفلسطينية لتقبل “صفقة القرن”، وحين راح يمارس ضغوطا مماثلة على الدول العربية، لكي تشرع في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، من دون انتظار للانسحاب أو لوفاء إسرائيل بالتزاماتها تجاه الحقوق الفلسطينية. لذا كان من الطبيعي أن يمثّل سقوط ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية صدمة شديدة لنتنياهو، لأن هذا السقوط أحال أغلب المكتسبات الإسرائيلية إلى مجرد حبر على ورق.

صحيحٌ أن بايدن ليس في وضع يمكنه من إعادة النظر في قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وليس أمامه سوى الترحيب بخطوات التطبيع التي تمت مع بعض الدول العربية، وربما يشجع آخرين على الانضمام إليها، غير أنه لن يستطيع، سياسيا أو أخلاقيا، تقديم شيك على بياض لإسرائيل كما فعل ترامب. لذا، لن يكون بمقدور نتنياهو، حتى لو فاز في الانتخابات المقبلة، ضم المستوطنات أو غور الأردن أو مواصلة عملية الاستيطان بالوتيرة القديمة نفسها. وربما يكون من المفيد هنا أن نذكر بقرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يدين الاستيطان ويحرّمه، وقد اتخذ في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، أي قبل أيام قليلة من انتهاء فترة الولاية الثانية لأوباما الذي رفض استخدام حق النقض (الفيتو) للحيلولة دون صدوره، وليس من المستبعد أبدا أن يستخدم جو بايدن هذا القرار أداة للضغط على نتنياهو.

مما تقدّم سوف يجد جو بايدن نفسه في موقفٍ لا يحسد عليه، فهو مطالب، من ناحية، بالعودة إلى الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، لكن إسرائيل لا تريده أن يفعل، وسوف تقاوم خططه للعودة بكل ضراوة. وهو مطالبٌ، من ناحية ثانية، بالعمل على إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على أساس الالتزام بحل الدولتين، بدلا من صفقة القرن، لكن إسرائيل لا تريده أن يفعل، وسوف تقاوم خططه على هذا الصعيد أيضا بكل ضراوة. والخيارات المتاحة أمام بايدن ليست كثيرة. ففي كلتا الحالتين، ولكي يثبت مصداقيته السياسية والأخلاقية وحرصه الحقيقي على أن يستعيد للولايات المتحدة هيبتها المفقودة في كل العالم، عليه أن يكبح جماح إسرائيل. بعبارة أخرى، بات على بايدن أن يدرك أنه لن يكون في مقدوره ممارسة سياسية خارجية أميركية مختلفة عن التي مارسها ترامب. وفي مقدوره إعادة إسرائيل إلى حجمها الحقيقي، وتحويلها دولة عادية راغبة في صنع سلام حقيقي مع جيرانها، فهل يستطيع جو بايدن، بل هل يجرؤ؟

العربي الجديد

————————–

تنافس أميركي ـ روسي في شمال شرقي سورية/ عماد كركص

يعود التنافس الروسي ـ الأميركي ليخيّم على المشهد في شمال شرقي سورية، تحديداً عند مثلث الحدود السورية – العراقية – التركية هذه المرة، بعد حركة تعزيزات ملحوظة ومستمرة لقوات الطرفين هناك. ويتذرع الأميركيون لتقوية نفوذهم في تلك المنطقة بعودة نشاط تنظيم “داعش” للتفاقم في البادية السورية، وأحياناً في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حليفة واشنطن. ومع تعزيز واشنطن وجودها، دخل الروس السباق، مع تعاظم حركة الأرتال الروسية من الغرب، تحديداً من القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، نحو الشرق. وفي موازاة ذلك، تعمد موسكو لاستمالة الأكراد هناك من أجل تدعيم نفوذها، ومحاولة عدم تثبيت الهيمنة الأميركية على الشرق، ومكامن الثروة النفطية والزراعية.

وعمدت روسيا أخيراً إلى بدء تعزيز قاعدتها في مطار مدينة القامشلي، شمالي الحسكة، بشكل دوري بالجنود والمدرعات العسكرية، وباتت ترسل إليها براً شاحنات تقل أسلحة وذخيرة، عادة يكون مصدرها القاعدة العسكرية الروسية في حميميم. ومن القاعدة في المطار، تمد القوات الروسية نقاطها الموجودة في كل من تل تمر وعامودا بالتعزيزات. مع العلم أن 200 جندي روسي مع شحنات كبيرة من العتاد والذخيرة، وصلوا في منتصف الشهر الماضي إلى مطار القامشلي، من قاعدة حميميم. وهي أكبر التعزيزات التي أرسلتها روسيا إلى القاعدة في الآونة الأخيرة.

ومع نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، بدأت القوات الروسية بالانتشار في نقاط جديدة، لا سيما عند المثلث الحدودي مع تركيا والعراق، في منطقة يمر فيها نهر دجلة، الذي يمتد فوقه الجسر الروماني، بالإضافة لمعبر نهي بين إقليم كردستان العراق وسورية، ويعد الشريان للحركة التجارية والطبيعية، ورافداً أساسياً لتحريك عجلة الاقتصاد في مناطق “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قسد”. وهذا ما يشكل هاجساً دائماً لدى النظام والروس للسيطرة على هذه المنطقة التابعة إدارياً لناحية المالكية، فضلاً عن قربها من منابع وحقول النفط والغاز.

ولتحقيق ذلك، سعت روسيا عبر الضغط على “قسد” و”الإدارة الذاتية”، لفرض وجود حرس حدود تابع لقوات النظام، ونشر نقاط لهم على امتداد الحدود مع تركيا. وفي ما بعد حاولت روسيا التمدد عند مثلث الحدود، ما جعل القوات الأميركية تسعى لمجابهة هذا التمدد عبر اعتراض الدوريات الروسية بدوريات أميركية أو أخرى تابعة لـ”الإدارة الذاتية”، فيما لا تزال الدوريات الروسية مستمرة بالتحرك لفرض الوجود الروسي، وصولاً إلى بلدة عين ديوار عند تقاطع المثلث الحدودي.

أمام ذلك، تسعى القوات الأميركية للجم التمدد الروسي العسكري بشكل غير مباشر، منعاً للاحتكاك ومن ثم الاشتباك. ويبدو أن واشنطن ارتأت زيادة حجم قواتها ونشر قواعد إضافية لها في المنطقة، إذ ازدادت حركة التعزيزات والأرتال عبر معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراق، كان آخرها دخول 60 عربة محمّلة بالذخائر منذ أيام، بالإضافة للعربات العسكرية وشاحنات تحمل معدات لوجستية وتقنية متطورة، عدا عن الدعم الجوي المباشر إلى جنوب الحسكة. وعمدت تلك القوات لتثبيت قواعدها ونقاطها القديمة، وإنشاء نقاط وقواعد ومهابط طائرات حديثة، فعلى بُعد كيلومترين من عين ديوار، ثبّتت القوات الأميركية قاعدة جديدة دعمتها بكثير من الجنود والمعدات وأنشأت فيها مهبطاً للطائرات المروحية. والقاعدة هي الثانية من نوعها التي تنشئها القوات الأميركية خلال أقل من شهر، إذ أقامت، نهاية الشهر الماضي، قاعدة عسكرية قرب تل علو في منطقة اليعربية بريف الحسكة الشرقي.

وحول ذلك، رأى القيادي في المعارضة السورية، المحلل العسكري العميد فاتح حسون، أن “روسيا المتحكمة بنظام الأسد والقائمة بأعماله نيابة عنه، عملت على تهدئة منطقة إدلب بالتوافق مع تركيا، ليس عن طيب خاطر، بل بضغط فاعل من تركيا في ملفات عدة، كان آخرها ملف ناغورنو كاراباخ، ولكي تركز على مناطق جديدة خارج سيطرة نظام الأسد، منها منطقة شمال شرقي سورية”. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “انتقال روسيا لتعزيز وجودها شمال شرقي الفرات بإرسال المزيد من القوات والمعدات، تسعى من خلاله إلى تحقيق نفوذ عسكري لها بهذه المنطقة يفتح قناة تواصل مع خصمها أميركا، حتى لو أثار ذلك حفيظة الإدارة الجديدة التي تنظر إلى روسيا بدورها على أنها أكثر من خصم”. ولفت إلى أن “روسيا حاولت سابقاً في شمال شرق سورية اختبار إرادة الإدارة الأميركية زمن دونالد ترامب، بإرسال مرتزقتها ضمن شركة فاغنر للهجوم على حقول البترول التي تتمتع بحماية أميركية، فوجدت أن الرد كان عنيفاً جداً، فاستكانت. وهي حالياً تعيد الكرّة مع الإدارة الأميركية الجديدة لاختبارها، ويبدو أنها ستستكين لاحقاً”.

وأشار حسون إلى أن “الإدارة الأميركية الجديدة اختلفت بطريقة التعاطي مع الخطر المتشكل على الجنود الأميركيين عن سابقتها، ففي العراق مثلاً، بدلاً من الانسحاب تقوم بتعزيز قواتها. ويبدو أن هذا السيناريو سيتكرر في سورية، مع إنشائها قاعدتين عسكريتين جديدتين في مناطق نفوذها”. وأوضح أنه “في ظل الصراع على المصالح الدولية، وعدم جعل السوريين يختارون مصيرهم بأنفسهم، ستكون منطقة شمال شرق الفرات ساحة صراع مستقبلي”.

وخلافاً للرأي السائد، رأى رئيس “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة”، التابعة للمعارضة، مضر حماد الأسعد، أن هناك تفاهماً روسياً أميركياً حيال شرق وشمال سورية، ومنطقة الجزيرة السورية بالعموم. وأوضح في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “واشنطن تحاول تثبيت أقدامها بقوة هناك، لكنها أيضاً تفسح المجال للروس ليكون لهم دور في شرق سورية لمواجهة تركيا، وذلك للحد من دعم تركيا لقوات المعارضة ومواجهة القوات الكردية الحليفة لواشنطن التي تسعى لإقامة كانتون أو ممر إرهابي في شمال وشرق سورية”. وأشار الأسعد إلى أن “روسيا لا يمكن أن تتحرك شرقي البلاد إلا من خلال الضوء الأخضر والموافقة الأميركية”. وتكمن الاستفادة الأميركية من ذلك، بحسب تعبيره، في أن “واشنطن تدفع بروسيا لمواجهة الأخطار عوضاً عنها، من التمدد الإيراني في الشرق، إلى طموح المعارضة السورية المدعومة من تركيا بدحر قسد، بالإضافة للسيطرة الأميركية على قسد من خلال القوات الروسية، وكي لا تتحمل واشنطن وزر تجاوزات قسد بمفردها، أو تتنصل منها بشكل كامل”.

وكشف الأسعد، الذي يشغل أيضاً منصب المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية، أن “روسيا التقت أخيراً مع عدد من شيوخ العشائر العربية في القامشلي، شمالي الحسكة، بهدف تشكيل مليشيات عسكرية جديدة في الحسكة، مهمتها مواجهة التغلغل الإيراني، وكبح جماح قسد”. وأشارت مصادر، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن ضابطاً أميركياً أخبر سكان بلدة دير الغصن بريف الحسكة، وذلك خلال تسيير دورية أميركية هناك، بأن الوجود الأميركي هدفه الرئيس منع التمدد التركي والروسي في مناطقهم، وذلك بعد شكاوى السكان لقائد الدورية من أن الوجود التركي والروسي يمنعهم من متابعة أعمالهم في الزراعة، الأمر الذي يفتح الباب أمام حركة تنافس متشابكة ومعقدة، قد تزداد حدتها في الأيام المقبلة.

العربي الجديد

——————————

“النّووي الإيراني”… إغراءات تاريخيّة وإجراءات جيوسياسيّة/ هادي جان بوشعيا

“إذا لم ينفّذ الآخرون التزاماتهم بحلول 21 من الشهر الجاري، ستضطر حكومة إيران لتعليق التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي”. بهذه الكلمات جدّدت الخارجية الإيرانية تهديداتها لأطراف الاتفاق، وتحديداً واشنطن التي خرجت منه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ولا تزال في عهد الرئيس الجديد جو بايدن تخطو ببطء نحو العودة. مآلات التصعيد في الملف النووي الإيراني تزداد تشابكاً والطرفان المعنيّان مباشرة تراهما يترقّبان بعضهما الآخر للتنازل في النهاية.

في الواقع، وحسبما يرى أحد الدبلوماسيين الإيرانيين السابقين،باتت إيران ملزمة الآن تنفيذ مقررات البرلمان الإيراني عندما أكّد تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وإعادة إنتاج قلب المفاعل للماء الثقيل، وكذلك إلغاء البروتوكول الطوعي وليس الإلزامي الذي تطوعت به إيران لإثبات حسن نياتها والتعامل المنفتح مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن تفعيل أجهزة الطرد المركزي في مجمّع “فوردو” النووي.

في المقابل، بحسب ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2231 المبرم عام 2015 الذي يرعى الاتفاق النووي، وبناءً على ما جاء في المادتين 36 و37 أنه عندما تخرق أي دولة من الدول الموقعة على هذا الاتفاق، حينها يحقّ لإيران أن تتعامل بالمثل، وربما هذه هي الخطوة الأولى، إذ بات مؤكداً أنه بعد 21 شباط (فبراير) الحالي لن يُسمح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية بالدخول إلى منشآت إيران النووية.

شروط وشروط مضادة

إزاء ذلك، تفيد وجهة نظر واشنطن بأن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن أنه سينتهج سياسة الدبلوماسية القصوى، ونذكّر هنا بمقالته التي كتبها في صحيفة “فورين أفيرز” Foreign Affairs العام الماضي، حين أعلن استعداده المطلق للعودة إلى الاتفاق أو بمعنى أدق إلى التفاوض، ولكن شرط أن يتم التفاوض من جديد، نظراً الى دخول العديد من القضايا الأمنية الإقليمية التي استجدت، وبات، نتيجة تضارب المصالح، إقحامها أساسيًّا في هذا الملف، بعدما تم إقصاؤها عام 2015.

ويتساءل بعض المراقبين: لماذا يضع بايدن هذه الشروط وهو أحد أكبر مهندسي الاتفاق النووي عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، فضلاً عن تعيينه روبرت مالي مستشار السياسة الخارجية السابق بإدارة أوباما، مبعوثاً خاصاً بالشأن الإيراني،  وزاد على ذلك اختياره للدبلوماسيين المخضرمين المشاركين في الاتفاق النووي في 2015، مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكين ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، الأمر الذي اعتُبر بياناً قويًّا يعبّر عن حسن النيات.

في الوقت نفسه، يدور في أميركا اليوم جدل واسع حول تهديد أمن إسرائيل، خصوصاً أن هناك من يعيب على إيران سلوكها، منذ عقد الاتفاق النووي، الذي يتهدّد أمن إسرائيل. ولعلّ اغتيال الجنرال قاسم سليماني أتى بمثابة ردّ أميركي مباشر على إيران، مفاده أن أي سوء تقدير لعزم الولايات المتحدة تجاه حماية إسرائيل تترتّب عليه تبعات مؤلمة.

دعوات مشروطة

في المقلب الآخر، تشير وجهة النظر الإيرانية إلى أن هناك فرقاً شاسعاً في ما يتعلّق بمعالجة المشكلة بين طهران وواشنطن، لناحية الخروج الأميركي الأحادي من الاتفاقية وفرض حد أقصى من العقوبات شكّلا انتهاكاً قانونيًّا فاضحاً بحسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. بالإضافة إلى قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، مطلع الشهر الجاري، الذي صبّ في مصلحة الإيرانيين، بعدما رفعت إيران إليها شكوى في 2018 حول الخروج الأحادي الأميركي وفرض عقوبات اقتصادية بلغت حدودها القصوى، ما اعتبره الإيرانيون نصراً تاريخيًّا لهم.

وتكشف أوساط إيرانية عن رغبتها في معالجة الملف النووي ورفضها زجّ ملفات أخرى مثل الصواريخ البالستية وأمن إسرائيل وقضايا حقوق الإنسان وكل ما يتعلّق بحضور إيران في المنطقة. وترى أنه يجب على بايدن، إذا ما توافرت النيات الحسنة للعودة إلى الاتفاق، رفع العقوبات والرجوع إلى طاولة المفاوضات.

ويؤكد الجانب الإيراني أن الموضوع دخل في متاهات “البازارات” السياسية ولم يتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام، سواء من جانب الولايات المتحدة أم الاتحاد الأوروبي، وتحديداً فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

 طموحات دفينة

نظرة تاريخية قد تغيب عن ذاكرة كثيرين وهي عهد الشاه الإيراني في السابق والذي يمثّل العهد الأول للبرنامج النووي الإيراني، إذ كانت الولايات المتحدة الأميركية من وضعت اللبنة الأولى للبرنامج النووي الإيراني الذي تحاول الآن إيقافه بأي ثمن!

لعلّ استخدام الأميركيين القنابل النووية للمرة الأولى في اليابان، خطوة ساهمت في وضع حدٍّ لحرب عالمية طاحنة أودت بملايين الأرواح، وشكّلت منعرجاً أرادوا بعدها نشر هذه القوة الفتّاكة في العالم، لكن على شكل طاقة للأغراض السلمية من خلال برنامج الذرة من أجل السلام. وللمفارقة كانت إيران من أوائل الدول التي شملها هذا البرنامج.

ففي عهد الشاه علي رضا بهلوي، حصل الإيرانيون على مساعدة الأميركيين في إطلاق برنامجهم النووي عام 1957. وتمكّنوا في السنوات اللاحقة من إنهاء بناء أوّل مفاعل نووي في بوشهر عام 1978.

لكن قيام الثورة الإسلامية بقيادة الخميني وإطاحة الشاه أطاحا أيضاً حلم إيران في دخول نادي القوى النووية. حتى الخميني نفسه أفتى بتحريم السلاح النووي. لكن في خضم الحرب مع العراق أعاد الإيرانيون حساباتهم وأحيوا فكرة برنامج نووي خاص بهم، بل حصلوا على مساعدة صينية وروسية في تسعينات القرن الماضي.

مارست الولايات المتحدة ضغوطاً قصوى على كل من يتعامل مع إيران، معتبرةً أن المفاعل النووي في بوشهر هي من تمتلكه ويعود إليها الحق في الخروج من الاتفاق متى شاءت، بعدما هددت الألمان الذي كانوا أوّل المبادرين تجاه إيران للمساعدة في تطوير المفاعل النووي، وتعرضت على إثرها لتهديدات أميركا، كذلك الأمر بالنسبة الى فرنسا التي أتت بعرض مشابه للعرض الألماني وباء بالفشل نتيجة الضغوط الأميركية، وأخيراً جاء اليابانيون الذين عرضوا فكرة الشراكة؛ إلا أن الأمر لاقى المصير ذاته لما تجرّعتاه كل من ألمانيا وفرنسا.

إجراءات جيوسياسية

وبعد الألفية الثانية، وخصوصاً بعد تولي محمود أحمدي نجاد الرئاسة في إيران، بدأ البرنامج النووي الإيراني يثير انتقادات دولية واتهامات لطهران بسعيها الى امتلاك سلاح نووي، خصوصاً مع بدء إيران آنذاك تخصيب اليورانيوم، ما أدخلها في مواجهة مع قوى غربية على رأسها الولايات المتحدة. حتى وإن لم تتحوّل إلى مواجهة عسكرية فعلية، بل والتوصّل إلى نزع فتيلها في مرحلة ما.

عادت التوترات مجدداً، ولكن بعدما أصبح لإيران مفاعلات نووية تعمل، بل أصبحت باعترافها قادرةً على تخصيب ما يكفي من اليورانيوم ليضعها في الطريق الصحيح لإنتاج قنابل نووية كما يقول منتقدوها.

فهل أيقظ الأميركيون في الإيرانيين رغبة امتلاك النووي ذات يوم لتنقلب ضدّهم الآن؟!

في الختام، كان الهدف خلف هذه المقاربة التاريخية، تظهير وجهات النظر الأميركية المتقلّبة، بغض النظر عن أداء إيران، إذ باستطاعتها إقناع العالم، وتحديداً حلفاءها، لاعتبارات ومصالح اقتصادية وسياسية وجيوسياسية، بحقوق إيران أو سواها بامتلاك النووي من عدمه، سواء لأهداف سلمية أم لتطوير سلاح نووي، بما يتناسب وخريطة توجّهاتها في المنطقة، وبما يتماشى ومصالح إسرائيل الطفل المدلّل للدولة الأميركية العميقة، أيًّا كان الرئيس الذي يدير دفّة الحكم.

النهار العربي

—————————–

كيف يرى الخبراء سياسة بايدن “الناعمة” تجاه إيران؟/ كريم مجدي

وصف خبراء طريقة تعامل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع النظام الإيراني بالناعمة، بالمقارنة مع سياسة سلفه دونالد ترامب، والذي تبنى “سياسة الضغط القصوى” مع طهران، إلا أن آخرين أكدوا أن بقاء واشنطن خارج الاتفاق النووي من شأنه تعزيز دعم طهران للميليشيات والعمل على ضرب استقرار المنطقة.

وأعلنت إدارة بايدن الخميس موافقتها على دعوة أوروبية للمشاركة في محادثات تحضرها إيران، كما اتخذت خطوتين رمزيتين بتخفيف القيود المفروضة على تنقّلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك، وإبطال إجراءً اتّخذه ترامب وذلك عبر إقرارها رسمياً في مجلس الأمن بأن العقوبات الأممية التي رُفِعت بموجب الاتفاق لا تزال مرفوعة.

وكان التغيير في السياسة الأميركية تجاه طهران تعرض لانتقادات، صدر آخرها عن وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، الذي صرح لموقع “واشنطن فري بيكن” الأميركي، “إن (مرشد الثورة الإيرانية) آية الله لا يفهم سوى القوة. لقد قدت ردا على التهديد الإيراني، والذي حمى الشعب الأميركي من إرهابه ودعمت دولة إسرائيل”.

وفي تلميح بشأن موقف الإدارة الأميركية للسعي في بدء مفاوضات للعودة للاتفاق النووي مع إيران والدول الأوروبية، قال بومبيو “اعتماد نموذج التوافق الأوروبي، سيضمن لإيران طريقا إلى ترسانة نووية”.

وكان بومبيو قد علق لـ “فوكس نيوز” على سياسة بايدن تجاه إيران، في بداية هذا الأسبوع قائلا، “لا يمكننا العودة (للاتفاق النووي)، عندما يتحدث الرئيس بايدن عن العودة، لا يستطيع الشعب الأميركي العودة إلى تلك السياسات”.

واليوم الجمعة،  أكد بايدن أن على الولايات المتحدة العمل مع القوى الكبرى في العالم “للتعامل” مع أنشطة إيران “المزعزعة للاستقرار”.

وقال، أمام مؤتمر ميونيخ للأمن المنعقد عبر الإنترنت، إن إدارته “مستعدة لإعادة الانخراط في المفاوضات” مع مجلس الأمن الدولي بشأن برنامج طهران النووي، إلا أنه أضاف “علينا أن نتعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط. سنعمل مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم بينما نمضي قدما”.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد شجبت الهجوم الصاروخي الأخير، الذي استهدف، مساء الاثنين، قاعدة جوية في إقليم كردستان العراق وأسفر عن مقتل متعاقد مدني أجنبي وجرح خمسة آخرين بالإضافة إلى جندي أميركي، متعهّدة بـ”محاسبة المسؤولين عنه”.

وسبق أن استهدفت الميليشيات العراقية المرافق العسكرية والدبلوماسية الأميركية بعشرات الصواريخ والعبوات الناسفة منذ خريف العام 2019، وتركزت غالبية أعمال العنف تركّزت في العاصمة بغداد.

كما استهدفت ميليشيات إيران حلفاء لواشنطن، مثل السعودية، حيث ضرب مطار أبها الدولي عن طريق درون مفخخة أطلقها المتمردون الحوثيون في اليمن، ما أدى إلى اشتعال طائرة على أرض المطار.

Houthi soldiers walk past the closed U.S. embassya during a demonstration over its decision to designate the Houthis a foreign…

قرارات واشنطن بشأن اليمن.. ما هي خيارات السعودية؟

بعدما أعلنت الولايات المتحدة وقف دعمها لحرب اليمن التي تقودها السعودية والإمارات، تقف الرياض حائرة بين خيارين إما المضي قدما في الحرب، وإما التوقف وسط استمرار إصابة صواريخ جماعة الحوثيين اليمنية للأراضي السعودية.

وقبل ذلك أيضا، ادعت ميليشيا عراقية (على الأرجح موالية لإيران)مسؤولية هجوم في نهاية الشهر الماضي على العاصمة الرياض، أسفر عن وقوع أضرار طفيفة في مجمع ملكي مهم في الرياض.

اختلاف الردود

وكان رد الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس السابق، دونالد ترامب، يأتي دائما على هيئة عقوبات اقتصادية ضد مسؤولين وأفراد ميليشيات تابعة لإيران، مثل الحشد الشعبي في العراق.

بل وصل الأمر إلى قتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بغارة جوية أميركية قرب بغداد يوم 3 يناير 2020، وذلك ردا على استهداف ميليشيات عراقية لقاعدة “K-1” العراقية، بهجمة صاروخية أسفرت عن مقتل متعاقد مدني أميركي وإصابة جنود أميركيين في 27 ديسمبر 2019.

موقع الحرة حاور أربعة محللين سياسيين أميركيين، والذين قد اختلفوا بشأن أسباب موقف الولايات المتحدة في التهدئة مع إيران، وما إذا كان ذلك يصب في صالح الولايات المتحدة أم لا.

مدير السياسات بمركز “ديفنس بريوريتي” للأبحاث الأمنية، بنجامين فريدمان، يرى إدارة بايدن تدرك مصلحة الولايات المتحدة تكمن في كبح إيران من صنع أسلحة نووية، وهو ما قد تحققه صفقة العودة للاتفاق النووي.

وقال فريدمان لموقع قناة “الحرة”، “ما تفعله الميليشيات في العراق، والتي قد تحظى بمباركة إيران أو لا- لا يغير ذلك (قدرة إيران لامتلاك سلاح نووي). الهدف من الصفقة (مع إيران) ليس هدفه في المقام الأول معاقبة إيران أو مكافأتها، بل تحقيق هدف منع انتشار (السلاح النووي)”.

ويرى فريدمان أن بقاء الولايات المتحدة خارج الصفقة النووية سيؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث هذه الأنواع من الهجمات لثلاثة أسباب، أولها أن ترك الاتفاقية “أدى إلى زيادة العداء مع إيران وشجع القادة الأميركيين على إبقاء القوات في العراق”.

أما السبب الثاني في رأي فريدمان أن ترك الاتفاقية قد أدى إلى “إلى تعزيز الدعم للمتشددين في إيران، والذين يتوقون إلى دعم السياسات العدوانية. وثالثا، أن البقاء خارج الاتفاق قد يقطع الطريق أمام محادثات مستقبلية لمعالجة الأمور السابقة”.

لا زال الحوثيون مستمرين في الهجوم على السعودية رغم الخطوات الأميركية الرامية لتهدئة الوضع في اليمن

عبر التصعيد الحوثي ضد السعودية.. إيران تستغل المهادنة الأميركية لـ”أهداف نووية”

ويأتي التطور الأخيرة، رغم إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، دعم بلاده للحرب السعودية على اليمن، معلنا في نفس الوقت إيقاف شحنات أسلحة إلى السعودية، وعزم الولايات المتحدة على رفع اسم جماعة الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية.

الباحث الأميركي في شؤون الدفاع والأمن القومي بالجامعة الكاثوليكية بواشنطن، غيلمان بارندولار، يرى أن “بايدن يعتقد أن منع إيران من بناء أسلحة نووية هو المصلحة الأميركية العليا في هذا الأمر”.

وتابع بارندولار، أن “الاتفاق النووي مهما كان غير كامل، إلا أنه استطاع أن يسير في الطريق الصحيح. أما بخصوص الصواريخ الباليستية والميليشيات الإيرانية، فإنها قضايا شائكة للغاية، لكن استبعاد القضية النووية من على الطاولة ولو مؤقتا، أسهل بكثير من السعي وراء ‘صفقة كبرى’ مع إيران”.

“العودة لن تحل القضايا الكبرى”

على النقيض ترى الباحثة المتخصصة في الأسلحة النووية، بمركز الدفاع عن الديمقراطيات “FDD”، أندريا سترايكر، أن سبب سعي الولايات المتحدة للتفاوض مع إيران، هو أن فريق بايدن المكلف بالمباحثات النووية مع إيران، هو نفس فريق أوباما، والذي يميل إلى التهدئة.

وقالت سترايكر في حديث مع موقع “الحرة”، “إذا كان الموظفون يمثلون سياسة (الدولة)، فإن الكثيرين في إدارة بايدن، ممن عملوا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، يعتقدون أن المصالحة هي أفضل طريقة لخفض التوترات مع النظام في إيران”.

وفي رأي سترايكر، إن فريق بايدن مخطئ في أن العودة إلى الاتفاق النووي ستحل القضايا الإقليمية الكبرى الناجمة عن العدوان الإيراني، كما أن الإدارة مخطئة أيضا  بشأن إلغاء العقوبات وقيود التأشيرات على إيران، حيث سيفهم ذلك على أن الابتزاز النووي والهجمات على الأميركيين هي أفضل طريقة لإيران للحصول على تنازلات من جانب الولايات المتحدة.

وأضافت سترايكر، أن “بنود الاتفاق النووي ستنتهي بالفعل. وفي أقل من ثلاث سنوات، ستكون طهران قادرة على تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة، وشراء أنظمة صواريخ، وتنفيذ عمليات إطلاق صواريخ بعيدة من حظر الأمم المتحدة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تنظر إلى الاتفاق النووي لحل أي من هذه القضايا، وستتخلى أميركا عن تأثير العقوبات اللازم للحصول على صفقة أفضل(مع إيران)”.

من جانبه، يرى الباحث السياسي الأميركي بمركز “نيو أميركا فاونداشن” للدراسات السياسية، جيرمي هودج، أن تخفيف التوتر من جانب إدارة بايدن مع إيران، يعود إلى دوافع “أيديولوجية”.

وقال هودج لموقع “الحرة”، إن “إدارة بايدن مثل إدارة أوباما، جامدة أيديولوجيا’”.

ومن هذا المنطلق، يرى هودج أنه “نظرا إلى أن إيران كان ينظر تقليديا لها كدولة معادية من قبل الولايات المتحدة، فإن هذا المنطق يفرض على الولايات المتحدة حاليا أن تكون أنعم مع إيران”.

وأوضح هودج رؤيته قائلا أن “هذا الدافع يتجاوز ما يراه الأميركيون والأجانب في أن يكون لصالح أميركا. بالنسبة لإدارة بايدن، فإن حماية المصالح الأميركية يأتي ثانيا بعد التشدد بعقيدته الأيديولوجية، والتي سيطرت على الإدارة في مجال السياسة الخارجية”.

وعن التطورات الأخيرة، قال هودج، “إن الهجمات التي وقعت في العراق ضد السفارة الأميركية وأهداف أخرى، على الرغم من اعتبارها محليا هامة، لكنها غير مهمة في نظر معظم الأميركيين، لا سيما عند مقارنتها بالحاجة إلى التمسك بالعقيدة الأيديولوجية للإدارة”.

الحرة

——————————-

المحادثات النووية تسابق الزمن..وواشنطن تتمسك بإثارة الدور الايراني الاقليمي

قال مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، قبيل وصوله إلى طهران السبت، إن زيارته لإيران تأتي من أجل إيجاد حل مقبول للطرفين يتفق مع القانون الإيراني. وأضاف في تغريدة، “ستواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنشطة التحقق الضرورية في إيران. على أمل النجاح الذي يفيد الجميع”.

وتأتي هذه الزيارة بالتزامن مع كشف دبلوماسيين أن مفتشي الوكالة الدولية عثروا على آثار يورانيوم في موقعين إيرانيين فتشتهما العام الماضي، بعد أشهر من المماطلة.

ونقلت وكالة “رويترز” عن الدبلوماسيين أن الوكالة تعتزم توبيخ طهران على إخفاقها في شرح سبب العثور على هذه الآثار في الموقعين.

وعُثر على المادة خلال تفتيش مفاجئ للوكالة في موقعين خلال شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر بعدما منعت إيران التفتيش ل7 أشهر.

وقال أربعة دبلوماسيين مطلعين على عمل الوكالة إن المادة المكتشفة في تلك العينات هي اليورانيوم، مشيرين إلى أن اليورانيوم المكتشف العام الماضي غير مخصب. وذكرت الوكالة أنها تشتبه في أن أحد الموقعين استُخدم لتحويل اليورانيوم، وهي خطوة تسبق التخصيب، بينما استخدم الآخر لإجراء تجارب تفجير.

وقال مسؤول إيراني كبير لوكالة “رويترز”: “ليس لدينا ما نخفيه. ولذلك سمحنا للمفتشين بزيارة الموقعين”.

ومن المتوقع أن تصدر الوكالة خلال أيام أيضا تقريرها ربع السنوي عن الأنشطة النووية الإيرانية.

وفي واشنطن أشار وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى أن “الولايات المتحدة وأوروبا لديهما مرة أخرى موقفاً مشتركاً بشأن إيران”.

وأضاف في مقابلة مع شبكة “بي بي سي” البريطانية، أن بلاده “ستبحث مع الحلفاء في قضايا أخرى، مثل النفوذ الإقليمي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية”.

واعتبر بلينكن أن سياسة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب المتمثلة في “الضغط الأقصى” على إيران كانت “غير فعالة، وقد أدت في الواقع إلى تفاقم المشكلة”. وقال: “إيران اليوم أقرب إلى إنتاج وقود يكفي لصنع أسلحة نووية”.

من جهته، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن واشنطن ستواصل إقناع الدول بالعدول عن بيع أسلحة لإيران. فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي إن الولايات المتحدة لا تخطط لرفع العقوبات المفروضة على إيران قبل الانضمام لمحادثات مع أوروبا بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن اشترط خلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، العودة إلى المحادثات مع إيران برعاية أوربية قبل الحديث عن رفع العقوبات. وقال إن إدارته مستعدة للتفاوض مع إيران حول الاتفاق النووي لكنه شدد على ضرورة التصدي لأنشطتها “المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط”.

المدن

————————

=====================

تحديث 23 شباط 2021

————————–

ملامح نظام إقليمي جديد/ ميشيل كيلو

يبدو أننا في الطريق إلى المرحلة التي لطالما تنبّأنا بها، بعد نضج “الفوضى الخلاقة”، وهي تذهب نحو رسم نظام عربي/ إقليمي جديد، تسارعت وتيرة تشكيله في الأشهر الأخيرة، عبر خطوتين ما كانتا متوقعتين:

أولاهما تبادل الاعتراف بين إسرائيل ودول عربية خليجية، وقد قُدّمت للرأي العام العربي والدولي كخطوة يقوم بها أتباع الدين الإبراهيمي الواحد لإقرار السلام بين بلدانهم، التي لم يسبق لها أن خاضت حروبًا أو شنّت عمليات حربية بين بعضها، وسرعان ما تبيّن أن خطوتها تتجاوز ما يُقام من علاقات بين دول متعادية/ متحاربة، لكن تبادل الاعتراف وتأسيس علاقات جديدة بينها، لا يُلزمها، على الرغم من أهميتها لإنهاء حالة الحرب ومسبّباتها، بما قامت به دول الخليج وإسرائيل من تقارب في سائر المجالات ليس من مستلزمات السلام، بالنظر إلى المسافة الجغرافية الواسعة التي تفصل المتسالمين، وعدم وجود سوابق حربية بينها، فلا عجب أن أدهشت متابعيها “الفورية” التي تخطت عبرها، خلال أيام قليلة، جميع أنواع الصلات الودّية، التي تقوم عادة بين دول صديقة، في حين يخبرنا التاريخ عن دول كانت متعادية/ متحاربة، أنها حين قررت تبادل الاعتراف لم تتجاوز علاقاتها التبادل الدبلوماسي، إلى إقامة مجالات اقتصادية، وأنشطة ثقافية وإعلامية/ فنية مشتركة، وخطط تعاون عسكري بين جيوش البلدان المعنية، بقي بعدها الجانب التنفيذي سريًّا، وإن تبيّن أنها نصّت على إجراء تدريبات عسكرية تشارك مختلف صنوف القوات فيها، فضلًا عن الاتفاق على قيام مناطق حرّة، يستثمرها الطرفان في مرافئ المتوسط الإسرائيلية والخليج العربية، وعن حفلات التغني المتبادل بالسلام، بالعربية والعبرية، وبإنكار هوية فلسطين العربية، وقول بعض الألسنة المستسلمة إن فلسطين هي إسرائيل، ولم يسبق لها أن وُجدت. بيد أن بعض الرسميين قالوا إن ما تم هو خدمة لفلسطين، وضد إسرائيل، والدليل أنها تتوقف عن ممارسة حقها في استيطان وضمّ الأراضي الفلسطينية. وقد صمت هؤلاء، حين أعلن نتنياهو، بعد أيام قليلة لم يكن حبر الاتفاقات قد جف خلالها، أن برامج الاستيطان مستمرة، وأنه وافق على إعطاء ترخيص ببناء ثمانية آلاف وحدة استيطانية في أراضي الدولة الفلسطينية، التي قيل إن الاعتراف كان مقابل التزام إسرائيلي بوقف التمدد الاستيطاني السرطاني فيها.

هذه “الخطوة السلمية” غيّرت البيئة الإستراتيجية للمنطقة العربية برمّتها، وللصراع الإسرائيلي ضدّ العرب بصورة خاصة (لم أعتقد يومًا أن هناك صراعًا عربيًا ضد إسرائيل!)، ومثلت الخطوة الأولى نحو النظام العربي/ الإقليمي الجديد الذي قررت واشنطن إقامته، في إشارة إلى نجاح المرحلة الأولى من الفوضى الخلاقة التي أنيط بها تدمير المشرق، وحققته بامتياز، بيد حكامه بالدرجة الأولى، وخاصة الأسديين منهم في دمشق!

والخطوة الثاني هي ضمّ إسرائيل إلى القيادة المركزية الأميركية، في قرار يجمع إسرائيل ومن اعترفوا بها من العربان إلى القيادة المسؤولة عن ضمان سيطرة واشنطن الإستراتيجية على الشرق الأوسط، بما تحت تصرّفها من وسائط حربية، وتشكيل قوة مشتركة من جيوشها، لا أستبعد أن تندمج قريبًا في كيان موحد يشمل دولًا عربية غير خليجية، بهذه الصيغ أو تلك، على أن تقوده إسرائيل بصفتها الجهة الأكثر تقدمًا، على الصعيدين التقني والعسكري، وتضاف إليه قدرات مهمة نسبيًا تمتلكها دول الخليج، التي سبق لواشنطن أن دربتها وأهّلتها لمهمتها، كجزء من قوة عابرة للدول، قالت سيناريوهات وضعها مسؤولون وخبراء أميركيون إنها لن تتمحور حول الدول الراهنة، بما لها من حدود وسيادة ومصالح، بل ستؤسس مصالح مشتركة تخترق الدول القائمة، وتبدّل هويتها ووظائفها، في ما يتخطى حدودها، التي لن تلعب بعد ذلك الدور التقليدي المعروف لحدود الدول، وإنما ستتعين وظيفتها انطلاقًا من المشتركات الاقتصادية والسياسية والإعلامية، التي يتخلق بعدها العسكري بقرار واشنطن حول ضم إسرائيل إلى العرب، في إطار المنطقة المركزية، عبر قفزة أخرى مفاجئة، سيعاد بواسطتها إنتاج واقع سياسي/ عسكري، إستراتيجي سيحمي النظام الجديد، بقوة ردع أميركية/ إسرائيلية/ عربية موحدة قياديًا، متشابكة ميدانيًا، لن ننتظر طويلًا ريثما توحّد أصعدتها الأخرى، كما يقول لنا تسارع خطوات إقامتها، على الصعيدين الإسرائيلي/ الخليجي، والقيادة المركزية كقوة ردع واحتواء لكلّ من تسوّل له نفسه رفض النظام الجديد، أو تهديد مكوناته، أو تذكر أن هناك دولة عربية محتلة اسمها فلسطين.

هاتان الخطوتان سيكملهما ما يتطلبه النظام الجديد من مأسسة، ليكون بديلًا للنظام العربي الحالي، نظام الجامعة العربية، الذي أصابه الشلل وقوّض وظائفه، كما تحددت بعد قيامه في أعقاب الحرب العالمية الثانية واستقلال البلدان العربية، وليكون قوة ردع لإيران، توفّق، وأخشى أن أقول توحّد، لأول مرة بعد عام 1948 وقيام إسرائيل في قلب الوطن العربي، نظمه معها، لتوجه نحو إيران قوة تتجاوز كل ما يمكنها امتلاكه من قوة، وتضعها أمام أحد بديلين: الانضمام إلى النظام الجديد بشروط واشنطن وتلّ أبيب، مقابل المحافظة على نظامها ووضع قدراتها في خدمة الواقع العربي/ الإقليمي الجديد، أو مواجهة حرب تُخرجها من المشرق العربي، واليمن، وتطيح بملاليها.

سيُقنع بايدن إيران بالانضمام إلى الشرق الأوسط، ولا أظنني واهمًا أو مخطئًا، إن قلتُ إن هذه ستكون مهمة إدارته الرئيسة، بالتخويف بالقوة أو بالإقناع بالمصالح!

 مركز حرمون

——————————-

مبعوث بايدن إلى إيران سيجعل المقاربة الأميركية تجاه سوريا أكثر تعقيداً

ترجمة – Washington Post

“ثمة ما يبرر القلق من أن تعيينه ربما يشير إلى نية في اتباع النهج الذي سارت عليه إدارة أوباما، وإن حدث ذلك بالفعل فقد تكون هذه فرصة كبيرة ضائعة لسوريا”.

تضج أروقة واشنطن بالمناقشات حول اختيار المسؤول السابق في إدارة أوباما روبرت مالي ليكون مبعوث بايدن الخاص إلى إيران. هذا الشجار بين داعمي مالي ومنتقديه هو بمثابة معركة تمهيدية للحرب المقبلة على السياسة التي ستُتبع تجاه إيران. لكن عودة مالي إلى الحكومة ستكون ذات تداعيات كثيرة على سوريا أيضاً، وهو ما قد يبث روح الشقاق بين فريق بايدن من اللحظة الأولى.

اندلع هذا الجدل العام حول مالي عندما غرد عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أركنساس، توم كوتون، قائلاً إن تفكير الرئيس باسم روبرت مالي كان “مثيراً للاستياء بشدة” بسبب “سجل مالي (المزعوم) الحافل بالتعاطف مع النظام الإيراني والعداء تجاه إسرائيل”. احتشدت أطراف معروفة في مؤسسة السياسية الخارجية إما للدفاع عن مالي أو الهجوم عليه. فقد سارع بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ المستقل عن ولاية فيرمونت، للدفاع عنه إلى جانب مسؤولين كثيرين سابقين في إدارة أوباما وأفراد من منظمة “كود بينك” المناهضة للحرب. في حين انضم أعضاء بارزون في المعارضة السورية إلى مؤيدي الحرب على إيران في هجومهم على مالي، إذ يخشى السوريون أن يقوض مالي وعود بايدن بإصلاح إخفاقات السياسات الخارجية تجاه سوريا في عهد أوباما.

أخبرني مسؤولون سابقون في إدارة أوباما أن مالي كان معارضاً لدعم الحركة السورية المؤيدة للديموقراطية خلال عمله في البيت الأبيض وتصدى لفرض عقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد، غالباً لضمان نجاح مفاوضات الصفقة النووية الإيرانية. في مقابلة معه عام 2018، انتقد مالي المساعدات الأميركية المقدمة إلى المعارضة السورية قائلاً، “شاركنا في تأجيج الصراع بدلاً من محاولة إيقافه”.

لذلك يخشى كثر من السوريين أن يعارض مالي من الداخل مجدداً فرض عقوبات على الأسد أو مساعدة المعارضة السورية. ويخشون أيضاً أن تساهم جهوده في التفاوض مع إيران بشأن الصفقة النووية في عرقلة الملف السوري ثانيةً وأن تجعل إدارة بايدن تتساهل مع أنشطة إيران الخبيثة الأخرى، من قبيل الجهود التي تبذلها لدعم الأسد ومشاركتها في ارتكاب فظائع في سوريا واستمرارها في نقل الصواريخ إلى “حزب الله”.

وقال ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، “ثمة ما يبرر القلق من أن تعيينه ربما يشير إلى نية في اتباع النهج الذي سارت عليه إدارة أوباما، وإن حدث ذلك بالفعل فقد تكون هذه فرصة كبيرة ضائعة لسوريا”.

تتعارض وجهة نظر مالي حول القضية السورية مع وجهات نظر مسؤولين بارزين آخرين في إدارة بايدن، بما في ذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكن. خلال الحملة الانتخابية، أخبرني بلينكن أن إدارة أوباما “أخفقت” في سوريا، وأنه سوف يتعين على الفريق الجديد “اتخاذ إجراءات” بشأن ذلك الملف، من خلال الحرص على تنفيذ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا بحزمٍ، وهو قانون يهدف إلى التصدي لأسوأ الفظائع التي يرتكبها الأسد، مثل التعذيب الجماعي وجرائم القتل الجماعية، وكذلك الاعتقال الجماعي للمدنيين والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

عام 2019، كتب بلينكن مقالة افتتاحية بالتعاون مع روبرت كاغان، تناولا فيها آراءً تتعارض مع موقف مالي إزاء سوريا. وجاء في المقال: “في سوريا، سعينا إلى تجنب تكرار سيناريو العراق من خلال عدم التدخل كثيراً، ولنا الحق في ذلك، لكننا وقعنا في الخطأ المضاد المتمثل في عدم فعل سوى أقل القليل”.

ما يزيد من تعقيد استراتيجية إدارة بايدن تجاه سوريا هو تعيين بريت ماكغورك منسقاً لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، وهو المنصب الذي كان يشغله مالي سابقاً. في عهد أوباما، كان ماكغورك أحد المسؤولين الرئيسيين الذين تزعموا المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد كرس اهتمام الولايات المتحدة ومواردها لتحالفٍ مع الأكراد، بينما تحاشى التعامل مع الكثير من الفصائل العربية في المعارضة السورية وأقصى الأتراك.

نشر ماكغورك مقالاً في مجلة “فورين بوليسي” عام 2019 يتعارض أيضاً مع وعود بلينكن بزيادة الدور الأميركي في سوريا. فقد رأى أنه ينبغي للولايات المتحدة تشجيع الأكراد على عقد صفقة مع روسيا ونظام الأسد. وكتب أيضاً أنه “على واشنطن أن تخفض تطلعاتها” وأن تركز جهودها على أمرين مهمين فقط في سوريا: تنظيم الدولة الإسلامية والتهديد التي تشكله إيران على إسرائيل.

ثمة إشاعة داخل الإدارة أن بلينكن يعتبر جيفري فيلتمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والدبيلوماسي في الأمم المتحدة، مبعوثه الخاص إلى سوريا. نشر فيلتمان مقالاً، كُتب بمشاركة هرير باليان المدير السابق لبرنامج تسوية النزاعات في مركز “كارتر”، يقول فيه إن الولايات المتحدة ينبغي أن تعرض على النظام السوري تخفيف العقوبات إلى حدٍ ما مقابل تقديم الأسد بعض التنازلات.

أخبرني فيلتمان، “أظن أن الأسد لن يقبل ذلك، وسيكون ذلك دليلاً إضافياً لأيّ شخصٍ ما زال يحتاج لإثبات أنه المُخرب الرئيسي في سوريا”.

يعتقد مسؤولون سابقون أنه لا فائدة من محاولة فعل أيّ شيء آخر في سوريا. فقد أخبرني روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، أن فرض العقوبات أو ممارسة الضغوط لن تجبر الأسد على تغيير نهجه، ولا رغبة في أن تمارس الولايات المتحدة مزيداً من الضغوط الجديدة الكافية لإحداث فارق. مضيفاً، “لقد خسرنا. لم أرغب في حدوث ذلك، لكن هذه هي حقيقة الأمر”.

لكن للأسف، ومثلما يدرك بلينكن بوضوح، لا يسع الولايات المتحدة التخلي ببساطة عن سوريا ووضع ثقتها في موسكو وطهران لتولي الأمر، من دون التوصل إلى حل سياسي حقيقي من شأنه أن يمنح ملايين السوريين بعض المطالب الأساسية كالكرامة والأمان والعدالة، ستزداد الأوضاع التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات قبل 10 سنوات سوءاً، ولا أمل بأن تتحسن، وهو ما يعني المزيد من اللاجئين والمزيد من التطرف والمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وخارجها.

– هذا المقال مترجم عن washingtonpost.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

https://www.washingtonpost.com/gdpr-consent/?next_url=https%3a%2f%2fwww.washingtonpost.com%2fopinions%2fglobal-opinions%2fbidens-expected-iran-envoy-will-complicate-his-syria-approach%2f2021%2f01%2f28%2fb1d2878e-61ad-11eb-9061-07abcc1f9229_story.html

درج

——————————-

بايدن والخروج من سيطرة عقدة ترامب/ خير الله خير الله

هل يخرج جو بايدن من ظلّ باراك أوباما وهل يستفيد من تجربة جيمي كارتر؟ الواضح أنّ الإدارة الأميركية الجديدة عند مفترق طرق والأكيد أن الدبلوماسية تبقى دائما أفضل من الحرب.

بايدن يختلف عن كارتر وأوباما

خلاصة الأمر أن إيران تريد من الإدارة الأميركية الجديدة رفع العقوبات التي فرضتها عليها الإدارة السابقة والعودة إلى الاتفاق في شأن ملفّها النووي الموقّع صيف العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما، أي حين كان جو بايدن نائبا للرئيس طوال ثماني سنوات. هل هذا ممكن؟ هل يمكن لإدارة بايدن أن تستسلم للشروط الإيرانية؟ هذا ما يبدو على المحكّ هذه الأيّام في انتظار الاجتماع الذي دعا إليه الأوروبيون مع إيران في إطار مجموعة الخمسة زائدا واحدا (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن زائدا ألمانيا). كان لافتا مسارعة الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن استعدادها لحضور هذا الاجتماع وذلك في سياق مبادرات صغيرة متتالية أظهرت من خلالها أنّها ترفض كلّ سياسات إدارة دونالد ترامب وهي مستعدّة للانقلاب عليها.

يبدو أن إيران تتابع ممارسة لعبة التصعيد ما دام ليس هناك من يردعها. تبدو مصرّة على ذلك بغية الحصول على مزيد من التنازلات الأميركية من خلال التشديد على أن واشنطن تعمّدت تمزيق الاتفاق النووي من جهة وفرض سياسة “العقوبات القصوى” من جهة أخرى. من الناحية النظريّة، تبدو إيران على حقّ نظرا إلى أن ترامب مزّق الاتفاق في خطاب ألقاه في العام 2018.

وقّعت “الجمهورية الإسلاميّة” اتفاقا مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا بعد التوصل إلى تفاهمات بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف. في النهاية من خرق الاتفاق هو الجانب الأميركي وليست إيران. لكنّ إيران لا تسأل نفسها سؤالا في غاية البساطة. هذا السؤال مرتبط بكيفية استفادتها إلى أبعد حدود من الاتفاق لتطوير صواريخها وميليشياتها المذهبية التي عملت وما زالت تعمل من أجل زعزعة الاستقرار في المنطقة وتدمير دول عدّة من الداخل يأتي العراق وسوريا ولبنان واليمن في مقدمتها.

في ظلّ هذا الواقع كان هناك إبان عهد ترامب منطق آخر لا يقل تماسكا عن المنطق الإيراني. الأكيد أن وراء هذا المنطق الذي يدحض المنطق الإيراني ويوجه إليه ضربة قاضية فريق عمل يعرف إيران عن كثب ويعرف ما الذي فعلته منذ العام 1979، تاريخ سقوط نظام الشاه. لعلّ أهمّ ما يعرفه فريق العمل هذا أنّ منع إيران من الحصول على السلاح النووي مهمّ. لكنّ الأهم من ذلك هو صواريخها وميليشياتها والأموال التي تصرفها للترويج لمشروعها التوسّعي في المنطقة كلّها بما في ذلك أفغانستان.

هناك مخاوف من سيطرة عقدة ترامب على كلّ السياسات الخارجيّة للإدارة الجديدة في وقت لدى الولايات المتّحدة مشاكل داخلية كبيرة، بل ضخمة

الأكيد أن ليس ترامب الذي يعرف إيران وتاريخها وتسلسل الأحداث منذ احتجاز السلطات الإيرانية الدبلوماسيين الأميركيين في سفارة طهران وعددهم 52 مدة 444 يوما ولم تطلقهم إلّا بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني – نوفمبر 1980 وانتصار رونالد ريغان على جيمي كارتر الذي يمكن وصفه بأنّه الرئيس الأضعف في التاريخ الأميركي الحديث. استطاعت إيران وقتذاك عقد صفقة من تحت الطاولة مع فريق ريغان ممثّلا بوليم كايسي (مدير الـ”سي.آي.إي” لاحقا). لم تطلق الرهائن قبل موعد الانتخابات فأمّنت بذلك فشل حصول كارتر على ولاية رئاسية ثانية!

لدى “الجمهورية الإسلامية” قصّة مع كلّ إدارة أميركية. عرفت كيفية التعاطي مع كلّ إدارة والتلاعب بها. خدمتها الظروف في أحيان كثيرة، خصوصا عندما اتخذ جورج بوش الابن قراره المجنون باجتياح العراق في العام 2003. بقي كلّ شيء على ما يرام بالنسبة إلى إيران إلى أن جاءت إدارة ترامب. كشفت إدارة ترامب أنّ إيران ليست سوى نمر من ورق وذلك بعدما وقفت “الجمهورية الإسلاميّة” مكتوفة عندما جرت عملية تصفية قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” لدى خروجه من مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020.

ترفض إيران الاعتراف بأن العالم تغيّر بين 2015 و2021 وأن الموقف الأوروبي صار واضحا في ما يتعلّق بضرورة توسيع إطار أي اتفاق جديد يتناول الملفّ النووي الإيراني. ظاهرا، يبدو أنّ هناك قناعة أميركية بضرورة العودة إلى اتفاق 2015 ولكن بعد توسيعه ليشمل الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة لدى إيران فضلا عن سلوكها في المنطقة. ليس بعيدا اليوم الذي سيتبيّن فيه هل هناك استيعاب أميركي لمعنى الإصرار على اتفاق جديد يكون أوسع من اتفاق 2015 وأكثر شمولا منه على حد تعبير وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي يلتقي هنا مع وزراء الخارجية لكلّ من فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

من الطبيعي أن تكون هناك الآن مقارنة بين بايدن من جهة وكلّ من الرئيسين السابقين كارتر وأوباما من جهة أخرى. كارتر لم يعرف في أيّام الحرب الباردة كيف يكون التعاطي مع إيران. أظهر ضعفا ليس بعده ضعف تجاهها. أمّا باراك أوباما فقد اعتبر، عن سذاجة أو عن حقد على أهل السنّة في المنطقة، أن الملفّ النووي الإيراني يختزل كلّ مشاكل الخليج والمنطقة وأنّه الإنجاز الوحيد الذي يستطيع تحقيقه في عهده.

لا شكّ أن بايدن يختلف كثيرا عن كارتر وأوباما. هذا يعود إلى سبب واحد على الأقل. يستند هذا السبب إلى أنّ بايدن يمتلك خبرة طويلة في السياسة الخارجية إن في أثناء وجوده في مجلس الشيوخ أو في موقع نائب الرئيس في عهد أوباما. الأكيد أن هناك مخاوف من سيطرة عقدة ترامب على كلّ السياسات الخارجيّة للإدارة الجديدة في وقت لدى الولايات المتّحدة مشاكل داخلية كبيرة، بل ضخمة. هناك مشكلة الاقتصاد وهناك مشكلة كورونا التي ما زالت تتفاعل على كلّ صعيد.

هل يخرج بايدن من ظلّ أوباما وهل يستفيد من تجربة كارتر؟ الواضح أنّ الإدارة الأميركية الجديدة عند مفترق طرق. الأكيد أن الدبلوماسية تبقى دائما أفضل من الحرب. تغليب الدبلوماسية على الحرب واجب. هل هذه حجة كافية كي تستسلم أميركا أمام إيران؟

إعلامي لبناني

العرب

————————————

مبالغات إيران في الملف النووي تهدد بعزلتها

صحيفة حكومية تنتقد النواب المحافظين الذين احتجوا على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالمراقبة

حذرت صحيفة تديرها الحكومة الإيرانية، اليوم الثلاثاء، من أن التصرفات المبالغ فيها في الخلاف النووي مع الغرب قد تؤدي إلى عزلة البلاد بعد أن أوقفت طهران عمليات التفتيش المفاجئ التي يجريها مفتشو الأمم المتحدة.

وقال كاظم غريب آبادي، مبعوث إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن بلاده أوقفت تنفيذ ما يُعرف باسم البروتوكول الإضافي في منتصف ليل أمس الاثنين (20.30 بتوقيت غرينتش). وكان الاتفاق يسمح للوكالة بإجراء عمليات تفتيش تخطر إيران بها قبل وقت قصير.

صحيفة حكومية تحذر

وانتقدت صحيفة “إيران” الحكومية النواب المحافظين الذين احتجوا، أمس الاثنين، على قرار طهران السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالمراقبة “الضرورية” لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، قائلين إن القرار يخالف قانوناً أقره البرلمان في مسعى واضح للضغط على الولايات المتحدة حتى ترفع العقوبات.

وينص القانون على وقف عمليات التفتيش المفاجئ التي تجريها الوكالة التابعة للأمم المتحدة اعتباراً من اليوم الثلاثاء ما لم تُرفع العقوبات.

وقالت الصحيفة “على من يقولون إنه ينبغي على إيران اتخاذ تحرك سريع وصارم حيال الاتفاق النووي أن يقولوا ما هي الضمانات على أن إيران لن تُترك وحدها كما كانت الحال في الماضي. وهل سيفضي هذا إلى أي شيء بخلاف المساعدة على تشكيل توافق في مواجهة إيران”.

ولإفساح المجال للدبلوماسية، توصلت الوكالة، أول من أمس، إلى اتفاق مع إيران للتخفيف من وطأة تأثير تراجع التعاون الإيراني ورفض السماح بعمليات التفتيش المفاجئ.

زيادة تخصيب اليورانيوم

وقال الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي، أمس، إن إيران قد تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة إذا احتاجت البلاد ذلك، مع تكراره نفي أي نية لدى إيران للسعي لامتلاك أسلحة نووية.

ويحدد الاتفاق النووي، الذي أبرمته إيران مع ست قوى عالمية عام 2015، الذي تنتهكه منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، النقاء الانشطاري الذي يمكن لطهران تخصيب اليورانيوم عنده بنسبة 3.67 في المئة، وهي أقل كثيراً من 20 في المئة التي وصلت إليها الجمهورية الإسلامية قبل إبرام الاتفاق، وأقل بكثير من نسبة 90 في المئة اللازمة لصنع سلاح نووي.

وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن تصريح خامنئي “يبدو تهديداً”، وكرر استعداد بلاده للدخول في محادثات مع إيران بخصوص العودة إلى الاتفاق النووي.

وقالت واشنطن الأسبوع الماضي إنها مستعدة للتحدث مع إيران بشأن عودة البلدين إلى الاتفاق الذي تخلى عنه الرئيس السابق دونالد ترمب.

وقالت طهران، الأسبوع الماضي، إنها تدرس مقترحاً من الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماع غير رسمي بين الدول المشاركة حالياً في الاتفاق النووي والولايات المتحدة لكنها لم ترد بعد.

وثمة خلاف بين واشنطن وطهران، التي استأنفت التخصيب لنسبة 20 في المئة في محاولة في ما يبدو لزيادة الضغط على الولايات المتحدة، حول من يجب أن يتخذ الخطوة الأولى لإحياء الاتفاق.

ويصر الزعماء الإيرانيون على أنه يتعين على واشنطن وقف حملتها العقابية أولاً لإعادة الاتفاق في حين تقول واشنطن إنه يتعين على طهران العودة أولاً إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي.

اندبندنت عربية

————————

هل أعدّ فريق بايدن ملفّه الإيراني في عهد ترامب؟/ جورج عيسى

في وقت أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قبولها عرضاً أوروبياً لعقد مفاوضات مع إيران حول ملفها النووي، برز تقرير أميركيّ يظهر حجم النشاط الديبلوماسي الذي مارسته طهران في الولايات المتحدة خلال رئاسة ترامب. قد يكون لقاء وزير الخارجية الأسبق جون كيري بنظيره الإيرانيّ محمد جواد ظريف المثل الأشهر في هذا السياق. لكنْ يبدو أنّه ليس المثل الوحيد أيضاً.

اعترف كيري بالتقائه بظريف “ثلاث أو أربع مرات”. لكنّه نفى أن يكون قد فعل ذلك بقصد الالتفاف على “قانون لوغان” الذي يحظّر على أيّ شخص غير رسميّ أو غير حائز على موافقة من الإدارة أن يتّصل أو يباشر بالاتّصال بحكومة أجنبيّة أو بأحد وكلائها لضرب أيّ إجراءات تتّخذها بحقّ تلك الحكومة.

ما أراد معرفته

في 2018، قال كيري خلال مقابلة إعلامية إنّه كان ينوي معرفة “ما قد تريد إيران فعله من أجل تغيير ديناميات الشرق الأوسط نحو الأفضل”. ونفى أن يكون قد “درّب” ظريف على كيفية التعامل مع الإدارة الأميركيّة. حصلت لقاءات كيري قبل انسحاب الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب من الاتّفاق النوويّ. لكنّ ترامب ووزير خارجيّته مايك بومبيو اتّهما كيري بأنّه خرق قانون لوغان الذي أقرّه المشرّعون سنة 1799.

وإلى جانب اسم رأس الديبلوماسية الأميركيّة السابقة الذي أصبح ممثّلاً خاصاً لشؤون مكافحة التغيّر المناخيّ في الإدارة الحاليّة، برز اسم وزير الطاقة في عهد أوباما إرنست مونيز الذي التقى أيضاً بالمسؤول الإيرانيّ نفسه. وذكرت وكالة “أسوشييتد برس” انّ ظريف التقى بمونيز على هامش “مؤتمر ميونخ للأمن” سنة 2018 كما بالديبلوماسية وندي شيرمان التي أصبحت نائبة وزير الخارجية في الإدارة الحالية أنطوني بلينكن.

الأضواء مجدّداً على مالي

الشخصيّة الأبرز التي اجتمعت بظريف بعد الانسحاب من الاتّفاق النوويّ كانت، بحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن تايمس” الأحد، روبرت مالي الذي يشغل حالياً منصب الممثّل الخاص للشؤون الإيرانيّة. وحصل الاجتماع في تمّوز 2019، بحسب الصحيفة نفسها.

وصفت الصحيفة نشاط ظريف بـ”الديبلوماسية المضادة” خلال ولاية ترامب. وقال مسؤولون بارزون بمن فيهم من المجتمع الأمنيّ للصحيفة نفسها إنّ ظريف بنى “شبكة” في الداخل الأميركيّ للتأثير على الرأي العام، أكان في الجامعات أو في مؤسّسات الرأي أو في الدوائر الاجتماعيّة اليساريّة. ورجّحت مصادر “واشنطن تايمس” أن يكون مالي حضّ المسؤولين الإيرانيّين على انتظار خروج ترامب من البيت الأبيض وتوقّع عودة الديموقراطيّين إلى الإدارة ومعها تفعيل الاتّفاق النوويّ.

رفضَ مالي التعليق على طلب استيضاح من الصحيفة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مكتب وزارة الخارجيّة للشؤون العامّة. لكنّ ناطقاً باسم “مجموعة الأزمات الدولية” التي كان مالي يرأسها في ذلك الحين قال لموقع “جويش إنسايدر” في 2019 إنّ ما كان يفعله مالي هو إجراء تواصل “اعتيادي مع جميع الأفرقاء” أكانوا إيرانيين أو أميركيين أو خليجيين أو أوروبيين.

أجوبة متشابهة

يبدو أنّ مالي شديد التكتّم على لقاءاته أو محادثاته قبل أن ترصدها الوسائل الإعلامية ويبدو أيضاً أنّه يحتفظ بأجوبة متشابهة حول الأسئلة التي تُطرح عن المحادثات “الحسّاسة” التي يكون طرفاً فيها. فإضافة إلى رفضه التعليق على سؤال “واشنطن تايمس”، وقول مقرّبين منه إنّ ما يجري جزء من تواصل طبيعيّ أوسع، رفضت وزارة الخارجية التعليق على محادثة هاتفيّة أجراها نائب وزير الخارجية الصيني مع مالي “بناء على طلب الأخير”.

خلال المحادثة التي حصلت منذ حوالي أسبوعين، أجرى المسؤولان “تبادلاً معمّقاً لوجهات النظر حول المسألة النووية الإيرانية”، وفقاً لما أعلنته وزارة الخارجيّة الصينيّة. ثمّ قالت الخارجيّة الأميركيّة لاحقاً بناء على إلحاح من موقع “واشنطن فري بيكون” إنّ مالي هو في “المراحل الأولى من الانخراط مع أعضاء من الكونغرس، حلفاء، شركاء، وآخرين”.

كذلك، نقلت “واشنطن تايمس” عن مسؤول بارز سابق قوله إنّ ظريف أجرى لقاءات داخل الولايات المتحدة في 2017 و2018 و2019 قبل أن ترفض الإدارة منحه تأشيرة دخول إلى البلاد سنة 2020.

انطلاقاً من هذا الواقع، يثير قرار الإدارة الحالية برفع قيود السفر عن الإيرانيّين سؤالاً حول غايته الحقيقيّة. إذا كانت خطوة كهذه تُعدّ في الأحوال العاديّة “بادرة حسن نيّة” من البيت الأبيض تجاه إيران فإنّها قد تفسح المجال أيضاً أمام الإيرانيّين للمجيء إلى واشنطن وإيصال صوتهم بطريقة مباشرة للمسؤولين الأميركيّين بعيداً من اتّباع طرق التفاوض غير المباشرة حتى عبر وساطة الأوروبيين.

لا شيء تغيّر

يوماً بعد يوم، يتبيّن أنّ فريق بايدن لا يزال هو نفسه ولم يتكيّف مع المتغيّرات التي طرأت خلال السنوات الأربع الماضية. تواصلُه مع ظريف والمقرّبين منه طوال الفترة الماضية تؤسّس اعتقاداً كهذا. والسرعة التي أعلنت خلالها الإدارة استعدادها للتفاوض مع الإيرانيين تعزّز هذا الاعتقاد. كذلك، بنى المسؤولون الحاليّون علاقات مع نظرائهم الإيرانيّين إلى درجة بات يصعب معها توقّع فصل “الشخصيّ” عن “السياسيّ”.

يعتقد البعض أنّ بايدن عرض إجراء محادثات مع الإيرانيين خشية من تصعيدهم. لكنّ هذه الخشية قد تكون مجرّد ذريعة أو غطاء لنيّة مبيّتة لدى الإدارة الحاليّة بالعودة إلى الاتّفاق مهما كلّف الأمر، بناء على وعود أطلقها فريقه خلال السنوات الماضية.

بناء على كلّ هذه المؤشّرات، من غير المستبعد أن تكون البيانات التي أطلقها بايدن خلال حملته الانتخابيّة حول توسيع الاتّفاق وتضمينه سلوك إيران الإقليميّ وبرنامجها الصاروخيّ هي مجرّد محاولة لعدم ظهوره ضعيفاً أمام خصمه. وقول الإدارة إنّ التفاوض سيكون مجرّد تباحث بين الطرفين حول آليّة للعودة إلى الاتّفاق، يبدو أنّه مجرّد إعداد نفسيّ للرأي العام الأميركيّ حول الوجهة الحتميّة. قد لا تعبّر هذه المؤشّرات عن مجرّد انطباع خاطئ. لكن الأكيد أنّ على الإدارة الحاليّة بذل الكثير من الجهود لتبديده لو كان خاطئاً بالفعل.

النهار العربي

———————–

———————————-

عن أوباما ودبلوماسيّيه/ طارق متري

(*) يسارع نفر غير قليل من المعلقين والباحثين في قولهم إن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، سيعود، في سياسته الخارجية على الأقل، إلى السير في الطريق الذي شقّه الرئيس الأسبق باراك أوباما. ويضرب عدد منهم رغبته في التفاوض مع إيران مثلًا بالغ الدلالة، أو يحسبون أن تعيينه أو ترشيحه شخصيّات خدمت في إدارة أوباما يشي بأمانته لإرث الرئيس الذي عمل نائبًا مخلصًا له طوال ثمانية أعوام. لذلك تراهم ينزعون إلى قراءة مذكرات أوباما الطويلة، وأخرى أقل منها طولًا لمساعدين بارزين له، وكأنهم سيصادفون في طيّاتها المبادئ والسياسات التي سيعمل بايدن على احترامها وتنفيذها منذ الأيام الأولى لولايته الرئاسية. لعلّ القراءة المتأنية تقينا من هذه النزعة؛ لأننا سرعان ما نجدها، مثلها مثل كل المذكّرات، حافلة بالشهادات الشخصية والعوامل الذاتية المؤثرة في الرؤى والقرارات، وتقدّم لنا أيضًا مادة ثمينة، لكنها أولية، لفهم التاريخ السياسي المعاصر للولايات المتحدة الأميركية.

ورغم اعترافهم أن الولايات المتحدة والعالم تغيّرا في الأعوام الأربعة الأخيرة، بفعل مواقف الرئيس السابق دونالد ترامب وبقوة أفعاله أو بمعزل عنها، لا يولي المستعجلون اهتمامًا كافيًا لما شهدته العلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية من تحوّلات تدعو إلى شيء من الحذر في الجزم والتعميم عند القول بالانقطاع بين بايدن وترامب والاستمرار بينه وبين أوباما. ففي الماضي، كثيرًا ما سمح الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية في غير مجال، فضلًا عن تقدّم الأولى على الثانية، باقتصار حدّة الانقسامات والصراعات السياسية على الشؤون الوطنية، بينما تتنوع الخيارات السياسة في المسائل الدولية داخل الحزبين المتنافسين أو تحظى باتفاقهما. أما اليوم، فالخلاف الداخلي حول هوية الولايات المتحدة يبدو طاغيًا على السياستين الداخلية والخارجية؛ ما يضعف، ولو قليلًا، احتمالات السير في مسالك أوباما. فالرئيس الأسبق انشغل بوحدة الأميركيين المتعالية على مصالحهم الفئوية في تأييد سياسته الخارجية الجديدة، في ابتعادها النسبي عن “الأوحدية” وعن النزعة إلى التدخل واستعمال القوة اللتين عرفتهما المرحلة السابقة. وازداد انشغالًا بالسعي وراء تحقيق تلك الوحدة، مستجيبًا لما عاينه من ميل لدى أكثرية الأميركيين إلى الانكفاء عن حروب العالم، ولا سيما التي قادتها بلاده، وصراعاته المتفجّرة، وكأنه سعى بذلك للتعويض عن عجزه عن تجاوز الانقسام السياسي والثقافي حول أهم القضايا الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية.

نتعرف إلى عقلنة هذا النزوع عند الرئيس الأسبق أوباما في الجزء الأول من مذكّراته المعنونة أرض ميعاد المحبوكة على نحو قلّ نظيره في المذكرات التي درج المسؤولون، في الولايات المتحدة وخارجها، على كتابتها بعد الخروج من السلطة. صحيح أن أوباما يحدثنا عن حياته وعن ظروف تكوّن شخصيته الفكرية والسياسية، وإن بنسبة أقل من سواه، وعن أهم ما استطاعه وسعى إليه. وصحيح أيضًا أنه يصف هدوءه ورصانته وتواضعه وصبره وتردّده واحترامه للآخرين؛ وكأنه يبيّن لنا، وبطريقة لاواعية أو نصف واعية، أن الضد يظهر حسنه الضد. فنقارن مزاياه بنزق ترامب ونرجسيته وعدوانيته وقلة ثقافته وذوقه واحترامه للغير. إلا أن الكاتب يذهب إلى أبعد ويستفيض، أكثر من المألوف عند واضعي المذكرات، في عرض فلسفته السياسية من حيث تفاعلها مع الواقع السياسي والاجتماعي. ويكاد يسرد التاريخ الأميركي المعاصر ويفسره، وعينه تنظر صوب أسئلة الحاضر، شأن كل مؤرخ معني بالزمن المعاصر، لا فرق إذا ظهرت أمام أعيننا أم اختبأت وراء تموّجات الذاكرة وحبائلها وانتقائيتها المعروفة. ولعلّه يوفّق في إحالة القارئ إلى الأوضاع الراهنة من دون شبهة اصطناع أو سابق تعمّد. فعلى سبيل المثال، رغم أنه انتهى من وضع كتابه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نراه قلقًا إزاء معطوبية المؤسسات الديمقراطية الأميركية، وواثقًا في الوقت نفسه بقوتها ورسوخ مبادئها الناظمة في المخيال الجمعي أو الدين المدني الذي شهدنا خروجًا عليه منذ هزيمة ترامب الانتخابية وحتى انتهاك حرمة مبنى الكونغرس، أحد أماكن ذلك الدين المقدسة يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021.

ويبدو لنا أشدّ الأسئلة حرجًا عنده، وإن لم يفصح عنها على نحو جلّي، تتصّل بفكرة “الاستثناء الأميركي” التقليدية، والتي تبدّلت فيما بعد على يد ترامب. ففي أيام هذا الأخير، اتّسقت الفكرة مع انعزالية مستجدّة، تدير ظهرها لما كان يقال عن رسالة الولايات المتحدة أو دورها في العالم، لتمتلئ بلغو استعادة العظمة وغطرسة القوة. يفترض أوباما أن الولايات المتحدة لم تكن محبوبة في العالم كله، ولكنها كانت دائمًا محترمة. ولا يردّ هذا الاحترام إلى أنها ظلت دومًا مرهوبة الجانب، بل إلى تعدد قدراتها ومزاياها ونجاحاتها. ولكنه، مهما كان اعتزازه بهويته الأميركية المفرط أحيانًا، وفي تأكيد قناعته الراسخة بفضائل النظام الأميركي، يتجنّب الغلو في تمجيد الفرادة الأميركية الشائع بين الأميركيين. ويحذر من مجاراة القائلين بأن الولايات المتحدة أمة لا غنى عنها وأنها بمنزلة “مدينة على جبل”، بحسب العبارة الإنجيلية المصدر والمتكررة كاستعارة عند الحديث عن الاستثناء الأميركي. ويذهب مرة إلى حد اعتبار فكرة الاستثناء المذكور مجرد مرادف للخصوصية، فيعلن أنه يؤمن بها مثلما يؤمن أبناء القوميات الأخرى بالاستثناء البريطاني والروسي واليوناني. بطبيعة الحال، جاءت يومئذ ردود الفعل على قوله حادة، ولم يوفّق بسهولة في إخماد السجال من دون الاضطرار إلى التراجع، حتّى أنه، وفي مرات أخرى عديدة، لا يخفي عدم اعتراضه، بل موافقته، على تأكيدات مساعديه أن للولايات المتحدة دورًا قياديًا في دفع العالم نحو الأحسن.

وفي حالات أخرى كثيرة نجدنا أمام شخص يتردد طويلًا قبل اتخاذ موقف أو قرار، يأخذ الوقت الكافي ويقلّب المسائل ظهرًا على بطن ويتقلّب معها ويكثر من استشارة مسؤولي إدارته. ولا يبدو التردّد هذا مجرد طبع من طباعه، بقدر ما يكشف عن ازدواج في بعض آرائه وعن ميل إلى محاولة التأليف بين فهمين للسياسة متعارضين يتسببان للقائل بهما، مختارًا أو مضطرًا، في توتر يصعب التخلّص منه. ففي أكثر من مناسبة، يصوّر أوباما نفسه بصورة الحائر بين اعتماد سياسة واقعية في اعترافها بقوة النموذج الرأسمالي وإقرارها بعلاقات القوى وتشديدها على الدفاع عن المصالح القومية الأميركية وبين أوليّة التعلّق بالقيم والمبادئ الكونية، كما نجدها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والحرص على احترامها في الظروف كافة. إلّا أنه، وفي ما خلا حالات قليلة، يبدّد حيرته بالخضوع لما تأمر به الواقعية في أبرز القضايا الداخلية أو الخارجية. فيفصّل لنا مثلًا ما قام به من معالجات، إبان الأزمة المالية 2008، للوصول إلى درء الكارثة والمحافظة على النظامَين الاقتصادي والمالي، وإلى بثّ بعض الروح الإنسانية في الرأسمالية. في المقابل، يتفكّر في إمكانية تحويل الأزمة المذكورة إلى فرصة للحد من حجم التفاوت الاجتماعي. لكن خشيته من اضطراب النظام الاجتماعي تتغلّب على توقه إلى العدالة، وكأنه يحذو حذو أحد أسلافه، كالرئيس فرانكلين روزفلت، الذي قيل عنه إنه أنقذ الرأسمالية من نفسها.

ويتحدث عن تردّده، حين يدعى للتصدي لأنظمة تمارس الفظائع ضد شعوبها. فيبدي تفهّمًا لمبدأ “مسؤولية الحماية” للمدنيين وقبولًا لفكرة التدخل العسكري بدافع منها مرة واحدة، وفي حالة ليبيا، بينما يتحفظ حيالها في المرات الأخرى. وهو يفعل ذلك باسم الواقعية. وعلى غرار الواقعيين، لا يجد نفسه محرجًا، إلا قليلًا، في الإحجام عن تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن نتائج سياستها في دعم فئة من الأنظمة المستبدة، التي، مهما انتهكت حقوق شعوبها، بقيت حليفة لها في مناطق كثيرة من العالم. ونجده غالبًا ما يتجنب الحرج الخفيف بتشديده على أفضلية اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية، بالإقناع والإغراء والضغط، واستنفادها قبل التفكير في استعمال القوة. وتكاد الدبلوماسية عنده تنقلب إلى مراعاة لبعض الأنظمة وإيجاد المبررات لها عند التعامل معها، كما في حالة مصر، من باب صيانة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الكبار. ويوحي لنا أن اختيار جانب الدبلوماسية الصبورة يتأصّل في شخصيته حيث يحتل الأسلوب مكانة كبيرة لا تقل شأنًا عن المحتوى. ويحسبه أيضًا وفاء لوعوده الانتخابية، القائلة بطي صفحة الحروب السابقة، لا سيما في أفغانستان والعراق، والآخذة بنصائح العسكريين الكبار، ممّن استشارهم، الذين اكتووا بنار الحروب وعرفوا أتمّ المعرفة حدود القوة العسكرية وتكاليفها البشرية.

من جهة ثانية، يعترف أوباما أن الخطط والقرارات السياسية لا تولد من الدبلوماسية. ربما كان خطاب القاهرة في حزيران/ يونيو 2009 الموجه إلى المسلمين شاهدًا على ذلك؛ فهو يؤكد أن ما قاله أقل طموحًا مما ظنّه الكثيرون. لم يدّع رسم سياسة جديدة حان أوانها في ظنّ من خيّبهم غياب المتابعة العملية في تأسيس علاقة مختلفة بين الولايات المتحدة والعرب والمسلمين. لكنّه، بحسب قوله، لم يرم إلى أبعد من السعي لإزالة سوء الفهم، كما يسمّيه، والإشارة إلى أن المبدأ الناظم للعلاقة المختلفة بين الطرفين ليس محاربة الإرهاب دون سواها. لم يأت خطابه من معرفة عميقة بالإسلام والعالم الإسلامي. ولا يزعم أوباما خلاف ذلك. إلّا أنه يكرّر ذكر خبرته الإندونيسية حيث أتيح له أن يتعرف، في أيام فتوّته، إلى التنوع والتسامح والانفتاح في مجتمع انطبع تديّنه بالصوفية. ويقارن بين هذا التديّن وما يعرفه عن ممارسة الإسلام في المملكة العربية السعودية ويضعه على الطرف النقيض منه. ويتحدث أيضًا عن التجربة التركية المعاصرة بوصفها نموذجًا للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية والعلمانية. ولا يغيّر رأيه بعد فتور حماسه بعد لقائه برجب طيب أردوغان، بل تبدو له تلك التجربة جديرة بالتأييد نظرًا إلى ما تعد به لجهة تدعيم ما يدعوه تيّار الاعتدال الإسلامي من دون أن يشرح بدقته المعهودة ما يعنيه هذا المصطلح. ولا يأتي على ذكر الإخوان المسلمين إلا قليلًا. وعند بلورة موقفه الأول والحذر من الثورات العربية، لا يتوقف عند السؤال حول أهليتهم لتسلّم الحكم. وحين يعدّل موقفه متجاوزًا حذره الأول ومتأثرًا بالأخذ والرد بين مساعديه من الشباب “الأمميين” والأكبر سنًّا منهم، لا يوحي من قريب أو بعيد برغبة الولايات المتحدة في إعطائهم فرصة لقيادة المراحل الانتقالية. عكس ذلك، يستعيد توجيهاته إلى مساعديه ومبعوثه إلى القاهرة عن ضرورة تأليف حكومة لا يسيطر عليها الإخوان المسلمون. وعلى هذا النحو، يدحض زعم البعض في مصر وليبيا وسورية أن الولايات المتحدة عملت، جهارًا وسرًّا، من أجل إيصال الإسلاميين إلى السلطة.

لم يجارِ أوباما الذين تلوثت قوميتهم الأميركية بكراهية الإسلام والتوجس من المسلمين ولم ينح نحو الثقافويين الذين يبرزون الفروق الحضارية بل يضخّمونها ويفسّرون العلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي انطلاقًا منها. أدرك أهمية المشكلات التاريخية والسياسات في تشكيل النظرات والمشاعر المتبادلة وصناعة المخاوف والعداوات. وكما يتبيّن من خطاب القاهرة، لم يفته في هذا السياق ذكر الظلم والإذلال الذي تعرّض له الفلسطينيون. أكثر من ذلك، يتناول أوباما تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي بلغة المطلّع على الوقائع التي تبيّن شرعية الحق الفلسطيني. غير أنه، في المقابل، يتحاشى الخروج عن الطابع العام للعلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ففي موقفه من قضية حيوية كمواصلة الاستيطان، يستند إلى الموقف الأميركي التقليدي لينفي عنه الشرعية. وفي الوقت نفسه، يشيح بنظره، وهذه ممارسة أميركية تقليدية، عن لاشرعية ما تفعله إسرائيل. بعبارة أخرى، يرفض الاستيطان ولا يبذل ضغطًا حقيقيًا لوقفه، ولا يختلف في ذلك اختلافًا كبيرًا عن أسلافه، رغم تعامل الإسرائيليين وأصدقائهم معه على نحو أقل تهيّبًا وودًا حياله من الذين درجوا عليه في العلاقة مع الرؤساء الأميركيين ورغم استفزازات بنيامين نتنياهو ووقاحتها. في ضوء كل ذلك، لا غرابة أن ينتظر الرئيس أوباما حتى السنة الأخيرة من ولايته الثانية لإعلان معارضته للاستيطان الإسرائيلي من طريق كسر العادة الأميركية المعروفة في ممانعة كل تدخل لمجلس الأمن في مناقشة المسائل المتصلة بالاحتلال وسبل الوصول إلى إنهائه وفي استخدام حق النقض للحؤول دون صدور أي قرار يتضمن إدانة، أو شبه إدانة، لإسرائيل. بطبيعة الحال، لا يناقش الجزء الأول من المذكرات بين أيدينا دوافع التغيير ذي الدلالة الرمزية، والضعيف الأثر، وظروفه. علينا انتظار الجزء الثاني علّنا نجد فيه تفسيرًا أو تبريرًا.

من جهتها، غضّت سامنتا باور نظرها عن هذه القضية التي تعنيها مباشرة، وذلك لأسباب غير مفهومة. فالسيدة المتحمّسة لنصرة الشعوب المظلومة، والتي عيّنها الرئيس بايدن مديرة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كانت ممثلة الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة عند صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016، ومقرّبة من أوباما. ففي مطلع ولايته كلّفها العمل، في جهاز مجلس الأمن القومي، من أجل منع حدوث الفظائع ووقوع الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. لكنه، وأيًّا كان من أمر إشادته بها إلى حدود الإعجاب، عرفت علاقتهما الواقعية مدًا وجزرًا ملحوظين. فهو يشبّهها مرة بميزان الحرارة لضميره حين يتعلّق الأمر بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. ويقول مرة أخرى إنها تزعجه بمثاليتها المتطرفة التي تقحم المعاير الأخلاقية في المسائل السياسية كافة. ويذكر أنه رفض اقتراحها، لدى مشاركتها في وضع مسودة خطابه في أوسلو بمناسبة تسلّمه جائزة نوبل للسلام عام 2009، والداعي إلى التشديد على تبنّيه المبدأ القائل بمسؤولية الحماية للمدنيين ضد اعتداءات حكوماتهم.

بخلاف صمت سامنتا باور في مذكراتها، تستعرض سوزان رايس، سلفها في تمثيل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الظروف المحيطة برفعها حق النقض الأميركي ضد مشروع القرار في مجلس الأمن الدولي عام 2011 الذي يؤكد لاشرعية المستوطنات الإسرائيلية، ويستعيد الأسس التي يقوم عليها حل الدولتين. وتشير إلى أنها فوجئت بردة الفعل الإسرائيلية التي تنتقد تعليقًا لها، جاء فيه أن هذا التصويت لا يعني أن الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات شرعية. ويبدو ممّا جاء في مذكراتها أن انزعاجها يعود إلى ما تحسبه سوء تفاهم أو تجاهلًا لسجّلها المؤيد لإسرائيل، والذي تذكّر به تفصيلًا. فهي تعتزّ بصداقتها مع شيمون بيريز الذي تعتبره أستاذًا لها، وتعدّد ما قامت به في الأعوام الأربعة التي أمضتها في نيويورك. فعلى يدها، انسحبت الولايات المتحدة من المؤتمر الدولي عن العنصرية، بسبب ما دعته انحيازًا ضد إسرائيل. وهي التي قادت الجهود المعارضة لانضمام فلسطين المبكر إلى الأمم المتحدة. ودافعت عن إسرائيل ضد محاولات لومها داخل الوكالة الدولية للطاقة النووية. وفي ما يتعدّى كل ذلك، يبدو لنا أن رايس، وفي أكثر من محطة من حياتها المهنية والسياسية، تحرص على إظهار انسجامها مع التيار الرئيس داخل النخبة الأميركية في تعاطفه مع إسرائيل وإن بأقدار متفاوتة. ويوحي حرصها هذا، مثلها كمثل أوباما، بالسعي لنفي الصورة النمطية عنها عند قسم كبير من تلك النخبة. وهذا ما يفسر بعض الغلوّ في توكيد وطنيتها الأميركية على حساب الهوية الخاصة التي تؤثر في أفكار وسلوكيات الأميركيين – الأفريقيين الذين تنتمي إليهم، كما في حالة أوباما، بحكم لون البشرة، وإن من دون الاشتراك معهم، إلا قليلًا، في الثقافة والمشاعر. وبوجه الإجمال، تكشف سيرتها الشخصية والسياسية، في مرآة مذكّراتها، عن تأثير التقلّبات الداخلية في فهم أدوارها في العلاقات الخارجية، بما يفوق ما نشهده عند الدبلوماسيين التقليديين. وهذا ما يخفّف من مفاجأة تسلّمها في أول أيام بايدن إدارة مجلس السياسة الداخلية.

أما وليم (بيل) بيرنز، نائب وزير الخارجية (2011–2014)، فيربط محدودية العمل من أجل الوصول إلى تسوية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بتناقص اهتمام أوباما بالشرق الأوسط لمصلحة التوجّه صوب آسيا. وبلغة مهذّبة يكتب عن رفع التوقعات العربية والإسلامية في خطاب القاهرة، وما آلت إليه الإخفاقات في الممارسة إلى تعميق الخيبات. وحين يسهب هذا الدبلوماسي، البالغ الحرفية والواسع الثقافة، في الحديث عن الثورات العربية وسياسة الولايات المتحدة حيالها، يوحي بأن هذه الأخيرة ظرفية ومتأرجحة بين الأحكام القيمية السريعة والحسابات المؤقتة. وفي مقارنة مضمرة بعهود رئاسية سابقة، يصل بنا إلى الملاحظة أن ما من سياسة متماسكة عند أوباما في التعامل مع الشرق الأوسط بديلة من السياسة السابقة أو منقطعة عنها. إلّا أنه يستثني، بطبيعة الحال، العراق الذي سبق أن عارض الحرب عليه ووعد بالانسحاب العسكري منه. كما يستثني إيران حيث أراد أن يبعد شبح المغامرات العسكرية ويحقق نجاحًا للدبلوماسية كبيرًا. ويميل بيرنز، الذي يتقن العربية ويعرف العالم العربي ويتفهّم قضاياه، نحو التماس العذر لأوباما في تقاعسه عن المتابعة الجدية للجهد الدبلوماسي المتعثّر الذي قام به مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل. ويعزو هذا التقاعس أولًا إلى تصلّب نتنياهو الشديد وقدرته على الضغط من داخل الولايات المتحدة. ويعزوه أيضًا إلى ما يسميه ترهّل القيادة الفلسطينية وإلى قلة اهتمام العرب بقضية الفلسطينيين. ومن دون أن ينتقد بصراحة حرج أوباما ومساعديه وتردّدهم في التصدي لنتنياهو، يعود بالذاكرة إلى صلابة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأسبق، الذي منع نتنياهو لمدة ثمانية عشر شهرًا من دخول وزارة الخارجية بعد اتّهامه الإدارة الأميركية بالكذب.

لكن بيرنز يشيد ببراعة أوباما في إدارة ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي الهادفة إلى تغليب الخيار العسكري في مواجهة إيران. ويشير أيضًا، وإن مداورة، إلى مقاومته الشخصية لصلف نتنياهو وتهويله حين عهد إليه بالمحادثات السرية في شباط/ فبراير 2013، والتي مهّدت للمفاوضات العلنية التي انتهت في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بتوقيع “خطة العمل الشاملة المشتركة” حول برنامج إيران النووي. ويروي لنا بإسهاب قصة تلك المحادثات السرية والدور العماني، والأخذ والرد حول اقتصارها على المسألة النووية. ربما كان الحرص على النجاح، وفرصته لم تزد عن الخمسين في المئة بحسب أوباما، الدافع الأول وراء عدم توسيع جدول الأعمال ليشمل مسائل حيوية أخرى. ويذكر الدبلوماسي الأميركي سببًا إضافيًا ألا وهو طلب حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين ألّا تناقش في غيابهم سياسات إيران غير النووية. غير أنه، وفي نهاية فصله الطويل عن القناة الخلفية التي اختارها عنوانًا لكتابه، يعترف بضياع فرصة القيام بعمل أفضل في مواجهة المشكلات التي تتسبّب فيها سياسة إيران في المنطقة، أو على الأقل من خلال تأكيده أن الاتفاق النووي مدخل لسياسة أشدّ حزمًا تجاه إيران. بطبيعة الحال، يصعب التكهّن بحجم الدور الذي سيؤديه مستقبلًا في هذا المجال بحكم موقعه في إدارة بايدن مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لكن معرفة إيران والخبرة في التفاوض الصعب مع ممثّليها وفريقه ستستثمر بطريقة ما عند استئناف المفاوضات مع إيران، أو بالأحرى العودة إليها بصيغة واستعدادات جديدة. أضف إلى ذلك أن معاونَيه في المفاوضات مع إيران، جيك سوليفان ووندي شيرمان، عيّنا مستشارًا للأمن القومي ونائبة لوزير الخارجية.

يقول بيرنز في معرض الحديث عن المفاوضات مع إيران إنه كان يترتّب على الولايات المتحدة المجازفة في اتخاذ موقف أفضل ضد نظام بشار الأسد يكون في الوقت نفسه موقفًا من تدخّلات إيران في سورية ؛ ما يسهم في تبديد بعض القلق العربي الذي تحدثه. ولا يخفي صاحب المذكرات المكتوبة بعناية كبيرة معارضته وأسفه لإحجام الولايات المتحدة عام 2013 عن الرد على استخدام نظام دمشق غاز السارين ضد المدنيين متجاوزًا الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس أوباما عام 2012. وعدا ذلك، لا يخفي قناعته أن مأساة سورية هي فشل كبير للسياسة الأميركية. ويؤكّد أن غياب الموقف الحاسم لأوباما في أكثر من مرحلة من مراحل الكارثة السورية فوّت فرصًا لإحداث فرق جدي في مسارها. ولا يقتصر، في رأيه، هذا الغياب على تجنّب انخراط عسكري يراه أوباما بصورة التورّط، بل يظهر في وضع القيود الصارمة على دعم المعارضة بالسلاح، خلافًا لنصائح العسكريين في إدارته، وفي عدم الاستجابة للدعوة إلى إقامة مناطق آمنة في الشمال السوري، وفي إخفاق التفاوض مع روسيا على نحو يحقّق تعاونًا وتوازنًا يحدّ من انحيازها إلى دمشق، وصولًا إلى تدخلها العسكري دعمًا للنظام. ويفسّر موقف الرئيس الأميركي، محاذرًا تبريره، ببطء عملية اتخاذ القرار، في ظل معرفة أوباما المحدودة بسورية، وإطالة المشاورات وتوسيع حلقة المشاركين فيها واستيضاحهم وسؤالهم عن توقّعات ليسوا قادرين على ترجيح تحقّقها. ويذكر أن الرئيس نظر أحيانًا إلى دور الولايات المتحدة في سورية من زاوية تجربتها المتعثرة في أفغانستان، منذ دعم المعارضة المسلحة وصولًا إلى تعزيز وجودها العسكري وصعوبة الإسراع في الانسحاب وآثاره المحتملة. ويضيف أن صدف التزامن مع انقسامات ومشكلات داخلية، ومعها تعرّجات العلاقة بين الرئيس والكونغرس، وجدول أعمال هذا الأخير في الشؤون الداخلية، اضطرّته إلى مراعاته وطلب موافقته على عملية عسكرية في سورية.

لم تبتعد حجج سوزان رايس وسامنتا باور عن الموقف من سورية الذي دافع عنه بيرنز. لكن الدوافع والمشاعر المؤثرة فيها اختلفت باختلاف التواريخ الشخصية. فرايس تحمل في ذاكرتها وفي قلبها مرارة اللاقرار الأميركي في الحؤول دون جريمة الإبادة في رواندا أو وقفها. يومها، أي عندما كانت تعمل في مجلس الأمن القومي، أخفقت في دفع بيل كلينتون وإدارته في اتجاه قرار فاعل. أما باور فعندها إيمان لا يحتمل الشك بضرورة التدخل لحماية المدنيين، منذ تشكّل وعيها السياسي الأممي إبّان عملها الصحافي، أيام الشباب، بصفتها شاهدة على الجرائم المرتكبة في حق المسلمين في البوسنة والهرسك، ووضعها بعد سنوات قليلة كتابًا لفت أنظار دبلوماسيين كبار وسياسيين وعنونته: مشكلة من الجحيم: أميركا وعصر جريمة الإبادة.

وقبل الدخول في تفاصيل الخلاف حول سياسة إدارة أوباما في سورية، تصف رايس التباين بين جيلين من المسؤولين ومساعدي الرئيس الأميركي حيال الثورة على النظام المصري؛ فالكبار، سنًا ومقامًا، عارضوا الضغط على مبارك ودعوته إلى الاستقالة. ورأى الآخرون، وهي منهم، أنه على الولايات المتحدة الانحياز إلى التطلعات الديمقراطية للشباب في مصر والعالم العربي. وتقول إن التباين نفسه ظهر عند البحث في قضية سورية، لكن إدراكها لما تراه مأزقًا حقيقيًا حال دون انضمامها إلى الداعين إلى تدخل الولايات المتحدة لإقامة مناطق آمنة للمدنيين، وتوجيه ضربات عسكرية إلى النظام ودعم المعارضة دعمًا قويًا. شدّها منطق أوباما وإن لم تقبل كل فرضيّاته. وزاد تقديرها لتبصّره الاحتمالات كافة، وأبرزها التورط العسكري التصاعدي الذي يحرص على تفاديه. إلّا أنها لم توافق على عدم الرد عسكريًا على اجتياز الأسد الخط الأحمر الذي حدّده أوباما. ومهما يكن من أمر، فقد رأت أن خيارات أوباما صائبة، رغم وعيها أن الامتناع عن التدخل في سورية يثير سؤالًا أخلاقيًا ويراه البعض مناقضًا للقيم الأميركية. ورغم ذلك، تضيف أنها لو كانت صاحبة القرار لما فعلت غير ما فعل، باستثناء الدعوة إلى رحيل الأسد والإعلان عن الخطوط الحمراء الذي لم ينفع شيئًا. وخلصت إلى القول إن قلبها وضميرها يتألمان بسبب سورية، إنها منذ مجازر رواندا وهي تؤيد التدخل لموقف ارتكاب الفظائع في حق المدنيين شرط ألّا تكون المخاطر على مصالح الولايات المتحدة كبيرة، وكأنها تضمر أن التدخل في سورية يجازف بتلك المصالح.

ليس تقييم المصالح همًّا كبيرًا عند سامنتا باور؛ فهي نادرًا ما تنظر إلى سياسة الولايات المتحدة من هذه الزاوية، أو هكذا تريد أن نراها. تشدّد على واجبها الأخلاقي، وكأنها تضمر أن بلدها مدعو، ومؤهل أيضًا، أن يكون قوة للخير في العالم. ولا ينفصل الاعتبار الأخلاقي، الذي تلبسه أحيانًا لبوس اللغة السياسية، عن تشديدها المتكرر على الصدقية والمشروعية في أوليتهما على حسابات الربح والخسارة الظرفيين، بما فيها ما يتّصل باضطرار السياسيين إلى المراعاة الدائمة لميول ناخبيهم. ويظهر ذلك عندها جليًّا عند الدفاع عن مبدأ التدخل في سورية، لا عند اجتياز الخطوط الحمراء فحسب بل قبل ذلك وبعده، وذلك أمام أوباما ومسؤولي إدارته ومساعديه وفي اتصالاتها بأعضاء الكونغرس الذي قرر أوباما طلب موافقته. كما يظهر في ممارستها لدورها الدبلوماسي في الأمم المتحدة. ويظهر أخيرًا في شرحها المسهب لتعرّجات الموقف الأميركي، الرئاسي بخاصة، بشأن التعامل الحازم والفاعل مع جرائم النظام السوري في حق المدنيين. ويتّسع انشغالها بالصدقية بفعل العلاقات التي نسجتها منذ بدايات الثورة السورية مع شخصيات في المعارضة ومجموعات مدنية ونتيجة إصغائها إلى شهادات عدد من الضحايا ومساعدة قسم منهم بعد الخروج من بلادهم. ومما لا شك فيه أن نظرة باور إلى المدنيين بصورة أشخاص التقتهم ساهمت في زيادة إصرارها على الموقف المؤيد للتدخل، بوسائل مختلفة وبحسب المراحل المختلفة، بل دفعتها نحو العناد في تفنيد حجج المتحفظين والمتردّدين، مثل قولها بشرعية التدخل العسكري باسم القانون الدولي ومبدأ حماية المدنيين كما فعل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو من دون الحصول على قرار متعذّر لمجلس الأمن. وتبيّن كيف وصل بها هذا الاصرار إلى مجادلة الرئيس نفسه حتى إثارة غضبه أكثر من مرة. وهي لا تخفي أن تلك الحجج ذكّرتها بالتي استخدمتها إدارة كلينتون لتبرير تقصيرها في وقف جرائم الإبادة في رواندا. وتوحي بأنها، من البداية، استشعرت أن أوباما ليس متحمّسًا للتدّخل في سورية لقلّة حماسة الرأي العام الأميركي لها، ولأنه قارن أحيانًا بين احتمال التورّط فيها والتورط في العراق وأفغانستان الذي عارضه. غير أنها لاحظت بعدئذ تغيّر اتجاهه واعتماد خيار الضربات العسكرية العقابية لتتفاجأ بتغيّر موقفه مرة ثانية، بعد تأرجحٍ بين الارتباك والحسم.

وتتفّق باور مع بيرنز ورايس في الإقرار أن تدهور الأوضاع في ليبيا جعل الكثيرين في الولايات المتحدة أكثر شكًا في قدرة أي تدخّل عسكري على تحقيق أهدافه المعلنة. ويضرب الثلاثة، كل من زاويته، مثالًا عن استخدام الروس تكرارًا ما وصفوه بالفشل الغربي قي ليبيا حجةً على أي إجراء دولي في حق النظام السوري بل رفضًا لمجرد إدانته، خشية أن تكون بمنزلة تمهيد لعمل عسكري ضده. أكثر من ذلك، جنح أوباما نفسه لمقارنة سورية بليبيا في معرض تساؤله عن جدوى العمليات العسكرية ضد الأنظمة التي تنتهك حقوق الناس على نطاق واسع. وقبل ذلك، أي في مستهل البحث حول ما تستطيع المجموعة الدولية فعله لحماية المدنيين الذين يهدّدهم تقدّم جيش القذافي، لم يبدِ استعدادًا للتدخل لا لبس فيه. يل اكتفى بدعوة الرئيس الليبي إلى التنحي بعدما فقد شرعية الحكم، وفرض عقوبات اقتصادية، وجمّد الأصول الليبية في المصارف الأميركية، وأيد بقوة قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحظر دخول السلاح وإحالة قيادييّ نظام طرابلس إلى المحكمة الجنائية الدولية. وحين علت الأصوات المطالبة بعمل عسكري ضد القذافي، رأى في ذلك دليلًا على التقدم الأخلاقي في الولايات المتحدة صاحبة التاريخ الطويل من قلّة الاكتراث بما تفعله ضد شعوبها الأنظمة الاستبدادية الحليفة. لكنّه أضاف أنه بقدر ما شارك دعاة إنقاذ الأبرياء من الطغاة دوافعهم، ساوره القلق من شنّ أي عملية عسكرية ضد ليبيا، متسائلًا عن الحدود التي يقف عنها واجب حماية المدنيين. وحاذر أيضًا فكرة زجّ الولايات المتحدة في حرب وفي بلد بعيد ليس لها فيه مصلحة استراتيجية. واستشهد بأحد مساعديه الذي قال له إن الرأي العام الأميركي لا يهتمّ بليبيا وإن تسعة من عشرة مواطنين لا يعرفون أين تقع تلك البلاد. وعند استشارته العسكريين، أعيدت إلى الأذهان تجربتا أفغانستان والعراق، وأيّد نائب الرئيس جو بايدن رأيهم المعارض للمشاركة في حملة عسكرية، أيا كانت المبرّرات. وكعادته، تأرجح أوباما بين اعتماد هذا الرأي وتفهّمه لما سمعه من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون لجهة ضرورة الاستجابة للمعارضة الليبية فضًلًا عن رايس وباور ومعهما بيرنز وأنتوني بلينكن، الذي أصبح في عهد بايدن وزيرًا للخارجية، والذين دافعوا عن سياسة منسجمة في دعم الحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية في العالم العربي وعن مسؤولية الولايات المتحدة في حماية المدنيين. ووصل بعد مناقشة وتفكّر كثيفين إلى خطة للتدخل قابلة للنجاح. فقرّر أن تشارك الولايات المتحدة في العملية العسكرية، مع توزيع للعمل مع الدول الأوروبية والعربية متفّق عليه مسبقًا، على أن تترك للأوروبيين تحمّل مسؤولية إعادة البناء في ليبيا ومساعدتها في التحوّل إلى الديمقراطية.

غني عن القول إن تنفيذ الخطة المذكورة لم يكن سهلًا من الناحية السياسية، كما استفاضت في تبيانه سوزان رايس من خلال سرد دقيق لما قامت به في الأمم المتحدة ودورها في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي يأذن للدول الأعضاء، تحت الفصل السابع، باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة. وبحكم مسؤوليتها، لم تؤد دورًا كبيرًا في ضمان تقسيم العمل الذي أراده أوباما. لكنّها لم تبذل أي جهد ملحوظ لتأكيد الانكفاء الأميركي بعد انتهاء العمليات العسكرية، حتى بعد الحملة التي تعرّضت لها في الكونغرس إثر تصريحها لوسائل الإعلام عن الطابع العفوي لانطلاقة المظاهرات في بنغازي في أيلول/ سبتمبر 2012 والتي انتهت بمقتل السفير الأميركي وثلاثة موظفين آخرين. وحين انتقلت إلى البيت الأبيض، مستشارةً للأمن القومي، لم تكتف خليفتها في نيويورك سامنتا باور بعدم إظهار أي نزعة إلى الانكفاء الأميركي. ذهبت أبعد من ذلك إلى انتقاد مخفف لأوباما في اتكاله على أوروبا لمتابعة العمل في مساعدة ليبيا بعد التدخّل العسكري، وإلى تمنّيها لو أن الولايات المتحدة قامت بدور أكبر في هذا الصدد، لمّا اتضح أن أوروبا لم تقم بكامل المهمة المطلوبة. أما بيرنز، فبعد تشديده على ضرورة الاعتراف بحدود النفوذ الأميركي وتأثيره في مآلات الثورات العربية، يقرّ بالأخطاء المرتكبة في ليبيا. فعلى غرار رايس وباور، لا يناقش صوابية تردّد أوباما ومن ثم قراره بالتدخل في ليبيا. غير أنه يتحدث بصراحة عن الفشل في صنع سياسة متماسكة ومستدامة بعد سقوط معمر القذافي، إضافة إلى سوء تقدير لدور حلفاء الولايات المتحدة العرب، في مصر والخليج، والتقليل من ضغوط الثورة المضادة التي ساهموا فيها.

غني عن القول إن المذكرات الثلاث لا تخفي تمايزًا، بدرجات متفاوتة، عن رؤية أوباما ومشاعره وحساباته الداخلية، بالنسبة إلى قضايا فلسطين ومصر وسورية وليبيا وغيرها. وأيًا كان من أمر التساؤلات والمراجعات التي سمعتها منهم شخصيًا وتململهم المتحفّظ الذي عاينته حين كنت مبعوثًا للأمم المتحدة إلى ليبيا، فإن هامش الدبلوماسيين الثلاثة في التمايز ظل ضيّقًا، لا بسبب واجب الانصياع لرئيسهم وطاعة أوامره الرئاسية فحسب، بل بفعل تأثّرهم بقوة شخصيته وعقلانيته واتساع معرفته وحسن إدراكه لما تتيحه موازين القوى الداخلية. فهل يختلف الأمر مع الرئيس الجديد؟

(*) مقالة نشرها الوزير السابق طارق متري في موقع “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”.

———————————–

======================

تحديث 28 شباط 2021

————————-

إحياء الاتفاق النووي مع إيران: أفكار تحفظ ماء الوجه/ ابتسام عازم

عندما قدّمت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، ليندا توماس – غرينفيلد، أوراق اعتمادها قبل أيام للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قالت أمامه إن “التعددية الدولية قد عادت، ومعها عادت الدبلوماسية، وعادت أميركا، ونحن مستعدون للعمل”. لكن هذه “العودة” الأميركية، تأتي مترافقةً مع تغيرات كثيرة طرأت على المشهد الدولي خلال السنوات الأربع الماضية، في ظلّ حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وسياسة “أميركا أولاً”، وضربه عرضَ الحائط بالاتفاقيات الدولية التي كانت قد توصلت إليها إداراتٌ أميركية سابقة، وعلى رأسها الاتفاق النووي الإيراني.

تعود الولايات المتحدة، مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، إلى ساحة دولية شهدت الكثير من المتغيرات، إذ ازداد نفوذ كلّ من الصين وروسيا في المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع لها، كما ازداد نفوذ كلّ من إيران وتركيا على الأرض. ولعل أحد أهم تلك المتغيرات، أن حلفاء الولايات المتحدة فقدوا الثقة بأن المعاهدات التي قد توقَّع اليوم، ستُحترم بعد أربع سنوات، مع تبدل الإدارات في واشنطن. وهذا الأمر حدث فعلاً، مع انسحاب الولايات المتحدة في عهد ترامب، من معاهدات واتفاقيات دولية، مثل الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية المناخ وغيرها.

عندما أعلنت إدارة ترامب، في أغسطس/آب الماضي، عن نيّتها إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، كان الردّ من الدول الأطراف في الاتفاقية، أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا، أن هذا الأمر غير ممكن، لأن الولايات المتحدة لم تعد طرفاً في الاتفاق، وهي انسحبت منه، ما يعني أنه لا يمكنها تفعيل تلك العقوبات. بعدها، استمرت الولايات المتحدة، ولأشهر، بإطلاق تصريحات نارية وعقد اجتماعات، بما فيها اجتماعات لمجلس الأمن الدولي، أثبتت أنها كانت للاستهلاك الإعلامي المحلي، إذ فشلت في إقناع أهم حلفائها بجدوى ما تقوم به.

اليوم، يطلق الطرفان، الإيراني والأميركي، تصريحات نارية أيضاً، حول العودة أو عدمها للانضمام إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، أي الاتفاق النووي؛ لكنهما في واقع الحال، يدركان أن “الخطة” تبقى إطاراً أساسياً ومهماً لكل منها، إذ يضمن الاتفاق، بالنسبة للأميركيين وحلفائهم الغربيين، أن تبقى إيران ضمن برنامج نووي مدني. وبالنسبة لإيران، فإن تلك العودة تعني أيضاً عودتها إلى الساحة الدولية ورفع العقوبات عنها، بما يتماشى مع الاتفاقية. كما تجد طهران نفسها تحت الضغط، إذ إنها مقبلة على انتخابات رئاسية في يونيو/حزيران المقبل، وهي تحتاج لتقديم نتائج ملموسة للداخل الإيراني.

لكن السؤال الرئيسي هو كيف ستتم هذه العودة تقنياً وفعلياً؟ هناك سيناريوهات عديدة تُطرح في الإعلام عن إضافة دول من المنطقة إلى طاولة “التفاوض”، أو إعادة التفاوض على أجزاء من الاتفاق، ليشمل ملفات أخرى. لكن هذه السيناريوهات تبقى غير واقعية، بحسب دبلوماسيين في نيويورك. فهناك إجماع دبلوماسي، على عكس التصريحات النارية، يفيد بأن الأولوية الآن هي للعودة إلى “الخطة”، ومن ثم البحث عن اتفاق طويل الأمد وأقوى. وهذا ما تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال جلسة التصديق على تعيينه أمام الكونغرس.

قد تستغرق المفاوضات حول تفاصيل العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني فترة غير قصيرة، خصوصاً أن الغموض حول تفاصيل العودة لا يتعلق بالولايات المتحدة وحدها، بل كذلك بالطرف الإيراني وعودته للالتزام ببنود الاتفاق بشكل كامل، بعد خرقه لبعضها، بما فيه زيادته نسبة تخصيب اليورانيوم عن الحد المسموح به، بحسب الخطة. لكن عودة الطرف الإيراني للالتزام بشكل كامل، تضع الطرف الأميركي والغربي في مأزق، لأن طهران اكتسبت معرفة وممارسة لا يمكن العودة بها إلى الوراء، ما يزيد من تعقيد العودة وشروطها للطرفين معاً.

كذلك، فإن باب المناورة أمام الأميركيين في ما يخصّ العودة للاتفاق النووي، ليس مفتوحاً على مصراعيه، وأي اتفاق مستقبلي سيكون محكوماً بإطار الاتفاق الموجود وليس باتفاق جديد كما اشتهت إدارة ترامب وحلفاء الولايات المتحدة، كالسعودية وإسرائيل. وكانت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما والأطراف الأوروبية في الاتفاق، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، قد سعت عندما فاوضت إيران لأكثر من سبع سنوات، أن يشمل الاتفاق أموراً أخرى، كدور إيران في المنطقة أو برنامجها الباليستي، لكنها عبثاً حاولت.

ولكن ماذا عن روسيا والصين، كدولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن، وطرفين في الاتفاق؟ يقول نائب السفير الروسي للأمم المتحدة في نيويورك، ديمتري بوليانسكي، في تصريح لـ”العربي الجديد” في نيويورك، إنه “ما زال علينا أن نفهم حيثيات العودة الأميركية إلى الاتفاق. لا توجد طريقة فورية أو آلية لذلك، وهذا قرار ستتخذه الدول المشاركة في الخطة (خطة العمل الشاملة المشتركة) سوّية”. ويصف بوليانسكي التصريحات والشروط التي يحاول الطرفان الإيراني والأميركي فرضها للموافقة على العودة للآلية، بأنها غير مجدية للمضي قدماً. ويضيف أن “هناك سيناريوهات يتم العمل عليها حالياً في فيينا (مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية) في محاولة لإيجاد حلّ للعودة المحتملة. والأهم الآن هو التوقف عن أي تصريحات وخطوات مثيرة للجدل من أي طرف، قد تعرّض هذا المسار للخطر”.

وحول الخطوات التي يمكن أن يتخذها مجلس الأمن في هذا السياق، وما إذا كانت روسيا ترى أن هناك إمكانية لإضافة بنود إلى الاتفاقية تتعلق بالصواريخ الباليستية وغيرها، يقول بوليانسكي: “نرى أن هذه أمور منفصلة عن بعضها. العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة لها إطارها ومدة زمنية محددة، بما فيها قرار مجلس الأمن 2231 (الصادر في العام 2015). ولا ندعم أي نقاشات تطالب بتغييرات على خطة العمل الشاملة المشتركة”. لكنه يضيف أنه “من جهة أخرى، نحن ندعم فكرة تحسين العلاقات بين دول المنطقة في الخليج، ونرى ضرورة في أن تتخذ خطوات بناء ثقة للحيلولة دون وقوع مواجهات بين الجيران أو القوى الخارجية، ونحن ندعم حواراً من هذا القبيل قد يسمح لدول المنطقة بالمضي قدماً، ولكن هذه مسارات مختلفة عن الخطة وإعادة الانضمام إليها”.

يحاول كلّ من الطرفين، الأميركي والإيراني، دعم موقفه التفاوضي حول العودة، ليس فقط برفع سقف طلباته والتصريحات النارية المتبادلة، بل بجسّ النبض على الأرض بحروب الوكالة والضربات المحدودة. وفي هذا السياق، تمكن قراءة الضربة العسكرية الأميركية في منطقة البوكمال، شرقي سورية، ليل الخميس – الجمعة الماضيين، والتي قال مسؤولون أميركيون إنها جاءت ضد مواقع تابعة “لميلشيات مدعومة من إيران”، ولبعث رسالة واضحة لها، ورداً على الضربات العسكرية الأخيرة في العراق (هجمات صاروخية ضد مواقع أميركية).

كذلك، يدرك بايدن أن الجمهوريين (في الكونغرس) لن يوافقوا على أي اتفاق مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي (كما هو عليه الاتفاق)، لذلك فهو يحتاج إلى عودة تحفظ لإدارته ماء الوجه، وتسمح برفع العقوبات من دون أن يضّر به ذلك على المدى القصير، وكذلك بالديمقراطيين، خصوصاً أن الولايات المتحدة تنتظر انتخابات نصفية للكونغرس بعد أقل من سنتين.

العربي الجديد

—————————

حوار لا تفاوض بين أميركا وإيران/ حسن فحص

يمكن القول ان مهلة الاشهر الثلاثة التي تم الاتفاق عليها في التفاهم الذي حصل بين الحكومة الايرانية ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي خلال زيارته الى طهران في 20 و21 شباط 2021، حول مصير ارشيف كاميرات مراقبة المنشآت النووية، هي المحطة الاهم في هذه الزيارة، لانها ساهمت في تأجيل اشعال فتيل تفجير الازمة بين طهران والمجتمع الدولي وما يمكن ان يرافقها من تطورات وتداعيات، وفتحت الباب امام دور ثنائي للوكالة الدولية والاتحاد الاوروبي للبحث عن مخارج للشروط المتبادلة بين واشنطن وطهران حول الجهة التي يجب ان تقوم بالخطوة الاولى لاعادة تفعيل الاتفاق النووي.

مقترحات متعددة تهدف للمساعدة في تذليل العقبات امام التوصل الى حل لهذه المعضلة، قدمها اعضاء في السداسية الدولية خاصة الشريك الروسي الذي دعا الى عودة متزامنة للطرفين الى طاولة التفاوض في اطار مجموعة 5+1 تترافق مع اعلان تخلي الطرفين، الامريكي عن العقوبات “الترمبية”، والايراني عن خطوات تقليص التزاماته النووية. الا ان المحطة الاهم في هذا السياق تبقى الجهود التي يبذلها منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزب بوريل لتسهيل عقد جلسة بين ايران ومجموعة 4+1 بمشاركة امريكية كضيف او مراقب، بحيث تفتح الطريق امام حوار غير رسمي بين الطرفين لازالة العقبات والخلافات حول مختلف الملفات خصوصا ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي وتوسيع دائرة الدول المشاركة، قبل العودة الى الاتفاق النووي.

بموازاة هذه الجهود، فان حكومة حسن روحاني وبضوء اخضر من المرشد الذي يمسك بالقرار الاستراتيجي للنظام، تبدي ايجابية واضحة للتجاوب مع هذه الجهود، خاصة وانها استطاعت الحصول على تفويض واضح وعلني من المرشد للتفاهم مع غروسي حول بروتوكول التفتيش المباغت على حساب البرلمان، وكذلك في عدم ابداء اي ممانعة بالصيغة التي اقترحها بوريل لاجتماع محموعة 5+1 غير الرسمية، الا انها في المقابل، رفعت سقف التشدد وتهديد الترويكا الاوروبية بخطوات اكثر تصعيدا في حال دفعت لاصدار بيان عن مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتهمها فيه بانشطة ذات طابع عسكري او خرق الاتفاق، والذي تعتبره طهران تخلياً من هذه الدول عن الاتفاق والخروج منه وعليه.

على الرغم من رغبة روحاني وفريقه بالوصول الى نتائج عملية خلال الاشهر الثلاثة المقبلة، تتجاوز النافذة الصغيرة التي قد تسمح بها واشنطن بتحرير جزء من الارصدة الايرانية المجمدة في الخارج، خاصة في كوريا الجنوبية لتلبية بعض الاحتياجات الانسانية والطبية، وتسهيل عملية التفاوض مع البنك الدولي حول القرض الذي سبق ان طلبته هذه الحكومة لمساعدتها في مواجهة تداعيات جائحة كورونا. يبدو ان الطرفين المعنيين بالازمة، اي النظام الايراني والادارة الامريكية غير متعجلين في التوصل الى تفاهم سريع. ويتفقان ضمنا على تأجيل اي اتفاق او تفاهم عملي لاتضاح صورة الانتخابات الرئاسية الايرانية التي من المفترض ان تجري في 18 حزيران المقبل.

فمن جهة، التريث الامريكي في حسم الموقف من الاتفاق النووي والازمة مع ايران مرده الى عدم وجود ضمانات بالتزام طهران بما سيتم الاتفاق عليه مع هذه الحكومة، وهي وان كانت تعتبر ان اي تفاهم او اتفاق مع طهران سيكون اتفاقا بينها وبين المرشد، الا انها ترجح التعامل مع حكومة جديدة قادرة على تنفيذ تعهداتها بعيدا عن مخاطر التعطيل، لانها وحسب التقديرات الامريكية والايرانية ستكون ممثلة لتيار السلطة والنظام وتحت سيطرة التيار المحافظ، الجهة الاكثر قدرة على تنفيذ اي اتفاق من دون معوقات او عراقيل قد يواجهها اي مرشح من المعسكر الاخر الاصلاحي والمعتدل.

ومن جهة اخرى، فان مراكز القرار في طهران، لن تمانع في فتح المجال امام روحاني وفريقه لبذل ما يستطيعون من جهود في تذليل الكثير من العقبات، وهذا ما ظهر في موقف المرشد الذي انحاز لروحاني وحكومته في التفاهم الذي توصلت له مع الوكالة الدولة على حساب البرلمان المحسوب عليه وعلى فريقه، على قاعدة التعامل مع اي ايجابية دولية في الملف النووي لكن تحت السقف الذي حدده والشروط التي اعاد التأكيد عليها بالغاء العقوبات اولا قبل العودة الى تنفيذ تعهدات الاتفاق النووي.

فتحُ المجال لروحاني وفريقه لا يعني امتلاكهم القدرة على بلورة هذه التفاهمات كنتائج عملية وتنفيذية تعزز من مواقعهم في القرار السياسي او التأثير على مخططات النظام في ما يتعلق بالعملية السياسية، وخاصة وان التعامل مع الحكومة في الاشهر الاخيرة من عمرها كحكومة انتقالية، تمهد الطريق امام الرئيس الجديد الذي سيكون من حصة المعسكر المحافظ في قطف الثمرة النهائية لهذه الجهود.

الادارة الامريكية بقيادة الرئيس جو بايدن قد لا تكون على عجلة من امرها في حسم الملف الايراني اكثر من طهران، فهي بدأت عمليا في تفكيك الملفات والازمات الاقليمية التي تشكل مساحة للنفوذ الايراني، خاصة في العراق الذي تسعى لتحييده كساحة اشتباك، من هنا جاء اختيارها لمواقع فصائل الحشد الشعبي العراقي داخل الاراضي السورية للرد على الاعتداء الذي استهدف قاعدتها في مطار اربيل مركز اقليم كردستان. وتعمل في اليمن على تفعيل عملية الحل السياسي بالشروط اليمنية وبما لا يشكل تهديدا للمصالح السعودية في اي حل قد يتم التوصل اليه. وهي بذلك ترمي الكرة في الملعب الايراني، الذي سيكون عندها امام واحد من خيارين، اما القبول بخفض سقف توقعاته وشروطه، واما الذهاب الى التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات.

المدن

——————————-

استيعاب إدارة بايدن/ مأمون فندي

كلمة «استيعاب» في عنوان المقال قصدت بها معنيين اثنين: الأول بمعنى الفهم، والآخر بمعنى الاحتواء وتحمُّل الصدمات. في الكتابات العربية عن السياسة الأميركية قليل مما يثير الاهتمام نتيجة لعدم الاستيعاب والفهم لطبيعة النظام الأميركي مجملاً ولطبيعة تفاعلات الأطراف في واشنطن، أو حتى طبيعة اللغة التي تكتب بها واشنطن أو تتحدثها. ولنبدأ بمثال يوضح ما قلته للتوّ، فمثلاً في حديث وزير الخارجية الأميركي مع نظرائه في العالم، من بريطانيا إلى فرنسا إلى إسرائيل أو مصر، نجد عبارة «حليف استراتيجي» (strategic ally) عندما يتحدث عن بريطانيا، ونجد أيضاً تعبير «شريك استراتيجي» (strategic partner) عندما يتحدث عن مصر. وفي الترجمات العربية نتحدث كأن المصطلحين لهما المعنى ذاته، ولكنّ الحقيقة أنهما مختلفان تماماً، فالحليف هو مصطلح قانوني في المقام الأول مبنيّ على اتفاقيات ومعاهدات دولية ذات صبغة قانونية، أما الشريك فهو مجرد تعاون بحكم المصالح ومن دون أي التزام قانوني. فكل كلمة تصدر عن واشنطن محسوبة بدقة. المثال الآخر والأساسي هو مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان. يخطئ مَن يظن في منطقتنا أننا نحن المقصودون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فهناك جائزة أكبر منّا وأهم بالنسبة إلى الإدارة الأميركية وهي الصين ومعها روسيا بالتبعية، فلهزيمة النموذج الصيني ليس لدى إدارة بايدن مفهوم استراتيجي آخر غير الديمقراطية وحقوق الإنسان، آيديولوجيا جديدة أقرب إلى تلك التي أدت إلى هزيمة الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. نحن لسنا مقصودين، ولكنْ أمامنا اختيار: فهل نحن مع تحالف الديمقراطيات الجديد أم سننحاز إلى الكتلة الديكتاتورية كما انحاز عبد الناصر من قبل؟ هذان مجرد مثالين على أننا نخطئ أحياناً في فهم لغة واشنطن، ويجب علينا تعلمها وتعلّم سبل تأويلها كي لا نتوه في مواقفنا وأفعالنا مع الإدارات الأميركية.

ثانياً، يمكن القول إن أي إدارة أميركية هي عبارة عن ثلاث مجموعات أساسية: البيت الأبيض وما يصدر عنه، والكونغرس وما يُشرع فيه، وجماعات المجتمع السياسي المختلفة من وسائل إعلام متنفذة ومراكز أبحاث ذات سطوه علمية ونشطاء سياسيين وجماعات ضغط مؤثرة (lobbies). تفاعُل كل هذه الأطراف هو الذي يرسم ملامح أي قضية ستُطرح على الطاولة المركزية للنقاش في الولايات المتحدة الذي يسبق اتخاذ أي قرار بشأن دولة ما في العالم أو في ملف ما، سواء أكان الملف النووي الإيراني أو ملف تغير المناخ.

في هذا المقال سأحاول أن أقدم قراءة لإدارة بايدن من ذلك الطرف الأخير من قطعة القماش التي تبدو كأنها خيوط على الهامش، وسأحاول توضيح أهمية هؤلاء اللاعبين ودورهم الذي ما يلبث في لحظة أن يشكّل مركزية القرار وجوهر القصة.

اللاعبون الأساسيون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن معروفون للجميع تقريباً، سواء أكان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أو وزير الدفاع لويد أوستن، أو رئيس المخابرات المركزية ويليام بيرنز، مع أن استيعابنا لقدرات بيرنز ما زال ناقصاً باستثناء مَن عملوا معه بشكل مباشر عندما كان سفيراً لأميركا لدى الأردن، أو عندما كان نائباً لوزير الخارجية في عهد أوباما، وبيرنز يتحدث ويقرأ ثلاث لغات بطلاقة إحداها العربية. ومن الصعب جداً تضليله، فهو يعرف المنطقة مثلما يعرف كفّ يده.

قراءة إدارة بايدن من أطرافها تكشف لنا الكثير عن عملية نسج القصة الأميركية عن الشرق الأوسط. وأبدأ بشخصية تبدو هامشية وهي سمانثا بور، المسؤولة عن المعونة الأميركية… سمانثا بور ليست ككل من سبقها في إدارة المعونة الأميركية التي كانت مجرد إدارة تابعة للخارجية الأميركية؛ إذ تم في عهد بايدن رفع مستوى هذه الإدارة إلى وزارة، وتجلس سمانثا بور على طاولة الحوار السياسي برتبة وزير وناشطة حقوق الإنسان، وسفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة في إدارة باراك أوباما. وبهذا يصبح ربط بايدن المعونة الأميركية بحقوق الإنسان وقوة المجتمع المدني والديمقراطية، أمراً لا يقبل الجدل أو المماطلة أو التنصل، فهو جزء أصيل من أعمدة خيمة بايدن السياسية.

أما الشخص الثاني الذي يبدو كأنَّه مسؤول هامشي في السياق الوزاري أو سياق صناعة القرارات فهو روبرت مالي، مسؤول الملف الإيراني ورئيس مجموعة الأزمات السابق. قراءة من الهامش قد تكشف لنا الكثير عن طبيعة ومادة نسيج القصة الشرق أوسطية في إدارة بايدن.

من نافلة القول إنَّ القراءة السياسية لأي مشهد تكون ناقصة إذا ما انصبَّ التركيز كله على اللاعبين، فهناك مؤسسات النظام وكذلك السياق المحيط. وكما أسلفت، ففي واشنطن ثلاث مجموعات تشكّل القصة الأساسية: الإدارة، والكونغرس، ومجتمع مراكز الأبحاث المختلفة، ومع ذلك يبقى التفسير السياسي ناقصاً، إذا لم تكن لدينا قراءة كافية للاعبين المحرّكين للأحداث أو مَن لديهم القدرة على فرض سرديات قصة جديدة.

سمانثا بور وروبرت مالي قادمان من الفئة الثالثة، وهو مجتمع الأبحاث والصحافة، وكلاهما له توجه آيديولوجي تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أصبحت ركيزة أساسية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن. وفي حالة سمانثا بور يتَّضح اهتمام المرأة بقضايا حقوق الإنسان من قضايا الإبادة الجماعية من البلقان إلى أفريقيا، ويتَّضح من كتابها الأخير عن «تعليم الإنسان المثالي» وتجربتها الشخصية كمهاجرة آيرلندية يتضح نهج المثالية في العلاقات الدولية كنقيض للمدرسة الواقعية.

الجزئية الخاصة بأصولها الآيرلندية مهمة لتقاطعها مع خلفية الرئيس جو بايدن نفسه الذي يعتز أيضاً بأصوله الآيرلندية والكاثوليكية. ومن هنا يكون لصوت سمانثا بور صدى مسموع في أذن الرئيس.

روبرت مالي اليهودي من أصول مصرية له حساسية خاصة تجاه حقوق الأقليات والديمقراطية في الشرق الأوسط، تفرضها عليه تجربة والده الذي كان مراسلاً لجريدة «الجمهورية» المصرية في نيويورك حتى نُزعت عنه الجنسية المصرية، رغم أنه كان يسارياً مسانداً لقضايا العالم الثالث خصوصاً حملة عبد الناصر ضد الاستعمار في أفريقيا.

تعرفت على روبرت في واشنطن عندما كان يعمل في مجموعة الأزمات الدولية، ورغم أنه على المستوى الشخصي لم يَرُق لي، فإن هذا لم يمنعني من تقدير ذكائه وقدراته كباحث جاد ودبلوماسي متميز صُنع في جامعات مرموقة، «أكسفورد» كانت إحداها. روبرت جزء من مجتمع أوسع يهتم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، مجتمع كان له دور في وصول بايدن إلى البيت الأبيض. ومن هنا سيكون لصوته تأثير مهم في نسج قصة الإدارة الجديدة وآيديولوجية علاقاتها الدولية.

شخصيتان من هامش الإدارة ستشكّلان الحكاية التي تحتلّ منتصف الطاولة في الفترة القادمة من إدارة الرئيس جو بايدن فيما يخص الشرق الأوسط.

رؤية كل من سمانثا بور، وروبرت مالي ستنعكس على قرارات بايدن فيما يخص الشرق الأوسط جملةً، ما قد يقلّص الدعم الأميركي للمنطقة على المستويات العسكرية والاقتصادية وربطها بمجال الحريات وحقوق الإنسان. استجابة دول المنطقة أو استيعابها بالمعنى الثاني (أي استيعاب الصدمات) قد تكون سبباً أكبر إما في توسيع الفجوة وإما في رأب الصدع.

معظم دول الشرق الأوسط منذ ستينات القرن الماضي تتنازعها رؤيتان؛ واحدة تقول إنَّ أميركا غير مهمة ونحن أدرى بشؤوننا، والأخرى ترى أنَّ الانحناء للعاصفة أمر عملي. وفي معظم الأحيان تتسيد الرؤية غير العقلانية ورؤية المواجهة والعنتريات، وللأسف تكون النتائج كارثية كما رأينا في هزيمة 1967.

بايدن سيحكم من الهامش نتيجة تحكم الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي في مقدرات الحزب (جمهور السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز)، وفيما يخص الشرق الأوسط يكون التركيز على الشخصيات الهامشية في الإدارة، مثل بور ومالي، ضرورة لأي محاولة لكسب المعركة الأولى مع الإدارة الجديدة.

الشرق الأوسط

———————-

احذروا الخرائط المريضة/ غسان شربل

مؤلمة قصة الخرائط المريضة إذا اختارت انتظار الطبيب من وراء البحار والعلاج من المختبرات البعيدة. رغبة المريض في الشفاء أساسية في أي علاج. وتقول التجارب إنَّ الدول لا تسقط من الخارج إلا إذا كان الداخل هشاً ومريضاً. تبلور الإرادة الوطنية الجامعة جوهري في هذا السياق. وربما لهذا السبب تحرص أي وصاية خارجية على تفتيت وحدة المواطنين واستحداث خطوط تماس ملتهبة بينهم. هكذا يتمُّ إيقاظ عصبيات قديمة تلتقي مع مخاوف مستجدة لتمزيق الناس وتوزيعهم على متاريس متقابلة. رأينا في منطقتنا المنكوبة تجارب صارخة ومفاجآت لم نتوقعها. رأينا الجيش العراقي يخترق الحدود الإيرانية في عهد صدام حسين. ثم رأينا بغداد تعجز عن تشكيل حكومة ما لم تحصل هذه على مباركة طهران. رأينا سوريا اللاعب الأول في لبنان تحرك الخيوط والدمى، ثم رأينا ميليشيات لبنانية تجتاز الحدود لتدافع عن النظام السوري. رأينا خرائط تفقد حصانتها وتتسلل رياح التفكك أو الإرهاب إلى داخلها. ورأينا دولاً تفقد استقرارها وتختبئ مذعورة تحت معطف قوي صادر صوتها وإرادتها.

يكثر الحديث عن الترياق المنتظر، ليس من العراق، بل من صفقة أميركية – إيرانية. أغلب الظن أنَّ الأمور أكثر تعقيداً مما يعتقد كثيرون. على مدى عقود بذلت إيران جهوداً هائلة وشنت هجمات متنوعة لقطع الخيط الأميركي الذي اعتقدت أنَّه يحرس استقرار واستمرار عدد من دول المنطقة. وفي السنوات القليلة الماضية شنَّت الإدارة الأميركية حرب عقوبات لتقطع الخيط الإيراني الذي التف على القرار في خرائط عدة لاجتذابها فوقعت في خانة الخرائط المريضة. رحلة إدارة بايدن مع ملفات الشرق الأوسط الرهيب لا تزال في بداياتها. من المهم جداً أنْ تجيدَ الإدارة الأميركية قراءة ما تغيَّر وما تكشف وألا تكون مجرد صدى لأفكار قديمة قادرة لا على معالجة الخرائط المريضة، بل على إنجاب المزيد منها.

للاستقرار ركائز معروفة في الشرق الأوسط وتأتي المملكة العربية السعودية في طليعة هذه الركائز. ويجدر بإدارة بايدن أن تتوقَّفَ عند حجم التغيير الذي شهدته السعودية والذي أدَّى إلى تجفيف منابع التطرف وفتح أبواب الأمل أمام أجيال شابة كان الفكر المتطرف يحاول سابقاً استدراجها إلى ملعب الإرهاب. إنَّ الاستناد إلى تقارير وتقويمات تعوزها الأدلة لإطلاق أحكام أو إشاعة مناخات من عدم الثقة مع الحلفاء يؤثر سلباً بالتأكيد على استقرار المنطقة، وقدرة الإدارة الحالية على الاضطلاع بدور بناء فيها.

سوريا المريضة ليست مفيدة لأحد. لا لأهلها ولا لجيرانها. لا للمنطقة ولا للعالم. وليست مفيدة بالتأكيد لوضع هذا الجزء الشائك من العالم الذي نسميه الشرق الأوسط على طريق الاستقرار والبحث عن الازدهار. أقصد بسوريا المريضة سوريا التي لا تزال تقطر دماً بفعل الحروب الطاحنة التي دارت على أراضيها. وأقصد تلك البلاد التي يرابط ملايين من أبنائها في مخيمات على مقربة من حدودها ولا يجرأون على العودة أو لا يُسمح لهم بذلك. البلاد التي لا تسيطر مؤسساتها الرسمية على كامل أراضيها وتعيش اليوم موزعة تحت أعلام كثيرة. البلاد التي يشترك حلفاء وأعداء في صنع قرارها بعدما كانت شهرتها تقوم على أن قرارها صناعة سورية خالصة. ولم يكن الأمر مجرد ادعاء، فحافظ الأسد لم يسمح لا لواشنطن ولا لموسكو بإملاء سياسات عليه. وتابع بشار الأسد السير على هذا الطريق قبل أن ينحسر دور سوريا بفعل انسحابها من لبنان وبدء تصدع مؤسساتها مع اندلاع «ربيعها» بكل مبرراته وملابساته وأهواله.

سوريا المريضة ليست مفيدة لأحد. ليست مفيدة بالتأكيد للبنان الذي تربطه بسوريا شرايين يستحيل قطعها، وهي شرايين تختلف بالتأكيد عن معابر التهريب غير الشرعية التي فشل «العهد القوي» في كبح شبكاتها وقبضاياتها ما كرسه أضعف العهود في دفتر الضعفاء. والحقيقة أنَّ سوريا المريضة العاجزة عن استرجاع استقرارها واستعادة أبنائها مشروع دائم لزعزعة الاستقرار اللبناني، وصبّ الزيت على النار المشتعلة لأسباب أخرى. ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بالشرايين المفتوحة بين سوريا والعراق بفعل الجغرافيا والتاريخ معاً وهو ما أعاد التذكير به انتشار «دولة داعش» على أجزاء واسعة من أراضي البلدين.

وإذا كانت سوريا المريضة تحمل في داخلها خطر ولادة الإرهاب على أرضها أو تسلله إليها، فإنَّها تحمل أيضاً خطر أن تكون مسرحاً لحروب طاحنة أو شرارة لحرب تتعدى حدودها. والواقع هو أنَّ حرباً إسرائيلية تدور ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، وقد اختارت طهران حتى الآن عدم الرد بما يمكن أن يؤدي إلى مواجهة واسعة لا تسمح روسيا بحصولها، وإن لم تعارض الضربات الإسرائيلية الموضعية ضد «التموضع الإيراني».

العراق المريض ليس مفيداً لا لأهله ولا لاستقرار المنطقة التي تتزايد فيها معدلات التفكك والفقر واليأس. ما نشاهده منذ وقت غير قصير غريب، ويكاد يتحول إلى قواعد مسلم بها. يشنُّ الطيران التركي غارات على أهداف كردية داخل العراق. يقيم الجيش التركي مراكز ثابتة داخل الأراضي العراقية. في المقابل تزداد إيران تشبثاً بإدارة بغداد من طهران أو عبر الفصائل التي «تعالج» العاصمة العراقية بالوصفات المستوردة من طهران. لا مبالغة في الأمر فمن يتابع المجريات يدرك بسهولة أنَّ العراق يخوض حالياً معركة قاسية لاستكمال بناء مؤسساته المعبرة عن قدرته على اتخاذ قراره السيادي دفاعاً عن استقراره ومصالحه. ويذكر وضع بغداد الحالي مع طهران بوضع بيروت مع دمشق في السنوات الخوالي، وتتشابه كثيراً لعبة الأدوات المحلية والواجهات المصطنعة والمغطاة بشعارات كبيرة يمارس أصحابها أصنافاً من الاستعلاء على مواطنيهم، فضلاً عن ترهيبهم. ويمكن قول الشيء نفسه عن لبنان. لبنان المريض ليس مفيداً لا لأهله ولا لجيرانه. الأمر نفسه بالنسبة إلى اليمن.

أخطر ما يمكن أن يحصل هو أن تتكرر تجارب الماضي. أن يحسم مصير دول في غياب ممثليها وهم الأدرى بتطلعات شعوبها ومصالحها الحقيقية. سيكون بالغ الخطورة أن يسلم لعواصم في الشرق الأوسط بحق إدارة عواصم أخرى مهما كانت الأعذار. قدرة الشعوب والمجموعات على مقاومة توجه من هذا النوع ستؤدي إلى توالد أشكال من المقاومة والعنف واليأس والتطرف والإرهاب. التسليم لموازين القوى الطارئة بحق الديمومة وتغيير توازنات تاريخية أمر بالغ الخطورة. على إدارة بايدن أن تتمهَّل في قراءة المنطقة وركائز الاستقرار والاعتدال فيها. ومن حق أي مراقب عاقل أن يقول: «احذروا الخرائط المريضة». العلاج الخاطئ يضاعف التهاباتها.

الشرق الأوسط

—————————–

العلاقات الأميركيةالسعودية في أزمة غير معهودة / هشام ملحم

أثار قرار الرئيس جو بايدن عدم فرض عقوبات ضد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في أعقاب الكشف عن مضمون تقرير للاستخبارات الأميركية، أكد أن الأمير محمد بن سلمان “أجاز” عملية لاختطاف أو اغتيال الصحفي والمعلق السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018، الكثير من الجدل والتحفظات والاعتراضات في أوساط الحزب الديمقراطي، ومن قبل بعض المشرعين النافذين المقربين من الرئيس الأميركي. كما أثار القرار جدلا قويا في الأوساط الإعلامية، وفي أوساط منظمات حقوق الإنسان، وتلك المعنية بالحريات الإعلامية. ومرة أخرى عادت العلاقات الثنائية الأميركية-السعودية التي تميزت بالفتور والتوتر منذ انتخاب بايدن، إلى الواجهة وتجدد معها السجال بين المنادين بمعاقبة الأمير محمد بن سلمان شخصيا ومحاسبة الدولة السعودية، إذا استمرت على التمسك به وليا للعهد وعاهلا في المستقبل، وبين من يحذر من مغبة التفريط بعلاقات قديمة ومهمة استراتيجيا واقتصاديا لواشنطن، وإن كانت بين بلدين لا تجمعهما أي قيم سياسية، أو ثقافية، بل مصالح مادية فقط.

التقرير الذي أعدته وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأخرى بعد بضعة أسابيع من جريمة قتل خاشقجي، وتم تسريب معظم مضمونه إلى وسائل الإعلام، بقي سرا بنصه الرسمي لأن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي دافع عن ولي العهد وتبجح بانه “أنقذ مؤخرته” من العقاب كما قال للصحافي بوب وودورد، رفض الكشف عنه، لكي لا يسيء إلى العلاقات القوية التي ربطته هو وصهره جاريد كوشنر مع الأمير السعودي الشاب.

وأعلنت وزارتي الخارجية والخزينة، يوم الجمعة الماضي، سلسلة عقوبات شملت 76 مسؤولا سعوديا من بينهم 7 أفراد من ما يسمى “قوة التدخل السريع” الذين قتلوا خاشقجي وقطعوا أوصاله، والذي رأى تقرير الاستخبارات الأميركية أن أفراد هذه القوة لا يمكن ان يشاركوا في مثل هذا الاغتيال دون موافقة ولي العهد. وجاء في التقرير ان هذه القوة الخاصة قد شكلت خصيصا “للدفاع عن ولي العهد. ولا تعمل الا بأوامره”. ووفقا لتقارير صحفية مبنية على تسريبات رسمية قام افراد هذه القوة السرية بعشرات العمليات داخل وخارج المملكة ضد الناشطين السياسيين ومعارضي الحكومة السعودية، شملت خطف مواطنين سعوديين في الخارج وإعادتهم إلى البلاد وسجنهم وتعذيبهم. كما أشرفت هذه القوة على اعتقال عدد من الناشطات السعوديات الذين تعرضن للتعذيب، وكانت أبرزهن لجين الحذلول التي أفرج عنها قبل أسابيع بعد سجنها لأكثر من سنتين. كما فرضت وزارة الخزينة عقوبات ضد نائب الاستخبارات السعودية السابق والمقرب من ولي العهد، أحمد العسيري.

وأعلن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، عن مبادرة أعطيت اسم “حظر خاشقجي” والتي ستستخدمها الحكومة الأميركية لمعاقبة أي مسؤول، سعودي أو غير سعودي، وحرمانه من دخول الولايات المتحدة، يقوم بملاحقة أو ترهيب أو قتل أي معارض سياسي أو صحافي في الخارج نيابة عن حكومته.

هذه العقوبات تأتي في أعقاب إعلان الرئيس بايدن أن إدارته ستقوم باعادة تقويم العلاقات مع السعودية، وبعد تعليق صفقات عسكرية وافقت عليها إدارة الرئيس ترامب، ووقف الدعم العسكري للعمليات الهجومية في اليمن، وغيرها من الإجراءات ضد السعودية التي وصفها بايدن خلال الحملة الانتخابية بالدولة “المنبوذة” التي يجب عليها أن “تدفع ثمن” انتهاكاتها لحقوق الإنسان وحرب اليمن، التي أدت إلى قتل عشرات الآلاف من المدنيين وحوّلت اليمن إلى أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.

ومن المتوقع ان يعلن الرئيس ترامب اليوم (الاثنين) عن إجراءات عقابية جديدة ضد السعودية، ولكن لا يعتقد أن معاقبة ولي العهد من بينها. ولكن ما يمكن قوله في هذا الوقت المبكر في ولاية الرئيس بايدن، هو أن العلاقات الأميركية-السعودية سوف تدخل في مرحلة فتور وتشنج لن تنتهي في أي وقت قريب، وأن الأزمة الراهنة هي أسوأ، على المدى البعيد، من أزمة حظر النفط خلال حرب 1973.

مؤيدو قرار الرئيس بايدن عدم معاقبة الأمير محمد بن سلمان شخصيا يقولون إن الإجراءات التي اتخذها بايدن بحق السعودية حتى الآن، بما في ذلك الكشف عن مضمون تقرير الاستخبارات، وإصراره على الاتصال بالعاهل السعودي وليس بولي العهد، تؤكد جدية رغبته بمعاملة السعودية بطريقة فاترة ورسمية وقطعا غير ودية، لأن واشنطن تريد أن تحافظ على التعاون المشترك ضد الإرهاب ولضرورة تنسيق المواقف تجاه إيران، كما أن تعاون السعودية ضروري لإيجاد حل للحرب في اليمن. وكان وزير الخارجية بلينكن قد قال الجمعة إن العلاقات مع السعودية هي أهم من أي مسؤول معين، وكما قال مسؤول آخر في ايجاز خلفي إن الولايات المتحدة لا تفرض عقوبات ضد قادة دول تعتبرها حليفة.

وعلى الرغم من ترحيب الأوساط السياسية والإعلامية والقانونية بشكل عام بالكشف عن تقرير الاستخبارات، فإن بعض حلفاء بايدن في الكونغرس وقادة منظمات حقوق الإنسان وبعض المعلقين وجهوا انتقادات قاسية للإدارة وتسائلوا، كيف يمكن معاقبة الذين قاموا باغتيال وتقطيع جثة خاشقجي، وعدم معاقبة الطرف الذي أصدر أوامر التصفية الجسدية؟ السناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال قال إنه “يجب عدم السماح لولي العهد السعودي بالإفلات من العقاب بعد ارتكاب جريمة وحشية”. ورأى النائب الديمقراطي آدم شيف، وهو رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، أنه سيواصل الضغط لفرض عقوبات على ولي العهد، بما في ذلك تجميد الحسابات التي يسيطر عليها. وقال السناتور الديمقراطي رون وايدن إن ولي العهد السعودي “يجب أن يعاقب، بما في ذلك العقوبات المالية والقانونية وحظر السفر.” وأضاف أن المملكة يجب أن تتعرض إلى العقوبات القاسية “إذا بقي ولي العهد في السلطة”.

وإذا كانت هذه الانتقادات قوية، فإن الانتقادات التي تعرض لها بايدن من المعلقين والصحافيين والناشرين فقد كانت لاذعة وجارحة. ناشر صحيفة واشنطن بوست فريد رايان، التي كانت تنشر مقالات خاشقجي الدورية قال إن “الرجل الذي أمر بهذه الجريمة الوحشية يجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة”. لاحقا نشر أعضاء مجلس إدارة الصحيفة مقالا باسمهم جاء فيه “محمد بن سلمان مذنب بجريمة قتل. ويجب أن لا يسمح له بايدن بالإفلات”. وجاء في مقال للمعلق الليبرالي في صحيفة نيويورك تايمز نيكولاس كريستوف، الذي كانت تربطه علاقة صداقة بخاشقجي، “وبدلا من فرض العقوبات على ولي العهد، يبدو لأن بايدن سمح له بالإفلات”.

ويرى محللون مثل كريستوف وغيره أن واشنطن من خلال معاقبتها لولي العهد يمكن أن تخلق معارضة داخليه له تمنعه من أن يصبح ملكا للسعودية. ويتخوف هؤلاء من أن ولي العهد، البالغ من العمر 35 سنة، والذي أثبت خلال أول خمس سنوات له في السلطة الفعلية أنه متهور ولا يتردد في استخدام العنف، مثل قتل من يعارضه، أو المساهمة بكارثة إنسانية في اليمن، إذا خلف والده، فإنه يمكن أن يبقى ملكا ربما لخمسين سنة مقبلة. ولكن من الواضح أن دعاة مثل هذا الموقف قليلون، ولا يوجد بينهم من هو قريب من الرئيس بايدن. ويبرر المسؤولون عدم معاقبة الأمير محمد بن سلمان بالقول إنه يمكن أن يصبح ملكا للسعودية في أي وقت، وأن بايدن لا يريد أن يجد نفسه في موقع يمنعه من الاتصال أو التعاون مع الحاكم الرسمي للسعودية. المسؤولون في إدارة بايدن يقولون في إيجازاهم الخلفية أنهم لا يتوقعون أن يروا محمد بن سلمان في واشنطن في السنوات المقبلة، حتى ولو أصبح ملكا للسعودية.

ويرى محللون في مراكز الأبحاث، أن التحديات القانونية التي سيواجهها ولي العهد السعودي لن تكون من الحكومة الأميركية بل من المحاكم الأميركية ومن الكونغرس. وهناك دعاوى ضد ولي العهد في المحاكم الأميركية، وفي حال صدور أحكام ضده، فإنه لن يستطيع المجازفة بزيارة واشنطن، حتى ولو وصل رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض وعامله معاملة مماثلة للمعاملة التي تلقاها من الرئيس السابق ترامب. كما أن الكونغرس الأميركي يمكن أن يصدر قرارات عقابية بحق ولي العهد، قد يجد بايدن صعوبة في التصدي لها.

السجال الراهن حول مستقبل العلاقات الأميركية-السعودية، أبرز إلى السطح من جديد تلك الأصوات العديدة في أوساط المحللين في مراكز الأبحاث وفي الإعلام، والتي تشدد أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى السعودية كما تحتاج السعودية لمظلة الحماية الأميركية. وكما قال لنا ديبلوماسي سابق خدم في الخليج “الصواريخ الحوثية أو الإيرانية تهدد الدمام، ولا تهدد هيوستن”. وأضاف أن مصلحة السعودية تقضي بالتعاون مع واشنطن ضد الإرهاب في منطقة الخليج، كما أن السعودية هي التي تحتاج إلى الولايات المتحدة في سياق التصدي للسياسات الإيرانية التخريبية والسلبية في المنطقة. وغاب عن النقاش الحجة التقليدية القديمة، وهي أن العلاقات مع السعودية ضرورية بسبب ثروتها النفطية. فهناك تخمة نفطية في العالم، كما أن الولايات المتحدة في العقد الأخير قد تحولت بسبب تقنيات استخراج النفط والغاز الجديدة أكبر منتج للطاقة في العالم. وقال لنا سفير أميركي سابق خدم في الخليج، إن الوقت قد حان لكي تقلص واشنطن من اهتمامها وانشغالها بالشرق الأوسط ومشاكله “التي لا نهاية لها” والتركيز على منطقة شرق آسيا الاكثر أهمية اقتصاديا واستراتيجيا للولايات المتحدة في العقود المقبلة.

قد لا يكون الرئيس بايدن مستعدا لأن يدير ظهره إلى منطقة الخليج، خاصة وأنه يريد إحياء المفاوضات النووية مع إيران، ولكن من الواضح أن بايدن – بإجراءاته حتى الآن – لا يريد أن يضع العلاقات مع الرياض في طليعة أولوياته في الشرق الأوسط، ولا يريد أن يسمح لمشاكل المنطقة القديمة، مثل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، أو الحرب في سوريا، أو المستقبل السياسي للعراق، لأن تهيمن على سياسته الخارجية. وهذه، كما قال لنا السفير السابق، هي من الدروس التي تعلمها بايدن عندما كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما لثماني سنوات طويلة.

—————————–

=================

تحديث 02 أذار 2021

——————–

مرحلة التحوُّلات الكبرى في السعودية: ابن سلمان… «شاه» على عرش متآكل/ فؤاد إبراهيم

تنبئ الأزمة القائمة حالياً بين الإدارة الأميركية الجديدة ورأس السلطة السعودية، بأن علاقات واشنطن والرياض لن تعود أبداً كما كانت. صحيح أن إقدام الولايات المتحدة على فعل مباشر من شأنه إطاحة محمد بن سلمان، يبدو مستبعداً ما لم يبدأ المتضرّرون في الداخل بالتحرُّك والضغط من أجل المطالبة بالتغيير، إلا أن التحوُّلات التي ما فتئت تطرأ على تلك العلاقات، شأنها شأن المتغيّرات المحيطة بالحكم وموازينه في المملكة، تشي بتعقيدات في عملية انتقال السلطة وترتيباتها، بما في ذلك بناء خريطة تحالفات كفيلة بتحقيق الاستقرار في الداخل وإقناع الخارج بجدوى التعامل معها كواقع نهائي.

صراع الأجنحة في المملكة السعودية كان يدور، على الدوام، حول مَن يحكم في المستقبل. يتجدَّد الصراع مع تبدُّل مسار السلطة، أو بالأحرى بناءً على الطريقة التي تنتقل عبرها السلطة. على مدى عقود، سلكت عملية الانتقال سبيلاً سهلاً، ليس فيه مخاطر ظاهرة أو باطنة، نتيجة توافقات مسبقة على تقاسم السلطة، ولأن توازن القوى داخل العائلة المالكة كان متكافئاً بالقدر الذي يمنع التصادم الداخلي، وإن لم يحسم النزاع إلى ما لا نهاية. في اللحظة التي وصل فيها سلمان إلى سدّة السلطة في 23 كانون الثاني/ يناير 2015، بدأت معركة المستقبل، فيما بدا أن كلّ التدابير البيروقراطية التي قام بها، منذ اليوم الأول، كانت لحسم الصراع على السلطة في المستقبل، أي الإجابة المبكرة عن سؤال: مَن يحكم السعودية بعد سلمان؟

هذا السؤال كان حاضراً بكثافة حتى قبل تشكُّل الدولة السعودية الحديثة سنة 1932. اشتغل عبد العزيز، المؤسِّس، على جعل المُلك في سلالته (الأبناء والأحفاد) واستبعاد الأجنحة الأخرى من آل سعود، بينما سعى سعود إلى اقتفاء سيرة والده بتوزيع السلطة على أبنائه، وقاد ذلك إلى انفجار الصراع بين الأجنحة في مطلع الستينيات: سعود وقلّة نادرة من حلفائه من جهة، وفيصل وحلفاؤه (السديريون السبعة وعبد الله، الملك لاحقاً، وآخرون) من جهة أخرى. كانت على فيصل مهمّة إعادة التوازن والانسجام داخل العائلة المالكة، ولذلك اختار تقاسُم السلطة مع حلفائه الذين ناصروه ضدّ سعود، مع أنه لم يغفل حصّته الوازنة في السلطة، فقد أمسك بالخارجية التي انتقلت لاحقاً إلى ابنه سعود حتى وفاته، إلى جانب توزير عدد من المقرّبين منه مثل الراحل الشيخ أحمد زكي يماني.

كان الملك خالد (1975 ــــ 1982) الوحيد مِن بين ملوك آل سعود الذي كان يَصدُق عليه مبدأ: يَملك ولا يَحكم. فإلى جانب غياب عضُد له من صلبه يراهن عليه أو يَنقل إليه جزءاً من ميراث الحكم، كان زاهداً في الحكم، تاركاً لفهد إدارة شؤون الدولة، الأمر الذي نتج منه تمدُّد الجناح السديري في جسد السلطة. وهو تمدّدٌ بدا طبيعياً، إذ أمسك فهد بالداخلية في عهد فيصل، ثمّ انتقلت إلى نايف بعدما أصبح فهد ولياً للعهد، فيما أمسك سلطان بالدفاع، وتشبّث عبد الله (من خارج السديريين) بالحرس الوطني الذي مَثّل رافعته إلى العرش عام 2005.

في المشهد التاريخي للمملكة السعودية، نحن أمام أربع مراحل فاصلة:

1- مرحلة المؤسِّس (عبد العزيز): 1932 – 1953

2- مرحلة ثنائية السلطة: 1953 – 2015

وقد طويت هاتان المرحلتان بكامل آثارهما.

3- مرحلة حكم الأسرة/ البيت: بدأت في كانون الثاني/ يناير 2015، وهي قيد الإنجاز، وتقوم على نقل السلطة من الأوليغارشية الموسَّعة (آل سعود) إلى الأوليغارشية الضيّقة (آل سلمان). وهي تتشكَّل في الوقت الراهن على وقع تحوُّلات كبرى بنيوية داخلية على مستوى منظومة الحكم بكامل حمولتها المسؤولة عن وحدة السلطة واستدامتها منذ دخول تحالف الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد العزيز حيّز التنفيذ سنة 1744.

4- المرحلة الرابعة: الأوتوقراطية الماكرة؛ وأقول ماكرة لأن هذا النظام يُراد تجميله وتسويقه عن طريق طائفة من الإصلاحات الاجتماعية المصمَّمة لأغراض اقتصادية خالصة، بفصلها عن أيّ تأثيرات سياسية محتملة، مع ترسيخ أسس سلطة الفرد، حيث تتجاوز سلطات ابن سلمان أمثالها لدى الملوك السابقين، بِمَن فيهم الملك عبد العزيز نفسه الذي كان يحكم البلاد وفق أوتوقراطية بدائية/ بدوية. هي مرحلة لا يزال يجري العمل عليها، ويتولّى سلمان نفسه إرساء بنيانها عن طريق تفويض وريثه سلطات لا حصر لها، بما يؤول إلى تجميع مفاصل السلطة في شخص واحد، أي محمد بن سلمان، الذي سوف يتحوّل إلى شاهنشاه جديد، مستبدلاً بالتاج الشماغ والعقال.

في التداعيات، يزرع سلمان داخل بيته ألغاماً مرشّحة للانفجار عند أيّ احتكاك بين أبناء سلمان، ومع بدء تشكّل خريطة تحالفات جديدة عطفاً على تناقض المصالح أو التقائها بين الأمراء. ما فعله سلمان هو، ببساطة شديدة، تدمير مؤسسات الدولة السعودية القديمة: العائلة المالكة، المؤسّسة الدينية، التحالف القبلي، الاقتصاد الريعي والقديم. وبدلاً من ذلك، أقام دولة جديدة يقودها محمد بن سلمان، هو ومجموعة من معاونيه بدعم خارجي، وعلى أساس ليبرالية اجتماعية وبطش سياسي وأمني في الداخل. في النتائج، تآكلت القوى الداعمة للنظام، ما يجعل المصادمة معها محتملاً، وقد شهدنا بعض آياتها في اعتقال الأمراء والوزراء والتجار والناشطين. معركة النظام السعودي كانت لعقود طويلة مع الأطراف التي احتلّها بقوة السلاح، وفرض الإلحاق القسري عليها في الكيان السلطاني السعودي، في وقت فشلت فيه كلّ محاولات الاندماج الوطني لافتقارها إلى الأسس الوطنية المسؤولة عن الانتقال من الإمارة إلى الدولة الوطنية. أمّا اليوم، فما تشهده المملكة هو انتقال الصراع من المركز ــــ الأطراف إلى المركز ــــ المركز، وهنا تكمن الزعزعة العنيفة المحتملة وخطر التبعثر الكياني الذي يحدق بالدولة.

ليس الأمر على سبيل التمنّيات ولا التحليلات الطوباوية، فنحن أمام حقائق يصعب تجاوزها. صحيح أن ابن سلمان كسر خصومه، وصادر أموالهم، وحَرمهم حتى من مجرّد حريّة التنقل، ولكن ليس بهذه التدابير تُدار الدول، فخصوم النظام الآن هم أكثر بأضعاف من حلفائه. كان رهان ابن سلمان على الرعاية الأميركية الكاملة، في سياق التعويض عن كلّ الخسائر التي تسبّب بها في الداخل: تدمير العائلة المالكة، والمؤسّسة الدينية، والقبائل، والتجّار. تلك الرعاية، بختم دونالد ترامب حصرياً، تبخّرت، وبات أمام مشهد بالغ التعقيد مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. صحيح أن إطاحة ابن سلمان احتمال مستبعد، بل غير وارد على الإطلاق، ولكن هذا لا يعني أن العلاقة بين واشنطن والرياض سوف تعود كما كانت. السيناريو الواقعي أميركياً أن إدارة بايدن لن تتحرّك ما لم يبدأ المتضرّرون في الداخل (أمراء، تجّار، إصلاحيون، مجموعات مدنية، ناشطون حقوقيون… إلخ) بالتحرُّك والضغط من أجل المطالبة بالتغيير. حينئذ، تجد هذه الإدارة لنفسها مبرّراً للضغط، لأن المصلحة الأميركية تستوجب ذلك. لا بدّ من الإشارة، هنا، إلى أن كلام المتحدّثة باسم البيت الأبيض حول استثناء قادة الدول من العقاب متهافت؛ فماذا عن الزعيم الكوبي، والرئيس الإيراني، والرئيس الفنزويلي، والرئيس السوري، والرئيس الكوري الشمالي… إلخ؟!

مهما يكن، فإن الرعاية الأميركية المأمولة لابن سلمان لن تتحقّق، وقد يستغلّ خصومه ذلك للتحرُّك داخلياً ودولياً لإطاحته، وهذا هو الوقت المناسب. وقد يكون البديل من إطاحته مباشرة باليد الأميركية، هو توفير ظروف داخلية ضاغطة تفضي إلى إضعاف عوامل بقائه في السلطة. النقطة الجوهرية هي أن أخطاء ابن سلمان بلغت من الفداحة والوضوح ما جعل إمكانية إعادة تفسيرها وتجاوزها مهمّة مستحيلة، وقد جرّب الطرفان السعودي والأميركي ذلك، وباءت محاولاتهما بالفشل. ومع فرضية نجاح ابن سلمان في تجاوُز تحدّيات الداخل والخارج، ومواصَلة تنفيذ مخطّط احتكار السلطة، فإن السيناريو الراجح أن الخصومة على السلطة في المستقبل سوف تحتدم داخل بيت سلمان.

ولكن على ماذا يراهن محمد؟ سؤال مفتاحي لفهم البدائل التي ابتكرها ابن سلمان وفريقه من أجل ملء الفراغ الناجم عن إقصاء العائلة، وتهميش دور المؤسّسة الدينية، وتحطيم القوى القبلية والاجتماعية المتحالفة مع آل سعود. ثمّة نقاط رئيسية عمل ابن سلمان وفريق مستشاريه على تحقيقها من أجل بناء سلطة مركزية صارمة، وتقويض مصادر التهديد المحتملة الآن وبعد موت سلمان:

1- إفقار الشعب: على الضدّ من وعود «رؤية السعودية 2030»، فإن الواقع الاقتصادي في المملكة يخضع لتأثيرات تحدّيات جدّية تقترب من حافة الاستعصاء الاقتصادي. يُعنَى بذلك افتقار السياسات الاقتصادية الراهنة إلى حلول لمشكلات تولّدت من مرحلة الانتقال من الدولة الريعية القائمة على أساس الاعتماد بشكل رئيسي على النفط وإعادة توزيع الدخل، إلى دولة الجباية التي جعلت من التحصيل الضريبي مصدراً رئيسياً للدخل تجاوَز في الفصل الثالث من العام 2020 الدخل من النفط نفسه. وعلى خلاف ما يشيعه الإعلام الرسمي، فإن نسبة البطالة تجاوزت المعدّلات القياسية، وبات لدينا، بحسب وسم على «تويتر»، «تجمُّع العاطلين السعوديين». إن نسبة 15.4 في المئة لا تتطابق مع معطيات «الهيئة العامة للإحصاء»، والتي تتجاوز معدّلات البطالة بين الذكور بحسبها نسبة 30 في المئة، فيما تصل بين الإناث إلى أكثر من 70 في المئة، في بلد يمثّل العمّال الوافدون تسعة ملايين عامل من أصل اثني عشر ألف عامل فيه. ترك التحوُّل الاقتصادي، على قاعدة تنويع مصادر الدخل، تأثيرات مباشرة على حياة الأفراد، وصار كثيرون يلجأون إلى مهن شعبية غير مألوفة مثل «البسطات» في الشوارع الرئيسية، والقبول بوظائف متدنّية وبأجور منخفضة لا تتطابق مع تخصّصاتهم وتحصيلهم الأكاديمي. وقد تحوّلت ذلك إلى ظاهرة عامة في مدن المملكة. وضاعفت الحزمة الضريبية القاسية جداً، الضغوط المعيشية على الأفراد، وتعالت نداءات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات «الضرائب هلكتنا» وأضرابها. وكان قرار زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5 في المئة إلى 15 في المئة، في أيلول/ سبتمبر 2020، بمنزلة ضربة على الرأس، بات معها المواطن في مواجهة موجة أسعار عالية تطاول المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود وتذاكر السفر وغيرها. لم تمرّ هذه التغييرات من دون آثار اجتماعية خطيرة؛ إذ تفشّت ظواهر سرقة المصارف ومحطّات البنزين والمراكز التجارية، والتحايل، وغيرها. وبالنتيجة، كانت عملية الإفقار الممنهجة هي السبيل الوحيد لمشاغلة المواطن عن السلطة وشؤونها، وجعل اللهاث وراء تدبير الأمور المعيشية المهمة اليومية التي يضطلع بها غالبية المواطنين.

2ـ سحب مصادر القوة، سواء من الأمراء أو التجّار وخصوصاً من تجّار الحجاز (مثال: بكر بن لادن، شريك آل سعود في مشاريع توسعة الحرمين، والذي هو اليوم رهن الاعتقال)، ومصادرة أموال تجّار كبار في الحجاز مثل الراحل صالح كامل، ومحمد حسين العمودي (من أصول إثيوبية)، ومصادرة جزء كبير من أموال رجل الأعمال الحجازي إياد عبد الوهاب بافقيه (قدّرت بـ 40 مليون دولار)… وكلّ ذلك باسم «محاربة الفساد». فتحتَ هذه اللافتة، صادر ابن سلمان أموال الأمراء والتجّار، وحَطّم قوة الخصوم والمنافسين له على السلطة. والأهمّ أنه أحدث تغييرات هيكلية في الأجهزة البيروقراطية التي كانت تحت سلطة خصومه، كالأمن والدفاع والاستخبارات والداخلية والحرس الوطني، بهدف تبديل الولاءات ونقلها إليه شخصياً.

3- تغوُّل الأجهزة الأمنية، ولا سيما جهاز رئاسة أمن الدولة، إذ تحوّلت السعودية في عهد سلمان إلى دولة بوليسية بامتياز. ويأتي اعتماد سياسة الترهيب كوسيلة لبسط السيطرة، في سياق محاولة التعويض عن تآكل شرعية النظام وشعبيّته. ولأوّل مرة في تاريخ المملكة، يأخذ القمع طابعاً جماعياً، فما فشِل النظام فيه على مستوى بناء وطن للمواطنين، تكفّلت السجون به، وباتت هي الحاضنة لوطن يولد من خلف القضبان. وبحسب التقديرات غير الرسمية، هناك ما لا يقلّ عن عشرة آلاف سجين رأي في السجون السعودية، يقضون مدداً تصل إلى عشرين عاماً.

4- السعي إلى إعادة تنسيج علاقة متينة مع إدارة بايدن، وتقديم كلّ الإغراءات المطلوبة من أجل تعزيز التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، وتوفير غطاء أميركي للنظام السعودي، وتجاوُز أزمة جمال خاشقجي من خلال القيام بتغييرات داخلية شكلية مثل تسوية الأزمة مع قطر، والإفراج عن عدد من المعتقلين والمعتقلات، ومعالجة الحرب على اليمن… الهدف من ذلك كله، هو إحباط نيّات بايدن في «معاقبة» ابن سلمان. ويبدو أن الرئيس الأميركي، بإطرائه على خطوة الإفراج عن لجين الهذلول، قد بعث برسالة إيجابية إلى وليّ العهد بأن الطريق يمكن أن يُفتح بخطوات مماثلة. كان نشر ما قيل إنه القسم المحجوب من التقرير الاستخباري في قضية خاشقجي امتحاناً جدّياً لصدقيّة إدارة بايدن، لأن ما بعد الكشف عن خبايا الجريمة ليس كما قبلها. بطبيعة الحال، فإن الشكل الذي خرج به التقرير يبعث على الارتياب لناحية لايقينيّة الأحكام والترجيحات الموهنة للمعطيات الواردة، وإن كان المسار العام يشير إلى دور ابن سلمان في الجريمة. من الواضح أن التقرير لم يُرِد توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى ابن سلمان، وقد فُسّر ذلك لاحقاً من قِبَل الإدارة نفسها بأن الغرض ليس معاقبة أشخاص، بل مراجعة علاقة واشنطن والرياض.

مهما يكن، فإن السعودية في عهد بايدن لن تختلف جوهرياً عمّا كانت عليه في عهد الإدارة السابقة. بكلمات أخرى، لا نتوقّع الكثير من هذه الإدارة، شأن الإدارات السابقة، لناحية تطوير سياسة داعمة للإصلاحات واحترام حقوق الإنسان، بل إن صخب التصريحات الأميركية حول السعودية سوف يهدأ تدريجياً، بعد أن تستكمل واشنطن شروط «دوزنة» العلاقة مع الرياض. وسوف تبقى الحقيقة القائمة: التحالف الاستراتيجي بين أميركا والسعودية لا يتأثر بحوادث مهما بلغت، ولدى الطرفين القدرة على التعامل مع الخلافات وتجاوزها. بكلمة: السعودية دولة وظيفية بالنسبة إلى أميركا، وكفى. نعم، ما أعطاه ترامب لابن سلمان لن يأخذه الأخير من بايدن، ولربّما كان من حسن الصدف أن ترامب وسَّع شقة الخلاف بين القيم الليبرالية والمصالح المادية للولايات المتحدة، بحيث جعل الترميم عملية شاقة وطويلة.

قد يكون ابن سلمان قد تنفّس الصعداء بعد نشر التقرير الاستخباري مشفوعاً بمواقف لا تحمل، في مآلاتها القصوى، تهديدات مباشرة لوراثته العرش. ولكن المتغيّرات المحيطة بالسلطة وموازينها في الداخل، وبأصل العلاقات السعودية ــــ الأميركية، وصولاً إلى صورة ابن سلمان على مستوى العالم، يجعل المراقب لمسار مستقبل السلطة محفوفاً بتعقيدات في عملية انتقال السلطة وترتيباتها، بما في ذلك بناء خريطة تحالفات كفيلة بتحقيق الاستقرار في الداخل وإقناع الخارج بجدوى التعامل معها كواقع نهائي.

في الأحوال كافة، لا شيء يشغل بال ابن سلمان سوى العرش، وكلّ ما عداه تفاصيل. هو يريد أن يحكم لنصف قرنٍ الجزيرة العربية، وأن يرثه من بعده ابنه سلمان. ولكن ما يحول دون تحقّق الحلم، هو صاحبه، بحماقاته التي لا تنقضي.

الاخبار

——————————-

بايدن يدخل العراق من سورية/ إياد الدليمي

يبدو أن الضربة الأميركية، الأولى في عهد الرئيس جو بايدن، في الشرق الأوسط، والتي استهدفت مليشيات عراقية داخل سورية، ستبقى مثار تحليلات وفرضيات كثيرة، ليس لأنها الأولى، ولكن لأن الهدف والمكان يثيران الشهية لتساؤلاتٍ عديدة تحاول أن تجد لها إجابات شافية، فهذه الضربة التي استهدفت مليشيا حزب الله العراقي، بحسب تصريح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، جاءت بعد أيام قلائل من هجوم صاروخي، استهدف قاعدة حرير الأميركية قرب مطار أربيل شمال العراق، وأصيب فيه متعاقد أميركي وعراقيان، أعقبه بيومين هجوم آخر على محيط السفارة الأميركية في بغداد، وهو ما دفع إدارة بايدن إلى الرد على الهجومين، إلا أن اختيار سورية مكاناً للرد يشي باستراتيجيةٍ أميركيةٍ مختلفةٍ في التعامل مع أزمات المنطقة عموماً، والعراق بشكل خاص.

مثّل استهداف قاعدة حرير في أربيل، ومحيط السفارة الأميركية في بغداد، أول تحدٍّ للإدارة الأميركية الجديدة، فهي على الرغم من موقفها المعلن بأهمية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنها لا تريد أيضاً أن تظهر كأنها ضعيفة أمام إيران ومليشياتها التي تسيطر على العراق. ولعل من أهداف الضربة الأميركية التي استهدفت مليشيات عراقية في سورية توجيه رسالة إلى طهران أولاً، بأن الإدارة الجديدة قد لا تكون الحمل الوديع الذي سيرضى بما ترغب به إيران، بل يمكن أن تكون أكثر قسوةً، فقد أعلن بايدن، عقب تلك الضربات، أن على إيران أن تحذر.

قوبل الهجوم على مليشيا حزب الله في الأراضي السورية بردة فعل إيرانية روسية سورية رافضة مثل هذه الضربات، وغير معتادة ربما، فقد كان هناك إجماع على رفض هذا القصف والتحذير من تكراره، وكأنها المرّة الأولى التي يتم فيها استهداف هذه المليشيات، ما يؤكد أن هناك خشية إيرانية بدأ منسوبها يرتفع؛ من طريقة تعامل هذه الإدارة مع ملفات المنطقة، وفي مقدمها الملف العراقي الذي تعتبره طهران إيرانياً بامتياز. والسؤال: لماذا اختار بايدن سورية لتوجيه رسالته إلى إيران ومليشياتها في العراق؟

يبدو أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض أكثر حنكة ودراية بتعقيدات الملف العراقي من سابقتها، أو قل أكثر خبرة وحكمة، حتى في التعامل مع هذا الملف المعقد، فبايدن ابن المؤسسة الأميركية العريقة والعميقة، وليس رئيساً طارئاً كسابقه ترامب، وسبق لبايدن أن شغل منصب نائب الرئيس خلال حقبة الرئيس باراك أوباما من العام 2009 وحتى 2017، وتربطه بساسة العراق علاقات واسعة، وهو يعرف أكثر من غيره أن الوضع العراقي لا يحتمل تعقيدات كثيرة. لذا عليه أن يحمل معه مبضع جرّاح، لا مطرقة حداد في رسم مساره بين طرق بالغة الحدّة والدقة في آن واحد.

اختيار سورية لتوجيه الرسالة الأميركية الأولى لإيران ومليشياتها في العراق يأتي ضمن ما يمكن أن يصطلح عليه “ثمن السيادة”، فبايدن لا يبدو أنه يريد أن يحرج حكومة مصطفى الكاظمي، من خلال قصف داخل الأراضي العراقية، قد يضعف موقف رئيس الحكومة، أكثر مما هو عليه الآن، وبالتالي كان اختيار سورية؛ التي تشهد يومياً تقريباً، عمليات جوية تستهدف مليشيات إيران أو قوات نظامية سورية، ينفذها طيران الاحتلال الإسرائيلي. كما أن بايدن أراد أن يمنح إيران ومليشياتها في العراق فرصة للتراجع عن مسار التصعيد الذي سلكته منذ عدة أسابيع، ليس في العراق وحسب، وإنما حتى في اليمن، في إطار مسعى طهران إلى تثيبت واقع جديد، يمكن أن يعزّز أوراقها في أي مفاوضاتٍ جديدة مع إدارة بايدن.

تبدو إيران على عجلة من أمرها، إنها تريد أن يحسم بايدن وفريقه الأمر، فإما تصعيدا ومواجهة أو مهادنة وعودة إلى الاتفاق النووي، لذا فلقد سعّرت مليشياتها في الأيام القليلة الماضية بقوة، غير أن لساكن البيت الأبيض الجديد رأيا آخر، فهو يرى ضرورة ممارسة أقصى درجات الدبلوماسية على طهران، من أجل أن تعود ليس إلى الاتفاق النووي القديم، وإنما إلى اتفاق نووي قديم متجدّد يحمل بين ثناياه اشتراطات أميركية عديدة تصر إيران على أنها ستكون مرفوضة.

عدم العجلة الأميركية في التعامل مع إيران هو أحد الأسباب التي دفعت واشنطن إلى اختيار مكانٍ للرد على المليشيات الإيرانية، فكانت سورية مكاناً للرد. صحيح أن لإيران مصالح في سورية، ومليشيات مسلحة، إلا أنها تبقى محكومة بالحامي الأول؛ روسيا، المتفاهمة مع تل أبيب على استهداف تلك المليشيات من وقت إلى آخر. بينما الحال في العراق مختلف، فإيران لا ترى العراق إلا جزءًا من حدودها، وهي لا تتردّد في التصريح بذلك، حتى وصل الحال بالسفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، إلى أن يطلب علناً من تركيا الكفّ عن التدخل في الشأن العراقي، ما أغضب رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، الذي طالب، في تغريدة، سفراء الدول الأجنبية في العراق بأن يلتزموا حدود العمل الدبلوماسي.

دخل بايدن العراق من بوابة سورية لدعم حكومة مصطفى الكاظمي، وعدم إحراجها، خصوصا وأنها هي التي قدمت لواشنطن المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتنفيذ العملية، فهل سيكون بايدن أكثر دعماً لحكومة بغداد ليتخذ منها حائط الصد الأول لمواجهة نفوذ إيران المتزايد؟ وهل تقوى حكومة الكاظمي، أو من سيأتي بعده؛ على القيام بمثل هذا الدور؟ ربما؛ خصوصا إذا ما علمنا أن هناك رغبة من فريق داخل الحكومة والعملية السياسية، بضرورة تحجيم نفوذ إيران، لكن هذا الفريق يخشى المجازفة، إلا في حال تأكد له أن هناك دعما أميركيا حيال أي خطوة مستقبلية.

العربي الجديد

————————-

================

تحديث 03 أذار 2021

————————

بايدن

———————

تحديثات على الاستراتيجية الأمريكية المقبلة في المنطقة/ موفق نيربية

توفي وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري في 16/11/2020 الماضي، أي مع ذكرى انقلاب الأسد الأب واستلامه وأسرته السلطة في عام 1970، لسخرية القدر. وكان قد أعاد قبل ذلك بأربعة شهور مقولته حول نسيان «أن أوروبا على خريطة العالم» التي كان قد قالها بعد ثلاثة أشهر وحسب من اندلاع الثورة السورية وحراكها الكبير.. هذه مجرّد مقدمة، لما سيأتي هنا من مراجعة للسياسة الأمريكية، التي يمكن – يمكن وحسب- أن نتلمّس في هامشها بعض النسيان «لكون سوريا على الخريطة» في المنطقة التي جاءت بمراجعة استراتيجية جذرية.. مع أن هذا بذاته ليس موضوع المقالة هنا.

فقد صدر منذ أيام تقرير مهم عن مؤسسة راند، مركز الأبحاث الأمريكي الذي يزوّد الحكومة الأمريكية ومؤسساتها بمؤشرات ودراسات استراتيجية تخصّ الأمن والدفاع، تساعد صنّاع القرار على اتّخاذ قراراتهم، وكان تحت عنوان رئيسي «إعادة تصوّر الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط: شراكات مستدامة، استثمارات استراتيجية». ويبدو أن التقرير المهم، تمّ تجهيزه بتعاون عدد من كبار الباحثين الاختصاصيين، لمساعدة الإدارة الجديدة على تشكيل رؤية لسياساتها في المنطقة، من خارج الصندوق المعتاد حتى الآن، الذي يبدو جليّاً أنه قد بلي واهترأ.. وفي ما يلي عرض لأهمّ ما ورد فيه.

يقوم البحث بتحليل حاجة الولايات المتحدة إلى تعديل أدواتها سياسياً وأمنياً واقتصادياً ودبلوماسيا ومعلوماتياً؛ باتجاه معالجة أكثر فعاليةً للتحديات الإقليمية، بطرق تراعي الموارد الأمريكية وحدودها. وحين تؤخذ الجائحة بالاعتبار، مع تغيّر المناخ، وخلل أسواق النفط، بالاشتراك مع أزمات المنطقة العديدة وفشل حكوماتها في مواجهتها؛ فإن استراتيجية الولايات المتحدة لا يمكن تركيزها على مستوى الدول أو القيادات، بإهمال مستوى الحاجات الاجتماعية لشعوب المنطقة. ومن ثمّ أيضاً، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع متابعة المشاكل الإقليمية وحدها.

وتأخذ إعادة تقييم سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هذه الاعتبارات بجدية، بحيث يؤدّي ذلك إلى اختبار حازم للكيفية التي نتعامل بها مع الشركاء والخصوم، في المنطقة وخارجها؛ وكذلك مع الأدوات المؤثّرة في السياسة، حتّى نتقدّم نحو تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لمصلحة الولايات المتحدة والمنطقة» كما ورد في مقدمة التقرير.

إذا كان من الصحيح تلخيص محتوى التغيير الاستراتيجي، الذي يتبناه التقرير، فيمكن القول إن جوهره قائم على مبدأ الانتقال من التركيز على التهديدات إلى المنافع؛ أي الانتقال من أن يقال: نحن هناك لمواجهة كذا وكذا، إلى القول: نحن هناك لنحقق كذا وكذا.. تلك التهديدات كانت قديماً قائمة على الاتحاد السوفييتي وأي أخطار تتعلّق بأمن إسرائيل وحركة النفط، وهي حالياً تركّز على «داعش» وإيران، إضافةً إلى أمن إسرائيل. بذلك يتحوّل الهدف الاستراتيجي في المنطقة لينطلق من تفهّم أكبر لاستقرار المنطقة، ويعطي الأولوية لتقليص النزاعات، والحكومات الأكثر رشداً والتنمية. بذلك تكون المسألة – كما يطرح البحث – ليست في البقاء في المنطقة أو الخروج منها، بل في «كيف» يمكن التعامل معها والانخراط في قضاياها، وما هي الأهداف الواقعية التي يمكن أن تساعد على بناء سياسات أكثر واقعية، لأنه؛ على الرغم من تعب الأمريكيين ومللهم من الشرق الأوسط بعد عقود من الحروب؛ فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى الاستمرار في الانخراط هناك، حيث تؤذي تلك النزاعات، وحالة عدم الاستقرار، الأمريكيين وحلفاءهم مباشرة، لذلك يقوم البحث باستخدام تعبير «التهديدوية» كثيراً، وهي العقلية التي يوصي بالتخلّي عنها، وينتقل منها إلى انتقاد السياسات السارية حتى الآن في العلاقة مع الشركاء الإقليميين، وإدارة تهديدات الخصوم، وتحديد دور المنافسين الدوليين (الصين وروسيا) وكذلك في الأدوات المستخدمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، التي تحتلّ القوة العسكرية منزلة مهمة فيها.

في العلاقة مع الشركاء، يرى التقرير إن جزءاً كبيراً من المساعدات الأمريكية مبنيٌّ على إرث التفكير بحاجة هؤلاء الشركاء إلى حوافز مالية، حتى يكون لهم دور إيجابي أو غير متعارض على الأقل مع أمن إسرائيل. ولا يترافق مع ذلك التوجّه إلّا القليل من الاهتمام بالاستثمارات غير الأمنية، كالحوكمة المتطورة التي تستطيع دعم الاستقرار الإقليمي بطريقة أكثر نجاعة ودواماً.

كذلك فيما يخص محاولات تقليص التهديد الإيراني، ربّما يكون من المفيد – كما يرى الباحثون في توصياتهم – الانتقال من الانشغال بتغيير النظام إلى تعزيز قوة ومناعة دول المنطقة، أو تقليص هشاشتها أمام النفوذ والفعل الإيراني التخريبي. والمنطق الذي ينطلق منه هذا الطرح هو أن إحباط النفوذ الإيراني مسألة انخراط في لعبة طويلة الأمد. وعلى المنطق نفسه، تطرح الدراسة أن مواجهة «داعش» في العراق، تتطلّب الإصلاح الحكومي، وتعزيز الشرعية والقوى الأمنية التي تضمن للدولة هيبتها العملية. في حين، لا ترى أساساً لمنع عودة «داعش» في سوريا، إلّا في استقرار المنطقة الشرقية، بالبناء على مقوماتها وقواها الحالية ذاتها التي أثبتت فعاليتها حتى الآن.

بالنسبة لروسيا والصين، التي تتركّز مصالح أولاهما بالأمن والسلاح، وثانيتهما بالتبادل والاستثمار، واستقرار تدفق النفط وسعره، أو الاقتصاد عموماً؛ ويمكن هنا إطفاء حالة التهاب التنافس، بإجراء تقاطع للأهداف، وإعطاء فرصة أكبر للتعاون والانفتاح، في مجالات لا تنتهك المصالح الأمريكية. أمّا مسألة أدوات دعم السياسات وتحقيق الأهداف، فهي حتى الآن مرتكزة بقوة إلى الجانب العسكري المباشر، بحيث زادت المساعدات العسكرية كثيراً عن الاقتصادية (ستة مليارات دولار لإسرائيل ومصر والأردن في العام، بحيث تزيد عن نصف ما تنفقه الولايات المتحدة دولياً لهذا الهدف) وهذا لا بدّ من معالجته في السياسات المستهدفة الآن. ينتهي التقرير إلى توصيات استراتيجية للإدارة الأمريكية وللولايات المتحدة عموماً، تقوم على الانزياح من العسكري إلى الاقتصادي – السياسي، بالاشتراك مع الحوكمة والدبلوماسية. وفي ذلك – جزئياً- اشتقاق من الاستراتيجية الصينية، التي أثبتت نجاحها حتى الآن. تبني تلك الاستراتيجية على تأسيس مبادرات واستثمارات إقليمية، تنطلق من أفق أكثر بعداً وانفتاحاً، لتخفيض النزاعات، ودعم التنمية الإقليمية بكلّ جوانبها، وتقديم مسائل الحوكمة ودعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان؛ حتى لو كان ذلك على حساب المخاطر القريبة المدى.

– العمل مع شركاء دوليين- وأحياناً منافسين دوليين- لمقاربة التحديات العامة، كخفض حدة النزاع بين دول الخليج وإيران مثلاً، الأمر الذي يتطلّب انزياحاً في منظومة التخطيط والممارسة من العسكري إلى السياسي أيضاً. تسمّي مجموعة الباحثين الخيارات المطروحة بأنها قائمة على «شراكات مستدامة، استثمارات استراتيجية» وأعتقد أنها ستكون من أهمّ ما تستند إليه الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، خلال المدى المنظور على الأقل، جزئياً أو كلياً.

في هذا الموجز، بقيت ملاحظة واحدة لا بدّ لكاتب سوري من ملاحظتها، وهي غياب بلده بشكل واضح من هذا البحث، رغم تسجيل لوجود كلّ عناصر ومسائل الشرق الأوسط وقضاياه. وربّما ينسجم ذلك مع توجّه الإدارة الأمريكية إلى تجميد القضية السورية حتى تنتهي مفاعيل الوجود الروسي، ويستنفد طاقاته، أو لأن هذا البلد بعد كلّ مآلاته أصبح أبعد بكثير عن أيّ بحث في حقل الشراكات والمصالح والاستثمارات، ومن ثمّ حقل الاستراتيجيات. وإذا أضفنا ذلك إلى تصريحات أوروبية عن تراجع القضية السورية، وتضاؤل الاهتمام بها، يمكن لنا أن نفهم ملاحظة «ثعلب» دبلوماسية النظام السوري المتوفّى حديثاِ منذ البدايات عن «محو أوروبا من الخريطة» من خلال ما قام به النظام فعلياً، وشغله الحثيث على «محو سوريا من الخريطة».. على شكلها الحالي، وفي المدى المنظور على الأقل.

كاتب سوري

القدس العربي

——————–

واشنطن – طهران .. خطط التفاوض وتبعاتها/ علي العبدالله

لا يزال شّد الحبال يحكم التجاذب الأميركي الإيراني بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، فكل من الطرفين يسعى إلى تسجيل هدفٍ في مرمى الطرف الآخر عبر دفعه إلى القبول بالقيام بالخطوة الأولى، على أمل أن يكون هدفه الأول مدخلا إلى مفاوضاتٍ سلسةٍ بشأن بقية الملفات المطروحة، وتصب في مصلحته. وهذا استدعى انخراطهما في مناوراتٍ سياسيةٍ ودبلوماسية وعسكرية مركّبة ومعقدة، شملت ساحات ومواقع كثيرة. وقد كان لافتا انطواء خطط الطرفين على عناصر متشابهة إلى حد التطابق.

بدأت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، جوزيف بايدن، بالإعلان عن استعدادها للعودة إلى الاتفاق، إذا التزمت إيران بمقتضياته وتراجعت عن الإجراءات التي اتخذتها في الفترة الماضية (تجاوز الحد المسموح به في مجال تخصيب اليورانيوم، كما ونوعا، تركيب أجهزة طرد مركزي متطوّرة، تعدين اليورانيوم، وتقييد حركة المفتشين الدوليين)، وربطت عودتها إلى الاتفاق، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بتأكدها من التزام الأخيرة بقيود الاتفاق العتيد، ورفضت مناقشة أي بوادر حسن نية، قبل أن تجتمع مع الجانب الإيراني وجها لوجه.

ارتبط موقف الإدارة الأميركية من العودة الفورية إلى الاتفاق بجملة عوامل، ومعطيات محلية وإقليمية ودولية؛ بدءا من وجود انقسام داخل الحزب الديمقراطي حول سبل التعامل مع إيران، إلى تحفظات الكونغرس على أي تساهلٍ مع الممارسات الإيرانية، وضرورة عدم السماح لها بالإفلات من العقاب على انتهاكاتها حقوق الإنسان واستفزازاتها ضد دول الجوار عبر تمويل وتسليح مليشيات شيعية متهمة بقتل أميركيين، ورعايتها منظمات إرهابية، بما في ذلك علاقتها الملتبسة مع تنظيم القاعدة، وتحفظ حلفاء الولايات المتحدة في الإقليم، لاسيما إسرائيل ودول في الخليج العربي شكلت بينها حلفا سياسيا لمواجهة إيران، ومطالبة دول أوروبا بالعودة إلى الاتفاق، وانعكاس هذه العودة ورفع العقوبات الاقتصادية على الخطط الأميركية للتصدّي لروسيا والصين، وسعيها إلى احتواء تمدّدهما في الإقليم. لذا جاء التمسّك الأميركي بعودة إيران عن إجراءاتها أولا، وتوجيه وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى مسؤول الملف الإيراني في الإدارة، روبرت مالي، بإشراك شخصياتٍ لها موقف متشدّد من إيران في فريقه، من جهة، والعمل على ترويض الحلفاء، خصوصا إسرائيل والسعودية، عبر تأخير اتصال الرئيس الأميركي الجديد برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي لم يكتف بإعلان مواقف عنيفة واستفزازية، يرفض فيها عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، وتصوير الملف الإيراني موضوعا مركزيا ومُلحّا من شأنه أن يؤثر سلبا على مكانة إسرائيل وأمنها في المنطقة، وجعله معيارا لقوة علاقة الإدارة الجديدة مع إسرائيل، بل وسمح لقائد الأركان الإسرائيلي، راف ألوف أفيف كوخافي، بالإعلان عن وضع خطة عسكرية هدفها منع إيران من إنتاج سلاح نووي. وكلف مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، بمتابعة الملف مع الإدارة الأميركية والكونغرس، لعرقلة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق.

في سياق الضغط على إسرائيل، جاء كشف الولايات المتحدة عن قدراتٍ نوويةٍ إسرائيلية عبر نشر صور دقيقة لموقع مفاعل ديمونة في النقب، وهو يخضع لتطوير وتوسيع؛ وأخرى لقاعدة أمنية، مطار جنوب غرب القدس، فيه ثلاث طائرات تحمل صواريخ “أريحا” مزودة برؤوس نووية، من جهة، والضغط عليها في ملف تعاملها مع الصين واستقبال استثمارات صينية في مجالي الذكاء الاصطناعي والأسلحة، من جهة ثانية، وإغرائها بالتعاون لتطوير صاروخ آرو، السهم، المضادّة للصواريخ، من جهة ثالثة. وضغطت على السعودية بنشر تقرير استخباراتي عن إعدام الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. ورفعت اسم حركة أنصار الله، الحوثية، من قائمة الإرهاب، في مسعى إلى فتح طريق التفاوض على حل في اليمن يُخرج المملكة من مستنقعٍ علقت فيه، من جهة ثانية. وجدّدت التعهد بحماية المملكة من أي عدوانٍ خارجي، من جهة ثالثة. وكشفت عن مواقف متشدّدة في مواجهة روسيا والصين في مجالي حقوق الإنسان (قضية تسميم المعارض الروسي ألكسي نافالني وسجنه وقمع تظاهرات أنصاره، واضطهاد الصين شعب الإيغور والقمع في هونغ كونغ)، والتمدّد الإقليمي (أرسلت مدمرة إلى بحر الصين الجنوبي، لتأكيد حق العبور في البحار ونشّطت حضورها في حلف شمال الأطلسي، لمواجهة التنمر الروسي ضد دول شرق أوروبا).

لم تكتف إيران برفض التراجع عن إجراءاتها والالتزام بمقتضيات بنود الاتفاق النووي، قبل أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق، وترفع العقوبات الاقتصادية عنها، بل وراحت تمارس ضغوطا على الولايات المتحدة، من خلال التحرّش بحلفائها في الإقليم والعالم، باحتجاز ناقلة نفط كورية جنوبية، بذريعة تجميد الأخيرة سبعة مليارات دولار ثمن نفط، وبتنشيط عمليات نقل أسلحة متطوّرة إلى مليشياتها في سورية والعراق، أشارت مصادر كثيرة إلى شحن ونشر صواريخ متوسطة متطوّرة لردع القوات الأميركية في التنف وشرق الفرات، وتهديد أمن إسرائيل. وفسّرت الغارات الإسرائيلية الكثيفة بالعمل على إجهاض عمليات نقل هذه الأسلحة ونشرها، وبالاعتداء على باخرة شحن في خليج عُمان يملكها إسرائيلي، وقصف مليشيات تابعة لها مطار أربيل بستة صواريخ، قتل فيه متعاقد أميركي مدني وجرح آخرون، وتجديد الحوثيين استهداف الرياض بالصواريخ الباليستية والمسيرات الانتحارية إيرانية الصنع، في عمليات تخويف من فوضى شاملة للضغط على الولايات المتحدة، لدفعها إلى القبول بالعودة إلى الاتفاق، ورفع العقوبات الاقتصادية.

جاء الرد الأميركي على قصف مطار أربيل وقتل أميركي سريعا بقصف مواقع مليشيات تابعة لإيران داخل الأراضي السورية، قيل إن القصف استهدف، إلى جانب مبان لمليشيات حزب الله العراقي وكتائب سيد الشهداء، ثلاث شاحنات تحمل أسلحة إيرانية مرسلة إلى مليشيات تابعة لها في منطقة غرب الفرات، تجهيزا لمعركة كبيرة يخطط لها الحرس الثوري الإيراني ضد القوات الأميركية. ووصف الرد بـ “المعتدل”، وبـ “رسالة تحذير موجهة إلى إيران”، وفق تقديرات محللين سياسيين، وبردٍّ “محسوب” تجنبا لتصعيد الموقف، وفق الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الذي جدّد تحذير إيران من مغبة التصعيد بقوله: “سنحمّل إيران المسؤولية عن أفعال أتباعها الذين يهاجمون الأميركيين في العراق”. المهم دلالتها ومغزاها في إطار التجاذب حيث عكست الجمع بين الدبلوماسية والعمل العسكري. رأت فيه موسكو تطوّرا مقلقا في حال كان تعبيرا عن توجه إستراتيجي جديد، يجمع بين العمل العسكري والسياسي؛ ما دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى دعوة مجلس الأمن القومي الروسي إلى اجتماع طارئ، وإلى إجراء اتصالٍ دولي هام، وفق الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، من دون الكشف عن الجهة التي أجري معها الاتصال.

أرادت الولايات المتحدة بردّها إقناع إيران بعدم جدوى تكتيكاتها في الضغط عليها لدفعها إلى القبول بالتصور الإيراني بالعودة المتزامنة إلى الاتفاق، ودعوتها إلى القبول بالاقتراح الأوروبي عقد جلسةٍ غير رسمية لأطراف الاتفاق النووي (4+1) تحضره أميركا؛ لبحث كيفية إحياء الاتفاق، وحذّرتها من أن صبرها يكاد ينفد، كان لإيران موقف مماثل عبّر عنه وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، بإعلانه أن الفرصة أمام واشنطن محدودة؛ ودعوة المرشد الأعلى، علي خامنئي، إلى البدء في تخصيب اليورانيوم “من اليوم”، وإبلاغ رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، الوكالة الدولية للطاقة الذرية البدء بتركيب أجهزة طرد مركزي من الجيل الثاني في موقع نطنز.

يرجّح أن يستمر التجاذب فترة طويلة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجري يوم 18/6/2021، على الرغم من حاجة الطرفين إلى العودة للبناء عليها، فالولايات المتحدة ترغب في العودة إلى التفرّغ لملفات داخلية وخارجية أكثر أهمية، مواجهة وباء كورونا وتحفيز الاقتصاد والتصدي لروسيا والصين وإرضاء حلفائها الأوروبيين الذين ينتظرون رفع العقوبات للعودة إلى السوق الإيرانية الكبيرة، والعمل والاستثمار فيها. وإيران بحاجة للعودة من أجل رفع العقوبات واستعادة الأموال المجمّدة واستئناف تصدير النفط وتوفير سيولةٍ لتمويل مشاريع التنمية، وتلبية احتياجات السوق المحلية للسلع وقطع الغيار وأدوات الإنتاج ومواصلة تمويل المليشيات التابعة لها للمحافظة على حضورها وسيطرتها في دول الجوار. وهذا الأخير، حضورها في دول الجوار، يحدّ من حوافز إدارة بايدن لعودة سريعة إلى الاتفاق، في ضوء عدم استطاعتها تجاهل تطلعات حلفائها في الإقليم للجم تدخل إيران في شؤونها الداخلية، وتهديد أمن إسرائيل، كما لعدم قدرتها على السماح لإيران بشراء أسلحة روسية، الأمر الذي يحرّمه “قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة” المعروف اختصارا بـ”كاستا”، أو بيع كميات نفط كبيرة للصين، لأنه ينعكس سلبا على مصالحها في الإقليم والعالم.

———————-

بوليتكو: عقيدة بايدن تتميز عن أوباما وترامب.. والامتحان الحقيقي لها هو الشرق الأوسط/ إبراهيم درويش

لندن– “القدس العربي”: يحاول الرئيس جوزيف بايدن تمييز نفسه عن الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب فيما يتعلق بالشرق الأوسط. فهو من جهة يريد تأكيد القيم الأمريكية وحقوق الإنسان والاعتراف في الوقت نفسه بالحقائق الباردة ولكن من الصعب الحفاظ على هذا التوازن.

وترى فريدا غيتس بمقال لها نشره موقع “بوليتكو” أنه من الصعب بعد مرور ستة أسابيع على وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض الحديث عن “عقيدة بايدن” في السياسة الخارجية مع أن الطموحات باتت واضحة في الشرق الأوسط وبشكل محدد وتختلف بدرجة كبيرة عن أوباما وترامب. وأن تختلف سياسة بايدن عن ترامب أمر لا يدعو إلى الاستغراب، ذلك أن الرئيس السابق تبنى السعوديين والإسرائيليين بدون تحفظ وحاول الضغط على إيران مع أنه غض الطرف بشكل كبير عن محاولات طهران والجماعات الوكيلة عنها ضرب أمريكا وحلفائها.

وتخلى ترامب عن المنطقة وفتح المجال أمام روسيا وتركيا لملء الفراغ ولم يهتم بحقوق الإنسان. وتظهر الإشارات أن بايدن سيحاول الابتعاد عن نهج أوباما الذي وصل إلى السلطة ووعد بتأكيد حقوق الإنسان وانتقد حلفاء أمريكا في السعودية وإسرائيل. وحاول أن يضع الدبلوماسية مع إيران في مركز سياسته الخارجية ووضع خطا أحمر في الموضوع السوري وحذر النظام المدعوم من إيران بعواقب لو استخدم السلاح الكيماوي. وعندما استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية قرر أوباما الذي صنع اسمه بمعارضته الغزو الأمريكي للعراق، قرر عدم تنفيذ خطه الأحمر.

وفي الوقت الحالي يحاول بايدن أن يوجد نوعا من التوازن بين هذين النهجين، وتأكيد نهج يؤكد المبادئ العزيزة على أمريكا ويعترف بالحقائق الباردة، وهو نهج يلوح بالدبلوماسية والعمل العسكري في الوقت نفسه. ففي منطقة طالما تعرضت فيها المبادئ الأمريكية لامتحان قاس يحاول بايدن أن يجد طريقا وسطا. وفي الوقت الذي استطاع تحقيق هذا التوازن إلا أنه سيجد صعوبة في الحفاظ عليه مع ظهور تحديات جديدة بالمنطقة. وبدت الخلافات التكتيكية بين بايدن وسلفيه واضحة عبر تعامله مع إيران والسعودية وإسرائيل.

بدت الخلافات التكتيكية بين بايدن وسلفيه واضحة عبر تعامله مع إيران والسعودية وإسرائيل.

وجاء ذلك في الوقت الذي عبر فيه بايدن عن رغبة بالعودة للاتفاقية الشاملة المشتركة للعمل أو الاتفاقية النووية مع إيران في 2015. ومن أجل الدفع باتجاه هذه الاتفاقية تجنب أوباما الرد على الابتزاز الإيراني في المنطقة، وهو ما دفع نقاده لاتهامه بترضية طهران. ومن أجل تحقيق الاتفاقية اتخذ أوباما قرارات مثيرة للجدل كما في سوريا، مع تأكيده أن هذا لن يمنعه من اتخاذ موقف متشدد هناك. وفي حالة ترامب الذي خرج من الاتفاقية النووية وأعاد فرض العقوبات على إيران ضمن استراتيجية “أقصى ضغط”، إلا أنه لم يرد على الهجمات المتكررة التي شنتها الجماعات الموالية لإيران على حلفاء أمريكا. وكان هذا واضحا في عدم رده على الهجمات ضد المنشآت النفطية السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، وأول الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية في العراق.

ورد ترامب بقتل القائد العسكري لفيلق القدس، قاسم سليماني. ومع ذلك لم يكن لديه استراتيجية واضحة حيث تم تجاهل الهجمات الإيرانية. لهذا السبب فوجئ الإيرانيون الأسبوع الماضي عندما قام بايدن بضرب جماعات موالية لهم على الحدود السورية- العراقية. وكانت الضربة الأمريكية محسوبة وقصد منها عدم التسبب بمشاكل للحكومة الأمريكية. وناقش بايدن الخطة مع الحلفاء في المنطقة قبل الغارات. وبدد بهذه العملية المواقف التي رأت أنه سيغض الطرف عن أفعال إيران لأنه يحاول دفعها للتفاوض معه والعودة للاتفاقية النووية.

ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي قوله “لم يعرف الإيرانيون أن بايدن ليس أوباما”. ولا يعرف السعوديون كيف يتعاملون مع بايدن، فقد انتظروا بفارغ الصبر خروج أوباما من السلطة. واتهموه بأنه تعاون مع إيران على حسابهم وغضبوا عندما دعاهم لمشاركة الجوار مع إيران ووصفهم بـ “ما يطلق عليهم الحليف”. ثم جاء ترامب الذي تبنى السعوديين بشكل كامل وغض الطرف عن حقوق الإنسان ورفض الكشف عن تقرير الاستخبارات المتعلق بجريمة قتل خاشقجي وتورط محمد بن سلمان فيها. ورفض بالضرورة تطبيق القانون.

سحبت إدارة بايدن اعترافها بولي العهد كزعيم للسعودية في وقت واصل فيه مسؤولو الإدارة التواصل معه

وفي الملف السعودي ظهرت سياسات بايدن، ففي الوقت الذي تعاملت فيه إدارة ترامب مباشرة مع محمد بن سلمان، فضل بايدن التواصل مع نظيره الملك سلمان وخفض مستوى التواصل مع بن سلمان مع وزير الدفاع الأمريكي، نظرا لتولي ولي العهد منصب وزارة الدفاع السعودية. وبهذه المثابة سحبت إدارة بايدن اعترافها بولي العهد كزعيم للسعودية في وقت واصل فيه مسؤولو الإدارة التواصل معه.

وفي المكالمة مع الملك السعودي أكد بايدن على التزام بلاده بدعم السعودية للدفاع عن نفسها وطالب بتحسين ملف حقوق الإنسان. وفي اليوم التالي وافق على نشر التقرير المتعلق بجريمة قتل جمال خاشقجي. وفي هذا، تبنى بايدن موقفا وسطا، فمن جهة حمل الأمير مسؤولية القتل، ورفض من جهة أخرى فرض عقوبات عليه أسوة ببقية المسؤولين السعوديين. وتم انتقاد بايدن بحق لعدم معاقبته الأمير، لكن الرئيس يعرف أن محمد بن سلمان سيصبح ملكا وفضل عدم التضحية بالعلاقات معه.

وفي إسرائيل، اختار أوباما في أول زيارة له للشرق الأوسط القاهرة وألقى فيها خطابا وعد فيه بعلاقة جديدة مع العالم الإسلامي وانتقد إسرائيل والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية. أما ترامب فقد ترك الحبل على غاربه لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولم يتوقف عن منح الهدايا له، من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وشرعية المستوطنات.

أما بايدن فلن يعيد نقل السفارة الأمريكية من القدس ولكن الإسرائيليين غير مرتاحين لخطط العودة للاتفاقية النووية. وفي أول مكالمة مع نتنياهو تحدث بايدن عن أهمية التقدم في المساعي السلمية مع الفلسطينيين وعبر عن التزامه بأمن إسرائيل. وقال أثناء حملته الانتخابية إنه سيحل الخلافات مع إسرائيل بطرق خاصة. ويؤمن بايدن بالعلاقات الشخصية وسيحاول استخدامها في تشكيل سياسته الخارجية. ولديه خبرة طويلة فيها نظرا لعمله في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

وعبر بايدن عن رغبة بجعل الشرق الأوسط أولوية ثانوية في استراتيجيته، مع أن المنطقة معروفة بنزاعاتها المتداخلة والتي قد تؤدي في معظم الأحيان لتدخل أمريكي عاجل. بالإضافة لتأثر السياسة المحلية الأمريكية بأحداث الشرق الأوسط بشكل سيدفع بايدن للتحرك وإرضاء القواعد الانتخابية. وعاجلا سيتخذ بايدن قرارا حادا لا تنفع فيه المواقف الوسط أو المزج بين القيم والواقعية السياسية. وعندها سنرى فيها عقيدة بايدن وإن كانت قادرة على تحمل تحديات الشرق الأوسط.

القدس العربي”

———————–

الشطارة التي أتخمتنا/ أرنست خوري

كثيراً ما نال حكام إيران ما بعد ثورة الخميني إشادات لا يستحقونها. حتى خصوم النظام، ومن باب هوسهم بالظهور كموضوعيين، كثيراً ما أرفقوا نقدهم الحاد لسياسات مسؤولي طهران بعد 1979، بنعوت لا شيء منها ينفع اليوم لإدراك ما بلغته أحوال طهران في اشتغالها على مبدأ أن الدنيا دار حرب عقائدية لا تنتهي، لا مكان فيها للسياسة وللتنازلات المتبادلة ولمراعاة الحساسيات وموازين القوى. الذكاء السياسي والحيلة وحسن الحبكة، وجميعها مبالغات رميت مجاناً على المسؤولين الإيرانيين في العقود الأربعة الأخيرة، اختُصرت بمصطلحات صارت كليشيهات في الأدبيات السياسية والصحافية من نوع “دبلوماسية حياكة السجاد”، للإشارة إلى “الصبر الاستراتيجي” الطويل حتى الوصول إلى الهدف المنشود، و”السير على حافة الهاوية”، أي التصعيد المحسوب دوماً بشكل لا يؤدي إلى حرب شاملة يخسر فيها النظام كل شيء. بتأمُّل الوضع اليوم، يصعب إيجاد ترجمات للتعبير الأول خارج إطار صبر الشعب الإيراني على أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية يواجهها منذ عقود، في بلد نفطي غني كل ثروته مهدرة على الحروب الدونكيشوتية لحكّامه. أما الهاوية، فقد سقطت فيها إيران ــ الثورة باكراً جداً في حربها مع العراق. وعن استعارة جماعة الجيوبوليتيك مصطلح الشطارة السياسية لوصف الحروب الأهلية التي يشعلها رجال المرشد بعيداً عن حدودهم في بلدين عربيين، ورعايتهم خراباً شاملاً في أقطار أخرى، وتهجيراً طائفياً وتدميراً لحواضر عربية وتغييراً ديموغرافياً، فإنما وجبت إعادة تعريف السياسة ومفهوم الشطارة للتذكير بأن الذكاء، كما هو معروف، ليس قيمة أخلاقية.

هذه الشطارة المتخيلة لم تأتِ منذ أربعة عقود إلا بنتائج كارثية، ما عدا على حكام طهران والمستفيدين المباشرين منهم في الداخل والخارج. وقد حققت الشطارة تلك قفزات في الأيام الأخيرة على شكل خسائر سياسية فادحة في كل التعريفات، إلا في معاجم المسؤولين الإيرانيين، هواة تحويل الهزائم الحقيقية إلى انتصارات وهمية. أسابيع مرت والإدارة الأميركية الجديدة تنصح طهران بالتهدئة وتقدم العروض المغرية لها، الكارثية لضحايا النظام الإيراني في المنطقة، وتعدها بطي صفحة دونالد ترامب. أسابيع ولم يتعب جو بايدن وأنطوني بلينكن من مغازلة طهران وتعيين مسؤولين داخل الإدارة معروفين بمواقف أقل ما يقال عنها إنها تستوعب طهران وتتفهمها وتدللها على شاكلة ما فعلت في اتفاقية عام 2015. مغازلة إيران وصلت إلى اليمن. حُذف الحوثيون من لائحة الإرهاب، وأُوقف تزويد السعودية بأسلحة، وراحت أنشودة إحياء الاتفاق النووي تطرب آذان محور الممانعة. لكن بعد الطرب، تعمل الشطارة الإيرانية بمفعول معاكس: توتير مع وكالة الطاقة الذرية. رفض للتفاوض مع أميركا ومع أوروبا حتى. تصعيد عسكري غير محدود في اليمن وضد السعودية وفي مياه الخليج وقصف للمصالح الأميركية في العراق. أمام سلوك كهذا، العالم كله توقع، إلا المسؤولين الإيرانيين، ضربات عسكرية أميركية لمليشيات تأتمر من إيران. غارات أميركا ــ بايدن على البوكمال الأسبوع الماضي ربطت السواعد الإيرانية وأطلقت العنان للألسن وشطارة المراجل. تبين مجددا أنه لم يكن هناك شيء من الشطارة في الردود الإيرانية التصعيدية ضد إدارة أميركية تقول إنها غير معنية إلا بالتهدئة. لا شيء من الشطارة أن يتوقع حكام طهران أن يغيّر جو بايدن في شهر وعشرين يوماً ما أرساه دونالد ترامب طيلة أربع سنوات، فما هكذا تعمل السياسة.

لم تكن تنقصنا المعرفة بشطارة حكام إيران. شطارة قمع شعب هو ابن أحد أعرق حضارات التاريخ، وجعل الإيرانيين من بين أكثر شعوب الكرة الأرضية سعياً إلى الهجرة. شطارة تخريب طائفي ودمار معمم وحروب وتصدير نموذج للحياة لا ترغب فيه شعوب المنطقة ولا يشبهها. شطارة نعرفها عن النظام الإيراني في حربه ضد العراق بأسلحة من إسرائيل (إيران ــ كونترا) التي لم تقاتلها إيران يوماً على كل حال. شطارة تحويل كل أرض وطأتها أقدام محاربي “الثورة” أو مندوبيها إلى دار حرب تليق بالقرون الوسطى.

الشطارة أتخمتنا، يا ليتنا نتعرّف على الغباء قليلاً.

العربي الجديد

———————

====================

تحديث 05 أذار 2021

————————-

بين «أبو غريب» وخاشقجي: اختلف السياق وتماثلت الحال/ صبحي حديدي

في إطار تفنيد تقرير الاستخبارات الأمريكية حول جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وردّ التهمة عن ولي العهد محمد بن سلمان، كتب عبد الله المعلمي السفير والمندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة سلسلة تغريدات؛ لعلّ أطرفها، وأهمها دلالة، تساؤله التالي (والترجمة من عندنا): إذا كانت هذه (أنّ الأمير كان على علم بالضرورة، لأنه يسيطر على النظام الاستخباراتي) حجّة مقبولة، فلماذا لم يقع الرئيس الأمريكي ونائب الرئيس ووزير الدفاع، تحت طائلة المسؤولية عن جرائم أبو غريب؟

السياقات مختلفة، بالطبع، بين جرائم سجن «أبو غريب» وجريمة تصفية وتقطيع أوصال خاشقجي داخل أروقة القنصلية السعودية في اسطنبول؛ وكذلك تختلف طبائع المساءلة، السياسية والأمنية والاخلاقية، بين التوجيه باستدراج أو اعتقال أو اغتيال مواطن معارض صحافي، أو العلم بالخطة مسبقاً، كما في حالة بن سلمان حسب التقرير الاستخباراتي الأمريكي؛ وبين المسؤولية المباشرة عن سلوكيات بربرية في التعذيب والتنكيل الجسدي مارسها جنود أمريكيون ولكن لم يأمر بها، أو يطلع عليها مسبقاً، أمثال جورج بوش الابن وديك شيني ودونالد رمسفيلد.

المسؤولية المعنوية، في المقابل، ليست متماثلة ومتقاطعة ومتقاربة في كثير من عناصرها، فحسب؛ بل ثمة مقدار من المساءلة أشدّ وأكبر يطال المسؤولين الأمريكيين الثلاثة، بالنظر إلى القيود القانونية التي يتوجب أن يلتزم بها أبناء قوة عظمى تزعم قيادة العالم على أصعدة الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي والمواثيق الخاصة بالتزامات سلطة احتلال عسكرية تجاه أهل البلد الخاضع للاحتلال. وقد تكون تغريدة المعلمي رمية من غير رامٍ، لجهة اللجوء إلى المقارنة مع جرائم جيش احتلال كان ويظلّ حامي حمى المملكة، لكنها في الآن ذاته دخلت ضمن مغزى راهن أوسع، حتى إذا لم يتقصد السفير إدخالها فيه: موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من مسائل التعذيب والاعتقال والتحقيق و«السجون الطائرة» وانتهاكات حقوق الإنسان من جهة أولى؛ والعداء المستحكم المزمن بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، من جهة ثانية.

والحال أنّ الأمر طُرح مؤخراً، ومجدداً، بعد أن لوحظ تحاشي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلغاء قرارات سلفه ترامب الخاصة بالمحكمة، كما فعل بالنسبة إلى إجراءات عديدة داخلية مثل تأشيرات مواطني عدد من البلدان «المسلمة» والمقاربة المرنة لمعاملات اللجوء، وأخرى خارجية مثل العودة إلى اتفاق باريس حول المناخ. ومن المعروف أنّ ترامب كان، في حزيران (يونيو) السنة الماضية، قد فرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الذين يتولون التحقيق في جرائم حرب يُحتمل أن الجيش الأمريكي ارتكبها في أفغانستان. بالإضافة إلى أنّ واشنطن ليست في عداد الدول الموقّعة على معاهدة تأسيس المحكمة، ولا تعترف تالياً بولايتها القانونية على المواطنين الأمريكيين.

كذلك فإنّ الملفّ فُتح مؤخراً بعد أن لجأت أكثر من 80 منظمة غير حكومية، حقوقية وإنسانية ومناهضة للتعذيب وأكاديمية، أمريكية وعالمية، إلى توجيه نداء يحثّ الرئيس الأمريكي على طيّ إجراءات ترامب العقابية، وكذلك تجاهل الأصوات الجديدة التي تعالت مؤخراً لفرض المزيد من القيود على المحكمة؛ الأمر الذي لا يُلحق الأذى بالعاملين فيها وحدهم، بل يشمل جميع الجهات والمنظمات التي تتعاون معها. وغير خافٍ أنّ المحكمة تعرضت، مؤخراً، إلى هجمة شرسة إضافية من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي، وسارعت بعض مجموعات الضغط الصهيونية إلى اتهام المحكمة بـ«النفاق» و«العداء للسامية» بعد أن أعلنت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا العزم على فتح تحقيق رسمي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بصدد جرائم مفترضة خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة في عام 2014.

بنسودا، من جانبها، خرجت عن صمتها مؤخراً وصرّحت بأنّ الوقت قد حان كي تعيد الولايات المتحدة ترتيب علاقتها مع المحكمة، موضحة أنّ العقوبات التي فرضها ترامب تخصّ عادة «كبار منتهكي حقوق الإنسان، وليس المهنيين والموظفين المدنيين الدوليين المنخرطين في مناهضة الحصانة ضدّ الجرائم الفظيعة». وصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية توجهت بالسؤال إلى وزارة الخارجية الأمريكية، فأجابت هذه أنّ الوزارة بصدد «مراجعة» خطواتها المقبلة بهذا الصدد. لا أحد، مع ذلك، يتوجب أن يتناسى حقيقة أنّ الموقف الأمريكي العدائي من قانون روما، الذي أتاح إنشاء المحكمة في سنة 2002، يتجاوز ترامب وإجراءاته لأنّ واشنطن رفضت المصادقة على القانون أو قبول صيغة المحكمة؛ على نقيض 123 دولة وافقت على صلاحياتها في مختلف قارّات العالم.

الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي عمل بايدن نائباً له خلال رئاستين كما يصحّ التذكير، أغدق على مواطنيه سلسلة وعود انتخابية حول إغلاق سجن غوانتانامو، ونشر ما يُسمّى «مذكرات التعذيب» الصادرة عن كبار مسؤولي وزارة العدل والبنتاغون في إدارة بوش الابن السابقة. لكنّ الشهور مرّت، ومثلها انقضت السنوات، وذهبت وعود أوباما أدراج الرياح، وأصرّ أوّل رئيس أفرو ـ أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة على عدم الذهاب خطوة واحدة أبعد في هذه الملفات: سواء في رفض تعيين قاض مستقلّ للتحقيق في المسؤولية عن «مذكرات التعذيب» تلك، أو التذرّع بضرورة الحفاظ على «مبدأ الإجماع» في مسائل الأمن القومي الأمريكي؛ الأمر الذي تساوى فيه مع معظم الرؤساء الأمريكيين السابقين، وبوش الابن على رأسهم، ويتساوى فيه بايدن اليوم، بعد سلفه ترامب.

وبات جلياً أنّ تراجع أوباما عن وعود أخرى، بتأمين شفافية المعلومات حول سجن «أبو غريب» إنما تمّ بضغط مباشر من رهط الجنرالات المتشددين في البنتاغون، من جهة أولى؛ والحملة الشعواء المتواصلة التي شنّها نائب الرئيس السابق شيني، واحتضنتها مختلف وسائل الإعلام الأمريكية بحماس بالغ، من جهة ثانية. وفي غمرة هذا كله، لا ينبغي للمرء أن ينسى حقيقة اصطفاف الحزب الديمقراطي خلف معظم سياسات الرئيس بوش الابن، بصدد غزو أفغانستان والعراق وما سُمّي بـ«الحملة على الإرهاب»؛ بما في ذلك التواطؤ على استخدام تقنيات التعذيب، والإبقاء على معتقل غوانتانامو، و«السجون الطائرة» وسواها.

وبالعودة إلى فظائع سجن أبو غريب، كانت مجلة «نيويوركر» الأمريكية، في أيار (مايو) 2004، على موقعها الإلكتروني ثمّ في الطبعة الورقية لاحقاً، قد نشرت تحقيقاً مذهلاً للصحافي الأمريكي الشهير سيمور هيرش برهن فيه أنّ انفضاح أخبار الهمجية الأمريكية في سجن أبو غريب (كما كانت قد ترددت قبلئذ، مدعمة ببعض الصور الأولى، في البرنامج الإخباري 60 Minutes، على قناة CBS)؛ هي الفصل الأوّل من مجلّد خزي رهيب، أشدّ مقتاً وبشاعة وشناعة. وأمّا في ناظر العالم، المراقب لما مارسته أمريكا في أفغانستان قبل العراق، فإنّ تلك الهمجية كانت تتجاوز السياسات الأمنية، لتضرب بجذورها عميقاً في باطن ثقافة العنف، ونزعة التفوّق، وتحقير الآخر، وامتهان النفس الإنسانية، وشهوة الاستعباد…

الصلات غير منقطعة، إذن، بين فظائع سجن أبو غريب، التي ضربت في الهمجية كلّ مقياس متخيَّل؛ وفظائع التعذيب في زنازين التحقيق الأمريكية (التي تمّ تطبيق طرائقها بموجب مذكرات إدارية التي كتبها أمثال جون يو، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا والمتعاقد مع وزارة العدل، وتضمنت تزويد المحققين بالمسوّغات القانونية للالتفاف على اتفاقية جنيف حول تحريم التعذيب)؛ وفظائع القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث تمّ تقطيع جسد الصحافي السعودي خاشقجي، وإخفاء جثته حتى الساعة.

فلا يفرحنّ السفير المعلمي باستعادة ذاكرة «أبو غريب» لإفحام الإدارة الأمريكية، فالحال متماثلة حتى إذا تباينت السياقات في قليل أو كثير!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربية

—————————-

فورين بوليسي: بايدن يلتزم الصمت مع أردوغان.. وتركيا تظل مهمة للإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشر موقع “فورين بوليسي” تقريرا أعده كل من روبي غريمر وكاتي ليفنغستون وجاك ديستش، قالوا فيه إن إدارة جوزيف بايدن تواصل الصمت في تعاملها مع تركيا. وقالوا إن العلاقة الأمريكية- التركية كانت متوترة في ظل دونالد ترامب ولكن مواصلة بايدن الضغط على تركيا تثير أسئلة حول العلاقة الطويلة مع الدولة العضو في الناتو.

وقال التقرير، إن بايدن قضى الشهر الأول من حكمه على الهاتف مع قادة العالم ولم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واحدا منهم. وكان الخط الهادئ محلاً للتقارير الصحافية في أنقرة، وربما كان هذا بسبب الخلافات مع حلفاء الناتو والتنافس في سوريا وشراء تركيا المنظومة الصاروخية الروسية إس-400.

وفي مقابلات مع عدد من المشرعين والمسؤولين والخبراء، فالصمت من جانب واشنطن هو دليل على موقف متشدد، وستظل أنقرة تحظى بالتجاهل طالما لم تغير مواقفها وبسرعة. وتقول النائبة الديمقراطية أبيغيل سبانبرغر: “العلاقة فيها تحدٍ. ونحن لسنا في وضع نستطيع فيه الاعتماد على تركيا كما كنا نعتمد عليها أو نشعر بالثقة للاعتماد عليها كبقية دول الناتو”. لكن الجميع يتفقون على أن الخيارات قليلة أمام الإدارة الأمريكية لوقف انزلاق العلاقة مع تركيا إلى مستويات متدنية، في وقت يواصل فيه وزير الخارجية أنتوني بلينكن وبقية المسؤولين التواصل مع نظرائهم الأتراك.

ولا يوجد لدى بايدن خيارات غير مواصلة الضغط على أردوغان في مجال حقوق الإنسان. ويقول أيكان إردمير، عضو البرلمان السابق والزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية: “هذا أدنى مستوى في العلاقات الأمريكية- التركية”. وبايدن ليس غريبا على أردوغان، فهو كنائب للرئيس السابق باراك أوباما، قام بتوجيه العلاقات مع أنقرة التي وصلت أدنى مراحلها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، والتي حمّل فيها أردوغان الولايات المتحدة المسؤولية. لكن كيف سيقوم بايدن بالتحرك في حقل ألغام العلاقات كقائد أعلى؟ هذا بمثابة امتحان لسياسته الخارجية، وكيف يستطيع إصلاح العلاقات مع تركيا ويخفف من نزعات أردوغان الديكتاتورية، بحسب وصف التقرير.

وبسبب سياسة تركيا الخارجية الحازمة، فإدارة بايدن ستواجه أزمة. وقد علق أردوغان في مخالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واشترى منه منظومة الصواريخ أس-400 بـ25 مليار دولار. وهو على تناقض مع السياسة الأمريكية في شرق المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا تزال تركيا عرضة للعقوبات بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية، مع أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن العقوبات صممت حتى لا تضر بالاقتصاد التركي.

ويقول آرون ستين، مدير البحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا: “هذه هي الجولة الثانية لفريق بايدن”. و”أجد أن الناس قد تعبوا من هذا، وكل واحد يأتي ويقول إن الأمور ليست على ما يرام والكرة في ملعب أنقرة”.

وعندما طلب من السفارة التركية في واشنطن التعليق، أجابت بأن أنقرة تضع “أهمية كبرى” على العلاقة مع واشنطن وستعمل على تقوية العلاقة مع إدارة بايدن. وأضافت أن “تركيا عضو في الناتو منذ سبعة عقود، ولا تؤشر صفقة أس-400 على تغير في المسار الإستراتيجي لتركيا. وتواصل تركيا لعب دور الشريك الموثوق به والمسؤول”. و”منذ عامين تطلب تركيا عقد جماعة عمل بما في ذلك الناتو لمعالجة القلق بشأن أس-400″.

وفي الوقت الحالي، تحاول إدارة بايدن البحث عن منهج متوازن، ولكنها لا تريد أن تتغاضى عن سلوك تركيا المثير للقلق. وقال نيكولاس دانفورث، الزميل غير المقيم في المؤسسة الهلينية لأوروبا والسياسة الخارجية: “من الواضح أنهم لا يريدون تفجير العلاقة وليسوا عدوانيين ولكنهم ليسوا متساهلين أيضا”. و”يريدون التوضيح أن أي عملية تواصل جديدة ستتم بناء على الشروط الأمريكية”.

ورفعت تركيا غصن الزيتون عندما اقترح وزير الدفاع خلوصي أكار نموذجا يتم فيه شحن أس-400 للخارج كبادرة حسن نية. وهو ما يظهر وضع أردوغان المتقلقل والذي فاقمته العقوبات الأمريكية. ويواجه الاقتصاد التركي الذي تغلب العام الماضي على تداعيات كوفيد -19، من تضخم وتدهور في قيمة العملة وركود في سوق العمل. وتلقى حزب العدالة والتنمية الذي يواجه انتخابات في 2023 هزيمة في إسطنبول وعدد من المدن التركية، مما يشير لضعف أردوغان لو سمح بانتخابات حرة. ويقول سونير تشاغباتاي، الزميل في معهد واشنطن: “لو حدثت انتخابات فلن يفوز” أي أردوغان. والمشكلة أمام بايدن هي مواصلة الضغط على تركيا والحفاظ في الوقت نفسه على التحالف العسكري الطويل. وعبّر عدد من المسؤولين السابقين عن عدم ارتياحهم من ملامح إدارة بايدن بشأن تركيا، ذلك أنهم لا يزالون يتعاملون مع أنقره كحاجز مهم في الناتو ولا يرون مغازلة أردوغان لروسيا توجها دائما.

والعلاقات الدفاعية بين تركيا وأمريكا عميقة، فهي تحتفظ بالأسلحة النووية الأمريكية في قاعدة إنجرليك الجوية. وعلى بعد 40 ميلا على البحر المتوسط، أقام الناتو نظام الرادار للإنذار ومواجهة الصواريخ الباليستية القادمة من الشرق.

ولا تزال تركيا لاعبا مهما في البحر الأسود، حيث زادت التوترات منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014. ووصف مسؤول سابق تركيا بـ”العدو الطبيعي” لروسيا وحاجز مهم ضد التوسع الإيراني في الشرق الأوسط.

وتؤكد إدارة بايدن أنها تستطيع محاسبة تركيا على تراجع القيم الديمقراطية ومواصلة العلاقات مع الحليف في الناتو في الوقت نفسه.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “لدينا مصالح مشتركة لمواجهة الإرهاب وإنهاء النزاع في سوريا وردع التأثيرات الخبيثة بالمنطقة”. و”يمكننا الالتزام بقيمنا بما في ذلك حقوق الإنسان وحكم القانون وحماية مصالحنا، مع إبقاء تركيا مصطفة مع التحالف العابر للأطلنطي وفي عدة قضايا”. وأكدت السفارة التركية أن البلد يلتزم بالمبادئ الديمقراطية و”الحقوق الأساسية وضمان الحريات بالدستور. وتواصل تركيا تطبيق الإصلاحات الديمقراطية” وأشارت إلى خطة العمل لحقوق الإنسان التي أعلن عنها قبل يومين.

لكن العلاقات بين المؤسسات التي ساهمت في استمرار التعاون بين البلدين في حالة من الوهن. وتقول غونول تول، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “من الناحية التقليدية لعبت المؤسسات دورا مهما في تقوية العلاقات التركية- الأمريكية” ولاحظت أن وزارة الشؤون الخارجية التركية والخارجية الأمريكية ظلتا تتعاونان حتى عندما يتصادم قادة الدولتين. وانهار الوضع في ظل إدارة ترامب الذي لم يثق بالدبلوماسيين، وترك الأمور تجري بناء على علاقات الصداقة. ووصلت حالة الإحباط مستواها عندما فقد مايك بومبيو الصبر على تركيا رغم استمرار العلاقة بين ترامب وبومبيو. وقال مسؤول سابق، إن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو كان من الصعب التعاون معه. في وقت زادت فيه الضغوط السعودية والإماراتية على أمريكا، حيث حاولتا تقديم تركيا كدولة متنمرة في المنطقة بسبب علاقاتها مع الإخوان المسلمين.

وكمثال، منع بومبيو صدور بيان من الخارجية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 احتفالا بيوم الجمهورية التركية وهو عيد وطني، وهو أمر روتيني تقوم به الوزارة، لكن بومبيو منع ذلك. ونفس الأمر ينسحب على العلاقات العسكرية، فبعد الانقلاب الفاشل واتهام أردوغان المؤسسة العسكرية بتدبيره خاصة ممن لهم علاقة مع نظراء في الولايات المتحدة والناتو، طلب عدد من الضباط الأتراك ممن يعملون في قيادة الناتو في فيرجينيا اللجوء في الولايات المتحدة بعد اتهامهم بالتورط في محاولة الانقلاب، مع تأكيدهم أن التهم غير صحيحة. وأضاف دعم أمريكا لأكراد سوريا إلى التوتر بين الدولتين. وتقول ميريف طاهر أوغلو، الخبيرة بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إن “الجيش الأمريكي كان دائما يأتي لدعم تركيا وأحد أهم المدافعين عنها عندما يتحول الكونغرس أو البيت الأبيض ضدها… لكن لم يعد هذا هو الحال”.

وجاء فرض ترامب العقوبات على تركيا بعد عام من المناقشة، ليعبّر عن تشدد في المواقف المستمرة مع الإدارة الجديدة. وقال مسؤول سابق إنه لم ير أيا من المعيّنين في الإدارة الجديدة متعاطفا مع تركيا. وعدم الثقة متبادل بين الطرفين، فطالما عبّر أردوغان عن غضبه من دعم الغرب للأكراد، وجيّش الرأي العام التركي حول مزاعم أن الولايات المتحدة هي التي تسببت بالمحاولة الإنقلابية. وأشار بعض الخبراء إلى أخطاء الأمريكية، مثل قرار سحب بطاريات باتريوت عندما زاد التوتر التركي- الروسي عام 2015 ومواصلة الدعم للجماعات الكردية في سوريا التي تعتبرها تركيا إرهابية.

وفي خطاب ألقاه أردوغان الشهر الماضي، قال: “أي تحالف ناتو هذا؟ قضيتهم ليس دعم اللاجئين، بل غير ذلك. ولا يزالون يتعاملون مع الإرهابيين. ونحن من جانبنا نواصل الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين، ونفتح قلوبنا طالما تصرف الأصدقاء كأصدقاء”. ورغم العلاقة المتوترة، لا يتوقع الكثير من الخبراء تدهور العلاقة بشكل أكبر. وبالنسبة للغرب، فلا تزال العلاقة كما كانت قبل 70 عاما عندما انضمت تركيا لحلف الناتو، وهي مسألة تتعلق بالجيوسياسية.

وتركيا مهمة للموقف الأمريكي في الشرق الأوسط، ولم يذهب المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون الذين ينفثون غضبهم على أنقرة بعيدا، ويسألون إن كانت تركيا تنتمي إلى حلف الناتو أم لا. وبالنسبة لأنقرة فالمسألة هي عن الأمن والاقتصاد. فتركيا بحاجة إلى روابط للسوق الأوروبية والأمريكية واستثمارات رغم التوتر في العراق، وأردوغان لا يريد التخلي عن علاقاته العميقة مع الغرب مقابل تحالف مع بكين أو موسكو.

ويرى خبراء، أن براغماتية أردوغان تتفوق دائما على نزعته المعادية للغرب. وتقول طاهر أوغلو: “أردوغان براغماتي دائما ولا خيار أمامه إلا علاقة عمل مع الولايات المتحدة”. و”تركيا ليست مستقلة من ناحية الطاقة واقتصادها ليس مزدهرا وأصبح جيشها مستقلا، ولكن صناعتها العسكرية المحلية تعتمد على الرخص الغربية”، و”هي بحاجة لعلاقات جيدة مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة”.

وأرسل اردوغان رسائل دافئة للغرب. وحتى من ضاقوا ذرعا في واشنطن بأردوغان، لا يتعاملون مع العلاقات كأمر واقع، ويرون ضرورة البحث عن طرق للعمل مع أنقرة حتى لا تقوي علاقاتها مع موسكو أو بكين.

وتقول سبانبرغر: “علينا رسم خط في الرمال، ولكن علينا التأكد من فتح طريق لتركيا كيف تعيد ضبط علاقاتها معنا ومع الناتو”. و”بالتأكيد لا نريد أن يتحول الأتراك نحو الروس إلى مدى كبير ونريد أن تقوى العلاقة” معنا ومع الغرب.

القدس العربي

——————–

واشنطن: موسكو عطلت كل الجهود لتحميل دمشق مسؤولية استخدام أسلحة كيميائية

روسيا تدافع عن حليفها السوري

 – أ. ف. ب.

الأمم المتحدة: اتهمت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد خلال مؤتمر عبر الفيديو في مجلس الأمن الدولي، موسكو بـ”تعطيل كل الجهود” لتحميل دمشق مسؤولية استخدام أسلحة كيميائية.

وأضافت “ندرك جميعا أن نظام (الرئيس السوري بشار)الأسد استخدم بشكل متكرر أسلحة كيميائية. فلِمَ لم تحمل الحكومة السورية مسؤولية ذلك؟ لأن دمشق وقفت في وجه ذلك” فيما أن حلفاءها “لا سيما روسيا سعوا إلى تعطيل كل الجهود المبذولة لتحميلها المسؤولية”.

وتابعت “للأسف الجواب بسيط: حاول نظام الأسد تجنّب المحاسبة عبر عرقلة التحقيقات المستقلة وتقويض دور وعمل” منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وأضافت الدبلوماسية الأميركية في أول مشاركة لها في جلسات مجلس الأمن منذ تولي جو بايدن سدة رئاسة الولايات المتحدة أن “حلفاء النظام وخصوصا روسيا سعوا لإعاقة كل الجهود الرامية للمحاسبة”.

وقالت توماس-غرينفيلد إن “روسيا تدافع عن نظام الأسد على الرغم من هجماته الكيميائية، وهي تهاجم العمل المهني الذي تقوم به منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتقوّض جهود محاسبة نظام الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية وغيرها من الفظاعات”.

في المقابل، دافع سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نبينزيا عن دمشق قائلا “بناء على نصيحة روسيا، انضمّت سوريا بحسب نيّة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتخلّصت من ترسانتها من الأسلحة الكيميائية”، وهو أمر تشكك فيه دول الغرب.

وانتقد السفير الروسي من توماس-غرينفيلد التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن لشهر آذار/مارس، لإطالتها الكلام خلال كلمة كان يفترض ان تكون “مقتضبة”.

وقال نبينزيا “دائما ما نحاول جميعا ان نكون مقتضبين، لكن هذا الأمر ليس دائما ممكنا”، قبل أن ينطلق بما أسماه “لمحة تاريخية موجزة ومفيدة حول مداولات المجلس”، في ما يبدو استهزاء بتوماس-غرينفيلد لكونها حديثة العهد في المجلس.

وبحسب الأمم المتحدة التي تتّهم نظام الأسد بشن هجمات كيميائية ضد شعبه، لم تجب دمشق منذ سنوات على مجموعة من 19 سؤالا حول منشآتها العسكرية، التي يمكن أن تكون قد استخدمت لتخرين الأسلحة الكيميائية أو إنتاجها.

ويتّهم مفتّشو منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية نظام الأسد باستخدام غاز السارين والكلورين في هجمات في سوريا في العام 2017.

ورفض سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بسام صباغ الاتهامات الأميركية، مؤكدا أن دمشق ملتزمة تماما القانون الدولي، معتبرا أنها مسيّسة وعدائية.

ايلاف

—————————

الجيش الأميركي يعزز الدفاع عن قواته شرق سوريا

نشر منظومة صواريخ قرب دير الزور

أفيد، أمس، بنشر الجيش الأميركي منظومة صواريخ دفاعية قصيرة المدى لحماية قواته قرب دير الزور، في شمال شرقي سوريا.

وأفاد موقع «Forbes» بأن نظام الصواريخ الدفاعية الجوية قصير المدى (أفنجر) شوهد ينقل على شاحنات من العراق إلى شرق سوريا، و«هو أفضل نظام متاح بسهولة لحماية القوات الأميركية في سوريا والعراق من التهديد المتزايد الذي تشكله الطائرات بدون طيار».

وفي أواخر فبراير (شباط)، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور يزعم أنها تظهر نقل منظومة «أفنجر» على طريق سريع من العراق إلى سوريا. ومن المرجح أنه تم نقلها إلى القوات الأميركية في منطقة دير الزور بشرق سوريا.

وأفاد موقع «روسيا اليوم» بأنه مع قاذفات صواريخ «FIM – 92 Stinger»، تم تصميم «أفنجر» لحماية المشاة من الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض، وصواريخ كروز، وطائرات الهليكوبتر، والطائرات بدون طيار.

وأضاف الموقع: «حتى أوائل العام الماضي، لم تكن للقواعد التي تستضيف القوات الأميركية في العراق أنظمة دفاع جوي. وتجلى ضعفها عندما هاجمت إيران اثنين منها بالصواريخ الباليستية في يناير (كانون الثاني) 2020، في ضربة انتقامية رداً على اغتيال الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد الدولي».

ومنذ ذلك الحين، نشرت الولايات المتحدة صواريخ باتريوت «MIM – 104» التي تصيب على ارتفاعات عالية في هذه القواعد، إلى جانب أنظمة «C – RAM» قصيرة المدى، أي الصواريخ المضادة والمدفعية وقذائف الهاون.

ومع ذلك، يمكن القول إن «أفنجر» هو نظام أكثر ملاءمة لتوفير حماية للقوات البرية ضد الطائرات بدون طيار. وأوضح: «في أوائل عام 2020، تم استهداف القوات الأميركية المنتشرة في حقول النفط في دير الزور، بواسطة طائرات بدون طيار قادرة على إسقاط قذائف الهاون الصغيرة، والذخيرة التي تم تصنيعها على ما يبدو باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد».

وكانت وثيقة أميركية نقلت في تقرير يخص نشاطات قوة المهام المشتركة في «عملية العزم الصلب» ضد «داعش» عن «وكالة استخبارات الدفاع الأميركية» قولها إن «إيران ربما تسعى أيضاً نحو تنفيذ أو التشجيع على شن هجمات محدودة ضد القوات الأميركية، رداً على ما تعتبره دعماً لضربات ضد أهداف تابعة لإيران في المنطقة، وكذلك سعياً من جانبها للضغط على القوات الأميركية للانسحاب من سوريا».

وتناولت الوثيقة الفترة بين بداية أكتوبر (تشرين الأول) و9 ديسمبر (كانون الأول) 2020، وقالت الوكالة إن «إيران استمرت في الإبقاء على وجودها داخل المناطق التي كانت خاضعة من قبل لـ«داعش» في شرق سوريا، وذلك «في إطار جهودها لحماية طرقها اللوجيستية، بجانب نجاحها في تقليص قدرات (داعش) على تنفيذ عمليات. وفي الوقت الذي يتراجع تهديد (داعش) داخل سوريا، تولي إيران الأولوية إلى أهداف أخرى، منها دفع الولايات المتحدة نحو الخروج من البلاد»، حسبما أفادت به «وكالة استخبارات الدفاع».

وجاء في الوثيقة: «طبقاً لما ذكرته (وكالة استخبارات الدفاع)، ورغم حذر القيادات الإيرانية إزاء تفاقم التوترات مع الولايات المتحدة قبل الانتقال السياسي الرئاسي الأميركي، من المحتمل أن تستمر إيران في وضع خطط لتنفيذ عمليات ضد الولايات المتحدة عبر المنطقة، بما في ذلك سوريا. وترى (وكالة استخبارات الدفاع) أن القوات الموالية لإيران ربما تبقي على قدرتها على مهاجمة مصالح أميركية وأطراف موالين لواشنطن داخل سوريا». وأشارت الوكالة إلى أن إيران «حاولت تجنيد سوريين محليين لجمع استخبارات حول القوات الأميركية وقوات التحالف داخل سوريا، وربما تحاول تمكين هؤلاء الأفراد من تنفيذ هجمات نيابة عنها».

وقالت وكالة استخبارات الدفاع إن «إيران ربما تسعى أيضاً نحو تنفيذ أو التشجيع على شن هجمات محدودة ضد القوات الأميركية، رداً على ما تعتبره دعماً لضربات ضد أهداف تابعة لإيران في المنطقة، وكذلك سعياً من جانبها للضغط على القوات الأميركية للانسحاب من سوريا». ويعتقد أن الحديث كان يجري عن الفترة السابقة.

وكانت القوات الأميركية قد قصفت موقعاً للميليشيات الإيرانية في ريف دير الزور على حدود سوريا والعراق، رداً على قصف يعتقد أن ميليشيات إيرانية نفذته في العراق.

وزادت إيران في الفترة الأخيرة من جهودها لتجنيد عناصر محلية في شرق محافظة دير الزور، لتعزيز الميليشيات القائمة المؤلفة من عناصر أجنبية، التي نشرتها في سوريا لدعم النظام السوري.

————————

بايدن بين الهيبة والتهيّب من الأعداء والحلفاء في الشرق/ منير الربيع

توقع السيناتور الأميركي ميت رومني قبل أيام أن يعاد انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية في العام 2024 عن الحزب الجمهوري، وذلك لسببين اثنين، الأول أن ترامب تمكن من تجسيد حالة اجتماعية واسعة المدى داخل المجتمع الأميركي في مقابل ضعف مؤسسة الحزب الجمهوري الذي لم يتمكن من إنتاج قيادة فعلية قادرة على إعادة تفعيل “مؤسسات الحزب ومركزيته”، والثاني وهو الأهم طريقة تعاطي جو بايدن وإدارته مع الملفات، إذ يشعر الأميركيون وحتى مؤسسات الدولة العميقة أن هناك ضياعاً في الرؤية وعدم ثبات على الموقف. بلا شك أن أميركا هي أميركا مهما تغيرت إداراتها أو رؤساؤها، ولكن مع ترامب وحتى مع بايدن، تغلب الطبائع الشخصية على الكثير من المواقف والقرارات السياسية.

 تصر الولايات المتحدة في سياستها، على انتهاج سياسة متناقضة مع كل الملفات الخارجية، خصوصاً في الشرق الأوسط مع السعودية وإيران في وقت واحد، الرغبة في الحوار والتعاون مقابل التشدد، ما ينطبق على السعودية يسري على إيران، وهذا سيكون واقعاً صحيّاً على واشنطن ربما، باستخدام لعبة باراك أوباما في الاستثمار بالتناقضات للكسب من الجميع، لكنه سيكون له آثار تدميرية على المنطقة. من سخرية القدر أن تكون سياسة ترامب مرغوبة في منطقة منكوبة، فقط لأنها تعبر عن وضوح في الوجهة والرؤية. وهذا يحتاج إلى بحث فلسفي، اجتماعي معمق ليس المجال هنا للخوض في غماره.

تجد الولايات المتحدة الأميركية مع بايدن نفسها محرجة في مقاربتها للملفات الدولية، وخاصة الشرق أوسطية، فهو يرغب في رفع العقوبات عن إيران لكنه غير قادر على فعل ذلك مباشرة، إنما قد يلجأ إلى منح استثناءات للإفراج عن أموال إيرانية مجمدة لدى الهند وكوريا الجنوبية، فيتنفس النظام الإيراني، يصر على الانسحاب من أفغانستان، ولم يخرج برؤية واضحة حول الوضع في العراق وسوريا. بعد كم من الضربات الإيرانية، في المنطقة الخضراء، وفي أربيل، تأخر الرد الأميركي، إلى أن وقع الخيار على قصف مواقع لميليشيات عراقية تابعة لإيران في البوكمال السورية، لم يأت الرد في العراق لعدم إحراج الكاظمي، والتعاون الأميركي العراقي، وهذا بحد ذاته تراجع، إلا أن الضربة كانت مهمة خاصة أنه لم يتم إخطار روسيا بها، وأدت إلى سقوط قتلى، ما يعني أنها لم تكن ضربة منسقة. قدّم البنتاغون لبايدن مجموعة أهداف، لكنه اختار الهدف الأضعف، وهذا مؤشر أيضاً حول عدم وجود نية حقيقية لإحداث أي تغيير.

حصلت الضربة في سوريا لعدم إحراج مصطفى الكاظمي، لم يكن هناك إمكانية لعدم الرد، مقتل 17 شخصاً من الجماعة المستهدفة، يؤشر إلى أن الضربة سيكون لها تبعات، ولم تكن كضربة ترامب لمطار الشعيرات عندما تم إبلاغ الروس ومن خلالهم تم إبلاغ النظام السوري بالأمر. جاءت الضربة بعد اتصال بايدن المتأخر بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وبالتزامن مع تصعيد اللهجة ضد ولي العهد محمد بن سلمان، كذلك جاءت بعد اتصال بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصحيح أن الاتصال بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي قد جاء متأخراً، وعلى مشارف انتخابات إسرائيلية يعتبرها نتنياهو مفصلية في حياته. عدم وضوح الرؤية الأميركية، واتجاه بايدن نحو التفاهم مع إيران، قد يفرض وقائع جديدة في المنطقة، من خلال قيام إسرائيل بخطوات تصعيدية في المرحلة المقبلة، لفرض وقائع، تعرقل التفاوض، أو تحسن شروط تل أبيب خاصة في ما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، أو صواريخ حزب الله الدقيقة.

هذه القراءة، كانت واضحة لدى حزب الله، بشخص أمينه العام حسن نصر الله، الذي ألمح مهدداً الإسرائيليين بأنه في حال حصلت أي ضربة ولو كانت محدودة قد تؤدي إلى اندلاع حرب، خصوصاً بعد إشارته إلى أنه لا يريد الحرب، في رسالة واضحة لتجنّب التصعيد. بينما في الخطاب السابق كان مصراً على تنفيذ ردّ عسكري على اغتيال أحد عناصر الحزب في سوريا، ما يعني أن الحزب قد تجاوز تلك المعادلة وعاد وطرح معادلة جديدة، بأنه في حال تعرض لضربة في المرحلة المقبلة، فهو حتماً سيرد.

في موازاة هذه المعادلة، حصلت عملية تبادل الأسرى بين سوريا وإسرائيل بشكل سريع جداً وبرعاية روسية. إلى جانب تلك العملية، كان التحرك الروسي يتوسع في لبنان من خلال سلسلة اتصالات، قد تمهد لدور روسي أكبر في لبنان، من خلال ملفات عديدة، ترسيم الحدود الجنوبية، أمن إسرائيل، وضبط المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا. فيما لا بد من تسجيل ملاحظة أن الضربات الإسرائيلية في سوريا تتفادى مواقع النظام السوري، وتستهدف حصراً مواقع الإيرانيين وحلفائهم.

لا بد لموسكو أن تهتم بلبنان انطلاقاً من انعكاس الأوضاع فيه على الواقع السوري، وأبرز الدلائل هو التدهور الاقتصادي السريع الذي حصل في سوريا بالتزامن مع الانهيار المالي الذي حصل في لبنان، وحتى رئيس النظام السوري بشار الأسد أعلن سابقاً أن المصارف اللبنانية هي التي تتحمل مسؤولية انهيار الوضع المالي والاقتصادي في سوريا. هذه الوقائع تفرض تمدداً روسياً في لبنان وهنا لا بد من مراقبة ردة الفعل الإيرانية، خاصة أن لبنان وسوريا معاً، يشهدان حضوراً عربياً مستجداً، ودعوات لإيجاد حل لأزمتي البلدين من خلال عقد مؤتمر دولي لمعالجة الملف اللبناني، والدعوة للاتفاق على مجلس عسكري انتقالي في الشام.

كل هذه التطورات ستفرض نفسها مستقبلاً على السياسة الأميركية، وهناك تأكيدات تأتي من واشنطن بأن التفاهم الأميركي الإيراني لن يؤدي إلى تسليم لبنان لإيران، ولا حتى تسليم سوريا لإيران، خاصة أن هناك قوى دولية وإقليمية لن تسمح بذلك، فمثلاً دور الإمارات في لبنان إلى جانب مصر مع وجود علاقات قوية بين الدولتين والنظام السوري، لن يسمح لإيران بأن تكون مسيطرة، بالإضافة إلى الوجود الروسي والتركي في سوريا، وسط تأكيدات روسية من قبل مسؤولين بأنهم لن يسمحوا للبنان أن يكون جالية إيرانية.

تلفزيون سوريا

—————————

مندوبة أميركا في الأمم المتحدة حددت ملامح سياسة بايدن في سوريا قالت إنه «حان الوقت لحل سياسي حقيقي»

أعلنت السفيرة الأميركية الجديدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أنه «حان الوقت لكي نتوصل إلى حل سياسي فعلي»، ذلك ضمن خطاب فُسّر على أنه يقدم ملامح أولويات إدارة الرئيس جو بايدن في سوريا.

وقالت إن الولايات المتحدة تطالب «بنشر وضع كل المعتقلين في سوريا وبتسليم جثامين الأشخاص الذين توفوا إلى عائلاتهم مع تحديد تاريخ ومكان وسبب وفاتهم». وأضافت خلال نقاش حول حقوق الإنسان نُظّم في الجمعية العامة للأمم المتحدة «هناك 14 ألف سوري على الأقل قد يكونون تعرضوا للتعذيب وعشرات الآلاف قد يكونون اختفوا قسراً». وكانت الدول الأعضاء الـ193 في الأمم المتحدة استمعت قبل ذلك إلى شهادات عدة من ناجين طالبوا الأسرة الدولية بمحاسبة منفذي هذه التجاوزات على أفعالهم.

لكن في مجلس الأمن عطلت أي محاولة في هذا الاتجاه حتى الآن عبر فيتو فرضته روسيا الداعمة لدمشق.

وقالت السفيرة الأميركية، إن «نظام الأسد يواصل سجن عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء، من نساء وأطفال ومسنين، أطباء وعاملي إغاثة وصحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان». وأضافت، أن «مدنيين أبرياء يحرمون من محاكمة عادلة، ويتعرضون للتعذيب ولعنف جنسي وظروف غير إنسانية». ونددت أيضاً بإغلاق نقاط عبور عند الحدود السورية عام 2020 أمام المساعدات الإنسانية المقدمة للشعب من دون موافقة الحكومة السورية. وثمة معبر واحد عبر تركيا لا يزال قائماً في شمال غربي البلاد، وقد ألمحت روسيا إلى أنها تعتزم إغلاقه في يوليو (تموز) عند انتهاء تصريح الأمم المتحدة الذي يتيح استخدامه.

وقالت ليندا توماس غرينفيلد، إن إغلاق نقاط العبور «حال دون تقديم المساعدة الإنسانية الحيوية من الأمم المتحدة، وهو أمر مؤسف وزاد بلا داع من معاناة ملايين السوريين». وأضافت «حان الوقت لكي نتوصل إلى حل سياسي فعلي. إنه السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار والأمن بشكل دائم للشعب السوري» من دون أن تذكر تفاصيل حول ما تعتزم الإدارة الديمقراطية الجديدة القيام به بشأن سوريا.

من جهته، قال فريدون سينيرلي أوغلو، ممثل تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، في كلمة ألقاها خلال جلسة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه «خلال السنوات العشر للحرب السورية، وفّرت تركيا الحماية لـ9 ملايين سوري، 4 ملايين منهم داخل أراضيها، و5 على الحدود، والمجتمع الدولي لا يمكنه أن يدير ظهره لتلك المأساة ويلقي العبء على ظهورنا». وأشار إلى أن الحرب السورية لا تزال تشكل أهم أزمة، وأن المجتمع الدولي سجل فشلاً ذريعاً في التعامل معها.

وأفاد سينيرلي أوغلو بأن «تركيا هي الدولة الوحيدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تتصدى لتنظيم (داعش)، واستطاعت بمفردها أن تقضي على أكثر من 4 آلاف من عناصره بسوريا». وطالب المجتمع الدولي بأن ينظر لهجمات تنظيم حزب العمال الكردستاني، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، بنفس نظرته لبقية التنظيمات الإرهابية.

وتحدث في الجلسة نشطاء، بينهم مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الذي قال في كلمته «عشر سنوات طويلة مرت على السوريين حصيلتها مئات آلاف القتلى من الضحايا وعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، دمار كامل لمدن وبلدات، وملايين المدنيين النازحين واللاجئين، وملايين الأطفال الذين حرموا من التعليم وينهشهم البرد والجوع والأمراض، تدمير للبنى التحتية واقتصاد مدمر وعملة وطنية فقدت قيمتها، وبلدٍ مقسّم محتل تستبيحه جيوش خمس دول من الجولان في جنوبه إلى شماله الشرقي وشماله الغربي مروراً بعاصمته دمشق، ومجتمع دولي متقاعس ومؤسسات أممية عاجزة، وانهيار تام لمنظومة حقوق الإنسان التي كرستها البشرية خلال عقود». ودعا إلى خطوات، بينها «وقف شامل لإطلاق النار» و«اجتماع طارئ تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة للدول كافة المعنية بالصراع السوري لإيجاد خريطة طريق عملية حقيقية لتنفيذ القرار رقم 2254»، و«عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بهدف إصدار قرار ملزم لأطراف الصراع كافة ينص على وقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة منذ عام 2011 وتجميد الحكم بهذه العقوبة حتى إشعار آخر وقيام أطراف الصراع كافة بتزويد المفوضية السامية لحقوق الإنسان بقوائم تتضمن أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية والسماح لمراقبي المفوضية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة أماكن الاحتجاز وضمان معاملة المحتجزين كافة وفقاً لقواعد مانديلا والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً وفقاً للأولويات الإنسانية الأطفال والمرضى والنساء وكبار السن»، إضافة إلى «تشكيل فريق دولي خاص للكشف على المقابر الجماعية وضمان حفظ عينات الـ DNAوتسليم الجثث إلى ذويهم وضمان دفنهم وفقا لمعتقداتهم بطريقة كريمة».

الشرق الأوسط

—————————–

====================

تحديث 21 أذار 2021

—————————–

خطورة سبات إدارة بايدن في سوريا/راغده درغام

الفراغ الذي تتركه إدارة جو بايدن في سوريا ولبنان نتيجة انحدار البلدين في سُلّم أولويّاتها، بات خطيراً على المصالح الأميركية وليس فقط على مصير البلدين المعنيّين وانعكاسه على استقرار المنطقة.

صحيح أن روسيا غير قادرة على ملء الفراغ بمفردها في سوريا، ولذلك تتّجه الى الدول الخليجية العربية للمساعدة في التمويل وإعادة الإعمار من أجل صيانة مصالحها هناك لا سيّما بعد وضوح انحسار الاستعداد الأوروبي للشراكة في انتشال سوريا نتيجة تدهور العلاقة الأوروبية – الروسية في شكل عام. لكن موسكو، من باب عزم الكرملين على تأدية دور الوسيط بين إسرائيل وإيران، وإسرائيل وسوريا، وإسرائيل و”حزب الله”، تصقل لنفسها أدواراً لملء الفراغ الذي يتركه سبات إدارة بايدن التي يبدو وكأنها تتعامل مع سوريا ولبنان كملحقين لتناولها لملف إيران متجاهلة أبعاد وإفرازات الأوضاع المتفجّرة. فلبنان اليوم أصبح مشروع دولة فاشلة يسيطر عليه سلاح “حزب الله” الإيراني الولاء وكذلك فساد الطبقة السياسية المتحكّمة به بلا محاسبة دولية، بل بلا اهتمام.

إسرائيل باتت تلجأ الى روسيا للجم “حزب الله” وكقناة للتفاهم مع إيران وسوريا و”حزب الله” بغض النظر عن تصعيدها عسكرياً داخل سوريا ولفظياً ضد طهران و”حزب الله” في لبنان. موسكو قرّرت تسليم لبنان الى “حزب الله” وطهران باعتبارهما الضامن الوحيد لـ”الاستقرار”، كما تمكّنا من إقناعها. أما واشنطن، فإنها تتغيّب الآن عن التأثير الفعلي لدرجة أن إدارة بايدن تبدو وكأنها هي أيضاً سلّمت مفاتيح لبنان الى طهران في الوقت الذي يتطلّب منها الأمر، منطقياً، أن تعي قيمة هذا البلد تفاوضياً لدى “الحرس الثوري” الإيراني وأن تدرك تداعيات انهياره الى الحضيض على كافة المستويات.

حتى الصين التي لم يكن لبنان أبداً على شاشتها الاستراتيجية باتت اليوم مُستثمِراً في مشروع “الحرس الثوري” الإيراني في لبنان لغايات استراتيجية. انها المموّل الظل غير المباشر عبر صفقات النفط مع طهران بلا سوط العقوبات الأميركية، والمباشر عبر مشاريع هدفها تأمين موقع قدم في المرافئ اللبنانية وغيرها من المواقع الحيوية، فيما إدارة بايدن في سبات. فالصين كانت تخشى عقوبات إدارة دونالد ترامب السابقة لكنها اليوم تُعزّز علاقاتها النفطية مع إيران وتؤمّن لطهران الأموال الطائلة للإنفاق على مشاريع “الحرس الثوري” الإقليمية بالذات في سوريا ولبنان.

أوروبا أيضاً في سبات لأنها بدورها قرّرت الاستغناء عن “التورّط” في سوريا وتركت ملف لبنان لفرنسا التي تُحسن التورّط عشوائياً، وتتّقن فن اكتساب سمعة اللاجدّيّة، وبذلك عمّقت انزلاق لبنان في ورطته المدهشة.

إدارة ترامب كانت جدّية ونشطة في ملف لبنان عبر زيارات متكرّرة للمسؤولين في وزارة الخارجية ومن خلال فرض العقوبات. إدارة بايدن غائبة ونائمة ولربما تكون جاهلة لتداعيات ما يحدث في هذا البلد الصغير باعتباره في رأيها هامشياً في أولوياتها.

على صعيد التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، تبدو إدارة بايدن في حال استرخاء مع أن ما حدث يتنافى مع مزاعمها بأنها لن تتراخى مع مسائل الجريمة ضد الإنسانية أو انتهاك حقوق الإنسان. كلاهما واضح جليّاً في استهتار مُرعب بمطالب أهالي ضحايا الانفجار وبتشريد أهالي بيروت في مؤامرة رهيبة لدفن التحقيق في الانفجار – مؤامرة تتداخل فيها دول وشركات سلاح وشركات تأمين محلية وعالمية.

في وسع إدارة بايدن أن تصدر التعليمات لمكتب التحقيق الفدرالي FBI أن يقدّم الآن نتيجة التحقيق الذي أجراه في انفجار مرفأ بيروت لأن التحقيق بات جاهزاً، ولأن هذا التحقيق هو أحد أهم وسائل تدويل ما يحدث في لبنان. وما يحدث لا يقل عن جريمة ضد الإنسانية تسكت عليها حكومات وشركات – جريمة تخزين المواد المتفجّرة بين المدنيين اللبنانيين واستخدام هذه المواد لصنع البراميل المتفجّرة ضد المدنيين السوريين.

هناك صرخة تتوسّل تدويل المأساة اللبنانية ما زالت تقع على آذان صمّاء لأن إدارة بايدن لم تأخذ المبادرة لسماع تلك الصرخة أو للاستماع الى ما وراءها. فليس مهمّاً، بصراحة، صمت الأوروبيين أو قرار الروس والصينيين أن هذه صرخة سياسية ضد حليفيهما الإيراني والسوري في لبنان. المهم هو موقف واشنطن. إدارة بايدن تعطي الانطباع أنها هي أيضاً غير مهتمة بالتدويل الذي ينقسم حوله اللبنانيون بين موالٍ لحياد لبنان وبين مصرّ على سيطرة إيران عليه.

الحياد، في تعريف “حزب الله” وعلى لسان الأمين العام للحزب حسن نصرالله بات تهمة تخوين جاهزة للتفجير في الشارع التابع له والذي يتأهّب للتعبئة ولمواجهة المتظاهرين لقمعهم وإلغائهم بقرار وبخطة تم اعتمادها. ففي كلمته هذا الأسبوع، استهدف الأمين العام لـ”حزب الله” الصرح البطريركي وخوّن طروحات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي التي أطلقت فكرة الحياد، معتبراً أن “المطلوب من الحياد في لبنان هو أن نكون جزءاً من المحور الأميركي – الإسرائيلي”، داعياً الى التصدّي للمؤامرة الأميركية عبر المعونات البترولية من إيران والتوجّه شرقاً الى الصين وروسيا.

لم يخفِ نصرالله أجندة “حزب الله” وإيران إذ أصرّ على إحباط شروط صندوق النقد الدولي IMF لمساعدة لبنان على الخروج من ورطته المصيرية. لوّح بعزمه على إطلاق عنان جمهوره ضد حكومة اختصاصيين في اعترافٍ واضح أن لجم أو إطلاق شارعه هو أداة حادة جاهزة للتفعيل. هدّد الجيش والقوى الأمنية معترضاً على طريقة تعاملهما مع المُحتجّين بتعاطف ومؤكداً أن احتمال فرض “حزب الله” فتح الطرق بالقوة العسكرية في وجه المتظاهرين الذين اتهمهم بدفع الأمور نحو “حرب أهلية لا تحتاج الى صواريخ دقيقة إنما الى مجرد كلاشينكات”. ثم كرّر تهديدات “عزل” حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ما لم يعمل على خفض سعر الدولار.

الأهم أن الأمين العام لـ”حزب الله” كشف عن خطة طوارئ “لا يمكن تنفيذها من داخل مؤسسات الدولة” ما يُنذر بإمكان استيلاء الحزب على كامل مفاصل الدولة والقرار. وهذا ما أبلغه وفد “حزب الله” الى المسؤولين الروس في زيارته إلى موسكو حيث قدّم الوفد الضمانات أن الحزب قادر وجاهز لضبط الأوضاع المتدهورة في لبنان، خارج الدولة. كلام نصرالله عن وجود “خيارات كبيرة ومهمّة لدينا، ولكن تنفيذها عبر الدولة والقانون غير متاح، سنلجأ الى تنفيذها لننقذ بلدنا وشعبنا” كلام خطير للغاية. موسكو هزّت رأسها بإشارة أخذ علم بما سمعت بلا احتجاج عليه، فهي بدورها توافق “حزب الله” وإيران رأيهما أنهما وحدهما قادران على السيطرة وإبقاء لبنان حيّاً، وأنه لا توجد أية قوى سياسية أخرى قادرة على هذه المهمّة.

الفارق بين المواقف الروسية والمواقف الأميركية نحو استيلاء إيران و”حزب الله” كاملاً على لبنان هو أن موسكو تدعم أهداف حليفين لها فيما واشنطن تعتبر أحدهما “إرهابياً” والآخر راعياً ومموّلاً له لكنه مهم لها في إطار المفاوضات النووية والعلاقات الثنائية. كلاهما تهمّه إسرائيل بدرجة كبيرة في المعادلة اللبنانية- واشنطن في إطار علاقة التحالف التقليدية معها، وموسكو لجهة العلاقة المتينة الجديدة لها مع إسرائيل وقيامها بتأدية دور الوسيط مع إيران وأتباعها.

تأزّم العلاقة الشخصية بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في أعقاب تبادل الشتائم ووصف بايدن لبوتين بـ”القاتل” سينعكس على العلاقات الأميركية – الروسية – الأوروبية وكذلك على ملفات السياسات الخارجية الممتدة من القرم الى طهران الى بلدٍ هامشي لهما كلبنان. فموسكو جاهزة للاستثمار في “الحرس الثوري” ومشاريعه الإقليمية وهي تعي تماماً قيمة لبنان في هذه المشاريع. ثم إنها ستلتقي أكثر الآن مع التصعيد الإيراني في الملف النووي القائم على دفع الأمور الى حافة الهاوية مع الولايات المتحدة في لعبة خطرة قوامها دفع إدارة بايدن والقيادات الأوروبية الى التراجع والخضوع أمامهما.

فريق بايدن هو الذي سيقرّر كيف سيتعامل مع الاستفزازات الإيرانية أو الانتقامات الروسية. جو بايدن ليس دونالد ترامب. ترامب تصرّف كما يشاء بحرية وباعتباطية أحياناً، لكن بايدن ليس رجلاً طليقاً كما ترامب. لذلك من الصعب قراءة قرارات فريقٍ أتى الى البيت الأبيض لكنه ليس جاهزاً، عمليّاً وتوظيفياً وسياسياً واستراتيجياً، لتلقّي التحديات الكبرى منها والصغرى.

بحسب المصادر، ينوي “الحرس الثوري” التصعيد ميدانياً في أكثر من مكان وذلك في إطار الدفع نحو فوزه في الانتخابات الإيرانية وتهديد العالم بهذا الفوز الذي سيضع “الحرس الثوري” علناً ورسمياً في سدّة الحكم، وليس من وراء الكواليس كما هو الحال الآن. والسؤال المطروح هو: هل ما هدّد به الأمين العام لـ”حزب الله” لجهة خطة طوارئ خارج الدولة اللبنانية هو مشروع “الحرس الثوري” كجزء من الانتخابات الإيرانية؟

وفد “حزب الله” الى موسكو أكد لوزير الخارجية سيرغي لافروف ولكل من اجتمع به في روسيا الخطوط العريضة التالية: أولاً، إن إيران مستمرة في سياساتها نحو روسيا “وكلاهما يحتاج الآخر” – حسب تعبير أحد المصادر – وأن إيران باقية في سوريا “ولن تغادرها على الإطلاق” بغض النظر إن بقي بشار الأسد رئيساً أم لا. ثانياً، إن على روسيا ألا تُضعِف إيران لأن إيران الضعيفة ليست في المصلحة الروسية أينما كان، وأن “حزب الله” هو شريك لروسيا في سوريا. ثالثاً، إن لدى “حزب الله” “خطة للبنان” تبدأ من إزالة المتظاهرين من الشارع و”تحويل التظاهرات الى الاتجاه الصحيح”، كما نقلت االمصادر المطلعة، وذلك في إطار عزم “حزب الله” على السيطرة على البلد لانتشاله من “أزمة أعمق تؤدي الى ظروف غير مُتوقَّعة وانفجار داخلي”. رابعاً، إن لبنان بات له الأولوية لدى طهران وأن سوريا تحتل الموقع الثاني في الأولويات الإيرانية الآن، وعليه، يجب توقّع تطورات تتماشى مع هذا التغيير. خامساً، إن السيطرة على الأوضاع في لبنان ستتطلب أشهراً وليس شهراً واحداً، مع التأكيد أن “حزب الله” وإيران قادران وعازمان على ضبط كامل للأوضاع وأخذ الأمور في أياديهما بصورة تامة لأنهما في حاجة الى لبنان ولأن لا استغناء عنه في مشاريعهما. وسادساً، اعتزام “حزب الله” زيادة تواجده العسكري في مختلف أنحاء لبنان بما في ذلك في الجنوب وذلك في ضوء توقّع مواجهة عسكرية آتية مع إسرائيل.

ما طلبته الدبلوماسية الروسية من وفد “حزب الله” هو، بحسب المصادر المطلعة، “عدم استفزاز إسرائيل” خوفاً من أن يؤدي ذلك الى مواجهة كبرى في الشرق الأوسط. الرد أتى من طهران بتصريحات عسكرية نارية عالية المستوى حول جاهزية إيران لتدمير “الكيان الصهيوني”. إنما ليس واضحاً بعد إن كانت هذه المواقف من أجل الاستهلاك المحلي الانتخابي الصلة، أو إن كان ضمن “الخطة” التي تحدّث عنها الأمين العام لـ”حزب الله” ولمّح اليها وفد الحزب في محادثاته مع روسيا مما قد ينسف ذلك “الجسر” الذي تريد موسكو أن يشكّل امتدادها بين إسرائيل وإيران ويلقى مباركة أميركية صامتة. فخلاصة رسائل “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني هي أنهما في مقعد القيادة لملءٍ مدروسٍ للفراغ كما لإملاء هوية ومستقبل لبنان.

النهار العربي

—————————-

خيارات إدارة بايدن في سوريا تتقلص وسياسة واشنطن لا تزال غامضة بشأن العملية السياسية/ رائد صالحة

أكدت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بتسوية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 لإنهاء الصراع في سوريا، بالتشاور الوثيق مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة، ولكن يبدو أن هذه التسوية، التي أعلنها مرة أخرى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تنطوي على عواقب لرئيس النظام السوري بشار الأسد وحكومته.

وقال المتحدث الأمريكي إن الإدارة «ستستخدم الأدوات المتاحة، بما في ذلك الضغط الاقتصادي، من أجل إصلاح ذا مغزى ومساءلة نظام الأسد» في حين تم إدراج المعركة ضد تنظيم «الدولة» في الوقت الحاضر كأولوية ثالثة.

واستنتج المحللون الأمريكيون أن الأسد غير مستعد للمغادرة في أي وقت، على الرغم من الوضع الكارثي في البلاد، في وقت تحاول فيه روسيا تخفيف الضغط عن النظام السوري، ولكن المتحدث الأمريكي أكد ثانية أن تغيير نهج واشنطن لن يأتي إلا استجابة لتحول في دمشق.

وأقر المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، بأنه لن تكون هناك نهاية مستدامة للصراع السوري قبل أن يغير النظام سلوكه، مؤكداً أن واشنطن بصدد مراجعة ما قد تفعله لتعزيز احتمالات التسوية السياسية.

وأصدر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في وقت لاحق بياناً مشتركاً إلى جانب نظرائه من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا حول الشأن السوري بعد 10 سنوات من بدء احتجاجات ضد النظام، جاء فيه إن الأسد وكل من دعمه يتحملون المسؤولية عن السنوات الماضية من حرب ومعاناة إنسانية.

وأشار البيان إلى تدهور الوضع الاقتصادي لسوريا وحاجتها المستمرة للمساعدات الإنسانية، كما أكد على رفض الانتخابات السورية المزعومة ووصفها بأنها مشهد «لن يكون حراً ولا نزيهاً ولا يؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري».

وبدت الكرة في ملعب واشنطن بعد حديث عن «هدوء هش مزعوم» في سوريا ودعوات أممية للدفع بعملية دبلوماسية جديدة حول سوريا، في حين حذر العديد من السياسيين من عدم قدرة أي دولة على وضع قواعد اللعبة في سوريا وحدها. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية المتعاقبة لم تكن تشعر بإلحاح للتصدي للحرب الدموية في سوريا، وبالنسبة لإدارة بايدن، لا يزال هناك نوع من الغموض حول سياسة الإدارة الجديدة بشأن سوريا.

وأشار محللون أمريكيون إلى أن روسيا تحاول فتح الباب أمام تعاون محتمل مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشأن السوري، بعد أن وصلت الحرب الدموية في البلاد إلى علامة فارقة قاتمة، هي مرور 10 سنوات على الكارثة.

وأكد ناطق للسفارة الروسية في واشنطن أن هناك مجالاً للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، ولكن للقيام بذلك يجب التغلب على لغة التنافس التي تعود للحرب الباردة، والتي تعتمد على المصالح المتعارضة والاتهامات البارزة.

وأشارت صحف أمريكية إلى أن واشنطن وموسكو وجدتا أرضية مشتركة في سوريا في المعركة متعددة الجنسيات ضد تنظيم «الدولة» ولكن هناك حاجة الآن لتحديد مجالات إضافية للتفاهم المتبادل.

وبالنسبة لموسكو، فإن التعاون المشترك يعني عدم اعتراض الجهود الأمريكية في تقديم المساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب ودفع العملية السياسية إلى الأمام، وفقاً لرؤية قريبة من نهج روسيا.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد النظر في المقاربات والإجراءات المتعلقة بحليفها رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإعادة التفكير في الاستراتيجيات الأمريكية في سوريا.

لم تحقق الإدارات الأمريكية السابقة أي تقدم يذكر في الشأن السوري، ولكن العديد من المحللين يتوقعون أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر نشاطاً من تلك التي سبقتها.

وقال العديد من المحللين إن الوقت حان إعادة انخراط الولايات المتحدة لتحقيق التوازن بين الأجندات الروسية والإيرانية في سوريا، وأكدوا أن هناك ضرورة لقيام واشنطن بإجراء محادثات مع تركيا وموسكو للتوصل إلى حد وسط بشأن الحد الأدنى من الشروط المقبولة في أي عملية مفاوضات بخصوص سوريا.

حقول النفط

ولا تخطط القوات الأمريكية لمغادرة سوريا قريباً، ولا يبدو أن إدارة بايدن على عجلة من أمرها لسحب 900 جندي أمريكي بقوا في البلاد، وهي قوة صغيرة نسبياً، يرى العديد من مسؤولي البيت الأبيض أنها ضرورية لمنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» ومنع الأطراف الأخرى، بما في ذلك روسيا وإيران وقوات رئيس النظام السوري من السيطرة على حقول النفط.

ولكن التزام بايدن بالإبقاء على القوات هناك على المدى البعيد غير مؤكد، حيث قال العديد من مسؤولي البيت الأبيض انهم يراجعون وجود القوات في سوريا، وهو أعلان أثار مخاوف من أن يعيد بايدن النظر في الانتشار كجزء من تقليص أكبر للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط والتحول المخطط له نحو آسيا.

وقال الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، في مقابلة مع الصحافة الأمريكية بعد زيارته لشرق سوريا إن السؤال الأول في المنطقة كان هو ما الذي ستفعله إدارة بايدن في سوريا، مشيراً إلى أنه ينتظر توجيهات من الإدارة بهذا الشأن.

ووصف روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا خلال إدارة أوباما، الاستراتيجية الأمريكية بأنها «معيبة للغاية».

وقد ساعدت الولايات المتحدة القوات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) على ترسيخ سيطرتها في شرق سوريا، وخلقت بديلاً للنظام وورقة مساومة إذا ما مضت الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية إلى الأمام، واستنتج خبراء أن الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في شرق سوريا سيساعد على السيطرة على الحدود السورية-العراقية، مما يؤدي إلى تحقيق هدف واشنطن في احتواء نفوذ إيران المتزايد في المنطقة.

ولاحظ محللون أن بايدن قد يجد صعوبة بالفعل في عدم استخدام العامل العسكري في التعامل مع الميليشيات في سوريا، وكان أول عمل عسكري معروف له هو الأمر بشن غارة في شباط/فبراير ضد معسكر في سوريا، بالقرب من الحدود مع العراق، رداً على هجوم ميليشيا مدعومة من إيران على قاعدة أمريكية في العراق.

وقد ركز الرئيس الأسبق، باراك أوباما على تقديم المساعدات الإنسانية والمفاوضات السياسية الهادفة إلى الإطاحة بالأسد، وتقليص الوجود العسكري هناك، ووافق على مساعدة عسكرية سرية لإنشاء قوة معارضة سورية معتدلة، ولكنها ظهرت كجهد فاتر نتجت عنه نتائج هزيلة.

وتعهد ترامب مراراً بالانسحاب من سوريا بعد هزيمة تنظيم «الدولة» ولكنه تراجع بعد استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجاً، وفي العام الماضي، أمر ترامب بسحب القوات من الحدود الشمالية بالقرب من الحدود التركية كجزء من تحرك مخطط له لسحب جميع القوات، ولكن تحت ضغط البنتاغون، وافق لاحقاً على إبقاء القوات في الشرق لمواصلة العمل مع القوات الكردية والمساعدة على حماية حقول النفط.

ومع عزم أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على طرح مشروع قانون لإلغاء تراخيص الحرب، فإن خيارات بايدن ستكون محدودة للغاية في الشأن السوري من الناحية العسكرية، حيث قدم مجموعة من النواب مشروع قانون لإلغاء تفويض عام 1991 لاستخدام القوة العسكرية في حرب العراق 2002 وقرار 1957 الذي يجيز العمل العسكري في الشرق الأوسط.

ووصف مقدمو المشروع القانون بأنه خطوة أولى نحو استعادة سلطة الكونغرس الدستورية لإعلان الحرب.

وقد حصل مشروع القانون على زخم جديد بعد استخدام بايدن التفويض لشن غارات جوية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.

—————————-

إعادة الإعمار في سوريا لمن الكعكة؟/ إبراهيم نوار

لم تسكت المدافع بعد. وما تزال سوريا مقسمة بين إرادات سياسية متعارضة. لكن الصراع على كعكة إعادة الإعمار لم يتوقف، منذ عام 2012 أي بعد عام واحد من انفجار الصراع الذي أدى إلى حرب أهلية. الكعكة كبيرة قدّرها ممثل الأمم المتحدة السابق في سوريا ستيفان دي ميستورا بما يتراوح بين 250 إلى 400 مليار دولار، بينما تصل الآن إلى ما يقرب من تريليون دولار، وتشمل إعادة بناء كل شيء في سوريا تقريبا، من المرافق الأساسية المادية إلى المساكن إلى رأس المال البشري والزراعة والصناعة والطاقة ومؤسسات الدولة. ومن ثم فهي تستحق العناء والصبر، لأن الفائز سيحصل على مكافأة ضخمة. ويقدر البنك الدولي أن عودة الاقتصاد السوري إلى ما كان عليه قبل عام 2011 سيحتاج إلى 10 سنوات على الأقل، إذا توفرت شروط التمويل والمهارات البشرية والتنظيمية والتكنولوجيا الملائمة لتحقيق نمو في الناتج المحلي بمعدل يزيد عن 5 في المئة سنويا. أما إذا تحقق النمو بنسبة 3 في المئة فإن سوريا ستحتاج إلى 20 عاما لكي تعود إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.

كيف تتم إعادة الإعمار؟

بدأ الإعداد لإعادة بناء سوريا بتشكيل مجموعة دولية تحت اسم «مجموعة أصدقاء سوريا» داخل إطار يضم 60 دولة ومنظمة متعددة الأطراف تشارك فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وعقدت مجموعة العمل التي تتولى التنسيق من أجل الإنعاش والتنمية الاقتصادية أول اجتماع لها في أبو ظبي ايار/مايو 2012. وعلى الرغم من التعهدات بالمساعدات والتمويل، فإن سوريا لم تشهد أي خطوات عملية للإعمار بسبب استمرار الحرب. وهكذا فإن دور البنك الدولي والأمم المتحدة ومجموعة أصدقاء سوريا تبخر تماما، باستثناء عدد محدود من المشروعات، معظمها لأغراض إنسانية مثل مشاريع الإغاثة للاجئين والنازحين، ومشروع إعادة تأهيل محطتين لتوليد الكهرباء في طرطوس وحماة، مولته اليابان بقيمة 11.5 مليون دولار، بمقتضى مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي عام 2016 ونفذته شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

روسيا والنفط

أحدث دخول روسيا إلى ساحة الحرب السورية عام 2015 تغييرا جوهريا في قواعد لعبة الصراع بين الأسد وخصومه. وبينما كان الرئيس السوري قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فإن روسيا مدت له يد العون وساعدته على فرض سيطرته على ما يقرب من 65 في المئة من الأراضي السورية. وبلغت تقديرات تكلفة التدخل الروسي في ذروة الحرب بما يتراوح بين 2.4 مليون إلى 4 ملايين دولار يوميا. وفي مقابل هذا التدخل حصلت روسيا على مكاسب مهمة، منها تصفية عدة آلاف من المتشددين الإسلاميين من بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة مثل الشيشان، المنخرطين في الصراع المسلح ضد الحكومة السورية. وتوسيع الوجود العسكري الروسي في شرق البحر المتوسط في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر روسيا الرابح الأكبر بين الدول الحليفة لنظام بشار الأسد، خصوصا مع دورها في إعادة تشغيل قطاع النفط والغاز. وفي هذا السياق وقعت الحكومة السورية مع روسيا عددا من الاتفاقيات تمنح شركات روسية صغيرة مملوكة لمقربين من الرئيس الروسي بوتين، عقودا تصل مدتها إلى 50 عاما لإعادة تأهيل وتشغيل حقول النفط والغاز القائمة، والتنقيب عن النفط والمعادن داخل الأراضي السورية وفي المناطق البحرية قبالة شواطئها في شرق البحر المتوسط، على أساس نسب مشاركة تبلغ 70 في المئة للجانب الروسي و30 في المئة للجانب السوري. وتقدر قيمة العقود الروسية في قطاع النفط والغاز السوري منذ عام 2017 حتى الآن بما يقرب من 40 مليار دولار.

ويتم إنتاج النفط والغاز حاليا في محافظات الحسكة ودير الزور وتدمر وبالقرب من دمشق. وتتولى شركات روسية تشغيل الحقول الخاضعة لسيطرة الحكومة، بينما تتولى شركات أمريكية صغيرة، معفاة من العقوبات، تشغيل الحقول في المناطق التي تخضع لسلطة قوات سوريا الديمقراطية. ويتم تصدير كميات قليلة حاليا من النفط السوري مقابل الحصول على الوقود، بعد أن كان أكثر من 95 في المئة منه يذهب إلى أوروبا الغربية. كما تقوم مصافي النفط السورية باستقبال النفط القادم من المنطقة الكردية لتكريره والحصول على نسبة 30 في المئة من المشتقات النفطية مقابل التكرير. وتشير تقارير مراقبة المعابر البرية أيضا إلى أن نسبة من نفط سوريا يتم تصديرها برا إلى الحدود التركية. وفي مجالات التعدين تعمل الشركات الروسية في استخراج الفوسفات وتطوير المناجم في حماة، وإدارة مجمع الفوسفات في حمص. كما تقوم شركات روسية بتطوير ميناء طرطوس.

وفي عام 2018 أتمت الشركات الروسية تطوير حقول للغاز في شمال دمشق بطاقة إنتاجية تبلغ مليون متر مكعب يوميا. ومع أن تلك الشركات حققت نتائج كبيرة في مجالات تشغيل الحقول البرية وتطويرها، فإن الروس يعتقدون أن ثروة سوريا الحقيقية من النفط والغاز تتركز في منطقتي البادية والساحل بنسبة 83 في المئة، مقابل نسبة تبلغ 12 في المئة فقط في منطقة الجزيرة الغنية بالإنتاج حاليا، التي من المتوقع أن يبدأ نضوب آبارها في عام 2023. وتصديقا لهذه التقديرات قال وزير النفط السوري إن احتياطي بلوك رقم 1 في القطاع البحري السوري يعادل كل الاحتياطي المعروف في الحقول البرية. ولم يبدأ حتى الآن إنتاج الغاز من المناطق البحرية، على الرغم من أن سوريا وقعت في عام 2013 اتفاقا مع شركة سويوز الروسية للنفط والغاز للتنقيب في منطقة حقل عمريت البحري. وليس من المتوقع أن تتمكن سوريا من تحقيق اكتشافات في المناطق البحرية ما لم تشارك في عمليات التنقيب شركات روسية ضخمة ذات خبرة مثل روسنفط وغازبروم. لكن المشاركة المباشرة لهذه الشركات سوف تعرضها للعقوبات. وتقدر هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية احتياطي الغاز الطبيعي في القطاع البحري لسوريا في شرق البحر المتوسط بحوالي 700 مليار متر مكعب. وفي حال استغلاله ستصبح سوريا واحدا من أهم البلدان المنتجة للغاز في العالم.

المصالح الإيرانية في السوق

تعتبر القيادة الإيرانية أن سوريا هي مشروعها الثاني الكبير في الشرق الأوسط بعد العراق. ولذلك فإنها تعتبر أن أي مساعدات تقدمها هناك يجب أن تعود بالنفع عليها. وطبقا لتصريحات أدلى بها علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني فإنها قدمت مساعدات لسوريا تبلغ حوالي 8 مليارات دولار سنويا منذ بدء الصراع. وفي مقابل هذه المساعدات الاقتصادية والعسكرية، حصلت الشركات الإيرانية على امتيازات وعقود في كافة المجالات تقريبا، بما في ذلك صيانة محطات الكهرباء والتجارة والمقاولات والنقل والسياحة. وبسبب نقص السيولة المالية المتاحة للحكومة السورية فإن إيران أتاحت خطوطا مممتدة للتسهيلات الائتمانية المخصصة لتمويل صادراتها إلى سوريا. وحتى عام 2019 تم توقيع ثلاثة خطوط ائتمان بقيمة 6.6 مليار دولار، لا تشمل إمدادات السلاح والمعدات العسكرية. ويتم استخدام هذه التسهيلات بواسطة شركات إيرانية تقوم بتنفيذ التعاقدات التجارية مع سوريا، وبهذا تضمن إيران أن تتم المعاملات السلعية والتسويات المالية داخل دائرة إيرانية مغلقة، لا تتسرب منها الأموال أو السلع إلى أياد سورية.

غير أن إيران لم تتمكن من استثمار بعض الفرص التي أتيحت لها في قطاعات الاتصالات والكهرباء واستخراج وتصنيع وتصدير الفوسفات. ففي كانون الثاني/يناير 2017 وقعت الحكومتان السورية والإيرانية مذكرة تفاهم تمنح الشركات الإيرانية حقوق استخراج الفوسفات من مناجم الفوسفات الشرقية في تدمر، لكن تلك الشركات فشلت في بدء الأعمال. وبعد 6 أشهر سحبت سوريا الامتياز ومنحته إلى شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية لاستخراج 2.2 مليون طن من الفوسفات سنويا لمدة 50 عاما مع حصول الجانب السوري على نسبة 30 في المئة من الإيرادات.

وتسيطر إيران على عدد مهم من المعابر التجارية التي تتحكم في حركة السلع عبر سوريا أو مع العراق، أهمها معبر البوكمال الذي تستغله لأغراض مدنية-عسكرية تشمل نقل الأسلحة والذخائر والمسلحين القادمين من إيران إلى سوريا عبر العراق. وكانت إيران قد وقعت اتفاقية تجارة حرة مع سوريا عام 2011 كما وضعت تصميما لمشروع خط أنابيب عبر العراق وسوريا إلى ساحل البحر المتوسط، وربط طهران وبغداد ودمشق بشبكة من الطرق لتسهيل حركة الأفراد والتجارة والاستثمارات.

حدود تأثير العقوبات وقانون قيصر

تخضع سوريا لقائمة واسعة من العقوبات الأوروبية والأمريكية تعرقل التنمية في كل القطاعات، لكن بعض جماعات المعارضة والمناطق غير الخاضعة لسلطة الحكومة مثل المناطق التي تديرها القوات الكردية «قوات سوريا الديمقراطية» تتمتع باستثناء من العقوبات، وتحصل الشركات العاملة فيها على تراخيص تسمح لها بالنشاط، مثل الشركات التي تعمل في حقول النفط والغاز.

ويعتبر قانون قيصر صيغة من صيغ العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة على أطراف أخرى، بسبب تعاملها مع حكومات أو مؤسسات تخضع لعقوبات أمريكية. وقد أصدره الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر 2019 وبدأ سريانه في 17 حزيران/يونيو العام الماضي. ويتضمن القانون فرض عقوبات على الأشخاص والشركات والبنوك التي تقدم مساعدات للحكومة السورية في أي صورة من الصور، مثل تقديم الدعم المالي أو عقد صفقات كبيرة مع النظام أو الكيانات التابعة له، أو إقراض الحكومة السورية أو إمدادها بتسهيلات ائتمانية، أو المساعدة في إنتاج النفط والغاز، أو تقديم قطع غيار للطائرات، أو إمداد القوات السورية بمعدات عسكرية. ويمكن أن تصل هذه العقوبات إلى درجة خطيرة في حال تصنيف البنك المركزي السوري كمؤسسة تستخدم في غسيل الأموال، وهو ما يترتب عليه فرض عقوبات بواسطة الخزانة الأمريكية.

ولا شك أن تطبيق العقوبات الثانوية يمكن أن يسبب ضررا كبيرا للنظام الاقتصادي السوري، حتى في حال رفع العقوبات الأوروبية. لكن هذا الضرر قد يصبح هامشيا وغير ذي أثر يذكر، طالما بقيت المعاملات الخارجية لسوريا محصورة مع دول برعت في تحدي نظم العقوبات الدولية، مثل إيران وروسيا والصين. وبالنظر إلى طبيعة المعاملات الاقتصادية السورية مع العالم الخارجي في السنوات العشر الأخيرة، فإن أشد الأزمات التي تعرضت لها سورية بسبب العقوبات حدثت في قطاعي الوقود والتمويل، مما أدى إلى اتساع نطاق أزمات الوقود والكهرباء وانهيار سعر الليرة.

وإذا أرادت تنفيذ مشروعات إعمار ضخمة بمشاركة مؤسسات دولية، فانها لن تستطيع تحقيق ذلك، بسبب قانون قيصر الأمريكي، حيث ستخضع كل البنوك والشركات التي تتعاون مع سوريا لعقوبات ثانوية، كما هو حادث الآن مع الشركات التي تعمل في تنفيذ خط أنابيب الغاز الشمالي الممتد من سيبيريا حتى المانيا «نورد ستريم -2». كما أن دول الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية المعنية بالإعمار في سوريا، بما في ذلك الصين، أصدرت إشارات واضحة بعدم استعدادها للمشاركة في مشاريع الإعمار ما لم تتوقف الحرب، ويتم التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة للأوضاع، تنهي الصراع بين الأطراف المختلفة في سوريا. ونتيجة لذلك فإن الدول التي تتمتع بامتيازات اقتصادية في سوريا حاليا ستظل في وضع المستفيد الحصري بمشروعات الإعمار، الممكنة بالتحايل على القوانين الدولية، وهو ما يعني أن عملية إعادة الإعمار ستظل كسيحة ومحدودة لمدة طويلة. ومع بقاء الأسد في السلطة، ووجود مصلحة لأطراف كثيرة في استمراره، بما في ذلك إسرائيل، وضخامة حجم كعكة الإعمار، فربما تتزايد احتمالات المصالحة، وترتيب نوع من الإدارة السياسية يمكن أن يصل إلى حد الاتفاق على إقامة نظام فيدرالي، يسمح بالإدارة الذاتية للمناطق المستقلة نسبيا في شرق وشمال سوريا، وبنفوذ تركي تحكمه ترتيبات إقليمية متفق عليها في منطقة الشريط الحدودي الشمالي الغربي، وهو ما يمكن أن يساعد على تخفيف العقوبات ووقفها تدريجيا. ومن ثم فإن بوابة مشروعات إعادة الإعمار ستصبح مفتوحة على مصراعيها، بعيدا عن العقوبات وعن الحقوق الحصرية التي تتمتع بها حاليا روسيا وإيران في مناطق سيطرة بشار الأسد (حوالي 65 في المئة) وتركيا في الشمال الغربي (حوالي 10 في المئة) والقوى الكردية والولايات المتحدة في الشرق والشمال الشرقي (حوالي 25 في المئة) من سوريا.

القدس العربي

————————-

الانتخابات السورية: فيتو أميركي بمواجهة محاولة تعويم الأسد/ عماد كركص

بدأت الولايات المتحدة الأميركية تكشف تدريجياً عن مزيد من مواقفها اتجاه النظام السوري، عقب وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد أن ساد ما يشبه الغموض بموقف بايدن من النظام طيلة حملته للانتخابات الرئاسية، وحتى في الفترة الأولى التي تلت تنصيبه. وفيما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية في سورية، المقرر إجراؤها بعد نحو ثلاثة أشهر، والتي باتت محط أنظار الفاعلين الدوليين في الشأن السوري، دخلت واشنطن على الخط بالقول إنها لن تعترف بشرعية هذا الاستحقاق، المستنكر أوروبياً، في ظلّ وضوح نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لتوظيفه من أجل إعادة تعويم بشار الأسد، عبر انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات. وتسعى روسيا لتحقيق ذلك من بوابة إعادة سورية إلى محيطها العربي والجامعة العربية، وهذا ما كان واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على عدد من العواصم الخليجية قبل أيام. في حين تأتي زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى سلطنة عُمان التي بدأها يوم أمس السبت، كمحطة يمكن التوقف عندها في هذا السياق.

وأعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة، جيفري ديلورنتس، في تصريحات له أول من أمس الجمعة، أنّ إدارة بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية، إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد ديلورنتس أنّ النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد. وشدد على أنّ الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات “غير حرة” لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة، مضيفاً: “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”. كذلك أشار ديلورنتس إلى أن “المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق التعاون في هذا الشأن”.

وفي الأشهر السابقة، حملت تصريحات غربية وحتى أميركية رفضاً واضحاً للانتخابات الرئاسية في سورية ونتائجها المتوقعة، بيد أنّ تصريحات ديلورنتس الأخيرة تقطع الشك باليقين، حيال نظرة الإدارة الأميركية وبايدن نفسه، إلى هذا الاستحقاق، الذي سيعتبر مفصلياً وحاسماً في طريق الأزمة السورية، التي أنهت قبل أيام عقدها الأول، بمئات الآلاف من الضحايا المدنيين؛ قتلى ومعتقلين، إلى جانب الملايين من النازحين واللاجئين.

ومع الخشية من أن يؤدي قرار بايدن بالعودة إلى التفاوض مع إيران بشأن ملف الأخيرة النووي إلى تراخٍ في الموقف الأميركي حيال النظام السوري، تزداد الضغوط من قبل الكونغرس على إدارة الرئيس الجديد لزيادة التشدّد في التعامل مع النظام وحلفائه، ولا سيما طهران. إذ طالب أعضاء من مجلس النواب الأميركي، أول من أمس الجمعة، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بتقديم إجابات رسمية بشأن تحديد الجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها إيران والمليشيات التي ترعاها، في سورية والعراق، وما إذا كانت إيران و”حزب الله” اللبناني والمليشيات المدعومة من طهران قد قامت بحملات تطهير طائفي في ضواحي دمشق، ما يمكن أن يعتبر منهجية واسعة الانتشار، وبالتالي فإنها تشكل جريمة موصوفة بحسب قوانين الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ هذه المطالبات هي جزء من مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران لقيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها وفي كل من العراق وسورية، إلا أنه ستكون له انعكاساته على تعامل إدارة بايدن مع النظام، الذي سهّل عمل إيران في سورية، وكان سبباً في توغلها بالبلاد، وشريكاً لها بجرائم وعمليات تغيير ديمغرافي على أساس طائفي.

وتأتي هذه التحركات الأميركية، لمواجهة سعي موسكو إلى تعويم الأسد من خلال إعادة نظامه إلى المحيط العربي، عبر تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والخليجية تحديداً، لكسب تأييدها ودعمها المالي في عمليات إعادة الإعمار في سورية. وكان ذلك واضحاً من خلال جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخليجية الأخيرة التي توقف خلالها في كل من الرياض وأبو ظبي والدوحة. بيد أنّ لافروف تلقّى إجابات غير مرضية في الرياض والدوحة، إذ تم ربط مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية بإنجاز الحل السياسي الشامل في البلاد، على أن تكون المعارضة جزءاً من هذا الحل. في حين أنّ الموقف الإيجابي اتجاه طرح لافروف والذي أبدته الإمارات، غير كافٍ، نظراً لهشاشة الثقل الإماراتي في الملف السوري، على الرغم من أنّ أبو ظبي سارت في طريق إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد قبل عامين، بهدف مساندته في مواجهة التمدد التركي في البلاد.

وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى العاصمة العمانية مسقط، والتي بدأها أمس السبت، امتداداً لجهود لافروف بتسويق فكرة إعادة النظام لمحيطه العربي من البوابة الخليجية. وتلعب سلطنة عمان، عادةً، دور الوسيط في نزاعات المنطقة، وخصوصاً بالنسبة لإيران التي تربطها بها علاقات جيدة. ويبدو أنّ النظام يحاول تعزيز علاقاته مع مسقط بهدف فكّ العزلة عنه والحصول على شرعية سياسية، خصوصاً في وقت يحضّر فيه لإجراء انتخابات رئاسية، معتمداً على سياسة “الحياد” التي تتبعها السلطنة. مع العلم أنّ سلطنة عُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام السوري، كما فعلت باقي الدول الخليجية، إذ عمدت فقط لتخفيض مستوى تمثيلها في دمشق عام 2012، إثر اندلاع الثورة السورية، وكانت أول دولة عربية وخليجية تعيد سفيرها إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وفي السياق، رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، عبد الأحد صطيفو، أنّ “المواقف الأميركية واضحة جداً وصارمة فيما يتعلق بانتخابات نظام الأسد الرئاسية المزمع عقدها خلال الأشهر المقبلة”. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد” أنه “خلال متابعة وقراءة التصريحات الرسمية الأسبوع الماضي فقط، سواء لوزارة الخارجية أو للسفيرة ليندا توماس غرينفيلد، المندوب الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ورئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، إضافة إلى البيان المشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا الإثنين الماضي بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، يتضح لنا ثبات المواقف الرسمية ليس فقط لأميركا، ولكن للدول الأوروبية أيضاً الفاعلة في الملف السوري. إذ تؤكّد هذه المواقف بلغة لا تقبل التأويل أنّ انتخابات النظام المقبلة لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا تسهم في تسوية الصراع، ولن تؤدي إلى التطبيع الدولي مع النظام أو تضفي الشرعية عليه، كونها لا تفي بالمعايير المنصوص عليها في القرار الأممي 2254 (لعام 2015). وينصّ هذا الأخير على تشكيل حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية (أي هيئة الحكم الانتقالي) وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدولية، عملاً بالدستور الجديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر”.

وتابع صطيفو أنّ “المواقف الأميركية هي متناسقة ومتماسكة مع المواقف الأوروبية، كما جاء في عدد من مواقف وزارتي الخارجية الفرنسية والألمانية مثلاً، إضافة لبيانات الاتحاد الأوروبي وتصريحات المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن”. ولفت المتحدث نفسه إلى أنّ “الموقف الأميركي كذلك متوافق مع ما جاء في عقوبات قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران الماضي، ويؤكد استخدام الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية والقسرية لإجبار حكومة بشار الأسد على دعم الانتقال السياسي في سورية. ووفقاً للمادة 401 من نص القانون، يتم تعليق العقوبات في حال تطبيق إجراءات بناء الثقة في ما يتعلق بالملفات الإنسانية والمحاسبة والانخراط الجاد في عملية سياسية تؤدي لحل سياسي عادل يحقق تطلعات شعبنا بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية ودولة المواطنة المتساوية”.

من جهته، رأى الباحث السياسي، والمعارض السوري، رضوان زيادة، أنّ موقف الإدارة الأميركية الجديدة “يتماشى مع الموقف الأميركي العام في عدم الاعتراف بنظام الأسد والإصرار على الانتقال السياسي، وربطه برفع العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر وتطبيق بنود القرار 2254”. وأشار زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “المطلوب من الولايات المتحدة الآن موقف أقوى لناحية الجدية في تطبيق قانون قيصر، وفرضه حتى على أصدقاء أميركا الذين يرغبون في إعادة تأهيل نظام الأسد، مثل عُمان والإمارات، كما فعلت الإدارة السابقة، وهذا يشترط وضع سورية كأولوية بالنسبة لواشنطن في السياسة الخارجية، وهو ما لم يحصل للأسف إلى الآن”.

العربي الجديد

——————————

بايدن “يُسقط سلفاً” نتائج انتخابات الرئاسة السورية

أكد نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس أن إدارة الرئيس جو بايدن “لن تعترف” بنتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في سوريا، “إذا لم تحصل بإشراف الأمم المتحدة، مع مراعاة وجهة نظر المجتمع السوري كله”.

وتابع: “ينوي النظام السوري استغلال الإنتخابات لتأكيد شرعية رئيسه بشار الأسد، والإدارة الأميركية تعارض إجراء انتخابات غير حرة، وتواصل التأكيد بحزم أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بشروط قرار مجلس الأمن رقم 2254″، علماً أن الرئيس بايدن أكد في بيان وزعته البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة على الصحافيين، ضرورة أن يتحرك مجلس الأمن في شأن أزمات سوريا وليبيا واليمن وبورما وإثيوبيا.

وأورد البيان أن “بايدن استضاف الخميس الماضي الممثلين الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وأعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة قيادة العالم استناداً الى قيم المؤسسات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، والتمسك بإعادة التعامل مع هذه المؤسسات”.

وقبل أيام تحدثت مصادر أميركية عن ان إدارة بايدن “تريد رحيل الأسد بأي وسيلة، وأنها مستعدة لإطلاق عمل عسكري ضد نظامه وعزله”، علماً ان الرئيس الديموقراطي سمح بتنفيذ ضربة أميركية ضد حلفاء النظام في سوريا نهاية شباط/ فبراير.

وفي السياق، كتب الدبلوماسي المنشق عن سفارة النظام السوري في واشنطن بسام برابندي على صفحته في “فايسبوك”، أن “أعضاءً في مجلس النواب طالبوا وزير الخارجية أنتوني بلينكن بتقديم إجابات رسمية عن ارتكاب إيران جرائم حرب ضد السوريين، خصوصاً في منطقة دمشق، إذا كانت هذه الجرائم نفِذت على أساس طائفي”.

وأشار الى ان طلب استجواب وزير الخارجية جاء ضمن مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران على ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها، وفي سوريا والعراق، علماً أن ناشطين سوريين يؤكدون تنفيذ إيران وميليشياتها جرائم قتل وتهجير وحصار طائفي موثقة في مناطق مختلفة من سوريا، خصوصاً دمشق وريفها.

——————-

“بوتين قاتل” .. منعطف سياسي آخر/ فاطمة ياسين

استخدم الرئيس الأميركي، جو بايدن، إشارة “المكالمة الهاتفية الأولى” أسلوباً دبلوماسياً مع عدد من قادة الدول، منذ إعلانه رئيساً ودخوله البيت الأبيض، فأخّر اتصاله الأول مع نتنياهو والملك سلمان بن عبد العزيز مفجّراً شلالاً من الأسئلة والاستفسارات بشأن نواياه تجاههما، وقد ضنّ عليهما باتصاله الموعود، ولكنه لم يتعامل بالطريقة نفسها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فلم يمضِ أكثر من خمسة أيام على تنصيبه، حتى تلقى منه الأخير تلك المكالمة، لينجزا معاً اتفاقاً مهماً على تمديد معاهدة “ستارت 3” خمسة أعوام أخرى، وهي معاهدةٌ تنصّ على تخفيض عدد الرؤوس النووية وعدد القواعد التي تطلقها، على الرغم من أنه لم يكن اتصالاً ودوداً، بحسب بياناتٍ نشرت بعده. ففي حين أراد بوتين “تطبيع” العلاقة بين البلدين، كان بايدن حذراً. وقد ذكّر، في أثناء كلامه، بحادثة تسميم المعارض الروسي، أليكسي نافالني، لكن اللافت أن بايدن لم يؤجّل المحادثة، ما يعني أنه لا يرغب في قطع الصلات مع موسكو، ويريد إبقاء بعض الحبال موصولة ليتم جذب بعضها عند الحاجة.

ما يجعل اليوم ملف العلاقات بين البلدين مفروداً على طاولة الساسة والصحافيين المهتمين هو المقابلة التي أجراها بايدن قبل أيام، وردّه المثير على سؤال المذيع: هل تعتقد أن بوتين قاتل؟ فيتمتم لحظة قبل أن يجيب: أظن ذلك… يريد بايدن أن يمسح ما علق في أذهان مراقبي السياسة الأميركية من ليونةٍ مفترضةٍ كان يبديها دونالد ترامب تجاه بوتين بالذات. ومن تقاليد السياسة الأميركية أنه عند تبديل الحزب الحاكم، لا بد أن يُظهر الرئيس الجديد تبايناتٍ كثيرةً في سلوكه السياسي، ليبدو مختلفاً عمن سبقه. وهنا يحاول بايدن أن يفعل ذلك بشدة، ولديه سبب إضافي، هو قناعاته بأن بوتين كان يسعى إلى تشويه سمعته ليخسر الانتخابات، وهو ما أكّده تقرير مخابراتي. ينهي تعليق بايدن عن إجرام بوتين شهرين من الترقب الروسي، بعد حذر استمر طوال المدة السابقة، كي يظهر أين سيضع بايدن قدمه في الخطوة التالية تجاه روسيا. ويبدو من رد فعل بوتين المباشر أن هناك تغيراً سيحصل، ولكن ليس إلى الدرجة القصوى التي بدت في إجابة بايدن. ولذلك جاء رد بوتين مزيجاً من التحليل النفسي المموّه بموقف سياسي، والمشحون بالرغبة في رد الشتيمة الشخصية، حين وجه اتهاماً مبطناً لبايدن بالمرض أو الخرف السياسي بقوله: أتمنّى له الصحة. تبدو خيارات بايدن معروفةً ومحدودةً إلى درجة كبيرة، وقد تنحصر ببضع عقوباتٍ ذات شكل اقتصادي ومحتوى سياسي ستطبق على موسكو، تضاف إلى عقوبات كثيرة سابقة، وقد يتّسع طيفها ليشمل الصين أيضاً، حتى يبدو بايدن ذلك الرئيس العالمي المهتم بشؤون الكرة الأرضية كلها.

ويمكن لهذا التجافي الأميركي الروسي الذي تمليه ظروف السياسة الحالية أن يجرّ ركوداً أوروبياً روسياً أيضاً، ويزيد جرعة الانتقادات لروسيا، ولهذه المواقف أن تبقي ملفاتٍ عديدة عالقة، وبعضها في منتهى الخطورة، خصوصاً التي تشترك فيها إيران، كملفات سورية ولبنان واليمن والعراق، وهي بلدانٌ وصل بعضها إلى حافّة المجاعة العامة، من دون أي بادرة انفراج. ويأتي الآن الموقف الذي يعيد التوتر بين أميركا وروسيا اللتين تملكان كثيراً من مفاتيح الحل في تلك الدول، وهذا سيجعل كل شيء يجد طريقه إلى التأجيل. وقد تعقّدت أمور هذه الملفات حتى غدت تراثاً في المنطقة، لا يستطيع طرفٌ أن ينفرد بإيجاد حل لها عن طريق تحالفاتٍ مؤقتة. وضمن هذا الظرف، يمكن اعتبار رحلة سيرغي لافروف إلى منطقة الخليج محكومة بفشل موضوعي، بسبب الغياب الأميركي عنها، وربما على الدول التي ترجو مخرجاً أن تنتظر أربع سنوات أخرى، أو تغييراً جوهرياً في مسار العلاقات بين أميركا وروسيا، وعلى نحو أدق بين بوتين وبايدن بشكل شخصي.

العربي الجديد

——————————-

خيارات إدارة بايدن في سوريا تتقلص وسياسة واشنطن لا تزال غامضة بشأن العملية السياسية/ رائد صالحة

أكدت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بتسوية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 لإنهاء الصراع في سوريا، بالتشاور الوثيق مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة، ولكن يبدو أن هذه التسوية، التي أعلنها مرة أخرى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تنطوي على عواقب لرئيس النظام السوري بشار الأسد وحكومته.

وقال المتحدث الأمريكي إن الإدارة «ستستخدم الأدوات المتاحة، بما في ذلك الضغط الاقتصادي، من أجل إصلاح ذا مغزى ومساءلة نظام الأسد» في حين تم إدراج المعركة ضد تنظيم «الدولة» في الوقت الحاضر كأولوية ثالثة.

واستنتج المحللون الأمريكيون أن الأسد غير مستعد للمغادرة في أي وقت، على الرغم من الوضع الكارثي في البلاد، في وقت تحاول فيه روسيا تخفيف الضغط عن النظام السوري، ولكن المتحدث الأمريكي أكد ثانية أن تغيير نهج واشنطن لن يأتي إلا استجابة لتحول في دمشق.

وأقر المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، بأنه لن تكون هناك نهاية مستدامة للصراع السوري قبل أن يغير النظام سلوكه، مؤكداً أن واشنطن بصدد مراجعة ما قد تفعله لتعزيز احتمالات التسوية السياسية.

وأصدر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في وقت لاحق بياناً مشتركاً إلى جانب نظرائه من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا حول الشأن السوري بعد 10 سنوات من بدء احتجاجات ضد النظام، جاء فيه إن الأسد وكل من دعمه يتحملون المسؤولية عن السنوات الماضية من حرب ومعاناة إنسانية.

وأشار البيان إلى تدهور الوضع الاقتصادي لسوريا وحاجتها المستمرة للمساعدات الإنسانية، كما أكد على رفض الانتخابات السورية المزعومة ووصفها بأنها مشهد «لن يكون حراً ولا نزيهاً ولا يؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري».

وبدت الكرة في ملعب واشنطن بعد حديث عن «هدوء هش مزعوم» في سوريا ودعوات أممية للدفع بعملية دبلوماسية جديدة حول سوريا، في حين حذر العديد من السياسيين من عدم قدرة أي دولة على وضع قواعد اللعبة في سوريا وحدها. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية المتعاقبة لم تكن تشعر بإلحاح للتصدي للحرب الدموية في سوريا، وبالنسبة لإدارة بايدن، لا يزال هناك نوع من الغموض حول سياسة الإدارة الجديدة بشأن سوريا.

وأشار محللون أمريكيون إلى أن روسيا تحاول فتح الباب أمام تعاون محتمل مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشأن السوري، بعد أن وصلت الحرب الدموية في البلاد إلى علامة فارقة قاتمة، هي مرور 10 سنوات على الكارثة.

وأكد ناطق للسفارة الروسية في واشنطن أن هناك مجالاً للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، ولكن للقيام بذلك يجب التغلب على لغة التنافس التي تعود للحرب الباردة، والتي تعتمد على المصالح المتعارضة والاتهامات البارزة.

وأشارت صحف أمريكية إلى أن واشنطن وموسكو وجدتا أرضية مشتركة في سوريا في المعركة متعددة الجنسيات ضد تنظيم «الدولة» ولكن هناك حاجة الآن لتحديد مجالات إضافية للتفاهم المتبادل.

وبالنسبة لموسكو، فإن التعاون المشترك يعني عدم اعتراض الجهود الأمريكية في تقديم المساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب ودفع العملية السياسية إلى الأمام، وفقاً لرؤية قريبة من نهج روسيا.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد النظر في المقاربات والإجراءات المتعلقة بحليفها رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإعادة التفكير في الاستراتيجيات الأمريكية في سوريا.

لم تحقق الإدارات الأمريكية السابقة أي تقدم يذكر في الشأن السوري، ولكن العديد من المحللين يتوقعون أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر نشاطاً من تلك التي سبقتها.

وقال العديد من المحللين إن الوقت حان إعادة انخراط الولايات المتحدة لتحقيق التوازن بين الأجندات الروسية والإيرانية في سوريا، وأكدوا أن هناك ضرورة لقيام واشنطن بإجراء محادثات مع تركيا وموسكو للتوصل إلى حد وسط بشأن الحد الأدنى من الشروط المقبولة في أي عملية مفاوضات بخصوص سوريا.

حقول النفط

ولا تخطط القوات الأمريكية لمغادرة سوريا قريباً، ولا يبدو أن إدارة بايدن على عجلة من أمرها لسحب 900 جندي أمريكي بقوا في البلاد، وهي قوة صغيرة نسبياً، يرى العديد من مسؤولي البيت الأبيض أنها ضرورية لمنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» ومنع الأطراف الأخرى، بما في ذلك روسيا وإيران وقوات رئيس النظام السوري من السيطرة على حقول النفط.

ولكن التزام بايدن بالإبقاء على القوات هناك على المدى البعيد غير مؤكد، حيث قال العديد من مسؤولي البيت الأبيض انهم يراجعون وجود القوات في سوريا، وهو أعلان أثار مخاوف من أن يعيد بايدن النظر في الانتشار كجزء من تقليص أكبر للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط والتحول المخطط له نحو آسيا.

وقال الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، في مقابلة مع الصحافة الأمريكية بعد زيارته لشرق سوريا إن السؤال الأول في المنطقة كان هو ما الذي ستفعله إدارة بايدن في سوريا، مشيراً إلى أنه ينتظر توجيهات من الإدارة بهذا الشأن.

ووصف روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا خلال إدارة أوباما، الاستراتيجية الأمريكية بأنها «معيبة للغاية».

وقد ساعدت الولايات المتحدة القوات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) على ترسيخ سيطرتها في شرق سوريا، وخلقت بديلاً للنظام وورقة مساومة إذا ما مضت الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية إلى الأمام، واستنتج خبراء أن الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في شرق سوريا سيساعد على السيطرة على الحدود السورية-العراقية، مما يؤدي إلى تحقيق هدف واشنطن في احتواء نفوذ إيران المتزايد في المنطقة.

ولاحظ محللون أن بايدن قد يجد صعوبة بالفعل في عدم استخدام العامل العسكري في التعامل مع الميليشيات في سوريا، وكان أول عمل عسكري معروف له هو الأمر بشن غارة في شباط/فبراير ضد معسكر في سوريا، بالقرب من الحدود مع العراق، رداً على هجوم ميليشيا مدعومة من إيران على قاعدة أمريكية في العراق.

وقد ركز الرئيس الأسبق، باراك أوباما على تقديم المساعدات الإنسانية والمفاوضات السياسية الهادفة إلى الإطاحة بالأسد، وتقليص الوجود العسكري هناك، ووافق على مساعدة عسكرية سرية لإنشاء قوة معارضة سورية معتدلة، ولكنها ظهرت كجهد فاتر نتجت عنه نتائج هزيلة.

وتعهد ترامب مراراً بالانسحاب من سوريا بعد هزيمة تنظيم «الدولة» ولكنه تراجع بعد استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجاً، وفي العام الماضي، أمر ترامب بسحب القوات من الحدود الشمالية بالقرب من الحدود التركية كجزء من تحرك مخطط له لسحب جميع القوات، ولكن تحت ضغط البنتاغون، وافق لاحقاً على إبقاء القوات في الشرق لمواصلة العمل مع القوات الكردية والمساعدة على حماية حقول النفط.

ومع عزم أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على طرح مشروع قانون لإلغاء تراخيص الحرب، فإن خيارات بايدن ستكون محدودة للغاية في الشأن السوري من الناحية العسكرية، حيث قدم مجموعة من النواب مشروع قانون لإلغاء تفويض عام 1991 لاستخدام القوة العسكرية في حرب العراق 2002 وقرار 1957 الذي يجيز العمل العسكري في الشرق الأوسط.

ووصف مقدمو المشروع القانون بأنه خطوة أولى نحو استعادة سلطة الكونغرس الدستورية لإعلان الحرب.

وقد حصل مشروع القانون على زخم جديد بعد استخدام بايدن التفويض لشن غارات جوية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.

—————————-

صراع روسي ـ إيراني على «بقايا» النفط السوري/ إبراهيم حميدي

حلفاء أميركا يسيطرون على 90 % من احتياطي الثروات الاستراتيجية

تفاقم «الصراع الخفي» بين روسيا وإيران على الثروة النفطية في شمال شرقي سوريا، غير الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا.

كان إنتاج سوريا من النفط يبلغ نحو 360 ألف برميل يومياً قبل 2011 وانخفض حالياً إلى حدود 80 ألف برميل. وقال وزير النفط السوري بسام طعمة، الخميس، إن الخسائر الإجمالية لقطاع النفط المباشرة وغير المباشرة تجاوزت 92 مليار دولار، لافتاً إلى أن أكثر 90 في المائة من الاحتياطي النفطي يقع تحت سيطرة الأميركيين وحلفائهم، في شرق الفرات، إلى جانب أهم مصانع الغاز ومعظم الثروات الزراعية والمائية والسدود في مساحة تبلغ حوالي 25 في المائة من سوريا، البالغة 185 ألف كلم مربع.

– حلفاء القامشلي

عادة، يجري الاحتفاظ بقسم من الإنتاج البدائي للنفط من الحقول شرق الفرات، التي لم تتعرض للتدمير لدى مراحل السيطرة العسكرية المختلفة بعد 2011، للاستهلاك المحلي بعد تكريره بمصاف محلية، أو أن يُنقل عبر وسطاء و«أمراء حرب» إلى مناطق سيطرة الحكومة للتكرير في مصفاة حمص أو بانياس لإعادة جزء منه إلى مناطق حلفاء واشنطن، أو استعماله في مناطق الحكومة. وتحصل أحياناً عمليات مقايضة مشتقات نفطية بالحبوب المنتجة شرق الفرات. ويتم تهريب قسم من النفط إلى كردستان العراق ثم إلى تركيا، لتوفير عائدات مالية لدعم «الإدارة الذاتية» شرق الفرات. وهناك اعتقاد أن هذه العمليات توفر بحدود 400 مليون دولار سنوياً، تصرف في الشؤون الإدارية لـ«الإدارة الذاتية» والعسكرية، بينها دعم حوالي مائة ألف مقاتل وعنصر شرطة تابعين لـ«قوات سوريا الديمقراطية».

واُدرجت على قائمة العقوبات الغربية، شخصيات وسيطة بين دمشق والقامشلي بينها «مجموعة قاطرجي»، إضافة إلى كامل قطاع النفط السوري. وجرت محادثات بين «الإدارة الذاتية» وشركات أميركية لاستثمار النفط. وفي أبريل (نيسان) الماضي، حصلت «دلتا كريسنت إينرجي» الأميركية على ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية للعمل في شمال شرقي سوريا لتجاوز العقوبات.

وتأسست شركة «دلتا كريسنت إينرجي»، في ولاية ديلاوير الأميركية في فبراير (شباط) 2019. وبين الشركاء فيها جيمس كاين السفير الأميركي السابق في الدنمارك، وجيمس ريس الضابط السابق في قوة «دلتا» الخاصة بالجيش، وجون دورير المدير التنفيذي السابق في شركة «غلف ساندز بتروليوم» التي لا تزال تملك إحدى الآبار شرق الفرات وتنتج 20 ألف برميل يومياً، لكن لا علاقة لها بهذا العقد.

وفي يوليو (تموز)، أعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أن قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أبلغه بتوقيع اتفاق مع الشركة الأميركية، فيما قال وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وقتذاك، إن الاتفاق يرمي إلى «تحديث النفط». لكن العقد قوبل بانتقادات واسعة من دمشق وموسكو وطهران وأنقرة. وقال وزير النفط السوري إن هذه «قرصنة وسرقة لثروات السوريين». من جهتها، قالت واشنطن إن «النفط السوري مِلك للشعب السوري، ونحن لا نزال ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سوريا»، وإن «حكومة الولايات المتحدة لا تملك أو تسيطر أو تدير الموارد النفطية. يتخذ السكان في المناطق المحررة من (داعش) قراراتهم الخاصة بشأن الحكم المحلي». كان الرئيس السابق دونالد ترمب قال إن قواته قررت البقاء شرق سوريا لـ«حماية النفط» ومنع سقوطه بأيدي «داعش». ونأت شركة «غلف ساندز بتروليوم» البريطانية بنفسها عن اتفاق «دلتا كريسنت إينرجي» و«الإدارة الذاتية»، وهي تجري اتصالات لحماية مصالحها في بئر تنتج 20 ألف برميل يومياً.

– حلفاء دمشق

سعت دمشق للتعويض عن خسائرها لـ«سوريا المفيدة» بالحصول على مشتقات النفط من إيران، غير أنه في السنوات الأخيرة قوبلت الشحنات باعتراضات أميركية وإسرائيلية لدى نقلها عبر البحار، كان آخر حادث جرى الأربعاء الماضي لدى منع سفينة تحمل مشتقات من الوصول إلى الموانئ السورية.

وفي ضوء الأزمة الاقتصادية السورية والعقوبات الغربية وتوقف العمليات العسكرية، اتجه في الفترة الأخيرة، التركيز أكثر إلى استثمار ما تبقى من آبار النفط والغاز، حيث تسابقت طهران وموسكو للسيطرة على الثروات الطبيعية السورية التي تشمل الفوسفات أيضاً.

ووقعت دمشق وطهران في 2017 أربعة اتفاقات استراتيجية تتعلق بتشغيل شركة يدعمها «الحرس» الإيراني مشغلاً ثالثاً للهاتف النقال واستثمار الفوسفات لـ99 سنة، والاستحواذ على أراضٍ زراعية وصناعية وإقامة «ميناء نفطي» على المتوسط، إضافة إلى توقيع خط ائتمان لتمويل تصدير نفط خام ومشتقات نفطية إلى سوريا.

في المقابل، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، عقدت سلسلة اجتماعات سورية – روسية لتطوير العلاقات الاقتصادية، لتكون في موازاة التعاون العسكري ووجود قاعدتي اللاذقية وطرطوس. وكانت الحكومة السورية وقعت بعد التدخل الروسي في نهاية 2015، مع شركة «إيفرو بوليس» التابعة ليفغيني بريغوجين ممول «جيش فاغنر»، اتفاقاً لحماية منشآت النفط والغاز وتحريرها من «داعش» مقابل الحصول على 25 من أرباحها – عائداتها. وكان عناصر «فاغنر» حاولوا الهجوم على مصنع غاز «كونوكو» شرق الفرات، لكنهم قوبلوا بقصف من القوات الأميركية، الأمر الذي أسفر عن مقتل حوالي 200 عنصر.

وتشير تقديرات إلى أنه في 2018 وصل عدد عناصر «فاغنر» إلى نحو 2500 يعملون في سوريا، سواء في أرض المعارك أو معسكرات التدريب الميداني، في وقت تتراوح تقديرات عدد أفراد الميليشيات الإيرانية غير السورية بين 20 و25 ألف عنصر. وأفيد بوجود حوالي 70 شركة أمنية خاصة تابعة لموالين لطهران وموسكو مسجلة رسمياً، بهدف حماية شركات وقوافل وآبار النفط.

ومع جمود العمليات العسكرية منذ مارس (آذار) الماضي وثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث (شرق الفرات، إدلب، باقي سوريا)، احتدم التنافس الروسي – الإيراني على السيطرة على حقوق سيادية في مناطق الحكومة. وكان لافتاً أن عناصر ميليشيات إيرانية بينها «حزب الله» العراقي و«فاطميون»، سيطروا على حقول نفط وغاز في ريفي دير الزور والرقة، لكن موالين لروسيا عملوا على إخراجهم منها، وتدخلت الشرطة العسكرية الروسية لصالح «فاغنر» و«الفيلق الخامس» التابعة لقاعدة حميميم الروسية في اللاذقية لطرد الإيرانيين والحلول محلهم. وشملت قائمة السيطرة الروسية، حقول «الثورة» النفطي و«الورد» و«التيم» للنفط و«توينان» للغاز في ريف دير الزور والرقة. وأوكلت دمشق استثمار حقول دير الزور لشركة «أرفادا» التي يملكها «الإخوة قاطرجي»، المدرجون بـ«القائمة السوداء» غربياً.

يضاف إلى ذلك، سعي موسكو للاستحواذ عقود لاستثمار النفط في البحر المتوسط، إذ صادقت دمشق على عقد مع شركة «كابيتال» الروسية للحصول على حق حصري للتنقيب عن البترول وتنميته في بلوك بحري في «المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا في البحر المتوسط، مقابل ساحل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية» لمدة 29 سنة. وهذا هو الثاني، بعد توقيع عقد مع شركة «إيست ميد عمريت»، والممتد من شمال طرطوس إلى جنوب بانياس السورية.

ولا تزال طهران تسيطر على آبار في ريف البوكمال، منطقة نفوذها، منذ عام 2017 ومناجم الفوسفات في ريف تدمر، حيث عززت ميليشياتها نقاط الحماية لمناجم خنيفيس بموجب اتفاق مع دمشق في بداية 2017. وإن كانت موسكو حاولت مراراً السيطرة عليها. وتساهم «الشركات الأمنية» في حماية قوافل نقل المنتجات الاستراتيجية من فوسفات ونفط.

وإذ يقول مسؤولون أميركيون إن السيطرة على الثروات الطبيعية شرق الفرات هي إحدى «أدوات الضغط» على دمشق وموسكو وطهران، فإن الجانبين الروسي والإيراني مشغولان في التمكن من ثروات استراتيجية، لتعويض قيمة مساهمتهما في العمليات العسكرية والقبض على ورقة تفاوضية أساسية في مستقبل سوريا.

الشرق الأوسط

————————————

سياسات السيّد مالي حيال إيران/ حازم صاغية

لحسن حظّنا، وحظّ أميركا والعالم، أنّ السيّد روبرت مالي لا يحتكر تمثيل إدارة جو بايدن، وأنّه مجرّد صوت بين أصواتها الكثيرة.

قبل ثلاثة أيّام نطق مالي مرّتين: تحدّث إلى «صوت أميركا»، فقال إنّ الضربات التي يوجّهها حلفاء إيران لقوّات بلاده في العراق تعقّد مهمّة الإدارة الأميركيّة في الحوار مع إيران. ذاك أنّ الإدارة المذكورة تسعى، وفق مالي، إلى توسيع الدعم الداخليّ لمبادرة ديبلوماسيّة جديدة يتأدّى عنها إنهاء التوتّر الأميركيّ – الإيرانيّ.

والمعروف أنّ القوّات والقواعد الأميركيّة في العراق تعرّضت، في الأسابيع القليلة الماضية، للعديد من الهجمات الصاروخيّة التي قتلت وجرحت أميركيّين كان أحدهم متعاقداً مدنيّاً.

في المرّة الثانية تحدّث مالي إلى «بي بي سي» الفارسيّة فقال إنّ في وسع البلدين، أميركا وإيران، أن يتفاوضا عبر طرف ثالث إن لم ترغب طهران في التفاوض المباشر مع واشنطن.

الحديث إلى «صوت أميركا» هو عرض الحال. الحديث إلى «بي بي سي» هو الاستخلاص العمليّ. ذاك أنّ ما يقوله المبعوث الأميركيّ الخاصّ لإيران، بعد طرح التفاصيل جانباً، يبقى منه التالي: ما دمتم تقصفوننا وتُهينوننا فالأفضل أن نتحدّث، وإذا لم ترغبوا في التحدّث إلينا، فلنتحدّث عبر وسيط. رجاءً تحدّثوا إلينا.

لكنْ بينما كان السيّد مالي يستعطف ويتذلّل، كان الأمين العام لـ «حزب الله» اللبنانيّ يحلّل الشرور التي يعانيها اللبنانيّون حاليّاً، فيردّ معظمها إلى «الشيطان الأكبر» إيّاه. أمّا أقطاب النظام الإيرانيّ فيتعاقبون، واحداً بعد واحد، على توجيه التهديدات التي افتتحها اسماعيل قاآني، قائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوريّ»، بعبارة تجمع بين بلاغة الخطباء ورقّة الشعراء: «سوف يُسمع في الوقت المناسب صوت تحطّم عظام الأميركيّين (…) ليس من المستبعد أن ننتقم منكم داخل منازلكم».

والحال أنّ اللغة التي استخدمها المبعوث الأميركيّ في مواجهة اللغة الإيرانيّة توحي أنّه يعاني واحداً من اثنين، أو الاثنين معاً: كره أميركا نفسها وكره نفسه كأميركيّ. هذا الشعور المتفشّي في أوساط اليسار الشعبويّ والهويّاتيّ، في الولايات المتّحدة وفي الغرب عموماً، يشبه، على نحو مقلوب، ما عرفناه سابقاً مع جماعة «المحافظين الجدد». فالأخيرون، الذين ازدهروا إبّان عهدي جورج دبليو بوش، رأوا أنّ أميركا ضحيّة العالم، متأثّرين خصوصاً بالتجربة التوتاليتاريّة في الاتّحاد السوفياتيّ وبالتهديد الذي طرحته على الديمقراطيّات الغربيّة. أمّا روبرت مالي، ومن شابهَه، فيذهبون إلى أنّ العالم هو ضحيّة أميركا، متأثّرين خصوصاً ببعض التجارب التي عرفها الشرق الأوسط، وبالأخصّ المسألة الفلسطينيّة – الإسرائيليّة.

الشبَه بين مالي و«المحافظين الجدد» إنّما ينبع من تلخيصهما علاقات بالغة التعقيد والتفاوت في ثنائيّة ظالم أبديّ ومظلوم أبديّ، أو كما يقول التعبير الذي كثيراً ما ابتُذل: جلّاد وضحيّة.

وما دام الكلام عن إيران، فأوّل ما يحضر إلى الذهن الاعتذار عن الجريمة التي ارتكبتها الولايات المتّحدة في 1953، حين دعمت انقلاب الجنرال فضل الله زاهدي ضدّ حكومة محمّد مصدّق المنتخَبة شعبيّاً. لكنْ يُفترض أنّ إيران الخمينيّة ردّت باحتجاز رهائن السفارة الأميركيّة في طهران بُعيد ثورة 1979، وهي جريمة لا تقلّ حجماً عن الجريمة الأولى، في تأثيرها على العلاقات بين الغرب والعالم الإسلاميّ، وعلى تاريخ الديبلوماسيّة والعلاقات الدوليّة، فضلاً عن مدى تكييفها الاستبداديّ للحياة السياسيّة الإيرانيّة نفسها.

فهناك، على الأقلّ، أسباب ثلاثة ينبغي أن تخفّف من مشاعر الذنب، التي قد تنتاب مالي، حيال النظام الخمينيّ، وبفعل أميركيّته. فإذا ظنّ أنّه يسدّد لإيران الحاليّة تلك الديون التي رتّبها الانقلاب على مصدّق، فإنّ نظام إيران الحاليّ هو الذي أبعد المصدقيّين (المهدي بازركان، كريم سنجابي، ابراهيم يزدي…) أو نفاهم أو سجنهم أو اغتالهم في المنافي (شهبور بختيار…).

أمّا بعض سياسات أميركا التي قد تثير قرفاً مشروعاً، عند مالي وعند كثيرين سواه، فهناك الكثير ممّا يماثلها ممّا ارتكبته دول أخرى من دون أن يثير أيّ قرف. بمعنى آخر: لم يكن الاتّحاد السوفياتيّ والصين الشعبيّة منهمكين في عزف البيانو والتأمّل في حركة النجوم إبّان الحرب الباردة. لقد كانا يرتكبان، وبقسوة أكبر، نفس الأعمال المقرفة التي ترتكبها الولايات المتّحدة.

أخيراً، وهو السبب الأهمّ، أنّ العطف الذي يُبديه مالي على طهران هو عطف على نظام مستبدّ وثيولوجيّ، لكنّه، إلى ذلك، توسّعيّ وعدوانيّ يتمدّد على حساب شعوب المنطقة ويقضم سيادات دولها. هنا يُضبَط اليساريّ الشعبويّ متلبّساً بالمشاركة في إفقار الفقراء وقتل المقتولين، ناهيك عن زرع بذور الفِتَن التي تتهدّد الأمن الإقليميّ بقدر ما تتهدّد كلّ أمن وطنيّ.

إنّ إيران لا تستحقّ عطف مالي عليها. مالي قد يستحقّ عطف إيران عليه.

الشرق الأوسط

———————————

الدور الروسي واختبار إدارة بايدن/ د.طارق فهمي

لا تحتاج روسيا لإعادة تقديم دورها في الإقليم، فهي موجودة في منطقة الخليج العربي، وفي سوريا وليبيا ومنطقة شرق المتوسط، بل وفي مناطق التماس العربية الأفريقية، وهذا واضح من جملة التحركات الروسية مؤخرا في الشرق الأوسط، وكذلك في القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطي، ومناطق نفوذها التقليدية.

روسيا تتعامل مع هذه المناطق، انطلاقاً من علاقاتها التاريخية والسياسية، والتي تؤكد الحضور الروسي في مناطق مختلفة، وهي رسالة أولي للإدارة الأميركية التي تسعى لمحاصرة التمدد الروسي، والوقوف أمامه، وإشغال السياسة الروسية بمزيد من الصراعات والمشاحنات السياسية والاستراتيجية، بل والعمل على نقل رسائل تبدو أميركية عاجلة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية الروسية، واستمرار سياسة فرض العقوبات باعتبار أن هذه الآلية الأميركية قد تكون مفيدة كما يتصور مستشارو البيت الأبيض الذين ينظرون من أعلى، وليس من خلال مصالح قد تكون متقاطعة بين الأميركيين مع الجانب الروسي، بل والأوروبي، وبدليل الدخول في سلسلة من المواجهات غير المبررة مع الأصدقاء، والشركاء جنباً إلى جنب من تراه الإدارة طرفاً مناوئاً، وهو ما ينطبق على الجانب الروسي والصيني والإيراني والكوري الشمالي، مما قد يوسع من نطاق المواجهات الأميركية في العالم، وليس في منطقة واحدة، وهو ما سيستغله الجانب الروسي جيداً، اعتماداً على خياراته المصلحية، لهذا كان تحرك الدبلوماسية الروسية تجاه الخليج العربي، وفي اتجاه العراق وسوريا، وفي الملف الإيراني لتأكيد حضورها الاستراتيجي في ملفات الإقليم الساخنة، وهو ما سيؤكد واقعياً على طبيعة الدور المركزي والرئيس للدولة الروسية، خاصة وأنها تتحرر من أعبائها الداخلية من خلال سياسة متوازنة تركز على الثوابت في مسارات التحرك، والانطلاق لبناء استراتيجية دائمة مع الحلفاء، انطلاقاً من مصالح الجميع وليس مصلحة طرف واحد، وهو ما يؤكد أننا أمام دبلوماسية رشيدة تسير في اتجاه العودة للتفاعل مع قضايا العالم، والعمل على مواجهة المخطط الأميركي الرامي إلى استعادة نفوذ واشنطن في العالم.

ولهذا فإن التحرك الروسي الأخير في الشرق الأوسط يأتي ضمن مخطط روسي واضح ومدروس وهو ما برز من خلال جولة وزير الخارجية، ومبعوث الرئيس للشرق الأوسط «سيرغي لافروف» إلى كل من الإمارات والسعودية وقطر، والرسالة البليغة مفادها أن روسيا تمكنت خلال السنوات الأخيرة أن تلعب دورا مهماً، انطلاقاً من سوريا، ومن علاقاتها بجميع دول المنطقة التي تعتبر علاقاتها تصب في إطار سياسي واستراتيجي مع دول الخليج.

كما أن دخول روسيا إلى المياه الدافئة، وراءه حلم روسي قديم من أيام القيصر، وهو ما يتحقق اليوم، وله أبعاد استراتيجية ممتدة، فروسيا لم تكن موجودة سابقا في المتوسط، وهي اليوم موجودة في طرطوس ومناطق التماس في المتوسط وفي المناطق الاستراتيجية الممتدة، ولهذا تتخوف الولايات المتحدة من احتمال الذهاب إلى حرب باردة جديدة في الفترة المقبلة، خاصة مع التوقع بأنه لا أفق جديداً للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، ولا أمل في أي تقدم للعلاقات بين البلدين في ضوء الوضع الراهن، في ظل تأكيدات الرئيس بايدن بأنه يتجه لإجراء مراجعة لمجمل العلاقات بين واشنطن وموسكو، بوصف روسيا تشكل خطراً على المصالح الأميركية في العالم.

وتحذر روسيا من جولة جديدة من المواجهة وفي منظورها أن الزمن قد تغير، ومحاولات إملاء الحقائق الجيوسياسية الحديثة تأتي بنتائج عكسية خاصة أن العلاقات بين موسكو وواشنطن معقدة، وتتضمن العديد من الملفات والمصالح، وهي ليست علاقات ثنائية عادية. والسؤال هل تدرك الولايات المتحدة ذلك، خاصة أن الجانب الروسي لن يتراجع عن حضوره الاستراتيجي في المنظومة الإقليمية والدولية مناكفة للسياسة الأميركية الراهنة.

* أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والاستراتيجية.

—————————–

تصعيد بايدن.. قصّة منعطف معلَن/ د. وليد شرارة

الأزمة التي افتعلها الرئيس الأميركي، جو بايدن، عندما وصف نظيره الروسي بـ«القاتل»، تُمثّل منعطفاً خطيراً في مسار العلاقات الروسية – الأميركية، التي شهدت تدهوراً تدريجياً، ولكن مستمرّاً، في السنوات الماضية.

لم يسبق أن تهجَّم رئيس أميركي شخصياً، حتى في أوج الحرب الباردة، على رئيس سوفياتي آنذاك، كما يفعل بايدن الآن.

كان الاتحاد السوفياتي يوصَف بالنظام الشمولي، أو بـ«إمبراطورية الشرّ» في عهد رونالد ريغن، لكن الرؤساء الأميركيين لم يتهجّمواً شخصياً على القادة السوفيات، والعكس كان صحيحاً أيضاً. إضافة إلى ذلك، فإنّ المتهجّم، أي بايدن، هو من الرؤساء المخضرمين في العلاقات الدولية بحكم عمله في ميدانها لعقود.

فقد كان نائباً للرئيس باراك أوباما خلال ولايتَيه لمدّة 8 سنوات، وقبلها كان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، والتي انضمّ إليها منذ أن أصبح عضواً في هذا المجلس بعد انتخابه في عام 1972.

لسنا أمام رئيس عديم الخبرة في هذا الميدان كدونالد ترامب أو جورج بوش الابن. اللهجة الحازمة وغير المسبوقة التي استخدمها الرئيس الروسي في ردّه على بايدن تؤكد، هي الأخرى، أننا أمام منعطف في العلاقات بين البلدَين.

فبعد أن تمنّى له «صحّة جيدة»، قال بوتين إن كلام بايدن يعكس مواصفاته لأننا «دائماً نرى مواصفاتنا في شخص آخر ونعتقد أنه مثلنا». غير أن الأهمّ في ردّه، وما لم تُسلّط وسائل الإعلام الضوء عليه، هو تذكيره بأن:

«الطبقة الحاكمة الأميركية تَشكّلت في عصر الغزو الأوروبي للقارة، والذي ارتبط بإبادة السكّان الأصليين… نحن مختلفون جينياً وثقافياً وفي منظوماتنا القيمية. على الولايات المتحدة أن تتعلّم تقبُّل ذلك. عليها أن تأخذ مصالح روسيا في الحسبان».

عند حديثه عن الرئيس الصيني في إحدى مقابلاته، رأى بايدن أنه «قاسٍ»، لكنه لم يعتبره قاتلاً، رغم أن غالبية النخبة السياسية الأميركية مقتنعة بأن التهديد الاستراتيجي الأكبر للموقع المهيمن لبلادها على النطاق الدولي هو بكين، وليس موسكو.

صحيح أن فريق بايدن اعتمد خطاباً عدائياً حيال روسيا والصين خلال الحملة الانتخابية وبعدها، غير أن مستوى العداء للأولى بات أعلى راهناً. الأمر نفسه ينطبق على الاستراتيجية الدفاعية البريطانية التي أُعلن عنها أخيراً، والتي تُصنّف روسيا «تهديداً نشطاً»، بينما تَنظر إلى الصين على أنها «تحدٍّ نظامي».

في الواقع، فإن للتصويب على روسيا من قِبَل أميركا، وبريطانيا الدائرة في فلكها، في المرحلة الحالية، وظيفتَين رئيسيتَين: تسعير التوتُّر معها لإخافة الأوروبيين ودفعهم إلى التمسُّك بـ«الحماية الأميركية»، وتصعيد الضغوط عليها لحملها على وقف تعاونها النوعي المتعاظم مع الصين.

لم يُخفِ أقطاب إدارة بايدن أن عودة الولايات المتحدة إلى احتلال موقعها «الريادي» على رأس هرم النظام الليبرالي الدولي، منوط بنجاحها في «رأب الصدع» بين ضفّتَي الأطلسي وترسيخ التحالف مع أوروبا.

غاية هذا التحالف، بحسب هؤلاء الأقطاب، هو التصدّي للقوى الدولية الصاعدة كروسيا والصين، والتي تمثّل تهديداً لـ«قيم» النظام الليبرالي الدولي، ولمصالح أبرز أطرافه.

يسعى الأميركيون إلى إقناع الأوروبيين، وفي مقدّمتهم ألمانيا، بأن المصالح والقيم المشتركة تقتضي التوحُّد في مواجهة هاتين الدولتين. جارى الأوروبيون الإدارة الأميركية الجديدة في مواقفهم النقدية، الشديدة أحياناً، حيال بعض سياسات موسكو وبكين.

لكن وجود مصالح مشتركة وازنة، كمشروع «السيل الشمالي 2» بين روسيا وألمانيا، الذي سيتيح تزويد الأخيرة وعدد من الدول الأوروبية الأخرى مباشرة بالغاز الروسي، وقناعة قسم من النخب الأوروبية الحاكمة، التي عَبّر عنها الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية مثلاً، بضرورة تعميق العلاقات مع روسيا لاجتذابها إلى أوروبا وإبعادها عن الصين، يتناقضان وتوجُّهات واشنطن الساعية إلى إثارة استقطاب بين معسكرَين متقابلَين: الصين وروسيا من جهة، و«الديموقراطيات الغربية» من جهة أخرى.

باسم القيم الديموقراطية، وعبر التهويل بالخطر الذي يُمثّله تطوُّر القدرات العسكرية الروسية وعودة موسكو إلى المسرح الدولي، تَجهد الولايات المتحدة لإقناع الأوروبيين، وأوّلهم الألمان، بالتمسُّك بحمايتها، ولا ضير في سبيل ذلك من استفزاز روسيا لإثارة المزيد من التوتُّر معها.

هي في الواقع تريد استتباع الأوروبيين عبر إخافتهم من «البعبع» الروسي. ويأتي التركيز على شخص بوتين والعمل على «أبلسته» وتصويره على أنه تجسيد للشرّ ليخدم هذه الاستراتيجية.

فريق بايدن مدرك للتطوُّر النوعي الذي طرأ على قدرات روسيا العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية في العقدَين الماضيين، وهو يعرف أن التعاون المتزايد بينها وبين الصين سيفضي إلى تعزيز قوة البلدين في مقابل بلاده.

غير أنه، وبدلاً من تقديم حوافز لروسيا لإبعادها عن الصين، التهديد الاستراتيجي الأكبر، يُصرّ على استعداء الدولتين معاً.

ثمّة تحليل آخر يحاول تفسير هذه المقاربة الأميركية انطلاقاً من فرضية أن لروسيا نقاط ضعف مرتبطة أساساً باقتصادها، وأن تكثيف الضغوط عليها في مرحلة أولى، وعرض حوافز عليها في مرحلة تالية، قد يسمح بتحييدها عن المواجهة الدائرة مع بكين.

مقال فرديريك كمب، رئيس مركز «الأتلانتيك كونسيل»، على موقع المركز، بعنوان «القاعدة الروسية – الصينية على القمر سبب إضافي لدفع بايدن إلى التفكير في استراتيجيته حيال بوتين»، مثال على هذه المقاربة.

يشير كمب إلى أن الاتفاق المُوقّع لبناء هذه القاعدة هو دليل على أن روسيا ستتعاون مع الصين في صناعات الفضاء، بعد أن كانت أميركا شريكتها لأكثر من ربع قرن في هذا المجال.

تعاونٌ يُضاف إلى آخر متعاظم في شتّى المجالات العسكرية والتكنولوجية والعلمية والاقتصادية، سيؤدي إلى تمتين أكبر للشراكة بين البلدين. لكن، وبما أن روسيا هي بنظره الطرف الأضعف، فإن بلورة استراتيجية تدمج بين الضغوط والعقوبات من جهة، والحوافز في مرحلة ثانية، من جهة أخرى، قد تساعد على إبعادها عن الصين.

أيّاً كانت رهانات بايدن وفريقه، فإن التصعيد الذي شرع به ضدّ روسيا سيفضي إلى المزيد من احتدام التناقضات على المسرح الدولي، وتأجيج للصراعات في أكثر من بقعة من العالم.

* د. وليد شرارة باحث لبناني في العلاقات الدولية

المصدر | الأخبار

—————————–

رغم تعيينات بايدن.. هل نجحت أميركا في القضاء على العنصرية؟

محمد المنشاوي – واشنطن

تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بتشكيل وزاري لإدارته يشبه أميركا في تنوعها العرقي والإثني، وبالفعل عين بايدن الجنرال لويد أوستن ليكون أول وزير دفاع من الأميركيين الأفارقة السود، وعين كاترينا تاي لتكون أول وزيرة من أصول آسيوية في منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة.

واختار بايدن كذلك عدة وزراء من أصحاب الخلفيات اللاتينية من أبناء مهاجري دول أميركا الوسطى والجنوبية، مثل أليخاندرو مايروكس وزير الأمن الداخلي، إضافة لوزيري التعليم والإسكان، كما تم تعيين ديب هالاند وزيرة للداخلية لتصبح أول من يصل إلى هذا المنصب من أبناء سكان البلاد الأصليين.

وقبل ذلك اختار بايدن كامالا هاريس لتكون أول سيدة تصل لمنصب نائب الرئيس في التاريخ الأميركي، وهي سوداء وابنة مهاجرين من الهند وجامايكا.

ورغم جهد بايدن، لا يشعر الأميركيون أن بلادهم تخطت حواجز العنصرية أو تغلبت على إرث مرحلة العبودية، وخاصة بعدما شهد الصيف الماضي توترات وأعمال عنف على خلفية مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على يد رجال شرطة بيض، وما تشهده الولايات المتحدة حاليا من ارتفاع نسب الهجمات العنصرية على الأميركيين من الأصول الآسيوية على خلفية تداعيات تفشي فيروس كورونا.

نجاحات.. ولكن

رغم نجاح الأميركيين السود في القضاء على العبودية والفصل العنصري فإن مجتمعهم مازال يعاني حتى اليوم من مظاهر متخلفة ومشاكل عديدة بالمعايير الأميركية. وبعد أكثر من نصف قرن على الخطاب التاريخي “عندي حلم” لزعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ ما زالت الظروف المعيشية الصعبة للسود في أميركا قائمة.

لم يعد يُحرم السود من دخول المطاعم ودور السينما المخصصة للبيض، وبرز منهم رؤساء مجلس إدارة شركات كبرى وأساتذة جامعيون، وصحفيون لامعون، ووزيران للخارجية ومستشارة للأمن القومي ورئيس للجمهورية.

من هنا اعتقد بعض المهتمين بالشأن الأميركي -خطأ- أن وصول أوباما لعرش البيت الأبيض -قبل 12 عاما عن طريق انتخابات حرة صوّت فيها لصالحه ما يقرب من 42 مليون أميركي أبيض أو ما يعادل 72% من إجمالي الأصوات التي حصل عليها- يُعدّ دليلا كافيا لما وصل إليه المجتمع الأميركي من نضج يتجاهل معه لون البشرة وخلفية الشخص، واعتبر البعض أن أميركا تشهد مرحلة ما بعد العنصرية.

إلا أن تكرار حوادث المواجهات بين رجال شرطة بيض -في الأغلب الأعم- وبين شباب أسود، وما ينتج عنها من أعمال عنف ومواجهات مختلفة، تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلا، بسبب غياب أبسط قواعد “العدالة الاجتماعية” المتمثلة في كيفية توزيع الدخل وتخصيص الموارد وإتاحة الفرص وسياسة منصفة للعقاب والثواب، وقد عكس تفشي فيروس كورونا -وما تبعه من تداعيات اقتصادية واجتماعية- حقيقية هذه الأوضاع.

نتائج صادمة من جامعة هارفارد

وأجرت جامعة “هارفارد” (Harvard) دراسة على 3453 شخصًا، بمن فيهم أميركيون أفارقة ولاتينيون وأميركيون آسيويون وأميركيون أصليون وأميركيون بيض، وسُئل المستطلَعون هل عرفوا شخصيا أشكالا مختلفة من التمييز والعنصرية المؤسسية أو الفردية على حد سواء؟

وأشار ما يقرب من 45% من الأميركيين الأفارقة إلى تعرضهم لسلوك عنصري عند محاولة استئجار شقة أو شراء منزل، وذكر 18% من الأميركيين الآسيويين تعرضهم للتمييز عند التفاعل مع الشرطة، وبلغت النسبة ما يقرب من 20% بين الأميركيين اللاتينيين ممن أشاروا إلى تعرضهم لعنصرية ومعاملة سيئة في أماكن العمل، في حين عبّر 41% من النساء عن تعرضهن للتمييز في مجال المساواة في الأجور وفرص الترقية.

وفي إشارة واضحة إلى الخلل في تطبيق القانون، تبلغ نسبة السكان السود 13% من إجمالي عدد السكان الأميركيين، في حين يمثلون ما يقرب من 40% من إجمالي السجناء في البلاد.

مكانة أميركا

وخلال اجتماع أممي -شهدته لجنة “الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية” بالأمم المتحدة الأسبوع الماضي- اتهمت السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الصين بارتكاب جرائم ضد مسلمي الإيغور والأقليات الأخرى، فما كان من الصين إلا الرد باتهام الولايات المتحدة بالتمييز والكراهية، وأشار سفيرها بالمنظمة إلى “القتل الوحشي ضد الأميركيين من أصول سوداء أو أصول آسيوية”.

ومنذ إطلاق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عبارة “الفيروس الصيني” على فيروس كوفيد-19، زادت جرائم الكراهية وانتشرت العنصرية ضد الأميركيين من أصول آسيوية. وأشارت بيانات حكومية إلى تزايد جرائم الكراهية تجاه أصول آسيوية خلال عام 2020، ووصلت إلى أكثر من 3800 حادث ضدهم، وهو ما يمثل 3 أضعاف العدد في عام 2019.

وقال بايدن -في كلمة ألقاها في جامعة “إيموري” (Emory) بولاية جورجيا- إن “الصمت تواطؤ، لا يمكننا أن نكون متواطئين، وعلينا أن نتحدث علانية، علينا أن نتحرك ضد عودة ظهور كراهية الأجانب”.

وجاءت كلمات بايدن خلال زيارته ولقائه قادة الجالية الآسيوية عقب حادث إطلاق النار من رجل أبيض وقتل 8 أشخاص منهم 7 آسيويين، في هجوم على مراكز تدليك في مدينة أتلاتنا، وقد زرع الهجوم الرعب في صفوف الأميركيين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة.

مطالب متجددة بالمساواة

وأظهر استطلاع للرأي -أجرته شبكة “سي إن إن” (CNN) على 1106 أشخاص في سبتمبر/أيلول الماضي- أن أغلبية الأميركيين يعتبرون العنصرية أحد أهم مشكلات المجتمع، واتفق الأميركيون في مجملهم على أن العنصرية تُعد مشكلة حقيقية، لكن اختلف الأميركيون في حجم هذه المشكلة طبقا لخلفياتهم العرقية.

وذكر 51% من الأميركيين البيض أن العنصرية قضية كبيرة، في حين ارتفعت النسبة لتصل إلى 78% بين السود الأفارقة والآسيويين الأميركيين.

ومع موافقة أغلب الأميركيين على ضرورة مواجهة العنصرية، لا تتوقف الحوادث ذات الطبيعة العنصرية، والتي تؤججها الكراهية بين بعض فئات المجتمع الأميركي، عن الظهور بصورة متكررة.

من هذا المنطلق يطالب قادة الأقليات السوداء واللاتينية والآسيويين بتدريب رجال الشرطة على ضرورة احترام حقوق الأقليات، وعدم الاكتراث بلون البشرة، وهذا الطلب ليس جديدا، لكن لم يستثمر فيه بجدية من قبل.

المصدر : الجزيرة

—————–

بايدن وبوتين.. ماذا بعد التصعيد؟/ مصطفى فحص

هي ليست الانتكاسة الأولى، وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة، في العلاقة ما بين البلدين، لكنها بدأت تأخذ طابعا شخصيا، سيترك أثره على شكل ومضمون القرارات التي ستتخذ من الجانبين في المرحلة المقبلة. فما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس زلة لسان، وما تعليق البيت الأبيض حول موقف الرئيس إلا ليؤكد ذلك. وهذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها بايدن عن رأيه الخاص في نظيره الروسي. ففي آخر لقاء جمعهما في موسكو سنة 2011 خاطب بايدن بوتين قائلا “لا أجد لديك روح”.

بالنسبة للنخب السياسية والأمنية الروسية، فإن تصريح بايدن قطع الشك باليقين بأن انتخابه يتعارض مع مصالح روسيا، ويُشكل خطرا على شكل العلاقة بين البلدين بسبب تمسك بايدن بمفهوم الاستثنائية الأميركية وتفوقها، واستعداده لحمايتها من أي تدخلات خارجية خصوصا عبر الإنتخابات الرئاسية. ففي رأي الإنتلجنسيا الأميركية أن محاولات موسكو التأثير في الإنتخابات ضد بايدن كانت بمثابة هجوم استباقي روسي لتجنب مواجهة سياسية مناهضة لروسيا مستقبلا، فتقدير المخابرات المركزية الأميركية حول التدخل الروسي بالانتخابات يرى “أن القادة الروس رأوا انتخاب الرئيس بايدن المحتمل على أنه غير مواتٍ للمصالح الروسية وأن هذا دفع جهودهم لتقويض ترشيحه”. فهدف الكرملين كان إضعاف مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية عبر التأثير على سياساتها الخارجية. 

تعتقد موسكو أن الإدارة الحالية لن تسمح لها بمزيد من المنافسة الجيوسياسية، وتريد أن تضع حدا لتوسعها الاقتصادي في أوروبا، لذلك من الممكن أن تكون هناك عقوبات إضافية على مشاريع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وجرّ الناتو إلى مواجهة في أوكرانيا وممارسة ضغوط في بيلاروسيا، ودفع أنقرة إلى تحديد خياراتها في القوقاز وشرق المتوسط.

بالنسبة لموسكو، فان الدولة العميقة (الاستابلشمنت) ستعيد تكرار تجارب سبعينييات القرن الماضي، والتي شهدت حينها تدهورا في العلاقات الثنائية وفتح مجالات واسعة لمواجهة غير مباشرة جرت على أراضي طرف ثالث كان أبرزها في أفغانستان.  

في تلك المرحلة كان تركيز واشنطن على التواجد السوفياتي في أفريقيا والشرق الأوسط وكوبا، وكيفية تقويضه، واستفزاز المؤسسة العسكرية الروسية وهوسها بتحقيق التفوق الإستراتيجي ما أدى إلى سباق تسلح تقليدي ونووي مُكّلِف، ومنافسة حلف وارسو في أوروبا، إضافة إلى التصعيد الممنهج حول سجل حقوق الإنسان في الاتحاد السوفياتي، والانفتاح على الصين بهدف محاصرة موسكو.

المربك بالنسبة للكرملين أن الإدارة الأميركية الجديدة  أقرب في تعاطيها مع موسكو إلى تلك الحقبة التي لم تعد فيها موسكو تشكل خطرا وجوديا عليها، إلا أنها وفي طريقها إلى المواجهة الاقتصادية مع بكين تخطط أولا إلى عزل موسكو ومحاصرتها بهدف إخراجها من المعادلة، عبر إعادة تعزيز العلاقات عبر الأطلسي، وتعهدها بحماية أوروبا من التهديدات الروسية الأمنية العسكرية والاجتماعية، وإعادة إحياء رباعية المحيط الهندي – الهادي (أميركا، أستراليا، الهند واليابان) ورفض التفاهم حول سوريا وإيران وليبيا وكل ما يتعلق بالمجال الحيوي الروسي.

انفعال الرئيس بايدن وتقرير الأجهزة الأميركية حول تدخل موسكو في الانتخابات يكشف عن صراع أخلاقي بينهما، باعتبار أن موسكو تشكل خطرا على القيّم المدنية والليبرالية وحقوق الإنسان التي تتبناها واشنطن، وهذا ما يكشف عن تناقض صريح بالأفكار، قد يستخدم كغطاء عقائدي في صراعاتهما المقبلة، خصوصا وأن النخب الروسية تتحدث عن مقاربة ثقافية تتعارض مع أفكار المؤسسة الأميركية ولا يمكن مهادنتها.

وفي هذا الصدد كتب إيغور بشينيتشنيكوف، في صحيفة “إزفيستيا” مقالا تحت عنوان (مريض أميركي) قال فيه “من وجهة نظر العقل السليم، فإن تصريح بايدن وأي شيء تفعله المؤسسة بيديه مجرد هراء، بل هو أشبه بهوس ديني تعانيه المؤسسة الليبرالية الأميركية، إذا صح التعبير. وهذا، للأسف، مرض لا يعالج، وما علينا إلا أن نأخذ هذا في الحسبان ونكون مستعدين لتفاقم جديد لهذا الهوس الذي يعانيه المريض الأميركي”.

مما لا شك فيه إن توصيف بايدن لبوتين قد استفز الهيبة الروسية المرتبطة عضويا برمزية بوتين، الذي تمنى الشفاء لبايدن في رده الهادئ عليه، هذا الهدوء يعود إلى دراية روسية بأن الأزمة مع واشنطن ستحدث عاجلا أم آجلا، وقد تأخذ أشكالا مختلفة، لكنها لن تصل إلى مواجهة مباشرة، لذلك تتصرف موسكو وكأن ما حدث لم يكن مفاجئا ولم تلجأ إلى التصعيد، واكتفت باستدعاء سفيرها وليس سحبه بانتظار ما ستقوم به واشنطن من خطوات مستقبلية لا تبدو أنها إيجابية.

———————————-

تصعيد أميركي تجاه الصين وروسيا/ هشام ملحم

شهد الاسبوع الماضي توتراً  نوعياً جديداً في علاقات الولايات المتحدة مع منافسيها العالميين الصين وروسيا ليس من المتوقع أن يتم تخطيه في أي وقت قريب، أو دون اجتماعات على مستوى القمة. وكان من الواضح ان ادارة الرئيس بايدن أرادت ان تقول للبلدين وللعالم وبلغة فظة وغير ديبلوماسية أن الرئيس الاميركي الجديد يختلف جذرياً عن سلفه دونالد ترامب، وأن مرحلة “التراجع” في وجه روسيا قد انتهت، وأن واشنطن سوف تتصدى، بالتعاون مع حلفائها الآسيويين وتحديدا اليابان وكوريا الجنوبية لسياسات الصين التوسعية في شرق آسيا، كما فعل وزير الخارجية انطوني بلينكن، ومستشار الامن القومي جيك سوليفان في أول اجتماع مع نظرائهما الصينيين في ولاية آلاسكا قبل ايام، وان مسألة حقوق الانسان سوف تكون في طليعة اهتمامات الولايات المتحدة في علاقاتها مع موسكو وبيجينغ.

وكان من اللافت ان الرئيس بايدن، هو الذي بدأ بتصعيد انتقاداته القوية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حين وصفه “بالقاتل” في اشارة الى التهم الموجهة لبوتين بانه حاول تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، قبل سجنه في معسكر يتعرض فيه السجناء لمعاملة قاسية. موقف بايدن المتشدد من بوتين لم يكن مفاجئاً، وان كانت نبرته غير متوقعة. موقف بايدن، جاء في اعقاب الكشف عن تقرير لاجهزة الاستخبارات الأميركية أكدت فيه أن روسيا تدخلت مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية الاخيرة لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب. وهذا ما دفع بالرئيس بايدن في مقابلة مع شبكة التلفزيون “أي بي سي” للقول إن بوتين سوف “يدفع ثمن” تدخله في الانتخابات، دون أن يوضح طبيعة الثمن، وإن قال إنه سيأتي في وقت قريب. وجاء موقف بايدن في أعقاب الاعلان عن معاقبة عدد من أركان الحكومة في موسكو اضافة إلى 14 جهاز روسي.

وقام الرئيس بايدن بالتمهيد للمواجهة العلنية مع الصين، والتي اتخذت بعض السمات المسرحية، خلال أول لقاء بين كبار المسؤولين المعنيين بالسياسية الخارجية للبلدين في اجتماع في آلاسكا، حين أوفد وزيري الخارجية والدفاع، أنطوني بلينكن ولويد أوستن للتشاور والتنسيق مع اليابان وكوريا الجنوبية. وفي التلاسن العلني والفظ بين الجانبين في ألاسكا، أصر بلينكن أولاً، ونظيره الصيني وانغ يي لاحقاً على بقاء الصحافيين لتسجيل وتغطية بياناتهما، وكان واضحاً أن الهدف المزدوج لادارة بايدن هو التصدي لبيجينغ على مختلف الجبهات الاستراتيجية والاقتصادية وحقوق الانسان، بعد تعزيز العلاقات مع حلفاء واشنطن في شرق آسيا الذين ينظرون بقلق متزايد لمحاولات الصين بسط هيمنتها على الدول القريبة منها. وتزامنت  المواجهة الاولى في آلاسكا يومي الخميس والجمعة الماضيين، مع اجتماع افتراضي عقده بايدن مع قادة أوستراليا والهند واليابان، لتنسيق المواقف مع هذه الدول الحليفة تجاه الصين وغيرها من التحديات في تلك المنطقة من آسيا والمحيط الهادئ التي يريد بايدن ان يضعها في طليعة أولوياته الخارجية، وهي المنطقة التي أراد الرئيس الاسبق باراك أوباما “التحول” اليها من منطقة الشرق الاوسط، وان لم يفعل ذلك بنجاح.

وكان المسؤولون الاميركيون قد قالوا قبل اجتماع ألاسكا إن الوزير بلينكن والمستشار سوليفان يريدان وضع ” قواعد تعامل ” جديدة مع بيجينغ تشمل رسم خطوط حمراء في التعامل مع الصين التي وصفها بلينكن بـ”الامتحان الجيوسياسي الاكبر في القرن الحادي والعشرين”. وكان بلينكن قد قال للكونغرس قبل الاجتماع إنه سيقول بصراحة كاملة للصينيين ما هي القضايا التي تقلق واشنطن في علاقاتها مع بيجينغ. وهذا ما فعله بلينكن، وان تحول اجتماع المصارحة الى اجتماع لتراشق التهم الفظة.

الوزير بلينكن أثار محاور التوتر بين البلدين بدءاً من الخلافات التجارية، ومروراً بسياسات بيجينغ العدائية تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة ومياههم الاقليمية التي تنتهكها الصين، وانتهاء بانتهاكات الصين لحقوق الإنسان في التيبيت، وضد مواطنيها المسلمين في  شينجيانغ وضد تايوان. ورد الصينيون برفض تدخل واشنطن في شؤونهم الداخلية والتأكيد بانه “لا يمكن خنق الصين” التي  ستحمي “سيادتنا القومية وأمننا ومصلحتنا في تنمية الصين”. كما اتهموا واشنطن بالخبث لانها تسيء معاملة مواطنيها من اصل افريقي، كما رفضوا محاولات واشنطن نشر “الديموقراطية الاميركية” في العالم.

موقف بايدن المتشدد من الصين، هو استمرار لموقف الرئيس السابق ترامب المتشدد، وان كان اسلوب بايدن يختلف لجهة مواجهة الصين من خلال التعاون والتنسيق مع الحلفاء، ولجهة التركيز على القضايا الخلافية الاستراتيجية والسياسية الحقيقية، وليس كما كان يفعل ترامب اتهام الصين بتصدير فيروس كورونا. وهناك بعد داخلي لتصلب بايدن في هذه المرحلة المبكرة من ولايته تجاه الصين، وهو رغبته بتحصين نفسه ضد انتقادات قيادات الحزب الجمهوري له خلال الحملة الانتخابية والاشهر الاولى له في البيت الابيض بانه سيتبع سياسة وفاقية مع الصين.

تصلب بايدن تجاه بوتين، واسلوبه في التصدي لسياسة روسيا العدائية تجاه اوروبا منذ احتلالها لاراضي في شمال اوكرانيا واحتلالها وضمها لشبه جزيرة القرم في 2014 مماثل بعض الشيء لاسلوب المواجهة مع الصين، حيث ستسعى واشنطن لاعادة تعزيز تحالفها التقليدي مع الدول الاوروبية لخلق جبهة موحدة ضد روسيا.  الموقف الموحد تجاه روسيا سيكون من بين القضايا الرئيسية التي سيناقشها الوزير بلينكن حين يزور بلجيكا هذا الاسبوع لعقد أول اجتماعات وجها لوجه مع المسؤولين الاوروبيين لتعزيز العلاقات الاطلسية التي تزعزعت خلال ولاية الرئيس السابق ترامب. واضافة الى روسيا سيناقش بلينكن مع وزراء خارجية حلف شمال الاطلسي (الناتو) الوضع في فغانستان، والصين، وايران والامن الالكتروني وأمن الطاقة. ومن المتوقع ان تشمل محادثات بلينكن حول الطاقة خط انابيب الغاز المعروف باسم Nord Stream 2  الذي يجري بناءه لتصدير الغاز الروسي الى المانيا عبر أوكرانيا، والذي تعارضه الولايات المتحدة. وكان بلينكن في الاسبوع الماضي قد حذر الشركات التي تشارك في بناء هذا الخط من أن واشنطن قد تفرض عليها العقوبات.

لم يكن مستغرباً ان يتخذ بايدن موقفاً متشدداً من بوتين، أولا لكي يؤكد اختلافه عن أسلوب سلفه ترامب، وثانياً لارغام الرئيس الروسي على دفع ثمن لتدخله في الانتخابات الاميركية والاوروبية، وللهجمات الالكترونية التي تشنها روسيا ضد المؤسسات والشركات الاميركية، ولاعادة وضع حقوق الانسان على قائمة اهتمامات واشنطن في علاقاتها مع موسكو، وهي مسألة تجاهلها ترامب كليا. الاميركيون غير قلقين لان بوتين قرر استدعاء سفيره من واشنطن “للتشاور”، بعدما وصفه بايدن “بالقاتل” ويقولون ان بايدن ليس مهتما بالدخول في حرب باردة جديدة مع روسيا، ولكنه يصر على محاسبة بوتين على انتهاكاته، وسوف يحاول التعاون مع موسكو إذا اقتضت مصالح الامن القومي الاميركي ذلك، ويشيرون في هذا المضمار الى اتفاق البلدين على تمديد اتفاقية الحد من الاسلحة النووية لمدة خمسة سنوات اضافية.

حتى الان العقوبات التي فرضها بايدن ضد مصالح شخصيات روسية لن توجع بايدن او روسيا. كما ليس من الواضح ما هو “الثمن” الذي سيرغم بايدن نظيره الروسي على دفعه. وعلى الرغم من وجود معارضة قوية في الكونغرس من قبل الحزبين الجمهوري والديموقراطي ضد خط انابيب الغاز، لانه سيعزز من نفوذ بوتين في اوروبا، وعلى الرغم من تهديدات واشنطن بمعاقبة الشركات الاوروبية التي تشارك في بنائه، الا ان فرض العقوبات الاميركية الذي يمكن ان يهدد مستقبل الخط البالغة كلفته 11 مليار دولار، سوف يكون محفوفا بالمشاكل لانه سيكون بمثابة ضربة كبيرة لالمانيا، ولشركات اوروبية عديدة. وفي الاسابيع القليلة المقبلة، سوف يجد بايدن نفسه معرضاً لضغوط من الكونغرس لوقف خط الانابيب، وضغوط  مضادة من المانيا ودول أوروبية اخرى ومن شركات عالمية للسماح باكماله. بايدن لا يستطيع بناء جبهة موحدة مع اوروبا لمواجهة التصلب الروسي، وفي نفس الوقت تقويض خط انانبيب الغاز الذي تريده المانيا.  أي قرار  يتخذه بايدن بهذا الشأن ستكون له مضاعفات بعيدة المدى على علاقات واشنطن مع موسكو، وعلى علاقاتها مع حلفائها الاوروبيين.

النهار العربي

————————–

=======================

تحديث 22 أذار 2021

—————————

بايدن وبوتين… معركة الاتهامات/ صادق الطائي

بدا التصعيد الأمريكي ضد روسيا أشد وطأة مما كان متوقعا، إذ فتحت إدارة بايدن نيرانها مبكرا على موسكو، ولم تستثن حتى رأس الهرم، الرئيس بوتين، الذي طاله الاتهام هذه المرة وبوضوح، فعندما سئل الرئيس بايدن: هل تعتقد أن بوتين قاتل؟ أجاب «نعم اعتقد ذلك»، ما أشعل أزمة دبلوماسية، استدعت على إثرها موسكو سفيرها في واشنطن لتدارس الأمر والنظر في كيفية الرد.

ما السبب وراء التوتر الأخير الذي أدى إلى تصعيد لهجة الاتهامات بين واشنطن وموسكو؟ وهل تقف وراءه ملفات دولية وإقليمية؟ ردت موسكو على الاتهامات، لكن هل جاء ردها بقوة اتهام بايدن؟ وهل ستؤثر هذه الاتهامات في مفاوضات «نيو ستارت» للحد من الأسلحة النووية بين الطرفين؟ كل تلك الأسئلة يتم تداولها وتحليلها اليوم في مختلف مؤسسات تحليل القرار في العواصم الكبرى.

يمكننا أن نشير إلى بداية التصعيد مطلع شهر آذار/مارس الجاري، عندما فرضت واشنطن عقوبات على سبعة مسؤولين روس كبار، على خلفية قضية ألكسي نافالني المعارض الروسي الأشهر لنظام بوتين، الذي تحمّل الولايات المتحدة الأمريكية موسكو مسؤولية محاولة تصفيته، في هجوم نفذ ضده يوم 20 آب/أغسطس 2020، وقد نقل نافالني على أثره إلى المانيا للعلاج، وبقي هناك حتى تماثل للشفاء من حالة التسمم التي كادت تودي بحياته، إذ صرحت الجهات الصحية الألمانية التي عالجته، بأنه تعرض للتسمم بنوع من غاز الأعصاب الذي تنتجه مختبرات المخابرات الروسية، بينما رفضت روسيا هذه الإدعاءات، وأنكرت أي علاقة لها بالموضوع. وقد عاد نافالني إلى موسكو في 17 كانون الثاني/يناير 2021، وتم اعتقاله فور وصوله مطار شيريميتييفو الدولي في العاصمة الروسية موسكو، قادماً من ألمانيا بموجب مذكرة سابقة صادرة بحقه بتهمة الاحتيال، ومازال قابعا في السجن حتى الآن. كما فرضت إدارة بايدن مجموعة من العقوبات على روسيا، على خلفية استخدام موسكو أسلحة كيميائية، إذ أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، أنها ستوسع القيود على تصدير المنتجات الحساسة إلى روسيا، هذا التصعيد دفع الخارجية الروسية للتصريح برفض هذا التعامل، إذ صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابوف لوكالة أنباء «ريا نوفوستي» قائلا، «إن هذه الإجراءات لا تحسّن فرص تطبيع العلاقات». وأضاف، «الولايات المتحدة مسؤولة بشكل كامل عن التدهور الجديد في العلاقات الروسية الأمريكية، هذا أمر لا يرقى إليه الشك».

الملف الأحدث في قضية التوتر الروسي الأمريكي المتصاعد، هو تقرير صادر عن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية يحوي اتهامات لجهات روسية يشتبه في قيامها بهجوم إلكتروني ضخم على مصالح أمريكية استراتيجية، وكذلك أشار التقرير إلى دفع جهات روسية مكافأة لمقاتلي طالبان، لقتل جنود أمريكيين في أفغانستان. كما اتهمت الأجهزة الأمنية الأمريكية، ما سمته «جهات مرتبطة بالحكومة الروسية» بالتدخل مجددا في الانتخابات الرئاسية في 2020، بعد تدخلها في انتخابات 2016. لذلك جاء تصريح الرئيس جوزيف بايدن بخصوص هذا الأمر عنيفا، إذ ردّ على سؤال المذيع الشهير جورج ستيفانوبولوس في قناة (ABC) الأمريكية يوم الأربعاء 17 مارس الجاري، على سؤال حول طبيعة الرد الأمريكي على الأعمال الروسية، فقال، «سترون قريبا الثمن الذي سيدفعه فلاديمير بوتين»، كما أجاب الرئيس بايدن على سؤال مباشر من مقدم البرنامج هو، «هل تعتبر الرئيس الروسي قاتلا»، فأجاب «نعم أعتقد ذلك» وهذا التصريح هو الذي أشعل الأزمة الأخيرة بين البلدين. يبدو أن إدارة بايدن تبحث في كل الملفات العالقة والإشكالية التي خلفتها حقبة الرئيس السابق ترامب، وتحاول النبش فيها وبذل الجهود لإلغاء أو تعديل مساراتها. لذلك تمت مقارنة موقف الرئيس بايدن وتصريحاته النارية، بموقف سلفه الرئيس ترامب حول العلاقة مع روسيا والرئيس بوتين، إذ قال مراسل قناة «فوكس نيوز» في حوار تلفزيوني في شباط/فبراير 2017 أن فلاديمير بوتين «قاتل»، فعلق الرئيس الأسبق دونالد ترامب على ذلك بطريقة دبلوماسية فيها مواربة، حين قال «هناك الكثير من القتلة. هل تعتقدون بأن بلادنا بريئة؟».

الرد الروسي وفقا للمراقبين لم يكن بالقوة التي قد تؤدي لتصعيد الأزمة، أو غلق الباب في وجه العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، التقرير الأمريكي بأنه «ذريعة لإدراج مسألة فرض عقوبات جديدة على روسيا على جدول الأعمال». وأضاف في مؤتمر صحافي أن هذا التقرير «خاطئ ولا أساس له ويفتقر إلى الأدلة». وأكد أن «روسيا لم تتدخل في الانتخابات السابقة في 2016» التي أدت إلى فوز دونالد ترامب، و»لم تتدخل في انتخابات 2020» التي فاز فيها جو بايدن. كما اتهم رئيس مجلس النواب (الدوما) الروسي فياتشيسلاف فولودين يوم 17 مارس الجاري الرئيس الأمريكي بايدن، وقال إنه، «أهان كل الروس وهاجم بلاده». كما طلب نائب رئيس مجلس الحكام قسطنطين كوساتشيف من إدارة بايدن «توضيحات واعتذارات». لكن الرد الأوضح جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال في تصريح متلفز، إن «القاتل هو من يصف الآخر بذلك». وأضاف» أذكر أنه في أيام الطفولة كنا نقول عندما نتجادل مع بعضنا في أفنية المنازل: من ينعت الآخر بشيء ما، فإن ذلك من صفاته هو.. وهذا ليس مصادفة أو مجرد مزحة أطفال، فهناك معنى نفسي مهم جدا فيها»، أما النقطة الأهم في حديث الرئيس بوتين، فقد انصبت على مستقبل العلاقات بين البلدين، إذ قال، «إن موسكو لن تقطع علاقاتها بواشنطن، بل ستعمل مع الولايات المتحدة بناء على ما يصب في مصلحة بلاده».

النقطة الأكثر إثارة جاءت عبر طلب الرئيس بوتين من نظيره الأمريكي، إجراء حوار تلفزيوني عن بعد يذاع على الهواء، إذ قال بوتين في حديث لقناة «روسيا 24» الخميس 18 مارس على خلفية تداعيات التوتر الروسي الأمريكي، «في المرة السابقة كان الرئيس بايدن من تقدم بمبادرة لإجراء مكالمة هاتفية. أود أن أقترح على الرئيس بايدن مواصلة مناقشاتنا، لكن شريطة أن نقوم بذلك عمليا على الهواء مباشرة، ومن دون أي مماطلات، وإنما في محادثة صريحة ومباشرة»، وأضاف «يبدو لي أن هذا سيكون في مصلحة كل من شعبي روسيا والولايات المتحدة، وكذلك الكثير من الدول الأخرى». وتابع الرئيس بوتين تعليقا على تصريحات الرئيس بايدن «يجب علينا الاحتفاظ بعلاقاتنا، لكي لا نتبادل الانتقادات اللاذعة غيابيا». جاء رد الرئيس بايدن مباشرة على دعوة الرئيس بوتين للحوار، إذ أعرب في تصريح إعلامي في البيت الأبيض عن قناعته بإجراء محادثة في مرحلة معينة مع نظيره الروسي، وقال، «إنني على يقين بأننا سنتحدث في مرحلة معينة»، لكن من دون أن يحدد موعدا. بينما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان – بيير، في مؤتمر صحافي، «إن الرئيس بايدن سيلتقي مع الرئيس بوتين حينما سيحين الوقت المناسب»، وأشارت جان – بيير إلى خلافات الرأي بين الرئيسين، لكنها أكدت على أنهما «متفقان على أن علينا مواصلة إيجاد سبل للعمل معاً في المجالات التي يمثل فيها ذلك مصلحة مشتركة»، ويبدو أن ملفات إقليمية ودولية مهمة ما تزال مفتوحة بين الطرفين، وأهمها استمرار العمل على إقرار اتفاقية «نيو ستارت» للحد من الأسلحة النووية، والملف الأوكراني، والملف النووي الإيراني. فهل سينجح الطرفان في تجاوز خلافاتهما والعمل على إنجاز الملفات المشتركة بنجاح؟

كاتب عراقي

القدس العربي

——————————

إدارة بايدن والعدائية لروسيا: منحى يتنامى في نظام دولي يتصدّع/ وسام سعادة

يظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن عدائية حادة لنظيره الروسي بشكل لا يمكن التأسيس عليه لوحده. كذلك، لا يمكن التعامل مع هذه العدائية على أنها مزاجية عابرة. نحن هنا أمام منحى، وحيال حاجة أمريكية أولاً لتحديد «من العدو».

يحصل ذلك في عالم لم تخض فيه إدارة الرئيس السابق، ترامب، حرباً كبيرة فيه، بل اكتفت بالاستخدام «القنصي» للقوة. عالم أقل حروبية من سنوات سالفة. لكنه يعيش تصدّعاً متزايداً في نظامه الدولي. أي ذلك النظام الذي رسمت خطوطه العريضة تفاهمات المنتصرين في الحرب العالمية الثانية في يالطا وبوتسدام، ثم تشكل قوامه مع تأسيس الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، بالخماسي دائم العضوية فيه.

لقد تعايش هذا النظام الدولي أكثر مما كان متوقعاً له، مع المراحل المختلفة التي اجتازتها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي. فلم يؤد هذا الصراع الأيديولوجي والجيوبوليتكي المحتدم الى إنهاء تجربة منظمة الأمم المتحدة على غرار ما حلّ بسابقتها، عصبة الأمم. من المبالغة بمقدار توصيف مجلس الأمن بأنه حكومة عالمية، لكنه شكّل شيئاً من هذا القبيل طيلة فترة الحرب الباردة. رغم كثرة محطات التشنج فيها وانعكاسها عليه بالتعطيل لدوره. ورغم «فضيحة» حرمان الصين القارية من مقعدها فيه لعقدين من الزمان، قبل أن تنقلب الحال مطلع السبعينيات، مع التقارب الصيني الأمريكي، وفي وقت كانت أضحت الحرب الباردة ثلاثية القطب، لا سيما في آسيا، أي أمريكا والصين معاً في مواجهة الاتحاد السوفياتي.

اختلفت الحال مع انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. لم تنته الحرب الباردة فقط آنذاك، بل اختفى أيضاً أحد المنتصرين الأساسيين في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد مفهوماً لماذا يستمر التعامل مع المانيا واليابان كما لو كانت اعتبارات تلك الحرب لا تزال راهنة حيالهما، فلا يكون التفكير بتوسيع نادي دائمي العضوية اليهما هم أيضاً. هذا مع أن المانيا الموحدة تلعب دور المحور المهيمن في الإتحاد الأوروبي، أما الصين فقد همشت اليابان في العقود الأخيرة. وهذا قبل أن ندخل في مطالبات توسعة نادي العضوية الدائمة لبلدان أخرى، كالهند والبرازيل، أو الغائها أو تعديل حق النقض. المهم، لم يراجع شيء من هذا في اي اتجاه كان بعد نهاية الحرب الباردة، وبقي المتفق عليه بين منتصري الحرب العالمية الثانية قائماً رغم اختفاء أحدهم، واحتفال الآخر بأنه انتصر في الحرب الباردة عليه.

ولهذا ثمنه. العالم في مطلع العشرينيات من هذا القرن يعيش في نظام دولي مستوحى من معادلات منتصف أربعينيات القرن الماضي.

ثمنه المزيد من تصدع النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وأكثر فأكثر بعد العودة الجزئية لهذه الحرب الباردة مجدداً مع صعود بوتين، انما مخففة من قالبها الأيديولوجي السابق. يتصل ذلك ايضا بأن الولايات المتحدة تعيش منذ نهاية الحرب الباردة مشكلة صعوبة تحديدها لعدوها الاستراتيجي.

لقد حاولت التعويض عن غياب العدو الاستراتيجي الواضح، الاتحاد السوفياتي والشيوعية، بتحديده الهلامي، على أنه الدول المارقة المتوسطة الحجم ثم التطرف الإسلامي العابر للبلدان. لكن هذا التحديد الهلامي أتى بالنتيجة على حساب معدّل هيمنتها على العالم. كونها جعلها «تلعب» مع لاعبين لا تناسب بينها كقوة لها اساطيل وقواعد في كل اصقاع العالم، وبينهم. ولعب القوي مع الضعيف يضعفه.

ثم عادت أمريكا، بعد اتضاح منحى فلاديمير بوتين تدريجيا، من حربه على جيورجيا 2008 الى ضمه القرم 2014 لاعادة تلبيس روسيا ثوب العدو الاستراتيجي. من دون أن تكف يد بوتين عن إنقاذ النظام السوري بالطائرات، ومن دون أن تقف حجر عثرة دون التقارب الروسي التركي في اثر فشل المشهدية الانقلابية على أردوغان 2016.

ومع وصول دونالد ترامب، عادت أمريكا فابعدت ثوب العداوة الاستراتيجية عن روسيا نسبياً، بل جوبه ترامب بمعارضة داخلية قوية غداة قمته مع بوتين في هلسنكي 2018، إذ اعتُبِر أنه يقدّم تنازلات هو في غنى عنها لروسيا، في حين ينبغي أن تستمر معاقبة الأخيرة نظراً لضمها شبه القرم التي تعود لأوكرانيا، ثم رعايتها حركة الانفصال شرقي الأخيرة (حوض الدونباس الصناعي).

ابتغى ترامب نقل العداوة الاستراتيجية الى الصين، في الحرب التجارية معها، ثم في اتهامها المتكرر بالمسؤولية عن تفشي جائحة كورونا، هذا في الوقت عينه الذي كان يهوّن فيه من خطر الفيروس نفسه، ما جعله يحدد عدواً وينفي عنه علة العداوة.

مع بايدن نحن حيال معادلة معاكسة: العودة إلى التحديد «التقليدي» للعدو الجيوبوليتيكي على أنه روسيا. أمريكا سلطانة البحار وبالتالي خصمها الأساسي موجود في العمق القاري لأوراسيا، في الهارتلند.

وهذا يعني العودة إلى المنظار السبيكماني (نسبة الى المنظر الجيوبوليتيكي نيكولاس سبايكمان، ت 1943) أي وجوب منع القوة القارية، روسيا، من التمدد من قلب أوراسيا Heartland الى أطراف القارة الاوراسية الكبرى، أي الـ Rimland، أي ما يحيط بالعمق القاري من أقاليم. وهو ما يقتضي مباعدة روسيا عن الصين، وعن إيران، وعن بلدان الشرق الأوسط، ولا قلق اليوم من حلف وارسو. فليس لروسيا حلفاء في أوروبا (مع أن هناك مسعى لاحتساب اليمين الشعبوي فيها كحليف لموسكو).

منطقياً يفترض ان يعني ذلك أن أمريكا ستسعى لتأمين جانب الصين من الآن فصاعداً أو حتى استمالة عدوتها اللدود في الشرق الأوسط، إيران، هذا ان أرادت ابعاد نفوذ روسيا عن أقاليم «الريملند».

روسيا في هذه الحالة لا يمكن ان تقدم لإيران ما يمكن ان توفره الولايات المتحدة اذا ما هي أفرجت عن الأموال وخففت العقوبات. لكن إيران أيضا لا مصلحة لديها في الذهاب إلى تخفيف التوتر بأي ثمن مع أمريكا. بالدرجة الأولى، نظرا لطبيعة نظامها. فهو يعتبر معاداة أمريكا دعامة ايديولوجية ثقافية متينة له، ولا تتضمن عقائده موضوعة التعايش السلمي مع الامبريالية، على المنوال السوفياتي، الموضوعة التي تنهل منها ايضا، الصين وكوريا الشمالية. كيم جونغ اون صافح ترامب بحرارة، وأجاد ذلك من قبله قادة السوفيات، وماو تسي تونغ مع نيكسون. الخمينيون يصعب عليهم فعل ذلك.

في المقابل، اذا كانت أمريكا ماضية في تحديد روسيا كعدو استراتيجي، فإن لروسيا مصلحة في تفادي عزلتها بالشرق الأوسط بتطوير علاقاتها مع تركيا وإسرائيل والخليج في وقت واحد، بالتوازي مع علاقتها بإيران. الا ان هذا سيعرضها بالنتيجة للسؤال عن كيفية تلبية كل هذه العلاقات في آن.

منذ ضم روسيا للقرم 2014، وموقف أمريكا والاتحاد الأوروبي ضد هذا الضم، ومجلس الأمن الدولي شبه مفرّغ من ديناميته التأطيرية للنزاعات، بشكل لم يسبق أن حصل في عز الحرب الباردة. ونحن نتكلم هنا عن سبع سنوات حتى الآن. ما يعني مؤشرا مقلقا بالنسبة للسلام العالمي بالنتيجة. في الوقت عينه، أمريكا لم تحل مشكلة تحديدها للعدو الاستراتيجي بعد زوال الاتحاد السوفياتي بعد، مرة الإرهاب، ومرة الدول المارقة، ومرة باتجاه الصين، والآن باتجاه روسيا، لكن حتى في الحالة الأخيرة، فنحن أمام منحى ما زال من المبكر التعامل معه على أنه منحى وطيد لن يزاحمه منحى آخر، وان كان الجمود العالمي منذ أزمة ضم القرم لا يزال قائماً وأساسياً.

في كل هذا، أوكرانيا والقوقاز والمشرق العربي، تشكّل حاليا مجموعة مختبرات. من دون اغفال ما يمكن ان تستثمر فيه أمريكا على صعيد محاولة قلب الأوضاع في روسيا نفسها. لكن هذا يصعب ان يتأمن من دون ضربة تتلقاها خارطة تمدد النفوذ الروسي. بالضائقة الاقتصادية وحدها، وناشطي حقوق الإنسان ومناهضة الفساد، لا يمكن التعويل على الإطاحة بحكم «الجهاز» في روسيا. في 1905 كما في 1917 كما في الثمانينيات، كانت مشكلة روسيا على الجبهة أولاً (الهزيمة امام اليابان، الاستمرار في الحرب الكبرى رغم الانهيار الاقتصادي، استنزاف حرب النجوم وسباق التسلح وحرب أفغانستان للاتحاد السوفياتي) وبنتيجة ذلك فقط تزلزلت الأوضاع داخلها، بالثورات أو بالانهيار السوفييتي.

كاتب لبناني

القدس العربي

————————–

واشنطن تؤكد وطهران تنفي/ حسن فحص

في احدى الجلسات الاسبوعية للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الايرانية اواخر شهر نيسان/ابريل 2005 في اواخر الدورة الثانية للرئيس محمد خاتمي، وكان حينها السفير حميد رضا آصفي من يتولى هذه المهمة. دار جدل واسع حول ما اشيع عن حصول او عدم حصول مصافحة بين الرئيس الايراني والرئيس الاسرائيلي موشي كتساف (او قصابيان حسب سجلات النفوس الايرانية في مسقط رأسه في مدينة اردكان وهي ايضا مسقط رأس خاتمي في محافظة يزد) على هامش تشييع جثمان الحبر الاعظم للكنيسة الكاثوليكية في العالم البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان في 9 ابريل/ نيسان 2005. وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذله آصفي والادارة الدبلوماسية الايرانية في توضيح هذه الاشاعات، لم تفلح في تقديم موقف واضح حول حقيقة ما حصل يومها.

ومن باب المشاكسة، توجهتُ الى المتحدث باسم الخارجية وامام عدسات التلفزة الايرانية والدولية بسؤال واضح وصريح بالقول ” لا ارى صعوبة او تعقيدا في تقديم اجابة واضحة بنعم او لا، هل حصلت المصافحة ام لم تحصل” وعلى الرغم من ذلك فان آصفي لم يقدم اجابة واضحة حول الحادثة وتركها في حالة من الغموض الايجابي الذي يفتح الاحتمالات يؤكد الواقعة وينفيها في الوقت نفسه.

هذه الحادثة، واسلوب التعاطي الايراني الرسمي معها، يقدم مدخلا لفهم العقلية الايرانية في التعامل مع اي مستجد او حدث سياسي او عقائدي، وتكشف مدى التعقيد وتعدد المستويات في التفكير الايراني عند بناء اي موقف سواء كان بسيطا او استراتيجيا. وقد استطاعت هذه العقلية اجتراح نمط جديد في التعامل الدبلوماسي مع الازمات التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط، خصوصا دول الجوار الايراني في العراق وافغانستان، يقوم على تكريس مبدأ الحياد الايجابي الذي بدأ يتبلور في السياسة الاستراتيجية الايرانية منذ معركة تحرير الكويت عام 1991 وتلاها في الحرب على افغانستان، ومن ثم في الغزو الامريكي للعراق عام 2003.وتحول في التسويغ الذي قدمه آصفي حول ما اشيع المصافحة المحتملة بين خاتمي وكتساف الى تقديم مفهوم جديد هو “الغموض الايجابي” الذي ترك الباب مفتوحا على جميع الاحتمالات.

هذا الغموض الايجابي، هو ما تمارسه الدبلوماسية الايرانية حاليا في التعامل مع ازمة الحوار مع الادارة الامريكية حول الاتفاق النووي كمدخل لمسار تفاوضي اوسع في المستقبل يشمل كل قضايا المنطقة والقضايا الاشكالية بينها وبين واشنطن ان كان على صعيد البرنامج الصاروخي او حدود وابعاد وادوار النفوذ الاقليمي.

ففي الوقت الذي تصر الادارة الامريكية على تأكيد وجود قنوات تواصل غير مباشرة مع طهران، واحيانا الايحاء بوجود تواصل مباشر على مستوى الخبراء، تنفي ايران الرسمية، وتحديدا وزارة الخارجية، اي نوع من مستويات التواصل او الحوار المباشر وغير المباشر، وتكتفي بالحديث عن رسائل تصلها من الادارة الامريكية عبر اصدقاء مشتركين يطمحون للعب دور في تخفيف التوتر القائم بين الطرفين، وان ابرز هؤلاء الاصدقاء دول الترويكا الاوروبية الشريكة في الاتفاق النووي على الرغم من اتهام ايران لهذه الدول بانها مارست دورا سلبيا في التماشي مع مفاعيل القرارات التي لجأت اليها ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب، ولم تكن حريصة على تمكين ايران في الخروج من تداعيات الحصار الاقتصادي الذي فرضته واشنطن، وان هذه الدول عليها الاعتراف بالفضل الايراني الذي حافظ على الاتفاق النووي وقطع الطريق على انهياره بالكامل. او حسب تعبير الوزير محمد جواد ظريف في خطابه للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بان ايران هي التي ابقت الاتفاق حيا.

وبغض النظر عن حاجة طهران لابقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، لمعرفتها باستحالة الحصول على اتفاق مشابه واقل ضررا لها في حال انهياره، فانها تبدو اكثر اصرارا على التمسك بشروطها حول آليات العودة الى احيائه بخطوة امريكية ترفع العقوبات التي فرضتها ادارة ترمب بكل مستوياتها المتعلقة بدعم الارهاب وحقوق الانسان والاخطار النووية والصاروخية او تلك التي ترتبط بالنفوذ الاقليمي، وهو ما ترفضه الادارة الامريكية الجديدة كونه يقدم لايران كل ما تريد في اطار قرار مجلس الامن الدولي 2231، ويعيدها الى المجتمع الدولي من دون تقديم ضمانات او تعاون حتى لا يقال تنازل، ولان معادلة عودة واشنطن الى الاتفاق مقابل تراجع ايران عن خطوات تقليص التزاماتها التي لجأت اليها ردا على العقوبات لا تساعد في تطوير الاتفاق او فتح الطريق امام بحث جدي في الملفات العالقة التي تشكل مدخلا لحصول واشنطن وحلفائها في منطقة الشرق الاوسط على ضمانات تتعلق بأمنهم وحدود التدخل الايراني في شؤونهم الداخلية وما فيها من تهديد لاستقرار دولهم.

وعلى غرار ما حصل في ايران عام 1982 بعد معركة خرمشهر (المحمره) واستعادتها من الجيش العراقي، والجدل الذي حصل داخل اروقة القرار بين اطراف تدعو للاستجابة للدعوات الدولية وحتى العراقية والعربية لوقف الحرب وما فيها من تحقيق مكاسب سياسية وتعويضات مالية، وبين اطراف تمسكت باستمرار الحرب حتى اسقاط النظام العراقي وتسليم هذا البلد الى حلفاء لهم. وشكل انتصار الطرف الثاني الى تمديد الحرب لمدة ثماني سنوات انتهت بهزائم متلاحقة للقوات الايرانية والقبول بقرار مجلس الامن رقم 598 من دون قيد او شرط وعدم التطرق الى اي تعويضات مالية. يبدو ان هذه العقلية مازالت مهيمنة في مراكز القرار، وهذه المرة في ما يتعلق بالاتفاق النووي واعتقاد القدرة على إلحاق هزيمة بالادارة الامريكية وإجبارها على تقديم تنازلات تكتيكية واستراتيجية، ما جعل المخاوف في الداخل الايراني ترتفع من امكانية استعادة تجربة الحرب العراقية ما بعد خرمشهر، وان تنتهي الامور الى تقديم تنازلات لا تقف عند القبول بالعودة الى الاتفاق ضمن الرؤية الامريكية للحل، بل ان تتجاوزها لتصل الى تنازلات في كل المجالات الداخلية والاقليمية والعسكرية. لعل هذه المخاوف هي التي دفعت الرئيس حسن روحاني في الجلسة الاخيرة للحكومة الى رفع الصوت عاليا بوجه المعطلين في الداخل والتلويح بانهم سيدفعون الثمن جراء اصرارهم على استمرار العقوبات وتعطيل اي فرصة للحوار والحل مع واشنطن والمجتمع الدولي.

وكما حدث في مسألة الحرب بعد استعادة خرمشهر، تتكرر الاحداث مع الاتفاق النووي، اذ يعمد المعطلون لمسار الحوار والذين يرفعون سقف التشدد لمنع الحكومة من القيام باي خطوة باتجاه الحل، الى توظيف الازمة في معركة داخلية تتعلق بمسألة السيطرة على السلطة ومنع الفريق المعارض لهم تحقيق اي انجاز او تقدم قد يصب في سياق تعزيز حظوظه السياسية والانتخابية. وهم على استعداد للمقامرة بكل الاشياء من اجل تحقيق اهدافهم، ولا يعنيهم الصفوف الطويلة للايرانيين الذين يقضون ساعات طويلة من أجل الحصول على بضعة كيلوغرامات  من لحم الدجاج المدعوم، وهي ظاهرة لم تحدث خلال الحرب العراقية وسياسة التقنين التي كانت متبعة ومعتمدة من حكومة ادارة الحرب حينها برئاسة مير حسين موسوي.

المدن

———————-

أميركا بايدن -الصين وروسيا: بداية متشنّجة/ عبد الوهاب بدرخان

الاشتباكات الديبلوماسية والتلاسنات العلنية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، قد تكون عابرة ومجرّد عراضات سياسية في مسار يطول أو يقصر، بحثاً عن توافقات أو تفاهمات، وقد تكون على العكس إرهاصاً لمواجهات دائمة، باعتبار أن التحديّات تتعاظم وتتعمّق باستمرار بين الدول العظمى الثلاث. وبمقدار ما مرّ الاتصال الأول، الساخن، بين الرئيسين الأميركي والروسي من دون مضاعفات، بمقدار ما أن موافقة جو بايدن على وصف فلاديمير بوتين بـ«القاتل» كانت سابقة مفاجئة أرفقها صاحبها متوعّداً بتدفيع بوتين الثمن! ولم يردّ الأخير على الاتهامات الأميركية، بل أخذ بشيء من علم النفس الفلسفي ليخلص إلى «أننا نرى دوماً خصالنا في الآخرين ونعتقد أنهم فعلاً أمثالنا».

لم تبقَ المشكلة في إطار شخصي بل تحوّلت أزمةً ديبلوماسيةً، إذ استشفّت موسكو في الهجوم البايدني تقليلاً من أهميتها الاستراتيجية، لذا قالت إنها لا تسعى إلى «حرب باردة» جديدة لكنها «تستعدّ للأسوأ». ليس واضحاً أن بايدن يسعى إلى حرب كهذه، لكنه أراد التأكيد أن «التدخل الروسي» في الانتخابات الأميركية في عامي 2016 و2020، والاختراقات الإلكترونية التي رافقته أو تلته، لا يمرّان عنده كما مرّا عند سلفه دونالد ترامب الذي شكّك في تقارير الاستخبارات ثم تبنّى نصف اعتراف بوجود ذلك «التدخّل». لكن الملفات الأخرى العالقة بين واشنطن وموسكو (العقوبات، سوريا، أوكرانيا، شبكات الصواريخ في أوروبا، الخلافات التجارية..) تُبقي العلاقات بين الطرفَين على درجة عالية من التوتّر. وفيما كانت روسيا مرتاحة إلى التنافر بين إدارة ترامب وحلف شمالي الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، فإنها اليوم تتحسّب لعودة الانسجام بين هذه الأطراف.

وفي تقويم الحدث المستجدّ بين واشنطن وموسكو، طلب مسؤولون روس تفسيراً واعتذاراً، وتحدّثوا عن «لحظة فاصلة في العلاقات» قد يكون الجانب الأميركي ساعياً إليها. غير أن مقاربته للخلاف مع الصين مختلفة، فالمواقف المتشدّدة التي تبادلها وفدا المحادثات الأولى المباشرة بدأت متوتّرة لكن الواضح أنها لا تريد الانزلاق إلى نزاع، وإن كانت «المنافسة الشرسة» واردة (بحسب مستشار الأمن القومي الأميركي)، وبات تقليداً أن تظهّر واشنطن انتقاداتها لبكين في مسائل الديمقراطية وحقوق الأقليات وقضية تايوان، بل زادت إليها الهجمات الإلكترونية و«الضغوط التجارية على حلفائنا». لكن بكين لم تعد تجادل في الدمقرطة مقابل المصالح التجارية، فهذا خلاف حسمته تجارياً مع كل الدول. بل إنها تنتقد حالياً الديمقراطية نفسها وسوء معاملتها للأقليات (السود) وتشير بدورها إلى «ضغوط أميركا على حلفائها» لفرملة تعاملاتهم التجارية مع الصين.

بين غرب وشرق، كان الخلاف على أنماط الحكم والسياسة والاقتصاد واحترام حقوق الإنسان من الخلافات البارزة خلال الحرب الباردة مع المعسكر الاشتراكي. وساعد انتصار أميركا في تلك الحرب على إعادة الاعتبار إلى نظام القيم الغربية، قبل أن تشوبه اختلالات خلال العقدَين الماضيين، سواء بسبب أخطاء السياسات الأميركية أو المنافسة الصينية والروسية على القطبية الدولية، بما في ذلك دحضهما مفاهيم الديمقراطية الغربية التي سبق للرئيس الروسي أن اعتبرها بالية وآفلة. وفي المحادثات الأخيرة في ألاسكا، دعا المفاوض الصيني «يانغ جي شي» الجانب الأميركي إلى «التخلّي عن عقلية الحرب الباردة». وفي مقابل القُطبَين الصاعدين المبشّرين بقِيَمهما، تبدو أميركا كأنها تدافع عن قيم لم تعد «واقعية» أو مناسبة للعصر.

—————————–

 أميركا وروسيا والصين، وكتابة التاريخ/ هشام ملحم

شهد الأسبوع الماضي مواجهات سياسية وإيديولوجية ولفظية بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا الاتحادية والصين من جهة أخرى عكست عمق الخلافات بين واشنطن وخصميها البارزين في العالم، كما عكست طبيعة التنافس بين الديمقراطية الأميركية والأوتوقراطية الروسية والصينية، وكيفية تفسير كل دولة لتاريخها وتاريخ غيرها، وصعوبة تخطي الخلافات الراهنة.

من الواضح أن الجانب الأميركي، الرئيس بايدن في انتقاداته القاسية لبوتين، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن في انتقاداته القوية للصين خلال لقائه مع نظيره وانغ يي في ولاية ألاسكا، هو الذي بادر بالتصعيد لأكثر من سبب من بينها رغبة بايدن بأن يوضح لروسيا وللعالم أنه يختلف جذريا عن سلفه دونالد ترامب وأن مرحلة “التراجع” الأميركي في وجه روسيا قد انتهت.

الوزير بلينكن أراد أن يوضح للصينيين أن واشنطن ستعزز من تحديها لسياسات الصين التوسعية في شرق آسيا، وأنها ستضع انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في التيبيت وهونغ كونغ وضد المسلمين الصينيين في مقاطعة شينغيانغ في طليعة أهدافها بالتعامل مع الصين. الرئيس بايدن وافق على وصف بوتين “بالقاتل”، وتعهد، في مقابلة مع شبكة التلفزيون إيه بي سي بإرغام بوتين على “دفع ثمن” تدخله في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح دونالد ترامب.

توقيت موقف إدارة بايدن القوي تجاه الصين يهدف من جملة ما يهدف إليه تحصين بايدن ضد انتقادات الجمهوريين خلال الحملة الانتخابية وبعد وصوله إلى البيت الأبيض من أنه سوف يعتمد سياسية معتدلة تجاه الصين.

إثارة بايدن وبلينكن لانتهاكات حقوق الإنسان في روسيا والصين، أدت إلى سجال علني فلسفي وسياسي حول طبيعة النظام السياسي والتجربة التاريخية للولايات المتحدة، مقابل الطبيعة الأوتوقراطية والقمعية للنظامين الحاكمين في بكين وموسكو.

عندما وافق بايدن على وصف بوتين بالقاتل، فإنه كان يشير ضمنا إلى التهم الموجهة لبوتين من منظمات حقوق الإنسان في العالم بأنه حاول قتل المعارض الروسي المعروف أليكسي نافالني من خلال تسميمه، قبل سجنه، وإلى سجل بوتين الدموي من محاربة الثوار الشيشان، إلى العدوان ضد أوكرانيا، وقصف الطيران الروسي للمدنيين في سوريا. الوزير بلينكن أشار في انتقاداته لانتهاكات الصين ضد حقوق الإنسان، إلى ما أسماه “حرب الإبادة” التي يتعرض لها المواطنون الأويغور المسلمون في شينغيانغ. ويقدر عدد المسلمين الذين وضعتهم السلطات الصينية في معسكرات بهدف “تثقيفهم” وإبعادهم عن دينهم بأكثر من مليون نسمة.

الرئيس بوتين رد على اتهامات بايدن بإثارة تاريخ انتهاك حقوق السكان الأصليين في أميركا، ووصف ما حدث لهم بحرب الإبادة، كما اتهم الولايات المتحدة بالقتل المتعمد للمدنيين في اليابان عندما قصفت مدينتي هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى تاريخ الرق في الولايات المتحدة، وربط بين هذا الإرث والتظاهرات الاحتجاجية في الصيف الماضي للأميركيين من أصل أفريقي.

المسؤولون الصينيون اعتمدوا أسلوبا مماثلا لبوتين، واتهموا الوزير بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان بالخبث حين ينتقدون حقوق الإنسان في الصين ويتجاهلون مشاكلهم الداخلية مثل العنف ضد الأميركيين من أصل آسيوي وغيرهم من الأقليات الإثنية وما حدث من أعمال عنف بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة، والتظاهرات الاحتجاجية للأميركيين من أصل أفريقي كما قللوا من أهمية الديمقراطية الأميركية كمثال يحتذى به.

الوزير بلينكن رد قائلا إن الأميركيين لا يتجاهلون مشاكلهم، بل على العكس يمارسون النقد الذاتي، مضيفا “ارتكبنا الأخطاء، واتخذنا خطوات إلى الوراء، ولكن ما فعلناه في تاريخنا هو مواجهة هذه التحديات، بشكل مفتوح وعلني وشفاف، وليس بتجاهل هذه المشاكل والتظاهر بأنها غير موجودة”.

وتابع بلينكن “أحيانا الأمر مؤلم، وأحيانا بشع، ولكن في كل مرة، كنا نخرج (من المراجعة النقدية) أقوى وأفضل مما كنا وأكثر اتحادا كدولة”. وأضاف بلينكن أن أهم ما يميز الولايات المتحدة “هو ذلك السعي المستمر من أجل اتحاد أكثر كمالا، وطبيعة هذا السعي تجعلنا نعترف بأننا غير مثاليين”. وكان بلينكن بهذه العبارة يشير إلى الفقرة الأولى من الدستور الأميركي التي جاء فيها “نحن شعب الولايات المتحدة، رغبة منا في إنشاء اتحاد أكثر كمالا، وإقامة العدالة…”.

الانتقادات الصينية والروسية للولايات المتحدة معروفة وقديمة وهي جزء لا يتجزأ من مخزون الانتقادات التقليدية الجاهزة والمعلبة، ومعظمها صحيح، وإن كان يطرح في معظم الأحيان خارج السياق التاريخي. ولكن ما قاله بلينكن هو عين الصواب. الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تصف نفسها بأنها مشروع لبناء الدولة الكاملة، أو الدولة المثالية، بمعنى أنها تدرك أنها ولدت ناقصة ولا تزال ناقصة، ولكنها تصبو وتسعى دون كلل إلى الأفضل، إلى الكمال، كما تشير الفقرة الأولى من دستورها.

مؤسسو الجمهورية الأميركية، ومعظمهم شخصيات فذة وحكيمة، كانوا يدركون منذ اللحظة التي وقعوا فيها على الدستور أن نظامهم السياسي هو مشروع مستقبلي، وعملية بناء وتطوير لا نهاية لها للتخلص من النواقص والشوائب التي هي في صلب كل الأنظمة السياسية بما فيها الديمقراطية. التناقضات هي في صلب التجربة السياسية الأميركية. الرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون، مؤلف إعلان الاستقلال، ومفكر سياسي ومهندس معماري ومؤسس لجامعة فيرجينيا وهو أيضا أكثر ما يجسد هذه التناقضات.

جيفرسون هو الذي صاغ هذه الكلمات التاريخية في 1776 “نحن نؤمن بهذه الحقائق البديهية: أن جميع البشر قد خلقوا متساوين، وأن خالقهم قد منحهم حقوقا معينة ثابتة لا يمكن انتزاعها منهم، ومن بينها: حق الحياة والحرية والسعي من أجل السعادة”. جيفرسون أيضا ورث مئات المستعبدين من والده، وهؤلاء شيدوا منزله الجميل (من تصميمه) في فيرجينيا والمعروف باسم “الجبل الصغير” من الكلمة الإيطالية Monticello.

أكثرية الأميركيين تعترف مثلا بأن الولايات المتحدة ولدت بخطيئة أصلية اسمها مؤسسة العبودية. عتق المستعبدين تطلب حربا أهلية هي أكثر الحروب الأميركية شراسة وأدت إلى قتل 750 ألف جندي وتدمير مدن عديدة. الأميركيون يعترفون بأن معاملة الأجيال الأولى من الأميركيين المتحدرين من أصول أوروبية للسكان الأصليين اتسمت بانتهاكات رهيبة لحقوقهم ليس أقلها اقتلاعهم من أراضيهم وترحيلهم بالقوة إلى مناطق معزولة. معظم الفئات التي هاجرت إلى الولايات المتحدة، (باستثناء موجات الهجرة الأولية من بريطانيا والتي شملت مؤسسي الجمهورية)، حتى الذين هاجروا من دول أوروبية مثل الإيرلنديين والطليان واليهود تعرضوا لمستويات مختلفة من التمييز ضدهم، على الأقل في البداية، وهذا ما واجهته لاحقا موجات الهجرة من الصين وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط. طبعا أسوأ أنواع التمييز كانت تلك التي طالت الأميركيين من أصل أفريقي والسكان الأصليين.

ولكن منذ لحظة ولادة الجمهورية الأميركية، وكل هذه المسائل السياسية والاجتماعية كانت تناقش بحيوية وبحماس، ولا تزال تناقش حتى اليوم، لأنه مثلا على الرغم من التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي شهده الأميركيون من أصل أفريقي، إلا أن المجتمع الأميركي لا يزال يعاني من آفة التمييز العنصري، الذي ينعكس مثلا على كيفية تطبيق الأنظمة الجنائية وفي معاملة بعض رجال الشرطة البيض للأميركيين من أصل أفريقي كما اكتشف العالم في السنة الماضية حين قام شرطي أبيض بخنق جورج فلويد بعد أن ركع فوق رقبته وهو ممدد على الطريق لحوالي تسعة دقائق قتل فيها فلويد وهو ينادي والدته ويقول لمعذبه إنه لا يستطيع التنفس. ولكن الوجه الآخر لهذه الجريمة الرهيبة، كان في الانتفاضة الشعبية، لملايين الأميركيين من جميع الخلفيات الاجتماعية والإثنية التي طالبت بالعدالة لجورج فلويد ووقف الممارسات التمييزية.

النظام الديمقراطي هو النظام الأكثر تمثيلا وعدلا – نظريا على الأقل – ولكن الديمقراطية تبقى هشة إذا لم يبق الشعب الذي يعيش في ظلها متيقظا لمكامن الضعف فيها، وكيف يمكن للسياسيين الغوغاء استغلال طبيعة وانفتاح النظام الديمقراطي وتشويه مبادئه لخدمة أهدافهم الخاصة، واستغلال مخاوف المواطنين لخلق حركات شعبوية يقودها سياسيون غير ديمقراطيون. وحتى النظام السياسي الأميركي لم يكن محصنا بما فيه الكفاية لمنع بروز شخصية أوتوقراطية مثل دونالد ترامب الذي وصل إلى البيت الأبيض بدعم من أكثر من ستين مليون اميركي.

عنصرية وأحقاد ترامب، لا يزال يشعر بها الأميركيون بعد هزيمته في نوفمبر الماضي. استخدام ترامب على سبيل المثال للغة عنصرية ضد الصين ووضع اللوم عليها كمصدر لفيروس كورونا، والتلميح إلى أنها صدرت الجائحة عن قصد، أدى إلى مضاعفات بشعة. هذه اللغة العنصرية شجعت مواطنين أميركيين على الاعتداء الجسدي على مواطنين أميركيين آخرين من أصل آسيوي. وخلال السنة الماضية قتل وجرح أميركيون من أصل آسيوي في مئات الاعتداءات ضدهم لمجرد أنهم من أصل آسيوي. ولكن مقابل كل اعتداء من هذا النوع، هناك ردود فعل شعبية واجتماعية تعكس مدى عمق مبادئ المساواة والعدالة في المجتمع الأميركي.

هذه الظاهرة لمسها الأميركيون من أصل عربي ومسلم في أعقاب هجمات سبتمبر الإرهابية في 2001، حيث قوبلت بعض الاعتداءات ضد أفراد الجاليات العربية والمسلمة، باستهجان واسع، وبتعاطف كبير مع الضحايا.

الجدل في أميركا حول استخدام السلاح النووي في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان لا يزال مستمرا في الأوساط الأكاديمية والسياسية. الحرب بين أميركا واليابان وصفت “بالحرب الشاملة” لأن جميع الأسلحة استخدمت فيها وبشراسة بالغة. لو ارتأت أميركا إنزال قواتها على الشواطئ اليابانية في أول نوفمبر 1945 وفقا لخططها العسكرية لو لم تستسلم اليابان، لكانت خسائر الطرفين العسكرية والمدنية قد وصلت إلى الملايين، أي عشرات أضعاف ضحايا القصف النووي لهيروشيما وناغازاكي. أيضا القصف الأميركي لليابان بالقنابل العادية الثقيلة تسبب بخسائر يابانية فاقت كثيرا الخسائر في القصف النووي. استخدام القنابل النووية، دشن بداية التسلح النووي ومثل تصعيدا خطيرا من الصعب تبريره أخلاقيا، ولكن الواقع المؤلم هو أن القصف النووي، على الرغم من بشاعته، أوقف حربا كان يمكن أن تستمر لأشهر، وتؤدي إلى التضحية بعدد هائل من الأميركيين واليابانيين.

بوتين، ربما كان يوحي بأن أميركا قصفت اليابان بالقنابل النووية ولم تقصف ألمانيا، لأن اليابانيين ليسوا من العرق الأبيض. ولكن الغارات الضخمة التي كانت تشارك فيها مئات القاذفات الأميركية والبريطانية ضد المدن الصناعية الألمانية، وخاصة في الأشهر الأخيرة من الحرب، كانت تتسبب بمقتل الآلاف من المدنيين والعسكريين في الليلة الواحدة. هذه الغارات حولت مدن ألمانية بكاملها إلى ركام وأرض محروقة.

أن يؤنب الروس والصينيون الأميركيين على تاريخهم المجحف بحق الأقليات، فهذا أمر حافل بالمفارقات. حين يطرح السؤال حول من هو أسوأ قاتل جماعي للمدنيين في التاريخ، يشير معظم الناس إلى هتلر، أو إلى ستالين. ولكن الأبحاث الأكاديمية في العقود الماضية أعطت هذا “الشرف” إلى مؤسس النظام الشيوعي في الصين ماو تسي تونغ، الذي أدت سياسته المعروفة “بالخطوة الضخمة إلى الأمام” إلى قتل حوالي 45 مليون صيني بين 1958 و1962. ويليه على قائمة القتلة الجماعيين، أدولف هتلر المسؤول عن قتل 12 مليون مدني، (في معسكرات الاعتقال، أو القتل المتعمد لملايين الأسرى السوفييت) بينما يحتل ستالين المرتبة الثالثة، حيث تسبب بقتل حوالي 10 ملايين مدني خلال المجاعة التي اجتاحت روسيا وأوكرانيا وخلال السنوات التي عرفت “بالإرهاب الكبير” في بداية ثلاثينات القرن الماضي.

سقف البيت الأميركي فيه بعض الثقوب. ولكن البيت الروسي، كما البيت الصيني، فهو بيت دون سقف.

—————————-

=====================

تحديث 23 أذار 2021

————————-

إدارة بايدن تدرس خيارات التعامل مع الملف السوري وروسيا تسعى لتعزيز الهيمنة

في الوقت الذي تدرس فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن دور أميركا في الصراع السوري الدائر منذ عشر سنوات، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى النأي بنفسها عن حروب الشرق الأوسط، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مشغولًا بالفعل على الأرض، في محاولة لكسب الدعم لخطة جديدة بشأن سورية يمكن أن تعزز موقف روسيا كوسيط للأمن والقوة في المنطقة.

ولم تحدد الإدارة الأميركية الجديدة بعد كيف تخطط للتعامل مع سورية، التي باتت مجزأة بين ستة جيوش – بما في ذلك القوات الأميركية – نتيجة الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد الملايين، وصراع تخوضه أطراف متعددة مثل الجماعات التابعة لتنظيمي “القاعدة، “داعش” الإرهابيين وغيرها من الجماعات المتشددة الراغبة في استخدام سورية كقاعدة.

التعامل مع الحرب السورية سيشكل اختبارا لرغبة إدارة بايدن في التركيز على آسيا وليس الشرق الأوسط. ففي حال قلصت الولايات المتحدة وجودها، فإن روسيا وخصوم الولايات المتحدة الآخرين يقفون على أهبة الاستعداد للتدخل وتعزيز مكانتهم الإقليمية ومواردهم، ومن هنا جاءت جولة لافروف في الشرق الأوسط هذا الشهر.

وكان لافروف واقفاً بجانب وزير خارجية دولة الإمارات، الحليفة لواشنطن، عندما وجه رسالة تتماشى مع موقف موسكو بأن العقوبات الأميركية على النظام السوري تعيق الجهود الدولية لإعادة إعمار سورية. وقال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إن الوقت قد حان لعودة سورية مجددا إلى الجامعة العربية.

وقال فريدريك هوف، الذي عمل مستشارًا ومبعوثًا أميركيًا لسورية في إدارة أوباما “بعبارة أخرى، رسالة روسيا هي أن الحرب في سورية انتهت، الأسد انتصر، الأسد سيبقى في السلطة طالما أنه يتنفس”.

وأشار هوف إلى أن هناك جزءًا غير مذكور من الرسالة، وهو أن روسيا تؤكد إعادة إعمار سورية، وتضع نفسها كوسيط لإدارة التهديدات الأمنية التي تشكلها سورية للمنطقة.

وشدد هوف، ومعه أيضا جيمس جيفري، الدبلوماسي المخضرم الذي عمل في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية وعمل مبعوثًا للرئيس دونالد ترامب إلى سورية، على ضرورة بقاء الولايات المتحدة في البلاد، مستشهدين بطموحات روسيا. ويحذر جيفري: “إذا كان هذا هو مستقبل الأمن في الشرق الأوسط، فنحن جميعًا في ورطة. هذا ما يسعى إليه بوتين ولافروف”.

وتقوم إدارة بايدن بمراجعة ما إذا كان ينبغي اعتبار سورية واحدة من أهم مشاكل الأمن القومي لأميركا. ولم تظهر أي علامة على القيام بذلك حتى الآن، على الرغم من  إبراز الرئيس جو بايدن بعض مشاكل الشرق الأوسط الأخرى كأولويات – بما في ذلك حرب اليمن والبرنامج النووي الإيراني، حيث عين بايدن مبعوثين لهما – لكن موقفه بشأن سورية لم يراوح عتبة التصريحات.

ورفض المتحدثون في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الإجابة عن أسئلة محددة حول سياسة بايدن تجاه سورية، بما في ذلك ما إذا كانت الإدارة تنظر إلى الصراع في سورية كتهديد رئيس للأمن القومي أو تخطط لتعيين مبعوث.

ويتبع بايدن أوباما وترامب في السعي لتقليل الدور العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتحويل تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى آسيا، حيث تزداد عدوانية الصين.

(أسوشييتد برس)

العربي الجديد

————————

هل يمكن أن تتفق أنقرة وواشنطن في سوريا؟/ محمود سمير الرنتيسي

تتعارض المواقف التركية والأميركية في العديد من الملفات من إس 400 إلى الموقف من وحدات حماية الشعب في شمال سوريا إلى العديد من القضايا الإقليمية وحتى القضايا الداخلية في تركيا وحتى حول قضايا تاريخية مثل مزاعم إبادة الأرمن. ولكن مع ذلك هناك من يدعو لفتح صفحة جديدة في بعض القضايا بالتحديد ويرى أن البداية لا بد أن تكون منها ومن هذه الأماكن القضية السورية.

رأينا قبل أيام السفير الأميركي يؤكد أنه لا حل أمام تركيا في مسألة إس 400 سوى التراجع عن امتلاك المنظومة الروسية، كما سمعنا الرئيس أردوغان يدافع عن بوتين ويصف رده على بايدن باللطيف في وجه اتهام بايدن لبوتين بأنه “قاتل بلا قلب” حيث وصف أردوغان عبارات بايدن بأنها لا تليق برئيس دولة، كما سرب بعض المقربين من البيت الأبيض توجه الأخير لإدانة تركيا في مذابح الأرمن. وكل هذه القضايا تظهر حقيقة التدهور الذي وصلت له العلاقات مع بداية إدارة جديدة في البيت الأبيض.

يرى بعض المحللين الأتراك المقربين من الدولة التركية أن إصلاح العلاقات التركية الأميركية لابد أن يبدأ من سوريا، وفي هذا السياق يرى الباحث قدير أوستون أن سياسات تركيا والولايات المتحدة في سوريا لا تختلف من حيث دعم جهات مسلحة محلية تستهدف نظام الأسد ولكن بينما تعمل تركيا مع الجيش الحر فإن واشنطن تعمل مع قسد والتي تضم وحدات “ي ب ك” التي تعد امتدادا لحزب العمال الكردستاني، ويرى أوستون أن واشنطن فشلت في صياغة استراتيجية واضحة تبرر الوجود الأميركي في سوريا وحاولت دون نجاح في تقديم  تمييز مصطنع بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني. وقد ألهت واشنطن أنقرة في وقت سيطرة داعش وقدمت دعما لوحدات حماية الشعب وهو الأمر الذي شعرت معه أنقرة بالتهديد فقامت بالتدخل عبر عدة عمليات قضت جزئيا على احتمالات إنشاء كيان كردي شمال سوريا، ولذلك بالنسبة للأتراك لا يوجد داع للاستمرار الأميركي في الوقوف خلف منظمات معادية لتركيا لم يعد هناك احتمالات لنجاحها خاصة في الوقت الذي تتحمل تركيا فيه عبئا كبيرا بسبب الأزمة في سوريا من نواح أمنية وإنسانية ومالية وغير ذلك.

يعتقد الأتراك أن على إدارة بايدن إعادة النظر في سياسة أميركا تجاه سوريا وأن عليها التناغم مع تركيا وتقدير مخاوفها، وإلا فإن العلاقات الثنائية ستتضرر وستترسّخ حالة عدم الاستقرار وستُحدث شقوقا داخل الناتو.

وفي السياق ذاته أكد أكثر من مسؤول تركي هذه المعاني حيث قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في إطار مشاركته بفعالية نظمتها وزارة الدفاع التركية بالعاصمة أنقرة، ضمن مراسم الاحتفالات بالذكرى الـ 106 لانتصار معركة جناق قلعة عام 1915، إن بلاده لا تجد من الصواب أن تدعم الولايات المتحدة تنظيم “ي ب ك” بذريعة مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي، إذ أشار أكار إلى تنفيذ الجيش التركي عمليات عسكرية ناجحة شمالي سوريا والعراق على أساس احترام سيادة ووحدة أراضي دول الجوار.

وفي إشارة إلى ضرورة تخلي واشنطن عن دعم وحدات الحماية قال أكار “لم يبق مكان يفر إليه الإرهابيون سواء في الداخل أو الخارج، فلقد دمرنا مخابئهم حتى تلك التي يعتبرونها أكثر أمنا، وسوف نواصل عملياتنا من مفهوم هجومي حتى تحييد آخر إرهابي”. و”بالتالي، يجب على الولايات المتحدة التعاون مع حليفتها تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي منذ قرابة 70 عاما، بدلا من التعاون مع تنظيم ي ب ك”.

بالإضافة إلى ما سبق ربما قرأ الأتراك تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس -خلال مؤتمره الصحفي اليومي، في ردٍ منه على سؤال حول العلاقات الأميركية التركية في السياق السوري- بطريقة مفرطة في التفاؤل عندما قال “سنواصل العمل بشكل بناءٍ مع تركيا بهدف تنفيذ مصالحنا المشتركة في سوريا”.

حيث قال برايس “لدينا مصالح مشتركة مع تركيا، وسنواصل العمل معها بشكل بنّاء من أجل تحقيق تلك المصالح لا سيما تلك المتعلقة بالسياق السوري”.

من الواضح أن عدم اتصال بايدن مع أردوغان أصبح مؤشرا على اتجاه العلاقات وأن عدم اتصال بايدن يقرأ على أن الاتصال مشروط بتغيير أنقرة لمواقفها في العديد من الملفات على غرار عدد من الدول في المنطقة التي قدمت بعض الخطوات، وفي حين أبدت أنقرة استعدادها لفتح صفحة جديدة وللتفاهم، فإن بايدن ينتظر فيما يبدو من أنقرة خطوات عملية ولكن الحكومة التركية تفعل العكس حاليا على الأقل في القضايا الداخلية مثل دعوى إغلاق حزب الشعوب والخروج من اتفاقية إسطنبول للعنف ضد المرأة والتي انتقدها بايدن. ولذلك فالأمور ليست واعدة بالتحسن على الأقل في الأسابيع المقبلة.

تلفزيون سوريا

————————-

ما الذي يريده بايدن من سوريا؟/ فارس الذهبي

تحاول إدارة الرئيس جو بايدن في المئة يوم الأولى لها في البيت الأبيض، تغيير بوصلة سياسات أميركا تجاه السياسة الدولية بشكل مغاير لما فعلته إدارة الرئيس دونالد ترامب، ابتداء من الإعلان الصريح عن رغبتها في محاسبة روسيا، والمفاوضات القاسية التي تجري حالياً مع الصين حول تقاسم الاقتصاد العالمي، ولعل هذين الملفين هما ما يحكمان عشرات الملفات الفرعية في الشأن الدولي ومنها ما يخصنا في الدول العربية وعلى رأسها المسألة السورية التي باتت تفصيلاً في ميزان المفاوضات العالمية منذ 2013، وما تلاه من تدخل روسي عسكري في سوريا…

تعتبر الولايات المتحدة ومنذ الخمسينيات بعيد حرب 1956 الشرق الأوسط منطقة نفوذ خاصة بها، تمتد من المغرب وحتى إيران وأفغانستان، وكانت المنافسة مع الاتحاد السوفييتي فيه تأخذ شكل المد والجزر فيه تبعاً للأزمات السياسية وعلى الرغم من وقوع عدد من الدول في نطاق التحالف السوفييتي سابقاً مثل مصر عبد الناصر وسوريا حافظ الأسد واليمن الجنوبي، فإن الولايات المتحدة كانت على الدوام صاحبة الكلمة العليا في سياسات تلك الدول الخارجية وعلاقتها مع المحيط وخصوصاً في الملف الإسرائيلي.

ومع احتلال الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، صرحت وزيرة الخارجية الأميركية علانية بنية الولايات المتحدة ببدء التغيير في الشرق الأوسط، عبر سياسة الفوضى الخلاقة التي ستعيد تشكيل المنطقة بكاملها، وبالفعل بدء التعفن السياسي المتحقق في البلاد العربية بالانفجار مع ربيع 2011، ولكن تخاذل فريق باراك أوباما عن إدارة الملف السوري بالذات سبب كثيرا من الأخذ والرد في الشرق الأوسط وكان وصمة عار تداولها الحقوقيون في أروقة المؤسسات الدولية ضد أوباما وفترته… ولكننا اليوم نجد أن نائب أوباما وهو بصدد الشهور الأولى مما سمّوه الولاية الثالثة لأوباما أمام مفترق أساسي في الانفلات الذي أطلقه أوباما في المنطقة، مع بدء أزمة اليمن واستعار التدخل الإقليمي في سوريا، وتفاعل أزمات العراق ولبنان، فجو بايدن أعطى الأولوية المطلقة لإدارته في التحالف مع أوروبا وبالتالي نصب العداء لروسيا وإدارة بوتين، بينما فتح الأبواب للحوار الاستراتيجي مع الصين بموافقة ومباركة أوروبية.. فالأوروبيون لم ينسوا ما فعله بوتين في أوكرانيا وبيلاروسيا وتحالفه مع أردوغان وإيران، وكذلك بايدن الذي أدلى بتصريحه الناري (بوتين قاتل) الذي قلب العلاقات رأساً على عقب، لذلك كان لا بد لبايدن من الانتهاء من الملف الشرق أوسطي المتعب، وتلك الحروب التي لا تنتهي ولا يبدو أن المتورطين فيها قادرون على إنهائها، مثل إيران وتركيا وروسيا والدول العربية، وحتى أوروبا ذاتها، فكانت كلمة السر السحرية، حلا شاملا في المنطقة يناسب الجميع، يتمثل الحل في إيقاف حرب اليمن بما يضمن عودة الحكومة الشرعية إلى اليمن بعد (تكسير الحوثيين) ونزع فكرة انتصارهم من جدول المفاوضات القادمة، وبما يضمن خروج إيران من اليمن ومن الخليج العربي، أما الجزء الثاني من الحل الذي أعطى بنوده الرئيسة وزير الخارجية الأميركي بلينكن، فهو خروج إيران أيضاً من سوريا، وإفساح المجال لحل سياسي يسمح بتغيير رأس النظام السوري، والإبقاء على النظام السوري المتهالك بعيداً عن إيران و قريباً من روسيا ودول عربية تضمنه وتسمح له بالانخراط في سياسات تتحكم هي بها.. ولكن الحل يستمر كذلك للخروج بحكومة لبنانية وعراقية بعيدتين عن النفوذ الإيراني ولكن بموافقة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق على تلك الحكومات الاختصاصية، كل ذلك سيكون للوصول إلى ذروة الاتفاق المتمثلة في إحياء الاتفاق النووي مع إيران مع ضمان بند يقيد سلاحها الصاروخي، ويكون تورطها في الإقليم قد حقق تلقائياً فسح الحلول المرحلية للدول التي تسيطر عليها إيران بما يشبه التقاسم الذي اقترحه أوباما على مجلة أتلانتيك الأميركية وسمي وقتها بعقيدة أوباما.

جو بايدن يعتقد بأن لا مصلحة لأحد في الحرب، ولا مصلحة لأحد كذلك في استمرار الانهيار الاقتصادي والعقوبات في المنطقة التي إن انهارت ستخلق عشرات الأزمات الجديدة بإشراف إيران التي ستدير الخراب مجدداً، مما قد يؤثر على تركيا وروسيا مستقبلاً إن حصل انفلات (جهادي) ما.. بينما تفضل الصين تاريخياً الاستقرار السياسي ضاربة عرض الحائط بماهية ذلك الاستقرار حتى وإن كان ينطوي على دكتاتورية أو قمع سياسي.

إن تصفير مشكلات الشرق الأوسط سيفتح الباب لإدارة بايدن بالتفرغ لمواجهة روسيا بشكل جيد، أو للتفاوض مع الصين بروح مختلفة، فهل ستعرقل روسيا تلك العملية التي انطلقت من ليبيا وتشهد تسخين المشهد في سوريا واليمن، أم أن قسمتها من المنطقة قد تمت الموافقة عليها، بعد أن سرقت منها منذ مئة عام بالضبط على يد مارك سايكس وجورج بيكو في عام 1916؟ وها هي تتدخل عسكرياً مجدداً للمطالبة بها.

يعتقد بعض المراقبين بأن الجميع قد أنهك من أزمات المنطقة وبأن روسيا تحديداً لا قدرة لديها على الاستفادة من الكنز السوري إلا برفع العقوبات عن النظام الذي تورط في ملفات غير منتهية تتعلق بجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سنوات الثورة وما تلاها من حرب أهلية وانتهاكات بين الأفرقاء برعاية روسية، لذلك رغم أن روسيا تعلم أن إنهاء الحروب في الشرق الأوسط يتوجه أساساً ضدها، إلا أن خبث لافروف وحنكته جعلاه يفكر في إعادة تشكيل تحالفاته انطلاقاً من عداء عدد من الأنظمة في المنطقة لإدارة بايدن نفسها، وما تشكيل تحالف يجمع تركيا ودولاً عربية وإسرائيل وروسيا وربما الباكستان ومصر والمغرب، إلا هروب إلى الأمام في محاولة تشكيل جبهة ضغط على إدارة بايدن التي بدأت بنكء جراح ملفات حقوق الإنسان وملفات حرجة في تلك الدول ابتداء من المغرب مروراً بمصر والسعودية وإسرائيل واليمن وسوريا والباكستان وصولاً إلى روسيا، إنه تحالف المتضررين من سقوط ترامب، يقابله تحالف الراغبين بصعود بايدن من الأوروبيين والصين وكندا وأستراليا…ستقدم الأيام والشهور القادمة لنا نتائج لذلك الصراع المتشكل القائم.

————————-

من القاتل الحقيقي بوتين أم بايدن؟/ مثنى عبد الله

في كسر واضح لكل الأعراف والأصول الدبلوماسية، وحتى لياقات التخاطب بين الزعماء السياسيين خارج حالة الحرب، جاء وصف الرئيس الأمريكي جون بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه قاتل، وأنه سيدفع ثمن أفعاله. كان التصريح ضمن حوار أجراه تلفزيون «أي بي سي» معه الأسبوع الماضي. في ما جاء تعليق بوتين على الوصف باردا بالقول، إنه يتمنى لبايدن الصحة الجيدة، وأردف «القاتل هو من يصف الآخر بذلك، دائما نرى مواصفاتنا في شخص آخر، ونعتقد أنه مثلنا». كما اعتبرته أوساط روسية إهانة للدولة والشعب، حيث قال رئيس الدوما «هذه هستريا ناجمة عن العجز. بوتين رئيسنا وأي هجوم عليه هو هجوم على بلادنا».

في حين صفّق الاتحاد الأوروبي للموقف قائلا، إن المسؤولية السياسية واضحة على بوتين في عمليات اغتيال كثيرة حصلت في الداخل والخارج. كما رحّب وزير الخارجية الألماني باللغة التي استخدمت في وصف بوتين، لكن ما الأسباب التي تقف خلف هذا الموقف؟ وما التداعيات اللاحقة؟

لعل السبب الرئيسي الأول الذي دفع الرئيس الأمريكي للتصريح بهذا الشكل هو وقوعه تحت ضغط المهمة الملقاة على عاتقه، وهي كيفية تجاوز الصورة النمطية التي كانت مرسومة للرئيس السابق دونالد ترامب، أمام الرئيس بوتين، حيث غالبا ما كان الوصف بأنه خانع وخاضع له، وأن هذه الحالة قد حطت من قدر ومكانة الولايات المتحدة أمام أنظار العالم، لذلك فإن الإدارة الجديدة تحاول اليوم إعادة العلاقة مع بوتين شخصيا إلى الوضع الطبيعي، ما قبل تولي ترامب الرئاسة، وإرسال رسالة بأن الموقف الأمريكي من روسيا لم يعد كما كان سابقا، لذلك هو ذهب إلى حالة من تسمية الأشياء بأسمائها، حتى لو اقتضت الضرورة تجاوز الأعراف الدبلوماسية، التي تقتضي أن لا يُصرّح بذلك علنا مراعاة للهيبة. كما يبدو من التردد الذي أبداه في بداية الإجابة، أنه يعرف تماما ماذا تريد الأوساط السياسية الأمريكية أن يكون جوابه. فهنالك شبه إجماع على أن يكون الوصف بهذه الكلمة وليس أدنى منها. أما السبب الآخر الذي دفع بهذا الوصف للخروج إلى العلن، هو التقرير الصادر عن المخابرات الأمريكية قبل يوم واحد من المقابلة التلفزيونية. التقرير يؤكد الاتهامات القائمة منذ سنوات ضد بوتين، التي تزعم أنه كان وراء التدخل في الانتخابات الأمريكية السابقة عام 2016، كما يشير أيضا إلى تدخل آخر في الانتخابات الأخيرة عام 2020. إضافة إلى أنه يتحدث عن هجوم سيبراني روسي ضخم ضد الأصول الأمريكية، ودفع مكافآة من المخابرات الروسية لمقاتلي طالبان لقتل جنود أمريكيين في أفغانستان. وقد فنّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية هذه الادعاءات قائلا، إنها مزاعم لا تستند إلى دليل، كما اعتبرتها أوساط روسية حجة في سبيل إصدار عقوبات أمريكية جديدة ضدها. وهنا كان لابد أن يعزز بايدن ما جاء في التقرير بذلك الوصف، حيث لا يمكن أن يستقيم المنطق بأن لا يكون بوتين قاتلا، في حين تتهمه المخابرات الأمريكية بكل هذه الأفعال.

وإذا ما أضفنا إلى السببين، أن الرئيس بايدن أصدر مؤخرا ما يسمى دليل الأمن القومي الأمريكي، الذي هو عبارة عن صورة للاستراتيجية الأمريكية الكبرى في العالم خلال عهده، والذي أشار بشكل واضح إلى أن روسيا عدو منافس سيكون الصراع معها في أماكن كثيرة من العالم، فإن كل هذه الأمور تعطي جوابا واضحا على دوافع ومعنى كلمة قاتل، التي استخدمها بايدن في وصف بوتين، لكن البعض عزا الواقعة لأسباب إضافية أيضا.. قالوا إن هذا الهجوم غير اللائق برئيس دولة قد يكون أيضا ردة فعل من بايدن نتيجة موقف شخصي، لأن تقرير المخابرات الأمريكية يقول إن الحملة التي شُنّت على ابنه بتلقي رشاوى كان مصدرها الكرملين. كما تدخل المعركة الداخلية الأمريكية ضد ترامب وأنصاره كدافع أيضا، حيث تريد الإدارة الجديدة الاستمرار في استخدام الورقة الروسية في عملية تسقيط سياسي للرئيس السابق في عيون أتباعه. أما التداعيات اللاحقة لهذه الأزمة الدبلوماسية الأولى في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، التي بسببها استدعت موسكو سفيرها في واشنطن للتشاور، فيمكن أن تعزز من استراتيجية موسكو التي وضعتها حال وصول بايدن إلى السلطة، بعد أن أبدى مبكرا توجها عدائيا نحوها. هي تشدد على عدم قطع العلاقات مع واشنطن، وأن العمل معهم سيستمر بناء على ما يصب في مصلحتها. لكن من جهة أخرى ستندفع كي تكون موجودة في كل الدول التي بدأ بايدن مهاجمتها في سياسته الجديدة. وقد رأينا الاستثمار الروسي في التوتر الأمريكي مع ولي العهد السعودي، أنتج جولة وزير الخارجية لافروف في منطقة الخليج العربي، واللقاء الذي جمعه بوزيري خارجية كل من قطر وتركيا في الموضوع السوري، وسيتعزز هذا الاتجاه أكثر بعد الأزمة الأخيرة. كذلك الدعوة الروسية إلى مؤتمر حول أفغانستان، هي ورقة ضغط على واشنطن ستسمح لموسكو بالتعامل بشكل أفضل، والمناورة مع إدارة أمريكية عدائية. فموسكو جربت المستنقع الأفغاني سابقا، وتعلم جيدا أن واشنطن تسعى للخروج منه بكل الطرق وبالتعاون معها. أما التداعيات على الجانب الأمريكي فيمكن قراءتها، في أن واشنطن لا تريد إعادة ضبط العلاقات مع موسكو، لذلك سوف تزيد من الضغط عليها في ملفات مهمة مثل، ضم شبه جزيرة القرم، والدعم الروسي للنظام السوري، وسنرى خطوات أمريكية كبيرة في هذه الملفات لاحقا. كما ستضغط واشنطن على الحلفاء في ألمانيا للانسحاب من مشروع خط غاز (نورد ستريم 2) الممتد بين روسيا وألمانيا، حيث دعا وزير الخارجية الامريكية إلى ذلك يوم الخميس الماضي مهددا بعقوبات أمريكية على الشركات التي تنفذ المشروع.

ومع كل ذلك فإن صُنّاع القرار في كل من واشنطن وموسكو لن يسمحوا لهذا التجاوز الدبلوماسي أن يذهب إلى مديات بعيدة، لأنهم يعرفون أن النفخ في الأمور الصغيرة يدفع إلى عواقب وخيمة، تضر بالعالم أجمع. العلاقة بينهما مهمة جدا وسوف تستمر، رغم العثرة الأخيرة لأنها قائمة على المصالح. واشنطن تريد المحافظة على هذه العلاقة، لكن على أساس واضح. هم ينظرون إلى موسكو على أنها ليست حليفا ولا شريكا دائما، بل علاقة شراكة في مواضيع وملفات محددة. هنالك نظرة في الولايات المتحدة تحكم العلاقة مع موسكو، وهي اختلاف القيم بينهما، وهذا يدفع البعض للقول لا حاجة لنا إلى توافق كامل معها، لكن لا مانع من التوافق عندما تكون هنالك مصلحة. عودة إلى السؤال الجوهري الذي ظهر عنوانا لهذا المقال، من القاتل الحقيقي بوتين أم بايدن؟ وهنا لابد من إعادة التذكير بما قاله ترامب الرئيس الأمريكي السابق عندما سُئل في شباط/ فبراير 2017 من قناة «فوكس نيوز» إن كان يرى بوتين قاتلا. رد ترامب آنذاك بالقول (هناك الكثير من القتلة. هل تعتقدون أن بلادنا بريئة؟). تعزيزا لهذه الإجابة، لا بد من القول كلاهما قاتل. فنحن كعرب لو قمنا بفحص ضمير بوتين وبايدن فإننا سنجد بوتين قد قتل بصورة مباشرة مئات الآلاف من أهلنا في سوريا بصواريخ طائراته، التي كانت تسوي المدن والبشر والشجر والحجر مع الأرض. وهو قاتل بصورة غير مباشرة بالسلاح والتدريب والدعم الذي كان يقدمه إلى النظام السياسي في سوريا. أما بايدن فليس أقل حالا من زميله بوتين. لقد كان العضو الديمقراطي الأشد تأييدا لجورج بوش الابن في غزو واحتلال العراق، الذي أزهقت فيه أرواح ما يقرب من مليون إنسان، وهدمت فيه مئات المدن، واستعملت فيه أسلحة ممنوعة، وهُجّر من شعبه الملايين، واندثرت فيه دولة كانت قائمة. وعندما أصبح نائبا لأوباما كان اللصوص والعملاء والقتلة من الحكام الجدد في العراق هم حلفاءه الذين كان يرسم معهم مستقبل العراق إلى الوراء.

كاتب عراقي واستاذ في العلاقات الدولية

القدس العربي،

——————————-

بوتين “القاتل”/ بسام مقداد

العاصفة ، التي أثارها جو بايدن بموافقته على وصف بوتين بالقاتل ، جاء وقعها في روسيا كوقع “حركشة” عش الدبابير . ولم تنته بعد العاصفة ، التي خلقتها في روسيا والعالم من التعليقات والتخمينات بشأن دوافع بايدن من وصفه هذا ، وأثره على العلاقات الأميركية الروسية . إلا أنها لم تهب على الولايات المتحدة ، وحتى لم تحتل الصفحات الأولى في مواقع إعلامية أميركية ، بل جاء وصف بوتين بالقاتل في سياق اللغة السياسية الأميركية المعتادة ، على قول كتاب روس.

في سياق مقابلة للرئيس الأميركي جو بايدن ، في 17 من الجاري ، مع مقدم البرامج في قناة ABC الأميركية جورج ستيفانوبوليس ، الناطق الصحافي السابق في رئاسة بيل كلينتون الأولى ، وفي رد على سؤاله ما إن كان يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاتلاً ، قال بايدن بعد لحظات “أجل” . ورأى البعض ، أنه لو لم يرد بالإيجاب على السؤال ، لكان سارع الصحافي على الفور إلى سؤاله : وماذا عن مقتل زعيم المعارضة بوريس نمتسوف ، وتسميم المعارض نافالني وقبله سيرغي سكريبالا وإبنته يوليا . ووعد بايدن في المقابلة بفرض عقوبات جديدة على روسيا في وقت قريب ، رداً على التدخل الروسي المفترض في الإنتخابات الروسية الخريف الماضي لصالح دونالد ترامب ، والذي تحدث عنه تقرير المخابرات الأميركية ، قبل المقابلة بساعات.

في اليوم التالي، رد بوتين على بايدن بتعبير قال  بأن الأطفال يرددونه في عراكهم “من ينعت الآخر بصفة ، يكون هو على هذه الصفة” ( يتم حالياً تداول شريط فيديو على شبكات التواصل الإجتماعي يصور بوتين وهو يرد على بايدن)  ، وتمنى لبايدن العافية “دون مزاح أو سخرية” ، ودعاه لمواصلة النقاش الفضائي حول العلاقات بين البلدين ، التي لم يسبق أن وصلت إلى هذا المستوى من التدهور . إلا أن روسيا دعت سفيرها  في واشنطن إلى موسكو “لتحليل ما الذي ينبغي عمله” ، وإلى أين ينبغي السير في العلاقات مع الولايات المتحدة ، وتحديد سبل تقويم هذه العلاقات في واقعها الحالي “الخطير” . دبلوماسياً ، هذه الخطوة تعني الإستياء الشديد من أعمال الطرف الآخر ، لكن من دون إتخاذ خطوات عملية سلبية تزيد العلاقات تدهوراً.

يقول موقع “republic” الروسي المعارض ، أن السفير لم يتم إستدعاؤه ، لكن في حال تدهور لاحق في علاقات البلدين يمكن أن يبقى إلى أجل غير مسمى . وتعتبر هذه الخطوة أحد سيناريوهات “تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية ، الذي تلحظه المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على موسكو ، التي إُعلن عنها  مطلع الشهر الجاري ، وذلك  بناء على إتهامات الغرب للكرملين بإستخدام السلاح الكيمائي في تسميم المعارض نافالني العام الماضي وسيرغي وإبنته يوليا سكريبالا في بريطانيا العام 2018 .  وكما هو مفترض بهم ، هبّ أعضاء مجلس الإتحاد ومجلس الدوما (البرلمان) للدفاع عن الكرامة القومية ، التي لحقت الإهانة بها ، واتهموا بايدن بالخَرَف.

يتساءل الموقع ، ما إن كانت خطوة بايدن تجاه بوتين ، هي نتيجة تسرعه في الكلام المعروف عنه ، أم أنها إشارة  ـــــ رسالة إلى الكرملين محسوبة ومدقق بها ، وتصعيد مدروس للنزاع مع بوتين ، لا يمكن عدم الرد عليه . ينفي الموقع ، أن يكون ظل كلينتون يخيم على خطوة بايدن ، الذي كان يعي ما يقدم عليه ، وفكر ملياً قبل أن يوافق على وصف بوتين بالقاتل.

لكن ما الذي تعنية إشارة بايدن للكرملين ؟ من المحتمل برأي الموقع ، أنها تعني إستحالة أي لقاء شخصي في المستقبل المنظور بين الرئيسين الأميركي والروسي . قد يتقاطعا في قمة G20 ، إذا ما عُقدت بالحضور الشخصي ، وليس من قمة للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي ، التي كان يدعو بوتين لعقدها ، كما لن تكون هناك قمة ثنائية ، مثل ما حدث مع ترامب في هلسنكي. ويتفق كل هذا مع ما برز في عهد بايدن من معالم إستراتيجية تخفيض التفاعل مع روسيا إلى مجموعة الموضوعات، التي تهم واشنطن.

كما تعني خطوة بايدن أيضاً ، حسب الموقع ، إشارة إلى زعماء “الدول السبع” الآخرين وبلدان الناتو ، بأن يختصروا التواصل الشخصي مع الزعيم الروسي إلى الحد الأدنى . لكن كل عاصمة ستقرر بنفسها ، بالطبع ، كيف تكون العلاقة مع روسيا . ماكرون لم يلغ ، حتى الآن ،  زيارته إلى روسيا ، ورئيس وزراء اليابان الجديد سوغا صرح بضرورة اللقاء مع بوتين  ، من أجل مواصلة الحوار بشأن إتفاقية السلام مع روسيا ، التي لم تُعقد بعد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية . لكن خطوة بايدن ستتبعها ، بالتأكيد ،  تعليقات معادية لروسيا، وهي ليست سوى “إطار”  لمثل هذه التعليقات ، إنما إطار بالغ الإزعاج ، برأي الموقع.

صحيفة “Kommersant” السياسية الكبرى ، كتبت عدداً من النصوص منذ ، أن إندلعت الأزمة الأميركية الروسية الجديدة في 17 من الجاري ، نقلت في واحد منها عن الناطقة الصحافية بإسم البيت الأبيض جين بساكي تأكيدها ، بأن بايدن ليس نادماًً على ما قاله بحق بوتين . لكنها أضافت بالوقت عينه ، أن بوتين وبايدن متفقان ، بأنه على روسيا والولايات المتحدة ، أن تبحثا عن سبل التعاون ، بالرغم من إختلاف وجهات النظر.

وفي نص آخر عنونته الصحيفة “ليس إمبراطورية الشر ، بل الشر الكثير” قالت ، بأن المخابرات القومية الأميركية نشرت ، قبل ساعات من مقابلة بايدن ، تقريراً حول محاولات موسكو مساعدة ترامب في إعادة إنتخابه لدورة رئاسية جديدة . ونقلت الصحيفة عن التقرير قوله، بأن  روسيا ليست القوة الخارجية الوحيدة ، التي وقفت في الإنتخابات الرئاسية المنصرمة إلى جانب دونالد ترامب ، بل وقف كذلك كل من إيران وفنزويلا وكوبا وحزب الله.

تنقل الصحيفة عن مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف قوله ، بأن إدراج روسيا في قائمة واحدة مع إيران وحزب الله وكوبا وفنزويلا ، وغياب الصين ، العدو الرئيسي للولايات المتحدة عن القائمة ، يجعل التقرير أقل مصداقية . وللقول بتدخل موسكو في إنتخابات الخريف المنصرم هدفان : المزيد من تشويه سمعة دونالد ترامب المتهمة موسكو بمساعدته ، وتمهيد الطريق لفرض عقوبات جديدة على روسيا.

موقع “Meduze” الروسي المعارض المقيم في البلطيق هرباً من الملاحقات يقول ، بأن وصف بايدن لبوتين بالقاتل ، أفضل من وصف أوباما له بالطفل ، الذي “يجلس على المقعد الدراسي الأخير في الصف”. ويقول الموقع ، بأن أوباما كان يعتبر ، أن روسيا هي بالمطلق “بلد بالصدفة وقوة تتلاشى” . ويعتبر الموقع ، أن قول الولايات المتحدة وبريطانيا ، بأن روسيا تمثل تهديداً هائلاً ، هو تشريع لبوتين كزعيم ، وإذا لم يتمكن ، من أن يصبح صديقاً لأميركا ، كما كان يرغب في مطلع حكمه ، فقد أصبح “عدوها الأبرز”.

ويقول الموقع ، أنه في سياق السياسة الأميركية ، ليس مستغرباً ، أن يسمى بايدن بوتين “قاتلاً” . وفي أميركا توجد روسيا أخرى ، روسيا متخيلة لا علاقة مباشرة لها بروسيا الموجودة في الواقع . وإذا لم يكن الساسة الأميركيون يرغبون بالمشاكل ، ولا باستعداء الرأي العام ، فعليهم أن يسايروا هذه المشاعر . وهذا ما قام به بايدن ، إذ كانت خطوته بوصف بوتين “قاتلاً” ، والتي لم يندم عليها ، موجهة للداخل وليس للخارج.

المدن

—————————-

واشنطن قد تنأى بنفسها عن سوريا..وموسكو تملأ الفراغ

في الوقت الذي تدرس فيه إدارة الرئيس جو بايدن دور الولايات المتحدة في الصراع السوري الدائر منذ عشر سنوات، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى النأي بنفسها عن حروب الشرق الأوسط، كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف مشغولاً بالفعل على الأرض، في محاولة لكسب الدعم لخطة جديدة بشأن سوريا يمكن أن تعزز موقف روسيا كوسيط للأمن والقوة في المنطقة.

لم تحدد الإدارة الأميركية الجديدة بعد كيف تخطط للتعامل مع سوريا، التي باتت مجزأة بين ستة جيوش -بما في ذلك القوات الأميركية- نتيجة الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد الملايين، وصراع تخوضه أطراف متعددة مثل الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش وغيرها من الجماعات المتشددة الراغبة في استخدام سوريا كقاعدة.

التعامل مع الحرب السورية سيشكل اختباراً لرغبة إدارة بايدن في التركيز على آسيا وليس الشرق الأوسط. ففي حال قلصت الولايات المتحدة وجودها، فإن روسيا وخصوم الولايات المتحدة الآخرين يقفون على أهبة الاستعداد للتدخل وتعزيز مكانتهم الإقليمية ومواردهم.

ومن هنا جاءت جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الشرق الأوسط هذا الشهر. كان لافروف واقفاً بجانب وزير خارجية دولة الإمارات، الحليفة لواشنطن، عندما وجّه رسالة تتماشى مع موقف موسكو بأن العقوبات الأميركية على النظام السوري تعيق الجهود الدولية لإعادة إعمار سوريا. وقال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إن الوقت قد حان لعودة سوريا مجدداً إلى الحظيرة العربية.

ويقول فريدريك هوف، الذي عمل مستشاراً ومبعوثاً أميركياً لسوريا في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما: “بعبارة أخرى، رسالة روسيا هي أن الحرب في سوريا انتهت، الأسد انتصر، الأسد سيبقى في السلطة طالما أنه يتنفس”.

ويشير هوف في حديث لوكالة “أسوشيتد برس”، إلى أن هناك جزءاً غير مذكور من الرسالة، وهو أن روسيا تؤكد على إعادة إعمار سوريا، وتضع نفسها كوسيط لإدارة التهديدات الأمنية التي تشكلها سوريا للمنطقة.

هوف وجيمس جيفري، وهو دبلوماسي محترف عمل في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية وعمل مبعوثاً للرئيس دونالد ترامب إلى سوريا، شددا على ضرورة بقاء الولايات المتحدة في البلاد، مستشهدين بطموحات روسيا. ويحذر جيفري في حديث لوكالة “أسوشيتد برس”، من أنه “إذا كان هذا هو مستقبل الأمن في الشرق الأوسط، فنحن جميعًا في ورطة. هذا ما يسعى إليه بوتين ولافروف”.

تقوم إدارة بايدن بمراجعة ما إذا كان ينبغي اعتبار سوريا واحدة من أهم مشاكل الأمن القومي لأميركا. لم تظهر أي علامة على القيام بذلك حتى الآن، على الرغم من إبراز الرئيس جو بايدن بعض مشاكل الشرق الأوسط الأخرى كأولويات -بما في ذلك حرب اليمن والبرنامج النووي الإيراني، الذي عين بايدن مبعوثين لهما- لكن موقفه بشأن سوريا لم يتراوح عتبة التصريحات.

—————————-

=====================

تحديث 24 أذار 2021

————————–

فورين بوليسي: إدارة بايدن لا تستطيع عمل شيء لسوريا غير العقوبات والاحتجاج وملاحقة الإرهابيين/ إبراهيم درويش

نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” مقالا لستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، تساءل فيه عن السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تناقش ما تفعله مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وبدأ كوك مقالته بالإشارة لحوار سمعه بعد أيام من قرار الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 سحب القوات الأمريكية من سوريا. وكان هذا عندما خرج من قطار أنفاق نيويورك، حيث استمع لنقاش بين ضابطي شرطة كانا يتحدثان عن مزايا قرار ترامب، وأنه صحيح، لأن الحرب في سوريا لا تعني الأمريكيين في شيء، وأن الحل هو سحب القوات ووقف مشاركة أمريكا في الحروب اللانهائية. وهو ما دفعه للتفكير بفشل مجتمع السياسة الخارجية الأمريكي تقييم ما يجري في سوريا وفهم تأثيرها أو عدم تأثيرها على المصالح الأمريكية وطرح توصيات للتقدم بناء عليها.

ورغم رئاسة ترامب المقيتة، إلا أنه طرح الأسئلة الصحيحة المتعلقة بالشرق الأوسط “لماذا نفعل ما نعمله؟”، ولكنه لم يحصل على إجابة. ولهذا سحب القوات حيث انتهى وكأنه إعادة نشر لها. واليوم في الذكرى العاشرة على الثورة السورية والتحسر على ما جرى فيها، فالبلد يغطيه الظلام، وظل النقاش الأمريكي حول الحرب التي قتلت مئات الآلاف وشردت الملايين غير قاطع. ويدور الآن حول قبول إدارة جوزيف بايدن بانتصار الأسد؟ أم الانتظار حتى تظهر تسوية سلمية ناجحة؟ أو التعويل على العقوبات الاقتصادية والأزمات التي تضرب سوريا مع لبنان، مما سيؤدي إلى تراجع شعبية بشار الأسد بين أنصاره؟

ويرى الكاتب ألا أحد يريد التعامل مع سوريا، مما لا يترك أي خيار جيد لصناع السياسة أو إجابة واضحة. فغياب التحليل أو النقاش العام خلال أيام الحرب الأهلية السورية وعددها 3650 يوما، اختفى منه النظر للرهانات المطروحة أمام الولايات المتحدة وما هي السياسات التي يجب عليها متابعتها.

فمنذ الحرب العالمية الثانية، تابعت الولايات المتحدة سياسات تهدف لتأمين ثلاثة أمور: ضمان تدفق الطاقة من المنطقة، وحماية أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. وأضاف المحللون إلى هذه الثلاثة هدفين آخرين، وهما منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب.

ولو افترضنا أن هذه هي أهداف السياسة الأمريكية، فماذا يجب على صناع السياسة عمله للتعامل مع سوريا. فالنهج الحالي من النزاع في سوريا والقائم على سياسة رفع اليد قد يكون مزعجا من الناحية الأخلاقية، لكن يمكن الدفاع عنه من الناحية الإستراتيجية. وهذه هي الصلة التي لا تريح في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي عدم القدرة على موازنة القيم مع المصالح.

وعندما بدا واضحا أن ترامب لا ينسحب من سوريا، بل ويعيد الانتشار من أجل الحفاظ على النفط، مما دعا إلى التساؤل عن الاحتياطي النفطي الباقي في سوريا والذي لم يستخدمه نظام الأسد أو تنظيم “الدولة”. وحرمان الأطراف المستفيدة من النفط ربما كان صحيحا، لكن الإعلان بطريقة مضرة عن بقاء الأمريكيين في سوريا لحماية النفط، هو تحايل من الرئيس على استمرار دعم أمريكا للقوات الكردية في حربها ضد تنظيم “الدولة” والذي أعلن ترامب عن هزيمته. لكن لم يظهر خلال العقد الماضي أن الحرب في سوريا أثرت على تدفق الطاقة من المنطقة.

وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فقد جاء وقت اعتقد فيه المحللون أن الحرب في سوريا تمثل تهديدا على أمنها. وكان أداء قوات النظام السوري السيئ خلال العقد الماضي مدعاة لتجاهل هذا الخوف. إلا أن التهديد الحقيقي -على الأقل من المنظور السوري- هي إيران والتي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لمدة طويلة، مما سيسمح لها بتوفير السلاح إلى حزب الله بطريقة سهلة، ليواصل بدوره تهديد إسرائيل. ورد الإسرائيليون بغارات جوية على مواقع إيرانية وجماعات وكيلة لها في سوريا والعراق. ولم تكن طهران قادرة على الرد بفعالية على هذه الغارات، وهو ما خلق انطباعا أن إسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها من مخاطر الحرب السورية.

وفيما يتعلق بالحفاظ على القوة الأمريكية في المنطقة، فسوريا هي حالة تعادل، فمن جهة، حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعجاب من قادة بالمنطقة لقراره التدخل في سوريا وإنقاذ الأسد، مقارنة مع الموقف الأمريكي الضعيف الذي رفض إنقاذ الرئيس المصري محمد حسني مبارك عام 2011. ولكن الحرب السورية، من ناحية أخرى، لم تؤد إلى تنازل أو ضعف في القوة الأمريكية ولا قدرتها في الدفاع عن مصالحها في المنطقة. ففي موضوع انتشار السلاح النووي، قام الإسرائيليون بالعبء الأكبر، وفجّروا عام 2007 المفاعل النووي السوري. وظلت الأسلحة الكيماوية التي كان من المفترض أن يسلموها بعدما توسط بوتين عام 2013، لكن الأسد لم يكن متعاونا بشكل كامل. وهذا موضوع لم يحظ بانتباه، لأن الأسلحة المتبقية ستستخدم ضد السوريين وليس في أي مكان آخر. وردّ ترامب على استخدام السلاح الكيماوي بعد فترة من توليه السلطة ولكن غاراته لم تؤثر على مسار النزاع.

وما يمكن أن يجعل أمريكا مهتمة بسوريا هي عمليات مكافحة الإرهاب، ذلك أن البلد تحول لبؤرة جماعات إرهابية، بعضها قد انتهى. ولهذا على واشنطن الحفاظ على علاقاتها ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، رغم اعتراض عضو الناتو تركيا، التي تراهم جماعة إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي شن حربا ضد مصالح الأتراك. وهذا هو الوضع في سوريا، ومن هنا على صناع السياسة الأمريكيين الالتزام بالحذر ومراقبة المسرح هناك. ومشكلة بايدن أنه تعهد بوضع القيم في مقدمة السياسة الخارجية. ولكن بايدن قد يتوصل إلى نفس النتيجة التي سمعها الكاتب من شرطيين في نيويورك وهي عدم وجود رهانات أخرى للولايات المتحدة فيما يتعلق بمصالحها، سوى مواصلة العقوبات وملاحقة الإرهابيين وشحب عدوانية الأسد ضد مواطنيه، حتى يتغير شيء قد ينهي الكابوس السوري.

القدس العربي”

————————–

كيف ينعكس التوتر بين موسكو وواشنطن سورياً؟/ مروان قبلان

في سابقةٍ غير مألوفة في تاريخ العلاقات الروسية – الأميركية، حتى في عز أيام الحرب الباردة، وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقابلة تلفزيونية، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه “قاتل”. وقد ترك هذا التصعيد الأميركي ضد بوتين ارتياحا في أوساط عديدة، خصوصا أن الرئيس بايدن لم يزد عن قول الحق، ذلك أن بوتين قاتل بالفعل، لكن ليس لأنه، كما أشار بايدن، يقوم بتسميم معارضيه، ومنهم ألكسي نافالني، بل الأهم، وهو ما تجاهله بايدن عمدًا، لأنه تسبب، منذ تدخله في سورية عام 2015، في قتل آلاف من النساء والأطفال والشيوخ، كما فعل في الشيشان قبل ذلك بعقدين، وتفاخره بأنه جعل من سورية ميدان رماية جرّب فيه كل أنواع الأسلحة التي طورها المجمع الصناعي العسكري الروسي خلال العقدين الأخيرين، ما زاد من حجم مبيعاته.

يعطي كلام بايدن شحنة عاطفية قصيرة الأمد، لكن عواقبه على القضية السورية، على المدى الأبعد، قد تكون بالغة السوء. إضافة طبعا إلى أن سجل بايدن ليس أفضل كثيرا، فقد قتلت إدارة أوباما (2009 – 2017) حيث شغل بايدن منصب نائب الرئيس، آلاف المدنيين من الأفغان والعراقيين والسوريين واليمنيين وغيرهم في حروب الدرونز ضد تنظيم القاعدة، ثم خلال حربها مع تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق (2014 – 2017). المفاضلة هنا إذا ليست بين من يحتل منطقة أخلاقية أعلى، أو يملك قيما إنسانية أكثر، وهو أمر لا تعنينا مناقشته هنا أصلا، ما يعنينا هنا هو هل سيكون للتصعيد الكبير بين موسكو وواشنطن تأثيرات إيجابية أم سلبية على الوضع في سورية؟

يعتقد بعضهم أن اتخاذ بايدن موقفا متشدّدا من بوتين سوف يسهم في تحجيم الدور الروسي الذي “انفلش” في سورية وعموم المنطقة، بسبب غضّ الطرف الأميركي في عهد إدارة ترامب. ولكن هؤلاء ينسون حقيقة أن الدور الروسي في المنطقة تعاظم، بما في ذلك التدخل في سورية، في عهد أوباما – بايدن، وأن روسيا أحرقت، تحت ناظريهما، مدنا سورية بأكملها (تذكرون مثلا شرق حلب بين يوليو/ تموز وديسمبر/ كانون الأول 2016؟) الأهم الذي يجب ألا يفوتنا أن سورية دفعت الثمن الأكبر للصراع الروسي – الأميركي في أوكرانيا عام 2014.

في ذلك الوقت، قرّرت إدارة أوباما توجيه ضربة قاصمة لمشروع الاتحاد الأوراسي الذي كان يمثل ذروة الطموح الاقتصادي والاستراتيجي الروسي. كان الرئيس بوتين يخطط لإنشاء اتحاد اقتصادي – سياسي، على شاكلة الاتحاد الأوروبي، يضم إليه بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا التي كانت تمثل جوهرة التاج في مشروعه هذا، بدونها لا يعود الاتحاد الأوراسي، أوراسيا، وكان بوتين استعادها من الغرب، بإيصال حلفائه إلى السلطة في انتخابات عام 2010، بعد أن كان قد خسرها في الثورة البرتقالية عام 2004. في أواخر عام 2013 موّلت واشنطن ودعمت احتجاجات أدّت إلى سقوط حليف موسكو، الرئيس فيكتور يانكوفيتش. ردّ بوتين بغزو شرق أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم، ردّت واشنطن بفرض عقوبات على روسيا، لم يحتمل بوتين تعامل واشنطن معه كدولة عالمثالثية، بفرض عقوبات عليه، فقرّر أن يردّ في سورية. وعليه، قام بوتين بتعطيل مفاوضات جنيف 2 التي جرى الاتفاق على إطلاقها بموجب قرار مجلس الأمن 2118، والذي صادق على اتفاق تسليم أسلحة النظام السوري الكيميائية، وتم التوصل إليه بين بوتين وأوباما في سبتمبر/ أيلول 2013 في أثناء قمة سانت بطرسبورغ للاقتصادات العشرين الكبرى. فوق ذلك، قرّر بوتين التخلي عن معارضته إجراء انتخابات رئاسية في سورية، قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، ودعم انتخابات 2014. ومع بلوغ العلاقات الروسية الأميركية الحضيض، قرّر بوتين توجيه صفعة كبرى لأوباما بالتدخل عسكريا في سورية.

خلاصة القول، تدل التجارب على أن تدهور العلاقات الأميركية الروسية قد لا يفيد، بالضرورة، في التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية. بالعكس، قد يؤدّي ذلك إلى تدهور الأوضاع على الأرض، كما حصل قبل يومين في القصف الروسي على الأتارب، ويعتقد أنه مرتبط بالتوتر المستجد في العلاقة بين بوتين وبايدن. ولما بات دورنا، نحن السوريين، يقتصر على العمل مراقبين ومحللين سياسيين للتحولات المحتملة في علاقات الدول الفاعلة بقضيتنا، فليس أقل، إلى أن يرزقنا الله إرادة الفعل، من أن نحلّل بشكل صحيح ماذا هم فاعلون بنا.

العربي الجديد

—————————–

سوريا مهمّة لواشنطن..فقط لأنها بؤرة للمتطرفين

فنّدت مجلة “فورين بوليسي” الأميركي في تقرير بعنوان: “لا أحد يعرف لماذا سوريا مهمّة”، الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى التدخل في الصراع السوري. ورأت أن أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والمتمثلة بضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، والمساعدة في ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأميركية في الشرق الأوسط، لا تتأثر بالمسألة السورية.

ورأت المجلة أن السبب الوحيد الذي يمكن أن يبرر لصنّاع القرار أن يبقوا متيقظين في سوريا، هو طبيعة الصراع السوري والعدد الكبير من المتطرفين الذين ينجذبون إلى الصراع.

وقال كاتب التقرير ستيفن كوك: بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الولايات المتحدة الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الأل/أكتوبر 2019، أنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا، كنت أنتظر قطاراً في الصباح الباكر إلى مدينة نيويورك. بينما كنت أحوم بالقرب من البوابة، استمعت إلى محادثة بين ضابطي شرطة كانا يناقشان السياسة الخارجية للولايات المتحدة. لقد أيدا تحرك الرئيس في سوريا، واتفقا مع بعضهم البعض على أن الصراع على بعد آلاف من الأميال لا علاقة له بهم أو بالولايات المتحدة، كانوا مع إعادة القوات إلى الوطن؛ إنهاء الحروب التي لا تنتهي.

عزّزت تلك اللحظة بالنسبة لي شيئاً كان يدور في رأسي في الجزء الأكبر من السنوات السبع الماضية: الفشل التام لمجتمع السياسة الخارجية في التقييم الصحيح لما كان يحدث في سوريا، وفهم كيفية تأثير ذلك على المصالح الأميركية، والتوصية بطريقة للمضي قدماً. يبدو أن ترامب -على الرغم من رئاسته البغيضة- سأل سؤالاً جيداً عن سوريا كان وثيق الصلة أيضاً بالشرق الأوسط بشكل عام: “لماذا نفعل ما نفعله؟” يبدو أنه لم يحصل على إجابة كافية، وبالتالي أعلن الانسحاب (الذي انتهى به الأمر إلى إعادة انتشار).

الآن، ضد الرثاء اللاذع للسوريين في الذكرى العاشرة لانغماس بلادهم في الظلام، فإن الجدل -وإن لم يكن بالحدة التي كان عليها قبل عقد من الزمن- حول ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة حيال الصراع، لا يزال غير حاسم كما كان دائماً. لا أحد تقريبًا يريد فعل المزيد في سوريا، ما يترك صانعي السياسة بلا خيارات ملائمة ولا إجابات واضحة.

ربما يرجع ذلك إلى أنه، على الأقل في النقاش العام على مدى الايام ال3650 الماضية، لم يكن هناك تحليل لما هو في الواقع على المحك بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا، إذا كان هناك أي شيء على المحك. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اتبعت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سياسات لها ثلاثة أهداف أساسية: ضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، والمساعدة في ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأميركية في الشرق الأوسط، لذلك لا دولة أو تحالف دول يمكن أن يتحدى تلك المصالح الأخرى. إضافة إلى ذلك، غالباً ما يضيف المحللون منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب.

بافتراض أن هذه تظل أسس السياسة الأميركية، فما الذي يُخبر به هذا المحللون وصناع القرار حول كيفية تعامل واشنطن مع سوريا؟. النهج الحالي الذي يتسم بعدم التدخل في الصراع السوري قد يكون مزعجاً من الناحية الأخلاقية ولكن يمكن الدفاع عنه من الناحية الاستراتيجية. غالباً ما يكون هذا هو الرابط غير المريح للسياسة الخارجية الأميركية. إنه عبء عدم القدرة على التوفيق بين القيم والمصالح.

عندما اتضح أن ترامب لم يكن بالضبط يسحب القوات الأميركية من سوريا، أعلن أنها ستبقى “من أجل النفط”. كان هذا خدش للرأس. لم تكن سوريا على الإطلاق مُصدِّرة رئيسية للنفط، على الرغم من أن الاحتياطيات الموجودة لديها استخدمها نظام الأسد والمهربون الأتراك وداعش لجني الأموال في العقد الماضي. كان إنكار الأطراف الثلاثة لهذه الفرصة أمراً منطقياً. ومع ذلك، فإن الإعلان عن أن الأميركيين سيظلون في طريق الخطر من أجل النفط قد يكون طريقة ملائمة للتغلب على الحقيقة المحرجة المتمثلة في أنه بينما شهد الرئيس سابقاً على هزيمة تنظيم “داعش”، فإن قوات سوريا الديمقراطية، لا تزال تحارب أتباع أبو بكر البغدادي بمساعدة الجنود الأميركيين. كل هذا يعني أنه لا يوجد شيء حول ما حدث في سوريا على مدى العقد الماضي يهدد التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة.

عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، كان هناك وقت اعتقد فيه المحللون أن سوريا تشكل تهديداً محتملاً لأمن الدولة العبرية. وقد أدى الأداء الضعيف للقوات المسلحة السورية خلال العقد الماضي إلى تهدئة هذا القلق. التهديد الحقيقي -على الأقل من وجهة نظر إسرائيل- هو إيران، التي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لفترة طويلة، مما يمنح الإيرانيين القدرة على إمداد “حزب الله” بسهولة أكبر وتهديد إسرائيل بشكل مباشر أكثر. الإسرائيليون شنوا حملة جوية ضارية ضد الإيرانيين ووكلائهم في كل من سوريا والعراق. لقد أثبتت طهران أنها غير قادرة على الرد بفعالية، تاركة المرء أمام استنتاج أن الإسرائيليين قادرون على رعاية أنفسهم في الصراع السوري.

في ما يتعلق بالحفاظ على القوة الأميركية، بالتأكيد، أعجب القادة في المنطقة باستعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتدخل وإنقاذ حليف من شبه هزيمة على عكس ما اعتبروه ضعفاً للولايات المتحدة عندما كان الأمر يتعلق بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. أعطى هذا دفعة للروس على حساب الولايات المتحدة، لكنهم الآن مثقلون بالأسد وصراع يبدو أن لا نهاية له في الأفق. والأهم من ذلك، أنه لا يوجد شيء في الصراع في سوريا قد أضرّ بقوة الولايات المتحدة وقدرتها على الدفاع عن مصالحها.

في ما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية، قام الإسرائيليون بالمهمة الصعبة في عام 2007 عندما دمروا سراً -للجميع ما عداهم- المنشأة النووية السورية. ومع ذلك، لا تزال مشكلة الأسلحة الكيماوية السورية قائمة. كان من المفترض أن يتخلوا عنها في صفقة توسط فيها بوتين في 2013، لكن الأسد لم يكن متعاوناً بشكل كامل. هذه قضية لا تحظى باهتمام أكبر لأن المواد الكيماوية التي كان من المفترض أن يتخلى عنها الأسد كانت وما زالت تُستخدم على الأرجح ضد السوريين أكثر من أي شخص آخر. ردّ ترامب على هجوم كيماوي للنظام على المدنيين بعد فترة وجيزة من تنصيبه. ومع ذلك، لم يحدث فرقاً في مسار الصراع.

أخيراً، يمكن تقديم حجة للولايات المتحدة لمواصلة متابعة مهمة مكافحة التطرف في سوريا. أصبحت البلاد دوامة من الميليشيات المتنافسة، بمن في ذلك المتطرفون. قد يتضاءل بعضها، لكنها مع ذلك باقية.

هكذا، تحافظ الولايات المتحدة على علاقتها بوحدات حماية الشعب رغم اعتراض تركيا حليفة الناتو، التي تصر على أن المجموعة لا يمكن تمييزها بالكاد عن حزب العمال الكردستاني -وهو منظمة إرهابية شنت حرباً على الأتراك والمصالح التركية. هذه هي طبيعة الصراع في سوريا. رغم كل غضبهم تجاه الولايات المتحدة، ينسق المسؤولون الأتراك مع المنتسبين للقاعدة لدفع أجندتهم المناهضة للأكراد. نظراً لطبيعة الصراع السوري والعدد الكبير من المتطرفين الذين ينجذبون إلى الصراع، فمن المعقول أن يظل صانعو السياسات يقظين بشأن التهديد هناك.

المدن

—————————–

روسيا وأميركا مجدداً!/ عبد المنعم سعيد

حينما وصف الرئيس الأميركي بايدن الرئيس الروسي بوتين بأنه قاتل ويستحق العقاب، وأن ذلك سوف يحدث قريباً، وما على صاحب السؤال إلا أن ينتظر ويرى ما سيحدث، دقت ساعة الإعلام العالمي على استعادة نشيد الحرب الباردة وأوقاتها الصعبة. جماعة مراكز البحوث الأميركية كانت جاهزة باستعادة ذكريات طال البعد عنها، كانت العلاقات الدولية ساعتها معلومة ومنضبطة، ولا يصيبها ضباب أحاديث العولمة.

الغضب كان سائداً في موسكو، فليس هكذا في ظنهم تُخاطِب القوى العظمى النووية بعضها بعضاً، خاصة أن القيادة الروسية أنكرت بشدة ما يكال لها من اتهامات قتل جواسيس لها في الحدائق البريطانية، أو أنها قامت بالتلاعب بنتائج الانتخابات الأميركية ليس مرة واحدة وإنما مرتان. المسيرة تشبه الحرب الباردة في أمر واحد، وهو أن فيها استخبارات وجاسوسية، والأعمال التي لطالما ألهمت عشرات الأفلام في هوليوود وخارجها بالكثير من التوجس والإثارة. المسألة كما هي العادة بنت عصرها، وفي العالم المعاصر فإن الأمور خرجت من حالة أسلحة التدمير الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية إلى عالم آخر مختلف هو العالم السيبراني. الحرب هكذا جديدة لم تستقر على قاعدة بعد، وليس لها فصل وباب في كتب القانون الدولي، ولا في سابق المعاهدات والمفاوضات الدولية. ولكن الحديث عن الحرب الباردة سهل، ومراجعه متوافرة، والإثارة غالباً تفيد الإعلام وبايدن وبوتين أيضاً؛ فالموضوع برمته له أبعاد داخلية في كلا البلدين: روسيا والولايات المتحدة.

الأولى مفهومة لأن بوتين لديه الكثير من المشاكل الداخلية، بعضها ظاهر حول قضية نافالني الذي أصيب من قبل بحقنة مسمومة، ونقل في ألمانيا ليتخلص من السم، ولكنه يعود لكي يقود المعارضة من سجنه بعد أسابيع من المظاهرات. القصة تعود بنا إلى يوم عاد فيه لينين إلى روسيا لكي يقود ثورة شيوعية؛ وكل ما حدث أن الزعيم الجديد يقود ثورة ليبرالية هذه المرة وسط تصفيق حاد من الدول الغربية. في الولايات المتحدة، فإن بايدن يواجه شبح «عودة ترمب» الذي عاد لكي يشن حملة عن ضعف بايدن، وعدم قدرته على صد هجوم المهاجرين إلى الولايات المتحدة أو الانسحاب من أفغانستان أو مواجهة إيران؛ والأخطر أنه يعد العدة للترشح في انتخابات 2024 الرئاسية المقبلة. في الطريق إلى ذلك، فإن ترمب لم يعد لبناء حزب جمهوري جديد؛ فقد التف الحزب حوله، وهو الآن الذي يرسم خطط الحزب لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس 2022. بايدن على الجانب الآخر يشعر أنه يسابق الوقت حتى يثبت نفسه سياسياً داخل وخارج الولايات المتحدة، وهو لا يريد أن يثبت أن ترمب لا يصلح لقيادة دولة فقط، ولكنه يريد أن يثبت طريق الديمقراطيين من خلال المعالجة الحكيمة لأزمة الفيروس التاجي بحيث تقترب أميركا من حياة مقبولة الاعتياد في منتصف العام، وتصل إلى الحياة العادية قبل نهايته. وفي الخارج، فإنه يريد معادلة عاقلة من خلال تقييد الدور الروسي، والمنافسة مع الدور الصيني، والتعامل «العاقل» مع إيران بالعودة إلى اتفاق نووي يمكن التعايش معه. ووسط هذه المعادلة، فإن بايدن على استعداد لاستخدام كل الأسلحة من أجل الحفاظ على شعبيته الداخلية.

الفرصة التي حاول بايدن انتهازها هي أن أجهزة المخابرات الأميركية أصدرت الأسبوع الماضي تقريراً رفعت عنه السرية لتقييم المحاولات الأجنبية للتأثير على انتخابات 2020 ويسلط الضوء على كيفية اعتبار كبار خصوم أميركا مثل روسيا وإيران للانتخابات الأميركية فرصاً رئيسية لدفع أجنداتهم. تنص وثيقة مجلس الاستخبارات الوطنية المكونة من 15 صفحة، وهي نسخة عامة لتقرير سري، على أنه لم تحاول أي دولة حتى تغيير بيانات تسجيل الناخبين، أو الأصوات نفسها، أو الإبلاغ عن تلك الأصوات. بعبارة أخرى، لم يتم التلاعب بالعملية الانتخابية نفسها. ومع ذلك، فإنه يعرض بالتفصيل الجهود التي تبذلها العديد من البلدان والجهات الفاعلة السياسية لتقويض الثقة في التصويت وزرع الفتنة الاجتماعية باستخدام أساليب أكثر دقة مثل نشر المعلومات المضللة والتلاعب بتوجهات الناخبين. وفي هذا التقرير يقيّم مسؤولو المخابرات الأميركية «بثقة عالية»، أن الرئيس فلاديمير بوتين سمح بـ«عمليات التأثير» – وهي تحركات لجعل الجمهور المستهدف يتصرف بطريقة معينة – مصممة لإلحاق الضرر بفرص المرشح الديمقراطي آنذاك جو بايدن في الفوز وتعزيز الرئيس دونالد ترمب حينها. ووفقاً للتقرير، فعل الوكلاء المرتبطون بالكرملين ذلك من خلال دفع «مزاعم مضللة أو لا أساس لها ضد الرئيس بايدن» إلى المؤسسات الإعلامية الأميركية والمسؤولين الأميركيين، وحتى الأشخاص المقربون من ترمب. كان أحد هذه المزاعم هو وجود «علاقات فاسدة بين الرئيس بايدن وعائلته ومسؤولين أميركيين آخرين وأوكرانيا». يتبع ذلك إلى حد كبير نظرية المؤامرة، التي دفعها ترمب ومحاميه الشخصي رودي جولياني، بأن بايدن كنائب للرئيس قد طرد المدعي العام الأوكراني من أجل إلغاء تحقيق في شركة Burisma، وهي شركة أوكرانية خدم في مجلس إدارتها نجل بايدن هانتر.

التقرير بهذا الشكل ليس جديداً بالمرة، بل إنه أقل خطورة وجزماً من «تقرير موللر» الذي كان جازماً أكثر في صدد التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لعام 2016؛ وما لم يجزم فيه أو يصدر فيها حكماً نهائياً، فهي وجود علاقة مباشرة ما بين العاملين في حملة ترمب مع المخابرات الروسية. ولكن مع ذلك، فإن بايدن تعامل مع التقرير كما لو أنه يكشف أموراً جديدة، وأن هذه تؤهله لاتهام بوتين من جديد، وفوق ذلك التهديد بعقابه. وهكذا بدأت السلسلة من الكلمات والتهديد بين بايدن وبوتين بينما كلاهما يعلم أنه بغض النظر عن عمليات التدخل السيبرانية، فإن المنافسة بين الدولتين، والكلمات اللاسعة بينهما، فإنه يوجد أرضية مشتركة لا يمكن تجاهلها. والملاحظ أنه وسط الكلمات الساخنة، فإن قضية أوكرانيا لم ترد إلا في سياق اتهامات ترمب تجاه نجل بايدن، أما الدولة ذاتها في قلب أوروبا، فإن لا شيء يرد عليها، وهي القضية التي تقع في قلب الخط الفاصل لما يسمى الحرب الباردة. كلتا الدولتين تعلم جيداً أن كلتيهما تحتاج إلى الأخرى فيما يخص أفغانستان وأزمتها المستحكمة، فلا روسيا ولا أميركا تريدان أن تعود «طالبان» إلى الحكم مرة أخرى، وكلتاهما تعلم أن التعاون بينهما، والتفاهمات القائمة تدفعهما للتعاون فيما يخص سوريا، فلا الولايات المتحدة تريد البقاء، ولا روسيا تريد الذهاب، وإسرائيل بينها تختار أهدافها الإيرانية، بينما كلتاهما تريد العودة إلى الاتفاق النووي الذي شاركتا في التوصل إليه، والآن تريدان عودته. وكلتاهما تريد التجديد لاتفاقية خفض الأسلحة النووية؛ كما أن واشنطن تعلم أن خصمها الأساسي في العلاقات الدولية هو الصين، وموسكو التي تعودت على أن تكون واشنطن هي خصمها الرئيسي وراء المحيط، فإنها الآن ترى الصين الدولة العظمى الجديدة واقعة على حدودها المباشرة. بالمعايير «الجيو سياسية»، فإن الدولتين، روسيا وأميركا لا تملكان ترف حرب باردة أخرى في وجود الصين.

الشرق الأوسط

——————————–

روسيا والصين بدل أميركا/ أرنست خوري

دأبت معزوفة “بناء نظام عالمي جديد” على إطراب الآذان بعد سقوط جدار برلين. كان يُقصد من الشعار، عن صواب، ضرورة إرساء نظام تعدّدي يحل مكان الأحادية الأميركية التي ورثت بدورها عصر الثنائية القطبية. تعدّدية يُشتهى أن تكون سلمية في العلاقات الدولية، أكثر عدلاً وإنسانية واهتماماً بتحديات المناخ والبيئة والمساواة والصحة، أقل حربية وعجرفة وتبعية وتسلطاً، أكثر التصاقاً بمبادئ القانون الدولي والتشارك والتعاون والتنوع، توجِد توازناً معقولاً بين مخاوف السياديين و”واجب التدخل الإنساني” مثلما رأى العالم نسخة منه لدى إنقاذ مسلمي البوسنة والهرسك من إجرام ميلوسيفيتش. كانت الفرصة مؤاتية حقاً لبناء تعددية عالمية بهذه المعايير الإنسانية والأخلاقية إن جاز التعبيران. أميركا لم تكن مستعدة فعلاً لانهيار الاتحاد السوفييتي، وشهد على ذلك التخبط الذي اعترى سياساتها الخارجية في التسعينات قبل أن تحل أحداث كبرى بوزن هجمات سبتمبر 2001. كان ممكناً، طيلة سنوات عشر، تشكل تجمعات إقليمية جديدة، وتزييت مفاصل أخرى أكلها الصدأ تحت أثقال المعسكرين الحديديين. لكن حصل العكس بفعل جهل معمم بمخاطر تهدد البشرية، وانفجار الهويات دون الوطنية المنغلقة على نفسها، بدل شيوع مبدأ التكتلات الإقليمية السلمية المنفتحة على العالم. روسيا كانت مشغولة بلملمة ما تبقى من أراضيها، وهي ورشة انتهت إلى نموذج قومي متطرف للحكم، يعتنق أكثر الوصفات النيوليبرالية قسوة في الاقتصاد، والحد الأدنى من الحريات منخفضة الأسقف، وسياسة خارجية توسعية عدائية. الصين كانت مكتفية لنفسها سياسياً بنفوذها في بذلك الجزء من آسيا، في مقابل توسع اقتصادي على حساب ظروف عمل صحّت تسميتها عبودية القرنين العشرين والحادي والعشرين، توازيها أعتى أشكال القمع والاضطهاد في الداخل. البلدان الإقليمية الوازنة بدت عاجزة بدورها عن تقديم النموذج. الهند غارقة في صراعاتها القومية الاجتماعية الدينية. باكستان النووية اختصرت العالم وما فيه بما يجري في الجارتين اللدودتين، أفغانستان والهند. بلد كبير وصناعي مثل تركيا انشغل بإعادة تعريف علمانيته وموقعه الإقليمي ودور العسكر في المجتمع وعلاقات المكونات في هذا البلد. أميركا اللاتينية جرّبت الحلم الإقليمي بنكهة يسارية بعد عقود الديكتاتورية العسكرية، والمحاولة لم تعمّر طويلاً. الفشل الأبرز كان أوروبياً. ارتضت القارة بالوصف الذي نُسب إليها، أي العجوز، وظلت قرارات الحرب والسلم والتدخل سلباً أو إيجاباً في الخارج، أميركية، ليست أوروبا فيها أكثر من مكمّل أو مساعد أو مجرد متذمّر في أحسن الأحوال. الاتحاد الأفريقي بقي مشلولاً، فلا جنوب أفريقيا رغبت بزعامته، ولا مصر شمالاً سمحت لنفسها بتعميم نموذج مباركي على أفريقيا، لا سمح الله. العالم العربي توزع بين ديكتاتوريات وحروب وبؤس وفقر ما خلا جزرا معزولة شكلتها منطقة الخليج، ثرواتها مخصصة للاستهلاك لا للتنمية. أما إيران، ففهمت قصة التعددية المطلوبة على أنها حروب مستدامة وتوزيع أذرع مسلحة تابعة لها في المنطقة العربية، وتصدير نموذج قروسطي، وتغيير ديمغرافي طائفي ديني بورقة التخريب والحفر الصبور في تربة المذهبية. أما صيحات الموت لأميركا ومحاربة الاستكبار والصهيونية واختراع “يوم القدس العالمي”، فلم تكن إلا عدّة شغل تنطلي على أصحاب المنطق البسيط حصراً.

اليوم، المساعي في بكين وموسكو حثيثة لإنشاء ثنائية قطبية جديدة. ما يجمع بين روسيا والصين أكثر من اتفاق مصالح تشغل النكاية بأميركا موقع المتن فيه. وما استهداف هذين البَلَدين بعقوبات أميركية وأوروبية بشكل متزامن، إلا ردّ غربي رمزي على سلوك شرقي يبدو منسقاً في أكثر من عنوان. النموذج الشرقي الجديد المعروض لا مكان فيها للسلام ولا للحقوق والتعاون ولا للهم البيئي ولا للتعددية. أما من يتذمرون من الإمبريالية الأميركية، بينما يتشوقون إلى الانتساب لإمبريالية الصين وروسيا، فإنهم يتجاهلون حقيقة أن السارق الشبعان ربما يكون أقل أذيةً من السارق الجائع، وأن إمبريالية أميركية منظمة ونعرف قوانينها وأساليب عملها، ربما تكون أقل ضرراً من إمبرياليات بديلة تريد تجسيد كل مساوئ الإمبرياليات في محور واحد.

العربي الجديد

——————————-

روسيا تستغل الغياب الأميركي لحشد الدعم لنهجها في سوريا

دمشق – تكثف روسيا من تحركاتها الدبلوماسية في مساع لحشد الدعم لنهجها في سوريا، في وقت تدرس الإدارة الأميركية، تخفيف تدخلاتها في صراعات الشرق الأوسط الطويلة.

وليس من الواضح بعد خطط الإدارة الأميركية في التعاطي مع سوريا، التي تحولت أراضيها إلى كانتونات مقسمة بين مختلف الجيوش، بما في ذلك القوات الأميركية.

وينظر كثيرون إلى تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع سوريا على أنه مقياس لمدى تصميمها فعليا على تغيير السياسة الأميركية التي ظلت لعقود تركز على الشرق الأوسط.

وإذا قللت الولايات المتحدة من وجودها في المنطقة، فإن قوى مثل روسيا ستكون موجودة لملء الفراغات وتعزيز وجودها هناك.

وقد أبدت الدبلوماسية الروسية فعلا استعدادا لتكثيف هذا الحضور، وهو ما ترجم في جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الشرق الأوسط الشهر الجاري.

وشملت جولة لافروف الإمارات العربية المتحدة حليفة الولايات المتحدة، التي وجهت رسالة تتماشى مع موقف موسكو مفادها أن العقوبات الأميركية على دمشق تعرقل الجهود الدولية لإعادة بناء سوريا. وقال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إن الوقت قد حان لعودة دمشق إلى محيطها العربي.

وحسب فريدريك هوف، الذي شغل منصب المستشار الخاص حول الانتقال السياسي في سوريا خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، فإن روسيا تريد بعبارة أخرى، من تحركاتها إيصال رسالة مفادها أن الحرب السورية انتهت، وأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر، وسيبقى في السلطة طالما أنه يتنفس.

يقول هوف إن هناك جزءا غير معلن من تلك الرسالة وهو أن روسيا تخطط لأن تكون قريبة ومستعدة لمرحلة إعادة إعمار سوريا للاستفادة من أي موارد دولية في هذا السياق، وذلك بطرح نفسها وسيطا لإدارة التهديدات الأمنية التي تشكلها سوريا على المنطقة.

ويرى هوف كما جيمس جيفري، المبعوث الأميركي السابق لسوريا، بوجوب أن يبقى للولايات المتحدة وجود كبير في البلاد، محذرين من طموحات روسيا. ويلفت جيفري إلى أنه “إذا كان هذا هو مستقبل الشرق الأوسط الأمني فنحن جميعا في ورطة”. وأضاف أن “هذا ما يدفع إليه بوتين ولافروف”.

ولم يبد الرئيس الأميركي في معرض تطرقه للأولويات الملحة في الشرق الأوسط على غرار الأزمة اليمنية وملف النووي الإيراني اهتماما بالمسألة السورية، الأمر الذي يثير قلق أوساط عدة.

وفي الكونغرس، يحوم النقاش الذي شمل سوريا حول ما إذا كان ينبغي تقليص أو إنهاء السلطات التي مُنحت للرؤساء، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، لتوجيه ضربات عسكرية. وقال النائب خواكين كاسترو وهو ديمقراطي من تكساس وعضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إن الحرب السورية هي التي أشعلت ذلك النقاش، عندما درس الرئيس باراك أوباما لأول مرة توجيه ضربات عسكرية هناك.

وجاءت واحدة من الإشارات العلنية القليلة التي ذكرها بايدن عن سوريا منذ توليه منصبه الأسبوع الماضي، عندما أدرجها ضمن المشاكل الدولية التي ينبغي على مجلس الأمن الدولي بذل المزيد من الجهد بشأنها. وفي الذكرى العاشرة لبدء النزاع السوري الأسبوع الماضي، شدد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في بيان مع نظرائه الأوروبيين على الحاجة إلى تقديم مساعدات إنسانية للمدنيين السوريين ومحاسبة نظام الأسد.

وتساعد القوات الأميركية في حماية جيب للقوات الكردية في شمال شرق سوريا، الغني بالنفط والغاز الطبيعي. وخلال حملة بايدن الانتخابية خلال العام الماضي، حدد بلينكن الدور العسكري على أنه “نقطة للتأثير” في المفاوضات حول التعامل الدولي مع سوريا، بدلا من كونه قوة مستمرة.

ورفض متحدثون باسم مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الإجابة على أسئلة محددة حول سياسة بايدن تجاه سوريا، بما في ذلك ما إذا كانت الإدارة الأميركية تعتبر الصراع السوري تهديدا رئيسيا للأمن القومي أو تخطط لتعيين مبعوث جديد.

ويتبع بايدن أوباما وترامب في سعيهما إلى التقليل من دور الولايات المتحدة العسكري في الشرق الأوسط وتحويل تركيز السياسة الخارجية إلى آسيا، حيث أصبحت الصين عدوانية بشكل متزايد، ولكن صراعات الشرق الأوسط ومخططات الولايات المتحدة الاستراتيجية تسحب الأميركيين إلى الوراء.

وأصبح بايدن في الشهر الماضي سادس رئيس أميركي على التوالي يقصف هدفا في الشرق الأوسط، حيث استهدف الميليشيات المتحالفة مع إيران في سوريا، لكن هذا التحرك لم يكن يستهدف إعادة رسم للسياسة الأميركية في سوريا، وإنما في سياق رد على الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية في العراق.

وقال بعض الدبلوماسيين الأميركيين الحاليين والسابقين في الشرق الأوسط إن سوريا لا تشكل تهديدا أمنيا كبيرا للولايات المتحدة. وقد خلص روبرت فورد، سفير إدارة أوباما في سوريا الذي يتمتع بسنوات من الخبرة الدبلوماسية في المنطقة، في مقال في مجلة فورين أفيرز العام الماضي إلى أن على واشنطن أن تتحرك نحو سحب قواتها من شمال شرق سوريا، وأن ترتب مع روسيا وغيرها للتعامل مع التنظيمات الجهادية في ذلك البلد.

في المقابل فإن هوف وجيفري، اللذان تعاملا مع سوريا، يرفضان الانسحاب، ويقول هوف “لو كنت أحد قادة تنظيم داعش الذي يحاول الآن العودة في سوريا، لكنت أدعو من أجل اعتماد هذه النصيحة”.

وتشير الخبيرة منى يعقوبيان، وهي مستشارة المعهد الأميركي للسلام في واشنطن، إلى أن اختبارا لنوايا إدارة بايدن يلوح في الأفق، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى استغلال موقعها في مجلس الأمن الدولي لإغلاق طريق المساعدات الإنسانية إلى جزء من سوريا لا يخضع لسيطرة الحكومة التي تدعمها موسكو.

وتقول يعقوبيان إن الحفاظ على الوجود الأميركي في سوريا أو تعزيزه سيكون أمرا مهما كوسيلة ضغط في المفاوضات السياسية، ولتشكيل قواعد لوجود روسيا في الشرق الأوسط، بينما تبقى أهداف المجتمع الدولي الملحة حائمة حول جعل الحياة “أكثر سهولة وأقل بؤسا للسوريين”.

العرب

——————————-

لا حلّ في سوريا إلا عبر توافق أمريكي روسي/ عبدالعزيز مطر

عشر سنوات مرت منذ اندلاع الانتفاضة السورية التي قام بها شباب سوريون يبحثون عن الحرية، وأحداث كثيره مرّت وتعاقبت شهدتها هذه الانتفاضة، ومراحل متعاقبة مرت بها انتفاضة هذا الشعب التي حولتها من أيقونة ورمز للمطالبة بالحرية إلى مأساة وكارثة ألمّت بالشعب السوري بفعل التأثيرات الخارجيه والداخلية والطريقة التدميرية البشعة التي تعاملت بها سلطة الاستبداد مع مطالب الشعب السوري الذي يبحث عن الكرامة والحرية.

ومنذ إطلاق النظام لقطعان التطرّف والإرهاب، الذين كان يحتجزهم في سجونه، إلى تحول المشهد السوري من مسألة نضال شعب ضد نظام وسلطة مستبدة إلى صراع بين قوى إقليمية ودولية على الأراضي السورية، بعد ارتهان السلطة السورية واستنجادها بأذرع إيران الإرهابيّة لإخماد ثورة الشعب السوري والجرائم الكبيرة الذي نتجت عن هذا التدخل وتدمير البنى التحتية والاقتصادية والمجتمعيه السورية، الأمر الذي انعكس بصورة مأساوية على حياة الشعب والمواطن السوري.

ومما زاد الطين بلة، تحول المجتمع الدولي والقوى الدولية خلال السنين الماضية عن واجبه ومسؤولياته لإنهاء هذه المأساة إلى إدارة هذه النزاع، مما أطال في أمد هذه الكارثة. كل ذلك بفعل تناقض المصالح الإقليمية والدولية على الأرض السورية وارتهان القرار الوطني والسيادي لطرفي الصراع في سوريا لدى قوى إقليمية ودولية، وتماهي الطرفان مع هذه المصالح على حساب مصالح الشعب السوري.. هذا الارتهان جعل من سوريا ومن الشعب السوري وترابه ساحة لتصفية الحسابات بين مختلف القوى، مما جعل السوريون جميعهم تواقين للخلاص من هذه المأساة.

وفي ظل المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب السوري، فإنّه يتطلع لأي بارقة أمل في إنهاء هذا النزاع، ويرى أي جهد يبذل في هذا الإطار خطوة جيدة لإنهاء مأساته، وحتى لو كانت هذه الخطوات غير فعالة اتجاه إنهاء الأزمة السورية. ويعلم الكثير من الساسة والمراقبين بتمعن للوضع السوري أنّ حلّ هذه المسألة يتم عبر توافق دولي، يرعاه في الدرجة الأولى القرار الأمريكي وتوجهات السياسة الأمريكية الجديدة، وأنّ أي حل فعال وتوجه فعال لإنهاء هذه المأساة لا بد أن يكون مصحوباً بتوجّه فعال للسياسة الأمريكيه وإدارتها الجديدة بالتوافق مع الدور الروسي، الذي بات وجوده في سوريا أمراً واقعياً وتأثيره في الوضع السوري واضح للعيان.

وما شهدناه مؤخراً حول المبادرة الثلاثية، الروسية التركية القطرية، لا تعدو كونها لفت انتباه من جانب قوى دولية وإقليمية لتوجيه اهتمام السياسة الأمريكية للبحث وإيجاد مخرج حقيقي للأزمة السورية، فأيّ جهد أو مبادرة أو توجّه لإنهاء هذه المأساة سيكون قاصراً وضعيفاً بدون وجود المشاركة الفعالة للسياسة الأمريكية، والسنوات الماضية في عمر هذه المأساة تؤكد هذا التوجه، وتؤكد أنّ جميع المبادرات والمسارات لحلّ الأزمة، من أستانا وسوتشي وغيرها، كانت قاصرة وضعيفة، بسبب عدم رضا أو مشاركة أو دعم السياسة الأمريكية لها.

وبالتأكيد هناك مصالح دولية في سوريا ستسعى القوى الدولية لتحقيقها من خلال أي جهد لإنهاء هذه الكارثة، وهذا لا يمكن توفره إلا بتوافق أمريكي روسي على حلّ الأزمة السورية، بغضّ النظر عن مصالح الأطراف الإقليمية الأخرى، كون تلك المصالح مرتبطة إلى حدّ ما بالقرار الأمريكي أو القرار الروسي، وبالتأكيد إنّ أي توافق بين الأمريكي والروسي سينال الدعم المباشر والموافقة من قبل الدول  الإقليمية الأخرى.

إنّ التداخلات والمبادرات الإقليمية السابقة أضعفت كثيراً مسارات الحل في المسألة السورية، وتسببت في إطالة أمد آلام السوريين، وعمقت الكثير من جراح الشعب السوري، وابتعدت كثيراً عن مسار الحلّ الأساسي، وهو مسار جنيف، وحاولت قوى إقليمية، بالتعاون مع الروس، لإضعاف مسار جنيف والالتفاف حول القرار ٢٢٥٤، ولكن في النهاية فشلت كل هذه المسارات فشلاً ذريعاً في وضع حدّ لهذا النزاع الذي أرهق الجميع، ووصل الجميع لقناعة أنّه لايمكن تحقيق الاستقرار في سوريا إلا من خلال قرار جنيف ٢٢٥٤، ومن خلال الدور الأمريكي الفعال المدعوم بتفاهم من الروس حول تطبيق هذا القرار وآلياته، وبات من الواضح أنّ الجانب الروسي الذي قدم الدعم الكثير لسلطة الاستبداد في سوريا لن يستطيع الحفاظ على مصالحه وماحققه خلال السنوات الماضية من مكاسب اقتصادية وجيوسياسية في سوريا إلا بتوافق مع السياسة الأمريكية من جهة، ومن خلال التخلي عن العبء الثقيل الذي أصبح يشكله النظام السوري ورأس النظام على السياسة والمصالح الروسية من جهة أخرى.

إنّ التكاليف الباهظة التي يتطلبها دعم نظام تخلّى عنه الجميع وفقد شرعيته، الداخلية والخارجية، وأصبح عاجزاً عن ممارسة دور قيادة الدولة السورية وتحقيق إعادة الاستقرار في سوريا بفعل تفاقم الأزمة الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في سوريا، جعلت من أوليات السياسة الروسية المضي قدماً لإيجاد مخرج لإنهاء هذه الأزمة والتخلص من هذا العبء، وإنّ امتناع القوى الدولية عن تقديم أي مساعدات أو ضمانات لتقديمها في ظلّ وجود هذا النظام، حتى ولو كان رمزياً، وإصرار جميع القوى الإقليمية والدولية، صاحبة اليد الطولى، اقتصادياً ومالياً، الانخراط في ملف إعادة الإعمار بوجود هذا النظام جعل توجه السياسة الروسية تتجه لمسار أكثر جدية للتوافق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لحلحلة الوضع والانسداد السياسي في المسألة السورية.

وفي هذا الخضم جميعه، وبانتظار هذا التوافق يتطلع السوريون للتفاعل مع أي جهد أو أي بارقة أمل تنقذهم من هذه الكارثة التي طال أمدها، والتي يتحمّل جزءاً كبيراً منها النظام السوري، وأصبحت تشكل مصدر قلق لدول الجوار والخوف من انزلاق الأمور لمستويات أكثر خطورة، ويتحمل الجزء الآخر المعارضة العقيمة التي أصبحت عاجزة ولم تقدّم نموذجاً يقبل به المجتمع الدولي، على مر السنوات الماضية.

بالتأكيد هناك بوادر أمل تلوح بالأفق ونشاطات سياسية قد تشهدها الساحة الدولية قريباً، على صعيد وضع حدّ للمأساة السورية التي آلمت كل ضمير حي في هذا العالم.

——————————-

===================

تحديث 26 أذار 2021

—————————

سوريا والتصعيد الأمريكي الروسي/ محمد السعيد إدريس

يطرح التصعيد الأمريكي الجديد ضد روسيا، تساؤلات مهمة تخرج عن النطاق النظري للتحليل. فعلى مستوى التحليل النظري يهتم الخبراء والمتخصصون عادة بدراسة التأثيرات الإيجابية والسلبية للتطورات التي تحدث في قمة النظام العالمي على سياسات الأقاليم وأحداثها.

ودائماً تبقى نتائج تلك الدراسات في حدود الافتراض دون الحسم.

فإذا كانت بعض تلك الدراسات ترى أن تفاقم التصعيد بين القوى القائدة للنظام العالمي، يؤدي من ناحية إلى تزايد حدة الاستقطابات الإقليمية بين الحلفاء الإقليميين للقوى المتصارعة على قمة النظام العالمي، على نحو ما حدث في سنوات الحرب الباردة..

فإنه يمكن أن يؤدي من ناحية أخرى، إلى خلق هامش من حرية الحركة للأطراف الإقليمية كي تحصل من حلفائها على أقصى ما يمكن من المكاسب، اعتقاداً منها أن الحليف الدولي بقدر ما يحتاج إليها، بقدر ما يكون مستعداً لتقديم تنازلات.

لكن، إلى أي حد يمكن أن يحدث هذا في الأزمة السورية؟ وكيف سينعكس التصعيد الأمريكي خاصة من جانب الرئيس جو بايدن ضد شخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مستقبل تسوية الأزمة السورية؟

هل سيغري البيت الأبيض بتعديل سياساته (المحدودة والسلبية) في سوريا، إلى سياسة أخرى أكثر هجومية لتعكير صفو المشروع الروسي في سوريا؟ أم يمكن أن يحدث العكس؛ أي أن تنصرف الولايات المتحدة عن الانغماس في الصراعات والأزمات «الشرق أوسطية» كي تتفرغ لما تعتبره صراعاً كونياً مع روسيا والصين.

فقد خرج الرئيس الأمريكي عن كل الأصول وقواعد الأعراف الدبلوماسية عندما اتهم الرئيس الروسي في حديث تلفزيوني بأنه «قاتل» و«بلا قلب»، وبأنه «سيدفع ثمناً باهظاً مقابل تدخل بلاده في الانتخابات الأمريكية». وحين سأل المذيع بايدن: «إذن أنت تعرف فلاديمير بوتين.. هل تعتقد أنه قاتل؟» أجاب بايدن «نعم». وأضاف: «سترى أن بوتين سيدفع الثمن».

وإذا كان الرئيس الروسي التزم بضبط النفس أمام الكاميرات في رده على الهجوم غير المسبوق للرئيس الأمريكي، فإن الواقع قد لا يكون كذلك. فقد جاء رد بوتين هادئاً على وصفه بـ«الوقح»، وقال في حديث تلفزيوني هو الآخر: «الكلام صفة المتكلم أو كل إناء ينضح بما فيه، وأتمنى لك الصحة والعافية» ليس هذا فقط؛ بل وجه الدعوة للرئيس الأمريكي للظهور معه في مناظرة تلفزيونية على الهواء مباشرة «يجري بثها في مختلف أنحاء العالم».

هذا التصعيد في العداء بين واشنطن وموسكو يترافق مع تصعيد أمريكي ضد الصين، يتوازى معه تصعيد أوروبي ضد روسيا والصين، ما يؤشر إلى أن «حرباً باردة» جديدة بدأت تلوح في الأفق يمكن احتواؤها، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن مستقبل تسوية الأزمات الإقليمية في ظل هذا المناخ «الصراعي» على قيادة النظام العالمي، وعلى الأخص الأزمة السورية؟

المرحلة الانتقالية لإدارة بايدن التي سبقت التصعيد الساخن ضد روسيا، كشفت أن سوريا ليست أولوية للإدارة الجديدة التي أبدت اهتماماً بإجراء مراجعة للسياسة الأمريكية تجاه سوريا، بقيادة مسؤول الشرق الأوسط الجديد في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بريت ماغورك.

كما كشفت أن هذه الإدارة تدعم البقاء الأمريكي شرقي سوريا، دون تعريض هذا الوجود لتقلبات الرئيس السابق دونالد ترامب الذي جعل الوجود الأمريكي في سوريا مؤرجحاً «بين البقاء واللا بقاء»، وأن الأولوية الأمريكية في سوريا ستبقى محصورة في دعم الحلفاء الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية، والحرب ضد «داعش»، مع الاهتمام بالجانب الإنساني.

والعزوف عن المشاركة في أي دعم قد يصل إلى نظام الرئيس السوري ضمن إطار «مؤتمر المانحين» لسوريا، حيث قرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلغاء خطابه في هذا المؤتمر الذي سيعقد في بروكسل الثلاثاء المقبل (30/3/2021)، وبدلاً من ذلك قرر بلينكن الدعوة إلى مؤتمر للتحالف الدولي ضد «داعش» في اليوم ذاته، مع عدم الإخلال بتنفيذ «قانون قيصر» على دمشق.

هذا الموقف يمكن وصفه بأنه كان في حدود «عرقلة» الدور الروسي، وعدم تمكين موسكو من جني ثمار تدخلها العسكري في سوريا، لكن من المرجح أن يجري التصعيد ضد روسيا في سوريا، بما يتوازن مع التصعيد الأمريكي العام ضد روسيا.

والبيان الصادر عن وزير خارجية الولايات المتحدة في الذكرى العاشرة لتفجر الأزمة السورية، بمشاركة وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، أكد حرص هذه الأطراف على التشكيك في شرعية النظام السوري ورفض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإحباط خطة موسكو لتنشيط حركة الإعمار في سوريا.

هذا التصعيد الأمريكي لن يمر دون ردود فعل روسية حتماً، لكن يبقى السؤال مهماً عن كيف سترد روسيا على محاولات واشنطن إفشالها في سوريا.

* د. محمد السعيد إدريس باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.

المصدر | الخليج

——————–

الولايات المتحدة والصين: دبلوماسية «الذئب المحارب»/ صبحي حديدي

تعبير «الذئب المحارب» الذي يصف السلوك الدبلوماسي الصيني الراهن في وجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم يعد مجرّد مجاز مستوحى من الفيلم الصيني الشهير الذي يحمل العنوان ذاته، ويحيل على أكثر من نحو إلى سلاسل «رامبو» ولكن في سياق بطولي صيني؛ إذْ بدت السفارة الصينية في العاصمة الفرنسية سعيدة باستخدامه في امتداح أداء الوفد الصيني خلال مباحثات آلاسكا مع الوفد الأمريكي، وكذلك في إلحاق أقذع الأوصاف بحقّ باحث فرنسي ناقد لسياسات بكين: «أزعر صغير» «ضبع مسعور» «قزم إيديولوجي». ولم يكن وزير الخارجية الفرنسي هو الوحيد الذي بوغت بسلسلة الشتائم هذه، غير المعتادة البتة في الأوساط الدبلوماسية، خاصة الصينية المهذبة الخجولة عادة؛ بل ضجت أعمدة الصحف في الولايات المتحدة وغالبية العواصم الأوروبية بالحديث عن هذا التطور الحاسم.

وفي الطبعة الإنكليزية من صحيفة «غلوبال تايمز» التي تعكس في الإعلام الصيني أصوات الصقور والتشدد في وجه الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، نقرأ للبروفيسور لي هايدونغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشؤون الخارجية الصينية، هذا الرأي: «السبب الأكبر وراء ضيق الغرب من دبلوماسية الذئب المحارب هو أنّ الصين لم تعد تبتسم وتتحمل الطعن. في الماضي، حين تعاملت البلدان الغربية مع البلدان غير الأوروبية، خاصة الصين، كانت تعتمد دائماً على مواقف التعالي في توجيه الصين إلى ما هو مناسب في ما يتوجب عليها أن تفعله. لكن الصين باتت اليوم أكثر حسماً وتصميماً في الدفاع عن مصالحها، وقبول هذا أمر صعب عندهم». والبروفيسور لا يكتفي بهذا التأويل، التبسيطي والبديهي في واقع الأمر وضمن تراثات إمبريالية واستعمارية أوسع نطاقاً، بل يذهب أبعد: «خلال زمن طويل امتلك الغرب شعوراً بالتفوّق في حضارته، وفي عرقه، وحكمه. النخب السياسية الغربية لا تستطيع التأقلم مع مطالب الصين في التواصل المتساوي، ولهذا يلصقون بالصين تهمة دبلوماسية الذئب المحارب، الأقرب إلى مسعى السيطرة على الرأي العام. فإذا لم تتمّ السيطرة على الأمر، فإنه قد يتصاعد إلى حرب سياسية، أو اجتماعية، أو حتى مواجهة شاملة».

لافت، إلى هذا، أنّ توماس فردمان، المعلّق الشهير في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، لا يجد غضاضة صريحة في الإقرار بأنّ الصين لم تعد تحترم الولايات المتحدة، ولها حقّ في ذلك؛ كما يقول عنوان مقاله الأخير في التعليق على الاشتباكات الدبلوماسية التي أعقبت مباحثات آلاسكا الأمريكية ـ الصينية. لماذا يتوجب عليهم أن يحترمونا، يتساءل فردمان، وكأنهم «لم يلاحظوا أنّ آخر رؤسائنا ألهم أتباعه أن يقتحموا مبنى الكابيتول، وأنّ غالبية في حزبه لم تعترف بنتائج انتخابات ديمقراطية»؛ أو كأنهم لم يعرفوا بأنّ الولايات المتحدة «خلال الجائحة لجأت إلى طباعة النقود لمساعدة مستهلكيها على الإنفاق ــ وتحديداً على شراء البضائع الصينية»؟ في المقابل، يتابع فردمان، قطعت الصين خطوات إضافية في تحديث القاعدة الصناعية والاستثمار الحكومي الهائل في 10 من صناعات القرن الراهن الأكثر تقدماً وعصرية؛ مثل الذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، والاتصالات من جيل G-5، وتكنولوجيا الإنسان الآلي، والبيو ـ طبّ، وسواه.

فهل يتحسر أحد، بين واشنطن وبكين، على أيام دونالد ترامب، والتصعيد التجاري، وابتكار تعبير «الفيروس الصيني» العنصري، وما ظهر أو خفي من جبهات؛ بالمقارنة مع راهن الرئيس الجديد، جو بايدن، حيث حروب التبادل الباردة المعلنة تُخلي مكانها لحروب الذئاب المحاربة، وحيث لا يتردد وزير الخارجية الصيني من مجابهة نظيره بهذه العبارة الباردة القاتلة: «الولايات المتحدة لا تملك الكفاءة كي تتحدث مع الصين من موقع قوّة»؟ ثمة الكثير الذي يوحي بأنّ التواضع يتوجب أن يتوفر أيضاً في كلّ مقاربة أمريكية تجاه الصين، حتى إذا تسلحت (كما حدث خلال الايام القليلة الماضية) بمواقف اصطفاف مع واشنطن من جانب الاتحاد الأوروبي أو كندا أو بلدان غربية أخرى. الردّ الصيني الكلاسيكي تمثّل في الانفتاح السريع على روسيا، حيث ينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أحرّ من الجمر لردّ الصاع إلى بايدن؛ أو كوريا الشمالية، التي أطلقت صاروخين باليستيين وكأنها تتحسب للانخراط في المعمعة؛ ثمّ إيران، الجاهزة أصلاً في العراق واليمن وسوريا ولبنان…

والحال أنّ اتفاق الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، كما تجلى مؤخراً في مباحثات بروكسيل، لا يضيف الكثير الجديد إلى حقائق التبادل التي فرضها ويواصل فرضها اقتصاد الصين، الثاني على مستوى عالمي؛ حيث الذئب لا يحارب بالأنياب أوّلاً، أو هو بالأحرى لا يلجأ إلى القواطع إلا بعد استخدام أسنان أكثر نعومة إذا جاز القول، ولكنها أكثر حسماً ومضاءً! فمن جانب أوّل، ثمة اتفاقيات تجارية وصناعية ومالية لا يمكن لأي سجلات هابطة في حقوق إنسان (فما بالك بحقوق أقليات الإيغور!) أن تضعها جانباً أو تنقل أولوياتها إلى مراتب خلفية (صناعة السيارات الألمانية مثلاً)؛ ومن جانب ثانٍ، سوف يُتاح لتحالف صيني – روسي أن يقلب الكثير من المعادلات التي تمنع واشنطن من ممارسة ضغط مباشر يُلحق الأذى بحلفائها في أوروبا بصدد ملف أنبوب «نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا مثلاً) ويعطّل الكثير من أيّ زخم محتمل لحلف أمريكي ـ أوروبي مشترك في وجه كتلة روسية – صينية.

على صعيد حقوق الإنسان، ليس خافياً أنّ الصين تعلمت الكثير من الدروس في التعمية على الانتهاكات بوسائل شتى، ولم تتعلم من أحد قدر تعلّمها من الديمقراطيات الغربية ذاتها التي تنتقدها اليوم؛ مستذكرة أنّ سجلاتها في هونغ كونغ وشينجيانغ لم تمنعها، في مطلع العام 2000، من احتلال موقع «الأمّة الأكثر تفضيلاً» في ميادين التجارة والتبادل، بموجب تشريع خاصّ خرج من تحت قبّة الكابيتول تحديداً. وكان «الفوز بالثلاثة» أو هكذا تقتضي الترجمة الأكثر حرفية لتعبير Win-Win-Win، هو الحصيلة التي اختارها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الديمقراطي للتذكير المفيد، لوصف جملة البروتوكولات التجارية التي جرى توقيعها مع الصين أثناء زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمن للولايات المتحدة. بالثلاثة، أو بالضربة القاضية التي تُقاس بمليارات الدولارات، وبهبوط دراماتيكي في مؤشرات العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والذي كان آنذاك قد قفز كثيراً لصالح هذه الأخيرة. ولم يكن بالأمر المألوف أن تنقلب تلك المعدّلات لصالح الولايات المتحدة بين زيارة وضحاها فقط، خصوصاً وأنّ المسألة تتصل بأمّة ليست كالأمم العادية: أعداد سكانها تُحسب بالمليارات وليس بالملايين كما هي حال الأمم، وموقعها الجغرافي يجعلها على حدود مشتركة مع 15 دولة دفعة واحدة، واقتصادها ينفلت من عقاله يوماً بعد يوم ويستهلك الأعمال والأشغال.

وحتى الساعة تبدو المواجهة مقتصرة على استدعاء السفراء تارة، أو فرض العقوبات على موظفين أو دبلوماسيين أو باحثين تارة أخرى، مع إبقاء صمام الأمان منضبطاً على الدرجة التي لا تُحلّ الحرب الباردة التجارية المفتوحة محلّ مناوشات الذئاب هنا وهناك؛ وكذلك الحفاظ، للضرورة القصوى، على توازن لا يضع واشنطن على رأس كتلة وبكين على رأس كتلة أخرى، فالخاسر مشترك هنا، والخسارة فادحة أيضاً. وليس غريباً أن الاتحاد الأوروبي منخرط، أسوة بالاتحاد الروسي، في لعبة لا تليق بها مسميات أخرى غير التقاسم والمحاصصة والشراكة.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

——————————–

مجلس الشيوخ يحث إدارة بايدن على الاهتمام بسوريا

يمثل إقرار لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، مشروع قرار يدعو إلى محاسبة النظام السوري على جرائمه، موقفاً معنوياً وأدبياً بمناسبة ذكرى الثورة السورية العاشرة، لأنه بالنهاية قرار غير ملزم للإدارة الأميركية.

وأقرّت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مشروع القرار بإجماع أعضائها الديمقراطيين والجمهوريين. ورحب كلّ من رئيس اللجنة الديمقراطي بوب مينديز، وزعيم الجمهوريين جيم ريش، بالدعم الكبير الذي حصل عليه المشروع، مؤكدين على “ضرورة محاسبة النظام وداعميه حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت”.

وبعد إقرار المشروع في اللجنة، يرفع إلى مجلس الشيوخ، ومن المتوقع أن يمر بسهولة نظراً للدعم الكبير الذي حصل عليه من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

وتتضمن بنود مشروع القانون دعم تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، والتعهد بتحميل النظام وداعميه مسؤولية جرائم الحرب، والتأكيد على أهمية تطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، ويدعو كذلك، الرئيس الأميركي جو بايدن إلى وضع سوريا ضمن أولويات السياسة الخارجية الأميركية.

ولا يُلزم مشروع القانون إدارة بايدن باتخاذ خطوات ضد النظام السوري، حيث لا تأتي بنوده في حال تمّ تمريره من مجلس الشيوخ على ذكر أي إجراء مباشر عسكري أو سياسي أو قانوني ضد النظام السوري.

ويرى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، المقيم في الولايات المتحدة والخبير في شؤونها، أن إقرار اللجنة الخارجية في مجلس الشيوخ لمشروع القرار، يأتي في إطار الالتزام الأدبي والأخلاقي بتأييد الثورة السورية.

وقال ل”المدن”: “لا يعطي التحرك هذا أي مؤشر على نهج الإدارة الأميركية في الملف السوري، وكذلك لا يعني أن الملف السوري بات من ضمن أولويات إدارة بايدن، ومن الواضح أن أولوياتها، هي الاقتصاد ومواجهة تداعيات كورونا،  والصين، وترميم علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا والحلفاء”.

في المقابل، تعتقد أوساط من المعارضة السورية أن أهمية مشروع القانون الجديد، تتمثل في دفع إدارة بايدن إلى زيادة الاهتمام بالملف السوري، وجعله من أولوياتها، بدلاً من تجاهله.

يُذكر أن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، كانت قد قدّمت مشروع القرار بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة السورية.

—————————-

الولايات المتحدة والصين وروسيا و«مصيدة ثوسيديدس»/ أمير طاهري

عندما بدأ جو بايدن رئاسته تحت شعار «عادت الدبلوماسية»، تساءل البعض عما يعنيه ذلك من منظور سياسة خارجية متماسكة. فالدبلوماسية، كما يعلم أي طالب في الصف السادس الابتدائي، هي إحدى الوسائل العديدة اللازمة لتنفيذ السياسة. فهي إما إظهار المحاباة كما تدرس أكاديمياً أو هي مرادف آخر لكلمة التمثيل، والمقصود هنا التمثيل على خشبة المسرح.

في الأسبوع الماضي، لاحظنا الدبلوماسية كما مارستها الإدارة الجديدة، محاباة وتمثيلاً. وظهرت كمحاباة في العنوان الرئيسي الذي لفت الأنظار «أميركا عادت إلى اتفاق باريس للمناخ» الذي أطلقته واشنطن.

ومع ذلك، نحن نعلم الآن أن «العودة» قد صاحبتها «شروط وتحفظات» حتى أن الفرنسيين الذين صفقوا بصوت عال في البداية بدأوا في التساؤل عما إذا كانوا قد بيعوا ضمن فاتورة بضائع.

مثال آخر جرى تقديمه من خلال الخلاف الممل حول «الصفقة النووية» مع الملالي في طهران. كان الرئيس بايدن قد لمح إلى عودة سريعة إلى المسار الذي رسمه الرئيس الأسبق باراك أوباما. وبناء على هذا الافتراض، تخيل وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب سيناريو من شأنه أن يؤدي إلى تقليم أظافر الملالي من خلال إيجاد حل دائم لـ«مشكلة إيران» التي بلغت من العمر الآن 42 عاماً.

ومع ذلك، نعلم الآن أن راب ربما يكون قد استبق الأحداث، حيث لا يزال فريق بايدن يتساءل عما يجب فعله بشأن الصفقة التي وصفها روبرت مالي، الدبلوماسي المسؤول عن الملف، بالمعيبة.

من خلال المنظور الأوسع للأشياء، قد يؤدي هذان المثالان إلى بعض الضرر. فاتفاق باريس للمناخ هو طموح أكثر من كونه استراتيجية، في حين أن مشكلة الأسلحة النووية الإيرانية كانت دائماً وسيلة لتجنب المشكلة الحقيقية المتمثلة في الخطر الذي يشكله النظام الإيراني على السلام والاستقرار الإقليميين.

ومع ذلك، ففي النسخة التمثيلية، فإن عقيدة إدارة الرئيس بايدن، إذا جازت مثل هذه التسمية، قد تسبب ضرراً لأنها تتعلق بالعلاقات مع الصين وروسيا. ففي حالة الصين، اختارت الإدارة الجديدة عقد مؤتمر وزاري في ألاسكا للتأكيد على ما بدا برودة في العلاقات. متجاهلاً درساً أساسياً من دروس الدبلوماسية وهو «أن أتعرف عليك»، اغتنم وزير الخارجية أنتوني بلينكن الفرصة لقراءة سلسلة من المحن، تاركاً الصينيين يتساءلون عن الهدف من الاجتماع الرفيع المستوى إذا لم يقدم سوى ما نراه كل يوم في وسائل الإعلام الأميركية.

رد الصينيون بالتعبير عن المزيد من الازدراء للولايات المتحدة وعلى عادتها في إلقاء المحاضرات على الآخرين. وما بقي لغزاً هو كيف ترى إدارة الرئيس بايدن حقاً جمهورية الصين الشعبية، خاصةً في الوقت الذي تنشغل فيه الصين في إعادة تعريف دورها في عالم سريع التغير.

هل الصين منافس متحدٍّ، أم خصم، أم عدو؟

هل تتجه الولايات المتحدة إلى حرب باردة أو فاترة أو حتى ساخنة مع الصين؟ ما مدى الخطورة التي عبر عنها بعض النقاد الموالين لبايدن جراء غزو الصين لتايوان وإجبار الولايات المتحدة على خوض حرب إقليمية؟

على الجانب الآخر، ماذا عن المنتقدين الآخرين، بمن فيهم هنري كيسنجر وجماعات الضغط الصينية الأخرى في واشنطن الذين يسعون إلى تسوية مؤقتة مع بكين أو حتى يرونها شريكاً محتملاً في معالجة مشكلات مع دول مثل كوريا الشمالية، أو إيران، أو بورما، ناهيك عن اتفاق باريس للمناخ؟

أثناء عودته إلى الوطن من مدينة «أنكوريج»، في ألاسكا، ربما يكون الوفد الصيني قد تنفس الصعداء، فقد أظهر «إعصار بلينكن» اللفظي حالة الارتباك فيما جرى تخفيف حدة التلويح بالعقوبات بدرجة كبيرة. الحقيقة هي أن الرئيس بايدن ليس لديه سياسة تجاه الصين، فتلميحه إلى أعمال الشغب لن ترقى إلى مستوى اتخاذ موقف سياسي.

كانت خطوة الإدارة التمهيدية بشأن روسيا أكثر إشكالية. ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس بايدن يصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «قاتل»، كان الدبلوماسي المستقل لواشنطن زلماي خليل زاد في موسكو لعقد ما يسمى مؤتمر السلام الأفغاني «بمساعدة شريكنا الروسي». يزعم أعضاء فريق الرئيس الأميركي أن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية العام الماضي لتأمين فوز دونالد ترمب، وباتت عبارة «روسيا تسعي لتقويض ديمقراطيتنا» فكرة بايدن السائدة. ومع ذلك، فإن روسيا نفسها مدعوة كشريك لتحقيق الاستقرار في ليبيا وإيجاد مستقبل لسوريا والمساعدة في الإبقاء على قيود الملالي.

كانت إحدى «إشارات النوايا الحسنة» الأولى لبايدن هي إعادة العمل باتفاقية الحد من الأسلحة التي عفّى عليها الزمن والتي تخلى عنها ترمب. وعلق نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن الاتفاقية أعيدت على الفور لأن واشنطن «قبلت جميع شروطنا». ليس من المستغرب أن تتحدث وسائل الإعلام الروسية عن «حالة ارتباك» عندما يتعلق الأمر بعلاقات موسكو مع الفريق الجديد في واشنطن. إن وصف رئيس دولة بـ«القاتل» ليس بالتعبير الدبلوماسي على أقل تقدير. وبالمناسبة، فقد أوصى تاليران، (سياسي ودبلوماسي وقائد فرنسي في القرن الثامن عشر)، بأن يمتدح الدبلوماسيون المحاورين علنا، لكن إذا لزم الأمر، يسبونهم على انفراد.

الأسئلة التي طرحناها عن الصين تنطبق أيضاً على روسيا.

هل روسيا خصم أم منافس أم عدو؟

من دون تقييم هادئ وواضح وعقلاني لمكانة روسيا فيما يخص الهوية، فإن تشكيل استراتيجية متماسكة تحدد العلاقات مع السلطات التي يجب على المرء التعامل معها أمر شبه مستحيل. فأنت لا تتعامل مع خصم، حتى وإن كان مثيراً للشغب، بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع عدو. حتى الأعداء يمكن تصنيفهم بشكل أكبر، مما يتطلب سياسات مختلفة.

العدو الآيديولوجي أو السياسي ليس في نفس فئة العدو الوجودي. فهناك أعداء يمكن تحويلهم إلى محايدين أو حتى شركاء إن لم يكونوا أصدقاء حقيقيين. ثم هناك أعداء انتحاريون، مثل الحشرات في قصة فولتير القصيرة، التي تفضل الهجوم والموت على العيش في سلام. هناك أيضاً أعداء يمكنك تجاهلهم اليوم لأنه، بحسب تعبير ذلك الساخر العظيم بيل كلينتون، يمكنك دائماً قتلهم غداً.

ما إذا كانت الصين وروسيا أعداء الولايات المتحدة لهو سؤال يحتاج إلى معالجة منفصلة. ومع ذلك، بدون الإجابة عن هذا السؤال لن يكون من الممكن وضع سياسات جادة للتعامل معهما.

الأكثر من ذلك أنه ليس من السياسة خوض معركة مع الصين وروسيا في نفس التوقيت، إذ أنهما قوتان متنافستان ترتابان بشدة في بعضهما البعض لهما مصالح اقتصادية وجيوسياسية متناقضة وليست متكاملة. فقد كان انفتاح الرئيس ريتشارد نيكسون على الصين عنصراً أساسياً في دفع الاتحاد السوفياتي نحو الانفراج وإبرام اتفاقيات هلسنكي.

نصح وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز دائماً بعدم مواجهة اثنين من المنافسين الأقوياء في نفس التوقيت، رغم أن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى التخطيط لخوض حربين رئيسيتين في وقت واحد. لقد أدرك أنه لا ينبغي الخلط بين مقتضيات السياسة الخارجية والطوارئ العسكرية رغم أن الاثنتين مكملتان لبعضهما البعض.

في الوقت الحالي، يبدو أن الرئيس بايدن مهتم بإثبات أنه مناهض لسياسات ترمب أكثر من التعامل مع قوتين انتهازيتين مصممتين على دفعنا إلى «مصيدة ثوسيديدس» وإلى نظام عالمي كما تريانه من منظور مصالحهما الضيقة.

الشرق الأوسط

========================

تحديث 27 أذار 2021

—————————-

الأسد يختبر بايدن.. يجب ألا يفشل رئيس الولايات المتحدة/ فريديريك هوف

صباح يوم 21 آذار/ مارس، ضربت قذائف المدفعية مشفى الأتارب الجراحي، في شمال غرب سورية. وأدى الهجوم على المشفى (الذي تدعمُه الجمعية الطبية السورية الأميركية: سامز)، إلى مقتل ستة مرضى وإصابة سبعة عشر آخرين، منهم أشخاص من الطاقم الطبي. وسبق أن قُدِمت إحداثيات المشفى منذ وقت طويل إلى الأمم المتحدة، وسلّمتها بدورها إلى روسيا، لضمان سلامة المشفى من الهجوم. ويبدو أن القذائف صدرت عن قوات تابعة لعميل موسكو: بشار الأسد. وإذا ما فعلوا ذلك، فإن فعلتهم هذه لن تشكل جريمة حرب -وهذا فعل روتيني عند الأسد والكرملين- بل اختبارًا لإدارة جو بايدن، وهي الجريمة التي لا يجب أن تنال تقويمًا سيئًا، وألا تمرّ مرور الكرام.

سيزعم البعض في الإدارة الأميركية الجديدة أنهم لن يدخلوا امتحانات بخصوص سورية، وأن ما يحدث في الجمهورية العربية السورية المدمّرة -ما لم يتعلق الأمر بعودة دولة العراق والشام الإسلامية: داعش- ذو أهمية هامشية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وسيزعمون أن اختبارات السياسة الخارجية الحقيقية ستُدار في الهند والمحيط الهادئ، ونصف الكرة الغربي، وأوروبا. وسيشعرون بالارتياح الكامل لأقوال وزارة الخارجية في 22 آذار/ مارس، التي ردت فيها على التذمّر بخصوص سورية: “إن المدنيين، ومن ضمنهم الأفراد الطبيون المدنيون والمرافق الطبية، لا ينبغي لهم أبدًا أن يكونوا هدفًا للعمل العسكري. ويجب أن يتوقف هذا العنف. ونكرر دعوتنا إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني”.

والواقع أنه لا توجد إدارة منذ تولي الرئيس فرانكلين روزفلت مقاليد الحكم، لديها كثير من القضايا على طاولتها -محليًا وخارجيًا- أكثر من إدارة الرئيس بايدن. سيكون من المفهوم أن يفضّل الرئيس ومستشاروه الرئيسون إبقاء سورية غير قريبة منهم. هذا أمرٌ مفهوم، ولكنه خطير؛ حيث إن استمرار وجود أسرة الأسد وحاشيته في سورية، المدعومة من إيران وروسيا، يمكنه أن يفرض تحديات على الأمن القومي الأميركي، وأمن الحلفاء والشركاء الذين تأمل الإدارة الجديدة في إعادة بناء العلاقات معهم. إن الرغبة والدعاء في أن تكون عمليات القتل الجماعي للمدنيين في سورية قضية سورية بحتة، وتكون بلا عواقب، لن تفعل لإدارة بايدن أكثر مما فعلته لإدارة باراك أوباما.

إن السياسة الخارجية، بعد كل شيء، تتلخص في حماية الأميركيين في الداخل والخارج. وإذا بقيت عائلة الأسد وحاشيته على الساحة، فإن الثقب الأسود السياسي في سورية سوف يتعمق. وسوف يقهر الناس خوفًا من الجوع والمرض وعنف النظام. وستصبح سورية محطة لإرهابيين إسلاميين من أصول إيرانية وتنظيم القاعدة وداعش. وسيكون ذلك تهديدًا للسلم والأمن الدوليين في المنطقة وخارجها، بل أسوأ مما كان عليه خلال العقد الماضي. ولن يكون الأميركيون محصنين ضد ما يحدث لسورية. ما يحدث هناك لا يبقَى هناك؛ لم يبقَ من قبلُ، ولن يبقى في المستقبل.

في سورية، إيران هي الرابح الأكبر. إنها تسعى إلى جعل البلد مثل لبنان: بلد بلا دولة، وغير خاضع للحكم حيث يمكن لوكلائها -وعلى الأخص جماعة حزب الله المسلحة- العمل بشكل آمن ودولي، كغاسلي الأموال، ومهربي المخدرات، وكقتلة، وإرهابيين.

المتطرفون الإسلاميون الآخرون هم الفائزون المحتملون. مع انتشار المجاعة والمرض، سيقدمون أنفسهم كبديل للأسد وإيران. يأمل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشمال الشرقي إعادة تأسيس “الخلافة” من خلال التمرد. ويأمل بجدية أن تنهي الولايات المتحدة وجودها العسكري هناك.

إذا ثبت أن النظام هو من نفّذ الهجوم الأخير على المشفى، فسيكون من المعقول افتراض أن الأسد قد انتظر شهرين ليرى أستسلكُ إدارة بايدن طريق المشاركة الدبلوماسية، على النحو الذي أوصى به مركز كارتر، أم لا. وحين لا يرى أي دليل على الخضوع الاستباقي، قد يتخذ الآن الخطوة المنطقية التالية: استئناف عمليات القتل الجماعي للمدنيين، ليؤكد لنفسه ولحاشيته أن كلام وزارة الخارجية سيكون الحد الأقصى لرد الولايات المتحدة. إذا كان هذا هو ما يحدث، فهل يمكن أن تكون الهجمات الكيمياوية على المدنيين -ومن ضمنها الهجمات بغاز السارين- في غياهب النسيان؟

مثل سابقاتها، لن تتبنى إدارة بايدن سياسة تغيير النظام بالعنف. ولا ينبغي لها، على الرغم من اليقين أن انزلاق سورية إلى الثقب الأسود لفشل الدولة والفوضى -وهي الحالة التي يرحب بها المتطرفون الإسلاميون والإرهابيون من الشيعة والسنّة- لن يتسارع إلا مع عائلة الأسد وحاشيته. الغزو والاحتلال ببساطة يتجاوزان حدود السياسة.

لكن الضربات الجوية العسكرية التي تُلزم الأسد بدفع ثمنٍ، مقابل تهديد السلام الإقليمي والدولي باستهداف المدنيين العزل، يجب أن تكون إلزامية. هذا ما أوصى به واحد وخمسون دبلوماسيًا أميركيًا شجاعًا في عام 2015. ألمْ نتعلمْ أي شيء على الإطلاق من عدم اتباع نصيحتهم؟!

الرئيس بايدن على حق. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل عميله السوري، “قاتل”. يجب إخبار بوتين أن التحقيق في جرائم الحرب الروسية في سورية، الذي أوصت به مجموعة دراسة سورية المكلفة من الكونغرس في عام 2019، سيبدأ. ويجب تحذيره من أن عمليات القتل الجماعي للمدنيين من قبل عميله السوري سيتم الرد عليها عسكريًا، في الأوقات والأماكن التي تختارها أميركا. في الواقع، ينبغي أن تبدأ مشاورات إدارة بايدن مع الكونغرس، بشأن التهديد الذي يشكله الأسد على السلام، بسرعة.

وبغض النظر عما قد ترغب إدارة بايدن في التفكير فيه أو الإقرار به، فقد تكون مستعدة لامتحان أولي يديره الأسد (معلّم الكثير من الدروس القاسية للرؤساء الأميركيين). لن يكون الفشل في الاختبار خاليًا من العواقب. الأسدُ وحلفاؤه، العازمون على هزيمة الولايات المتحدة وتهديد الأمن الأميركي، حريصون على ذلك.

اسم المقال الأصلي         Assad is testing Biden. The US president must not fail.

الكاتب* فريدريك هوف، Frederic Hof

مكان النشر وتاريخه         المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 24 آذار/ مارس 2021

رابط المقال         http://bit.ly/3clolwz

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

فريديريك هوف: زميل سابق متميز، مدير سابق لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سورية.

—————————–

———————————

من المعارضة السورية إلى الرئيس بايدن/ وائل السواح

في حوار بيني وبينه، قبل أسابيع، كان السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، يعيد مرارا إن انخراط الولايات المتحدة في سورية ليس في مصلحتها. كان يدافع عن سياسة أميركية انسحابية في سورية، بينما كنت أدافع عن مزيد من الانخراط الأميركي في الشأن السوري، لأن ذلك سيكون في مصلحة البلدين. وما زلت أعتقد أن هذا من مصلحة الولايات المتحدة. ببساطة، لأن الانسحاب يعني ترك سورية فريسة لروسيا وإيران، الخصمين التاريخيين لأميركا، ومدّ الحبل أمام الإرهاب الذي يمكن أن يضرب في كلّ مكان، واحتمال عودة “داعش”، وإغلاق الباب أمام عودة المهجّرين إلى بيوتهم، لتخفيف العبء عن دول اللجوء والمساهمة في إعادة الإعمار.

كانت سياسة الرئيس السابق، ترامب، في سورية تقوم على الفوضى والارتجال وعدم الاتساق، وبينما كان يوجه ضربة استعراضية إلى مطار فارغ في يوم، كان يأمر قواته بالانسحاب في يوم آخر، ما اضطر قادته إلى الكذب عليه. ومع الرئيس بايدن، ستختلف الأمور إلى حدّ كبير. فالرجل ليس هوائيا ولا هاويا، ولديه في السياسة الخارجية باع طويل، من خلال خبرته في مجلس الشيوخ أو نائبا للرئيس أوباما.

بالطبع ثمّة خوف من أن يكون عهد بايدن النسخة الثانية من عهد أوباما الذي كانت سياسته في سورية، بخطوطه الحمراء وتردده، وبالا على السوريين، بيد أن من يراقب سياسات بايدن الداخلية والخارجية يدرك الفرق بين الرجلين، فهو لم يرتمِ في أحضان الإيرانيين كما كنا نخشى، ولم يمالئ الروس ولم يغمض عيونه عن انتهاكات حقوق الإنسان في كلّ مكان في العالم. ويتمتّع برؤية شاملة، ويبني مواقفه على تبصّر في خطواته وأين ستؤدّي به، فيطلب من مساعديه أن يبيّنوا له مآل قراراته حين يتّخذها. ولكن الرجل كما بدا مولعا بإمساك العصا من المنتصف، كما في سياساته الملحوظة مع إيران والسعودية ومصر وتركيا. وأغلب الظن أنه سيتابع هذه السياسة في ما يتعلّق بالشأن السوري، فلا نتوقع منه أن يقبل حلولا جذرية للمأساة السورية. على أن مشكلة الرئيس بايدن الكبرى هي في المعارضة السورية، فمنذ أعلنت نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كرّس قادة المعارضة طاقتهم ووقتهم لتوقّع المسار الذي ستسير فيه سياسة بايدن وفريقه، لكي يكيّفوا نفسهم معها. والحال أن ذلك لا يساعد السوريين، ولا بايدن في رسم سياسة سورية صحيحة، فمهما بلغت حنكة الرئيس وخبرته، ومهما بلغت معرفة بريت ماكغورك وإيمي كاترونا في الشؤون السورية، يبقى أهل مكّة أدرى بشعابها، وتبقى المعارضة أدرى بمصلحة السوريين.

من واجب المعارضة السورية، إذن، بدل أن ينتظروا سياسة بايدن، أن يقدّموا النصيحة لإدارته في وضع سياسة سورية جديدة. أن يؤكّدوا أهمية تحقيق خرق دبلوماسي، يؤكد قرار مجلس الأمن 2254، بالحديث مباشرة مع الروس للبحث عن قواسم مشتركة تؤمّن مصلحة السوريين جميعهم أولا، ولا تغفل مصالح الأطراف المعنية الأخرى، وبينها مصالح روسيا. وسيتعين على المعارضة أن تؤكّد للرئيس بايدن أن أي حلّ يقبله السوريون لا بدّ أن يعني رحيل بشار الأسد، وتحقيق مبدأ المساءلة لجميع من ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، سواء أكان من النظام أم من المحسوبين على المعارضة. ويتعيّن على المعارضة أن تتحلّى بالجرأة للقيام بانتقاد ذاتي في هذا المجال، وعدم تقديم الحماية لمن انتهك حقوق الإنسان من المحسوبين عليهم.

ويرتبط بمبدأ المساءلة مبدأ تعزيز الحماية للمدنيين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من شتى الأطراف وفي كلّ المعتقلات، وضمان عودة طوعية كريمة وآمنة لمن يريد العودة من المهجّرين واللاجئين. وبالتالي، أي دعم لإعادة الإعمار لا يمكن أن يتمّ قبل التوصّل إلى حلّ سياسي حقيقي يحقّق سورية مدنية ديمقراطية شاملة لجميع مواطنيها، من دون الأسد وعصابته، وتقوم على أساس تداول السلطة وسيادة القانون وضمان الحقوق الأساسية لجميع المواطنين وللجماعات القومية والدينية في سورية وضمان مساواة المرأة مساواة تامة مع الرجل في كلّ المجالات.

وتمتدّ هذه السياسة أبعد من الحدود السورية، لتحقيق إصلاح للتحالفات الإقليمية، بحيث يتمّ العمل مع الشركاء الإقليميين لتسوية الاختلافات الاستراتيجية، بما في ذلك معالجة التداعيات الإنسانية وردع السلوك الإقليمي الخبيث لإيران، من خلال إشراك الشركاء الإقليميين، للمساعدة في ربط السياسة السورية بالسياسة تجاه الدول المجاورة التي تعاني أيضًا من عدم الاستقرار الشديد، مثل لبنان والعراق. ولا يمكن أن يحدث ذلك من دون البدء بتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، ما يفرض على إدارة بايدن – هاريس مواصلة الضغط الدبلوماسي لضمان استمرار فتح طرق المساعدات عبر الحدود من خلال تجديد قرار مجلس الأمن 2504، وزيادة الدعم للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية العاملة في جميع أنحاء سورية.

كما على المعارضة السورية أن تطالب الرئيس بايدن بطي قرارات ترامب الجائرة، منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى الولايات المتحدة. ومع الإقرار بالفضل لبايدن لطيه قرار حظر دخول المسلمين من بعض الدول، فإن هذا القرار وحده غير كاف، ولا بدّ من فتح الحدود أمام نسبة من اللاجئين السوريين، مع دعم إعادة توطين اللاجئين السوريين في بلدان أخرى.

لا يفيد السوريين ولا المعارضة أن تقف موقف المنفعل، وأن تبني مواقفها وسياساتها على أساس التلقّي والاستجابة للمنحى الذي تسير فيه سياسات الحكومات الغربية والإقليمية. ولا يفيد السوريين ولا المعارضة كيلُ الاتهامات للحكومات ورفعُ الشعارات الراديكالية وحملُ المظلومية السورية في وجه الحكومات، فالحكومات الغربية ليست أمهاتنا، وإنما هي هيئات انتخبتها شعوبها لتحقيق مصالح تلك الشعوب بالدرجة الأولى. ومن المهم والذكي أن نبحث لأنفسنا عن التقاطعات الممكنة بين مصالحنا ومصالح تلك الشعوب، لكي نبني وإياها تحالفا يطول زمنه أو يقصر، لكنه قد يؤدّي إلى ما فيه مصلحة السوريين، جميع السوريين، ما عدا القتلة وكبار المجرمين.

العربي الجديد

—————————

لا بد من خطة أميركية شاملة لسوريا/ أيمن عبد النور

دعونا نتخيل سوريا ليس كدولة ممزقة بالحرب، لكن كقطار يتدحرج على مسارات مدمرة باتجاه النيران. وبحسب الأمم المتحدة، فإن سائق هذا القطار المعترف به رسمياً لا يزال بشار الأسد، لكن كل عربة تتأرجح خلفه مليئة بمجموعة كبيرة من المشاكل الخاصة بها. وعلى مدى العقد الماضي من الصراع، زادت العربات التي يجرها باطراد مع تقدم عمر الصراع، وكل عربة لها خصوصيتها من قبل الفاعلين والمؤثرين المحليين والإقليميين والدوليين، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية والحساسيات الدينية.

لا يمكن النظر إلى سوريا بعين واحدة واختزالها بأنها فوضى واحدة ضخمة، فكل عربة من هذه العربات تتطلب رؤية خاصة بها لحلها، وبالتالي فالحل الكلي هو مجموعة متعددة من حلول مختلفة كلياً؛ إذ إن الوضع في سوريا شديد العمق. فهي ليست فقط حرباً بالوكالة بين قوى خارجية تتنافس على أجنداتها، بل هي حرب لاعبين محليين وإقليميين يتنافسون على السلطة والمكاسب. ويمكننا أيضاً إضافة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ووباء «كوفيد – 19» كعربة أخرى يجب مواجهة تحدياتها.

كما هو واضح تتطلب كل عربة – نظراً لاختلاف الظروف التي مرت بها واختلاف المحن والفاعلين – نهجاً مختلفاً واستراتيجية مختلفة وفريقاً منفصلاً لحل المشكلات مرتبطاً بجدول زمني خاص لكل عربة. علاوة على ذلك، تحتاج كل عربة لاعبين وممثلين مختلفين من دول أجنبية للجلوس على طاولة القرار الخاصة بها.

باختصار، لن تؤدي استراتيجية شاملة واحدة لسوريا إلى حل كل مشاكلها. لكن ربما ما لا يخبره المستشارون وصناع السياسة للرئيس جو بايدن بأن هناك عدداً كبيراً من الحراك الشعبي يدعم مشاركة الولايات المتحدة بطريقة إيجابية في كل من المجالات الرئيسية. هؤلاء هم مجموعات من المدنيين لا يحملون السلاح. هم مستقلون في تفكيرهم وليسوا مقتنعين بسردية النظام أو «هيئة تحرير الشام» أو الأكراد أو أي خط متسلط آخر.

كل يوم، أتواصل مع مئات الأفراد في هذه المناطق من المستعدين والراغبين في التعاون مع واشنطن لتقوم باتخاذ خطوات للحل؛ مما سيسهل هذه المهمة إلى حد كبير، ومن أهم ما يريده هؤلاء الأشخاص هو مستقبل مستقر وتعليم أفضل – فهم يريدون مدارس ومعاهد وفق أساليب التدريس الأميركية، وذلك في سعيهم لضمان مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.

ما هي الخطوة الأولى؟

سيستمر القطار في الانزلاق إلى الهاوية إذا لم نغير السائق (بشار الأسد) فكل تلك العربات لن تصل إلى المحطة الصحيحة أبداً. يمكن أن يحدث هذا بسهولة، إذا وافقت عليه الولايات المتحدة وروسيا. إذ يمكن للبلدين التعاون للمساعدة في تشكيل إدارة وهيئة حكم انتقالي، كالنموذج الذي حصل في السودان. طبعاً هذا القرار، لن يغير هذا الاضطراب داخل العربات، لكنه سيقلل السرعة ويضبط المسارات.

ثانياً، تحتاج واشنطن إلى تعيين مبعوث خاص لسوريا كما فعلت مع إيران واليمن. ولديّ ثقة كاملة بالوزير أنتوني بلينكن في قلبه وعقله للقيام بالشيء الصحيح باتجاه سوريا. سيشكل المبعوث فرقاً للتعامل الجزئي مع المناطق المختلفة في سوريا، بموظفين وميزانيات وأهداف مختلفة، ويجب أن تشمل تلك الفرق ممثلين من الحراك الشعبي على الأرض؛ إذ يجب ألا ننسى أصواتهم.

سيعمل فريق آخر على المستوى الكلي لدفع الحكومة الانتقالية في سوريا للإعداد لانتخابات حرة ونزيهة، بالإضافة إلى المهمة الضخمة لإعادة الإعمار – والتي يمكن وينبغي أن تعود بالفائدة على الشركات الأميركية. كما يجب إلغاء التقييد والعقوبات المتعلقة بقطاع (الطاقة – إعادة الإعمار). ومن أجل تسريع رفعها والالتزام بتصريحات المسؤولين الأميركيين بأن سوريا يجب ألا تتصرف بعدائية تجاه جيرانها، ويجب تسوية المناطق الجنوبية الغربية بمشاركة إسرائيل.

نريد الاستفادة من المشروع الكبير لإعادة الإعمار في سوريا، وحل الصراع السوري – الإسرائيلي بسرعة بإنهاء الاحتلال وتوقيع اتفاق سلام؛ حتى نتمكن من تضمين مرتفعات الجولان في هذا المشروع الضخم لتكون واحة تكنولوجية وخدماتية لجميع دول المنطقة.

ومن الضروري أيضاً تغيير نموذج المحافظات المعتمد حالياً إلى «ولايات»؛ مما يتيح لحكام تلك الولايات المنتخبين صلاحيات كبيرة للعمل على خطط التنمية الاستراتيجية مع أي دولة ستمول وتنفذ الكثير من المشاريع بتلك الولاية، سواء كانت من دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو اليابان أو تركيا. لإيران فرصة للعب دور اقتصادي وليس عسكرياً أو سياسياً بعد إخراج ميليشياتها. كما لروسيا دور إذا دعمت الحل.

هذا النهج المتعدد الأوجه سيمهد الطريق للسوريين من العمالة الماهرة للعودة إلى وطنهم بأمان وضمان تلبية احتياجاتهم للاستقرار. وهذه الخطة هي أيضاً في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة؛ إذ لن يكون لـ«داعش» أي مجتمعات مضيفة مما سيساهم بانحساره – كما سيفقد «حزب الله» أوراق الطرنيب الخاصة به، وسيكون للولايات المتحدة نفوذ إضافي في محادثات إيران المستقبلية، بالنظر إلى تضاؤل وجود طهران في سوريا.

بصفتنا سوريين، ندعو الرئيس بايدن إلى تنفيذ هذه الخطة لإنهاء هذه المعاناة التي استمرت عشر سنوات، التي فقد فيها ما لا يقل عن مليون شخص حياتهم، ومنهم من قتل تحت التعذيب في المعتقلات. هذا لا يجب أن يستمر. وكأعضاء في المغتربات، وخاصة الذين في الولايات المتحدة، نحن هنا لدعمكم. ويمكنني أن أؤكد لكم أن هؤلاء السوريين على الأرض ينتظرون بفارغ الصبر هذه اللحظة. هذه هي سوريا الجديدة – سلمية ومزدهرة – ويمكنك أن تقود الطريق.

خاص بـ«الشرق الأوسط»

———————-

==================

تحديث 30 أذار 2021

———————–

مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه سورية: إلى أيّ مدًى ستكون مختلفة؟

قسم الترجمة

في ظل الإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض، هناك توقعات مثالية بخصوص التغيير في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط عمومًا، وتجاه سورية خصوصًا. ثمة من يزعم أن سياسة الشرق الأوسط الأميركية ستظل متماشية إلى حدٍّ ما مع سياسة ترامب، في حين يعتقد آخرون أن فريق بايدن سيحاول عكس كثير من خطوات السياسة الخارجية السابقة. ويقول غيرهم علينا أن نتوقع سياسة على غرار سياسة أوباما في الشرق الأوسط، وهو ما يعني مزيدًا من المشاركة الدبلوماسية، مع قدر أقل من المشاركة العسكرية، وتركيز أكبر على قضايا حقوق الإنسان.

الحقيقة، كالعادة، تكمن في مكانٍ ما في الوسط بين تلك المزاعم. والمؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستحاول التراجع عن بعض تحركات سلفها: الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، ووضع الحوثيين على قائمة الإرهاب، وتعليق المساعدات للفلسطينيين، وما إلى ذلك. ومع ذلك، سيحتاج هذا إلى جهد كبير من جانب البيت الأبيض الجديد.

أولًا، ستُمضي الإدارة الجديدة وقتًا أطول بكثير في التعامل مع القضايا المحلية التي ورثتها عن ترامب: السياسة الداخلية المستقطَبة، والقضايا الاقتصادية، وعواقب جائحة (كوفيد -19) والاستجابة لها، وما إلى ذلك. وسيتعين على إدارة بايدن أن تكرّس كثيرًا من وقتها لكل هذه القضايا، لذلك من الآمن القول إن الشرق الأوسط لن يبرز في طليعة تركيز السياسة الخارجية الأميركية.

ثانيًا، في مجال السياسة الخارجية، تعد علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا والصين وروسيا ذات أهمية أكبر لواشنطن، من العلاقات مع الشرق الأوسط التي لن تشغل سوى موقع هامشي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كونها مصدر قلق فقط من خلال منظور التهديدات الاستراتيجية، مثل مكافحة الإرهاب (جهود التحالف ضد داعش)، وعدم الانتشار النووي (إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة)، والتعامل مع الجهات الفاعلة المشاركة في هذه القضايا.

ثالثًا، سيواجه بايدن بعض المعارضة المحلية لبعض قضايا سياسة الشرق الأوسط، على سبيل المثال، الاتفاق النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والكيانات والشركات الخاضعة للعقوبات، وما إلى ذلك.

أخيرًا، بسبب وجود وجهات نظر ومقاربات وأسباب مختلفة، فمن المحتمل أن يحبط حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وإسرائيل) بعض الخطط التي وضعتها الإدارة الجديدة.

لذلك، لا ينبغي أن نتوقع أن يشغل الشرق الأوسط مكانة مرموقة على جدول أعمال (أجندة) السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعلينا إبقاء توقعاتنا منخفضة فيما يتعلق بالمخاوف من حدوث اختراقات محتملة في الملفات التي ستحظى باهتمام أميركي معين: الاتفاق النووي الإيراني، قضية الأكراد السوريين، المصالحة مع تركيا، والتعامل مع ليبيا، وتنمية العلاقات مع إسرائيل وفلسطين.

سورية ليست أولوية

لم تكن سورية أولويةً بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية البتة، ومن المرجح أن تظل قضية من الدرجة الثانية بالنسبة إلى بايدن وفريقه. في الواقع، تُظهر بعض التحليلات لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي ثبات هذي المقاربة. على الرغم من أن أوباما بدأ رئاسته بخطابه في القاهرة عام 2009، الذي قصدَ أن يكون إشارة دعم للمنطقة واهتمامًا متزايدًا من الولايات المتحدة، فإن إدارته استجابت للانتفاضة العربية ببعض الحذر، وكانت مترددة في زيادة المشاركة الأميركية في الصراعات الإقليمية (العراق، وسورية، واليمن، وليبيا)، وبدلًا من ذلك فضلت الابتعاد عن الأضواء، والمضي قدمًا في حربها ضد الإرهاب، والتركيز على الدبلوماسية إلى حد أكبر. واصلت إدارة ترامب، إلى حد كبير، هذا النهج بقصد تجنب التدخل العسكري وتحويل المزيد من المسؤولية عن الأمن والمشكلات الإقليمية إلى حلفائها الإقليميين: إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وغيرها. بينما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وزاد ضغط العقوبات على طهران، لم يترجم هذا إلى تغيير مهم في النهج الأميركي تجاه المنطقة. حتى في سورية، التي تعرضت لهجمات صاروخية أميركية عدة، لم تؤد تحركات الإدارة السابقة إلى تغيير جذري في الوضع على الأرض. علاوة على ذلك، فإن “خيانة” الولايات المتحدة للأكراد، مع الانسحاب الجزئي لجيشها من سورية، لم تكن لها تأثير خطير في مسار الصراع. لذلك، على مدى العقد الماضي، كانت السياسة الإقليمية للولايات المتحدة تسير على تلك الخطوط من المشاركة المحدودة، ومكافحة الإرهاب، ودعم حلفائها الإقليميين.

اليوم، لا تستعدّ خطط إدارة بايدن لتغيير في النهج الراسخ، ولن تتعامل إلا مع عدد محدود من القضايا السياسية، تلك التي تتعرض لانتقادات شديدة في عهد ترامب، على سبيل المثال، الاتفاق مع إيران، وتقديم الدعم للأكراد السوريين، وتعليق الحوار مع الفلسطينيين وتقديم المساعدة لهم، وما إلى ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تنظر إلى الصراع السوري على أنه مشكلة منفصلة، مهمة في حد ذاتها. وتتعامل معه على أنه قضية ثانوية ترتبط بقضايا سياسية أخرى أكثر أهمية، مثل التعامل مع إيران والاتفاق النووي، والعلاقات مع تركيا، التي تصنف الميليشيات الكردية السورية (وحدات حماية الشعب) المدعومة من الولايات المتحدة بأنها إرهابية. وكذلك التعامل مع روسيا التي أصبحت، في الأعوام الأخيرة، أكثر فاعلية في سورية وفي المنطقة ككل، أو تضمن أمن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والعراق.. إلخ) الذين يشعرون بالتهديد نتيجة الوجود العسكري الإيراني المتزايد في سورية. لذلك، يُنظر إلى الملف السوري إلى حد كبير في سياق السياسات الأميركية تجاه إيران وروسيا وتركيا، لا كمصدر قلق منفصل للسياسة الخارجية.

ومن المثير للاهتمام، أن الإدارة الجديدة رفضت إرسال ممثلها إلى الجولة الخامسة عشرة من محادثات آستانا الخاصة بسورية، التي عقدِت في سوتشي يومي 16 و17 شباط/ فبراير، على الرغم من توجيه دعوة لها، كما قال ألكسندر لافرنتييف (المبعوث الروسي الخاص إلى سورية). وكانت الولايات المتحدة قد توقفت عن المشاركة في اجتماعات آستانا في منتصف عام 2018. ومضى لافرنتييف ليشير إلى أن الإدارة الجديدة لم تصغ بعدُ سياستها تجاه سورية، على الرغم من توليها مهامها رسميًا منذ أكثر من شهر. وخلص المبعوث الروسي إلى أن “هناك إشارات [قادمة من الولايات المتحدة] بأنهم سيكونون مستعدين للعمل معنا، ولكن حتى الآن لم يتم تقديم أي مقترحات نهائية”. حتى الآن، لم تُظهر واشنطن سياستها تجاه سورية، تاركة الجهات الفاعلة الأخرى مشغولة بتخمين نهجها المحتمل وخطواتها المستقبلية.

موسكو قلقة من سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية

يعدّ الوجود العسكري الأميركي في سورية من بين المخاوف الرئيسة لروسيا. حيث ينتشر جنود أميركيون في المحافظات الشمالية الشرقية والشرقية من سورية، وكذلك في الجنوب حول موقع التنف على الحدود مع الأردن والعراق. وتنظر موسكو إلى الوجود الأميركي في البلاد على أنه غير قانوني، وتعدّه من العقبات الرئيسة أمام إعادة توحيد سورية. إن الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد يمنعها من إبرام صفقة مع دمشق، وهو أمرٌ ضروري لاستعادة وحدة أراضي البلاد والسيطرة على تلك المناطق، مثل معظم حقول النفط والموارد المائية (نهر الفرات)، وحوالي 40 في المئة من جميع الأراضي الزراعية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. لذلك، فإن موعد خروج الولايات المتحدة من سورية هو أحد أهم الأسئلة بالنسبة إلى روسيا.

الإجابة المختصرة هي أن واشنطن لن تسحب قواتها من سورية، على الأقل في المدى المتوسط. بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض، هناك مصالح وأهداف معينة للولايات المتحدة في سورية، ولن تتخلى عنها بأي حال.

أولًا، قبل كل شيء، الوجود العسكري الأميركي في سورية يعدّ رادعًا لقوات الحكومة السورية والميليشيات الموالية، وكذلك لروسيا وإيران والوحدات الموالية لإيران وتركيا. القوات الأميركية تمنع الجيش العربي السوري والقوات الروسية من فرض سيطرتها على حقول النفط، وتوسيع نطاقها إلى محافظات شمال شرق وشرق سورية التي تحتاج إليها من الناحية الاقتصادية، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص. كما أنهم يراقبون الأنشطة الإيرانية في شرق سورية، على الحدود مع العراق (المعبر الحدودي في البوكمال)، ويمنعون إيران من مزيد من التحصين. وأخيرًا، تمنع القوات الأميركية القوات التركية والمعارضة السورية المسلحة المدعومة من أنقرة من الهجوم على الأكراد السوريين. وإضافة إلى ذلك، يراقب الجيش الأميركي الأنشطة والتحركات الروسية في المنطقة. إن وجود بضع مئات من الجنود الأميركيين في البلاد -وهو وجود لا يشكل عبئًا ثقيلًا على واشنطن- يضرب بضعة عصافير بحجر واحد. هذا هو السبب في أننا بالكاد نتوقع أن تتخلى القيادة الأميركية الجديدة عن مثل هذا الموقف.

ثانيًا، حقيقة أن الولايات المتحدة قادرة على زيادة وجودها العسكري بشكل كبير في سورية، في أي لحظة، وفي غضون فترة زمنية قصيرة، تضعها في موقف يمكن أن تكون مفسدًا لأي مبادرة عسكرية أو سياسية/ دبلوماسية أو صفقة قد تبدأ بها روسيا، أو إيران، أو الحكومة السورية، أو تركيا. إلى جانب ذلك، تشير التقارير الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة تقوم ببناء قاعدة عسكرية جديدة مع منشآت مطار، بالقرب من حقل العمر النفطي في دير الزور. يبلغ طول مدرجاته (2,5) كم، بتجهيز يسمح لها باستضافة طائرات عسكرية ثقيلة (لوكهيد سي -130 العملاقة، ولوكهيد سي -5 غالاكسي، أو ب -52). بمجرد الانتهاء منه، ستتيح القاعدة للولايات المتحدة إرسال آلاف من الجنود أو مقاتلين من دول مختلفة بسهولة إلى سورية، بين عشية وضحاها، وهو ما يمنحها فرصة لبناء وجودها العسكري وقدراتها بسرعة في المنطقة. وهذا يجعل واشنطن مشاركًا لا غنى عنه في أي تسوية في سورية، ويجبر موسكو وأنقرة وطهران ودمشق على مراعاة المصالح والمخاوف الأميركية. من غير المحتمل أن تكون واشنطن مستعدة لخسارة مثل هذا النفوذ.

ثالثًا، كونها زعيمة التحالف المناهض لـ (داعش)، تحافظ الولايات المتحدة على وجودها على الأرض، ويمكنها ذلك من محاربة فلول الإرهابيين. لفت المسؤولون الأميركيون الانتباه حديًثا إلى حقيقة أن التركيز الرئيس للجيش الأميركي في سورية هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أصبح أكثر نشاطًا خلال الأشهر الستة الماضية. هذا السبب هو ذريعة رسمية لتبرير الوجود الأميركي في البلاد.

أخيرًا، تريد الولايات المتحدة الحفاظ على قدرتها على التأثير في العملية السياسية في سورية. حتى الآن، تمتلك واشنطن أدوات عدة تحت تصرفها. تسببت عقوباتها أحادية الجانب إلى جانب قانون قيصر في خلق مشكلات إضافية خطيرة للاقتصاد السوري، وكذلك للوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني والطبي الذي يؤثر على ملايين المدنيين العاديين أيضًا. هذه العقوبات ذات دوافع سياسية، وتسعى إلى تغيير سلوك النظام، وهو أمرٌ لم يتحقق. بشكل أساسي، يؤدي هذا إلى جعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في البلاد أسوأ، ويعرقل محاولات إعادة بناء البنية التحتية الأساسية. أبلغت كثير من المنظمات الإنسانية عن عوائق خطيرة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية وإعادة بناء البلاد، حيث تخشى كثير من المنظمات غير الحكومية الدولية ببساطة العملَ في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، بسبب خوفها من التعرض للعقوبات. ووفقًا للمقرر الخاص للأمم المتحدة البروفيسور ألينا دوهان، فإن “العقوبات الثانوية والإفراط في الامتثال للعقوبات الأحادية يؤديان إلى خوف جميع المحاورين، ويؤثران كثيرًا في جميع الفئات السكانية في المجتمعات المستهدفة، ويعوق الأفراد والشركات الخاصة والعاملين والعلماء والأطباء عن تأدية عملهم والتمتع بحقوق الإنسان”. نتيجة لذلك، تسمح العقوبات الأميركية على سورية لواشنطن بممارسة تأثير خطير (جدي) على التسوية السياسية للصراع، وكذلك على إعادة الإعمار الاقتصادي في سورية، إلى جانب السماح للولايات المتحدة بأن تظل فاعلًا رئيسًا في حل الصراع.

النفوذ الآخر الذي تتمتع به الولايات المتحدة المتعلق بتشكيل وتأطير العملية السياسية في سورية هو دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). اليوم، بينما تدعم واشنطن الأكراد السوريين، نجدها تعرقل أي محادثات جادة بينهم وبين السلطات السورية في دمشق، تهدف إلى إعادة دمج المحافظات الشمالية الشرقية والشرقية من سورية تحت سيطرة الحكومة المركزية. وعلى الرغم من أن الجولة الأخيرة من المحادثات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمشق، التي بدأتها موسكو، انتهت بالتوصل إلى اتفاق مبدئي مهم حول القضايا الخلافية الكبرى، فإن هذا لا يمنع الأكراد من التراجع بمجرد أن يقرر الأميركيون الاستمرار أو الزيادة بدعمهم لهم وإعادة تأكيد التزاماتهم. يمكن أن تؤثر هذه التحركات تأثيرًا كبيرًا في العمليات السياسية الجارية داخل سورية، وتمنع البلاد من استعادة وحدة أراضيها. ما دام الأكراد السوريون يتمتعون بدعم والتزامات من الولايات المتحدة، فمن الصعب للغاية توقع توصلهم إلى أي صفقة قابلة للتطبيق مع دمشق.

على المنوال نفسه، يمكن للولايات المتحدة التأثير على تركيا وسياستها تجاه سورية، إما بزيادة الضغط على أنقرة أو بمحاولة استمالتها من خلال معالجة مخاوفها والإشراف على اتفاق تركي كردي. يمكن أن تؤدي مثل هذه الخطوات إلى تغيير مسار الصراع، ومن ثم إلى التأثير بعمق على المواقف الروسية في سورية.

ينطبق المنطق ذاته على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة؛ إذ تود واشنطن بشدة ربط الاتفاق النووي بقضايا أخرى مثيرة للقلق، مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني و/ أو “أنشطتها الخبيثة في المنطقة”، من ضمنها نشاطاتها في سورية. تطمح مثل هذه المقاربة إلى تغيير سلوك إيران، على سبيل المثال، في سورية مقابل إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية. وفق المنطق الأميركي، يمتلك البيت الأبيض اليد العليا في المحادثات مع إيران، حيث يتمكن من إجبارها على اتباع مسارها المفضّل. يمكن أن يؤثر ذلك بدوره على سلوك إيران المتعلق بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وعلى سلوكها المتعلق بسياستها السورية أيضًا. إذا فشلت هذه المقاربة؛ فالمخاطر عالية، لأن هذا سيكون له نتائج عكسية. إذا لم يتم إحياء الاتفاق النووي وظلت العقوبات سارية؛ فمن المرجح أن تستمر إيران في “أنشطتها الخبيثة” في سورية وفي جميع أنحاء المنطقة، مع الاحتفاظ بخيار تصعيدها. حتى الهجوم الأميركي الأخير على أهداف موالية لإيران في سورية كان له علاقة بإيران وأنشطتها في العراق وسورية أكثر من ارتباطه بالصراع السوري نفسه.

وهذا يعني أنه سيكون للسياسة الأميركية تجاه إيران وإحياء الاتفاق النووي، أو تجاه الأكراد السوريين، أو الطريقة التي ستتعامل بها إدارة بايدن مع تركيا أو روسيا، حول مسار الصراع السوري، تأثير خطير على الوضع في سورية. حتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى أن سورية ستكون من بين أولويات الإدارة الجديدة. ومع ذلك، ستبقى سورية على الأرجح جزءًا من السياسات الإقليمية للولايات المتحدة، وخاضعة لتعامل الولايات المتحدة مع إيران وتركيا وروسيا. يمكن أن يكون لنتائج الحوار، بين الولايات المتحدة وإيران والولايات المتحدة وتركيا والولايات المتحدة وروسيا، تأثير عميق على الوضع في سورية. وعلى الرغم من صعوبة توقع قيام الإدارة الأميركية الجديدة بتغيير جذري في نهجها تجاه الصراع السوري، فقد تكون هناك طرق جديدة واعدة للدبلوماسية التي نأمل أن تسفر عن نتائج إيجابية أكثر من النتائج السلبية.

اسم المقالة الأصلي        New US Administration Approach to Syria: How Different Could It Be?

الكاتب* ألكسي خليبنيكوف، Alexy Khlebnikov

مكان النشر وتاريخه         مجلس الشؤون الروسية الدولية، RUSSIAN INTERNATIONAL AFFAIRS COUNCIL (RIAC)

رابط المقالة        http://bit.ly/3eWESsq

عدد الكلمات       2110

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

*- ألكسي خليبنيكوف: خبير في قضايا الشرق الأوسط ومحلل في قضايا السياسة الخارجية الروسية، ماجستير في السياسة العامة العالمية، كلية هوبير همفري للشؤون العامة، جامعة مينيسوتا. مرشح دكتوراه، خبير في مجلس الشؤون الروسية الدولية (RIAC).

مركز حرمون

————————–

هل تمتلك أمريكا تصوراً للحل سورياً/  د. جمال الشوفي

مع أن السياسية الأمريكية تعتبر من السياسات المتغيرة والبراغماتية، لكنها سياسة ترتسم بسياق عام استراتيجي تبنيه مراكز دراستها المختصة وفق سيناريوهات متعددة تستطيع من خلالها وضع تصور عام وخطط استراتيجية ومرحلية لتنفيذها. وهذا ما تفتقره السياسة العربية في المقابل سوى نادراً.

في هذا السياق يبرز دور بعض السياسيين السوريين الضالعين في قراءة المشهد السوري ووضع اسسه ومفاصله الدولية، وهذا ما حاوله كل من الأستاذ أيمن عبد النور بمقال عنوانه “لابد من خطة أمريكية شاملة لسوريا” نشر في الشرق الأوسط في 27/3/2021، وحاوره بها الدكتور حازم نهار في مقال نشره بالمدن تحت “عنوان نقاش مع ايمن عبد النور” نشر في 28/3/2021.

ويظهر بداية حرص كلا المتحاورين على وضع محددات للسياسة الأمريكية في المنطقة وخاصة سورية فيما يتعلق بألية الحل في المسألة السورية، ويبدو كلا المقالين يحمل سيناريو معين لرؤية السياسية الأمريكية في المنطقة.

بغض النظر عن كيفية علاج كليهما لسياق المسألة السورية لكن الملفت للنظر الحوار العلني في قضايا حساسة أولاً والاختلاف المتكامل في الحوار ثانياً والحرص على الفاعلية السورية ثالثاً.

وفق لهذا التصور اتساءل معهما هل تملك أمريكياً تصوراً للحل في سوريا؟ سؤال مشروع يستلزم قليل من المراجعة والتحديد في ملفات المنطقة عموماً وسورية خاصة:

    كتب بن رودس، مستشار الأمن القومي الأمريكي في فترة حكم باراك أوباما، في كتابه The World As It Is”” أن جل اهتمام أمريكيا وعلى رأسها أوباما في ذلك الوقت من الربيع العربي، هو انجاز صفقتي الكيماوي السوري والنووي الإيراني، والتي قال فيها أوباما حينها “تمت المهمة ولا أريد أن أسمع عن سوريا بعد اليوم”.

    في عام 2015 كتب مركز راند الأمريكي دراسة عنوان “خطة سلام من اجل سورية”، تستند الخطة إلى تقسيم سورية إلى مناطق آمنة كأساس للاستقرار والحل فيها، فتقول الدراسة: ((إن أفضل الآمال من أجل وقف المقتلة السوريّة، هو القبول بمناطق مُتفّق عليها، تأخذ في حسبانها التقسيمات الإثنو-طائفية، والخطوط الحالية للمعركة))، وهذه المناطق هي: منطقة سيطرة النظام من الساحل السوري إلى دمشق وتحت الوصاية والضمانة الروسية. منطقتان منفصلتان كلية تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، واحدة في الشمال السوري في إدلب وشمال حلب تحت الوصاية والضمانة التركية، والثانية في الجنوب السوري تحت الوصاية والضمانة الأردنية. منطقة كردية شرق الفرات وشمال غرب سورية تحت الوصاية الأمريكية. على أن يتم إدارة هذه المناطق بالمسيطرين عليها من قوى الأرض، على أن تضمن كل من روسيا وإيران التزام النظام، وتركيا والأردن التزام المعارضة، وأمريكيا التزام الأكراد، لتبقى منطقة داعش الشرقية تحت الوصاية الدولية بعد طردها منها. وهذا ما يتفق جزئيا مع عبد النور في موضوع “العربات” الذي اقترحه أولياً للحل السوري. ولكن ذات الخطة لم تكتمل لا في شروط تحقيقها ولا في قدرتها على انجاز خطة السلام المزمعة لليوم.

    درجت حكومة رونالد ترامب على إدارة ملفات المنطقة بطريقة الابتزاز السياسي العام لجميع الأطراف الإقليمية سواء الخليجية أو التركية، وذلك في سياق سياسة نفعية محضة، فحافظت على مواقعها الاستراتيجية ذات العصا الطويلة في إدارة ملفات المنطقة خصوصاً من خلال تموضعها في مثلث التنف السوري، لتضغط بذلك على جميع الأطراف الفاعلة في الملف السوري سواء الروس أو الأتراك والنظام وايران، دون الدخول في مواجهات مع أي منها، ببقدر الحفاظ على الاستقرار النسبي شرق الفرات وترك الملف السوري لفوضى عارمة دون أحداث بوادر حل جدية فيها وهذا ما يتفق مع رؤية النهار.

اليوم يهتم جميع السوريين خاصة المقربين من دوائر صنع القرار الأمريكي في وضع ملامح تصور لطريقة ودور السياسة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن وذلك بالاستناد لقوة وفاعلية القرار الأمريكي على الساحة الدولية، هذا مع تباين واضح في تصريحات سياسيها إزاء سورية، فبينما تصر خارجيتها على ضرورة الحل السياسي السوري والضغط باتجاه تسوية سياسية في سورية بمرجعية 2254/2015، بينما لم تبدي الإدارة الامريكية موقفاً واضحاً من المسألة السورية بقدر طلبها من المقربين السوريين حولها بتقديم تصور عن الحالة فيها وطرق حلها.

في هذا السياق يمكن وضع محددات عامة تقوم بها السياسة الأمريكية وتشغل الفاعلين في صناعة قراراتها نلخصها في نقاط عدة دون استنفاذ غيرها:

    بقائها على رأس قمة الهرم العالمي في نظام احادي القطب تنافسها عليه بالوقت الحالي كل من روسيا جيوبوليتيكيا والصين تقنيا واقتصادياً. ما يؤهل سياستها لتجنب المواجهات الحادة مع كليهما، خاصة روسيا المتمسكة بعودتها لمربع القطبية العالمية من خلال البوابة السورية، بقدر العمل على ترويضها في سياق ذات النظام. وكل الطرفين الأمريكي والروسي يتقنان اللعب بأوراق متعددة بذات الوقت وفق معايير مصالحها المرحلية والاستراتيجية، لتبدو أنه ثمة نقطتي اتفاق بينهما خلاف ذلك تتمثل ب: تحجيم أدوار اللاعبين الاقليمين التركي جزئياً والإيراني كلياً في منطقة الشرق الأوسط، ثانيهما ايجاد محيط آمن لما يسمى بالأمن القومي الإسرائيلي المتشارك والمتداخل مع الدور الأمريكي من جهة والروسي من جهة أخرى خاصة في المسألة السورية.

    خطوط المواجهة الروسية الأمريكية في سورية لا يمكنها تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة تحت عنوان عريض للقوى الكبرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بحيث لا يمكن حدوث مواجهة مباشرة بينهما في منطقة معينة بقدر اللجوء للعقوبات الاقتصادية، الذراع الفعال في السياسة الأمريكية لليوم، ومع هذا لم ينفع قانون عقوبات قيصر في جعل الروس يميلون للحل السياسي في سورية لليوم، سوى أن سياسة لا إعادة اعمار في سوريا بلا حل سياسي فيها تبدو ورقة قابلة للتنفيذ والتقارب بين السياستين حولها.

    أمام أمريكيا سلة متكاملة للعمل في الشرق الأوسط سواء في العراق أو سوريا أو في الخليج العربي، ويأتي التمدد الصيني خارج حدودها اليوم بتنفيذها صفقة الموانئ الإيرانية عقبة إضافية أمام السياسة الأمريكية في عموم المنطقة، ما يجعل الارباك بادٍ عليها، وبالأصح لا تمتلك خطة واضحة او تصور واضح حول آلية التعامل مع المنطقة لليوم ضمن هذه الملفات المعقدة.

حددت الخارجية الامريكية في العام 2014 ما بدا أنه خطتها الاستراتيجية لمواجهة التمدد الجيوبولتيكي متعدد الأطراف المتمثل بالصين وروسيا وإيران، ويبدو أنها بدأت العمل من وقتها على وضع خططها الاستراتيجية لهكذا مواجهات قاسية، بدأت مفاعيلها بالاتضاح في مواجهات التقنية الكبرى مع شركة هوواي الصينية، ومع التمدد الروسي ووصوله للبحر المتوسط، إضافة لاتساع رقعة التواجد الإيراني، ما يجعل طبول الحرب العالمية الثالثة، التي كان هنري كسنجر 2013 قد حذر منها مبكراً، أكثر سماعاً اليوم من أي وقت مضى. فاذا ما أخذت سياسات الدول الكبرى في الحذر بخطوطها الحمراء القوية هذه من تفادي المواجهات الحادة، فان المسألة السورية ستصبح قريباً على طاولة التفاوض العالمي متعدد الأطراف لإيجاد حل فيها وإيلاء الأوربيين دور فعال فيها كحل وسط بين جميع الأطراف، وهذا ليس إرضاء للسوريين ومظالمهم بقدر تفادي هذا الاحتكاك الخطر على السلم العالمي. وأظن هذا ما يمكن الحوار حوله بوضوح بين أروقة الفاعلين السوريين سياسياً، بهذا الوضوح المعلن الذي بدأه عبد النور والنهار، دون مجازفات أيديولوجية لازلت تمارسها معظم صنوف المعارضة السورية خاصة مع غياب دور مراكز الدراسات السورية عن التأثير في قراءة المشهد العام، ليبرز على السطح في هذا السياق دور العقلانية والحوار الهادئ والمنتج في تحديد أولويات العمل الممكن وكيفية الاستفادة من هذه التباينات الدولية ولو بحدها الأدنى في وضع تصور للحل السوري وان كان جزئياً ومرحلياً لكنه يبدأ بطوي صفحة الحرب والقتل الجزافي والتوجه نحو السلام العام كنقطة ارتكاز دولية مطلوبة اليوم وكل يوم…

——————————-

مكاسب دبلوماسية صينية في مواجهة أميركا/ روبرت فورد

على صعيد الدبلوماسية الأميركية، لم يكن النصف الثاني من مارس (آذار) ناجحاً. في 18 مارس، استضاف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اثنين من كبار الدبلوماسيين الصينيين في ألاسكا، وحرص بلينكن على تذكير وسائل الإعلام العالمية بالشكاوى الأميركية ضد الصين، مثل التعامل مع إقليم شينغيانغ وهونغ كونغ، والتهديدات الصينية لتايوان، والضغوط الاقتصادية الصينية ضد دول مثل أستراليا.

وبعد ذلك، تعهد الرئيس جو بايدن، في 25 مارس، بعدم السماح للصين بالتحول إلى قوة رائدة على مستوى العالم. ويجد بايدن وبلينكن من الضروري اتخاذ هذا الموقف القوي ضد الصين، لأنهما بحاجة إلى أصوات الجمهوريين داخل الكونغرس من أجل أولويات بايدن مثل إصلاح قوانين الهجرة وتمويل بناء بنية تحتية جديدة. إضافةً إلى ذلك، يعتقد كلا الرجلين بقوة أن دفاع الولايات المتحدة عن حقوق الإنسان والديمقراطية أمرٌ حيويٌّ للحفاظ على الشرعية الأميركية في العالم.

في المقابل، جاء الرد العلني للفريق الدبلوماسي الصيني في ألاسكا قوياً وغاضباً. أولاً: انتقد الصينيون الجانب الأميركي لخرقه البروتوكول الدبلوماسي. وشدد وزير الخارجية الصيني على أن العقوبات الأميركية الجديدة ضد الصين ليست أسلوباً لائقاً للترحيب. واتهم كذلك واشنطن بالنفاق عندما تشكو من الضغوط الاقتصادية الصينية في ذات الوقت الذي تلجأ فيه إلى العقوبات أغلب الوقت.

كما أكد مدير الشؤون الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني، يانغ، أنَّ الولايات المتحدة ليست المتحدث الرسمي باسم الرأي العام الدولي، وينبغي لواشنطن التوقف عن تدخلاتها بهدف تغيير الأنظمة، والتركيز على إصلاح إخفاقاتها في مجال حقوق الإنسان، على سبيل المثال، المشكلات التي تجابه مجتمعات أصحاب البشرة السمراء، وشدَّد يانغ على رفض بكين لـ«النظام الدولي القائم على القواعد» الأميركية.

ومن وجهة نظر الصين، يعد هذا النظام صنيعة عدد صغير من الدول فقط، وتفضل الصين بدلاً عن ذلك نظاماً دولياً تشكّل الأمم المتحدة مركزه.

وبعد الصفعة التي وجَّهتها إلى الجانب الأميركي في ألاسكا، حظيت الدبلوماسية الصينية بنجاح آخَر في 23 مارس عندما التقى وزيرا خارجية روسيا والصين، وجاءت تصريحات سيرغي لافروف المعلنة مطابقة لما قاله الصينيون في ألاسكا.

من جهته، أشاد لافروف بتعيين الأمم المتحدة محققاً خاصاً لفحص استخدام دول للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، ويكاد يكون من المؤكد أنَّ التقرير سينتقد سياسة العقوبات الأميركية.

وفي اعتقادي الشخصي، ترغب الصين وروسيا في أن تحتل الأمم المتحدة موقعاً محورياً في النظام العالمي، خصوصاً أنَّ كلا البلدين يتمتع بحق النقض (فيتو) داخل مجلس الأمن وبإمكانهما اعتراض طريق أي إجراء لا يروق لهما من الأمم المتحدة. وتعد سوريا نموذجاً لكيف يمكن لنظام يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة إدارة أزمة ما.

كما أحرزت الدبلوماسية الصينية مزيداً من المكاسب بعد الاجتماع مع الجانب الروسي. كان وزير الخارجية الصيني قد وصل إلى أنقرة في 28 مارس، وتواترت أنباء عن توجيه استثمارات صينية بقيمة ملياري دولار لمشروع طريق في إسطنبول. جدير بالذكر، في هذا الصدد، أنَّ الصين قدمت تمويلاً بقيمة مليار دولار للاقتصاد التركي غير المستقر خلال عام 2019، ولا تزال تركيا اليوم بحاجة لمزيد من الاستثمار.

وفي الوقت الذي وجهت واشنطن انتقادات إلى انتهاكات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حقوق الإنسان، وهدَّدت أكثر عن مرة بفرض عقوبات، توفر بكين مزيداً من التمويل له.

وفي 27 مارس، وقّع وزير الخارجية الصيني في طهران اتفاقاً للتعاون الثنائي طويل الأمد ربما يؤدي إلى ضخ استثمارات صينية في البنية التحتية الإيرانية بقيمة 400 مليار دولار. ومن شأن هذا الاتفاق، ضم إيران لمبادرة «الحزام والطريق» الضخمة. كما دعمت الصين الموقف الإيراني القائم على فكرة أنه يجب على واشنطن أولاً رفع العقوبات عن إيران قبل استعادة الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

ومع ذلك، لا يزال الصينيون منهمكين في العمل، ففي هذا الأسبوع من المقرر أن يزور وزير الخارجية الصيني عدداً من الدول الخليجية، حيث استغلت بكين بنجاح اللقاح الذي ابتكرته ضد فيروس «كوفيد – 19» كأداة دبلوماسية في دول مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة (لم تصدر الولايات المتحدة من جهتها أي لقاحات، ولم يزر بلينكن الشرق الأوسط حتى الآن). وفي إشارة أخرى موجّهة إلى دول منطقة الخليج، أعلنت الحكومة الصينية أنَّها ستعقد مؤتمرها السنوي السادس في دبي، في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ويقف النجاح الصيني في الشرق الأوسط عائقاً أمام الجهود الأميركية في المنطقة. بيد أنَّ ذلك لا يعني أن النفوذ الأميركي في المنطقة سيتلاشى، فبعد زيارة الوزير الصيني للبحرين ستبقى القاعدة الأميركية البحرية هناك قائمة. كما أنَّ العلاقات الثنائية بين واشنطن وأبوظبي جيدة.

أما الأمر الذي يثير اهتمامي هنا، فهو العلاقات بين واشنطن وموسكو وبكين. في الواقع، أنا سعيد بتوجيه بايدن الدعوة إلى روسيا والصين للمشاركة في مؤتمر في أبريل (نيسان) حول التغييرات المناخية، ذلك أنَّ القوى الثلاث بحاجة إلى إيجاد سبل للتعاون.

والحقيقة أنَّه ليس هناك بين الدول الثلاث مَن يمكن وصفه بالمَلاك، فجميعها تخوض لعبة السياسات الدولية الصعبة. إلا أنني قلق إزاء التقارب الروسي – الصيني في مواجهة الولايات المتحدة على الصعيد الجيوستراتيجي. ورغم أنَّ الاقتصاد الروسي يكافئ اقتصاد إيطاليا، تبقى روسيا قوة مهمة عسكرياً وسيبرانياً.

من جهته، نجح وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر منذ خمسين عاماً ماضية في بناء تحالف غير مباشر مع الصين فرض عزلة على موسكو. اليوم، تخدم العزلة التي تعانيها الولايات المتحدة داخل مثلث واشنطن – موسكو – بكين مصالح أكبر غريمين لها، والصين من جهتها تدرك هذا الأمر جيداً.

الشرق الأوسط

———————————–

واشنطن وموسكو تتنافسان في مناطق النفوذ التركي بسوريا احوال تركيا

نيويورك – طالبت الولايات المتحدة الاثنين بإعادة فتح معابر لإيصال المساعدات إنسانية عند الحدود السورية المغلقة منذ 2020 بضغط من روسيا على خلفية الحرب المستمرّة منذ عشر سنوات.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي ترأّس جلسة شهرية لمجلس الأمن الدولي حول الشقّ الإنساني في الملف السوري “كيف يعقل ألا نجد في قلوبنا، حسّا إنسانيا مشتركا لاتّخاذ إجراءات مهمة؟”.

وتنظر موسكو لهذا الإجراء على أنه محاولة من واشنطن لاختراق الحدود السورية وتوسيع نفوذها في تلك المناطق التي يزدحم فيها التنافس التركي الروسي، بينما تدفع روسيا عبر رفضها إيصال المساعدات

وتوجّه وزير الخارجية الأميركي إلى أعضاء مجلس الأمن بالقول “أنظروا في قلوبكم” داعيا إلى العمل للتوصل إلى تحسين الوضع الإنساني في سوريا الذي هو موضع مؤتمر مانحين يومي الاثنين والثلاثاء في بروكسل.

وأضاف بلينكن “علينا أن نجد طريقة لفعل شيء ما. أن نتحرّك لمساعدة الناس. إنّها مسؤوليتنا. وعار علينا إذا لم نقم بذلك”. ويثير هذا الملف انقساما منذ عشر سنوات بين الغربيين وروسيا، أبرز الدول الداعمة لدمشق.

وفي يوليو، استخدمت روسيا والصين حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي لتقليص عدد نقاط إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا التي لا تتطلّب موافقة دمشق، إلى نقطة واحدة.

وتقع هذه النقطة في باب الهوى عند الحدود التركية وتتيح إمداد شمال غرب سوريا ومحافظة إدلب التي لا تزال خارجة عن سيطرة النظام السوري. وينتهي تصريح الأمم المتحدة لاستخدام هذا المعبر في يوليو.

وطالب بلينكن بإعادة فتح نقاط عبور أغلقت في 2020 في باب السلامة عند الحدود التركية أيضا واليعربية عند الحدود العراقية. وقال إنّ هذه المعابر تتيح على التوالي مساعدة 4 ملايين و1.3 مليون سوري.

وقال “دعونا نمنح أنفسنا عددا أكبر من المعابر وليس أقلّ لتوفير الغذاء والدواء للشعب السوري”.

وخلال المؤتمر المرئي في مجلس الأمن، انتقد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين بشدّة عدم دعوة سوريا إلى مؤتمر المانحين في بروكسل ورأى فيه تعديا إضافيا على سيادتها.

وتنظّم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي النسخة الخامسة من هذا المؤتمر الهادف إلى مساعدة السوريين واللاجئين السوريين في دول الجوار ولا سيّما لبنان وتركيا والعراق والأردن. ويشارك في المؤتمر نحو 80 وفدا من خمسين دولة فضلا عن منظّمات غير الحكومية ومؤسّسات مالية دولية.

والهدف من المؤتمر جمع أكثر من عشرة مليارات دولار، 4.2 مليارات للاستجابة الإنسانية في سوريا و5.8 مليارات لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة في المنطقة.

وتستضيف الدول المجاورة لسوريا 80 بالمئة من اللاجئين السوريين “في أكبر أزمة لاجئين في العالم”، وفق البيان.

وقال فيرشينين “ثمة تسييس متزايد للمساعدة الإنسانية”، معتبرا أنّ المساعدة العابرة للحدود “تنتهك مبادئ القانون الدولي وهذا لأن الحكومة القائمة لا تناسب” الغربيين.

وكان بلينكن صرّح أنّ “السيادة لم تصمّم أبدا لضمان حقّ حكومة في تجويع الناس وحرمانهم من الأدوية الحيوية أو لارتكاب أي انتهاك آخر لحقوق الإنسان ضد المواطنين”.

وقبل تصريحات وزير الخارجية الأميركي، كتب إيغور سوبوتين في صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية حول ‘خطوة تصعيدية أميركية في سوريا مموهة بدوافع إنسانية”.

وقال في مقال نقلته قناة روسيا اليوم على موقعها الالكتروني “يرأس وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن اجتماعا في الـ 29 من مارس لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في سوريا. ومن المتوقع أن يدافع فيه عن تمديد وتوسيع آلية تقديم المساعدة عبر الحدود لتلك الجيوب التي لا تزال تحت سيطرة معارضي دمشق الرسمية في سوريا.

وأشار إلى أن مصير “باب الهوى” سيصبح ملحّا في يوليو القادم عندما ينتهي تصريح استخدامه. روسيا، ضد تمديد آلية إيصال المساعدة هذه، فقد أصرت منذ البداية على أن عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود كانت مؤقتة وأنها تفقد معناها بعد عودة معظم المناطق إلى سيطرة دمشق.

وأضاف أنهم “في الغرب، يرون أن الجانب الروسي بطلبه إغلاق قنوات المساعدات الإنسانية، يدفع المناطق المتمردة في سوريا إلى الخضوع لدمشق الرسمية. كما تثير عدالة توزيع الشحنات من قبل القوات الحكومية السورية شكوكا جدية بين الخبراء”.

وتابع “على هذه الخلفية، تبدو مبادرة بلينكن لتوسيع آلية المساعدة بمثابة نية صريحة لمجادلة موسكو حول من له الحق في تقديم المساعدة للمناطق المحتاجة، حسبما كتبت الصحافة العربية”.

——————————–

بايدن – فرصة تركيا الأخيرة للوصول إلى الديمقراطية/ إرغون باباهان

حان الوقت لقبول حقيقة لا يمكن إنكارها عن تركيا: يستحيل تشكيل ديمقراطية على النمط الغربي ودولة القانون في بلد، حيث أصبحت عبادة الدولة والعقلية الوحدانية راسخة الجذور. في هذا البلد، سيعتمد القضاء على الدولة دائما، مما يدفعها إلى تغطية جرائم هذه المؤسسة، ومما سيمهد الطريق لفساد القضاء. هكذا كان الحال دائما.

بدأت هذه العملية بفصل الإسلام عن العِلم ومنع تكوين طبقة تجارية مستقلة عن الدولة، إلى جانب زيادة السيطرة الدينية على أركانها. وتكثّفت من خلال جهود جمعية الاتحاد والترقي لجعل الأناضول أكثر تركية وإسلامية، بخطوات شملت الإبادة الجماعية للأرمن.

وكانت النتيجة النهائية واضحة: نرى دولة بعيدة كل البعد عن أي مفهوم لحقوق الإنسان، ومجتمع يؤمن بكل رواية عن تلك الدولة بينما يدين أي كيان تعلن الحكومة أنه عدو.

نحن نتحدث عن هيكل يحافظ على نفسه بجنون الريبة والمخاوف والدعوات الفارغة للمواجهة، ودولة تبرر نفسها من خلال اضطهاد الأطفال والنساء ومجتمع المثليين والضعفاء بمجتمع يهيمن عليه الرجال الذين يدعمهم الدين.

من غير الواقعي أن نتوقع أن تخرج ديمقراطية على النمط الغربي من هذا الواقع دون تحول واسع النطاق وعميق الجذور. حيث يخضع هذا المجتمع، بدينه وغضبه وأحزابه السياسية، لسيطرة الدولة. فلا أحد ملزم بالقانون، طالما أنه يردد روايات الدولة ويتصرف نيابة عنها.

ومع ذلك، تعيش تركيا حاليا حقبة بدائية غير مسبوقة في تاريخها الحديث. فقد وصل الفساد وانعدام القانون، فضلا عن نهب موارد الدولة واتخاذ القرارات التعسفية، إلى نقطة يمكن أن تتجاوز فيها البلاد ما شهدته خلال حقبة الحزب الواحد ما قبل الديمقراطية بين عامي 1925 و1945. لا يدقق أحد النظر في ملايين اليوروهات المنقولة بالسيارات لمسؤولي الحزب الحاكم. لقد فَقدَ المجتمع ثقافة التعايش بينما أصبحت تركيا معزولة بشكل متزايد في العالم مع اقتراب اقتصادها من الانهيار.

وفي المرحلة الحالية، لا تقدم حالة المعارضة التركية الكثير من الأمل أيضا. وفي بلد يفتقر إلى النقابات والتنظيمات القوية، تظل هذه الأطراف البريق الوحيد للتوقعات بمستقبل أفضل.

ربما رضي حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، تحت قيادة كمال قليجدار أوغلو، بالمتدينين والمحافظين في تركيا، لكنه لم يتقدم أكثر من ذلك. ويظل قليجدار أوغلو محاطا بمسؤولين حزبيين معينين من الدولة. ويدير السياسة ضمن المعايير المقيدة التي تسمح بها الدولة، كأنه في ملعب للأطفال محاط بسياج. ويبتعد عن الأكراد ولا يمكنه حتى احتضان العلويين، الذين يشكلون العمود الفقري لحزب الشعب الجمهوري.

تمر تركيا بأكثر حالاتها خطورة خلال قرن من وجودها كجمهورية. وقد تستمر على هذا الطريق كنظام تركي مؤيد للإسلام دون نفط، مثل النموذج الإيراني، ممّا يهدد وجودها على المدى الطويل. أو يمكن أن تصبح دولة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، مع نظام برلماني وقضاء فعال، يحاول الحفاظ على علاقات جيدة مع الجيران.

يشير تاريخ تركيا الحديث وحالة المعارضة في البلاد إلى أن إنشاء مثل هذا النموذج الديمقراطي الضعيف قد يكون صعبا في ظل الديناميكيات الداخلية الحالية. ويكمن الأمل الوحيد في الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي جلب وجوده رياح الديمقراطية.

كما أشار محرر موقع “أحوال تركية” إلهان تانير في مقال حديث، يبدو أن “عقيدة بايدن” تتشكل في واشنطن. ويبدو بايدن على استعداد لمحاولة تعزيز الجبهة المؤيدة للديمقراطية من خلال حلف شمال الأطلسي ضد الصين التي يتزايد عداؤها، والعدو التقليدي للولايات المتحدة، روسيا. هذا هو أساس مذهبه. ومن المحتمل أن يكون هذا هو العنصر الرئيسي خلال أول مكالمة هاتفية من المتوقع إجراؤها بين بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

يجب أن تفهم المعارضة التركية حقيقة أن هذه هي آخر فرصة للبلاد. وعلى عكس الصين، لا تملك تركيا، التي ستُعامل كمنبوذة في الناتو بعد تلقي نفس المعاملة من الاتحاد الأوروبي، الموارد الطبيعية اللازمة لعقد صفقة استثمار بقيمة 400 مليار دولار مع الصين. وإذا قطعت تركيا المدار الغربي، فستترك لرحمة روسيا بالكامل. وسيفهم أولئك الذين ينظرون إلى تصرفات روسيا في إدلب السورية خلال وقت لم يتصل فيه بايدن بأردوغان بعد، ما يعنيه هذا.

يجب على أحزاب المعارضة ألا تستسلم للعقلية المناهضة للغرب التي تسيطر على الدولة في الوقت الحالي، وأن تعمل على تشكيل نموذج ديمقراطي يسمح لمواطني الدولة ببعض الحرية حتى لو لم يكن كاملا.

تخوض تركيا حروبا بحكم الواقع في سوريا والعراق، حيث أصبح الأكراد وشرائح المجتمع الكبيرة الأخرى معادين لبعضهم البعض. ويظل اقتصادها في حالة من الفوضى، وتعاني من إدارة غير قادرة على إصلاحه.

إن البلاد تتجه نحو كارثة غير مسبوقة. وإذا فشلت المعارضة في المطالبة بالديمقراطية، وإن كانت تناضل من أجل مثل هذا النظام، فإنها ستعرض الدولة التي تحاول حمايتها للخطر.

———————————-

تراشق ألاسكا وتغيير قواعد اللعبة… أميركا والصين و”حرب الحلفاء”!/ةمحمد حسين أبو الحسن

في أول مؤتمر صحافي له، الأسبوع الماضي، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بمنع الصين من أن تصبح الدولة الأغنى والأقوى في العالم، بدلاً من الولايات المتحدة، واستدرك، أنه لا يسعى لمواجهة مع الصين، بل إلى منافسة عادلة، موضحاً أنه بحث، مع زعماء أستراليا والهند واليابان، “محاسبة الصين” على تصرفاتها، كما سيناقش مع الزعماء الأوروبيين آليات “كبح جماح بكين”. ولم يفت بايدن أن يطالب الصين بالالتزام بـ”قواعد اللعب” على الساحة الدولية… فما هي تلك القواعد؟ وإلى أي مدى يمكن الالتزام بها؟ وما نتيجة ذلك على استقرار العالم؟ لا سيما أن بكين هي أقوى منافس لواشنطن، منذ القرن التاسع عشر، والمنافسة بينهما لا تنذر بعودة “الحرب الباردة”، بل ما هو أخطر بكثير!.

اجتماع عاصف

تصريحات بايدن ضد الصين، أتت بعد أيام من اجتماع عاصف، بين الأميركيين والصينيين في ولاية ألاسكا الأميركية… برودة الطقس لم تمنع سخونة المواجهة بينهما، وصولاً إلى تبادل الاتهامات وحتى التهديدات. اتهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الصين بانتهاك حقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ، وتهديد النظام والاستقرار العالميين، عبر الهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة والإكراه الاقتصادي لحلفائها… وأوضح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أن إدارة بايدن تتطلع لتغيير السلوك الصيني وإعادة ضبط العلاقات المتدهورة بين البلدين.

في المقابل توعّد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيتشي باتخاذ “إجراءات حازمة” ضد “التدخل الأميركي”، داعياً واشنطن إلى التخلي عن “عقلية الحرب الباردة”، وأضاف أن “الولايات المتحدة تستغل قوتها العسكرية وسطوتها المالية لفرض وصاية طويلة الأمد وقمع الدول الأخرى”، واتهمها بالعمل على عرقلة التعاملات التجارية وتحريض بعض الدول على مهاجمة الصين”، وقال إن “الأميركيين ليسوا مؤهلين للتحدث مع الصين بطريقة متعالية”. وأضاف: “نحن دولتان رئيسيتان في العالم، ويجب علينا أن نتجنب المواجهة، وعليكم أن تتوقفوا عن التدخل في شؤوننا الداخلية فوراً”.

سر التناطح

في دراسة منشورة، تقرع مؤسسة “بروغنوز” السويسرية للبحوث والاستشارات ناقوس الخطر من المد الاقتصادي الصيني الذي ينذر بفقدان الهيمنة الاقتصادية الأميركية، وهذا هو السر وراء التناطح بين العم سام والتنين، ويبرز التلاسن بينهما – في ألاسكا – أن علاقاتهما مرشحة لمزيد من “الصراع” و”التعاون” في آن، وذاك فارق جوهري مهم عما دار خلال “الحرب الباردة” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؛ كان التعاون الاقتصادي شبه معدوم بين الكتلتين الشرقية والغربية، واليوم تعد الصين إحدى الدعامات الرئيسية للاقتصاد العالمي، واقتصادها مندمج مع الاقتصاد الأميركي؛ ويتجاوز حجم التجارة بينهما 500 مليار دولار سنوياً، ناهيك بأن الصين هي أكبر دائن لأميركا، والأخيرة هي المصدر الأساسي للتقنيات الفائقة للأولى. إنها “علاقة إشكالية بالغة التعقيد”، فيها من الحب بقدر ما فيها من البغضاء، إن جاز الوصف؛ المعزوفة التي تصدح في زوايا البيت الأبيض، حالياً، هي: “مواجهة الصين إن كان ذلك ضرورياً، والتعاون معها إن كان التعاون ممكناً”. من ناحيتها، تتخذ الصين موقفاً مشابهاً، فهي تعبر عن رغبتها في تأسيس علاقات بنّاءة، بينما تصرّ في الوقت عينه على إعلاء مصالحها الخاصة!.

 إحياء التحالفات

تتمتع الولايات المتحدة بسوق كبيرة وقدرة شرائية عالية، ومن أجل الحفاظ على الزعامة العالمية، تسعى إلى إعادة هيكلة اقتصادها وإحياء صناعاتها والحفاظ عليها من خلال برنامج إنقاذ، لتلافي تأثيرات كورونا، يصل إلى 1.9 تريليون دولار، كما تحاول الاحتفاظ بتفوقها الظاهر، في مجالات الذكاء الاصطناعي وعوالم الإنترنت، إذ تعهد بايدن برفع الإنفاق على الأبحاث العلمية إلى 2 في المئة من الناتج القومي، بعد أن تراجع إلى أقل من 0.7 في المئة، مع فرض مزيد من الإجراءات الحمائية. أيضاً تعمل على إحياء تحالفاتها التقليدية وشراكتها مع أوروبا وكندا والمكسيك ودول جوار الصين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما، بعد أن تضررت في عهد ترامب. وكانت أول زيارة خارجية لوزيري الخارجية والدفاع الأميركيين إلى طوكيو وسيول ثم بروكسل؛ لإظهار التزام واشنطن تحالفاتها، وقد عبر بلينكن بوضوح عن الهدف من وراء ذلك، قائلاً: “في القضايا التجارية والاقتصادية، تمثل بعض ممارسات الصين مشكلة بالنسبة إلينا جميعاً، وعندما تشرك الولايات المتحدة بكين في هذه القضايا وحدها، ربما سيكون لدينا بعض التأثير لأننا نمثل نحو 25 في المئة من الناتج العالمي؛ لكن عندما نعمل مع حلفائنا، بما في ذلك في أوروبا وآسيا، قد تصل النسبة إلى 60 في المئة من الناتج العالمي، وهذا أصعب قليلاً بالنسبة إلى بكين من أن تتجاهله”، لافتاً إلى ما سمّاه “ارتفاع منسوب عدائية الصين” تجاه بلاده.

هذا المسعى الأميركي حقق نجاحاً مبدئياً، بفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، مؤخراً، عقوبات على الصين، لاتهامها بانتهاكات في إقليم شينغيانغ. وهو ما اعتبرته الصين بمثابة “حرب عصابات”، وقالت الخارجية الصينية إن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، التي تؤطّر تحالفها استخباراتياً، من خلال “العيون الخمس”، “نسّقت عقوبات، كما لو أنها تبدأ قتالاً بين عصابات”، وأضافت: “انظروا إلى الخريطة، وستدركون أن لدى الصين أصدقاء في كل أنحاء العالم”.

أكبر اتفاق تجارة حرة

تبدو بكين مستيقظة لتكتيكات إدارة بايدن، في حشد حلفاء الولايات المتحدة للضغط عليها، ووفقاً لصحيفة “الواشنطن بوست”، فقد دفع هذا الصين إلى تعزيز علاقاتها مع شركائها، الذين يمثلون بعضاً من أكثر المناطق الجيوسياسية المربكة التي تواجه رؤساء الولايات المتحدة، مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران.

موسكو من جهتها دخلت على خط التصعيد الأميركي – الصيني، إذ زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الصين عقب اجتماع ألاسكا، وحضّ بكين على توحيد الجهود مع موسكو؛ من أجل تفكيك قبضة واشنطن على العالم سياسياً واقتصادياً، كما قام وزير الخارجية الصيني وانغ يي بجولة شرق أوسطية، شملت السعودية وتركيا والإمارات وإيران التي وقعت اتفاق شراكة شاملة مع الصين بقيمة 400 مليار دولار، حيث وصف الرئيس الأميركي الاتفاق بالمقلق.

الخطوة الأكبر والأكثر نجاحاً للجانب الصيني، في مواجهة أميركا، هي “حرب التكتلات”، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقبيل الانتخابات الأميركية، أعلنت الصين توقيع 15 دولة من آسيا والمحيط الهادئ، أكبر اتفاق للتجارة الحرة في تاريخ العالم، ويضم: الصين وأستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايلاند والفلبين ولاوس وكمبوديا وميانمار وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وبروناي، ويغطي الاتفاق 30 في المئة من سكان العالم، و29 في المئة من الناتج العالمي، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها قوى آسيوية متنافسة، الصين واليابان وكوريا الجنوبية، في اتفاق تجارة حرة واحد؛ لذلك يرى مايكل بلامر أستاذ الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنز، أن الاتفاق يضيف 186 مليار دولار لحجم الاقتصاد العالمي و0.2 في المئة للناتج المحلي الإجمالي لأعضائه، وفي الوقت نفسه مكّن الصين من تشكيل تجمع اقتصادي، يحل محل اتفاق التجارة العابرة للمحيط الهادئ، والذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2016، مقوضاً بذلك جوهر الإستراتيجية الأميركية للمواجهة مع الصين، بما يجعل محاولة إدارة بايدن للهيمنة على المحيط الهادئ ومحاصرة الصين واحتوائها مهمة عسيرة للغاية، لكنها ليست مستحيلة… وقد نصّت وثيقة إستراتيجية السياسات الخارجية الموقتة لإدارة بايدن على أن “صيناً أكبر نفوذ والأكثر إثباتاً لوجودها هي المنافسة الوحيدة التي لديها القدرة على حشد قدراتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتقنية؛ لتحدي النظام العالمي المستقر والمنفتح بشكل دائم”.

المأزق الأميركي

لكن المأزق الأميركي ينبع من أن الصين دولة نشيطة، ولا تنشغل لحظة عن التخطيط للمستقبل ضمن رؤية استراتيجية، متجاوزة للعقبات الآنية والطارئة كوباء كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، وهي تتمدد بنجاح عبر مشروع “طريق الحرير الجديد” في آسيا وأوروبا وإفريقيا، للهيمنة على أوراسيا، لربطها بالاقتصاد الصيني وكسر التحالفات الأميركية؛ لهذا كان لافتاً أن يقترح بايدن على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون “إنشاء طريق حرير” غربي بديل لطريق الحرير الصيني؛ لذلك يبدو أن قيام كتلتين اقتصاديتين تتزعمان عالمنا إحداهما في عهدة واشنطن والأخرى تقودها بكين بات مسألة وقت، أما أشهر “قواعد اللعبة”، فهي “غياب القواعد”، وذاك حديث آخر!.

النهار العربي

—————————-

رهان آيك: صعود أميركا في الشرق الأوسط وأهمية قناة السويس

تأليف: مايكل دوران مراجعة ديفيد فرون

تأليف: مايكل دوران

مراجعة ديفيد فرون

كتاب “رهان آيك” (صادر عام 2016) هو عبارة عن تنقيح هادم للتاريخ ذي صلة وثيقة بالحاضر. فاقرأ الحكاية وفكّر في ما إذا كانت مألوفة.

وصلت إدارة جديدة إلى السلطة مُقتنعة بأن سابقتها قد أفسدت سياستها تجاه الشرق الأوسط. والفكرة الأهم التي جاء بها الفريق الجديد: تقديم عرض دبلوماسي جريء للدولة المسلمة الكبرى في المنطقة. ورغم أنه من الصحيح أن هذه الدولة المسلمة البارزة لديها عادة سيئة تتمثل في رعاية الإرهاب وتهديد الحلفاء المهمين، لكن الفريق الجديد يعتقد أن معظم هذا السلوك السيء عبارة عن رد فعل على استفزازات الغرب وإسرائيل. وعلى أي حال، فإن هذه الدولة المسلمة المُزعجة تمثّل المستقبل، سواء شئنا أم أبينا، وأعداؤها في المنطقة يمثّلون إرث الماضي الذي عفا عليه الزمن. ومن خلال الضغط على إسرائيل وحلفاءٍ آخرين للحصول على تنازلات، يمكن أن تثبت الولايات المتحدة حُسن نيتها، وأن تقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ.

استحوذ هذا التصور الاستراتيجي على المعتقدين به بقوة لدرجة أن مصطلحات مثل “الرؤية الكونية” لا تفيه حقه، إذ إن أنصاره “لم ينظروا إليه على أنه بناء فكري، بل وصف للواقع نفسه”.

هل المقصود باراك أوباما وإيران التي يحكمها آيات الله؟ نعم. ولكن قبلهم الرئيس دوايت أيزنهاور ومصر في عهد جمال عبد الناصر. فالرهان الذي يتناوله كتاب “رهان آيك” للكاتب مايكل دوران هو تودّد إدارة أيزنهاور إلى جمال عبد الناصر خلال السنوات الأربع الأولى من توليها السلطة. ويجيب الكتاب من خلال بحث عميق موجز عن السؤال: لماذا فشل هذا الرهان؟

يجادل دوران بأنه رغم أن أيزنهاور كان يأمل في تحقيق الاستقرار في المنطقة إلا أنه تسبب بدلاً من ذلك في زعزعتها. وبدلاً من تهدئة المتطرفين، قامت إدارته بتمكينهم.

كان مايكل دوران واحداً من كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش، ويعمل الآن في معهد هدسون، وهو خبير بارز حول الإيديولوجيات الراديكالية للشرق الأوسط. ويكتب بسُلطة الباحث ومعرفة مستشار كبير في السياسة.

في عام 1953، كانت معظم دول الشرق الأوسط يحكمها زعماء حذرون متحالفون مع الغرب وصلوا إلى السلطة بعد الحرب العالمية الأولى، وتدعمهم القوة العسكرية البريطانية. كما كانت القوات البريطانية تتولى حماية قناة السويس التي يمر عبرها النفط القادم من الخليج العربي -الذي يحميه البريطانيون أيضاً- إلى الأسواق الأوروبية.

لكن هذا النظام الموروث بدأ يتآكل في عام 1952. ففي صيف ذلك العام، أطاحت مجموعة من الضباط العسكريين القوميين بالنظام الملكي في مصر، حيث شجبوا فشل الحكومة في تدمير إسرائيل، وإقامتها علاقة حميمة جداً مع بريطانيا والغرب. وعلى الرغم من أن عبد الناصر كان يحمل رتبة عقيد في وقت الانقلاب، إلا أنه سرعان ما برز باعتباره الشخصية المهيمنة للنظام الجديد.

اعتمدت إدارة أيزنهاور على نصيحة المسؤولين الذين أعجبوا بعبد الناصر باعتباره شخصاً قومياً ومُعادياً للشيوعية: إنه العلماني المُجدّد، و”أتاتورك العرب” الذي طال انتظاره. وكان أهم المعجبين بعبد الناصر وأكثرهم تأثيراً كيرميت روزفلت، ضابط وكالة الاستخبارات المركزية الذي فعل الكثير في عام 1953 لإعادة السلطة في إيران إلى المجدّد العلماني الآخر: الشاه محمد رضا بهلوي.

ومن أجل كسب صداقة عبد الناصر، اقترحت إدارة أيزنهاور تقديم زيادة كبيرة في المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وضغطت على إسرائيل لتسليم معظم منطقة النقب إلى مصر والأردن، وأيدت طلب عبد الناصر جلاء الجيش البريطاني عن منطقة القناة، كما زودت عبد الناصر سراً بالكثير من المعدات والخبراء الفنيين الذين أنشؤوا إذاعة “صوت العرب” التي أصبحت شبكة الدعاية وصاحبة التأثير الأكبر في العالم العربي. ومع ذلك، لم ينتج عن كل هذه المبادرات سوى الأسف، كما سيتعلم أيزنهاور نفسه عمّا قريب.

فقد استفاد عبد الناصر من عروض المساعدة لانتزاع شروط أفضل من الاتحاد السوفيتي، الذي يُعدّ شريكه العسكري المفضّل. والضغط على إسرائيل لم يُعجب عبد الناصر، لأنه كان يريد أزمة دائمة يمكن أن يستغلها لتعبئة الرأي العام العربي إلى صفه.

أما إجبار بريطانيا على الخروج من منطقة القناة في منتصف خمسينيات القرن الماضي، فقد أدى إلى تمكين عبد الناصر من الاستيلاء على القناة نفسها في عام 1956. وبدلاً من استخدام شبكته الإذاعية لتحذير العرب من الشيوعية، استخدمها ناصر لإثارة الرأي العام العربي ضد الحلفاء الإقليميين الذين يثق بهم الغرب: الممالك الهاشمية، ما ساهم في الإطاحة بالنظام العراقي في عام 1958، وكاد أن يقضي على النظام الأردني. بصريح العبارة: خدع عبد الناصر آيزهاور.

قال أيزنهاور في مذكراته بعد فشل جهود السلام العربية الإسرائيلية “لقد أثبت عبد الناصر أنه حجر عثرة بالكامل. ويبدو أنه يسعى إلى كسب الاعتراف بأنه الزعيم السياسي للعالم العربي”. وخلص إلى أن عبد الناصر “يحبّ إلقاء الخطابات، وكلها تتنفس التحدي لإسرائيل”.

غادر أيزنهاور منصبه مع وجود أنظمة معادية لأميركا في السلطة، ليس فقط في القاهرة، ولكن أيضاً في دمشق وبغداد. وأضعف إذلال أيزنهاور بريطانيا وفرنسا في أزمة السويس عام 1956 دولتين حليفتين دون أن يكسب ذرة من حسن النية من القوميين العرب. وبدلاً من التعاون مع الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي، أصيب الطغاة القوميون الجدد في العالم العربي بالشلل بسبب تنافسهم مع بعضهم البعض. وبدلاً من ذلك، أصبحت إسرائيل -التي كانت مُحتقرة في السابق- أكثر حليف موثوق لأميركا، بل وأيضاً القوة العسكرية الأكثر قدرة في المنطقة. وقال أيزنهاور نادماً في عام 1965: “ما كان ينبغي أبداً أن أضغط على إسرائيل لإخلاء سيناء”. وأيّد حرب الأيام الستة الاستباقية التي شنتها إسرائيل عام 1967 في مقابلة أجراها بعد أسابيع قليلة من المعارك.

وبينما تكتسب إيران قوة وقدرة أكبر على التخصيب، لتصبح أكثر عدوانية في الخارج وأكثر قمعاً في الداخل، هل سيطارد مثل هذا الشعور بالندم الرئيس أوباما في نهاية المطاف؟ ربما يعتمد ذلك على شخصية الرئيس أكثر من أي أحداث خارجية.

فقد كان أيزنهاور رجلاً براغماتياً بالمعنى الفلسفي الصارم: شخص يحكم على حقيقة النظريات وفق نجاحها أو فشلها في الممارسة العملية. وقد وصل إلى منصبه وهو يحمل رؤية محددة للشرق الأوسط، وعندما فشلت هذه الرؤية، تخلى عنها لصالح رؤية أخرى.

لكن البراغماتية من هذا النوع تُعدّ سمة استثنائية، لا سيما لدى السياسيين. وربما أعاد أيزنهاور التفكير في رهانه على عبد الناصر. ومع ذلك، أصر مرؤوسوه الذين نفذوا السياسة حتى النهاية على أن أي فشل وقع هو خطأ شخص آخر، وتردد صدى تبريراتهم لأنفسهم في الصحافة والتاريخ.

كتب دوران إن “القصة الداخلية لسياسة إدارة أيزنهاور في الشرق الأوسط لا تأتينا من الرئيس أيزنهاور ووزير خارجيته جون دالاس، بل من الرجال أنفسهم الذين استثمروا شخصياً في مغازلة عبد الناصر، والذين حاربوا بشراسة ضد كل الجهود للتخلي عنها. وقدّ تعلّمنا أن سياسة استعراض العضلات الغربية غالباً ما تأتي بنتائج عكسية”.

وعند إجراء بعض التعديلات والتحديثات، سوف يحقق هذا النمط من التحليل نجاحاً كبيراً في تبرير أي خيبات يخلّفها هذا الجيل من صانعي السياسة في إرثهم المتعلق بإيران. والدرس الذي يأمل دوران أن يتعلموه بدلاً من ذلك: خطأ الاعتقاد بأن “إبعاد الولايات المتحدة عن إسرائيل سيؤدي إلى كسب حُسن نية العرب جميعاً، وخصوصاً المصريين”. فهذا الاعتقاد “منعهم من التعرف على أعمق دوافع الدول العربية والإسلامية، أي تنافسهم مع بعضهم البعض على النفوذ والسلطة”.

يرغب الأمريكيون في حل المشكلات، وبالتالي فهم يسارعون دائماً في افتراض أنه لا بد أنه يوجد لها حلول: هل تعبّر أي أمة عن شكاواها ضد الولايات المتحدة؟ يمكن تهدئتها بالتنازلات والتسويات. هل تبدو تلك الشكاوى غير منطقية؟ فلنبدأ عملية بناء الثقة التي يمكن أن تؤدي إلى حوار مثمر. هل يتاجرون بالأوهام الإمبريالية والتهديدات بالإبادة الجماعية العنيفة؟ يمكن التقليل من شأن هذه الكلمات باعتبارها خطاباً مُبالغاً فيه للاستهلاك المحلي.

ففي نهاية المطاف، هكذا يتصرف الأميركيون. أليس الجميع على وجه الأرض مثلنا في الجوهر؟ يحذّر دوران من أنهم ليسوا كذلك، وأن “الشرق الأوسط يمر بمخاض أزمة تاريخية، وفترة طويلة من عدم الاستقرار. ومع أنه بإمكان السياسة الأميركية أن تفاقم حدة الصراعات الكبرى أو تخففها، إلا أنه في الشرق الأوسط، سيكون من الحكمة افتراض أن حل أي مشكلة سيؤدي حتماً إلى ولادة مشكلات جديدة. وليس لدى الولايات المتحدة خيار سوى دفع هذه الصخرة إلى أعلى تلٍ يبدو أنها لن تبلغ قمتها على الإطلاق”.

لن تكون رسالة دوران التي تبعث على التواضع موضع ترحيب لدى صانعي السياسة الطموحين من أي فئة سياسية. لهذا السبب، فإنها تُعدّ ذات قيمة أكبر لأن إدارة أوباما سوف ترحل دون أن تقيّدها التجربة السلبية، وسوف يقع تقييم الخيارات القاتمة التي ستتركها وراءها على عاتق من سيأتون بعدها.

النهار العربي

——————————————-

الولايات المتحدة وسوريا.. من أساء فهم الآخر؟/ إبراهيم الجبين

كان مثيراً للاهتمام والتفكّر خلال الأيام الماضية، نشر صفحات لليهود العراقيين على موقع تويتر لصورة فوتوغرافية لجنديين أميركيين يعكفان على نشر قفل خزنة فولاذية خلال الحرب على العراق مع التعليق التالي “جنديان أميركيان وهما ينشران الديمقراطية في العراق”. تعبير ساخر يستدعي معه أحدث طروحات أدلى بها اثنان من صنّاع القرار الأميركي في الشرق الأوسط، أولهما السفير الأسبق في سوريا روبرت فورد، الذي كتب مؤخراً أن الشعب السوري فهم موقف واشنطن بطريقة خاطئة، حين اعتقد أنها تدعم التغيير في سوريا وأنها بالفعل، تنوي إزاحة نظام الرئيس بشار الأسد. وثانيهما وهو الأهم والفاعل اليوم بقوة، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي تحدّث بانفعال وتأثّر في اجتماع حول الملف السوري عقد قبل أيام.

قال بلينكن إن على القوى الدولية أن تخجل من عدم تحريكها ساكناً في سوريا، وطالب بفتح الحدود السورية أمام المساعدات الدولية. وعبّر فوق ذلك عن شعوره بالغضب الشديد، كلما جرى الحديث عن سوريا.

ليس هذا فقط، بل إن الوزير المحنّك أضاف بلغة تعبيرية مقصودة قائلاً “كيف يمكن ألا نجد في قلوبنا قيماً إنسانية مشتركة من أجل القيام بفعل ذي معنى؟ انظروا في قلوبكم. يجب علينا أن نجد طريقة لعمل شيء ما. هذه مسؤوليتنا، وعارٌ علينا إن لم نفعل ذلك”.

بين هذين الموقفين، يمكن السؤال، ليس فقط عن السوريين وقصتهم مع نظام معقّد حكمهم بالحديد والنار منذ بدايات الستينات وحتى اللحظة، بل مع جميع من لامستهم يد الرحمة الأميركية في العالم العربي. فهل حقّاً فهمت الشعوب العربية مشروع واشنطن لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الذي بدأ بغزو العراق في العام 2003 بشكل خاطئ؟

إذ كيف يمكن أن يُساء فهم المطالب الأميركية للزعماء العرب بالتنحّي على لسان أوباما في تلك السنوات المثيرة، إن لم يكن هذا موقف واشنطن؟ ألم يخرج أوباما موجّهاً خطابه إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بصيغة الأمر، مكرّراً أن عليه أن “يرحل. الآن، يعني الآن”؟ ألم تشجّع  الولايات المتحدة الليبيين على الثورة وتساهم في قصف نظام القذافي؟ الأمر ذاته في اليمن وفي ملفات أخرى.

من الصعب تصديق فورد بعد إشرافه شخصياً، كأمّ العروس، على كل صغيرة وكبيرة في تشكيل المعارضة السورية الحالية، وحرصه على تلصيق قطع صغيرة صنعت مشهداً بعينه، علاوة على رسمه الدقيق لمواقف تلك القوى الدولية التي يتحدّث عنها بلينكن اليوم، حين كانت الساحة خالية، ولم يكن بوسع أحد التدخّل سوى واشنطن التي واجهت واقعاً خارجاً عن السيطرة، فكان عليها أن تعالجه بمعطيات تناور مع جميع الأطراف بواقع جديد مهمّة فورد كانت تركيبه بعناية، وكأنه كان يقرأ من “كاتالوغ طوارئ” معدّ سلفاً.

هناك رؤية أميركية إذاً. والأمر ليس كما يزعم فورد، مجرّد سوء تفاهم. ومحض تداعيات حول بائع “لحم بعجين” روى السفير “العاطفي” كيف أنه كان يتوجّه إليه بعد عمله سيراً على الأقدام في دمشق. واصفاً طريق عودته إلى مقر إقامته بالقول “خلال سيري، كنت أمرّ بمقاهٍ ومحال تجارية كان الناس يتابعون فيها، عبر شاشات التلفزيون، الأحداث الجارية في مصر، وفيما بعد الأحداث في ليبيا واليمن. وعلمنا مساء 17 فبراير بالمظاهرة السلمية التي خرجت، ذلك اليوم، في سوق الحريقة في قلب دمشق، على بعد ثلاثة كيلومترات من مقر سفارتنا. وأرشدني أحد السوريين إلى كيفية العثور على معلومات عن هذه المظاهرة على شبكات التواصل الاجتماعي”.

التحوّل الكاركاتوري للدور الأميركي في الشرق الأوسط، من حارس للعالم، إلى مجرّد متابع عبر فيسبوك، والذي يبرز جلياً في كلام فورد وبلينكن، يقود إلى ما تفعله واشنطن مع حلفاء آخرين لها في المنطقة، أهم وأكثر تاريخية من شعوب الشرق التي تطلّعت إلى التحرّر والديمقراطية التي تنشرها الولايات المتحدة بجيوشها. الحقيقة أنها لن تستطيع التخلص من هذه التهمة، مهما فعلت، لأن نظام العولمة الذي ينتشر بإرادة سياسية أميركية منذ مطالع التسعينات، ينقل معه فايروس الديمقراطية بالضرورة، فلا حرية تكنولوجية بلا حرية رأي، ولا قدرة شرائية بلا تحرير سوق، ولا خلق للحاجة والجديد من دون التخلّص من هيمنة الدولة الأم؛ النظام القديم.

لنعد إلى حلفاء الولايات المتحدة، وإلى طرفة يرويها ساخراً الرئيس الأشدّ فقراً في العالم، في الفيلم الوثائقي الذي أعدّه المخرج الصربي أمير كوستاريكا صاحب فيلم “زمن الغجر” عنه. فقد ردّد رئيس الجمهورية السابق في الأوروغواي خوسيه موخيكا حكمة لاتينية عتيقة تقول “إن الدولة الوحيدة في الكرة الأرضية التي لا يوجد فيها انقلابات هي الولايات المتحدة، لأنه لا توجد سفارة أميركية في واشنطن”. وهي فكرة تعكس كيف يفهم العالم الدور الأميركي الذي نراه دون أي تشويش في الخليج العربي. حيث تحرص الولايات المتحدة على إبقاء توازن الرعب بين إيران وحلفائها الأكثر قرباً والأكثر أهمية دوماً، العرب.

قال فورد إن المسؤولين الأميركيين أصرّوا على الحديث عن “عدم وجود حل عسكري” للأوضاع في سوريا. وأضاف “كرّرنا هذا الأمر الآلاف من المرات منذ عام 2011 حتى يومنا هذا، إلى درجة أن هذه العبارة تحوّلت إلى عقيدة راسخة في أذهاننا. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنه في الحروب، يظل التوازن العسكري الأمر الأكثر أهمية”. لكن واشنطن سمحت بالحلّ العسكري الروسي – الإيراني في سوريا لدعم الأسد، دون أن تحرّك ساكناً. المفارقة أن فورد لم يفته لفت انتباه قرائه إلى عدو قديم، بات اليوم، على ما يبدو، مُلهماً للساسة الأميركيين. إنه الزعيم السوفييتي الشيوعي الأسبق جوزيف ستالين الذي يرى فورد أنه من الجدير التذكير أن “ستالين، عندما حذّره مستشاروه من أن بابا الفاتيكان سيغضب إزاء تصرفات السوفيات داخل بولندا، الدولة الكاثوليكية، كان تعليقه: كم عدد الكتائب التي يملكها البابا؟ وبالفعل، ظل الجيش السوفييتي داخل بولندا طوال 49 عاماً”. وبدلاً من استلهام أبراهام لينكولن وتوماس جيفرسون وجورج واشنطن، غدا ستالين الأكثر واقعية ودموية، هو النبي الأميركي الجديد.

لا شكّ أن الخطاب السياسي الأميركي اليوم خطاب بالغ التهلهل، تساهم عولمتهم ذاتها بفضحه أكثر، ولو أن الأوضاع كانت كما في زمن الحرب الباردة لربما خرجت المحكمة العليا في واشنطن مطالبة بمحاكمة أوباما وسفيره فورد على التلاعب بالقيم الأميركية الذي قاما به في سوريا.

أما الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الأميركيون، حسب فورد دائماً، فهو عجزهم عن استيعاب كيف يفكّر السوريون. يقول “زرتُ حماة في يوليو 2011 لبعث رسالة إلى حكومة الأسد، مفادها أنه حال ارتكابها مذبحة فإننا سنراقب الوضع بدقة، على خلاف ما حدث عام 1982. وذكرت هذا بالفعل خلال لقائي بوزير الخارجية وليد المعلم، الاثنين التالي لزيارتي للمدينة. بيد أنه للأسف، تركت زيارتي انطباعاً لدى الكثير من المتظاهرين السوريين بأن واشنطن تدعم ‘تغيير النظام’، وجاء التصريح الصادر عن أوباما في أغسطس2011 حول ضرورة تنحي الأسد ليعزّز هذا الانطباع الخاطئ”.

يتحدث فورد عن تهديد للأسد بعدم ارتكاب مجازر، وعن أن من فهم الرسالة هم من صاروا الضحايا لا المُرسَل إليه. لكن الأميركيين ظلّوا، حتى هذه اللحظة، يشتغلون على الضحايا وتركوا من وجّهوا إليه الرسالة يواصل تدمير سوريا وارتكاب مجازر أكبر بأضعاف من مجازر حماة. وهم لم يتدخلوا لأن هذا البلد له سيادة، كما يبرّرون، بينما يقول بلينكن في أيامنا هذه إن “السيادة لا تعني ضمان حق الحكومة في تجويع شعبها وحرمانه من الدواء، وقصف المستشفيات وارتكاب أي انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان بحق المدنيين”.

فضيلة فورد الوحيدة هي إشارته في حديثه حول سوء الفهم، إلى أن الألمان استعادوا وحدتهم عام 1990 بعد مفاوضات بين الشطرين الشرقي والغربي لألمانيا، جرت على مسار، في حين انهمكت دول الاحتلال الأربع في مناقشة الأمن الإقليمي الأوروبي على مسار مختلف. “ولم يكن ممكناً التوصل إلى اتفاق، لو أن الألمان لم يتوصلوا في ما بينهم لاتفاقٍ في المقام الأول”. وهو يعبّر بهذا عن مخاوف أميركية، تدلّ على أن واشنطن تفهم جيداً، ولا تسيء الفهم، وأنّ العرب والسوريون من بينهم، سيفهمونها كما فهمها الألمان ذات يوم.

كاتب سوري

العرب

—————————–

بعض النصائح لأصدقائي السوريين والسوريين الأميركيين/ فريدريك هوف

ترجمة أحمد عيشة

إن السوريين والأميركيين السوريين يعربون عن مخاوف عميقة من أن الإدارة الجديدة للرئيس جوزيف بايدن، بخصوص سورية، لن تُظهر أكثر من استعادة السياسات الفاشلة المرتبطة بإدارة الرئيس باراك أوباما. سأكون مذعورًا، لو كانت هذه هي الحال، غير أني لا أظنّ أن الحالة هكذا. ولكن من الطبيعي أن تأمل إدارة بايدن بحماس، بدءًا بالرئيس نفسه، في أن يُترك انفجار سورية من حيث الجوهر للآخرين، لكي يتعاملوا معه؛ وأن تكتفي السياسة الأميركية بالبيانات العامة والمعونة الإنسانية وحدها.

والواقع أن أولئك الذين يقدّمون المشورة لنهج السياسة الأميركية في التعامل مع سورية، بالتركيز على النهج الأساسي: التحوّل السياسي (وإن كان أقل كثيرًا من تغيير النظام العنيف)، لا بدّ أن يأخذوا في الحسبان الأولويات التي أعلنها الرئيس بايدن. وهي تعكس جدول أعمال (أجندة) طموحًا للغاية.

يهدف بايدن إلى استعادة القدرة على إنقاذ قدرة الديمقراطية الأميركية، وضمان الازدهار المحلي، وإحياء الحياة المدنية، وحماية الشعب الأميركي وحلفائه من الخصوم الاستبداديين في مختلف أنحاء العالم. إن التغلّب على هذا الوباء [كوفيد 19]، ودفع عجلة الاقتصاد، وتجديد البنية الأساسية الحيوية، وحماية حقوق التصويت، واستعادة التحالفات والشراكات، هذه هي الأولويات. وتتصدر الهند والمحيط الهادئ وأوروبا ونصف الكرة الغربي القائمة في التركيز الجغرافي للسياسة الخارجية.

يتعين على السوريين، والسوريين الأميركيين، وأولئك الذين يريدون الدعم الأميركي الفعال للتحول السياسي في سورية أن يدركوا أولًا أولويات إدارة بايدن في أثناء صياغة التوصيات السياسية المتصلة بسورية، وتقديم المشورة إلى الإدارة والكونغرس؛ فالتوصيات والمشورة التي لا ترتبط بهذه الأولويات لن تلقى قبولًا حسنًا. 

قد يكون من الواضح لأولئك الذين وقعوا في معمعة الكفاح السوري، طوال عقد من الزمان، أن خصوم الولايات المتحدة استخدموا الصراع هناك لإلحاق الضرر بالسمعة الأميركية، على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ وجعلوا سورية مُصدّرًا لرعب البشرية، ومستوردًا للإرهاب الإيراني وغيره من أشكال الإرهاب، وكلها تنتقل عبر الحدود الوطنية. ولكن أولئك الذين ركزوا الوقت كله على سورية لا ينبغي لهم أن يفترضوا أن ما يرونه وما يقتنعون به، يراه الآخرون.

ويتعين على أولئك الذين يشيرون بجزع إلى نظام بشار الأسد وعناصر تمكينه المستمرة في استخدام سورية، كمرحلة لزرع العجز الأميركي في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، أن يأخذوا في الحسبان احتمال أن الرئيس بايدن لا يرى الأمر على هذا النحو؛ وأنه قد يعتقد أن سورية لا تربطها صلة على الإطلاق بأولوياته السياسية الجديرة بالثناء والمرهقة. قد يعتقد، كما قد يفعل بعض كبار مسؤوليه، أن مصالح الأمن القومي الأميركي غير مأخوذة بالدمار الذاتي الكارثي الذي تشهده سورية؛ وأن الحلفاء والشركاء الأميركيين الذين يعيشون على مقربة من الانهيار السُميّ يجب أن يدافعوا عن أنفسهم.

ولا يقصد بأي من هذا أن يوحي باليقين بخصوص ما ستقرره إدارة بايدن في النهاية بصدد سورية. ولعل الرئيس بايدن وأعضاء رئيسين في فريقه لن يسمحوا بأن تمرّ عمليات القتل الجماعي للمدنيين في سورية، بلا ردع ومن دون عقاب. ولعل الإدارة المنظمة تنظيمًا جيدًا، التي تضم شخصية بارزة مؤهلة جيدًا بصدد سورية، سوف تثبت قدرتها على الاهتمام بالأولويات العليا للرئيس، في حين تعمل على تنفيذ استراتيجية تهدف إلى تعظيم احتمالات التحوّل السياسي، في بلدٍ يقدّم فيه إرهاب الدولة مقومات الحياة للإرهاب الإسلامي المرتبط بكل من إيران والقاعدة. ولعل الإدارة الجديدة سوف تدرك، في نهاية المطاف، من دون الاستفادة من الفشل الخطير في السياسة الخارجية، وجود صلة مهمة بين ما يحدث في سورية وتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

ولكن احتمال التنازل الأميركي في سورية لا يمكن صرف النظر عنه واستبعاده. ومن عجيب المفارقات أن الأمر قد يكون نتيجة النية الحسنة لرئيسٍ يحاول أن يعرض هذا النوع من التركيز المنضبط الذي يراه كثيرون على أنه جدير بالإعجاب.

هناك خطرٌ حقيقي في أن ينجح في نهاية المطاف أولئك الذين يدعون -في الداخل والخارج- إلى التطبيع مع نظام الأسد، وفكّ عرقلة المساعدات المقدّمة لإعادة الإعمار، لصالح نظام اللصوصية والزعران (الكليبتوقراطي). قد يعتقد البعض أن الاعتراف بالهزيمة في سورية قد يكون مجرد أمرٍ لإقناع طهران باتخاذ خطوات جوهرية نحو استعادة الاتفاق النووي. ويجوز للبعض الآخر أن يستعين بمساعدات إنسانية فقط، وأن يستشهد بتصريحات تدين القتل الجماعي -إلى جانب المطالب الخطابية بالمساءلة- بكونها كافية للتحقق من صندوق السياسة العامة ومأزقها بصدد سورية.

والواقع أن السوريين والأميركيين السوريين يعبّرون على نحو متزايد عن مخاوفهم من تمسك ولاية الرئيس أوباما الثالثة بالفعل بسياستها تجاه سورية. أنا لا أعرف. بالتأكيد لن يكون هناك تصرف استعراضي علني وعام يوجه دكتاتور للتنحي أو يرسم خطوط حمراء قابلة للانتهاك. إن اتخاذ قرار بالرد الخطابي فقط على المذابح بحق المدنيين في سورية قد يدفع المسؤولين في هذه الإدارة إلى تجنب استخدام عبارة “لن تتكرر أبدًا” المتعلقة بالمحرقة (الهولوكوست).

ولكن، حتى لو اتضح أن السلبية هي السياسة المختارة، فإن نظام الأسد وداعميه قد يعضّون الولايات المتحدة وحلفائها وشركاءها في نهاية المطاف، بما يكفي من القسوة، للحصول على مزيد من التفويض من الغرب، بدلًا من الإسعافات والمحادثات. ولكن في غضون ذلك، فإن أولئك الذين يقدمون المشورة المتعلقة بسورية، إلى رئيس وإدارة يفضلون أن يكون التركيز في أماكن أخرى، من الأفضل أن يتواضعوا في توصياتهم ويضبطوا أنفسهم في توقعاتهم.

وإذا كانت هناك خطط كبرى غير اعتيادية في العمل الذي يتطلب أكبر قدر من الجهد أو الموارد أو الاعتبار على المستوى الأميركي، لتحويل سورية من تهديد للسلام إلى نموذج للحكم الشرعي الشامل، فإن الوقت الآن ليس مناسبًا لعرضه. ومن المؤكد أن مثل هذه المقترحات سوف يستخدمها المدافعون عن السلبية والتنازل، في السخرية من “الغرباء” الذين “لا يفهمون ذلك”. وإذا قررت الإدارة، فبوسعها أن تزيفها بأمان بخصوص سورية، فسوف تتعلم قريبًا ما أصبح واضحًا في إدارة أوباما: من الممكن أن يكون التقاعس في حد ذاته طائشًا ومزعزعًا للاستقرار وخطيرًا؛ ويمكن أن يؤدي إلى عواقب قاتلة غير مقصودة بالسهولة التي يمكن بها اتخاذ إجراءات غير مدروسة.

يعرف الرئيس بايدن أن هذا صحيح. لقد مرَّ بذلك حين كان نائبًا للرئيس أوباما. ومن الناحية المثالية، سوف يأذن بجهد متواضع الموارد للعمل بشكل فعال في سورية، في حين يبقي عينيه على الجائزة: تأسيس الديمقراطية، باعتبارها نظام التحول العالمي المنشود. ومن الناحية المثالية، سيصدر توجيهاته بأن تكون سورية منبرًا لإعادة إحياء التحالفات والشراكات الرئيسة. إن السماح لها بأن تظل مسرحًا تتبختر عليه إيران وروسيا والأسد، في دراما تبرز عجز أميركا وعدم أهميتها، لن يكون متسقًا مع ما يسعى الرئيس الأميركي الجديد إلى تحقيقه على المستوى الدولي. وسوف تستخلص الصين وروسيا وإيران وغيرها استنتاجات من سورية، بخصوص عزيمة أميركا، بصرف النظر عن رغبة واشنطن في المشاركة. وقد فعلوا ذلك منذ عقد من الزمن. لا شيء سيتغير. وليس هناك ببساطة أي مفرٍّ من أنك أنت الولايات المتحدة.

لا يستطيع الرئيس بايدن فعل كل شيء. ولا يجب أن يحاول. ولكن ما يحدث في سورية لن يبقى هناك. لم يحدث أن بقي، ولن يحدث أبدًا. ومع ذلك فإن المناصرين لسياسة أميركية في سورية، تركّز على التحول السياسي، لا بد أن يكونوا حساسين في مناصرتهم لأولويات السياسة التي تتبناها إدارة تريد أن يشكل نجاحها أهمية حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعالم. ومن الضروري ربط تلك الدعوة بتلك الأولويات. العلاقة واضحة هناك. إن بناءها هو ثمن الاعتراف من أجل التقدير الجاد.

اسم المقال الأصلي         Some advice to my Syrian and Syrian-American friends

الكاتب   فريدريك هوف، Frederic C. Hof

مكان النشر وتاريخه         المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 30 آذار/ مارس 2021

رابط المقال         https://bit.ly/31Pu9s0

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

————————–

اميركا حدودها العالم وسورية تفصيل مرتبط بالحوار والمنطقة/ غسان عبود

لقد أتينا على ذكر أمريكا مراراً في مقالاتنا السابقة التي نقدمها حول قضيتنا الوطنية السورية، فأمريكا في كل زاوية في المسألة السورية والملف السوري ملف أمريكي بامتياز. يقول كيسنجر المهندس الأهم للسياسة الأمريكية الدولية: “نحن لا نستطيع الانسحاب من الشرق الأوسط. لكننا نحتاج إلى وضع إستراتيجية واضحة حول طبيعة تدخلاتنا في المنطقة”. إذاً في هذه المرحلة من التاريخ أمريكا ليست دولة خارجية بالنسبة للعرب، وبل ونكاد نجزم أنها ليست دولة خارجية بالنسبة إلى أية دولة في هذا العالم. فهي حاضرة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتقنياً وعلمياً بهذه الصورة أو تلك في حياة المجتمعات الإنسانية. كرهنا ذلك أم أحببناه، صحيح أن درجات حضورها مختلفة الشدة والضعف في هذه المجتمعات، لكنها إحدى الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ البشري التي لها قول وفعل في كل مشكلات العالم وقضاياه، بما فيها القضية السورية.

أمريكا دولة إمبراطورية تتكامل لديها أسباب القوة: المعرفية والعلمية والتقنية والاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية والسكانية، وهذا مكّنها من التعامل مع العالم بوصفه حدودها الجيوسياسية، فهي أول دولة في تاريخ الإنسانية حدودها العالم كله، وهي الدولة الوحيدة في التاريخ البشري التي لم يَعْتدِ أحدٌ على حدودها، وكل حروبها خاضتها خارج حدودها منذ استقلالها، لذلك بات طرح أي دولة كبيرة كانت أم صغيرة لفكرة الاستقلال الوطني التام يثير السخرية، فأمريكا طالما عطلت سيادة دول عدة لفترة قصيرة أوطويلة، ومؤخرا أربع دول عربية أزالت أمريكا سيادتها بالكامل، كما أن لأمريكا قواعد عسكرية في اليابان وأوروبا وأستراليا، لا تستطيع هذه الدول حتى مناقشة أمر إزالتها! كما أن عقل أمريكا الإمبراطوري يحدد سلوكها إذ وصل بها الأمر إلى درجة مخاطبة دول عظمى باستخفاف، كما حدث مع الصين مرات عدة، وألمانيا حين طالبها ترامب بكلفة حمايتها! ولمن يريد الاستزادة بإمكانه العودة إلى مراجع الإحصاء وسيتأكد أن الفوارق شاسعة بالقوة العسكرية والاقتصادية والعلمية البحثية بين أمريكا والدول العظمى مجتمعة!

دعونا نتفق على الأوليات الثابتة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أولاً: ضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة. ثانياً: ضمان أمن إسرائيل. ثالثاً: الحفاظ على القوة الأمريكية فيه. لذلك لن يكون مقبولا لأي دولة أو تحالف دول أن يتحدى هذه الضمانات الثلاث، ومؤخرا أضاف صناع السياسة الأمريكية هدفين آخرين: منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب. واجهت أمريكا وستواجه أي مساس بالمنطقة العربية، وخصوصا مناطق إنتاج الطاقة، سواء كانت من قوى خارجية أو حتى من محاولات عربية، راديكالية أو محافظة، تطرح الاستقلال السياسي النسبي عن الهيمنة الأمريكية، (تجربة العراق). كما أن مصالحها هي مؤشر سلوكها، فهي لا مع الإسلام ولا ضده بحد ذاته، ولا مع الدكتاتوريات ولا ضدها، ولا هي مع الجمهوريات أو الملكيات ولا ضدها، بل هي مع مصالحها فقط.

سورية في عيون السياسة الأمريكية

سأعود للأحداث التي حددت العلاقة بين أمريكا وسورية في عهد الأسد الأب والولد، لفهم العلاقة الملتبسة والمتناقضة في وعي كثير من السوريين. تتوسط سورية بين فلسطين واﻷردن ولبنان والعراق وتركيا، فموقعها هذا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يعتبر خطيرا ويجب ضبط ما يجري فيها، لذلك خمسون عاماً تقريباً وأمريكا تتعامل مع نظام تعرف حدود فعله ومواطن ضعفه، ومتى تحمله على هذا السلوك أو ذاك. وتعرف أن همه الوحيد الذي يحركه هو البقاء في السلطة مهما كان الثمن الذي سيدفعه والمهمة التي ينفذها. لذلك لا ترى أمريكا أنه يشكل خطرا عليها طالما هو يقوم بوظائف نافعة للهيمنة الأمريكية، ولأنه نظام مأسور بهمه السلطوي وضع سورية ضمن أسره بدل المراهنة على انتعاش الدولة بمقابل خدماته، فهو ذاته النظام الذي تحالف معها في الحرب على العراق وسلمها قوائم بالحركات الأصولية، وهو نفسه الذي دمر حضور منظمة التحرير الفلسطينية منذ استلامه حكم سورية ودمر المقاومة الوطنية اللبنانية الداعمة لها، ومنح إسرائيل أراضي سورية استراتيجية تضمن حمايتها، ونفسه الذي دمر لبنان المثال (سويسرا الشرق) وحوله إلى رماد، نفسه الذي يساهم في تحويل سورية إلى كانتونات سيكون جبرها عملية معقدة.

نعتقد أن أوباما كان مرتاحا لقمع أسد المفرط للسوريين، فالأسد الذي اختار إطلاق العنان للقوة العسكرية ضد شعبه، كان من المفترض بسلوكه هذا أن تتحول سوريا إلى السيناريو الليبي وهو تدخل عسكري مفوض من الأمم المتحدة وقيادة الناتو، أو تدخل عسكري أمريكي أحادي كما حصل في مرات سابقة، وخصوصا أن مظاهرات السوريين الأولى تميزت بشعارات ليبرالية وضد أعداء أمريكا، وكأن المتظاهرين أدركوا أن السياسة الأمريكية لن تخذل شعبا يطلب مساعدتها ضد هيمنة عدوين لها الروسي والإيراني(!) لكن تقارير عدة كشفت أن أوباما اعتمد السلبية المتخاذلة في سياسته تجاه سورية، مستندة إلى موقفه الزائف من استخدام ميليشيا أسد للأسلحة الكيماوية، وكذلك نكتة الخطوط الحمر الكاذبة، فالسياسة الأمريكية ليس لديها خطوط حمراء في قضايا حقوق الإنسان والقضايا التي لا تمس مصلحتها الوطنية. كما أن سياسة اللين التي مارستها أمريكا تجاه الفيتو الروسي الصيني المتكرر ورفضها التدخل عسكرياً أعطى للأسد رخصة بالإبادة. وأوباما كذلك تلاعب على مظاهرات السوريين، حينما اعتمد سياسة استخدام سلاح الكلمات ضد جرائم أسد، ولو كانت الكلمات أسلحة لاحتل المعتوهون، كنصر الله وأشباهه، العالم، وحرر أوباما سورية من أسرها قبل إلقاء خطابه الثاني حولها!

فضّل أوباما أن تلعب أمريكا دوراً لا مرئياً في الصراع في سورية لذلك اعتمد سياسة الأعمال السرية التي لا تكلف الكثير ولا تجتذب الكثير من الانتباه والانتقاد، فأنشأ وحافظ على توازن الكتل وتوازن التدخلات فيها وليس إنهاؤها، ونقل سلطة التمرد من الناشطين السلميين إلى رجال مسلحين يفتقرون للعلم والمعرفة والسياسة، وخان الفصائل حين دعمها لكن أصر على تسليحها بأسلحة خفيفة وذخائر تقطع متابعتها الهجوم، معتمدا سياسة الدعم بسلاح لا يحقق نصرا لكنه يجعل الصراع أكثر دموية وديمومة ليتعفن ويتقيح! كما ميّع الحل السياسي الذي كان سيجنب سورية الانزلاق إلى حرب مسلحة بالوكالة شغل فيها أعداء أمريكا وأصدقاءها بحرب على التراب السوري، فاستيقظ الشعب السوري من حلم بحياة حرّة على خراب واسع!

كذلك حاولت إدارة السياسة الخارجية لأوباما إخفاء جرائم أسد ما استطاعت عن الإعلام الأمريكي والعالمي، ولعل خير مثال الضغط الذي مارسته على مجلس النواب الأمريكي لمنع قيصر من فضح جرائم الأسد، وترك سورية تحترق، وعندما سئل مسؤول أمريكي عن السبب في ذلك قال: “نخشى أن تسألنا وسائل الإعلام بعد ذلك {أي بعد التعرف على الجرائم التي تحصل في سورية} وعما سنفعله حيال ذلك”، لأنهم ببساطة لا يريدون فعل شيء!

نعتقد أنه من الخطأ الظن بأن الوجود الروسي والإيراني يشكل عقبة أمام حل أمريكي للمسألة السورية، أو أن وجودهما خارج التوافق الأمريكي. وندرك أن أمريكا لن توافق لا الآن ولا في المستقبل أن يكون لإيران الدور الفاعل في مصير سوريا، أو أن يستفرد الروس بحل سياسي لسورية كما أن الاثنين لا مقدرة فعالة لديهما أساسا، وكنا قد بيّنا هذا في مقالات سابقة.

تدرك أمريكا أن “نظام” أسد لم يعد قابلا للحياة، وأن الاحتلال الروسي في دوامة لا يملك لها حلا، لكنها تريد بديلا مشابها للسلطة الأسدية الرثة من حيث الوظيفة وليس نقيضا له، وهذا البديل غير متوافر بعد. وبالتالي لماذا عليها أن تساعد في إسقاط نظام لا تعرف بديله؟ لكننا نعتقد أنه بإمكان أمريكا المساعدة على نشأة نظام يُؤمِن بالشراكة مقابل حق الشعب السوري بحياة توفر له وفرة تساعده على ترميم بلده وعلى حياة آمنة، فأمريكا تقود العالم وهي تغذيه بالتقنية المتطورة والعالم في زمانها أكثر إشراقا وتنويرا وتطورا، ولا يمكن أن تكون تكلفة ذلك من جيب دافع الضرائب الأمريكي فقط، ونحن نعتقد أن علينا المشاركة بجزء مهم من مواردنا في هذا التطوير. كما أن الشعب السوري يهمه أن تكون علاقته مع دول الجوار علاقة قائمة على التعاون المتبادل لما فيه خير المنطقة، وليس على مبدأ تأجيل العداء؛ وبالمطلق لا يرغب السوريون أن يكونوا في الخندق المعادي لأمريكا، ولضمان ذلك لن يكون لدينا جيش لا نقدر على إيفائه التزاماته، وإنما قوى أمنية تفرض الأمن داخل حدود البلاد.

وأبدا ودائما، يجب أن يفهم السوريون أن لا حل لمشكلتهم خارجهم، لكن أم العقبات أمام توظيف العناصر الخارجية لتحقيق مطالبهم، تكمن في غياب الشخصية السورية السياسية الفاعلة الممثلة للسوريين. وغياب فريق من أطر نخبوية متنوعة قادرة على خلق عقد اجتماعي وعقد سياسي يضمن تحقيق مشروع سياسي لا يستعدي أحدا. وفي ظل هذا الغياب فإن فعل القوى الخارجية وعلى رأسها أمريكا سيكون متحرراً من أية قوة داخلية فاعلة، وسيدوم الخراب، ويتوسع تسلط ميليشيات الشر علينا، في ظل نظام متعفن ميت سريرا، وسيغيب عنّا شكل الدولة وتنظيم حياة الناس، ونبقى طويلا في سجن مرير أسواره مخطوطة على الرمال.

غسان عبود – بالتعاون مع أورينت.

——————————–

===========================

تحديث 17 نيسان 2021

————————

أميركا تعيد تقييم سياستها الخارجية: تأبيد المشكلة وتوسيعها؟/ منير الربيع

في موازاة مفاوضات فيينا، تلجأ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعداد تقرير لإعادة تقييم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. يهدف لوضع رؤية واشنطن للواقع في ظل الذهاب إلى أي اتفاق أميركي إيراني متجدد، وكيف سيكون انعكاسه على الوضع في المنطقة، خصوصاً إسرائيل، ودول الخليج، وسوريا، والعراق، واليمن، ولبنان. في الأيام الأولى لتولي بايدن الرئاسة الأميركية، كانت هناك وجهة نظر أنه لا يمكنه تكرار تجربة باراك أوباما بسبب حصول متغيرات استراتيجية في المنطقة، منها دخول روسيا إلى سوريا، وتوسع تركيا وتعزيز أوراقها، والعلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل. ولكن على ما يبدو أن توجهات بايدن قد تدفعنا مستقبلاً إلى الاعتراف بالخطأ، خصوصاً في ظل الحماسة المشهودة له سعياً وراء إبرام تفاهم مع إيران. صحيح أنه من المبكر الحديث عن نتائج وتداعيات مثل هذا الاتفاق، وهل يمكن أن يتكرر ما حصل في العام 2015، أم أن الاتفاق قابل لجعل إيران صاحبة نفوذ طبيعي في المنطقة، كما غيرها من الدول، بدلاً من الاستباحة المطلقة، والإعلان بصلافة عن السيطرة على أربع عواصم عربية. وأيضاً لا بد من التذكير بنقطة أساسية وهي أن الجيش الأميركي لا يزال فاعلاً بالنسبة إلى القرارات في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الملف الإيراني.

كل المعطيات تفيد بأن لقاءات كثيرة عقدت بشكل مباشر وغير مباشر بين الإيرانيين والأميركيين، وقد مهدت لحصول الاتفاق، وكل المعلومات تؤكد أن المفاوضات سبقت اجتماعات فيينا التي تأتي في سبيل إخراج الاتفاق وإعلانه، وقد يتم الإعلان عنه قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لأن واشنطن لا تريد فوز مرشحي الحرس الثوري الإيراني في إيران، إنما تفضل واشنطن مرشحاً محسوبا على غير الحرس، ما ينم عن تدخل غير مباشر في الانتخابات الإيرانية. هناك محاولة للتأثير على مسار الأمور داخل إيران من خلال الاتفاق النووي، وسط صعوبة في تحقيق ذلك بسبب موقف الخامنئي، الداعم لمرشح من الحرس، إلا أن واشنطن من خلال سياستها هذه تريد أن تؤسس لمرحلة مستقبلية بعيدة المدى.

واشنطن وفق ما تقول لا تريد القيام بسياسة أحلاف، بمعنى أنها لا تريد الابتعاد عن دول بسبب علاقة هذه الدول مع إيران، وهذا تحول في المسار الاستراتيجي الأميركي من خلال الإقلاع عن سياسة إما معنا وإما ضدنا، والعراق هنا أبرز الأمثلة على ذلك. حتى في مسألة الاتفاق الاستراتيجي الإيراني الصيني. هنا لا بد من الدراسة بتمعن نظرية هنري كيسنجر والتي تدعو أميركا إلى إيجاد خيوط للتقارب والتفاهم والتشارك مع الصين للمرحلة المقبلة من دعائم النظام العالمي.

وجود إيران في سوريا سيتحول فيما بعد إلى نفوذ صيني من خلال المشاريع والاستثمارات، وهنا لا بد من مراقبة أداء واشنطن وموقفها، علماً أنها تأخذ من سوريا ما يعينها وهو العلاقة الجيدة مع الأكراد التي تحتفظ بها وتحرص عليها، أو من خلال السيطرة على شرق سوريا، حيث منابع النفط والمعابر الأساسية. السؤال الأساسي سيكون حول الوضع في غرب الفرات، والذي سيشهد تنافساً كبيراً، بين الصين وإيران من جهة، وروسيا وتركيا من جهة أخرى، هذه اللعبة سيعمل الأميركي على إدارتها بكل تناقضاتها واختلاف حسابات الأطراف فيها.

أمام هذه الواقع لا بد من طرح أسئلة حول موقف دول الخليج، والتي لا يبدو أنها ستكون على موقف واحد، إذ هناك من يمتلك علاقات جيدة أو هادئة مع إيران، ودول أخرى تتخذ أقصى المواقف المعارضة. أما الأهم بالنسبة إلى هذا الاتفاق، هو إسرائيل التي سيكون موقفها حرجاً جداً، خصوصاً في ظل ما يعتبره الإسرائيليون أن الإدارة الأميركية غير المؤيدة لنتنياهو، فيما هو يعمل على الاستمرار في تنفيذ عمليات ضد الإيرانيين، إما ضد السفن في البحر، أو داخل إيران واستهداف المفاعلات النووية. ما يعني الذهاب إلى حرب استنزاف طويلة. مع وجود قناعة لدى معظم دوائر القرار الإسرائيلية والأميركية أن العمليات الإسرائيلية ضد إيران ستستمر، بالرغم من توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران مجدداً.

وسط هذه الأجواء، تستمر آراء أميركية متعددة من قبل مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين حاليين وسابقين في التداول داخل الإدارات الأميركية ومراكز الأبحاث. أكثر الدبلوماسيين النشطين في هذه المرحلة هو فريدريك هوف الذي كان موكلاً بملف ترسيم الحدود، بين لبنان وإسرائيل، وكان له دور أساسي في ملف الحدود السورية الإسرائيلية والسورية اللبنانية. في أحد مقالاته الأخيرة قال هوف إن بشار الأسد أبلغه ذات مرة بأن مزارع شبعا سورية وليست لبنانية، استخدم الدبلوماسي الأميركي هذا الموقف في ظل انسداد أفق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية، بسبب مساعي لبنان لتوسيع حدوده. يأتي موقف هوف في إطار الضغط على لبنان وتحذيره بأن اللجوء إلى خيار توسيع الحدود، يعني خسارة لبنان لمساحة بحرية ولثروته كما خسر مزارع شبعا بسبب الموقف السوري.

كل ذلك يأتي في إطار “إعادة التقييم للسياسة الخارجية الأميركية” في منطقة الشرق الأوسط، والتي يفترض أن تتبلور في المرحلة المقبلة، على وقع مفاوضات النووي، والعودة إلى الاتفاق الأميركي الإيراني، القابل في أي لحظة إلى إعادة رمينا في فم التنين، بنتيجة تقاطعات دولية، أوروبية أميركية إيرانية عربية، ذلك بلا شك سيكون تأبيداً للمشكلة وليس البحث عن حلّ لها.

تلفزيون سوريا

———————————

أمريكا وروسيا: من يروّض من؟

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أمس الخميس عن مجموعة واسعة من العقوبات على روسيا وذلك ردا على تدخلها في الانتخابات الأمريكية عام 2020 ومسؤوليتها عن عمليات تسلل الكتروني وتهديدها المتعاظم لأوكرانيا إضافة إلى أنشطة «خبيثة» أخرى مثل تسميم المعارض أليكسي نافالني وسجنه. استهدفت العقوبات شركات روسية، وطرد دبلوماسيين، وفرض قيود على سوق الدين السيادي الروسي، وشملت 32 من الكيانات والأفراد.

من جهتها، وفي سلوك اعتيادي لا يتغيّر، فقد قامت موسكو بإنكار مسؤوليتها عن هذه الأفعال وقالت وزارة خارجيتها أن الرد على العقوبات «سيكون حتميا ومدروسا» ليتم إعلانه في أقرب وقت، لكنّ وسائلها الإعلامية الرسميّة احتفت بإعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن لقاءه المرتقب مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، سيكون حاسما لوقف التصعيد في العلاقات.

يُحتسب الفعل الروسي ضمن الرغبة في الإعلان أن إدارة الرئيس بوتين هي في موقع القوة العظمى، وأنها الخصم الذي لا يمكن عقابه من دون توقع ردّ مقابل، أما الموقف الأمريكي فيقوم على خيار «العصا والجزرة».

يتوقّع الأمريكيون، والمنظومة الدوليّة، من واشنطن التحرّك ضد أي هجوم يستهدفها، كما هو حال التدخل في الانتخابات، أو يتعرّض لتوازنات العالم، كما هو الحال في التصعيد الروسي ضد أوكرانيا، أو حتى بما يتعلّق بالقضايا الروسيّة فيما يخصّ تعامل الكرملين مع المعارضة.

لا ترغب الإدارة الأمريكية، مع ذلك في مواجهة مفتوحة مع موسكو وهذا ينطبق على طبعة الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب، الذي اضطرّ أكثر من مرة لمواجهة تهديدات الدب الروسيّ بعقوبات، ولكنّه كان المرشّح الأمريكي المفضّل بالنسبة لبوتين، أو في طبعة الرئيس الديمقراطي بايدن، الذي تعهّد في حملاته الانتخابية بمواجهة روسيا، وقد شهدنا أمثلة واضحة على خذلان واشنطن لتركيا وأوكرانيا وجورجيا وللسوريين، وتشارك في ذلك الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون.

تستغلّ إدارة بوتين نزوع الأمريكيين والأوروبيين لتجنّب مواجهة مباشرة مع روسيا بفتح الباب لجواسيسها لتصفية خصومها السياسيين في الخارج (كما حصل عدة مرات في بريطانيا) وبنشر شبكاتها التجسسية الفعلية في أي موقع ممكن (كما كُشف مؤخرا في إيطاليا) وفي التدخّل في عمليات التصويت والانتخاب، ونشر معلومات مضللة، وكذلك بنشر مرتزقة فاغنر في مواقع الصراع العالمية، ولا تتورّع عن ضم مناطق تابعة لدول أخرى (كما حصل في استيلائها على شبه جزيرة القرم الأوكرانية) أو العمل المباشر على تغيير أنظمة حكم وحكومات.

تردّ أمريكا وأوروبا على هذه التدخّلات بعقوبات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، كما أنها تقوم أحيانا بمواجهات عسكرية مباشرة نادرة، أو بتسليح حلفائها، لكنها تترك دائما أبوابا للتحرّك السياسي والدبلوماسي في محاولة تكاد تكون ميؤوسة لترويض الدبّ الروسي، وفي المقابل تتابع موسكو عملها «المعتاد» كما لو أنها غير مكترثة بتراكم العقوبات الاقتصادية والسياسية، في محاولة، من جهتها أيضا، لـ«ترويض» العالم الغربيّ بإيصاله لقناعة أن موسكو لن تتوقف عن أعمالها الحربيّة والأمنية وتمديد مجالها الحيويّ، وأن عليه أن يكفّ عن معاقبتها لأنها لن تردّ على العقوبات فقط، بل هي مستعدة لدفع الأمور نحو الهاوية التي لا يريد أحد في العالم أن يمضي إليها.

لقد تمكّن العالم الغربيّ سابقا من تفكيك الاتحاد السوفييتي منهيا حربا «باردة» لكنها لا تكفّ عن الاشتعال في أرجاء العالم، مهددة، في أحيان كثيرة، بإبادة الجنس البشريّ بأكمله، والآن، في مسعاها لوراثة الدور السوفييتي، تحاول روسيا بوتين مجددا استعادة «الأمجاد» القديمة ليس للاتحاد السوفييتي فحسب بل للامبراطورية الروسيّة القديمة التي كانت موعودة باقتسام الشرق الأوسط (بما فيها تركيا) والاتصال الجغرافي بأوروبا والبحار الدافئة، والمراهنة الآن على: من سيروّض الآخر؟

القدس العربي

——————————-

الكونغرس يريد زيادة الضغط..لأن الأسد يسعى لمحو إدلب

حثّ أعضاء في الكونغرس الأميركي، إدارة الرئيس جو بايدن على تطبيق جميع بنود “قانون قيصر”، في سبيل تصعيد الضغط على نظام بشار الأسد وحلفائه.

وفي جلسة استماع عقدتها لجنة الشرق الأوسط وجنوب آسيا الفرعية، شارك فيها كل من الباحثة السورية لينا الخطيب، والناشط السوري عمر الشغري، دعا أعضاء الكونغرس الإدارة الأميركية إلى وضع استراتيجية واضحة في سوريا بأسرع وقت ممكن.

وقال رئيس اللجنة النائب الديمقراطي تيد دويتش إن الكونغرس “سيسعى إلى تطبيق جميع بنود مشروع قيصر، فنحن في موقع قوة للضغط على نظام الأسد، والتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة”.

ووجّه دويتش انتقادات لاذعة للنظام ولرئيسه بشار الأسد، منتقداً سعيه “لمحو إدلب من الوجود”، مضيفاً أن “الصراع في سوريا ساعد إيران على توسيع نفوذها، وروسيا على بسط سيطرتها كلاعب أساسي في المنطقة”.

وأشار دويتش إلى أن “الأسد وداعميه من إيران يعتدون على الشعب السوري، يومياً”، مذكراً بالاستعمال المتكرر للأسلحة الكيماوية، ومشدداً على ضرورة العمل لإطلاق سراح الأميركيين المحتجزين في سوريا، وتحديداً الصحافي الأميركي أوستن تايس والطبيب السوري الأميركي ماجد كم الماز، مضيفاً أن “الكونغرس لم ينسَ الشعب السوري”.

من جانبه، قال كبير الجمهوريين في اللجنة النائب جو ويلسون في جلسة الاستماع التي عقدت بعنوان “10 أعوام من الحرب: النظر في الصراع المستمر في سوريا”، إن نظام الأسد “غير شرعي”، مشدداً على أنه “لا حل للأزمة في سوريا طالما أن الأسد باق في منصبه”.

كما دعا النائب ويلسون الإدارة الأميركية إلى “اعتماد مقاربة مختلفة، لأن كل المحاولات التي سعت إلى التوصل إلى حل بالتعاون مع روسيا وإيران، باءت بفشل ذريع”، وحثّ ويلسون، إدارة بايدن، على التصرف بسرعة لمنع الأسد من “مسح إدلب عن الخريطة”.

وتأتي هذه الجلسة في وقت أصدرت فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية، تقييمها السنوي للتهديدات المحدقة بالولايات المتحدة. وتطرق التقرير إلى سوريا، ورجح مسؤولو الاستخبارات الأميركية، أن يستمر الصراع والتدهور الاقتصادي والأزمة الإنسانية هناك، في السنين المقبلة، وأشار التقرير إلى أن التهديدات المحدقة بالقوات الأميركية هناك ستزداد أيضا.

وفي السياق، طالب الائتلاف الوطني السوري المعارض بتحرك دولي يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفق ما يقتضيه القرار 2118، بناءً على نتائج التقرير الثاني الصادر عن فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الذي حمّل نظام الأسد مسؤولية الهجوم بغاز السارين على سراقب في آب/أغسطس من العام 2018.

وقال الائتلاف في بيان، إن “التقرير الأخير أكد كما كان حال التقرير الذي سبقه، الحقيقة التي يعرفها الجميع، ومفادها أن قوات النظام تعمّدت استخدام الأسلحة الكيماوية”.

وأشار إلى أن التقريرين الصادرين عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يقدّمان النتائج نفسها، موضحاً أنه “ينتظر أن يتحمل أطراف المجتمع الدولي الملتزمون حقاً بأمن العالم واستقراره، والأطراف الدولية الفاعلة، مسؤولياتهم، وأن يبادروا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المجرمين ومنع تكرار مثل هذه الجرائم”.

المدن

———————————

أمريكا وأفغانستان: رموز الغزو ومخيّلة الإمبريالية/ صبحي حديدي

الآن وقد استقرّ الرئيس الأمريكي على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، بحلول 11 ايلول (سبتمبر) المقبل، لا مناص من استدراج الجانب الرمزي وراء اختيار هذا التاريخ تحديداً، ليس لأنه يتصادف مع الذكرى العشرين للهجمات الإرهابية الشهيرة على البرجَين، فحسب؛ بل كذلك لأنّ وقائع التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان اقترنت أيضاً بإرث معقد من التخييل الإمبريالي حول البلد، لا يكتفي بالاعتبارات الجيو ـ سياسية المحلية والإقليمية والعالمية، بل يذهب أبعد نحو التاريخ والديانة والثقافة، على هدي كلّ غزو أمريكي وإمبريالي في واقع الأمر.

وإذْ يعود المرء إلى بعض كشوفات «أوراق فييتنام» التي خاضت صحيفة «واشنطن بوست» معركتَين في مستوى القضاء الفدرالي واحتاجت إلى ثلاث سنوات قبل أن تمتلك الحقّ القانوني في نشرها؛ لن يعدم الكثير، المفاجئ حقاً في حالات عديدة، من هيمنة الرمز والمخيّلة على مستويات مختلفة من تفكير رجال الجيش الأمريكي الذين عملوا في أفغانستان، أسوة بوكلائهم وعملائهم المحليين. ولم يكن الاعتراض على نشر تلك الأوراق وبلوغ الأمر قاعة المحكمة سوى مستوى السطح من شروخ سياسية ونفسية وعسكرية شتى صارت قرينة حرب «عبثية» و«لانهائية» كما باتت تُوصف، غابت عنها الانتصارات مثلما أضحت هزائمها المتعاقبة بمثابة بوّابات مفتوحة على ذاكرة فييتنام الماضية، أو ذاكرة العراق الحاضرة.

محمد إحسان ضيا، الوزير الأفغاني للتنمية وإعمار الريف، اعتبر أنّ «الأجانب» وقصد أفراد الجيش الأمريكي والحلف الأطلسي الآتين إلى أفغانستان، يقرأون رواية «عدّاء الطائرة الورقية» للأمريكي من أصل أفغاني خالد حسيني، وهم في الطائرة؛ فيساورهم اليقين بأنهم باتوا «خبراء» حول أفغانستان، ويكفّون بعدئذ عن الإصغاء إلى أي رأي آخر. دوغ لوتن، الجنرال الأمريكي الذي لُقّب بـ«قيصر أفغانستان» لأنه قضى هناك ستّ سنوات، وأصبح سفير الولايات المتحدة لدى الناتو، أقرّ بالتالي: «كنّا خالين من أيّ فهم جوهري لأفغانستان، ولم نكن أصلاً نعرف ما نفعل». ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي الأسبق خلال سنوات 2005 ـ 2009، قال: «بعد 2005 بات لدي انطباع بأنّ أمراء الحرب قد عادوا لأنّ كرزاي أرادهم أن يعودوا ولم يكن يفهم إلا نظام الزبائنية. وكرزاي لم يكن صلباً أبداً حول الديمقراطية، ولم يعتمد على المؤسسات الديمقراطية»؛ وهذا لأنّ مخيّلة هادلي كانت مرتاحة تماماً إلى ذلك النهج الاستشراقي الأحمق الذي هيمن على نساء ورجال إدارتَي جورج بوش الابن، وسوّل لهم أنّ الغزو الأمريكي لأفغانستان أرسى مؤسسات ديمقراطية قبل أن يقيم القواعد العسكرية!

وثمة، بين «أوراق فييتنام» هذه الشهادة النبوئية التي نطق بها روبرت فن، السفير الأمريكي الأسبق في كابول: «هذه مشكلة منهجية عند حكومتنا. ليس في وسعنا التفكير أبعد من الانتخابات التالية. حين ذهبنا إلى أفغانستان كان الجميع يتحدثون عن سنة أو سنتين، وقلت لهم إننا سوف نكون محظوظين إذا خرجنا من هنا بعد 20 سنة». ليس مؤكداً، بالطبع، أنّ نبوءته سوف تتحقق عملياً يوم 11 أيلول (سبتمبر) المقبل، وأنّ الرئيس الأمريكي الحالي سوف يفي بالتزامه؛ ففي شباط (فبراير) 2020 وقّعت الولايات المتحدة اتفاقاً مع الطالبان يقضي بالانسحاب الأمريكي خلال شهر أيار (مايو) المقبل، وذهب الوعد أدراج الرياح ليس لأنّ ترامب غادر البيت الأبيض فقط، بل أساساً لأنّ الموعد لم يكن مدروساً بما يكفي، على غرار الكثير من قرارات الإدارة السابقة.

ليس مؤكداً، في المقابل، أنّ انسحاب القوات الأمريكية (2500 عنصر) وما سيترافق معه تلقائياً من انسحاب قوات الحلف الأطلسي (9600 جندي ينتمون إلى جنسيات مختلفة)؛ سوف يسفر عن خاتمة، أو حتى يضع حدّاً، لفيوض الرموز والتخييلات الإمبريالية حول أفغانستان: الصناعة الرمزية والإنشاء الزائف والدوغما المعرفية، وليس البتة أفغانستان البشر والأرض والتاريخ. فأين، بافتراض حدوث العكس، سوف يذهب التخييل حول الشرق، وآسيا، والمرأة، والإرث الشيوعي/ السوفييتي، والقبائل والعشائر والأفخاذ، وأسامة بن لادن، والملا عمر، والصراع الإسلامي ـ البوذي، والطالبان، والكثير الكثير سوى هذا وذاك من معطيات «البحث» و«الاستنباط» و… الاستشراق؟ وكيف لكلّ ما تراكم، خلال عقود سبقت 11/9/2011، بل استبقت الغزو السوفييتي ذاته، أن يتفكك إلى معطيات ملموسة واضحة، طبقاً لمعايير علمية في القراءة والتحليل؛ فتتبخر، في إطار سيرورة مثل هذه، شهوة التزييف والتخييل وإقحام الخلاصات الجوهرانية على كلّ ظاهرة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو تاريخية؟

ولعل أوضح الأمثلة الصارخة على هذه السيرورات المعرفية، التخييلية/ الاستيهامية بامتياز كما يتوجب التشديد دائماً، هو تشبيه حميد كرزاي بشخص نلسون مانديلا حين يكون الأوّل صديقاً/ تابعاً وعميلاً للولايات المتحدة والحلف الأطلسي والغرب عموماً؛ وأمّا حين يسقط عنه وشاح التبعية، فإنه ذاك الكاره للديمقراطية والمروّج للزبائنية، كما وصفه هادلي في السطور أعلاه. لكنّ تهمة الزبائنية سوف تهون كثيراً أمام أخرى أشدّ مضاضة تنسب إليه اللواط بالأطفال، ولكنها لا تكتفي بهذا إذْ توجّب أن تكون أكثر قرباً من التنميط الاستشراقي الكلاسيكي، فتعتبر سلوكه جزءاً من تقاليد قبائل البشتون التي ينتمي إليها! كرزاي هذا هو ذاته الذي وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس هكذا: «لستُ أعرف أحداً يحظى بالإعجاب والاحترام في المجتمع الدولي مثل الرئيس كرزاي، بسبب قوّته، وحكمته، وشجاعته. أقول هذا وأنا أجالس وزراء خارجية ورؤساء حكومات على امتداد العالم، وأحضر اجتماعات مجلس الحلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، والناس في مختلف أرجاء العالم».

وقد يكون من حقّ المرء أن يحار في التكهن حول مجريات مؤتمر مقبل حول أفغانستان، تعتزم تركيا استضافته قريباً ويدوم عشرة أيام، بمعزل عن ركام المعرفة الزائفة التي تخيّم على البلد في ناظر القوى الغربية التي سوف تشارك في المؤتمر، أو تعلّق عليه أيّ آمال ملموسة. عسير أيضاً انتظار نتائج مبشرة بالخير إذا كانت طالبان تعتزم مقاطعته، بعد إعلانها أنّ الحركة لن تشارك في أي جهد تفاوضي دولي قبل انسحاب القوات الأجنبية؛ حتى إذا كان المؤتمر يخدم الرئيس التركي أكثر مما يسهم في إطلاق سيرورة سلام فعلية في أفغانستان. وما تسرّب مؤخراً عن رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في استبدال الرئيس الأفغاني أشرف غني بحكومة مؤقتة تضمّ الطالبان، هل يتكامل أم يتناقض مع الحوارات التي استضافتها العاصمة القطرية وأثمرت عن اتفاق ملموس بين الولايات المتحدة والطالبان والحكومة الأفغانية؟ وأين يقع مغزى العنف الأخير الذي تصاعد بين الطالبان والجيش الأفغاني، رغم أنّ المفاوضات كانت تجري على قدم وساق، وأنّ المبعوث الأمريكي زلماي خليلزاد يواصل جولاته المكوكية؟

شتان، كما قد يصحّ القول، بين عزم الرئيس الأمريكي الحالي على الانسحاب من أفغانستان، وبين إعلان سَلَفه بوش الابن، يوم 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 أنّ نهاية العملية العسكرية الأمريكية في أفغانستان «قد تحدث غداً، وقد تحدث بعد شهر من الآن، وقد تستغرق سنة أو سنتين، ولكننا سوف ننتصر». صعب للغاية وضع خواتيم الغزو الأمريكي/ الأطلسي لهذا البلد تحت أيّ توصيف يتصل بالنصر، وليس شاقاً استذكار العبارة الأخرى التي جاءت في خطاب بوش الابن يومذاك («لقد تعلمنا بعض الدروس الهامة من فييتنام»)؛ ولكن بمعنى برهنتها على العكس، أيّ عجز الإدارات المتعاقبة عن وضع أفغانستان على خلفية غزو فييتنام.

فكيف بوضعها على أيّ محكّ يخفف من حماقات رموز الغزو وغلواء المخيّلة الإمبريالية!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————-

روسيا وأمريكا: المواجهة بالإنابة/ مزهر جبر الساعدي

في الأيام الأخيرة توتر الوضع بين روسيا وأوكرانيا، المتوتر أصلا على خلفية انفصال جنوب شرق أوكرانيا من الجسد السيادي لها، بمساعدة وعون عسكري غير مباشر من روسيا، بعد حصول تغييرات في أوكرانيا؛ أفضت إلى وصول رئيس يكن العداء لروسيا، ويريد التقرب من الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية.

فما كان من روسيا إلا أن سيطرت بالقوة العسكرية على شبه جزيرة القرم، وضمتها إليها، ولاحقا أقامت جسرا يربط البر الروسي بشبه جزيرة القرم. الغرب والولايات المتحدة قاما بإصدار عقوبات اقتصادية على روسيا، على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم. وفي تزامن مع هذا التطور؛ اشتعلت المعارك بين الجيش الأوكراني والانفصاليين في جنوب شرق أوكرانيا، استمرت لعدة أشهر، ولكنها وبعون ومساعدة روسية غير مباشرة؛ أجبرت أوكرانيا على التوقيع على اتفاق منسك، الذي قاد إلى إقامة جمهوريتين انفصاليتين غير معترف بهما في جنوب وشرق أوكرانيا. تعتبر أوكرانيا من أكثر جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق أهمية وخطورة أمنية وعسكرية وما إليهما، على الاتحاد الروسي. الغرب يعتبر روسيا مع أوكرانيا دولة عظمى، وروسيا بدون أوكرانيا دولة كبرى. استمر هذا الوضع المتوتر على ما هو عليه، من دون أي تغير؛ فلا الغرب والولايات المتحدة اعترفا بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ولا الوضع غير المستقر في جنوب شرق أوكرانيا تمت تسويته، أي إيجاد حل، أو حلول للوضع المتوتر في تلك المنطقة، وظل الوضع الساخن، حاضرا كميدان، وجاهزا للعب السياسي والعسكري، لإشغال روسيا واستنزافها؛ كهدف استراتيجي من قبل الولايات المتحدة. إن التوتر بين أوكرانيا مع جزئها الجنوبي الشرقي؛ بلغ القمة، ووصل حد التهديد باستخدام القوة العسكرية من قبل أوكرانيا، لإعادته الى جغرافيتها، بدعم وتشجيع من الغرب والولايات المتحدة، وهي محاولة من أمريكا لاستنزاف روسيا؛ بدفعها إلى اجتياح أوكرانيا، وإغراقها في الوحل الأوكراني. وإذا ما أقدمت روسيا على الاجتياح، فإن أمريكا ستحقق بذلك هدفين من استراتيجيتها هذه، لقلع أنياب الدب الروسي؛ الهدف الأول هو الاستنزاف. والثاني هو دفع ألمانيا إلى إعادة النظر في السيل الشمالي الثاني للغاز الروسي، إلى ألمانيا وأوروبا أيضا، ما يقود حتما إلى حاجة روسيا، أو استمرار تلك الحاجة إلى أوكرانيا؛ لخط نقل الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية. وحتى في حالة سيطرة روسيا على أوكرانيا، لا تستطيع روسيا حماية خط نقل الغاز إلى أوروبا في ظل ما ينتج عن هذا الوضع من مقاومة للوجود الروسي في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة قال أكثر من خبير استراتيجي ومحلل سياسي، وصحافة غربية، وتسريبات استخباراتية؛ إن روسيا سوف تتدخل إذا ما هاجمت القوات الأوكرانية أراضيها في الجنوب والشرق، بصورة مباشرة ومكشوفة، لحماية الجمهوريتين غير المعترف بهما، اللتين تقطن فيهما أغلبية من الناطقين باللغة الروسية؛ كما إن روسيا تقدر عدد المواطنين الروس الموجودين في تلك المناطق بأكثر من 400 ألف روسي، وهذا يعني أن لها الحق بحمايتهم وهي حجة.

إثر توارد الأخبار عن حشود روسية على حدود أوكرانيا في روسيا البيضاء وفي مولودوفا، وفي شبه جزيرة القرم، وفي حدودها الأخرى مع أوكرانيا؛ حذّرت واشنطن موسكو من أي عمل استفزازي ضد أوكرانيا؛ وهذه محاولة أمريكية أخرى لاستفزاز روسيا، وتوتير الوضع، ودفع روسيا إلى التصلب ورد الفعل.. روسيا بوتين تختلف اختلافا كليا عن روسيا التسعينيات، وحتى عن الاتحاد السوفييتي. بوتين داهية، وصبور ومتأن في اتخاذ خطواته السياسية والعسكرية مع الناتو ومع أوروبا، بشكل خاص، روسيا لا تتبع طريق المواجهة، فهي تتجنبها بكل الطرق والوسائل المتاحة لها، أو التي هي من تعمل على إيجادها؛ لأنها أي القيادة الروسية تدرك أن أي مواجهة بطريقة الوكلاء مع أمريكا، أي مع الناتو على حدودها مع أوروبا؛ سوف تكلفها الكثير، ويهتز وضعها الداخلي. وهذا هو ما تسعى إليه أمريكا. الصراع مع أوكرانيا ربما سيندلع في الفترة القليلة المقبلة، لكن روسيا سوف تتعامل مع هذا الوضع بطريقة تفوّت الفرصة على الولايات المتحدة، الساعية لجرها إلى حرب مع أوكرانيا، التي لا تريدها وتتجنبها بكل الوسائل والطرق لسببين، الأول هو السيل الشمالي الثاني لنقل الغاز إلى ألمانيا، لأن هذا المشروع حيوي لروسيا ولألمانيا وأوروبا أيضا، فألمانيا في حالة الاجتياح الروسي لأراضي أوكرانيا، أو الدخول المباشر في الصراع الأوكراني ـ الأوكراني؛ سوف تضطر لمعاقبة روسيا، واتخاذ موقف منها، أي إيقاف العمل بالسيل الشمالي الثاني. والسبب الثاني هو إفشال الخطط الروسية، منظورة ومتوسطة وبعيدة الأمد، بالتعاون مع الصين (مصالح متبادلة)؛ لفك الارتباط الاستراتيجي بين أمريكا وأوروبا. إنما، من الجانب الثاني؛ سوف لن تقف روسيا موقف المتفرج على المعارك الأوكرانية ـ الأوكرانية اذا ما اندلعت وهي من المتوقع أن تندلع في الأيام القليلة المقبلة، ستتدخل بطريقة فعالة مؤثرة وغير مباشرة وغير واضحة، وبطرق ووسائل تتقنها الدول العظمى، ومنها روسيا. رئيس جمهورية دونيتسك دينيس بوشلين؛ طلب من روسيا إفساح المجال للمتطوعين الروس بالقتال الى جانب الجمهورية سابقة الإشارة. أما تدريبات الناتو والحشود الروسية، سواء في روسيا البيضاء أو مولودوفا؛ فما هما إلا رسائل تحذير متبادلة وليس للمواجهة المباشرة؛ وهي لعبة عمرها قرن تقريبا.

في الختام نقول إن روسيا سوف تضخ مقاتلين وبأعداد كبيرة جدا، وكذا أسلحة متطورة جدا، تتكفل بإفشال المساعي الأوكرانية في استعادة سيطرتها على أراضيها.

كاتب عراقي

القدس العربي

———————————

(مقاربة جيوسياسية للوجود الأمريكي في سورية من خلال القوى الحليفة لها والمنافسة ومستقبلها)

نص المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمود عباس في ندوة (نواة سوريا)

مساء الخير

تحية للدكتور بسام مرعي والإخوة الذين ساهموا في عقد هذه الندوة الحوارية.

تحية للحضور الكريم.

نأمل أن يكون حوارنا هذا خطوة أخرى نحو محاولات خلق تقارب الآراء حول سوريا المستقبل، وبادرة لتصحيح بعض المفاهيم الجارية بين أطراف المعارضة الوطنية السورية.

عنوان المحاضرة:

(مقاربة جيوسياسية للوجود الأمريكي في سورية من خلال القوى الحليفة لها والمنافسة ومستقبلها)

لا شك معظمنا على دراية كافية بالموضوع، ولكن لكل منا وجهة نظره، وهنا سأعرض وجهة نظري وما أراه الأنسب لسوريا المستقبل، مع الوجود الأمريكي أو عدمه.

قبل أن أبدأ، لا بد من التنويه إلى أننا وفي معظم حواراتنا حول مستقبل سوريا، لاحظنا أن شريحة واسعة من الإخوة المثقفين والسياسيين العرب، لا يزالون يطرحون أراءهم حول مستقبل سوريا والتدخلات الدولية فيها والقضية الكوردية وعلاقات حراكهم مع القوة الأمريكية، على نفس منهجية مفاهيم صاموئيل هنتنغتون، حيث صراع الحضارات، ومن جهة أخرى لا ينتبهون إلى وصية المفكر أدوارد سعيد للمستشرقين الأوروبيين قبل دراسة الشرق، وحيث منطق الاستعلاء.

سياسة أمريكا في سوريا

قبل البدء لا بد من التأكيد على أننا نرفض التدخل الخارجي في سوريا، أي كان نوعه، بدءا من الأمريكي إلى الروسي مرورا بالاحتلال التركي والتوطين الإيراني.

مثلما نؤكد على أن لا زلنا نعمل على منهجية أسقاط النظام والتي ظهرت من أجلها الثورة السورية قبل أن تحرف عن مسارها من قبل أطراف من المعارضة.

الولايات المتحدة الأمريكية، كإمبراطورية، تبني علاقاتها الخارجية على هدفين، الأمن القومي، ودعم الاقتصاد الداخلي، أو كما يقال في المصطلحات الدارجة المصالح، إن كانت مصالح إداراتها أو شركاتها. وهذه تتطلب الهيمنة على العالم في المجال الاقتصادي وبدعم سياسي–عسكري.

وعلى خلفية هذين الهدفين، يمكن تقييم تدخلاتها في سياسة الدول، ومنها سوريا، وهي من نواة موضوع ندوتنا. فهي منذ عام 2014 تحديدا، عام تشكيل التحالف الدولي، والتدخل العسكري إلى جانب قوات ألـ ي ب ك وألـ ي ب ج، وفيما بعد مساعدة قوات قسد لمحاربة داعش، إلى هذه اللحظة؛ وحيث بداية توضيح مواقفها من الدول المعنية بالقضية السورية، تظهر بشكل علني على أنه لا حل في سوريا بدون الحضور الأمريكي. وحضورها في المنطقة الكوردية، إلى جانب الهيمنة الروسية الإيرانية على مناطق النظام، واحتلال تركيا لمناطق المعارضة، تعني أن سوريا المستقبل أمام احتمالين:

الأول إما دولة ذات نظام فيدرالي لا مركزي وهو ما يعرضه أغلبية حراكنا الكوردي وبدعم أمريكي غير مباشر، وهذا الطلب من قبلنا في الواقع العملي إنقاذ لسوريا من التقسيم.

والثاني بواقع سوريا الحالي تعني التقسيم، لأن الشرخ الهائل الموجود بين مناطق سيطرة المعارضة والسلطة والمنطقة الكوردية، ومصالح الدول المسيطرة عليها، أدت إلى توسيع الشرخ المرعب بين المكونات السورية القومية والمذهبية، والتي بلغت تقريبا حد انعدام الثقة بينهم. وهنا لا نرى أن الدولة الوطنية أو المواطنية كما بدأ يروج لها أطراف من المعارضة العربية، إنقاذ لشبح التقسيم، بل هي من حيث البعد النظري، عودة غير مباشرة للسلطة المركزية، المرفوضة من أغلبية الشعب السوري. وتحريض على التقسيم من البعد العملي.

ولا شك أن نظام الأسدين والبعث عراب هذا الشرخ، وفي السنوات الأخيرة، وللأسف ساندتها أطراف من المعارضة. وهنا علينا الفصل بينهم وبين مجموعات المعارضة الوطنية وأبناء الثورة.

الإدارة الأمريكية الجديدة، بينت، للدول المعنية بالقضية السورية منذ تحركها قبل شهرين تقريبا وحتى الأن ومن خلال تصريحات مبعوثيها، إلى سوريا وإلى مؤتمر بروكسل المنعقد قبل أسابيع، ووزير خارجيتها أنتوني بلينكن، أنها دولة مهيمنة ليس فقط عسكريا على المنطقة الكوردية، بل سياسيا على ما يجري في سوريا ومستقبلها، وبدأت تعمق من ترسيخ وجودها عسكريا واقتصاديا في المنطقة الكوردية على هذا البعد.

بالمناسبة أمريكا لم تساند ولم تستند على القوى الكوردية فقط، فكما نتذكر أقدمت على محاولتين لاحتضان المعارضة السورية الوطنية، وقامت بتدريب مجموعتين، أحداهما في تركيا، والثانية في الأردن، خصصت لهما قرابة نصف مليار دولار، لكنهما فشلتا، وقد كانت تلك طعنة لإدارة أوباما، ووزارة الدفاع ومؤسساتها في الخارج، ومن بينهم وزير الدفاع الحالي لويد أوستن، الذي كان المسؤول الأول عن المشروعين، من التدريب إلى التسليح إلى التمويل، وقد كان ذلك الفشل منعطفا في التأييد الأمريكي للمعارضة السورية، وعلى الأغلب لم تعترض أمريكا، بل أيدت بشكل غير مباشر، يوم وضعت روسيا قرابة 170 منظمة سورية معارضة ضمن قائمة الإرهاب.

أما من البعد الاستراتيجي نلاحظ أن الإدارة الجديدة تميل حاليا إلى تقبل حالة الركود في مسيرة حل القضية السورية، وتتقبل غياب المؤتمرات التي كانت تعقد سابقا وبزخم إعلامي، كمنا نتذكر 16 مؤتمرا ما بين استانا وسوتشي، و5 مؤتمرات جنيف، إلى جانب العديد من المؤتمرات الجانبية، والسرية، وذلك على خلفية النقاط الساخنة ما بين الناتو وروسيا، كالصراع الجاري اليوم بين مناطق أوكرانيا على سبيل المثال، وعقد الصفقة التي جرت بين الصين وإيران، والتي دفعت بأمريكا ببعض الدول الأوروبية على فتح باب الحوار ما بينها وبين إيران، ولربما هذا التماطل حول عقد حوارات مباشرة ما بين أمريكا وروسيا على سوريا، ستستمر، إلى أن تخف الحدة في تلك المناطق الساخنة.

إلى جانب ذلك فأن واقع المعارضة العسكري والسياسي وابتعادها عن مطالب الشعب السوري وعلى مدى السنوات الماضية إلى بلغ ببعض بها قبول الحوار مع السلطة الإجرامية، لم تخمد فقط الاهتمام بسوريا، بل دفعت بالدول الصديقة وعلى رأسها أمريكا باستمرارية ابتعادها عن المعارضة وتعميق علاقاتها مع الإدارة الذاتية وقوات قسد، بعدما وجدتها ليس فقط الأنسب، بل ومركز ثقة، والاعتبارات عديدة لسنا بصددها الأن.

رغم ذلك ظلت هناك إشكاليات بين أمريكا والقوة الكوردية، أولا: أنها لا تتعامل مع الكورد سياسيا، على الأقل في الإعلام والمحافل الدولية، بل تحصرها في الواقع العسكري، والمساعدات اللوجستية المتنوعة. ثانيا لم تحتضن منطقة عفرين والمناطق الأخرى، وبها تم تجزئة المنطقة الكوردية، وتم احتلالها من قبل تركيا وأدواتها، بعدما سحبت روسيا رهانها عن عفرين. وما بين سري كانيه وكري سبي بعد إعلان إدارة ترمب الانسحاب من سوريا.

وفي الخاتمة: على الأغلب إدارة جو بايدن، سترسخ وجودها في سوريا، المنطقة الكوردية بشكل خاص، وستصعد من حضورها في إشكاليات مستقبل سوريا( بعدما تخف التوترات أو تضع الحلول للمناطق الساخنة الأهم لها في العالم) ولن تضغط على تركيا بالمقابل لتسحب قواتها أو دعمها للمعارضة، وبالتالي ستظل داعمة للمعارضة السورية ليس حبا بها بقدر ما هي لديمومة احتلالها لأجزاء من سوريا، وعلى الأغلب الوجود الروسي والإيراني سيستمران مع أو بزوال سلطة بشار الأسد، هذه الاحتمالات ترجح شبح تقسيم سوريا، بيد السلطة والمعارضة والدول الداعمة لهما. ويظل الحراك الكوردي إلى جانب شريحة من المعارضة العربية الوطنية، أكثر القوى الضامنة لوحدة سوريا. واقتراحنا، كحراك كوردي، النظام الفيدرالي والسلطة اللامركزية لسوريا القادمة، رغم اختلافاتنا الداخلية، تعد أفضل الحلول لسوريا المستقبل.

وأمريكا وروسيا قبل تغيير استراتيجيتها كانا عراب هذا الطرح بشكل غير مباشر، وكان لنا، نحن في المجلس الوطني الكوردستاني–مركزها واشنطن، المتشكل عام 2006 م، حوارات مع مسؤولين أمريكيين معنيين بسوريا حول هذا عام 2006م، وجددنا الحوار معهم ومع مسؤولين روس في عام 2008م، وعام 2013م وعام 2014م. لأننا كنا ولا زلنا نجدها الضامن الوحيد الذي:

أولا، يبعد شبح التقسيم.

ثانيا، سيخلق البيئة الملائمة لإخراج القوى الدولية والإقليمية من سوريا، بعد بلوغ مرحلة الاستقرار على النظام اللامركزي الفيدرالي.

ثالثا، بناء سوريا كوطن لجميع مكوناتها التي تقريبا أعدمت بينهم الثقة.

بعكس الذين لا يزالون يتمسكون بالسلطة المركزية أو كما تسمى بدولة المواطنة، وكما ذكرنا سابقا والتي ستوجه سوريا نحو التقسيم.

شكرا على الإصغاء

مودتي للجميع

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

Mamokurdagmail.com

11/4/2021م

———————–

سوريا على أجندة لقاء بايدن ـ بوتين/ بسام مقداد

في الساعات الأولى ، بعد مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن في 13 الجاري إلى الإتصال هاتفياً بالرئيس الروسي بوتين واقتراحه عقد لقاء شخصي بين الزعيمين ، عمت “النشوة” المواقع الإعلامية الروسية “وأخيراً ، ها هما يلتقيان” . هذا الوصف لكيفية تلقي روسيا مفاجاة بايدن الإتصال بنظيره الروسي ، بعد أن كان قد وصفه سابقاً ب”القاتل” ، جاء على لسان مدير المركز الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف في مقابلة له مع موقع إعلامي روسي ، تمحورت حول هذا الإتصال والموضوعات ، التي قد تندرج على جدول أعماله. وانعكس النبأ مباشرة على سوق الأسهم الروسية وسعر صرف الروبل ، اللذين سجلا إرتفاعاً عند إقفال ذلك اليوم .

لكن “نشوة” الإعلام الروسي بمبادرة بايدن بالدعوة لعقد اللقاء بين الرئيسين ، والأثر الإيجابي ، الذي تركته على أسواق المال الروسية ، لم تلبث أن تبدلت ، بعد أيام ،  إلى توتر جديد في العلاقات بين البلدين ، يهدد بنسف المبادرة الأميركية وإلغاء إقتراح عقد لقاء بين الرئيسين . فقد أعلنت الولايات المتحدة الخميس في 15 من الجاري قائمة عقوبات جديدة على روسيا ، طاولت دين روسيا السيادي و32 شخصاً ومؤسسة وطرد 10 دبلوماسيين روس . ولم تتأخر موسكو في الرد بقائمة عقوبات جوابية مساء الجمعة في 16 الجاري ، إقترحت طرد 10 عاملين في السفارة الأميركية بموسكو ، وتقليص عدد التأشيرات الروسية للمنتدبين من الخارجية الأميركية إلى 10 تأشيرات في السنة ، ومنع الممثليات الدبلوماسية الأميركية من توظيف عاملين روس وأجانب في روسيا.      

قبل حرب العقوبات الجديدة ، لم يكن قد تحدد بعد جدول أعمال المؤتمر المقترح من قبل بايدن وموعده ومكانه ، وبقي مجالاً خصباً للتكهنات والتخمينات  في وسائل الإعلام . واقتصر الإعلان عن إمكانية حدوث اللقاء ، بأن عبر الرئيسان عن الإستعداد لمواصلة الحوار “في المجالات الأهم للأمن العالمي” ، وإعلان الرئيس الأميركي ، بأنه مهتم بتطبيع العلاقات الثنائية وبناء “تعاون مستقر قابل للتنبوء به” .

رئيس مجلس الإتحاد الروسي كونستانتين كوساتشيف قال ، بأن الرئيسين قد يبحثان مسألة إحياء عدد من الإتفاقيات في الأمن الإستراتيجي والحد من التسلح ، ورأى ، أن إقتراح بايدن بعقد اللقاء في بلد ثالث يشير إلى “جدية النوايا” . وأشار موقع “Lenta” الروسي ، الذي نقل كلام كوساتش ، أن وزير الخارجية لافروف التقى مع الممثل الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المناخ جون كيري خلال زيارته نيودلهي في “لقاء غير مخطط له” .

مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف ، وفي مقابلة مع الموقع الروسي “”Fontanka نقلها موقع المجلس قال، بأنه لم يكن يتوقع هذا الإتصال من بايدن ، وأنه كان يعتقد ، بأن الإتصالات بين الطرفين سوف تكون على مستوى وزراء الخارجية أو وزراء الدفاع . لكن الوقت قد حان ، برأيه ، للإتصالات الجدية ، حيث تراكمت لدى الطرفين أسئلة كثيرة جداً لبعضهما ، والكثير من القضايا الدولية ، التي لا حلول لها من دون تعاون روسي أميركي ما . وقال ، بأنه ، إضافة إلى الحد من الأسلحة الإستراتيجية والإستقرار العالمي ، سوف يتضمن جدول أعمال لقاء الرئيسين عدداً من القضايا الإقليمية المتعلقة  بأوكرانيا ، إيران ، سوريا وأفغانستان. وخلافاً لقضية المعارض الروسي السجين ألكسي نافالني ، التي “يستحيل الإتفاق” بشأنها ، قال ، بأن الإتفاق ممكن حول كل من أوكرانيا وسوريا . والمسألة في سوريا، برأيه ، هي الآن مسألة المعابر الإنسانية إلى إدلب ، التي يتوفر قرار لمجلس الأمن الدولي بشأنها . أما في أوكرانيا فالأمر أكثر تعقيداً ، حيث يريد بايدن إنسحاب القوات الروسية (جيشان و3 فرق إنزال جوي) من  الحدود مع أوكرانيا ، والعودة إلى طاولة المفاوضات .

يعتبر كارتونوف ، أن لدى بايدن نظرته الخاصة إلى بوتين ، التي لا يمكن تغييرها “مهما فعل بوتين أو قال” . وعلى الرغم من موافقة بايدن على وصف بوتين  ب”القاتل” ، إلا أنه لا خيار آخر لديه من التحدث إلى “زعيم دولة عظمى” . وبالنسبة لبوتين نفسه ، لن يكون هذا الوصف عائقا يحول دون الجلوس مع بايدن والتحدث إليه . ولن يجد أية صعوبة في إسكات حملة بروباغندا أجهزة الإعلام الروسية ،  التي هبت ضد وصف بايدن ذاك ، إذ أن هذه الأجهزة “تضخم حين يقولون ضخمي ، وتخرس حين يقولون إخرسي” ، ويرى أن الآمال ، التي تعقدها هذه البروباغندا على اللقاء “ليست مبررة كليا” .

في تعليقه على فرضية ، أن بايدن قام باتصاله مباشرة تقريباً ، بعد تصريحات وزير الدفاع سيرغي شويغو عن إشارات إيجابية في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة ، وسؤاله ما إن كانت وزارة الدفاع ستحل طويلاً محل وزارة الخارجية في روسيا  ، قال كارتونوف ، بأن عملية عسكرة السياسة الخارجية تجري منذ زمن بعيد “وليس عندنا فقط” . وقال ، بأن الدبلوماسيين لا يقومون ، في الواقع ، سوى بتظهير القرارات المهمة ، التي يتخذها العسكريون ، وهذا ينطبق على سوريا وأوكرانيا ، وعلى الكثير من موضوعات العلاقة مع الولايات المتحدة . ففي سوريا ، مثلاً ، تلعب وزارة الدفاع الدور الرئيسي ، التي لها نظرتها وأولوياتها وآفاق مـــــا ترسمه مــــــن خطـــــــط . بالنسبة للعسكريين ، قد يكون التعاون مع الجيش السوري هو الأولوية الأرفع ، ولذا من المستبعد ، أن ينتقدوا الأسد لعدم تطبيقه قرار مجلس الأمن ، ويعتبرون موقفه في جنيف أمراً ثانوياً .  الأمر يختلف بالنسبة للدبلوماسيين ، الذين عليهم أن يروا ، ليس ساحة المعركة والوضع على الأرض فحسب ، بل والمشهد الدولي أيضاً ، والنظر إلى سوريا في السياق الأوسع لعلاقات روسيا بالغرب . ولذا ، مهما كان “عسكريونا والرفيق شويغو” رائعين ، إلا أن على وزارة الخارجية أن تلعب دوراً أنشط في تلك الحالات ، التي تتقدم فيها وزارة الدفاع إلى الواجهة ، (سارعت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا إلى الإعلان ، بأن الوزارة قامت بالعمل المطلوب منها في الإعداد للقاء الرئيسين) . وحين سئل كارتونوف عما إذا كان الوزير لافروف لا يزال قادراً على القيام بمثل هذا العمل ، وهو الذي “يبدو تعباً منذ زمن طويل” ، جاء رده حمّال أوجه ، حيث قال “من الصعب القول . بالطبع ، السنوات العديدة التي أمضاها وزيرا للخارجية تشكل عبئا ثقيلا”، وأطنب من ثم في إمتداح خبرته ومزاياه (لافروف رئيس مجلس أمناء المجلس الروسي المذكور).

وفي إجابته عن السؤال ، لماذا لا يتعجل الكرملين في الرد على إقتراح بايدن ، وهل هو بحاجة إلى الوقت للتعامل مع “صدمة الإتصال ، الذي طال إنتظاره “، أم أنه “لا يجوز إظهار فرحته” ، قال كارتونوف ، بانه لم يكن ليسعد كثيراً بإقتراح البيت الأبيض ، لأن الحديث سيكون طويلاً ، متوتراً ، وبدون نتائج واضحة كلياً حتى الآن . وأكد ، أن بوتين تعامل مع العديد من الرؤساء الأميركيين ، بدءاً من بيل كلينتون ، لكنه لا ينبغي  أبداً الإستهانة بالرئيس بايدن كمفاوض مقابل ، سيما أن الحوار “أفضل دائماً من مونولجين متوازيين”.

صحيفة الكرملين “vz” لا ترى ما يراه كارتونوف من أن إقتراح بايدن بعقد لقاء مع بوتين ، “هو خطوة جريئة ، وليس ، بالتأكيد ،  تنازلاً لموسكو” . في النص ، الذي نشرته الصحيفة حول مبادرة بايدن قالت ، بأنه ليس بايدن من استمع إلى صوت بوتين وهو يدعوه للقاء وحوار مفتوح خلال رده على وصف بايدن المهين له ، بل بوتين هو من استمع إليه وهو يطلب المساعدة في حل النزاع الأوكراني وإحياء الصفقة النووية الإيرانية والمواجهة مع الصين . وترى ، أن روسيا بحاجة إلى لقاء يسفر عن نتائج ملموسة ، وليس إلى لقاء صورة وتسجيل نقاط شخصية ، واستبعدت أن يكون اللقاء بناءاً

المدن

———————-

======================

تحديث 20 نيسان 2021

————————

بايدن واستحقاق المائة يوم/ فاطمة ياسين

لم تمضِ بعد، المائة يوم الأولى لجلوس الرئيس الأميركي، جو بايدن، في البيت الأبيض، وهي المدّة التي ينتظر المراقبون السياسيون عادة أن يمضيها أيّ رئيس أميركي في منصبه، قبل أن تنطلق التقييمات حوله. وفي كلّ حال، مضى قسم كبير منها، وقد أظهر بايدن، خلال هذه الفترة، ما يمكن البناء عليه لمعرفة مخطّطاته على المدى الأبعد. فمع شروق شمس يومه الخامس والسبعين، وهي “ثلاثة أرباع” المدة المعتمدة، تطبق الولايات المتحدة عقوباتٍ على روسيا، عبر حظر بضع شركاتٍ تعمل في مجال الشبكات، ومعاقبة مجموعة أخرى من الشخصيات الروسية على علاقةٍ مباشرةٍ بعمليات القرصنة السيبرانية، وإبعاد عشرة أشخاص يعتبر بايدن أنّهم ضباط أمن روس يعملون دبلوماسيين في الولايات المتحدة. حرص بايدن على القول إنّ هذه العقوبات وفاء لعهود انتخابية كان قد قطعها على نفسه في أثناء حملته الرئاسية. وقد أبلغ الرئيس الروسي بها قبل أيام، وقال له أيضاً إنّ أميركا كانت قادرةً على اتخاذ إجراءاتٍ أشدّ، لكنّها اختارت أن تكون متناسبة، راغبةً في بناء علاقات مستقرة. لا تبدو هذه الجملة متناقضة، فهناك ضمن مناطق الاشتباك ما هو متوافر لشيء من التفاهم والتعاون، على الرغم من مثل هذه العقوبات.

اختار بايدن أن يوقع عقوباتٍ على روسيا لتدخلها الإلكتروني، ومحاولتها تشويش العملية الديمقراطية الأميركية، كما قال، وأوقع عقوبةً لها صلة بقضية أوكرانيا، فعاقب شركة مقاولاتٍ بنت جسراً يصل القرم بروسيا، ومجموعة سياسيين روس قياديين في القرم. لكنّه فضل استخدام قنوات دبلوماسية في ما يخص الأخبار والتقارير الأمنية التي تفيد بأنّ روسيا قد شجعت حركة طالبان على مهاجمة قوات أميركا وحلفائها في أفغانستان. تبدو عقوبات بايدن الانتقائية حريصةً على عدم إثارة متاعب عسكرية مع روسيا، إذ يمكن أن تحلّ هذه المسائل عبر بروتوكول مختلف، لا يستثار فيه فلاديمير بوتين أكثر من اللازم. وتبقي فيه القوات الأميركية على هدوئها الحذر الذي تتخذه منذ زمن طويل، ويبدو شكل هذه العقوبات مرضياً للناخب الأميركي الذي يؤكّد له بايدن أنّ وجهه الرئاسي لم يختلف عن وجهه الانتخابي. لا جديد في الأمر، وقد أصبحت عقوبات حظر شركات روسية، أو إبعاد دبلوماسيين، تقليداً رئاسياً أميركياً. وسبق لباراك أوباما القيام بالخطوة نفسها، على امتداد فترتيه الرئاسيتين. ونفذ دونالد ترامب إجراءاتٍ مماثلة، على الرغم مما أشيع عن دفء الأجواء بينه وبين بوتين. وها هو بايدن يفعل الشيء نفسه قبل أن يكمل يومه المائة، مع رغبته في الإبقاء على علاقات مستقرّة، أكدها للرئيس بوتين بنفسه. والعلاقات المستقرّة في الواقع هي الثابت الوحيد بين الدولتين، وقد ردّ بوتين بعقوبات مماثلة، من دون أن يتجاوز المستوى الذي يُبقي الأمور تحت السيطرة.

على الرغم من أنّ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، هدّد أميركا بعقوباتٍ مؤلمة، وعلى الرغم من كلّ الصخب الذي يثار عن توترٍ متبادلٍ على امتداد الملاعب السياسية المتوافرة للبلدين على ظهر الكرة الأرضية، فالانضباط غدا عادة موروثة بينهما، منذ الحرب الباردة. وربما ظهر أحد أشكاله في السنوات الأخيرة في سورية، عندما تحرّكت الدوريات الروسية والأميركية على الطريق نفسه ذهاباً وإياباً. هذا لا يعني أنّ البلدين على توافق، أو أنّ هناك أمراً ما يجري تحت الطاولة، لكنّ المشهد العام هو علاقة بين دولتين واسعتي النفوذ، يسلّم كلّ طرفٍ للآخر بمناطق، ويحرص على ألّا يخنقه، فيضطره إلى أن يظهر مخالبه الحادّة. وفي الوقت نفسه، لا بدّ من الحفاظ على العداوة التقليدية التي تشبه علاقة القط والفأر، مع بقاء فسحةٍ يمكن بها أن يتقارب الطرفان بمودةٍ في مكان ما. والأهم من ذلك بالنسبة إلى بايدن أن يصدُر به تقييم إيجابي، بعد أن يكون قد أمضى يومه المائة في البيت الأبيض.

العربي الجديد

———————————–

توسعة القواعد العسكرية الأميركية في سوريا.. ما علاقة أفغانستان؟/ عبد القادر ضويحي

تتواصل تداعيات الانسحاب الأميركي المرتقب من أفغانستان، إذ على الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن حسم الجدل بشكل نهائي، بنيته سحب قوات بلاده من هناك بحلول الحادي عشر من أيلول القادم، وهو ما يعتبر تتويجاً لمفاوضات الدوحة التي جمعت بين واشنطن  وطرفي الأزمة في أفغانستان، فإن هناك بعض الاستفسارات.

الإعلان الأميركي الصريح بالانسحاب، طرح تساؤلات كثيرة عن وجهة القوات الأميركية التي ستغادر أفغانستان، والمقدر عددها بنحو 2500 جندي، كجزء من مهمة حلف الناتو التي تضمّ 9600 جندي، أمام هذا الانسحاب المرتقب، وإعادة التموضع المحتملة، نشرت حسابات عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، صورا تظهر طائرات شحن أميركية وصلت تباعا إلى قواعد التحالف الدولي في شرقي الفرات.

طالبان تهاجم قاعدة أميركية في أفغانستان رغم محادثات السلام

واللافت فيما نشرته تلك الحسابات هو وصول طائرات الشحن العسكرية الأميركية إلى المنطقة، معلقة أنه سيتبع ذلك عمليات توسعة في مهابط الطائرات في قواعد الولايات المتحدة الأميركية في شمالي وشرقي سوريا، وتأتي التوسعة في مهابط الطائرات بالتزامن مع حركة نشطة للقوات الأميركية في شرقي الفرات لا سيما قاعدتي الشدادي ورميلان بريف الحسكة، الحسابات التابعة لقسد قالت إن التوسعة تدرج ضمن عمليات تأهيل لاستقبال القوات الأميركية التي ستغادر أفغانستان، الأمر الذي لم تفصح عنه إدارة بايدن بشكل رسمي.

زيادة الترسانة العسكرية الأميركية في شرقي الفرات

وتمتلك واشنطن مهابط للطائرات المروحية وطائرات الشحن في قواعدها شرقي الفرات، أبرزها قاعدة الشدادي العسكرية جنوبي الحسكة، والتي رصد موقع تلفزيون سوريا عدة مرات قيام التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية بعمليات توسعة منظمة، لتهيئتها لاستقبال طائرات الشحن، وطائرات الشحن تستخدمها القوات الأميركية في إرسال منظومات صاروخية كما جرى حين تم استقدام منظومة هيمارس الصاروخية إلى المنطقة.

وزادت القوات الأميركية في الأشهر الماضية من نوعية ترسانتها العسكرية في شرقي الفرات، وتمثل ذلك في وصول مدرعات برادلي المتطورة والتي تم نشرها في دير الزور والحسكة والتي تعتبر من أفضل المدرعات الأميركية، وما تلاه من منظومات صاروخية نشرت على مقربة من النفوذ الإيراني في غربي الفرات، لكن الترسانة العسكرية الأميركية في شرقي الفرات لم يتم تزويدها أو التقليل منها في عهد الرئيس جو بايدن، وإنما بقيت على حالها من ناحية النوعية والجودة.

“حفاظاً على التوازن”

الناطق باسم البنتاغون وفي الأيام الأولى لتسلّم بايدن سدة الحكم، قال إن وجود قواتهم في سوريا يأتي للحفاظ على التوازن،  وهذا لا يختلف كثيرا عن نظرة الإدارة الأميركية السابقة، التي كانت ترى بوجودها العسكري في سوريا ورقة للضغط إلى الحل السياسي، وحرمان نظام بشار الأسد وحلفائه من الوصول إلى منابع الطاقة والنفط في شرقي الفرات.

وحيال هذا قال الدكتور رضوان زيادة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا: إن الإدارة الأميركية لم تصرح بشأن زيادة عدد قواتها في سوريا، وإن ما صدر عن الإدارة الأميركية هو إعادة تموضع في الدول القريبة من أفغانستان للتعامل مع أي طارئ.

علاقة إيران

وستكون وجهة القوات الأميركية التي ستغادر أفغانستان محط أنظار، إلا أن مسألة سحبها إلى سوريا قد تأخذ أبعاداً سياسية وعسكرية في ظل الوجود العسكري الروسي في المنطقة ذاتها، لكنه يبقى أقل كلفة من نشرها في الخليج، الذي قد يأخذ أبعادا أخرى من شأنها زعزعة مفاوضات فيينا التي تقترب شيئاً فشيئاً من الوصول إلى تفاهم بشأن برنامج إيران النووي، إذ عملت واشنطن على إرسال رسائل لإيران من بوابة الخليج، وهي رسائل طمأنة وتعزيز للثقة، والتي تمثلت بسحب منظومات باتريوت من عدد من الدول الخليجية، وهذا يعني أن واشنطن لا ترغب بوضع أي عائق أمام الدبلوماسية التي تنشدها إزاء طهران.

الولايات المتحدة لم تترك أفغانستان ولكن تركت الحرب فيها

بينما اعتبر “صبغة الله صابر” مراسل صحيفة العربي الجديد في أفغانستان في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، أن احتمالية سحب جزء من القوات الأميركية من أفغانستان إلى سوريا ممكن جدا، لكون الإدارة الأميركية ليست مهتمة بملف أفغانستان، معتبراً أن واشنطن تركت حرب أفغانستان لكنها لن تترك أفغانستان، وإنما أنهت الحرب فيها، ورجح صابر أن يكون الانسحاب الأميركي بشكل كبير في دول الجوار، للتعامل مع أي طارئ قد يحدث فيها.

وأشار صابر إلى أن التقارير الأميركية ما زالت تؤكد وجود علاقة بين طالبان وتنظيم القاعدة، وأن هذا الخطر إن تجاهلته واشنطن سيعيد أفغانستان إلى عام 2001، وبالتالي سيعود مصدر خطر على الولايات المتحدة الأميركية، موضحاً أنه لا يمكن التخمين بمستقبل أفغانستان في الفترة التي ستلي الانسحاب الأميركي.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) قد قالت إن وزارة الدفاع الأميركية تدرس نشر قوة في طاجيكستان أو كازاخستان أو أوزبكستان منعا لإحداث فراغ في المنطقة، وللتعامل مع أي طارئ في أفغانستان عقب انسحاب القوات الأميركية من هناك.

واعتبر الدكتور زيادة في معرض تصريحه أن الانسحابات  قد تكون إلى داخل أميركا أو في دول أوروبية كألمانيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة إن فكرت في نشر القوات المنسحبة في دول الخليج فهذا لا يقلق إيران وإنما إن أقدمت واشنطن على تدريبات في الخليج فإن ذاك ما تعتبره طهران رسالة عسكرية لها.

من جانبه بيّن سعد الشارع الباحث في مركز الشرق للدراسات  في تصريح خاص لتلفزيون سوريا، أن قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط ليس لها علاقة بملف أفغانستان، وأن استراتيجيات العمل في أفغانستان مغايرة لتلك التي تتم في سوريا، واستبعد الشارع أن يكون أي زيادة قوات في سوريا من خلفه رسائل للقوى الإقليمية، وإنما يدرج في سياق محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة.

وتنشر الولايات المتحدة الأميركية قوات عسكرية لها في منطقتين رئيسيتين من سوريا، هما شرقي الفرات والتنف، ويرجح عدد القوات الأميركية في تلك المنطقتين بنحو 900 جندي، ولم تنخرط تلك القوات في أيّة مواجهات مفتوحة مع القوى الإقليمية الموجودة في سوريا، وإنما اقتصرت على احتكاك عسكري لم يخلف أيّة توترات كبيرة.

وقال الشارع في تصريحه، إن الاستراتيجية الأميركية الجديدة لم تعد تولي أهمية للمشاكل الجزئية، وسوريا تعتبر ملفا جزئيا في السياسة الأميركية، موضحاً أن واشنطن تعتبر سوريا مشكلة روسية، وعلى موسكو حل تلك المشكلة بما يتناسب والقرارات الدولية، واستبعد الشارع أن يكون أيُّ تحرك أميركي في سوريا رسالة لإيران أو روسيا، لكون العدو مختلفا تماما بين سوريا وأفغانستان، مشيراً إلى أن عمليات التوسعة لا تخرج عن نطاق مواجهة الإرهاب في سوريا.

ووفق تتبع حركة القوات الأميركية في سوريا، فإنها تعتمد على المعابر الحدودية بين العراق وشرقي الفرات في إدخال القوات أو العتاد العسكري إلى تلك المنطقة، وتقتصر الحركة الأميركية على الأرتال وعمليات التبديل بسحب قوات إلى إقليم كردستان العراق، أو إرسال قوات لتعزيز القواعد في شرقي الفرات، بينما بالنظر إلى التحرك الأميركي في قاعدة التنف فهو على حاله نسبياً ولم تسجل أيّة تغييرات في الترسانة أو القوة البشرية

تلفزيون سوريا

————————–

موسكو تفكر بمخرج من ورطتها في سورية/ الدكتور محمود الحمزة

نعم إن موسكو تفكر بجد بالخروج من المستنقع الذي غرقت فيه في سورية، فليس لديها خيارات مريحة ومشرفة مادامت مستمرة بسياستها التي تمجد بالديكتاتور والمستبد وتغض النظر عن الشعب وطموحاته وتضحياته ومآسيه، التي كان نظام الطاغية الأسد وحلفائه السبب وراءها.

ولكن قد يكون التوتر الكبير بين موسكو والدول الغربية والتصعيد العسكري في شرقي أوكرانيا، واحتمال انفجار الوضع والذي سيكون كارثيا على روسيا وأوكرانيا، وقد تكون العقوبات الغربية المتلاحقة والضغوطات الهائلة على روسيا، وتردي الوضع الداخلي في روسيا، أو التحالف الصيني الإيراني طويل الأمد الذي يقلل من فرص موسكو الاقتصادية والجيوسياسية، أو إمكانية إعادة الاتفاق النووي مع إيران، بعد وصول الديمقراطي بايدن الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تخسر ها موسكو كحليف لها، لأن ايران ستفتح صفحة مع الغرب على حساب علاقاتها مع موسكو. كل ذلك قد يكون سببا في تنازلات سياسية ستقوم بها موسكو لحفظ ماء الوجه في سورية.

الوقت كالسيف وموسكو تبحث ليلا نهارا عن بصيص أمل للإيحاء للعالم بأن عملية سياسية بدأت في سورية. فعندما اخترعت قصة اللجنة الدستورية أولاً ، في مؤتمر سوتشي 2018 في كرنفال هزلي سمته مؤتمر الحوار السوري السوري، حيث تمخض الفيل وولد فأراً. وكانت تلك لعبة خبيثة قلبت الأولويات الواردة في القرارات الدولية حول سورية. والتفت على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 وتشكيل هيئة حكم انتقالية تقود المرحلة الانتقالية وتنهي مأساة السوريين. ومن المؤكد أنه لا حل للمشكلة في سوريا بطرق ترقيعية ولن يحدث استقرار وأمن في سورية بوجود عصابة مارقة مجرمة في السلطة.

الروس، للأسف، ما زالوا يفكرون بطريقة خاطئة واضعين نصب اعينهم اجنداتهم الخاصة ، التي يظنون أنها مرتبطة بنظام العصابة الاسدية، دون أي مراعاة لمصلحة السوريين.

ونشهد مؤخراً نشاطا ملحوظاً للدبلوماسية الروسية. ففي شهر مارس/آذار زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دول الخليج (الإمارات والسعودية وقطر) وبذل جهودا كبيرة لإقناع قادة تلك الدول بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد المجرم وإعادته إلى الجامعة العربية، وكأن موسكو تريد مكافأته على جرائمه أو تريد تلميع صورته وتبرئته. وقد يكون لافروف قد قال لدول الخليج بأنكم يجب ان تعيدوا الاعتبار للأسد لكي نقنعه بالتنازل والتعاون في تفعيل اللجنة الدستورية وهذا عذر اقبح من ذنب (مثلما ما اقترح مركز كارتر المعروف بتعاطفه مع نظام الأسد المجرم حيث طرح مؤخرا فكرة أنه يجب التعاون مع النظام لإقناعه على تفعيل اللجنة الدستورية والقيام بخطوات سياسية)، لكن الأسد لن يتعاون ولن يغير موقفه المافيوي وهو أصلا ليس لديه خيارات سوى الاستمرار بالحل العسكري. فالحل السياسي سيقضي على بشار وشبيحته.

أما موسكو، فيقتضي العقل والمنطق، ويبدو أن سياسة الأنظمة الشمولية ليس فيها منطق ولا عقل، بأن تعيد النظر في سياستها في سورية وتدرك أن الاستمرار بالدفاع عن الأسد ونظامه المهترئ هو رهان خاسر.

ذهب المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى سورية الكسندر لافرينتيف إلى الرياض قبل زيارة لافروف بيوم واحد والتقى بولي العهد السعودي وهو اليوم زار دمشق بشكل مفاجئ . اما لافروف سيتابع لقاءاته املتعلقة بسورية بالدرجة الأولى ويلتقي بوزير الخارجية الإيراني قريبا ثم يذهب للقاهرة ليلتقي بالأمين العام للجامعة العربية وسيبحث معه عودة نظام الأسد الى الجامعة.

وهناك من يعتقد أن لافرينتيف جاء الى دمشق ليضغط على الأسد ليتعاون في اللجنة الدستورية أو ليؤجل الانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين تقريبا، والتي ينتقدها كل العالم، ويبدو ان موسكو تدرك بأن اجراء الانتخابات التي يريد بشار تثبيت نفسه لسبع سنوات أخرى ليظهر أمام العالم كأنه شرعي ، فإن موسكو تدرك أن بشار فقد أوراق بقائه بسبب فشله في إدارة البلاد وبسبب الفساد والنهب الذي دمر الاقتصاد السوري واوصل البلاد الى وضع كارثي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والذي تجلى في الارتفاع الجنوني للأسعار وغلاء المعيشة، حيث انخفضت الليرة مئات الاضعاف ويعيش السوريون بظروف كارثية متشابهة في كل انحاء سورية الموزعة تحت سيطرة قوى الأمر الواقع من نظام وميليشيات طائفية وارهابية ومن فصائل تنسب نفسها للمعارضة ودول محتلة.

ولا ننسى أن الشعارات والمبادئ في السياسة تنقلب بين ليلة وضحاها. فروسيا التي تمسكت بنظام الأسد واستماتت بدعمه وتبرئته من كل الجرائم والدفاع عنه في مجلس الأمن ودعمته اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، قد نجدها غداً تتخلى عن الأسد وذلك بإخراجه من المشهد السياسي بطريقة ما، لأن روسيا جاءت الى سورية وتدخلت بكل قوتها ليس لسواد عيون بشار أو حبا بالنظام، بل من أجل مصالحها الخاصة، وعندما تجد خطرا على تلك المصالح فإنها ستقوم بتدوير الزوايا.

ويرى بعض الخبراء أن موسكو تجازف بمصالحها، فالوقت ليس لصالحها، لأن الحرب انتهت ويجب البدء بالعملية السلمية في إعادة الإعمار ولكن كيف يمكن بناء سوريا مع نظام تلطخت ايديه بدماء السوريين، وتحولت البلاد إلى قنابل موقوتة زرعتها سلطة المخابرات والنظام الطائفي والميليشيات الإرهابية من داعش وجبهة النصرة وقسد، الذين عزفوا على وتر الدعاية الاسدية في زرع النعرة الطائفية والقومية والانفصالية.

سورية اليوم جريحة ويجب ترميم جراحها بإزالة أسباب الكارثة من جذورها. فلا يمكن تلميع صورة المجرمين الذين تسببوا بقتل أكثر من مليون سوري ومئات الالاف من المعتقلين تحت التعذيب، وتهجير ثلثي سكان البلاد وتشريد ملايين الأطفال واغلبهم أصبحوا معاقين واميين وتدمير ملايين المنازل بالقصف الجوي بالبراميل بمساعدة روسيا.

اليوم تقف موسكو أمام تحدي مصيري حول وجودها في سورية. فإما أن تدرك أن استقرار البلاد مرتبط برحيل الأسد وشبيحته وإما فهي تلعب بالنار وكما يقول المثل لا تلعب بالنار تحرق أصابيعك.

هناك من يرى بأن موسكو تطبخ طبخة سياسية لسورية بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية، ونتمنى أن تكون الطبخة نظيفة تهدف لتحقيق حل سياسي مقبول للسوريين.

ولكن بالرغم من أن موسكو وواشنطن وعواصم إقليمية تفكر بمخرج من المستنقع السوري، فإن السوريين امامهم واجب مقدس وهو تجميع القوى وتوحيد الصوت الوطني المستقل لكي يعرف العالم بأن الثورة حية لم تموت، وأن الشعب الذي قدم ملايين الشهداء والضحايا وفقد كل شيء إلا كرامته لن يتراجع ولن يفرط بمطالبه. وستنطلق الثورة من جديد لأن ظروف الثورة، نضجت في الداخل من جديد بعد عشر سنوات من الصراع مع نظام مافيوي قاتل، أراد الحفاظ على السلطة، فوجد نفسه حاكما في بلد مدمر ودولة فاشلة وشعب جائع.

وأود التذكير بنداء الأستاذ ميشيل كيلو (شفاه الله واعاده لنا سالما) بأن السوريين اليوم كلهم أمام تحدي ويجب أن يترفعوا عن خلافاتهم وتناقضاتهم ويتمسكوا بالموقف الوطني الجامع لإنقاذ سوريا وشعبها من الكارثة، والحفاظ على استقلالها ووحدتها وذلك بالاستمرار في الكفاح لإسقاط نظام الأسد المجرم.

لا يوجد في سورية حل إلا باقتلاع جذور هذه العصابة فسورية للسوريين وليس لآل الأسد. ويجب على العصابة أن تدفع الثمن عما ارتكبته ايديها من جرائم بحق السوريين اخرها اذلالهم وتجويعهم، بينما الأسد وشبيحته ينعمون بالعيش الرغيد ويلعبون بالمليارات.

نريد سورية حرة كريمة دولة مدنية ديمقراطية تعددية.


======================

تحديث 06 أيار 2021

—————————–

جمود في عهد بايدن.. مستقبل قانون قيصر وتأثير عقوباته على الأسد/ ثائر المحمد

دخل قانون العقوبات الأميركي “قيصر” في حالة جمود بعد وصول الرئيس، جو بايدن، إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الماضي خلفاً لـ دونالد ترامب، بالرغم من أن تطبيق القانون ليس مرتبطاً برئيس أو إدارة محددة، لكونه متضمناً في موازنة وزارة الدفاع الأميركية للعام 2020، والتي أقرّها مجلس الشيوخ بشكل رسمي في كانون الأول عام 2019، بموافقة 86 عضواً، واعتراض 8 أعضاء فقط.

بموجب قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في 17 حزيران عام 2020، تم فرض 6 حزم من العقوبات على نظام الأسد ومسؤوليه، بمن فيهم بشار الأسد، وزوجته وشقيقه وابنه، إضافة لعشرات الشخصيات والكيانات الداعمة له في المجال الاقتصادي.

آخر تلك الحزم من العقوبات (السادسة)، فُرضت ضد النظام في 22 كانون الأول من العام الماضي، وشملت 18 فرداً وكياناً، في مقدمتهم أسماء الأسد، وذلك لإعاقتها جهود التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وأفراد من عائلتها، وهم فواز الأخرس وسحر عطري الأخرس، وفراس الأخرس، وإياد الأخرس.

وفي عهد “بايدن” لم تفرض الولايات المتحدة أيّة عقوبات على النظام، وغاب قانون قيصر عن المشهد، وبطبيعة الحال كانت التصريحات الرسمية في واشنطن حيال الملف السوري بشكل عام، وقانون قيصر على وجه الخصوص، خجولة، ولم تحدد أو تعطي انطباعاً واضحاً عن تعاطي الإدارة الجديدة مع الوضع في سوريا بالمستقبل.

وخلال اجتماعها مع رئيس هيئة التفاوض السورية، أنس العبدة، في 19 شباط الماضي، أشارت المبعوثة الأميركية بالإنابة إلى سوريا، إيمي كترونا، إلى استمرارية العمل بقانون قيصر، لكونه يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ذلك بعد أيام من تأكيد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن إدارة بايدن “لن تتهاون في تطبيق قانون قيصر”، حسب ما نقلت عنه صحيفة “الشرق الأوسط”، مضيفاً أن الإدارة الجديدة تركّز على أمر مهم فيما يخص تطبيق القانون، وهو عدم استهداف “خطوط التجارة أو المساعدات أو الأنشطة الإنسانية للشعب السوري”.

وفي غضون ذلك، حث أعضاء في الكونغرس الأميركي، إدارة بايدن، على تطبيق كل بنود قانون قيصر، في سبيل تصعيد الضغط على نظام الأسد وحلفائه، وقال رئيس لجنة الشرق الأوسط وجنوب آسيا الفرعية النائب الديمقراطي تيد دويتش، خلال جلسة استماع في نيسان الماضي، إن الكونغرس “سيسعى إلى تطبيق كل بنود مشروع قيصر، فنحن في موقع قوة للضغط على نظام الأسد، والتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة”.

ما مستقبل القانون؟

ذكر الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، أن قانون قيصر لم يتضمن بنداً يجبر الإدارة الأميركية على إصدار أي عقوبات جديدة خلال فترات زمنية محددة.

وأوضح في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن الأمر يعود إلى الإدارة وتقديرها، والرسالة المراد توجيهها من خلال العقوبات.

وتقول الإدارة الأميركية الجديدة إنها تعيد دراسة وتقييم الملف السوري، ويشير بربندي إلى أنها ستأخذ وقتها بذلك قبل الإعلان عن سياستها وطريقة تنفيذها.

وأضاف أن الاهتمام على المدى القصير – حتى نهاية العام- سيتركز على الملف الإنساني وإقناع روسيا بعدم التصويت على إغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا أمام المساعدات الإنسانية الأممية.

ويضع بربندي احتمالاً بإلغاء بعض العقوبات من جانب الإدارة الأميركية، في إطار سعيها لإقناع روسيا بالموافقة على فتح 3 معابر حدودية أخرى مع سوريا لدخول المساعدات.

ومن وجهة نظر رئيس المجلس السوري الأميركي زكي لبابيدي، فإن قانون قيصر لا يشهد جموداً، حيث ذكر أن فرض العقوبات يتطلب تحضيرات كثيرة من الحكومة، لانتقاء الأشخاص والشركات المستهدفة.

وقال لبابيدي لموقع تلفزيون سوريا إن العقوبات قادمة، وسيتم الإعلان عنها قريباً، ولكن تأخيرها يعود إلى انشغال الولايات المتحدة بالانتقال بين إدارتي ترامب وبايدن، وخاصة أنه كان صعباً، بسبب عدم التعاون بينهما.

ولفت إلى أن الجالية السورية تتواصل مع الكونغرس الأميركي وتلتقي بأعضائه بشكل يومي من أجل دفع الملف السوري إلى أولويات حكومة بايدن، المنشغلة بدورها في عدة ملفات أخرى، منها المشاكل مع الصين وروسيا والملف الأوكراني والانسحاب من أفغانستان.

الجهود الروسية لتخفيف حدة “قيصر” تبوء بالفشل

خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأخيرة في الخليج شهر آذار الماضي، بدا واضحاً أن إثارة ملف قانون قيصر، وربط الانهيار الاقتصادي والأزمة المعيشية في مناطق سيطرة النظام به، على رأس الأولويات الروسية، حيث انتقد وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، القانون أثناء لقائه بـ لافروف، واعتبره التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع “سوريا”.

ولم يتأخر الرد الأميركي على “بن زايد”، حيث أشار متحدث باسم الخارجية الأميركية – في إطار رده على التصريحات الإماراتية – إلى أهمية لجوء نظام الأسد وداعميه إلى الحوار السياسي وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية.

ونقلت قناة “الحرة” عن المتحدث قوله: “أعتقد أن الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل أوسع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد”، وأكد أنه “يتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري”.

وعاد “لافروف” لإثارة الملف نفسه مطلع نيسان، وذلك من البوابة الأوروبية، حيث قال إن  كثيرا من الأطراف، ومنهم أوروبيون يخشون من تأثير العقوبات على نظام الأسد بموجب قانون قيصر، الذي حال دون قيامهم بأي تعاون اقتصادي مع “سوريا”.

واعتبر أن “الهدف من القيود المفروضة على دمشق قد تم الإعلان عنه، وهو خنق الشعب السوري حتى ينهض ويسقط بشار الأسد”، وحين سُئل عن تأثير العقوبات على السكان المدنيين، أجاب: “انظروا ماذا يحدث في سوريا نتيجة قانون قيصر”.

وردت وزارة الخزانة الأميركية على “لافروف” بشكل غير مباشر، حيث نشرت في 5 نيسان توضيحات متعلقة بقانون “قيصر”، تضمنت الإشارة إلى أنه “لا يُحظر تصدير المواد الغذائية من أصل أميركي ومعظم الأدوية إلى سوريا، ولا يتطلب تصديرها الحصول على ترخيص من مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة (BIS) أو ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية”، وبالتالي فإن الأشخاص غير الأميركيين لن يتعرضوا لخطر العقوبات بموجب قانون قيصر لمشاركتهم في مثل هذا النشاط.

تلفزيون سوريا

—————————-

حلفاء أميركا في المنطقة يتأقلمون مع هرولة بايدن/ علي حمادة

كل المؤشرات تدل على أن المنطقة تشهد إعادة خلط للأوراق في ضوء التقدم الحاصل في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني. وحسب المعلومات التي تقاطعت في الأيام القليلة الماضية، فإن المفاوضات في فيينا التي تجري عملياً بين إيران والولايات المتحدة بوساطة من مجموعة “دول 4+1” حققت تقدماً جوهرياً في الجولة الثالثة التي انتهت يوم السبت الماضي. وعادت الوفود الى بلادها للتشاور، ثم ستلتئم الجولة الرابعة يوم الجمعة المقبل، بعد أن يكون الأميركيون قد جاؤوا بتوضيحات أكثر حول العقوبات التي ينوون رفعها، ومدى شمولها كلاً من البرنامج النووي، والعناوين الأخرى من خارج النووي. ومن الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اتخذت قراراً استراتيجياً بالعودة الى البرنامج النووي الإيراني بصيغته الأولى من دون تعديل عليها، ولا سيما أن اللجان الثلاث التي شُكّلت في فيينا اقتصر عملها على رفع العقوبات الأميركية، وعودة إيران الى التزاماتها وفق الاتفاق النووي، ومسألة التسلسل في التنفيذ، في حين أن المواضيع الخلافية الأخرى الكبيرة، مثل التوصل الى اتفاق جديد أقوى، وأطول مدة، وطرح موضوع برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وقضية التدخل الإيراني في دول المنطقة المزعزع للاستقرار، كلها عناوين تخطاها المفاوض الأميركي، وبذلك لاقى الموقف الإيراني، الرافض لبحث أي تعديل على الاتفاق، وأي موضوع آخر من خارج الاتفاق، والمصرّ على التقيد بالاتفاق النووي عام 2015، من دون أي تعديلات. هذا الأمر يريح الإيرانيين، ويعيد تعبئة الخزينة الإيرانية بالأموال التي سيفرج عنها مع رفع العقوبات، فضلاً عن الأموال التي ستتدفق بفعل فتح الأبواب التجارية والاقتصادية التي حُرمت منها. وحسب تصريح أدلى به مؤخراً الرئيس الإيراني حسن روحاني، فإن إيران خسرت أكثر من 150 مليار دولار أميركي، هذا من دون احتساب خسائر أخرى بمليارات الدولارات بسبب العزلة التي عانتها على مدى ثلاثة أعوام متتالية. ويبدو أن المفاوضين الإيرانيين، تحت إشراف المرشد الذي يحاول أن يلعب دور التوازن بين المحافظين والإصلاحيين، يسيرون محميين في المفاوضات التي يديرونها في الشهر الأخير قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 حزيران – يونيو المقبل، والتي يمكن أن تحدث تغييراً في الرئاسة لمصلحة المحافظين، ولا سيما أن حظوظ وزير الخارجية محمد جواد ظريف في أن يترشح تتراجع، بسبب ضعف الأمل في نيل موافقة المرشد على ترشيحه في الانتخابات الرئاسية.

كل ما سبق يشير بوضوح الى أننا نسير بخطى حثيثة نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي في غضون أسابيع قليلة. ولم تستطع إسرائيل، وهي الحليف الأول للولايات المتحدة، أن تقنع إدارة الرئيس جو بايدن بأن تتريث، أو أن تعمل على إدخال تعديلات لتحسين الاتفاق قبل رفع العقوبات عن إيران. وفي الوقت عينه، يرى حلفاء الولايات المتحدة العرب أن إدارة بايدن أخذت مساراً مقلقاً لها. ولذلك فهي تتعامل مع الواقع المستجد بعد وصول بايدن الى البيت الأبيض باعتباره انقلاباً على المسار الذي سبق، وأنه لا بد من التأقلم معه ريثما تمر العاصفة التي تذكّر بمرحلة الرئيس الأسبق باراك أوباما. ومن هنا يتعين النظر الى تطور الموقف السعودي منذ الأسابيع الأولى بعد انتخاب بايدن، حيث إن المملكة أقدمت في أعقاب إعلان واشنطن عن إجراء مراجعة لعلاقاتها مع الرياض، واتخذت قراراً يقضي بـ”إنهاء كل أشكال الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”. وبعد ذلك، أطلقت السعودية عبر وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان مبادرة لوقف الحرب في اليمن، تقوم على وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار صنعاء، واستئناف المفاوضات السياسية بين حكومة عبد ربه منصور هادي والحوثيين. بالطبع لم تفض المبادرة الى نتيجة إيجابية عاجلة في ضوء التصعيد الكبير الذي قام به الحوثيون ضد أراضي السعودية نفسها، وفي داخل اليمن، وإطلاقهم حملة عسكرية كبيرة لمحاولة السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط.

لم تتوقف السعودية عن التحرك لملاقاة التحول الأميركي، وتحاشي الاصطدام بإدارة الرئيس جو بايدن، وتجلى ذلك من خلال إطلاق جولة مباحثات سعودية – إيرانية في بغداد، شارك في الجولة الأولى في 9 نيسان – أبريل الماضي كل من رئيس الاستخبارات السعودية خالد بن حميدان، ونائب الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد عرافاني، وجرى بحث ملفي اليمن ولبنان وملفات أخرى. وتقول المعلومات إنه اتفق على جولة مباحثات مقبلة في مطلع شهر أيار- مايو الحالي.

ولا بد من التوقف عند المقابلة التلفزيونية التي أدلى بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى “قناة السعودية” التي قال فيها إن السعودية تطمح لأن تقيم علاقات مميزة مع إيران، وقال: “في الأخير إن إيران دولة جارة، وكل ما نطمح اليه أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران”. أضاف: “لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بل بالعكس نريد لإيران أن تنمو، وأن يكون لدينا مصالح فيها، ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار”. ولكنه أوضح: “إشكاليتنا هي في التصرفات التي تقوم بها إيران، سواء برنامجها النووي، أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها البالستية”. وبالنسبة الى اليمن، دعا ولي العهد السعودي الحوثيين الى الجلوس الى طاولة المفاوضات للوصول الى حلول تكفل حقوق الجميع، وتضمن مصالح دول المنطقة.

كل هذا يفيدنا أن تحولات كبيرة يمكن أن تشهدها المنطقة مواكبة لهرولة إدارة الرئيس بايدن نحو طهران. لكن لا ضمانة في أن تكون التحولات دائمة، أو ألاّ تكون مناورات تكتيكية تمثل انحناءة مؤقتة ريثما تعبر العاصفة. فالملفات الخلافية مع إيران كبيرة، ومتشعبة، والبون شاسع بين مصالح إيران ومصالح معظم دول المنطقة. من هنا يتعين التريث قبل الحكم على هذه الحركة الكثيفة التي نشهدها راهناً، والأهم التريث بانتظار معرفة مدى استعداد الإيرانيين لملاقاة اليد الممدودة.

النهار العربي

—————————–

=============================

تحديث 07 أيار 2021

———————————–

سوريا ضمن الطوارئ الأميركية لعام آخر

وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن ليل الخميس، مرسوماً يمدد “حالة الطوارئ الوطنية” المتعلقة بالأوضاع في سوريا لعام آخر.

وجاء في المرسوم: “إنني أمدد لسنة إضافية واحدة نظام حالة الطوارئ المعلنة رداً على إجراءات الحكومة السورية”. ويسمح تمديد نظام حالة الطوارئ للولايات المتحدة بمواصلة تجميد ممتلكات وأصول عدد من الأشخاص المرتبطين بنظام الأسد، فضلا عن حظر تصدير بعض السلع.

وأعلنت السلطات الأميركية حالة الطوارئ في العلاقات مع نظام الأسد، في أيار/مايو 2004، خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن، وتم لاحقاً تمديدها نظراً لما وصفته واشنطن “بالخطر بالنسبة إلى الأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة، الذي مثلته إجراءات سوريا بشأن دعم الإرهاب والحفاظ على احتلالها المستمر آنذاك للبنان وتطوير برامج خاصة بأسلحة الدمار الشامل والصواريخ، وتقويض الجهود الأميركية والدولية في مجال إرساء الاستقرار في العراق وإعادة إعماره”.

من جهة ثانية، أبلغت الولايات المتحدة، مجلس الأمن بتورط نظام الأسد في 50 هجوماً على الأقل بالأسلحة الكيماوية ضد شعبه، منذ عام 2011.

وقال نائب المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ريتشارد ميلز خلال الجلسة الدورية للمجلس حول الأسلحة الكيماوية في سوريا، إن واشنطن “تقدر فظائع النظام (..) التي يرتقي بعضها لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بأنها تشمل ما لا يقل عن 50 هجوماً بالأسلحة الكيماوية منذ بدء الصراع”.

وأكد أن “الولايات المتحدة تواصل تقييمها بأن نظام الأسد لا يزال يحتفظ بمواد كيماوية كافية لاستخدام غاز السارين، ولإنتاج ونشر ذخائر الكلور، وتطوير أسلحة كيماوية جديدة”. وتابع: “يواصل نظام الأسد تجاهل دعوات المجتمع الدولي للإفصاح الكامل عن برنامج أسلحته الكيماوية وتدميرها بشكل يمكن التحقق منه”.

وفي 13 نيسان/أبريل 2021، أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريراً، أكدت فيه أن القوات الجوية للنظام السوري نفذت هجوماً بغاز الكلور على مدينة سراقب، شمال غربي البلاد في 4 شباط/فبراير 2018.

وقالت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو خلال جلسة مجلس الأمن نفسها، إن النتائج التي توصّل إليها فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية فيما يتعلق بالهجوم بالأسلحة الكيماوية على سراقب “مقلقة للغاية”.

وأضافت أنه “لا يوجد أي مبرر لاستخدام المواد الكيماوية السامة كأسلحة من قبل أي شخص في أي مكان وتحت أي ظرف من الظروف”.

وأبلغت ناكاميتسو مجلس الأمن، عن اكتشاف عامل حرب كيماوي غير معلن في موقع سوري. ولم تذكر ناكاميتسو العنصر الذي اكتشفته هيئة مراقبة الأسلحة الكيماوية في عينات، لكنها قالت إن وجوده “داخل حاويات تخزين كبيرة الحجم في منشأة أسلحة كيميائية معلن عنها سابقًا قد يعني أنشطة إنتاج غير معلن عنها”.

وقالت إن مادة الحرب الكيماوية غير المعدلة التي تم العثور عليها في الموقع المعلن تُضاف إلى قائمة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للقضايا المعلقة، والتي “يثير عددها وطبيعتها”. ودعت سوريا مرة أخرى إلى التعاون الكامل مع الخبراء التقنيين في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لحلها.

المدن

—————————

بايدن يتخذ أول إجراء بخصوص سورية والاتهامات الكيميائية تلاحق نظام الأسد/ عدنان أحمد

جدد الرئيس الأميركي جو بايدن حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بسورية سنة إضافية، في أول موقف له تجاه سورية منذ توليه السلطة مطلع العام الجاري، حيث اعتبر البيت الأبيض أن تصرفات النظام السوري الداعمة للمنظمات الإرهابية والأسلحة الكيميائية تشكل تهديداً للولايات المتحدة. يأتي ذلك، فيما عبرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء النتائج التي توصل إليها فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن الهجوم الكيميائي على مدينة سراقب السورية عام 2018، فيما نفى النظام السوري مجدداً أن يكون استخدم أسلحة كيميائية.

وذكر بيان، صادر عن البيت الأبيض أمس الخميس، أن تصرفات النظام السوري وسياساته في ما يتعلق بدعم المنظمات الإرهابية والأسلحة الكيميائية تشكل تهديداً للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة. وقال البيان إن “وحشية النظام وقمعه للشعب السوري، الذي دعا إلى الحرية، لا تعرّض الشعب نفسه للخطر فحسب، بل تولّد أيضاً حالة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”.

وشجب البيان “العنف الوحشي وانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام الأسد ومساعدوه الروس والإيرانيون”، داعياً النظام وداعميه إلى “وقف حربهم العنيفة ضد شعبه، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين، والتفاوض على تسوية سياسية في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254”.

وأوضح البيان أن مواصلة حالة الطوارئ تجاه سورية ترتبط بالتغييرات في سياسات وإجراءات النظام السوري. ويمثل تمديد حالة الطوارئ الخاصة بسورية أول إجراء يتخذه الرئيس الأميركي تجاه النظام السوري منذ توليه السلطة مطلع العام الجاري.

وبموجب قانون الطوارئ الوطنية الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 1976، يحق للرئيس الأميركي التعامل مع الأزمات الطارئة بشكل حاسم، وتجنب أية قيود على قراراته المتعلقة بالتعامل مع الأزمات، بشرط تأكيد وجود “تهديدات غير طبيعية وخطيرة على الأمن القومي والمصالح الأميركية”.

ولم تعين إدارة بايدن فريقاً مسؤولاً عن الملف السوري حتى الآن، في حين أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، في الثامن من فبراير/شباط الماضي، أن المهام الملقاة على عاتق قواتها في سورية محصورة بمحاربة تنظيم “داعش”، وأنها لم تعد مسؤولة عن حماية آبار النفط.

إلى ذلك، رحّب الائتلاف الوطني السوري بتأكيد مجموعة الدول السبع التزامها بخيار الحل السياسي في سورية، والدفع باتجاه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وربط أي مساهمة في مشاريع إعادة الإعمار بالانتقال السياسي.

وطالب الائتلاف في بيان الدول السبع بدعم بناء آليات عملية لتطبيق كامل القرار 2254ـ لا سيما تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، معتبراً أن ذلك هو جوهر الانتقال السياسي في سورية.

من جهة أخرى، نفى النظام السوري مجدداً أن يكون استخدم أسلحة كيميائية على الإطلاق، واصفاً القرار الصادر ضده في مؤتمر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأنه “يمثل أنموذجاً سيئاً عن تعامل المنظمة مع الدول الأطراف فيها، ورضوخها لنفوذ دول غربية ترى فيها أداة لخدمة أجنداتها السياسية”.

وقال مندوب النظام الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، خلال جلسة لمجلس الأمن أمس الخميس عبر الفيديو، إن منظمة حظر الأسلحة اتخذت “قراراً عدائياً ضد سورية نتيجة ابتزاز وضغوط مارستها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا”، عبر تعليق حقوق دولة عضو وتعاونت معها “بشكل شفاف على مدى السنوات الثماني الماضية” وفق قوله.

واعتبر صباغ أن تقارير فريق التحقيق وتحديد الهوية بشأن استخدام أسلحة كيميائية في اللطامنة وسراقب “خاطئة ومليئة باستنتاجات مضللة ومفبركة، استندت إلى تقارير غير مهنية لبعثة تقصي الحقائق التي عملت على التحقيق في حوادث مزعومة في سورية”.

ورأى أن التصويت على القرار وعدم اعتماده بتوافق الآراء يتنافيان مع آليات اتخاذ القرار المعمول بها منذ بدء عمل منظمة الحظر في عام 1997.

وكانت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، ذكرت، خلال جلسة مجلس الأمن ذاتها، أن النتائج، التي توصل إليها فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” بشأن الهجوم على مدينة سراقب بريف إدلب في الرابع من شباط 2018، “مقلقة للغاية”.

وأضافت المسؤولة الأممية أن المعلومات التي قدمتها حكومة النظام السوري لم تكن كافية لشرح نتائج العينات التي جمعها الفريق في سبتمبر/أيلول 2020، مشيرة إلى أن “إحدى المواد الكيميائية التي كُشف عنها في هذه العينات هي عامل حرب كيميائي نقي، ولم يعلن النظام عنه”.

وأوضحت أن النظام لم يقدم معلومات أو تفسيرات تقنية كافية تمكّن الأمانة الفنية للمنظمة من إغلاق القضية، المتعلقة بالعثور على مادة كيميائية كشف عنها في مركز برزة التابع للمركز السوري للدراسات والبحوث العلمية خلال جولة التفتيش الثالثة عام 2018.

وكررت المسؤولة دعوتها النظام السوري إلى التعاون الكامل مع الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لحل جميع القضايا العالقة، مشددة على ضرورة محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية، بغض النظر عن هويتهم.

وكانت المنظمة أصدرت نتائج التقرير الثاني لفريق التحقيق، وحددت النظام السوري منفذاً للهجوم بالأسلحة الكيميائية على مدينة سراقب في 2018.

وخلُص التقرير، الصادر في 12 إبريل/نيسان الماضي، إلى أن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن مروحية عسكرية من القوات الجوية التابعة للنظام السوري استهدفت شرقي مدينة سراقب، بإسقاط أسطوانة واحدة على الأقل تحمل مادة الكلور السامة على مساحة كبيرة، ما أدى إلى إصابة 12 شخصاً.

العربي الجديد

———————-

———————————–

قد يرغب العالم في اعتناق قيَم الصين وليس الولايات المتحدة/ ستيفن إم والت*

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

لا ترقى الولايات المتحدة ولا الصين إلى مستوى الالتزام بإعلاناتهما عن مثُلهما المعيارية. فعلى عكس ادعاءات الصين بأنها “لا تتدخل أبدًا” في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كانت بكين، في الواقع، راغبة في القيام بذلك في عدد من المناسبات. وبالمثل، على الرغم من رغبة قادة الولايات المتحدة في تمجيد التزامهم العميق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية، فإنهم سارعوا إلى تجاهل السلوك غير الليبرالي لحلفاء رئيسيين، بينما فشلت الولايات المتحدة أيضاً في التطبيق الكامل لهذه المُثل في الداخل. وسوف تلعب القوة الصلبة والنجاح المادي الواضح أدوارًا رئيسية في تحديد الكاسب، لأن الحجم الاقتصادي يؤثر في حسابات الدول الأخرى، والنجاح في الوطن يلهم الآخرين ويغريهم بمحاكاته.

* * *

في خطابه أمام الكونغرس الأسبوع قبل الماضي، بدا أن الرئيس الأميركي جو بايدن يستلّ صفحة من كتاب الدليل الإرشادي للرئيس الأميركي الأسبق، دوايت أيزنهاور، حين ربطَ مجموعةً طموحةً من البرامج المحلية بالحاجة إلى التنافس بشكل أكثر فعالية مع الصين. وتمامًا كما أقنع أيزنهاور الدولة بتمويل نظام الطرق السريعة بين الولايات الأميركية من خلال استحضار مسألة الأمن القومي، فكذلك صوَّر بايدن برنامجًا معرَّفاً على نطاق واسع للبنية التحتية في البلد على أنه حاسم للحفاظ على المكانة العالمية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا النهج لا يخلو من مخاطر، إلا أنه يؤشر على إدراك أن الولايات المتحدة تعيش حقبة جديدة من منافسة القوى العظمى وتحتاج إلى رفع مستوى رهاناتها.

ولكن، ما الذي تدور هذه المنافسة حوله حقاً؟ على الرغم من المخاوف المتزايدة (المبالغ فيها إلى حد ما، في رأيي) من وقوع صدام عسكري حول تايوان، فإن أياً من الولايات المتحدة أو الصين لا تشكل تهديدًا حقيقيًا لسيادة الأخرى أو استقلالها. إن هاتين الدولتين هما ببساطة أكبر كثيراً، وأكثر سكاناً، وأبعد جغرافياً عن بعضهما بعضا من إمكانية تفكير أي منهما في غزو -أو حتى فرض إرادتها على الأخرى بشكل حاسم. كما تمتلك كل من الصين والولايات المتحدة أيضًا أسلحة نووية، وهو ما يضع قيودًا أكثر صرامة على قدرة أي من الدولتين على إجبار الأخرى على تنفيذ ما تريده.

إضافة إلى ذلك، من غير المحتمل أن يحوِّل أي من البلدين الآخر إلى أيديولوجيته السياسية المفضلة. ليست الصين على وشك أن تصبح ديمقراطية متعددة الأحزاب، ولن تكون الولايات المتحدة نظامًا رأسماليًا لدولة حزب واحد (على الرغم من أن الانجراف الحالي للحزب الجمهوري نحو الاستبداد يجعل المرء يتساءل عن ذلك). وسواء شئنا أم أبينا، سيتعين على هاتين الدولتين القويتين أن تتعايشا مع بعضهما بعضا لفترة طويلة.

إذا كان هذا هو واقع الحال، فما الذي ستتنافسان عليه؟ ستكون بعض جوانب المنافسة الصينية-الأميركية مادية بطبيعتها، حيث تسعى كل دولة إلى تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة؛ وتكنولوجيا الطاقة الخضراء؛ والمنتجات الطبية الحيوية، إلى جانب قدرات عسكرية أكثر تقدمًا. ولكن، كما كنتُ قد جادلت ببعض الإسهاب قبل بضعة أسابيع، سيكون جزء كبير من المنافسة معياريًا، حيث تسعى كل دولة إلى الدفاع عن القواعد أو المعايير التي تعتقد أنه يجب أن يقوم عليها النظام العالمي، وتعزيزها. وبالتالي، فإن السؤال هو: قواعد مَن هي التي ستفوز في النهاية بدعم أكبر حول العالم؟

مع المخاطرة بالإفراط في التبسيط، فإن النظام العالمي المفضل للصين هو في الأساس نظام “ويستفالي”. (1) إنه واحد يؤكد السيادة الإقليمية وعدم التدخل، ويحتضن عالماً توجد فيه العديد من الأنظمة السياسية المختلفة، والذي يُقدِّم الاحتياجات (المفترضة) للجماعة (مثل الأمن الاقتصادي) على حقوق الفرد أو حرياته. وكما قالت العالمة السياسية، جيسيكا تشين فايس، مؤخرًا، فإن الصين تسعى إلى نظام عالمي “آمن للحُكم المطلق”، حيث لا تعرِّض المطالبات الكونية بشأن الحقوق الفردية سلطة الحزب الشيوعي الصيني للخطر أو تثير انتقادات لسياساتها الداخلية.

على النقيض من ذلك، شجعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة نظامًا عالميًا يتم فيه تفضيل القيم الليبرالية -القائمة على أساس الادعاء بأن لجميع البشر حقوق معينة غير قابلة للتصرف. وقد ساعد قادة الولايات المتحدة على دمج هذه الأفكار وتكريسها في وثائق مثل ميثاق الأمم المتحدة، الذي يشير صراحة إلى “تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز”. وثمة مبادئ مماثلة مركزية بوضوح في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومكرّسة في ميثاق حلف شمال الأطلسي والمؤسسات الأخرى التي تقودها الولايات المتحدة.

بطبيعة الحال، لا ترقى الولايات المتحدة ولا الصين إلى مستوى الالتزام بهذه الإعلانات المعيارية. فعلى عكس ادعاءات الصين بأنها “لا تتدخل أبدًا” في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كانت بكين، في الواقع، راغبة في القيام بذلك في عدد من المناسبات. وبالمثل، على الرغم من رغبة قادة الولايات المتحدة في تمجيد التزامهم العميق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية، إلا أنهم سارعوا إلى تجاهل السلوك غير الليبرالي لحلفاء رئيسيين، بينما فشلت الولايات المتحدة أيضاً في التطبيق الكامل لهذه المُثل في الداخل. ومع ذلك، فإن التفضيلات المعيارية التي أبدتها الولايات المتحدة والصين ليست مجرد خطابة فارغة: فقد استخدمت الولايات المتحدة قوتها، في بعض الأحيان، لتوسيع مجال الحكم الديمقراطي والضغط على، أو نبذ الدول التي رفضت هذه المُثل.

أيّ مجموعة من القواعد هي التي يُرجح أن تفوز؟ عندما كتبتُ عن هذا الموضوع في آذار (مارس) الماضي، اقترحتُ أن القوة الصلبة والنجاح المادي الواضح سيلعبان أدوارًا رئيسية، لأن الحجم الاقتصادي يؤثر في حسابات الدول الأخرى، والنجاح في الوطن يلهم الآخرين ويغريهم بمحاكاته. لكنَّ علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار مسألة الجاذبية الجوهرية للأفكار نفسها: هل من المحتمل أن تكون المعايير الليبرالية التي تتبناها الولايات المتحدة وأقرب حلفائها أكثر جاذبية للآخرين من دفاع الصين الصريح عن السيادة الوطنية، وتأكيدها المتكرر عدم التدخل، وإصرارها على أن الدول المختلفة يجب أن يكون لها الحق في تطوير مؤسسات سياسية تتماشى مع ثقافاتها وتجاربها التاريخية؟

قد يكون الأميركيون معتادين على التفكير في أن “قوس التاريخ ينحني نحو العدالة” وأن مُثُل الحرية مقدر لها أن تنتصر حتى لو استغرق تحقُّقها الكامل عقودًا عديدة. ويمكنهم بالتأكيد الإشارة إلى تاريخ القرون الأربعة الماضية لدعم هذا الاعتقاد. ولأنه يحدُث أنني أشارك هذه القيم ويسعدني أنني أعيش في بلد ليبرالي (في الغالب)، فإنني آمل بأن تتبين صحة وجهة النظر هذه. ولكن، سيكون من الحكمة عدم افتراض ذلك لأن مجموعة القواعد المفضلة لدى الصين يغلب أن تثبت كونها جذابة هي الأخرى في العديد من الأماكن.

كبداية، قد يفضل القادة غير الديمقراطيين -وهذا ما يزال يعني معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم- نظامًا عالميًا يمنح كل دولة الحق في تحديد نظام الحكم الخاص بها، وحيث يعد من غير الشرعي أن يضغط الأجانب عليها بشأن ما يحدث داخل حدودها. وليس من المستغرب أن تكون رغبة الصين في تقديم المساعدة التنموية من دون تعليقها على شرط إجراء إصلاحات محلية (كما تفعل برامج المساعدات الأميركية والغربية عمومًا)، قد أثبتت كونها جذابة بشكل خاص في بعض البلدان. مباشرة وعلى الفور، سوف يحظى دفاع الصين عن عدم التدخل ورفضها للمعايير الليبرالية بدعم الكثير من الأوتوقراطيين.

ثانيًا، بالقدر الذي تحترم فيه صينٌ أكثر قوة هذه المُثل، فإن الدول الأخرى لن تقلق كثيراً بشأن محاولات لتغيير النظام فيها ترعاها الصين. ومع الاستثناءات الواضحة لهونغ كونغ وتايوان (اللتين تعتبرهما بكين من الأمور الداخلية)، قد يكون خطاب الصين القائم على مبدأ “عش ودع غيرك يعش” مطمئنًا للدول التي لا تشارك الصين الطابع الأوتوقراطي. وقد تكون الصين مستعدة لمساعدة أنظمة أوتوقراطية أخرى في البقاء في السلطة، ولكن منذ وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، لم تحاول الصين تحويل ديمقراطيات قائمة إلى أنظمة رأسماليات يحكمها حزب واحد بجوهر لينيني. (مرة أخرى، تبقى هونغ كونغ وتايوان استثناءات مهمة في هذا الصدد أيضاً). وقد تتغير هذه السياسة بالطبع، ولكن في الوقت الحالي، قد تجد بعض البلدان هذا الموقف أكثر جاذبية من موقف الولايات المتحدة القائم على وجوب أن تصبح جميع الحكومات ديمقراطيات في نهاية المطاف.

ثالثًا، يبقى موقف الصين أقل عرضة للاتهام بالنفاق. ويترك إعلان الصين عن وجوب السماح لجميع الدول بأن تتطور على النحو الذي تراه مناسبًا لها الحرية التعامل مع كل من الديمقراطيات، والديكتاتوريات العسكرية والأنظمة الملكية، وتكييف علاقاتها مع كل من هذه الأنظمة وفقًا لظروفها المحلية. وفي المقابل، تبدو الولايات المتحدة ذات وجهين عندما تدّعي اعتناق المبادئ الليبرالية، لكنها تستمر في دعم حلفاء مقربين ينتهكون هذه المثل العليا بشكل روتيني، في حين تستطيع الصين التجارة والاستثمار والتعاون مع أي أحد من دون أن تبدو غير متسقة مع ادعاءاتها.

بالنظر إلى كل هذا، قد يعتقد المرء أن نهج “عِش ودع غيرك يعِش” الذي تتبناه الصين تجاه النظام العالمي سيؤدي في النهاية إلى إزاحة المثل الليبرالية التي تعلنها الولايات المتحدة، وأن الأساس المعياري الذي تقوم عليه معظم المؤسسات العالمية سيرتد عائداً تدريجياً إلى طابع “ويستفالي”. مع ذلك، أعتقد أن هذا الاستنتاج سابق لأوانه، لأن الموقف المعياري للصين لا يخلو من التزاماته ومطالبه الخاصة.

تتمثل إحدى المشكلات في أن الدول الأخرى ليست غير مبالية بشأن المخاوف الأخلاقية، حتى في عالم تستمر فيه سياسات القوة في تشكيل الكثير مما تفعله هذه الدول. إن عروض الوحشية، والتجاهل القاسي لأرواح الأبرياء، وغيرها من الأعمال الوحشية التي ترعاها الدولة، هي نذير بالخطر وأعمال بغيضة بالنسبة للآخرين -حتى عندما تكون هذه الأفعال محصورة داخل حدود دولة معينة. وحتى أكثر الأنظمة استبدادًا تتفهم هذا الميل، وهو السبب في أنها تبذل جهودًا كبيرة لإخفاء مثل هذه الأعمال، ومعاقبة أو تقييد الذين يشيرون إليها، وتلفيق معاذير ضافية لتبرير جرائم لا يمكن إخفاؤها. ويشير الدعم الواسع (وإن كان ما يزال ضحلًا) لمبدأ مسؤولية الحماية أيضًا إلى أن العديد من الأنظمة الاستبدادية غير مرتاحة لفكرة أن أي شيء يمكن أن يمر داخل حدود دولة معينة.

لهذا السبب، فإن الجهود الصينية لتعزيز نظام عالمي يضفي الشرعية على الحكم التعسفي وحيث تكون السياسات الداخلية للحكومات محصنة من اللوم الأخلاقي، لا بد أن تجعل الآخرين متوترين. وعندما تصر الحكومات على أن لها الحق في فعل أي شيء تريده داخل حدودها، فإن الدول الأخرى -بما في ذلك الأنظمة الأوتوقراطية- سوف تتساءل عما يمكن أن تفعله خارج تلك الحدود إذا كانت في أي وقت في وضع يمكّنها من التصرف كما تشاء.

كما أن منح الحصانة لسيادة الدول القائمة وسلطتها المطلقة داخل مجموعة من الحدود يتعارض أيضًا مع فكرة تقرير المصير القومي. وتؤكد الليبرالية حقوق الأفراد، لكنها كانت أيضًا متعاطفة مع فكرة وجوب السماح للناس ذوي الثقافة واللغة والهوية الجماعية المتميزة بحكم أنفسهم. وقد ساعد هذا النموذج المثالي على تدمير الإمبراطوريات النمساوية المجرية والعثمانية، ووضع حدًا لعصر الاستعمار الأوروبي، ولعب دورًا كبيرًا في تفكك الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف. ولن يجذب نظام عالمي يسهل إساءة معاملة المجموعات العرقية أو القومية داخل بلد ما أولئك الذين يتطلعون إما إلى حكم أنفسهم، أو حتى مجرد السعي إلى تحقيق وضع أكثر مساواة.

ثمة مثال واضح على ذلك هو جهود الصين التي لا تلين لقمع الأقلية الأويغورية والقضاء التدريجي على هويات الأويغور الثقافية. وإذا تم استخدام مبادئ السيادة وعدم التدخل للدفاع عن مثل هذه السياسات، فإنها ستفقد بعضًا من جاذبيتها العالمية، ومن المرجح أن تكون جهود الصين للتخلص من بعض المعايير التي يقوم عليها النظام العالمي الحالي أقل نجاحًا.

بالمقارنة، كيف يمكن أن يكون حال المثل الليبرالية في المستقبل؟

دعونا نكُن صريحين: كان العقدان الماضيان مليئين بالمتاعب بالنسبة للعديد من الديمقراطيات في العالم، على الرغم من (أو ربما بسبب) الموقف التفضيلي الذي تمتعت به مع اقتراب القرن العشرين من نهايته. فقد تورطت الولايات المتحدة في العديد من الحروب المكلفة وغير الناجحة، وتسببت في إطلاق أزمة مالية عالمية، وهي تواجه حاليًا مستوى من الخلل الوظيفي والانقسام الحزبي لم يسبق له مثيل منذ الحرب الأهلية. وكانت اليابان تراوح في المكان وكأنها تخوض في الماء على صعيد الاقتصاد، وواجهت أوروبا أزمات اقتصادية متكررة وتحديات غير ليبرالية، وخابت الآمال السابقة في أن تحقق الهند والبرازيل إمكاناتهما الجيوسياسية. وتبين أن المخاوف بشأن جاذبية الليبرالية على المدى الطويل على المسرح العالمي لا أساس لها من الصحة.

ومع ذلك، إذا نظر المرء أبعد، فإن المثل الليبرالية تبدو أكثر جاذبية. وعلى الرغم من أن أداء الديمقراطيات الكبرى في العالم كان سيئًا في الآونة الأخيرة، إلا أن سجلها طوال معظم القرن العشرين كان مثيراً للإعجاب. ومن الخطأ أن يفترض المرء -كما فعل بعض المعلقين الصينيين- أن الغرب يعيش حالة من الانحدار النهائي الذي تسبب به لنفسه. وكما جادل المؤلفان جيمس سكوت وأمارتيا سِن، فإن المجتمعات الليبرالية أقل احتمالاً لأن ترتكب أخطاء فادحة حقًا -مثل التأميم والتعاونيات في الحقبة الستالينية، أو قفزة ماو العظيمة الكارثية إلى الأمام- وأكثر احتمالًا لتصحيح مثل هذه الأخطاء عند حدوثها. ومن هذا المنظور، ربما ليس مستغرباً أن تكون بعض أسوأ الاستجابات لوباء فيروس كورونا قد جاءت من قادة شعبويين غير ليبراليين وذوي ميول استبدادية قوية، مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

هذه الأفكار تقودني إلى الاستنتاج التالي. لا يمكن للأميركيين (وغيرهم) الذين يفضلون المثل الليبرالية أن يفترضوا أن مثل هذه الحقائق “بديهية” و”داعمة لذاتها”، أو أن قوس التاريخ الطويل يفضلها حتمًا. إذا كان هذا القوس ينحني نحو العدالة، فإن ذلك لن يكون راجعاً إلى التدخل الإلهي، أو إلى بعض من النزعة البنيوية الراسخة في الطبيعة البشرية، أو إلى غائية تاريخية عميقة تقود حتماً إلى نتيجة (ليبرالية) محددة سلفاً. لن ينحني هذا القوس إلا إذا كان مؤيدوه أكثر نجاحًا في إثبات تفوق مُثلهم العليا، خاصةً عند مقارنتها بالبديل. ويبدو أن هذا هو ما تحاول إدارة بايدن فعله، أما إذا كانت ستنجح أم لا، فسوف يعتمد غالباً على ما إذا كان بالوسع إيقاف دوامة الموت سيئة الأداء من المعلومات المضللة التي تشوه السياسة الآن.

*Stephen M. Walt: أستاذ روبرت ورينيه بيلفر للعلاقات الدولية في كلية جون ف. كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد. ينتمي إلى المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية. قدم مساهمات مهمة في نظرية الواقعية الدفاعية الجديدة، وألف نظرية توازن التهديد. تشمل الكتب التي ألفها أو شارك في تأليفها “أصول التحالفات”، و”الثورة والحرب”، و”اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية”.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: The World Might Want China’s Rules

هامش المترجم:

(1) ويستفالي Westphalian، يعود هذا المفهوم إلى صلح ويستفاليا الذي أُبرم بين الدول الأوروبية في العام 1648، وأنهى حرب الثلاثين عاماً في أوروبا. وهو مبدأ في القانون الدولي ينص على أن كل دولة لديها الحق في السيادة الحصرية على أراضيها. ويكمن هذا المبدأ في أساس النظام الدولي الحديث للدول ذات السيادة، وهو مكرس في ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على أنه “لا شيء… يخول الأمم المتحدة التدخل في الأمور التي تقع أساسًا في نطاق الاختصاص المحلي لأي دولة”. ووفقًا للفكرة، فإن لكل دولة، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، حقًا متساويًا في السيادة. وتم تطوير مبدأ عدم التدخل في القرن الثامن عشر. وبلغ النظام الويستفالي ذروته في القرنين التاسع عشر والعشرين، لكنه واجه تحديات مؤخرًا من دعاة التدخل الإنساني.

– (فورين بوليسي) 4/5/2021

الغد الأردنية:9/5/2021

—————————————-

سياسة الولايات المتحدة في سوريا لـ2021/ شارلز ليستر

مرَّ أكثر من مائة يوم على دخول الرئيس جوزيف بايدن عتبة البيت الأبيض، وحتى الآونة الراهنة، ظلت جميع الجوانب الرئيسية لسياسات الولايات المتحدة في سوريا من دون تغيير يُذكر على نحو ما كانت عليه خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب. ورغم أن جُلَّ اهتمامات الإدارة الأميركية في واشنطن في الوقت الراهن منصبة على استكشاف سبل المفاوضات مع الحكومة الإيرانية، فإن إدارة الرئيس بايدن لا تزال معنية تماماً بالمخاطر المتأصلة في سوريا غير الناعمة بالاستقرار، والخاضعة للرئيس بشار الأسد، الذي يعد من أكابر مجرمي الحرب في القرن الحادي والعشرين، ولنظام حكمه الغارق في الفساد.

ورغم أن نظام الأسد بات يسيطر الآن على ما يقرب من 63 في المائة من التراب السوري، فإن تلك النسبة لا تتجاوز في واقع الأمر السيطرة على 57 في المائة فقط من السكان داخل البلاد مع نسبة 38 في المائة فقط من إجمالي الشعب السوري، مع إلحاق اللاجئين والمغتربين إليهم. وكانت جميع استطلاعات الرأي التي أجريت على اللاجئين السوريين خلال السنوات الأخيرة قد أظهرت بالإجماع أنهم لا يريدون العودة إلى سوريا مع وجود بشار الأسد على رأس السلطة. والأسوأ من ذلك برغم كل شيء، أن هناك استطلاعات أخرى للرأي قد أثبتت أن السواد الأعظم من المواطنين السوريين الذين يعيشون في دمشق، الخاضعة لسيطرة النظام الحاكم، يفضّلون – وربما يرغبون – الفرار من البلاد على العيش تحت نير حكومة بشار الأسد الفاشلة.

وفي حين أن النظام السوري الحاكم بات يرسم اللمسات الأخيرة على الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن التساؤل الوحيد الذي يلح على أذهان الناس هو ما إذا كان بشار الأسد سوف يحرز نصراً انتخابياً معتاداً بنسب معروفة من 80 أو 90 أو 98 في المائة كما هو معهود. تماماً كما لو كنا في حاجة إلى المزيد من الأدلة على الطبيعة المزورة بالكامل للانتخابات الرئاسية السورية، فلقد تحدث أحد «منافسي» بشار الأسد في الجولة الأخيرة من الانتخابات، بصفة رسمية، حول كيف أن سوريا الحالية «لا تعرف الديمقراطية»، وأن «كل الانتخابات مزورة».

لا تزال سياسة الولايات المتحدة بشأن الأزمة السورية مرتكزة على مبدأ واحد؛ أن عمليات القمع الوحشية والاستثنائية التي مارسها نظام بشار الأسد ضد شعبه على مدى السنوات العشر الماضية تجعل منه شخصية غير مسؤولة، وغير جديرة بالقيادة، وغير قادرة على إرساء أسس الأمان والاستقرار لشعبه وعلى أرضه. وفي واقع الأمر، لا يزال بشار الأسد نفسه هو السبب الأصيل والجذري، وربما الأكثر فاعلية، في اندلاع ثم استمرار الأزمة السورية المريعة والممتدة لأكثر من عشر سنوات حتى الآن، ومن شأن منصبه الأول الذي يشغله في القصر الرئاسي في دمشق أن يكون مبعثاً لتأجيج المزيد من أعمال العنف والعصف بكل فرص الاستقرار لسنوات أخرى قادمة من عمر هذه الأزمة.

عليه، ولهذا السبب على وجه التحديد، تبقى سياسة الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية متسقة تمام الاتساق مع المعيار الدولي الحائز احترام الجميع، ألا وهو قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار مع البدء العاجل في المفاوضات السياسية على الصعيد الوطني السوري، الأمر الذي يسفر عن صياغة دستور سوري وطني جديد، مع صياغة جديدة لوجه الحكم في البلاد، ثم في نهاية المطاف، إجراء الانتخابات الرئاسية التي تتسم بالحرية والنزاهة، والخاضعة للإشراف والمراقبة الدوليين.

وحتى تنجح تلك المساعي المشروعة، سوف تكون الولايات المتحدة في حاجة إلى دعم واضح وأكيد من الحلفاء من ذوي وجهات النظر المتماثلة والآراء المتناظرة إزاء الأزمة السورية الراهنة. تأتي المؤشرات المتراكمة بشأن الاهتمامات الإقليمية المتزايدة على إعادة الارتباط الاقتصادي والدبلوماسي مع الحكومة السورية الحالية كأحد بواعث القلق الكبيرة والأكيدة عبر جميع المستويات المعنية في الإدارة الأميركية؛ إذ يعد قانون قيصر الأميركي الهادف لحماية المدنيين في سوريا، الذي يقضي بفرض مختلف حزم العقوبات على أي جهة تشارك في دعم أو إسناد نظام بشار الأسد مالياً، جزءاً كاملاً لا يتجزأ من القانون الأميركي، وليس من المتوقع أن ينتهي الأثر القانوني لهذا التشريع في أي وقت قريب على أي تقدير.

فإن أردنا تهميش واقع الانتخابات الرئاسية الصورية المقبلة في سوريا، نجد أن الأولوية العاجلة والقصوى للسياسة الأميركية الراهنة تتمثل في إعادة تأمين التفويض الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في توفير المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية، وهو الأمر المطلوب بصفة عاجلة عبر منطقة الشمال السوري المتأزمة للغاية. هذا، وتعتزم الحكومة الروسية الاستعانة بحق النقض (الفيتو) ضد جميع القرارات الصادرة بشأن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية، وذلك في تصويت الأمم المتحدة المزمع إجراؤه في شهر يوليو (تموز) المقبل، ذلك الموقف – الذي إن اتخذته روسيا – سوف يُخلف ما يصل إلى خمسة ملايين مدني في سوريا محرومين تماماً، بين عشية وضحاها، من أي مساعدات إنسانية يمكن أن تصل إليهم. ومن شأن الجهود الدولية المتضافرة من قبل الحكومة الأميركية وحلفائها أن تحول بين وقوع هذا الاحتمال الخطير، الذي سوف يسفر عن اندلاع أسوأ أزمة إنسانية تشهدها منطقة الشرق الأوسط بأسرها منذ عقود مضت، مع بث الحياة في أوصال العنف والتطرف مرة أخرى هناك.

وفي شرق سوريا، لا تزال المئات من القوات الأميركية منتشرة في هذا الجزء من البلاد جنباً إلى جنب مع قوات سوريا الديمقراطية العاملة هناك، في جزء من الحملة العسكرية المستمرة في محاربة عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي صدرت عنه في الآونة الأخيرة أمارات مثيرة للقلق على التعافي ومحاولات حثيثة على ترتيب الصفوف من جديد. وفي الوقت الذي تُبذل فيه الجهود الخارقة لاحتواء عودة تنظيم «داعش» الإرهابي إلى درجة كبيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فإن عناصر التنظيم الإرهابي بدأت في العودة بصورة تدريجية وممنهجة في منطقة البادية الخاضعة لسيطرة النظام السوري الحاكم.. تلك المنطقة التي برهنت على عدم الكفاءة وعدم الفاعلية التي تتسم بها القوات الحكومية السورية، والقوات الروسية رفقة الميليشيات المدعومة من إيران. وإذا ما استمرت حالة التعافي الحثيثة التي يحاولها تنظيم «داعش» الإرهابي في المناطق الخاضعة لحكم بشار الأسد، فمن شأن حوض نهر الفرات وامتداده الطبيعي أن يسفر وبشكل حتمي عن زعزعة شديدة لحالة الاستقرار الهشة فيالمناطق الخاضعة لإدارة قوات سوريا الديمقراطية.

وعلى نطاق أوسع، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية هائلة تتمثل في واجب مجابهة التحدي الضخم الذي يشكله عشرات الآلاف من عناصر تنظيم «داعش» السابقين والمقيمين حالياً في معسكرات الاعتقال. وتخاطر السياسة الأميركية الحالية المتمثلة في غض الطرْف تماماً عن هذه المعسكرات ومن فيها بإنتاج جيل جديد بالكامل من العناصر الإرهابية الشديدة الخطورة في قلب منطقة الشرق الأوسط.

وعلى نحو ما أشارت التقارير الإخبارية في الآونة الأخيرة، فإن منطقة الشرق الأوسط باتت قاب قوسين أو أدنى من رؤية سلسلة من المستجدات والتطورات الإقليمية البالغة الأهمية خلال الأسابيع المقبلة. ومحاولات الإقلال الجدية من الخصومات الإقليمية مع مواصلة العمل صوب إرساء أسس الاستقرار في منطقة أقل انقساماً لا يمكن تقييمها إلا بأنها من الأمور الجيدة للغاية، بيد أن الأزمة السورية تشكل في حد ذاتها مسألة مختلفة بالكلية.

أسفرت حالة عدم الاستقرار الناشئة من صميم الأراضي السورية عن زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط على الصعيد الإقليمي، مع إلحاق المزيد من الأضرار الواضحة بالأمن الدولي بشتى الطرق وعلى نطاق هائل منذ عام 2011 وحتى الآن. ومن شأن ذلك الأمر المواصلة والاستمرار من دون تراجع أو هوادة طالما بقي بشار الأسد على رأس السلطة في دمشق. لقد تمكنت الحكومة الإيرانية من إحراز مكاسب إقليمية لم تكن لتحلم بمثلها من قبل عبر الاستفادة الكبيرة من الفرص السانحة التي أتيحت لها من خلال الأزمة السورية الراهنة، تلك المكاسب من النوع الذي لا رجعة فيه، مع تعارضها المستمر مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في المنطقة.

لم يشهد الاقتصاد السوري دماراً محققاً بسبب العقوبات الاقتصادية الخارجية، وإنما مرجع ذلك هو مساعي الرئيس بشار الأسد الحثيثة للتمسك بالسلطة مهما كان الثمن، وليس من المتوقع ظهور أي قدر من الانتعاش الاقتصادي في سوريا مع استمرار زمرة بشار الأسد تحتل نفس مواقعها في نظامه الحاكم. لقد ازدهرت وانتشرت جماعات التطرف والإرهاب العنيف من شاكلة «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية الأخرى، مستغلة حالة الفوضى وانعدام الاستقرار التي تعاني منها سوريا، ومستفيدة من جميع الأسباب الجذرية للأزمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم، بل إنها أسوأ اليوم عن ذي قبل. وذلك فضلاً على التدخلات الخارجية، سواء كانت من قِبل تركيا، أو إسرائيل، أو روسيا، أو الولايات المتحدة نفسها، التي لا تزال مستمرة بفضل تشبث بشار الأسد بالبقاء في السلطة، وليس رغماً عن أنفه.

رغم أن سوريا تقبع في أصل الصراع الدائر منذ سنوات، فإنها تمثل جُرحاً نافذاً ومزعزعاً للاستقرار في قلب المنطقة الشديدة الحساسية بكل تأكيد. وما من دليل يشير إلى أن سوريا سوف تشهد العودة إلى حالة الاستقرار المنشودة مع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، ومن ثم، سوف تستمر سياسة الولايات المتحدة في العمل صوب الوصول إلى حل يتسق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وما من شك في أن سوريا لا تطرح من جانبها الخيارات السياسية الجيدة أو اليسيرة على أي حال، بيد أن العمل على بلوغ هدف الاستقرار الطويل الأمد، مع السعي الحثيث لتحقيق المساءلة عن الجرائم التي لا حصر لها والتي ارتكبت منذ عام 2011 وحتى اليوم، ينبغي أن يظل المحرك الأول لكل قراراتنا.

الشرق الأوسط

زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط

—————————

===========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى