سياسة

عن تطورات الموقف الأميركي من قضايا الشرق الأوسط بشكل عام وسورية بشكل خاص -مقالات مختارة-

بايدن ومشروع أوباما للشرق الأوسط/ حسام ميرو

معظم الدراسات وأوراق السياسات التي تناولت مسألة انهيار النظام الإقليمي القديم في الشرق الأوسط، تتفق في ما بينها على أن السبب الجوهري في ذلك الانهيار يتمثل برؤية الرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما للشرق الأوسط، فأثناء ولايته الأولى بين عامي 2008 و2012، مهّد أوباما لعهد جديد في المنطقة، على حساب التحالفات الاستراتيجية التاريخية للولايات المتحدة، وقد اعتبر أوباما أن الوصول إلى إبرام الاتفاق النووي مع إيران، كفيل بأن يحدث ديناميات جديدة تقود إلى خفض التصعيد في المنطقة بما يسمح للولايات المتحدة أن تضمن مصالحها في الشرق الأوسط، بأقل تكلفة من الانخراط الفعلي، وهو ما يتيح لها التفرّغ شبه التام للملف الأكثر تحدّياً لها، أي ملف صعود الصين.

 نجح أوباما في ولايته الثانية (2012-2016) في أن يصل إلى مبتغاه في عقد الاتفاق النووي مع إيران، لكن من الناحية العملية، توقفت مفاعيل هذا الاتفاق مع قدوم الرئيس ترامب إلى سدّة الحكم، حيث تبنى سياسات أكثر راديكالية تجاه طهران، مع تأكيده أهمية العلاقات التاريخية مع دول الخليج، واستعادة العلاقات الدافئة مع إسرائيل، التي كانت قد تعرّضت للفتور في عهد سلفه أوباما، لكن الرئيس ترامب لم يبد معنياً بإعادة ترتيب النظام الإقليمي للشرق الأوسط، بقدر ما بدا أنه ينفذ سياسة دفع كل الأطراف إلى الانخراط في مواجهات بينية، من دون أن تطرح إدارته أية تسويات في الملفات الرئيسية.

اختار الرئيس جو بايدن مبعوثاً لإيران كان قد لعب دوراً مهمّاً في التفاوض بين إدارة أوباما وإيران حول ملفها النووي، وهو روبرت مالي، الأمر الذي فسره محللون كثر على أنه عودة إلى سياسات أوباما في الشرق الأوسط، فعلى الرغم من تصنيف بايدن لطهران أنها تمثل، إلى جانب الصين وروسيا، أحد أهم التحدّيات في سياساته، فإن معالجة هذا التحدي من الناحية العملية تمثلت بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وإعطاء إشارات قوية من جانب واشنطن بأنها ماضية بقوة إلى تذليل العقبات أمام إبرام اتفاق جديد، حتى لو أتى هذا الاتفاق على التضاد من مصالح أمريكية مع دول أخرى في المنطقة.

 تصريحات روبرت مالي الداعمة لرفع العقوبات عن إيران و«ضمان أن تتمتع بالمزايا التي كان من المفترض أن تحصل عليها بموجب الاتفاق»، أثارت حفيظة عدد من حلفاء واشنطن، بما فيهم الأوروبيين، فقد جاءت هذه التصريحات قبل استضافة فيينا لمحادثات بين ممثلين للرئيس بايدن وممثلين عن الحكومة الإيرانية، حيث اعتبرت تصريحات مالي مناقضة لمبادئ التفاوض، وتصب في مصلحة تثقيل أوراق طهران في التفاوض، لكن من الناحية العملية، فإن إدارة بايدن كانت قد اتخذت بالفعل عدداً من الخطوات التحفيزية تجاه طهران، من مثل إسقاط الاعتراضات الأمريكية على قرض من صندوق النقد الدولي لإيران بقيمة خمسة مليارات دولار، والإفراج عن أموال النفط الإيرانية المجمدة في عدد من الدول، وهو ما يعني أن بعض مخرجات التفاوض حدثت قبل انتهائه.

 من الناحية النظرية، قد يبدو أنه لا غرابة في أن يستكمل بايدن رؤية أوباما للشرق الأوسط، فهما لا ينتميان إلى الحزب نفسه فقط، بل يمثلان خطاً واحداً في الممارسة السياسية يقوم على أساس الاشتباك الإيجابي مع الخصوم، وتحييد الملفات الراديكالية لدفع الخصوم للانخراط في تصوّر أمريكي للمصالح من دون أن تكون هناك مواجهات كبيرة، لكن من الناحية العملية، فإن الظروف والتحالفات التي كانت قائمة في عهد أوباما، طرأت عليها تغييرات كبيرة.

 إذا كان منطق السياسات التي اتبعها الرئيس بايدن خلال الأشهر القليلة الماضية من بداية رئاسته، يوحي بأنه يدفع جميع الأطراف للتفاوض والابتعاد عن الحلول الصفرية، وصولاً إلى بناء نظام إقليمي جديد يضمن مصالح واشنطن بتكلفة أقل، وهو ما كان يطمح له الرئيس أوباما، فإن هذا المنطق يحمل في طياته تناقضاً بنيوياً مع دور واشنطن المعروف تاريخياً، والذي يتمثل في إيجاد الشكل العام للأنظمة الإقليمية، ودفع الآخرين للتكيّف معها، لكن مخاطر مثل هذا المنطق تتمثل في دفع اللاعبين في المنطقة إلى تحويل الفوضى القائمة إلى نظام إقليمي يمتلك ديناميات وأسباب ديمومته من داخله، بعيداً عن تأثيرات ومصالح واشنطن.

 الخليج

 ————————

كيف تتعامل إدارة بايدن مع ملفات الشرق الأوسط؟/ بسام بربندي

لم يعد مستغربا ولا سرا أن الولايات المتحدة تريد الابتعاد عن الشرق الأوسط وحروبه ومشكلاته التي يبدو أنها لا تنتهي، بدا هذا التوجه واضحا منذ إدارة الرئيس أوباما الذي بدأ بتخفيض القوات في أفغانستان والعراق واستمرت السياسة نفسها بقوة خلال الفترة الرئاسية للرئيس ترامب والتي كرست أكثر السياسة الانعزالية للولايات المتحدة واهتمامها أكثر بشؤونها الداخلية والاهتمام بمستقبل علاقاتها مع الصين التي تعتبرها المنافس والخطر الحقيقي لمصالح الولايات المتحدة في العقود المقبلة.

والآن مع الرئاسة الديمقراطية التي يؤثر فيها تيار ديمقراطي قوي يدعو إلى عدم استخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح سياسي وضرورة الحد من الوجود العسكري في مناطق النزاع المختلفة في العالم مثل أفغانستان والعراق وضرورة دعم حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم يتغير هدف الإدارة بالانسحاب التدريجي والسريع من الشرق الأوسط بل تغيرت طريقة التعاطي مع المشكلات الموجودة في هذه المنطقة من العالم.

وهنا لدينا عدة أمثلة واضحة عن طريقة عمل وتفكير هذه الإدارة لقضايا الشرق الأوسط خلال فترة ال ١٠٠ يوم من عملها.

الملف الإيراني: تعاطيهم مع الملف الإيراني ورغبتهم بالتوصل إلى اتفاق بسرعة يحد من قدرات إيران النووية مقابل رفع بعض العقوبات عن إيران مع كل ما يثير ذلك من قلق لدى كل دول المنطقة وقلق منظمات حقوق الإنسان الدولية والإيرانية التي تخشى من تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، بدلا من الحد منه وازدياد حالات القمع ضد الشعب الإيراني، مما يعني مزيدا من عدم الاستقرار داخل إيران وبالمنطقة. ولكن الرغبة الأميركية بهذا الاتفاق هو من المؤشرات حول رغبة الإدارة بالانسحاب من الشرق الأوسط بعد حل واحدة من أصعب القضايا في الشرق الأوسط.

والاستفادة من الوقت الطويل الباقي للإدارة في الحكم تقريبا ٣ سنوات ونصف لمعالجة أي مشكلات تنتج عن الاتفاق نفسه سواء بالتعاطي مع إيران أو المشكلات التي تنتج عن هذا الاتفاق مع دول الجوار.

الأزمة السورية: كل التصريحات الصادرة من الإدارة تجاه الأزمة السورية محصور بالوضع الإنساني والإغاثي المرتبط بالأزمة السورية وليس بحل الأزمة نفسها، والتأكيد على ضرورة عودة المساعدات الإغاثية لكل المناطق السورية. ويرى القائمون على الملف السوري في الإدارة ضرورة التفاوض مع الروس وإمكانية تلبية بعض مطالبهم وخصوصا الاقتصادية المتمثلة برفع بعض العقوبات الاقتصادية أو إعطاء النظام بعض السلطات “الشكلية” على مناطق دخول المساعدات الإنسانية وخصوصا في منطقة الجزيرة لتثبيت شرعية الدولة السورية وذلك لتوافق روسيا على قرار المساعدات في مجلس الأمن في الشهر المقبل. وضرورة تصليح صورة الوجود الأميركي في سوريا بأنهم موجودون ليس لحماية النفط بل لحماية السوريين ومحاربة داعش وبالتالي سيتم إيقاف العمل بالرخص الممنوحة للشركات الأميركية للتنقيب عن النفط وبالوقت نفسه تخصيص أموال من أجل دعم الاستقرار في منطقة الجزيرة.

وبالوقت نفسه تبقي الإدارة الأميركية على موقفها السياسي من النظام بأنه غير شرعي وأنها لن تعترف بالانتخابات وتعتبرها لا تحقق أيّا من معايير الشفافية الدولية أو لا تلتزم بتنفيذ أي من القرارات الأممية الخاصة بسوريا، وأن على النظام السوري أن يتجاوب مع مطالب شعبه بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتنفيذ القرارات الدولية والتخلص من الأسلحة الكيماوية وعودة المهجرين سلميا إلى بلادهم.

ولذلك كان قرار الإدارة تمديد قانون الطوارئ الاقتصادي الخاص بسوريا والذي أعلن عام ٢٠٠٤ عقابا للنظام السوري لانتهاكاته لحقوق الإنسان في سوريا ولبنان.

ما يريد الأميركيون قوله إنهم مع غياب جدية بالحل السياسي للأزمة السورية، هم غير معنيين ببذل الجهد والوقت لإيجاد ذلك الحل، فمهمتهم الآن – على المدى القصير- تقتصر على الجانب الإغاثي والإنساني وتخفيف معاناة كل السوريين سواء تحت سيطرة النظام أو خارج سيطرته، وعلى الدول المنخرطة في الأزمة السورية إيجاد الحل وفقا للقرار ٢٢٥٤.

غزة: أعلنت الإدارة عدة مرات أنها تدعم حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها وعطلت بيان مجلس الأمن الذي يطالب بوقف إطلاق النار ودعت إسرائيل إلى توخي الحذر بعملياتها العسكرية وعدم استهداف المدنيين والصحفيين وأضافت أن الجهود الإقليمية مهمة جدا لإيجاد آلية تفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين وخصوصا مصر وقطر والأردن وهي ستدعم هذا الجهد لأنه ليس لها علاقة مع حماس كونها منظمة إرهابية بالنسبة لها ولن تتفاوض معها، وتأخرت بإرسال المبعوث الأميركي للمنطقة، كل ذلك يؤكد السياسة الأميركية التي تريد القول تعبنا من الشرق الأوسط وعلى دول المنطقة حل مشكلاتها وأنها ستدعم أي حل يتوصل إليه الطرفان بوساطة دول المنطقة.

رغم أن هناك من يقول إن الإدارة الأميركية تعطي إسرائيل الوقت الذي تريده في حربها في غزة حتى تخفف من معارضة إسرائيل للاتفاق النووي المتوقع التوصل إليه في الأسابيع المقبلة، والتأكيد على أن الولايات المتحدة تأخذ المطالب الإسرائيلية الأمنية بجدية، إلا أن هذه الفرضية لا تغير من الرغبة الأميركية في التخفيف من انخراطهم في مشكلات الشرق الأوسط.

في النهاية، من حق الأميركيين اختيار السياسة المناسبة لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية في العالم، ولكن ليس من حقهم ترك الشرق الأوسط دون إيجاد آليات واقعية، وعملية قابلة للحياة لمنع استفادة الصين وروسيا مثلا من الفراغ الأميركي أو ترك المنطقة بحالة عدم توازن تؤدي إلى مزيد من الحروب والإضرابات والتي الجميع بغنى عنها، وعلى كل السوريين أن يعملوا على تطوير أفكارهم وانتخاب قيادات جديدة للمعارضة تمثل الشارع السوري بشكل حقيقي تعيد المطالب الأساسية للثورة السورية من حرية كرامة وإسقاط النظام إلى الساحة الدولية، وما جرى في فلسطين هو درس للسوريين بأنه لا يموت حق وراءه مطالب.

—————————-

أين سوريا من التغيرات الإقليمية في عهد بايدن؟/ بكر صدقي

عملية الترميم التي تقوم بها إدارة بايدن إزاء التخريب الكبير الذي لحق بالسياسة الخارجية الأمريكية في عهد سلفه ترامب، أدت إلى تغييرات ملحوظة في منطقتنا.

من كان يتوقع، قبل ستة أشهر فقط، أن ينطلق قطار المصالحات بين السعودية وقطر، أو مصر وقطر، أو مصر وتركيا، بعد سنوات من القطيعة والحصار والحروب الإعلامية المتبادلة؟ أو أن تلعب مصر دور الوسيط الدبلوماسي بين إسرائيل وحركة حماس لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة؟ أو أن توافق تركيا ودولة الإمارات ومصر على وقف الاحتراب الداخلي في ليبيا؟

كل هذه التطورات حدثت، كأنما بعصا سحرية، من غير أن تبذل إدارة بايدن جهداً يذكر. بل على العكس، وضعت ثقلها لإبرام صفقة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما لا يرضي حلفاء الولايات المتحدة، إسرائيل والسعودية وحتى تركيا ودولة الإمارات ومصر. ووجهت انتقادات حادة بشأن وضع حقوق الإنسان في تلك الدول الحليفة، وأطلقت رسائل موجعة لتركيا باعترافها بالإبادة الأرمنية، ونشرت تقريرها الاستخباري بشأن اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي. بل من المحتمل أن هذه الرسائل والانتقادات هي مما دفع بقادة الدول الحليفة إلى محاولة تكييف بعض سياساتها بما يتماشى والتغيير السياسي الذي حدث في واشنطن، الأمر الذي يؤكد محافظة الولايات المتحدة على وزنها الكبير في السياسة الدولية، على رغم كل التحديات التي تشكلها القوى الصاعدة كالصين وروسيا وإيران وغيرها. بالمقابل نلاحظ أن أوروبا مستمرة في فقدان وزنها في السياسة الدولية، الأمر الذي أكثر ما لاحظناه في فرنسا حيث حاول ماكرون، منذ بداية عهده، أن يتظاهر وكأنه رئيس دولة عظمى لها وزن في المعادلات الدولية. حتى ألمانيا غير قادرة على ترجمة وزنها الاقتصادي إلى وزن سياسي راجح ودور مبادر وفعال.

الولايات المتحدة بإدارة بايدن، وعلى رغم ما ذكرناه من قدرتها على تحقيق أهدافها بلا أي جهد، كما توضح بعض الأمثلة فوق، لا تتصرف وكأنها القوة العظمى الوحيدة، بل تنحى أكثر إلى توطيد العلاقات مع الدول الحليفة، في أوروبا وبشكل خاص في آسيا، لمواجهة التمدد الصيني من غير المغامرة باتجاه الانزلاق إلى مواجهة عسكرية لا يريدها أحد. ومن المحتمل أن السعي الأمريكي إلى العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران يدخل، في أحد وجوهه، أيضاً في إطار تطويق التمدد الصيني الذي وصل إلى طهران عبر اتفاق التعاون الاستراتيجي بينهما.

ماذا عن سوريا؟

كتب وقيل الكثير عن استمرار الغموض في سياسة بايدن تجاه المشكلة السورية على رغم انقضاء خمسة أشهر على بداية ولاية بايدن. من المحتمل أن الأمر يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه روسيا (وإيران وتركيا) أكثر مما يمكن أن يكون سياسة متسقة بشأن سوريا بذاتها. هذا ما يفسر الاستمرارية في السياسة تجاه المشكلة السورية في عهدي ترامب وبايدن، بمفرداتها المعروفة: الحرب على داعش، دعم قوات سوريا الديمقراطية من خلال الاحتفاظ بقوة عسكرية رمزية في شرق الفرات، عدم الاعتراف بشرعية نظام بشار ومواصلة تطبيق العقوبات عليه، التوكيد على وجوب تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا. بخلاف عهد ترامب يبدو بايدن وفريقه أكثر تشدداً ضد روسيا بوتين، الأمر الذي بلغ حدود طرد دبلوماسيين. يتعارض هذا مع التوقعات العامة بخصوص سياسة أكثر انضباطاً بالقياس إلى عهد ترامب.

يمكننا إذن قراءة «السياسة السورية» لإدارة بايدن بدلالة مسالك واشنطن المحتملة تجاه القوى المتدخلة في الصراع السوري: روسيا وإيران وتركيا، وبدرجة أقل إسرائيل. التشدد الأمريكي ضد روسيا لا يمكن ترجمته في سوريا إلا بالاستمرار في سياسة منع التصادم العسكري بين قوات الطرفين. كان لافتاً، في هذا الإطار، التحرش الروسي بدورية أمريكية على الطريق m4 قبل أيام، وهو ما يمكن تفسيره بأنه نوع من «استدراج عروض» روسي. فإذا كانت سوريا غير موجودة على قائمة الأولويات الأمريكية، فهي تحتل مركزاً متقدماً على القائمة الروسية. روسيا بوتين تسعى بقوة إلى استدراج الأمريكيين لتفاهمات بشأن سوريا، في حين تكتفي واشنطن بما لديها، وليست على عجلة من أمرها كروسيا التي تريد إنهاء الصراع واستعادة الاستقرار، وصولاً إلى إخراج القوات الأجنبية من الأراضي السورية، وبخاصة الأمريكية.

أما إيران، فأولوية واشنطن هي العودة إلى الاتفاق النووي معها، وما يعنيه ذلك من عدم اكتراثها بإخراج الميليشيات التابعة لها من سوريا، برغم الضغوط الإسرائيلية والعربية المطالبة بذلك. من المحتمل أن يشكل استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا بديلاً عن أي جهد أمريكي يخص تقليص النفوذ الإيراني فيها. تلك الضربات التي لا فضل لواشنطن فيها، على أي حال، بل يعود الفضل فيها إلى روسيا.

بالنسبة لتركيا، من المتوقع أن يستمر الضغط الأمريكي الناعم على الرئيس أردوغان، كحاله منذ بداية ولاية بايدن. بايدن الذي اتصل بكل رؤساء الدول شاكراً تهنئتهم له، أخر اتصاله بنظيره التركي إلى 23 نيسان حين أبلغه بأنه سيعترف، في اليوم التالي، بالإبادة الأرمنية. وكان لافتاً أن رد أنقرة على هذا الاعتراف كان باهتاً جداً بالقياس إلى سوابق مماثلة بالنسبة لدول أوروبية. وبالنسبة لسوريا، لا تعتبر واشنطن نفسها معنية بالوجود العسكري التركي في إدلب وعفرين وريف حلب الشمالي، لكنها معنية حين يتعلق الأمر بشرقي الفرات حيث الوجود العسكري الأمريكي. وهنا ليس من المتوقع أن تطلب واشنطن من تركيا انسحاباً عسكرياً، لكنها لن تسمح أيضاً بتمددها. ثمة اجتماع مقرر بين بايدن وأردوغان، في الرابع عشر من شهر حزيران القادم، على هامش اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل، من المحتمل أن يشكل فرصة لوضع إطار للعلاقات بين البلدين يشمل مختلف جوانبها، بما في ذلك وسائل معالجة القضايا الخلافية. أما بشار الكيماوي فهو قلق بشأن اقتراع عمه رفعت في باريس: ترى هل أعطى صوته لأحد منافسيه، عبد الله سلوم أو محمود المرعي، أم انتهى إلى مبايعته بعد طول اعتراض؟

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

تداعيات الخلاف التركي-الأمريكي على الملف السوري/ مالِك الحافظ

في 24 أبريل الماضي، اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ “الإبادة الجماعية للأرمن” في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية، ما أثار موجة غضب شديدة في تركيا. ومع أن الاعتراف الأمريكي بإبادة الأرمن ليس مُلزِماً قانونياً، إلا أن له رمزية سياسية كبيرة قد تدفع إلى زيادة توتر العلاقات التركية-الأمريكية مستقبلاً، وعلى نحو ينعكس سلباً على ملفات مشتركة عدة، قد لا يكون الملف السوري ودور كلٍّ من الجانبين فيه، آخِرها.

فجوة آخذة في الاتساع

رغم وجود محددات للتعاون المشترك بين واشنطن وأنقرة، لا سيما شراكة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي الدعامة الرئيسة التي تقوم عليها علاقات التعاون بين البلدين، إلا أن الشرخ بينهما بات يتعمق أكثر، سواء بسبب التصدُّعات المحتملة بعد الاعتراف بـ “الإبادة الجماعية” بحق الأرمن، أو بسبب الخلافات الأمريكية التركية الأخرى المُرجَّح اتساع هوتها، لا سيما فيما يتصل بالتفاهمات الروسية مع تركيا وصفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية (إس-400)، وهو ما يُهدِّد تركيا بفقد العديد من المزايا الأمنية والعسكرية التي تتمتع بها.

وهناك حالياً عددٌ من الملفات التي تقف أمامها عَقَبةُ التباعُد الأمريكي-التركي في سوريا، لعل أهمها الخلاف التركي مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ “حزب العمال” الكردستاني في سوريا، وهو التنظيم الذي تضعه أنقره في قائمة الإرهاب. ومع تزايد هوّة التباعد بين الجانبين الأمريكي والتركي فإن محددات الاستقرار في مناطق شمال شرق سوريا ستكون أصعب من ذي قبل، لا سيما أن قوات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة المسماة “الجيش الوطني”، هي في حالة اشتباك شبه دائم مع “قسد” في خطوط تماس عديدة، خصوصاً وأنهم يتجاورون في منطقة عمليات “نبع السلام” التركية بعد سيطرة الجيش التركي والمعارضة العسكرية المدعومة منه في أكتوبر 2019، على مدن رأس العين وتل أبيض والمناطق التي تتبع لهما إدارياً في ذلك الوقت. وفي حين ترى قوات “قسد” أنها يجب أن تستعيد تلك المناطق التي كانت تحت سيطرتها، كما هو حال عفرين أيضاً التي سيطرت عليها تركيا عام 2018، فإن الأخيرة ترى أن بإمكانها التقدُّم جنوب “نبع السلام” والسيطرة على مناطق جديدة في محافظات الحسكة والرقة.

وهذا يعني أن الخلاف الأمريكي-التركي بشأن قضية أكراد سوريا قابل للتوسُّع بصورة أكبر، في ظل استمرار دعم واشنطن لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، وذراعها الإداري المدني “الإدارة الذاتية الكردية”، وتوجه إدارة الرئيس بايدن إلى زيادة دعمها للأكراد سياسياً وعسكرياً. وكان بايدن الذي يملك موقفاً متشدداً من تركيا قد أعلن خلال حملته الانتخابية، أنه سيرفع من مستوى تأييده للأكراد السوريين.

كذلك، فإن الحوار الكردي-الكردي الذي كانت تعوّل عليه واشنطن للانطلاق منه نحو حوار كردي-عربي، من أجل ضبط أمن المنطقة هناك وتأمين استقرارها والتخلص نهائياً من ملف مكافحة “داعش”، بات ذلك الحوار في نقطة بعيدة أكثر من أي وقت مضى، لا سيما أن عجلة الحوار كانت متوقفة منذ ما قبل وصول إدارة الرئيس بايدن، في حين أن “المجلس الوطني الكردي”، أحد طرفي الحوار، له علاقات جيدة مع تركيا الذي تدعمه سياسياً، ما يعني أن الحوار سيتأثر بشكل يعيده خطوات للوراء، وربما يعود إلى المربع الأول.

ومن المتوقع أن يتعرقل ملف مكافحة الإرهاب، سواء في الشمال الشرقي أو الشمال الغربي من سوريا، حيث سيؤدي التوتر في مناطق التماس بين قوات “الجيش الوطني” وقوات “قسد” إلى توسيع الخناق على عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي وخلاياه النائمة في شمال شرق سوريا، بالتزامن مع تأليب بعض من المجتمع العربي في المنطقة التي تسود فيها السلطة لـ “قسد”، والذين يرفضون وجود الأخيرة ويتلقون دعماً سياسياً أيضاً من تركيا.

ويبدو أن نطاق محاربة القوى الإرهابية في الشمال الغربي من سوريا، سيكون أمراً خارج إطار أي بحث وتنسيق مشترك بين واشنطن وأنقرة. فرغم أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب استطاعت توجيه ضربات مؤثرة لتلك القوى، إلا أن تركيا ماطلت في إنهاء هذا الملف بحكم نفوذها على الأرض هناك وتوافقها البيني مع روسيا، ومن شأن تزايد التوترات الأمريكية-التركية أن يدفع أنقرة إلى عقد تفاهمات أعمق مع روسيا، قد تُفضي إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، إلى حين التوافق على صيغة تُناسب الجميع، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تأخير معالجة هذا الملف.

وبينما قد تبدو احتمالات تخطي عقوبات قانون “قيصر” الأمريكي مستبعدة في ظل التوترات القائمة بين واشنطن وأنقرة، فإنه يمكن اعتبار المسعى الروسي بفتح معابر بين مناطق سيطرة حكومة دمشق ومناطق سيطرة المعارضة لاستغلالها تجارياً مؤخراً بمثابة خطوة أولى على طريق تفعيل هذه المعابر بشكل ثنائي بين الروس والأتراك، والبدء بالنقل التجاري عبرها، ما قد يُساعد دمشق مستقبلاً على تجاوز العقوبات وتأمين المواد والسلع الضرورية، فضلاً عن توفير العملات الأجنبية، وتمرير بعض المواد إلى أسواق الشمال السوري، ومنها إلى دول مجاورة. وفي جانب مواز، قد يساعد ذلك الروس على تفعيل خطوط النقل التجاري على امتداد الطرق الدولية “إم 5” و “إم 4″، ومن ثمّ تعميق سيطرتها على محيط هذه الطرق وامتداداتها.

تصعيد أمريكي محتمل

ترغب الولايات المتحدة في تحجيم الدور الروسي في سوريا، إلا أن هذه الرغبة قد تصطدم بعدة عراقيل أهمها توتر العلاقات مع أنقرة، لا سيما في ظل التقارب المتزايد بين تركيا وروسيا. ولهذا تسعى إدارة بايدن إلى ممارسة مزيد من الضغط على تركيا لتحصيل مكاسب في الملف السوري، قد يتمثل أبرزها في كبح اندفاعة أنقرة نحو تنفيذ عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مناطق الشرق السوري.

ولعل من بين أهداف اعتراف إدارة بايدن بـ “الإبادة الجماعية للأرمن”، مُمارسة أكبر قدر من الضغط السياسي على أنقرة التي تواصل اندفاعتها لتعميق علاقاتها مع موسكو، بدلاً من الابتعاد عنها، وهو ما كانت تخشاه الولايات المتحدة، وتختبر نوايا أنقرة حوله، ما يعني أن واشنطن لم تعد اليوم ترى في تركيا حليفاً استراتيجياً، يقوم بدور مهم في حماية المنطقة من الاختراق الروسي والتمدد الإيراني. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تُعيد إدارة بايدن تقييم الامتيازات التي منحتها إدارة الرئيس ترامب للحكومة التركية بهدف إبعادها عن موسكو، وبموجبها أعطت الضوء الأخضر للتحرك العسكري التركي في أذربيجان وليبيا.

وقد أثار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في شهر فبراير الفائت، اهتمام العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين خلال جلسة تثبيته في منصب وزير الخارجية من خلال حديثه عن تركيا، باعتبارها “شريكاً استراتيجياً مزعوماً لا يتصرف في نواح كثيرة كحليف”. وبالتوازي مع ذلك، نادى أعضاء في “الكونغرس” الأمريكي، من اليمين واليسار على حدٍّ سواء، باعتماد خطٍّ أكثر تشدداً تجاه أنقرة، وكتب 54 من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الرئيس بايدن في ذلك الوقت، يدعونه إلى اعتماد نبرة أقوى مع نظيره التركي في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان.

وفضلاً عن ذلك، فإن الإجراءات الأمريكية العقابية ضد “بنك خلق”، أحد أكبر المصارف التركية، لانتهاكه العقوبات المفروضة على إيران، ستشكل أيضاً دافعاً إضافياً لتوتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة. ومع أن زيادة العقوبات قد لا تتصل بالضرورة بالتوتر الحاصل جراء الاعتراف بـ “الإبادة الجماعية للأرمن”، إلا أن موقف واشنطن لم يتغير مع قدوم بايدن، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي، في 5 فبراير الماضي، أن الولايات المتحدة تُعيد تأكيد رغبتها في تخلي تركيا عن منظومة الصواريخ الروسية، وأن ذلك لا يتوافق مع التزاماتها بوصفها حليفاً للولايات المتحدة وشريكاً أساسياً في حلف الناتو، وهو ما يعزز إمكانية زيادة التوتر بين البلدين خلال المدى القريب، لا سيما مع تصريحات بايدن أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، التي تعهَّد فيها بعودة التحالف بين ضفتي الأطلسي، ما يعني عودة واشنطن إلى إحياء الحلف ودوره، وفي نهاية المطاف، قد يعني ذلك فرض مزيد من العقوبات على أنقرة ومحاسبتها نتيجة الصفقة الدفاعية مع روسيا.

——————————

فجوة بين طموحات المعارضة الإيرانية والاستراتيجية الأميركية: واشنطن وطهران.. تأديب للنظام وضجيج عقوبات/ روشن قاسم

أربيل: «لا يعني عندما نسلط الضوء على ذاكرة العلاقات بين الطرفين، أن نسمح لليأس بالتخييم علينا، وتقييدنا عن المضي في رحلة الخلاص من هذا النظام، نسبة الإحباط في الذاكرة المخزنة، بالتأكيد كدست أكواما من الخيبة وعدم الثقة لدى الشعوب في إيران من المواقف الدولية، الإحباط والقمع أصبحا حليفين متلازمين ضدها، لكن أيضا يبقى أن الرهان الوحيد الذي يمكن التعويل عليه هو نضال هذه الشعوب دون استثناء».الحديث لسوران بالاني الناشط السياسي والمعارض لنظام الملالي، ورغم أنه فتح عينيه في هذه الدنيا على أرض ليست أرضه، فقد ولد منفيا، وترعرع معارضا، قناعته راسخة بأنه سيعود إلى كردستان أو (روزهلات) المحتلة من قبل النظام الإيراني كما يطلق عليها.

أما مناسبة الحديث مع بالاني فهو ما جرى الحديث عنه مؤخرا في أروقة الكونغرس الأميركي عن مشروع القرار رقم (HR 118)، والذي يدعم رغبة الشعب الإيراني في جمهورية إيرانية ديمقراطية علمانية وغير نووية.

المشروع ليس بالجديد المطلق، يقول بالاني الذي سبق وشارك في دورة «قياديون شباب لمستقبل الشرق الأوسط»الذي رعته الخارجية الأميركية، إن «الدعم الخارجي، ووقوف المجتمع الدولي مع الشعوب غير الفارسية في إيران أو مع الفرس… أي مع المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، ومع الحركات التحررية القومية وأجنحتها المسلحة، مهم جدا وسيساعد في الضغط على النظام الإيراني، لإسقاطه أو إضعافه أكثر».

مجرد تأديب لسلوك النظام

ويستدرك بالاني لـ«المجلة»، قائلا: «على طول السنوات السابقة لم يتخذ الأميركيون موقفا حاسما ضد النظام الإيراني والتدخلات الإيرانية في دول المنطقة والمشاريع التوسعية وانتهاكات حقوق الانسان، وكلما كان يتم فرض عقوبات على النظام الإيراني، كان يعلن أن الهدف هو تأديب النظام وتغيير سلوكه، وليس اتخاذ قرار بإسقاط النظام، أو دعم المعارضة الإيرانية أو الحركات التحررية للشعوب غير الفارسية لنيل حقوقها»، مضيفا: «أي قرار ضد النظام الإيراني مرحب به من قبل الأحزاب الكردية في إيران ومن قبل جميع أطراف المعارضة من الفرس والشعوب الأخرى في إيران والمعارضة في الداخل، في النهاية بقاء النظام الإيراني خطر على المواطنين في الداخل، على كافة الشعوب في إيران، وخطر على دول وشعوب المنطقة والعالم ومخاطره تزداد يوما بعد يوم».

ويلفت إلى أن «أحزاب الحركة التحررية في كردستان الشرقية، حاولوا بعد مجيء الأميركان إلى أفغانستان والعراق الحصول على دعم أميركي حقيقي، كان هناك أمل للكرد في كردستان إيران وباقي الحركات التحررية القومية وأحزاب المعارضة بأن تدعمهم أميركا لإسقاط النظام الإيراني، ولكن مع الأسف الشديد بعد قرار الانسحاب من كل من أفغانستان والعراق تضاءل الأمل في أن يغير الأميركان استراتيجيتهم حول إيران»، مشيرا إلى أن «المعارضة الكردية موجودة في المناطق الحدودية ولديها معسكرات تدريبية ولديها مقاتلون وشبكات واسعة من التنظيمات الداخلية، فالأحزاب الرئيسية تمتلك جميعها أجنحة مسلحة تواصل معاركها وهجماتها المسلحة ضد الحرس الثوري والأجهزة الأمنية الإيرانية ومرات عدة انتفضت كردستان وشهدت احتجاجات شعبية، وتعرضت لأبشع أنواع القمع، ما يعني أن الأحزاب الكردية فاعلة بشكل حقيقي على الأرض وقادرة على إحداث التغيير»، مستدركا: «لكن لحد اليوم تقتصر علاقات الأحزاب الكردية في إيران على شخصيات من الكونغرس الأميركي، وموظفين بوزارة الخارجية أو لديها علاقات على مستوى القنصليات، وعلى مستوى المنظمات الحقوقية»، ملقيا بعض اللوم على الحركة الكردية في كردستان إيران، التي لم تنجح برأيه في أن يكون لديها «تمثيل للخطاب السياسي الكردي في أميركا وتوحيد الخطاب، فلو نجح الكرد في ذلك لكان له تأثير أكبر في أروقة السياسة الأميركية وبالتالي إيصال الصوت الكردي والانتهاكات التي تمارس بحقهم من قبل النظام الإيراني إلى مراكز القرار في أميركا والإعلام الأميركي والمراكز الاستراتيجية والدراسات والمؤسسات المؤثرة في القرار السياسي».

وفي أبريل (نيسان) 2021 وقّع أكثر من 220 نائبا بالكونغرس الأميركي على مشروع القرار رقم(HR 118)، الذي يدعم رغبة الشعب الإيراني في جمهورية إيرانية ديمقراطية علمانية وغير نووية، ويدين انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب الذي يرعاه النظام في إيران، ويطالب إدارة جو بايدن بمحاسبة النظام الإيراني على قمع شعبه ورعاية الإرهاب.

وبحسب الموقعين، فإن «مشروع القرار (HR 118) يبعث رسالة عاجلة لإدارة الرئيس بايدن خلال أول مائة يوم لها، مفادها أن الكونغرس يريد محاسبة النظام الإيراني الفاسد على جرائمه ضد شعبه ورعايته المستمرة للإرهاب العالمي»، مذكرا بـ«الاحتجاجات الأخيرة في إيران، وقمع النظام للمظاهرات، وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران».

المعارضة… خارطة غير متآلفة

بالتأكيد للديموغرافيا الإيرانية أثرها على البيئة السياسية، فالخريطة السكانية لبلد ما تعطي رؤية عميقة للصراعات السياسية في هذا البلد.

وانطلاقا من الجغرافيا البشرية التي هي في الأساس أحد مناهج التحليل السياسي والتي تعطي منظورا مهما للأحداث، وكيفة التعاطي معه، فهناك ما يصل إلى الاختلافات الجذرية في أهداف ومشاريع المعارضين للنظام، وبالتالي إنتاج خارطة غير متآلفة.

وبحسب بالاني، فإن وجود تيارات مختلفة من المعارضة الإيرانية أفشل مساعي توحيد الخطاب، ففي الوقت الذي تطالب فيه الشعوب غير الفارسية مرارا في مؤتمراتها المنعقدة في المنفى، بالفيدرالية، نجد مثلا أن مجاهدي خلق ضد هذا الشعار بأي شكل من الأشكال، بل تعتبره بداية مشاريع انفصال، ليعود ويقول «الإدارة الأميركية ليس لديها برنامج توحيد المعارضة».

ولكن هناك من يرى أن أي مشروع لدعم تغيير النظام هو محل ترحيب، ويمكن التعويل عليه، سعيد حميدان رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز يعلق قائلا: «حركتنا تعول على هذه المبادرة بشكل كبير وتحترم وتتفاعل مع المبادرة بكشل إيجابي لغرض خلاص شعوب المنظقة والعالم والشعوب القاطنة ضمن الجغرافيا السياسية في إيران من هذا النظام الإيراني».

خلاف على حق تقرير المصير

ويضيف حميدان لـ«المجلة»:«حاليا منذ عقود قريبة تفككت الجغرافيا الإيرانية، سياسيا وضمنيا وديموغرافيا، وعلى ضوء ما تقدم، وضمن رؤيتنا كحركة النضال العربي لتحرير الأحواز والشعوب غير الفارسية، كان هنالك تضليل إعلامي كبير ومؤثر، تارة دبلوماسيا، وتارة اقتصاديا، وتارة في التلويح بالعصي لإغلاق المنفذ الرئيسي لطاقة العالم في الخليج العربي، وتارة باحتلال منابع النفط في الخليج العربي وباقي الدول العربية، وكان تأثير اللوبي الإيراني في داخل الولايات الأميركية تاثيرا واضحا في إرساء هذه المفاهيم الخطأ، وكانت تؤثر في القرارات لصناع القرار بهذه الأمور»، منوها «نحن على تواصل مستمر ونبني الرؤى بشكل مشترك، رغم تعدد الشعوب المعارضة للنظام الإيراني وأيضا وجود بسيط من الفرس المتمثلين في مجاهدي خلق كما تتفق كل الشعوب وبما فيهم الفرس الذين يمثلون أقل من 20 في المائة، والعرب في الأحواز 18 في المائة الذين يسيطرون على اقتصاد إيران ومنابع النفط والغاز في الجغرافيا الإيرانية وإطلالتهم على الخليج العربي ومضيق باب السلام المعروف بهرمز، وأيضا الشعب البلوشي وأذربيجان الجنوبي والكرد، جميعهم يتفقون على مرحلة إسقاط النظام الإرهابي الإيراني وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حق تقرير المصير للشعوب القاطنة ضمن الجغرافيا الإيرانية، وعدم تدخلها في شؤون الدول المجاورة والمنطقة واحترام سيادة الدول وتطبيق القوانين الدولية، ولذلك نعم نرى هذه التركيبة قادرة على أن تكون بديلا للنظام الحالي وإراحة العالم من شرور وإرهاب النظام الإيراني».

ويتابع قائلا:«خلال حوارنا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمسنا منهم رؤية وتأييدا للخلاص من نظام الملالي، وعلى ضوء ما تقدم تم تأسيس، وولادة تحالف باسم (تحالف الشعوب المتضررة من الإرهاب الإيراني) الذي يضم شعوبا داخل إيران وشعوبا تم احتلال أراضيها من قبل النظام الإيراني وشعوب العالم المتضررة من إرهابه، ليكون نواة تنطلق وتتزامن مع الاستراتيجية والرؤيا الأميركية لإسقاط النظام الإرهابي الحالي».

ويضيف: «رؤيتنا في إعطاء الضمانات المستقبلية هي وحدة الرؤى بين الشعوب ضمن إطار وحدة المصير ووحدة العيش المشترك تحت خيمة النظام العالمي ومقاييس الأمم المتحدة وقيم الديمقراطية».

ويشير قائلا: «نحن تبنينا مشروعا لتوحيد تلك الحركات والتنظيمات، وكما أسلفنا بتحالف سميناه (تحالف الشعوب المتضررة من الإرهاب الإيراني) والكل ينضوي تحت خيمة هذا التحالف ويدلو بدلوه تحت شعار إسقاط النظام الإيراني، وإقرار حق تقرير المصير للشعوب داخل الجغرافيا الإيرانية، وبعد إسقاط هذا النظام في ظل دعم دولي».

ويلفت إلى أن «الشعوب غير الفارسية تعاني من التنظيمات والأحزاب الفارسية بسبب نظرتها الخاطئة والمتشددة وموقفها المسبق حول حقوق الشعوب غير الفارسية، ولكن هنالك نقاط التقاء كبيرة وكثيرة مغيبة عنهم، وأهم نقاط الالتقاء هو الاتفاق على إسقاط نظام الملالي، وبناء مستقبل زاهر لشعوب إيران بعد إسقاط النظام والمشاركة في السلم والأمن العالمي والحفاظ على انسيابية التجارة العالمية، كما نرى أن أحد أهم مواضع الخلاف هي عدم إقرارهم حق تقرير المصير للشعوب غير الفارسية»، مضيفا: «انطلاقا لمصيرنا المشترك والتعايش السلمي والجوار التاريخي بين تلك الشعوب تكون علاقتنا علاقة استراتيجية ومصيرية وبمسافة واحدة من الجميع، خدمة لمصالح شعوبنا وهذا يجعلنا نخطو خطوات مشتركة لمواجهة التحديات من هذا النظام الشمولي، في النهاية الكل يجب أن يحترم حق تقرير المصير للشعوب غير الفارسية، الشعوب التي لا تمتلك لا ثرواتها الطبيعية ولا مصيرها السياسي».

مما تقدم يبدو أن العلاقة الأميركية مع المعارضة (السياسية والتحررية) في إيران، كانت خجولة، حيث لم تترجم فعليا لحد اليوم إلى ورقة عمل لترتيب المعارضة وتنظيمها، إلا من خلال مشروع يتيم أطلق العنان له نواب في الكونغرس الأميركي أول مرة في السنة الأخيرة في ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقبل يوم من مرور 100 يوم لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

الرهائن الأميركيين في يد المتظاهرين

علاقات خجولة

هذا بالضبط ما يراه الناشط ملا مجيد البلوشي من خلال قوله: «لا توجد أي علاقة أميركية مع الحركات التحررية بطريقة مباشرة، وإنما هناك تعاطف بعض أعضاء الكونغرس، أو أعضاء مجلس الشيوخ السابقين، وطبعا تعاطفهم لا يعني رؤية السياسة الخارجية، ولكن لهم علاقات مع الحركات التي تطالب بإسقاط النظام مثل حزب مجاهدي خلق أو حزب الملكيين اتباع الشاه، لأن الدول الأوروبية ضد تفكيك إيران بحجه أنه في حال تفككت إيران ستكون الفرصة متاحة لظهور جماعات إسلامية متشددة، وهناك مطالبات للحركات القومية مثل الكرد والبلوش والأحواز بالانضمام إلى الحركات المعارضة المطالبة بإسقاط النظام الإيراني وإنشاء دولة فيدرالية».

ويضيف البلوشي في تصريح مقتضب لـ«المجلة»:«هناك سؤال مطروح: ما هي الضمانات الدولية في حال سقوط النظام، هل سيتم منح الشعوب الحكم الذاتي أو الفيدرالية، البلوش مقموعون كغيرهم، مقموعون بشكل مضاعف، فالبلوش غالبيتهم سنّة ولكن غير متشددين، يمثلهم حزب الشعب البلوشي، مطالبهم حكم فيدرالي وعلاقتهم ممتازة مع جميع الحركات المعارضة»، مشيرا إلى أن «البلوش يشاركون في كل مؤتمرات المعارضة، أما بخصوص مجاهدي خلق فيوجد بلوش في الحزب، وأما كعلاقات الأحزاب البلوشية مع مجاهدي خلق فلا توجد ولكن كاتصالات شخصية»، مؤكدا في ختام تصريحه أن «السياسة الأميركية لا يمكن الوثوق بها».

من القائمة السوداء إلى صدارة قائمة العلاقات

هناك تيارات معارضة تخالف قناعة البلوش، بل يعول على التغيير في الاستراتيجية الأميركية حول إيران، منذ شطبها عام 2012 من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التي أنشأتها واشنطن، حيث استفادت منظمة مجاهدي خلق من قدرتها على العمل بشكل قانوني في الولايات المتحدة والعداء المتزايد ضد حكومة إيران لجذب المشرّعين.

وفي 17 يوليو (تموز) 2020، عقدت منظمة مجاهدي خلق مؤتمرها السنوي لكن بزخم غير مسبوق، شارك ما يقرب من 1000 شخصية سياسية بارزة، من خمس قارات في المؤتمر، واعتبر أوسع نشاط للمعارضة الإيرانية، وخاصة الدعم الواسع للحضور الأميركي والأوروبي، ما فهمه البعض على أنه إشارة إيجابية للمعارضة بأن الإدارة الأميركية تخلصت من عقدها تجاه المعارضة وملاحظاتها التاريخية عليها.

جون بولتون المستشار السابق للأمن القومي، ومعه المحامي الشخصي للرئيس ترامب رودولف جولياني، وغيرهم من الشخصيات المعنية بمراكز القرار، أيدت مشروع منظمة مجاهدي خلق لإسقاط النظام، هذا لا يعني أن كفتهم رجحت على أجنحة أخرى في أروقة الكونغرس تدعم عودة منطق الشاه من جديد ومشروع إحياء الملكية وإنتاج شاه جديد، والمعضلة ليست في الولاء للبيت الأبيض، فهذا أمر مضمون من جميع التيارات المعارضة الإيرانية، لكن العبرة في أولويات الاستراتيجية الأميركية حول إيران.

وفي 9/ 1/ 2020، أي بعد أسبوع من قيام الولايات المتحدة بتصفية قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، أصدر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، تعميماً على الدبلوماسيين يقضي بعدم التعامل مع 6 منظمات إيرانية معارضة.

وفي البرقية، ووفقاً لموقع «بلومبرغ»الأميركي، أمر بومبيو الدبلوماسيين الأميركيين بتقييد أي اتصال مع جماعات المعارضة الإيرانية، وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق، وذراعها السياسية (المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية).

أما المنظمات الخمس الإيرانية المعارضة الأخرى، فقد شملت بعض أحزاب القوميات الكردية والأذرية والعربية، وهي: حزب كومله الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، والحركة القومية لتحرير أذربيجان الجنوبية.

تساؤلات حول ثقل معارضة المنفى في الداخل الإيراني

يجيب مدير وحدة البحوث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية دكتور فتحي المراغي، على سؤال «المجلة»، حول إمكانية مراهنة الإدارة الأميركية على المعارضة الإيرانية لإحداث تغيير من الداخل، خاصة أن العلاقات بين البلدين مبتورة دبلوماسيا، تخللها ضجيج عقوبات يصلح عنوانا لحقبة بدأت من عام 1979 حتى يومنا هذا، أي من تاريخ سيطرة الخميني على إيران واقتحام مجموعة من الطلاب الثوريين مبنى السفارة الأميركية لدى طهران في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979 واحتجازهم 52 عنصرا من موظفي ودبلوماسيي البعثة الأميركية لمدة 444 يوما، في عهد رئاسة الديمقراطي جيمي كارتر في الولايات المتحدة، فيما عرف حينها بأزمة الرهائن، وقامت إدارة كارتر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران واحتجاز أصولها وفرض حظر على التجارة مع طهران.

يقول الدكتور فتحي المراغي في معرض إجابته، إن «تجربة الشعب الإيراني مع الانقلابات المدعومة خارجيا كانت مكثفة وحاضرة في العقلية الإيرانية بقوة، بدءا من الثورة الدستورية ثم الانقلاب على مصدق وحتى في كثير من تفاصيل ثورة 1979م. البعض يرى أن وجود مثل هذه التجارب يشير إلى إمكانية تكرار الحدوث وإن اعتماد فصيل معارض سواء في الداخل أو الخارج على قوة خارجية يمكن أن يطيح بنظام الحكم في إيران».

ويستدرك المراغي قائلا: «لكني أرى العكس تماما لأن النظام الإيراني الحالي يتمتع بنخبة سياسية من الجيل الأول، اختبرت العمل الثوري المسلح والسلمي على حد سواء كما كان معظمها أعضاء في ميليشيات مسلحة وساهمت في إسقاط نظام الشاه، هذه الخبرة أتاحت قدرة عالية للنظام الإيراني على مواجهة جميع أنواع المعارضة المدعومة من الخارج، كما أن تكثيف التثقيف الثوري وغزارة التوجيه المعنوي والإعلامي يجعل الرأي العام الإيراني يرفض أي معارضة مدعومة خارجيا، مثلما حدث مع مجاهدي خلق عندما دعمت من نظام صدام حسين، أو ما يحدث حاليا مع المعارضة الإيرانية التي تدعو لعودة الملكية لإيران».

ويلفت إلى أن «ما يستهدفه أصحاب هذا التوجه في الولايات المتحدة هو إحداث ثورة شعبية داخل إيران، والثورات الشعبية لا تحدث إلا بعد اعتقاد الناس بفقد النظام الحاكم القدرة على الحفاظ على الأرواح أو المعتقدات أو الأرزاق، بمعني آخر طالما أن المواطنين الإيرانيين قادرون على توفير احتياجاتهم الأولية ولا شيء يهدد أرواحهم دون تمييز من قبيل القمع الأمني الموسع المفضي للموت، وما زال النظام الإيراني يرى أنه يحترم معتقداته الدينية ولا يحاربها، ولذا فلن تقوم ثورة شعبية في إيران»، ومن غير المستبعد في الوقت نفسه «الرهان على المعارضة والتغيير من الداخل في حالة تمادي النظام الحاكم في أخطائه، وليس بفضل الدعم الخارجي للمعارضة».

ويرى أن «الدعم الخارجي يؤدي إلى نتيجة عكسية تماما بحيث يزيد من التماسك الوطني ويجعل الرأي العام الإيراني رافضا لتيارات المعارضة هذه، ومن ثم المعارضة الداخلية وحدها هي القادرة على الإطاحة بالنظام، ولا يمكن أن تسهم المعارضة الخارجية في شيء إلا فيما يتعلق بالكشف عن جرائم النظام الإيراني فقط، أما ممارسة دور على الأرض فلا أعتقد أن لديها القدرة على ذلك ولن يرحب بدورها على المستوى الشعبي إن أقدمت عليه»..

ويضيف: «دائما ما كانت الولايات المتحدة ما تستهل التواصل مع المعارضة بالمنفى وعلى مدار عقود لم تحقق نجاحا يذكر من خلال هذه السياسات، حتى إن معارضة المنفى بدأت تستشعر الضجر من قبل الولايات المتحدة مع تصاعد تساؤلات حول ثقل معارضة المنفى في الداخل الإيراني، حتى بدأت معارضة المنفى القيام ببعض الاستعراضات في الداخل من قبيل رفع الأعلام خلسة، أو تعليق بعض اللافتات أثناء الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بكثافة خلال السنوات الأخيرة الماضية، لكن مع هذا لا يمكن القول إن معارضة المنفى لها تأثير قوي على الشارع الإيراني»، مضيفا «أما المعارضة الخضراء وهي الأقوى في الشارع الإيراني فهي بعيدة إلى حد ما عن متناول الدعم الأميركي كما أن سياسات أحمدي نجاد ومن بعده روحاني أدت إلى تقليص تواجدها إلى حد كبير وينتظر أن تكون أولى مهام الرئيس القادم تفكيك ما تبقى منها والقضاء عليه».

ويشير إلى أن «النظام الإيراني على الرغم من كل المشاكل التي يواجهها خارجيا وداخليا لا زال قادرا على قمع المعارضة بقوة ولا زال الشعب الإيراني لم يصل إلى مرحلة اللاعودة في مسار الاحتجاج الثوري، فالإيرانيون يحتجون بالفعل، وبشكل متكرر، لكنها احتجاجات لم ترتق لمرحلة الثورة، والنظام الإيراني بما لديه من خبرات ثورية وقمعية يستخدم هذه الاحتجاجات في تفريغ الغضب الجماهيري حتى لا تصل إلى مرحلة الثورة الحقيقية، وكذلك في الكشف عن الزعامات المتوسطة والصغيرة في كل موجة احتجاجية لتصفيتها والقضاء عليها».

ويتابع: «لا يمكن الحكم بشكل قاطع على تغير السياسة الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران إلا بعد انتهاء مفاوضات فيينا، لأن المحور الأساسي في السياسة الأميركية تجاه إيران هو أزمة الاتفاق النووي، وهو ما لم يختبر حتى الآن.. صحيح أن هناك إرهاصات لتغير كبير في السياسات الأميركية بحيث يمكن الرجوع لما كان عليه في مرحلة أوباما لكن لا زال هناك عدم وضوح للرؤية لدى الإدارة الأميركية، هم يريدون الاختلاف عن ترامب لكن إرث ترامب يعيقهم عن هذا، كما أن هناك ضغوطا من داخل الولايات المتحدة فضلا عن الضغوط الإقليمية وبخاصة من إسرائيل تمنع الإدارة الأميركية الجديدة من إحداث تغيير جذري في الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران. على كل حال لن يتعدي الأمر بضعة أشهر قليلة حتى تتضح السياسات الأميركية».

بين المعارضة الايرانية والولايات المتحدة

وفي وقت تدور فيه عجلة تمرير مشروع دعم المعارضة الإيرانية، تخوض القوى الدولية مفاوضات مع إيران في فيينا منذ بداية الشهر الجاري، في محاولة لوضع نهاية لبرنامجها النووي، رغم إصرار طهران على تخصيب اليورانيوم وانتهاك كل الاتفاقيات التي وافقت عليها في وقت سابق، كما سحبت إدارة الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 2018.

وفي المفاضلة بين الأولويات ومن زاوية مغايرة يحلل في حوار مطول أجرته «المجلة»مع دكتور محمود حمدي أبو القاسم، مدير وحدة الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الاستراتيجة الأميركية ويقول لـ«المجلة»: «لن تتخلص الولايات المتحدة من النظام الحاكم في إيران إلا إذا كان يمثل تهديدا استراتيجيا لمصالحها، فإيران قضية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة، وهي تدرك أنها تملك القدرة على التحكم في التفاعلات الإقليمية، وعندما يظهر النظام أي تحدٍ حقيقي للولايات المتحدة فحينها قد يكون هناك تصرف آخر».

ويضيف أبو القاسم: «معارضة الداخل تقع تحت تأثير القمع والمواجهة الآيديولوجية مع مؤيدي النظام، فرغم حركات الاحتجاج الواسعة خلال السنوات الماضية فإنها لم تتمكن من فرض أي واقع جديد، وبقدر ما يعطي وجود المعارضة في الخارج مساحات للحركة بحرية ضد النظام، وبعيدا عن أجهزته وأدواته الإكراهية، بقدر ما يجعلها واقعة تحت تأثير سلبي لعاملين مهمين، أولهما مدى صلة أطراف المعارضة بالواقع على الأرض في الداخل، ومدى تأثير الأجندات الخارجية على صورتها ونشاطها ودورها المناهض للنظام الذي تعارضه، فلا شك هناك فجوة ما بين عموم المواطنين الفقراء والمعارضة في الخارج كالفجوة بينهم وبين النظام القائم، لهذا عندما هتف بعض المتظاهرين في مشهد في احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) 2017: «رضا شاه قد تكون روحك في سلام»، ردد متظاهرون آخرون هتاف: «ليس لدينا رغبة في العودة للخلف»، في إشارة إلى رفض أي بدائل رجعية، فالإيرانيون «بصدد البحث عن بديل لكنه لم يتبلور بعد».

كما يشير إلى أن «النظام الإيراني ما يزال قادرا على تشويه معارضة الخارج وتصويرها أنها ضمن مؤامرة دولية تستهدف إيران وأمنها ومكانتها، مستغلا خطاب هذه الأطراف ومطالبها بل ودورها في كشف حقيقة البرنامج النووي في عام 2002، والمطالبة بمزيد من العقوبات والضغوط على إيران، وهو ما قد يعتبره غالبية الإيرانيين خيانة وطنية، إذ في النهاية أي استهداف خارجي يصب فوق رؤوس المواطنين، كما أن الذاكرة الشعبية في إيران متأثرة بالدور الذي لعبته منظمة مجاهدي خلق ضد النظام إبان الثمانينات بالوقوف ضد النظام في حربه ضد العراق، ولا يفوت النظام الفرصة للتذكير بهذا الدور وبمعارضتها المسلحة وأعمالها العنيفة في الداخل».

ويتابع: «كما تعول المعارضة على تبني الولايات المتحدة لسياسة متشددة تؤثر على بقاء النظام في السلطة، لكن هناك فجوة بين طموحات المعارضة والاستراتيجية الأميركية التي تسعى في الأخير إلى تعديل سلوك النظام وليس تغييره، وما الضغوط الأميركية إلا من أجل جلب النظام الإيراني إلى طاولة التفاوض، وعملية التغيير ليست ضمن الموضوعات المطروحة على طاولة التفاوض، إذ تظل مسألة الديمقراطية التي ترفعها المعارضة في الخارج غير مدرجة ضمن أولويات الولايات المتحدة والغرب عموما»، مضيفا: «يمكن القول إن أطراف المعارضة الخارجية- حتى الآن- لم تنجح في القيام بالدور الذي قام به الخميني من قبل ثورة 1979 من الخارج. ربما لأن معارضة الخارج أو أي من رموزها لا يملكون ثقلا حقيقيا على الأرض، حيث يركز خطاب المعارضة في الحقيقة على استهداف النظام والتماهي مع المواقف الغربية والتصعيد في إطارها، لكنه لا يتبنى خطابا واقعيا بحيث يكون معبرا عن مشروع بديل».

وبالعودة إلى الأولويات بالنسبة لأميركا وهي الملف النووي، والصواريخ الباليستية، وسلوك إيران الإقليمي، وشبه غياب لملف الحريات والقمع وحقوق الإنسان، هل يمكن أن تتغير الأولويات من خلال تغيير أوراق الضغط، يجيب قائلا: «إن أول المحبطين من هذا الملف هي المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، حتى في ظل وجود ترامب، حيث اتضح بصورة جلية أن هذا الملف لا يمثل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، فمسألة تغيير النظام مسألة غير واردة بالنسبة للإدارات الأميركية الجمهورية أو الديمقراطية، وهي ليست حاضرة بصورة أو بأخرى إلا في إطار الضغط كما حدث وقت إدارة بوش الابن وكان ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لكن سرعان مع عاد بوش للتعاون مع إيران في العراق وأفغانستان»، مضيفا: «ورغم أن إدارة بايدن تضع ضمن أولوياتها مسألة الديمقراطية من أجل عمل إعادة اصطفاف لتحالفاتها على الساحة الدولية، غير أنها غير قادرة على أن تدفع بهذا الملف قدما للأمام سواء مع إيران أو غيرها، ربما تستجيب الدول بإجراءات شكلية، لكن جوهر المسألة وجوهر التغيير لن يحدث، خصوصا في ظل الحالة الدولية الراهنة التي يرتفع فيها صوت الحكومات بالحفاظ على سيادة الدول ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووجود تيار مناهض للولايات المتحدة تقوده روسيا والصين يحول دون استخدام أي أداة دولية من أجل معاقبة الدول على تجاوزاتها في هذا الملف».

ويستدرك قائلا: «لكن يجب الأخذ بالاعتبار أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ما تزال تحتفظ بسلطة فرض عقوبات دولية تخص انتهاك حقوق الإنسان، وهي ضمن العقوبات غير النووية، بجانب العقوبات التي تخص الإرهاب، لكن لو تساءلنا ما حدود تأثير هذه العقوبات ستكون النتيجة أنه لا شيء، فإيران دولة تخضع منذ أربعين عاما لعقوبات ولم يسهم ذلك في تغيير سلوكها في هذا الإطار، ويعتمد بقاء نظامها بالأساس على القمع والقهر، وليس هناك رفاهية لأن يمنح النظام المجتمع حقوقه لأن في ذلك خطرا كبيرا عليه، كذلك هل تريد الولايات المتحدة إحداث تغيير في إيران، أظن أن هذا ليس ما يشغل الولايات المتحدة، بل إنها تنظر إلى إيران كقوة توازن في المنطقة».

الاتفاق النووي تعزيز للسلوك الإقليمي العدائي

وحول التحدِّيات، التي تواجه إدارة بايدن عند التعامل مع معضلة سلوك إيران الإقليمي خلال المرحلة الراهنة؟ يقول: «المعضلة الأساسية أن فتح إدارة بايدن باب المفاوضات مع إيران، يقلل من حدة تأثير الضغوط على النظام الإيراني، وبالتالي تحرر النظام من القيود التي كان يمكن أن تدفعه لقبول تعديل سلوكه، فالمفاوضات في فيينا تنحصر حول العودة للاتفاق النووي، وترى الولايات المتحدة أن ملف السلوك الإقليمي سوف يأتي فيما بعد، فيما سماه بايدن مفاوضات متابعة ودبلوماسية ذكية، وهنا تظهر المعضلة الثانية وهي أنه بينما تعول الولايات المتحدة على تعديل سلوك إيران من باب التفاهم والانخراط، فإن إيران كما فعلت تماما في 2015 بعد توقيع الاتفاق سوف تعزز من سلوكها الإقليمي العدائي وستعمل على حصد مزيد من المكاسب مستفيدة من الإفراج على عشرات المليارات من أرصدتها وأصولها المجمدة في الخارج، ومن عائدات تصدير النفط وغيرها من المعادن، معضلة ثالثة وهي أن إيران فرضت وجودها ونفوذها على الأرض، وأصبحت شريكة فعلية في القرار في عدد من العواصم العربية، وهي ترى أن نفوذها الإقليمي يأتي من خلال علاقاتها مع بعض الأنظمة والميليشيات والجماعات التي تشارك في السلطة أو تستولي عليها بالقوة، وبينما تحتاج إيران لترى قدرة أكبر على الردع والمواجهة، فإن الولايات المتحدة تتجه نحو الانسحاب من المنطقة، وتريد أن تنقل المهام الأمنية إلى دول المنطقة في ظل انشغالها بمواجهة الصين وروسيا، وتنبثق عن هذه المعضلة معضلة أخرى وهي أن الصين وروسيا ستعملان على ملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة في المنطقة».

ويحذر قائلا: «في حالة فشل الولايات المتحدة في ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بصورة متوازنة وتحقيق مكاسب ومصالح جميع الأطراف من هذا الاتفاق، فإن المنطقة ستكون مرشحة للانفجار، حتى الاتفاق النووي نفسه قد يكون معضلة إقليمية، حيث إن عدم تعديل الاتفاق وتحديدا البنود التي ستسقط تباعا بداية من 2025، قد يعطي إيران ميزة نووية مع الوقت، وهنا قد تفكر العديد من دول المنطقة في الاتجاه لبناء برامج نووية خشية الخلل في التوازن جراء قدرة إيران على امتلاك برنامج نووي متقدم مع الوقت وفرص تحوله من برنامج سلمي إلى عسكري في أي مرحلة، وهو ما يفتح الباب إلى سباق تسلح إقليمي في المستقبل».

دكتور محمود حمدي أبو القاسم

على مقاس ولاية الفقيه

ويؤكد أبو القاسم على أن «سلوك النظام الإيراني يرتكز بالأساس على مبادئ الثورة الإيرانية التي أرساها الخميني، وهذه المبادئ ما تزال هي الموجه الرئيسي لسلوك النظام، فما لم يتغير النظام بصورة جذرية وتنتهي سلطة المرشد الذي يستند إلى تفسيرات دينية في تحديد خيارات الدولة وأولوياتها، فلن يتغير سلوك إيران بصورة حقيقية، حتى لو انتهجت إيران خيارات برغماتية في بعض الأوقات، فحتى هذه الخيارات تأتي في إطار مبدأ النفعية أو التقية الذي يتبناه النظام والذي يجعل من الحفاظ على الجمهورية الإسلامية أولوية، لأن هذه الدولة هي المنوط بها تحقيق الدولة الأممية العابرة للحدود، والتي تسعى للاستقلالية عن هيمنة القوى الكبرى، ومواجهة الولايات المتحدة باعتبارها قوى مستكبرة، بل على العكس التفاهم مع إيران يصب في صالح النظام، وسيتمكن من استعادة شرعيته التي تدهورت خلال السنوات السابقة في ظل العقوبات، وقد يتمكن من تبني سياسة إنعاش اقتصادي داخلية تمكنه من استعادة الرضا الشعبي، وكذلك ستتوفر له وفورات مادية لدعم مشروعه الخارجي، وحتى الحديث عن إصلاحيين ومحافظين في إيران هي مسألة داخلية تحفظ للنظام التوازن وقدرا من حرية الحركة والديمقراطية الشكلية».

ويشدد على أنه «دون ردع لسلوك إيران ولقواتها وميليشياتها فإنها لن تتفاوض بشأن سلوكها الإقليمي، ربما هذه هي النتيجة التي توصل إليها الأوروبيون والأميركيون من خلال تجربة السنوات الست منذ توقيع اتفاق 2015»، موضحا: «الولايات المتحدة بصدد استراتيجية معدلة في الشرق الأوسط تعتمد على نقل عبء المواجهة مع إيران إلى دول المنطقة مع تقديم الدعم لها، ومسألة مواجهة الميليشيات التابعة لإيران تعد إحدى قضايا المتابعة التي ستطرحها الولايات المتحدة مع إيران، وذلك ضمن التفاهمات التي تجرى حاليا في فيينا، وخلاصة القول إن مواجهة الميليشيات ليست عملية سهلة لأنها معقدة إلى حد بعيد، وهي ليست عملية يمكن أن تنتهي عبر المفاوضات بأي حال من الأحوال فهي مرتبطة بالتوازنات على الأرض، وبحدود الرغبة الأميركية في تغيير هذا الواقع على الأرض، حيث تظل هناك صراعات ما تزال تؤدي دورا وظيفيا للولايات المتحدة وليس هناك رغبة مؤكدة في تسويتها.

سقف للصراع وسقف للمواجهة

 وما دامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد 1979 قائمة على ركيزة أساسية لمشروع ولاية الفقيه، إذن ما الجدوى من الضغوط لتغيير سلوك النظام بدل الضغط لإسقاط النظام؟

يجيب دكتور أبو القاسم مختتما الحوار ومستخلصا المشهد كالآتي: «السياسة الأميركية تجاه إيران واحدة، لا رغبة في تغيير النظام، وإبقائه تحت السيطرة، ليكون قوة توازن إقليمي في مواجهة المشاريع السنية، والدول المنافسة في الإقليم، حيث تريد الولايات المتحدة إدارة الشرق الأوسط من خلال الصراع والتنافس بين مكوناته، حتى ترامب عندما انتهج استراتيجية الضغوط القصوى لم يكن يريد تغيير النظام وقد صرح بذلك مرارا، كل ما كان يريده اتفاق جديد وضمان تعديل سلوك إيران، نظام ولاية الفقيه أو النسخة الشيعية من الإسلام السياسي، نسخة مقبولة من الولايات المتحدة، تحقق لها أهدافا استراتيجية في الصراعات الإقليمية، وكذلك في المشهد القيمي والثقافي في المنطقة، والطرفان باتا يدركان هذه المعادلة ويتعاملان على أساسها، حيث هناك سقف للصراع وسقف للمواجهة لا يمكن لطهران أن تتخطى خلاله الخطوط الحمراء الأميركية، وإيران بالنسبة لها هناك أولوية في الحفاظ على الطبيعة الإسلامية للجمهورية الإيرانية، وما لم تمس الولايات المتحدة ذلك فإنه يمكن التفاهم والتفاوض، وكل طرف يعرف كيف يروض الآخر».

لسان حال أي ناشط إيراني مع مرور المزيد من الوقت والمفاوضات، أن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إيران أصبحت أكثر سحقا وترويعا، ولسوء الحظ، يتصرف قادة إيران بحصانة كاملة، حيث وصل قمع وإعدام السجناء السياسيين والمتظاهرين ضد نظام الملالي إلى مستوى غير مسبوق.

ويبقى أيضا أن إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات وإغراق النظام الإيراني بملايين الدولارات مرة أخرى تعتبر مكافأة لإيران على السلوك الخبيث، تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تمكين المسؤولين في إيران من مزيد من قمع المعارضين، والتعذيب وقتل الإيرانيين وتوسيع نطاق طغيانهم في الخارج.

——————————–

الصراع على القمة/ علي العبدالله

إلى روح تيسير حج حسين .. كان أخاً ورفيق درب

ارتبط النظام الدولي الذي نشأ بُعيد نهاية الحرب العالمية الثانية بدور غربي رئيس في تشكيله، ما رتّب هيمنة وسيطرة غربيتين على قيادته وتسييره، بوضع قواعده وضبط مساراته، حيث غدا التحالف الغربي بمثابة حكومةٍ عالميةٍ تشرف على هذا النظام. ولكن الصورة اهتزّت بحصول تطوّرات كثيرة في مجالات السياسة والاقتصاد العالميين، وظهور قوى إقليمية ودولية وازنة، عبّرت عن تطلعات وخيارات مغايرة ومخالفة لتلك الغربية، وعن رؤى بديلة للنظام الدولي والعلاقات الدولية السائدة، في تحدٍّ مباشر للهيمنة الأميركية ونظامها أحادي القطب الذي ترتب على انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

ومع احتدام الصراع والتنافس، أدركت القوى الجديدة الناهضة وزن الغرب الكبير، الأميركي تحديدا، وصعوبة كسر هيمنته عبر مواجهاتٍ فرديةٍ معزولة، فشكلت بينها أطرا سياسية وأمنية: منظمة شنغهاي للتعاون، التي تأسست عام 2001، من كل من الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. واقتصادية: مجموعة البريكس، من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. والاتحاد الجمركي الأوراسي، أسس عام 2000، من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. وتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (أيه. آي. آي. بي)، أسّسته الصين عام 2014 بمشاركة حوالى مائة دولة وبرأس مال قدره مائة مليار دولار. وطرح الصين مبادرة مشروعها العملاق: “طريق واحد حزام واحد”، عام 2013 والبدء بخطواتٍ تنفيذية فيه عام 2017 تمتد حتى عام 2049، الذكرى المئوية لقيام جمهورية الصين الشعبية، لتأمين وصولٍ آمن إلى أسواق آسيا الوسطى وأوروبا بأقصر وقت ومن دون التعرّض لمضايقات الأساطيل الأميركية المتفوّقة التي تجوب البحار والمحيطات، وبدأت بعقد اتفاقات مع حوالي مائة دولة لمد خطوط سكك حديد فائقة السرعة، وتعبيد طرق وإقامة، أو تطوير موانئ ومد أنابيب للنفط والغاز؛ آخرها الاتفاق الاستراتيجي مع إيران لاستثمار 400 مليار دولار فيها خلال 25 عاما مقابل الحصول الثابت على النفط والغاز بسعر تفضيلي، لتشكيل ثقلٍ سياسيٍّ وأمني واقتصادي مواز على طريق كسر الهيمنة الغربية، والدفع نحو صياغة عالم جديد قائم على التعدّدية والندّية. وهذا، مع تراجع القوة الخشنة للولایات المتحدة عن ذروتھا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، أطلق تنافسا محموما على تجميع أوراق قوة وزيادتها وزجّها في ساحات الصراع؛ ما قاد إلى توتّرٍ متصاعدٍ في ضوء سعي الدول الناهضة إلى تحدّي التفوق الغربي، والعمل على احتوائه، والحدّ من هيمنته وسيطرته، بمنافسته في مجالات التقنية والاختراعات والاقتصاد والتسلح، والاستحواذ على جزءٍ متزايد من حصته في هذه المجالات بشكل متواتر، وسعي الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مكانتها الدولية، عبر إعادة ترتيب أولوياتها لتّتسق مع ما تعتبره مخاطر داهمة على نفوذها ودورها في قيادة النظام الدولي، حيث بات مصير النظام الدولي الغربي مرتبطا بنجاح الولايات المتحدة في وقف تدهوره، وفي السيطرة على التحوّلات والتطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في العالم.

قاد التدافع الكبير بين الولايات المتحدة والقوى الصاعدة إلى تحوّل في الاستراتيجية الأميركية، حيث برزت مهام أساسية وذات أولوية: احتواء الصين وروسيا. استدعت المهمة الأولى، احتواء الصين، تنشيط علاقاتها مع حلفائها شرق آسيا، وتشكيل تحالف يمتد من اليابان إلى إندونيسيا وسنغافورة، مرورا بكوريا الجنوبية والفيليبين وفيتنام وكمبوديا، وإقامة طوق عسكري وأمني أميركي ياباني أسترالي هندي. واستدعى احتواء روسيا التركيز على سهل شمال أوروبا والبحر الأسود مع دور رئيس لبولندا في الشمال، ورومانيا في الجنوب، مع التفكير بإدراج تركيا في هذا المحور؛ لتعزيز التوجّه المعادي لروسيا. كما سيوفر، بالإضافة إلى ذلك، مركز ثقل مهم في وجه التوسّع الإيراني. واستدعى احتواء إيران التي تحدّت الوجود الأميركي في دول الخليج العربي والعراق، وتحالفت مع روسيا والصين لتحقيق هدفها، طرح فكرة ناتو عربي، أو ناتو إقليمي يجمع الدول العربية وإسرائيل في تحالف واحد.

وهذا دفع الصين وروسيا إلى التقارب، وتنسيق جهودهما السياسية والعسكرية لاحتواء التحرّك الأميركي ضدهما، واستخدام تكتيك العصا والجزرة مع الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة لثنيها عن الانسياق وراء التوجه الأميركي، وتوظيف الصين الروابط الاقتصادية المتزايدة مع الفيليبين، والحرب التجارية العميقة بين كوريا الجنوبية واليابان، لتقويض شبكة حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ، وتحرّك روسيا في دول آسيوية وأفريقية وأميركية لاتينية والقطب الشمالي، لتطويق التحرّك الأميركي وتشتيت قواه.

ارتبط التعاون الصيني الروسي باحتواء التحرّك الأميركي ضدهما، اعتبرتهما استراتيجية الأمن القومي الأميركي، عامي 2015 و2018، عدوتين للولايات المتحدة، وتقييده؛ وتحقيق اختراق في مناطق نفوذها وترويج بديل سياسي لفكرة الليبرالية الغربية، والدعوة إلى إقامة نظام عالمي جديد بدل النظام الحالي، الذي تعتبرانه غربيا، والذي تجاوزته الظروف، وفق دعوة وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في مؤتمر الأمن في ميونخ يوم 18/2/2017، وترويج مقولة الدولة – الحضارة في مواجهة المقولة الغربية الدولة – الأمة. نظام دولي قائم على قواعد بديلة أساسها عدم التدخل في شؤون الدول، عبر ترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان، وندّية في العلاقات بين الدول، مع إعطاء أولوية للاستقرار والازدهار عبر تبنّي بديل لنموذج التنمية الغربي، “يصلح للدول التي ترغب في تحقيق التنمية مع الحفاظ، في الوقت نفسه، على استقلالها السياسي”، وفق مدير معهد دراسات الإعلام في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، تشانغ شوهوا.

كشف تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين عن تباين في المصالح وتعقيد في المواقف، فالسعي الأميركي للاحتفاظ بدور القوة الأولى وبنظام دولي وحيدة القطبية جعلها ترى أن من مصلحتها الفصل بين روسيا والصين والعمل على إبعاد الأولى عن الثانية، للحد من فرص تقدّمها لاحتلال الموقع الأول في النظام الدولي، في ضوء المعطيات الواقعية التي تجعل من الصين أكثر خطورة على تفوقها وموقعها الدولي: ثاني اقتصاد في العالم بناتج قومي حوالي 15 تريليون دولار؛ احتياطي نقدي ضخم حوالي ثلاثة تريليونات دولار؛ تطور تقني صاعق؛ خصوصا في مجال الذكاء الاصطناعي؛ موقع جيواستراتيجي وجيوسياسي مؤثر؛ جيش كبير ومتطوّر؛ موازنة دفاع كبيرة؛ 141 مليار دولار؛ سوق هائلة، مليار ونصف المليار من البشر؛ نفوذ واسع في دول كثيرة، حققته بالقروض والاستثمارات؛ رغبة متصاعدة للتنافس على المركز الدولي الأول. وهذا وضعها في موقفٍ دقيقٍ بين احتواء التحدّي الروسي وأساليبه المتعدّدة والمتطورة: أسلحة دقيقة ومتفوقة؛ حروب هجينة؛ حروب سيبرانية؛ وشهوة مفتوحة للتمدّد وبسط السيطرة والنفوذ وتهديد حلفائها في شرق أوروبا، خصوصا دول البلطيق، وبين استثمار نقاط ضعفها: اقتصاد ريعي هش مرتبط بتصدير النفط والغاز، تخلف تقني وإداري؛ تراجع في عدد السكان حوالى 144 مليون نسمة، ومساحات واسعة خالية من السكان؛ 8.3 نسمات في الكيلومتر المربع، أكبر دول العالم بالمساحة 17.575.400 كيلومترا مربعا، ودفعها إلى التراجع، والكفّ عن تحدي الهيمنة الأميركية. وبين العمل على إبعادها عن الصين عبر التفاهم معها والقبول بنظامها التسلطي وانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان والفساد المالي واسع الانتشار في نخبتها السياسية ومؤسّساتها المدنية والعسكرية، وغض النظر عن تنمّرها، ما يضرب صدقية سرديتها عن تبنّيها نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، ويحد من وجاهة ضغطها على الصين في هذين الملفين.

في المقابل، تواجه روسيا في تقاربها مع الصين وتنسيق المواقف السياسية والعسكرية معها تعارضا مع توجهها لاسترجاع موقعها في النظام الدولي، واحتلال موقع القطب الثاني مع الولايات المتحدة؛ بين عرقلة التفاهم مع الأخيرة التي تريدها بعيدة عن الصين، وتعميق التناقض معها، وإغلاق باب المساومة والمقايضة حول النفوذ والأدوار، وبين خدمة الصين عبر المساهمة في محاصرة الولايات المتحدة ومواجهتها وتعزيز فرصها لاحتلال موقع القوة الأولى في النظام الدولي الجديد، في ضوء امتلاكها أوراقا أكثر وأوزن، تسمح لها في التقدّم نحو هذا الهدف، فالصين تتقدّم عليها في معظم المجالات، باستثناء الصناعات العسكرية.

وليست الصين بعيدة عن مواجهة تباينات وتعارضات وازنة، في سعيها إلى لعب دور متقدم في النظام الدولي، يوازي قدرتها الاقتصادية والمالية والتقنية، عبر تعديل القواعد الناظمة للنظام الدولي الراهن، أو تغييرها عبر تنافسها وصراعها مع الولايات المتحدة، وتنسيقها وتعاونها مع روسيا، فهي مع عدم استفزاز الولايات المتحدة خدمة لتوجهات روسية، ومع العمل على محاصرتها وتقييد حركتها عبر التعاون والتنسيق، ليس مع روسيا فقط، بل ومع كل الدول الرافضة استمرار الهيمنة والسيطرة الأميركية، وهي ضد صعود روسيا واحتلالها الموقع الثاني في نظام ثنائي القطبية، إلى جانب الولايات المتحدة؛ فتاريخ العلاقات بين الدولتين ليس مريحا أو مطمئنا. وهذا تجلّى في تحاشيها المرور عبر أراضي روسيا ضمن خطط مشروع “طريق واحد حزام واحد”، كما في تعزيز سلاحها البرّي، وحشده قرب الحدود المشتركة بينهما، وتجميدها اتفاقا بـ 400 مليار دولار لشراء نفط وغاز روسي ثلاثين عاما بمد خط أنابيب من سيبيريا إلى شمال الصين.

يثير الصراع على قمة العالم مخاطر كبيرة، خصوصا مع تصاعد احترار الأرض، وأثر ذلك على البيئة والتصحر وبدء ذوبان الجليد في القطبين، الشمالي والجنوبي، وغرق المدن الساحلية، وأوبئة، مثل مرض كورونا الذي تشير التقديرات إلى بقائه سنوات، تهدّد مستقبل البشرية على الأرض، ما يستدعي تعزيز التعاون الدولي لمواجهتها، والحد من تأثيرها المدمر، وما يتطلبه ذلك من الدول الكبرى بالكفّ عن هدر الوقت والطاقات في صراعات عبثية، وإقامة نظام دولي عادل، أساسه القبول بتعدّدية الرؤى والخيارات والتعايش بينها.

العربي الجديد

——————————-

ماهر الأسد لن يكون “رفعت آخر”/ إياد الجعفري

يصعب على كثيرين من المتابعين للشأن السوري تجنب إغراء المقارنة بين تجربة رفعت الأسد، وتجربة ابن شقيقه، ماهر، في السلطة. ويزداد هذا الإغراء طغياناً مع تشابه ظروف العشريتين اللتين انتهت الأولى منهما في الثمانينات بخروج رفعت بصورة شبه كاملة من المشهد السلطوي في البلاد، فيما تنتهي الثانية في العام 2021، بترسيخ مكانة ماهر، بصورة تدفع للتشكيك في احتمال أن تنتهي تجربة هذا الأخير، بالصورة التي انتهت إليها تجربة عمّه، رغم تشابه المقدمات التي مهّدت لصعودهما.

وفيما يواجه رفعت الأسد، الثمانيني المرهق صحياً، جلسات استئناف حكم السجن عليه بفرنسا، بعد ثلاثة عقود ونيف من فقدانه لوزنه الهائل داخل نظام الحكم، يعزّز ماهر الأسد نفوذه باستخدام إرث عمّه ذاته. فالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر اليوم، هي وريثة “سرايا الدفاع” التي قادها العمّ سابقاً، والتي تشكلت رسمياً عام 1984، بعيد حلّ “سرايا الدفاع”، لتتحول إلى حيزٍ خاصٍ لـ ماهر الأسد، منذ انخراطه فيها عام 1989، وصولاً إلى تسلّمه لقيادتها، رسمياً، عام 2018، بعد أكثر من عقدين، اعتُبر خلالهما، القائد الفعلي لهذه الفرقة.

ويصبح إغراء المقارنة بين تجربة الرجلين، أكثر دراماتيكية، حينما نتناول الشق المتعلق بكيفية جمعهما لثروتهما. إذ يبدو أن ماهر الأسد تلميذ نجيب للعمّ، مع فارقٍ يتعلق باختلاف كمّي بين ظروف العشرية الثانية من حكم بشار الأسد، مقارنة بظروف العشرية الثانية من حكم والده. فأبواب النهب تضاعفت عشرات المرات، وشمل اقتصاد الحرب خريطة البلاد بأكملها. فإذا كانت ثروة رفعت الأسد، المعروفة اليوم، تتجاوز الـ 800 مليون دولار، على أقل تقدير، وفق ما كشفت المصادر القضائية الفرنسية والاسبانية، حتى الآن، فكم ستكون ثروة ماهر الأسد؟! هذا الاختلاف الكمّي المرجّح، لا يؤثر على النوع. فالمدرسة التي أرسى العمّ رفعت، ركائزها، هي ذاتها التي تخرّج منها ابن الأخ، وتحوّل من تلميذ نجيب لعمّه، إلى أستاذ في فنّ نهب المال العام، والخاص السوري.

وكانت فصول المحاكمة التي تعرّض لها رفعت الأسد في اسبانيا خلال السنوات الأربع الأخيرة، قد كشفت عن ركائز مدرسته في جمع الثروة من مصادر غير مشروعة، خلال وجوده في السلطة. والتي تشمل بنوداً تبدأ بالابتزاز والتهديد، وفرض إتاوات على تجار ورجال أعمال، والتهريب، ونهب الآثار، واغتصاب ملكية العقارات، وليس انتهاءً بتهريب المخدرات. ناهيك عن الـ 300 مليون دولار التي حصل عليها لقاء مغادرته البلاد، عام 1984، والتي رجّح القضاء الاسباني أنها كانت من المال العام السوري، منحها له شقيقه، كي يحفظ كرسي الحكم له، ولابنه باسل، من بعده.

الركائز ذاتها، بنى عليها ماهر الأسد ثراءه غير المشروع. بعض تلك الركائز بدأت حتى قبل العام 2011، منها نهب آثار تدمر، وفق شهادات لمطلعين. لكن العشرية الأخيرة، فتحت أبواباً لم يكن ماهر الأسد قادراً على فتحها قبل ذلك. فاقتصاد الحرب أتاح له كل الموبقات التي سبق وأتاحتها معركة نظام الأسد مع معارضته الأخوانية في نهاية السبعينيات وحتى منتصف الثمانينات، مُضافاً إليها ركائز جديدة نوعية.

وتبقى تلك الدراسة التي صدرت عن برنامج “مسارات الشرق الأوسط”، في كانون الثاني/يناير 2020، تحت عنوان “شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري”، للباحث أيمن الدسوقي، أعمق معالجة متاحة حتى الآن، لمداخل جمع الثروة غير المشروعة، التي اعتمدها ماهر الأسد، في العشرية الأخيرة بصورة خاصة.

وإن كان ماهر الأسد قد دخل عوالم تجارة الآثار منذ العقد الأول من القرن الحالي، فإن اقتصاد الحرب بعد الـ 2011، أتاح له عوالم أخرى، تجاوز فيها مدرسة عمّه، من دون أن يتخلى عن ركائزها تماماً. من أبرز العوالم الجديدة، تجارة الخردة، التي تذهب تقديرات الدراسة المشار إليها أعلاه، إلى أنها عادت بأرباح قُدّرت بحوالي 10 ملايين دولار شهرياً، خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير من عام 2019، لصالح محمد حمشو، رجل الأعمال الدمشقي، الذي أوكله ماهر الأسد بإدارة هذه التجارة، لصالحه. فكم كانت الأرباح التي عادت لـ ماهر الأسد، إذاً؟ وإن كانت تلك تقديرات لأرباح شهرين فقط، فكم ستكون حصيلة الأرباح لأكثر من ثلاث سنوات من النشاط التجاري في هذا المجال؟!

وبخلاف حمشو، المقرّب من ماهر منذ نهاية التسعينيات، عزّز ماهر الأسد شبكته الزبائنية، بمواهب جديدة، من عَيّنة، خضر علي طاهر – “أبو علي خضر”-، الذي كان أهم متعهدي ظاهرة الترفيق المحسوبين على الفرقة الرابعة. تلك الظاهرة التي وُلدت مع تفاقم الصراع المسلح، وتطورت إلى أن تمكن ماهر الأسد بحلول العام 2018 من الهيمنة عليها، بعد إقصاء منافسيه الرئيسيين في هذا المجال.

وبالتوازي مع ظاهرة الترفيق، تفاقمت ظاهرة الترسيم –فرض إتاوات على مرور البضائع والأفراد عبر المعابر الداخلية بين مناطق السيطرة المختلفة-، والتي باتت بصورة كبيرة، من نصيب ماهر الأسد أيضاً، بحلول العام 2018.

لكن، كما أشرنا، فإن ماهر الأسد لم يتخلَ عن ركائز مدرسة عمّه، فكان حريصاً على تعيين رجال محسوبين عليه في مختلف مؤسسات الدولة السورية، وبصورة خاصة منها، تلك التي تتيح مصادر دخل كبيرة، في مقدمتها، المرافئ، التي كانت قبل العام 2011، تمثل 70% من حجم التجارة السلعية الخارجية غير النفطية، لسوريا. ناهيك عن تجارة الترانزيت المرتبطة بها. من دون أن ننسى أهميتها لتجارتَي الآثار والمخدرات.

وإن كان ماهر الأسد قَبِل التخلي عن نفوذه في مرفأ طرطوس لصالح الروس الذين حصلوا على عقدٍ لاستثماره عام 2019، إلا أنه بقي حتى الآن متمسكاً بمرفأ اللاذقية، الذي كان مصدر أكبر شحنة مخدرات في التاريخ إلى إيطاليا، بقيمة مليار يورو، في منتصف العام 2020.

بناءً على ما سبق، لا نستطيع التقليل من شأن المعلومة التي أعلنها رياض حجاب، رئيس الوزراء السوري المنشق، في تغريدة له، قبل عامٍ من الآن، تعليقاً على الصراع الذي خرج للعلن حينها، بين بشار الأسد، وابن خاله رامي مخلوف. إذ قال رياض حجاب إن هناك صراعاً آخر في الكواليس بين أسماء وبين ماهر الأسد وزوجته منال جدعان. وكان الظهور الإعلامي اللافت لتلك الأخيرة، لأول مرة في آذار/مارس الفائت، لتتحدث عن بطولة الفروسية التي تحتكر تنظيمها والإشراف عليها، وتحتكر ابنتاها -ابنتا ماهر الأسد- الفوز بميدالياتها، مؤشراً على رغبة بإظهار شيء من الندّية حيال أسماء الأسد.

كذلك، لا نستطيع التقليل من شأن تلك المادة البحثية اللافتة التي نشرتها مجلة “رصد الإرهاب” الصادرة عن مؤسسة جيمس تاون الأمريكية، في حزيران/يونيو 2020، والتي ترجمها مركز حرمون للدراسات، تحت عنوان “هل تخسر روسيا الجيش العربي السوري لمصلحة إيران أو اللواء ماهر الأسد؟”. وتشير المادة إلى أن قدرة ماهر الأسد على تعطيل خطط الروس لإصلاح القطاع الأمني والعسكري داخل نظام الأسد، ما تزال فاعلة. وكمثال لذلك، نجح ماهر الأسد في تجاوز الرغبة الروسية بإنهاء سطوته على معابر ونقاط تفتيش رئيسية في الداخل السوري، تشكل مصادر دخل ونفوذ هائل له. إلى جانب نجاحه في عرقلة السعي الروسي لعزل مدير مكتبه، وذراعه الأيمن، اللواء غسان بلال.

ومع التقاء المصالح بين الإيرانيين وماهر الأسد، في الحفاظ على حالة “الميليشاوية” القائمة كنتيجة لظروف الحرب، وفي مقارعة المساعي الروسية لإعادة ترتيب المؤسستين العسكرية والأمنية، بصورة تخلصهما من العوامل التي تنتقص من التراتبية الرسمية، مع ما يعنيه ذلك من تقليص نفوذ ماهر الأسد شخصياً، يبدو أن الأخير مضطر للتحول إلى حليف لإيران.

وعند هذه النقطة، نلحظ مفارقة في المقارنة المُغرية بين تجربتي رفعت، وابن شقيقه ماهر. فالأول كان حليفاً للغرب – فرنسا بصورة رئيسية-، والخليج – السعودية بصورة رئيسية-، اللذين لم يُسعفاه لحظة تطلب ذلك، بل كانا طرفاً في إبعاده عن السلطة. بينما يقف ماهر الأسد اليوم على الضفة الأخرى، كما يظهر حتى الآن، ليكون حليفاً للإيرانيين، أولئك الذين لا يتخلون عن حلفائهم بسهولة. وهكذا، فإن ولادة نفوذ خليجي مُحتمل في سوريا، عبر تمويل إعادة الإعمار، إن آلت مساعي التقارب السعودي – الأسدي، إلى نهاياتها المأمولة في دمشق وموسكو، سيضيف بعداً آخر للعبة توازن القوى داخل تركيبة النظام. فعلى الأرجح، ستكون إيران بحاجة لقوة داخل النظام توازن بها علاقتها مع بشار الأسد. فالأخير يحترف التلوّن وفتح القنوات مع مختلف الأطراف. وفي ذلك مهارة لا تخلو من الخطورة، ولا يمكن الاطمئنان لها. بينما تبدو العلاقة الإيرانية مع ماهر الأسد، مصدراً لنفوذ أكثر استدامة لهذا الأخير.

وبذلك، تبدو خاتمة تجربة رفعت الأسد، بعيدة جداً عن تجربة ماهر الأسد. والصراع المرتقب على خلافة بشار الأسد، سيكون وفق معادلات مختلفة عن تلك التي حدثت في منتصف الثمانينات. فـ ماهر الأسد، لن يكون “رفعت آخر”.

المدن

——————–

ماهر الأسد “يختفي” من حواجز الفرقة الرابعة

يعزز الغموض المحيط بشخصية ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، من انتشار الشائعات حوله، طوال السنوات العشر الماضية. ويحيل شح المعلومات بشأنه إلى كم من الأخبار المختلقة من جهة، والرغبة في معرفة المزيد عنه من جهة ثانية، وهو ما ظهر مجدداً في الأيام الأخيرة، مع حديث سوريين في مواقع التواصل عن أن استبدال صور ماهر بشقيقه بشار، في محيط العاصمة دمشق، يعتبر دليلاً على توتر العلاقة بينهما.

هذه النوعية من التعليقات انتشرت بعد أنباء عن شروع الحواجز العسكرية التابعة للفرقة الرابعة المتمركزة في مختلف مناطق دمشق وريفها، خلال الأيام القليلة الماضية، بإزالة صور قائد الفرقة ماهر الأسد، في مشهد غير مألوف.

ونقلت وسائل إعلام معارضة عن مصادر من دمشق، أن صور ماهر استبدلت بصور بشار، كجزء من الحملة الانتخابية الرئاسية للأخير، والمقرر إقامتها في 26 أيار/مايو الجاري. ولا يعتبر ذلك جزءاً من صراع بين الشقيقين مثلما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، بقدر ما هو نوع من التنسيق المتوقع بينهما، خصوصاً أن مجموعات إخبارية موالية أعادت نشر صور أرشيفية للشقيقين تظهرهما في مناسبات مختلفة، مثل تخرج بشار من الكلية الحربية في حمص.

وبحسب المعلومات المتداولة، فإن عمليات إزالة الصور تزامنت مع قرارات عُمّمت على كافة عناصر الفرقة الرابعة في ريف دمشق، تقضي باستبدال لباس عناصر الفرقة بزيّ الشرطة العسكرية، كما وجهت استخبارات النظام إنذارات لأصحاب السيارات التي تحمل صور ماهر الأسد، بإزالة الصور واستبدالها بأخرى لبشار الأسد، تحت طائلة الملاحقة الأمنية.

وتتمركز الفرقة الرابعة في مناطق مختلفة من ريف دمشق بدءاً من جبال المعضمية حيث الفوج 100، والفوج 153، وداريا. كما تنتشر الفرقة أيضاً في منطقة وادي بردى وبعض مناطق الغوطة الشرقية وطريق دمشق بيروت.

ومنذ سنوات الثورة السورية الأولى، تطاول الشائعات ماهر الأسد، ويمكن رصد تغريدات حتى اليوم تتحدث عن انشقاقه وهروبه بسبب خلافاته مع بشار. ولعل الغموض الذي يكتنف ماهر الأسد (54 عاماً) كشخصية عامة، هو ما يحفز الحديث عنه بصورة خيالية، فالرجل الذي يعرف بأنه أحد أكثر رجال النظام السوري دموية على الإطلاق بحسب وصف منظمات حقوقية دولية، بعيد عن الإعلام، ومن النادر أن يظهر في صور أو مقاطع فيديو.

وترجع آخر صورة لماهر الأسد إلى العام 2017 عندما التقط صوراً مع الممثل مصطفى الخاني، تأكيداً لأنباء ترفيعه من رتبة عميد إلى رتبة “لواء ركن” حينها، وسبق ذلك صورة أخرى العام 2014 برفقة المغني السوري جورج وسوف، والتي نشرها حينها الإعلامي اللبناني نيشان ديرهاروتيونيان عبر حسابه في “تويتر”. أما آخر مقطع فيديو ظهر فيه، فبث العام 2004، فيما يعتقد أنه أثناء تنفيذ الأسد والفرقة الرابعة مجزرة بحق المعتقلين في صيدنايا.

ويعتبر ماهر الأسد المسؤول عن شن حملات تصفها منظمات حقوقية دولية بـ”الوحشية” منذ الأيام الأولى للثورة السورية السلمية العام 2011، إضافة لوحشية مماثلة بحق المعتقلين في سجون الفرقة الرابعة التي يترأسها، كما يوصف من طرف السوريين المعارضين بأنه عديم الرحمة ومتسلط.

وتكرر المواقع الموالية أن ماهر الأسد درس الهندسة الميكانيكية في جامعة دمشق، قبل أن يلتحق بالكلية الحربية، ويصبح الرجل الثاني في النظام واليد اليمنى لشقيقه بشار الأسد ومستشاراً عسكرياً له وصاحب الدور الأول في قمع الثورة السلمية في بداياتها. علماً أنه منذ اندلاع الثورة راجت العديد من الأنباء حول مقتله أو إصابته في تفجير خلية الأزمة، الأمر الذي أدى إلى بتر ساقيه وعلاجه في روسيا، ولم يستطع أحد إثبات المعلومة الأخيرة، إلا أنها بقيت متداولة بسبب قلة ظهور ماهر وعدم وجود دليل على نفيها، حتى التقاط الصور الجديدة.

المدن

—————————-

كيف تعاملت إدارة بايدن مع العدوان الإسرائيلي على إدارة قطاع غزة؟

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

شنّت إسرائيل، في 10 أيار/ مايو 2021، حربًا هي الرابعة على قطاع غزة الذي يرزح تحت الحصار منذ عام 2007. وبسبب ذلك، وجدت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، نفسها مضطرةً إلى أن تتعامل مع ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعد أن حاولت تجاهله منذ وصولها إلى السلطة؛ إذ أجرى بايدن اتصاله الهاتفي الأول برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، شهرًا بعد أن تسلّم منصبه، وهو أمرٌ غير معهود في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. كما أنّ إدارته لم تعيّن سفيرًا لها في إسرائيل حتى الآن، ولم تعيّن مبعوثًا للسلام في المنطقة كما كانت الإدارات السابقة تفعل. ينطبق الأمر نفسه على الاتصالات بالجانب الفلسطيني، إذ جاء أول اتصال بين بايدن والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في خضم العدوان الإسرائيلي الأخير. لكن الحرب الإسرائيلية على غزة اضطرّت إدارة بايدن إلى أن تتدخل وتضغط على إسرائيل لتقبل بوقف إطلاق نارٍ متبادل مع فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصًا بعد أن برزت انقساماتٌ كبيرة داخل صفوف الحزب الديمقراطي، وتعالت أصوات الناقمين بين أعضائه في الكونغرس على الممارسات الإسرائيلية الوحشية، وانتقاداتهم العلنية انحياز إدارة بايدن إلى إسرائيل. 

موقف مبدئي منحاز

على مدى 11 يومًا، هي مدة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان الإطار العام للموقف الأميركي هو الانحياز التام إلى مصلحة إسرائيل. وقد ظهر ذلك جليًا في ثلاثة مواقف:

1. تعطيل الولايات المتحدة أربع محاولات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة تطورات العدوان، بذريعة أنّ هذا يجهض المساعي الدبلوماسية الهادئة التي تقوم بها واشنطن عبر قنوات خاصة للوصول إلى تهدئة، ثمَّ إلى وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.

2. توفير غطاء للعدوان الإسرائيلي على القطاع بذريعة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية العشوائية”.

3. إعطاء حكومة نتنياهو “مساحة للمناورة”، عبر منحها وقتًا كافيًا لتشنّ ضرباتٍ قويةً ضد المقاومة الفلسطينية، ثمَّ تقلّص حجم تلك الضربات تدريجًا بذريعة أنها حققت أهدافها من العدوان.  

أسباب تغير نبرة الخطاب الأميركي

قامت المقاربة الأولية لإدارة بايدن على أساس ممارسة الضغط على إسرائيل من وراء الكواليس، لتنهي الصراع بسرعة، وتقلل الخسائر في صفوف المدنيين. وأفادت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بأن الولايات المتحدة أجرت أكثر من 60 اتصالًا دبلوماسيًا رفيع المستوى خلال أسبوعين، منها ستة اتصالات مباشرة بين بايدن ونتنياهو. وساد اعتقاد لدى مسؤولي إدارة بايدن، في الأسبوع الأول للعدوان، مفاده بأنّ أي انتقاداتٍ علنية لإسرائيل ستأتي بنتائج عكسية، خصوصًا أن التقديرات الأميركية كانت تقول إن الجيش الإسرائيلي لن يوقف هجماته، قبل أن يدمر أكبر عدد ممكن مما يصفها أهدافا عسكرية في القطاع، إلا أنّ هذه المقاربة شهدت تغييرًا مع دخول العدوان أسبوعه الثاني، ويعود ذلك إلى الأسباب التالية:

1. استخلاص التقديرات العسكرية الأميركية أن إسرائيل استنفدت جلَّ الهجمات على المواقع التي حدّدتها في قائمة الأهداف التي أعدّتها.

2. تصاعد أعداد الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، والصور المروّعة التي كانت تنقلها عدسات وسائل الإعلام من قطاع غزة، وكشفت التكلفة الإنسانية الباهظة للعدوان الإسرائيلي، وحجم الدمار الذي ألحقه بالمباني السكنية والبنى المدنية التحتية. وقد أثارت هذه المشاهد غضبًا عالميًا، بما في ذلك في الولايات المتحدة نفسها، وفي صفوف الديمقراطيين أيضًا.

3. توصّل إدارة بايدن إلى أنّ الجيش الإسرائيلي عاجز عن حسم المعركة مع المقاومة الفلسطينية، وإيقاف صواريخها وقذائفها في مدى زمني قصير، ومن دون اجتياح بري كبير لا ترغب فيه إسرائيل نفسها نظرًا إلى تكلفته الباهظة عليها. وربما خشيت إدارة بايدن انفجارًا شعبيًا فلسطينيًا أوسع في الضفة الغربية ومدينة القدس وبين فلسطينيي عام 1948.

4. استياء إدارة بايدن من محاولات حكومة نتنياهو توريطها في قصف برج الجلاء، في 15 أيار/ مايو 2021، الذي كان يضم مكاتب وسائل إعلام، مثل وكالة أسوشيتد برس الأميركية وقناة الجزيرة، فضلًا عن 60 شقة ومكاتب لمحامين وأطباء. تسبّب قصف البرج وتدميره في حملة إداناتٍ دوليةٍ لإسرائيل التي زعمت أنه كان يضم معداتٍ إلكترونيةً تابعةً لحركة حماس، وهو ما نفته هذه الأخيرة. وبدلًا من أن تقدّم حكومة نتنياهو أدلةً تثبت مزاعمها، كما طالبتها إدارة بايدن، سارعت إلى الادّعاء أنها قدّمت الأدلة لواشنطن، وهو ما نفاه المسؤولون الأميركيون وأثار غضبهم. وأوضحت وسائل إعلامية أميركية أنّ قصف البرج مثّل نقطة تحوّل في الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على غزة.

5. تنامي الاستياء داخل قيادة الحزب الديمقراطي من وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك انتقادات ضمنية وجّهتها شخصيات قريبة من إسرائيل، مثل رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، روبرت مينينديز. كما وقّع أكثر من عشرين عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ، في 16 أيار/ مايو 2021، بيانًا دعَوا فيه إلى وقف إطلاق النار.

الأهم من ذلك كله تصاعد انتقادات التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي لانحياز إدارة بايدن إلى إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهو ما أنذر بحدوث انقسامٍ في الأغلبية الضئيلة للحزب في مجلسَي النواب والشيوخ، على نحوٍ قد يعطّل أجندة بايدن الأخرى؛ إذ يملك الديمقراطيون أغلبية ستة أصوات فقط في مجلس النواب، في حين يقتسمون مقاعد مجلس الشيوخ مناصفةً مع الحزب الجمهوري (50 – 50). ومنذ عقد ونصف العقد تقريبًا، ثمَّة تحوّل تدريجي يجري في الحزب الديمقراطي تجاه إسرائيل، إذ تريد أغلبيةٌ بين صفوفه الآن موقفًا أكثر اتزانًا وعدلًا بين الطرفين الفلسطيني – والإسرائيلي، ويرون ذلك من زاوية نظر حركة الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية الأميركية. وكشف استطلاع رأي أجري أخيرا أنّ 38.5% من الديمقراطيين يحمّلون إسرائيل مسؤولية التصعيد الأخير، مقابل 15.5% يلومون حركة حماس، علمًا أن 27.4% من الأميركيين عمومًا يحمّلون إسرائيل مسؤولية التصعيد، بينما تنخفض النسبة إلى 12.5% فقط يرى فيها الجمهوريون ذلك.

    مع استمرار إدارة بايدن في دعم الموقف الإسرائيلي بذريعة “حقها في الدفاع عن نفسها”، حصل انقسام داخل ممثلي الحزب الديمقراطي في الكونغرس

ومع استمرار إدارة بايدن في دعم الموقف الإسرائيلي بذريعة “حقها في الدفاع عن نفسها”، حصل انقسام داخل ممثلي الحزب الديمقراطي في الكونغرس، بين أغلبيةٍ مؤيدةٍ لإسرائيل، وأقلية، ولكنها مؤثرة ومتزايدة، غاضبة بسبب ذلك. وبعد أن أعلمت إدارة بايدن الكونغرس بنيّتها “بيع” إسرائيل أسلحة وذخائر بقيمة 735 مليون دولار، وهي صفقة اتُّفق عليها بين الطرفين قبل التصعيد الإسرائيلي أخيرا في القدس، ثمَّ العدوان على قطاع غزة، أعلنت النائبة الديمقراطية من نيويورك، إلكساندريا أوكازيو كورتيز، في 9 أيار/ مايو 2021 أنها ستتقدّم بمشروع قانون يمنع الصفقة، المموّلة من المعونات السنوية الأميركية لإسرائيل، والبالغة 3.8 مليارات دولار. وتبعها في اليوم التالي السيناتور بيرني ساندرز الذي قدّم مشروعًا مماثلًا في مجلس الشيوخ. وعلى الرغم من أن محاولات تعطيل هذه المعونة لم تنجح، فإنّ هذا التطور يعدّ غير مسبوق في تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية.

مقاربة جديدة   

بدأت واشنطن تصعّد ضغوطها تدريجًا، مع دخول العدوان الإسرائيلي أسبوعه الثاني، وذلك بدءًا بالاتصال الذي جرى بين بايدن ونتنياهو في 17 أيار/ مايو. وعلى الرغم من أن بايدن جدّد “دعمه الثابت لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فإنّ بيان البيت الأبيض أشار إلى أن واشنطن ترغب في رؤية وقفٍ قريبٍ لإطلاق النار. ولمَّا اتضح أن نتنياهو لم يفهم الرسالة، أجرى بايدن اتصالًا آخر به في 19 أيار/ مايو، كانت فيه لهجة الرئيس الأميركي أشدّ حزمًا. وكان لافتًا أنّ بيان البيت الأبيض حول هذا الاتصال لم يُشر، كما العادة، إلى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، بل ركز على أنّ “الرئيس أبلغ رئيس الوزراء أنه يتوقع اليوم تخفيضًا كبيرًا في التصعيد على طريق وقف إطلاق النار”. وذكرت وسائل إعلام أميركية أنّ بايدن أبلغ نتنياهو أن الديناميكيات السياسية تتغير في الكونغرس ضد إسرائيل، حتى بين حلفائها التقليديين. تبِع ذلك اتصالٌ آخر بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ونظيره الإسرائيلي، غابي أشكنازي، أخبره فيه أن الولايات المتحدة تتوقع أن تنهي إسرائيل عملياتها العسكرية قريبًا. وعلى الرغم من أن نتنياهو سارع إلى التأكيد على عزمه مواصلة القتال، فإنه ما لبث، تحت وطأة الضغوط الأميركية، أن قبل بالدخول في محادثات تهدئةٍ مع حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية الأخرى عن طريق الحكومة المصرية التي قامت بدور الوسيط. ومع قبول الطرفين مبدأ وقف إطلاق نار متبادل ومتزامن، بحلول الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة، انقسم المسؤولون في البيت الأبيض حول ما إذا كان ينبغي لبايدن أن يعلن عنه مخافة فشله، وفي النهاية انتصر موقف مؤيدي ذلك، وأعلن بايدن الاتفاق بنفسه.

    التزمت إدارة بايدن أيضًا بالمساهمة في مساعي إعادة إعمار قطاع غزة، لكن عبر السلطة الفلسطينية

وفي الوقت ذاته، وفيما عدا تواصل إدارة بايدن مع قطر والأردن، فقد كثفت التواصل مع مصر، بعد إهمالها النظام المصري الذي اعتبر مقربًا من دونالد ترامب، ولا يتناسب التعاون الوثيق معه بالصبغة التي يريدها بايدن لإدارته بوصفها داعمة للديمقراطية. ويبدو أنّ إدارته قرّرت التعويل على دور مصر بوصفها بوابة غزة العربية الوحيدة، ولأنها قد تكون شريكًا متحمسًا لاحتواء حركات المقاومة الفلسطينية وحركة حماس عبر إشراكها في العملية السياسية والنظام الفلسطيني، في مقابل تقييد نشاطها المسلح. ولا تقوم الإدارة المصرية بذلك بحثًا عن دورٍ يقرّبها من الإدارة الأميركية الجديدة فحسب، وإنما أيضًا لقناعتها بضرورة احتواء الحركة التي أصبحت بعد الحرب الأخيرة رقمًا في معادلة الصراع.

خاتمة

ساهم موقف واشنطن الصارم مع نتنياهو في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنّ هذا لا يعني وجود “تغيير في التزامي بأمن إسرائيل”، بحسب بايدن، الذي أكد أنّ الحزب الديمقراطي “لا يزال يدعم إسرائيل”، وذلك تعليقًا على مطالب الجناح التقدّمي في الحزب بإعادة النظر في أسس التحالف الأميركي – الإسرائيلي. مع ذلك، يتوقع أن تنخرط واشنطن أكثر في مساعي تعزيز وقف إطلاق النار، ومنع استئناف التصعيد بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة، وهو ما تؤكّده جولة وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الحالية في المنطقة. كما سيتم تعيين مايكل راتني للقيام بأعمال سفير الولايات المتحدة في القدس، حتى يجري اختيار سفير للمنصب الشاغر. ويبدو أنّ واشنطن تستعد أيضًا لإعادة فتح القنصلية الأميركية في شرقي القدس، والتي كانت قناة التواصل مع الفلسطينيين قبل أن تغلقها إدارة ترامب. وقد التزمت إدارة بايدن أيضًا بالمساهمة في مساعي إعادة إعمار قطاع غزة، لكن عبر السلطة الفلسطينية، وليس عبر حركة حماس التي قالت واشنطن إنها لن تسمح لها بالاستفادة من المساعدات الإنسانية وجهود الإعمار “لتعيد بناء ترسانتها العسكرية”. وتطالب إدارة بايدن أيضًا إسرائيل بتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في القدس المحتلة وحاملي الجنسية الإسرائيلية ومعاملتهم على قدم المساواة مع اليهود. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أبدت تحفّظها على الترحيل القسري لسكان حي الشيخ جرّاح، فإنه من المستبعد أن تجعل من ذلك سببًا للتوتر مع إسرائيل. ولكن خطاب الحقوق المدنية أصبح، على أي حال، يستخدم في خطاب الرئيس الأميركي نفسه حول قضايا إسرائيل الداخلية، كما في حالة المواطنين العرب في إسرائيل.

—————————-

هكذا يتبدل الوعي الاميركي لقضية فلسطين/ لوري كينغ

في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي، صدحَ صوت صفارات إنذار الشرطة من أمام منزلي بشكل متواصل على مدى 72 ساعة. اندلعت الاحتجاجات والتظاهرات في كل أنحاء أميركا، في مدن كبيرة وصغيرة، وذلك عقب مقتل جورج فلويد في 25 أيار/مايو، على يد ضابط شرطة عنصري في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا. أسقط المعتصمون تماثيل جنرالات الكونفدرالية التابعة لحقبة الحرب الأهلية الأميركية (1860-1864)، بالإضافة الى تمثال كريستوفر كولومبوس، في حركة تخريبية عمّت البلاد. طالب المعتصمون في الشارع، كما الناشطون عبر مواقع التواصل الإجتماعي، بمحاسبة علنية لأميركا حول خطايا عديدة أهمها: الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية واختطاف واستعباد الأفارقة.

في واشنطن، اقتحم عدد من اللصوص “المغامرين” المتاجر الكبرى في جادة ويسكونسن، بينما كان تركيز عناصر الشرطة على مظاهرات Black Lives Matter في وسط المدينة. من جهة أخرى، استغل آخرون الوضع لإلقاء الحجارة والطوب عبر نوافذ المتاجر في نواح عديدة من المدينة، علماً أن “فورة النهب” المخيفة لم تكن مرتبطة بالاحتجاجات السياسية.

على الرغم من وباء كورونا والمطالبة بالتقيد بالإجراءات الوقائية، كالمحافظة على المسافة المجتمعية، إلا أن آلاف الأشخاص، من جميع الأعمار والأعراق والأجناس والطبقات الإجتماعية، اجتمعوا في شوارع واشنطن مرددين هتافات للمطالبة بالعدالة لجورج فلويد. “حياة السود مهمة”.. هي صرخة يتردد صداها بقوة خاصة في العاصمة، التي يتحدر نصف سكانها أميركيين من أصل أفريقي وهم مستضعفون اقتصادياً.

نظراً لتكرار جرائم قتل عناصر الشرطة للأشخاص من ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة، تحولت الاحتجاجات الى ظاهرة روتينية، خاصة بعد ظهور حركة Black Lives Matter عقب مقتل مايكل براون في فيرغسون بولاية ميسوري في عام 2014. ولكن في حزيران\يونيو 2020، حصل شيء مختلف: المظاهرات التي أعقبت مقتل أميركيين أفارقة أو أميركيين من أصول أفريقية آخرين على أيدي عناصر الشرطة العنصرية جرت في مواعيد وأماكن معينة. إلا أنه هذه المرة لم تكن هناك من قيود زمنية أو مكانية. إذ تحولت الشوارع المحيطة بالبيت الأبيض إلى “ميدان عام” يواجه فيه المحتجون، بمختلف أعمارهم وخلفياتهم، على مدى أيام، عناصر من الشرطة مدججة بالسلاح- ومعظمهم من البيض- ومجهزين على هيئة “نينجا”، من معدات وأقنعة سوداء وغيرها.

من جهته، قام الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وفريقه ببذل كل جهوده آنذاك لتصوير المتظاهرين على أنهم متطرفون خطيرون ينتمون الى حركة “أنتيفا”(المناهضة للفاشية) ويخططون للعنف والفوضى والتدمير. لأول مرة منذ عقود، تم إطلاق الغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين وتم دفعهم بعيداً عن حديقة لافاييت القريبة من البيت الأبيض. وعلى الرغم من ذلك، إستفاضت موجة الغضب والتضامن مع جورج فلويد والأميركيين من أصول أفريقية وانتشرت خارج الولايات المتحدة، حيث شهدت المملكة المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية احتجاجات عديدة في هذا الشأن. قال النقاد: “شيٌ ما تغيّر”. وردد النشطاء “جورج فلويد غيّر العالم”.

مرّ عام، وعلى الرغم من عدم سماع صفارات إنذار الشرطة من خارج نافذتي هذا الأسبوع، حصلت احتجاجات حاشدة في العاصمة واشنطن، وأماكن أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وأيضاً وأيضاً، في جميع أنحاء العالم. الهدف الرئيسي من تلك الإحتجاجات هو دعم حقوق الفلسطينيين وإدانة تفلت إسرائيل من العقاب على جرائم حرب متتالية في غزة. بدوري، لقد شاركت في ما لا يقل عن ست تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في واشنطن على مدى العقديْن الماضييْن. عادة، تنطلق التظاهرات من البيت الأبيض ومن ثم يسير المتظاهرون بضعة أميال في المدينة لمدة ساعتين تقريباً. يشارك في تلك التظاهرات نحو ألف شخص، أغلبهم من العرب الأميركيين، وفلسطينيون، ومسلمون، وناشطون من مجموعات السلام. المختلف في هذا العام تحديداً، هو العدد الكبير والضخم للاحتجاجات التي حصلت خلال الأسبوعيْن الماضييْن في واشنطن وأماكن أخرى، وقد جذبت هذه الاحتجاجات أعداداً ضخمة من الناس إلى الشوارع، ومن خلفيات متعددة. وبشكل غير مسبوق، تمحورت عناوين الصحف الأميركية حول قضية فلسطين، إذ لفتت الصحف الانظار الى الانتهاكات الإسرائيلية ونقلت معاناة الفلسطينيين. وأكثر ما كان لافتاً، هو تقرير هيومن رايتس ووتش الذي نُشر في أواخر نيسان/أبريل، وقد وصف إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري” مما أدى إلى إحداث خرق كبير في ما يقال السردية الدبلوماسية العامة في إسرائيل (hasbara) وحول اعتبار إسرائيل “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.

اكتشف الأميركيون فجأة أن حياة الفلسطينيين مهمة، وأن كل التبريرات الإسرائيلية السابقة عن الإبادة الجماعية للمدنيين، والاحتلال، والحصار الاقتصادي، واستيطان أراضِ، وتدمير البنية التحتية، هي جميعها حجج فارغة. وأكثر من ذلك، أصبح من الممكن أن يتحول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ودعم الولايات المتحدة “غير المشروط” لإسرائيل- الى مواضيع رئيسية في السياسة الداخلية الأميركية والنقاشات الانتخابية، وهذا الإتجاه لم يسبق أن حصل منذ الانتفاضة الفلسطينية 1987-1993. وفي حال حصل هذا التوجه، قد يرغب الرئيس الاميركي جو بايدن في إعادة النظر في استراتيجيته (أو بالاحرى في لااستراتيجيته) في التعامل مع التعنت الإسرائيلي وانتهاكات القانون الدولي.

منذ توليه منصبه قبل أقل من خمسة أشهر، وفي أعقاب محاولة “الانقلاب الجمهوري” لمجموعة من المتعصبين البيض في مبنى الكابيتول، حصل بايدن على دعم كبير من قبل الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي لإلغاء سياسات دونالد ترامب الكارثية حول فيروس كورونا، مما خفف الضغط على العائلات الأميركية، وخاصة العمال وأصحاب الطبقة الوسطى، من أجل المضي في التركيز على “الصفقة الخضراء الجديدة” استجابة للاحتباس الحراري، وعلى خطة فرض ضرائب على أصحاب المليارات. حتى إن أنصار المرشح الرئاسي السابق السيناتور بيرني ساندرز أثنوا على سياسة بايدن المحلية حتى الآن. منذ ذلك الوقت، يحاول الرئيس بايدن قدر المستطاع إبطال الضرر الذي أحدثه دونالد ترامب في سياساته التخريبية حول مواضيع عديدة ومنها: الهجرة، العنصرية الممنهجة، حقوق مجتمع الميم والأهم منها، أنه أعاد الخطاب اللائق والمحترم إلى البيت الأبيض.

بايدن.. هو رجل متقدم في السن عانى الكثير في حياته؛ منذ وفاة زوجته وابنته الرضيعة في حادث سيارة منذ أكثر من 40 عاماً، ووفاة أحد أبنائه مؤخراً بسرطان الدماغ، فيما الإبن الآخر سقط في دوامة الإدمان وتملّكه اليأس. هذا الوضع لبايدن يبعث للتعاطف معه، علماً أن الرئيس الاميركي لا يخشى المخاطرة في السياسة المحلية. من ناحية أخرى، يشير العمر المتقدم لبايدن الى انه لن يسعى إلى خوض معركة الانتخابات مجدداً، لذا هو غير منشغل في قراراته وتصريحاته، وما إذا كانت ستعجب الناخبين أم لا. يبدو أنه يريد أن يفعل الصواب، ولهذا السبب، يبدو صمته حول أفعال إسرائيل أمر محيّر. وما لا يمكن إنكاره خلال الشهر الماضي، هو الانقسام الحاصل بين بايدن والقاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي.

في آذار/مارس 2010، قام بايدن، وقد كان يشغل آنذاك منصب نائب الرئيس الاميركي باراك أوباما، بزيارة رسمية إلى إسرائيل، في محاولة لاستئناف محادثات السلام والمفاوضات للوصول إلى اتفاق نهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد حرصت إدارة أوباما على حل المسألة دبلوماسياً، لكن إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كانت معارضة لسياسات أوباما، خاصة بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة الذي طرح فيه بداية جديدة مع العالمين العربي والإسلامي. وبعد وقت قصير من وصول بايدن إلى إسرائيل، والإعلان علنياً أنه في ما يتعلق بالامن الإسرائيلي “لا يمكن الفصل بين بلدينا أميركا واسرائيل”، تلقى بايدن، ومعها إدارة أوباما أجمعين، صفعة قوية حين أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية أنه سيتم بناء 1600 وحدة سكنية جديدة لليهود في القدس الشرقية. صرح بايدن وقتها أن هذه كانت “خطوة في اتجاه تقويض الثقة التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن”. وقد حثّ وقتها المسؤولون في وزارة الخارجية في واشنطن بايدن على العودة إلى أميركا. لكن بايدن قرر الإستمرار في الزيارة وحضر، وإن متأخراً، عشاءً أقامه نتنياهو على شرفه.

وعلى الرغم من الإذلال الذي تعرض له بايدن من قبل نتنياهو قبل نحو 12 عاماً، إلا أن بايدن لم يتعلم الدرس وما زال المسؤولون الإسرائيليين يعتبرونه “أحمق”. وفي كل الاحوال، سيبقى  دونالد ترامب الرئيس الأميركي المفضل لدى اسرائيل، مهما حاول بايدن والحرس القديم للحزب الديمقراطي إثبات ولائهم لإسرائيل في سياساتها الفاشية الحالية، ستودّ إسرائيل دائماً أن ترى ترامب أو أي شخص مماثل له في البيت الأبيض في الانتخابات القادمة في 2024. عدا عن أن قاعدة الدعم الأميركي لليمين المتشدد في إسرائيل متواجدة في الحزب الجمهوري، وخاصة بين المسيحيين الصهاينة الإنجيليين البيض. وبالتالي، لا يمكن لبايدن أن يفوز بأصوات هؤلاء الناخبين عبر منح نتنياهو وجماعته العنصرية الحكم المطلق. هو لا يستطيع أن يتفوق على ترامب من خلال إعطاء إسرائيل كل ما تطلبه.

الإنشقاق الحاصل داخل الحزب الديمقراطي يمهد لمطارحات أيديولوجية مختلفة لأجيال عديدة قادمة. وعلى وجه الخصوص، اليهود الأميركيون الأصغر سناً، الذين برز تواجدهم في عدد من الاحتجاجات الأخيرة ضد جرائم الحرب الإسرائيلية. وقبل أسبوعين، أصدر فريق العمل في حملة بايدن (معظمهم ممن تقل أعمارهم عن 30 عامًا) خطاباً مفتوحاً يحثون فيه الرئيس على اتخاذ موقف مختلف تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. بدورهم، ينظم الموسيقيون في الوقت الحالي حملة لدعم حقوق الإنسان والفلسطينيين، ما يذكرنا بالاحتجاجات المناهضة للفصل العنصري التي هزت نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا قبل 30 عاماً. شاء أم أبى، يتم جر بايدن والحزب الديمقراطي إلى نقاش طال انتظاره حول دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.

“حياة الفلسطينيين مهمة”.. هكذا يتبدل الوعي الاميركي تجاه القضية الفلسطينية، حيث لا يمكن تصنيفها ضمن قضايا السياسة الداخلية المحلية أو الخارجية. هذا الأمر أصبح جلياً داخل الكونغرس الأميركي، وكذلك في الجالية اليهودية الأميركية. من جهة أخرى، إن الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، المتمثل في النساء الشابات الملونات، وهم: ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، ورشيدة طليب، وإلهان عمر وكوري بوش – على خلاف واضح مع الحرس القديم في الحزب الديمقراطي الذي يتشكل معظمه من رجال “من ذوي البشرة البيضاء”، والذي يمثل بايدن أفضل تجسيد لهم.

شيء ما تبدل في الولايات المتحدة خلال العام الماضي: الإطار السردي حول قضية فلسطين. “حياة السود مهمة” كما النشاطات والحملات التي يقوم بها الأميركيون الأصليون في الشوارع، بالإضافة إلى الخطاب الجديد الذي يرتكز على مبدأين وهما إنهاء الاستعمار والتعويضات للفلسطينيين، وهو خطاب يروج له بين المثقفين التقدميين والأكاديميين والمحللين والناشطين، هي جميعها تعيد بلورة تصورات ومفاهيم الأميركيين للفلسطينيين، على سبيل المثال، بأنه يحق للفلسطينيين بالحصول على حقوقهم كسائر البشر. الفلسطينيون وعلى غرار ما حصل لجورج فلويد، يتعرضون للأفعال الوحشية على يد إسرائيل، إلا أن بايدن وفريقه من الحرس القديم في الحزب الديمقراطي يتجاهلون الخطاب المتغير في ما يخص القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة.

المدن

——————————-

هل الأسد بين ملفات بايدن و”القاتل”؟/ سميرة المسالمة

يتزامن كلّ لقاء قمة أول، بين رئيسي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مع ضجيج الأزمات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي تسبقها، إلّا أنّها هذه المرّة تتحقق وسط أجواء متوترة بين شخصي الرئيسين الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، وليس فقط بين سياستيهما في إدارة بلادهما، وملفات الأمن العالمي والقضايا والملفات العالقة بينهما، ومنها الملف السوري الذي كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد أودعه كاملاً في عهدة روسيا، مكتفياً بالرقابة عن بعد، ووضع خطوط تماسّ قابلة للانفجار، كما حدث أكثر من مرة في وجه محاولات روسية وإيرانية في شمال شرق سورية.

وفيما يصعب التكهن بما يمكن توقعه من لقاء بايدن بمن وصفه بـ”القاتل”، أي بوتين، أو وافق على وصفه بـ”القاتل” في لقائه مع شبكة “إيه بي سي”، إلا أنّ الأنظار ستّتجه إلى قمة جنيف في 16 يونيو/ حزيران الحالي، وهي غير مراهن عليها لتحقيق كثير من التقدم في ردم الخلافات البينية، وفكفكة عقد الملفات، ومنها قضية مراقبة الأسلحة النووية، وملفا إيران وكوريا الشمالية النوويان، وقضايا مناخية وصحية، في مقدمتها جائحة كورونا. ولا بدّ من أنّها لن تتغاضى عن قضية بيلاروسيا ونظامها واعتقال المعارضين.

وعلى الرغم من عدم وضوح موقف الإدارة الأميركية وخطتها في إدارة ملف سورية، فإنّ بوتين، كعادته السابقة في لقاءاته مع الرئيس السابق ترامب، أعدّ أوراق اعتماده من جديد في سورية، مستنداً إلى واقع أولويات الرئيس الأميركي بايدن التي أعلنها في خطاب فوزه في الانتخابات، وتجاهله قضايا الشرق الأوسط، ومنها سورية، ما يمكن فهمه تمديداً لسياسة ترك الملف في عهدة روسيا، حالياً على الأقل، بينما تنتهي الإدارة الأميركية من مباحثات فيينا مع إيران بخصوص الملف النووي وتوابعه في المنطقة، وهو قد يثمر ما من شأنه تغيير خريطة الوجود الأجنبي في سورية، وتبدل أدوار اللاعبين في الصراع على سورية.

ووفق ذلك، يحمل بوتين معه إلى لقاء جنيف (بما يخص الشأن السوري) نتائج انتخابات بشار الأسد التي جرت في 26 مايو/ أيار الماضي، ومشاهد عودة الرعب الأمني إلى نفوس السوريين، وتأكيد قدرته على إعادة سورية إلى ما قبل 2011 من الناحية الأمنية، من دون النظر إلى تقلص خريطتها الجغرافية، وتقسيمها إلى ثلاث دويلات، تقع حصة نظام الأسد وروسيا وإيران على نحو 62%، وداخلها تقع مدينة درعا التي تعود الهيمنة فيها إلى لجنة المصالحة من أهالي وفصائل مسلحة مع روسيا، حيث لا سلطة أمنية حقيقية للنظام فيها، وهذا ما أفسح المجال لدرعا، وبعض المناطق في ريفها، لمنع وضع صناديق انتخابية في مراكز كثيرة وتعطيل عملية إجراء “انتخابات” بشار الأسد فيها. وتسيطر قوى تابعة لتركيا على نحو 11%، بينما يسيطر الأكراد بدعم أميركي على نحو 27%.

يبرّر هذا الملف المعدّ مسبقاً تجاهل بوتين كلّ أنواع النقد الغربي والأميركي، وحتى السوري التي صدرت بحق شرعية انتخابات بشار الأسد، واصطناع ديمقراطيتها، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، حيث الالتفات إلى مثل تلك الانتقادات ينزع منه إحدى أهم أدوات المساومة التي يعتقد أنّها قد تفيده في ملفات أخرى، للمقايضة أو للمساومة، خصوصاً في ظلّ احتمالات التقارب الأميركي – الإيراني الذي يُخشى أن يتم على حساب مصالح روسيا في سورية والمنطقة.

ويمكن قراءة التقارب الروسي – الإسرائيلي والتنسيق بين روسيا وإسرائيل من زاوية مصالحهما المشتركة وتبادل الخدمات لإبعاد إيران عن المنطقة، سواء باستمرار الضغط الإسرائيلي وضربات إسرائيل لأنشطة إيران في سورية تحت عين أجهزة الرصد الروسية وتجاهلها من جهة، أو بفعل التجييش الشعبي الرافض لسياساتها في تشييع المنطقة من جهة أخرى. وفي كلّ الأحوال، يعني روسيا التفرّد بالملف السوري، وإبعاد إيران عن السباق لمناصفتها في استثمار الصراع الحالي في سورية.

التخلي، الذي أحدثته سياسة الديمقراطيين في عهد باراك أوباما، عن سورية من تغاضيها عن الخطوط الحمر التي وضعتها بوجه النظام السوري، وتسهيل دخول روسيا العسكري إلى سورية عام 2015، والاتفاق السري في 9 سبتمبر/ أيلول 2016 بين وزيري خارجية البلدين، الأميركي جون كيري، والروسي سيرغي لافروف (تحت مسمى الحدّ من العنف واستعادة وصول المساعدات الإنسانية وإقامة مركز التنفيذ المشترك بينهما)، وترك المجال لروسيا في إدارة الصراع داخل النظام السوري، وبين النظام ومعارضته المسلحة، وبين موسكو وأنقرة وطهران، وصناعة مسار آستانة التفاوضي من خارج القرارات الدولية، من بيان جنيف، وصولاً إلى قرار مجلس الأمن 2254، يجعل كلّه من سقف التوقعات السورية تجاه اللقاء المرتقب بين الرئيسين منخفضاً أكثر من سقف الوطن السوري الذي انهار فوق رؤوس الأبرياء تحت عين الإدارة الأميركية الديمقراطية السابقة، وخلال إدارة الجمهوري ترامب، وربما استمر في ذلك، في ظل إدارة بايدن الديمقراطية.

لم تكن لقاءات بوتين واتصالاته مع رئيسي الولايات المتحدة الأميركية السابقين، أوباما وترامب، في ما يخص سورية، في أيّ منها في خدمة القضية السورية، ومطالب الحرية، على الرغم من التهليل لنتائجها واتفاقاتها، بل منحت روسيا مزيداً من مساحة التدخل في ملف الصراع على سورية وفي سورية. وخلال الأعوام السبعة الماضية، نقلت موسكو الصراع من صراع شامل سياسي وقانوني ومسلح بين نظام سوري ومعارضة إلى مسلح فقط بين النظام مع داعميه (روسيا وإيران)، في مواجهة فصائل معارضة له مدعومة من دول عربية وإقليمية، ثم حيدت الدعم العربي، لتبقى الفصائل المدعومة من تركيا طرفاً يقابل النظام، وبذلك أهدرت الجهود الدولية في تفعيل مسار مفاوضات جنيف وفقاً للقرار 2254، وقزّمته إلى لجنة دستورية مشتركة بين منصّات “معارضة” مختلفة في مواجهة النظام المتصلب ضدها. ما يعني أنّ فرصة شرعنة وجود بشار الأسد الفائز بأصوات 95.1% بانتخاباتٍ لم يشارك فيها نصف الشعب السوري، وبتجاوزاتٍ حدثت تحت أعين الكاميرات، تتساوى اليوم مع فرص رغبة “المعارضة” السورية في إعادة إحياء العملية الدستورية في جنيف، التي تريدها اليوم موسكو أكثر من أيّ شيء آخر، لأنّها من الهدايا التي يريد بوتين تقديمها لبايدن على أنّها خطوة باتجاه تحقيق القرار 2254، وإعادة إحياء العملية السياسية التي استبقتها موسكو بتصريحات “خلّبية” عن إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في حال الوصول إلى توافق على دستور جديد، وهو ما سيحصل خلال سنوات، سواء مع المعارضة أو من دونها، لأنّه السبيل الدستوري الوحيد لعودة الأسد بعد انتهاء ولايته الحالية لحكم سورية.

العربي الجديد

————————–

في انسحاب أميركا من الشرق الأوسط/ سامر خير أحمد

خلطت الحرب الإسرائيلية أخيراً على غزة الأوراق الأميركية المتعلقة بترك منطقة الشرق الأوسط، وخفض اهتمامها السياسي بها إلى جانب سحب قواتها العسكرية منها، لصالح التركيز على منطقة المحيط الهادئ، استعداداً لمستقبل ساخن في مواجهة القوة الصينية الصاعدة في تلك المنطقة من العالم. فقد أظهرت الحرب، أكثر من أي وقت مضى، أن إيران ستكون القوة المرشحة لملء الفراغ الأميركي، بفضل تمدّدها إلى كل البؤر الساخنة المحيطة بحلفائها التقليديين في المنطقة، وتحوّلها من خلال علاقتها غير المعلنة مع المقاومة في غزة، إلى قوة ضغط عسكرية على إسرائيل، التي ما زالت الولايات المتحدة تعتبر صلتها بها مصلحة وطنية استراتيجية. وهذا يعني أنه لن يكون مجدياً للولايات المتحدة الاكتفاء بالدعم العسكري لإسرائيل، كما يقول أنصار انسحابها من الشرق الأوسط، إذ لا بد من مواصلة الاهتمام السياسي، والوجود الميداني، مع تبدّل موازين القوى في المنطقة، حتى وإن كان تبدّلاً طفيفاً.

ثم إن التحالف الإيراني الصيني الذي أُعلن عنه في الأسابيع الماضية، عبر توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي وسياسي مدّتها 25 عاماً، وكلفتها المالية 400 مليار دولار، يعني أن خروج الولايات المتحدة من المنطقة لمواجهة الصين في شرق آسيا سيتيح للصين أن تتدخل في الشرق الأوسط، ما يشكل ضغطاً على الولايات المتحدة وحلفائها يخلخل الخطط الأميركية، هذا فضلاً عن أنه سيضعف حلفاءها الأوروبيين في مواجهة روسيا المتمركزة على ضفاف المتوسط، في وقتٍ يسعى الرئيس بايدن إلى ترميم الشقوق التي أحدثتها سياسة سلفه ترامب في علاقات بلاده مع أوروبا.

إسرائيل، التي تخشى ذلك الانسحاب الأميركي المتوقع، لا بد أن توظف حربها مع حركة حماس لإقناع الإدارة الأميركية بالبقاء في المنطقة، وقد فعل نتنياهو ذلك فعلاً، حين حذّر الأميركيين من ترك المنطقة لـ”الإرهاب”، وجاء على أن الدول العربية اكتشفت، أخيراً، أن إسرائيل صديقة لها لا عدوة، وهذا يعني، من وجهة نظره، أن “أجواء السلام” المستجدّة هذه تستحق الدعم الأميركي في مواجهة تزايد النفوذ الإيراني.

في الولايات المتحدة، كان دعاة الانسحاب من الشرق الأوسط يروّجون فكرتهم بالقول إن الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط تراجعت كثيراً بالنسبة لبلادهم، فمعظم الطاقة التي تستهلكها أميركا اليوم ليس مصدرها نفط الشرق الأوسط. أما إسرائيل فقد باتت قادرةً بما يكفي على الدفاع عن نفسها، وتبدو محاولة إقامة السلام بينها وبين الفلسطينيين عبثاً لا طائل من ورائه، فما الداعي للوجود المكلف مالياً في تلك المنطقة من العالم؟ وسيكون منطقياً أن يكتشف هؤلاء، بعد الحرب أخيراً على غزة، أن المصالح الاستراتيجية لا تُقاس بهذه الموازين، فخروج الولايات المتحدة يعني دخول إيران والصين وروسيا، وتهديد أوروبا، ما يعني خسارات مضاعفة ومكلفة لنفوذ الولايات المتحدة.

صحيح أن الرئيس الأميركي بايدن افتتح عهده بتعيينات مكثفة في المناصب المعنية بشرق آسيا والصين، وبدت إدارته، حتى ما قبل الحرب على غزة، الأقل اهتماماً، مقارنة بالإدارات الأميركية السابقة بالتواصل مع الدول شرق الأوسطية، بما في ذلك إسرائيل، إذ جرى أول اتصال هاتفي بين نتنياهو وبايدن بعد نحو شهر من تولي الأخير منصبه، إلا أن الدبلوماسية الأميركية وجدت نفسها متورّطة فجأة بالأحداث المتسارعة التي تلت تهديد الفلسطينيين بالتهجير من حي الشيخ جرّاح في القدس، وهو الحال نفسه الذي خبره بايدن جيداً حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما، وعجزت إدارته عن الخروج من الشرق الأوسط وسط اندلاع ثورات الربيع العربي، وبروز حركات العنف التي تنسب نفسها للإسلام، إذ لا بد أن يكتشف بايدن، هذه المرة أيضاً، أن ما لم تفعله بلاده يوم كانت القوة العظمى الوحيدة في العالم، المتحكمة بالسياسة والاقتصاد، لا يمكنها أن تفعله الآن، وقد باتت مسألة تعدّد الأقطاب العالمية على أعتاب التحقق.

بالنسبة للصين، من الطبيعي أن يُثير تركيز الولايات المتحدة على شرق آسيا مخاوفها. صحيح أن الصين يمكن أن تستفيد من خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، عبر تمدّد نفوذ حلفائها، لكنها ستكون أكثر سعادة لو ظلت الولايات المتحدة غارقة في وحل الشرق الأوسط، وبعيدة عن تهديد نفوذها السياسي والعسكري في شرق آسيا، وطموحها المستمر إلى توسيعه. تدرك الصين أن علاقاتها مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، بمن فيهم إسرائيل والدول العربية، لا يمكن أن ترتقي إلى صفة العلاقات الاستراتيجية التي تكون عنصراً مؤثراً في التنافس الأميركي الصيني، على الرغم من توسّعها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مع السعودية والإمارات مثلاً، إذ ما تزال هذه العلاقات وستبقى متركزة في الجوانب التجارية والاقتصادية، دون السياسية، ولا يمكن للصين أن تسعى إلى ملء الفراغ الأميركي بنفسها.

من أجل مزيد من الموضوعية، لا تسعى الصين، في الأصل، إلى استعداء الولايات المتحدة، وتفضل لو أتيح لها أن تواصل نموها الاقتصادي بعيداً عن العداء الأميركي كما ظلت تفعل على مدار العقود الأربعة الماضية، فضلاً عن تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في آسيا وأفريقيا من دون أن تظهر بصورة العدو للولايات المتحدة. لكن هذا الحال يبدو متعذّراً منذ باتت الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم قبل نحو عقد، وهذا يعني أنها مضطرّة لخوض هذه الحرب الباردة: إلهاء أميركا عن شرق آسيا، وجرّها من جديد إلى الشرق الأوسط!

——————————-

ذي هيل: هل يمكن لأمريكا مواجهة الصين وروسيا وإيران سويّا؟

لندن- عربي21- باسل درويش

نشر موقع “ذي هيل” مقالا لكل من ليونارد ومايكل هوشبيرغ تساءلا فيه عن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة أعدائها، وأشارا فيه إلى أن الرئيس جو بايدن كان يتحدث عن التفاوض مع إيران من أجل ملفها النووي في وقت شنت فيه حركة حماس حربا على الاحتلال الإسرائيلي، حليف واشنطن الأقوى في المنطقة، بحسب قولهما.

وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:

يرى خبراء السياسة الخارجية أنه يجب على الولايات المتحدة الدفاع عن حلفائها حتى تحتفظ بمصداقيتها، في وقت ناقش فيه بعض الديمقراطيين التضحية بإسرائيل على مذبح التصحيح السياسي.

وأي محاولة لإرضاء إيران في المحادثات النووية مقابل ضبطها لحركة حماس لن يدعم إلا استراتيجية طهران طويلة الأمد والتي تهدف من خلالها للتسيد المناطقي على الهلال الممتد ما بين وادي دجلة- الفرات وعبر سوريا ولبنان وغزة.

نشير إلى ما قاله مؤسس التحليل الجيوسياسي هالفورد جون ماكيندر في كتابه “المثل الديمقراطية

والواقع” (1919) وتأكيده على أهمية الأرض المقدسة لبريطانيا العظمى كي تتحكم بقناة السويس.

وفي المنظور الجيوسياسي الأوسع قال ماكيندر إن إنشاء خط سكة حديد عبر سيبيريا سيعطي القوى البرية القدرة على مواجهة القوى البحرية للدول العظمى من المنطقة الأورو- آسيوية. وأكد أن الحربين العالميتين والحرب الباردة شنت من أجل الحفاظ على ما أسماه ماكيندر دول “المركز” ومنعها من السيطرة على الدول القومية الساحلية في المنطقة الأورو- آسيوية.

ويبدو كابوس ماكيندر الرهيب اليوم حقيقة، فالأنظمة المستبدة في روسيا وإيران والصين التي تنسق مع كوريا الشمالية والبقية تقع في قلب المركز الذي تحدث عنه ماكيندر ولها تأثير قوي على الليبراليات الديمقراطية في أوروبا والهند والشرق الأقصى. وتقوم الصين عبر “مبادرة الحزام والطريق” بربط المنطقة الأورو- آسيوية بها، اقتصاديا وعسكريا وثقافيا.

ويمتد التهديد المناطقي أبعد من دول بحر البلطيق والبحر الأسود في الغرب إلى بحر جنوب الصين وبحر شرق الصين ومضيق تايوان ومضائق بيرينغ.

وفي الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها عددا من النقاط الساخنة بالمناطق البحرية للمنطقة الأورو- آسيوية، تواصل روسيا تهديداتها لأوكرانيا بهدف تعزيز ضمها لشبه جزيرة القرم. وتعهدت الولايات المتحدة في مذكرة بودابست عام 1994 بحماية وحدة الأراضي الأوكرانية بعد تخلي كييف عن سلاحها النووي. إلا أن روسيا كشفت عن عدم أهمية هذه الضمانات. كما وتهدد روسيا دولة إيستونيا في بحر البلطيق العضو في حلف الناتو. ولو حدث غزو ناجح لدولة عضو في الناتو فستكون كارثة على الولايات المتحدة ومصداقيتها.

وتخلت الصين عن نظام “بلد واحد ونظامان” الذي ضمن استقلالية جزيرة هونغ كونغ، وأعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ عن خطط لضم تايوان، وبالقوة حالة دعت الضرورة. وتقوم الصين ببناء قدراتها لمحاصرة وغزو تايوان، بشكل يهدد اعتماد الولايات المتحدة على الإلكترونيات المتقدمة وكميناء لاحتواء الطموحات الصينية في منطقة المحيط الهادي. أما في منطقة بحر شرق الصين فتزعم بيجين أن الجزر اليابانية سنكاكو هي ملكها. وفي بحر جنوب الصين بنت بيجين جزيرة اصطناعية لتعزيز سيادتها على عدد من المعابر البحرية. وتهدد الصين كل الدول التي تشترك معها بحدود بحرية وبدأت بغزوات برية لجيرانها في الهند وبهوتان. وأصبحت التيبت وهونغ كونغ منطقتين محتلتين.

وتزداد مخاطر وتهديدات الدولة المنبوذة، فإيران تدعم حركة الحوثيين في اليمن. كما وتحرض على الإنقسام الطائفي في دول الخليج والعراق وتسيطر على لبنان وسوريا عبر حزب الله وتهدد الملاحة الدولية العابرة لمضيق هرمز. وكوريا الشمالية تمثل تهديدا على جارتها كوريا الجنوبية وتهدف لأن يصل برنامجها النووي إلى الولايات المتحدة.

وتمثل منظمة شنغهاي للتعاون والتي تقودها الصين مع روسيا تحالف دول المركز المستبدة التي تحتل ما أطلق عليه ماكيندر المركز.

ولأول مرة في جيل تواجه الولايات المتحدة عدوا مستبدا في الصين. وزادت نفقات الصين الدفاعية بشكل كبير، بناء على المنحنى الأسي، مقارنة مع المنحنى المسطح للنفقات الدفاعية لدول الناتو.

والحرب للانتصار في الحدائق الخلفية لأعداء الولايات المتحدة تعني القتال في المناطق التي هم فيها أقوياء وواشنطن ضعيفة. وفي ذروة الحرب الباردة زعمت الولايات المتحدة أنها قادرة على خوض حرب رئيسة وأخرى ثانوية.

لكن القوة العسكرية الأمريكية تراجعت بشكل تدريجي بحيث أصبحت بمستوى قوة أعدائها. وكعلامة على القدرات العسكرية هي حجم البحرية الأمريكية.

ففي عهد رونالد ريغان، حاولت الولايات المتحدة الحفاظ على أسطول بحري من 600 سفينة حربية، لكن القدرات انخفضت بشكل نسبي منذ ذلك الوقت. وبحسب سيث كروسبي، من المحافظين الجدد في أمريكا فعدد السفن الأمريكية اليوم والتي تنشر حول العالم هو 101 سفينة، لكن الأسطول العسكري لا يتجاوز عدد سفنه 297 سفينة. وهي سفن غير كافية لاحتواء الخطر على السواحل الصينية أو مواجهة التحديات في المنطقة الأورو- آسيوية.

وفي القريب العاجل لن يكون لدى الولايات المتحدة حاملة طائرات كجزء من الأسطول السابع في منطقة آسيا- الباسيفيك، رغم النية الصينية لاحتلال تايوان.

وعلى خبراء الأمن القومي تقييم سيناريو يقوم فيه أعداء الولايات المتحدة بفتح حرب على أربع جبهات: ضد أوكرانيا وتايوان وإسرائيل ومهاجمة كوريا الشمالية جارتها الجنوبية من خلال استخدام النفوذ النووي، فيما تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز. وسترفق الهجمات العسكرية هذه بهجمات إلكترونية على البنى المالية في الولايات المتحدة.

والسؤال إن كانت الولايات المتحدة جاهزة لهذه الحروب المتتابعة، وهل ستستخدم السلاح النووي للدفاع عن حلفائها؟ وإن كان عليها اتخاذ قرارات حول أولوية النزاع الذي ستدخله، فأي منها ستختار أولا؟ وحتى تكون الولايات المتحدة قادرة على خوض حرب على عدة جبهات، يجب أن تكون جاهزة أولا وتدعم حلفاءها.

ولوقت طويل، تجاهل محللو الأمن القومي كابوس ماكيندر، فالأنظمة المستبدة عادة ما تجد أرضية مشتركة للعمل معا. ولدى الديكتاتوريين الراحة واللعنة لاتخاذ قرارات بدون نقاشات تشريعية.

ولو فشلت الولايات المتحدة في ردع محو الديكتاتوريات- الصين، روسيا، إيران وكوريا الشمالية، فستقوم هذه بالبحث عن أرضية مشتركة تؤدي إلى حرب على أربع جبهات.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

———————-

قمة بايدن بوتين : “جيد أننا إلتقينا”/ بسام مقداد

لم تبلغ العلاقات الروسية الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة مستوى التدهور، الذي تعقد في ظله قمة بايدن بوتين في 16 من الجاري. وكما سبق لقمة بوتين وترامب في هسلنكي العام 2018 أن اكتسبت أهميتها من مجرد اللقاء الشخصي بين الرئيسين، لا يتوقع إعلام الطرفين نتيجة مختلفة  للقمة الحالية ، على الرغم من تعداده للقضايا الثنائية والدولية، التي تنتظر مساهمة الدولتبن في إيجاد الحلول لها. وتشير عناوين النصوص، التي ينشرها هذا الإعلام عشية القمة إلى التناقض الحاد بين حقيقة إنعقاد القمة والنتيجة صفر المتوقعة منها: “بوتين ـــــــ بايدن، حلبة أم طاولة مفاوضات” ؛ “بايدن وبوتين لا شيء يتحدثان به”؛  “القمة اللغز. لماذا يلتقي بايدن ببوتين” ؛ “هل هو منتج الحوار مع الديكتاتور؟” : “ترامب يشك في أن بوتين “يسخر علنا” من بايدن”؛ ” بوتين بمواجهة بايدن : ما الذي يمكن توقعه من اللقاء الأول بين الرئيسين الأميركي والروسي منذ مدة طويلة”؛ “في الولايات المتحدة توقعوا هزيمة بايدن في القمة مع بوتين”، وسواها من النصوص التي تسنى الإطلاع عليها .

في موسكو ، لم يقتصر الأمر على الإعلام وحده في الحديث عن إيجابية اللقاء الشخصي بين الرئيسين والنتيجة صفر المتوقعة للقمة، بل إنخرط الكرملين نفسه في تأكيد ما ذهب إليه إعلامه، مع التصريح عن تمسكه بالأمل في نتيجة معاكسة هو بأشد الحاجة إليها . فقد صرح الناطق بإسم الكرملين دمتري بسكوف بأن العلاقات الروسية الأميركية مأزومة، ولا يتوقع الكرملين تحقيق “أية خروق ، ولا ننتظر تقدماً ما مهماً”. لكنه يرى أن التواصل الأول بين الرئيسين “مهم جداً” ، فالعلاقات بين الطرفين مأزومة و”ثمة ما يتحدث به الرئيسان”. لكنه أضاف بأن مثل هذه الكمية من المسائل على جدول الأعمال من المستبعد أن يتم تذليلها بسرعة، عدا عن أن ثمة عدداً من المسائل المبدئية توجد حولها “خلافات جدية”.

وعاد بسكوف وأكد في اليوم عينه لوكالة نوفوستي على هامش “منتدى سانت بطرسبورغ الإقتصادي الدولي”، الذي عقد لقاءه السنوي بين 2 و5 من الجاري، بأن روسيا مستعدة لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة. وقال بأنه توجد دائماً فرصة لتصحيح الأخطاء، فرصة لمحاولة إيجاد مخرج “حتى من الطرق المقفلة”، لكن هذا “يتوقف على الإرادة السياسية”. وأكد على أن الرئيس الروسي قال غير مرة، أن موسكو على إستعداد للسير بعيداً على طريق تحسين العلاقات الثنائية “بقدر ما يكون الشركاء الأميركيون مستعدين للسير به” . 

من جانبها ، رئيسة الإتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكا أكدت على “الحاجة” إلى لقاء الزعيمين الروسي والأميركي، إلا أنها حذرت من أنه إذا “حاولوا تعليم روسيا الديموقراطية، فلن يكون هناك حوار”. وكررت ماتفيينكا التأكيد على أن العلاقات الروسية الأميركية تمر ب”أوقات عصيبة”، وأن الولايات المتحدة تنتهج سياسة عدائية علنية، وتفرض عقوبات، وتسوق إتهامات “غير مثيتة” ضد روسيا. كما رأت أن العلاقات الأميركية الروسية ليست مجرد علاقات، بل هي “العمود الفقري” للأمن الدولي والإستقرار الإستراتيجي ، ويرتبط بالعلاقات الأميركية الروسية القانون الدولي والحرب والسلم وحل النزاعات المزمنة . لكنها حذرت من  التوقعات المبالغ فيها من الاجتماع القادم ، وقالت بأن روسيا كانت تعلن دوماً عن إستعدادها للحوار ، لكنه “حوار الإحترام المتبادل ، المفيد للطرفين والذي يأخذ بالاعتبار مصالح كل من الطرفين” ، حسب نوفوستي .

القوميون الروس يتحسسون من أية علاقة روسية مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من تأييدهم الكامل لسياسة بوتين الخارجية حيال الغرب، إلا أنهم لا يرون في القمة الحالية من ضرورة. فقد كتبت صحيفتهم “CP” (الصحافة الحرة) نصاً بعنوان “بايدن وبوتين : ليس من شيئ يتحدثون به”، وتساءلت عن معنى اللقاء إذا كان الرئيس الأميركي يراهن مباشرة على المواجهة. ونقلت عن نائب وزير الخارجية للشؤون الأميركية سيرغي ريابكوف قوله بأن جدول أعمال الرئيس الروسي لا يتطابق مع جدول أعمال زميله الأميركي. وتقول الصحيفة بأن عدم التطابق بين جدولي أعمال الرئيسين صرح به بايدن نفسه مباشرة حين قال: “سألتقي مع الرئيس بوتين بعد أسابيع في جنيف ، وأعلن صراحة بأننا لن نسمح بخرق هذه الحقوق ( الإنسان) “. وتنطلق الصحيفة من عداء الكرملين الصريح لمفهوم الغرب لحقوق الإنسان ، وتقول بأن تصريح بايدن هذا يعني بأنه يعتمد المجابهة منذ البداية، وتتساءل “هل يعقل أن نلتقي  في ظل مثل هذا المزاج ؟ على ماذا يمكن ان نتفق” إذاً؟

وتنقل الصحيفة عن رئيس “مجلس خبراء مؤسسة التطوير الإستراتيجي” إيفور شاترين قوله بأنه، إضافة إلى مسائل العلاقات الثنائية، يضم جدول الأعمال الروسي مسائل الأمن العالمي، التي تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة وروسيا معاً كعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، وهذه مقاربة “واقعية وبراغماتية. وإلا “عن ماذا يمكن أن يتحدث زعيما “الدولتين الأعظمين” في لقائهما الأول وهما ليستا في أحسن العلاقات. ويقول الخبير أن معلوماته تشير إلى أن الجانب الأميركي لن يقدم على تقريب المواقف من بعضها .

ورداً على السؤال ما إن كان يجب أن يعقد اللقاء دون أن تحصل أية خروق كما هو واضح ، يقول الخبير بأنه للقاء الأول قد تكون كافية الصور ، التي تُظهر القدرة على الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة.

الطبعة الروسية للشهرية الأميركية المتنوعة المعروفة “ESQUIRE” قدمت لنصها بشأن القمة بإستعراض الأحداث العاصفة ، التي شهدتها العلاقات الروسية الأميركية منذ وصول بايدن إلى البيت البيض. وخلصت إلى الإستنتاج بأن كل شيئ بدا وكأن الطرفين ، أو قد يكون طرف واحد ، يعدان للإنسحاب إلى مواقع تم إعدادها سلفاً . وبلغ التوتر مستوى أصبح معه الهواء يطن كالمعدن ، كما يقال ، وبدا الوضع وكأنه لم يعد لدى البلدين ما يتحدثان به .

ومع ذلك يدرك الطرفان جيداً أن عليهما أن يتحدثا إلى بعضهما ، سيما أن كمية المشاكل العسكرية السياسية العالمية بلغت حجماً يستحيل معه أن يأخذها طرف واحد على عاتقه . لدى الطرفين ما يقولانه لبعضهما البعض بشأن التدخل في الشؤون الداخلية ؛ إقتحام مناطق النفوذ التقليدية ؛ المواجهة في الفضاء السيبراني ؛ المطالب في القطب الشمالي ؛ مصالح الطاقة في أوروبا والمصالح السياسية في الشرق الأوسط .

لكن التخوف الأساسي للموقع ما أن يعمد بايدن إلى محاولة جعل منصة الحوار الأميركي الروسي حول مجموع القضايا المتراكمة ، إلى علاقات أميركية ثنائية ، ويستغلها لتوبيخ زميله الروسي بإسم البشرية المتنورة جمعاء، ويتنطح لدور المدافع عن حقوق جميع البلدان الصغيرة والمتوسطة المتضررة من سياسة الكرملين، ويتلو محاضرة عن فوائد الديموقراطية . والإغواء لمحاولة القيام بذلك يبدو كبيراً، سيما أن بايدن أعلن في مطلع عهده عن نيته في تكوين “تحالف الديموقراطية”، الذي يجمع ” كل الحكومات الديموقراطية في محاربة التسلطية . وعلى الرغم من أن ملامح هذا التحالف ومعايير المشاركة فيه  ليست مفهومة حتى الآن . إلا أن محاولة تحميل روسيا المسؤولية عن كل مشاكل العالم المعاصر وانحطاط المؤسسات الديموقراطية قد تصبح إعلاناً عن تشكيل “إتحاد القلوب” الجديد .

———————

ناشيونال إنترست: 7 خطوات لبناء استراتيجية أمريكية شاملة تجاه تركيا

من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بنظيره التركي “رجب طيب أردوغان” في 14 يونيو/حزيران الجاري. وبالرغم من توتر العلاقات الثنائية بسبب القرارات التي اتخذها الجانبان خلال السنوات الأخيرة، فإن الاجتماع المقبل يمثل فرصة لإصلاح بعض الأضرار لذلك يجب على الزعيمين ألا يضيعوا الفرصة.

ولدى كل جانب أسباب قوية لإعادة ترميم هذا التحالف المهم، لكن كل زعيم منهما يواجه معارضة سياسية داخلية تدفعه نحو مواجهة ممتدة. فقد تزايدت المشاعر المعادية لتركيا بين الديمقراطيين التقدميين في الكونجرس، وتزايد العداء لأمريكا لدى الناخبين الأتراك. وسيتطلب كسر هذا المأزق الكثير من الدبلوماسية والحكمة وخطوات حقيقية من كل من “بايدن” و”أردوغان”. لكن الأمر يقع في الأساس على “بايدن” للوصول إلى “أردوغان” عبر اتخاذ الخطوة الأولى ودفع العلاقة إلى الأمام بشكل مثمر.

تشترك الولايات المتحدة وتركيا في تاريخ طويل من التعاون، وتنسجم مصالحهما الHستراتيجية في الخطوط العامة، لا سيما في مواجهة روسيا من خلال حلف الناتو. لكن وجود الناتو القوي أمر مستحيل بدون تعاون حقيقي بين واشنطن وأنقرة، حيث تعتبر تركيا ثاني أكبر جيش في الحلف بعد الولايات المتحدة لذلك فإن التنسيق بينهما مهم لإنقاذ الناتو الذي يواجه شكوكًا من الأعضاء الأوروبيين الرئيسيين بما في ذلك فرنسا التي أعلن رئيسها “إيمانويل ماكرون” أن الناتو “ميت سريريا”، كما أن إحجام ألمانيا عن المساهمة بشكل متناسب في الدفاع الجماعي معروف جيدًا.

وبالنظر إلى التصور الغامض للدول الأوروبية الكبرى تجاه الأمن، يجب على “بايدن” بذل كل ما في وسعه للحفاظ على استقرار تركيا داخل الناتو، فإذا اختار “أردوغان” تلبية تطلعات جمهوره التركي المناهض لأمريكا وترك التحالف -أو دفع الولايات المتحدة خارج قاعدة إنجرليك الجوية- فقد يختفي الناتو.

وفي حين تتفق الأجندة التركية والأمريكية إلى حد كبير فيما يتعلق بمواجهة موسكو، سواء في البحر الأسود أو سوريا أو ليبيا، إلا أن هناك قائمة طويلة من نقاط الاختلاف الأخرى. فقد انتقدت واشنطن القرار التركي بشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400” كما تنتقد واشنطن بعض ممارسات السطات التركية باعتبارها “انتهاكات لحقوق الإنسان”.

وفي المقابل، فإن اعتراف إدارة “بايدن” بما يسمى “الإبادة الجماعية للأرمن” فاقم مشاعر الكراهية للولايات المتحدة داخل تركيا. ويعتقد “أردوغان” وقطاع كبير من الجمهور التركي أن الولايات المتحدة توفر الحماية لـ”فتح الله جولن”، الذي يُنظر إليه على أنه وراء محاولة الانقلاب عام 2016.

وبشكل عام، هناك خلاف بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية، بما في ذلك النزاعات في شرق المتوسط ​​والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وبدلاً من التعامل مع هذه المشاكل بشكل مجزأ، يجب على “بايدن” أن يشرع في استراتيجية دبلوماسية شاملة تستند إلى التنازلات المتبادلة من أجل استقرار التحالف. وستكون مثل هذه الاستراتيجية متسقة مع رواية إدارة “بايدن” بشأن “عودة أمريكا” وإصرارها على مركزية الدبلوماسية.

ويجب على “بايدن” أن يستغل اجتماعه مع “أردوغان” ليبدي استعداده لتقديم تنازلات بشأن بعض النقاط الخلافية والتفاوض بشأن أخرى ولكن بروح إصلاح الشراكة.

ويتمثل الخلاف الرئيسي بين تركيا والولايات المتحدة في الصراع في شمال شرق سوريا والشراكة المضللة التي دخلت فيها الولايات المتحدة مع القوات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني. وتعتبر تركيا هذا الأمر تهديدًا وجوديًا. وتدين الولايات المتحدة لتركيا برد لا لبس فيه على مخاوفها بشأن “الإرهاب الكردي”. ويمكن لخطوة جريئة من جانب “بايدن” بشأن هذه النقطة أن تحسن العلاقات الثنائية بشكل كبير وتقطع شوطًا طويلاً نحو معالجة المشاعر المعادية لأمريكا. هذا هو الجوهر الحقيقي للمسألة.

ثانيًا، يحتاج المأزق بشأن صواريخ “إس-400” إلى حل سريع. يجب على الولايات المتحدة أن تعرض على تركيا صواريخ “باتريوت” كبديل وأن تعيد تركيا إلى برنامج مقاتلات “إف-35”. وسيتطلب هذا الأمر التعاون مع الكونجرس في ضوء قانون مكافحة الإرهاب. ويمكن لإدارة “بايدن” الاستفادة من الأغلبية الديمقراطية. ومع ذلك، يجب ربط هذا العرض بالتزام من تركيا بأنها لن تسعى للحصول على أسلحة أخرى يمكن أن تعرض الناتو للخطر. وقد تتضمن الحوافز عرضا أمريكيا لتطوير صناعة الأسلحة المحلية.

ثالثًا، في حين أن الحكومة التركية لم تقدم للولايات المتحدة أدلة كافية لتبرير تسليم “جولن”، يمكن تشجيع المواطنين الأتراك الذين لديهم شكاوى من أتباع “جولن” على رفع دعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية. يمكن لمثل هذه الخطوة أن تثبت لـ”أردوغان” والرأي العام التركي أن المسألة قضائية تتعلق بالقانون الأمريكي.

رابعًا،  يجب على الولايات المتحدة الانخراط بنشاط في دور الوساطة في المنطقة. يجب على الولايات المتحدة الضغط من أجل التقارب التركي السعودي وإيجاد أرضية مشتركة في سوريا والعراق وليبيا وفي كبح جهود إيران لزعزعة الاستقرار الإقليمي. ويجب على الولايات المتحدة أن تعمل بالمثل على تقليل التوترات بين تركيا وإسرائيل والتوسط بين الإمارات وتركيا. ويجب أيضًا منح تركيا التقدير الذي تستحقه لتعاونها مع أوكرانيا.

خامساً، يمكن للولايات المتحدة أن تعمل على نزع الطابع السياسي عن نزاع شرق المتوسط ​​حول الحدود البحرية وتشجيع الحل التعاوني والتقني. وفي غياب القيادة الأمريكية، ستزداد هذه المشكلة سوءًا. ومع الحاجة إلى استكشاف عملية محايدة قد تشمل لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، فإن هناك حاجة إلى مزيد من المشاركة الاستباقية من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين.

سادساً، على الولايات المتحدة أن تبني على الشراكة التاريخية مع تركيا في الأماكن التي تتداخل فيها المصالح مثل البحر الأسود وسوريا وليبيا والصومال. وإذا كانت أمريكا تريد إعادة تأكيد مكانتها في الشؤون العالمية دون توسيع وجودها العسكري، فإنها تحتاج إلى شركاء مثل تركيا لممارسة تأثير بناء في المناطق التي تلعب فيها دورًا حيويًا مثل الشرق الأوسط، وشرق المتوسط​​، ومنطقة البحر الأسود، وكذلك القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا.

سابعاً، في أعقاب بيان “بايدن” حول “إبادة الأرمن”، يجب على الإدارة الأمريكية أن توضح أن الاعتراف بمعاناة الأرمن لم يكن هجومًا على الجمهورية التركية وأن تقترح إطار عمل لفتح الحدود بين أرمينيا وتركيا ومساعدة البلدين على العمل نحو تطبيع العلاقات.

ولا تعتبر المشاكل التي تؤجج الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا بسيطة. ومع ذلك، ما لم تبدأ الولايات المتحدة استراتيجية مصالحة واسعة، فإن هذه المشاكل سوف تتفاقم وتنفجر في نهاية المطاف. وبالنظر إلى الخطر الذي يشكله الانقسام بين أنقرة وواشنطن، فإن معالجة أسباب هذا الانقسام يعتبر أولوية. ويجب على “بايدن” اغتنام الفرصة “لإعادة هذه العلاقة الثنائية إلى أساس متين.

ونظرًا لأن روسيا تشكل حاليًا تهديدًا متزايدًا، ومع توتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فقد حان الوقت للولايات المتحدة للمضي قدمًا كصديق وداعم طويل الأمد لتركيا. وتعتبر هذه لحظة فارقة بالنسبة لواشنطن للتواصل مع حليفها من أجل إصلاح الشراكة وإعادة تأكيدها. وأصبح الأمر متروك لـ”بايدن” الآن للعمل على صفقة كبرى كطريقة لتأمين التزام تركيا تجاه الحظيرة الغربية.

————————

لماذا تحتاج أميركا إلى دور عربي شرق أوسطي؟/ منير الربيع

تسير منطقة الشرق الأوسط إلى رسم وقائع وملامح جديدة، على وقع المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، واشنطن وتل أبيب، أميركا وإيران، السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. إنها المرة الأولى التي تبرز فيها رغبة أميركية بدور عربي مباشر بالقضية الفلسطينية، والمرحلة المقبلة ستبرز دورا كبيرا للمملكة العربية السعودية يتعلق بهذا الملف، ما يعني العودة عن سياسة التخلي العربي عن فلسطين، ستكون واشنطن بحاجة إلى الاستنجاد بالتدخل العربي، لأن هذا ما تفرضه الوقائع الاجتماعية والثقافية، وعوامل الجغرافيا السياسية. هناك حاجة أميركية قصوى للديناميكية العربية، تخلق القدرة على الاستثمار في التوازنات وإدارتها، لأن أبرز مشكلة وقعت في المنطقة، هي اختلال التوازن وغياب المساحة العربية عن الفعل والتأثير.

الخلاف الأميركي الإسرائيلي ينعكس تحوّلاً هائلاً لدى يهود الولايات المتحدة الأميركية، الذين ظهر تغير جوهري في مواقفهم غير متعاطف أو مؤيد لمشاريع إسرائيل، بالإضافة إلى خلاف كبير حول آلية تعاطي نتنياهو مع الأميركيين، إنها المرة الأولى التي يتم فيها تقديم مشروع قانون يدين إسرائيل، بغض النظر عن أنه لم يمرّ. وهذا يعكس مدى التحول داخل أميركا. في المقابل يفرض الموضوع الفلسطيني نفسه بنفسه، ما يؤدي إلى تغيير كل آلية التعاطي الأميركية السابقة مع فلسطين. والتغير الأساسي الذي حصل هو أنه في السابق كانت سياسة إضعاف الدول العربية ونظامها الإقليمي وأدوارها لتمرير المشروع، والذي تجلّى باتفاق أبراهام أو صفقة القرن، الذي لم يؤد إلى اطمئنان إسرائيلي، فكان مصيره السقوط، وهذا ينعكس أيضاً في آلية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي لم تنفع كل عجرفة نتنياهو وألاعيبه في الحفاظ على موقعه، لا بل أكثر من ذلك أصبح الأميركيون في حاجة إلى التحرر من أعبائه وأثقاله، ولا يمكن نفي دورهم الأساسي في تركيب الحكومة الجديدة لطي صفحة نتنياهو فقط مع علمهم أن هذه الحكومة الهجينة لن تكون ذات عمر طويل، إنما ستسقط خلال فترة قصيرة وستذهب إسرائيل إلى انتخابات جديدة.

هناك مسار يحكمه سقف “التسوية” أو المفاوضات، أو “حلّ الدولتين” لا بد من العودة إليها، بالرغم من أن هذه الحكومة يمينية، لا بد أن ترتبط بتغيير في السياسات التي كان يتبعها نتنياهو مع ترامب. وكانت أبرز المؤشرات على هذا التغير هو آلية التعاطي الأميركي مع المفاوضات الإيرانية، والتي أصرّ الأميركيون على السير فيها بمعزل عن الموقف الإسرائيلي، وهو أمر دفع بنتنياهو إلى التصريح بشكل علني عن المفاضلة بين مصلحة إسرائيل وتوجهات أميركا. وهذا سيلعب دوراً أساسياً في الانقلاب على مسار ترامب ما سينعكس مجدداً على المقاربات العربية، وسيدفع الأميركيين إلى انتهاج سياسة تسعى إلى تماسك الحلفاء العرب معها، من دون إنهاء القضية الفلسطينية، لأن المنطقة لا تحتمل الأسلوب الذي كان ينتهجه ترامب ونتنياهو. خصوصاً أن تلك الخطوات كانت ستؤدي إلى انفجارات اجتماعية، وأمنية، وعسكرية، وسياسية.

سياسة بايدن أعطت نفساً لكثير من الدول العربية، أولها مصر، بالإضافة إلى دور قطر، واستعادة الأردن للاضطلاع بدور أيضاً خصوصاً أنه كان من أبرز المستهدفين باتفاق أبراهام. سيؤدي ذلك إلى بروز أطراف جديدة في لعب دور مقرر في المرحلة المقبلة، قد تكون مصر هي صاحبة هذا الدور بعد كل محاولات تهميشها، وهذا ما فرضته الوقائع الميدانية في الحرب الأخيرة، التي فرضت أيضاً حاجة كبيرة للدور المصري. ما يقود إلى خلاصة جديدة، أن المسألة ليست إيرانية أميركية، فلا يمكن لإيران الذهاب بعيداً بالدخول في الموضوع الفلسطيني، لأنه سيربكهم، إنما تريد إيران فقط الحصول على مكاسب من دون تحمّل تبعات سياسية.

قمة بايدن بوتين ستكون مفصلية في رسم ملامح واتجاهات الأوضاع في المنطقة، إنها الحركة الدولية الأساسية الأولى لبايدن، والتي من خلالها سيستعيد وضعه الأوروبي من خلال بحث التمدد الروسي في أوروبا في حين بوتين سيتحدث عن ملف النورد ستريم 2، الذي يعتبره عنصراً مهدداً للمصالح الاستراتيجية الروسية وسيطالب بإزالة العقوبات، بالإضافة إلى المحادثات النووية، والملف الإيراني، والذي سيكون مرتبطاً حتماً بالوضع السوري. في المقابل، تستميت إيران في سبيل الحصول على أي مبالغ مالية ولذلك تهدف إلى رفع العقوبات. كل العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي تستهدف سفن أو حافلات إيرانية لن تردّ عليها طهران لتمرير الاتفاق.

الازدواجية الأميركية في التعاطي مع إسرائيل، تنعكس ازدواجيات متعددة مع ملفات أخرى، وهو مسار تنتهجه دول أخرى لا سيما في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أن الانتخابات السورية غير شرعية ولا يمكن الاعتراف بها، بينما التواصل يتزايد بين هذه الدول والنظام السوري، وصولاً إلى التفكير في آلية الانفتاح على النظام. زار وفد فرنسي ثان العاصمة السورية دمشق، في محاولة أوروبية لجس نبض ردود الفعل لعملية الانفتاح، بينما الأميركيون يقولون إن الحل العسكري غير قائم إنما لا بد من اللجوء إلى الحلول السياسية، وهذا ما يفتح الأبواب أمام الحوارات بين القوى، والدول المتعارضة والمتضاربة والمتخاصمة.

 البت بالملف السوري سيكون مستقبلاً، وبعد الاتفاق النووي، هناك وهم بالقدرة على إخراج إيران من سوريا، وهذا أصبح من سابع المستحيلات، بل ستحتفظ بحصتها السورية بالاحتفاظ بالنفوذ على الأرض والديمغرافيا وداخل كل المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن في المقابل، سيبرز دور عربي أيضاً على الساحة السورية، يكون فاعلاً، مؤثراً ومقرراً في عملية إعادة التسوية والتوازن، ولو أن الأسد بقي في موقعه، يستحيل أن يبقى بالشكل الذي هو فيه، إنما الاتجاه سيكون إلى تشكيل حكومة بصلاحيات معززة يتحقق فيها التوازن بين النظام، والقوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية الداخلية والخارجية، تحت هذا الباب جاء تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن إعادة إجراء الانتخابات في سوريا، وهو فقط في إطار استدراج العروض الخارجية، وإرسال رسالة إلى الأسد بأنه ليس أبدياً وغير مطلق الصلاحيات، وعليه أن يكون مرناً في مقاربة التحولات التي لا بد لها أن تفرض.

تلفزيون سوريا

——————————————–

لقاءات حزيران الدولية.. والملف السوري/ محمد شيخ يوسف

مع تنفس العالم الصعداء وبدء رؤية الضوء في نهاية النفق المظلم لوباء كورونا، وترافق ذلك مع الرفع التدريجي عن الحظر والسياحة والسفر، وتصاعد حملات التلقيح، تشهد الأيام المقبلة لقاءات دولية عديدة، ومناقشة ملفات عديدة مختلفة، منها بالتأكيد الملف السوري الذي بات يعتبر من أهم المحطات الدولية إضافة للملفات الأخرى، مع اكتسابه طابعا دوليا ونقاط توافق واختلاف إقليمية وبين أقطاب العالم، وبات الملف السوري أيضا ميدانا للمساومات والتقلبات والمصالح مع الأسف، بين الدول المختلفة وخاصة الدولتين الأهم المؤثرتين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى، وتليهما دول الإقليم ودول الاتحاد الأوروبي.

ومخطئ من يظن أن هذه اللقاءات الدولية تتجاهل التطورات في سوريا، بل على العكس أطراف هذه اللقاءات بالطبع معنية بشكل مباشر بالتطورات الجارية في سوريا، وهذه اللقاءات هي القمة الأميركية البريطانية، وقمة الناتو، والقمة الأميركية الروسية، والقمة التركية الأميركية، والقمة الأوروبية، والقمة الأميركية الأوروبية، حيث تبدأ جولة الرئيس الأميركي الأسبوع المقبل، وتشمل 3 محطات في أوروبا، أولها المملكة المتحدة لحضور اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع، ثم بلجيكا لحضور قمة الناتو، وأخيرا سويسرا للاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما سيلتقي برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في 10 من حزيران، في أول لقاء شخصي بينهما منذ تولي الرئيس الأميركي منصبه.

كما يعقد بايدن اجتماعات ثنائية مع قادة آخرين، على هامش قمة دول “مجموعة السبع” في المملكة المتحدة، من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وفي 14 من الشهر ينتقل إلى بلجيكا لحضور قمة الناتو، وهناك يعقد قمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويختتم بايدن رحلته في جنيف، حيث يلتقي في 16 من حزيران مع رئيس الاتحاد السويسري غاي بارميلين، قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم نفسه، وعلى صعيد آخر تعقد القمة الأميركية الأوروبية في 15 من حزيران، ويتبع كل هذه اللقاءات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا في 23 من حزيران، ويعقد في 25-26 من الشهر نفسه اجتماع زعماء دول الاتحاد الأوروبي.

ومن الواضح من هذه اللقاءات الدولية، أن أطرافها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بما يجري في سوريا، فأميركا موجودة على الأرض ولها قوى تدعمها شرقي الفرات متمثلة بقوات قسد، وروسيا أيضا حاضرة بقوة على الأرض وتدعم النظام، وتركيا موجودة على الأرض وتدعم قوى المعارضة والشعب السوري، والاتحاد الأوروبي ودول الناتو مهتمة بالاستقرار في سوريا وبملف المهجرين واللاجئين، كما أن هذه الدول معنية بمفاوضات الملف النووي الإيراني، وإيران موجودة على الأرض السورية بدعم النظام عبر الميليشيات المذهبية والمستشارين العسكريين، وكل هذه الدول ستجد فرصة من أجل مناقشة الملفات العالقة الثنائية والإقليمية والدولية، وما يهمنا كسوريين الجزء المتعلق من هذه اللقاءات جراء التطورات الجارية على الأرض السورية.

وقبيل هذه اللقاءات عاد مجددا إلى الأضواء موضوعان مهمان يهمان الشعب السوري بشكل مباشر، وخاصة الموجودين في منطقة إدلب، الأول يتعلق بالتهديدات من قبل النظام بالتصعيد في هذه المنطقة بعد انتهاء مهزلة الانتخابات الرئاسية، والثاني يتعلق بموضوع تمديد الآلية الدولية لعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى والاستعداد للتصدي للموقف الروسي المطالب بحصر تقديم المساعدات عبر النظام، وهو ما لا تقبل به الدول الأخرى، ويلحق بهاذين الموضوعين قضايا ثانية أخرى مثل الحراك الشعبي في منبج، والمطالب الشعبية هناك بخروج قوات قسد من المنطقة، ودخول قوى المعارضة، ومحاولة النظام استغلال ذلك بدعم روسي من أجل فرض سيطرته عليها، فضلا عن موضوع النفط شرقي الفرات.

ومن المؤكد أن التوازنات على الأرض والتوافقات الدولية ما لم تحصل بين الدول والأطراف المعينة، لن يتم الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي الحقيقي بين الأطراف السورية فيما يشبه التطورات التي حصلت على الساحة الليبية، وبالحديث عن الموضوعين المهمين، وفيما يخص بداية بملف الهجوم على إدلب، من الواضح أن تركيا وبتنسيق مع أميركا والاتحاد الأوروبي لن تسمح بحصول أي خرق في المنطقة وتعمل على الاستمرار بالحفاظ على الهدوء بشكل عام، يدعمها إضافة لتحالفاتها الدولية ودبلوماسيتها وجودها الميداني القوي على الأرض، وتشكيل درع عازل فولاذي في المنطقة، ستجعل عملية التقدم من قبل قوات النظام والميليشيات الداعمة لها أمرا مستحيلا، وستقود مباشرة للمواجهة مع تركيا، كما أن طائرات النظام لا تستطيع التحليق في المنطقة، لأن تركيا ستكون في مواجهتها، لذلك تدهور الأوضاع في هذه المنطقة لن يكون في حال حصول أي تطورات، إلا عبر قصف جوي روسي في حال تدهورت الأوضاع وانهارت الاتفاقات وهو يحمل أيضا أبعادا خطيرة على التحالفات التركية الروسية في المنطقة.

وفيما يرتبط بملف الآلية الدولية لإدخال المساعدات، يبدو أن الأمور معقدة أكثر في هذا الملف، ومن الواضح أن أميركا تطالب بإعادة فتح ممرات باتجاه مناطق شرقي الفرات، والحفاظ على معبر باب الهوى، وهو مطلب غربي مهم لجهة تحفيز الأطراف المانحة بظل وجود آلية قانونية دولية معترف بها تخلصهم من أي مسؤوليات وتبعات قانونية، ولكن يطرح الإصرار الأميركي لفتح  المعابر نفسها شرقي الفرات، تساؤلات عن الهدف الأميركي المرتبط بالنفط إلى جانب المساعدات الإنسانية، فأي معابر في هذه المنطقة ستؤدي إلى شرعنة الحركة التجارية فيها ومنها عبور النفط، فيما تطالب روسيا بحصر دخول المساعدات الإنسانية عبر النظام في محاولة لإنعاشه وتأهيله دوليا، أو على الأقل تحقيق مكاسب نفطية لصالح النظام، أو عبر فتح معابر تجارية أخرى بين منطقة إدلب ومناطق النظام، من أجل تخفيف الضغط على النظام بعد فشله بشكل كبير في تحقيق الخدمات الأساسية للموجودين في مناطق سيطرته، ولذلك سيكون هذا الملف هو الملف الأبرز الحاضر في المناقشات الجارية على اعتبار أن التصويت على تمديد الآلية الدولية سيكون بعد انتهاء هذه اللقاءات الدولية في تموز/يوليو المقبل.

أما موضوع منبج فسيكون حاضرا في النقاشات وخاصة بين تركيا وأميركا من جهة، وروسيا وأميركا من جهة أخرى، حيث تطالب تركيا بقوة ومنذ فترة طويلة بأن تسيطر قوى المعارضة على منبج وتنضم إلى المناطق الأخرى، في تعزيز لمنع عمليات النزوح، في ظل رفض شعبي كبير للعودة إلى سيطرة النظام، وفي ظل رفض شعبي أيضا لوجود قوات قسد التي تمارس سياسات تعسفية تستهدف أبناء المنطقة، وستكون التظاهرات الأخيرة حاضرة، والرد العنيف من قبل قوات قسد والشبيهة بممارسات النظام وذلك في المفاوضات الجارية، وستسعى تركيا بقوة كبيرة من أجل أن تعود منبج لحاضنة قوى المعارضة.

ولعل الموضوع الأبرز أيضا هو موضوع النفط، ويبدو أن التوافق عليه ربما سيقود إلى تعزيز العملية السياسية، لأن روسيا وتركيا وبعض الدول ترفض احتكار قوات قسد للنفط وعائداته، وتطالب هذه الدول بتسخير عائدات النفط من أجل عملية إعادة الإعمار وصرفها على النازحين والمهجرين، وتنمية المناطق الآمنة في نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون وإدلب، بأن تكون عائدات النفط للشعب السوري وهو ما تدفع به تركيا بشكل أكبر، فيما تطالب به روسيا من أجل إعادة الإعمار ودعم النظام، ولا يبدو أن أميركا مستعدة حاليا من أجل منح النفط لهذه الأطراف، وستبقيه بيد قوات قسد من أجل تمويل وجودها، رغم أن هذه القوات لا تقدم أي خدمات للسوريين المقيمين في هذه المناطق، ولا تنعكس عليهم عائدات النفط.

وإزاء هذه اللقاءات، من المؤكد أن ثمة توافقات ربما ستحصل حيال هذه الملف، وستظهر نتائج هذه اللقاءات على الأرض تباعا اعتبارا من الشهر المقبل وصولا إلى الخريف، وتدفع روسيا بمواقف معتدلة ورسائل للدول الغربية قبيل هذه الاجتماعات، من قبيل الحديث عن الانتخابات في حال توافق السوريون نظاما ومعارضة على دستور جديد، ومحاولة إحياء اجتماعات اللجنة الدستورية، وعقد لقاء للدول الضامنة، وكل هذه المحاولات تستبق هذه اللقاءات وصولا إلى تحرك العملية السياسية بناء على التوافقات التي يمكن أن تجري في هذه اللقاءات، والتي يتوجب على السوريين متابعتها بشكل جيد، وعلى المعارضة محاولة مخاطبة الأطراف المجتمعة من أجل تقديم فرضيات ورؤى غالبية الشعب السوري.

———————————

روسيا تحاول عبر “البروباغندا”..فرض التطبيع السعودي مع الأسد/ طه عبد الواحد

تلقفت وسائل إعلام روسية الأنباء المتداولة في وسائل إعلام عربية حول اتصالات بين الرياض والنظام السوري، ووجدت فيها فرصة للمضي فيما تبدو وكأنها حملة ممنهجة عبر أدوات “البروباغاندا” الرسمية الروسية، لتصوير التطبيع العربي الشامل مع نظام الأسد، وكأنه أمر واقع، أو على الأقل تحصيل حاصل، بات قاب قوسين أوأدنى.

ولا ينفصل هذا الترويج عن المساعي الروسية في إعادة تأهيل نظام الأسد عربيأً ودولياً، وهي خطوة يبدو أنها على سلم أولويات الكرملين، الذي يسعى إلى جني “الثمار السياسية” و”الحصاد الاقتصادي” لما يقول إنها “انتصارات عسكرية” حققها في سوريا لصالح نظام الأسد. وإذ لا يمكن تجاهل حقيقة التغيرات في مواقف عدد من الدول العربية نحو النظام السوري، إلا أنه لا يمكن في الوقت ذاته الحديث عن تطبيع وفق الصورة التي يعرضها بعض الإعلام الروسي.

وكان موقع صحيفة “غازيتا.رو” الإخبارية الروسية، المقربة في سياستها التحريرية من الإعلام الرسمي، نشر تقريراً تحت عنوان: “الأسد لن يذهب إلى أي مكان”، أشارت في مستهله إلى خبر قالت إنه نقلا عن “الجزيرة” وجاء فيه أن ولي العهد السعودي يريد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في أقرب وقت.

وأضافت أن هذا الخبر جاء بالتزامن مع أنباء حول احتمال إعادة العضوية لسوريا في جامعة الدول العربية قريباً. وجزمت بأن “القادة العرب مستعدون مجدداً للحديث مع بشار الأسد على قدم المساواة”، لتعرض بعد ذلك وجهة نظر الخبير السياسي أندريه تشوبريغين، كبير المحاضرين في كلية الدراسات الشرقية بالمدرسة العليا للاقتصاد الذي يشير إلى إن السعودية “تحاول تحسين العلاقات مع دمشق لكسر الحزام الشيعي، وللحد من نفوذ إيران في المنطقة”.

ويذهب تشوبريغين إلى التأكيد بأن “عملية التطبيع جارية” ليكشف بعد ذلك عن هدف بعيد تسعى روسيا إلى تحقيقة ويقول إن “إقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا والسعودية سيعطي إشارة قوية لأوروبا والولايات المتحدة بضرورة إعادة النظر في موقفهما الغريب تجاه نظام الأسد، الموقف الذي يمكن وصفه بلا سلام، ولا حرب”.

ويرسم الخبير السياسي للقراء مشهداً متخيلاً من الناحية السياسية، يقوم على جهل بواقع الأمر حول المواقف العربية من النظام السوري. إذ يصنف مصر ضمن الدول التي لا تزال تعارض بشدة التطبيع مع النظام السوري، ويقول إن الإمارات والسعودية ستضغطان عليها لتغيير موقفها. وبالنسبة لقطر يقول إن روسيا ستضغط عليها في هذا الملف. في هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن مصر منذ تسلم عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، كانت من أوائل الدول العربية التي بدأت عملية انفتاح تدريجي على النظام السوري.

وبالنسبة لقطر فإنها لا تزال متمسكة بموقفها، الذي لم يتأثر بأي شكل بالموقف الروسي، رغم التقارب الكبير بين البلدين في الآونة الأخيرة. وكان وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أعلن بوضوح مؤخراً، عن موقف بلاده، وقال في حوار على قناة تلفزيون “العربي”: “لم نرَ أي أفق لحل سياسي يرتضيه الشعب السوري حتى الآن.. لم نر أي تقدم في ذلك. هناك استمرار في نفس النهج والسلوك (…) لا يوجد لدينا أي دافع لعودة العلاقات في الوقت الحالي مع النظام السوري (…) النظام السوري يرتكب جرائم بحق شعبه”.

أما السعودية فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات انفتاح محدود من جانبها على النظام السوري، في ظل ارتباكها إزاء كيفية الحد من الهيمنة الإيرانية، على خلفية عدم وضوح في الموقف الأميركي بهذا الصدد. إلا أن الأمر لم يصل حد الانفتاح على المستوى السياسي، واقتصر، وفق ما هو مُعلن رسمياً على “استضافة وفود سورية للمشاركة في فعاليات دولية”،  منها استقبال وفد من اتحاد الصحافيين لدى النظام السوري للمشاركة في اجتماع اتحاد الصحافيين العرب نهاية عام 2017. وفي نهاية أيار/مايو، استقبلت الرياض لأول مرة منذ عشر سنوات وزيراً من حكومة النظام السوري، هو  وزير السياحة الذي وصل الرياض على رأس وفد (سياحي) للمشاركة في اجتماع منظمة السياحة العالمية.

هذه الزيارات، فتحت شهية بعض وسائل الإعلام الروسية لنشر أخبار، تخلّف في مجملها انطباعاً لا يتوافق مع الواقع، ويصل حد التعاطي مع “التطبيع بين دمشق والرياض” على أنه واقع وقائم. مثال على ذلك نقلت وكالة “سبوتنيك” عام 2018 تصريحات نائب لبناني، زعم أن ولي العهد السعودي أرسل للأسد رسالة قدم له فيها عرضا سخيا بأن يبقى في السلطة مدى الحياة، وأن السعودية لا تريد إصلاحاً دستورياً وتتعهد بإعادة إعمار سوريا، مقابل أن يقطع الأسد علاقاته بطهران وحزب الله.

وكانت هناك تسريبات كثيرة حول اتصالات سعودية مع شخصيات من النظام السوري، سارعت الرياض إلى نفيها، وبينها خبر نشرته صحيفة تابعة للنظام السوري قالت فيه إن مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة دعا مندوب النظام بشار الجعفري إلى حفل في منزله الخاص. ونفى المندوب السعودي هذا الخبر. وكذلك الأمر بالنسبة لما يجري تداوله حاليا حول زيارة وفد أمني سعودي إلى دمشق، وأنه بحث مع كبار المسؤولين السوريين مسألة إعادة فتح السفارة والعلاقات بين البلدين. وهو ما نفته السعودية رسميا وأكدت أن موقفها من الوضع السوري لا يزال على حاله وأنها متمسكة بالتسوية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية.

رغم كل تلك “التسريبات”، و”الرسائل الإيجابية” المزعومة لم تقم السعودية حتى الآن بخطوة واضحة ولم يصدر عنها موقف رسمي يدلان على استعدادها التطبيع مع النظام السوري، أو تخلّيها عن شرط التسوية السياسية التي تلبي تطلعات السوريين للموافقة على عودته إلى الجامعة العربية.

إلا أن روسيا التي ترى أنها نجحت في “إبقاء النظام” وتراقب عجز المعارضة السورية، وغياب موقف دولي موحد إزاء دمشق، وتدرك في خلفية هذا كله قلق السعودية من توسع النفوذ الإيراني، تحاول على ما يبدو خلق أجواء تساعد على دفع الرياض لتكون التالية بعد الإمارات في التقارب مع دمشق. ومن غير المستبعد أن الترويج الإعلامي لهذا الأمر، جزء من خطة “لتشجيع” السعودية على الخطوة التي تشمل توجيهات للنظام السوري باعتماد لهجة معتدلة في تصريحاته عن المملكة، ل”تميهد الطريق” أمامها. إذ كان لافتاً أن وصف سفير النظام في لبنان السعودية “دولة شقيقة وعزيزة”.

المدن

—————————–

بايدن ـ بوتين… متنافسان لا عدوان/ إميل أمين

على قدم وساق تجري الاستعدادات في سويسرا للقاء القمة، الأربعاء المقبل، بين الرئيس الأميركي بايدن ونظيره الروسي بوتين، في محاولة لتضييق هوة الخلافات التي اتسعت، إلى درجة أن البعض يرى أن الخلافات، ومِن ورائها التهديدات، قد تجاوزت ما كان قائماً في زمن الحرب الباردة، في ستينات وسبعينات القرن الماضي.

هل يمكن لهذا اللقاء أن يضحى معجزياً وينهي دفعة واحدة جميع الملفات العالقة بين الجانبين، ويفتح مسارات جديدة من واشنطن إلى موسكو والعكس؟

يبدو التساؤل طهرانياً أكثر مما تحتمل الأوضاع السياسية المتأزمة بين الجانبين، بدءاً من إشكالية أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، مروراً بالتحركات العسكرية من الجانبين مؤخراً، لا سيما بعد أن حركت روسيا عديد قواتها ومعداتها للغرب والجنوب، بينما قام الناتو بأكبر مناورة عسكرية بالقرب من روسيا منذ ثلاثين عاماً، أما الملف الذي يكاد يلهب جذوة الصراع بين البلدين، فيتمثل في الهجمات السيبرانية، التي تزعم واشنطن أن روسيا تقف وراءها، وهي على أعلى درجة ممكنة من الخطورة، الأمر الذي بات يُوصَف في الداخل الأميركي بأنه حرب بلا دماء. وما بين الصراع الخشن والناعم عشرات الملفات التي تتجاوز ساعات اللقاء القليلة، على أهميتها.

ولعل المثير أن يقبل الروس هذا اللقاء، وبوتين على وجه الدقة، لا سيما بعد أن وصفه بايدن، في منتصف مارس (آذار) الماضي، بـ«القاتل»، وجاء رد الأول يحمل تشكيكاً في قدرات سيد البيت الأبيض الصحية، وإنْ شئنا الدقة قلنا: الذهنية، لكنها السياسة وألاعيبها في كل الأحوال.

تدرك إدارة بايدن أن الروس قد اكتسبوا نفوذاً كبيراً في العقدين الأخيرين من القرن الحادي والعشرين، وأن ترسانتهم التقليدية والنووية قد باتت زاخرة بصنوف من أحدث أنواع الأسلحة التي أقر الأميركيون مؤخراً بأنه لا نظير لها لديهم، ومعنى هذا أن طريق القوة الخشنة لم يعد يجدي، وأن أفضل وسيلة للتعاطي معهم، محاولة تذليل العقبات، وبلورة نقاط اتفاق على خريطة الشطرنج الكونية الإدراكية.

على الجانب الروسي، يتضح لنا، وبنوع خاص، من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، أن الروس مهتمون بهذا اللقاء، ذلك أن المزيد من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية حكماً سيعيق استكمال نهضة روسيا الاقتصادية، وفرص التنمية، وتحسين الأحوال المعيشية لعموم الروس.

الذين تابعوا لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشف، الأسبوع الماضي، يرصدان توجهاً واضحاً للوصول إلى رؤية تقود لمزيد من الاستقرار وتهدئة التوترات بين الجانبين، فالقمة تأتي في ظل سيولة جيواستراتيجية عالمية، وملامح غموض واضطراب كبيرين يخيمان على عالم ما بعد جائحة فيروس «كورونا»، والحاجة إلى تنسيق أممي قادر على استنقاذ البشرية من وهدتها، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، لا الانحدار به إلى غياهب جب المواجهات العسكرية أو الاقتصادية.

لا تبدو إدارة الرئيس بايدن على قلب رجل واحد فيما يخص إدارة الملف الروسي، لكن يهمنا أن ندرك رؤية وزارة الدفاع الأميركية لروسيا؛ فهي التي قادت المواجهة طوال عقود، فيما الحال اليوم يختلف طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً.

في وقت سابق، أشار جون كيربي المتحدث الرسمي باسم «البنتاغون» إلى أن وزارته لا تستخدم مصطلح «العدو» فيما يتعلق بروسيا. وقد جاء هذا الرد بعد أن طلب أحد الصحافيين التعليق على التدريبات العسكرية الروسية الصربية التي جرت مؤخراً، فيما وصف طارح السؤال روسيا بالعدو.

جواب كيربي يحمل معاني عدة، وفي مقدمها أن شهية جنرالات أميركا غير مفتوحة على الحروب أو المواجهة العسكرية مع الروس، وربما مردّ ذلك الخوف مما تمتلك موسكو من أسلحة رهيبة مستجدة أكثر فتكاً مما كان لديها في العقود السوفياتية الغابرة، وربما يرون أن هناك بُعداً ماورائيّاً آخر يتطلعون لتحقيقه بالتعاون مع الروس… ماذا عن ذلك؟

باختصار غير مخلّ، تبدو دورة الصالح والمصالح ما بين المثلث التقليدي: واشنطن، موسكو، بكين، سائرة اليوم على غير ما مضت به الأحداث التاريخية قبل خمسة عقود.

في أوائل السبعينات سعت واشنطن، في زمن ريتشارد نيكسون، ومن خلال مهارات هنري كيسنجر التقليدية إلى التقرب من بكين، في محاولة لعزل موسكو السوفياتية، وتضييق الخناق عليها، وقد نجحت في ذلك إلى درجة ما.

اليوم يدرك القاصي والداني في الداخل الأميركي أن العدو الحقيقي للولايات المتحدة، والمهدد الأكبر والأخطر لمشروع القرن الأميركي، هو الصين وليس روسيا.

وفي ظل التنامي المتسارع للتعاون الصيني – الروسي، على جميع الأصعدة، العسكرية والاقتصادية، يصبح من الضار جداً لواشنطن نشوء وارتقاء حلف روسي – صيني يمكن أن يأخذ إلى جانبه المزيد من التجمعات السياسية الصاعدة في آسيا، وغيرها حول العالم، وفي المقدمة منها تجمع دول «البريكس».

الراسخون في العلم الاستراتيجي في الداخل الأميركي يدركون أن الروس والصينيين تعاونهم تكتيكي، ولا يمكن أن يكون أبداً عند لحظة زمنية بعينها استراتيجياً، ذلك أن النار تحت الرماد، ولولا مقدرة الروس العسكرية، لربما كان للصين شأن آخر تجاه الجار الأقرب.

الروس بدورهم يرون أن واشنطن وموسكو قوتان عظميان في عالم اليوم، وأنهما ينبغي ألا تكونا عدوين، بشكل مستقر ومستمر؛ فهذا أمر خطير على العالم والحضارة البشرية، وأنه من الأفضل التعايش، حتى وإن وُجد تنافس، على التربص الذي يقود إلى الهاوية.

متنافسان لا عدوّان… ماذا بعد؟ دعونا ننتظر ونر.

————————-

قمّة اللااختراق واللامفاوضات بين الرئيسين بايدن وبوتين/ راغدة درغام

تحديد وتثبيت الخطوط الحمر سيكونا الهدف الأبرز في القمّة الأميركية – الروسية التي تُعقَد الأربعاء المقبل في نهاية جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأوروبية وقِممه المهمّة العديدة مع حلفاء شمال الأطلسي “الناتو”، ومجموعة الدول الصناعية G7، ومع الاتحاد الأوروبي. الجولة بدأت بلقاء بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بنكهة استعادة العلاقة المميّزة بين الحليفين، وستنتهي في جنيف في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدفه استدراك التوتّر مع إصرار كل من الرئيسين على إبلاغ الآخر ان لديه خطوطاً حُمراً يجب أن يعيّها.

ليس من المتوقع أن يحدث اختراق في القمّة الأميركية – الروسية التي أصرّ الجانب الأميركي ألاّ يكون لها أجندات محدّدة، وهذا للمرة الأولى في تاريخ القمم الأميركية – الروسية. إنها قمّة إصلاح الانطباع عبر التقاط الصور، ما يفيد رجال الأعمال أكثر من رجال السياسة، علماً أنها ستستغرق 3-4 ساعات فيما عُقِدَت القمم السابقة لأيام معظم الأحيان. وفي المعلومات، لم يوافق فريق الرئيس الأميركي على مسودّة بيان اقترحها الفريق الروسي بغية انتهاء القمّة ببيان، كما لم يوافق على عقد مؤتمر صحافي مشترك للرئيسين.

مسودّة البيان الروسي، حسب المعلومات، انطوت على فقرة تؤكّد عدم تدخّل احدى الدولتين في الشؤون الداخلية للأخرى – وهذا لربما أهم سبب لرفض الأميركيين لإصدار بيان. فريق بايدن تجنّب وضع برنامج عمل أو أجندة للقمّة كي لا يجد الرئيس بايدن نفسه مُضّطراً ومُلزَماً لبحث أمر من دون الآخر لا سيّما أن ما يسبق هذه القمّة من مواقف أميركية وأوروبية نحو روسيا لن يكون اطراءً على أداء الكرملين، لا على الصعيد الداخلي ولا في ملف أوكرانيا وبيلاروسيا.

هذه الأمور ستكون جزءاً أساسياً من الخطوط الحمر الأميركية. بايدن لن يتمكن من هضم إجراءات بوتين في مجال حقوق الإنسان التي جعل منها شِعاراً لحملته ورئاسته، لا سيّما في ما يتعلق بالمعارض اليكسي نافالني. القمم التي تسبق قمّة بايدن – بوتين ربما تتبنّى فرض عقوبات إضافية بسبب قرار القضاء الروسي الأخير حظر شبكة منظمات نافالني وتصنيفها “متطرّفة”.

ثم هناك مسألة أوكرانيا وبيلاروسيا حيث ينوي بايدن لهما أن تكونا ضمن الخطوط الحمر، إنما من دون عبور الخطوط الحمر لبوتين والتي تشمل رفضه قطعاً إدخال أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي. ينوي بايدن الاجتماع بقادة الدول الأوروبية الشرقية، وستزداد لغة “العداء” لروسيا من الدول الغربية. لكن قرار عضويّة أوكرانيا في الناتو لن يُتّخذ بدليل أن الرئيس بايدن تحدّث بلغة فتح الباب وليس بلغة حسم دخول أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي.

الرئيس الروسي يريد أن يركّز على الخطوط الحمر في ما يتعلق بالأمن الاستراتيجي العسكري. لديه ولدى نظيره الأميركي رغبة لبحث مسألة الأمن الالكتروني Cyber security والهجمات السيبرانية لكن أسلوبهما في معالجة هذه المسألة يختلفان تماماً. كلاهما يتوجّه للقاء الآخر متوقعاً أن تتطرّق المحادثات الى شتى الأمور الثنائية والدولية المهمّة، لكن فريق كل منهما يحمي رئيسه من الآخر. وما يتوقعه فريق بوتين هو أن يكون اللقاء قمّة تبادل الآراء وليس قمّة القرارات الصعبة.

رغم ذلك، ضمن ما تنوي موسكو التأكيد على أهميته هو المسائل التالية: تحقيق الاتفاق العام على تجديد المحادثات الخاصة بنزع السلاح، بمعنى التشاور وليس بصورة “ستارت” START، المعاهدة الأميركية التي وُقِعت أساساً مع الاتحاد السوفياتي السابق لتخفيف ووضع حدود للأسلحة العدائية الاستراتيجية وتم تجديدها مع روسيا؛ إيجاد الحلول للحرب الدبلوماسية الجارية عبر إقفال القنصليات وطرد الدبلوماسيين المتبادل. هذان الأمران واردان. هذا الى جانب احتمال الاتفاق على خطوات مشتركة لضبط الوضع في أفغانستان.

تقول المصادر الروسية المطّلِعة انها تتوقع أن يتطرّق حديث القمّة الأميركية – الروسية الى الشبح الذي سيخيّم على كل لقاءات الرئيس الأميركي في أسبوعه الأوروبي، وهو الصين. وحسب قولها، سيحاول الرئيس بايدن إقناع الرئيس بوتين “ألا يبقى مقرّباً جدّاً من الصين، وسيكون الرد أن التعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين سيستمر… ولكن من دون زيادة مستوى التعاون العسكري بالضرورة”. هذا علماً أن بين أهم طيّات التعاون العسكري هو “شبكة الدفاع الجوي المشترك” بين روسيا والصين.

ما تخشاه المصادر التي تُراقب عن كثب تطوّر العلاقات الأميركية – الصينية هو اندلاع نزاع عسكري أميركي – صيني “محلّي” أي في محيط تايوان. وتضيف، أن الصين “تعرف أن الولايات المتحدة تُخطط لهذه العمليات العسكرية، للخريف المقبل، وتتهيّأ لها”.

إنما ما تركّز عليه الولايات المتحدة حالياً هو مضاعفة الضغوط التكنولوجية وضغوط الأسواق على الصين علماً أن مجلس النواب أقرّ الثلثاء الماضي ميزانية 250 مليار دولار للتصدّي لطموحات الصين التكنولوجية، وأن الرئيس بايدن مدح بالقرار واعتبره أساسياً في التنافس التكنولوجي مع الصين. بايدن جعل من الصين حجر أساس في جولته الأوروبية وسعى لرصّ الصفوف وراء المواجهة الغربية مع الصين. والصين ستكون “حاضرة” في القمّة الأميركية – الروسية.

إيران ستكون “حاضرة” أيضاً إنما من منطلق فيينا وما تنطوي عليه المفاوضات على الاتفاق النووي JCPOA من تفاصيل تتعلّق بنوعية العقوبات التي تقاوم الولايات المتحدة رفعها، أي العقوبات العسكرية، وهي العقوبات التي تريد روسيا بشدّة رفعها عن إيران لأنّها متأهّبة لبيعها صفقات أسلحة ضخمة. الأرجح ألاّ يتوصّل الرئيسان الى التفاهم حول هذه النقطة، الا أن حرص المفاوضين الأميركيين والروس على استمرار العمل نحو إنجاح محادثات فيينا سينعكس على القمّة.

الأمر يعتمد على ماذا سيتوصل اليه المفاوضون يوم الثلثاء المقبل قبل يومٍ من القمّة في 16 الشهر الجاري. التوقعات هي أن يتم التوصّل الى اتفاق عام يبعث المؤشرات على أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح إنما من دون انتهاء مفاوضات فيينا بالتوافق على الحلول النهائية. فإدارة بايدن ليست جاهزة لرفع العقوبات العسكرية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما طهران ما زالت تتمسّك برفع كامل العقوبات. هذه التفاصيل الفائقة الأهمية غير قابلة للتغطية بورقة التين. لذلك، قد يتم التفاهم على تأخير الاتفاق النهائي فيما يستمر العمل على التفاصيل. وهذا يعني، عمليّاً، أن لا اتفاق شاملاً في الأفق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كما كان يسعى اليه المفاوضون. إنما التأخير لا يعني الفشل وإنما هو تأجيل الى حين حلّ عِقدة العقوبات العسكرية وغيرها من العِقد.

بين المسائل الإقليمية التي الأرجح أن تبرز في قمّة بايدن – بوتين هي مسألة الضمانات الأمنية الاضافية لإسرائيل التي سيريد الرئيس الأميركي من الرئيس الروسي المشاركة فيها. هذا يتطلّب من روسيا استخدام نفوذها مع إيران لكبح “حزب الله” من لبنان. يتطلّب أيضاً من موسكو احتواء الجبهة السورية بمختلف لاعبيها – السوري والإيراني و”حزب الله” – بضمانات أمنية لإسرائيل.

الأرجح أن يوافق بوتين على تلبية هذا الطلب إنما ما قد يصعب عليه هو تقديم الضمانات. سيسعى مجدّداً مع إيران لتقديم هذه التطمينات، إنما مفتاح الضمانات هو في يد طهران وليس في أيادي الكرملين. وطهران غير جاهزة ولا مستعدّة لتقديم هذه الضمانات ما لم يكن في اطار الاتفاق الكامل على إحياء الاتفاق النووي بشروطها، وفي مقدمها رفع العقوبات كاملة.

ما لن يوافق عليه بوتين هو عودة القوات الأميركية الى روسيا – كما يتردّد أن هذا ما يريده بايدن. قد يوافق على استخدام النفوذ مع رئيس كوريا الشمالية. لكن مسألة حقوق الإنسان، ونافالني بالذات، قد تكون عثرة أخرى إذ إن الرئيس الأميركي سيكون حازماً مع نظيره الروسي بأن المزيد من العقوبات آتية إذا ازداد الأمر سوءاً في هذا الأمر أو في مسألة أوكرانيا وبيلاروسيا.

لذلك ستكون هذه قمّة اللامفاوضات. ستكون قمّة تعريف وتحديد fix ما هي الخطوط الحمر مع تبادل الآراء. وكما قال مخضرم روسي “إن الوضع سيئ لكنه ليس الأسوأ”، في إشارة الى العلاقات الأميركية – الروسية. ولذلك فإن قمّة “الصورة” ستُعقَد كمؤشر على الرغبة بالاحتواء وليس المواجهة. فقليل من الود في زمن العداء مفيد للطرفين، ولذلك هناك إصرار من الرئيسين على عقد القمة مهما كانت غير مذهلة وباردة.

النهار العربي

———————————

فلنقلْ هي مؤامرة أخرى ونسترِح…/ حازم صاغية

الولايات المتّحدة الأميركيّة، وفق إعلان البيت الأبيض، سوف تشتري نصف مليار جرعة فايزر وتتبرّع بها لـ 90 دولة في العالم. رئيسها جو بايدن دعا «ديمقراطيّات العالم» أن تفعل الشيء نفسه. بريطانيا ما لبثت أن تجاوبت بتقديم 100 مليون لقاح.

لنتخيّل للحظة لو أنّ الصين أو روسيّا هما الدولتان اللتان أقدمتا على عمل كهذا! المؤكّد أنّ الخبر كان ليُكتب، في أجواء الممانعين العرب، باحتفاليّة صارخة تؤكّد الفارق الهائل في الحساسيّة الإنسانيّة والأخلاقيّة بين «غرب إمبرياليّ» و«دول مُحبّة للسلام وللشعوب». أمّا وأنّ الولايات المتّحدة هي التي تبرّعت باللقاحات، فالتعليق المُمانع الذي يمكن التكهّن به سيكون من نوع: هذا غيض من فيض ما نهبوه منّا، نحن العرب والمسلمين.

لنتخيّل أبعد قليلاً: اليوم تحوم الشبهات وتُجرى التحقيقات بشأن مسؤوليّة الصين المحتملة، والبعض يقول المؤكّدة، عن ظهور جائحة كورونا. ماذا لو أنّ الولايات المتّحدة، لا الصين، كانت هي مصدر الجائحة؟

لا يعوزنا الكثير من الخيال كي نتخيّل التعليق على حدث كهذا: «… وهل تتوقّعون إلاّ الشرّ من الذين أبادوا الهنود الحمر وأحرقوا فيتنام ودعموا إسرائيل؟».

أمّا أن نتخيّل أميركا أو بلدان أوروبا الغربيّة وهي تُنزل بمسلميها عُشر ما تُنزله الصين بمسلميها الإيغور، فهذا ما ينبغي أن لا يبلغه جموحنا التخيّليّ.

أمور كهذه لم تحصل بالتأكيد، إلاّ أنّ تاريخ المواقف المعهودة من أمور مشابهة حصلت فعلاً يسمح بتكهّنات كهذه. بيد أنّ حدثاً كبيراً حصل قبل أسبوعين لم يحظ بأيّة تغطية إعلاميّة عربيّة تُذكر:

الخبر يقول: إنّ مجموعة الدول السبع الغنيّة (أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا واليابان، فضلاً عن الاتّحاد الأوروبيّ) توصّلت، في اجتماع وزرائها في لندن تمهيداً لمؤتمر قادتهم، إلى اتّفاق «تاريخيّ» لفرض ضريبة 15 في المائة «على الأقلّ» على الشركات متعدّدة الجنسيّة، أي على مائة شركة عملاقة بما فيها «أمازون» و«فيسبوك»…

ومعروف أنّ التهرّب من الضرائب بات من السمات الاقتصاديّة الملازمة لزمننا والمسبّبة لضعف العدالة فيه. شركة «أبل»، مثلاً لا حصراً، تخوض راهناً معركة قضائيّة كي تتجنّب دفع 13 بليون يورو.

ما هو أبعد من مكافحة التحايل على الضرائب أنّ هذا القرار، في حال النجاح في تطبيقه، سينقل مليارات الدولارات إلى خزائن حكومات مَدينة أو مفلسة بسبب تداعيات كورونا الاقتصاديّة. هذا ما يخفّف عن فقراء تلك البلدان أعباء التداعيات المذكورة، كما يسمح بتوجيه بعض الموارد للمطالب الشعبيّة المُلحّة في العمل والتعليم والتطبيب والإسكان.

إلى ذلك فإنّ نسبة الـ 15 في المائة هي مجرّد حدٍّ تسوويّ أدنى قابل للارتفاع. لكنّ الاتّفاق المذكور سيكون، من جهة ثانية، مدخلاً للضغط على بلدان وتجمّعات دوليّة أخرى كي تتّخذ إجراءات مشابهة. أوّل من سيتعرّضون لهذا الضغط مجموعة العشرين التي تضمّ بلداناً كالصين وروسيا والبرازيل والهند، والتي يُفترض أن تجتمع قريباً في روما. معلوم أنّ الامتثال الدوليّ الأوسع لقرار مجموعة السبع، أو تعميم مضمونه، هو ما يضمن نجاحه في مواجهة الشركات الكبرى.

يبقى أنّ الحافز الذي دفع الأميركيّين والأوروبيّين واليابانيّين في هذا الاتّجاه كان مزدوجاً: الانكماش الاقتصاديّ الذي تسبّبت به الجائحة، والتحوّل الذي طرأ على العقل الآيديولوجيّ والاقتصاديّ في الولايات المتّحدة بعد حلول جو بايدن محلّ دونالد ترمب. لكنّ هذا القرار قد يكون خطوة على طريق دفن النيوليبراليّة كمذهب معتَقديّ ساد منذ الثمانينيّات. الضريبة ودور الدولة إيحاءان قويّان بذلك.

… بالعودة إلى أحوالنا، يبدو تجاهل الإعلام العربيّ الممانع إشارة أخرى إلى نقص الاكتراث بما يحصل في العالم ما دام «لا يخصّنا»، لكنّه يُفصح أيضاً عن قلّة جدّيّتنا حين نعلن الانحياز إلى فقراء العالم أو إلى مكافحة النيوليبراليّة والآثار السلبيّة للعولمة. على أنّ نقص الاكتراث هذا يتحرّك بطرق ملتوية: حين يكون الغرب هو «الشخص الصالح»، (the good guy) كما هي الحال في القرار الأخير، يعمل نقص الاكتراث بطاقته القصوى. لكنْ حين يكون هو «الشخص الشرّير»، (the bad guy) فعندها يعمل الاهتمام بالعالم وشؤونه بطاقة قصوى. أحياناً يحصل بعض الغلط الذي يفشل أصحابه في ضبطه والتحكّم به، كأنْ تستولي عليهم الفرحة لصفعة طالت خدّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون قبل أن يتبيّن أنّ الصافع لا يكره أحداً كما يكره «الأجانب» من عرب ومسلمين.

منعاً لكلّ خطأ من هذا النوع، فإنّ الطريق المضمون يبقى إيّاه: أن نقول إنّها مؤامرة ونستريح.

————————–

بايدن… إدارة الصراع أم إنهاؤه؟!/ سوسن الشاعر

إدارة الصراع لن تؤدي أو تقود إلى إنهائه، إدارته تطيل أمده وتزيد من عدد ضحاياه، لذلك فإن ما يبدو تناقضاً بين البنتاغون والبيت الأبيض وبين فريق البيت الأبيض قبل الانتخابات وبعد الفوز لا يؤدي إلى إنهاء الصراع بل بالكاد يديره!

وزارة الخارجية الأميركية في بيانها الصادر في 3 يونيو (حزيران)، عند عودة ليندركينغ من الرحلة السادسة لليمن، أكدت أن إطلاق النار لا يزال مستمراً، والقتال في مأرب كذلك، وتدهور المعاناة الإنسانية، ملقياً اللوم على الحوثيين في «رفض الانخراط بشكل هادف لوقف النزاع المسلح في البلاد».

هذه النتيجة تم التوصل لها بعد فوز الإدارة الحالية، وبعد أربعة أشهر فقط من تولي الرئيس بايدن السلطة رجع تيموثي ليندركينغ مبعوثه إلى اليمن لتقصي الحقائق ليقدم شهادته أمام الكونغرس ويؤكد أن الحوثي فقط هو المسؤول عن استمرار الحرب وليس أحد غيره، وأن إيران هي من يقف وراء الحوثي.

كذلك الحال قبل الانتخابات كان بايدن ينتقد سلفه الرئيس ترمب الذي مزق الاتفاق النووي مع إيران وقال إن الولايات المتحدة يجب أن تعيد الاتفاق مرة أخرى، فهو أفضل السبل لاحتواء إيران، وتوفير الأمن للمنطقة، وبعد ستة أشهر من توليه السلطة وانعقاد أكثر من اجتماع مباشر وغير مباشر مع إيران، لم تنجح إدارة بايدن في إقناع أحد لا داخل الولايات المتحدة أو خارجها بأن إيران ممكن (احتواؤها) بعد الاتفاق.

قبل الانتخابات وعد بايدن بسحب القوات الأميركية من العراق ولكنه فوجئ بمدى خطورة التغلغل الإيراني فيه عبر نفوذه في فصائل الحشد الشعبي وأن خروجاً على شكل (هروب) من الضربات المتتالية الإيرانية غير المباشرة وعبر وكلائها على قواعده، سيشكل وصمة عار على هيبة الولايات المتحدة وخسائر لما بنته من مصالح هناك، فأجل وعوده. كما كشفت صحيفة «ديلي كولر» عن حراك داخل البنتاغون يهدف للحصول على موافقة الإدارة الأميركية لمهاجمة الميليشيات الإيرانية في العراق، وذلك بعد تزايد جرائم تلك الميليشيات تجاه العراقيين وضلوعها في اغتيال النشطاء السياسيين.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن (مصدرين مطلعين) أن البنتاغون يعتزم الحصول على إذن الرئيس لمواجهة ميليشيات إيران.. وقال أحد المصدرين إن «إدارة بايدن تدرس بجدية مجموعة واسعة من الخيارات للرد على هجوم ميليشيات إيران ضد الأميركيين في العراق».

أفضل من يعرف المنطقة في ظل هذا التردد ويفهم تفاصيلها وأين يختبئ شيطانها من المنظور الأميركي هم رجالها الذين على أرض هذه المنطقة وبحارها مثلما هو مبعوثها ليندركينغ، ومثلهم رجال البنتاغون والقوات المسلحة الأميركية، هؤلاء هم أقدر من يقدم للإدارة رؤية واقعية حول الوضع في منطقتة الخليج واليمن والعراق، ودور إيران في زعزعة أمن العالم لا أمن المنطقة فحسب، وهي رؤية تنسجم تماماً مع رؤية الدول الخليجية، وتؤكد كما قال الجنرال ماكنزي قائد المنطقة الوسطى حين وصف إيران بأنها «ما زالت تشكل أكبر تهديد للاستقرار»، وأضاف «هدف الوجود الأميركي في المنطقة هو ردع سلوك إيران، ومنعها من التمادي في أنشطتها الخبيثة».. ورغم هذا الوضوح فإن تلك السياسة لم تكن كافية لردع إيران.

النظام الإيراني الثيوقراطي يعتبر نفسه منزّلاً من السماء؛ قمع شعبه وقتل معارضيه وعلقهم على الرافعات فهل ستردعه تصريحات؟

سيظل الأمن الدولي مهدداً وممرات المياه الإقليمية مهددة ومصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها التقليديين مهددة ما دام هذا النظام باقياً، والنتيجة أن سياسة (إدارة الصراع) لا سياسة إنهائه ستكون وخيمة على المصالح الأميركية وعلى أمن المنطقة واستقرارها.. رؤية تؤكد أن كل فسحة أمل وكل تخفيف للعقوبات ستمنح هذا النظام المجنون الفرصة للقيام بمزيد من الأعمال الإرهابية ومزيد من فرص امتداد النفوذ.

لذلك لا فائدة من جولات المفاوضات مع الحوثي أو مع الحشد الشعبي أو مع حزب الله، ولا داعي لتصريحات التأييد والدعم التي تبدو كما لو أنها طرق وأساليب تهدف «لإدارة الصراع» فقط وليس من أجل إنهائه.

————————-

واشنطن بوست: في لقاء بايدن ـ بوتين يجب التركيز على سوريا واتخاذ أفعال وليس كلاما فقط/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمعلق جوش روغين، قال فيه إن الرئيس جوزيف بايدن سيلتقي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت باتت فيه حياة الملايين من السوريين على المحك.

 وأضاف أن سوريا ستكون على أجندة لقاء بايدن- بوتين في جنيف الأسبوع المقبل. ولو توصل الرئيسان لشكل من التعاون في الموضوع الإنساني في سوريا، فستكون إشارة عن الجهود المشتركة بين البلدين وستزيد من آمال ملايين الناس الذين يعانون. وفي حالة أصر بوتين على تجويع السوريين فعلى بايدن التقدم ومساعدتهم.

فهناك 3 ملايين معظمهم من النازحين في داخل بلادهم تجمعوا في محافظة إدلب، شمال- غرب سوريا، وهم جوعى وبحاجة ماسة للمساعدة وعرضة للقنابل التي يطلقها الجيش الروسي وجيش النظام.

ويحاول بشار الأسد وشركاؤه الروس والإيرانيون ارتكاب الكثير من جرائم الحرب، لكن سلاح الجوع والحرمان من الطعام هو الأقوى والذي استخدموه كوسيلة لكسر إرادة السوريين الذين يعارضون النظام وللسنة الحادية عشرة من الحرب.

وتهدد روسيا الآن وبشكل مخجل بإغلاق آخر معبر للمساعدات الإنسانية والذي ينقل من خلاله الطعام والدواء إلى أجزاء سوريا التي لا يسيطر عليها الأسد. ولو لم توافق روسيا بحلول 10 تموز/يوليو على قرار لمجلس الأمن الدولي يصادق على المعبر من تركيا الذي يطلق عليه باب الهوا، فإن السكان المحتاجين سيواجهون مصيرا رهيبا حسبما تقول منظمات الإغاثة الإنسانية.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد إن “وحشية إغلاق آخر معبر حدودي إلى سوريا ستترك تداعيات لا حد لها”. وقامت السفيرة بزيارة إلى تركيا الأسبوع الماضي و”أخبرني مجتمع المنظمات غير الحكومية واللاجئون أنفسهم أنهم سيموتون بدون المعبر الحدودي”.

ونقل الكاتب عن عدد من المسؤولين الأمريكيين البارزين أن موضوع المعبر الحدودي سيكون على أجندة الرئيس بايدن في لقائه مع بوتين الأسبوع المقبل بسويسرا. وقالوا إن الإدارة على تواصل مباشر مع الحكومة الروسية وعلى مستويات عدة. وضغط وزير الخارجية أنتوني بلينكن على نظيره الروسي سيرغي لافروف في لقائهما الذي عقد في ريكيافيك الشهر الماضي. وفي اجتماع بمجلس الأمن الدولي عقد بآذار/مارس حث بلينكن روسيا على السماح بمرور الدعم الإنساني وإعادة فتح المعبرين الآخرين اللذين عملت روسيا على إغلاقهما. وقال بلينكن “منفذ إلى السوريين بدون معوقات مهم أكثر من أي وقت مضى، وليس بسبب الأزمة الإنسانية المتزايدة ولكن بسبب التهديد الذي يمثله كوفيد-19”.

 وتعتبر أجندة بايدن- بوتين مزدحمة لكن الجزء السوري فيها يعتبر رئيسيا للطرفين مع اقتراب الموعد النهائي لإغلاق المعبر. وتساءل الكاتب إن كان بوتين مستعدا لعقد صفقة يمكن أن تكون أساسا للتعاون في سوريا؟ وهل إدارة بايدن مستعدة في الوقت نفسه لجعل الموضوع أولوية والضغط بشدة على الروس لا “رشوتهم” من أجل عمل ما هو صواب؟

وعلق بريان كاتوليس، الزميل في مركز التقدم الأمريكي “إنها لحظة الوضوح.. فكيفية تعامل روسيا والولايات المتحدة مع سوريا ستكشف عن موقف بوتين فقط وستفصح عن التزام إدارة بايدن في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية باعتبارهما أولوية في سياستها الخارجية”.

ويقوم الموقف الروسي العلني على ضرورة مرور كل المساعدات من خلال النظام السوري، وهو موقف غريب لو أخذنا بعين الاعتبار أن الأسد هو الذي يقوم بالتسبب بالمعاناة الإنسانية. وخلف الأضواء يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن روسيا تريد تخفيف العقوبات مقابل السماح بمرور المساعدات، ولكن هذا سيكون بمثابة مكافأة لبوتين على عدم تجويعه المدنيين، وهي فكرة بشعة.

ويرى الكاتب أنه في حالة رفض بوتين التعاون مع بايدن في ملف الإغاثة الإنسانية، فستواجه الولايات المتحدة وشركاءها بمن فيهم تركيا تحديا كبيرا للعمل خارج نظام الأمم المتحدة ولتوفير الإغاثة لإدلب. لكن يجب أن يكون هذا هو الواقع الذي على أمريكا تحضير نفسها له الآن. والتحضيرات هذه ستزيد من نفوذ الولايات المتحدة أمام موسكو.

  وستكون تحركات وأفعال بايدن في جنيف حول الملف السوري بمثابة امتحان حول استعداد الولايات المتحدة لمواجهة التوسع الروسي والصيني في المنطقة. وهي نقطة أكد عليها قادة لجنتي الشؤون الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب الذين أرسلوا رسالة هذا الأسبوع إلى بلينكن حثوه فيها على ممارسة أعلى ضغط ضد بيجين وموسكو. وجاء فيها أن “الحملة الروسية لإغلاق المعبر الحدودي ووقف نقل المساعدات الإنسانية هي جزء من جهد أوسع للسيطرة على منافذ شرق المتوسط وتشجيع المجتمع الدولي على إعادة تأهيل نظام الأسد وفتح المجال أمام أموال إعادة الإعمار التي ستقوي من سيطرة الأسد وتؤمن موطئ القدم الروسي الإستراتيجي”.

ويقول إن تركيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية على سوريا قد ينظر إليه على أنه حرف لنظر فريق بايدن الذي يحاول تحويل المال والمصادر بعيدا عن الشرق الأوسط باتجاه اللعبة الكبرى في التنافس مع روسيا والصين. لكن لعبة القوى العظمى جارية في كل أنحاء العالم بما فيها الشرق الأوسط. ولا يمكن لإدارة بايدن تجاهل هذا ولا يمكن للولايات المتحدة التخلي عن ملايين الأبرياء الذي يجوعون أمام ناظرينا. ويقول فريق بايدن الأشياء الصحيحة حول سوريا ولكن الأفعال تتحدث أقوى من الكلمات.

القدس العربي

—————————-

صحيفة عبرية: قمة أردوغان – بايدن.. “عهد جديد” أم قنابل على الطريق؟

سبق أن أوضح الرئيس الأمريكي بايدن في عدة مناسبات بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس الزعيم المبجل لديه. فقد أجرى المكالمة الهاتفية الأولى معه بعد ثلاثة أشهر على تسلم منصبه، تناولت نية بايدن الإعلان عن مذبحة الأرمن كإبادة شعب. وهو إعلان صدر بعد بضعة أيام على ذلك. صك أردوغان على أسنانه وأدان الإعلان، وأوضح بأن “هذا الإعلان سيلقي عبئاً آخر على العلاقة بين الدولتين”. من يعرف ردوده منفلتة العقال على كل دولة اعترفت سابقاً بإبادة الشعب الأرمني وقطع العلاقات وفرض عقوبات على عدد من هذه الدول، قد يتولد لديه انطباع بأن أردوغان سار على أطراف أصابعه في هذه المرة وبلع الضفدع دون تقيؤ.

الاثنين المقبل ستكون لأردوغان فرصة أخرى للّقاء مع من وصفه بالديكتاتور وأعلن بأنه “يعرف كيف يتعامل مع أردوغان”. على هامش قمة الناتو التي ستعقد في بروكسل، سيزيل الزعيمان الحمل عن ظهرهما وسيحاولان فحص كيف يمكن إصلاح العلاقات بين الدولتين. سبق وطرح أردوغان توقعات عندما قال في مقابلة صحافية بأنه يؤمن بأن عهداً جديداً في العلاقات يقف على الباب. ونشرت وسائل إعلام في تركيا مؤيدة لأردوغان عن اقتراحات لحل جزئي للخلافات، فالانتقاد المسموم المعتاد لمحاولة الولايات المتحدة التدخل في الشؤون التركية الداخلية، تلاشى.

كاتب المقالات الوطني إبراهيم كراغون، الذي كرس أعمدة كثيرة في صحيفته “يني شفق” لانتقاد لاذع للولايات المتحدة بشكل عام والرئيس الأمريكي بشكل خاص، كتب هذا الأسبوع بأن يجب على الأتراك الذين يعتقدون بأن “تركيا فوق كل شيء” أن يتوحدوا ويصمدوا ضد المؤامرات الدولية التي تستهدف إضعاف تركيا. لم يذكر كلمات الولايات المتحدة والرئيس بايدن. صحيفة وموقع “يني شفق” بملكية شركة البيرق لصاحبها المقرب من أردوغان، والأمور التي يتم نشرها في وسائل إعلامه.. تعكس التيار الراديكالي في حزب العدالة والتنمية.

إن اتهام المجتمع الدولي باضطهاد تركيا والشعور بـ “عليهم” الذي يشع في المقال، هي انعكاس دقيق للأقوال التي اعتاد أردوغان قولها في ظهوراته العلنية. ومثلها مثل التعبيرات الواثقة بنجاح تركيا في الوقوف أمام الضغوط والمتآمرين الذين يخافون من قوة الدولة. هذه هي الروح التي يسعى أردوغان إلى رعايتها أمام الأزمة الاقتصادية العميقة السائدة في الدولة رغم البيانات المقلقة عن هبوط سعر الليرة التركية، ونسبة البطالة التي قفزت إلى 13.9 في المئة (ضعف ذلك في أوساط الشباب) والتضخم الذي قفز في أيار إلى 17 في المئة. هذه هي الرياح التي يتوقع أن يطير على ظهرها باتجاه اللقاء مع بايدن.

في الوقت نفسه، ما زال أردوغان يظهر ضبط النفس. فخلافاً لنتنياهو الذي أعلن بأن إسرائيل ستعمل ضد المشروع النووي الإيراني “حتى لو أدى الأمر إلى الاحتكاك مع الولايات المتحدة”، سيحاول أردوغان إقناع بايدن بأن تركيا ذخر وليست عبئاً استراتيجياً، ويجب على الولايات المتحدة الاعتراف بمكانتها الخاصة كدولة وسيطة بين الشرق والغرب، وأنه ليس لأردوغان نية للانسحاب من الحلف القديم مع الغرب ومع الناتو ومع الإدارة الأمريكية لصالح تعزيز العلاقات مع روسيا وإيران.

إن تراجع تركيا أمام تحالف أمريكي – أوروبي هو بالضبط الخطر الذي قصده كراغول في مقاله، خطر يجب على “كل من يحبون تركيا” الوقوف أمامه كرجل واحد. بعد أشهر كثيرة استخف فيها أردوغان بطلبات الاتحاد وقال إن من حقه السيادي التنقيب عن الغاز والنفط في الحوض الشرقي في البحر المتوسط، فإن التراجع عن ذلك سيكون صعباً على أردوغان أكثر من التنازل في موضوع الصواريخ الروسية.

إذا كان الأمر يتعلق بالسيادة والهيبة والدفاع أمام التدخل في الشؤون الداخلية، فثم عبوة ناسفة أخرى تنتظر أردوغان في بروكسل. وضع بايدن تحسين حقوق الإنسان على رأس سلم أولويات سياسته الخارجية. اعتقال صحافيين وحبس كتاب الإنترنت وتشريع قوانين تلزم الشبكات الاجتماعية بشطب مضامين إذا طلب منها ذلك واعتقال سياسيين أعضاء في حزب العمال الكردي والمطالبة بإغلاق الحزب ومنع 500 عضو فيه من العمل في السياسة واستمرار اعتقال شخصين من العاملين في السفارة الأمريكية – كل ذلك جزء من قائمة طويلة سيعرضها بايدن على أردوغان وسيطلب منه التغيير والتعديل.

قد تكون تركيا محك اختبار رئيسي لسياسة بايدن الخارجية والجدية التي ستتعامل بها معه دول ديكتاتورية أخرى في العالم. وليست السعودية ومصر والمغرب وحدها التي ستفحص كل كلمة يقولها بايدن، حتى روسيا البيضاء وروسيا وهنغاريا وإسرائيل أيضاً سيكون عليها استخلاص الدروس. لأنه عندما يتحدث أردوغان عن عهد جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة، فسيضطر إلى فحص ما إذا كان بايدن يستخدم نفس القاموس لترجمة هذا المفهوم. “على طول الطريق سنوضح بأن أمريكا قد عادت، وأن الدول الديمقراطية في العالم تقف معاً لمهاجمة التحديات الأصعب والمواضيع الأهم لمستقبلنا”، قال بايدن في خطابه الأول الذي ألقاه في أوروبا عندما وصل إلى قمة “جي 7”.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 11/6/2021

كلمات مفتاحية

————————–

جولة بايدن الأوروبية: خرافة القيادة ومردة القمقم/ صبحي حديدي

الأرجح أنّ المصادفة (انعقاد قمة مجموعة السبع) لم تكن وحدها باعث الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن تكون أوروبا هي مسار جولته الخارجية الأولى، أو أن تتضمن زيارة إلى بروكسيل بما تعنيه من دلالة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في آن معاً؛ أو، أخيراً، أن يكون الختام اجتماعاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، بما قد يحمله المكان من مغزى الحياد. الإدارة الجديدة في حاجة ماسة إلى ترميم الخرائب التي خلفتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على هذه المستويات خاصة، وثمة حاجة ماسة إلى ملاقاة العالم الخارجي مباشرة وعبر منصات ومنابر ذات امتياز؛ إذْ ليس كافياً أن يوقّع بايدن قرارات من المكتب البيضاوي، حول العودة إلى اتفاقية المناخ مثلاً.

ولقد استبق بايدن جولته بمقالة شاء أن ينشرها في صحيفة «واشنطن بوست» وليس «نيويورك تايمز» وفي هذا الخيار غمزة خاصة بالطبع، صنّف فيها جولته الأوروبية تحت شعار أوّل عامّ وتعميمي هو الدفاع عن «قِيَم الديمقراطية» وشعار ثانٍ لا يقلّ عمومية وتعميماً هو واجب الولايات المتحدة، العتيق الدائم المتكرر، في قيادة الكون: بصدد إنهاء جائحة كورونا في طول العالم وعرضه، أو معالجة أزمة المناخ ومقتضياتها، أو (لا بدّ مما ليس منه بدّ!) مواجهة أنشطة الصين وروسيا؛ يقع على الولايات المتحدة أن «تقود العالم من موقع قوة».

على مستوى الحكومات والزعماء الأوروبيين والحلفاء، ربما، وأمّا على مستوى الشعوب فإنّ استطلاع رأي مؤسسة «غالوب» الشهيرة الرصينة يستقبل بايدن بإحصائيات تقول إنّ معدلات القبول الشعبي لسياسات الولايات المتحدة وصورتها العامة لا تتجاوز 15٪ في بريطانيا؛ والأرقام الأوروبية الأخرى تقول التالي:18!، في فرنسا؛ 14 في الدانمررك؛ 12، في النروج والبرتغال وبلجيكا؛ 11، في السويد؛ 9، في النمسا؛ 6، في ألمانيا؛ و… 5، في إيسلندا.

ولا تُذكر حكاية القيادة الأمريكية للكون إلا ويستوجب المنهج، إنْ لم نقل التاريخ صانع الدروس، استذكار زبغنيو بريجنسكي؛ أحد أشهر مستشاري الأمن القومي الأمريكي، والأب المؤسس لفكرة منظمة «القاعدة» التي ستفرّخ «جبهة النصرة» و«داعش» و«بوكو حرام» و«حركة الشباب المجاهدين» وسواها في عشرات البلدان؛ والمهندس الأبرز وراء إطلاق تلك «الصناعة الجهادية» التي أعطت «الطالبان» و«الأفغان العرب» وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي والبغدادي. إنه أيضاً (وفي مناسبة التلازم بين جولة بايدن، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ولقاء بايدن- بوتين) «البروفيسور» الذي فتح علبة باندورا الأسطورية الشهيرة، أو أطلق المارد من القمقم كما نقول، متوهماً أنّ الأذى الجهادي سوف يصيب السوفييت وحدهم، ولن ينقلب السحر على الساحر.

وفي كتابه «فرصة ثانية: ثلاثة رؤساء وأزمة القوّة العظمى الأمريكية» 2008؛ استخدم بريجنسكي تعبير «القيادة الكارثية» في وصف حال الشرطي الأمريكي الذي يتنطع، أو يتنطح بالأحرى، لإدارة الكون فلا يخلّف مآلاً أشدّ وضوحاً من تقويض الموقع الجيو – سياسي للولايات المتحدة. العلاج شاقّ وطويل الأمد، يتنبأ بريجنسكي، وعناوين الفصول، المخصصة للرؤساء الثلاثة، اختصرت نقاط جوهر الملامة التي ألقاها على كاهل كلّ منهم: «جورج بوش الأب، لجهة الخطيئة الأصلية و«شِراك المخيّلة التقليدية»؛ بيل كلنتون، بصدد عجز النوايا الطيبة و«ثمن التورّط الذاتي»؛ و«جورج بوش الابن، بسبب القيادة الكارثية إياها و«سياسة الفزع». ونفهم أنّ الخطيئة الأصلية هي فشل إدارة بوش الأب في إضفاء أي معنى ملموس على شعار «النظام الدولي الجديد»؛ وعجز كلنتون عن ترجمة الشعار، واغتنام ما خلقت سياسات الشعار من متغيّرات على الأرض؛ وقصور بوش الابن عن فهم البرهة التاريخية بين المخيّلة التقليدية والنوايا الطيبة… وبريجنسكي، الذي رحل عن عالمنا وعن أوهام وخرافات ومَرَدة القيادة الأمريكية سنة 2018، لم تكتحل عيناه برؤية الرئيس الرابع والأربعين باراك أوباما يتفادى تقصير أسلافه الرؤساء الثلاثة، أو يُصلح ما أفسدت سياساتهم، أو يغتنم فرصة كونه أوّل رئيس أفرو ـ أمريكي في تاريخ البلد كي يجترح هذه أو تلك من مبادرات القيادة الكونية. على العكس، مات بريجنسكي وهو يتابع انحطاط المكانة الأمريكية بأيدي ترامب، والنهوض الشعبوي، وانفتاح أكثر من صندوق باندورا أمريكي على أكثر من مارد عنصري متشدد متطرف. لكنه أبصر، مفتوح العينين على اتساعها كما للمرء أن يتوقع، انتقال «الصناعة الجهادية» إلى سوية التوحش الداعشي، ومفاوضات البيت الأبيض مع الطالبان؛ فضلاً عن انتشار المارد الشعبوي العنصري في مختلف أرجاء «الغرب» بما في ذلك أمريكا معقل الرأسمالية وموئل «القِيَم الديمقراطية».

وبمعزل عن تشاؤم واشنطن وموسكو، معاً، بصدد نتائج قمة جنيف بين الرئيسين الأمريكي والروسي؛ أو التوقعات المعتادة، المزمنة المخيّبة، حول ما يمكن لقمم مجموعة السبع أن تنجزه، في ضوء حصيلتها التاريخية الهزيلة؛ فإنّ معضلات علاقة الولايات المتحدة بالعوالم ما وراء المحيط، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى جانب أوروبا، تظلّ حتى إشعار آخر رهينة نسبة الـ20٪ من رضا العالم عن سلوك القوة الكونية العظمى الأولى، وعن سياساتها بصفة إجمالية. من جانبه فإنّ القمقم، أو صندوق باندورا لمَن يشاء، سوف يواصل استيلاد هذا المارد أو ذاك، ومتلازماتها من أشباح وكوابيس و… فيروسات، أيضاً!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

————————–

قمة بايدن-أردوغان.. تصحيح مسار تركيا/ جويس كرم

قمة ثنائية ستكون الأولى هذا الاثنين بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره التركي، رجب طيب إردوغان، وتشكل فرصة لواشنطن لتوظيف الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمر بها أنقرة لتغيير بعض سياساتها الاشكالية.

المرة الأخيرة التي التقى بها إردوغان وبايدن كانت في 2016، بعد محاولة الانقلاب في تركيا. يومها حاول الجانب الأميركي طمأنة إردوغان، والاستماع لمطالبه. اليوم انقلبت المعادلة، وتمتلك واشنطن اليد الفوقية في العلاقة وبشكل يلعب لصالح بايدن، ولهذه الأسباب:

1 – العامل الاقتصادي: تراجع الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق هذا الشهر وارتفاع التضخم والتوقعات بأن البنك التركي المركزي سيخفض أسعار الفائدة قريبا، يضع إردوغان في موقع صعب أمام بايدن، الذي يتعافى اقتصاده ويركب موجة القضاء على كورونا وشعبية تناهز الستين في المئة.

2- العامل السياسي: مخاوف إردوغان من انتخابات مبكرة ومن أزمات إقليمية دخلتها أنقره وغير قادرة على الخروج منها، يجعله أكثر حاجة إلى واشنطن. فروسيا قد تكون شريكاً في الضرورة إنما ليس هناك ثقة على الإطلاق والتنافس التاريخي طويل بين موسكو وأنقره. وبالتالي معظم حلول إردوغان تمر عبر واشنطن خاصة إذا تم التوصل إلى اتفاقات اقتصادية بين الجانبين.

3- العامل العسكري: تركيا بدأت تدرك أن لا غنى عن مظلة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وأن استحواذها لمنظومة الأس-400 الروسية كلفتها طائرات الأف 35، ووضعتها تحت عقوبات أميركية من المقرر ان تستمر طبقا لقانون “كاتسا” المفروض من الكونغرس.

4- العامل القضائي: وهنا تبرز دعاوى جدية في الولايات المتحدة على مصرف “هالك بانك” التركي الضخم، والتي حاول إردوغان التوسط مع ترامب لإزالتها وفشلت جهودهما.

بايدن أدرك كل هذه العوامل عندما وصل الحكم. ورغم صداقته وعلاقته الشخصية مع إردوغان التي عمرها أكثر من عقدين، حاول الإفادة من تراجع تركيا لتغيير نهج إردوغان.

الجفاء الأميركي حيال إردوغان، اعتراف بايدن بإبادة الأرمن الجماعية وتوقيع دول الأف-35 اتفاقا جديدا يستثني تركيا، الانفتاح العسكري الأميركي على اليونان، كلها خطوات من واشنطن لإيصال رسالة لإردوغان بأن أميركا وليس تركيا هي المحرك الأساس للعلاقة.

إردوغان الذي عاصر ثلاثة رؤساء أميركيين هو خبير في اللعبة السياسية ويحاول منذ يناير إعادة التموضع لإرضاء بايدن. فهو بدأ يعزف نغم الإصلاح وحقوق الإنسان فيما تركيا هي ثاني أكبر سجان للصحافيين في العالم. كما يحاول استرضاء بايدن في ملف الأس-400 بطرد الخبراء الروس والحديث عن فريق أميركي-تركي مشترك للإشراف على المنظومة.

إردوغان يوظف أيضا ورقة أفغانستان للمساعدة في الانسحاب وإدارة مطار كابول بشكل يرضي الأوروبيين والمنظمات الدولية.

قمة الاثنين هي فرصة أمام بايدن الذي يشتم ضعف إردوغان لحصد تنازلات منه. فالتعاون في أفغانستان ممكن وضروري لواشنطن، كما هو ضبط تصرف تركيا داخل الناتو. أما عقوبات الأس-400 فرفعها يعود لموافقة الكونغرس وليس فقط بايدن. ومن هذا الباب فإن تشكيل فريق مشترك لن يكون كافيا.

بخروج ترامب من الحكم، خسر إردوغان الوزة التي كانت تبيض ذهباً وإعادة التأقلم مع ادارة تضع مصالح أميركا الجيوسياسية أولا سيتطلب نقلة نوعية من إردوغان لتفادي شرخاً أكبر وتفاقماً لأزماته الداخلية.

الحرة

————————————–

السياسة الأمريكية أمام “اختبار حاسم”: واشنطن تخفف وطأة عقوباتها في سوريا قبل لقاء بايدن- بوتين

عنب بلدي – ديانا رحيمة

تتبع الإدارة الأمريكية سياسة ضبابية في التعامل مع الملف السوري، إذ تندد بجرائم النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، ولا تعترف بشرعية انتخاباته، لكنها لا تتخذ أي موقف حاسم يغير قواعد الملف المعقّد سياسيًا وعسكريًا.

ولم تفرض إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي تسلّم الرئاسة قبل نحو ستة أشهر، عقوبات حتى الآن بموجب قانون “قيصر”، على عكس إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، التي ختمت ولايتها بحزم عقوبات مركزة تستهدف النظام السوري وداعميه.

لكن هذه الضبابية قد تُحسم في اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي والروسي، اللذين يضعان الملف السوري على طاولة مفاوضاتهما.

سجال في “الكونجرس” حول العقوبات.. المساعدات أولًا

وجهت مجموعة من رؤساء لجان العلاقات الخارجية في مجلس النواب والشيوخ الأمريكي من الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري”، في 7 من حزيران الحالي، رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للتأكيد على التطبيق الكامل لقانون “قيصر” على النظام السوري، والضغط على روسيا لفتح المعابر لإيصال المساعدات إلى سوريا.

وقال المستشار السياسي المقيم في واشنطن محمد غانم، في حديث إلى عنب بلدي، إن “الديمقراطيين” لا يثقون بقضية فرض العقوبات على النظام السوري، وهناك جدل كبير حولها، الأمر الذي يسبب مشكلة حقيقية، وسط محاولات لتلافيها، معتبرًا أن ما يجري معركة بهذا الخصوص، وما زال من المبكر أن تتبيّن معالم السياسة الأمريكية حاليًا بخصوص العقوبات.

ولم تولِ الإدارة الأمريكية حتى الآن الملف السوري الاهتمام الذي يستحقه، ولم تتضح معالم سياستها، بحسب غانم، بل تركز حاليًا على الجانب الإنساني المتعلق بفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية.

وبحسب غانم، فإن “الديمقراطيين” غير ميالين لاستخدام العقوبات، خاصة أن جناحًا قويًا جدًا ضمن الحزب “الديمقراطي” من أقصى اليسار AOC)) ضد العقوبات، وهم يشكّلون صوتًا قويًا فيه، كمبادراتهم الداعية إلى رفع العقوبات عن إيران.

ويتوافق تحليل غانم مع الموقف الرسمي لواشنطن، إذ قال نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، جيفري بريسكوت، في 6 من حزيران الحالي، إن خطة عمل الأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة ستركز على توسيع وإضافة معابر إضافية لإيصال المساعدات إلى سوريا، وليس فقط على تجديد إدخال المساعدات عبر معبر “باب الهوى” المُصرح به.

وأضاف بريسكوت أن ما رأته السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال رحلتها إلى الحدود التركية- السورية في مطلع الشهر الحالي، أكد مدى أهمية استمرار وصول المساعدات لتلبية احتياجات السوريين التي ازدادت بنسبة 20% على احتياجات العام الماضي.

ووصف بريسكوت معبر “باب الهوى” بأنه “حرفيًا شريان حياة لملايين السوريين”، وتتوفر عبره المساعدات الإنسانية المنقذة لحياة الملايين، موضحًا أن الأمم المتحدة ستظل مُركّزة حتى يفهم الجميع مخاطر إغلاقه التي ستؤدي بالمحصلة النهائية إلى موت الناس.

وكانت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة أجرت زيارة إلى الحدود السورية- التركية، حسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 2 من حزيران الحالي.

وحذرت غرينفيلد من إغلاق آخر المعابر الإنسانية إلى سوريا الذي يمكن أن يتسبب في “قسوة لا معنى لها” لملايين السوريين، مجددة الدعوة إلى مجلس الأمن الدولي لتمديد الإذن بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

إلغاء عقوبات؟

ومن جهتها، أزالت الخزانة الأمريكية، في 10 من حزيران الحالي، شركتين تتبعان لرجل الأعمال السوري سامر فوز، المعروف بقربه من النظام، من قوائم العقوبات، مع إضافة معلومات شخصية جديدة مرتبطة بشقيقيه عامر وحُسن فوز المعاقبَين سابقًا.

وأثار قرار إزالة الشركتين من قائمة العقوبات جدلًا حول جدية تعامل الخارجية الأمريكية مع النظام السوري، لكنّ مصدرًا من الخارجية الأمريكية أوضح أن الخزانة لا تقوم بإلغاء العقوبات عن النظام وأعوانه، بل إن الشركتين كانتا قد حُلّتا من قبل فوز، وعليه أُزيلتا من قائمة العقوبات.

وعملت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية على تقييد رجال أعمال سوريين عبر فرض عقوبات مالية عليهم بسبب دعمهم للنظام السوري ماليًا.

وسامر فوز رجل أعمال لم يكن معروفًا قبل عام 2011، وصعد بسرعة خلال السنوات الماضية، في ظل اتهامات له بالاستفادة من انتهاكات الحرب وقربه من دوائر النفوذ في سوريا.

وكانت الوزارة فرضت، في عام 2019، عقوبات شملت جميع الشركات والأصول التي يملكها فوز، وعلى رأسها شركة “أمان القابضة”، لتغطيتها أكثر من عشرة مشاريع تدعم النظام.

قانون “قيصر” مستمر.. لا تطبيع

ناقش مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية عدة محاور تتعلق بمجرى السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ومن ضمنها تطبيق قانون العقوبات الأمريكية، بحسب بيان وصل إلى عنب بلدي إلكترونيًا، في 27 من أيار الماضي.

ولفت المسؤول إلى أن قانون “قيصر” مُرّر بأغلبية ساحقة من “الكونجرس” الأمريكي، وعليه ستقوم الإدارة الأمريكية بتنفيذه للحد من قدرة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وغيره من حكومة النظام على الاستفادة من الصراع ومن أي إعادة إعمار تتم بعد النزاع.

وعليه سيبقى هذا القانون ما لم يقم “الكونجرس” نفسه بإلغائه، ومع الدعم الساحق لكلا الحزبين لتمرير القانون في الأساس، فإن من غير المرجّح أن يتمّ ذلك في أي وقت قريب.

هل يقلب لقاء بوتين وبايدن الموازين في سوريا

توقع الدبلوماسي السوري بسام بربندي أن اللقاء بين الرئيسين الأمريكي، جو بايدن، والروسي، فلاديمير بوتين، سيقتصر على فتح المعابر وإيصال المساعدات إلى سوريا، ويبتعد عن الجانب السياسي في سوريا. وقد يجري ذلك بتقديم عرض أمريكي لروسيا، وفي حال رفضت روسيا الاتفاق ستكون أمريكا متشددة مع الروس في سوريا، وعليه من الصعب معرفة إلى أين تتجه الأمور في ظل المفاوضات المقبلة.

وسيلتقي بايدن ببوتين، في 16 من حزيران الحالي، بجنيف، وسط خلافات حادة بشأن التدخل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية وحقوق الإنسان وأوكرانيا وقضية المعابر السورية.

الجزء المتعلق بسوريا من اللقاء المرتقب بين بوتين وبايدن، يعتبر اختبارًا لكلا الرئيسين، لأن كيفية تعامل الولايات المتحدة وروسيا مع القضية السورية لا يوضح موقف بوتين فحسب، بل سيكشف أيضًا عن مدى التزام إدارة بايدن بالارتقاء بحقوق الإنسان والديمقراطية كأولوية في سياستها الخارجية، بحسب ما نقلته صحيفة “واشنطن بوست”.

وقال بريان كاتوليسن، وهو زميل بارز في مركز التقدم الأمريكي، للصحيفة، إن القمة بين الرئيسين “لحظة توضيحية”، مع اقتراب الموعد النهائي لجلسة الأمم المتحدة حول فتح المعابر.

كان موقف موسكو هو أن المساعدات الإنسانية يجب أن تتدفق عبر النظام السوري، وهو اقتراح “سخيف”، بحسب كاتوليسن، بالنظر إلى أن الأسد هو الذي يجعل المدنيين يتضورون جوعًا في إدلب بالمقام الأول.

وبحسب الصحيفة، يرى مسؤولون أمريكيون أن موسكو تبحث عن رفع العقوبات عن الأسد، مقابل إعادة تفويض طريق المساعدات، لكن هذا من شأنه أن يرقى إلى مكافأة بوتين على عدم تجويع المدنيين وهي “فكرة بشعة”.

إذا رفض بوتين عرض بايدن ولم يسمح لطرق المساعدات الإنسانية بالاستمرار، فستواجه الولايات المتحدة وشركاؤها، بما في ذلك تركيا، تحديًا هائلًا في العمل خارج نظام الأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى إدلب، وستكون تصرفات بايدن بشأن سوريا في جنيف بمثابة اختبار حاسم لكيفية مقاومة الولايات المتحدة للتوسع الروسي والصيني في المنطقة.

وأشاد بوتين ببايدن على اعتباره سياسيًا متمرسًا، بحسب وصفه، متوقعًا أن تعقد قمة “جنيف” في جو إيجابي، وقال إن الاجتماع سيكون أكثر حول محاولة رسم مسار لاستعادة العلاقات الأمريكية- الروسية المتدهورة التي توترت بسبب عدة قضايا، منها سجن روسيا ناقد “الكرملين” أليكسي نافالني، وأوكرانيا، وسوريا.

ومن جهته، قال بايدن إنه سيضغط على بوتين لاحترام حقوق الإنسان خلال القمة المرتقبة.

وأكد مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في بيان صحفي صدر في 9 من حزيران الحالي، أن سوريا من القضايا ضمن جدول الأعمال المقرر مناقشتها في القمة، متحدثًا عن وضوح موقف الولايات المتحدة من وصول المساعدات الإنسانية، مع عدم الخوض بالتفاصيل المقرر مناقشتها لإعطاء مساحة للمحادثات التي تسبق فترة جنيف.

ما دور الاتفاق النووي؟

يتوازى تجاهل الإدارة الأمريكية للملف السوري مع استمرار المحادثات الأمريكية- الإيرانية من أجل الاتفاق النووي في فيينا، وسط تحليلات تربط الوضع السوري بمفاوضات الاتفاق، خاصة أن الإدارة الأمريكية تدرك ترابط المصالح الإيرانية في سوريا مع شلّ الاقتصاد السوري بالعقوبات.

في آذار الماضي، حثّ أكثر من 100 عضو في “الكونجرس” من كلا الحزبين إدارة بايدن على استخدام نفوذها للضغط على إيران التي تبسط يدها العسكرية في سوريا.

ويرى رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور، في حديث إلى عنب بلدي، أن سوريا هي جزء من الملف الإيراني، بالنسبة لبعض المستشارين في البيت الأبيض، وتسعى المعارضة السورية لأن تكون خارج تلك المعادلة كي لا تُقدَّم كجزء من الأرباح التي تحققها إيران بعد الاتفاق، كما حصل أيام ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما.

ومع بدء المحادثات الأمريكية- الإيرانية في فيينا، رُفعت شركات ومسؤولون إيرانيون عن قائمة العقوبات الأمريكية، ولكن حتى الآن لا يوجد أي رابط بين الاتفاق النووي وتغير السياسة الأمريكية تجاه النظام السوري، بحسب عبد النور.

وبحسب دراسة لـ”المعهد الأطلسي” بعنوان “دور تخفيف العقوبات الأمريكية عن إيران في استمرارية تمويلها للنظام السوري”، فإن العقوبات التي فُرضت من قبل أمريكا على إيران عام 2018، تسببت بتضاؤل الاحتياطيات الأجنبية الإيرانية إلى أربعة مليارات دولار أمريكي، وفقًا لتقرير صادر عن “صندوق النقد الدولي”، الأمر الذي يحد من احتياطي النظام السوري في تمويل آلته الحربية.

وبالعكس، إذا خففت أمريكا العقوبات، فإن احتياطيات طهران الأجنبية ستتضخم إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي، ما يتيح لإيران تمويل النظام.

وأشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال إحاطة لمجلس الأمن في 29 من آذار الماضي، إلى أن على الإدارة الأمريكية “قطع الحنفية التي تغرق خزائن النظام السوري وجيشه”.

وبحسب الدراسة، ففي حال عودة أمريكا إلى خطة “العمل الشاملة المشتركة” (الاتفاق النووي) دون الحصول على تنازلات من إيران، وتحديدًا في حملتها “القاتلة في سوريا”، فإن عدد القتلى سيستمر في الازدياد، وإذا كانت هناك حرب يجب إيقافها، فهي هذه الحرب التي تشنها إيران في سوريا نيابة عن الأسد، والتركيز على التهديد النووي وحده لن يمنع الحرب بل سيموّلها.

عنب بلدي

————————–

روسيا أولاً في لقاء بايدن وأردوغان/ عمر كوش

تترقب أوساط تركية، سياسية واقتصادية، ما سيسفر عنه اللقاء الذي سيعقد بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن، غداً في الرابع عشر من يونيو/ حزيران، على هامش أعمال قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، لكنّها لا تبدي تفاؤلاً كبيراً بأن يُحدث اللقاء اختراقاً باتجاه إنهاء حالة التردّي والتوتر التي تعتري العلاقات التركية – الأميركية، على الرغم من أنّ المسؤولين الأتراك لا يُخفون رغبتهم في تحسين العلاقات بين بلادهم والولايات المتحدة، بما يفضي إلى حلّ الخلافات وفتح صفحة جديدة من التعاون والتفاهم بين البلدين. كما أنّ الأوساط الاقتصادية والمالية تترقّب اللقاء أملاً في أن تنعكس نتائجه إيجابياً على الاقتصاد التركي، إذ طالب رجال أعمال أتراك وأميركيون، في رسالةٍ مشتركة، الرئيسين أردوغان وبايدن، بتحسين علاقات البلدين وطيّ الخلافات بينهما، وذلك للحدّ من استمرار التأثير السلبي لتردّيها على الاقتصاد التركي والمستثمرين الأجانب.

ستكون للقاء القمة المنتظر، بوصفه الأول بين أردوغان وبايدن بعد تولي الأخير رئاسة الولايات المتحدة، أهميته وتأثيره في مسار علاقات الدولتين، إلّا أنّه لن يكون كافياً لإنهاء التوتر والعودة إلى علاقة الحليفين الاستراتيجية التي كانت تقوم على التنسيق والتعاون والثقة المتبادلة، بالنظر إلى جملة مسائل خلافية شائكة تراكمت بينهما منذ عام 2003، عندما رفض البرلمان التركي تقديم مساعدات لوجستية للقوات الأميركية إبّان الغزو الأميركي للعراق. واتسعت دائرة الخلافات بمرور السنوات، لتشمل ملفات إقليمية عدة خلال فترة رئاسة باراك أوباما، حين تباينت مواقف البلدين من الثورات العربية، خصوصاً الثورة السورية، نتيجة دعم واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سورية ومليشياته المسلحة، والإدارة الذاتية التي شكلها في مناطق الجزيرة السورية، والتي تعتبرها تركيا خطراً عليها. ثم تعمّقت الخلافات بين الطرفين، عندما اتهمت أوساط تركية إدارة الرئيس أوباما بدعم المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز 2016، وطالبتها بتسليم الداعية فتح الله غولن، الذي اتهمته أنقرة بالوقوف وراءها، لكنّ واشنطن رفضت الطلب التركي، وما زالت ترفضه.

ولم تتغير الأحوال كثيراً خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، بل دخلت العلاقات التركية – الأميركية في حلقة سلبية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أفضت إلى تفاقم التوتر، وإلى تغيّرٍ في وجهة السياسة التركية باتجاه التفاهم والتنسيق مع روسيا في ملفاتٍ عدة، ليتوج ذلك التغير بشراء تركيا منظومة الصواريخ “إس – 400” الأمر الذي أثار حفيظة الإدارة الأميركية، فأخرجت تركيا من المشاركة في برنامج تصنيع المقاتلة “إف – 35″، وفرضت عليها عقوباتٍ استهدفت شخصياتٍ في مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون “مكافحة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات” المعروف اختصاراً باسم قانون “كاتسا”. ثم جاء إعلان الرئيس بايدن، أخيراً، أنّ الأرمن تعرّضوا في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية عام 1915 لإبادة جماعية، كي يثير غضباً تركيا واسعاً، ويزيد من التوتر بين أنقرة وواشنطن، على الرغم من أنّه لم يُحمّل تركيا المسؤولية عنها.

وبناء على ما سبق، ستكون أجندة اللقاء مثقلة بالملفات والقضايا الخلافية. لذلك، لم يخفِ مسؤولو البلدين مطالبهم العلنية التي ضمّنوها في رسائلهم قبيل انعقاد القمة بين الرئيسين، وتأرجحت تصريحاتهم التي أطلقوها ما بين محاولات تهدئة التوتر وتخفيف التأزّم بين البلدين، وبين التحذيرات التركية والتلويح بفرض مزيد من العقوبات الأميركية على تركيا في حال تجاهل المطالب الأميركية، إذ اعتبر الرئيس أردوغان القمة حدثاً “سيدشّن حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين” فيما اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أنّ هناك رغبة أميركية جديدة في العمل مع تركيا. في المقابل، رأى قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، كينيث ماكنزي، أنّ اللقاء المرتقب بين أردوغان وبايدن ستكون له إيجابيات في علاقات البلدين، وأنّ ما تفعله الولايات المتحدة مع تركيا “زيادة المجالات التي يمكننا فيها التوافق والتلاقي”. لكنّ نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، أعلنت، في ختام زيارتها أنقرة، تحضيراً للقمة المرتقبة، أنّ “الولايات المتحدة عرضت على تركيا بدائل تجنّبها العقوبات المفروضة على خلفية شراء منظومة، إس – 400، الروسية، وأنّها تعرف ما يتوجب عليها فعله، لأنّ خطوتها هذه ولّدت أزمة داخل حلف شمال الأطلسي”. بينما عاد الرئيس أردوغان إلى تنبيه الولايات المتحدة وتحذيرها من مغبّة المخاطرة “بخسارة صديق قيّم” إذا ما سعت إلى “حشر” بلاده في الزاوية، ووعد بأن يسأل بايدن حين يلتقيه عن “سبب توتر العلاقات التركية الأميركية إلى هذا الحد”.

ويبدو أنّ التركيز الأميركي يتمحور بشكل خاص على منظومة الصواريخ الروسية “إس – 400” والتقارب التركي مع روسيا، إذ تطالب الولايات المتحدة تركيا بالتراجع عن صفقة الصواريخ، ولم تقبل تطميناتها بأن تكون تلك الصواريخ تحت السيطرة التركية التامة، وألّا يكون هناك خبراء عسكريون روس في تركيا، الأمر الذي يفسّر عدم توقفها عن التلويح بفرض مزيد من العقوبات على تركيا إن لم تلبِّ مطالبها، وما يترتب على ذلك من تعديل السياسة التركية حيال روسيا والتعاون معها في ملفات إقليمية عديدة.

وإذا كان من الصعب على تركيا التضحية بعلاقاتها مع روسيا، من أجل تخفيض التوتر مع الولايات المتحدة، فإنّ تقارير إعلامية تتحدث عن جنوح تركيا نحو التهدئة والتوصل إلى حلّ عبر عرض صيغةٍ تقضي بوضع منظومة الصواريخ الروسية في قاعدة إنجرليك الجوية، حيث توجد قوات أميركية، ومن دون مشاركة روسيا في تشغيلها أو صيانتها، الأمر الذي يذكّر بمصير الصواريخ الروسية “إس – 300” التي اشترتها قبرص من الاتحاد السوفييتي السابق، ثم اضطرت، تحت الضغط التركي والأطلسي، إلى التخلي عنها عام 1997 لليونان التي ركنتها في جزيرة كريت، لكنّ أسئلة عدة تطرح، في هذا السياق، بشـأن المقابل الذي ستقدمه الولايات المتحدة لتركيا حيال خطوةٍ كهذه.

وهناك من يجادل بأنّ مصالح كلا البلدين تقتضي عدم تخلي بعضهما عن بعض، وأنّ أردوغان وبايدن سيركّزان على مجالات التعاون التي تشكل طريقاً لتدوير الخلافات وتطبيع العلاقات بين البلدين، إلّا أنّ من غير المرجح أن تعود العلاقات بينهما إلى سابق عهدها من التحالف والتنسيق المتبادل، بالنظر إلى قائمة الخلافات المتراكمة التي تمتدّ من العلاقة مع روسيا والدعم الأميركي للمليشيات الكردية في شمال سورية والوضع في العراق وفي ليبيا، لتطاول التوترات والخلافات مع اليونان في منطقة شرقي المتوسط والبحر الأسود والقوقاز ومحاكمة بنك “خلق” التركي في نيويورك، المتهم بمساعدة إيران على التهرّب من العقوبات الأميركية وسواها. وبالتالي، يتطلب حلّها مساعٍ وتفاهمات كثيرة، وعقد أكثر من قمة.

العربي الجديد

—————————-

قمة بايدن-بوتين..النتائج تُعلن عن بُعد

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يأمل استئناف الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك مع الولايات المتحدة، خصوصاً تلك التي تشمل الاستقرار الاستراتيجي والنزاعات الإقليمية، لاسيما في سوريا وليبيا.

ويأتي تصريح بوتين تعليقاً على القمة المنتظرة بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أعلن في وقت سابق رفضه عقد مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي عقب الإنتهاء من القمة.

وأضاف بوتين في حوار مع التلفزيون الروسي، أنه يتوقع استئناف الاتصالات والعلاقات الشخصية مع بايدن، وإطلاق حوار مباشر وإنشاء آليات فعالة للتعامل في الاتجاهات ذات الاهتمام المشترك. وتابع أنه يأمل أن يتيح اللقاء مناقشة قضايا تتعلق بمسائل الامن الدولي وخصوصاً الحد من انتشار الأسلحة.

ولا يعوّل بوتين على تخفيف واشنطن نبرتها إزاء موسكو في الآونة الأخيرة، لانه “يمثل أسلوباً عادياً قبيل اجتماع على أرفع مستوى”، بحسب قوله، مضيفاً أن “الاتهامات الأميركية المتعددة بحق روسيا ليست صحيحة أبداً وأن موسكو تتوخى ضبط النفس في المسائل الأمنية ولم تتخذ أي خطوة من شأنها الإضرار بالعلاقات بين البلدين”.

وفي تصريح سابق الجمعة، قال بوتين إن العلاقات بين موسكو وواشنطن “تدهورت إلى أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة”، وأضاف لشبكة “إن بي سي” الأميركية، أنه يأمل أن يتصرف بايدن بشكل “أقل اندفاعاً” من سلفه دونالد ترامب.

وكان مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي قد أكدوا في بيان رسمي أن بايدن سيعقد مؤتمراً صحافياً منفرداً عقب اللقاء مع بوتين في جنيف يوم 16 حزيران/يوينو.

من جهتها، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية أن سبب رفض إدارة بايدن عقد مؤتمر صحافي مشترك، يعود الى تغلُب بوتين على ترامب خلال قمتهما في هلسنكي عام 2018.

وقالت الصحيفة إن “مساعدين رفيعي المستوى لبايدن قالوا إن الحكومة الروسية أعربت، خلال المشاورات بشأن اللقاء، عن رغبة شديدة في انضمام بوتين إلى بايدن خلال المؤتمر الصحافي، لكن مسؤولين في إدارة بايدن قالوا إنهم يتذكرون ما بدا أنه كان تغلباً لبوتين على ترامب في هلسنكي خلال قمتهما عام 2018”.

بدوره، قال الكرملين في بيان إن بوتين وبايدن سيتحدثان عن نتائج القمة المنتظرة، والتي ستكون الأولى بينهما، في مؤتمرين صحافيين منفصلين.

ونقلت مجلة “فورين بوليس” الأميركية عن خبراء قولهم إنه ليس من المتوقع حدوث اختراق في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن اللقاء قد يساعد في وضع حدّ للتوتر في علاقة أكبر قوتين نوويتين في العالم.

وأضافت المجلة أنه على الرغم من أن موسكو وواشنطن تنظران لبعضهما البعض بريبة عميقة، إلا أن كلا الجانبين يدركان تماماً الحاجة لوجود علاقة عمل بينهما لتجنب الكارثة.

وقال المساعد الأول لبايدن إيريك غرين إن موسكو وإلى جانب واشنطن ما زالتا تمتلكان أكبر ترسانات نووية على وجه الأرض، وما تزال روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما يعني “سواء أحببنا ذلك أم كرهنا، على الولايات المتحدة أن تعمل معها بشأن بعض التحديات الأساسية الموجودة في العالم”.

ويتوقع مراقبون أن تشمل القمة قضايا عديدة، منها إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وملفات الحد من التسلح والقيود الإلكترونية، وقضايا كوريا الشمالية وإيران وسوريا وأفغانستان والقطب الشمالي، وتغير المناخ، وملف الأميركيين المسجونين لدى موسكو.

————————

كواليس مباحثات فيينا النووية..سجال أميركي إيراني خارج الموضوع

انطلقت الجولة السادسة من مباحثات فيينا حول الإتفاق النووي على وقع سجال بين المندوب الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي، ورئيس الوفد الايراني إلى المفاوضات عباس عراقجي.

وفيما حصل السجال قبل ساعات من انطلاق المباحثات، إلا أنه لا يتمحور حول عناوين تخص الاتفاق النووي أو العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، بل بسبب وفاة ناشط إيراني.

وقال مالي في تغريدة، إنه حزين لوفاة الناشط الإيراني ساسان نيك نفس بسجن في طهران، وأضاف أن “الناشط هو أب لطفلين وقد سُجن ظلماً لأنه عبّر عن رأيه على مواقع التواصل”. كما اتهم مالي السلطات الإيرانية بممارسة “الإهمال الطبي” بحق الناشط، وختم تغريدته بالقول: “حقوق الإنسان يجب أن تُحترم”.

بدوره، علّق عراقجي على كلام مالي بالقول إن عقوبات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “غير القانونية والإجرامية” لا تزال مستمرة وكانت السبب في معاناة 82 مليون إيراني. وأضاف “لا داعي للتباكي بينما المحاولات الأميركية مستمرة لتحميل الإيرانيين معاناة ومصائب”.

وتابع عراقجي: “الإرهاب الاقتصادي الأميركي وسط مواجهة تفشي كورونا جريمة ضد الإنسانية”.

وقالت مراكز حقوق إنسان إيرانية إن نيك نفس توفي في سجن فشويه بينما كان يقضى عقوبة بالسجن بتهمة “الدعاية ضد النظام”، و”الإساءة للمرشد الأول والثاني (الخميني وخامنئي)”.

وانطلقت الجولة السادسة من مباحثات فيينا مساء السبت، بهدف إحياء الاتفاق النووي وعودة الطرفين الإيراني والأميركي إلى تنفيذ تعهداتهما بالاتفاق، لترفع واشنطن عقوباتها على إيران، من جهة، وتنفذ إيران تعهداتها النووية، من جهة أخرى.

استبعاد إيراني

واستبعد عراقجي التوصل إلى اتفاق نهائي في المحادثات خلال الأسبوع الحالي. وأضاف في ختام اليوم الأول من الجولة السادسة إن هذه الجولة بدأت بعقد اجتماع للجنة المشتركة، حيث تم اتخاذ قرار بتسريع العمل ودرس القضايا الشائكة خلال الاجتماعات بين الخبراء والمديرين السياسيين من أجل التوصل إلى الحلول اللازمة لها.

وأضاف أن السبب وراء الوضع المعقد يكمن في أن عودة أميركا إلى الاتفاق النووي تتضمن جملة من القضايا التقنية والقانونية والسياسية، “فضلاً عن أن التحقق من إجراءات أميركا بحد ذاته يتضمن بعض التعقيد، ولابد من التخطيط لذلك والتدقيق بشأنه وتحديد المعايير لهذا الأمر”.

وأشار الى أنه على الولايات المتحدة أن تتخذ الخطوة الأولى، وأن تتخذ كل إجراءاتها في البداية، ثم تتحقق إيران منها، وبعد ذلك تعود إيران الى التزاماتها. ونفى عراقجي أن تكون للمفاوضات النووية علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية الإيرانية.

تفاؤل أوروبي

من جهته، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي آلان ماتون إن مفاوضات فيينا المتصلة بالاتفاق النووي مع إيران تحقق تقدماً، مع انتهاء اليوم الأول من الجولة السادسة.

ونقلت “رويترز” عن المتحدث قوله للصحافيين: “نحن نحرز تقدماً، لكن المفاوضات محتدمة، وهناك عدد من القضايا ما زالت عالقة، بما في ذلك كيفية تنفيذ الخطوات التي يتم الاتفاق عليها”. وأضاف أن الهدف يتمثل في “إيجاد سبل تتيح التوصل لاتفاق نهائي خلال الأيام المقبلة”.

بدوره، دعا وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس جميع الأطراف الى إبداء المرونة في المحادثات. وفي حديث مع وكالة “رويترز”، قال إن “الأمر يتعلق بالمرونة والبراغماتية من جميع الأطراف المشاركة”. وأضاف أن “التسويف ليس في مصلحة أحد”.

كما علّق المبعوث الصيني إلى المفاوضات قائلاً إن “العقوبات الأميركية هي النقطة الرئيسية المستعصية على الحل”. وأضاف أن “على الولايات المتحدة الكف عن التردد في التحرك نحو اتخاذ قرار حاسم برفع العقوبات”.

أما في ما يخص إيران، قال تشون إنه “تم إنجاز القضايا الرئيسية من حيث المبدأ، إلا أن هناك بعض الأمور التي ما زالت عالقة”.

————————–

روسيا تفتح الصراع على لبنان..مع أميركا/ بسام مقداد

في نبأ صادم لشدة تناقضه مع الوضع في لبنان، نقلت نوفوستي عن خبراء سياحة روس أن الطلب على تذاكر الطيران إلى لبنان إرتفع 4 مرات هذه السنة بالمقارنة مع السنة الماضية. وكانت الوكالة قد قالت بأن السلطات الروسية سمحت بإستعادة رحلات الطيران من موسكو إلى عشرة بلدان، بدءاً من العاشر من الشهر الجاري. وعددت الوكالة الشروط التي ينبغي أن تتوفر في القادم إلى لبنان والمتعلقة باختبارPCR وفترة العزلة الذاتية الإلزامية وسوى ذلك  .

وجاء هذا الإعلان على تناقض مع ما نشرته الوكالة عينها عن تحذير الولايات المتحدة بلدان الشرق الأوسط، وخاصة لبنان، من التعامل مع روسيا. ونقلت الوكالة عن  نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي دانا ستروول في ندوة عبر الإنترنت قولها بأن بلداناً وشركاء للولايات المتحدة كان بودهم لو يتهربون ويتحققون مما بوسعهم الحصول عليه منها عن طريق استكشاف إمكانية تعاون أوثق مع الروس والصينيين، خاصة في مجال الأمن وحقل التعاون العسكري الفضائي. وقالت ستروول “إنني أود تحذير هؤلاء من جديد، من أنه توجد نقطة حين يتحول هذا إلى إستراتيجية لا تهدد فقط تعاونكم مع الولايات المتحدة، بل وتهدد سيادتكم أيضاً، خاصة في بلدان مثل لبنان “. وأضافت ستروول بأن الإختيار بين التعاون مع الصين وروسيا أو العلاقة مع الولايات المتحدة بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط يجب أن يكون واضحاً، ولا يمكن حتى مقارنة الفوائد المحتملة لمثل هذه العلاقات .

وقالت الوكالة بأن الولايات المتحدة صرحت أكثر من مرة عن الخطر المتمثل بالصين وروسيا . والبنود الأولى  لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي حددت الصين وروسيا بأنهما “التهديد الرئيسي”، ووصفت الصين بأنها العدو المحتمل الرئيسي للولايات المتحدة. وتقول البنود بأن موسكو وبكين “إستثمرتا بجدية” في الجهود الهادفة إلى إحتواء مزايا الولايات المتحدة وعرقلتها في الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها في سائر أنحاء العالم. وتذكر الوكالة بأن روسيا أعلنت غير مرة بأنها لن تقوم أبداً بالهجوم على أي بلد من بلدان الناتو .

صحيفة “NG” الروسية، وفي واحدة من المرات النادرة التي تخص لبنان بنصوصها، نشرت في 8 من الشهر الجاري مقالة بعنوان “بسبب موسكو رفعت واشنطن مساعدتها العسكرية للبنان”، وقالت بأن نشاط روسيا وحزب الله دفع الولايات المتحدة للإهتمام بجيش تلك الدولة الشرق أوسطية .

وتقول الصحيفة أنه في حين كان العالم يتابع التصعيد الدوري في الصراع العربي الإسرائيلي، كانت واشنطن تعلن بهدوء عن زيادة حزمة المساعدات العسكرية للبنان بقيمة 15 مليون دولار . ويرى المشرعون الأميركيون، أنه في ظل المنافسة المتصاعدة في المنطقة من جانب الدول الأخرى، أن هذه الخطوة تساعد لبنان على توفير الحد الأدنى من الأمن والإستقرار من جهة، وتحافظ على النفوذ الأميركي في هذه الدولة الشرق أوسطية من جهة أخرى، ومن دون أن تنخرط كثيراً  في مشاكل لبنان .

لقد أتخذ القرار بزيادة المساعدة للجيش اللبناني بعد أن وصلت إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة موقعة من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس ومجموعة من النواب عن الحزب الديموقراطي. وتقول الرسالة أنه بعد التدهور المتواصل في وضع الجيش اللبناني نتيجة الأزمة الإقتصادية المتمادية وجائحة الكورونا وغياب حكومة فاعلة منذ 10 أشهر، يحتم الأمر زيادة المساعدة العسكرية لهذا البلد. فالتدهور المتواصل للوضع في لبنان يهدد الأمن القومي الأميركي .

لكن الدافع الرئيسي الذي دفع المشرعين الأميركيين للتوجه إلى وزير خارجيتهم،ت راه الصحيفة في نشاط روسيا في الشرق الأوسط وفي لبنان بالتحديد. ففي آذار/مارس من هذه السنة قام وفد من حزب الله الشيعي الراديكالي بزيارة إلى موسكو. وفي نيسان وصل إلى موسكو الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية منذ تشرين الأول/أوكتوبر الماضي سعد الحريري ،ولم يتمكن حتى الآن من تسلم مهامه. التقى اللبنانيون مع وزير الخارجية سيرغي لافروف وناقشوا معه الوضع المتأزم في لبنان، بما فيه تشكيل الحكومة الذي أصبح معيباً تمديد فترة تشكيلها .

لم تأت الصحيفة على ذكر زيارة وليد جنبلاط المؤجلة إلى موسكو بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولا على الزيارة القادمة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وتقول بأن مفاوضات اللبنانيين في موسكو تشهد على النفوذ الروسي المتصاعد في العمليات السياسية في لبنان الذي لا يمكن أن يتجاهله الأميركيون بالطبع. ولتعجله الوقوف بوجه  التقدم الروسي في لبنان، إقترح ميكس في الرسالة الموجهة إلى بلينكن تشكيل مجموعة “أصدقاء لبنان” وضم فرنسا إليها .

يعتبر النواب الديموقراطيون أنهم، بتعزيز مساعدة الجيش اللبناني، لن يساهموا فقط في تعزيز قدراته القتالية في محاربة الإرهاب، بل والحؤول أيضاً دون إفادة “الميليشيات غير الحكومية” المختلفة من الظروف اللبنانية الراهنة. وتعتبر أن هذه الظروف مثالية لظهور وانبعاث مختلف المجموعات الإرهابية، مثل الدولة الإسلامية والقاعدة .

تستعرض الصحيفة العمليات الإرهابية التي تعرض لها لبنان، وتفترض أن الوهابيين كانوا يقفون وراءها، كما درج الإعلام الروسي منذ حرب الشيشان الأولى بين العامين 1994 و 1996 على إتهام الوهابيين بالوقوف وراء العمليات الإرهابية التي جرت وتجري في روسيا. وتتوقف عند حرب الجيش اللبناني ضد فتح الإسلام في مخيم نهر البارد العام 2007، وتقول بأن القاعدة أسست العام 2009 فرعاً لها في لبنان بإسم “كتائب عبدالله عزام” التي كانت مسؤولة عن العمليتين الإرهابيتين ضد السفارة والقنصلية الإيرانيتين في بيروت خلال العامين 2013 و2014  . وتقول بأن الخبراء يقدرون بأن حوالي 900  شخص يحملون الجنسية اللبنانية إنضموا إلى الدولة الإسلامية وسواها من الجماعات الوهابية في سوريا. وتشير إلى أن العسكريين اللبنانيين أوقفوا في شباط/فبراير المنصرم 18 إرهابياً من الدولة الإسلامية على الحدود اللبنانية السورية، مما يشير برأيها إلى أن الجهاديين لا يزالون يشكلون تهديداً لأمن لبنان وإستقراره .

في أحاديثهم عن أسباب تقديم مساعدة عسكرية إضافية للبنان، يحاول كثيرون من رسميي إدارة جو بايدن عدم الإشارة إلى حزب الله كهدف أساسي للمساعدة. لكن بين الحين والآخر تتسلل تصريحات لمسؤولين أميركيين يشيرون فيها إلى أن أعمال هذه الجماعة الشيعية تخلق تهديداً لأمن لبنان وسيادته وإستقراره. وكدليل على ذلك تستشهد الصحيفة بتصريح نائبة وزير الدفاع الأميركي دانا ستروول المذكور أعلاه، والذي جاء خلال مناقشة قضايا التعاون الأميركي اللبناني في حقل الدفاع . 

—————————

هل تجد سورية مكاناً لها على طاولة بايدن بوتين؟/ وائل السواح

تتسابق قضايا كثيرة لتحظى بنصيبها من النقاش في القمة المرتقبة للرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، في جنيف بعد غد 16 يونيو/ حزيران. ستتقدم القائمة قضايا السلاح النووي والقرصنة الإلكترونية والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية والصفقة الإيرانية وكوريا الشمالية وأفغانستان. وهنالك طبعاً قضايا أوكرانيا وبيلاروسيا، ثم أضاف إليها بايدن قبل أيام قضية حقوق الإنسان. وهناك قضية أساسية واحدة لا يريد الرئيس بايدن التطرق إليها: سورية. ليست سورية من أولوياته، فحتى الآن لم يتوصّل فريقه إلى سياسةٍ خاصّة بسورية، ولم يعيَّن ممثّلاً خاصاً إلى سورية بعد. وما انفكّت إدارته تنظر إلى سورية من خلال الملفّ الإيراني، وتركّز على قضيتين لا ثالث لهما: هزيمة تنظيم داعش (تعود تدريجياً إلى نشاطه الشرير) وإيصال المساعدات الإنسانية إلى من هم في حاجة إليها.

لا نماري في أهمية كلا الأمرين، فكلاهما مهمّان إلى حدّ بعيد. هزيمة “داعش” ضرورة لا مفرّ منها إذا أردنا سورية مستقرّة وديمقراطية وشاملة لكل مواطنيها، أو أردنا شرق أوسط مستقرّاً ومسالماً وخالياً من العنف. وكذلك الأمر بالنسبة للمساعدات الإنسانية، فثمة ملايين من السوريين يقيمون أوَدهم بهذه المساعدات. ولكننا نماري في جعل المسألتين جوهر القضية وغاية الطريق، من دون أن نلقي بالاً إلى أنهما ليسا سوى عرضين للمرض الرئيس، وأن التصدّي لهما علاج للعرض، وليس استئصالاً للمرض. والحال أنه لولا الدور التدميري الذي لعبه بشار الأسد ولفيفه لما كان ثمّة “داعش”، ولا صار تهجيرٌ، ولا احتاج السوريون المساعدات الإنسانية. إنه يلعب لعبته علانية، ومن دون مداراة. وكان فصله أخيراً في لعبته الانتخابات الرئاسية التي أرادها مناسبةً ليظهر للعالم أنه لا يأبه بما يرون، وأن رأيهم في حكمه يساوي “الصفر”. يدرك الأسد أن الروس لن يتخلّوا عنه الآن، لأن في ذلك التخلي علامة ضعفٍ لا تليق بالرئيس الروسي الذي يتصرّف وكأنه زعيم عصابة أكثر مما هو زعيم دولة.

ليست سورية، إذن، أولوية لبايدن، ولكنها أولوية لبوتين الذي استثمر في سورية، ويريد أن يجني أرباح استثماراته. ولئن كان في الامتيازات التي نالها في مرفأ طرطوس وقطاع الغاز بعض الربح، إلا أن هدفه، في نهاية المطاف، إعادة الإعمار، لأن المكسب المادي والسياسي الأكبر هناك. وعلى هذا، من المرجّح أن يكون بوتين هو من يطرح المسألة السورية على طاولة النقاش، وعندها سيجد بايدن نفسه في زاوية صعبة. ففريقه لم يطوّر له استراتيجية خاصة بسورية يتوكأ عليها، وهو لا يزال ينتظر أن يرى كيف تسير الأمور مع إيران، ليرسو على برّ فيما يخص الشأن السوري.

وحين ستطرح المسألة السورية، لن يكون أمام بايدن سوى أن يعيد طرح قضيتي “داعش” والمساعدات الدولية، وسيكون ردّ بوتين الجاهز أن “الدولة السورية” تقاتل “داعش”، وأن المساعدات يجب أن تمرّ عن طريق “الدولة السورية”. والأمل أن يوافق بوتين على الخطة الأميركية لفتح معابر إضافية لتمرير المساعدات من الشمال السوري، ولكن ذلك للأسف ليس أكيداً. وفي المقابل، سيركّز بوتين على إعادة الإعمار، وسيقول لبايدن إن الأسد قد خاص انتخابات الرئاسة وفقاً للدستور السوري، وهو، أحبّ بايدن ذلك أم كرهه، موجود وباقٍ، وإذا كان بايدن، ومعه الحكومات الغربية، راغباً في حلّ معاناة السوريين، فلا بدّ من إعادة الإعمار وعن طريق الأسد. وعندها سيخرج بايدن من حوار الطرشان صفر اليدين، كما سيخرج معه السوريون عموماً بدون بارقة ضوء في نهاية هذا النفق المديد.

لا نعرف إن كان بايدن يرى كيف تسير الأمور في الملف السوري، وفي أي اتجاه؟ تبدي دولٌ أوروبية، وبينها اليونان، وهنغاريا وصربيا وقبرص، رغبتها في إعادة فتح سفاراتها في دمشق، وتنحو غالبية من الدول العربية هذا المنحى، بدفع مصري – سعودي واضح. وفرنسا التي أنقذت الأسد في السابق، حين أخرجه الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، وسفيره إريك شوفالييه، من العزلة الخانقة التي وضع نفسه فيها بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، فرنسا هذه لا تبدو بعيدةً عن إعادة الانخراط مع الأسد، وخصوصاً بعد أن أفسحت في المجال لسفارة الديكتاتور أن تفتح أبوابها لاستقبال من يرغب في التصويت، وهي تعلم علم الحقّ أن الانتخابات لن تكون نزيهة، وأنها تخالف صراحة خطة الأمم المتّحدة لحلّ النزاع في سورية.

في حكومة الولايات المتحدّة أشخاص لا يعرفون عن سورية إلا أنها تقع شمال إسرائيل وشرق لبنان. وفيها من يعرف تفاصيل دقيقة لا يعرفها بعضُنا، نحن السوريين المتابعين. جمعني قبل أيام، مع نخبةٍ من قادة المنظمات السورية الأميركية، لقاء بنائب ديمقراطي عن ولاية إيلينوي، رجا كريشنامورثي، وهو عضو في لجنة الاستخبارات الأميركية التابعة لمجلس النواب، وعضو المجموعة الداعمة للشعب السوري في المجلس. أهم ما قاله كريشنامورثي إنه لا ينبغي لسورية أن تكون جزءاً من التفاوض ضمن الملف النووي الإيراني، وإنه بوصفه نائباً ديمقراطياً يريد سياسة “أخلاقية” للولايات المتحدة، بحيث لا يتم السماح لنظام الأسد بالوصول إلى التمويل اللازم لإعادة الإعمار قبل الحلّ السياسي النهائي. وقد سألتُه عن السعودية، وسعيها، من تحت الطاولة وفوقها، إلى التطبيع مع النظام، وعمّا إذا كان على الإدارة الأميركية أن تقف في وجه ذلك، فأجاب أنه يضغط على الإدارة أن تشرح لهذه الدول أن للتقارب مع بشار عواقب جدّية وأثماناً عالية.

من واجب المعارضة السورية ومراكز الأبحاث المتعاطفة معها أن تكّثف نشاطها مع أعضاء الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية لإيصال رسالة مفادها بأن انتصار الأسد المزعوم ضربة لمسار جنيف وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وضربة أيضاً لمواقف الديمقراطيات الغربية من المسألة السورية، ومن قضايا حقوق الإنسان عموماً، وهو ما كان واضحاً في خطاب الأسد. من المهم أن يكون بايدن حاسماً مع الروس، وواضحاً معهم، في الوقت نفسه، بأنه مستعد للقبول بحلّ سياسي يضمن مصالح روسيا في المنطقة بعيداً عن الأسد الذي سوف يتحول من ديكتاتور إلى طاغية لا يحدّ من انتقامه حدّ ولا يقف في طريقه أحد.

عندما تم انتخاب السيد بايدن، كنت آمل أن يتعلم من الدروس المؤلمة الأخيرة، ومن الأخطاء المؤسفة لسلفيه في ما يخصّ الشأن السوري، فيضع سياسةً أكثر قوة تجاه موسكو مما فعل سلفاه الضعيفان. ولا يزال ثمة رهان على حنكة الرجل وقوة شخصيته وخبرته في السياسة الدولية ونزعته الإنسانية التي عبّر عنها في أكثر من مجال.

العربي الجديد

————————-

قمّة اللااختراق واللامفاوضات بين الرئيسين بايدن وبوتين/ راغده درغام

تحديد وتثبيت الخطوط الحمر سيكونا الهدف الأبرز في القمّة الأميركية – الروسية التي تُعقَد الأربعاء المقبل في نهاية جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأوروبية وقِممه المهمّة العديدة مع حلفاء شمال الأطلسي “الناتو”، ومجموعة الدول الصناعية G7، ومع الاتحاد الأوروبي. الجولة بدأت بلقاء بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بنكهة استعادة العلاقة المميّزة بين الحليفين، وستنتهي في جنيف في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدفه استدراك التوتّر مع إصرار كل من الرئيسين على إبلاغ الآخر ان لديه خطوطاً حُمراً يجب أن يعيّها.

ليس من المتوقع أن يحدث اختراق في القمّة الأميركية – الروسية التي أصرّ الجانب الأميركي ألاّ يكون لها أجندات محدّدة، وهذا للمرة الأولى في تاريخ القمم الأميركية – الروسية. إنها قمّة إصلاح الانطباع عبر التقاط الصور، ما يفيد رجال الأعمال أكثر من رجال السياسة، علماً أنها ستستغرق 3-4 ساعات فيما عُقِدَت القمم السابقة لأيام معظم الأحيان. وفي المعلومات، لم يوافق فريق الرئيس الأميركي على مسودّة بيان اقترحها الفريق الروسي بغية انتهاء القمّة ببيان، كما لم يوافق على عقد مؤتمر صحافي مشترك للرئيسين.

مسودّة البيان الروسي، حسب المعلومات، انطوت على فقرة تؤكّد عدم تدخّل احدى الدولتين في الشؤون الداخلية للأخرى – وهذا لربما أهم سبب لرفض الأميركيين لإصدار بيان. فريق بايدن تجنّب وضع برنامج عمل أو أجندة للقمّة كي لا يجد الرئيس بايدن نفسه مُضّطراً ومُلزَماً لبحث أمر من دون الآخر لا سيّما أن ما يسبق هذه القمّة من مواقف أميركية وأوروبية نحو روسيا لن يكون اطراءً على أداء الكرملين، لا على الصعيد الداخلي ولا في ملف أوكرانيا وبيلاروسيا.

هذه الأمور ستكون جزءاً أساسياً من الخطوط الحمر الأميركية. بايدن لن يتمكن من هضم إجراءات بوتين في مجال حقوق الإنسان التي جعل منها شِعاراً لحملته ورئاسته، لا سيّما في ما يتعلق بالمعارض اليكسي نافالني. القمم التي تسبق قمّة بايدن – بوتين ربما تتبنّى فرض عقوبات إضافية بسبب قرار القضاء الروسي الأخير حظر شبكة منظمات نافالني وتصنيفها “متطرّفة”.

ثم هناك مسألة أوكرانيا وبيلاروسيا حيث ينوي بايدن لهما أن تكونا ضمن الخطوط الحمر، إنما من دون عبور الخطوط الحمر لبوتين والتي تشمل رفضه قطعاً إدخال أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي. ينوي بايدن الاجتماع بقادة الدول الأوروبية الشرقية، وستزداد لغة “العداء” لروسيا من الدول الغربية. لكن قرار عضويّة أوكرانيا في الناتو لن يُتّخذ بدليل أن الرئيس بايدن تحدّث بلغة فتح الباب وليس بلغة حسم دخول أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي.

الرئيس الروسي يريد أن يركّز على الخطوط الحمر في ما يتعلق بالأمن الاستراتيجي العسكري. لديه ولدى نظيره الأميركي رغبة لبحث مسألة الأمن الالكتروني Cyber security والهجمات السيبرانية لكن أسلوبهما في معالجة هذه المسألة يختلفان تماماً. كلاهما يتوجّه للقاء الآخر متوقعاً أن تتطرّق المحادثات الى شتى الأمور الثنائية والدولية المهمّة، لكن فريق كل منهما يحمي رئيسه من الآخر. وما يتوقعه فريق بوتين هو أن يكون اللقاء قمّة تبادل الآراء وليس قمّة القرارات الصعبة.

رغم ذلك، ضمن ما تنوي موسكو التأكيد على أهميته هو المسائل التالية: تحقيق الاتفاق العام على تجديد المحادثات الخاصة بنزع السلاح، بمعنى التشاور وليس بصورة “ستارت” START، المعاهدة الأميركية التي وُقِعت أساساً مع الاتحاد السوفياتي السابق لتخفيف ووضع حدود للأسلحة العدائية الاستراتيجية وتم تجديدها مع روسيا؛ إيجاد الحلول للحرب الدبلوماسية الجارية عبر إقفال القنصليات وطرد الدبلوماسيين المتبادل. هذان الأمران واردان. هذا الى جانب احتمال الاتفاق على خطوات مشتركة لضبط الوضع في أفغانستان.

تقول المصادر الروسية المطّلِعة انها تتوقع أن يتطرّق حديث القمّة الأميركية – الروسية الى الشبح الذي سيخيّم على كل لقاءات الرئيس الأميركي في أسبوعه الأوروبي، وهو الصين. وحسب قولها، سيحاول الرئيس بايدن إقناع الرئيس بوتين “ألا يبقى مقرّباً جدّاً من الصين، وسيكون الرد أن التعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين سيستمر… ولكن من دون زيادة مستوى التعاون العسكري بالضرورة”. هذا علماً أن بين أهم طيّات التعاون العسكري هو “شبكة الدفاع الجوي المشترك” بين روسيا والصين.

ما تخشاه المصادر التي تُراقب عن كثب تطوّر العلاقات الأميركية – الصينية هو اندلاع نزاع عسكري أميركي – صيني “محلّي” أي في محيط تايوان. وتضيف، أن الصين “تعرف أن الولايات المتحدة تُخطط لهذه العمليات العسكرية، للخريف المقبل، وتتهيّأ لها”.

إنما ما تركّز عليه الولايات المتحدة حالياً هو مضاعفة الضغوط التكنولوجية وضغوط الأسواق على الصين علماً أن مجلس النواب أقرّ الثلثاء الماضي ميزانية 250 مليار دولار للتصدّي لطموحات الصين التكنولوجية، وأن الرئيس بايدن مدح بالقرار واعتبره أساسياً في التنافس التكنولوجي مع الصين. بايدن جعل من الصين حجر أساس في جولته الأوروبية وسعى لرصّ الصفوف وراء المواجهة الغربية مع الصين. والصين ستكون “حاضرة” في القمّة الأميركية – الروسية.

إيران ستكون “حاضرة” أيضاً إنما من منطلق فيينا وما تنطوي عليه المفاوضات على الاتفاق النووي JCPOA من تفاصيل تتعلّق بنوعية العقوبات التي تقاوم الولايات المتحدة رفعها، أي العقوبات العسكرية، وهي العقوبات التي تريد روسيا بشدّة رفعها عن إيران لأنّها متأهّبة لبيعها صفقات أسلحة ضخمة. الأرجح ألاّ يتوصّل الرئيسان الى التفاهم حول هذه النقطة، الا أن حرص المفاوضين الأميركيين والروس على استمرار العمل نحو إنجاح محادثات فيينا سينعكس على القمّة.

الأمر يعتمد على ماذا سيتوصل اليه المفاوضون يوم الثلثاء المقبل قبل يومٍ من القمّة في 16 الشهر الجاري. التوقعات هي أن يتم التوصّل الى اتفاق عام يبعث المؤشرات على أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح إنما من دون انتهاء مفاوضات فيينا بالتوافق على الحلول النهائية. فإدارة بايدن ليست جاهزة لرفع العقوبات العسكرية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما طهران ما زالت تتمسّك برفع كامل العقوبات. هذه التفاصيل الفائقة الأهمية غير قابلة للتغطية بورقة التين. لذلك، قد يتم التفاهم على تأخير الاتفاق النهائي فيما يستمر العمل على التفاصيل. وهذا يعني، عمليّاً، أن لا اتفاق شاملاً في الأفق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كما كان يسعى اليه المفاوضون. إنما التأخير لا يعني الفشل وإنما هو تأجيل الى حين حلّ عِقدة العقوبات العسكرية وغيرها من العِقد.

بين المسائل الإقليمية التي الأرجح أن تبرز في قمّة بايدن – بوتين هي مسألة الضمانات الأمنية الاضافية لإسرائيل التي سيريد الرئيس الأميركي من الرئيس الروسي المشاركة فيها. هذا يتطلّب من روسيا استخدام نفوذها مع إيران لكبح “حزب الله” من لبنان. يتطلّب أيضاً من موسكو احتواء الجبهة السورية بمختلف لاعبيها – السوري والإيراني و”حزب الله” – بضمانات أمنية لإسرائيل.

الأرجح أن يوافق بوتين على تلبية هذا الطلب إنما ما قد يصعب عليه هو تقديم الضمانات. سيسعى مجدّداً مع إيران لتقديم هذه التطمينات، إنما مفتاح الضمانات هو في يد طهران وليس في أيادي الكرملين. وطهران غير جاهزة ولا مستعدّة لتقديم هذه الضمانات ما لم يكن في اطار الاتفاق الكامل على إحياء الاتفاق النووي بشروطها، وفي مقدمها رفع العقوبات كاملة.

ما لن يوافق عليه بوتين هو عودة القوات الأميركية الى روسيا – كما يتردّد أن هذا ما يريده بايدن. قد يوافق على استخدام النفوذ مع رئيس كوريا الشمالية. لكن مسألة حقوق الإنسان، ونافالني بالذات، قد تكون عثرة أخرى إذ إن الرئيس الأميركي سيكون حازماً مع نظيره الروسي بأن المزيد من العقوبات آتية إذا ازداد الأمر سوءاً في هذا الأمر أو في مسألة أوكرانيا وبيلاروسيا.

لذلك ستكون هذه قمّة اللامفاوضات. ستكون قمّة تعريف وتحديد fix ما هي الخطوط الحمر مع تبادل الآراء. وكما قال مخضرم روسي “إن الوضع سيئ لكنه ليس الأسوأ”، في إشارة الى العلاقات الأميركية – الروسية. ولذلك فإن قمّة “الصورة” ستُعقَد كمؤشر على الرغبة بالاحتواء وليس المواجهة. فقليل من الود في زمن العداء مفيد للطرفين، ولذلك هناك إصرار من الرئيسين على عقد القمة مهما كانت غير مذهلة وباردة

النهار العربي

—————————–

===================

تحديث 16 حزيران 2021

—————————

المعارضة السورية من تقرّر انتخابات رئاسية مبكّرة/ عمار ديوب

دعمَ الرئيس الروسي، بوتين، تجديد انتخابات الرئيس بشار الأسد. عكس الأوّل، صرّح أخيراً نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، بإمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سورية. لا تناقض بين القولين؛ فبوتين يوجه رسالة مزدوجة إلى النظام السوري وأميركا خصوصاً، أنّه هو من يقرّر مستقبل سورية، وهذا ما يجب الإقرار به في اللقاء مع الرئيس الأميركي، بايدن، اليوم الأربعاء في السادس عشر من يونيو/ حزيران.

هناك تصريحات كثيرة، أخيراً، وأفعال مستمرة يقوم بها كلٌّ من الروس والأميركيين، بما يخص الوضع السوري، كأن لا تُجدّد الإدارة الأميركية لشركة النفط الأميركية بالعمل في منطقة الإدارة الذاتية. وعكس ذلك، تستقدم قوات عسكرية إلى تلك المنطقة ويعقد ممثلوها لقاءً مع ممثلي الدولة التركية، بقصد تنسيق المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وربما يشمل التنسيق المعركة المقبلة في مجلس الأمن، بخصوص المعابر، والتي تحاول روسيا حصرها بالنظام وإغلاق آخر معبر، باب الهوى، بينما تريد أميركا وأوروبا فتح معابر إضافية. تندّد روسيا بخطوات أميركا السابقة، وتعتبرها غير شرعية، ويجب أن تضبّ أميركا على جنودها ومعدّاتها، وتغادر سورية. ملفات النقاش بين الزعيمين تشمل قضايا كثيرة تغطي العالم، وسورية ضمن تلك الملفات، وليست أوّلها أو كلّها.

رفضت أميركا وأوروبا الانتخابات الرئاسية، ولم تتغير مواقفهما من النظام السوري، وإن توقفت عن إصدار عقوبات جديدة على شخصياتٍ وشركاتٍ تابعة له. أميركا بتعزيز وجودها في شمال سورية، وباتخاذ عدّة خطواتٍ غير صدامية، تبتغي إيصال رسائل إلى الروس: ليست لدينا خطة لتغيير ما أُرسي في سورية، لكن من غير المقبول استمرار النظام على طبيعته، ويجب تحجيم الوجود العسكري الإيراني خصوصاً. ليست روسيا مستعدة لعقد صفقة مع الأميركيين، وهي تستكمل خياراتها الكارثية بحق السوريين في أستانة؛ فقد تداولت الأخبار عن اجتماع جديد لتركيا وإيران وروسيا في هذه العاصمة قبل نهاية يونيو الجاري، وضمن مسارها، وكذلك بدء العمل من أجل جولة سابعة للجنة الدستورية.

هناك نقد كثيف لأدوار المعارضة التابعة للخارج في اللجنة ومسار أستانة، وفي كلّ لقاء دولي أو إقليمي، ويتضمن شروطاً دقيقة لإيقاف التدهور في الوضع السوري. ينطلق النقد من أرضية صلبة، وإنْ ليس مدعوماً بقوى سياسية أو اجتماعية وازنة؛ فهو يؤكد الخسارات المستمرة للمعارضة وسورية من تلك اللقاءات. وإذا كان النظام يذهب إلى تلك اللقاءات، فهو لا يتراجع أبداً عن خياراته الأمنية والعسكرية، بينما المعارضة تتنازل تباعاً، ولولا رفضٌ كبيرٌ من الشعب السوري الانتخابات أخيراً لشاركت الكتل الوازنة فيها، وكانت الحصيلة شطب كلّ ما يخصّ نضالات السوريين، وتقاسم السلطة بين تلك الكتل والنظام، وعلى أرضية تأبيد النظام باسم التصالح مع المعارضة.

نعم، لا تريد أميركا انسحاب وفود المعارضة من تلك اللقاءات والمسارات الروسية “أستانة، سوتشي، اللجنة الدستورية وغيرها”، وكذلك أوروبا، ولكن أيضاً لن تتشدّد في حال رفضت المعارضة تلك اللقاءات، لا سيما أنّ المعارضة انتهجت على وقع تراجع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الخيار السياسي والتفاوض مع النظام. مشكلة المعارضة السورية أنّها لا تضع استراتيجية واضحةً لكيفية التفاوض، وتلهث خلف أيّة لقاءات هنا وهناك؛ منها المعلن ومنها المخفي؛ وهذه من الكوارث، وهي ليست أخطاء غير مقصودة، فمسيرتها من فشل إلى آخر، ومنذ 2011.

خفّة المعارضات السورية، ولهاثها خلف أيّ لقاءات، يقلّلان من دورها الوطني، وتسمح للدول المتدخلة بالشأن السوري بمزيد من الإمعان في تفكيك المجتمع السوري، وجعله بالفعل مكونات. وهذه مفردة تحطُّ من مفهوم الشعب والوطن والمجتمع، وتمايز بين الشعب على أسس طائفية وقومية وعشائرية ومناطقية وأسرية، وكلّها هويّاتٌ قديمة، ولا تنتمي إلى العصر الحديث بالمعنى السياسي. المعارضات تلك عزّزت من هذه “المكونات”، وهذا يشكل خطراً على مستقبل سورية وهويتها الوطنية الجامعة. إنّ تضخّم دور التدخل الدولي والإقليمي و”فاشية” النظام، لا سيما بعد خطاب الانتصار في الانتخابات الرئاسية، يستدعي عودة إلى موقفٍ وطنيٍّ، يرفض كلّ التحاقٍ بالخارج، وكلّ لقاء ومبادرة لا تنطلق من القضايا التي ثار الشعب السوري من أجلها. الحصيلة هنا؛ الوضع السوري يتطلب رفضاً كليّاً للمسارات الروسية، وتمسّكاً بالقرارات الدولية وبقضايا الثورة؛ هذا وحده يسمح بتغييرات في تعقيدات الوضع السوري التي أصبحت، في السنوات الأخيرة، مضبوطة من الدول الخارجية.

لا انتخابات مبكرة، كما قال بوغدانوف، إلاّ وفقاً لتسويةٍ جديدة بين الروس والأميركيين، لكن، على ضوء مواقف البلدين المتباعدة، سيظل الأسد سبع سنواتٍ إضافية. يمكن أن تفاجئنا معطياتٌ جديدةٌ تغييرية، وتتعلق بالتأزّم الشديد الذي تعيشه مناطق النظام أو بالتسوية الخارجية، إذ لن تغيّر أميركا من عقوباتها على النظام، وفقاً لقانون قيصر وكذلك أوروبا، وحتى الخليج لن يغامر بعلاقاتٍ اقتصادية أو إيفاد أموال لإعادة الإعمار؛ وكلّ النقاشات عن عودةٍ قريبة للنظام إلى جامعة الدول العربية والمحيط الإقليمي ليست واردة. وفي حال استعيدت بعض تلك العلاقات، لن تغيّر من الشروط الأميركية؛ أي سياسة الـ”خطوة، خطوة”. وهذا كما يبدو من سلوك النظام “الانتصاري، واحتفالاته” غير واردٍ، وكذلك لا تغيير في مواقف الروس أيضاً.

أوضاع المعارضات، ورداءة مواقفها إزاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل التابعة لتركيا وهيئة تحرير الشام، وعدم اتخاذ مواقف وطنية من المكرّسة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إزاء القوى المذكورة، ودعمها اللقاءات الدولية والإقليمية الكارثية، هو أسوأ ما حصل ويحصل في سورية. مواقف “الائتلاف” والهيئة العليا للتفاوض وسواهما، تسمح بتمادي النظام في رفضه لها، وفي تدجينها لمصلحة الخارج. وهذا يعني، وبغياب تسوية إقليمية ودولية، أنّ الأوضاع السورية إلى مزيدٍ من الانقسام والتفكك والاستنقاع، والإفقار الشديد، وانهيار المنظومات القيمية والمشتركات السورية – السورية.

ما يؤدّي إلى انتخاباتٍ جديدةٍ بحقٍ، وبعدما أوضحت السطور أعلاه موقف النظام والمعارضة، انبثاق معارضة جديدة، تنطلق مما ذُكر “قرارات دولية وقضايا الثورة” وانتهاج استراتيجيةٍ وطنيةٍ جامعة للسوريين، تطوي مختلف انقساماتهم، وتقودها شخصياتٌ وطنية. القضية معقدة للغاية، وهي مطروحةٌ منذ عدّة سنوات؛ فهناك انتقاداتٌ شديدة للمعارضات المكرّسة، وضرورة صياغة أفكار جديدة، وهناك بروز لقوى سياسية ومقترحات جديدة، وجديدها المجلس العسكري الانتقالي. هل فكرتنا بخصوص معارضة جديدة محض أوهام بسبب التعثر الشديد بالوضع السوري؛ ربما هي كذلك، لكنّها الخيار الوحيد لإنقاذِ وضعٍ متأزمٍ بكلّ المقاييس.

إذاً، ليس من انتخاباتٍ مبكرة في سورية، وليس من تسويّةٍ قريبة في لقاء بوتين بايدن، غداً الأربعاء

العربي الجديد

—————————–

سوريا بين القاتل والنعسان/ عمر قدور

في مؤتمر صحافي عقده بعد قمة السبعة الكبار قال بايدن: “قد تحدث أشياء كثيرة في المجالات التي يمكن أن نتعاون فيها مع روسيا. في ليبيا مثلاً، حيث نعمل على فتح ممرات لتقديم مساعدات غذائية واقتصادية، أي تقديم المساعدة الحيوية للسكان الذين يعانون من كوارث حقيقية”. هكذا أتت الفرصة ليحتفي الإعلام الروسي الموالي لبوتين بـ”هفوة” بايدن، فهو كان يقصد سوريا لا ليبيا، وكان يقدّمها مثالاً على فتح صفحة للتعاون بين البلدين قبيل القمة التي تجمعه ببوتين  الأربعاء في جنيف.

كما نعلم دأب ترامب على وصف بايدن بـ”النعسان” بسبب كثرة هفواته، والجديد في الهفوة الأخيرة أن صاحبها يخطئ في ذكر اسم البلد الذي يضربه مثلاً على إمكانية التعاون مع موسكو. واختياره سوريا يحتمل ما يبرر الهفوة، إذا كان المقصود منه اختبار العلاقة بين الطرفين بدءاً من الملف الأبسط والأسهل بحسب تصور بايدن، ولا يتناقض مع ذلك أن تكون الهفوة تعبيراً عن سياق من عدم اكتراثه بالملف السوري.

كان بايدن، قبل ثلاثة شهور من قمة الغد، قد وصف بوتين بالقاتل في حوار تلفزيوني، ومن ضمن رده تمنى بوتين لبايدن الصحة في إشارة واضحة إلى تقدمه في السن وهي صيغة أقل تهذيباً من النعت الذي دأب ترامب على استخدامه. إذاً، يُفترض أن تكون سوريا موجودة على طاولة القمة “بين القاتل والنعسان”، إنما من دون تعليق أوهام على ذلك، فالاختبار المطروح أمريكياً يقتصر حالياً على موافقة موسكو في مجلس الأمن على إدخال المساعدات الإنسانية، وهو الجانب الوحيد الذي أبدت إدارة بايدن اهتماماً به.

المعلن في الجانب الأمريكي مقايضة إنسانية، توافق بموجبها موسكو على استمرار وصول المساعدات من معبر “باب الهوى” وعلى إعادة فتح معبرين آخرين، معبر “اليعربية” الذي تطالب به واشنطن لإيصال المساعدات إلى مناطق الإدارة الذاتية، وربما معبر “السلامة” الذي تطالب به أنقرة. في المقابل، تلحظ واشنطن الأوضاع الإنسانية المتردية في المناطق الواقعة تحت سلطة الأسد، وستستفيد هذه المناطق من المساعدات الأممية، إذا تم إقرارها في الحادي عشر من شهر تموز القادم، وتمتنع واشنطن عن إصدار عقوبات جديدة تضغط على اقتصاد الأسد، وتستثني على نحو أوضح المساعدات الإنسانية التي قد تتبرع بها له دول خليجية.

ما تضغط موسكو لأجله فيه طموح أعلى بكثير، فهي في الاجتماع القادم لمجلس الأمن “المخصص للبت في مصير المعابر والمساعدات” تريد إغلاق معبر “باب الهوى” وهو الوحيد المتبقي، وستطرح إدخال المساعدات الأممية كلها عبر منافذ يسيطر عليها الأسد، ثم يتم إرسال جزء منها بإشراف منه إلى مناطق خارجة عن سيطرته. الخطة الروسية تربط بين تصور موسكو السياسي وطموحاتها وبين الجانب الإنساني، إذ تسعى إلى تكريس شرعية الأسد كجهة وحيدة مخولة باستلام المساعدات وتوزيعها رغم معرفة العالم كله بما سيعنيه تحكم الأسد بتلك المساعدات لجهة عدم ضمان وصولها إلى مستحقيها، سواء في أماكن سيطرته أو خارجها.

سلاح موسكو في مفاوضات المعابر هو الابتزاز، فإما المساعدات عبر الأسد أو لا مساعدات على الإطلاق، واحتمال التوقف الكلي للمساعدات لا يؤرقها، فبوتين الذي دأب على تحدي العقوبات الاقتصادية الغربية التي أثرت على معيشة مواطنيه لن يكون أكثر اكتراثاً بمعاناة السوريين. ما يسوّقه بوتين داخلياً هو تحقيقه اختراقات استراتيجية خارجية تعيد لبلده كرامتها، وستدرّ عليها المكاسب الاقتصادية لاحقاً لأن الغرب سيرضخ للأمر الواقع، أي أن المقايضة التي يريدها بوتين في سوريا هي تلك التي يستطيع تسويقها كمكسب سياسي، وآخر ما يود التورط فيه تسويق نفسه كزعيم يرضخ للاعتبارات الإنسانية!

في الطريق إلى لقاء القمة، أتى التصعيد المحدود “لكن العنيف جداً” في إدلب وعفرين، وهو بمثابة رسالة لإيضاح قدرة موسكو على تفجير الوضع المستقر نسبياً، وهي رسالة موجهة إلى بايدن وأيضاً إلى أردوغان الذي سيسبقه بلقاء نظيره الأمريكي على هامش قمة قادة الناتو. الرسالة المزدوجة تذكّر أردوغان وبايدن بأن الوجود التركي لن يهنأ بالهدوء إلا عبر التفاهم مع موسكو، وتلمّح إلى استعداد بوتين لقبض الثمن على حساب نفوذ أنقرة بدل المقايضة الأمريكية المطروحة.

لدينا زعيم أوحد وطليق اليدين في سياساته الداخلية والخارجية هو بوتين، وفي المقابل رئيس أمريكي مقيّد بسياسات لن يتجاوزها، ما لا يضع الثاني في موقع الأفضلية لفرض شروطه. السياسة الأمريكية منذ أيام أوباما مقيّدة بما ألزمت واشنطن نفسها به؛ لا تدخل عسكرياً ضد الأسد، ولا وجود لاعتراض جدي على تدخل حليفيه الروسي والإيراني لصالحه عسكرياً. التسوية السياسية التي تعلن واشنطن سعيها إليها بعيدة المنال؛ بشار الأسد رفضها ورفض أدنى تنازل وهو في أسوأ أوضاعه، والمضي بها رغماً عنه يتطلب توافقاً أمريكياً مع كل من موسكو وطهران مع توافق الحليفين في ما بينهما.

ضمن ما قيّدت واشنطن نفسها به، كان واضحاً منذ بدء التدخل الروسي أنه لن يلقى مصير التدخل الروسي في أفغانستان، في حين تبذل واشنطن جهدها كي لا يلقى وجودها في سوريا متاعب تحرجها فتضطر إلى تدعيمه أو إلى الانسحاب. جدير بالذكر أن الإقدام العسكري الروسي يلتقط الفرصة مع توجه واشنطن إلى الانسحاب العسكري من مختلف مناطق التدخل السابقة، وهي سياسة مُتفق عليها بين الجمهوريين والديموقراطيين، مثلما هو متفق بين الجانبين على أولوية التصدي للخطر الصيني المتصاعد والمدعوم بقوة اقتصادية عظمى بالمقارنة مع اقتصاد روسي يُقارن مستواه عادة بالاقتصاد الإيطالي.

سيكون حضور سوريا في القمة بين جشع القاتل وتواضع ما يريده النعسان، وهذا يرجع من جانب آخر إلى تقييد إدارة بايدن نفسها بمفاوضات الملف النووي مع إيران، وما سينجم عنها من تفاهمات حول دور طهران الإقليمي. لذا قد تكون المفاوضات أمام إخفاقين؛ أولهما عدم الاتفاق على صفقة إنسانية وحينها تتوقف المساعدات الأممية عن السوريين في مختلف المناطق، وثانيهما أن يقدّم بايدن تنازلاً عن “قطعة نفوذ جديدة”، إما من حساب الإدارة الذاتية أو من حساب أنقرة، وهذا الاحتمال يمر عادة على جثث ضحايا جدد ويخلّف المزيد من اللاجئين. الاحتمال الثالث أن يقبض بوتين في مكان آخر، وهذا يتطلب أن تكف واشنطن عن استرخاص سوريا واستسهال الدفع منها، وربما يتمكن بايدن آنذاك من حفظ اسمها فلا يخلط بينها وبين ليبيا. 

المدن

——————————

واشنطن تضغط على أكراد سورية لتشكيل مرجعية سياسية واحدة/ أمين العاصي

تنشط وزارة الخارجية الأميركية لدفع أحزاب “الإدارة الذاتية” الكردية في الشمال الشرقي من سورية وأحزاب “المجلس الوطني الكردي” للعودة مجدداً إلى طاولة الحوار، الذي يرقى إلى مستوى المفاوضات، من أجل حسم العديد من القضايا العالقة بينهما، وتشكيل مرجعية سياسية للأكراد السوريين، تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية.

وذكرت مصادر مطلعة من “حزب الاتحاد الديمقراطي” أن المشرفين على الملف الكردي السوري في الإدارة الأميركية “يبذلون جهوداً مع قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، لتهيئة الأرضية السياسية لعودة أحزاب الإدارة الذاتية، أو ما يُسمّى بأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني، إلى الحوار في أقرب فرصة”.

وكان الحوار توقف أواخر العام الماضي بعد جولات عدة، بسبب رفض “الاتحاد الديمقراطي”، المهيمن على “قسد”، عن طريق “الوحدات” الكردية، فك الارتباط مع “حزب العمال الكردستاني”، فيما يدعو “المجلس الوطني” إلى “تعديل العقد الاجتماعي”، وإلغاء التجنيد الإجباري، والسماح بدخول “البيشمركة السورية” إلى الشمال الشرقي من سورية، إضافة إلى بحث “الوضع التعليمي وإيجاد حلّ عملي يضمن مستقبل الطلبة بشهادات معترف بها، وإدخال التعليم باللغة الكردية بشكل يناسب ذلك”، وحسم مصير المعتقلين والمختطفين. ويحاول من يُعتقد أنهم أنصار “العمال الكردستاني” في شمال شرقي سورية إفشال التقارب الكردي الكردي، من خلال مواصلة الاعتداء على مكاتب تابعة إلى “المجلس الوطني الكردي” في عموم منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر “قسد” عليها، وهو ما يعتبره “المجلس الوطني” عقبة أمام مواصلة الحوار للتوصل إلى نتائج ترضي الجانبين.

ويرفض “الاتحاد الديمقراطي” دخول قوات “البيشمركة السورية”، التي تضم مقاتلين سوريين أكراداً، إلى الشمال الشرقي من البلاد، حتى لا تشاركه في القرار الأمني والعسكري في مناطق نفوذه. وتتمركز هذه القوات في معسكرات في إقليم كردستان العراق، الذي يعتبر الداعم الرئيسي لـ”المجلس الوطني الكردي”، والذي يطالب بـ”شراكة كاملة” مع “الاتحاد الديمقراطي” في إدارة منطقة شرق نهر الفرات، التي تعادل ثلث مساحة سورية، وتضم ثروات مائية وزراعية ونفطية هي الأهم على مستوى البلاد.

وكان الكيانان الكرديان الأكبر في سورية اتفقا على أن اتفاقية دهوك، التي أبرمت بينهما برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، ستشكل أرضية لهذه المفاوضات. ونصت الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل “حركة المجتمع الديمقراطي” (لاحقاً “الوحدة الوطنية الكردية” وتضم 25 حزباً) فيها 40 في المائة، و”المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.

وأكد المنسق العام لـ”حركة الإصلاح الكردي”، عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي” فيصل يوسف، لـ”العربي الجديد” أن “هناك مساعي أميركية جدية لتجاوز العقبات التي حدثت خلال المفاوضات في الأشهر الماضية، والتأكيد على منع أية انتهاكات بحق المجلس”. وأوضح أن “المجلس لم يضع أية عقبة، بل أصر دوماً على مفاوضات بمرتكزات قوية، مبنية على الرؤية السياسية المشتركة واتفاقية دهوك”. وأضاف: يعتقد “المجلس” بإمكانية عقد جلسات التفاوض بضمانة ورعاية أميركية وتعهد مظلوم عبدي بتنفيذ ما نتفق عليه مع الجانب الآخر، ولكن لم يتحدد حتى الآن أي موعد للمرحلة الجديدة من المفاوضات. وحول شروط “المجلس الوطني الكردي”، المنضوي في الائتلاف الوطني السوري، للعودة إلى طاولة المفاوضات مع أحزاب “الإدارة الذاتية”، وفي مقدمتها “الاتحاد الديمقراطي”، قال يوسف إن الشروط تتضمن مزاولة “المجلس” لنشاطه السياسي والإعلامي والاجتماعي دون التعرض له، وحصول مكاتبه على حصانة، وعدم اعتقال أعضائه بناء على خلفيات سياسية، وذلك بضمان من الراعي الأميركي وقائد “قسد”.

ومن المرجح أن تدفع التطورات في المشهد السوري الأكراد إلى التفاوض مجدداً من أجل تشكيل مرجعية سياسية واحدة تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية. ويتلقى الأكراد دعماً عسكرياً وسياسياً من دول التحالف الدولي ضد الإرهاب، وخاصة أميركا وفرنسا التي استقبلت أخيراً وفداً يمثل “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية. ويجري حديث في الآونة الأخيرة عن مطالبة الجانب التركي بتوسيع نطاق المنطقة الآمنة شرق نهر الفرات، ما يعني في حال الموافقة الأميركية تقليص النفوذ الكردي في هذه المنطقة إلى حدوده الدنيا.

وعلى صعيد ذي صلة، أعلن حزبان كرديان سوريان، هما “الوحدة الديمقراطي” (اليكيتي)، و”اليكيتي الكردستاني الحر”، منذ يومين، اتحادهما في حزب واحد هو “الشعب الكردستاني”. وبيّن سكرتير الحزب الجديد عبد الصمد برو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الوحدة تأتي تلبية لرغبة جماهيرية، بعد التشتت في الحالة الكردية السورية منذ العام 2011″، مضيفاً أن النظام والمعارضة يعملان على الانقسامات الكردية، لذا فإن المطالب الكردية تكون في الحد الأدنى في الحوارات معهما. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة “تتطلب وجود أحزاب كردية قوية قادرة على الدفاع عن القضية الكردية العادلة”، مضيفاً: يدنا ممدودة للجميع، ونتمنى للحركة الكردية أن تحقق وحدة اندماجية، معتبراً أن الساحة السياسية لا تستوعب كل هذا العدد من الأحزاب.

ووضع برو الحزب الجديد ضمن الأحزاب المنضوية في “المجلس الوطني الكردي”، معتبراً أن الأكراد يدعون إلى وحدة سورية، من خلال دولة اتحادية برلمانية علمانية، تنال فيها كل المكونات حقوقها ضمن دستور عصري. وحول الحوار بين أحزاب “الإدارة الذاتية” و”المجلس الوطني الكردي”، أشار برو إلى أنه “كان وصل إلى مراحل متقدمة”، مضيفاً أن “الأميركيين ليسوا رعاة فقط للحوار، بل باتوا ضامنين له”. وأشار إلى أن واشنطن جادة في تحقيق الوحدة الكردية في سورية. وأوضح أن الحوار هو بين الأكراد السوريين “ومن ثم لا نقبل أي تدخل من قوى خارجية في مجريات هذا الحوار، منها حزب العمال الكردستاني”.

العربي الجديد

—————————-

منازلة بوتين بايدن:من يسقط الآخر بالضربة القاضية/ بسام مقداد

تعقد الاربعاء في جنيف قمة بوتين بايدن التي استهلكت منذ الإعلان عنها كماً هائلاً من النصوص الإعلامية والتوقعات والتخمينات. ويبدو أن تخفيض نبرة التصعيد من قبل مسؤولي الطرفين عشية إنعقادها، لن يفيد في تحسين النتيجة صفر المتوقعة لها. فتعليقات قراء أنبائها من الطرفين، لا تشير إلى أن الرأي العام في البلدين قد غيّر  رأيه الأولي في نتائجها. فالروس ثابتون في قناعتهم المتوارثة، والتي جهد الكرملين في ترسيخها طيلة سنوات حكم بوتين بإستحالة التوافق مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. والأميركيون ليسوا أقل من الروس قناعة بذلك، وإن كانوا يميلون هذه المرة لتحميل قصور العجوز بايدن عن مواجهة “فتوة” الكرملين المسؤولية عن النتيجة صفر المتوقعة للقمة .

وكالة نوفوستي نقلت تعليقات قراء ” Wall Street Journal” الأميركيين على مقالة للسيناتور الأميركي روب بورتمان العائد من جولة في أوكرانيا وجورجيا وليتوانيا، ونصح بايدن في المقالة بإتخاذ موقف حازم في اللقاء مع بوتين، والوقوف ضده في مسألة أوكرانيا، ومساعدة أوكرانيا وجورجيا في دخول الناتو، وإعادة النظر في الموقف من خط الغاز الروسي “سيل الشمال ــــ 2”.

قال قارئ في تعليقه على مقالة السيناتور بأن بوتين “سيمزق بايدن إربا”  كالفروج المشوي أمام أنظار الجميع. ورأى أن فريق بايدن ضعيف لدرجة ستبدو معها الولايات المتحدة “موضع سخرية أكثر” على المسرح العالمي. وشبّه مفاوضات بوتين وبايدن بالمبارزة الشهيرة بين بطلي الملاكمة الشهيرين مايك تايسون ومايكل جونسون، وفاز فيها تايسون بالضربة القاضية في الثواني 39 الأولى من المبارزة. ورأى هذا القارئ أن بوتين يلعب الشطرنج، في حين يلعب بايدن الداما، “وهذا يختصر القصة كلها” برأيه.

قارئ آخر يكمل ما انتهى إليه سابقه، ويقول بأنه يشك في أن بايدن بوسعه لعب الداما، إلا إذا كان بجانبه مستشاروه يوشوشون في أذنه. وقال أنه لا شك أن الرئيس بايدن سوف يدعو بوتين إلى التراجع، كما دعاه يوماً ما رئيسه السابق أوباما، لكن بوتين لن يلتفت إلى ما قاله بايدن، كما فعل في المرة السابقة.

الإصدار الروسي لموقع “swissinfo.ch” السويسري  سأل سياسيين  وشخصيات إجتماعية روسية وغربية مختلفة رأيهم في قمة بوتين بايدن. ممثل سينمائي روسي قال بأن بايدن يعارض روسيا طيلة حياته. وكان يتمختر في أنحاء أوكرانيا، حين كان إبنه هانتر يتلقى مكافأة قيمة من شركة أوكرانية. وقد درس خصمه بوتين جيداً أفضل من أي أحد آخر، ولم يتبق في جعبته من تطرف معاد لروسيا لكي يثبته، لا أمام أصدقائه ولا أمام أخصامه. فقد سمح لنفسه القيام بخطوة لقاء بوتين، وهو ما كان محظوراً القيام به من قبل دونالد ترامب الذي ما إن فتح فمه، حتى اشتبهوا به بالتعاطف مع بوتين.

وإذا كانت الولايات المتحدة تريد التركيز على الصين كما نؤكد، فعليها أن تتذكر عملية كيسنجر نيكسون الناجحة في العام 1972، حين تمكنا من دق إسفين بين روسيا والصين. ومن الغباء جداً القيام بذلك بعد خمسين سنة، فهذا لن يجبر روسيا على الإنتقال إلى معسكر الولايات المتحدة، لكنه قد يساعد في تخفيض التوتر بين الطرفين. وإذا ما فشلت القمة كلياً وتجددت المواجهة، فإن تقارب الصين وروسيا لن يحمل الطابع البراغماتي فقط، بل والطابع العسكري أيضاً، ولن يكون لصالح الولايات المتحدة.

ونقل الموقع السويسري عينه عن السياسي والصحافي السويسري غي ميتان رأيه في قمة بوتين بايدن. وميتان هذا مشهور بمحاربة الروسفوبيا الغربية وصاحب كتاب “روسفوبيا من كارل العظيم حتى الأزمة الأوكرانية”. وكتب عنه الموقع عينه منذ سنوات يقول “غي ميتان وحربه الألفية ضد الروسفوبيا”. يقول ميتان بأن الكثيرين يتمنون لو تفشل القمة. الكراهية وروسفوبيا المعادية لبوتين بلغت في وسائل الإعلام الغربية ومراكز التحليل والمؤسسات لدرجة أنهم يتمنون سراً فشل القمة. والأمر عينه يجري في روسيا سواء في الدوائر الروسية المعادية للغرب أو وسط بعض أنصار الليبرالية المؤيدين لكل ما يصدر عن الغرب مهما كان غبياً. فإذا نجحت القمة سوف يفقدون معنى وجودهم وما يرتبط به من مداخيل.

ويضيف ميتان بأن العقول التي إستهلكتها الحرب الباردة والحرب العالمية التي سبقتها، تخشى يالطا جديدة، ميونيخ جديدة، تخشى إستسلام الغرب ل”المستبد” بوتين. لكن آمالاهم سوف تخيب، فالأمور لا يسعها أن تبلغ أسوأ مما هي عليه الآن. أولاً، لأن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة سيئة لدرجة يصعب معها أن نتخيل كيف يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه. حتى في أكثر فترات الحرب الباردة توتراً كانت الدولتان تتواصلان، وكان الهاتف الأحمر يعمل بين البيت الأبيض والكرملين. فالمنازلة الشرسة في تويتر والإتهامات الباطلة في ما يسمى التدخل الروسي والبروباغندا (بشأن قضايا سكريبالا ونافالني والحرب السورية وسواها) تغلبت على الحوار. ويبقى في جعبتهم  خيار الحرب النووية بالطبع، لكن يمكن الإفتراض أنه حتى أشد الناس عدوانية ضد روسيا يكفي ما لديه من التعقل حتى لا يقدم على ذلك. ثانياً، لدى بوتين جملة من النواقص بالطبع، لكنه ليس مجنوناً ولا من دعاة الحرب، مهما كان ما يكتبون عنه في الغرب. لم تدعُ أي من خطبه للكراهية باستثناء التهجم الغاضب على القتلة الجهاديين الذين يجب سحقهم.

ويبلغ الحماس أشده عند السويسري فيذهب للتأكيد بأن أياً من عمليات روسيا العسكرية الداخلية والخارجية لم تخرق القانون الدولي، لا في سوريا ولا في جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك على عكس الغزوات الأميركية للصرب والعراق وليبيا أو الحروب بالواسطة، كما حرب السعوديين في اليمن. أما على الجبهة الداخلية، فمسؤولية الحكومة الروسية في معاملتها نافالني لا تبلغ “ربع عشر” تلك الفظائع وخرق حقوق الإنسان التي إرتكبتها الحكومة البريطانية بحق جوليان أسانج. بوسعنا المتابعة ساعة بساعة كيف يمضي نافالني ليلته في السجن، وهذا ما لا يتجرأ أحد على قوله بشأن صحة أسانج في معتقله “الديموقراطي” في سجن بلمارش صارم الحراسة. ولهذا يبقى أن نفترض أن بوتين سوف يذهب إلى هذه القمة متسلحاً بأسلوبه التكتيكي العملي. 

مرافعة السويسري ميتان لم يكن بوتين ليتوقعها من أشد افراد بطانته مصلحة في نظامه، جاءت على تناقض مع اللهجة الهادئة التي بعتمدها الكرملين عشية القمة مع بايدن، وإن كانت مرفقة دائماً بكلمة “ولكن”. فقد عرض بوتين على بايدن عشية القمة “شراكة سيبرانية”، وأعلن عن إستعداد موسكو لتبادل قراصنة الإنترنت، لكن مع الإلتزام بعدد من الشروط. سارعت صحيفة الكرملين”vz” إلى نشر نص بشأن إقتراح بوتين، إستضافت فيه غير كاتب سياسي روسي أشادوا بالعرض، وحذروا في الوقت عينه من الرفض الأميركي له. قال أحد هؤلاء الكتاب أن الدول الرائدة في العالم، بمن فيهم روسيا،  تحاول منذ 15 سنة التفاوض على إتفاقيات بشأن الأمن السيبراني، لكن الأميركيين “ينسفون بشتى الوسائل” هذه المحاولات.

وقال آخر أن دونالد ترامب وقع العام 2018 “الإستراتيجية السيبرانية القومية” التي نصت على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون الرائدة في الفضاء السيبراني، وعلى أن الأميركيين هم من يحدد قواعد السلوك في هذا الفضاء ويعاقب من يخالفها. وحددت الإستراتيجية كلاً من الصين وروسيا “أعداء سيبرانيين” لها. ويضيف الكاتب القول بأنه طالما أن “الإنترنت الحر” يخدم تقدم القيم الأميركية ومصالح الشركات، فلن يُسمح لأحد بتنظيم الإنترنت متسلحاً بمفاهيم “خاطئة” عن السيادة والأمن المعلوماتي. ويستنتج الكاتب من ذلك بأن مفهوم السيادة ليس خاطئاً حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، لكنه خاطئ في سائر الحالات الأخرى.   

المدن

———————–

سوريا المركونة على الرف/ غسان إبراهيم

تدخل سوريا يوماً بعد يوم مرحلة النسيان بعد أن وصلت إلى حالة لا تستقطب الصديق ولا تغري العدو بعكس ما يبديه نظام الأسد ومعارضوه تماماً، فالحقيقة تختلف عن أمنيات الطرفين.

يهيمن الجمود العسكري النسبي داخل الأراضي السورية والإهمال للعملية السياسية ضمن الإطار الدولي مما يؤشر على أن هذا البلد لا يحظى باهتمام أحد على الأقل في المدى المتوسط.

فروسيا وإيران من جهة، أقصى ما يمكنهما فعله هو ما تم عملياً على الصعيد العسكري وما يقابله من صفقات على ثروات سوريا ثمناً لإنقاذ نظام الأسد. وبشار الأسد لا يريد أكثر من ذلك منهما، فكلما قل تحرك هاتين الدولتين كلما شعر الرجل بالراحة من أيّ مفاجآت سياسية خارجية لا يرغبها.

ومن جهة ثانية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يريان أن الجمود العسكري في سوريا يريحهما من تحمل أيّ مسؤوليات إنسانية تغنّيا بها في الماضي، وبالمقابل تحميل كل العبء على الجانبين الروسي والإيراني اللذين انتصرا فوق كومة خراب يتزايد الفقر فيها بينما تتفسخ الدولة ويتفكك البلد. وما ورد في البيان الختامي لاجتماع زعماء دول الناتو الذي عقد في بروكسل يوم الاثنين على أن الأمن والاستقرار في سوريا لن يتحقق ما لم تجر عملية سياسية حقيقية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ما يعني استمرارا للجمود نتيجة الرفض الروسي والإصرار الغربي.

وكلما طال الجمود زاد التنافس الهادئ في صفوف حلفاء النظامين الإيراني والروسي على كعكة الأسد. فالطرف الإيراني بارع في تشكيل الميليشيات التي تتكاثر بشكل متزايد في سوريا مستغلا الفقر المتفاقم. وإيران بطبيعة الحال لا تدعم دولاً، بل ميليشيات انطلاقًا من أن تكلفة دعم الدول تستنزف الموارد المخصصة للمهام الخارجية.

دعم الدولة السورية لتقف على قدميها سيكلف كثيراً وسيعرقل قدرات إيران الخارجية في اليمن والعراق ولبنان وغيرها. لذلك تشكيل ميليشيات بالمال الإيراني في سوريا سيمكنها من البقاء في البلد لفترة طويلة حتى لو انهار النظام لأيّ سبب كان، لاسيما وأن تشكيل الميليشيات نابع من خبرات إيرانية متراكمة ويمكنها المساعدة في استنساخها في سوريا حتى في أوقات قد توصف بالسلم.

قد يتساءل البعض ولماذا هناك حاجة لمثل هذه الميليشيات في وقت لم تعد للحرب قيمة في ظل الجمود الحالي؟ الجواب بسيط، التشابه بين الوضع السوري واللبناني سيتزايد مع تآكل الدولة السورية، فكما لسلاح حزب الله في لبنان قيمة إيرانية، حتى بعد انتهاء أيّ عمل عسكري مع إسرائيل، وتحوّل هذا السلاح إلى أداة حارسة للنفوذ الإيراني في السياسة اللبنانية، سيكون الحال مشابها في سوريا.

وعود بشار ذهبت أدراج الرياح، فالتحسن المعيشي البسيط الذي قدمه خلال الانتخابات تبخّر بعدها، وكان مجرد رشوة لحث المؤيدين لانتخابه، رغم أنه باق حتى دون انتخابات

ميليشيات مسلحة عسكرياً وعقائدياً ولاؤها لإيران وليس للنظام السوري، سيكون لها دور يحدده الجانب الإيراني في الكيف والزمن الذي يناسبه.

بينما الطرف الروسي يحاول هيكلة الدولة السورية دون جدوى مصطدماً بمقاومة النظام لأيّ تطوير خشية أن تكون هذه الخطوة الأولى لتغيير داخلي لا يرغبه، وكذلك رفض إيراني للاستفراد الروسي بهذا البلد.

وهذا البطء في الحركة من روسيا وإيران داخل سوريا سواء أكان إيجابيا أم سلبيا سيدخل البلد مرحلة النسيان والترهل بينما يدفع المواطن السوري ثمن هذه التقاطعات الدولية من حلفاء النظام وأعدائه.

الجمود يخدم الدول الأوروبية لأنه يوقف موجات اللاجئين ويسحب هذا الأمر من يد تركيا التي لم تتوقف عن ابتزاز الأوروبيين بورقة اللاجئين. والجانب الأميركي يرى في هذه الحالة فرصة للاستنزاف الإيراني والروسي وتحويل سوريا إلى مستنقع يزداد عمقًا عسى أن يسمع صراخًا ممن غرق فيه.

لا أحد يرغب أو يستطيع التخلص من هذا الجمود، ولماذا على هذه الأطراف التحرك، كل طرف يرى في هذه الحالة مصلحة له وورطة للآخرين.

معادلة يخرج منها النظام والمعارضة جانباً، وتبقى سوريا وسط محيط من الأزمات يديرها لاعبون من الخارج لمكاسبهم الخاصة على حساب السوريين.

ولكن أين من يمثل السوريين؟

ألا يعي النظام أن بيده دولة يجب إنقاذها؟ فوضع سوريا نحو الأسوأ. ووعود بشار ذهبت أدراج الرياح، فالتحسن المعيشي البسيط الذي قدمه خلال الانتخابات تبخّر بعدها، وكان مجرد رشوة لحث المؤيدين لانتخابه، رغم أنه باق حتى دون انتخابات ولا حاجة إليها داخلياً، ولكنه أراد أن يظهر للعالم الخارجي أن هناك إقبالا شعبيا على هذه الانتخابات، وكأن الدول الكبرى جاهلة بسذاجة ألاعيب النظام.

وأين المعارضة السورية؟ لماذا لا نسمع صوتها ومقترحاتها للحل كما كانت تفعل عندما كاد الأسد يسقط لولا التدخل الروسي.

العجز في صفوف المعارضة هو المسيطر على المشهد العام، والجشع في صفوف النظام هو سيد الموقف الكئيب في سوريا الأسد.

الوهم الذي نشرته المعارضة عن السقوط السريع للنظام لا يختلف كثيرا عن الوهم الذي ينشره بشار عن الخروج من عنق الزجاجة. فقانون قيصر نسف خطط النظام، والتعنت الروسي فعل نفس الشيء لخطط المعارضة.

غياب الوعي عند النظام السوري لحاجة إنقاذ سوريا أكثر من إنقاذ عائلة الأسد وربط مصير البلد بمصير رجل واحد سيقود نحو استمرار تسليم سوريا للصديق والعدو، وكذلك المعارضة التي خسرت أغلب الوطنيين فيها وبقي في المشهد إما إسلامي متشدد أو سياسي بسيط ولاؤه لتركيا أو ما شابه.

أهلا بكم في سوريا المركونة على الرف!

إعلامي سوري

العربي

———————-

أميركا تكشف تواصل نظام الأسد مع قبائل شرق سوريا لـ {تهديد} قواتها

تقرير لـ{البنتاغون} يشير إلى تهيئة حكومة دمشق وجوداً دائماً لحلفائها

معاذ العمري

كشفت الولايات المتحدة عن سعي نظام بشار الأسد لتهديد القوات الأميركية في المناطق التي توجد فيها بسوريا، وهي مناطق شرق الفرات وعلى خط الحدود بين العراق وسوريا، كما يهيئ النظام السوري بيئة دائمة ومستمرة لحلفائه في سوريا، ببناء وتوسيع القواعد العسكرية لروسيا، إيران، و«حزب الله».

وأفاد تقرير استخباراتي عسكري، بأن القوات الأميركية رصدت أنشطة النظام السوري بالعمل على بناء علاقات مع القبائل المحلية في شرق البلاد، لإثارة الاضطرابات وإضعاف علاقة الولايات المتحدة مع تلك القبائل، وكذلك دعم هجمات يمكن القيام بها على قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مستغلين تراجع عمليات القتال ضد «تنظيم داعش» الإرهابي في سوريا خلال عام 2020 حيث تكبد التنظيم خسائر قيادية.

واعتبر التقرير الاستخباراتي الذي تم تسليمه إلى الكونغرس واطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أنه بعد 10 أعوام من اندلاع الثورة السورية، وصل النظام السوري مع خصومه إلى طريق مسدود، وتكاد تكون المعارضة السورية لا تشكل أي تهديد عليه، ولم تعد قادرة على قتاله، ومن المرجح أن تظل الخطوط الأمامية ثابتة في الغالب خلال الأشهر الستة المقبلة، وبدلاً من ذلك فإنها تتجه إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها المتبقية في شمال سوريا والحفاظ على الدعم التركي، مشيراً إلى أن الدعم العسكري التركي المباشر للمعارضة في أوائل عام 2020 عزز سيطرة أنقرة وعزز النفوذ العسكري لجماعات المعارضة الرئيسية على حساب المتطرفين.

ولفت التقرير إلى أن حلفاء النظام السوري، إيران وروسيا، وكذلك «حزب الله»، يحاولون تأمين وجودهم العسكري والاقتصادي الدائم، وفي المقابل تتواصل الضربات الإسرائيلية المستمرة على المصالح الإيرانية، وتواصل إيران مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في إعادة تأكيد سيطرته على البلاد، بينما تتنافس مع موسكو لتأمين الفرص الاقتصادية والنفوذ طويل الأمد في سوريا.

وأكد التقرير أن إيران لا تزال ملتزمة بتأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضمان استقرار النظام، والحفاظ على الوصول إلى شركائها ووكلائها في بلاد الشام، ولا سيما «حزب الله»، كما لا تزال القوات المدعومة من إيران، تعمل على دعم القوة الحاسمة للعمليات المؤيدة للنظام في جميع أنحاء سوريا، مما أتاح لها السيطرة على بعض الأراضي في شرق البلاد. كما يعتزم المسؤولون الإيرانيون ممارسة نفوذهم في سوريا ما بعد الصراع، لا سيما من خلال عقود إعادة الإعمار والوجود العسكري الدائم، فيما تتمثل أهداف «حزب الله» الأساسية، في الحفاظ على الأمن على طول الحدود اللبنانية – السورية، والتمهيد لصراع محتمل مع إسرائيل، والحفاظ على عقد إعادة الإمداد من إيران.

وتتمتع روسيا بقدرة متزايدة على إبراز قوتها باستخدام صواريخ كروز الدقيقة بعيدة المدى، وقدرات التدخل السريع المحدودة، لذلك يعمل القادة العسكريون الأميركيون، على دراسة الأمور المستفادة من تورط روسيا في حرب سوريا خلال تدريباتهم للقوات الميدانية، والسعي إلى تطوير قوة مشتركة منسقة بشكل أفضل. وقال التقرير: «تسعى روسيا إلى تسهيل إعادة دمج نظام الأسد في المنظمات الدولية، وتعزيز الشرعية الدولية للنظام، وحشد الدعم الدولي لإعادة إعمار سوريا، مع التخفيف أيضاً من تأثير العقوبات الأميركية على نظام الأسد. ومن المحتمل أن يحسب الكرملين أن وجوده الدائم في سوريا سيضمن سيطرته على نظام الأسد، ويعزز النفوذ الإقليمي الروسي، والقدرة على استعراض القوة. ومن شبه المؤكد أن موسكو ستحافظ على وجود عسكري واقتصادي طويل الأمد في سوريا، ما يتيح لها الوصول إلى الموارد الطبيعية والاستمرار في استخدام وتوسيع وجودها العسكري».

وأشار التقرير الاستخباراتي، إلى أن القوات المؤيدة للنظام تدخل في مناوشات مع مقاتلي المعارضة في محافظة إدلب، لكنها لم تشهد أي تغييرات جغرافية كبيرة، وذلك منذ دخول وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا حيز التنفيذ في مارس (آذار) 2020، وربما لن تستأنف دمشق هجوماً كبيراً دون دعم سياسي وعسكري واضح من روسيا.

بالمقابل، لا تزال هيئة تحرير الشام (الفرع السوري الرسمي للقاعدة سابقاً المسمى بجبهة النصرة)، تسيطر على محافظة إدلب، وهي موطن أيضاً لـ«داعش التنظيم» الإرهابي، وحراس الدين الفرع السوري الرسمي لـ«القاعدة»، وجماعات جهادية أجنبية أخرى، كذلك تحتضن المحافظة أكثر من ثلاثة ملايين مدني، كما تواصل جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، الاشتباك مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على طول خطوط المواجهة الجديدة الثابتة إلى حد كبير.

وأضاف التقرير: «اتجه (تنظيم داعش) بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها بعد مقتل العديد من قياداته، إلى توليد الدخل المالي لدفع أعبائه الإدارية المرتفعة، باستخدام شحنات النفط وبيعها، وخطف المسؤولين للحصول على فدية، كما يعتمد (داعش) على خلايا سرية في المناطق الريفية الخاضعة لحكم الأسد في شرق وجنوب سوريا، وذلك لترهيب السكان المحليين، واستهداف قوات الأمن المحلية ومصالح التحالف». وحذّر التقرير العسكري الأميركي، من أن وجود الدواعش في مخيمات النازحين في الشمال الشرقي، سيمكّنهم من تجنيد السكان المحليين وتلقينهم عقائدياً، وإخفاء مقاتليه وأنصاره ونقلهم بين النازحين، في ظل احتجاز ما يقرب من 10 آلاف مقاتل من «داعش» تحت سيطرة قوات قسد، بما في ذلك أكثر من 2000 أجنبي غير عراقي وغير سوري، في مراكز احتجاز مؤقتة.

كما قال التقرير، إن الظروف المعيشية السيئة وعوامل أخرى، أسهمت في اندلاع أعمال شغب في بعض المرافق، كما أدى القتال في شمال غربي سوريا إلى نزوح ما يقرب من مليون شخص في ربيع عام 2020 وحده، وتجدد القتال بين النظام السوري وقوات المعارضة السورية في هذا الشأن، ومن المحتمل أن يجبر الصراع مئات الآلاف من المدنيين على الفرار باتجاه الحدود التركية، ومن المحتمل أيضاً أن يتسبب في أزمة إنسانية أخرى».

وتتوقع الولايات المتحدة أن يحدث توغل تركي آخر في شمال سوريا، وسوف يتسبب بنزوح مئات الآلاف من المدنيين، كما شوهد في عامي 2018 و2019 في سوريا، فيما كان اللاجئون العائدون من الخارج في حده الأدنى في عام 2020، وربما بسبب مخاوف واسعة النطاق، والظروف الاقتصادية السيئة في البلاد، ووفقاً لمصادر متعددة أن يكون هناك تجنيد إجباري من قبل دمشق بهدف «الانتقام».

ويلقي البعض اللوم على الإدارة الأميركية الجديدة، تهاونها في التعامل الجدي بالملف السوري، وذلك على حساب المفاوضات الجارية في فيينا مع إيران، بهدف العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي خرجت منه الإدارة السابقة في ربيع 2018، كما لم تعيّن إدارة الرئيس بايدن مبعوثاً مختصا بالأزمة السورية كما فعلت إدارة الرئيس ترمب، وأبقت العمل في سوريا على دعم الجهود الإنسانية والإغاثية، وتطبيق قانون «قيصر»، ومحاربة «داعش».

الشرق الأوسط»

————————–

 قمة بايدن ـ بوتين الأولى أمام اختبار «الخطوط الحمر» للطرفين

توقعات روسية محدودة… وارتياح لترتيبات اللقاء

موسكو: رائد جبر

حملت عبارة الرئيس الأميركي جو بايدن حول تعهده الالتزام بـ«الخطوط الحمراء» في التعامل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تأكيداً على قناعة الطرفين بمستوى تدني سقف التوقعات من القمة الأولى التي تجمع الزعيمين بعدما وصلت العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى «أدنى مستوياتها»، وفق تعبير الرئيس الروسي.

عبارة بايدن التي جاءت قبل يوم واحد من اللقاء، كانت مطابقة لعبارة كان أطلقها بوتين قبل أسابيع قليلة، عندما نبه إلى أن بلاده رسمت أيضاً ملامح «خطوطها الحمراء» في التعامل مع الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وتعهد «الدفاع عن مصالح روسيا باستخدام كل الآليات لضمان عدم انتهاك هذه الخطوط».

لكن مع انخفاض سقف التوقعات بدا التركيز في موسكو قبل 24 ساعة على اللقاء منصبّاً على أن عقد القمة بحد ذاته يشكل نقطة تحول أساسية قد تنقل، إذا توافرت الإرادة السياسية للطرفين، العلاقات من مستوى «المواجهة غير المنضبطة إلى علاقة قابلة للتنبؤ ومفتوحة على نقل المشكلات المتفاقمة بين البلدين إلى طاولة الحوار بدلاً من مواصلة الحملات الإعلامية الدعائية والاتهامات المتبادلة ورزم العقوبات والقيود المفروضة»، وفقا لتعليق خبير روسي مقرب من الكرملين.

وكشف الديوان الرئاسي الروسي، أمس، جانبا من تفاصيل ترتيبات اللقاء الذي تتجه إليه اليوم أنظار العالم. وقال مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف إن الطرفين اتفقا على أن المباحثات التي تنعقد في فيلا «لا غرانج» في جنيف ستبدأ الساعة الواحدة ظهراً بالتوقيت المحلي وهي تشتمل على لقاء قصير لبوتين مع الرئيس السويسري ينضم إليه بايدن لاحقاً ثم تعقد جلسة للرئيسين بوتين وبايدن ولقاءان ينضم إليهما وفدا البلدين يتخللهما غداء عمل واستراحة.

وفي إشارة إلى دلالة اختيار مكان اللقاء، قال أوشاكوف إن هذه الفيلا «تستخدم بنشاط من قبل السلطات البلدية في جنيف والحكومة الفيدرالية. إنه مكان رائع على البحيرة، يوفر ظروفاً جيدة للمفاوضات». ووفقا لأوشاكوف، سينضم في الجزء الأول من المفاوضات وزيرا الخارجية سيرغي لافروف وأنتوني بلينكين، مع إشارة إلى احتمال عقد اجتماع منفرد وجهاً لوجه لبوتين وبايدن قبل الانتقال إلى الجزء الأوسع من المفاوضات.

وبدا واضحاً من حديث مساعد الرئيس الارتياح الروسي لترتيبات القمة، وكانت الخارجية الروسية عبرت في وقت سابق عن ارتياح مماثل لآليات تنظيم عمل الصحافيين الروس خلال القمة.

وعكست تشكيلة الوفد الروسي المرافق لبوتين أولويات الأجندة الروسية المقترحة للنقاش إذ ضم الوفد إلى جانب أوشاكوف ولافروف السكرتير الصحافي الرئاسي ديمتري بيسكوف والسفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف ونائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف. كما تمت دعوة نائب رئيس الإدارة الرئاسية ديميتري كوزاك والممثل الخاص للرئيس في سوريا ألكسندر لافرنتييف. وفي حين أن حضور ريابكوف يعد مؤشراً إلى الاهتمام المنصب على مناقشة ملفات الأمن الاستراتيجي والتسلح برغم توقعات سابقة بأن هذا النقاش «لن يكون له جدوى بسبب تعمد الطرفين استباق القمة بتقويض معاهدة السماوات المفتوحة فضلاً عن معاهدات تسلح سابقة».

في حين دل الحضور الكثيف لموظفي الديوان الرئاسي المسؤولين عن ملفات داخلية وملفات العلاقة في الفضاء السوفياتي السابق، إلى أن موسكو استعدت بشكل واسع لمناقشة الوضع في أوكرانيا وموضوع الأزمة في بيلاروسيا وملف المعارض الروسي أليكسي نافالني. بالإضافة إلى ذلك بدا أن دعوة السفير الروسي والمبعوث الرئاسي في سوريا لافرنتييف إلى الانضمام إلى الوفد الرئاسي عكست رغبة روسية في إجراء مناقشة واسعة وشاملة للوضع حول سوريا، علماً بأن الكرملين لم يعلق على إشارات أميركية حول نية بايدن طرح رؤية خاصة بالوضع حول ليبيا وسوريا، وفي حين لم تصدر أي إشارة من بوتين حول الملف الليبي، فإنه ركز في حوار مع الصحافة الأميركية على نيته طرح الوضع حول سوريا للنقاش، لكن ليس من الزاوية السياسية وعملية التسوية، بل من زاوية المساعدات الإنسانية. ولفت بوتين إلى ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية إلى جميع سكان المناطق في سوريا دون تمييز، معتبراً أن هذه العملية يجب أن تجري عبر الحكومة المركزية للبلاد. وزاد في حوار مع قناة «إم بي سي» أن «كل إجراءاتنا بشكل عام يجب أن تهدف إلى بسط الاستقرار للأوضاع وإعادتها إلى مسار طبيعي. وبدعم روسيا استعادت السلطات السورية أكثر من 90 في المائة من أراضي البلاد. والآن يجب تنظيم إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل الناس بصرف النظر عن أي سياق سياسي». وأضاف:«لكنّ شركاءنا في الغرب، أي في الولايات المتحدة وأوروبا، يقولون إنهم لن يساعدوا (الرئيس السوري بشار) الأسد. لكن ما هي علاقة الأسد مع هذا الأمر؟ ساعدوا الناس الذين يحتاجون إلى هذه المساعدة لكي تكون بحوزتهم أبسط المستلزمات. لكنهم لا يرفعون القيود حتى على توريد المعدات الطبية والأدوية حتى في ظروف جائحة عدوى فيروس (كورونا). هذا الأمر غير إنساني، لا يمكن تبرير هذا التعامل القاسي مع الناس بأي شيء».

مع هذه الإشارات حول سوريا، بدت توقعات روسية محدودة أيضا في تحقيق نجاح ملموس في ملف العلاقات الثنائية من زاويتي إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بعدما تم تقليص عمل البعثات الدبلوماسية للبلدين إلى أدنى درجة خلال السنوات الماضية. في هذا الإطار توقعت أوساط روسية أن تسفر القمة عن اتفاق على فتح حوار في هذا الشأن، فضلاً عن احتمال أشار إليه بوتين حول تبادل إطلاق سجناء في البلدين.

في المقابل، تبدو العقدة الأساسية في المفاوضات مركزة في ملفي أوكرانيا وبيلاروسيا، وفي موضوع العلاقة مع حلف شمال الأطلسي الذي كان نبه في قمته الأخيرة قبل يومين إلى أنه لن يسمح لروسيا بمواصلة السياسة التي وصفت بأنها «عدوانية» في الفضاء السوفياتي السابق وفي أوروبا.

يضاف إلى تلك الملفات موضوع الاتهامات الغربية المتكررة لروسيا بالتدخل في استحقاقات انتخابية وشن هجمات سيبرانية، وهو اتهام استبق بوتين القمة بتكرار الرد الروسي عليه، عندما قال إنه «لم يجر قط تقديم أدلة لروسيا بشأن اتهامات بالتدخل في الانتخابات والهجمات الإلكترونية». ووصف الرئيس الروسي الاتهامات بـ«المهزلة» بأن قراصنة من روسيا أو روسيا نفسها وراء الهجمات الإلكترونية في الولايات المتحدة.

ومع تقلص سقف التوقعات حول احتمال تحقيق اختراق مهم في أي من الملفات الخلافية الصعبة، جاء الإعلان عن عدم التوافق على تنظيم مؤتمر صحافي مشترك للرئيسين في ختام القمة ليشير كما قال مصدر روسي إلى أن هذا اللقاء هو الأول وأهميته الأساسية تكمن في أنه يمكن أن يضع مساراً عاماً لبدء حوار حول الملفات المتفاقمة ما يعني أنه ليس منتظراً منه إعلان نتائج محددة في أي من الملفات الكثيرة المطروحة.

ورأى خبراء روس أن عقد القمة بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة يشكل بحد ذاته حدثا له أهمية قصوى مهما كانت النتائج المتوقعة محددة.

وقال أحد خبراء نادي «فالداي» للحوار المقرب من الكرملين إنه «في السنوات الأخيرة، فعلت كلتا القوتين ما يكفي لجعل الصراع بينهما مدعاة للقلق في بقية العالم. لعبت الولايات المتحدة الدور القيادي هنا، لأنها لا تزال تمتلك موارد قوة كبيرة، وإن كانت متناقصة. ومع ذلك، تصرفت روسيا أيضاً بثبات ولم تترك شكوكاً في أن هزيمتها لا يمكن أن تشكل ثمناً مقبولاً للحفاظ على السلام العالمي».

لذلك، ترتبط التوقعات الرئيسية من القمة وفقا لخبراء النادي الحواري بحقيقة أن زعيمي روسيا والولايات المتحدة مستعدان، من حيث المبدأ، لإعادة تأكيد مسؤوليتهما الخاصة عن السلام على نطاق عالمي و«كل شيء آخر، حتى لو اتفق عليه فلاديمير بوتين وجو بايدن، لن يكون ذا أهمية حاسمة بالمعنى الاستراتيجي. رغم أنه، بالطبع، سيرحب الجميع في العالم بالقرار، على سبيل المثال، بالعودة إلى علاقات دبلوماسية مستقرة إلى حد ما».

—————————

قمة بايدن وبوتين: هذه نقاط الخلاف الرئيسة

قبل ساعات من اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي والروسي، جو بايدن وفلاديمير بوتين، تبقى الخلافات بين البلدين متعددة، ورغم أن تحقيق اختراق دبلوماسي خلال اللقاء يبدو أمرا مستبعدا فإن الزعيمين قد يتوصلان إلى نوع من التفاهم في بعض الملفات.

بهذه العبارات استهلّت صحيفة “لوتون” (Le Temps) السويسرية تقريرا عن قمة بايدن وبوتين التي ستعقد غدا الأربعاء، إذ أشار الكاتب ستيفان بوسارد إلى أن الباحث والمحاضر بول فاليت توقع -خلال مؤتمر افتراضي نظمه مركز جنيف لسياسة الأمن- أن الاجتماع “لن يكون مثل قمتي يالطا أو هلسنكي.. إذ قدم الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك، فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل، تنازلات للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في يالطا”.

فمنذ عام 2014 وضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، ثم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016 و2018 و2020، تدهورت العلاقات بين موسكو وواشنطن بصورة حادة، حسب لوتون.

وقبل يوم واحد من الحدث، كانت التوقعات منخفضة من كلا الجانبين، وحسب مراسل إحدى قنوات التلفزة الأميركية فإن “عقد القمة هو إنجاز في حد ذاته”، لكن خلال المناقشات سيتعين على بايدن وبوتين “توضيح الخطوط الحمر الحقيقية التي ينبغي عدم تجاوزها”، كما يؤكد ديمتري ترينين مدير مركز كارنيجي في موسكو.

مراقبة الأسلحة النووية

وذكر الكاتب أن الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان أكثر من 90% من الترسانة النووية في العالم، ويأمل البعض أن يقرّر الرئيسان خلال قمة جنيف بدء محادثات تتعلق بالاستقرار الإستراتيجي لهذه الأسلحة.

وقد قررا بالفعل مع بداية العام الإبقاء على معاهدة الحدّ من الأسلحة الإستراتيجية حتى عام 2026، ولكن مع تطور وتيرة التسلح هناك حاجة ملحة إلى إجراء مثل هذا الحوار، وفق تقرير لوتون.

وهناك أيضًا -يضيف الكاتب- ملف آخر يبدو فيه التعاون الروسي الأميركي ممكنا وهو الاتفاق النووي الإيراني، إذ ترغب كل من موسكو وواشنطن أن تعيد تفعيله ويمكن أن يتفق الطرفان على توسيعه ليشمل قضايا مثل الصواريخ الباليستية ودور إيران الإقليمي.

الأمن الرقمي

ويعدّ هذا الملف -وفق الصحيفة- الأكثر إثارة للتوترات بين البلدين، فقد أبرز تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بوضوح التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 التي شهدت فوز دونالد ترامب، كما وقع اختراق عدد من المرافق الإستراتيجية المهمة والوكالات الحكومية الأميركية من طرف جهات أشار خبراء إلى أن موقعها في روسيا.

ورغم أن الاختراق الأخير لخط أنابيب داخل الولايات المتحدة ولشركة اللحوم متعددة الجنسيات “جي بي إس” لم ينسب مباشرة إلى الكرملين، فإن خبراء أكدوا أن أطرافا داخل نفوذ التراب الروسي هي المسؤولة عنه.

وقد رأى فلاديمير بوتين أن من “السخافة” الاعتقاد أن روسيا تشنّ حربا معلوماتية على الولايات المتحدة، ويعتقد أن خفض التصعيد في هذا الإطار ضروري لأن صراعا حادا في الفضاء الإلكتروني قد يؤدي إلى اندلاع حرب.

أوكرانيا

ويعدّ الرئيس الروسي أوكرانيا خطا أحمر، فهو لن يقبل أي تدخل أميركي ولا أي جهود لدفع البلاد إلى أحضان حلف شمال الأطلسي (ناتو).

في الطرف المقابل، ما زال رفض واشنطن ضمّ شبه جزيرة القرم قائما، وهناك دعم أميركي واضح لكييف، ولكن أوكرانيا في الواقع تخاطر بالبقاء في صراع مجمّد مدة مستقبلية طويلة.

ويخشى بعض الأوكرانيين أن تسبب قمة جنيف “التخلي عنهم”، ولكن جو بايدن أكد أخيرا للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أن بلاده ملتزمة “التزاما ثابتا” بسيادة أوكرانيا.

بيلاروسيا

وترى الصحيفة أنه بعد اختطاف طائرة مدنية كانت تحلّق فوق الأجواء البيلاروسية من أجل اعتقال الصحفي والناشط المعارض رومان بروتاسيفيتش، لن يتردد جو بايدن في التنديد بالقمع الوحشي للمعارضة المؤيدة للديمقراطية في بيلاروسيا.

أما فلاديمير بوتين الذي يدعم مينسك فلن يتنازل أبدا في هذه المنطقة التي تعدّ مجال نفوذ مباشر لروسيا.

حقوق الإنسان

وينظر الكرملين إلى حجة حقوق الإنسان على أنها أداة من أدوات الغرب لتقويض السيادة الروسية، وجو بايدن لا شك في أنه سيثير خلال اللقاء حادثة تسميم واحتجاز المعارض الروسي أليكسي نافالني والحظر المفروض على تنقلاته، وخطر إغلاق محطة “راديو أوروبا الحرة” وهي إذاعة في روسيا ممولة من واشنطن تواجه غرامة قدرها مليوني دولار لعدم التزامها قانون “العملاء الأجانب” الروسي.

وسيكون لدى فلاديمير بوتين -تضيف الصحيفة- “رد جاهز” إذ يتوقع أن يطرح مسألة عودة ظهور العنصرية بحق السود في الولايات المتحدة في أعقاب وفاة الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد رجل شرطة أبيض. كذلك فهو يعدّ أعمال الشغب التي عصفت بمبنى الكونغرس في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي “تعبيرا عن الاستياء السياسي” لفئة من المواطنين الأميركيين.

سوريا

ويؤكد الكاتب أن ما يقرب من 3 ملايين نازح سوري معرضون لخطر الموت جوعا في منطقة إدلب، ومن المقرر أن يصوّت مجلس الأمن الدولي في العاشر من يوليو/تموز المقبل على الإبقاء على ممرّ إنساني مفتوحا، وقد يقنع بايدن نظيره الروسي بعدم الاعتراض على القرار من خلال حق النقض (الفيتو).

العلاقات الدبلوماسية

أما العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن وموسكو فهي متدهورة جدا، إذ طردت كل منهما دبلوماسي الأخرى، وحظرت موسكو بعض الوقت المواطنين الروس من العمل في بعثة أو قنصلية أميركية. وسيتناول الزعيمان في جنيف هذا الملف لإعادة تأسيس “علاقة دبلوماسية مستقرة”، والإبقاء على قناة اتصال مفتوحة بصورة دائمة بين الجانبين.

————————-

نعرف ما يريده بايدن من بوتين، لكن ما الذي يريد الرئيس الروسي تحقيقه من تلك القمة؟

تحمل قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عناوين متعددة يغلب عليها التشاؤم، فالهوّة ضخمة بين ما يسعى كلاهما لتحقيقه خلالها، فماذا يريد بوتين تحديداً؟

القمة التي تنعقد الأربعاء، 16 يونيو/حزيران 2021، في جنيف بسويسرا، تأتي في أجواء ملتهبة تماماً، فالعلاقات بين موسكو وواشنطن في الحضيض باعتراف الجانبين، وملفات الخلاف بينهما تشمل كل شيء تقريباً، وربما يتساءل البعض عن جدوى ذلك اللقاء من الأساس.

ويمكن تلخيص ما يريده الرئيس الأمريكي بايدن من خلال الصورة العامة لتصريحاته وتصريحات المسؤولين البارزين في إدارته، في عدة نقاط، أبرزها أن تحترم موسكو حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، وأن تنسحب من شبه جزيرة القرم، التي كانت قد احتلتها روسيا وضمّتها إلى أراضيها عام 2014، وأن تتوقف عن التدخل المزعوم في الانتخابات الأمريكية، وتوقف هجماتها السيبرانية، وجميعها تبدو ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء لبوتين.

بوتين يريد معاملة الأنداد

يرى كثير من المحللين أن الفجوة شاسعة بين الرئيسين، ونظرة كل منهما للآخر، وهذه هي النقطة الفاصلة في تلك القمة التي تحمل رائحة الحرب الباردة في كل جوانبها. فانعقادها في جنيف في حد ذاته يحمل دلالة رمزية هامة، حيث انعقدت أول قمة بين البلدين في أواخر الحرب الباردة في جنيف أيضاً، كان ذلك عام 1985 حين التقى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في القمة الأولى بين القوتين الأعظم وقتها.

وكما قال أندريه كورتونوف، مدير مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC) في موسكو، لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: “إن القمة مهمة من حيث الرمزية؛ فهي تضع روسيا في نفس التصنيف مع الولايات المتحدة، وبالنسبة لبوتين فإن الرمزية ليست بالأمر الهين أو غير المهم”.

فالقمة تأتي في وقت مبكر من تسلُّم بايدن مهام إدارة البيت الأبيض، وفي أول رحلة خارجية له، والأهم هو أنها تأتي بناءً على طلب بايدن، وهذه النقاط جميعاً تصبّ في صالح بوتين والكرملين. القمة أيضاً ليست لقاء قصيراً في إطار حدث عالمي أو مناسبة دولية، لكنها قمة كاملة جرى التحضير لها على مدى أسابيع طويلة، وفرض الجانب الروسي ما أراده من حيث التوقيت والمكان، وربما الأجندة أيضاً.

وأكدت المحللة السياسية ليليا شيفتسوفا على نفس الرأي بقولها لـ”بي بي سي”: “بالتأكيد، يريد بوتين أن يُنظر إليه على قدم المساواة مع رئيس الولايات المتحدة، وأن يُحترم بشروطه التي يريدها، إنه يظهر عضلاته المفتولة ويريد أن يصبح عضواً في نادي الأقوياء”.

الخطوط الحمراء لكل منهما

يرى كثير من المحللين الأمريكيين أن قرار بايدن طلب عقد قمة مع بوتين، رغم العدائية الشديدة بين الجانبين منذ وصول بايدن للرئاسة، ووصف الرئيس الأمريكي لنظيره الروسي “بالقاتل”، يعتبر خطوة تكتيكية جيدة، هدفها بالأساس محاولة تقليل سرعة التقارب الروسي الصيني من جهة، والبحث عن قضايا مشتركة مع بوتين من جهة أخرى.

والقضايا المشتركة قد تكون موجودة بالفعل، وأبرزها قضية تغير المناخ والاحتباس الحراري، والتعاون لمواجهة وباء كورونا وبدء مفاوضات بهدف التوصل لاتفاقية جديدة تحد من التسلح النووي، في ظل اقتراب نهاية معاهدة NEW START القائمة حالياً بين البلدين.

وقد عبّر بوتين بالفعل عن جزء من هذه القضايا، بقوله للتلفزيون الروسي قبل أيام من القمة، إن هناك “قضايا يمكننا العمل فيها معاً” مع الولايات المتحدة، بدءاً بمحادثات جديدة للحد من الأسلحة النووية، ومناقشة النزاعات الإقليمية بما في ذلك سوريا وليبيا، والتغير المناخي. وأضاف: “إذا استطعنا إنشاء آليات للعمل معاً على هذه القضايا، أعتقد أنه سيمكننا القول إن جهود القمة لم تذهب سدى”.

وربما يكون هذا السياق هو السيناريو الوحيد المتاح للعودة من حافة الهاوية بين موسكو وواشنطن، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، وهو الأمر الذي لا يريده لا بوتين ولا بايدن.

البيت الأبيض، من جانبه، يقول دائماً إن هدفه اليوم هو إقامة علاقة “مستقرة وواضحة” مع روسيا، لكن إبقاء الناس في حالة تخمين وحذر، كانت طريقة فلاديمير بوتين منذ أن دخل “رجاله الخضر الصغار” شبه جزيرة القرم في أوكرانيا عام 2014، وضمها إلى روسيا.

ومصطلح الرجال الخضر الصغار يشير إلى جنود ملثمين من الاتحاد الروسي، كانوا يرتدون زياً عسكرياً أخضر غير موسوم، ويحملون أسلحة ومعدات عسكرية روسية حديثة ظهرت خلال الأزمة الأوكرانية عام 2014. وكانت هذه بداية التراجع في العلاقات الروسية الأمريكية.

وعبرت شيفتسوفا عن ذلك بقولها إن “الهدف الأكثر جدوى هو اختبار أين تكمن الخطوط الحمراء لكلا البلدين، وكذلك فهم أن الحوار هو طريق العودة من الهاوية”، وأضافت: “إذا لم يتحدثوا، فستصبح روسيا أكثر غموضاً وصعوبة للتنبؤ بها”.

بايدن وحديث حقوق الإنسان

وحتى تتضح الصورة لكلا الزعيمين وصولاً إلى قمة جنيف، من المهم تفكيك المشهد الداخلي لدى كل منهما، فبوتين الذي يحكم روسيا منذ أكثر من عقدين وهدفه الآن هو تأكيد مكانة بلاده كإحدى القوى العالمية الكبرى، ووضعها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، يلعب داخلياً بورقة “عداء الغرب” لموسكو ورغبة واشنطن في “احتواء النمو الروسي”. ولا يمكن تجاهل التشابه الواضح بين رسالة بوتين ورسالة الرئيس الصيني شي جين بينغ فيما يتعلق بالعداء الأمريكي.

وتخدم هذه الصورة بوتين داخلياً، وتساعده على قمع المعارضة، وأبرز رموزها أليكسي نافالني، الذي يقبع الآن خلف القضبان، وتم تصنيف حركته كمنظمة متطرفة لمنع رموزها من الترشح للانتخابات البرلمانية، وبالتالي ليس من المتوقع أن يقدم بوتين أي تنازلات لبايدن في هذا الملف تحديداً، أي ملف حقوق الإنسان، الذي يعتبره بوتين شأناً داخلياً بحتاً غير خاضع للنقاش من الأصل.

ففي المنتدى الاقتصادي الذي أقيم خلال هذا الشهر في سان بطرسبرغ، أعاد بوتين مرة أخرى التأكيد على أن الولايات المتحدة تريد “احتواء” التنمية الروسية، وكان قد هدد قبل أيام قليلة “بكسر أسنان أي معتدٍ أجنبي يريد عضّ روسيا”، مؤكداً على ضرورة أن يستفيق العالم ويدرك أن روسيا استعادت مكانتها وقوتها.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال حقيقة كون بوتين سياسياً عقلانياً، وهذا ما يعتقده كورتونوف بوصفه الرئيس الروسي “بأنه سياسي عقلاني، يرغب في تقليل التكاليف والمخاطر المرتبطة بهذه العلاقة العدائية (مع واشنطن)”. وذلك يشمل العقوبات الاقتصادية؛ فقد حدّت الجولة الأخيرة من قدرة الحكومة على جمع الأموال، وقد تمتد لخطوات جديدة، ما يضيف مزيداً من الضغط على الاقتصاد في عام انتخابي مهم.

ويشرح كورتونوف لبي بي سي: “لا يملك الجمهور الروسي الآن شهية “للانتصارات السياسية الخارجية كبديل لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الملتهبة في الداخل. أياً كان ما يريده بوتين، لا أعتقد أنه يمكن أن يكسب أي شيء على الصعيد الوطني إذا صعّد الأمور”.

وفي هذا السياق سيكون بوتين مستعداً لسماع محاضرة من بايدن عن حقوق الإنسان، بما في ذلك قضية نافالني. وتنبأت شيفتسوفا بأن “يستهل بايدن كلمته بالحديث عن نافالني وحقوق الإنسان، ليقوم بعدها بوتين بالأمر نفسه، وعن نفس المواضيع عن الولايات المتحدة”. وتضيف: “لكن حقيقة عقد هذا الاجتماع تعني أنه بعد استهلال اللقاء بمواضيع مثل حقوق الإنسان سينتقلون إلى الهدف الرئيسي وهو: دعونا نفعل شيئاً لتخفيف التوتر بيننا”.

الخلاصة هنا أن بايدن “سيتحدث عن حقوق الإنسان” وسيستمع له بوتين، ثم ينتقل الحديث بينهما للملفات التي يمكن للجانبين العمل معاً فيها، وخصوصاً الحد من التسلح النووي والتغير المناخي، وربما يتفقان على بعض النقاط المتعلقة بتوصيل المساعدات الإنسانية للسوريين في إدلب، وسيكون الملف الليبي حاضراً أيضاً. ففي نهاية المطاف، لا يبدو أن مسألة حقوق الإنسان ستكون عائقاً أمام بايدن لمحاولة تخفيف حدة التوتر مع بوتين، فالحديث عن حقوق الإنسان يبدو أنه لا يتخطى كونه “حديثاً” بالنسبة لبايدن، وهذا ما أثبته بالفعل منذ تولَّى المسؤولية وحتى اليوم.

———————————

البنتاغون: نظام الأسد يبني علاقات وتحالفات مع القبائل شمال شرقي سوريا

رصد تقرير استخباراتي عسكري، سلّمته وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” إلى الكونغرس، أنشطة لنظام الأسد في مناطق شرقي الفرات وعلى خط الحدود بين العراق وسوريا، بهدف بناء علاقات مع القبائل المحلية لإثارة الاضطرابات وإضعاف علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع تلك القبائل.

وقال التقرير إن نظام الأسد يسعى لتهديد القوات الأميركية في المناطق التي توجد فيها على الأراضي السورية، ويهيئ بيئة دائمة ومستمرة لحلفائه، وتوسيع القواعد العسكرية لروسيا وإيران و”حزب الله”، ودعم هجمات يمكن القيام بها ضد قوات “التحالف الدولي” و”قوات سوريا الديمقراطية”، وفق ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”.

المعارضة لا تشكل أي تهديد والحلفاء يعززون وجودهم

واعتبر التقرير الاستخباراتي أنه بعد 10 أعوام من اندلاع الثورة السورية “وصل نظام الأسد مع خصومه إلى طريق مسدود، وتكاد تكون المعارضة السورية لا تشكل أي تهديد عليه، ولم تعد قادرة على قتاله، ومن المرجح أن تظل الخطوط الأمامية ثابتة في الغالب خلال الأشهر الستة المقبلة، وبدلاً من ذلك فإنها تتجه إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها المتبقية في شمال سوريا والحفاظ على الدعم التركي، مشيراً إلى أن الدعم العسكري التركي المباشر للمعارضة في أوائل عام 2020 عزز سيطرة أنقرة وعزز النفوذ العسكري لجماعات المعارضة الرئيسية على حساب المتطرفين”.

ولفت إلى أن حلفاء نظام الأسد، إيران وروسيا، وكذلك “حزب الله”، يحاولون تأمين وجودهم العسكري والاقتصادي الدائم، وفي المقابل تتواصل الضربات الإسرائيلية المستمرة على المصالح الإيرانية، وتواصل إيران مساعدة بشار الأسد في إعادة تأكيد سيطرته على البلاد، بينما تتنافس مع موسكو لتأمين الفرص الاقتصادية والنفوذ طويل الأمد في سوريا.

مصالح إيران و”حزب الله” بضمان استقرار النظام

وأكد التقرير أن إيران لا تزال ملتزمة بتأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضمان استقرار النظام، والحفاظ على الوصول إلى شركائها ووكلائها في بلاد الشام، ولا سيما “حزب الله”، كما لا تزال القوات المدعومة من إيران، تعمل على دعم القوة الحاسمة للعمليات المؤيدة للنظام في جميع أنحاء سوريا، مما أتاح لها السيطرة على بعض الأراضي في شرق البلاد.

كما يعتزم المسؤولون الإيرانيون ممارسة نفوذهم في سوريا ما بعد الصراع، لا سيما من خلال عقود إعادة الإعمار والوجود العسكري الدائم، فيما تتمثل أهداف “حزب الله” الأساسية، في الحفاظ على الأمن على طول الحدود اللبنانية – السورية، والتمهيد لصراع محتمل مع إسرائيل، والحفاظ على عقد إعادة الإمداد من إيران.

دمج النظام في المجتمع الدولي مهمة روسية

أما روسيا، فتتمتع، وفق التقرير، بقدرة متزايدة على إبراز قوتها باستخدام صواريخ “كروز” الدقيقة بعيدة المدى، وقدرات التدخل السريع المحدودة، لذلك يعمل القادة العسكريون الأميركيون، على دراسة الأمور المستفادة من تورط روسيا في حرب سوريا خلال تدريباتهم للقوات الميدانية، والسعي إلى تطوير قوة مشتركة منسقة بشكل أفضل.

وأشار التقرير إلى أن روسيا “تسعى إلى تسهيل إعادة دمج نظام الأسد في المنظمات الدولية، وتعزيز الشرعية الدولية له، وحشد الدعم الدولي لإعادة إعمار سوريا، مع التخفيف أيضاً من تأثير العقوبات الأميركية على النظام”.

وأضاف التقرير أنه من المحتمل أن يحسب الكرملين أن وجوده الدائم في سوريا سيضمن سيطرته على نظام الأسد، ويعزز النفوذ الإقليمي الروسي، والقدرة على استعراض القوة، ومن شبه المؤكد أن موسكو ستحافظ على وجود عسكري واقتصادي طويل الأمد في سوريا، ما يتيح لها الوصول إلى الموارد الطبيعية والاستمرار في استخدام وتوسيع وجودها العسكري.

لا جديد في شمال غربي سوريا

وأوضح أن القوات المؤيدة للنظام تدخل في مناوشات مع مقاتلي المعارضة في محافظة إدلب، لكنها لم تشهد أي تغييرات جغرافية كبيرة، وذلك منذ دخول وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا حيز التنفيذ في مارس من العام 2020، وربما لن تستأنف دمشق هجوماً كبيراً من دون دعم سياسي وعسكري واضح من روسيا.

وفي مقابل ذلك، لا تزال “هيئة تحرير الشام” تسيطر على محافظة إدلب، وهي موطن أيضاً لـ “تنظيم الدولة” و”حراس الدين” الفرع السوري الرسمي لـ “القاعدة”، وجماعات جهادية أجنبية أخرى، كذلك تحتضن المحافظة أكثر من ثلاثة ملايين مدني، كما تواصل جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، الاشتباك مع “قوات سوريا الديمقراطية” على طول خطوط المواجهة الجديدة الثابتة إلى حد كبير.

“تنظيم الدولة” يجند ويعيد تأهيل نفسه

وذكر التقرير أن “تنظيم الدولة” اتجه، بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها بعد مقتل العديد من قياداته، إلى توليد الدخل المالي لدفع أعبائه الإدارية المرتفعة، باستخدام شحنات النفط وبيعها، وخطف المسؤولين للحصول على فدية، كما يعتمد التنظيم على خلايا سرية في المناطق الريفية الخاضعة لحكم الأسد في شرق وجنوب سوريا، وذلك لترهيب السكان المحليين، واستهداف قوات الأمن المحلية ومصالح التحالف.

وحذّر التقرير العسكري الأميركي، من أن وجود عناصر التنظيم في مخيمات النازحين في الشمال الشرقي، سيمكّنهم من تجنيد السكان المحليين وتلقينهم عقائدياً، وإخفاء مقاتليه وأنصاره ونقلهم بين النازحين، في ظل احتجاز ما يقرب من 10 آلاف مقاتل من التنظيم تحت سيطرة قوات “قسد”، بما في ذلك أكثر من 2000 أجنبي غير عراقي وغير سوري، في مراكز احتجاز مؤقتة.

كما أشار التقرير إلى أن الظروف المعيشية السيئة وعوامل أخرى، أسهمت في اندلاع أعمال شغب في بعض المرافق، كما أدى القتال في شمال غربي سوريا إلى نزوح ما يقرب من مليون شخص في ربيع العام 2020 وحده، وتجدد القتال بين النظام السوري وقوات المعارضة السورية في هذا الشأن، ومن المحتمل أن يجبر الصراع مئات الآلاف من المدنيين على الفرار باتجاه الحدود التركية، ومن المحتمل أيضاً أن يتسبب في أزمة إنسانية أخرى.

———————————-

في لقاء بايدن.. هل سينزل بوتين عن الشجرة في سوريا؟/ هشام اسكيف

صرحت  الولايات المتحدة الأميركية أن استراتيجيتها مع الروس في سوريا تعتمد على إغراقهم أكثر فأكثر في المستنقع السوري ولم يكن كلام جميس جيفري حينذاك يعبر عن إدارة ترامب بل عن عقيدة الدولة العميقة الأميركية وقد سبق القمة تأكيدات من مصادر البلدين أن الملف السوري على أجندة اللقاء بين الزعيمين، تدخل روسيا وهي تريد وضع تصورها على الطاولة بينما تدخل  الولايات المتحدة لضبط إيقاع موسكو فقضية ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي تؤرق موسكو واعتبرها بوتين خطاً أحمر، لا يمكن إغفال ذلك القلق الروسي رغم كل ما تبديه موسكو من تصعيد في مناطق النفوذ المتضاربة في سوريا كمثال واضح وصريح عن تضارب المصالح والرؤى الروسية والأميركية.

بوتين الذي انهكته الحرب السورية:

رغم المكابرة الروسية لكن جولات لافروف وزير الخارجية الروسي على دول الخليج وطلبه “رجاءه” بإعادة النظام للجامعة العربية وتجنيد أقلام في صحف عالمية ومحلية ولبنانية للتسويق أن النظام يستعيد عافيته وعليكم القبول به ودفع الأموال يدل كل ذلك على حالة الإرهاق الروسي من الملف السوري، فحقن البوتكس التي بدت على وجه بشار الأسد هي تعكس ما فعلته روسيا من تجميل الوحش القبيح ونفخ الروح في الميت لكي تبيع وهماً لم ينطلِ على أحد، فمليارات الدولارات يحتاجها النظام لتضخ في عروقه كي يبدأ بالدوران ولكن هيهات لأن الأزمة يبدو تجاوزت حتى المال بمراحل فالنظام أصبح مترهلاً لدرجة غير معقولة وتفشى فيه الفساد بشكل مرعب وأصبح الحكم فيه لقيادات الميليشيات أكثر فأكثر من حالته المدنية السابقة، بوتين يحتاج فعلاً القمة مع بايدن ليس سهلاً اليوم اللقاء مع رئيس وصفه الآخر بأنه قاتل، بوتين يبحث عن مخرج فعلي ويبدو أن التحليلات التي تشير إلى بيع بشار في مزاد المياه الدافئة واستحواذ الشركات الروسية على أعمال إعادة الإعمار ليست من الفراغ ولا من بنات أفكار أحد.

عودة  الولايات المتحدة للمنطقة عبر الملف السوري أم مجرد معابر إنسانية

موسكو تتحسس الخطر القادم من معركة المعابر التي أعلنت عنها واشنطن مبكراً ـ عند انتهاء الـ100 يوم الأولى والتي ترسم استراتيجية الرئيس الأميركي لسنوات – هذا الإعلان المتكرر عن أولوية واشنطن بدا للوهلة الأولى مادة دسمة للمحللين ليبرروا الانسحاب الأميركي التدريجي من الملف السوري بل والشرق الأوسط لكن هذا لم يحدث بل ما حدث العكس عندما فرضت واشنطن الحل في ليبيا وبدأت تخط معالم الحل في اليمن وتحاصر النيران الإيرانية التي أشعلتها طهران في العراق وامتدت الاستراتيجية الأميركية الآن وعبر ملف المعابر إلى سوريا والتي يبدو وبحسب التقدير الروسي أنها ليست مجرد معركة معابر إنسانية بل هي إعلان العودة للساحة وأن موسكو بدأت تشعر بمحاصرتها من أوكرانيا إلى سوريا، وأن واشنطن تدق الناقوس للجميع إيذاناً بالعودة، وهي ليست بوارد التساهل مع المتجاوزين، هذه الاستنتاجات الروسية بدت تماما في حالة النزق الذي بدت فيه موسكو عندما اتهمت الولايات المتحدة بأنها تسرق نفط سوريا في الشمال والشرق، وبالتعاون مع جهات انفصالية ـ الجهات نفسها التي مارست موسكو ضغوطا جبارة عليها للقاء النظام السوري ـ ومن خلال إعلانها المبكر عن نيتها استخدام حق النقض في وجه أي مشروع غربي يجدد للمعبر الحالي فما بالك تعددها كما تطرح واشنطن، إذن يبدو أن الرسالة التي استشعرت بها موسكو وصلت أيضا للجميع وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها راجعت حساباتها لجهة تفاعلها مع الضغط الروسي وممكن الأخذ بعين الاعتبار تصريح المُعلمي ممثل المملكة في الأمم المتحدة الذي حسم الجدل بشكل أوضح من الوضوح نفسه لجهة عودة النظام للجامعة العربية والتطبيع معه، العودة للمنطقة من قبل واشنطن قد تعيد التوازن في منطقة كان الروسي يلعب فيها بمساحات مريحة أتاحت له فرض إيقاعه بشكل منتظم لأعوام مضت.

الأوراق الروسية المضادة في سوريا…

إيران الورقة التي تلوح فيها دائما موسكو بإمكانية الضغط عليها في سوريا وتحاول إيران الفكاك من البازار الروسي على وجودها في سوريا من خلال المفاوضات المباشرة مع دول الاتفاق النووي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ولكن طبيعة التعاطي الروسي مع ملف “الوجود” الإيراني في سوريا سيظل ورقة بيد موسكو بسبب التفوق الروسي الجوي وإمكانيات الرصد والمتابعة -وهذا ما تشك به طهران دائما عند تكثيف القصف الإسرائيلي على مواقعها في سوريا -،  كما تريد موسكو إثبات سيطرتها على ما تبقى من دولة أو شبه الدولة في دمشق والتي تمسكها موسكو بيدها ومن المفيد أن نذكر أنها ـ نبهت منذ شهرين أن هذه البقايا عرضة للانهيار إذا استمر وضع المحروقات على حاله ـ لا تملك موسكو الكثير أمام حالة الخنق الذي يعيشه النظام والعزلة التي يعاني منها فهي بحاجة لصفقة ما ولكن تحاول ألا تكون أي صفقة لا سيما أنها لم تنجح في تسويق إعادة التدوير لرأس النظام رغم حملتها الدبلوماسية التي أنفق فيها لافروف من رصيد موسكو السياسي كثيرا.

ولكن تبقى موسكو اللاعب الأبرز في سوريا وهي ـ كعادة السياسة الروسية ـ لا تصنع حلاً بل لديها القدرة على عرقلة الحلول لذلك موسكو تراهن على حاجة الولايات المتحدة الأميركية لها كمنفذ على الأرض مما يمنح روسيا نقطة ارتكاز قوية أثناء عملية التفاوض وهذا الدافع أيضا سنراه حين تقوم روسيا بتقويض عوامل الاستقرار الذي خلفه التدخل التركي في شمال وشمال غربي سوريا رسالة تقول إن التفاوض معها ومعها فقط في ملف سوريا.

سحب البطاقة التركية من يد الروس:

على المقلب الآخر تجري قمة من نوع خاص بين الرئيس بايدن والرئيس أردوغان وملامح صفقة تلوح في الأفق كما أوردت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع تشمل تجميد صواريخ الـ S400 وتطمينات تركية للولايات المتحدة الأميركية وفي المقابل ستعطي الولايات المتحدة الأميركية مساحة أكبر للتحرك التركي فيما يجري الحديث ـ الجدي هذه المرة ـ عن منطقة آمنة تنشئها تركيا حيث جرى اتصال بين وزيري الدفاع بين البلدين وتطمينات أميركية لتركيا بشأن وجود تنظيم الـPKK على حدودها الجنوبية بالمجمل ستكون القمة التي وصفت بالاستثنائية بمنزلة سحب ورقة تركية من يد الروس مما أغضب الروس وانعكس تصعيدا على الأرض أول أمس في قصف على إدلب خلف عشرات الشهداء ويبدو أنها تقف جانب قسد وراء جريمة قصف مشفى عفرين في رسالة واضحة أننا قادرون على زعزعة استقرار الجميع من دوننا لن يكون هناك أحد مستقر أو مرتاح.

بالنهاية إن حدوث القمة بين الرئيسين الأميركي والروسي ليس حدثاً عادياً على الأجندة العالمية ومن المؤكد أن نجاحها سيكون عاملاً للاستقرار بعد سنوات طويلة من الصراع والتنافس وتضارب المصالح، ولكنّ مخاوف الفشل الوارد جداً سينعكس حروباً تشتعل ومن الممكن أن تكون مباشرة أو من الجيل الرابع حروب الوكالة بين حلفاء الدولتين.

تلفزيون سوريا

——————————-

القضية السورية أمام قمة بايدن – بوتين/ عدنان علي

لم تصدر عن إدارة الرئيس الأميركي بايدن حتى الآن مواقف محددة إزاء الملفات الرئيسية في القضية السورية، باستثناء تكرار روتيني من جانب بعض المسؤولين في واشنطن لمواقف عمومية تتعلق بتنفيذ القرار الدولي 2254، ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات التي أجراها نظام الأسد مؤخراً، إضافة إلى ضرورة فتح المعابر الإنسانية.

ولعل النقطة الأخيرة المتعلقة بالمعابر باتت مركز اهتمام السياسة الأميركية حيال سوريا في الآونة الأخيرة، حيث لا يكاد يخلو تصريح لمسؤول أميركي من ذكرها. كما أوفدت واشنطن سفيرتها لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إلى أنقرة والحدود السورية التركية لتأكيد هذا الاهتمام، في حين تشير المعطيات إلى أن هذه المسألة ستكون الأساس في النقاش المتعلق بسوريا خلال القمة التي تجمع الرئيس بايدن مع نظيره الروسي بوتين في جنيف 16 من الشهر الجاري.

ووفق مسؤولين أميركيين سوف يسعى بوتين خلال القمة إلى رفع العقوبات عن نظام الأسد، مقابل إعادة فتح المعابر، لكن هذا سيكون بمثابة تقديم مكافأة لبوتين والأسد مقابل عدم تجويع المدنيين، وهذه فكرة غير مقبولة. والثمن الآخر الذي قد يطلبه بوتين في حال عدم الاستجابة لطلبه الأول هو وقف الدعم الأميركي لميليشيا “قسد”، وإعادة مناطق شرق الفرات لنظام الأسد، لكن هذا ليس معادله الموافقة على فتح المعابر الإنسانية، بل الموافقة على دفع العملية السياسية في جنيف وفق قرارات مجلس الأمن لفتح الباب أمام تسوية سياسية شاملة، بما في ذلك الوضع في شرق البلاد. ويدرك الروس أن محصلة ذلك قد تكون الإطاحة برأس الأسد، وهو ثمن مستعدون لدفعه إذا تم ضمان مصالحهم في سوريا، وفق ما ذكرت صحيفة فورين بوليسي قبل أيام. وحسب الصحيفة، فإن روسيا لم تأخذ عملية السلام في سوريا التي تقودها الأمم المتحدة، على محمل الجد أبداً، ولم تمارس أي ضغط على نظام الأسد لإجباره على تقديم تنازلات، وما زال هدفها النهائي يتمثل في دفع المجتمع الدولي لقبول الأسد في نهاية المطاف كفائز بحكم الأمر الواقع في الصراع السوري، وتطبيع العلاقات مع نظامه.

إذاً سياسة روسيا واضحة ومعلنة في دعم نظام الأسد ومواصلة السعي إلى تعويمه سياسياً واقتصادياً، دون استبعاد استعدادها للمساومة على رأس النظام مقابل أثمان لم تحددها بعد، لكن لقاء بوتين مع بايدن، سيكون جس نبض لتلمس مدى استعداد واشنطن للانخراط في حل شامل للقضية السورية، مع إدراك روسيا أنها لا تستطيع بمفردها إنجاز حل في سوريا، ولا بد من التفاهم مع الولايات المتحدة، واللاعبين الآخرين وفي مقدمتهم تركيا.

ومن هنا فإن الأنظار تتجه إلى إدارة بايدن لمعرفة مقاربتها الحقيقة للوضع في سوريا، حيث لا يمكن من خلال المؤشرات الصادرة عنها حتى الآن تشكيل إدراك كامل لحقيقة موقفها، وما إذا كان لديها أساسا رؤية للحل في سوريا، وليس مجرد تعطيل للحلول الروسية، كما كانت تفعل إدارة ترامب السابقة.

ومن المؤشرات التي قد تساعد على فهم موقف إدارة بايدن هو أنها أوقفت الإجراءات العقابية الأميركية على نظام الأسد منذ وصولها للسلطة، ولا سيما تلك المندرجة بموجب “قانون قيصر” للعقوبات، الذي أصدره ترامب نهاية العام 2019 وطبقه منتصف العام الماضي، وضيق من خلاله الخناق على النظام اقتصادياً ودبلوماسياً. كما غضت الطرف عن إقدام عدد من الدول العربية على التقرب من نظام الأسد، فيما وجه مؤخرا ثلاثة نواب جمهوريين، رسالة إلى وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والخزانة جانيت يلين، اتهموا فيها إدارة بايدن بالفشل في فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري بوصفه الحليف الأبرز لإيران في الشرق الأوسط. واتهم النواب الإدارة الأميركية بغض النظر عن تزويد إيران للنظام بالنفط عبر البحر، ما يعد انتهاكاً لـ “قانون قيصر”. واعتبروا أن عدم مواصلة إدارة بايدن العقوبات على النظام، تندرج ضمن صفقة العودة إلى ملف الاتفاق النووي مع إيران.

والواقع أن النقطة الأخيرة قد تكون هي مربط الفرس، حيث يبدو كما تشير معطيات وتسريبات أميركية أن إدارة بايدن جعلت الملف السوري مجرد ملحق ثانوي بالملف النووي الإيراني، ما يعني أنها قد تقدم تنازلات لإيران في سوريا، مقابل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، دون أن يرتقي ذلك بطبيعة الحال إلى الصفقة الشاملة في سوريا، لأن إيران في المحصلة مجرد لاعب، وليس بيدها كل الأوراق، فلا يمكن تجاهل الروس والأتراك في مثل هذه الصفقة التي لا تبدو الظروف ناضجة لإبرامها خاصة بالنسبة لإدارة بايدن التي ما زالت في مرحلة الاستكشاف، ولم تغص أقدامها بعد في وحول المنطقة.

————————

 نيويورك تايمز: العودة للاتفاقية النووية لن تحل مشكلة إيران وعلى بايدن البدء من سوريا

قال توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” إنه مع الحرب السرية التي تخوضها إسرائيل لتخريب البرنامج النووي الإيراني مهما كانت الاتفاقية النووية، مشيرا إلى أنه دعم اتفاقية إدارة باراك أوباما في 2015 ولم يدعم تمزيق دونالد ترامب لها في 2018، وعندما فعل عبر عن أمله عن استخدامه المصاعب الاقتصادية التي تسبب بها على إيران لإقناعها كي تقوم بتحسين الاتفاقية، ولكن لم تفعل.

ويؤكد أنه يدعم الخطوات التي تقوم بها إدارة جوزيف بايدن. وأضاف أن كلامه قد يبدو متناقضا ولكنه يبدو كذلك، مشيرا إلى أن هناك تهديدا يوحد بين هذه المواقف، وهو أن التعامل مع نظام الجمهورية الإسلامية بطريقة تقضي على تأثيرها الخبيث أمر مستحيل.

وقال إن إيران بلد كبير ولا يمكن غزوه، ونظامه متحصن ولا يمكن الإطاحة به من قوة خارجية، وهو مدفوع بدافع ظلامي يطمح للسيطرة على الجيران السنة وتدمير “الدولة اليهودية”، وهو خطير ولا يمكن تجاهله، وشعبه موهوب ولا يمكن حرمانه للأبد من قوة نووية. و”عندما تتعامل مع إيران تعمل ما يمكن عمله في المكان الذي تستطيع عمله وبالطريقة التي يمكنك عملها ولكن عليك أن تفهم: التمام ليس على القائمة، والنظام الإسلامي في إيران لن يتغير. وهو نظام لم يُسأ فهمه وبعد 42 عاما بات الأمر واضحا: يربي قادة إيران من رجال الدين ويحتفلون بالنزاع مع الولايات المتحدة وإسرائيل كطريقة للحفاظ على السلطة وإثراء الحرس الثوري وحكم شعبهم بيد من حديد وبدون أن يكون لهم دور أو صوت في مستقبل بلدهم أو استخدام طاقتهم الهائلة.

وكان النظام سعيدا باستخدام الأموال التي حصل عليها بعد رفع العقوبات لدعم الجماعات الشيعية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والتأكيد على ضعف الدول العربية بدرجة لا تكون فيها قادرة على تهديد طهران. وقال إن انتخابات الجمعة هي “مهزلة انتخابات رئاسية” حيث فتح المجال للإيرانيين كي يصوتوا لأي شخص صادق عليه النظام، ويتوقع أن تكون نسبة المشاركة منخفضة جدا. فلن تغير الانتخابات شيئا طالما ظل الملالي في الحكم، وهو أمر يصدق على رؤساء أمريكا ورؤساء وزراء إسرائيل ومحاولتهم الحصول على أفضل صفقة مع إيران يمكن شراؤها بالمال. أو حاول الحصول على الصفقة التي يتم فيها رفع العقوبات أو إعادة فرضها وتسمح بمواصلة الحرب السرية لكن لا تحاول الإطاحة بالنظام القائم.

والمشكلة هي أن قادة إيران ماكرون ويستطيعون الحدس بما تفكر به عن بعد مئات الأميال، وعندما يكتشفون عدم وجود جهات مستعدة لتحديهم أو الإطاحة بهم فإنهم يجدون طرقا لمواصلة برامجهم النووية. وفي الغالب تصل المفاوضات حول فكرة عقد أفضل صفقة مع إيران يمكن شراؤها بالمال. ويرى الباحث في مركز ويلسون، روبرت ليتواك، أن كلام ترامب المتشدد بل واغتياله الجنرال قاسم سليماني لم يكن لديه استراتيجية دبلوماسية يستخدم فيها استراتيجية أقصى ضغط ويحول الحملة إلى أهداف يمكن تحقيقها و”لم يكن مستعدا لاستخدام القوة المفرطة ولهذا انتظر الإيرانيون خروجه من السلطة”.

 ويعبر فريدمان عن فرحه من عدم استخدام القوة والإطاحة بالنظام الإيراني من الخارج، لأن هذا أمر يعود للإيرانيين، ولهذا السبب فهو يدعم كل محاولات التفاوض مع أنه لا يشك في تحول إيران إلى جار جيد. وظل موضوع إيران سببا في التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي مرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو تعرف الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن عليها التعامل بحذر مع الموضوع الإيراني لمعرفتها أن بايدن شخص مختلف. ولا يعني أنه لن يعطي رئيس الوزراء الجديد كل ما يريده كما فعل ترامب مع نتنياهو إلا أن يركز اهتمامه بتحقيق المصالح الأمريكية الإستراتيجية في الشرق الأوسط ألا وهو منع الحكومة الإيرانية من الحصول على السلاح النووي بشكل يهدد بتقويض نظام منع السلاح النووي وتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة عملاقة للسلاح النووي. ويهدف بايدن بمنع إيران من تطوير سلاحها النووي وتهدئة ساحة الشرق الأوسط حتى يركز على عملية البناء الداخلي في أمريكا ومواجهة الصين.

 ويقول الإسرائيليون إن أمريكا ستدفع لإيران مقابل وقف تطوير مشروعها النووي وتحريرها للقيام بنشر الأسلحة الدقيقة والمتقدمة ضد إسرائيل عبر حلفائها في لبنان. ومن المستبعد أن تتسامح إيران. ومن المحتمل أن تتسامح مع الأسلحة الثقيلة التي يوجهها آيات الله. وفي حرب 2006 أطلق حزب الله 20 قنبلة غبية صواريخ أرض- جو غير موجهة وبأضرار محدودة. لكن بالصواريخ الموجهة (جي بي أس) والتي وفرتها إيران لحزب الله فما عليه إلا أن يطلق صاروخا واحدا على عدة أهداف- المطار، المفاعل النووي، الموانئ ومحطات الكهرباء ومصانع التكنولوجيا. ويقول فريق بايدن إنه ملتزم بالمحادثات مع إيران بعد العودة للاتفاقية، هو أمر لن يرضي إسرائيل. والطريق الوحيد لإرضائها هو قيام بايدن بنزع فتيل التوتر في سوريا.

وتسيطر على هذا البلد اليوم ثلاث قوى غير عربية: تركيا وإيران وروسيا. فموسكو لا تحب وجود إيران إلى جانبها، ولكنها بحاجة لها ودعم الميليشيات الشيعية وقمع الحركات السنية الديمقراطية والجماعات المتطرفة. ولدى الكاتب فكرة لبايدن وهي أن يقوم مع دول الخليج بمحاولة إقناع الأسد بطرد الإيرانيين وزيادة ما تقدمه طهران له وبوعد بقائه في السلطة، مع أنه مجرم حرب. ويمكن لإسرائيل دعم هذه الفكرة لأن كسر الممر البري الذي توفر عبره السلاح لحزب الله سيغير قواعد اللعبة.

——————————

==================

تحديث 18 حزيران 2021

————————————-

الملف السوري والقمم الروسية ـ الأميركية/ حسين عبد العزيز

لم يجر لقاء بين الرئيس الروسي بوتين والرئيسين الأميركيين السابقين، أوباما وترامب، إلا وكانت نتائجه سيئة على الثورة السورية… بعد سبعة عشر يوما من لقاء بوتين ـ أوباما في الخامس من سبتمبر/ أيلول عام 2016، شنت قوات النظام السوري بدعم جوي مكثف من المقاتلات الروسية أعنف هجوم على شرق حلب ضمن خطة لاستعادة السيطرة على المدينة. واستمرت العملية العسكرية للنظام حتى إعلان الهدنة مع الثوار في 13 ديسمبر/ كانون الأول، وإخلاء الأحياء المحاصرة في شرق حلب من المدنيين والمسلحين. وفي الثامن من يوليو/ تموز 2017، التقى بوتين بالرئيس ترامب، على هامش قمة العشرين في هامبورغ الألمانية، وكان من نتائجها موافقة واشنطن على المقاربة الروسية للجنوب السوري، وضرورة أن يكون جزءا من منطقة خفض التوتر، تمهيدا لعودة النظام السوري إليه.

وقد ترتب على هذا التفاهم وقف الإدارة الأميركية في العشرين من يوليو/ تموز للبرنامج السري الذي كانت تديره وكالة الاستخبارات الأميركية، بمشاركة دول عربية وغربية في الأردن، لدعم “الجيش السوري الحر”، في خطوةٍ اعتبرت تحولا مهما لجهة وقف الدعم الأميركي لفصائل المعارضة في الجنوب.

وفي العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عقد الرئيسان اجتماعا على هامش قمة آسيا ـ المحيط الهادئ في دانانغ بالعاصمة الفيتنامية هانوي، توصلا فيه إلى بيان مشترك حول الأزمة في سورية، أعدّه الخبراء الروس والأميركيون، وأقرّه وزيرا خارجية البلدين، لافروف وتيلرسون، ينص على أنه لا حل عسكريا للأزمة. وكان البيان مهما لكل من موسكو وواشنطن، فقد قرأته الأخيرة أنه حتى لو حسم الأسد النزاع العسكري، فذلك لن يكون كافيا لإنهاء الأزمة، فيما قرأته موسكو قراءة براغماتية، مفادها بأن لا تهديدا عسكريا غربيا وإقليميا لنظام الأسد.

وقبل قمة الرئيسين في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز 2018، بدأت قوات النظام السوري بدعم روسي معركة جنوب سورية في 18 يونيو/ حزيران بضوء أخضر أميركي، وانتهت المعركة في 31 يوليو/ تموز، سيطر خلالها النظام على جنوب سورية. وجرى في القمة التفاهم على مرحلة ما بعد معركة الجنوب، وخصوصا الوجود الإيراني، وخرجت القمة بتفاهماتٍ على إبعاد القوات الإيرانية والقوات التابعة لها، مع عودة القوات الأممية (أندوف) إلى العمل.

وجاءت القمة بين الرئيسين بوتين وبايدن، في جنيف أول من أمس الأربعاء، 16 يونيو/ حزيران الحالي، في سياق سياسي وعسكري يختلف تماما عن الذي جرت فيه اللقاءات السابقة بين بوتين وكل من أوباما وترامب، فلا معارك عسكرية على الأرض السورية، ولا عملية سياسية فاعلة في أروقة الأمم المتحدة، ولا استراتيجية أميركية واضحة حيال الوضع السوري. اختزلت الأزمة السورية في القمة بالبعد الإنساني، مع ما يعني ذلك من أن الملف السوري لم يعد يحظى بأولوية لدى إدارة بايدن أولا، ولن يشهد تطوراتٍ دراماتيكية ثانيا، بحيث يبقى السكون الاستراتيجي قائما.

لم تعد السياسة الأميركية هجومية بقدر ما أصبحت دفاعية، هدفها الحفاظ على الوضع الراهن عبر تثبيت مواقع القوى لكل الأطراف: ثمّة وجود عسكري أميركي في الشرق السوري، كفيل بجعل واشنطن وحليفها “قوات سوريا الديمقراطية” أداة تعطيل في مواجهة محاولات النظام وروسيا استعادة الهيمنة على الثروات الباطنية، وثمّة عقوبات أميركية تحول دون استعادة النظام عافيته الاقتصادية. وعلى المستوى السياسي، التراخي الأميركي واضح، لجهة عدم معارضة إعادة إشراك النظام في المؤسسات الدولية (منظمة الصحة العالمية، لجنة تصفية الاستعمار)، ولجهة الانفتاح السياسي الإقليمي على دمشق، ولجهة انعدام الضغوط لدفع عمل اللجنة الدستورية قدما إلى الأمام.

بعبارة أخرى، بعد الانفتاح العربي على إسرائيل، والانهيار الاستراتيجي للعراق وسورية وليبيا واليمن، أصبحت الأولوية الأميركية منع حدوث أزماتٍ إنسانيةٍ كبرى، تستتبعها تدخلات سياسية أو عسكرية. ولهذا، لا تهتم إدارة بايدن، في هذه المرحلة، بإنشاء مقاربة جديدة حيال سورية، فهي لم تعين مبعوثا دائما للملف السوري الذي وضع مع ملفات أخرى في عهدة منسّق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك.

ما يهم إدارة بايدن هو الشأن الإنساني، فهي تمارس ضغوطا كبيرة من أجل إعادة فتح معبري باب السلام شمالي حلب واليعربية في الشمال الشرقي على الحدود العراقية. وكان هذا الموضوع ركنا رئيسا في مباحثات بوتين ـ أوباما في جنيف. ومع أن بايدن لم يحصل على تنازل من بوتين حيال هذه النقطة حسب ما أعلن مسؤول أميركي، فإن الروس، الراغبين بفتح صفحة جديدة مع الأميركيين، سيجدون فرصة لإعادة ترتيب التفاهمات انطلاقا من هذا الملف، وفرصة لانتزاع تنازلات أميركية أخرى.

العربي الجديد

——————————–

قمّة بايدن – بوتين والورقة السوريّة/ خيرالله خيرالله

ليس لدى روسيا ما تبيعه إلى الأميركيين. لذلك، لا فائدة تذكر من القمة التي انعقدت بين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف. كل ما لدى روسيا بضاعة، يمكن وصفها بالكاسدة، في غياب القدرة على لعب أي دور إيجابي في أي منطقة من العالم، خصوصا في الشرق الأوسط وفي سوريا حيث وضعت روسيا نفسها في خدمة سياسة لا أفق لها، لجأت إليها إيران.

تقوم السياسة الإيرانية على فكرة تدمير الدول العربية الواحدة تلو الأخرى ومجتمعات هذه الدول. هذه السياسة هي السياسة المتبعة في سوريا التي تزداد تفتّتا يوما بعد يوم. ليس معروفا إلى اللحظة لماذا الإصرار الروسي على السير في هذه السياسة الإيرانية. هل يساعد ذلك في ابتزاز الولايات المتحدة في لعبة كان يفترض بالمقيم في الكرملين الاقتناع بأنّها انتهت منذ أكثر من ثلاثة عقود، أي منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989.

ليس معروفا بعد ما الذي قدمته روسيا من إيجابيات في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة أو قبلها. كلّ ما يمكن قوله إنها لم تتوقف عن الحلم باستعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي. يعتقد بوتين أنّ مجرّد امتلاك ترسانة نوويّة يعتبر كافيا كي تكون بلاده لاعبا أساسيا في الساحة الدولية في وقت يحصل فيه تغيير في التوازنات الدوليّة في ضوء صعود الدور الصيني. استوجب هذا الصعود الصيني تجديد التفاهم بين الدول الأوروبية وأميركا من أجل مواجهة ما يعتبره الجانبان “خطرا صينيّا”.

في كلّ الأحوال، كشف بوتين منذ دخل الكرملين أنّه عاجز عن فهم المشكلة الحقيقيّة التي عانت منها روسيا دائما، حتّى في أيّام الاتحاد السوفياتي. تكمن هذه المشكلة في غياب القدرة على تقديم نموذج قابل للتصدير. لم ينجح الاتحاد السوفياتي في أي مكان في العالم. باع العرب الأوهام. لعب دوره في إيصالهم إلى هزيمة 1967. في النهاية، لم تستطع مصر التقدّم واستعادة أراضيها المحتلّة إلّا بعد تخلّص أنور السادات من عقدة الاتحاد السوفياتي وطرده الخبراء السوفيات من مصر في العام 1972، أي قبل سنة من “حرب أكتوبر” في خريف العام 1973. لو لم يتخلّص أنور السادات من عقدة الاتحاد السوفياتي، لكانت سيناء لا تزال محتلّة إلى الآن ولكانت قناة السويس ما زالت مغلقة. فهم أنور السادات العالم على حقيقته. فهم خصوصا ما هي موازين القوى التي تتحكّم بالعالم. تخلّى السادات عن تفكير الضابط الريفي الذي تحكّم بجمال عبدالناصر الذي لم يفهم، للأسف، في أيّ وقت أنّ العداء لأميركا والغرب لا يخدم مصالح مصر بمقدار ما يخدم إسرائيل التي أراد محاربتها.

كما في الماضي، لا تستطيع روسيا في أيّامنا هذه تقديم شيء إيجابي. في النهاية، رعت النظام السوري منذ ما يزيد على سبعين عاما. النتيجة أن الجولان محتلّ منذ العام 1967، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع.

لا وجود لمنطق يدفع روسيا إلى دعم إيران في سوريا. هناك من يقول إنّ هناك تنافسا بين “الجمهورية الإسلامية” وروسيا في سوريا. يبدو أن مثل هذا التصوّر غير صحيح. يدلّ على ذلك الدعم الروسي للانتخابات الرئاسية السورية التي أبقت بشّار الأسد رئيسا، ولو صوريا، بناء على رغبة إيران. كان يفترض في روسيا الامتناع عن اتباع سياسة سورية تخدم نظاما أقلّويا، أقل ما يمكن قوله عنه إنّه في خدمة الإيراني من منطلق طائفي ومذهبي ولا شيء آخر غير ذلك. لكنّها لم تفعل. على العكس من ذلك، رضخت لإيران. تدلّ على ذلك الجهود المستمرّة التي تبذلها طهران لإجراء تغيير ديموغرافي في سوريا في مناطق مختلفة من البلد. ليس معروفا أين مصلحة روسيا في استعداء الأكثريّة السنّية في سوريا. هذه الأكثريّة لن تتغيّر بغض النظر عن الجهود المستمرّة التي يبذلها النظام والميليشيات الإيرانية بهدف خلق أمر واقع جديد على الأرض السورية، إنّ عن طريق التهجير  أو عن طريق الاستملاك لأراض سورية.

في العام 2015، خسر النظام السوري، حليف “داعش”، حربه على الشعب السوري. خسرها على الرغم من كلّ الدعم الذي وفرته له إيران عبر ميليشياتها المذهبيّة اللبنانيّة والعراقية والأفغانية. هبّت روسيا لنجدة النظام ولعب دور أكبر في تدمير المدن السوريّة العريقة، بما في ذلك حلب. وسّعت روسيا قاعدة حميميم قرب اللاذقيّة واستخدمتها منطلقا للدفاع عن النظام وإيران بهدف إبقاء بشّار الأسد في دمشق.

لا وجود لمنطق للسياسة الروسيّة في سوريا. لم تكن سوريا ورقة روسية في القمّة التي جمعت بين بايدن وبوتين. كلّ ما في الأمر، أن روسيا في خدمة إيران في سوريا وغير سوريا.

ثمّة حاجة إلى مراجعة في العمق للسياسة الروسيّة التي تقوم على الجمود وعلى دعم الدكتاتوريات في مختلف أنحاء العالم. أخطر ما في الأمر، أن روسيا ارتضت أن تكون في خدمة إيران التي لم تجد ما تفعله بغية تخفيف الضغوط الأميركية عليها سوى الذهاب إلى الصين وعقد “اتفاق استراتيجي” معها…

هل مثل هذه المراجعة ممكنة؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال. الأمر الواضح أن روسيا لا تريد أن تتعلّم من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك تجربة الاتحاد السوفياتي الذي انهار لأسباب اقتصاديّة قبل أيّ شيء آخر. ليس ما يدلّ على أن روسيا في عهد بوتين قادرة على تحسين الاقتصاد الروسي بأي شكل. لم ير أشخاص زاروا البيوت في مختلف المدن الروسيّة أي منتج روسي داخل هذه البيوت. هذا ما يؤكّد فشل بوتين الذي يحتاج اليوم قبل غد إلى الخروج من عقدة القوّة العظمى التي كان عليها الاتحاد السوفياتي. مثل هذا الخروج من تلك العقدة يمكن أن يؤمّن نجاحا لقمّة مع رئيس أميركي يمتلك تجربة طويلة في الشؤون الدوليّة ويعرف كثيرا عن روسيا وأوراقها المضحكة، من بينها الورقة السوريّة على سبيل المثال وليس الحصر.

إعلامي لبناني

العرب

——————————

أين سوريا في قمة بايدن بوتين؟/ محمد قواص

عشية لقائه نظيره الأميركي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة مع شبكة NBC الأميركية أن لا بديل حالياً لبشار الأسد على رأس الحكم في سوريا. بناء على هذا الثابت ذهب رجل موسكو القوي لتقليب ملفات الخلاف مع الرئيس الأميركي جو بايدن. والثابت أيضاً أن سوريا أصل في سياسة موسكو وهي فرع بعيد وهامشي في سياسة واشنطن.

تقارب روسيا الشأن السوري كواجهة أساسية تتقدم من منابرها لتحقيق ما تطمح إليه موسكو في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وتثبيت مكانتها في العالم. مما أنجز في ذلك البلد ينهل الرئيس فلاديمير بوتين لتدبير علاقاته مع إيران وتركيا، والإطلالة على لبنان، وتعزيز نفوذه في ليبيا، وهندسة سياسة خارجية مع دول المنطقة.

الأمر ليس كذلك بالنسبة الى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لم تعتبر واشنطن يوماً أن سوريا ميدان مصيري استراتيجي مهم بالنسبة الى الولايات المتحدة. أفرجت إدارة باراك أوباما عن هذا المزاج غير المكترث بالحرب في ذلك البلد، ولم يتغير هذا المزاج كثيراً في عهد دونالد ترامب. لا تمثل سوريا أهمية للولايات المتحدة إلا بالقدر الذي يمسّ أمن إسرائيل، وبالتالي فإن إدارة إسرائيل نفسها الخطر، بالتنسيق والتعاون مع روسيا، وفّر على واشنطن بذل أي جهد في هذا البلد.

وما الخطوط الحمر التي وضعها أوباما ضد استخدام السلاح الكيماوي إلا دليل (إضافة إلى الحجج الإنسانية والقانونية) على حرص واشنطن على التحرك بحزم طالما أن “سلاح الدمار الشامل” الذي يستخدم ليس بعيداً من الحدود الإسرائيلية. والحال أن توسط روسيا لنزع فتيل الأزمة التي تلت استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق عام 2013 مثال واضح على نقطة التقاطع المشتركة حين يهدد الأمر أمن إسرائيل.

لم يكن حضور أميركا العسكري في سوريا أولوية بحد ذاته. انتشر ذلك الحضور كجزء من الحملة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” من دون أن يفصح الانتشار الأميركي عن أي أجندة سورية بخاصة. ورغم الكلام عن أن ذلك الانتشار هدفه حماية التحالف مع القوى الكردية تارة أو هدفه قطع طريق طهران بيروت تارة أخرى او حماية آبار النفط شرق الفرات تارة ثالثة، إلا أن الأمر بقي خجولاً تجريبياً لا تغطيةً سياسية له إلى درجة أن الرئيس السابق دونالد ترامب لطالما أعلن الانسحاب من هذا البلد والاضطرار على مضض لإبقاء قوات “رمزية” في العدد والعدّة والعتاد والأجندة العسكرية.

وفق هذا الواقع وهذه الحقيقة لا يبدو الملف السوري إشكالياً في مآلاته السياسية، حتى الآن على الأقل، في محادثات الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين. وفيما يطل الأخير من زاوية سياسية استراتيجية تلتصق بنفوذ روسيا وطموحاتها في المنطقة والعالم، يمسك بايدن الملف من جانبه الإنساني لفك ضيق المدنيين في إدلب، على نحو يؤكد تهرّب واشنطن المستمر من الانخراط الجدي لتدبير تسوية سياسية نهائية تضع حداً للمأساة في هذا البلد.

هذه “الاستقالة” الأميركية الغربية في شأن سوريا ليست جديدة. بدأت منذ أن باشرت روسيا حملتها العسكرية هناك، في خريف عام 2015، بعد ساعات على لقاء جمع الرئيس بوتين بالرئيس أوباما في نيويورك على هامش قمة الأمم المتحدة. تبدل مذاك موقف واشنطن وحلفائها الغربيين. تحولوا نحو تبريد العلاقة مع المعارضة السورية ووقف وضبط أي تسلّح لها من شأنه إرباك الحرب الروسية في سوريا. وكل ما كان يقلق الأوروبيين من هذه الحرب هو تدفق موجات المهاجرين، بحيث زال القلق نسبياً بعد إبرام الاتفاقات مع تركيا.

والحال أن لا شيء في مواقف إدارات واشنطن من أوباما إلى بايدن يوحي بأي عداء أو معارضة للدور الروسي في سوريا. حتى أن الخلط غير المقصود بين سوريا وليبيا الذي ظهر في تصريحات بايدن في ختام اجتماعات الـ G7 في بريطانيا، والذي أثار تهكماً في العالم، يفضح رمزياً خفّة موقف واشنطن وعرضيته. والأمر ينسحب على موقف الأوروبيين أيضاً الذين، بالتطابق الكامل مع الولايات المتحدة، يعبرون عن “عدم رضا” على أداء روسيا وفق “الوكالة” التي منحوها لها، ويضغطون، من خلال “قانون قيصر” أو التلطي وراء قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بالتسوية في سوريا، لـ “تحسين” أداء روسيا (وليس سحب “الوكالة” منها) ودفعها لتقديم وجبة حلّ مقبولة دولياً كشرط للإفراج عن أي جهد تمويلي لإعادة الأعمار.

ولئن طرب بوتين كثيراً في السابق لعدم اهتمام واشنطن وحلفائها بالأزمة السورية وإيكال التعامل معها له وحده، فإنه لم يعد مرتاحاً لتلك الاستقالة التي تحولت سياسة خبيثة تعطّل “الحل الروسي” من دون أن تدفع باتجاه حل بديل.

والواضح أن خطط روسيا لإغلاق معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا أمام المساعدات الأممية والقبول فقط بأن تقدم هذه المساعدات من خلال الحكومة في دمشق، يهدف إلى ابتزاز واشنطن والمجتمع الدولي لرفع “الفيتو” الغربي عن نسخة الرئيس بوتين للحل في سوريا المستندة الى مسألة تعويم النظام (الانتخابات الرئاسية الأخيرة أداةً) وإعادة الوصل معه والاعتراف بقدريته (الضغط على المجموعة العربية لإعادة الوصل مع دمشق مثالاً).

لا يغامر بوتين كثيراً في اللعب على الوتر الإنساني في سوريا، ذلك أن بايدن يروّج لما هو إنساني ويتسق مع حقوق الإنسان في خطابه الذي يروق له الجناح التقدمي اليساري في الحزب الديموقراطي. وإذا ما قدم بوتين “باب الهوى” لبايدن، فسيكون ذلك هدية ترضية وإنجازاً كافياً للرئيس الأميركي في غياب أي مطالب أو طموحات سياسية لواشنطن في سوريا. صحيح أن أمر فتح المعبر الشمالي مُلحٌّ لثلاثة ملايين سوري في الشمال الغربي للبلاد، لكنه مفصلي وشكلي ورمزي بالنسبة الى بايدن لإظهار نفوذه ونفوذ بلاده بعد جولته مع السبع الكبار وقادة أوروبا والأطلسي.

يطالب الغرب بتسوية على أساس القرار الأممي 2254 (بيان قمة حلف الأطلسي أعاد تأكيد ذلك). يوصي القرار بمفاوضات لانتاج “انتقال سياسي” وإجراء انتخابات “حرة ونزيهة” على أساس “دستور جديد”. ضربت موسكو بعرض الحائط الانتخابات وحريتها ونزاهتها وولادة دستور جديد. وخلسة من وراء هذا القرار تسوْق موسكو لدى الدائرتين العربية والدولية لأمر القبول بالأمر الواقع الذي فرضته نيران روسيا الجوية وميليشيات إيران البرية. وعليه من حق بوتين أن يظهر بضاعة انهمك في صناعتها منذ ست سنوات، ومن حقه أن يسأل “المستقيلين” عما تحمله جعبهم من بدائل.

المفارقة أن بايدن كان وصف بوتين بـ “القاتل” ملمحاً إلى سلوكه في روسيا وفي أوكرانيا، لكنه لم يلمّح في ذلك إلى دوره في سوريا. هموم بايدن في حملته ضد روسيا تتركز على تدخلها في الانتخابات الأميركية وهجمات قراصنتها السيبرانية وربما موقفها من الصراع الأميركي – الصيني. على هذا قد تبدو سوريا بالنسبة الى بوتين مناسبة تقدم فيها واشنطن تنازلات، مقابل ما يمكن أن تقدمه موسكو في ملفات عزيزة على قلب بايدن وإدارته.

لم تتطرق قمة الزعيمين كثيراً إلى ملف سوريا إلا من الباب الإنساني وفق ما لمّح بايدن في مؤتمره الصحافي. المتشائمون يعتبرون أن سوريا ما زالت مأساة خارج اهتمام الدولتين العظميين، فيما المتفائلون يعتبرون أن الملف بات متقدماً ملحاً بحيث قد يحتاج أن تخصص له ورشة مستقلة خاصة تخرجه من الهامش إلى المتن في ما هو مشترك بين موسكو وواشنطن.

النهار العربي

————————————

أميركا “العائدة” ولكن إلى عالم جديد/ أسامة أبو ارشيد

حرص الرئيس الأميركي جو بايدن، في جولته الخارجية الأولى التي حملته إلى أوروبا، على التأكيد، مرة تلو الأخرى، على أن “أميركا عادت إلى الطاولة”. طبعاً، لا يخفى قصده هنا، فهو يعتبر، مصيباً، أن الولايات المتحدة تخلت عن دورها القيادي عالمياً خلال السنوات الأربع لسلفه دونالد ترامب. كان بايدن قد ورث تراجعاً أميركياً على الصعيد الخارجي، وضعفاً في مصداقية بلاده بين حلفائها، وتقهقر هيبتها بين خصومها. ومن ثمَّ فإن إدارته جاءت تروم إعادة ترميم المكانة الجيوسياسية للولايات المتحدة، واستعادة مصداقيتها ونفوذها العالمي، بحيث يحترمها حلفاؤها من جديد، ويحسب خصومها حساباً لها. ومعلومٌ أن مقاربة إدارة ترامب للسياسة الخارجية، والتي كانت مستوحاة من شعاره الانتخابي “أميركا أولاً”، اتسمت بالفوضوية وعدم التماسك وغياب الانسجام، وأدّت إلى تعزيز النزعة الانعزالية الأميركية دولياً، وإلى إيجاد فراغاتٍ في ساحات خارجية كثيرة، سعت قوى دولية، وتحديداً روسيا والصين، إلى تعبئتها.

شهدت حقبة ترامب توتراتٍ مع الحلفاء، ككندا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). ولذلك كان بايدن واضحاً، حتى قبل أن يُنتخب رئيساً، في أن استعادة تلك العلاقات ستكون الأولوية الأولى لإدارته في السياسة الخارجية. منطق بايدن، كان ولا زال، أن الولايات المتحدة غير قادرة وحدها على احتواء التهديدين الصيني والروسي، اقتصادياً وعسكرياً. قبل بدء رحلته الأوروبية، كتب في مقال له في صحيفة واشنطن بوست: “يجب أن تقود الولايات المتحدة العالم من موقع قوة”، بما في ذلك مواجهة “الأنشطة الضارّة لحكومتي الصين وروسيا”. ولا تخفي واشنطن تصنيفها الصين، تحديداً، أنها التحدّي الجيوسياسي الأبرز الذي تواجهه. وحسب وثيقة “التوجيهات الاستراتيجية المؤقتة”، الصادرة عن البيت الأبيض في شهر مارس/ آذار الماضي، تمثل الصين “المنافس الوحيد المحتمل القادر على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، لتشكيل تحدٍّ مستدام لتحقيق الاستقرار، ونظام دولي مفتوح”. من هنا، يمكن أن نفهم إصرار إدارة بايدن على قمة السبع الكبار التي عقدت في بريطانيا، وقمة “الناتو” التي عقدت في بروكسل، أن تضعا التصدّي لروسيا التي تتهمها واشنطن بمحاولة تغيير قواعد العمل الدولي، والصين، الصاعدة بقوة قطبا موازيا للولايات المتحدة، على رأس أولوياتهما، وهذا ما كان.

كثيرة هي الاتهامات التي ساقتها القمتان بحقّ روسيا والصين، وأغلبها صحيحة، وإن لم يعن ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها بريئون من الإفساد والتحيز والعدوان. دعا البيان الختامي لقمة مجموعة السبع روسيا إلى “وقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار”، بما في ذلك التدخلات الخارجية، كما في أوروبا الشرقية وسورية وليبيا، ودعاها إلى احترام حقوق الإنسان. كما طالب البيان الصين بـ”احترام حقوق الإنسان” في إقليم شينجيانغ، الواقع شمال غرب البلاد، ويضم أقلية الإيغور المسلمة، وأقلياتٍ مسلمة أخرى، وكذلك باحترام اتفاق الحكم الذاتي في هونغ كونغ الذي كانت بكين قد وقعته مع بريطانيا عام 1997. وتبنّت مجموعة السبع خطة إنفاق لدعم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وذلك في رد فعل على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بهدف دعم التنمية المستدامة في البلدان النامية. أما بيان “الناتو” فقد ركز على ضرورة مواجهة التحدّيات التي تفرضها روسيا والصين، بوصفهما نظامين شموليين، وهو ما يستوجب تكاتف الولايات المتحدة وأوروبا. وحسب الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، فإن الصين توسع ترسانتها النووية بشكل سريع مع رؤوس نووية متطوّرة، وهي تقترب من الحلف في المجال السيبراني، وتتوسّع في أفريقيا والمحيط المتجمّد الشمالي، مشدّدا على أن توسع نفوذ الصين يمثل تهديداً لأمن الحلف.

ما سبق يجسّد الرؤى التي كان قد طرحها بايدن مرشّحاً، وتحديداً في ورقةٍ موسعةٍ نشرها في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية في عدد شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2020، تحت عنوان: “لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى: إنقاذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد ترامب”. انطلق بايدن، في تلك الورقة، من تأسيس فلسفي، مفاده أن “العالم لا ينظم نفسه”، وبالتالي لا بدّ له من قيادة للتعامل مع التحدّيات التي تواجهه. وحسب بايدن، الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك الإمكانات العسكرية والاقتصادية والقيمية، فضلاً عن القدرة على حشد العالم الحر، للقيام بذلك. ولتحقيق هذا الهدف، لا بد أولاً من أن تستعيد الولايات المتحدة مصداقيتها ونفوذها، وأن يثق العالم بكلمة الرئيس الأميركي ويحترمها.

ولا يتردّد بايدن في تلك الورقة في تقديم الصين أنها المعضلة الاستراتيجية الأبرز لأي إدارة أميركية، على أساس أنها هي المنافس الجيوسياسي للولايات المتحدة اقتصادياً وتكنولوجياً، وهي تهدّد السيطرة الأميركية عالمياً، وتعزّز سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، وتستمر في بناء قوتها العسكرية، وتمد نفوذها في شرق آسيا وفي مناطق أخرى كثيرة. وتقوم مقاربة بايدن على أن الولايات المتحدة بمفردها تمثل حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعندما تتّحد القوة الاقتصادية الأميركية مع القوة الاقتصادية للديمقراطيات الغربية والآسيوية الأخرى، كاليابان وكوريا الجنوبية، فإن الصين لن يكون في مقدورها تجاهل أكثر من نصف الاقتصاد العالمي. أما بالنسبة لروسيا، فإن بايدن لطالما أكّد أنه سيتخذ موقفا أكثر تشدّداً معها من ترامب الذي شكّك في المعلومات الاستخباراتية الأميركية عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، ومزاعم شنِّها هجمات سيبرانية على البنى التحتية الأميركية. ويشدّد بايدن على ضرورة “فرض تكاليف حقيقية على روسيا بسبب انتهاكاتها المعايير الدولية، ودعم المجتمع المدني الروسي، الذي وقف بشجاعة مرارًا وتكرارًا ضد نظام الرئيس فلاديمير بوتين الاستبدادي الفاسد”. كما يرى أن تعزيز القدرات العسكرية لحلف الناتو سيكون أمراً ضرورياً لمواجهة “العدوان الروسي”.

في لقاء القمة الذي جمع، يوم الأربعاء الماضي، بايدن ببوتين، في جنيف، كان واضحاً التوتر بين الطرفين، إلى حد إصرار الطرف الأميركي على أن لا يعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، بهدف حرمان بوتين من كسب “شرعية دولية”. اللافت، أنه لما سُئل بايدن بعد لقاء القمة عما إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا قد دخلتا حقبة “حرب باردة” جديدة، أجاب إن آخر شيء يريده بوتين هو ذلك. أما السبب، حسب بايدن، فهو أن لروسيا حدوداً مشتركة مع الصين تمتد آلاف الأميال. وفي حين تسعى الصين أن تكون أكبر اقتصاد عالمي، وأن يكون لديها أقوى جيش، فإن هذا يجعل من روسيا مجرّد شريك صغير وتابع، ذلك أن اقتصادها صغير جداً، ولا يدخل في أول عشرة اقتصادات عالمية، ومن ثمَّ ليس من مصلحة لروسيا خوض حرب باردة مع الولايات المتحدة.

باختصار، قد تكون أميركا “عادت” فعلاً إلى المزاحمة على القيادة الدولية عبر تحشيد حلفائها، ولكن العالم تغير عمَّا كان عليه قبل أكثر من أربع سنوات، عندما كان بايدن نائب رئيس في إدارة باراك أوباما. تتقارب الصين وروسيا اليوم لتنسيق جهودهما في التصدّي لمحاولات الولايات المتحدة احتواءهما، لكنهما، في الوقت نفسه، لا تثقان بعضهما ببعض، وهما حذرتان في مدى ذلك التحالف، خصوصاً موسكو التي تخشى أن تصبح مجرّد شريك صغير، أو حتى تابع لبكين. إنه صراع على ترسيم خرائط القوى العالمية الجديدة، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بيقين بمخرجاته.

العربي الجديد

———————————–

إيكونوميست: قمة بايدن- بوتين عودة للدبلوماسية التقليدية والرئيس الروسي حصل على ما يريد

إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: علقت مجلة “إيكونوميست” على قمة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف بسويسرا بأنها نسمة من التقارب وتعبر عن عودة أمريكا وروسيا إلى دبلوماسية القوى العظمى التقليدية، مشيرة إلى أن ما حصل عليه الرئيسان من اللقاء كان صغيرا لكنه صلب.

وقالت إن جوزيف بايدن كان في سن الـ 12 عاما عندما جلس دوايت أيزنهاور في جنيف مع نيكيتا خروشوف لأول مرة في قمة ثنائية بين قادة أمريكا والإتحاد السوفييتي. وكان سن الرئيس الحالي 42 عاما يعمل كسيناتور في مجال التحكم بالسلاح عندما جلس الرئيس رونالد ريغان على الاريكة مع ميخائيل غورباتشوف لأول مرة وفي نفس المدينة، فيما نظر إليه على أنها الخطوة الأولى لنهاية الحرب الباردة.

وجاء دور الرئيس بايدن في 16 حزيران/يونيو لمواجهة الرئيس الروسي بوتين والذي قوض الكثير من مكتسبات مرحلة ما بعد الحرب الباردة وأحيا بعض الممارسات السوفييتية السيئة. ورغم تشابه المكان إلا أن الحبكة للقاء كانت مختلفة. فلم يكن اللقاء قمة بين قوتين عظميين تقرران مصير العالم بينهما، ولم تكن محاولة أخرى لإعادة ضبط العلاقة كما فعل باراك أوباما، لكن كان أمرا أكثر غموضا.

وكان هدف اللقاء هو إدارة المواجهة عبر رسم خطوط حمر وتوضيح قواعد الاشتباك والتعرف على نقاط ضعف كل طرف. وكان الإنجاز الوحيد من اللقاء هو الاتفاق على بدء محادثات نووية جديدة وعودة السفراء إلى منصبيهما.

وهي إنجازات صغيرة ولكنها قوية. فقد العودة إلى الدبلوماسية لحس من الارتياح مما يؤشر لما وصلت إليه العلاقات بين البلدين منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وشنها حربا في أوكرانيا. وكانت القمة ابتعادا عن الدراما السيكولوجية لعلاقة دونالد ترامب مع بوتين. ويشعر الدبلوماسيون الأمريكيون بالرعدة عندما يتذكرون المؤتمر الصحافي في هلسنكي عندما قال ترامب إنه لا يجد أي مبرر لعدم ثقته ببوتين.

ولم يكن هناك مؤتمر صحافي مشترك، ولكن بعد لقاء بفيلا تعود للقرن الثامن عشر لمدة لم تزد عن 4 ساعات علم بوتين وبايدن موقف كل منهما: الهجمات الإلكترونية يجب ألا تستهدف المنشآت الحيوية، ويجب عدم حل الخلافات المتعلقة بأوكرانيا وبيلاروس عبر الطرق العسكرية. كما أن موت المعارض الروسي أليكسي نافالني في سجنه ستكون عواقبه وخيمة. ومن المؤسف أن انتهاكات حقوق الإنسان يجب التعامل معها كشأن منفصل عن الأمن.

وبلغة الحرب الباردة، فقد أشارت القمة إلى الكثير من ملامح الانفراج. وقدم بايدن العلاقة مع روسيا من خلال تعبيرات كبرى وأنها تنافس بين الديمقراطية والاستبداد، التي مثلتها روسيا هذا الأسبوع، مع أن المقصود هي الصين. ووضع بايدن لقاءه مع بوتين في سياق الوحدة الجديدة بين مجموعة الدول السبع وحلف الناتو. وكان حريصا في أسلوبه وخطابه التأكيد على أنه مختلف عن ترامب. وكان شعاره هو “إعادة اليقين والاستقرار” للعلاقات الأمريكية مع روسيا وخلق قاعدة للعلاقات القائمة على التعامل حتى لو كانت عدائية والعودة إلى أسلوب العلاقات مع الاتحاد السوفييتي السابق.

والمشكلة أن الرجل الذي كان يجلس أمامه في جنيف ليس قائدا من العهد السوفييتي المقيد بالأيديولوجية والهيكيلية الحزبية، والأهم من كل هذا تجربة الانتصار المشتركة في الحرب العالمية الثانية. فهو نتاج انهيار الاتحاد السوفييتي ويقود نظاما من أصحاب المصالح وتسيطر عليه أجهزة الأمن العنيفة. وهو نظام يهتم بالثروة لا الأيديولوجية ومنشغل بالبقاء لا التنافس الدولي مع الولايات المتحدة، علاوة على اهتمامه بمصالح الشعب الروسي. وهو ينتعش في الفوضى ويغزو الدول الجارة ويسمم المعارضة ويشن الحرب الإلكترونية ضد الغرب. ويتحدث بوتين عن إعادة المجد الروسي مع أنه سمح لشلته بنهب مصادر روسيا.

والخطر هو أن خطاب بوتين المتشدد قد يكون بديلا عن الفعل القاسي وليس مؤشرا عليه.

وأصل القمة هي دليل عن نتائجها، ففي آذار/مارس وبعد شهرين من تنصيبه كرئيس الذي تزامن مع عودة المعارض الروسي نافانلي. ووصف بايدن بوتين بالقاتل. ورد بوتين بابتسامة متكلفة وتمنى للرئيس الصحة والعافية واقترح مناظرة تلفزيونية بينهما. وأجاب مكتب الرئيس بايدن أن لديه ما هو أكثر أهمية لعمله في نهاية ذلك الأسبوع.

وبعد أسابيع قام بوتين بحشد قواته على الحدود الأوكرانية ثم أنزل قوات أمنه لقمع أنصار نافالني. وهرب بعض المعارضين للخارج وكمم بوتين ما تبقى من وسائل إعلام مستقلة ووصف العاملين فيها بـ “عملاء الأجانب” مما أخاف المعلنين عليها. ولإيصال الرسالة إلى واشنطن قام قراصنة الإنترنت الروس بالقرصنة على منظمات حقوق الإنسان معاهد البحث التي انتقدت بوتين. وأثارت طبول الحرب التي قرعها بوتين انتباه بايدن حيث اقترح قمة لإرضاء غروره، حسبما فكر فريق الرئيس وإظهار أسلوب جديد في القيادة والتحاور.

ومنح بايدن انتصارا جديدا لبوتين عندما تجاوز اعتراضات عدد من كبار مساعديه ورفع العقوبات عن واحدة من الشركات المشتركة في خط الغاز “نورد ستريم 2” الذي تبنيه روسيا تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا متجاوزا بولندا وأوكرانيا. واعتبر بايدن أن هذا تنازلا لألمانيا وليس لروسيا مع ان الخط اكتمل بنسبة 90%. لكن بوتين والرئيس الأوكراني فولديمير زيلنسكي الذي علم عن القرار من خلال الإعلام اعتبره انتصارا لروسيا. وعبر بوتين أيضا، عن رغبة بعلاقة “مستقرة ويقينية” وعنى بذلك أن تظل الولايات المتحدة بعيدة عن شؤون بلاده وتدخلها في الحديقة الخلفية لها.

وفي محاولة وقائية منه قبل القمة أعلن عن تصنيف جماعة نافالني بالجماعة المتطرفة وهدد بمحو أوكرانيا لو اقترب حلف الناتو منها ودعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي اختطف الشهر الماضي طائرة “رايان إير” للقبض على معارض كان عليها. وبحسب ألكسندر كورتونوف، مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية فإن روسيا توصلت خلال السنوات الماضية إلى نتيجة وهي أنها لا تستطيع التخلص من المخاطر لحكمها في الداخل وهي تقاتل في نفس الوقت ضد الغرب وبثمن مرتفع”. ولو كان بايدن يريد تخفيف التوتر مع روسيا حتى يستطيع التركيز على الأمور الملحة، مثل الصين، فبوتين بحاجة لنوع من الانفراجة مع أمريكا ليركز انتباهه على قمع المعارضة لحكمه وإعادة بناء إمبراطوريته.

وفي الوقت الذي يتعامل فيه بايدن كما فعل باراك أوباما من قبله مع روسيا كنوع من حرف الانتباه، ينظر بوتين لأمريكا كتهديد وجودي. ويرى ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو “لو قبل بوتين بمطالب بايدن مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وانسحب من القرم ودونباس وتنازل للغرب في الموضوعات الأخرى فإنه يكتب نهاية حكمه”. وفي الوقت الحالي يبدو أن رهان بوتين قد نجح، عودة للمحادثات النووية واستئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل يعطي مظهر شرعية لنظام مارق مستعد للتضحية بحياة الأخرين لحماية ثروته وسلطته.

والسؤال إن كانت القمة ستجعل النظام أقل خطورة أم لا، لكن فيونا هيل التي عملت في مجلس الأمن القومي أثناء إدارة ترامب تقول إن مجموعة المصالح في نظام بوتين والقرصنة الإلكترونية أصبحتا أكبر التهديدات الأمنية للغرب. وقالت “علينا أن نظهر استعدادا التمسك بالموقف من خلال الفعل وإلا فإننا نطلب من روسيا المضي فيما تقوم بعمله”.

القدس العربي”

—————————-

قمة بايدن ـ بوتين: من «قاتل» إلى مفاوض؟!

رأي القدس

بعد تحليلات عديدة سبقت القمة بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في 16 حزيران/يونيو الجاري، استنتج أغلبها أن الجانبين سيتمسكان بمواقفهما الأساسية وأن حصيلة القمة ستكون، بالتالي، صفريّة، رأت تحليلات جديدة أن بوتين «حصل على ما أراده من بايدن في جنيف».

كان مستوى التوتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو قد وصل إلى مستوى غير مسبوق لها مع وصف بايدن في آذار/مارس الماضي لبوتين بـ«القاتل» وتوعده بـ«دفع الثمن» وما أدى إليه ذلك من سحب السفراء بين البلدين يفترض أن يعتبر أن لقاء رئيس منتخب ديمقراطيا بمن يتهمه بالقتل مكافأة من الأول إلى الثاني، وإعطاء لمصداقية كان قد تم تخفيضها إلى حدود لم تعتدها الدبلوماسيّة بين البلدين.

مع افتراض وجود أسباب أمريكية موجبة للوصف المذكور فيمكن أيضا أن يربط بمحاولة بايدن التخلّص من الصورة المهينة التي قدّمها خصمه السياسي الجمهوري دونالد ترامب حين التقى ببوتين على انفراد عام 2018، مما أثار شكوكا سياسيّة كبيرة وكان مبعثا للسخرية والنقد ومحاولات الاستنطاق لترامب، وخصوصا حين قام بالدفاع عن موسكو ضد مزاعم تدخلها في الانتخابات التي فاز بها.

بهذا المعنى، فقد قام هجوم بايدن السابق على بوتين بوضع سقف عال للانتقادات لزعيم الكرملين بشكل يوازن الهبوط المريع الذي حصل على يد ترامب، وصار لزاما عليه، بعد ذلك، «النزول عن الشجرة» والتفاوض مع أكبر دول العالم مساحة، والقوة النووية العظمى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن، والتي لها يد في عدد كبير من الأزمات في العالم، وخصوصا في سوريا وليبيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء، إضافة إلى تدخلاتها الإلكترونية المستمرة لتقويض أسس الانتخابات الديمقراطية في العالم، وإشرافها على مجموعة مرتزقة «فاغنر» العابرة للحدود.

اللقاء كان، بهذا السياق، محتوما، وخصوصا مع اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين أن الخطر الاستراتيجي المقبل يتمثّل في الصين، وإذا كان الأمر ذلك، يصبح إرضاء الدب الروسي، حتى لو كان رئيسه «قاتلا» (على حد تعبير بايدن) أمرا شديد الأهمية، وهو ما ينسحب أيضا على استعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإعادة تفعيل الاتفاق النووي معها.

استعادت قمة بايدن ـ بوتين خطّ المفاوضات المنقطع بين الطرفين، وكانت الأمور الأكثر سهولة، على ما يظهر، هي الاتفاق على تجديد اتفاقية ستارت 3 الخاصة بالتسلح النووي، والتي ستنتهي عام 2024، وكذلك على بدء التفاوض حول الهجمات الإلكترونية، وكانت هذه الأمور «الأسهل» للنقاش حولها، بدليل أن الكرملين سارع، بعد انتهاء القمة إلى تحذير حلف الأطلسي من ضم أوكرانيا، معتبرا ذلك «خطا أحمر» وهو ما يعني أن موسكو جاهزة لمعاودة تحمية الجبهات وتحدي الغرب حين يحتاج الأمر لذلك.

قام محلّلون للغة الحركات الجسدية، بعد القمّة، باستقراء حركات الزعيمين والوفدين المرافقين لهما، وانتبه أحدهم إلى ظهور علائم استنكار وتقطيب بعد الدخول إلى قاعة الاجتماع، واضطرار الوفدين للخروج بضع دقائق، وهو ما فسّره المحللون بوجود «رائحة كريهة» في القاعة، وبغض النظر عن صحة أو خطأ هذا التحليل، فالأكيد أن القمة لم تكن مخصصة، ولا قادرة، على نزع العداء الكبير بين منظومتي البلدين، وأن الزعيمين كانا يكظمان شحنات الكراهية والعداء واحتمال «الرائحة الكريهة» لتاريخ الصراع بينهما، لأنهما مضطران سياسيا لفعل ذلك، كما اضطرّ ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية لاحتمال لقاء خصمه الأيديولوجي اللدود جوزف ستالين، لمواجهة زعيم ألمانيا النازي آنذاك، أدولف هتلر.

القدس العربي”

————————–

الخزانة الأميركية تخفض العقوبات عن ثلاث دول بعد لقاء بايدن وبوتين/ محمد الأحمد

أعلنت ​وزارة الخزانة الأميركية، في بيانٍ لها، الخميس، تخفيف ​العقوبات عن كلٍّ من ​​سورية وإيران و​فنزويلا​ للسماح بإيصال ​مساعدات​ خاصة بمكافحة فيروس كوفيد 19 المستجد.

ونص بيان الخزانة على إرشادات “تخفف طرق تسليم بضائع، منها الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي واللقاحات الواقية من فيروس كورونا، إلى دول تخضع لعقوبات أميركية”، مشددة خاصةً على سورية وإيران وفنزويلا.

وأصدرت الوزارة في بيانها تراخيص عامة منفصلة مرتبطة بتلك الدول الثلاث، تهدف لتسهيل المعاملات المالية المرتبطة بمكافحة الفيروس.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، التقى أمس الأربعاء، نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، وناقش الطرفان عدة ملفات من بينها الملف السوري وملفات إقليمية ودولية أخرى.

ويبدو أن تخفيف العقوبات الأميركية عن النظام السوري جاء مقابل تقديم جزء من التنازلات الروسية في الملف السوري، لا سيما أن بايدن أوضح، أمس الأربعاء، وفق ما نقل موقع قناة “الحرة” الأميركية أنه تحدث مع بوتين عن ضرورة “فتح ممر إنساني في سورية”.

ومع بداية قمع النظام السوري للمناهضين له عام 2011، بدأت العديد من الدول الغربية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، بفرض عقوبات على النظام والشركات والكيانات الداعمة له، وكان آخرها تلك التي صدرت بموجب “قانون قيصر” لمعاقبة النظام السوري، الذي صادق عليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في نهاية عام ٢٠١٩، ودخل حيز التنفيذ الفعلي في يونيو/حزيران من العام الماضي، ووصلت حزمه إلى ست حزم كان آخرها نهاية العام الماضي.

وشملت حزم العقوبات بموجب القانون 110 أفراد وكيانات من النواة الصلبة للنظام، أو الداعمين له بشكل مباشر أو غير مباشر، وصمّم “قيصر” لإجبار النظام على الانخراط جدياً في المسارات السياسية الرامية لإيجاد حل للأزمة السورية، وسبق قيصر إدراج عدة شخصيات وكيانات للنظام السوري على قوائم العقوبات.

وكان الاتحاد الأوروبي قد مدد في الـ27 من أيار/ مايو الفائت، العقوبات المفروضة على النظام السوري في عام 2011، عاماً إضافياً حتى مطلع حزيران/ يونيو العام القادم، في ظل استمرار عمليات قمع السكان المدنيين في البلاد، وفق بيان مجلس الاتحاد الأوروبي.

وضمت لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي الممددة 283 شخصاً مستهدفاً بتجميد الأصول وحظر السفر، بسبب مسؤوليتهم عن أعمال القمع ضد المدنيين، بالإضافة لـ 70 مؤسسة خاضعة لتجميد الأصول، منها البنك المركزي السوري، وتقييد تصدير المعدات والتكنولوجيا التي قد يتم استخدامها في عمليات القمع الداخلي، أو لمراقبة واعتراض الاتصالات عبر الإنترنت أو الهاتف.

—————————-

لا مفرّ من التفاهم الأميركي ـ الروسي… لكن كل الملفات الخلافية تبقى مفتوحة/ شوقي الريّس

الهدوء الكثيف الذي كان مخيّماً أوّل من أمس في محيط قصر «لا غرانج» المطلّ على بحيرة جنيف، لم يحجب التوتّر الشديد الذي كان منسدلاً طوال أربع ساعات على القمّة الأميركية الروسية قبل أن يتحدّث فلاديمير بوتين ثم جو بايدن، على انفراد، إلى الصحافيين ويسلكا طريق العودة، كلٌّ إلى عاصمته. الطرفان كانا يعرفان جيّداً أنه مهما بلغ شأن الخلافات بينهما، لا مفرّ في نهاية المطاف من التفاهم، أو في الأقلّ من الاتفاق حول «سلم بارد» عوضاً عن الحرب الباردة التي صارت تدور رحاها اليوم في الميادين التجارية والتكنولوجية. خلال مثوله أمام الصحافيين بعد القمّة قال بايدن إن السياسة الخارجية هي امتداد للعلاقات الشخصية. لكن من الواضح أن علاقته الشخصية بالزعيم الروسي ما زالت بعيدة عن كونها وسيلة لتجاوز انعدام الثقة الذي تعمّق في السنوات الأخيرة بين واشنطن وموسكو.

يروي بايدن في أحد كتبه أن لقاءه الأول مع بوتين عندما كان هذا الأخير رئيساً للوزراء وكان هو نائباً لباراك أوباما عام 2011، فشل في توصّل الطرفين إلى اتفاق للحد من الصواريخ الاستراتيجية، وانتهى بالواقعة التالية: دعا بوتين ضيفه إلى إلقاء نظرة على مكتبه الفاخر، فجال بايدن بنظره وقال: «مذهل ما يمكن أن تفعله الرأسمالية، أليس كذلك؟»، ثم أضاف: «حضرة رئيس الوزراء، أنظر في عينيك وأعتقد أنك بلا روح». وردّ بوتين قائلاً: «نفهم على بعضنا». لا شك في أن ذلك اللقاء سيبقى علامة محفورة في عمق العلاقة بين هاتين الشخصيتين المتضادتين؛ جاسوس سوفياتي عصامي يحكم مثل القيصر في بلد ينام على موارد طبيعية هائلة ويملك ثاني قوة نووية في العالم، وسياسي مخضرم تدرّج من أسفل السلّم ليصل إلى أعلى قمّة في نهاية مسيرته. يمثّل جو بايدن خلاصة المؤسسة السياسية الأميركية. وصل إلى البيت الأبيض وفي جعبته خبرة مديدة، ليس فقط كنائب للرئيس طوال ثماني سنوات، بل أيضاً وبخاصة كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في الكونغريس. لكنّ هذه التجربة الطويلة لم تمنعه من الخروج عن الكياسة الدبلوماسية عندما أجاب مؤخراً على سؤال صحافي بالقول إنه يعتقد أن الرئيس الروسي قاتل. فلاديمير بوتين من جهته يتناوب على رئاسة الحكومة والدولة منذ 21 عاماً مرّ عليه خلالها خمسة رؤساء أميركيين، ومن الأرجح أن يمّر بالمزيد منهم بعد تعديل الدستور الروسي الذي يسمح له بالبقاء في الحكم حتى عام 2036، إنه رجل روسيا القوي الذي يتداول العالم صوره وهو يسبح بأسلوب الفراشة أو يمارس الفنون القتالية ويمتطي الخيول عاري الصدر، لكنه يحرص أيضاً على الظهور إلى جانب رؤساء الكنيسة الأرثوذكسية مدافعاً عن قيم الأسرة التقليدية وحامياً للروح الروسية التي يقول بايدن إنه لا يملكها. في مؤتمره الصحافي قال بوتين إنه لا يتذكّر تلك الواقعة خلال لقائه الأول مع بايدن في عام 2011، ولم يُظهر أي انزعاج من رأي الرئيس الأميركي، إذ يلجأ هو غالباً في محادثاته السياسية إلى الاستشهاد بتولستوي وكبار الأدباء الذين خلّدوا الروح الروسية في رواياتهم، ويكرّر القول: «في السياسة، المهابة أفضل من الاحترام». لكنه لم يبخل بعد نهاية القمة في امتداح نظيره الأميركي الذي قال عنه: «رصين، مجرّب ويقدّر العائلة. هذا دليل على مستوى قيمه الأخلاقية، نتكلّم اللغة ذاتها وعلاقاتنا دائماً براغماتية».

الجانب الأميركي كان الذي طلب عقد المؤتمر الصحافي على انفراد تحسّباً لما يمكن أن يقدم عليه بوتين المعروف ببراعته في استخدام مهارات الجواسيس لاستغلال نقاط الضعف عند خصومه، كما فعل مرة خلال لقاء مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما أوعز بإدخال كلبه الأسود الضخم إلى القاعة، وهو على علم بنفورها من الكلاب، وجلس قبالتها يتمتّع بمراقبة ردة فعلها. قبل صعوده إلى الطائرة في رحلة العودة إلى واشنطن مساء الأربعاء قال بايدن عن بوتين للصحافيين: «إنه لامع وقاسٍ، وكما يقال في المنافسات الرياضية، إنه خصم قدير». الرئيس الروسي من جهته قال إن حصيلة القمة كانت إيجابية وساهمت في تخفيف التوتّر الذي ما كان يجب أن يستمّر بهذا المستوى بين الطرفين. عدا عن ذلك، تبقى كل الملفّات الخلافية مفتوحة في انتظار ارتفاع منسوب الثقة المستعادة بين الخصمين اللدودين، ويبقى العنوان الرئيسي لنتائجها بالنسبة لواشنطن مرهوناً بمدى ابتعاد موسكو عن بكّين، وبالنسبة لروسيا الاعتراف بها قطباً ثالثاً في المحور العالمي الأول.

الشرق الأوسط

——————————

لقاء أردوغان-بايدن: تقارب حذر وسط خلافات شائكة

عقد الرئيسان، أردوغان وبايدن، محادثات على هامش قمة دول الناتو تناولت قضايا التعاون والخلاف بينهما، وقد لاحت مؤشرات تقارب بينهما في الملف الليبي والأفغاني لكن خلافاتهما في ملفات أخرى شائكة تحتاج إلى مزيد من التفاوض.

إجمالًا، ستظل العلاقة بين البلدين عرضة للاهتزازات لأنها انعكاس لعملية المواءمة الجارية بين نزوع تركيا إلى دور إقليمي أكثر استقلالية وتعزيز موقعها داخل الحلف الأطلسي.

شهدت بروكسل، على هامش قمة حلف الناتو، 14 يونيو/حزيران 2021، لقاءً ثنائيًّا بالغ الأهمية بين الرئيسين، التركي المخضرم، رجب طيب أردوغان، والأميركي الجديد، جوزيف بايدن، إلى جانب لقاءات ثنائية متعددة مع عدد آخر من قادة دول الناتو. ولا شك أن لقاء أردوغان-بايدن كان محل ترقب كثيرين، سواء في دوائر الحكم والسياسة التركية، أو بين حلفاء تركيا وخصومها في الإقليم وأوروبا، أولًا: لحجم الملفات العالقة والمتراكمة في علاقات الدولتين التركية والأميركية، وثانيًا: لانعكاس هذه العلاقات على دور تركيا وموقعها الإقليمي.

انتظر الأتراك طويلًا الاتصال الأول بين الرئيسين، الذي تأخر لشهور ثلاث بعد تولي بايدن مقاليد البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2021. وعندما وقع الاتصال، في 23 أبريل/نيسان، أبلغ بايدن نظيره التركي بأن إدارته ستعلن في اليوم التالي اعترافها بما بات يوصف بالمذبحة الأرمنية في 1915؛ الأمر الذي أحجمت الإدارات الأميركية السابقة في نصف القرن الماضي عن القيام به. ولكن الرئيسين اتفقا أيضًا، في سياق اتصال أبريل/نيسان على عقد لقاء ثنائي على هامش قمة الناتو، التي يشارك فيها بايدن ضمن جولته الخارجية الأولى متعددة المحطات. وليس ثمة شك في أن تأخر بايدن في الاتصال بأردوغان كان مخططًا، وقُصد به ممارسة الضغط على تركيا.

تعامل أردوغان منذ تولى حزبه قيادة تركيا، في نهاية 2002، مع عدد من الإدارات الأميركية، الجمهورية والديمقراطية على السواء. وبالرغم من أن العلاقات التركية-الأميركية لم تكن سلسة مطلقًا، منذ التحقت تركيا بالتحالف الغربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن أنقرة وواشنطن وجدتا دائمًا وسيلة ما لاحتواء الخلافات والحفاظ على التحالف. والمؤكد أن أنقرة لم تشعر بأي قدر من الارتياح للطريقة التي عبَّر بها بايدن عن موقفه من القيادة التركية خلال شهور الانتخابات الرئاسية الأميركية، أو التي تناول بها مسؤولو إدارته علاقات البلدين بعد توليه الرئاسة.

اللافت، أنه وبخلاف علاقة أردوغان بالرؤساء الأميركيين الآخرين منذ بوش الابن، ثمة معرفة سابقة ووثيقة بين الرجلين، تعود إلى الدور الذي لعبه بايدن في العلاقات التركية-الأميركية عندما كان نائبًا للرئيس أوباما طوال ثماني سنوات. ولكن، يبدو أن هذه المعرفة بين الرئيسين المخضرمين لم تساعد كثيرًا في معالجة مسائل الخلاف، أو الشعور التركي المتفاقم بفقدان الثقة في الحليف الأميركي. بيد أن لقاء أردوغان وبايدن جاء أيضًا بعد شهور من الانعطافات الملموسة في سياسة تركيا الإقليمية، التي لابد أن فوز بايدن في الانتخابات الأميركية كان أحد دوافعها. فهل عملت هذه الانعطافات فعلًا على حل أو احتواء الخلافات التركية-الأميركية؟ وإلى أي حدٍّ يمكن القول: إن لقاء الرئيسين أدى إلى إطلاق بداية جديدة لعلاقات البلدين، كما كان يأمل الجانب التركي؟

ملفات خلاف متراكمة

ما شاع في الدوائر التركية والأميركية ذات الصلة خلال الشهور القليلة الماضية أن تولي إدارة بايدن الحكم وضع نهاية لفصل من التفاهم والاستقرار، امتازت به علاقات أنقرة وواشنطن طوال إدارة دونالد ترامب. ولكن الحقيقة أن ثمة مبالغة فائقة في هذا التصور لفترة رئاسة ترامب، ليس فقط لأن واشنطن في عهد ترامب لم تعمل بأية درجة من الجدية على حل مسائل الخلاف بين الدولتين، ولكن أيضًا لأن تعامل ترامب مع تركيا لم يكتسب طابعًا استراتيجيًّا ولا انطلق من إطار مرجعي مستقر، وقفز بين مرحلة وأخرى من التفاهمات المؤقتة إلى فرض العقوبات والتهديد بالخراب.

إقليميًّا، انحازت إدارة ترامب إلى الجانب اليوناني في ملف شرق المتوسط، وأقامت قواعد عسكرية جديدة في كريت وقرب الحدود التركية-اليونانية، استبطنت التقليل من أهمية قاعدة إنجرليك التركية للاستراتيجية الأميركية. كما حافظت إدارة ترامب على التزامها بمقاربة أوباما للأزمة السورية وتجاه الأكراد. والأهم، أن إدارة ترامب هي التي فرضت العقوبات على الصناعة الدفاعية التركية، وهي التي اتخذت قرار إخراج تركيا من برنامج طائرات إف-35، بعد أن بدأت تركيا في تسلم بطاريات نظام إس-400 الروسي المضاد للطائرات. بمعنى، أن قائمة الخلافات التركية-الأميركية، التي أصبح على أردوغان وبايدن معالجتها، لم تولد في الشهور القليلة التي تلت تولي بايدن الرئاسة، بل تعود إلى سنوات طويلة سابقة، وإلى فترة رئاسة أوباما الثانية، على الأقل.

من وجهة نظر أنقرة، تركت الولايات المتحدة تركيا منفردة في الساحة السورية، حتى بعد التدخل الروسي المباشر لصالح نظام الأسد في خريف 2015. ووفرت واشنطن مظلة حماية وقنوات دعم غير مسبوقة للميليشيات الكردية السورية وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حربًا ضد الدولة التركية منذ ثمانينات القرن الماضي. ويعتقد مسؤولون أتراك أن الولايات المتحدة كانت تعرف مسبقًا بمخطط الانقلاب الفاشل، الذي حاولت تنفيذه جماعة غولن، في يوليو/تموز 2016. وبالرغم من أن تركيا قدمت أدلة كافية على مسؤولية جماعة غولن عن الانقلاب، رفضت الإدارات الأميركية المتتالية تسليم غولن للسلطات القضائية التركية.

إضافة إلى ذلك، أظهرت الولايات المتحدة انحيازًا لوجهة نظر اليونان في الخلاف حول مناطق السيادة البحرية في شرق المتوسط. وذهبت أبعد من ذلك عندما شرعت في تعزيز علاقاتها العسكرية مع اليونان، بما في ذلك تأسيس قواعد عسكرية أميركية جديدة في اليونان. وحتى في ليبيا؛ حيث وقف الأتراك وحدهم في مواجهة النفوذ الروسي المتسع إلى جانب اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، لم توفر الولايات المتحدة دعمًا كافيًا لتركيا، بل بدأت في الشهور الأخيرة في إطلاق تصريحات غامضة حول ضرورة انسحاب كافة القوى العسكرية الأجنبية من ليبيا.

ولا تقل الخلافات ثقلًا من وجهة نظر واشنطن. فأميركيًّا، تبرز مسألة نظام الصواريخ إس-400 الروسي المضاد للطائرات في مقدمة ملفات الخلاف. ويبدو موقف إدارة بايدن في هذه المسألة أكثر تشددًا من موقف إدارة ترامب، إلى الحد الذي دفع أنتوني بلينكن، وزير خارجية بايدن، للتصريح في جلسة لمجلس الشيوخ بأن “تركيا لم تعد تتصرف كحليف”. والمشكلة في ملف إس-400، الذي تقول أنقرة إنها اضطرت لشرائه نظرًا لرفض إدارة أوباما بيعها نظام الصواريخ الأميركي، باتريوت، أن واشنطن باتت تنظر إليه من زاوية جيوستراتيجية، بينما تحاول أنقرة حصره في الحقل التقني. وهذا ما يجعل محاولات إيجاد حل لهذا الملف، مسألة بالغة التعقيد.

وترى واشنطن، كما حليفاتها الأوروبيات، أن تركيا تبنَّت سياسة خارجية هجومية في العامين الماضيين، دون أن تكترث بمصالح القوى الغربية، كما حدث في شرق المتوسط وفي ليبيا وسوريا وأذربيجان. كما ترى أن علاقات التقارب التركية مع روسيا والصين، سياسيًّا واقتصاديًّا، تعكس سعيًا تركيا للاستقلال عن حلفائها في الناتو. إضافة إلى ذلك، ولأن إدارة بايدن تبدو وكأنها تُعلي من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في جدول اهتماماتها الخارجية، تتهم واشنطن حكومة العدالة والتنمية بانتهاج سياسات في السنوات القليلة الماضية أفضت إلى تراجع ملموس في الديمقراطية التركية، ليس آخرها إطلاق مسار قضائي لحل وإقصاء حزب الشعوب الديمقراطية، ذي الخلفية القومية الكردية.

وكانت دوائر تركية، يبدو أنها كانت أمْيَل إلى تأييد ترامب، قد نشرت خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، شريطًا مسجلًا لمقابلة أجرتها نيويورك تايمز مع المرشح الرئاسي، جوزيف بايدن، قال فيها إنه يعتبر أردوغان ديكتاتورًا، وأنه سيعمل، إن فاز بالرئاسة، على دعم المعارضة التركية لإسقاطه في الانتخابات. تجاهل أردوغان الشريط حينها، ولكن من المؤكد أن تصريحات بايدن تلك لم يُنظر إليها بأي مستوى من الارتياح في أوساط الرئاسة التركية. وقد جاء تباطؤ بايدن في الاتصال بأردوغان، واعتراف إدارته بالمذبحة الأرمنية، لإضافة المزيد من عدم الارتياح في أنقرة.

انعطافات السياسة الخارجية التركية

بدأت أنقرة منذ صيف العام الماضي سلسلة من المبادرات على صعيد السياسة الخارجية، حاولت من خلالها تحصين الدور الإقليمي للبلاد، وحماية الاقتصاد من عواقب ضغوط وباء كوفيد-19، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال 2019–2020. وليس ثمة شك في أن التدهور المتسارع في علاقات تركيا الغربية، والعلاقات مع الولايات المتحدة، بصورة خاصة، شكَّل الخلفية الدافعة لهذه المبادرات، سيما بعد أن فرضت واشنطن عددًا من العقوبات على الصناعات الدفاعية التركية. كما هدَّد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات أوسع بفعل الخلافات التركية-اليونانية في شرق المتوسط. ولا يقل أثرًا شعور تركيا، حتى بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، أنها باتت معزولة في شرق المتوسط، وفي مواجهة تحالف مصري-يوناني-إسرائيلي، تسانده كل من الإمارات والسعودية.

كان المؤشر الأول للمقاربة التركية الجديدة استجابة أنقرة للاتصالات المصرية، التي استهدفت تجنب وقوع مواجهة عسكرية بين الدولتين في الشرق الليبي. وسرعان ما تطورت الاتصالات بين الدولتين من المستوى الأمني إلى السياسي، وجرى الاتفاق على إطلاق مسار تفاوضي يعمل على معالجة الخلافات المستحكمة بينهما، ومن ثم إعادة العلاقات إلى مستواها الطبيعي. ونظرًا للتقدم في المفاوضات، ثمة اعتقاد بأن العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة ستعود بصورة كاملة قبل نهاية العام 2021، وأن الدولتين قد تطلقان مسارًا موازيًا لترسيم الحدود البحرية. هذا، إلى جانب تهدئة الخلافات المصرية-التركية في ليبيا، وعمل الدولتين على دعم الحكومة الليبية المؤقتة. 

في الوقت نفسه، استقبلت أنقرة الوساطة الألمانية في شرق المتوسط بقدر ملموس من الإيجابية ووافقت على بدء مباحثات تركية-يونانية، تعمل على نزع فتيل التوتر ومنع التصعيد، وتمهِّد الطريق لمفاوضات أكثر شمولًا حول مسألة الحدود البحرية الاقتصادية في شرق المتوسط وبحر إيجة. ولابد أن نجاح تركيا في اكتشاف حقل للغاز، باحتياطيات كبيرة، في قطاعها السيادي بالبحر الأسود، ساعد على اتخاذ موقف أقل حدة في شرق المتوسط. وبالرغم من أن المفاوضات التركية-اليونانية تسير بصورة بطيئة، إلا أن وزيري خارجية البلدين تبادلا الزيارات مؤخرًا، كما بدأت اليونان في اتخاذ مواقف أكثر إيجابية تجاه تركيا في الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى التهدئة مع مصر واليونان، قام وزير الخارجية التركية بزيارة لافتة للسعودية، التي كادت علاقاتها مع تركيا تنهار كلية منذ انفجار قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول. ولكن، وبالرغم من أن كلًّا من تركيا والسعودية، ولأسباب مختلفة، تواجهان تأزمًا في العلاقة مع إدارة بايدن، ليس ثمة ما يشير بعد إلى استجابة سعودية ملموسة لمحاولات تطبيع العلاقات مع تركيا، التطبيع الذي يعتقد سعوديون كثر بأنه أصبح ضروريًّا لمواجهة الفشل السعودي في اليمن وتصاعد المواجهة مع إيران.

خلال الشهور القليلة السابقة على لقاء أردوغان وبايدن، اتخذت تركيا سلسلة من الخطوات، التي أكدت على ثقلها في حلف الناتو، وعلى التزامها بالتحالف الغربي ومصالحه. فمنذ أبريل/نيسان، استقبلت تركيا قادة جورجيا وبولندا وأوكرانيا، وهي الدول التي تربطها علاقات بالغة التوتر مع روسيا. ولم تشهد زيارات القادة الثلاث على تعزيز التضامن التركي مع هذه الدول، وحسب، ولكنها أسفرت أيضًا عن اتفاقيات لتزويدها بالسلاح التركي. يضاف ذلك إلى مؤشرات على أن ليتوانيا ستقوم هي الأخرى بشراء طائرات مسيَّرة تركية. كما شاركت تركيا في منتصف مايو/أيار بدور ملموس في المناورات التي أجراها الناتو في رومانيا.

وقبل أيام فقط من لقاء أردوغان وبايدن، استقبلت تركيا الرئيس القرغيزي، سادير جباروف، في خطوة تقارب لافتة بين الدولتين. فقرغيزيا، بالطبع، دولة صغيرة، لا تتمتع بثروات ذات قيمة، ولكنها تحتل موقعًا استراتيجيًّا في جوار الصين. كما أرسلت تركيا وفدًا عالي المستوى، ضم وزراء الخارجية والداخلية والدفاع ورئيس الأركان ومدير الاستخبارات، إلى العاصمة الليبية، طرابلس. وبالرغم من أن ما رشح من لقاء المسؤولين الأتراك بكبار المسؤولين الليبيين في الحكومة المؤقتة كان قليلًا، فالمؤكد أن هدف الزيارة كان تعزيز الشراكة التركية-الليبية، وتقديم النفوذ التركي في ليبيا باعتباره نفوذًا للناتو، وأنه يسهم في مواجهة التوسع الروسي في حوض المتوسط. ولا يقل أهمية أن تركيا عرضت بالفعل على الولايات المتحدة وشركائها الآخرين في الناتو أن تقوم القوات التركية بالإشراف على مطار كابول وحراسته، بعد أن يكتمل انسحاب الأميركيين وقوات دول الناتو الأخرى من أفغانستان، في سبتمبر/أيلول المقبل.

في كل هذه الخطوات، يبدو واضحًا أن تركيا تعيد توكيد دورها في حلف الناتو، وتعمل على أن يصبح هذا الدور مدخلًا وإطارًا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا الأطلسية. بذلك، ترى القيادة التركية أنها تذهب إلى قمة الحلف، وإلى لقاء رئيسها أردوغان ببايدن، ولقاءاته مع قادة دول الحلف الآخرين، وهي أكثر استعدادًا، سواء لاستعادة تأثيرها في كتلة التحالف الغربي، أو في التأسيس لبداية جديدة في العلاقات الأميركية-التركية.

أفق التوافق وحدوده

لم يكن خافيًا في المؤتمرين الصحفيين اللذين عقدهما كل من أردوغان وبايدن، كل على حدة، أنهما خرجا من اللقاء بانطباع إيجابي عن سير المباحثات واتجاهها. فقد صرَّح أردوغان بأن ليس هناك مشكلة في علاقات البلدين لا يمكن حلها، بينما وصف بايدن المباحثات بالجيدة والبنَّاءة، وأكد على أن حوار مسؤولي الدولتين سيستمر للتعامل مع كافة المسائل العالقة.

ولأن جلستي المباحثات، الثنائية منها أو تلك التي التحق بها وفدا الدولتين، كانت مغلقة، فمن الصعب تحديد الملفات التي جرى بالفعل الاتفاق عليها، وتلك التي ترُكت لمزيد من التفاوض. ولكن تصريحات أردوغان في مؤتمره الصحفي، التي جاءت أكثر تفصيلًا، توحي بأن ملفي نظام صواريخ إس-400 والقرار الأميركي بإخراج تركيا من برنامج الطائرة إف-35، والدعم الأميركي للميليشيات الكردية السورية، كانت بين المسائل التي تتطلب مزيدًا من التفاوض، بينما يبدو أن تقاربًا في وجهات النظر تحقق فيما يتعلق بأفغانستان وليبيا. ولأن الهدف الأميركي الرئيس من قمة دول الناتو كان حشد الحلفاء في المواجهة مع روسيا والصين، وأن قمة أميركية-روسية ستُعقد في 16 يونيو/حزيران، فلابد أن الجانب الأميركي خرج من اللقاء أكثر اطمئنانًا لموقف تركيا من التعامل مع روسيا والصين.

عمومًا، يمكن القول، وبقدر كبير من التحفظ والحذر: إن لقاء أردوغان وبايدن كسر حاجز الجليد في علاقات الرئيسين، ومثَّل خطوة أولى نحو احتواء المخاوف وفقدان الثقة المتبادل بين الدولتين. ولكن، وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة تنظر منذ 2012، على الأقل، بقدر من القلق إلى الصعود التركي الإقليمي، فمن الصعب التنبؤ بمصير ملفات الخلاف المستعصية الأخرى. وطالما ظلت أنقرة تتحرك في إطار من طموحات القوة الإقليمية، أو ظل هذا على الأقل هو التصور السائد غربيًّا للسياسة الخارجية التركية، فإن التفاهمات التركية مع الولايات المتحدة ستظل دائمًا ضمن سقف محدد. وما ينطبق على العلاقات التركية-الأميركية، ينطبق أيضًا على علاقات تركيا بالعواصم الأوروبية الغربية الرئيسة.

ففي بروكسل، لم تقتصر مباحثات أردوغان الثنائية على اللقاء مع بايدن، بل عقد الرئيس التركي لقاءات أخرى مع رئيس الحكومة البريطانية والمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة اليوناني. كل هذه اللقاءات، طبقًا لأطرافها المتعددة، انتهت إلى نتائج إيجابية، سيما تلك التي جمعت الجانب التركي بنظيريه، الفرنسي واليوناني، اللذين اتسمت علاقات أنقرة بهما في العام الماضي بقدر مرتفع من التوتر. وقد أكد الرئيس الفرنسي في ختام لقائه بأردوغان على بداية جديدة من الحوار مع تركيا، كما اتفق الرئيس التركي ورئيس الحكومة اليوناني على عدم العودة إلى مناخ الصدام والالتزام بالتفاوض لحل خلافات البلدين في شرق المتوسط وقبرص. ولكن من الصعب تصور توصل تركيا وفرنسا إلى تفاهمات شاملة ومستديمة بالنظر إلى تعدد ساحات التنافس الاستراتيجي، كما أن الخلافات التركية-اليونانية في شرق المتوسط وقبرص من الاتساع بحيث لا يمكن تجاوزها دون تنازلات هائلة من كلتيهما.

ما هو واضح، على أية حال، أن أنقرة ترى أن مصلحة البلاد تستدعي في هذه المرحلة تبني سياسة التهدئة إقليميًّا وعلى صعيد العلاقة مع الكتلة الغربية، ليس فقط لأسباب اقتصادية أو بهدف الحفاظ على مكتسبات العامين الماضيين الاستراتيجية، ولكن أيضًا لتعزيز وضع الرئيس أردوغان الانتخابي. ولكن الأرجح أن هذه التهدئة لن تستقر طويلًا، وأنها سرعان ما ستواجه امتحان المصالح والتنافس الاستراتيجي ما إن تأخذ تركيا خطوتها الإقليمية التالية.

——————————

سوريا في جولة بايدن: لا شرعية للأسد/ منير الربيع

إنه الأسبوع الذي تتزاحم فيه استحقاقات كثيرة، اجتماع الناتو، ولقاء بايدين وأردوغان، وقمة بايدن وبوتين. ما تريده موسكو هو عدم دخول أوكرانيا في حلف الناتو بالإضافة إلى تثبيت “روسية” بيلاروسيا وتخفيف العقوبات الأميركية، إلى جانب تعزيز التعاون في ملف الطاقة بين الدولتين، بالإضافة إلى تحسين الوضع الإنساني في سوريا وتخفيف آلية تطبيق العقوبات بموجب قانون قيصر. قدم الأميركيون تنازلات لصالح إيران في الأمم المتحدة، من خلال الطلب من كوريا دفع المستحقات المتوجبة على طهران لتتمكن من التصويت في الهيئة العامة للأمم المتحدة. واللافت للنظر أيضاً اجتماع بايدن بماكرون، لجهة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان مقابل انسحاب فرنسا من مالي.

يمكن تشبيه قمة بايدن وبوتين بقمة ترامب بوتين في هلسنكي مع اختلاف في التوجهات الأميركية، ولكن من دون التغيير في المسار الاستراتيجي الأميركي، خصوصاً بما يتعلق في سوريا، والتي تتحول إلى نوع من أنواع الأزمة الباردة والتي لا تستدعي تدخلاً عاجلاً بالمفهوم الأميركي مع الحفاظ على الواقع القائم كما هو، في إطار حرب مناطق النفوذ ومعارك الممرات والمقايضة عليها بين كل من واشنطن، موسكو، أنقرة، وطهران. كل هذه الوقائع تنذر بإطالة أكبر لأمد الأزمة السورية، دون البحث عن حلول، وهذا ما سيحبط كثيرا من المتحمسين لنظرية عودة النظام السوري إلى المسرح الإقليمي أو إلى الجامعة العربية، وسط تغير كبير في الموقف العربي الذي كان مندفعاً وأصبح متريثاً إن لم نقل متلكئاً، بعد تدخل أميركي مباشر جاء بناء على إشارات متعددة.

الإشارة الأولى هي رسالة أميركية واضحة في رفض التطبيع مع النظام، والإشارة الثانية الموقف الأميركي من الانتخابات السورية والذي جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، أما الإشارة الثالثة فهي الموقف الأوروبي الرافض أيضاً للتطبيع مع النظام من دون تقديم تنازلات حقيقية تتعلق بعودة اللاجئين وإطلاق سراح المعتقلين ونسج تسوية سياسية تشارك فيها المعارضة. عدا عن ذلك ستبقى سوريا في أزماتها المتكررة، والتي لا يمكن الوصول إلى بدء تفاوض جدّي حولها قبل الوصول إلى الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وهنا لا بد من تسجيل تساؤلات كثيرة حول الدول الذي ستلعبه موسكو بين الطرفين في المرحلة المقبلة بإطار التفاوض على مناطق النفوذ.

من بين الرسائل الأميركية لدول الخليج التي سارعت إلى التطبيع مع النظام السوري كان هناك حزم بأنه لا يمكن الذهاب في الاتجاه الذي تريده موسكو، بالإضافة إلى استمرار التشدد الأميركي في تطبيق قانون قيصر. أما الأهم فهي حالة الضياع الروسية من حقيقة الموقف الأميركي، إذ إن أحد المسؤولين الروس الكبار والمتابع لملفات المنطقة وخصوصاً سوريا، يقول هذا المسؤول، إنه في كل مرة تعمل موسكو على إعداد اقتراح لتسوية سياسية أو حلّ سياسي ويتم عرضه على الأميركيين يكون الجواب الأميركي الرفض، ولا تبدي واشنطن أيّ اهتمام وفق سياسة واضحة لترك روسيا تتخبط في وقائع الانهيار السوري الذي ينعكس على الواقع الروسي الداخلي. تلك السياسة الأميركية أصبحت واضحة المعالم وهي إيصال كل القوى المنخرطة في المستنقع السوري إلى حدود الإنهاك طلباً للتسوية فيما بعد والتي ستنجح واشنطن بفرض ما تريده فيها. هنا بالتحديد لا بد من لعب دور مشترك بين الأميركيين والعرب والمعارضة السورية على بلورة تصور سياسي لتلك المرحلة والتي في نهايتها سيكون الحلّ قائماً على مرحلة انتقالية وتشكيل حكومة موسعة الصلاحيات، ربما في إنتاج حلّ مشابه للحل الذي تم التوصل إليه في السودان أي تشكيل حكومة إلى جانب مجلس عسكري.

—————————

واشنطن لموسكو: المعابر الإنسانية ممر إلزامي للتعاون في سوريا

ربط الرئيس الأميركي جو بايدن أي تعاون مستقبلي مع روسيا في حل الأزمة السورية بمدى استجابة موسكو لمبادرة توسيع المعابر الإنسانية للسماح بمرور المساعدات للمواطنيين السوريين في شمال البلاد.

جاء ذلك خلال القمة الأولى التي جمعت بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش اجتماعات قادة مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث أكد بايدن أن إحدى أولويات بلاده في سوريا استمرار إيصال المساعدات للمدنيين.

وقال مسؤول أميركي كبير إن الرئيس بايدن لم يحصل على التزام من نظيره الروسي بالموافقة على تجديد العملية الدولية لتقديم مساعدات عبر الحدود إلى سوريا.

وتسعى واشنطن ودول أخرى أعضاء بالمجلس لتمديد العملية التي تنتهي في العاشر من يوليو المقبل والتي وصفها مارك لوكوك مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة بأنها “شريان حياة” لنحو ثلاثة ملايين سوري في شمال البلاد.

وأوضح المسؤول الأميركي عقب اجتماع القمة بين بايدن وبوتين في جنيف “لم يتم تقديم التزام، لكننا أوضحنا أن هذا له أهمية كبيرة بالنسبة إلينا، كي يكون هناك أي تعاون آخر بشأن سوريا”. ووصف المسؤول التجديد القادم بأنه اختبار لإمكانية تعاون الولايات المتحدة وروسيا معا.

وسمح مجلس الأمن الدولي في عام 2014 لأول مرّة بعبور مساعدات إنسانية عبر الحدود إلى سوريا، من أربع نقاط، لتنجح روسيا والصين لاحقا في خفض عددها وحصرها بنقطة عبور واحدة، وهي معبر باب الهوى مع الجانب التركي.

واستغلت روسيا في ذلك تساهل الإدارة الأميركية السابقة برئاسة الجمهوري دونالد ترامب، التي لم تكن تولي اهتماما كبيرا بالملف الإنساني في سوريا، وركزت على محاربة تنظيم داعش ووضع اليد على منابع النفط والغاز في شمال شرق البلاد.

وأبدت الإدارة الأميركية الحالية اهتماما باستعادة التركيز على الجانب الإنساني، وهو ما ترجم في تصريحات المسؤولين الأميركيين وفي الزيارة التي أجرتها قبل أيام السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد لمعبر باب الهوى المقابل لبوابة “جيلوة غوزو” على الحدود السورية – التركية، والتي حثت من خلالها على ضرورة تجديد آلية المساعدات الدولية وأيضا توسيعها.

وقال بايدن في مؤتمره الصحافي عقب القمة مع بوتين، إنّ “قائمة طويلة من القضايا التي أمضينا وقتا فيها، من بينها الحاجة الملحة للحفاظ على الممرات الإنسانية، وإعادة فتحها في سوريا، حتى نتمكن من الحصول على الغذاء، مجرد طعام بسيط وضروريات أساسية لمن يتضورون جوعا حتى الموت”.

وأضاف الرئيس الأميركي “لقد سألوني (الروس) لماذا لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد يمثل مشكلة بنظري، فقلت ‘لأنه خرق قاعدة دولية تعرف باسم اتفاقية الأسلحة الكيمياوية، ولهذا لا يمكن الوثوق به’”.

ويرى مراقبون أنه لا يبدو حتى الآن أن هناك أرضية مشتركة يمكن البناء عليها بين واشنطن وموسكو في سوريا، حيث أنه من غير المرجح أن تقبل روسيا بإعادة توسيع المعابر الحدودية وأن أقصى ما يمكن قبوله من قبلها هو القبول بتجديد الآلية الحالية لستة أشهر.

ويشير المراقبون إلى أن هذا الرفض الروسي يعود إلى تمسك موسكو بسياسة تعويم الرئيس بشار الأسد، وإحدى أوراقها في ذلك هو الدفع باتجاه مرور المساعدة عبر نظامه.

وتبنى مجلس الأمن في 11 يوليو الماضي قرارا يقضي بتمديد آلية تقديم المساعدات لسوريا عبر معبر باب الهوى لمدة عام، وامتنعت روسيا والصين عن التصويت.

العرب

—————————-

هل تريد أوروبا الانخراط في “حروب” بايدن؟ / سميح صعب

بعد الجولة الأوروبية للرئيس الأميركي جو بايدن، انجلت على نحوٍ كبير، الخطوط العامة للسياسة الخارجية للبيت الأبيض في ظل الإدارة الديموقرطية الجديدة. ويأتي على رأس أولويات هذه السياسة مواجهة الصين وروسيا. ومن هذا المنطلق، يسعى بايدن إلى ترميم العلاقات عبر ضفتي الأطلسي والتي تضررت كثيراً إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

شعار “أميركا عادت”، كان عنوان الرحلة الخارجية الأولى لسيد البيت الأبيض. وهذه العودة ذات هدف محدد، ألا وهو قيام تكتل أميركي – أوروبي، تنضم إليه أستراليا وكوريا الجنوبية والهند واليابان، خدمة للهدف الأسمى المتمثل في احتواء الصين.

وما تبني مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى اقتراح بايدن الاستثمار في البنى التحتية التي يمر بها “طريق الحرير” الصيني، سوى تعبير عن تصميم الغرب على مواجهة تلك التريليونات من الدولارات التي تنفقها بكين لمد نفوذها في العالم، بخطة إنفاق معاكسة سعياً إلى محاصرة هذا النفوذ، والحؤول دون مزيد من تغلغله في آسيا وأوروبا وأفريقيا.

ولم تكن “دبلوماسية اللقاحات” لمكافحة الوباء، بعيدة عن التوظيف في الأمور الجيوسياسية، وإلا ما معنى إعلان مجموعة السبع عن عزمها التبرع بمليار جرعة من اللقاحات للدول الفقيرة. وهذه خطوة المراد منها حرمان بكين وموسكو من رافعة أخرى في العلاقات الدولية.

أعاد بايدن أمام نظرائه في حلف شمال الأطلسي التعهد بـ”قدسية” التزام أميركا الدفاع عن الدول الأعضاء. ومعلوم أن حلف شمال الأطلسي كان مخصصاً منذ نشوئه عام 1949، لاحتواء “التهديد” السوفياتي ومن بعده الروسي. وكانت دول أطلسية صغرى مثل دول البلطيق، تخشى أن تكون عرضة للاجتياح الروسي إذا أظهرت الولايات المتحدة تردداً في تنفيذ التزاماتها حيال الدول الأعضاء. وقد أثارت سياسة ترامب الكثير من الجدل حيال مدى استعداد الولايات المتحدة لتنفيذ التزاماتها الواردة في مبادئ الحلف في حال تعرض أي من الدول الأعضاء لهجوم روسي.

كانت مهمة بايدن تقديم التطمينات في هذا الشأن، وأكد بوضوح لشركائه في الأطلسي أن جزءاً من جدول أعمال قمة جنيف مع الرئيس فلاديمير بوتين مخصص لتحذير الأخير من أن بعض النشاطات الروسية غير مقبول، وأن واشنطن لن تقف مكتوفة بإزائها.

ومع ذلك، يبدو أن قمة جنيف التي أتت عقب ترد غير مسبوق في العلاقات الأميركية – الروسية منذ 30 عاماً، كان الهدف منها تحييد روسيا إلى حد ما، في وقت تشتد فيه المنافسة مع الصين. ولم يخفِ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “قلق” الحلف من تزايد “التعاون العسكري بين روسيا والصين”. وهذا ما يعزز الاعتقاد السائد منذ أيام الحرب الباردة، وهو أن الغرب لن يكون في وسعه التصدي للصين وروسيا معاً.

وإذا ما أضيفت التكنولوجيا العسكرية الروسية إلى الآلة الاقتصادية للصين، فإن ذلك من شأنه تعقيد مهمة الولايات المتحدة في منع قيام عالم متعدد الأقطاب يتحدى سيطرتها المطلقة على العالم، لا سيما منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 30 عاماً.

وعلى هذا، ينحو بايدن إلى استخدام سياسة العصا والجزرة مع روسيا، بغية عدم اندفاعها نحو المزيد من التعاون مع الصين.

وحتى في سياق الحملة الأميركية على الصين، لا يبدو أن دولاً أوروبية وفي مقدمها فرنسا وألمانيا، تظهر الدرجة ذاتها من الحماسة، التي تظهرها واشنطن. فالصين هي اليوم الشريك الاقتصادي الأول للاتحاد الأوروبي، والانضمام إلى أميركا في المواجهة الكونية ضد بكين، سينطوي على مخاطر شتى على الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء في الاتحاد، والتي تكافح لتعويض الأضرار التي ألحقتها إغلاقات كورونا باقتصاداتها.

لا أحد ينكر أن ثمة الكثير من القواسم المشتركة بين “الديموقراطيات الغربية”، إلا أنه في الوقت نفسه، هناك ميول متزايدة لتغليب المصالح الخاصة للدول الأوروبية. إذ إنه في عالم يتغير بسرعة وتبدو تحولاته أكبر بكثير من الإحاطة بها، هل تخدم العودة إلى إحياء الاصطفافات القديمة عبر إحياء التكتلات الجيوسياسية من منطلقات قيمية أو اقتصادية، الغرض الأساسي الذي تسعى إليه أميركا في البقاء متربعة على عرش العالم لقرن آخر؟

النهار العربي

—————————

======================

تحديث 20 حزيران 2021

————————-

سوريا في القمة الأميركية-الروسية:بايدن يرعى مصالح بلاده/ طه عبد الواحد

لم تكن المساحة التي منحها الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين لبحث الأزمة السورية خلال محادثاتهما في جنيف، بحجم توقعات كثيرين، والأهم أنها لم تكن بحجم المأساة المستمرة التي يعيشها الشعب السوري منذ أكثر من عشر سنوات. وإذ لا يمكن تجاهل حقيقة تراجع الاهتمام الدولي، وقبله الإقليمي، بالتطورات السورية، إلا أن المرور السريع على الملف السوري خلال قمة بين زعيمي أكبر قوتين نوويتن عالمياً، مع جدول مكتظ بملفات لا تعد لا تحصى، لا يعني أن مصير سوريا بات خارج دائرة الاهتمام الأميركي، ولا يزال هذا الملف حاضراً لدى البيت الأبيض، على الأقل بما يتوافق مع المصالح، ويخدم السياسات الأميركية. وفي سياق الحديث حول سوريا مع بوتين يحمل تركيز بايدن على المساعدات الإنسانية في طياته اتهاماً لروسيا بمسؤوليتها عن تفاقم الوضع الإنساني، حين عرقلت عمل الآلية الدولية، وتصر على إيصال المساعدات عبر دمشق، أي “عبر النظام السوري”. مع ذلك كله، وحتى لو لم تكن سوريا حاضرة ولا بأي شكل خلال القمة، فإنها ستكون حاضرة بقوة خلال تنفيذ تفاهمات بايدن – بوتين حول إطلاق محادثات بشأن الحد من التسلح، والاستقرار الاستراتيجي.

شكلت المحادثات مع الرئيس بايدن أهمية خاصة بالنسبة للرئيس بوتين، الذي كان حريصاً على انعقادها لإيقاف التدهور غير المسبوق في علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، والتأثير الخطير لهذا التدهور على العلاقات السياسية والاقتصادية بصورة أكبر مع “شركاء رئيسيين” في مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق كانت قضية التسلح الاستراتيجي على رأس قائمة الأولويات الروسية خلال القمة. إذ تخشى روسيا من تجدد سباق التسلح مع ما سيحمله لها من أعباء اقتصادية، فضلا عن تداعياته السياسية على علاقاتها مع دول العالم، والمخاوف من عودة حالة الفرز للقوى عالمياً ضمن “أحلاف”، ما يهدد بحرمان الكرملين من الثمار السياسية والاقتصادية الملموسة التي يجنيها من  علاقات إيجابية نجح في بنائها مع دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى محسوبة على قائمة (حلفاء واشنطن).

بالنسبة للرئيس الأميركي، كانت ملفات التسلح الإستراتيجي رئيسية أيضاً خلال محادثاته مع بوتين. إلا أنه كان حريصاً منذ البداية على تهيئة أجواء تضعه خلال الحديث مع الرئيس الروسي في موقع “الأقوى”، وتذكره بأن “الولايات المتحدة لا تزال صاحبة الكلمة في أوروبا والعالم”. إذ شارك الرئيس الأميركي قبل القمة مع بوتين في قمة “مجموعة السبع” التي انتقد قادتها السياسات الروسية واستخدام موسكو المواد السامة. وتحدث خلالها بايدن عن الدور الروسي في سوريا، وقال إن “موسكو قضمت في سوريا أكثر مما تستطيع مضغه”. وشارك كذلك  في قمة “الولايات المتحدة-الاتحاد الأوروبي” التي تم خلالها الاتفاق على حماية الديموقراطية من روسيا والصين، فضلا عن مشاركته في قمة الناتو.

كانت سوريا حاضرة فعليا في جميع اللقاءات والقمم التي شارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، بما في ذلك خلال قمته مع بوتين، الذي لم يُشر إلى أنه تناول مع نظيره الأميركي الملف السوري. وعلى الجانب الآخر تشي تصريحات بايدن أنه هو من بادر وطرح هذا الملف خلال القمة مع بوتين، حين قال إن “الرئيس الروسي اشار إلى أنه مستعد للمساعدة في أفغانستان، وفي الملف النووي الإيراني”، وأضاف بايدن بعد ذلك: “في المقابل أخبرناه (لبوتين )بما نريد فعله في ما يتعلق بإحلال بعض الاستقرار و الأمن الاقتصادي أو الأمن المادي لشعب سوريا وليبيا “. وقال ايضاً إن استمرار المشاكل مع النظام السوري سببها انتهاكه للمعايير الدولية، وأكد أنه “لا يمكن الوثوق به (بالأسد)”.

رأى كثيرون في تناول الرئيس الأميركي ملف المساعدات الإنسانية للسوريين، وتجاهله القضايا الأخرى المتصلة بالمشهد السوري ، موقف لا يتناسب مع الآمال التي علقها كثيرون على موقف أميركي أكثر دقة وحزماً في الشأن السوري. إلا أن الولايات المتحدة تنطلق في أي خطوات من مصالحها أولا وأهداف سياساتها. ومن غير المستبعد أن بايدن قرر التركيز على ملف المساعدات الإنسانية دون غيره في هذه المرحلة لأسباب عديدة ، منها أن طرحه أي قضايا أخرى يعني استعداد الولايات المتحدة لتوسيع تعاونها مع روسيا في سوريا أكثر من مجرد “قنوات اتصال بين العسكريين لتفادي التصادم خلال العمليات في سوريا”. فضلا عن ذلك ينطوي حديثه بصورة مباشرة مع بوتين حول الوضع الإنساني في سوريا على اتهام ضمني لروسيا بالمسؤولية عن تفاقم معاناة ملايين السوريين، حين استخدمت الفيتو ضد تمديد عمل الآلية الدولية، وتسببت بإغلاق 3 من أصل 4 معابر إنسانية، كانوا يحصلون عبرها على المساعدات الرئيسية.

وبينما ذهب البعض إلى تفسير موقف بايدن على أنه تمهيد لتوسيع التعاون مع روسيا في الملف السوري، مقابل دور روسي في إعادة إيران لاستئناف العمل بالاتفاق حول برنامجها النووي. جاءت تصريحات جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، لتضع النقاط على الحروف في هذا الشأن، وقال في إيجاز صحافي بعد يوم على قمة بايدن – بوتين إن “الرئيس بايدن أشار (لبوتين) إلى أن هناك الملايين من الجياع والمحتاجين في شمال شرق وشمال غرب سوريا” وأبلغ بايدن، بوتين أن “وجود ممرات إنسانية تديرها الأمم المتحدة ضروري، وخاصة تلك الموجودة الآن ويجب تجديدها في تموز/يوليو، وهو أمر مهم للغاية لمساعدة المحتاجين”. واضح من هذه التصريحات أن “التعاون” الذي تريده الولايات المحدة مع روسيا، بأن لا تعرقل قرار تمديد عمل آخر معبر إنساني ضمن آلية المساعدات الدولية، وأن تكف عن استخدام الفيتو ضد قرار تمديد عمل تلك الآلية.

بعيداً عن ملف المساعدات الإنسانية يبدو أن الوضع في سوريا سيحافظ على مكانته المحورية في المحادثات الأميركية-الروسية، لاسيما المفاوضات حول قضايا الحد من التسلح والاستقرار الاستراتيجي. إذ تحولت سوريا عمليا إلى “قاعدة استراتيجية”، لاسيما بعد أن تم توسيع مدرج قاعدة حميميم الجوية وتأهيله لهبوط قاذفات استراتيجية، اي القادرة على حمل صواريخ نووية. كما قامت روسيا بتوسيع قاعدة طرطوس البحرية لتصبح قادرة على استقبال قطع حربية كبيرة، بما في ذلك غواصات نووية، مع إمكانية بقائها لفترة طويلة هنا. هذا كله يشكل مصدر تهديد مباشر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ويحد من تحركات وهيمنة الأسطول السادس على المتوسط، ويهدد القواعد البحرية للقوات الأميركية وقوات الناتو على الساحل الأوروبي على المتوسط. وطبيعي أن هذا الوضع لا يرضي واشنطن، وستعمل على بحث “ترتيبات سورية” في سياق مفاوضاتها مع الروس حول قضايا التسلح، والأكيد أنها لن تقبل ببقاء الوضع الراهن على حاله، إلا ضمن اتفاقيات كبرى. لهذا سيبقى مصير سوريا على سلم الأولويات الأميركية، لضبط التمدد الروسي عبرها، وفي سياقه قد تضطر واشنطن لخطوات إضافية تطاول مباشرة نظام الأسد، طالما بقي ضامناً للوجود العسكري الروسي في سوريا.

المدن

————————-

صواريخ حماس وكيماوي بشار/ عمر قدور

يتوجه رئيس الأركان الإسرائيلي نهاية هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة في زيارة تستغرق ستة أيام، هذا ليس بالخبر الروتيني إثر العديد من التطورات، آخرها عودة التصعيد المحسوب بعد إطلاق حماس بالونات حارقة والرد الإسرائيلي بغارات محدودة. أيضاً هي ليست بالزيارة الروتينية عطفاً على التغيرات السياسية في البلدين، فقد انتهى ذلك الانسجام التام المتمثل بترامب-نتنياهو، واليوم هناك قيادتان جديدتان لا يُتوقع منهما استعادة جزء معتبر من الانسجام المفقود.

إلا أن الحدث الأبرز الذي يستدعي ذهاب رئيس الأركان لمناقشة الأمنية المشتركة هو الموقف الأمريكي الأخير من المواجهة بين تل أبيب وحماس، والتبدل الحاصل فيه لا يختصره طلب بايدن من نتنياهو وقف إطلاق النار، رغم ما بدا كانحياز أمريكي تقليدي في تعطيل مجلس الأمن حتى يستنفذ القصف الإسرائيلي بنك أهدافه. واحد من أوجه التبدل آنذاك أن يكتب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على حسابه في تويتر بعد مطالبته بإيقاف الهجمات الصاروخية لحماس: الإسرائيليون والفلسطينيون، على السواء، يستحقون الحرية والكرامة والأمن والازدهار. ليعود بلينكن، أثناء زيارته للمنطقة بعد وقف إطلاق النار، ويؤكد قوله السابق: نؤمن بقوة أن كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون بشكل متساوٍ العيش في أمان واستقرار، والتمتع بفرص متساوية من الحرية والكرامة.

هناك تغير في واشنطن من المرجح أنه يتعدى التغير المعهود بين إدارة جمهورية وأخرى ديموقراطية، وصواريخ حماس التي أُطلقت على تل أبيب سرّعت في كشف الغطاء عن ذلك التغيير، إذا لم يكن هذا الكشف جزءاً أساسياً من أهدافها. ويجدر أن نتذكر، مع حفظ الفوارق، حدثاً كاشفاً في حينه هو استخدام بشار السلاح الكيماوي في آب2013، وكيف كشف ذلك التغيرَ في إدارة أوباما التي كانت قد تراجعت عن إعلان استخدامه الكيماوي خطاً أحمر.

بالنظر إلى الحدثين كحدثين مجردين عن انحيازاتنا السياسية أو الأخلاقية التي قد تتباين إزاء كل منهما، يصعب تصور اتخاذ قرار إطلاق صواريخ حماس باستقلالية تامة، مثلما يصعب تصور اتخاذ بشار قرار استخدام الكيماوي منفرداً؛ في الحالتين علينا عدم إغفال وجود إيران في الخلفية. علينا تالياً الانتباه إلى التوقيت، ففي المرتين كانت هناك مفاوضات أمريكية-إيرانية في الملف النووي، وهناك إدارة أمريكية متلهفة لإنجاز اتفاق.

كان أوباما، بعد التوقيع على الاتفاق النووي، قد صرّح بأن الأمر يعود إلى قادة إيران، ولهم الخيار بين استخدام الأرصدة المفرج عنها من أجل رفاهية شعبهم، أو إنفاقها على تدخلاتهم وميليشياتهم في الجوار. ذلك كان من ضمن التفاهمات المُلحقة بالاتفاق النووي “أو المؤسسة له؟”؛ أن تترك واشنطن لإيران حرية التمدد في المنطقة، أو أن لا تعارضها في المناطق التي صارت تُعتبر مراكز نفوذ إيرانية، من اليمن مروراً بسوريا والعراق إلى الضاحية الجنوبية “وحتى غزة؟”.

في الأصل، من الخطأ تخيّل صفقة تتنازل بموجبها طهران عن طموحاتها النووية فقط لقاء الإفراج عن أرصدة مجمدة، أو رفع عقوبات اقتصادية. تحفظات الجمهوريين “وكذلك تحفظات تل أبيب وعواصم خليجية” على الاتفاق أتت من إقراره الضمني بالتمدد الإيراني، ومن كون الاتفاق “يؤجل” ولا يلغي الطموح النووي، وهذه من أسباب زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي الأخيرة، فهو بحسب بيان الجيش “سيناقش المسائل المرتبطة بالتهديد النووي الإيراني وتثبيت إيران نفوذها الإقليمي في المنطقة وجهود حزب الله لتعزيز قواته”. ولعل الحكومة الإسرائيلية الجديدة تحاول استعادة التنسيق مع واشنطن من خلال البنتاغون، والافتراق بين الجانبين عبّر عنه نتنياهو بأولوية التصدي للتهديد النووي الإيراني على العلاقة بين الجانبين، وهو التصريح الأول من نوعه خلال عقود من العلاقة الوثيقة جداً بين الحليفين.

صمتت إدارة بايدن عن الدور الإيراني في الخلفية، قادة حماس هم من تبرع لاحقاً بتوجيه الشكر لطهران وللمنضوين في الحلف الإيراني. هذا من ضمن الدلالات التي يجدر الانتباه إليها، إذ لم تتخذ واشنطن موقفاً صارماً من تهديد مدعوم إيرانياً يطال الحليف الإسرائيلي مباشرة. لقد تغيرت نظرة واشنطن إلى قواعد الاشتباك، فلم تعد إسرائيل وحدها تضرب القوات ومستودعات الأسلحة الإيرانية في سوريا بل يمكن أن تكون هدفاً لألوف الصواريخ المعتمدة على التقنية الإيرانية، ومع صمت أمريكي لم تعكّره ولو إدانات لفظية خفيفة لطهران.

في واشنطن اليوم إدارة الكثير من أركانها يُحسب على تركة أوباما، والأهم أن هؤلاء من ضمن سياسات الحزب الديموقراطي الذي ما يزال أوباما يحظى بنفوذ فيه، مع منافسة مما يوصف بالجناح التقدمي الذي يطالب بسياسات خارجية أكثر “راديكالية”، وفي هذا السياق لا عقدة مع الناخبين اليهود في الولايات المتحدة، فهم تقليدياً يصوتون للحزب وفق حسابات داخلية. فضلاً عن الرئيس الذي كان نائباً لأوباما، أشخاص مثل مستشار الأمن القومي جايك سوليفان ووزير الداخلية بلينكن وروبرت مالي المبعوث لإيران هم من ضمن التيار الذي قبل في عهد أوباما ويقبل الآن بواقع التمدد الإيراني ضمن استعادة الصفقة النووية.

مجدداً، مع الاتجاه الأمريكي شرقاً والتركيز على الصين، تعود الاستراتيجية الأمريكية للإشراف على اقتسام النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، ولإيران فيها نصيب كبير بينما تتولى واشنطن تقديم ضمانات لحلفائها التقليديين بحماية أمنهم المباشر من المطامع الإيرانية، لكن عليهم القبول بإيران كقوة إقليمية تحظى برضا أمريكي. سنرى الفريق ذاته المتحمس للاتفاق النووي، وخلفه الدور الإقليمي لإيران، يوجه انتقادات للحلفاء التقليديين، لسياساتهم الداخلية والخارجية على السواء، أنصار هذا الفريق في الكونغرس مثلاً لا يخفون عداءهم للحكم في السعودية ومعارضتهم حربه في اليمن.

يصادف أيضاً أن يحمل أنصار هذا الفريق توجهاً فيه تفهم للقضية الفلسطينية، وقد يصل مع البعض منهم إلى إبداء التعاطف الصريح. ومن المعتاد في عموم الغرب أن نرى لدى المتعاطفين مع القضية الفلسطينية انحيازاً ما إلى إيران، والنظر إلى حكم الملالي كنظام تقدمي بالمقارنة مع تخلف واستبداد جيرانه العرب والخليجيين خاصة! إنها بالطبع ليست وصفة حتمية، لكن وجودها في الواقع يقول أن التعاطف الغربي مع القضية الفلسطينية لا يستتبع حتماً التعاطف مع باقي شعوب المنطقة. على سبيل المبالغة؛ كأننا في الانقسام الأمريكي إزاء يمين أمريكي إسرائيلي ويسار الولي الفقيه. وأن يكون اليسار أفضل للفلسطينيين فهو تفصيل من ضمن استراتيجية أوسع تسحق بموجبها إيران شعوباً أخرى، وبالتأكيد لا يعِد اليمين شعوب المنطقة بالأفضل، فمشكلة ترامب مع بشار الأسد مثلاً تتلخص بتحالفه مع إيران وعدم إتلاف مخزونه الكيماوي، أما بايدن فتوقف فقط عند الجانب الكيماوي، وغابت معاناة السوريين عن اهتمام الاثنين.

اليوم، عندما نسترجع تسامح أوباما مع استخدام بشار الكيماوي، ندرك جيداً الحيثيات التي أحاطت بالتسامح الأمريكي، وقبل ذلك باتخاذ قرار استخدام الكيماوي باطمئنان. بعد سنة من نجاة بشار بصفقة الكيماوي، ومع تقدم مفاوضات الملف النووي، سينقلب الحوثيون على التسوية في اليمن، وكان تدفق الميليشيات الإيرانية إلى سوريا قد انتعش بتدفق الأموال. التطور الأهم هو فهم الرسالة الأمريكية على أن واشنطن لن تدعم بعدُ التغيير الذي وعدت به ثورات الربيع العربي، لأن في استراتيجيتها ترتيبات أخرى للمنطقة وتوازن القوى والنفوذ فيها.

اليوم أيضاً، تنتصر حماس، ثم قبل أسبوعين يهدد رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار بتغيير شكل الشرق الأوسط لو عادت المعركة مع إسرائيل. لا يسعنا أخذ التصريحات بحرفيتها، ولا ردّها إلى مألوف رطانة الممانعة اللفظية. لنا أن نتخيل ماذا سيكون الحال لو حدثت المواجهة بين الطرفين أيام ترامب، وكيف ستكون حكومة نتنياهو طليقة من أي ضغط أمريكي، وربما كان استفاد شخصياً وبقي في رئاسة الوزراء حتى الآن، هذا إذا كانت حماس ومَن خلفها مستعدين للتصعيد لولا المستجدات الأمريكية بمجيء بايدن.

التغير الاستراتيجي الأمريكي أتى وطهران بأمس الحاجة إليه، بدءاً من تدهور الاقتصاد وصولاً إلى استهداف قوتها من سوريا وصولاً إلى قلب مفاعلها النووي. وهو تغير كان ليكتسب زخماً أكبر لو لاقاه حكم الملالي بمرشح معتدل للرئاسة بدل الزج بمرشح محسوب على التيار الأكثر تطرفاً. من هذه الزاوية قد لا تنجح واشنطن، أي لا تنجح في إنقاذ النظام الإيراني من ذاته على المدى البعيد، رغم الأثمان التي دفعها ويدفعها سوريون وعراقيون ولبنانيون لبقائه وتمدده في المدى القريب.  

المدن

———————————-

واشنطن تُصدر إعفاءات عن سوريا مع دخول «قانون قيصر» عامه الثاني

واشنطن: رنا أبتر

فيما دخل «قانون قيصر» عامه الثاني، تعالت انتقادات المشككين في سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حيال سوريا بسبب عدم فرضها، حتى الساعة، أي عقوبات مرتبطة بالقانون، في الوقت الذي أصدرت فيه وزارة الخزانة الأميركية إعفاءات للنظام السوري لمواجهة فيروس «كورونا» شملت شركتين سوريتين تابعتين للنظام، هما شركتا (ليتيا) و(بوليميديكس).

كما أعطت الخزانة الأميركية الضوء الأخضر لممارسة «الأنشطة المتعلقة بالتصدير أو إعادة التصدير أو البيع أو الاستيراد، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سوريا، للخدمات التي تتعلق بالوقاية أو التشخيص أو علاج الفيروس».

وأتت هذه الاستثناءات بعد أن رفعت الإدارة مطلع الشهر الجاري عقوبات عن أفراد متهمين بتمويل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي أثار حفيظة المنتقدين الذين أشاروا إلى تزامن هذه الخطوة مع بدء الجولة السادسة من مفاوضات فيينا مع إيران، وقبيل لقاء بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، الأربعاء.

وقد اتهم المشرعون الأميركيون بايدن بتقديم تنازلات، عبر رفع هذه العقوبات، لكل من إيران وروسيا، مشيرين إلى تساهل الإدارة مع نظام الأسد رغم التصريحات العلنية الشاجبة له. ورداً على هذه الانتقادات، شددت الإدارة على أنها ملتزمة بتطبيق قانون قيصر، لافتة إلى أن «القانون أقر بأغلبية ساحقة من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونغرس.

الشرق الأوسط

————————————-

انتقادت لإدارة بايدن لعدم فرضها عقوبات جديدة على سوريا

«قانون قيصر» يدخل عامه الثاني

واشنطن: رنا أبتر

مع إصدار وزارة الخزانة الأميركية إعفاءات للنظام السوري مرتبطة بمواجهة فيروس «كورونا»، تتعالى الأصوات المنتقدة لتعاطي الرئيس الأميركي جو بايدن مع الملف السوري، وتغاضيه حتى الساعة عن فرض أي عقوبات مرتبطة بـ«قانون قيصر».

ولعل تزامن هذه الإعفاءات مع الذكرى السنوية الأولى لدخول القانون حيز التنفيذ أتى ليصب الزيت على نار هذه الانتقادات. إذ بدأ صبر المشرعين من ديمقراطيين وجمهوريين ينفد شيئاً فشيئاً بسبب عدم تطبيق القانون الذي أقره الكونغرس بإجماع من الحزبين بحزم.

فرغم أن الخزانة الأميركية التي أصدرت الإعفاءات المذكورة بعد ظهر يوم الخميس أشارت إلى أن إصدار هذه الاستثناءات هو جزء من جهود الإدارة لمراجعة العقوبات المالية والاقتصادية لتقييم أي عرقلة لجهود التصدي لفيروس «كورونا»، إلا أن الإعفاءات شملت شركتين سوريتين تابعتين للنظام، وهما شركتا (ليتيا) و(بوليميديكس). وبحسب بيان الخزانة تم السماح للشركتين اللتين فرضت عليهما الولايات المتحدة عقوبات في العام 2020 بإجراء جميع المعاملات المتعلقة بالوقاية من فيروس «كورونا» أو تشخيصه أو علاجه. كما أعطت الخزانة الضوء الأخضر لممارسة «الأنشطة المتعلقة بالتصدير أو إعادة التصدير أو البيع أو الاستيراد، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سوريا، للخدمات التي تتعلق بالوقاية أو التشخيص أو علاج الفيروس».

وفيما تقول الخزانة الأميركية إن هذه الاستثناءات والإعفاءات تتناغم مع التوضيحات التي أصدرتها في أبريل (نيسان) بشأن عدم شمول العقوبات المتعلقة بقانون قيصر المساعدات الإنسانية المتعلقة بالأغذية والأدوية، إلا أن تزامنها مع رفع الإدارة لعقوبات عن أفراد متهمين بتمويل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أثار تساؤلات عدة من قبل المشككين بسياسة بايدن تجاه سوريا.

فقد رفعت الخزانة مطلع الشهر الجاري العقوبات عن شركتين تابعتين لرجل الأعمال السوري سامر فوز، وبررت الخزانة قرارها بالقول إن هذا الرفع أتى بسبب «تغيير في تصرفات المجموعات التي فرضت عليها العقوبات».

لم يقنع هذا التبرير أعضاء الكونغرس المشككين، خاصةً أنه تزامن مع بدء الجولة السادسة من مفاوضات فيينا مع إيران، وقبيل لقاء بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

فقد اتهم المشرعون الرئيس الأميركي بتقديم تنازلات عبر رفع هذه العقوبات إلى كل من إيران وروسيا، مشيرين إلى تساهل الإدارة مع نظام الأسد رغم التصريحات العلنية الشاجبة له.

وقد أدى رفع العقوبات عن فوز إلى فتح نواب جمهوريين تحقيقاً بالمسألة فأعطوا وزيرة الخزانة جانيت يلين مهلة حتى نهاية الشهر الجاري لتقديم وثائق ومراسلات مرتبطة برفع العقوبات عن هؤلاء الأفراد وشركاتهم، وقال النائب الجمهوري جو ويلسون: «سامر فوز استفاد مباشرة من جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد والدمار في سوريا، وبنى تجمعات فخمة على أراض مسروقة من السوريين الذين أجبروا على الهرب من منازلهم».

ولم يكن رفع العقوبات عن فوز المناسبة الأولى التي اتهم فيها المشرعون إدارة بايدن بتجاهل فرض عقوبات على الأسد استرضاء لإيران. فقد سبق للجمهوريين أن كتبوا رسالة أخرى إلى يلين في شهر مايو (أيار) قالوا فيها: «نحن قلقون من أن إدارتكم تفشل في تطبيق قانون العقوبات الأميركية بحق أسوء منتهكي حقوق الإنسان في العالم، الذي قتل نصف مليون شخص، كجزء من التنازلات المقدمة لإيران للعودة إلى الاتفاق النووي الفاشل». ويخشى المشرعون من أن يعتمد بايدن سياسة الرئيس السابق باراك أوباما نفسها في سوريا، مشيرين إلى أنه «خلال عهد أوباما، رفعت الولايات المتحدة الضغط عن نظام الأسد للتوصل إلى الاتفاق النووي وبعد الاتفاق كثفت إيران دعمها لنظام الأسد وزادت قواتها في البلاد حيث تم ارتكاب فظائع جماعية. قد يكرر التاريخ نفسه اليوم».

ولا تقتصر هذه الانتقادات على الجمهوريين فحسب، فقد انضم ديمقراطيون بارزون إليهم في دعوة بايدن لفرض قانون قيصر بحزم. وقد طرح هؤلاء مشروع قرار في مجلس الشيوخ تزامن مع الذكرى العاشرة للثورة السورية، حثوا فيه بايدن على تطبيق القانون وفرض عقوبات، مذكرين بأن هدف مشروع قيصر هو «محاسبة النظام السوري وداعميه الدوليين على الفظاعات التي ارتكبوها ضد الشعب السوري، وتجريده من الموارد لتمويل ماكينة الحرب التابعة له إضافة إلى إرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي تحذر من عودة العلاقات إلى طبيعتها مع نظام الأسد ليعود شرعياً». ويذكر مشروع القرار الدور الإيراني والروسي العسكري في دعم نظام الأسد والمشاركة بالانتهاكات ضد المدنيين بهدف تقديم مصالحهم، ما أدى إلى تقوية المجموعات المتشددة هناك. وفيما يتوقع أن تستمر هذه الجهود الرامية إلى الضغط على إدارة بايدن لفرض القانون، ينصب اهتمام الإدارة اليوم على الجانب الإنساني في الأزمة السورية. وقد بدا هذا واضحاً خلال قمة بايدن – بوتين وتصريحات المسؤولين الأميركيين الذين شددوا على أهمية إعادة فتح المعابر الإنسانية لإيصال المساعدات إلى السوريين.

لكن الإدارة الأميركية تشدد في الوقت نفسه على أنها ملتزمة بتطبيق قانون قيصر. فقد قالت الخارجية في معرض إجابتها على الانتقادات بأن «قانون قيصر أقر بأغلبية ساحقة من الحزبين في الكونغرس. والإدارة ستستمر في تطبيق القانون الذي يسعى للحد من قدرة الأسد وغيره من الاستفادة من الصراع وأي مشاريع إعادة إعمار في البلاد بعد انتهاء الصراع…».

كلمات يقول المنتقدون إنها لم تترجم بعد على أرض الواقع منذ تسلم بايدن للرئاسة، فحتى الساعة ومع دخول القانون عامه الثاني لم تفرض الإدارة أي عقوبات متعلقة بقانون قيصر، على خلاف إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب التي أدرجت كل شهر منذ دخول القانون حيز التنفيذ في يونيو (حزيران) من العام 2020 مجموعات وأفرادا على لائحة العقوبات المرتبطة بالقانون، ليصل عددهم إلى 113 فرداً ومجموعة مع حلول شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

الشرق الأوسط

————————-

الأسد يغازل إسرائيل… لكن؟/ مرال قطينة

نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية تقريراً لمراسلها للشوؤن الدولية نداف أيال، قال فيه إن الرئيس السوري بشار الأسد “يغازل إسرائيل”، ونسب  إلى مصادر غربية عدة قولها الأسبوع الماضي  “أن سوريا تريد إجراء محادثات مع إسرائيل بطريقتها الخرقاء”. وتابع الكاتب أن نظام بشار الأسد يسعى الى التواصل مع إسرائيل منذ ما يقارب نصف عام  وربما أكثر. ويشير الى أن السوريين ينشرون تلميحات عن تقارب بين دمشق وتل أبيب على ما يبدو، وأنهم يسعون الى التواصل مع إسرائيل، اعتقاداً منهم أنهم سيحصلون على ميزات أمام الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكل الاتصالات والمغازلات تمت خلال عهد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.

وقدم أيال بعض الأمثلة كمؤشرات واضحة الى هذا التغيير والغزل السياسي، منها مقالة لخبير سوري في معهد أبحاث أميركي “يشرح فيه الخبير السوري عن عملية السلام والموقف السوري الثابت الذي يسعى الى حل سياسي”، كما أن أخباراً مثيرة ظهرت في وسائل إعلام عربية موثوقة نسبياً عن اجتماع في قاعدة القوات الجوية الروسية في الحميميم داخل سوريا، يزعم أن عناصر إسرائيلية وسورية وروسية شاركت فيه، وورد في الخير أيضاً أن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية غادي أيزنكوت شارك عن الجانب الإسرائيلي، لكن بحسب الكاتب الإسرائيلي، فإن أيزنكوت أخبره أن هذا الخبر ليس له أي أساس من الصحة، فيما قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الخبر خيالي تماماً على حد قوله.

وبحسب الكاتب الإسرائيلي فهذه ليست النهاية، فخلال الأسبوع الماضي، نشرت شبكة “الجزيرة الإخبارية” مقالة مطولة تناولت فيها الدفء في العلاقات السعودية – السورية والطريقة التي تعيد بها الرياض إضفاء الشرعية على نظام الأسد المكروه، بحسب كاتب المقالة، لكن في عمق هذه المقالة تم إخفاء عنوان مختلف تماماً، حيث أفاد الكاتب بأنه تحدث مع مسؤول في وزارة الخارجية السورية الذي أكد بدوره أن اتصالات تجرى مع إسرائيل، كما ربط ذلك بالعلاقات مع السعوديين، “فالرياض ترى أن محادثاتنا مع الإسرائيليين مقدمة لمحادثات غير رسمية مع الأميركيين، بخاصة أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تريد مغادرة الشرق الأوسط، وبالتالي ربما تكون مستعدة لقبول الوضع الراهن السوري بشكله الحالي”، ويشير أيال الى افتراض أن الكاتب لم يخترع هذا الإنجاز، فإننا ما زلنا أمام تصريح هام.

ويضيف أيال بهذه المناسبة، أن مستشار إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما للشأن السوري السفير السابق فريدريك هوف نشر هذا الأسبوع مقالة قال فيها إنه قبل عشر سنوات، وتحديداً في 28 شباط (فبراير) عام 2011، أخبره بشار الأسد في قصره في دمشق أنه مستعد لقطع العلاقات السورية مع إيران و”حزب الله” اللبناني مقابل سلام كامل مع دولة إسرائيل، بخاصة إذا أدى هذا السلام الى استعادة كامل الأراضي السورية المحتلة، كما تطرق أيال الى وجود مقترحات بدافع حسن النية من بينها ” تقليص الوجود الإيراني داخل الحدود الشمالية لإسرائيل”.

وتابع الكاتب أنه في أيام أخرى عادية من دون الخروج عن سياق كان من الممكن أن يتحول هذا الكم من المنشورات السورية الى دراما حقيقية، فتراكم الأخبار العلنية وتسلسلها، كذلك التقييمات الحالية بين واشنطن وموسكو، تشير الى أن هناك مؤشرات واضحة الى رغبة سوريا في إعطاء الانطباع بوجود تحول في ما يتعلق بإسرائيل، لكن السؤال الواجب طرحه في هذه الحالة هو: ما السبب وراء التحول في الموقف السوري تجاه إسرائيل؟ والى أي مدى هذه الخطوة حقيقية؟ بخاصة عندما يقوم سلاح الجو  الإسرائيلي بالهجوم باستمرار على الأراضي السورية.

ويتطرق الكاتب الإسرائيلي الى مقالة نشرتها الكاتبة أليزابيث زوركوف، الباحثة في الشؤون السورية في منتدى التفكير الإقليمي أخيراً، حللت فيه محنة النظام العميقة، بعدما فشل فشلاً ذريعاً في إعادة تأهيل البلاد “فمعظم السوريين اليوم ليس لديهم كهرباء، كما أن المياه تتدفق من الصنابير يوماً أو يومين في الأسبوع على أكثر تقدير، وأن المنتجات الأساسية أصبحت ذات نوعية رديئة، وليس لدى الدولة وقود كاف، أما الليرة السورية فقد تآكلت بنحو 60 في المئة، وأصبح متوسط الراتب الشهري للموظف السوري يعادل 15 دولاراً، أما سلة المنتجات فقد ارتفعت بنحو 200 في المئة هذا العام.

وأشار الكاتب الى أنه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة التي شهدتها سوريا للانتخابات الرئاسية، قامت الاستخبارات السورية بتهديد الشركات الكبيرة، كما ذهبت الى المتاجر الكبرى وألزمتها بالتبرع بالمال اللازم لطباعة الملصقات الضخمة لتحمل صور الأسد التي غمرت البلاد، فالنظام يسرق بانتظام “ضريبة إعادة التأهيل” المفروضة على السكان. الأميركيون غير مستعدين للتحدث بأي شكل من الأشكال مع نظام الأسد، الذي ينظر اليه على أنه نظام ارتكب إبادة جماعية، في الوقت الذي ينظر فيه الإيرانيون الى أن سوريا مدينة لهم بهذا الإنجاز الضخم، بعدما أنقذت النظام من المتمردين.

وخلص أيال الى أنه كما هي الحال دائماً في الشرق الأوسط، تتقاطع المصالح، إذ يبحث السعوديون عن قنوات لتوسيع نفوذهم في مواجهة إيران، وبالتالي فهم مستعدون “للرقص مع الأسد”، وهو من جهته يريد طرد القوات الإيرانية من البلاد، أمر يقلق طهران بلا شك ولا يقل عن ذلك الشك الكبير في قدرة روسيا على أداء دورها، عشرات الآلاف من المبعوثين الإيرانيين والموالين لطهران استقروا في سوريا أخيراً، ويبدو التخلص منهم وكأنه حلم ليلة صيف. يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الوضع في سوريا بائس تماماً، وأن النظام نفسه سعيد بتفريق الأدلة الغامضة حول تقدم التقارب مع إسرائيل والولايات المتحدة، الشيء الرئيسي هو أنه يمكن أن يوفر بعض الأمل للسوريين الغاضبين الذين يعيشون أقسى الظروف وأشدها مرارة بحسب الكاتب الإسرائيلي.

فالنظام السوري يعتقد أن بإمكان الإسرائيليين منحه الرعاية في واشنطن، والمساهمة في إيجاد لغة مشتركة مع السعوديين ودول الخليج، وإرساء شعور بالتقدم للبلاد نفسها، إنهم يتحدثون عن السلام ولكن عن اتفاقية طويلة الأمد غير قتالية، ربما تتعلق بتقليص الوجود الإيراني في البلاد، أو بمعنى آخر يبدو أن أكثر ما يريده السوريون في الاتصال بإسرائيل، هو إعطاء انطباع بوجود مثل هذا الاتصال. على أي حال، فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تقل عدوانية عن سابقتها في ما يخص هضبة الجولان السورية. عام 2018 أطلق يائير لابيد، وزير الخارجية الحالي، حملة كبيرة في الكنيست الإسرائيلي، ناشدت المجتمع الدولي الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، لا عوامل في إسرائيل بخصوص تقديم أي تنازلات إقليمية لنظام الأسد، أو حتى التفكير في ذلك.

في إسرائيل سيتم النظر في تقديم مساعدة للسوريين مقابل تقليص الوجود الإيراني في البلاد، والإضرار بـ”حزب الله” اللبناني، مع ذلك ليس هناك ما يشير الى أن الأسد بإمكانه تقديم مقابل لهذه الصفقة المحدودة، هذا هو الشرق الأوسط الجديد. كان الإسرائيليون في الماضي يطاردون السوريين، أما اليوم فإن السوريين هم من يبحثون عن تل أبيب.

النهار العربي

—————————

مساومات أميركية روسية بشأن سورية؟/عماد كركص

لم يكن الملف السوري حاضراً بقوة في تصريحات الرئيسين الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عقب القمة التي جمعتهما يوم الأربعاء الماضي في جنيف، غير أنه من الواضح أن النظام السوري ورئيسه بشار الأسد حضرا على الطاولة الروسية-الأميركية إلى جانب ملفات أخرى مرتبطة بالشأن السوري. وعلى عكس التصريحات الروسية المقتضبة حول ما تم بحثه سورياً، قال بايدن خلال مؤتمر صحافي إنه سُئل لماذا لديه مشاكل مستمرة مع الأسد، مضيفاً “بسبب انتهاكه (الأسد) للمعايير الدولية، ومعاهدة الأسلحة الكيميائية. لا يمكن الوثوق به”. كما أعلن بايدن أنه بحث مع بوتين “الحاجة الملحّة للحفاظ على، وإعادة فتح، المعابر الإنسانية في سورية، حتى نتمكن من إيصال الطعام والضروريات الأساسية للأشخاص الذين يتضورون جوعاً حتى الموت”.

وعقب اللقاء، قال مسؤول أميركي رفيع، فضّل الكشف عن اسمه، في تصريحات للصحافيين، إن بوتين لم يقدّم أي التزام لبايدن بخصوص عدم عرقلة تمديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية خلال اللقاء. وأشار إلى أن النقاش حول سورية وأفغانستان وإيران استغرق وقتاً طويلاً، وأن العلاقات بين روسيا وبلاده في سورية ستكون أمام اختبار بخصوص تمديد آلية إيصال المساعدات من عدمها. وعما إذا كان بايدن تلقى إجابة واضحة من بوتين في هذا الخصوص، أجاب المسؤول “لا”، مضيفاً: “لم يكن هناك التزام، لكننا أوضحنا أن هذا أمر ذو أهمية كبيرة بالنسبة لنا، وإذا كانت هناك رغبة بأي تعاون إضافي بشأن سورية، ففي المقام الأول علينا أن نرى تمديداً للمعبر الإنساني”.

وعقب ذلك جاء قرار وزارة الخزانة الأميركية بتخفيف العقوبات عن ثلاث دول، من بينها سورية (النظام)، للسماح بإيصال مساعدات خاصة بمكافحة فيروس كورونا، ما عزّز من صحة التوقعات التي رجحت إمكانية تقديم واشنطن تنازلات في ملفات إنسانية للروس، مقابل تمرير تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية في مجلس الأمن في العاشر من الشهر المقبل، في ظل تخوفات من استخدام روسيا حق النقض لعرقلة تجديد الآلية. ويعني تخفيف العقوبات، بما يسمح بإيصال مساعدات تتعلق بفيروس كورونا، مقايضات بملفات إنسانية-إنسانية، ما يعني أن الملفات السياسية لا تزال بعيدة عن المقايضة، على الأقل في الوقت الحالي، وأن الحل السياسي بالنسبة للأميركيين باقٍ على التصور السابق، أي ضمن المظلة الأممية ووفق القرار 2254.

وعن ذلك، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض عبد المجيد بركات إن المعارضة تعلم بأن هناك قضايا إقليمية ودولية وإشكاليات كبرى بين روسيا والولايات المتحدة استحوذت على الوقت الأكبر من اللقاء، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “كنا نتمنى أن تعطي هذه القمة زخماً دولياً أكبر للملف السوري، وتعيده لمكانته الدولية كأولوية أو ضمن سلم الأولويات، وأن تبلور هذه القمة إرادة دولية حقيقة للدفع باتجاه الحل السوري”.

وأشار بركات إلى أن “هناك جوانب مهمة كان يجب أن يتم التطرق لها في القضية السورية خلال القمة، وفي مقدمتها الضغط لتطبيق الحل السياسي وتطبيق القرارات الدولية، وأن يكون هناك موقف حازم للولايات المتحدة أمام الروس وحليفهم الأسد لضبط السلوك العدواني العسكري ولجم هجمات النظام وروسيا وإيران ضد المدنيين، بالإضافة إلى الملف الإنساني، لا سيما أننا أمام استحقاق مهم بخصوص تمديد آلية إدخال المساعدات في مجلس الأمن”. وأعرب عن خشيته من أن يتحوّل الملف السوري إلى ورقة مساومات بين الدول، لا سيما بين الولايات المتحدة وروسيا، وأن يكون ملفاً مفتوحاً من دون تحديد جدول زمني لحله، ليكون محط تصفية حسابات بين الدول، لا سيما بين موسكو وواشنطن، لحل القضايا الدولية والإقليمية العالقة بينهما.

ويُتوقع أن تلجأ إدارة بايدن لضغوط أكثر على روسيا والنظام في حال عرقلت موسكو آلية إدخال المساعدات إلى سورية. وفي هذا الصدد نقل الصحافي والباحث السوري أيمن عبد النور، المقيم في لوس أنجليس، معلومات عن أجواء إيجابية بالنسبة للملف السوري في اللقاء، من وجهة نظر الطرح الأميركي، والالتزام بثوابت الولايات المتحدة حيال القضية السورية. وأشار عبد النور، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه سبق قمة بايدن-بوتين لقاء بين موظفين في الإدارة الأميركية من المعنيين بوضع أجندة للقمة، مع أشخاص وفاعلين من الجالية السورية في الولايات المتحدة وكان هو من بينهم، مشيراً إلى أن الحديث تمحور حول ثلاث نقاط، الأولى أن تكون سورية ملفاً مستقلاً وغير ملحق بالملف الإيراني كي لا يتأثر به بأي شكل، الثانية توضيح التعبير الأميركي المستخدم أخيراً “تغيير سلوك النظام وليس إسقاطه”، لافتاً إلى أن الأميركيين شرحوا لهم بأن ذلك يتعلق بإجراءات قانونية وأن استخدام مصطلح إسقاط النظام يفضي إلى مشاكل بين الكونغرس والدوائر القانونية وبين الإدارة، لذلك يتم اللجوء إلى استخدام مصطلح “تغيير سلوك النظام” إعلامياً فقط. أما الأمر الثالث الذي طرحه الأميركيون في الاجتماع مع الشخصيات السورية فهو أن الإدارة الأميركية وإن كانت غير مستعجلة أو مضطرة لإنهاء الأزمة السورية، إلا أنها ترى أن هذه الأزمة قد طالت واستغرقت الكثير من الوقت، وأن الكثير من المسؤولين الذين كانوا يشغلون مناصب في إدارة باراك أوباما وهم أيضاً موجودون ضمن الإدارة الحالية يشعرون بتأنيب الضمير حيال ما حدث في سورية، ويعتبرون أن مقتل نصف مليون سورية لم يكن ليحدث لو استخدم أوباما الخط الأحمر بحزم.

وكشف عبد النور عن معلومات وصلت إليه من دوائر صنع القرار الأميركي حول ما جرى في لقاء بوتين وبايدن حيال القضية السورية، بأن “بوتين بقي متمسكاً ببشار الأسد ودافع عنه بقوة، وعرض على بايدن تسهيلات كبيرة للولايات المتحدة في سورية بما يشبه شيكاً على بياض، ولا سيما في ما بتعلق التطمينات نحو إسرائيل من قبل النظام”. ولفت إلى أن بوتين كان يحمل رسالة من الأسد في هذا الخصوص، أي أمن إسرائيل والتفاهم على مسألة الحدود والوجود الإيراني قربها. وأكد أن بوتين شدد خلال اللقاء على إمكانية التزام الأسد بإخراج المليشيات الإيرانية من البلاد، ومنع استقدام الأسلحة ذات الدقة العالية التي تستخدمها المليشيات الإيرانية وحزب الله في سورية، وذلك للحد من تهديدها لأمن إسرائيل. وبحسب عبد النور، فإن بوتين عرض على بايدن أن يقدّم تسهيلات للشركات الأميركية لاستخراج النفط والغاز، سواء في البادية أو المتوسط، وعلل عبد النور هذا الطرح بأن روسيا لا تملك الإمكانية المتوفرة لدى الشركات الغربية لاستخراج النفط وبالتالي كان الطرح الروسي بما يشبه شراكة بالثروة النفطية في سورية، وكذلك الشراكة في عملية إعادة الإعمار بما تتضمن مبالغ هائلة ممكن أن تستفيد منها الشركات الأميركية.

وأكد أن إجابة بايدن عن هذا الطرح لم تكن محصورة فقط خلال اللقاء بل رأيناها في المؤتمر الصحافي وقوله إن الأسد شخص لا يمكن الوثوق به. وأشار عبد النور إلى أن بايدن يولي اهتماماً كبيراً للجوانب الإنسانية ولا يمكن أن ينجر نحو مغريات من هذا النوع، وهو غير مضطر أساساً، لكن قد يلجأ إلى مساومات وتعاون مع الروس حيال ملفات إنسانية، ولا سيما تمديد آلية إدخال المساعدات في مجلس الأمن، مع تقديم وعود لاتخاذ إجراءات حيال تخفيف مشاكل السوريين المعيشية في مناطق سيطرة النظام وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم. وخلص إلى أن بوتين لم يستطع تحصيل مكاسب سياسية لصالح النظام السوري، على الرغم من وجود أشخاص في الإدارة الأميركية راغبين في بيع ملف سورية لروسيا مقابل تحقيق مكاسب أميركية في الملف النووي الإيراني. وأكد عبد النور أن الخارجية الأميركية تلقت بعد اللقاء تعليمات لتشكيل فريق عمل متعدد الاختصاصات لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في لقاء بوتين وبايدن من ضمنها ما يتعلق بسورية، مشيراً إلى أن ذلك يسهل على المؤثرين السوريين في الولايات المتحدة معرفة ما سيتم العمل عليه، بل والتأثير به بشكل أو بآخر من خلال تقديم مقترحات لتنفيذ المخرجات المتعلقة بسورية بحكم العلاقة الإيجابية بين للجالية بالخارجية الأميركية. وأبدى تفاؤله انطلاقاً من ذلك بنتائج إيجابية على الملف السوري، قد لا تكون سريعة لكنها مهمة، بحسب قوله.

العربي الجديد

———————————-

روسيا استخدمت التقارب مع معارضين علويين للضغط على الأسد/ عماد كركص

تغاضت روسيا عن كل الضغوط الدولية لتحقيق انتقال سياسي في سورية، وفرضت بقاء بشار الأسد في السلطة من خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجراها النظام السوري في 26 مايو/أيار الماضي، وذلك بعدما دعمت خياراته بالمماطلة في مسار الحل السياسي القائم على قرار مجلس الأمن 2254، وتعطيل عمل هيئة التفاوض واللجنة الدستورية إلى حين الوصول إلى الانتخابات الأخيرة. وسبقت موسكو ذلك بالتواصل مع مكوّنات معارضة، خصوصاً بعد بدء سريان مفعول “قانون قيصر” في يونيو/حزيران 2020. وفيما استهدفت تلك اللقاءات إيهام المجتمع الدولي والأميركيين خصوصاً، بسعي روسيا للمشاركة في إنجاز الحل السياسي، إلا أن هدفاً آخر برز في تلك اللقاءات، عبر لقاء معارضين من الطائفة العلوية، في رسالة روسية للأسد بوجود بدائل له.

وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قد اجتمع أواخر يونيو 2020 مع المعارض السوري، رئيس الائتلاف الأسبق معاذ الخطيب، في العاصمة القطرية الدوحة. وسبق ذلك ببضعة أيام لقاء جمع السكرتير الروسي في الأمم المتحدة في جنيف سيرغي ميتوشين بمجموعة، ممن وصفوا بـ”المؤثرين في الطائفة العلوية في الخارج”، أيضاً في يونيو 2020. وبدا اللقاء الأخير أنه يستهدف توجيه رسالة للأسد، وحينها خرجت توقعات بأن تلجأ روسيا لاستمالة شخصيات سياسية من الطائفة العلوية، موجودين في الخارج، والمعارضين منهم على وجه الخصوص، للسعي لإحداث تغيير يكون على شكل تشذيب للنظام بزج عناصر منهم ذوي صبغة معارضة داخله.

وطرحت الشخصيات السياسية العلوية أسساً لمبادئ عيش مشترك والعمل على صياغة عقد اجتماعي جديد بين السوريين، من دون قبول وصف النظام بالعلوي، مشددة على أنه يستخدم الطائفة والطائفية لأهداف سلطوية لا أكثر. ونصّت الوثيقة التي سُربت عن ذلك اللقاء، بأن الشخصيات التي التقى بها الروس، رفضت الخطاب الروسي بعدم قبول رئيس سنّي في السلطة، ووصفت هذا الخطاب بأنه غير متوازن ويدعو للكراهية. وكان وزير الخارجية سيرغي لافروف قال سابقاً: “إذا سقط النظام الحالي في سورية، ستنبثق رغبة قوية وتمارَس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنّي في سورية، ويقلقنا في هذا الوضع مصير المسيحيين، وهناك أقليات أخرى كالأكراد، والعلويين، والدروز”.

بعد عام من هذا اللقاء، وتمرير الانتخابات الرئاسية التي انتهت بالتجديد لبشار الأسد لولاية جديدة، يشرح معارض سياسي حضر الاجتماع مع سيرغي ميتوشين، لـ”العربي الجديد”، حيثيات التحركات الروسية في ذلك الوقت. ويقر المعارض أن الروس كانوا يريدون من خلال اللقاء بمعارضين من السنّة والعلويين، إيهام المجتمع الدولي والأميركيين على وجه الخصوص، بسعيهم للمشاركة في إنجاز الحل، لا سيما بعد بدء سريان “قانون قيصر” للعقوبات. ويضيف أن الهدف الأول للروس كان رفع العصا بوجه بشار الأسد، لا سيما من خلال اللقاء بمعارضين من الطائفة العلوية، وتوجيه رسالة له مفادها “بأن بدلاءك جاهزون ولدينا تواصل معهم، وها نحن جلسنا معهم فعلاً”. ويبرر المصدر هذا التلويح الروسي أو “رفع العصا” كما سمّاه، بأن الأسد كان خلال تلك الفترة غير مستقر “إلى أي أريكة سيستند”، في معرض الاختيار بين روسيا وإيران، مشيراً إلى أن تمدد إيران عبر توسيع قاعدة المليشيات المرتبطة بها، لم يكن يعجب الروس إطلاقاً. وموسكو كانت تسعى للاستئثار بهذا الجانب، وخلق جيش جديد من المليشيات المرتبطة بقاعدتها العسكرية في حميميم، سواء عبر رجلها الأول في سورية سهيل الحسن، أو عن طريق غيره من الضباط السوريين الذين اختبرت ولاءهم لصالحها، أو على الأقل ممن لا يدينون بالولاء لإيران. ويلفت المسؤول إلى أن روسيا وضعت خططاً لسحب مليشيا “الدفاع الوطني” من عباءة الدعم الإيراني لتجييرها لصالحها. وكل ذلك استدعى الضغط على الأسد لتسهيل ذلك والحد من توسيع النفوذ الإيراني في البلاد.

ويلفت المصدر إلى أن الشق الثاني من الرسالة أو الضغوط الروسية على النظام من خلال ذلك اللقاء، كان يحمل طابعاً اقتصادياً، فشهية الروس مفتوحة بعد سيطرتهم الرسمية على ميناء طرطوس بعقد استثماري لمدة خمسين عاماً، تجاه مواقع اقتصادية حيوية كذلك. ويندرج ضمن ذلك كف يد إيران عن ميناء اللاذقية. وينوه إلى أن الروس يحضّرون للسيطرة تدريجياً على المنافذ البحرية والبرية من خلال عقود استثمار تشغيلية، كاشفاً أن صفقة استثمارية جديدة يتم التحضير لها الآن، ستعطى بموجبها مصفاة حمص للبترول إلى شركة روسية. ونوّه إلى أن الإعلان عن ذلك رهن أسابيع قليلة.

ويكشف أن الروس عاودوا الاتصال بمؤثرين من الطائفة العلوية في الخارج، للتحضر للقاء معهم مجدداً، وتم الاتفاق على موعد للقاء في موسكو لكن تم تأجيله لأسباب تقنية. ومن المرجح أن تتم دعوتهم بعدما انتهت الانتخابات في محاولة لوضع صيغة جديدة من الترتيبات، لكنه يشير إلى أن المعلومات لديه تشير إلى توجّه تلك الشخصيات لرفض حضور اللقاء، بعد أن أدركت حقيقة قيام الروس باستخدامها لـ”فرك أذن” الأسد، وأنها بلعت الطعم بحسن نيّة في هذا الإطار.

في السياق نفسه، يقول مصدر آخر لـ”العربي الجديد”، إن اللقاء الروسي بشخصيات من الطائفة العلوية في الخارج سبقه تمهيد وتحضير روسي في الداخل، ولا سيما في مناطق انتشار الطائفة العلوية من جبال اللاذقية وحتى طرطوس. وعمدت موسكو بحسب المصدر إلى استمزاج آراء المئات من الفاعلين منهم، ممن يمثلونهم في الداخل والخارج، وتوصلوا إلى نتيجة كانت خلاصتها قائمة الشخصيات الذين التقوا بهم في جنيف. ويؤكد المصدر أن هناك شبه إجماع على اسم الحقوقي عيسى إبراهيم من قبل كل الذين استطلعت موسكو آراءهم عبر ضباطها ووكلائها في سورية، مشيراً إلى أن الاستقصاء بهذه الطريقة كان أيضاً عبارة عن تلويح بالعصا في وجه الأسد، وزادت حدة التلويح بعد إنجاز اللقاء فعلاً.

————————–

التحايل على القضية السورية/ عبسي سميسم

يتركز الحديث اليوم، بما يخص القضية السورية، على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية، وأنها العقدة الأكبر التي تواجه المجتمع الدولي لإنجاز تمريرها في مجلس الأمن يوم العاشر من الشهر المقبل. الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تستنفر جهودها الدبلوماسية من أجل دعم قرار في مجلس الأمن لتمديد إدخال المساعدات الأممية من معبر باب الهوى الحدودي، المعبر الوحيد الذي بات ممراً لها، مقابل تلويح روسيا باستخدام حق النقض لمنع التمديد، كما فعلت من قبل، حين تمكّنت من إيقاف إدخال المساعدات من ثلاثة معابر واختصارها بمعبر واحد.

لا يمكن التقليل من أهمية المساعدات الأممية بالنسبة لملايين السوريين في الشمال السوري، في ظل الظروف المأساوية التي يعيشونها، بالتزامن مع القصف اليومي، على الرغم من سريان وقف إطلاق النار، على الأقل شكلياً، وقبلها عمليات التهجير التي أبعدت حوالي مليوني سوري عن مدنهم وقراهم في الشمال الغربي، نحو الحدود مع تركيا. لكن اختصار أزمة الشعب السوري بمسألة إدخال المساعدات، يعتبر تحايلاً دولياً جديداً على الأزمة المأساوية التي يعيشها السوريون.

لم تكن جهود المجتمع الدولي ذات فاعلية في محاسبة النظام على الرغم من مقدرته على ذلك، فكان النظام وحلفاؤه يراوغون في التملص من مسارات الحل السياسي، بل ويزيدون حدة العنف باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً من دون رادع دولي حقيقي، وكانت تجري الكثير من تلك العمليات على وقع صمت معيب من المجتمع الدولي. وعلى ذلك، فإن السوريين لا يحتاجون من المجتمع الدولي لمساعدات غذائية بقدر ما ينتظرون موقفاً حقيقياً رادعاً للنظام وحلفائه عن الانتهاكات المستمرة بحقهم، فيما يقف العالم مكتوف الأيدي.

إعادة السوريين الذين شردهم النظام إلى مدنهم وقراهم، لا سيما في إدلب ومحيطها، يعتبر بالنسبة للسوريين القضية الأهم حالياً. ويجدر بالمجتمع الدولي، أن يدعم الخيارات التركية لإبعاد النظام إلى ما وراء الحدود المتفق عليها باتفاق سوتشي عام 2019، في طريق يؤدي لحل نصف المشكلة، ومن ثم فإن السوريين هناك يتكفلون بتدبر أمورهم المعيشية بالاعتماد على مواردهم الذاتية في الزراعة والأعمال المتوسطة والتجارة. ذلك لن يفضي لحل الأزمة السورية، وإنما يخفف منها، بانتظار تحمّل العالم مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والدفع باتجاه حل جذري وكامل، التي لا تختصرها مسألة المساعدات الإنسانية ولا التفاصيل الأخرى، إنما معضلة كبرى عنوانها نظام بشار الأسد.

العربي الجديد

————————–

قمّة بايدن – بوتين: للحديث بقيّة/ راغده درغام

حدث في القمّة الأميركية – الروسية ما كان مصمّماً له أن يحدث بين فريقي الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لا مفاجآت ولا مواجهات. بعض اللياقة الدبلوماسية والشخصية تتقاطع مع حزمٍ هنا وليونةٍ هناك. غادر الرجلان القمّة كلٌّ متأبطاً ما أحرزه وأهمّه عدم الإخفاق، عدم التنازل في الملفات المعقّدة، تحديد الخطوط الحُمر، إنهاء الحروب الدبلوماسية بعودة السفراء وإعادة فتح القنصليات، الاتفاق على مبدأ التفاهم مستقبلاً والعمل على سد الفجوات العميقة التي جعلت تحقيق الاختراق في القمّة مستحيلاً ومستبعَداً بالأساس.

لم يتفاوض الرئيسان أثناء قمّة الساعات القليلة، لأن الفريقين فاوضا مسبقاً على كل خطوة وصورة ورمزية في رقصة بايدن – بوتين، ولأن المفاوضات الضرورية لبناء الجسور الضرورية لسد الثغرات في المواقف المتباعدة تتطلّب ورشة عمل جدّيّة على مستوى المهنيّين في مختلف الوزارات. وهذا لربما أبرز ما حققته القمّة، وهو، تعريف كل من الرئيسين ما هي الملفات التي تشكّل له خطّاً أحمر وتلك التي يمكن التفاوض في صددها. من الأمن الاستراتيجي الى مسألة تغيير المناخ مع تشكيل فِرَق عمل لبدء المفاوضات. جو بايدن غادر القمة بزهو قائد الغرب الذي أبلغ الرئيس الروسي بحزم قواعده ومواقفه كقائد الغرب، وليس فقط كرئيس الولايات المتحدة، فلاديمير بوتين حقّق لنفسه نتائج ممتازة في قمّة الإخراج للصورة، إذ كان اللقاء فرصة لإبراز روسيا بوزن ثقيل – وكأنها بعظمة الاتحاد السوفياتي في زمن القطبين – ولإبراز نفسه لاعباً أساسياً على الساحة الدولية يلتقي الرئيس الأميركي على قدم المساواة. كلاهما اتفق على أن يكون للحديث بقيّة.

في الشكل كانت هذه قمّة جمعت قائدي دولتين عظميين. في الفعل، كانت مجرد لقاء تعارف بين الرئيسين الأميركي والروسي لم يحقق أي خطوة رئيسية جذرية في العلاقات بين البلدين. ما من نجاح باهر لهذه القمة، لكن لا فشل.

الرئيسان ووزيرا الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن والروسي سيرغي لافروف لم يمضوا الساعات الثلاث في استراحة، بل استخدموها لتحديد وتعريف المواقف القابلة للأخذ والعطاء في ملفات معيّنة، وتلك غير القابلة للنقاش.

من وجهة النظر الروسية، أفرط الرئيس الأميركي في الحديث بإسهاب عن مسائل حقوق الإنسان في روسيا، وفي مقدمتها قضية المعارض ألكسي نافالني، وخصّص لهذه المسائل وقتاً طويلاً. لكن الفريق الأميركي كان أبلغ الفريق الروسي عند التمهيد للقمّة أن مسألة حقوق الإنسان أهمّ لإدارة بايدن من الرؤوس النووية، حسبما نقل أحدهم عن المحادثات التمهيدية.

فريق بايدن حرصَ كل الحرص على حماية الرئيس من مفاجآت نظيره الروسي، وتم تصميم كل لقطة وكل خطوة لمنع فلاديمير بوتين من أخذ زمام المبادرة. مِن رفض وضع أجندة، الى معارضة عقد مؤتمر صحافي مشترك، الى إنهاء القمة قبل 4 ساعات فيما فريق بوتين أرادها على الأقل 5 ساعات – بل أرادها لأيام كعادة القمم – كان فريق بايدن حازماً في رسم المشهد والسيطرة على الفحوى. فاللياقة والرسالة شيء، والثقة شيء آخر. وبكل وضوح، أبرزت القمّة أن إدارة بايدن لا تثق بفلاديمير بوتين ولربما لن تنسى له، بحسب رأيها، تدخّله في الانتخابات الرئاسية التي أتت بدونالد ترامب رئيساً وسلبت الرئاسة من هيلاري كلينتون. لكنها جاهزة لاحتواء المواجهات ولاستنباط مجالات التفاهم، ثنائياً أو في صدد الملفات الدولية.

ما نقلته مصادر اطّلعت على أجواء القمّة وملفاتها هو أن الرئيسين لم يبحثا في العمق موضوع الصين، لا سيّما أن قمّة حلف شمال الأطلسي (ناتو) والقمّة الأميركية – الأوروبية أوضحتا مواقف الغرب من الصين جليّاً.

في ما يخص المسائل الإقليمية، تحدّث الرئيسان عن إيران وعن سوريا، وحسبما نقلت المصادر، كانت رسالة الرئيس بايدن أن التوصّل الى اتفاق مع إيران ممكن، لكن من غير الممكن القفز على سلوكها الإقليمي. قال بايدن لبوتين إنه يتابع عن كثب ما وصفه باستمرار إيران بسلوك يشكّل عنصراً “خطيراً” في السياسات الإقليمية، وأكد أن الولايات المتحدة لن ترفع كامل العقوبات عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى حين تغيير السلوك الإيراني.

أي أن إدارة بايدن جاهزة لرفع المزيد من العقوبات المفروضة على إيران، بالذات في قطاع النفط، لكنها ليست مستعدّة لرفع الحظر العسكري والسماح بصفقات أسلحة لإيران ما دامت إيران تتبنّى ما تسميه إدارة بايدن السياسات والنشاطات الإقليمية “الخبيثة”. بالطبع، مصلحة روسيا تقتضي رفع العقوبات العسكرية قبل غيرها، لأن لها مشاريع صفقات أسلحة ضخمة متشوّقة جداً لبيعها لإيران.

الموضوع الإقليمي الآخر الذي تطرّق اليه الرئيسان هو سوريا، حيث أبلغ بايدن بوتين أن الولايات المتحدة مهتمة بسوريا ولن تختفي عن المشهد السوري. وقال له، بحسب المصادر، إن إدارته جاهزة للبحث في الموضوع السوري على هذا الأساس.

مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جوي هود شارك في الحلقة الافتراضية 37 لقمّة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي، الى جانب كل من وزير خارجية فنلندا بيكا هافيستو، ووزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي، ورئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسية فيودور لوكيانوف. هود حدّد سوريا كمكان وموقع حيث يمكن للولايات المتحدة أن تتعاون مع روسيا بالذات عبر البوّابة الإنسانية.

قال: “إذا اتفقنا على التعاون على الصعيد الإنساني، فقد نتمكّن من إحراز التقدّم على الصعيد السياسي أيضاً، لأن الرئيس بوتين أوضح مراراً عبر السنوات أنه ليس بالضرورة متفانياً dedicated لبشار الأسد كشخص، وأن ما يريده هو تجنّب الفوضى الكاملة في سوريا. ونحن نتقاسم الهدف ذاته في ما يخص عدم الرغبة بالمزيد من الفوضى والمعاناة الإنسانية”. وأضاف أن المطلوب هو “إنشاء دستور جديد، وإنشاء حكومة جديدة تمثّل الشعب حقاً، ولربما عندئذ يمكننا التوصّل الى وسائل تتمكّن من الدفع الى الأمام بالمصالح الأميركية والروسية في روسيا عبر عملية سياسية، ونحن في حاجة الى دعم روسيا لتحقيق ذلك”.

فيودور لوكيانوف أشار الى التعاون الأميركي – الروسي في سوريا عبر العسكريين “الحريصين جداً على عدم الاستفزاز بين الولايات المتحدة وروسيا، وقد نجحوا في ذلك”. لكنه شكّك في تحقيق التعاون على الصعيد الإنساني كما وصفه جوي هود، وقال إن ذلك “من وجهة نظر روسيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاعتراف الأميركي الرسمي بدمشق”، إشارة الى الحكومة الحالية بقيادة الأسد. في رأيه أن العلاقة الثنائية الأميركية – الروسية هي الأولوية لموسكو وليس الصفقة النووية أو إيران في سوريا “حيث لنا مصالح مختلفة حتى داخل سوريا كحلفاء هناك، لكن بأجندة مختلفة”. ويعتقد أن مقياس نجاح قمّة بايدن – بوتين هو تشكيل فِرق عمل من الخبراء والجنرالات والدبلوماسيين للقيام “بمراجعة شاملة لمسائل الاستقرار الاستراتيجي”، والبدء بالعمل.

الخلافات الأميركية – الروسية الجذرية تنطلق من اختلاف العقيدة ونظام الحكم. فالرئيس جو بايدن شهر الديموقراطية وحقوق الإنسان في وجه أنظمة الاستفراد بالسلطة وأنظمة الاستبداد والأنظمة الثيوقراطية. أعلن عزمه على تقوية الأنظمة الديموقراطية وإضعاف الأنظمة الثيوقراطية للحكومات الدينية التي تزعم أنها تستمد سلطتها مباشرة من الله، مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بايدن صادِق في عزمه على تقوية الأنظمة الديموقراطية، لكنّ نقطة ضعفه تكمن في أنه يتبنّى سياسات تؤدي مباشرة الى تقوية الأنظمة الثيوقراطية، كما يفعل في سياساته نحو إيران. صحيح أن رسالته الى طهران هي: لا تستنتجوا أن صفقة الاتفاقية النووية JCPOA قد تمّت، الى حين إتمامها. لكن الصحيح أيضاً هو أن إدارة بايدن وافقت على استبعاد السلوك الإيراني “الخبيث” عن المحادثات، وسحبت من أيديها أدوات التأثير في ذلك السلوك. فرفع العقوبات في القطاع النفطي عن إيران يوفر لديها الأموال الكافية لتمكين الحرس الثوري الإيراني من توطيد مشاريعه الإقليمية وتعزيزها وتنفيذها. أما حجب رفع العقوبات العسكرية فإنه لا يؤثر في الميزانية الإيرانية، بل في الميزانية الروسية لربما.

وهنا التناقض الخطير في أقوال الرئيس جو بايدن وفريقه وأفعالهما، بالذات في مزاعم التمسك بالديموقراطية وحقوق الإنسان، في حين أن السياسة الفعلية هي تجاهل الأمرين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الأوروبيون أيضاً يتعمّدون التجاهل ذاته عندما يتعلّق الأمر بإيران، لكنهم يتعصّبون للديموقراطية وحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالصين وروسيا – تماماً كما تفعل إدارة بايدن – لغايات المصالح الاستراتيجية.

لكن الاهتمام الأوروبي، المدعوم أميركياً، واضح في ملفات إقليمية معيّنة وبتنسيق وثيق مع دول عربية، كما يحدث مثلاً في ملف سدّ النهضة والخلاف بين السودان ومصر مع إثيوبيا حوله.

وزير خارجية فنلندا، بيكا هافيستو، تحدّث أثناء الحلقة الافتراضية 37 عن انتهاكات حقوق الإنسان في القرن الأفريقي، وهو المُكلّف من الاتحاد الأوروبي ملف سد النهضة. قال إن “دولاً خليجية، بالذات السعودية والإمارات، منخرطتان” في محاولة البحث عن حلول للأزمة المعنيّة بسد النهضة “وإننا نتطلّع الى المزيد من جهود الدول الخليجية في شأن هذه المسألة”، التي يتعاون في حلها كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.

وزيرة خارجية السودان، مريم الصادق المهدي، شدّدت على دور دولة الإمارات في المساعدة على إجراء المفاوضات. وقالت إن مصر كانت تعارض في السابق إجراء المفاوضات مع إثيوبيا على مرحلتين، لكنها وافقت هذا الأسبوع على فكرة التفاوض على مرحلتين. هذا التعاون الدولي لاحتواء أزمة خطيرة بين الدول الثلاث هو مثال على نوع جديد من الدبلوماسية المتعدّدة الأطراف، بغياب لافت لأدوار الصين وروسيا التقليدية في القرن الأفريقي. فالمقاييس والمعايير والأدوار والأولويات تعيد اختراع نفسها على الساحات الدولية.

———————–

 ارتياح روسي للاتفاق مع أميركا على دفع الملف الإنساني في سوريا

موسكو: رائد جبر

بعد مرور أيام قليلة على عقد أول قمة روسية – أميركية منذ تولي الرئيس جو بايدن مهامه، بدأت تتكشف أمور من النقاشات التي جرت خلال جولة المفاوضات التي استمرت نحو 4 ساعات، وشملت لقاءً منفرداً بين الرئيسين ونقاشات موسعة بحضور وفدي البلدين.

وأكدت مصادر روسية لـ«الشرق الأوسط» معطيات كانت قد برزت بعد القمة مباشرة، حول أن الجوانب السياسية ومستقبل التسوية السياسية في سوريا غابت عن النقاشات الروسية – الأميركية خلال القمة، في حين تم التركيز بشكل أساسي على الوضع الإنساني والمعيشي. وتخلل اللقاء طلب روسي مباشر بضرورة رفع العقوبات الأحادية المفروضة من جانب الولايات المتحدة على سوريا لتخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية المعيشية، فضلاً عن الأهمية التي أولتها موسكو لدفع ملف المساعدات الإنسانية، وضرورة أن يكون مرورها وتوزيعها في كل المناطق السورية عبر الحكومة السورية وحدها.

وبدا أن هذا الموضوع شكل عنصر الاختبار الجدي لقدرة الطرفين على تحقيق تقدم في المفاوضات حول الأزمة السورية بشكل عام. وهو أمر دلت عليه تصريحات الجانب الروسي التي سبقت القمة، والتي ركز خلالها بوتين على الأهمية التي توليها بلاده لتحقيق عمل مشترك مع واشنطن.

وقال بوتين الذي اصطحب معه إلى جنيف المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، ما عكس رغبته في إجراء مناقشة واسعة شاملة للوضع حول سوريا، إن تقديم المساعدات الإنسانية إلى جميع سكان المناطق في سوريا دون تمييز يعد «ضرورة لها أولوية».

وزاد في حوار مع قناة «إن بي سي» أن شركاءنا في الغرب، أي في الولايات المتحدة وأوروبا، يقولون إنهم لن يساعدوا (الرئيس السوري بشار) الأسد، فما علاقة الأسد بهذا الأمر؟ ساعدوا الناس الذين يحتاجون إلى هذه المساعدة لكي تكون بحوزتهم أبسط المستلزمات. لكنهم لا يرفعون القيود حتى على توريد المعدات الطبية والأدوية، على الرغم من ظروف جائحة عدوى فيروس كورونا. هذا الأمر غير إنساني، ولا يمكن تبرير هذا التعامل القاسي مع الناس بأي شيء».

لكن هذا المدخل قوبل بإصرار أميركي، كما أوضح المصدر الدبلوماسي الروسي، على أن واشنطن لا ترى أن حكومة الرئيس بشار الأسد شرعية يمكن التعامل معها. وتمت الإشارة إلى عدم اعتراف واشنطن بشرعية ونزاهة الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيراً. وأكثر من ذلك، فقد دلت تصريحات صدرت عن البيت الأبيض على أن واشنطن تعتزم اختبار إمكانية عمل مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا خلال المناقشات المنتظرة الشهر المقبل في الأمم المتحدة حول تمديد عمل الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات للسوريين، علماً بأن المناقشات ستجري في 11 يوليو (تموز) لتمديد فاعلية قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2533) حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا.

واستبق مندوب روسيا لدى المجلس، فاسيلي نيبينزيا، النقاش بالقول إنه «لا شك في أن الحفاظ على الآلية العابرة للحدود سيعني أيضاً الاستمرار في دعم الإرهابيين الذين يعيشون على ما يبتزون وكيف يسيطرون على التهريب؛ المساعدات الإنسانية التي تأتي على طول هذا الممر تقع في أيدي الإرهابيين».

لكن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قال إن المشاورات الخاصة بسوريا بين الرئيسين تركزت على مسألة ضمان الإيصال الإنساني، لافتاً إلى أن بايدن شدد على أن «ملايين الأشخاص الجياع» يحتاجون إلى الدعم في شمال شرقي وشمال غربي سوريا.

وفي هذا الإطار، أكد المصدر الدبلوماسي الروسي لـ«الشرق الأوسط» أن موسكو لم تكن لديها أوهام حول احتمال التوصل إلى تفاهمات حول سوريا مع الجانب الأميركي، كما بالنسبة إلى كل الملفات التي طرحت خلال القمة.

وزاد أن واشنطن ما زالت مصرة على تقديم مداخل «مختلفة تماماً للتعامل مع الوضع في سوريا، وهي قوة احتلال موجودة من دون دعوة من الجانب السوري، وتدعم النزعات الانفصالية في مناطق وجودها العسكري».

وأوضح أن بوتين عندما تحدث عن ملف المساعدات الإنسانية ورفع العقوبات أشار إلى أن العقوبات الغربية الأحادية «تنعكس فقط على الشعب السوري، وليس على أطراف النظام التي لم تتضرر منها عملياً».

وعلى الرغم من ذلك، أشار المصدر إلى ارتياح روسي بسبب بروز روح إيجابية ورغبة في تحقيق تقدم في عدد من الملفات، موضحاً أن النقاش حول ملف المساعدات الإنسانية برز بين الملفات الخلافية، لكن الطرفين اتفقا في المحصلة على أن تتم مواصلة المناقشات بشأنه بهدف التوصل إلى تفاهمات لاحقاً.

لذلك رأى أن مخرجات القمة والروح الإيجابية التي ظهرت خلالها «لا بد أن تنعكس على المناقشات المنتظرة الشهر المقبل في مجلس الأمن، وأن يتم العمل من أجل إيجاد صياغات مقبولة أو نوع من التوافق». وبالدرجة ذاتها من التوقعات المتفائلة بشكل حذر، قال المصدر إن ملف الأعمار سيكون مطروحاً على أجندة الحوارات المستقبلية بين موسكو وواشنطن، موضحاً أن «الأميركيين طرحوا فكرة أن الإعمار سيكون مفيداً مهماً في المستقبل لجهة انضمام المجتمع الدولي، بما في ذلك الشركات الأميركية، إلى هذه العملية، لكن من السابق لأوانه الحديث حالياً حول هذا الملف».

وفي المقابل، قال الدبلوماسي الروسي إن الملفات السياسية حول مستقبل التسوية في سوريا غابت عن المناقشات، كما غابت ملفات أخرى ظلت مثار سجالات حادة بين موسكو وواشنطن خلال الفترة الأخيرة، بينها موضوع الوجود الإيراني في سوريا الذي لم يطرح خلال قمة جنيف لأن «الوقت لم يكن كافياً»، في حين ناقش الرئيسان ملف إيران النووي.

وأيضاً لم يتم التطرق خلال المناقشات إلى مسألة الوجود الأميركي في سوريا، والخطوات التي قامت واشنطن بها أخيراً لتعزيز هذا الوجود.

ووفق المعطيات الروسية، فقد اقتصر النقاش حول الموضوع العسكري الميداني على الحديث عن أهمية المحافظة على قنوات التنسيق العسكرية بهدف منع وقوع احتكاكات جديدة بين القوات الروسية والأميركية في سوريا، فضلاً عن مناقشة آليات العمل المشترك لملاحقة المجموعات الإرهابية أو ما تبقى منها وتقويض نشاطها.

الشرق الأوسط

———————-

نظام الأسد.. الموقف أخلاقي/ مصطفى فحص

عقد بوتين مؤتمرا صحفيا بعد قمته مع بايدن التي عقدت في جنيف وأجاب على أسئلة الصحفيين حول عدد من القضايا منها سجل بلده في مجال حقوق الإنسان

عقد بوتين مؤتمرا صحفيا بعد قمته مع بايدن التي عقدت في جنيف وأجاب على أسئلة الصحفيين حول عدد من القضايا منها سجل بلده في مجال حقوق الإنسان

المُضحك المبكي في المؤتمر الصحفي المنفرد الذي عقده بعد إنتهاء لقائه مع نظيره الأميركي، جو بايدن، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان يتحدث عن حقوق الإنسان بطريقة أشبه برئيس لجمعية أو مؤسسة تعمل في مجال الحريات العامة ودعم الديمقراطيات، فيما سِجل بلاده الداخلي والخارجي حافل بالتجاوزات التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وسوريا مثال على ذلك.

فالناشط الحقوقي فلاديمير بوتين الذي طالب بالعدالة للضحايا الأفغان الذين سقطوا في أحد الأعراس نتيجة لقصف جوي أميركي، ما لبثت القيادة المركزية الأميركية أن اعترفت بخطأها، ومن ثم وجه سهام انتقاداته إلى ما وصفه بالحالة غير القانونية لسجن غوانتانامو، كأنه نسي أو أراد أن يتناسى سجل بلاده في حقوق الإنسان والتصفيات التي تعرض لها خصومه السياسيين أو المنشقين، وأحكام السجن والاعتقالات للمعارضين التي كان آخرها الحكم بالسجن على زعيم المعارضة ألكسي نافالني، والأخطر ما ارتكبه الجيش الروسي في العاصمة الشيشانية غروزني،  وتبقى الفاجعة الأكبر الجريمة السورية.

لا يستطيع فلاديمير بوتين أن يذر الرماد في العيون، ويتكلم بكل صلافة أمام صحفيين دوليين يمكنهم أن يقدموا له قائمة بما فعلته روسيا من أجل الحفاظ على نظام الأسد، فالحديث عن غوانتانامو لا يقارن بما جرى ويجري في فرع فلسطين وسجن عدرا وتدمر، وحرب أفغانستان التي سقط فيها ضحايا مدنيين تختلف عن الحرب على المدنيين في سوريا، لذلك تتجلى الأزمة ما بين الإدارة الأميركية الجديدة والقيادة الروسية في حساباتها الأخلاقية.

يرى فلاديمير بوتين المذبحة السورية جريمة تسقط بالتقادم، لا يجد أي حرج أخلاقي ليطلب من نظيره الأميركي إعطاء فرصة جديدة لرأس النظام السوري بشار الأسد، حيث تقول تسريبات إن بوتين لف ودار لمدة 10 دقائق يتحدث فيها عن أهمية إعادة تعويم الأسد، من دون جدوى، فقد صدم بجواب حاسم من بايدن يرتبط بحجم الجريمة التي ارتكبها الأسد، وأن المسألة أخلاقية.

يقول الكاتب حسين عبد الحسين في صحيفة الرأي الكويتية عن كواليس قمة جنيف إن “بايدن لم يفند النقاط التي استعرضها بوتين حول فوائد إنهاء عزلة الأسد ورفع العقوبات عنه وعن نظامه، واكتفى بالإشارة إلى أن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وأن التعامل معه لم يعد جائزا أخلاقيا”.

يأتي الموقف الأميركي الرافض لفكرة إعادة تعويم الأسد ونظامه ليقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف العربية التي عملت مع موسكو في الآونة الأخيرة من أجل إعادته إلى الجامعة العربية، والتعاون مع نظامه  تحت ذريعة ضرورة تعزيز الحضور العربي في هذا المرحلة التي تشهد إعادة تموضع إقليمي، يستدعي وفقا لمبررات دعاة هذا الطرح التحرك لعدم ترك الورقة السورية بأيدي غير عربية.

فكرة الترويج لدور عربي في سوريا بدأت مع التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015 الذي نجح في تغير الوقائع الميدانيه لصالح ميليشيات النظام، إضافة إلى المساعدة في صفقة  أدت إلى تسليم الجنوب السوري إلى الروس سنة 2017، وقيام إدارة ترمب بوقف مشروع التدريب الخاص بمقاتلي المعارضة السورية، والترويج لانسحاب إيراني من الجنوب السوري بعمق 85 كلم تم تنفيذه نظريا فقط أما واقعيا فإن الميليشيات الايرانية موجودة في الجنوب والجولان تحت غطاء خبراء يعملون مع قوات النظام، إضافة إلى الحضور العسكري والاجتماعي والاقتصادي الإيراني في دمشق وكافة المدن  المُسيطر عليها، والذي لا يمكن منافسته ولا يملك أي طرف القدرة على احتوائه.

وبناء عليه لا تبدو الإدارة الأميركية أقله في هذه الفترة مستعدة للقيام بصفقة مع الروس في سوريا، فالأسد بضاعة كاسدة لا يمكن بيعها أو مقايضتها، واشنطن غير معنية بشراء هذه الأنواع من البضائع، في الوقت الذي تواجه بوتين مباشرة بقضايا حقوق الإنسان والحريات وتربطها بالموقف الاخلاقي.

—————————-

قمة بايدن بوتين وبشار الكيماوي/ بشير البكر

في إشارة لا تخلو من دلالة مهمة، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمره الصحافي، ما دار في اجتماع القمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بخصوص بشار الأسد شخصيا. وقال “سألني بوتين عن سبب اعتقادي بأنه يجب استمرار المشكلات مع الأسد، فقلت له إنه ينتهك القواعد الدولية التي تخص معاهدة الأسلحة الكيماوية، وبالتالي لا يمكن الوثوق به”. وتأتي أهمية هذه الإشارة من عدة أسباب. أولها أن موسكو هي التي رعت مسألة تصفية ملف الأسلحة الكيماوية التي بحوزة النظام السوري، وفق الاتفاق الذي تم مع واشنطن بعد مجزرة الغوطة التي استخدم فيها النظام السلاح الكيماوي وراح ضحيتها نحو 1400 قتيل. والسبب الثاني هو أن هذا النظام عاد إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في عدة أماكن منها دوما في آب 2015 وراح ضحيتها 110 قتلى وخان شيخون في آذار 2017 وسقط فيها نحو 100 قتيل، وعلى أثرها قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتوجيه ضربة تحذيرية للنظام في مطار الشعيرات.

أما السبب الثالث فهو استمرار المتابعة من طرف المنظمات الدولية المعنية بملف الأسلحة الكيماوية، ومنها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي علّقت في نيسان الماضي حقوق سوريا، “لاستخدامها المتكرر للغازات السامة”. وتشمل تلك الحقوق التصويت والترشح للمجلس التنفيذي وعدم إمكانية تولي أي منصب داخل المنظمة. وقالت المنظمة إن سوريا متهمة بعدم الرد على أسئلة المنظمة بعد نشرها تقريرا في العام الماضي، يفيد بأن نظام دمشق استخدم غاز السارين والكلور عام 2017 ضد بلدة اللطامنة، في وقت كانت تسيطر عليها فصائل معارضة، وذلك في انتهاك لاتفاق حظر الأسلحة الكيميائية. وبعد ذلك لم تلتزم دمشق بمهلة 90 يوما حددتها المنظمة للإفصاح عن الأسلحة المستخدمة في الهجمات والكشف عن المخزون المتبقي لديها. ونشرت المنظمة تقريرا في الآونة الأخيرة يتهم النظام السوري باستخدام غاز الكلور عام 2018 في هجوم على بلدة سراقب على بعد 50 كيلومترا جنوب حلب، والتي كانت في ذلك الحين تحت سيطرة فصائل معارضة. وفي آخر تقييم في الرابع من الشهر الحالي قال فرناندو أرياس رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أمام مجلس الأمن إن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا فيما لا يقل عن 17 مرة خلال الحرب الأهلية السورية. وكشف أن الخبراء حققوا في 77 ادعاء، وخرجوا بنتائج أكدت تلك “الحقيقة المزعجة” التي تأتي على الرغم من انضمام سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013. وحدد تقرير المنظمة أنه ما تزال هناك العديد من الأسئلة حول مصداقية النظام السوري، فيما يتعلق بالإعلان عن برنامجه للأسلحة الكيميائية، وذلك بعد “العثور على أسلحة كيميائية في عينات تم جمعها في حاويات تخزين كبيرة في أيلول 2020”.

نظام الأسد الذي انضم لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013 بإيعاز من حليفته روسيا بعد مجزرة الغوطة، كان قد أعلن عن تدمير ترسانته من الأسلحة الكيميائية عام 2014، إلا أن هذا الأمر ما يزال محل تكذيب من المنظمة التي ترد عليها روسيا بأنها “تستخدم معلومات من مصادر متحيزة ضد الحكومة السورية”. على حد تعبير السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الذي قال أمام مجلس الأمن “ليس من المستغرب أن سوريا لم تعترف قط بشرعية مجموعة التحقيق، ولا نحن كذلك”. وأضاف: “تأسست المجموعة بشكل غير شرعي. لا يمكنك أن تتوقع أن سوريا ستتعاون معها”.

الملف الكيماوي وبقية الملفات التي سجلت انتهاكات النظام السوري هي من أقوى الأوراق التي يمتلكها الشعب السوري، وسواء أسفرت قمة بايدن بوتين عن نتائج لصالح السوريين في المدى القريب أم لا، فإن رمي بايدن لهذه الورقة مؤشر على أن مسألتي المساءلة والمحاسبة غير قابلتين للتصرف. وما قاله بايدن عن أن الأسد ليس محل ثقة بسبب الكذب في الملف الكيماوي، هو في حقيقة الأمر بقوة طلب تقديم الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذه مسألة وقت لا أكثر

——————–

لقاء بايدن -بوتين وسوريا اليوم؟/ رضوان زيادة

كل شيء يذكر بعودة الحرب الباردة، على الأقل بالنسبة للسوريين، فكما كانت اجتماعات ريغان مع غورباتشوف أو نيكسون من قبله مع الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي في ذلك الوقت، في جنيف أو غيرها من عواصم العالم، ترقب السوريون اجتماع القمة هذا لينظروا ما سيكون أثره على قضيتهم سوريا، فصراع الكبار أو اتفاقهم ينعكس على الصغار بشكل أو بآخر.

للأسف، لم يخرج الاجتماع بأي شيء مذكور عن سوريا، ربما تم مناقشتها عرضا لكن كلا الطرفين وجدا أن سوريا ليست بذات الأهمية التي يسمح بتخصيص وقت لها خلال الاجتماع ذي الأربع ساعات.

لاشيء عن الانتقال السياسي، لا شيء عن مصير الأسد ولا شيء عن مستقبل الملايين من النازحين والمشردين واللاجئين السوريين، إنها بكل مأسأة وضع سوريا اليوم التي يتقاسم النفوذ بها الدول العظمى وقوى لا تريد الخير لها من مثل الأسد وبوتين وداعش وغيرها، وبالوقت نفسه لم يثمر اجتماع الرئيس التركي أردوغان مع بايدن عن شيء كثير بالنسبة لسوريا ولو أن وزير الدفاع التركي استبق اللقاء بإعادة طرح فكرة المناطق الآمنة.

كان الرئيس ترامب قد أعلن أنه يرغب بإنشاء مناطق آمنة في سوريا عام 2018، تكون ملاذا للاجئين الذين لا يرغب باستضافتهم في الولايات المتحدة، وبالوقت نفسه على دول الخليج تحمل تكاليف إنشاء هذه المناطق، لكن الفكرة تبخرت مع الكثير من أفكار ترامب بعد أن ظهر أنه ليس هناك وضوح سياسي وقانوني وعسكري لما يعنيه بالمناطق الآمنة في سوريا.

الاختبار الحقيقي للقاء بوتين – بايدن بالنسبة لسوريا سيظهر خلال الأيام القادمة، فهل ستمارس روسيا الفيتو مجدداً ضد قرار مجلس الأمن الخاص بمرور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، أم ستعود روسيا كما خلال السنوات العشر الماضية تمنع إصدار أي قرار لمجلس الأمن كما فعلت 16 مرة، فيما يتعلق بقرارات أخف لهجة بكثير وأقل تأثيرا في مجرى تطورات الحرب السورية، إذ وقفت في البداية ضد إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين نظام الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان وارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين، كما رفضت إحالة التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، فهل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى ومعبر اليعربية كما تطالب إدارة بايدن، لاسيما أنها عارضت مثل هكذا فكرة على مدى مدى السنوات الأربع الماضية، ربما يتوقع الرئيس بايدن أن ينجح بإقناع الروس بالقيام بذلك في ضوء صفقة كبرى تقوم على أساس رفع العقوبات على روسيا والتي أثرت على اقتصادها المتهالك، مقابل أن تقدم روسيا شيئاً بالمقابل في أوكرانيا وسوريا.

هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى العسكري والسياسي فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فإنشاء المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية يحتاج إلى إنشاء فرض حظر طيران جزئي على الأقل فوق هذه المناطق من أجل حماية المدنيين واللاجئين الذين سيلجؤون إليها، وهذا يفترض منه منع طيران الأسد والطيران الروسي من التحليق فوق هذه المناطق وبالتالي تدمير أو على الأقل تحييد كل مضادات الدفاع الجوية والصاروخية لنظام الأسد التي يمكنها أن تهدد مثل هكذا منطقة، وهو ما يعني بالتأكيد تدخلاً عسكريا أميركيا أو دولياً محدوداً في الأراضي السورية، أعتقد أن كل القادة العسكريين الأميركيين يعون ذلك، ولذلك لن توافق إدارة بايدن على فكرة المناطق الآمنة كما يظهر واضحا من تصريحات المسؤولين الأميركيين.

سوريا اليوم هي إحدى ضحايا الحرب الباردة الجديدة، وكما خلال الحرب الباردة تضاعف ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لأنها جيرت سياسيا بشكل كبير، وانتظر العالم حتى نهاية الحرب الباردة حتى بدأ بالتفكير في المحاسبة والمسؤولية عن هذه الجرائم، ومع عودة الحرب الباردة تبدو سوريا وأوكرانيا وغيرها من المناطق ساحة جديدة لعودة الحرب الباردة.

وكما أن مبدأ الحماية أقر مع نهاية الحرب الباردة يبدو تطبيقه اليوم متوقفا بسبب عودة هذه الحرب، فمسؤولية الحماية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن، ويمثل تطوراً عميقاً في الوسائل التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها، ففي تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة بحماية السكان المقيمين على أرضها – بصرف النظر عما إذا كانوا يحملون جنسيتها أم لا – من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما يحرض على تلك الجرائم السابقة. ثانياً: يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتها الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إذا ظهر في شكل واضح فشل دولة في حماية شعبها. فيجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك في شكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد إلى الفصل السادس والسابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك، إضافة إلى ذلك، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى من دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.

هل سينتظر السوريون نهاية هذه الحرب الباردة حتى يتم تطبيق مبدأ الحماية على الملايين منهم الذين يحتاجون إلى هذه الحماية من نظام الأسد الذي مارس إرهاب الدولة بحقهم.

———————-

تركيا تلعب دورًا مهمًا في الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن المساعدات السورية/ فهيم تستكين 

قد تكون الإدارة الأمريكية منفتحة على تغيير الموقف من الملف السوري لتأمين تدفق المساعدات الدولية عبر الحدود إلى سوريا ، وهو احتمال قد يفسد حسابات تركيا في سوريا وخاصة في إدلب.

الرئيس الأمريكي جو بايدن (إلى اليمين) يتحدث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (إلى اليسار) خلال الجلسة العامة لقمة في مقر منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل ، في 14 يونيو 2021. – أوليفر ماتيس / وكالة فرانس برس عبر Getty Images

على الرغم من أن المساعدات الإنسانية لسوريا لم تكن على رأس جدول الأعمال خلال جولة الرئيس جو بايدن في أوروبا ، إلا أن واشنطن أشارت إلى أنها قد تكون مستعدة لنوع من التغيير في الموقف بشأن هذه المسألة ، والتي تظل أولوية قصوى لسياسة إدارة بايدن تجاه سوريا. مع تركيز محادثات واشنطن مع موسكو على استمرار تدفق المساعدات الدولية وإعادة فتح المعابر الحدودية ، تحتل تركيا موقعًا رئيسيًا في المفاوضات.

على الرغم من فشل بايدن في تأمين التزام من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتجديد وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا خلال اجتماعهما في 16 يونيو / حزيران ، تشير الملاحظات إلى أن كلا الزعيمين قد يكونان مستعدين للتغيير.

قال بايدن عقب اجتماع 16 حزيران / يونيو “أشار [بوتين] إلى أنه كان مستعدًا للاقتباس ،” المساعدة “بشأن أفغانستان … بشأن إيران”. وأضاف: “في المقابل ، قلنا له ما نريد القيام به فيما يتعلق بجلب بعض الاستقرار والأمن الاقتصادي أو الأمن المادي لشعب  سوريا وليبيا “.

القضية الأكثر إلحاحًا في  المفاوضات  حاليًا هي إبقاء معبر سيلفيغوزو / باب الهوى على الحدود التركية مفتوحًا. سينتهي تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإبقاء المعبر مفتوحًا بحلول 10 يوليو ، وسط تحذيرات من قبل جماعات مدنية من كارثة تلوح في الأفق. كما تضغط إدارة بايدن والمنظمات الدولية من أجل الحصول على إذن بإعادة فتح معبر باب السلامة على الحدود التركية واليعربية بين كردستان العراق وشمال شرق سوريا.

تركيا ، التي لها موقع حاسم في عملية صنع القرار التي ستستخدم فيها المعابر لتدفق المساعدات الإنسانية ، هي أيضًا المحاور الرئيسي في المصالحة الروسية الأمريكية المحتملة.

وخلال لقائه مع بايدن في 14 حزيران / يونيو على هامش قمة الناتو ، أدرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أولويات تركيا في الملف السوري ، مؤكداً أن إنهاء الدعم الأمريكي للجماعات الكردية السورية يظل أولوية أنقرة القصوى.

تعارض تركيا إعادة فتح اليعربية على أساس أن المساعدات التي تتدفق عبر المعبر ستساعد الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا.

على الرغم من أن أردوغان فشل في الحصول على ما يريده من بايدن خلال اجتماعهما ، إلا أن البيان الختامي لقمة الناتو قدم بعض التهدئة لتركيا.

وأضاف “نظل يقظين بشأن إطلاق صواريخ من سوريا يمكن أن تضرب أو تستهدف تركيا مرة أخرى. وجاء في الوثيقة النهائية “نحن نواصل مراقبة وتقييم تهديد الصواريخ الباليستية من سوريا”.

وأضافت: “نكرر تقديرنا لحليفتنا تركيا لاستضافتها ملايين اللاجئين السوريين”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الدعم قد يُنظر إليه على أنه مكافأة لاقتراح أنقرة الحفاظ على أمن مطار كابول بعد انسحاب قوات الناتو من أفغانستان ومساهمات تركيا في جهود الناتو الهادفة إلى ردع روسيا. ولم يرد ذكر للمخاوف الأمنية لتركيا في بيان قمة الناتو السابق.

إذا تمكنت إدارة بايدن من إبقاء معبر باب الهوى مفتوحًا وإعادة فتح معبر آخر لتدفق المساعدات ، يمكن تحقيق معلم بارز في السياسة السورية.

تدفقت المساعدات الإنسانية الدولية عبر أربعة معابر حدودية – باب الهوى وباب السلامة واليروبية ورمس على الحدود الأردنية – بين عامي 2014 و 2020 بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي. تم إغلاق اليعربية ورمس في عام 2020. بحجة أن المساعدات يجب أن تمر عبر دمشق ، رفضت روسيا تجديد الإذن بإبقاء باب السلامة مفتوحًا وإعادة فتح اليعربية ورمس. تتدفق المساعدات الإنسانية حاليًا عبر باب الهوى فقط.

في حديثه في جلسة افتراضية لمجلس الأمن بشأن سوريا في 29 آذار / مارس ، حث وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن على إعادة فتح باب السلامة واليروبية في الوقت الذي تحذر فيه المنظمات الدولية من كارثة إنسانية في الطريق إذا فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق. لتمديد تفويض الأمم المتحدة لإبقاء باب الهوى مفتوحا.

بالنسبة لملايين المدنيين في إدلب ، هذا هو شريان حياتهم. خلال العام ونصف العام الماضيين ، نجح بعض أعضاء مجلس الأمن في إغلاق معبرين آخرين إلى سوريا بشكل مخجل. قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ، ليندا توماس جرينفيلد ،  خلال زيارتها للمعبر الحدودي في 3 يونيو / حزيران … إن باب الهوى هو حرفياً كل ما  تبقى. .

على الرغم من أن بايدن فشل في الحصول على وعد من بوتين بالحفاظ على تدفق المساعدات خلال اجتماعهما ، إلا أن الجانب الأمريكي “أوضح أن هذا كان ذا أهمية كبيرة بالنسبة لنا إذا كان هناك أي تعاون إضافي بشأن سوريا ،” قال مسؤول أمريكي لرويترز. بعد اجتماع 16 يونيو. وقال المسؤول إن التجديد سيكون اختبارًا لما إذا كان يمكن للولايات المتحدة وروسيا العمل معًا.

أما بالنسبة لإعادة فتح معبر اليعربية ، فإن الاعتراضات الروسية ليست العقبة الوحيدة. كما تعارض تركيا الفكرة على أساس أن المساعدات التي تتدفق عبر المعبر ستساعد الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا.

وبدلاً من ذلك ، تريد تركيا أن يظل باب الهوى مفتوحًا وأن يعيد فتح باب السلامة المرتبط بمنطقة درع الفرات الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا.

روسيا من جانبها قد توافق على بقاء باب الهوى مفتوحًا من أجل العلاقات الروسية التركية. لكن مقابل إعادة فتح باب السلامة واليعربية ، تطالب موسكو بمواقف وقائية تجاه التنظيمات الإسلامية الراديكالية في إدلب ، بما في ذلك هيئة تحرير الشام ، ورفع العقوبات عن النظام السوري.

في غضون ذلك ، قد تسعى روسيا إلى صيغة جديدة تدفع الأكراد في شمال شرق سوريا إلى دمشق. يشير أحد السيناريوهات إلى أنه إذا تركت الولايات المتحدة السيطرة على آبار النفط في شمال سوريا لدمشق ، فقد تسمح موسكو بإعادة فتح اليعربية. على الرغم من عدم وجود تأكيد ملموس لمثل هذه الادعاءات ، فقد عززت التطورات الأخيرة الاحتمالات.

أولاً ، قررت الإدارة الأمريكية عدم تمديد الإعفاء من العقوبات الذي منحته إدارة ترامب في أبريل 2020 لعمليات شركة النفط الأمريكية دلتا كريسنت إنرجي في شمال شرق سوريا. ربما يسعى بايدن إلى تمهيد الطريق للعمل مع روسيا بشأن سوريا من خلال التخلي عن سياسة الولايات المتحدة في حراسة النفط السوري ، وهي سياسة لم يكن يعتز بها في المقام الأول. قد تهدف هذه الخطوة أيضًا إلى تهدئة مخاوف أنقرة بشأن سيطرة الأكراد على النفط السوري والمعارضة التركية لإعادة فتح اليعربية.

بعد سقوط آبار النفط تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ، تغيرت مواقف موسكو ودمشق تجاه الأكراد بشكل كبير. تمثل الشراكة الأمريكية الكردية والهيمنة الكردية على النفط والحبوب السورية عوائق رئيسية أمام المفاوضات مع دمشق. قد تكون إعادة فتح اليعربية وتغيير السيطرة على النفط السوري علامة فارقة للمثلث التركي الروسي الأمريكي في سوريا.

على الرغم من أن الإدارة الأمريكية لا تزال تجادل بضرورة التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 ، الذي يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة ، فإن قمة بايدن – بوتين ربما تكون قد ألمحت أيضًا إلى تحول في السياسة في موقف واشنطن. في مواجهة الحكومة السورية.

“سألوني لماذا اعتقدت أنه من المهم الاستمرار في المشاكل مع رئيس سوريا. قلت: “لأنه ينتهك قاعدة دولية”. إنها تسمى معاهدة الأسلحة الكيماوية. لا يمكن الوثوق بها. قال بايدن.

قد تشير هذه التصريحات إلى أن شروط واشنطن لإقامة علاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد قد تغيرت. ومع ذلك ، من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات كبيرة.

أما بالنسبة لتركيا ، فإن ما إذا كان الدعم النسبي الذي قدمه الناتو لأنقرة في الوثيقة الختامية للقمة سيترجم إلى مساعدة ملموسة أم لا يبقى سؤالاً مفتوحًا. ولم يستبعد بايدن العمل مع روسيا في ملفات إيران وأفغانستان وليبيا وسوريا ، ما يعني أن تحقيق أمريكا لتوقعات تركيا في سوريا ليس مضمونًا.

في غضون ذلك ، اتخذت أنقرة عدة خطوات من جورجيا إلى أوكرانيا وبولندا في محاولة للمساهمة في الجهود الغربية لردع روسيا. قد تتحول التوترات المتصاعدة بين تركيا وروسيا على هذه الجبهات إلى تصعيد في إدلب ، حيث بدأت دمشق وموسكو بالفعل في زيادة الضغط عسكريًا. كما تقوم إيران بتعزيز عسكري حول حلب.

قد يهدف دعم الناتو لتركيا إلى بناء قوة ردع ضد عاصفة وشيكة في إدلب. ومع ذلك ، تفتقر أنقرة إلى تأكيد ملموس بشأن هذه المسألة ، كما يتضح من تصريحات أردوغان بعد اجتماعه مع بايدن.

“أعتقد أنه يمكننا الاعتناء بأنفسنا. وقال أردوغان بعد المحادثات “لا توجد طريقة أخرى للقيام بذلك” ، معربًا عن خيبة أمله من الدعم الأمريكي للجماعات الكردية السورية.

موقع المونيتور

—————————

======================

تحديث 21 حزيران 2021

———————–

نظام الأسد.. الموقف أخلاقي/ مصطفى فحص

عقد بوتين مؤتمرا صحفيا بعد قمته مع بايدن التي عقدت في جنيف وأجاب على أسئلة الصحفيين حول عدد من القضايا منها سجل بلده في مجال حقوق الإنسان

عقد بوتين مؤتمرا صحفيا بعد قمته مع بايدن التي عقدت في جنيف وأجاب على أسئلة الصحفيين حول عدد من القضايا منها سجل بلده في مجال حقوق الإنسان

المُضحك المبكي في المؤتمر الصحفي المنفرد الذي عقده بعد إنتهاء لقائه مع نظيره الأميركي، جو بايدن، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان يتحدث عن حقوق الإنسان بطريقة أشبه برئيس لجمعية أو مؤسسة تعمل في مجال الحريات العامة ودعم الديمقراطيات، فيما سِجل بلاده الداخلي والخارجي حافل بالتجاوزات التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وسوريا مثال على ذلك.

فالناشط الحقوقي فلاديمير بوتين الذي طالب بالعدالة للضحايا الأفغان الذين سقطوا في أحد الأعراس نتيجة لقصف جوي أميركي، ما لبثت القيادة المركزية الأميركية أن اعترفت بخطأها، ومن ثم وجه سهام انتقاداته إلى ما وصفه بالحالة غير القانونية لسجن غوانتانامو، كأنه نسي أو أراد أن يتناسى سجل بلاده في حقوق الإنسان والتصفيات التي تعرض لها خصومه السياسيين أو المنشقين، وأحكام السجن والاعتقالات للمعارضين التي كان آخرها الحكم بالسجن على زعيم المعارضة ألكسي نافالني، والأخطر ما ارتكبه الجيش الروسي في العاصمة الشيشانية غروزني،  وتبقى الفاجعة الأكبر الجريمة السورية.

لا يستطيع فلاديمير بوتين أن يذر الرماد في العيون، ويتكلم بكل صلافة أمام صحفيين دوليين يمكنهم أن يقدموا له قائمة بما فعلته روسيا من أجل الحفاظ على نظام الأسد، فالحديث عن غوانتانامو لا يقارن بما جرى ويجري في فرع فلسطين وسجن عدرا وتدمر، وحرب أفغانستان التي سقط فيها ضحايا مدنيين تختلف عن الحرب على المدنيين في سوريا، لذلك تتجلى الأزمة ما بين الإدارة الأميركية الجديدة والقيادة الروسية في حساباتها الأخلاقية.

يرى فلاديمير بوتين المذبحة السورية جريمة تسقط بالتقادم، لا يجد أي حرج أخلاقي ليطلب من نظيره الأميركي إعطاء فرصة جديدة لرأس النظام السوري بشار الأسد، حيث تقول تسريبات إن بوتين لف ودار لمدة 10 دقائق يتحدث فيها عن أهمية إعادة تعويم الأسد، من دون جدوى، فقد صدم بجواب حاسم من بايدن يرتبط بحجم الجريمة التي ارتكبها الأسد، وأن المسألة أخلاقية.

يقول الكاتب حسين عبد الحسين في صحيفة الرأي الكويتية عن كواليس قمة جنيف إن “بايدن لم يفند النقاط التي استعرضها بوتين حول فوائد إنهاء عزلة الأسد ورفع العقوبات عنه وعن نظامه، واكتفى بالإشارة إلى أن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وأن التعامل معه لم يعد جائزا أخلاقيا”.

يأتي الموقف الأميركي الرافض لفكرة إعادة تعويم الأسد ونظامه ليقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف العربية التي عملت مع موسكو في الآونة الأخيرة من أجل إعادته إلى الجامعة العربية، والتعاون مع نظامه  تحت ذريعة ضرورة تعزيز الحضور العربي في هذا المرحلة التي تشهد إعادة تموضع إقليمي، يستدعي وفقا لمبررات دعاة هذا الطرح التحرك لعدم ترك الورقة السورية بأيدي غير عربية.

فكرة الترويج لدور عربي في سوريا بدأت مع التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015 الذي نجح في تغير الوقائع الميدانية لصالح ميليشيات النظام، إضافة إلى المساعدة في صفقة  أدت إلى تسليم الجنوب السوري إلى الروس سنة 2017، وقيام إدارة ترمب بوقف مشروع التدريب الخاص بمقاتلي المعارضة السورية، والترويج لانسحاب إيراني من الجنوب السوري بعمق 85 كلم تم تنفيذه نظريا فقط أما واقعيا فإن الميليشيات الإيرانية موجودة في الجنوب والجولان تحت غطاء خبراء يعملون مع قوات النظام، إضافة إلى الحضور العسكري والاجتماعي والاقتصادي الإيراني في دمشق وكافة المدن  المُسيطر عليها، والذي لا يمكن منافسته ولا يملك أي طرف القدرة على احتوائه.

وبناء عليه لا تبدو الإدارة الأميركية أقله في هذه الفترة مستعدة للقيام بصفقة مع الروس في سوريا، فالأسد بضاعة كاسدة لا يمكن بيعها أو مقايضتها، واشنطن غير معنية بشراء هذه الأنواع من البضائع، في الوقت الذي تواجه بوتين مباشرة بقضايا حقوق الإنسان والحريات وتربطها بالموقف الأخلاقي.

الحرة

———————-

نظام الأسد.. الموقف أخلاقي/ مصطفى فحص

عقد بوتين مؤتمرا صحفيا بعد قمته مع بايدن التي عقدت في جنيف وأجاب على أسئلة الصحفيين حول عدد من القضايا منها سجل بلده في مجال حقوق الإنسان

عقد بوتين مؤتمرا صحفيا بعد قمته مع بايدن التي عقدت في جنيف وأجاب على أسئلة الصحفيين حول عدد من القضايا منها سجل بلده في مجال حقوق الإنسان

المُضحك المبكي في المؤتمر الصحفي المنفرد الذي عقده بعد إنتهاء لقائه مع نظيره الأميركي، جو بايدن، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان يتحدث عن حقوق الإنسان بطريقة أشبه برئيس لجمعية أو مؤسسة تعمل في مجال الحريات العامة ودعم الديمقراطيات، فيما سِجل بلاده الداخلي والخارجي حافل بالتجاوزات التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وسوريا مثال على ذلك.

فالناشط الحقوقي فلاديمير بوتين الذي طالب بالعدالة للضحايا الأفغان الذين سقطوا في أحد الأعراس نتيجة لقصف جوي أميركي، ما لبثت القيادة المركزية الأميركية أن اعترفت بخطأها، ومن ثم وجه سهام انتقاداته إلى ما وصفه بالحالة غير القانونية لسجن غوانتانامو، كأنه نسي أو أراد أن يتناسى سجل بلاده في حقوق الإنسان والتصفيات التي تعرض لها خصومه السياسيين أو المنشقين، وأحكام السجن والاعتقالات للمعارضين التي كان آخرها الحكم بالسجن على زعيم المعارضة ألكسي نافالني، والأخطر ما ارتكبه الجيش الروسي في العاصمة الشيشانية غروزني،  وتبقى الفاجعة الأكبر الجريمة السورية.

لا يستطيع فلاديمير بوتين أن يذر الرماد في العيون، ويتكلم بكل صلافة أمام صحفيين دوليين يمكنهم أن يقدموا له قائمة بما فعلته روسيا من أجل الحفاظ على نظام الأسد، فالحديث عن غوانتانامو لا يقارن بما جرى ويجري في فرع فلسطين وسجن عدرا وتدمر، وحرب أفغانستان التي سقط فيها ضحايا مدنيين تختلف عن الحرب على المدنيين في سوريا، لذلك تتجلى الأزمة ما بين الإدارة الأميركية الجديدة والقيادة الروسية في حساباتها الأخلاقية.

يرى فلاديمير بوتين المذبحة السورية جريمة تسقط بالتقادم، لا يجد أي حرج أخلاقي ليطلب من نظيره الأميركي إعطاء فرصة جديدة لرأس النظام السوري بشار الأسد، حيث تقول تسريبات إن بوتين لف ودار لمدة 10 دقائق يتحدث فيها عن أهمية إعادة تعويم الأسد، من دون جدوى، فقد صدم بجواب حاسم من بايدن يرتبط بحجم الجريمة التي ارتكبها الأسد، وأن المسألة أخلاقية.

يقول الكاتب حسين عبد الحسين في صحيفة الرأي الكويتية عن كواليس قمة جنيف إن “بايدن لم يفند النقاط التي استعرضها بوتين حول فوائد إنهاء عزلة الأسد ورفع العقوبات عنه وعن نظامه، واكتفى بالإشارة إلى أن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وأن التعامل معه لم يعد جائزا أخلاقيا”.

يأتي الموقف الأميركي الرافض لفكرة إعادة تعويم الأسد ونظامه ليقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف العربية التي عملت مع موسكو في الآونة الأخيرة من أجل إعادته إلى الجامعة العربية، والتعاون مع نظامه  تحت ذريعة ضرورة تعزيز الحضور العربي في هذا المرحلة التي تشهد إعادة تموضع إقليمي، يستدعي وفقا لمبررات دعاة هذا الطرح التحرك لعدم ترك الورقة السورية بأيدي غير عربية.

فكرة الترويج لدور عربي في سوريا بدأت مع التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015 الذي نجح في تغير الوقائع الميدانيه لصالح ميليشيات النظام، إضافة إلى المساعدة في صفقة  أدت إلى تسليم الجنوب السوري إلى الروس سنة 2017، وقيام إدارة ترمب بوقف مشروع التدريب الخاص بمقاتلي المعارضة السورية، والترويج لانسحاب إيراني من الجنوب السوري بعمق 85 كلم تم تنفيذه نظريا فقط أما واقعيا فإن الميليشيات الايرانية موجودة في الجنوب والجولان تحت غطاء خبراء يعملون مع قوات النظام، إضافة إلى الحضور العسكري والاجتماعي والاقتصادي الإيراني في دمشق وكافة المدن  المُسيطر عليها، والذي لا يمكن منافسته ولا يملك أي طرف القدرة على احتوائه.

وبناء عليه لا تبدو الإدارة الأميركية أقله في هذه الفترة مستعدة للقيام بصفقة مع الروس في سوريا، فالأسد بضاعة كاسدة لا يمكن بيعها أو مقايضتها، واشنطن غير معنية بشراء هذه الأنواع من البضائع، في الوقت الذي تواجه بوتين مباشرة بقضايا حقوق الإنسان والحريات وتربطها بالموقف الاخلاقي.

الحرة

—————————-

قمّة جنيف: الصّين وإيران في خلفيّة المشهد/ عبدالوهاب بدرخان

القليل الذي أمكن فهمه من قمة بايدن – بوتين أنها اهتمّت، خصوصاً، بتحسين العلاقات الثنائية، عبر معالجة مسألة القرصنة السيبرانية الروسية، والخلافات في شأن عسكرة القطب الشمالي، وتبادل السجناء. الكثير الذي لم يُفهم بعد، ويستلزم وقتاً، يتعلق بمجمل القضايا الدولية، وهو إما بُحث سريعاً وسطحياً أو لم يجرِ التطرّق إليه في هذه المرحلة، وتُرك للمتابعة. أما ما يخصّ “الاستقرار الاستراتيجي” الدولي فاستحق إعلاناً مشتركاً لمنع نشوب حرب نووية. ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي، لم يعد التوافق على “الحدّ من التسلّح” عقبة كأداء بين الطرفين، إلا أنه لم يكن أبداً عنواناً للسلام، بل تحوّلت معظم مواجهاتهما “حروباً بالوكالة”، الى أن اصطدمت بعصب بالغ الحساسية، أوكرانيا، ما أعاد أشباح “الحرب الباردة” التي قال بايدن إنها “آخر ما يريده بوتين”. لكن دراسات كثيرة رأت في الأعوام الأخيرة أن تصاعد الهجمات الإلكترونية الروسية في صدد أن يصبح نمطاً من “الحرب الباردة”.

كان لقاء جنيف بين مخضرمَين، الأكبر سنّاً هضم صعود الحقبة السوفياتية ونهايتها، والآخر عاش في تلك الحقبة ولا تزال مرارة أفولها وأحلام استعادة أمجادها المحرّك الرئيسي لسياساته. أراد بايدن أن ينبّه بوتين الى وجوب ترشيد سلوكه، لأنه يسيء الى روسيا “كدولة كبرى”. وبرغم إنكار بوتين الهجمات الإلكترونية، إلا أنه سجّل الغضب الأميركي منها، والخشية من أثرها على البنى التحتية كإقرار بأنه حقّق هدفاً وأن لديه نقطة قوّة. لكن بايدن طلب أن تكون البنى التحتية “خطّاً أحمر”، وإلا فـ”كيف ستكون الحال إذا ما انخرطت أميركا في الأنشطة” التي تقوم بها روسيا. كان ذلك نموذجاً “توضيحياً” للفكرة الأساسية التي أراد ترويجها: “نظام دولي قائم على قواعد”، وقيل في سياق شرحها إن “البديل نظام غابة وفوضى”، وقيل أيضاً إن الاتحاد الأوروبي اختصر “خطوطه الحمر” لبوتين بأن “على روسيا إظهار احترامها للقانون الدولي والوفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها الدولية”.

ينطبق ذلك من وجهة نظر الأوروبيين على أوكرانيا التي انتزع بوتين منها شبه جزيرة القرم ووضع نصفها الشرقي في حال تمرّد وانفصال، فسمّم العلاقة مع الغرب الذي قابله بعقوبات اقتصادية قاسية. ومذّاك أصبحت أوكرانيا قضية لا حلّ لها ولا أحد يستطيع التراجع عن موقفه منها، أما بوتين فمستعدّ للمساومة على تسوية لتقاسمها. كان ذلك في حساباته عندما قرّر التدخّل في سوريا، ولكي يوسّع إطار المساومة، استبقى فيها إيران وجلب إليها تركيا وسهّل لإسرائيل بناء مصالح فيها. غير أن الغرب تنازل له عن سوريا، ولم يقدّم له دعماً يمكّنه من التمتع بابتلاعها، كما لم يطلب منه تنازلات سورية مقابل تسوية في أوكرانيا. ما تسرّب يفيد بأن الجانب الأميركي طلب في جنيف أن تكفّ موسكو عن ابتزاز الغرب بتخييره بين إغلاق آخر معبر حدودي إنساني أو القبول بمرور المساعدات الدولية للنازحين عبر النظام السوري، حتى لو استولى على معظمها. هذا مجرّد اختبار يمكن أن يُبنى عليه لاحقاً.

كثيرة هي المسائل الدولية التي لم يأتِ الرئيسان الأميركي والروسي على ذكرها علناً، ولم يتسرّب أنهما توقفا عندها خلال المحادثات. بدا أن قضيّتي المعارض الروسي ألكسي نافالني وبيلاروسيا استهلكتا بعضاً من وقت القمة في سياق تركيز بايدن وإدارته على مسألتَي حقوق الإنسان والديموقراطية، وهو استبق القمة مع بوتين بثلاث قمم (الدول الـ7، حلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي) كانت “قيم الديموقراطية” شعاراً محورياً فيها، كما لو أن دول الغرب تردّ على مقولة بوتين عام 2019 بأن “الديموقراطية عفى عليها الزمن”. حينذاك كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد بثّ النعرة الشعبوية المناقضة للديموقراطية في سياسات بعض الدول الغربية ومجتمعاتها، منخرطاً في الترويج لـ”قيم الصفقات” التي خاض “حروبه الاقتصادية” بحثاً عنها، ما أشعر زعيم الكرملين بأن الغرب يفقد قيمه التقليدية ويأفل، فيما استطاع صعود روسيا والصين أن يفرض عالماً متعدّد القطبية ومدافعاً عن “قيم” قائمة على القوة عسكرياً أو تجارياً، وكأنها قيم جديدة.

أين إيران في قمة جنيف، وأين الصين الهاجس الأول والأهم للرئيس الأميركي؟ كانتا حاضرتين بقوّة، في خلفية المشهد. يبقى ملف إيران في كنف مفاوضات فيينا حيث تتوقع واشنطن أن تكون موسكو متعاونةً في جهود إحياء الاتفاق النووي، كما في تعديله لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وهو الهدف الأميركي الأعلى. كان بوتين قد سهّل التوصّل الى اتفاق 2015 بلا مقابل تقريباً، أو آملاً أن يلقى تعاوناً أميركياً لدى تدخّله الذي لم يكن قد بدأ بعد في سوريا، لكن حساباته اختلفت بعد خمسة أعوام، وبعد اتفاق استراتيجي يتفاوض عليه مع طهران، على غرار ذلك الذي وقّعته الأخيرة مع بكين. فهل استطاع بايدن، بأسلوبه البراغماتي حيال إيران، دفع بوتين الى تغيير تكتيكاته في فيينا؟ 

أما بالنسبة الى الصين فستتعرّف موسكو أكثر الى توقّعات واشنطن، منها خلال الحوار الثنائي الاستراتيجي في شأن “المهمّات” التي يمكن التعاون فيها. لا يرى بوتين دوراً لروسيا في النزاع التجاري الصيني – الأميركي، لكن يهمّه أن لا يكرّس هذا النزاع “ثنائية قطبية دولية” تهمّش روسيا “المستميتة للاحتفاظ بوضعها كقوّة دولية كبرى”، وما يهمّه أكثر أن يفتح هذا النزاع فرصاً ما دام مندفعاً نحو العسكرة. وإذ دأب حلف الأطلسي على التحذير من “تعاون عسكري متزايد” بين روسيا والصين، فإن قمة جنيف والحوار الذي سيليها قد يساهمان في تقليص هذا الخطر، لأن استمرار التعاون وتطويره بين الصين وروسيا سينعكسان سلباً على أي تسويات في الملفات الدفاعية الغربية – الروسية.

مسار “التطبيع” الثنائي بين أميركا وروسيا سيكون أطول مما تصوّره بايدن، وشكّل لقاء جنيف فرصة كي يتعرّف بايدن عن كثب الى التراجع الذي انتاب القدرات الأميركية على القيادة العالمية، إذ تغيّرت طبيعة المصالح المشتركة التي يمكن أن تعيد العلاقة مع روسيا تحت السيطرة. في المقابل، أصبح في إمكان إدارته أن تحصر مجالات التنازلات الإقليمية لاجتذاب روسيا أو “تحييدها” في النزاع مع الصين، لكن موسكو وبكين بلورتا قواسم مشتركة تبدو الآن أكثر أهمية.

النهار العربي

————————–

هل تستسلم أوروبا للأسد..وتعيد فتح سفاراتها؟

رأت مجلة “ناشونال انترست” الأميركية أنه على الدول الأوروبية إعادة تفعيل سفاراتها في دمشق لتأمين قضايا مهمة مثل توطين اللاجئين وضمان استقرار لبنان، في ظل انعدام وجود معارضة فعالة في وجه النظام ورئيسه بشار الأسد.

وألمحت إلى أن محاولات إزاحة بشار الأسد لم تجدِ، وبالتالي بات لزاماً تغيير سياسة التعاطي مع الأزمة السورية، من دون أن توضح ما إذا كان هذا التغيير استسلاماً نتيجة سحق الأسد للسوريين، أم أنه يهدف إلى إحداث تغيير سياسي من داخل سوريا.

وقالت المجلة في تقرير بعنوان: “هل حان الوقت لتعيد أوروبا فتح سفاراتها في دمشق”، إن المزيد من الدول تعيد فتح سفاراتها تباعاً في سوريا، فيما تغيب الدول الأوروبية بشكل واضح عن اتخاذ قرار كهذا.

وأضافت “مرّ أكثر من عقد على محاولات إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، فيما تواصل الحكومات الأوروبية تجاهل الوقائع على الأرض”، قائلة إن “الحكومة السورية باقية في المستقبل المنظور”.

ولفتت الى انه “عندما يتحدث وزراء خارجية الغرب ومسؤولو الاتحاد الأوروبي عن سوريا، فإنهم غالباً ما يتحدثون، وأحياناً يتصرفون، نيابة عن دول العالم، وهو أمر لا يتماشى مع الواقع”. وذكّرت بتصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي حين قال إن “الضربات الجوية على سوريا في 14 نيسان/أبريل 2018، كانت حفاظاً على شرف المجتمع الدولي”.

وتابعت المجلة الأميركية أنه فيما لم تقطع دول مثل روسيا والصين والهند علاقاتها مطلقاً مع النظام السوري، قامت دول أخرى بإصلاح الروابط معه، مضيفةً “عند اندلاع الازمة السورية عام 2011، قررت الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا، وطالب القرار الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق، لكن العرب يغيرون قراراتهم سريعاً”.

ولم يقتصر الأمر، بحسب “ناشونال انترست”، على الدعم الصريح والمباشر لكل من مصر والجزائر للنظام السوري، بل تراجعت أيضاً دول في الخليج كالإمارات والكويت والبحرين وأعادت فتح سفاراتها في سوريا، علماً أن الرحلات المباشرة بين دمشق ودبي كانت قد استؤنفت حينها.

وقالت إنه في أوروبا، هناك بالفعل توجه أو رغبة في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. فقد عينت اليونان مبعوثاً خاصاً لها في دمشق في أيار/مايو 2020. وبعد عام، قامت قبرص باستئجار عقار جديد للسفارة أيضاً. إلا أن دولاً كالمجر وبولندا والنمسا وإيطاليا، اكتفت فقط بالتلميح في الرغبة في تبني سياسة جديدة حول سوريا، إلا انها لم تتخذ بعد موقفاً باتجاه التطبيع الكامل مع النظام.

وقالت الصحيفة إن الاستمرار في التمسك ب”المتمردين المعتدلين الوهميين” هي ليست فقط استيراتيجية ساذجة، بل وتمنع المشاركة الفعالة والذكية في إدارة الأزمة. وأضافت أنه “لم تعد هناك معارضة متمردة رئيسية أو تحالف يهدد وجود النظام السوري في الوقت الحالي”، لافتة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية بدأت بإقامة علاقات مع النظام السوري.

وتابعت الصحيفة أن وجود سفراء في سوريا يمكن أن يحدث فرقاً في التعامل حول قضايا مهمة مثل: توطين اللاجئين، التلقيح الشامل، ضمان استقرار لبنان، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة الى ملفات أخرى.

وأشارت إلى أن إعادة فتح السفارات هي خطوة أولى في مسار المساعدة في إعادة إعمار سوريا، وهي أمر أساسي ليس فقط لملايين السوريين المتضررين بشكل مباشر من الأزمة، ولكن للشرق الأوسط وأوروبا أيضاً.

وقالت إن اعادة اعمار سوريا هي فرصة لبذل جهد عالمي حقيقي لجمع الدول التي تدعم أطرافاً مختلفة في الأزمة. وسألت الصحيفة “لماذا تقف أوروبا، برأسمالها المالي والبشري، مكتوفة الأيدي فيما الدول الاخرى تمضي الى الامام؟”.

وختمت الصحيفة بأن الدول الاوروبية ستواجه نقداً محتّماً من قبل واشنطن، في حال قررت إعادة فتح سفاراتها في سوريا، ولكن هذا أفضل من تكرار عقد آخر من الفشل في سياسات الأزمة السورية.

المدن

————————-

لافروف يضع شرطًا لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا مع الأوروبيين

وضع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، شروطًا لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا، وذلك تزامنًا مع اقتراب انتهاء تفويض دخول المساعدات، عبر آخر المعابر الخارجة عن سيطرة النظام وهو “باب الهوى”.

وقال لافروف في مؤتمر صحفي بعد محادثاته مع الأمين العام لـ “منظمة الأمن والتعاون” في أوروبا، هيلجا شميد، إن “روسيا مستعدة لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا مع الدول الغربية، إذا أدركت الأخيرة مجمل المشاكل الحقيقية القائمة هناك، والمسؤولية التي تتحملها”، بحسب وكالة “تاس” الروسية اليوم، الاثنين 21 من حزيران.

وعملت روسيا عبر “الفيتو” إلى جانب الصين على إغلاق المعابر الإنسانية، التي تدخل المساعدات الإنسانية الخارجة عن سيطرة النظام.

إذ أُغلقت ثلاثة منها العام الماضي، ليتبقى معبر واحد هو “باب الهوى”، الذي تحاول روسيا منع تجديد تفويضه في 10 من تموز المقبل.

وتذرع لافروف بـ”سيطرة” “هيئة تحرير الشام” في إدلب، كسبب لجعل إيصال المساعدات الإنسانية عن طريق النظام.

وبموجب قرار مجلس الأمن “رقم 2533″، يعتبر معبر “باب الهوى” شريان حياة لدخول الإمدادات الطبية الأساسية، وغيرها من المساعدات إلى إدلب، بعد نزوح أكثر من نصف السكان بعد عقد من الحرب.

وطالبت منظمة “أطباء بلا حدود” الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بتجديد الآلية العابرة للحدود، وإعادة نقاط العبور الحدودية من معبر “باب السلامة” إلى الشمال الغربي، ومعبر “اليعربية” إلى الشمال الشرقي.

وكانت عنب بلدي أعدت ملفًا سلطت الضوء فيه على السيناريوهات البديلة والحلول المطروحة، والتأثيرات المحتملة لإغلاق معبر “باب الهوى” على ملايين السوريين في الشمال السوري في ظل حاجتهم المستمرة إلى الدعم.

———————–

البحث عن «بديل»/ د. رياض نعسان أغا

لم يكشف الرئيسان بايدن وبوتين في تصريحاتهما الصحفية عن تفاصيل ما دار بينهما في لقائهما الهام الذي استغرق أربع ساعات في القمة التي عقداها منتصف يونيو الجاري، وقد اتفقا مسبقاً على الاكتفاء بالتصريحات بدل إصدار بيان مشترك، وجاءت التصريحات ذات طابع دبلوماسي خفف التصعيد اللفظي السابق وقلل من أخطار الصدام.

وكان السوريون يترقبون ما سيقوله الرئيسان حول القضية السورية التي بدت هامشية في تصريحات الزعيمين. لكن بوتين تحدث باختصار عن حوار دار بينه وبين نظرائه الأميركيين حول «البديل لموقع الرئاسة في سوريا»، معلناً أنهم معاً لا يجدون بديلاً. وقد أثار هذا الموقف حوارات واسعة بين السوريين وتم فهمه من وجهات نظر متعددة، فمنهم من فهم أن البحث عن البديل لا يزال مستمراً، وأن مشكلة روسيا أنها لم تجده إلى الآن، وكذلك الأميركان.

فالبديل الذي تم تجاهله هو تنفيذ القرار 2254 وهذا ما اتفق عليه الجميع وقد صاغته روسيا، محددةً أن البديل هو تشكيل هيئة حكم انتقالي تتولى كامل الصلاحيات وتشكل حكومة تشاركية، وتدعو إلى انتخابات نزيهة.

ورغم أن الولايات المتحدة لم تعلن رؤيتها المستجدة للقضية السورية بعد تولي الرئيس بايدن، فإن كل مواقفها تطالب بدفع العملية السياسية في جنيف (حصراً) وبقيادة الأمم المتحدة بناءً على قراراتها المعتمدة في مجلس الأمن.

وحتى روسيا التي رشحت عنها تصريحات هامشية تشير إلى أن القرار الأممي 2254 وقبله بيان جنيف، صارَا قديمين، وأن الأمر الواقع الراهن في سوريا تم فرضه بالقوة ولا حاجة لأي عملية سياسية بعد «الانتصار العسكري الكبير» الذي حققته روسيا وإيران وكل حلفاء النظام السوري الذي اعتبر اللجنة الدستورية «من الماضي» بعد أن استقرت سوريا بعد الانتخابات التي جسدت الانتصار العسكري. إلا أن روسيا تدرك أن إغلاق أي جرح على ما فيه من قيح وصديد لا يحقق شفاءً ولا استقراراً، فلا بد من تنظيف الجراح وتحقيق لحمة وطنية جادة، ولابد من معالجة دقيقة للتشظي الحاصل في سوريا على صعيد اجتماعي واقتصادي وأمني.

ولقد تحدث المجتمع الدولي منذ سنوات عن حل «لا غالب فيه ولا مغلوب»، وتمت صياغة القرارات الأممية ضمن هذه الرؤية التي حرصت على وحدة الشعب السوري بكل فئاته وأطيافه، ودعت إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية وعقد اجتماعي جديد يقوم على مفهوم المواطنة، وقد مدت دول عربية يد العون للحكومة السورية كي تبقى في دائرتها العربية، وكي لا تقع في مزيد من الانهيار الاقتصادي.. لكن الخطر القائم الآن هو قبول وإبقاء الأمر الواقع الذي يعني بقاء ملايين السوريين في الشمال نازحين مشردين يتعرضون للهلاك يومياً، وهم مهددون بإغلاق معابر الإغاثة عنهم مما ينذر بمجاعة قاتلة، فضلاً عن خطورة جعل التقسيم أمراً واقعاً، لا سمح الله.

الاتحاد

—————————-

ماذا لو دفعت الولايات المتحدة الأمريكية للديكتاتور السوري بشار الأسد لطرد إيران من سوريا“.

طرح توماس فريدمان الصحفي البارز في صحيفة نيويورك تايمز فكرة غير تقليدية في مقالته الأخيرة: ماذا لو دفعت الولايات المتحدة الأمريكية للديكتاتور السوري بشار الأسد لطرد إيران من سوريا.

وإليك كيفية تأطير فريدمان للمقترح: “لدي فكرة: ستمثل إحدى طرق نزع فتيل التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل وهي أن يجرب بايدن القيام بمبادرة دبلوماسية جديدة جذرية ،وهي شراء العائد من الوجود الإيراني في سوريا.

“بايدن ودول الخليج العربية يمكن أن يذهبوا إلى الروس والأسد بهذا العرض : مقابل طرد القوات الإيرانية من سوريا سنضاعف ثلاث مرات أي مساعدة مالية كانت إيران تقدمها لسوريا ، وسنوافق ضمنيًا على أن الأسد (رغم أنه مجرم حرب ) سيبقى في السلطة على المدى القريب “.

يقر فريدمان بأن الفكرة قد تكون “ساخرة” ، لكنه يؤكد أن “الجيش الإسرائيلي سيدعم هذه الصفقة ، لأن كسر الجسر البري السوري الذي تستخدمه إيران لإبقاء حزب الله مزودًا بالصواريخ سيغير قواعد اللعبة”.

الصحفي فريدمان لم يقدم مبلغًا لاقتراحه بالدولار ، لكن تقريرًا صدر في أيار/مايو 2021 من المجلس الأطلسي ذكر: “أن الخبراء يقدرون الدعم السنوي للجمهورية الإيرانية لحرب الأسد بـ 15 مليار دولار سنويًا”. ثلاثة أضعاف ذلك سيكون 45 مليار دولار في السنة ، وهو أكثر من 11 ضعف المساعدة الأمريكية السنوية لإسرائيل. سيكون هذا المبلغ بالفعل “مغيرًا لقواعد لعبة” ، على الرغم من أنه ربما لا يكون بالضبط بالطريقة التي قصدها فريدمان.

ما مدى سوء فكرة إنفاق 45 مليار دولار سنويًا من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على بشار الأسد في سوريا؟ دعونا نحسب الاحتمالات:

أولاً ، لسوريا تاريخ حافل بالنكث بوعودها. وتقول الحكومة الأمريكية إن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية مثل غاز السارين والكلور 50 مرة على الأقل منذ انضمام دمشق إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية في عام 2013. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن سوريا ستفي بأي وعود قطعتها لطرد إيران.

ثانيًا ، تتعارض هذه الفكرة مع سياسة بايدن المعلنة للتأكيد على حقوق الإنسان. كما كتب إليوت أبرامز مؤخرًا بهذا السياق :”تذكر ما قاله وزير الخارجية بلينكين عندما أعلن هذا العام عن تقارير وزارة الخارجية حول ممارسات حقوق الإنسان:” التزم الرئيس بايدن بإعادة حقوق الإنسان إلى مركز السياسة الخارجية الأمريكية ، وهذا التزام أتعامل معه أنا ووزارة الخارجية بأكملها على محمل الجد. ستعمل جميع أدوات دبلوماسيتنا للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات “.

وسوريا منتهك رئيسي لحقوق الإنسان. بحسب وزارة الخارجية الأمريكية :”فمن بين القضايا الهامة في مجال حقوق الإنسان: عمليات القتل غير القانوني أو التعسفي من قبل النظام؛ الاخفاء القسري من قبل النظام ؛ التعذيب ، بما في ذلك التعذيب الذي يتضمن العنف الجنسي ؛ ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة ، بما في ذلك الحرمان من الرعاية الطبية ؛ الاحتجاز التعسفي المطول ؛ السجناء والمعتقلين السياسيين ؛ مشاكل خطيرة مع استقلال القضاء؛ التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية ؛ الانتهاكات الجسيمة في النزاع الداخلي ، بما في ذلك الهجمات الجوية والبرية التي تؤثر على المدنيين والبنية التحتية المدنية ، بما في ذلك المدارس والأسواق والمستشفيات ؛ قيود خطيرة على حرية التعبير ، بما في ذلك القيود على الصحافة والوصول إلى الإنترنت والرقابة وحجب المواقع ؛ قمع كبير للحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات ؛ قيود لا داعي لها على حرية التنقل ؛ عدم قدرة المواطنين على تغيير حكومتهم بشكل سلمي من خلال انتخابات حرة ونزيهة ، بما في ذلك القيود الشديدة على المشاركة السياسية ؛ فساد رفيع المستوى وواسع الانتشار ؛ الافتقار إلى التحقيق والمساءلة عن العنف ضد المرأة ؛ إجهاض قسري ؛ التجنيد غير القانوني للأطفال واستخدامهم كجنود من قبل النظام والجهات المسلحة الأخرى ؛ الاتجار بالبشر؛ العنف والتمييز الشديد الذي يستهدف المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين ؛ وجود واستخدام قوانين تجرم السلوك الجنسي المثلي بالتراضي بين البالغين ؛ وقيود صارمة على حقوق العمال. “

وبالتالي يجب على السياسة الأمريكية معاقبة أو تغيير هذا النوع من السلوك ، وليس مكافأته.

ثالثًا ، إن تنفيذ الاقتراح صعب قانونيًا. فقد تم تصنيف سوريا بموجب القانون الأمريكي كدولة راعية للإرهاب. وفق المادة 620 أ من قانون المساعدة الخارجية لعام 1961 بصيغته المعدلة التي تحظر على حكومة الولايات المتحدة تقديم مساعدات أجنبية “لأي دولة إذا قرر وزير الخارجية أن حكومة ذلك البلد قد قدمت دعمًا متكررًا لأعمال الإرهاب الدولي”. صحيح أن هناك بند ينص على أن يتنازل الرئيس الأمريكي عن هذا التقييد إذا كانت “مصالح الأمن القومي” تبرره ، ولكن ليس من الواضح على الإطلاق أنه في هذه الحالة سيكون مثل هذا التنازل” للأسد”مبررًا قانونيًا.

رابعًا ، قد يؤدي مضاعفة المساعدات الإيرانية إلى سوريا إلى قيام حرب مزايدة. فما الذي يمنع الصين من المجيء وتقديم أربعة أضعاف ما كانت إيران تدفعه لسوريا لتحقيق أهدافها المحلية؟ لتصبح الفكرة وكأنها مجرد إقامة مزاد.

خامساً ،ستكافئ سوريا مرة أخرى على الوفاء بالالتزامات التي التزمت بها هي أو وكلائها سابقا بالفعل بموجب اتفاقيات مختلفة ، مثل اتفاق الطائف وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1559.

سادساً ، القضية الأساسية ليست وجود القوات الإيرانية في سوريا بقدر ما هي في لبنان. فمن الممكن إعادة تزويدهم بوسائل أخرى عن طريق غير سورية أو تصنيع صواريخهم الخاصة محليا. يُظهر مثال غزة الأخير أن قوة إر هابية مدعومة من إيران يمكنها إطلاق الصواريخ على إسرائيل بدون جسر بري. تذكر أن غزة “محاصرة”. ولم تتمكن حتى إسرائيل ومصر من منع إر هابيي غزة من بناء الصواريخ والتسليح ، فلماذا يتوقع فريدمان أن سوريا تستطيع أو تمنع الإر هابيين في لبنان المجاور من تصنيع الصواريخ؟

سابعاً ، ستوسّع خطة فريدمان – لرشوة – سوريا منطق مكافأة السلوك الإرهابي السيئ من الاتفاق النووي الإيراني إلى سوريا ، مرة أخرى مقابل الحد الأدنى من الوعود. هل ستوقع سوريا اتفاق سلام مع اسرائيل؟ هل ستتنازل عن مطالبتها بهضبة الجولان أم مزارع شبعا؟ هل ستصبح ديمقراطية؟ هل ستكف عن إيواء الإرهابيين ليس فقط من حزب الله ولكن أيضًا من الجماعات الإرهابية الأخرى مثل حزب العمال الكردستاني والقاعدة ودا عش؟ هل ستتوقف عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد سكانها؟ هل ستطلق سراح الرهائن الأمريكيين مثل أوستن تايس؟ أو هل سندفع للأسد مكافأة نقدية قدرها 45 مليار دولار سنويًا مقدمًا فقط من خلال الوعد بقطع الجسر البري الإيراني ، ولم لا تبدأ الولايات المتحدة في التفاوض على الجبهة “الأطول والأقوى” ، على غرار الاتفاق النووي الإيراني ، لماذا تقدم الولايات المتحدة كل تنازلاتها مقدما مقابل وعد خيالي في المستقبل؟

ثامناً ، ادعاء فريدمان غير المدعوم بأن “الجيش الإسرائيلي سيدعم هذه الصفقة” هو ادعاء غريب. فالجيش الإسرائيلي يخضع لسيطرة دولة ديمقراطية مدنية. وهذا شأن متعلق بالسياسة الخارجية. ما يهم ليس ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيدعم الصفقة ولكن ما إذا كان الجمهور الإسرائيلي سيدعمها. حيث لم يذكر في أي مكان في اتفاق تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الجديد أن الأطراف ستدعم نظام الأسد ب 45 مليار دولار كمساعدات مالية.

أخيرًا ، بعيدًا عن إطلاق العنان لترسانته الكاملة من الأسلحة الكيماوية بطريقة تجعل “الأطفال ” يبدون مثل البطاطا الصغيرة من حيث الأضرار الجانبية ، فليس من الواضح حتى إذا كان الأسد لديه القدرة على طرد القوات الإيرانية من سوريا. على الأرجح ب 45 مليار دولار من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين. سيستخدم الذخيرة والأسلحة التي سيتم شراؤها بهذه الأموال ليس لقتال أو ردع إيران بل لمهاجمة إسرائيل أو خصومه السياسيين الداخليين . وبالتالي بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ، فإن خطة توماس فريدمان – الرشوة – لسوريا ستكون مخاطرة سيئة.

ترجمة للمجموعة عن مقال لإيرا ستول في الغيماينر، نشر بتاريخ 18 حزيران 2021

—————–

========================

تحديث 22 حزيران 2021

————————-

لقاء بايدن – بوتين.. هل مازال الحل السوري مؤجلاً؟/ أسامة آغي

تتسم العلاقات الأمريكية الروسية في مرحلة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها سيئة لدرجة التدهور، وقد جاءت قمة جنيف بين رئيسي البلدين في السادس عشر من حزيران كمحاولةٍ لوقف التدهور والبحث عن مربعات تفاهم حول بعض الخلافات بينهما.

لم يَطفُ ملف الصراع السوري على سطح المحادثات إلا في زاوية محددة تتعلق بالمساعدات الأممية، التي يصرّ الروس أنها يجب أن تمرّ عبر نظام دمشق.

المحادثات تركّزت على استئناف الحوار حول الحدّ من الأسلحة النووية وحول الحوار بشأن الأمن السيبراني، وتمّ استعراض عملية نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إضافة إلى الوجود العسكري الغربي قرب حدود روسيا ومسألة دعم المعارضة الروسية.

لقد أظهرت المحادثات بين بايدن وبوتين أن مربع التفاهم حول الحل السياسي في سوريا لا يزال غائباً، وهذا يدلّ على أن الأمريكيين لا يملكون رؤية محددة وواضحة خارج مطلبهم الوحيد “تنفيذ القرار 2254” والذي يعتبر قراراً ملتبساً.

الأمريكيون لم يتقدموا بأي مبادرة حيال اللاعب الروسي في الصراع السوري، وهذا يدل على رؤيتهم التي تتمثل بالتمهل الشديد لإجبار الروس على أحد حالين، إما القبول بالشروط الأمريكية للحل من خلال القرار الدولي، وإما إغراق الروس بالوحل السوري أكثر فأكثر.

الأمريكيون لم يتقدموا بأي مبادرة حيال اللاعب الروسي في الصراع السوري، وهذا يدل على رؤيتهم التي تتمثل بالتمهل الشديد لإجبار الروس على أحد حالين، إما القبول بالشروط الأمريكية للحل، وإما إغراق الروس بالوحل السوري أكثر

إدارة بوتين لا تجد نفسها في موضع من يقدّم مبادرة وسط تتلاقى فيها مع الأمريكيين، لأن ذلك سُيقرأ بالضرورة على أنهم في حالة مأزق في سوريا، وهو أمرٌ يدفع بإدارة بوتين إلى مزيد من تعقيد المشهد السوري، سواء من خلال استدعاء مساري أستانا وسوتشي، أو من دفعهم النظام لإجراء مسرحيته الهزلية “انتخاباته الرئاسية”.

لهذا نجد أن المحادثات بين بايدن وبوتين قد ذهبت إلى جزء من المعادلة، وهو الجزء المتعلق بالمساعدات، والذي سيضع العلاقات الغربية والتركية مع روسيا على مفترق طرق جديد. فالغرب يُدرك المسعى الروسي بتمرير هذه المساعدات عبر النظام السوري، لتسويقه كنظام شرعيٍ يحكم البلاد، والغرب يعرف أيضاً ماذا يعني عدم التوافق مع الروس في مجلس الأمن حول إدخال المساعدات، إذ ستكون هناك كارثة إنسانية لا قِبلَ لتركيا أو الغرب بتحمّل نتائجها، مما يجبرهم على إيجاد بدائل لهذه المشكلة دون تقديم أي جائزة ترضية للروس.

الأمريكيون أرادوا رشوة الروس من خلال سحب اعتراضهم على مشروع السيل الشمالي الذي يسمح بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا قبل جلسات القمة بينهما في جنيف، هذه الرشوة تنتظر مقابلاً روسياً، قد يكون في موافقة الروس على تجديد تقديم المساعدات عبر بوابات حدودية لا يتحكم بها النظام في سوريا.

وفق هذه الرؤية، نستطيع القول إن ملف الصراع السوري لم يغادر مربع عدم التفاهم بين الأمريكيين والروس، وهذا يعني أن الوقت لم يحن بعد لحلٍ سياسيٍ للصراع.

الأمريكيون أرادوا رشوة الروس من خلال سحب اعتراضهم على مشروع السيل الشمالي الذي يسمح بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا قبل القمة بينهما في جنيف، هذه الرشوة تنتظر مقابلاً روسياً، قد يكون في موافقة الروس على تجديد تقديم المساعدات عبر بوابات حدودية لا يتحكم بها النظام

ملف الصراع السوري، والذي خرج من أيدي السوريين، نتيجة استدعاء قوى إقليمية ودولية للانخراط فيه، أضعف طرفي الصراع في البلاد، وجعل دورهما في الحل السياسي شيئاً لا قيمة هامة له، فتعنت النظام السوري حيال مفاوضات الحل السياسي، أو جلسات تفاوض اللجنة الدستورية، هو في الحقيقة تعنت روسي إيراني، غايته كسب معركة استثمارهم العسكري والاقتصادي والسياسي في الصراع المذكور.

إن غياب مربع تفاهم أمريكي روسي في سوريا، يؤشر أن هذا التفاهم لم يصبح رئيساً بعد، باعتبار أن الرؤية الاستراتيجية الأمريكية تُبنى على أولوية الصراع القادم مع الصين، في شقيه الاقتصادي والسياسي وربما أوسع من ذلك.

إدارة جو بايدن، تنظر إلى ملف حلّ الصراع السوري، باعتباره حلقة من حلّ حلقات الصراع الأخرى في المنطقة، وتحديداً علاقته بالملف الإيراني، ولذلك تمارس سياسة تثبيت الحال عند عتبة تهدئة إطلاق النار في سوريا، وعند مهمة تقديم المساعدات الإنسانية لملايين السوريين، وهي بذلك تمرّر زمناً طويلاً تعتقد أنه يراكم لإجبار روسيا على تقديم تنازلات جوهرية بمسائل عديدة، منها ملف الحل السياسي في سوريا.

لقد حاول فلاديمير بوتين الإيحاء لبايدن بأن النظام السوري يريد “طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة”. بأن يعمل الأسد من خلال الاتفاق مع واشنطن على إجراء إصلاحات سياسية”. لكن ردّ بايدن كان مخيّباً لاقتراحات بوتين، إذ أجاب “أن الأسد خسر ثقة العالم، وفي طليعته الولايات المتحدة، وأن لا واشنطن ولا أي من عواصم العالم مستعدة أن تتعامل مع رئيس قصف مواطنيه بأسلحة كيماوية، وأن التعامل معه لم يعد جائزاً أخلاقياً”.

هذا الموقف لبايدن، ينبغي أن يقرأه الروس جيداً، أي عدم المراهنة على إعادة إحياء جثة نظام غارق بجرائم الحرب، وجرائم لا تحصى ضدّ الإنسانية، وهذا يتطلب منهم إعادة إنتاج رؤيتهم بما يتقاطع مع القرار الدولي 2254، واعتبار أن مرحلة نظام آل الأسد قد انتهت.

حاول فلاديمير بوتين الإيحاء لبايدن بأن النظام السوري يريد “طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة” بأن يعمل الأسد من خلال الاتفاق مع واشنطن على إجراء إصلاحات سياسية، لكن ردّ بايدن كان مخيّباً لاقتراحات بوتين، إذ أجاب “أن الأسد خسر ثقة العالم”

الروس والأمريكيون معنيون بالتنسيق والتوافق حول قضايا كثيرة تهمّ العالم، أي تبديل استراتيجية المناكفة حيال بعضهما، والنظر برؤية جديدة إلى قواعد تعاون دولي من أجل إطفاء بؤر التوتر بينهما أو خارجهما، وهذا الأمر ينبغي أن يُبنى على إرساء السلام وتطوير دول الجنوب ووقف التسلح والتهديدات بشن الحروب من أي نوع كان.

سياسة التنسيق والتوافق بين الأمريكيين والروس تحتاج إلى ترجمة مادية في الحل السياسي في سوريا، هذا الحل يمكن التوصل إليه عبر تقاطعاتٍ حول تفاصيل القرار الدولي 2254، فبدون عقد مجموعة عمل بينهما لا يمكن تصوّر حلول تضع النقاط على الحروف بشأن معنى المفردات والمصطلحات والعبارات ودقتها، وبالتالي الوصول إلى خارطة طريق حلٍ ملموسة تلبّي مصالح السوريين بالانتقال من صيغة نظام الدولة الاستبدادية إلى صيغة نظام دولة الحق والقانون والتداول السلمي للسلطة.

هذا التنسيق والتوافق يمكن أن نقول عنه إنه في عتبة ما قبل تشكيل مجموعة العمل المعنية بالصراع السوري وحلّه، فهل يمكن أن تنفرج زاوية هذا التوافق والتنسيق، سيما بالنسبة للروس الذين يدركون أن بقاء الوضع الحالي في سوريا ليس في مصلحتهم، وأن لا خيارات أخرى تمكنهم من تغيير قواعد اللعبة الحالية، فهل سنشهد قريباً انفتاحاً أمريكياً روسياً على صيغة حل سياسي وفق قراءة مشتركة للقرار 2254، أم أن الحل السياسي لا يزال مؤجلاً، وقد تطول مرحلة انفراجه؟

أورينت

———————————

يضم دولاً كبرى.. واشنطن تترأس اجتماعاً حول سورية في إيطاليا

تترأس الولايات المتحدة الأمريكية اجتماعاً حول سورية في 28 يونيو/ حزيران الجاري، بالعاصمة الإيطالية روما، بمشاركة دول كبرى معنية بالملف السوري.

إذ أعلنت وزراة الخارجية الإيطالية قبل أيام عن استضافتها الاجتماع الخاص بـ”التحالف الدولي ضد داعش”، بحيث يضم وزراء خارجية “المجموعة المصغرة” والتي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والسعودية ومصر والأردن، على أن يرأس الاجتماع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن.

إلا أن صحيفة “الشرق الأوسط” ذكرت في تقرير لها، اليوم الثلاثاء، أن واشنطن ستعقد اجتماعاً حول سورية على هامش اجتماع “التحالف الدولي”، مشيرةً إلى أنها وسعت دائرة المدعوين للاجتماع، لتضم وزراء خارجية “السبع الكبار” و”المجموعة المصغرة”، إلى جانب تركيا وقطر.

وأشارت الصحيفة إلى أن المبعوث الأممي إلى سورية، جير بيدرسون، سيحضر الاجتماع أيضاً لتقديم اقتراحين، الأول تشكيل مجموعة دولية- إقليمية من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لبحث الملف السوري، والثاني تقريب وجهات النظر بين روسيا والولايات المتحدة حول سورية.

وبحسب الصحيفة فإن ترأس الولايات المتحدة للاجتماع هو “أول إطلالة سياسية لفريق الرئيس جو بايدن، لضبط حلفاء أميركا، مع قرب موعد الاختبار الأميركي لروسيا لدى التصويت في مجلس الأمن على قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود”.

ومن المقرر أن يُشارك في الاجتماع 83 دولة عضواً في “التحالف الدولي”، بالتزامن مع جولة أوروبية يجريها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لبحث سبل الهزيمة النهائية لتنظيم “الدول الإسلامية” في سورية والعراق.

    RT @StateDeptSpox: ستجمع الولايات المتحدة وإيطاليا أعضاء التحالف الدولي لهزيمة داعش البالغ عددهم 83 عضوًا في اجتماع وزاري في روما يوم 28 يونيو. لا تزال شبكات داعش العالمية نشطة ويجب أن تهزم.#مهمة_واحدة_لعدة_دولhttps://t.co/EBIJ9lRPW0

    — الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) June 22, 2021

إذ أشارت وزارة الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضي، أن “بلينكن سيقضي أسبوعاً في أوروبا (…) وأثناء تواجده في روما سيسعى إلى تحقيق تقدم في ملف يحمل أهمية دولية عندما يترأس إلى جانب إيطاليا مؤتمراً بشأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، الذي ظهر في إفريقيا وأفغانستان بعد هزيمته في سورية”.

وتأتي التحركات الأمريكية عقب أسابيع قليلة على اجتماع لمجلس الأمن الدولي للتصويت على تمديد آلية المساعدات العابرة للحدود إلى سورية، وسط مخاوف من فيتو روسي يعرقل القرار الأممي.

وتطالب الولايات المتحدة بفتح ثلاثة معابر لإدخال المساعدات عبرها إلى مناطق الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، فيما تعتبر روسيا ذلك “انتهاكاً للسيادة السورية”، مطالبة المجتمع الدولي بالتعاون مع نظام الأسد وتسليمه المساعدات.

————————-

سوريا و«الاختبار الأميركي» لروسيا/ إبراهيم حميدي

سيكون ترؤس وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاجتماع الخاص بسوريا، بمشاركة 14 وزير خارجية من «السبع الكبار» ودول عربية وإقليمية، في روما في 28 من الشهر الحالي، أول إطلالة سياسية رفيعة المستوى لإدارة الرئيس جو بايدن على الملف السوري.

وسيعقد الاجتماع على هامش مؤتمر التحالف الدولي ضد «داعش» بمشاركة 83 عضواً في العاصمة الإيطالية، إذ فاجأ بلينكن نظراءه بتوسيع دائرة المدعوين للاجتماع الوزاري، بحيث لا يضم فقط «المجموعة المصغرة»، التي تشمل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر، بل إن الوزير الأميركي غيّر الصيغة، ووجه الدعوة إلى وزراء خارجية «السبع الكبار» و«المجموعة الصغيرة»، إضافة إلى تركيا وقطر والمبعوث الأممي غير بيدرسن.

وهذا الاجتماع، الذي يرأسه بلينكن ونظيره الإيطالي لويجي دي مايو، هو أقرب صيغة لـ«المجموعة الدولية لدعم سوريا» التي تولدت بعد عملية فيينا في نهاية 2015، باستثناء أنها لا تضم روسيا وإيران. كما أنه سيكون الأول بمشاركة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، العضو المؤسس في مسار آستانة الثلاثي، مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف والإيراني محمد جواد ظريف.

ولا تقتصر أهمية الاجتماع على كونه أول جهد سياسي مركز من إدارة بايدن حول سوريا وحسب، بل إن هذه الخطوة تأتي في خضم انقسام فريق بايدن حول كيفية المضي قدماً بين «الواقعيين» الداعين إلى «نفض الأيادي» من هذا الملف بخفض سقف التوقعات، والاكتفاء بملف الممرات الإنسانية «عبر الحدود»، ومحاربة «داعش» والملف الكيماوي، والنظر إليه باعتباره ملحقاً لملفات أخرى، خصوصاً الاتفاق النووي مع إيران، وبين آخرين يريدون رفع سقف الموقف الأميركي أو الحفاظ على «حده الأخلاقي»، وممارسة الضغوط على موسكو ودمشق في ملفات سياسية وعسكرية في سوريا.

عليه، يمكن وضع هذا الاجتماع ضمن التموضع بين الفريقين، حيث سيكون مغذياً للمراجعة الحاصلة في المؤسسات الأميركية لتحديد السياسة السورية: أهدافها، أدواتها وجداولها.

وتأتي مبادرة بلينكن بعد قمة بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف الأسبوع الماضي، حيث كان الملف السوري «هامشياً» على جدولها المعقد، من باب الوصول إلى «تفاهمات صغيرة» تخص تمديد التفويض الأممي لملف المساعدات الإنسانية «عبر الحدود»، واستمرار المسار العسكري عبر مذكرة «منع الصدام» في شمال شرقي سوريا، والتعاون لتنفيذ الاتفاق الثنائي الخاص بنزع السلاح الكيماوي بموجب قرار مجلس الأمن 2118 في عام 2013.

في الأشهر الماضية، أرسلت إدارة بايدن «حوافز» و«إشارات ضاغطة» على أمل أن تقوم موسكو باجتياز «الاختبار الأميركي» بالموافقة على تمديد قرار مجلس الأمن لتقديم المساعدات «عبر الحدود» من ثلاث بوابات: اثنتان بين شمال سوريا وتركيا، وواحدة بين شرق الفرات والعراق.

«سلة الحوافز» شملت عدم فرض عقوبات على شخصيات وكيانات سورية، وتقديم استثناءات من العقوبات القائمة لصالح المواد الطبية والإنسانية، ومواجهة جائحة «كورونا»، وعدم شن حملة رفيعة المستوى ضد الانتخابات الرئاسية السورية، وتجميد عقد لشركة أميركية لاستثمار النفط شرق الفرات، وإضافة عبارة في البيان الختامي للقمة الأميركية – الأوروبية نصت على تقديم المساعدات «عبر الحدود» السورية و«عبر الخطوط» بين مناطق النفوذ في سوريا، باعتبار أن الأخير هو مطلب روسي.

أما «رسائل الضغط»، فشملت تلويحاً أميركياً باحتمال «العودة إلى مسار العقوبات» في حال استخدمت روسيا حق النقض (فيتو) لدى بحث التمديد لقرار «المساعدات العابرة للحدود» في مجلس الأمن قبل انتهاء صلاحية القرار الحالي في 11 من الشهر المقبل. كما اتصل مسؤولون أميركيون بنظرائهم الأوروبيين لضمان استمرار «وحدة موقف الاتحاد الأوروبي»، وعدم قيام دوله بالتطبيع مع دمشق بشكل منفرد أو إعادة فتح السفارات، بالتزامن مع تواصل دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين عبر الأقنية الدبلوماسية مع عواصم عربية لنقل رسالة مفادها أن القيام بخطوات تطبيعية مع دمشق حالياً «غير مفيد»، وأنه لا بد من وضع «شروط وطلبات معينة» مقابل أي خطوة تطبيعية، تشمل التقدم في مسار الإصلاح وعمل اللجنة الدستورية، وإطلاق سجناء سياسيين، والسماح بعودة طوعية وآمنة للاجئين، إضافة إلى التزام وقف نار شامل في البلاد.

صدى هذه «الرسائل» وصل إلى الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الدول العربية، إذ إنه على عكس التوقعات، لم يتم بحث معمق في المؤتمر الوزاري العربي في الدوحة، الأسبوع الماضي، لموضوع عودة دمشق إلى الجامعة العربية ورفع قرار تجميد عضويتها المعلن في نهاية 2011. بل إنه لدى قيام وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، بطرح اهتمامه بعودة سوريا إلى «البيت العربي»، قوبل بكلمات عمومية من بعض الحاضرين، كما أنه لم يتم طرح جدي لاقتراح إعادة سوريا إلى الجامعة على جدول أعمال القمة العربية المقررة في الجزائر.

عليه، سيكون اجتماع روما السوري، مناسبة كي يقوم بلينكن بضبط إيقاع حلفائه من «السبع الكبار» والمنطقة، مثلما سيكون مناسبة لتلمس موقف إدارة بايدن من هذا الملف، بانتظار نتائج «الاختبار الأميركي» لروسيا الشهر المقبل. أيضاً، سيكون الاجتماع فرصة كي يعرض بيدرسن تصوراً تفصيلياً لاقتراحيه: مقاربة «خطوة مقابل خطوة» بين موسكو وشركائها من جهة وواشنطن وحلفائها من جهة، وتشكيل «مجموعة دولية – إقليمية» من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن واللاعبين الإقليميين… بعد انقشاع «الاختبار الأميركي» لموسكو و«الفحص الروسي» لواشنطن.

الشرق الأوسط

————————————

=======================

تحديث 23 حزيران 2021

—————————

قمة جنيف الأميركية – الروسية .. حساباتها ونتائجها

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

عقد الرئيسان، الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، قمّة في جنيف، في 16 حزيران/ يونيو 2021، في محاولةٍ لخفض التوتر المتصاعد بين بلديهما. وعلى الرغم من أن القمة استمرت ثلاث ساعات، فإنها لم تسفر عن نتائج كبيرة، ولم يصدُر عنها إلا بيان مشترك مقتضب حول “الاستقرار الاستراتيجي” يتعلق، خصوصًا، بالسعي إلى الحد من سباق التسلّح والانتشار النووي. وقد رفض الجانب الأميركي عقد مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيسين، ما فرض إجراء مؤتمرين صحفيين منفصلين عوضًا عن ذلك، لعدم إعطاء بوتين “الاهتمام الدولي” الذي يتوق إليه، بحسب ما تراه واشنطن، وتفويت الفرصة عليه في تحويل المؤتمر الصحفي إلى مناظرة علنية. ومع ذلك، يقول الجانبان إن القمة وإن لم تكن ودية، فإنها لم تكن عدائية.

نتائج متواضعة

باستثناء البيان المشترك حول “الاستقرار الاستراتيجي” الذي أصدره الرئيسان، لا يمكن الحديث عن إنجازاتٍ ملموسةٍ في أيّ من الملفات التي ناقشاها. ويبدو أن الطرفين اعتبرا هذه القمّة مقدّمة لحواراتٍ أكثر تفصيلًا بين مساعديهما. وبحسب البيان المشترك، فإن الدولتين تطمحان إلى إحراز تقدّم في أهدافهما المشتركة “المتمثلة في ضمان القدرة على التنبؤ في المجال الاستراتيجي، والحدّ من مخاطر النزاعات المسلحة وخطر الحرب النووية”. وتحيل هذه العبارة، على ما يبدو، إلى احتمالات تطوير أسلحة وأنظمة إطلاق نووية جديدة غير مشمولةٍ في اتفاقات ضبط الأسلحة النووية الحالية. ويُفهم من لغة البيان أنه لم يتم بعدُ الاتفاق على التفاصيل؛ ذلك أن البلدين سيشرعان في حوارٍ ثنائيٍّ حول الاستقرار الاستراتيجي في المستقبل القريب، بهدف “إرساء أساس للتدابير المستقبلية للحدّ من الأسلحة، والحدّ من المخاطر”. وبحسب بايدن، قد يستغرق الأمر ما بين ستة أشهر إلى سنة، قبل أن يُعْرَفَ ما إذا كانت المناقشات بشأن “الاستقرار الاستراتيجي” ستسفر عن شيء.

    قد تكون إدارة بايدن وجدت أنه لا بد من الحوار مع روسيا لتقديم محفّزات لبوتين، لتشجيعه على تغيير سياساته في ملفاتٍ معينة

وعلى الرغم من أن الرئيسين تحدّثا، في مؤتمريهما الصحفيين، عن جملة من القضايا الأخرى التي تمّت مناقشتها، بما فيها مساعي حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتوسع شرقًا والتوتر الروسي – الأوكراني، والعقوبات الأميركية على موسكو، وحقوق الإنسان، والأمن السيبراني، والمفاوضات النووية مع إيران، والانسحاب الأميركي المرتقب من أفغانستان، والأوضاع في سورية وليبيا، والعلاقات التجارية، وآفاق التعاون في القطب الشمالي، فإنه لم يصدُر عنهما موقفٌ مشتركٌ يوضح ما إذا كانا قد توصّلا إلى تفاهمات بشأن أيٍّ منها.

الحسابات الأميركية

جاء عرض بايدن عقد القمة في بلدٍ ثالث خلال اتصال هاتفي أجراه مع بوتين في نيسان/ أبريل الماضي، وهو أمرٌ لم يكن محل توافق بين جميع مستشاريه. وعلى الرغم من أنه سبق له أن وصف بوتين بـ “القاتل”، وتعهّد بالعمل على احتواء روسيا وردع محاولاتها اختراق الساحة الأميركية عبر القرصنة الإلكترونية، فضلًا عن سياساتها “المزعزعة للاستقرار في شرق أوروبا والعالم”، فإن بايدن يدرك عدم إمكانية تجاهل روسيا، وحاجته إلى التعاون معها بشأن جملة من القضايا الدولية. ويمكن تلخيص الحسابات الأميركية في العلاقة مع روسيا فيما يلي:

    • أولًا، على الرغم من العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا، فإنها لم تنجح في تغيير سلوكها. ومن ثم، قد تكون إدارة بايدن وجدت أنه لا بد من الحوار مع روسيا، وربما حتى تقديم محفّزات لبوتين، لتشجيعه على تغيير سياساته في ملفاتٍ معينة، وليس فقط حشره في زاوية ضيقة، ومن ذلك وصف بايدن له بـ “الخصم المعتبر”.

    • ثانيًا، دفعت الضغوط الأميركية المتواصلة على روسيا إلى تقاربها مع الصين التي تعتبرها واشنطن التحدّي الجيوسياسي الأبرز الذي تواجهه عالميًا. وعلى الرغم من أن موسكو وجدت نفسها مضطرّة إلى هذا التحالف، فإنها لا ترغب فيه، وتفضل أن تكون مقبولة من الغرب؛ إذ لا ترغب في تحالف صيني – روسي تكون فيه الصين صاحبة المطامع الاقتصادية غير المحدودة، هي الدولة الأقوى، وبينهما ملفاتٌ كثيرة غير محلولة في آسيا.

    تسعى إدارة بايدن إلى إقناع حلفائها أن “أميركا قد عادت” إلى تبوّؤ دورها القيادي عالميًا

    • ثالثًا، تسعى إدارة بايدن إلى إقناع حلفائها أن “أميركا قد عادت” إلى تبوّؤ دورها القيادي عالميًا، وذلك بعد أربع سنوات من حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي خلّف تراجعًا كبيرًا للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وتآكلًا في صدقيتها بين حلفائها، وضعفًا لهيبتها بين خصومها. وفي هذا السياق، أعلن بايدن، أكثر من مرّة، أنه يريد إعادة ترميم المكانة الجيوسياسية للولايات المتحدة، واستعادة صدقيتها ونفوذها العالمي، بحيث يحترمها حلفاؤها من جديد ويثقون بقيادتها، ويحسب خصومها لها حسابًا، وتحديدًا الصين وروسيا. وبناء عليه، حرص الجانب الأميركي على أن تكون القمّة الثنائية ضمن سياق أوسع، ومبنيةً على بدء تعافي الولايات المتحدة اقتصاديًا من تداعيات جائحة كورونا، وعودتها إلى قيادة العالم “من موقع قوة”، كما يقول بايدن، وبدعمٍ من “الدول التي تشاركنا قيمنا ورؤيتنا للمستقبل لـ “مواجهة الأنشطة الضارة لحكومتي الصين وروسيا”. ولهذا جاءت القمة في سياق جولة أوروبية دامت أسبوعًا، بدأها بايدن من مدينة كورنوال، جنوب غرب بريطانيا، حيث التقى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في 10 حزيران/ يونيو، ثمَّ شاركا معًا في اليوم التالي في قمة مجموعة السبع الكبار هناك، مرورًا بقمة لقادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العاصمة البلجيكية بروكسل، في 14 من الشهر ذاته، ثم قمّة أخرى في المدينة نفسها مع قادة الاتحاد الأوروبي في اليوم التالي، قبل أن يتوجه إلى لقاء بوتين في جنيف في 16 حزيران/ يونيو. وكان واضحًا تركيز البيانات الختامية للقمم التي عقدها بايدن على موضوعي الصين وروسيا، وهو الأمر الذي أصرّت عليه واشنطن مسبقًا. وبحسب مقال كتبه بايدن في صحيفة واشنطن بوست، قبل بدء جولته الأوروبية، فإن إدارته ستركّز “على ضمان قيام الديمقراطيات، وليس الصين أو أي جهة أخرى، بكتابة قواعد القرن الحادي والعشرين حول التجارة والتكنولوجيا”. وأضاف “عندما ألتقي فلاديمير بوتين في جنيف، سيكون ذلك بعد مناقشات رفيعة المستوى مع الأصدقاء والشركاء والحلفاء الذين يرون العالم من خلال عدسة الولايات المتحدة نفسها”. وبهذا، ذهب بايدن للقاء بوتين متسلحًا، إلى حد بعيد، بدعم مجموعة الدول الصناعية الكبرى، والاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو.

     ترى روسيا أن حلف الناتو ماضٍ، منذ أكثر من عقدين، في تضييق الخناق عليها في فضائها الجيوستراتيجي

    • رابعًا، ترسيم خطوط أميركية حمراء، على نحوٍ مباشرٍ وصريح، أمام بوتين، وذلك حتى لا ينزلق الطرفان إلى تصعيدٍ أكبر وأوسع لا يريدانه. وتخشى واشنطن من أن ينجح قراصنةٌ روس في تعطيل أنظمة الكمبيوتر الأميركية على نحوٍ تترتب عليه أضرار جسيمة، وهو ما قد يضطرّها إلى الرد بالمثل. وكان بايدن قد حذّر بوتين ضمنيًا بأن لدى واشنطن “قدرات سيبرانية كبيرة”، وسأله ماذا سيحدث لو استهدفت الولايات المتحدة أنابيب نقل النفط من الحقول الروسية كإجراء انتقامي؟

    • خامسًا، تقول واشنطن إنها تريد علاقة مستقرّة مع روسيا ويمكن التنبؤ بها، بحيث يمكنها العمل معها في قضايا مثل الاستقرار الاستراتيجي ومراقبة التسلح.

الحسابات الروسية

تنطلق الحسابات الروسية من أن الولايات المتحدة والغرب يحاولان تطويقها وعزلها بذريعة دعم التحولات الديمقراطية في دولٍ مجاورة لها. وبالنسبة إلى روسيا، فإن كثيرًا من سياساتها وممارساتها التي تزعج الغرب، كما في أوكرانيا، هي تعبيراتٌ عن رفض محاولات فرض قواعد جائرة عليها، تحاصرها وتحدّ من قدرتها على التحرّك والدفاع عن مصالحها. ويمكن تلخيص الحسابات الروسية فيما يلي:

    • أولًا، ترى روسيا أن حلف الناتو ماضٍ، منذ أكثر من عقدين، في تضييق الخناق عليها في فضائها الجيوستراتيجي، خصوصًا في أوروبا الشرقية والوسطى، التي كانت تحت نفوذها المباشر زمن الاتحاد السوفياتي. ففي عام 1999 ضمَّ الحلف بولندا والمجر والتشيك، ثم في 2004 تبعتها بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، ثمَّ ألبانيا وكرواتيا عام 2009، والجبل الأسود عام 2017. وفي 2019 أعلن “الناتو” أن البوسنة والهرسك وجورجيا ومقدونيا الشمالية وأوكرانيا أعضاء مرشّحون لعضويته. ولا تُبدي موسكو أي نيةٍ للمساومة على ضم أوكرانيا في أوروبا الشرقية، وجورجيا في جنوب القوقاز، إلى الحلف، وهي تعتبر ذلك خطًا أحمر بالنسبة إليها. وبناء عليه، تطمح روسيا إلى أن تكون هناك تسوية مع الولايات المتحدة حول هذا الملف، لما سيترتّب عليه من تداعيات جيوستراتيجية وعسكرية واقتصادية كبرى على كل الأطراف، وخصوصًا أن روسيا تملك أدواتٍ للضغط على بعض الدول الأوروبية الأعضاء في “الناتو”، كألمانيا مثلًا، عبر الغاز الذي تصدّره إليها، وعلى تركيا عبر العلاقات الاقتصادية والجوار الاستراتيجي، وعلى أوروبا عبر سورية وليبيا، وكذلك عبر الملف النووي الإيراني. إضافة إلى ذلك، تملك روسيا القدرة على زعزعة الاستقرار العالمي، وتحديدًا الأوروبي، كما أنها أثبتت كفاءةً عاليةً في قدرتها على المسِّ بالاستقرار الأميركي نفسه عبر اختراقها إلكترونيًا.

     ألحقت العقوبات الاقتصادية الأميركية – الغربية على موسكو أضرارًا بالغة بالاقتصاد الروسي

    • ثانيًا، ألحقت العقوبات الاقتصادية الأميركية – الغربية على موسكو أضرارًا بالغة بالاقتصاد الروسي، وتفيد المعطيات الاقتصادية بأن الاقتصاد الروسي نما بمعدل 0.3% سنويًا، منذ عام 2014، بينما كان المتوسط العالمي 2.3% سنويًا. وقد ترتب على تلك العقوبات أيضًا تخفيض المستوى الائتماني للاقتصاد الروسي، وضعف الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا، ما أدّى إلى تراجع نمو الاقتصاد هناك ما بين 2.5% – 3% سنويًا، أي إن خسارة روسيا كانت في حدود خمسين مليار دولار سنويًا. لذلك، يحرص الكرملين على التوصل إلى تسوياتٍ مع الولايات المتحدة تخفّف من حدّة الحصار الاقتصادي على البلاد، فضلًا عن تجنّب سباق تسلح نوويٍّ جديد مع واشنطن سيكون مكلفًا جدًا بالنسبة إلى روسيا.

    • ثالثًا، تسعى روسيا إلى التأكيد على مكانتها بوصفها قوةً عالمية، ليس بالضرورة منافسًا رئيسًا للولايات المتحدة، ولكنها تصرّ على أن تؤخذ مصالحها في الاعتبار، وأن أيّ مسّ بمكانتها هذه يدفعها إلى إظهار قوتها بطرقٍ مؤثرة تزعج الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، فإن بوتين لديه حرص شخصي على أن تتعامل معه الولايات المتحدة بندّية، وليس باعتباره شريكًا أصغر أو أقل أهمية.

خاتمة

ترى إدارة بايدن أن استمرار التوتر وتصاعده مع روسيا يدفعانها إلى الاقتراب أكثر من الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة أكبر تهديدٍ لمكانتها الجيوستراتيجية. وبحسب وثيقة “التوجيهات الاستراتيجية” الصادرة عن البيت الأبيض في آذار/ مارس 2021، تمثّل الصين “المنافس الوحيد المحتمل القادر على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحدٍّ جديّ للمصالح الأميركية وللنظام الدولي الذي وضعت واشنطن أسسه بعد الحرب العالمية الثانية”. أما روسيا، فلديها مخاوف لا تعبّر عنها من العملاق الصيني الصاعد على حدودها؛ إذ على الرغم من أن الصين باتت أكبر مستورد للنفط الخام الروسي، فإن روسيا أصبحت، في المقابل، سوقًا كبيرة للبضائع الصينية المصنّعة، وفي هذا يختل الميزان التجاري بقوة لصالح الصين. كما يتزايد قلق روسيا من الصين في ضوء تمدّد الأخيرة في مناطق نفوذ الأولى التقليدية، في آسيا الوسطى خصوصًا، والتي تعد اليوم جزءًا أساسيًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية. وفي هذا الإطار، ما تطمح إليه واشنطن هو الاستفادة من المخاوف الروسية تجاه الصين لإبعادها عنها، لكن في المقابل تريد أن ترسم لروسيا خطوطًا حمراء لا تريد تجاوزها في جملةٍ من القضايا الخلافية التي لا يتوقع أن يكون حلها سهلًا أو حتى ممكنًا في المدى المنظور.

العربي الجديد

————————

غزوة بايدن .. الفرص والمخاطر/ علي العبدالله

شكّل شعار “أميركا عادت” رافعة للرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، في حواراته الأوروبية والأطلسية، إذ تحت هذا الشعار، دعا حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، والحلفاء الجدد (الهند)، إلى الانضمام إلى غزواته المقبلة ضد الأنظمة السلطوية في جميع أنحاء العالم، وخصوصا ضد النظام الصيني، وإلى الانخراط في عمليات جيوسياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية للجم التمدّد الصيني، والتصدّي لخططه للهيمنة والسيطرة عبر تطويره قدراته العسكرية والتقنية والذكاء الاصطناعي وتعزيزها، وربطه الدول باستثماراته الضخمة في مشروع الحزام والطريق وبناه التحتية، الطرق والجسور وسكك الحديد والموانئ، التي تسهّل وصول منتجاته الصناعية إلى أسواق بعيدة، وتحقق له نفوذاً راسخاً عبر إغراق الدول المنخرطة في المشروع بديون ثقيلة ومقيدة.

نجح الرئيس الأميركي في حشد دول مجموعة السبع وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي ضد الصين، فقد اعتبرها قادة دول الحلف العتيد “خطراً يهدّد العالم”؛ وتبنّوا المقاربة الأميركية بإعطاء المواجهة معها أولويةً على قاعدة “التركيز على إدارة المخاطر الأكثر إلحاحاً” وتجميد الملفات الأخرى مرحلياً، ومواجهة مشروعها الرئيس، الحزام والطريق، بتوفير بدائل لدول وسط آسيا بتنفيذ مشاريع بنى تحتية فيها تحرّرها من الخيار الصيني وتبعاته الاقتصادية: الغرق بالمديونية، والإعلان عن توزيع مليار جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، في سياق دبلوماسية اللقاحات، لاحتواء توظيف الصين هذا التكتيك والتفوق عليها.

في سياق إحكام الطوق حول الصين، تبنّى الرئيس الأميركي مقاربةً مرنةً مع روسيا في قضايا استراتيجية؛ الحدّ من التسلح وتكريس استقرار استراتيجي، ليمنحها فرصة تجنّب سباق تسلح باهظ التكلفة مقابل الابتعاد عن الصين… مقايضة مغرية في ضوء اقتصادها الهشّ، والحاجة إلى طمأنة الشعب الروسي المتطلع إلى تحسين ظروف عيشه وتحسين خدماته الضاغطة، عشية الانتخابات البرلمانية والرئاسية عام 2024. وركّز بايدن على تحديد خطوط حمر تريح الطرفين في قضايا الحرب السيبرانية وعسكرة القطب الشمالي والتدخل في الشؤون الداخلية، وخفّف من معارضة الولايات المتحدة التعاون الروسي الأوروبي في مجال الطاقة، ومدّ خط أنابيب غاز سيل الشمال عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا. لكنّه تشدّد في قضايا جيوسياسية؛ أوكرانيا وجزيرة القرم، وقد كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد هدّد بمحو أوكرانيا إذا اقترب حلف الناتو منها. وحدّد بايدن نطاق الحديث في الملف السوري بمناقشة ملف المعابر الإنسانية وإدخال المساعدات الأممية عبر الحدود، للتعبير عن عدم استعداده لتوسيع التعاون مع روسيا في سورية خارج الجدول الزمني لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، واستمرار التنسيق العسكري لتفادي التصادم خلال العمليات فيها. وكانت روسيا قد مهدت لقمة بوتين – بايدن في جنيف (16 يونيو/ حزيران الحالي) بتصعيد موقفها إزاء المعابر الإنسانية، ولوّحت باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، عند مناقشة تمديد القرار 2533 الخاص بالمعابر الإنسانية في يوليو/ تموز المقبل؛ على أمل استدراج عروضٍ في الملف السوري بشأن عودة اللاجئين وإعادة الإعمار وتخفيف بعض بنود “قانون قيصر” لكن من دون طائل، كما أبقى سيف القيم الغربية؛ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وملفات تسميم وقتل معارضين، مشهراً في وجهها، تكريساً للبعد القيمي الأخلاقي الذي حشد حوله في قمم مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي معياراً لمواجهة الأنظمة التسلطية، بما في ذلك روسيا.

لم تنجح قمة الرئيسين، الروسي والأميركي، في جنيف، في تفكيك القضايا المعقدة وحلّ الخلافات العميقة في مجالات عسكرية وأمنية واقتصادية، في ضوء نظرة كلّ من الدولتين إلى الأخرى، فروسيا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في “الناتو” صاحبة مشروع سياسي وقيمي مناهض لليبرالية والديمقراطية اللتين يتبنّاهما التحالف الغربي، وكان الرئيس الروسي، بوتين، أعلن أنّ “الديمقراطية قد عفا عليها الزمان”. ورفع من تحدياته، عبر تحديث قدراته النووية وتعزيز تحالفاته العسكرية والأمنية؛ عكستها إعلانات بوتين المتكرّرة عن إنجازات المجمع الصناعي العسكري الكبيرة، والمتفوقة في مجالات الصواريخ النووية والطوربيدات البحرية ودفاعاته الصاروخية والأسلحة التقليدية. وزاد من خطورة تحدّياته تعاونه العسكري مع الصين، وتنسيقه السياسي معها. في حين تعتبر روسيا الولايات المتحدة خطراً وجودياً. في خلفية الموقف الروسي ما قاله الوزير الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر: “روسيا كبيرة لذا فهي خطيرة”، وتحوّله إلى خطة أميركية جسّدها تمدّد حلف شمال الأطلسي المتواتر نحو حدودها الغربية، ونشر الدرع الصاروخية في دول أوروبا الشرقية، والتدخل في الشؤون الداخلية عبر دعم منظمات المجتمع المدني الروسي، وفتح ملفات الفساد وفضح الشخصيات المقرّبة من بوتين التي نهبت الثروة الوطنية. وقد زاد في حساسية الموقف الروسي وهواجسه في القمة تنصيب الرئيس الأميركي نفسه قائداً للمعسكر الغربي؛ وترحيب جميع القادة الأوروبيين بعودة الولايات المتحدة إلى حلفائها؛ وتأييدهم موقفه المعادي من روسيا ومن الصين، ما يعني عودة الاصطفاف ضمن أحلافٍ، وتهديد فرص روسيا في استثمار التباينات السياسية والاقتصادية بين دول التحالف الغربي وتحقيق مكاسب من علاقاتٍ إيجابيةٍ نجحت في بنائها مع بعض دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى محسوبة على حلفاء الولايات المتحدة.

لذا لم يكن من السهولة أن تقبل روسيا محاولة الإدارة الأميركية دفعها إلى الابتعاد عن الصين، على الرغم من الدلالة التي ينطوي عليها عرض الأخيرة تشكيل لجان للتفاوض بشأن التسلح والاستقرار الاستراتيجي، باعتباره من أشكال الثنائية القطبية بين الدولتين النوويتين الأكبر في العالم، وما فيه من اعترافٍ بالمكانة الدولية لروسيا، الهدف العزيز على قلب بوتين، ليس لأنّها هي والصين في تفاهم تام، واتفاق استراتيجي راسخ، بل لأنّ ابتعادها عن الصين سيضعفها ويضعها في مواجهة التحالف الغربي من دون حليف وازن، ما يحدّ من فرصها في تحقيق أهدافها في ملفاتٍ معلقةٍ معه، من جهة. وسيفتح، من جهة ثانية، الطريق لقيام نظام ثنائي القطبية من الولايات المتحدة والصين، يضعفها ويهمشها أكثر، فالإبقاء على التعاون مع الصين، خصوصاً في مجال الأسلحة، حيث تتقدّم على الصين، يعزّز موقف الصين في مواجهة الولايات المتحدة، ويزيد من قدرتها على بسط نفوذها في الجوار، بما في ذلك استرجاع تايوان، ما يقطع الطريق على تفاهم أميركي صيني على حسابها، فالضغوط الأميركية على روسيا للابتعاد عن الصين فيها كثير من سوء التقدير، لأنّها تأتي مع إعلاناتٍ عن اعتبارها عدوة وخطرة؛ ما يقود إلى دفعها إلى الالتحام أكثر بالصين، لمواجهة عدو مشترك وتحقيق توازن، إن لم يكن تفوقاً، في التنافس معه. وقد سبق لروسيا التعبير عن ذلك، حين رفضت دعوة الولايات المتحدة إلى إلزام الصين بالاتفاقات والمعاهدات النووية بينهما؛ الصين دعتهما إلى تقليص عدد الرؤوس النووية لديهما، حيث الفارق بين ما تملكه هي وما تملكه روسيا والولايات المتحدة كبير جداً، 200 رأس، مقابل 6850 و6450 لدى الدولتين على التوالي، مع علمها أنّ استمرار التعاون مع الصين وتطويره سينعكس سلباً على أيّ تسوياتٍ في الملفات الدفاعية مع التحالف الغربي، وسيزيد الضغوط الغربية عليها.

تحتاج الولايات المتحدة إلى العودة للاستقرار الاستراتيجي مع روسيا التي استعادت قوتها، للتفرغ لمواجهة الصين، وهذا لن يتم من دون اتفاقاتٍ وترتيباتٍ مرضية للطرف الروسي، خصوصاً أنّها قد بلورت قواسم مشتركة مع الصين، مهمة لتحركها السياسي والاستراتيجي؛ ما يستدعي رفع الثمن المطلوب للتخلي عنها. وهذا إذا تم يثير مشكلاتٍ مع دول أوروبية حليفة، الشرقية ودول البلطيق بخاصة، تتوجّس من روسيا، وتعتبر التقارب الأميركي معها مضرّا بأمنها ومصالحها، لأنّه يحدّ من فرص استثمار الخلاف والمواجهة بينهما، ببسط الولايات المتحدة حمايتها عليها من ضغوط روسية قائمة ومتوقعة، ما يستدعي حصر مجال التنازل لها جغرافياً ونوعياً، والإبقاء على الضغوط مسلطةً عليها لتقييد قدرتها على إلحاق الأذى بالدول الحليفة، ودفعها إلى تعديل سلوكها الدولي.

العربي الجديد

—————————

الولايات المتحدة تهندس الغرب: الصين كمنافس وروسيا كتابع لها/ ماجد كيالي

من الواضح أن جو بايدن لم يكن يريد أن يضيع الوقت في المظاهر والخطابات والبروتوكولات، أو في المناكفات الشخصية، وكان يركز على وضع روسيا في حجمها، بطريقة ديبلوماسية.

إنها أيام حافلة على السياسة الأميركية، والسياسة الدولية ضمناً، في ظل اجتماعات القمة لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (كرونوال، بريطانيا، 13 حزيران/ يونيو 2021)، ولقادة مجموعة الدول المشاركة في منظمة حلف الأطلسي/ ناتو (بروكسيل، 14/6)، والقمة التي جمعت الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين (جنيف، 16/6)، بحكم تأثيراتها الدولية. وتضاف إلى ذلك لقاءات ثنائية كان عقدها الرئيس الأميركي مع الكثير من الرؤساء المشاركين في الاجتماعين الدوليين.

الهندسة الأميركية للغرب

ثمة ثلاث مسائل تمكن ملاحظتها في تلك التحركات والاجتماعات، التي أتت بمثابة محاولة أميركية لإعادة ترتيب الغرب، أو الدول الديموقراطية الكبرى:

الملاحظة الأولى: تتمثل بسعي الدول الغربية، لا سيما الدول الصناعية السبع الكبرى (الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا) إلى تعزيز مكانتها، من مدخل تميزها كدول ديموقراطية، وتأكيدها مكانتها كالقوة المهيمنة، اقتصادياً وتكنولوجياً في العالم، مع حصة تناهز 50 في المئة من الاقتصاد العالمي. وهو تميز يتم إشهاره في مواجهة الصين وروسيا. ومعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية هي القاطرة التي تقف وراء ذلك التميز، والتوجه، علماً أنها تستحوذ على قوة اقتصادية تقدر بربع الناتج الإجمالي السنوي لدول العالم (نحو  22 ترليون دولار سنوياً)، ناهيك بكونها المصدر الأساس لمجمل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، وحتى الفنية، في العالم.

الملاحظة الثانية تفيد بأن إدارة جو بايدن تسعى في مجمل سياساتها وتحركاتها الخارجية، إلى ترميم، وتعزيز، المكانة الدولية للولايات المتحدة، التي ترى أنها تضررت في عهد الإدارة السابقة (إدارة دونالد ترامب)، التي اتسمت بفض الارتباط بالالتزامات الخارجية، والعجرفة في التعامل مع الحلفاء. ويبدو أن الإدارة الحالية تحاول ذلك من مداخل عدة، أهمها، أولاً، توطيد علاقاتها مع الحلفاء، أو الشركاء، التقليديين، في أوروبا، بخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا. ثانياً، استعادة مكانة المنظمات الدولية التي تعتمد عليها، والتي تعتبر جزءاً مكوناً من رصيدها الخارجي، ويأتي في مقدمتها حلف الناتو، وهو ما اتضح في الرسائل التي بعثت بها تلك الإدارة في مؤتمر قمة الحلف الأخيرة، سواء بزيادة النفقات العسكرية، أو عبر الحديث عن استراتيجية جديدة للحلف للعقد المقبل. وقد تجلى ذلك، أيضاً، في تأكيد تدعيم دور منظمة الصحة العالمية. والثالثة، بعث رسائل حاسمة، وحازمة، وإن بلغة ديبلوماسية، إلى كل من الصين وروسيا، مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت موجودة كقوة عظمى، سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وعلمية، وهي لن تسكت، أو سترد، على أي محاولة تحاول تعكير الاستقرار العالمي، أو توجيه تهديدات من أي نوع (اقتصادية/ أمنية/ تكنولوجية) للولايات المتحدة.

الملاحظة الثالثة، تتعلق بتحديد موعد لقاء القمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (في سويسرا) بعد اجتماعات قمة الدول الصناعية السبع الكبرى (في بريطانيا)، وبعد اجتماعات قمة زعماء حلف “الناتو” (في بلجيكا). وهو أمر بالغ الأهمية، ويبعث رسالة لروسيا مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت في موقعها القيادي للعالم الغربي، وضمن ذلك أنها تسعى لتفعيل حلف “الناتو” وتعزيزه، بعدما بدا وكأنها لم تعد معنية بذلك في ظل إدارة ترامب. فوق ذلك، فقد أبدى بايدن استهانة واضحة بروسيا، سواء باعتباره أن الصين هي التحدي الأكبر للغرب وللولايات المتحدة، أو باعتباره أن روسيا أضحت دولة عادية، أو مجرد لاعب ثانوي، وأنها تعمل كشريك صغير للصين، هذا إضافة إلى كلامه الحازم عن أن الولايات المتحدة سترد في حال استهداف 16 منشأة أميركية، بهجوم سايبيري مصدره روسيا، مع تأكيده أن الولايات المتحدة تمتلك، في المجال المذكور، فرصاً أكبر وأكيدة للإضرار بروسيا.

تحديات كبيرة وبرنامج طموح

في اجتماع قمة الدول الصناعية السبع الكبرى، وإزاء ما يسمى “التهديدات العالمية”، تم التوافق، أولاً، على تعزيز الجهود المشتركة لمواجهة آثار جائحة “كورونا”، منها تقديم مليار لقاح للدول الفقيرة (نصفها من الولايات المتحدة)، ودعم منظمة “الصحة العالمية”، وتعزيز دورها، مع متابعة التحقيق في شأن ما إذا كان للصين دور في ظهور تلك الجائحة. ثانياً، تأكيد تميز الدول الصناعية كدول ديموقراطية، وتالياً تميزها في شأن حقوق الإنسان، وهو خطاب موجه إلى كل من الصين وروسيا بشكل خاص، أي باعتبار هاتين المسألتين ستكونان ضمن معايير المواجهة معهما مستقبلاً، بالوسائل الديبلوماسية. ثالثاً، إطلاق خطة بديلة، أو منافسة، لخطة “الطريق والحزام” الصينية، موجهة إلى الدول الفقيرة والنامية، بالتركيز على تقديم الدعم لها في مجالات البنى التحتية والمناخ والصحة والقطاع الرقمي والمساواة بين الجنسين. رابعاً، التوافق على حد أدنى عالمياً للضرائب على الشركات الكبرى متعددة الجنسية (15 في المئة)، في تحول لافت نحو زيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وهو ما يتسق مع توجه داخل الولايات المتحدة نحو تخصيص مبالغ من ميزانيتها لدعم قطاع الأعمال التكنولوجي، لمواجهة الصعود المتزايد للصين، التي لا تعمل وفق قواعد الاقتصاد الحر. وقد تم التعبير عن ذلك صراحة في بيان الدول السبع، بخصوص مواجهة الممارسات التجارية “غير العادلة” للصين، وانتهاجها سياسة السخرة (الأيدي العاملة الرخيصة)، والتي لا تحترم حقوق الإنسان. وقد عبر بايدن صراحة عن ذلك بدعوته بكين “إلى احترام المعايير الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان والشفافية”، واعتباره “أن الديموقراطيات الغربية تخوض تنافساً مع الحكومات الاستبدادية”. وأضاف: “قلت بنفسي للرئيس شي جين بينغ…أنا لا أبحث عن صراع، وحيث نتعاون سنتعاون وعندما لا نتفق سأقول ذلك صراحة وسنتعامل مع الإجراءات غير المتسقة”.

ثمة مبالغة كبيرة في الحديث عن توازن القوى الاقتصادي أو العسكري، خصوصاً في تضخيم قوة الصين.

أما في قمة حلف “ناتو” (30 دولة)، فقد كان واضحاً التركيز على التهديد الآتي من الصين، التي لديها ثاني أكبر ميزانية تسلح، وأكبر قوة بحرية، في العالم، وترسانة من الصواريخ بعيدة المدى، وحاملات طائرات، وغواصات نووية هجومية، مع القوة التكنولوجية التي باتت تملكها، الأمر الذي لاحظته في الاستراتيجية التي يعدها الحلف لعام 2030. وتشمل تلك الاستراتيجية، أيضاً، مواجهة إجراءات روسيا العدوانية، إضافة إلى تهديدات الإرهاب والتهديدات الإلكترونية (من الصين وروسيا) وتغير المناخ، وسيتم اعتماد تلك الاستراتيجية في قمة “ناتو” العام المقبل. ومعلوم أن مجمل الدول المشاركة في الحلف تسعى إلى تخصيص 2 في المئة من ناتجها القومي للإنفاق على الدفاع والتسلح.

وفي شأن القمة الأميركية- الروسية، فمن الواضح أن جو بايدن لم يكن يريد أن يضيع الوقت في المظاهر والخطابات والبروتوكولات، أو في المناكفات الشخصية، وكان يركز على وضع روسيا في حجمها، بطريقة ديبلوماسية، وبخاصة مع مراعاة عدم استفزاز قرينه الروسي، وهو ما نجح في إعادة تسليك العلاقات الديبلوماسية، بعودة السفيرين، وفي الاتفاق على حوار استراتيجي بينهما، وضمن ذلك استئناف محادثات الحد من التسلح، والانفتاح على التفاهم في الملفات الفرعية الأخرى، موضع الخلافات أو التدخلات من البلدين (أوكرانيا، روسيا)، مع تأكيد البلدين أنهما لا يرغبان بحرب باردة جديدة، لا سيما أن روسيا ليست في وارد حرب من هذا النوم، بخاصة مع صعود الصين، على حدودها الشرقية، إذ تبدو كمنافس مستقبلي لها، أكثر من الولايات المتحدة.

الصين كمنافس بدل روسيا

وفي الواقع ثمة مبالغة كبيرة في الحديث عن توازن القوى الاقتصادي أو العسكري، خصوصاً في تضخيم قوة الصين. وفي هذا الخصوص قد يفيد التنويه إلى المعطيات الآتية، في المقارنة بين الدولة الصناعية السبع الكبرى، من جهة، وكل من الصين وروسيا، من جهة أخرى. مثلاً، فإن الدول الصناعية السبع الكبرى تستحوذ على 40 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، علماً أن الولايات المتحدة الأميركية تستحوذ لوحدها على ربع الناتج الإجمالي السنوي العالمي (نحو 22 ترليون دولار). في المقابل، فإن الناتج الإجمالي السنوي للصين يبلغ 14 ترليون دولار. وعلى رغم أن المبلغ يبين أن اقتصاد الصين هو ثلثي الاقتصاد الأميركي إلا أن ذلك يبدو مضللاً، لأن ثمة فارقاً هائلاً في عدد السكان بين البلدين، إذ يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة 325 مليون نسمة، في حين يبلغ عدد سكان الصين 1400 مليون نسمة، أي حوالى أربعة أضعافهم في الولايات المتحدة. وفي حين أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في الولايات المتحدة يبلغ 65 ألف دولار، فهو في الصين يبلغ 10 آلاف دولار تقريباً، هذا فضلاً عن الفارق الهائل في التكنولوجيا والإدارة لمصلحة الولايات المتحدة. وفي ما يخص روسيا فهي بالفعل أضحت دولة عادية، إذ إنها ليست ضمن الدول العشر الكبرى، التي تضم كل من: الولايات المتحدة: 21.4 تريليون دولار، الصين: 14.3 تريليون دولار، اليابان: 5 تريليونات دولار، ألمانيا: 3.8 تريليون دولار، الهند: 2.8 تريليون دولار، بريطانيا: 2.8 تريليون دولار، فرنسا: 2.7 تريليون دولار، إيطاليا: 2 تريليون دولار، البرازيل: 1.8 تريليون دولار، كندا: 1.7 تريليون دولار (مع نصيب للفرد قدره 51 ألف دولار)، إذ لا يتعدّى الناتج الإجمالي السنوي لروسيا 1.7 ترليون دولار، مع نصيب للفرد قدره 29 ألف دولار سنوياً.

أما لجهة التسلح (وبحسب إحصاءات عام 2020)، فإن حصة الولايات المتحدة الأميركية لوحدها من مجمل الإنفاق على التسلح والدفاع في العالم تبلغ نحو 40 في المئة، وهي تخصص له 3 في المئة فقط من ناتجها القومي، وقد بلغ 778 مليار دولار (من 22 ترليون دولار)، من إجمالي إنفاق عالمي قدره 1981 مليار دولار. في المقابل، فإن مجمل إنفاق الصين، التي تأتي بعدها في المركز الثاني، على التسلح والدفاع يقدر بـ252 مليار دولار (2020)، أي نحو ثلث الإنفاق الأميركي على التسلح، أو ما نسبته 13 في المئة من حجم الإنفاق العالمي (مع الفارق التكنولوجي)، وهو يبلغ أقل من 2 في المئة من ناتجها القومي السنوي. وتأتي الهند في المكانة الثالثة مع إنفاق 72.9 مليار دولار. في حين أن روسيا تحتل المركز الرابع في الإنفاق على الدفاع والتسلح، الذي وصل إلى 66.4 مليار دولار (2020)، أي ما يشكل نحو 3 في المئة من مجمل ناتجها المحلي. وهذا يعني أن قوة روسيا تنبع من كونها دولة نووية أساساً، وليس من عديد جيشها، أو قواتها البحرية أو الجوية، كما وليس من قوة اقتصادها أو تفوقها التكنولوجي أو العلمي. وتحتل المملكة المتحدة المركز الخامس في الإنفاق على التسلح مع تخصيصها 59.2 مليار دولار، في حين تحتل ألمانيا المكانة السادسة مع تخصيصها 53 مليار دولار على التسلح والدفاع، وهو ما يعادل 1.4 من الناتج المحلي الإجمالي.

باختصار، العالم يتغير، لكن من المبكر الاستنتاج بأن القرن الحالي هو قرن تراجع الولايات المتحدة، مقابل صعود الصين، وبحسب تعبير للكاتب والصحافي الأميركي فريد زكريا، فإن الولايات المتحدة لا تتراجع، وإنما العالم يصعد. أيضاً، ما زالت الولايات المتحدة الأميركية هي القاطرة العالمية للتطورات الحاصلة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، في حين تبدو الصين كمصنع للعالم، ناهيك بالفوارق الأخرى في إدارة المجتمع، ومستوى المعيشة، هذا من دون إغفال الإعجاب بالنهوض المدهش للصين. أما في ما يخص روسيا، فعلى رغم إمكاناتها البشرية والطبيعية، فهي في مكانة بين كوريا الجنوبية والبرازيل وإيطاليا، وهو أمر مؤسف لبلد كبير، ولشعب يمتلك كل أسباب التطور، لكنه لا يستطيع ذلك، لأسباب معروفة، أهمها طبيعة النظام السياسي، والمغامرات الخارجية غير المجدية، وضعف استثمار الموارد البشرية والطبيعية.

درجة

—————————

عن “نادي الديمقراطيات” و”صراع الرأسماليات”/ عائشة البصري

عادت أميركا، وعاد الديمقراطيون يرفعون راية زعامة “العالم الحر”، دفاعا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في وجه الاستبداد. “يحتاج الأميركيون إلى شيء يقاتلون من أجله، قبل أن يجدوا من يقاتلون ضده”، كما يقول الأكاديمي الأميركي دومينيك تيرني. وهذا ما يجعل سياساتها الخارجية، بأبعادها العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية، تُبنى على أساس التحدّيات والتهديدات الأجنبية، الواقعية والمبالغ فيها. بعد احتواء الخطر الشيوعي وانخفاض خطر “الإرهاب الإسلامي”، تحضّر أميركا لمواجهة التهديد الصيني.

في ربيع هذا العام، صرح الرئيس الأميركي، جو بايدن، للإعلام الأميركي، بأن الصين تسعى إلى أن تقود العالم، وتصبح أغنى وأقوى دولة فيه، وأنه لن يسمح لها بأن تحقق هدفها، لأن أميركا ستنمو وتتمدّد. ووضع بايدن هذه المنافسة في إطار صراع أيديولوجي بين الديمقراطية والاستبداد، قد تستيقظ معه شياطين الحرب الباردة. وبما أنه لكل حرب تحالفاتها، فقد سَعى الرئيس بايدن في جولته الخارجية الأولى إلى بناء “تحالف ديمقراطي”، لاحتواء خطر يبدو صينيا بالأساس، وروسيا على نحو ثانوي. وكان من الطبيعي أن يعرج على قمة حلف الناتو في بروكسيل، قبل أن يشارك في قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في بريطانيا من 11 إلى 13 يونيو/ حزيران الجاري. في بيانها الختامي، طالبت القمة الصين باحترام حقوق الإنسان والحرّيات الأساسية، خصوصا في إقليم شينجيانغ وهونغ كونغ، ودعت روسيا إلى احترام حقوق الإنسان أيضا، ووقف تدخلاتها وباقي “أنشطتها المزعزعة للاستقرار”، وأشار بايدن، من جهته، إلى أن القوى الديمقراطية تخوض “منافسة مع تلك “الاستبدادية”.

لقد عادت أميركا إلى ثنائياتها، لتقدم المنافسة الاستراتيجية التي تربطها بالصين، وجها جديدا لصراع أيديولوجي بين الديمقراطيين الأخيار والمستبدّين الأشرار. وينهل بايدن مباشرة من رؤيةٍ بلورها تقرير أصدرته مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعنوان “الربط بين القيم والاستراتيجيات: كيف يمكن للديمقراطيات وقف تقدّم الاستبداد”. ووضع المجلس منذ 2014 استراتيجية تحالف “الديمقراطيات العشر”، المعروفة اختصارا، د – 10، من أجل محاصرة الصين من مجالها الحيوي، من الشرق إلى الغرب. ويضم مشروع هذا الحلف، بالإضافة إلى أميركا، كلاّ من بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، كندا، إيطاليا، الهند، أستراليا وكوريا الجنوبية.

من أهم تناقضات هذه الجبهة الديمقراطية، التي لم يتم بعد الإعلان عن تأسيسها رسميا، أنها لا تضم دولة واحدة من ديمقراطيات أوروبا الشمالية، مثل النرويج والسويد أو أيسلندا التي تتربع على قمة “الديمقراطيات الكاملة”، حسب تصنيف وحدة الاستخبارات الاقتصادية في صحيفة الإيكونومست “مؤشّر الديمقراطية”. ومن غرائبها أيضا أن تتزعمها أميركا التي تتراجع فيها الديمقراطية وتتآكل، سنة تلو الأخرى، إلى أن دخلت البلاد خانة “الديمقراطيات المعيبة”، إلى جانب فرنسا وإيطاليا والهند، وفق تقرير المؤشّر ذاته للعام 2020. ورافق هذا التدهور اهتزاز صورة الديمقراطية الأميركية في الخارج. هذا ما أكّدته نتائج استطلاع رأي عن صورة أميركا عبر العالم أجرته مؤسسة “بيو” للأبحاث في 12 دولة ديمقراطية، وأعلنت عن نتائجه يوم 10 يونيو/ حزيران الجاري، إذ اعتبر 57٪ من المشاركين أن أميركا لم تعد نموذجا جيدا للديمقراطية، في حين يرى 23٪ من المستطلَعين أن الديمقراطية الأميركية لم تمثّل يوما نموذجا جيدا على الإطلاق.

ومن مفارقات نادي الديمقراطيات العشر أن يستقوي أيضا بديمقراطية الهند المتأزّمة منذ صعود الشوفينية الهندوسية في عهد رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، إلى درجة أنه، للمرة الأولى منذ أواخر التسعينيات، خفّضت منظمة “فريدم هاوس” الأميركية مرتبة الهند من دولة “حرّة” إلى “حرّة جزئيا”. واضطر أيضا “معهد أنواع الديمقراطية” السويدي (V-Dem)، أن يراجع تصنيف الهند من “ديمقراطية انتخابية” إلى نظام “سلطوى إنتخابي”. والغريب في موقف أميركا وحلفائها أنهم يندّدون بالصين وبالسياسات التعسفية والقسرية التي يمارسها الحزب الشيوعي (الحاكم) ضد مسلمي الأويغور، ويلزمون الصمت حيال تفاقم اضطهاد حليفهم الديمقراطي في الهند المسلمين.

أما في فرنسا، حيث ترتكز الديمقراطية النيابية على مبدأ تمثيل الأغلبية، فإن تراجعها الديمقراطي يتجلّى في عزوف المواطنين عن الانخراط في العملية السياسية، وفي مقدمتها الانتخابات. لأول مرة في تاريخ فرنسا، بلغت نسبة الناخبين العازفين عن التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية للعام 2017، نسبة 57.4٪. ونظرا إلى نسف الأحزاب التقليدية منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا للبلاد، لم يحصل حزبه، حركة الجمهورية إلى الأمام، إلا على نسبة 32٪ من الأصوات، لكنه حاز على أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي الذي أصبح ينعت “برلمان الحزب الواحد”. وفي الانتخابات البلدية للسنة الماضية، ناهزت نسبة الممتنعين عن التصويت 60٪ في الدور الثاني، وهي أعلى نسبة سجّلتها الانتخابات البلدية على الإطلاق؛ عزوف يعبر عن غضب الناخبين من نخب سياسية لم تعد تستجيب لمطالبهم، وأصبحت تخضع لإملاءات المفوضية الأوروبية، والبنوك المركزية، والشركات متعدّدة الجنسيات، ومؤسسات بريتون وودز، وغيرهم من صنّاع القرار وواضعي السياسات.

كثيرة هي أوجه تشوهات الديمقراطية في عقر دارها، ويصعب تحميل الصين أو روسيا مسؤولية صعود تيارات يمينية شعبوية قوّضت الديمقراطية في كل من الولايات المتحدة وإيطاليا والنمسا والمجر أو الهند. بل إن المستقرئ للعلاقة السببية بين تراجع الديمقراطيات الغربية وتصاعد الأنظمة الشمولية عبر العالم، لا بد أن يستحضر حركة المدّ والجزر بينهما: جزْر الديمقراطيات الغربية ومدّ الأنظمة السلطوية والشمولية. لقد تقوّت الأخيرة بالتزامن مع استمرار انكماش الأولى للعام الـ 15 على التوالي، حسب تقرير “الحرية عبر العالم” للعام 2021، الصادر عن منظمة فريدم هاوس الأميركية.

يبدو من طبيعة نادي “الديمقراطيات العشر” المتكون من الدول السبع الصناعية، بالإضافة إلى الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية، أن ما يجمع هذه البلدان هو ليبراليةٌ رأسماليتها أكثر من ليبرالية ديمقراطياتها. والأرجح أن أميركا والصين مُقبلتان على ما يسميه الخبير الاقتصادي، برانكو ميلانوفيتش، “صراع الرأسماليات” (clash of capitalisms)، أي معركة تدور داخل الرأسمالية بين “معسكر الجدارة الليبرالي”، وتقوده أميركا والديمقراطيات الصناعية المتقدمة، و”معسكر الرأسمالية السياسية” الذي تتزعّمه الصين. وبينما يركز نظام المعسكر الأول الغالبية العظمى من الإنتاج في القطاع الخاص والنخب الثرية المُحرّكة للعولمة، يتميز نظام المعسكر الثاني بارتفاع النمو الاقتصادي في ظل رأسمالية الدولة، أو بالأحرى الدولة الرأسمالية اقتصاديا والشيوعية سياسيا، على حد توصيف الخبراء.

ويوضّح ميلانوفيتش أن ارتفاع معدلات نمو الصين ونجاحها الاقتصادي أهّلها لمحاولة بسط نفوذها عبر العالم، وتصدير نموذجها الرأسمالي الذي قد يحل محلّ النموذج الغربي في دول عديدة، وتعتمد في ذلك على تمويل مشاريع بنية تحتية ضخمة، تَوَّجتها “مبادرة الحزام والطريق” التي ضخّت فيها أزيد من تريليون دولار. وتسعى الصين، من خلال هذا المشروع، إلى ربط عدة قارّات عبر بناء طرق وسكك حديدية ومرافئ بتمويلٍ على شكل قروض غير مقرونة بالشروط “الإصلاحية” التي يفرضها الاستثمار الغربي، ما جعل النموذج الصيني أكثر جاذبيةً بالنسبة لعدد من الدول النامية. لكن قمة مجموعة السبع، أخيرا، اتفقت على ضرورة بلورة إستراتيجية طويلة الأمد، تتصدّى للنفوذ الصيني، عبر شراكة تكون “أكثر إنصافا بكثير” من “مبادرة الحزام والطريق”، وروّجت، بشكل خاص، مشروع تطوير البُنى التحتية في الدول النامية، أطلق عليه “إعادة بناء العالم بشكل أفضل”.

ويعِد بايدن العالم بشراكةٍ شفّافةٍ تحرّكها قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لكن أولى اختبارات هذه الوعود على أرض الواقع لا تبشّر بتغيير ملحوظ في سياسات واشنطن الخارجية، بدءا بصفقات بيع السلاح. وعلى الرغم من ضلوع أبوظبي في الحرب في اليمن، لم تجد إدارته حرجا في إتمام صفقة أسلحة للإمارات، كان قد وقعها الرئيس السابق دونالد ترامب، وتفوق قيمتها 23 مليار دولار، ولم تستحضر أيضا حق الفلسطينيين في الحياة عند موافقتها على صفقة لبيع إسرائيل أسلحة الدمار بقيمة 735 مليون دولار. ولا خوف على أميركا من منافسة الأنظمة المستبدّة في تجارة السلاح، فلقد حققت واشنطن 37٪ من مجموع مبيعات الأسلحة خلال السنوات الأربع الماضية، أي حوالي ضعف مبيعات روسيا، وستة أضعاف الصين، حسب تقرير لمعهد إستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أصدره أخيرا.

من شأن هذه المفارقات أن تجعل أميركا وحلفاءها عرضة لمزيد من الاتهامات بالكذب وعدم التزامها بالقانون الدولي والحقوق والحريات. بل قد يعرّض إصرار إدارة بايدن على إدخال “صراع الرأسماليات” في قالب أيديولوجي، الديمقراطية ذاتها لخطر نفور الشعوب منها، بدلا من اعتناقها وتطويرها.

العربي الجديد

——————————-

أميركا لم تتخلّ عن إسرائيل بعد/ لوري كينغ

في الوقت الذي يسجل المشهد الإعلامي والسياسي الأميركي تغيراً بالفعل في ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين كما يتضح من الدعم العام الأوسع لحقوق للفلسطينيين، وأصوات وسائل الإعلام الأكثر انتشاراً التي تنتقد الوحشية الإسرائيلية في غزة، تقرير “هيومن رايتس ووتش” الذي ينص بشكل قاطع على أن إسرائيل تلتزم الجريمة الدولية المتمثلة في الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وزيادة الأصوات اليهودية-الأميركية المنتقدة لإسرائيل، حديث العديد من أعضاء الكونغرس بوضوح عن الحاجة إلى تغيير السياسة الأميركية تجاه الشعب الفلسطيني.. لا يزال الوقت مبكراً جداً للاحتفال أو الإعلان عن أن فلسطين  ستصبح حرة قريباً.

يتوقف الكثير على الظروف التي لا تزال متقلبة في المجالات المترابطة لصنع السياسات والتشريعات والسياسات الانتخابية والتغطية الإعلامية في الولايات المتحدة. وكما تُظهر التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي هنأ الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة اليميني المتطرف نفتالي بينيت، فإن الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي غير المشروط من الولايات المتحدة لإسرائيل لا يزال قوياً كما كان دائماً.

لعقود، كان مؤيدو حقوق الفلسطينيين يأملون بشدة في حدوث تغيير دراماتيكي في الرأي العام ينبع من إدراك أن إسرائيل تستخدم أموال الضرائب الأميركية والغطاء الدبلوماسي من واشنطن، لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. في حين، أن هذا الوعي العام قد نما بين الأميركيين، إلى حد كبير نتيجة للدعم الواضح مع حركة “Black Lives Matter” وحركات الاحتجاج للأميركيين الأصليين في السنوات الخمس الماضية، ناهيك عن الخطابات والمناقشات المتزايدة والمتنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي حول حقوق الفلسطينيين.

 في المقابل، دفعت جهود اللوبي المؤيد لإسرائيل لتصوير أي دعم لفلسطين على أنه معادٍ للسامية، بعض المشاهير الأميركيين مثل الممثل مارك روفالو اضطر لسحب بعض تصريحاته الداعمة لحقوق الفلسطينيين، كما نُشرت في العديد من القنوات الأميركية قصص مقلقة حول الارتفاع المفاجئ في معاداة السامية، مما يشير إلى أن دعم الفلسطينيين أصبح أمراً خطيراً وسيؤدي تلقائياً إلى هجمات على اليهود الأميركيين.

لم يكن الانقسام بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أكبر من أي وقت مضى بشأن مجموعة من القضايا، من الرعاية الصحية إلى البيئة والهجرة. الآن الهوة كبيرة بين الطرفين حول قضية الحقوق الفلسطينية.

قبل 12 عاماً فقط، وفقاً لمؤسسة “غالوب”، أيّد 33 في المئة من الديمقراطيين المزيد من الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها. وبحلول العام 2018، ارتفع هذا الدعم إلى 43 في المئة. وقبل ثلاثة أشهر فقط، ارتفعت النسبة إلى 53 في المئة. وعلى العكس من ذلك، فإن الرأي الجمهوري لم يتزحزح، حيث أن 17 في المئة من الجمهوريين يؤيدون المزيد من الضغط الأميركي على إسرائيل، وهي إحصائية لم تتغير منذ 15 عاماً.

ومع ذلك، يظهر الآن صدع دراماتيكي مماثل داخل الحزب الديمقراطي نفسه بشأن قضية فلسطين على وجه التحديد. فقد قامت القيادة المعتدلة (النائبة نانسي بيلوسي والسناتور تشاك شومر) بتوبيخ مجموعة من النواب التقدميين (آلانا بريسلي وكوري بوش ورشيدة طليب وإلهان عمر وألكساندريا أوكاسيو كورتيز) لانتقادهم الصريح للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الفلسطينيين. وهو ما يمكن قراءته بسهولة على أن الديمقراطيين كبار السن، البيض من الطبقة الوسطى العليا يقومون بتكميم أفواه شباب الطبقة العاملة الديمقراطيين المتنوعين عرقياً، في وقت يواجه فيه الحزب الديمقراطي صعوبة بالغة في عرقلة الجهود الجمهورية المتضافرة للحد من حقوق التصويت.

من وجهة نظر الحزب ككل، فإن الوحدة هي الأولوية؛ من وجهة النظر المباشرة للتقدميين، هذا ليس الوقت المناسب للتغلب على دعم الأشخاص المضطهدين والمهمشين في الداخل والخارج لأن حركة Black Lives Matter تظل القلب النابض للإصلاح والحركات الاحتجاجية في الولايات المتحدة، والقناة الأكثر ترجيحاً لجيل جديد من الأميركيين للانضمام إلى الحزب.

في الانتخابات الأميركية الأخيرة صوت أكثر من 70 مليون أميركي لصالح دونالد ترامب، حيث لا يزال أنصار ترامب المتشددون يصرون، رغم الأدلة، على أنه تم تزوير الانتخابات، حتى أن بعض الجماعات الهامشية تدعي أن ترامب سيستعيد الحكم في البيت الأبيض هذا الصيف.

في حين أن الديمقراطيين يسيطرون حالياً على البيت الأبيض ومجلس النواب، ولديهم أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، فإنه ليس من الممكن فحسب، بل إنه محتمل أيضاً أن يخسر الديمقراطيون مقاعد للجمهوريين في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. بينما يفقدون أقليتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ تماماً.

في المقابل لم تكن إدارة جو بايدن حريصة على الإطلاق على الانخراط في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في الأيام المئة الأولى من توليه للحكم. يضع بايدن والزعماء الديمقراطيون في مجلسي النواب والشيوخ أنظارهم على قضايا السياسة الداخلية، التي يخشى الديمقراطيون المعتدلون أن تتعرض للخطر بسبب التصاعد المفاجئ للاهتمام العام بشأن حقوق الفلسطينيين. تغيير المسار بشأن الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل يهدد مختلف أنواع التحالفات في “الكابيتول هيل” التي يرى بايدن أنها ضرورية لتحقيق أهدافه.

لذلك، فإن الديمقراطيين في مأزق عميق الجذور على صعيد الاهتمام بالسياسة الخارجية والداخلية. وينفد الوقت بالنسبة لبايدن لدفع أجندته إلى الأمام وجني الثمار السياسية للاستثمار في البنية التحتية للولايات المتحدة، وخلق فرص العمل، ووقف التأثير المدمر لجائحة كورونا، وتجميع أجزاء صفقة جديدة توافق المعايير البيئية لإفادة كل من البيئة والاقتصاد في العقد المقبل.

ويمتلك الحزب الجمهوري مع اقتراب انتخابات 2022 سلاحاً قوياً وهو الدعم الواسع وغير النقدي لإسرائيل بين الناخبين الإنجيليين المسيحيين من الريف والبيض والطبقة الوسطى والعاملة. وهؤلاء هم أنفسهم الذين يؤيدون دونالد ترامب وينظرون إلى نائبة مينيسوتا إلهان عمر كإرهابية مسلمة ونائبة نيويورك ألكساندريا أوكاسيو كورتيز على أنها شيوعية تهذي. تأجيج مشاعر وغضب هذه الشريحة الضخمة من الجمهور الأميركي من خلال تصوير الديمقراطيين الحاليين في الكونغرس على أنهم معادون للسامية لانتقادهم إسرائيل ولو بشكل معتدل لن يكون من الصعب القيام به.

بالنسبة لأولئك الذين يدعون بحماس أن فلسطين ستكون حرة قريباً، أقول: “نحن لسنا قريبين حتى للخروج من الغابة بعد”.

المدن

—————————

واشنطن لا تريد هجوماً على إدلب..والباقي تفاصيل/ عقيل حسين

مع اقتراب موعد اجتماع دول التحالف الدولي ضد “داعش” المقرر عقده في العاصمة الايطالية روما في 28 حزيران/يونيو، استبعدت مصادر دبلوماسية سورية أن يشهد ملف الحل السياسي أي تقدم على المدى القريب، بالنظر إلى استمرار تباعد وجهات النظر الروسية-الأميركية، مشيرة إلى أن التركيز الغربي منصب حالياً  على استمرار تدفق المساعدات الانسانية والحفاظ على وقف إطلاق النار في شمال غرب البلاد.

وكانت وسائل إعلام قد تحدثت عن ترتيب واشنطن لقاءً لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن مع نظرائه من 14 دولة من أعضاء التحالف، بينهم ممثلو دول مجموعة السبع الكبار “من أجل الإعلان عن عودة أميركية قوية إلى الملف السوري، وتوجيه رسائل حازمة إلى روسيا لحثها إلى تقديم تنازلات في هذا الملف”.

لكن مصادر مطلعة أكدت ل”المدن”، أن الأولويات الأميركية حول سوريا منصبة حالياً على الملف الانساني فقط، إلى جانب تفاصيل أخرى مرتبطة بملفي الإرهاب واللجوء، وأنه لا يمكن الحديث عن عودة الولايات المتحدة للاهتمام بالملف السوري بما يتجاوز هذين الملفين حالياً.

وأضافت هذه المصادر أن “البيان الختامي لوزراء خارجية دول التحالف الدولي ضد الإرهاب سيركز في ما يخص سوريا على ثلاث نقاط أساسية هي: ضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية، ومنع النظام وحلفائه من القيام بأي عمل عسكري في إدلب، بالإضافة إلى إغلاق ملف المقاتلين الأجانب المحتجزين في معسكر الهول بالحسكة”، أما التركيز الرئيسي للمؤتمر فسينصب على جهود محاربة الإرهاب في أفريقيا، بحسب المصدر.

ويرى المعارض السوري بسام بربندي، وهو دبلوماسي منشق عن النظام، أنه “من البديهي أن تجري اجتماعات ثانوية على هامش المؤتمر الذي يضم ممثلين عن نحو مئة دولة، وعليه من المتوقع عقد لقاءات خاصة حول سوريا بين الوزير الأميركي ونظرائه من الدول المتداخلة في هذا الملف، لكن يجب عدم المبالغة في التوقعات حيالها”.

وقال بربندي ل”المدن”: “بالنظر إلى أن تركيا ومعها كل أوروبا لا تريد موجة جديدة من اللاجئين، فإن الاهتمام الغربي، في ما يتعلق بسوريا، يتركز حالياً على عدم شن النظام وحلفائه، خاصة روسيا، أي اجتياح عسكري في منطقة إدلب”.

وإلى جانب ذلك، يتركز الجهد، بحسب بربندي، على الحفاظ على تدفق المساعدات الانسانية من المعابر غير الخاضعة لسيطرة النظام، ومنع روسيا من استخدام حق النقض (الفيتو) خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي المقرر منتصف تموز/يوليو 2021 المخصص لهذا الموضوع.

وأضاف “أما الملف السوري الثالث الذي تبدو واشنطن شديدة الاهتمام به، فهو ملف المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش المحتجزين في معسكر الهول بريف الحسكة، والذي تديره قوات سوريا الديمقراطية، إذ يبدو أن إدارة بايدن مصرة هذه المرة على أن تستعيد الدول، وخاصة الأوروبية منها، مواطنيها المحتجزين في هذا المعسكر، نظراً للصعوبات والمخاطر التي تواجه إدارته”.

ورأى بربندي أن “الحديث عن أي صفقات أو حتى مفاوضات أميركية-روسية تتعلق بالحل الدبلوماسي في سوريا ليس مطروحاً اليوم في واشنطن، التي يمكن القول إنها تعتبر الملف السوري ملحقاً بملف التفاوض مع إيران، ولو أن هناك أي مؤشر على تقارب وجهات النظر بين الطرفين لما اضطرت الولايات المتحدة لجمع هذا العدد الكبير من الدول من أجل توجيه رسالة غير مباشرة إلى روسيا بخصوص ما تريده واشنطن في سوريا على المدى المنظور”.

وعلى الرغم من تأكيد بعض المعارضين السوريين أن العودة الأميركية إلى الملف السوري هي مسألة وقت، وأن واشنطن لن تسمح لروسيا بالاستمرار في التحكم بهذا الملف، يرى جزء كبير من السوريين، أن كل المعطيات تشير إلى توجه أميركي واضح نحو الحفاظ على الوضع القائم في سوريا إلى حين الانتهاء من مفاوضات الملف النووي الايراني، الذي يتوقع هؤلاء أن يعقبه انكفاء واشنطن من المنطقة إلى حد كبير.

ويعتقد المحلل السياسي عمار جلّو أن “روسيا باتت تدرك ذلك بشكل واضح، ولذا فهي تعمل على ابتزاز الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي لا تريد سوى عدم تدفق موجة جديدة من النازحين السوريين من أجل تقديم أكبر قدر من التنازلات في الملف السوري، وخاصة على صعيد العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، والبدء بإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق”.

ويضيف ل”المدن”، أن على “السوريين أن ينتظروا وقتاً غير قصير قبل أن ينتهي الشد والجذب بين روسيا والغرب في مختلف الملفات، مثل جزيرة القرم وحدود أوروبا الشرقية والمفاوضات مع إيران وغيرها، قبل تكشف ما يمكن أن يحدث على الصعيد السوري”.

المدن

————————

بوريسوف يبلغ الأسد بالتقارب مع واشنطن حول سوريا

أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف خلال لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق الثلاثاء، عن حدوث تقارب روسي-أميركي في ما يتعلق بالملف السوري، وأضاف أنه أفاد الأسد بذلك. وقال: “في ما يخص الملف السوري في قمة بوتين بايدن تم ترسيم إمكانية استمرار الحوار المباشر بين الطرفين حول الملف السوري”.

واعتبر أن “فوز الأسد بالانتخابات الرئاسية مؤخراً رسالة أقوى لأعداء ومعارضي الحكومة السورية أن يأخذوا بالاعتبار خيار الشعب السوري، الذي دعم الرئيس الأسد بكل قوة وحماس”. وتابع أن ذلك سيساعد في انخفاض الضغط الغربي، وخاصة في مجال العقوبات المفروضة على سوريا.

وتابع بوريسوف أن نتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا “أكدت بشكل كامل سلطة الأسد السياسية وثقة الجمهور في المسار تحت قيادته من أجل سرعة استقرار الوضع وتعزيز مؤسسات الدولة فيها”. وقال إن روسيا تعوّل على بدء الحكومة الجديدة في البلاد عملها في أقرب وقت “لا سيما أن المشاكل التي تواجهها تتطلب حلولاً عاجلة”.

وكشف أن التحضيرات لاتفاق تجاري-اقتصادي بين موسكو ودمشق باتت في مراحلها الأخيرة. وقال بوريسوف إن “الاتفاق سينظم كل علاقات التعاون التجاري والاقتصادي لفترة طويلة”. وأضاف أن روسيا مستعدة لمواصلة تقديم المساعدات العسكرية والإنسانية إلى سوريا.

وجدد بوريسوف موقف روسيا “الداعم لسيادة سوريا ووحدتها وسلامتها الإقليمية وحق السوريين في تقرير مصيرهم، تماشيا مع قرار 2254 لمجلس الأمن الدولي”. كما جدد استعداد موسكو للمضي قدما في مساعدة سوريا على إعادة إعمارها.

وبعد اجتماع مع وزير الرئاسة السورية منصور عزام، قال بوريسوف: “نعلق أهمية كبيرة على تطوير مجمع التفاعل الثنائي بأكمله، بينما في المرحلة الحالية نولي أكبر قدر من الاهتمام للقضايا المتعلقة بتكثيف العلاقات الثنائية في مجالات الصناعة ذات الأولوية مثل الطاقة والتعاون الصناعي والنقل والزراعة”.

ولفت بوريسوف إلى “تعزيز الاتجاهات الإيجابية في تطور الوضع في سوريا، والتي في معظمها جاءت بمساعدة نشطة من روسيا، والتي مكنت من تحقيق الامتثال لوقف مستقر للأعمال العدائية”. وقال إنه يجب ضمان المزيد من التطبيع ليس بالوسائل العسكرية أو السياسية بقدر ما هو بالوسائل الاجتماعية والاقتصادية.

وفي أيلول\سبتمبر 2020، زار وفد روسي ضم إلى جانب بوريسوف، وزير الخارجية سيرغي لافروف، دمشق. وقال لافروف إن سوريا بحاجة إلى مساعدة دولية لإعادة بناء اقتصادها.

وحملت الزيارة سلسلة مشروعات في مجالات الطاقة. وقال بوريسوف حينها إن موسكو تحاول مساعدة سوريا في “كسر الحصار” الاقتصادي الذي سبّبته العقوبات الأميركية جراء “قانون قيصر”، الذي يمنع تدفّق الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد السوري.

المدن

—————————–

 مبعوث روسي يُطلع الأسد على نتائج قمة بوتين ـ بايدن

نائب رئيس الوزراء الروسي يؤكد «احترام سيادة سوريا»

أطلع يوري بوريسوف نائب رئيس وزراء الرئيس الروسي، الرئيس السوري بشار الأسد على نتائج قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي جو بايدن، «مشدداً على موقف روسيا المبدئيّ المبنيّ على الشرعية الدولية والالتزام بالقانون الدوليّ واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».

وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الأسد بحث مع بوريسوف «التعاون الثنائي القائم خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والجهود المشتركة لتوسيعه ليشمل مجالات إضافية خصوصاً التعاون في مجال الطاقة والتقنيات الحديثة والصناعة والزراعة، وتم تأكيد أن الديناميكية التي تتسم بها العلاقات بين البلدين تعطي المرونة لتوسيع آفاق التعاون بشكل دائم ومستمر».

وأعرب الأسد عن ارتياحه للمستوى المتقدم الذي وصل إليه التعاون بين البلدين، وحرص سوريا على إنجاح الاستثمارات السورية – الروسية المشتركة والتي تلعب دوراً أساسياً في استمرارية وتوطيد التعاون المشترك وتعود بالنفع والمصلحة على الشعبين الصديقين. كما «أكد أهمية الاستمرار بالتشاور والتنسيق مع الحلفاء الروس والذين كانوا شركاء للسوريين في محاربة الإرهاب ووقفوا معهم سياسياً واقتصادياً لمساعدتهم في استعادة الأمن والاستقرار وتجاوز آثار الإرهاب الاقتصادي المفروض على المواطن السوري».

وقالت «سانا» إن بوريسوف «هنّأ الأسد بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، والشعب السوري على النجاح في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وأشار إلى أن المشاركة الشعبية الواسعة في هذا الاستحقاق أكدت إرادة الشعب السوري وإصراره على الصمود والتحدي رغم كل ما تعرض له من إرهاب وحصار»، وأنه «أكد تميّز العلاقات السورية – الروسية واستعداد بلاده الدائم لتقديم الدعم لسوريا في المجالات كافة، بما يسهم في تخفيف الأعباء الناجمة عن العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة عليها والمشاركة في إعادة الإعمار، إضافةً إلى عزمها توريد دفعات إضافية من لقاح (كوفيد – 19) إلى سوريا».

كما وضع بوريسوف الرئيس الأسد في صورة القمة التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي جو بايدن خصوصاً فيما يتعلق بالشأن السوري، «مشدداً على موقف روسيا المبدئيّ المبنيّ على الشرعية الدولية والالتزام بالقانون الدوليّ واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».

كان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي قد قال خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات مع الأمين العام لـ«منظمة الأمن والتعاون» في أوروبا، هيلغا شميد، إن موسكو مستعدة لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا مع الدول الغربية إذا أدركت «مجمل المشكلات الحقيقية القائمة هناك والمسؤولية التي تتحملها تجاهها».

وأضاف لافروف: «إذا تم الاعتراف بتأثير هذه العوامل على الوضع الإنساني في سوريا، فنحن على استعداد لمناقشة كل هذا بطريقة شاملة. لكن من أجل ذلك من الضروري أن يتخلى شركاؤنا الغربيون بشكل قاطع عن التفسيرات أحادية الجانب لهذه المشكلة أو تلك، وأن يعترفوا بمسؤوليتهم عن الوضع العام الذي تطور في المجال الإنساني في سوريا».

ورأى لافروف أن الوضع الإنساني في سوريا «يتفاقم بفعل استمرار العقوبات الأميركية واحتلال القوات الأميركية غير الشرعي للضفة الشرقية لنهر الفرات»، ورأى أن «هناك نهباً للنفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى في سوريا، والعائدات تُستخدم لتمويل المشاريع التي يرى الكثيرون أنها تشجع على الانفصال وتحرّض على انهيار الدولة السورية».

الشرق الأوسط»

—————————-

=================

تحديث 26 حزيران 2021

———————–

سوريا في حسابات القمم العالمية!/ أكرم البني

بدا لافتاً تواتر انعقاد غير قمة عالمية مع الجولة الأولى للرئيس الأميركي الجديد… قمة الدول السبع، قمة زعماء حلف شمال الأطلسي «الناتو»، قمتين للرئيس بايدن مع كل من الرئيس التركي إردوغان، والرئيس الروسي بوتين، مثلما بدا لافتاً ضعف اهتمام هذه القمم بالأزمة السورية، ولنقل عدم إدراجها كبند مستقل وملحّ في جداول الأعمال والمباحثات، وذلك على الرغم من فرادة وعمق المأساة التي يعيشها السوريون منذ أكثر من 10 سنوات.

لا يخطئ من يرجع السبب إلى موقع سوريا الهامشي في سلم اهتمامات سيد البيت الأبيض، ولنقل تغييبها المتعمد عن أهدافه المباشرة، مقابل تقدم تحديات معلنة يعتبرها أكثر أهمية، كالصين وروسيا والاتفاق النووي مع إيران وفيروس كورونا، وهو أمر ليس جديداً، بل يشكل استمراراً طبيعياً لموقف أميركي سلبي، وكان دون المستوى، كدولة عظمى، تجاه فظاعة ما حدث بسوريا؛ حيث بدت واشنطن خلال سنوات الصراع الدموي كأنها غير مكترثة أو مضطرة للتدخل الجدي في معالجة تلك المقتلة، مكتفية بإدانة العنف السلطوي وفرض بعض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على رموز النظام ربطاً بعبارات تفيض بدعم لفظي للشعب السوري وتعاطف مع معاناته، ولا يغير هذه الحقيقة رفضها لما قام ويقوم النظام به لتجديد نفسه، وعدم اعترافها بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت مؤخراً، أو التكرار الروتيني الممل من قبل غير مسؤول أميركي لمواقف عمومية تتعلق بضرورة الالتزام بخطة المعالجة الأممية للصراع السوري، كبيان جنيف (يونيو/ حزيران 2012) وقرار مجلس الأمن 2254 في يناير (كانون الثاني) 2015.

كما لا يجانب الصواب من يجد السبب في ميل واشنطن لتوظيف الملف السوري على هزالته، كورقة مساومة ومقايضة لانتزاع تنازلات من أهم الأطراف الموغلة فيه، مرة أولى، بربط غريب وخطير بين الوضع السوري والاتفاق النووي مع إيران، في رهان أن يشكل ذلك حافزاً لتشجيع طهران على إنجاح التسوية، مستهترة بخصوصية المحنة السورية وإلحاح معالجتها بعيداً عن مصالح وحسابات المتدخلين فيها، ومرة ثانية، عبر التذكير بدورها في تغطية الوجود العسكري التركي والإيحاء بقدرتها على خفض المخاوف من الجيب الكردي في مناطق شرق الفرات، للضغط على حكومة أنقرة ولجم اندفاعاتها لتوسيع نفوذها الإقليمي وتثبيت صفقة صواريخ «إس 400» التي أبرمتها مع موسكو، ومرة ثالثة، للنيل من القيادة الروسية وتعرية استهتارها بالقيم والمعايير الإنسانية، فعندما يقرر بايدن في لقائه مع بوتين حصر مباحثاتهما حول الشأن السوري بالملف الإنساني والمساعدات الأممية للمحتاجين والمتضررين، ويشدد على مطالبته بتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، مظهراً مخاوفه من استخدام حق النقض بمجلس الأمن في العاشر من الشهر المقبل لعرقلة تجديد هذه الآلية، فإنه بذلك يثير اتهاماً وإدانة ضمنيين لروسيا بالمسؤولية عن تفاقم ما يكابده ملايين السوريين، حين استخدمت «الفيتو» ضد تمديد عمل هذه الآلية الدولية، وتسببت في إغلاق 3 من أصل 4 معابر إنسانية، كانت تمرر عبرها المساعدات الأممية الرئيسة، وما يعزز غرض التعرية تقديم وعود أميركية باتخاذ إجراءات لتخفيف معاناة السوريين المعيشية في مناطق سيطرة النظام وتسهيل إيصال بعض المساعدات الإنسانية إليهم، كانت فاتحتها القرار الذي أصدرته واشنطن منذ أيام لوقف بعض العقوبات المتعلقة بالجانب الصحي لتمكين دمشق من مواجهة فيروس كورونا، من دون أن نغفل الثمن المحتمل أن تقبضه واشنطن لقاء توسيع تعاونها مع موسكو إلى أكثر من مجرد قنوات اتصال بين العسكريين لتفادي الصدام خلال العمليات في سوريا، ما قد يتجلى بتنازلات روسية في قضايا أخرى، خاصة مع وجود مسؤولين في الإدارة الأميركية راغبين في بيع ملف سوريا لروسيا مقابل تحقيق مكاسب أميركية في ساحات أخرى من ساحات الصراع على النفوذ.

«لم تعد سوريا مغنماً، بل باتت عبئاً ثقيلاً» هي عبارة لها كثير من الحقيقة اليوم، وتأخذنا إلى ما وصل إليه المشهد السوري، ليس فقط من زاوية حجم الخراب والقتل والتشرد والتفكك، وإنما أيضاً من زاوية طابع القوى المؤهلة لتلقي أي دور خارجي نشط وتفعيله، وإذا استثنينا قوات سوريا الديمقراطية وخصوصية تركيبتها الكردية، فقد أثبتت التجربة أنه ليس لدى المعارضة السورية طرف وازن وذو صدقية يمكن أن تركن إليه واشنطن وتتعاون معه، فبعض أطرافها بات يرتهن للدور التركي، وبعضها الآخر يدور في فلك موسكو وتفتنه الشعارات الآيديولوجية المعادية للإمبريالية. زاد الطين بلة التحول الأوروبي والأميركي عن هدف إسقاط النظام إلى الاكتفاء بتغيير سلوكه، وأيضاً التراجع النسبي لخطر «داعش» في سوريا، وتالياً للحاجة الغربية في حشد القوى لمواجهته، تحدوها إشارات متواترة، يحاول أن يرسلها الجولاني «قائد جبهة النصرة» لنيل رضا المجتمع الدولي والقبول به كطرف في المستقبل السوري، والأهم حجم التكلفة وحسابات الربح والخسارة في بلد، كسوريا، يرتبط بعدد من الملفات الإقليمية الحساسة والخطيرة، ويرجح أن تكون تبعات وأثمان السياسة النشطة فيه باهظة ويصعب تعويضها!

مع بدء جولته الأولى، أعلن الرئيس بايدن عن رغبته في «استعادة الموقع الريادي لأميركا على الساحة الدولية»، ما شجع السوريين على طرح أسئلة مشروعة ومريرة؛ هل يصح أن يستعاد هذا الموقع من دون الاعتراف بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية لواشنطن عن الانهيار الحاصل في بلدهم، وعن دورها في إطالة أمد الصراع الدموي لاستنزاف خصومها، وعن إحجامها كدولة عظمى عن حماية المدنيين، وما حل بهم من فظائع وقتل ودمار؟ وكيف يمكن أن يستعاد حين يُلحق البيت الأبيض الملف السوري بلهفته لإبرام اتفاق نووي جديد مع طهران، ولو جاء على حساب مستقبل السوريين ودماء ملايين الأبرياء وتضحياتهم، والمثال اتفاق عام 2015، عندما تم تحرير مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات، ذهب القسط الأكبر منها للتخريب في سوريا، عدا العراق واليمن ولبنان؟ ويبقى السؤال: هل هو حلم بعيد المنال أن يترقب السوريون من جحيم معاناتهم لحظة تطغى فيها قيم العدل ومبادئ الحرية والمساواة على لغة القهر والغلبة والمصالح الضيقة والحسابات الأنانية، لحظة تتسابق فيها الشعوب والنخب السياسية لنصرة حقوق الإنسان كمعايير أممية موحدة، لا يجوز لأحد أن يتخطاها؟

الشرق الأوسط

—————————-

ما هو المطلوب من المعارضة في ظل قراءة قمة بوتين وبايدن الباردة/ حسن عبد العظيم

للأسف لا تزال آفاق الحلول بخصوص الملف السوري غامضة، حتى بعد قمة الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدين، والتي لم يرشح عنها أي معلومات جدية أو موقف، ولا عن مجريات الاجتماع بخصوص الملف السوري. وهذا يعكس شيئا من البرود على موقف الدولتين الأكثر تأثيراً بالملف السوري.

كذلك موقف الرئيس الروسي حول الملف السوري، والموقف الروسي من مسرحية الانتخابات الرئاسية، والسكوت عن خطورة التجديد لسبع سنوات مقبلة، المترافق مع إصرار النظام على تعطيل العملية السياسية في جنيف، وإصرار لجنته الدستورية على رفض الانخراط في مناقشة المبادئ الدستورية لصياغة مشروع دستور موقت جديد، مع الاستئناس بالدساتير السورية السابقة ومنها دستور 2012، تنفيذا لقرار مجلس الأمن 2254/2015.

طبعا لا بد من الإشارة إلى أن موقف جو بايدن أكثر وضوحاً والتزاماً بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة.

إضافة إلى موقفه مما يسمى الانتخابات الرئاسية، وعدم الاعتراف بنتائجها، وهو موقف لا يقتصر على الرئيس الأميركي والسلطة التنفيذية، بل يشمل مجلسي النواب والشيوخ ووزارة الدفاع (البنتاغون)، خلافاً لما كان عليه الموقف الأميركي في عهد الرئيس ترامب وممارساته الانفرادية عبر التغريدات المفاجئة، خارج مؤسسات الدولة الأميركية.

ونفكر هنا، هل تراجعت روسيا عن مخرجات سوتشي واللجنة الدستورية ودورها في جنيف والعملية التفاوضية والقرار 2254، الذي يتطلب تنفيذ النظام لإجراءات بناء الثقة، كإطلاق سراح معتقلي الرأي والسجناء السياسيين، وبيان مصير المفقودين والمغيبين والانتقال السياسي وتوفير البيئة الآمنة والمحايدة التي يتطلبها تنفيذ القرار 2254.

حتى الآن باعتقادي أن الروس في النهاية يريدون عملية سياسية، وأعتقد أنهم سيسعون لتغيير سلوك النظام بعد تمثيلية الانتخابات، وما شهدناه من حملة كبيرة على النظام من قبل صحفي سوري مقيم بروسيا، ويحمل الجنسية الروسية وهو مستشار بالكرملين، يؤكد ما أقوله، رغم تأكدي من أن هذا النظام لا يمكن أن يغير من سلوكه. وهذا ما أخبرنا به نائبة المبعوث الأممي الدكتورة خولة مطر، وفريق من مكتب المبعوث بدمشق. في 2/6/2021 حين التقيناها في مكتب المبعوث الأممي بدمشق.

وشرحنا لها كيف أن النظام يعطل اللجنة الدستورية. وقد قرّر الانتخابات الرئاسية تحت سياسة الأمر الواقع. وأننا متأكدون أنه لا يمكن لهذا النظام أن يقدم أي تنازل بالعملية السياسية. وهمه الوحيد الاستمرار بالحكم. لهذا فالانتخابات لن تحدث أي تغيير. كما أخبرناها أننا نعمل من خلال (جود) على عقد مؤتمر موسع للمعارضة الديموقراطية في الفترة المقبلة.

فأجابت عن علمها بأن اللجنة الدستورية تأخرت.. وأنها تأمل خيراً بمقترح المبعوث الأممي الأخير الذي نتج عن لقاء الأفرقاء، مشيرة أن دور البعثة “التحريك” وعدم توقف العملية.

هناك الكثير من السلبيات ستترتب على التراخي الدولي في معالجة الوضع السوري، وسيزيد في مأساة السوريين وآثارها الخطيرة على الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية، المعيشية، والصحية واستمرار تدهور وتدني قيمة العملة السورية اتجاه العملات الإقليمية والدولية، كل ذلك سيضاعف معاناة الشعب السوري معارضة وموالاة، مدنيين وعسكريين، باستثناء الزمرة الحاكمة وأتباعها من المنافقين المشاركين في نهب ما بقي من أموال الناس وممتلكاتهم بكل الوسائل، بما فيها القوانين والأنظمة المخالفة حتى لدستور 2012 الذي فصله النظام على مقاسه ومصالحه.

كما أن تعقيدات الوضع الإقليمي (الكيان الإسرائيلي وإيران وتركيا) وتضارب المصالح واستمرار رهان النظام على الحل الأمني العسكري لحسم الصراع بديلا للحل السياسي في جنيف بدعم عسكري بري للحرس الثوري الإيراني والغارات الإسرائيلية المتواصلة، والسيطرة العسكرية التركية على مناطق محاذية لحدودها تحسبا لقيام كيان فدرالي، كل ذلك عرّض الأراضي السورية إلى حرب عبثية بالوكالة تهدد وحدة سوريا واستقرارها وتؤخر إنجاز الحل السياسي.

من جهة أخرى نحن على يقين، أن غالبية الشعب السوري في الداخل والخارج وفي مخيمات اللجوء والمنافي، كذلك القوى السياسية، هيئة التنسيق الوطنية، والجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، وكل القوى الوطنية الديمقراطية، التي قاطعت الانتخابات ورفضت نتائجها المفبركة، لن تقبل بالأمر الواقع والحوار مع النظام في دمشق، أو التخلي عن بيان جنيف1 والقرارات الدولية، وستصر على أن يكون الحوار في جنيف بإشراف المبعوث الدولي ونائبته د. خولة مطر وأعضاء البعثة وخبرائها الدوليين.

لذلك على المعارضة السورية أن تستكمل توحيد جهود القوى الوطنية الديمقراطية من خلال عمل الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) بعد نجاح مؤتمرها الإلكتروني، وتشكيل هيئاتها القيادية، المؤتمر التأسيسي، والهيئة المركزية، والهيئة التنفيذية، رغم محاولات منعه من قبل النظام. وعلى الهيئتين المركزية والتنفيذية بالمبادرة السريعة لتسمية ممثليها في لجنة تحضيرية جديدة، تضم لجانا للتواصل والحوار مع القوى الوطنية الأخرى، التي أيدت تشكيل جود وعبرت عن استعدادها لتشكيل تحالف أو تجمع واسع للقوى الوطنية الديمقراطية معها، للتوافق على صياغة مشروع رؤية سياسية مشتركة وبرنامج سياسي مشترك، ومشروع نظام أساسي (داخلي) مشترك، بالاستفادة من الزخم والتأييد الذي عبرت عنه هذه القوى من خلال دعم تشكيل جود، والوقوف معاً في مواجهة محاولات النظام لتعطيل الحل السياسي. وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

من هنا نرى أن المطلوب من المعارضة السورية، بالإضافة إلى التزامها بمصالح الشعب السوري أولا وأخيرا، تمكينه من ممارسة سلطته المسلوبة في اختيار النظام الذي يعبر عن مصالحه، وعن الدولة المدينة الديمقراطية التعددية التداولية لكل مواطنيها على انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية، والابتعاد عن المحاصصة الحزبية والفئوية والذاتية الخاصة، لتكسب احترام وثقة الشعب السوري والدول العربية الفاعلة والمجتمع الدولي.

تلفزيون سوريا

—————————-

بين مطرقة أميركا وسندان روسيا/ يحيى العريضي

ليس هناك أكثر سطوةً أو عنجهية من الممارسات الأميركية تجاه الخارج؛ والأمر ذاته ينطبق على الروس؛ ولكن ليس في الخارج فقط، بل في الداخل أيضاً. في العقد المنصرم، تجاوزت العلاقات بين الدولتين الحرب الباردة بتوتراتها. وما توصلت إليه قمتهما مؤخراً إلا طرح قائمة بتلك الأمور، وتحويلها وترحيلها إلى لجان لمناقشتها، في مسعى لحل العقد المتجذرة فيها.

لكل من هذه اللجان طيف خاص للعمل: من الجانب الأميركي، سيكون المراقبة، والانتظار، والرصد للسلوك الروسي تجاه القضايا بين البلدين؛ وتحديداً، فيما إذا كانت روسيا ستستمر بالتشبيح العسكري والسيبراني والسياسي، أم أنها ستلتزم مسلكاً طبيعياً (بالمفهوم الأميركي) يساهم بحل عقدها أو فك أحمالها؛ ما ينعكس إيجابياً على حل الصراعات والتوترات والأزمات الدولية المتدخلة بها روسيا بوتين. وكل ذلك سيكون مسجلاً أميركياً- تماما كما تم تسجيل استخدام روسيا للفيتو لحماية الإجرام الأسدي في سوريا، كمثال صارخ- وهذا ليس لأن أميركا مغرمة بتصفير الصراعات والتوترات والأزمات العالمية، بل لأنها تريد سير العالم على هواها، وحسب مصالح “الكبير الكبير”. في الجانب الروسي، هناك خشية- وهذا ربما ما تتوقعه أميركا- أن يستمر النهج الروسي بالبهلوانية والتشاطر والتذاكي والتدليس والخداع، وتحديداً قول شيء والتصرف عكسه، وإعطاء الإيحاء بتغيّر السلوك.

بالحسابات البسيطة، ومهما كانت السياسة الروسية على درجة من البهلوانية، إلا أن التغيير أمر حتمي، فحتى الرعديد والبلطجي على المستوى الفردي تنتابه خشية، إن لم نقل: “خوف في لحظات حاسمة”، وخاصة عند وصوله إلى حافة الهاوية- لا لأخلاق فيه، ولا لاحترام للقانون- بل لاستشعار ثبات الخصم، الذي يكشف ويعري حقائقه، ويتمترس بقوة عند موقف “الكبير الكبير” المتجبر. وهذا بالضبط ما تبدّى مِن حال بوتين و”سياسته الخارجية”، التي تكشفت في لقاء جنيف.

رغم كل ذلك، لا بد من القول إن الاستخفاف بقوة روسيا كدولة تزيد مساحتها على العشرة ملايين كم مربع، وخيراتها الوازنة، وقدرتها النووية الجبارة، وشعبها العظيم، سذاجة ما بعدها سذاجة؛ ولكن كل ذلك الجبروت للأسف يقع أسيراً لإرادة هاجسها فردي، تحكمه ذات متضخمة تمارس الدكتاتورية؛ ولا تخشى إلا من جبروتٍ أوزن. وفي الحالة الروسية، تمثل أميركا ذلك الضد الجبروتي. ومن هنا، ربما اعتبر بوتين مجرد اللقاء مع رأس ذلك الضد منجزاً، حيث رأيناه يسعى لإيصال رسائله الدفاعية في مؤتمره الصحفي، محاولاً البحث عن أي منتجٍ للقاء. كانت مضامينه الدفاعية انعكاساً للإدانة، التي وصلته في اللقاء. كان بوتين يعرف ما يكنّه له خصمه المدعوم بكونغرس متناغم معه- بعكس سلفه ترامب المنفصم عن المؤسسة الأميركية الحاكمة. لقد وجد بوتين نفسه أمام أحد أركان تلك المؤسسة، رجل يدعمه الأقوياء ويحتضنه “الناتو”؛ وهو يريده الآن بمهمة أخرى، ربما تجاه الصين. ومن جانب آخر يدفعه باتجاه التخلّي عمَّن يستقوي بهم، أو يعتبرهم أوراق مساومة بيده كإيران والمنظومة الأسدية. تلك المهمات ستكون ربما بين المحددات السلوكية لخلاصه وتخفيف أحماله.

أصيب كثير مِن السوريين بشيء من الإحباط، عندما لم تحتل قضيتهم أولوية في تلك القمة؛ وهذا طبيعي؛ ولكن المفارقة تكمن بأن الأمور المُتفق عليها عادةً قلما تنال اهتماماً إعلانياً أو إعلامياً. ولهذا نجد أن بوتين لم يذكرها علناً، فهي لم تحتج لمرافعات دفاعية من قبله؛ ولكن بايدن من جانبه تطرق إليها؛ وكأن ما يتوجب على بوتين أن يقوم به، هو التنفيذ، كجزء من الأدلة على تغيّر السلوك. ومن هنا كان من بين المقدمات للقاء القمة حديث “بوغدانوف” عن إمكانية انتخابات مبكرة في سوريا، وحديث بوتين لل NBC حول سؤاله عن بديل للأسد؛ وكأنه يقول للأميركيين إن الأمر بيده، ومقدور عليه. وما ردُّ الأميركيين / حسب قوله/: we don’t know » ” لا نعرف” إلا إشارة بأن “المشكلة مشكلته”.

مشكلة بوتين الحقيقية تكمن بأن الأميركيين تفّهوا له ورقة المساومة هذه، وجعلوها كذراع يدور في الفراغ؛ والرسالة وصلته، بأنه بوجود هكذا منظومة استبدادية بدمشق، لن يكون هناك استثمارات في إعادة إعمار، ولا رفع عقوبات، ولا عودة لاجئين، ولا علاقات مع هذه الطغمة، التي عبّر الأميركيون بصريح العبارة أنهم لا يثقون بها.

في جوهر ما حدث، لا يمكن أن تكون الصورة في ذهن بوتين حول العلاقة مع هذا الغرب أكثر وضوحاً. وما عليه إلا أن يتوقف عن تكرار التجارب ذاتها بالأدوات والآليات ذاتها، وخاصة بالنسبة للقضية السورية. لا ينفعه إلا وضع التوجه الأميركي تجاه القضية السورية على المحك؛ وذلك غير ممكن إلا بامتحان ما هو معلن على جدول الأعمال الأميركي حول سوريا: أميركا تتحدث كثيراً عن تطبيق القرار الدولي 2254، فما عليه إلا أن يذهب بهذا الاتجاه إلى نهايته فعلياً، وهنا يحل مشكلة “البديل” التي بدوره يضخمها، وأميركا تتظاهر بالتناغم معه. عليه الخروج من تصوير كل مَن يعارض النظام الأسدي كإرهابي، ووقف العمل باستراتيجية نسف مصداقية الثورة والمعارضة. عليه التوقف عن الدعم المجاني والمكلف لإيران؛ الأمر الذي يُحسَب أميركياً عليه؛ فإشكاليات إيران معه ربما تكون استراتيجياً أكبر مما هي مع أميركا. العين الروسية الحمراء تجاه إيران لن تضع أميركا على المحك، وإنما ستُكسِب روسيا تعاطف ودعم كل مَن يقلقه مشروع إيران العبثي التدميري لمحيطها وخاصة في الخليج العربي.

من جانبهم، ما على أهل القضية السورية فعله؟ بداية لا يمكن تغيير نهج منظومة الاستبداد التي تعنى فقط ببقائها، حتى ولو انتهت سوريا وأهلها. وإذا استحال فعل شيء تجاه مَن ربط مصيره طوعاً وعقيدة ومصلحةً مع هذه القوة الإجرامية؛ فإن الأخذ بيد مَن هو خائف ومضطر ومغصوب- ولكن يعي الحقيقة- أمرٌ ممكن. أما مَن ثار وعارض علناً، فالعبء الأكبر يقع عليه. ثورة الشعوب كالطلَقة؛ إذا خرجت، لن تعود. وأضحى معروفاً أنه لم تجتمع قوى وعثرات على ثورة لقتلها كما اجتمعت على ثورة السوريين. ومن هنا، على السوريين الاستمرار برؤية الهدف النبيل لثورتهم: الحرية والانعتاق من الظلم. بيدهم مليون وثيقة تدين وتجرّم مَن فعل بهم وببلدهم كل هذا. عليهم الصبر على بعضهم البعض قليلا؛ ويوم الحساب، لمَن خذل أو أساء أو قصّر أو تلاعب، لن يطول وقته. عليهم إعادة تنظيم أنفسهم بمؤسسات أكثر فاعلية، لا إقصاء أو رخص أو ضغائن أو أنانيات أو صِغر أو حماقات فيها. مؤسسات تدرك أن حقها كالرمح، وهدفها نبيل، وإرادتها فولاذية، وعقلها نيّر. عندها سيكون البديل؛ ليس فرداً بل خادماً تنصّبه إرادة ورأي ومبادئ تعتمد المواطنة الكريمة نبراساً، والحرية قيمة، والسيادة حداً. عندها ستُحَلُ المشكلة الروسية – الأميركية في إيجاد بديل؛ وينبثق الحل في إعادة سوريا وأهلها إلى سكة الحياة.

تلفزيون سوريا

————————

سوريا بين القيصرين/ عالية منصور

أعلنها سيرجي لافروف في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، روسيا ستمنع تجديد تفويض الأمم المتحدة للمعبر الوحيد “باب الهوى” الذي ينتهي في 10 تموز المقبل.

لا شيء غير قابل للابتزاز بالنسبة لروسيا، وأكثر ما هو قابل للابتزاز هي المواضيع الإنسانية التي لطالما وجدت فيها مجالاً واسعا للمقايضة، ففي العام 2014، صوت مجلس الأمن الدولي على القرار رقم 2533، الذي ينص على السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا من أربع نقاط حدودية سورية مع تركيا والعراق والأردن، للوصول إلى المدنيين على جانبي خطوط القتال، وتوصيل المساعدات. وخلال سنوات وبسبب الفيتو الروسي الصيني المتكرر في مجلس الأمن الدولي تم تقليص عدد نقاط إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا التي لا تتطلب موافقة دمشق، إلى نقطة واحدة، هي معبر “باب الهوى”.

ووفقاً للسفيرة البريطانية لدى مجلس الأمن السفيرة باربرا وودورد كما نقل موقع وزارة الخارجية البريطانية على تويتر، فإنه في حال عدم تجديد تفويض إدخال المساعدات عبر الحدود السورية ، “سيتوقف برنامج الأمم المتحدة للتطعيم، وينتهي تقديم المساعدات الغذائية لنحو 1.4 مليون شخص شهرياً، وستتوقف المواد الطبية بالغة الأهمية التي ساعدت بتقديم 10 ملايين معالجة طبية في 2020”.

بدورها قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إنّه “بالنسبة لملايين السوريين، فإنّ باب الهوى هو شريان حياة بكل ما للكلمة من معنى”، مشيرة إلى أنّه من خلال هذا المعبر “تنقل ألف شاحنة شهرياً الغذاء والمياه النظيفة والإمدادات الطبية لمن همّ في أمسّ الحاجة إليها”، محذرة من انه في حال اغلاق المعبر “سيموت مزيد من السوريين”.

بالنسبة لروسيا كل ذلك يبدو هامشياً أمام هدفها ألا وهو تعزيز سلطة نظام بشار الأسد، وخصوصا ًبعد انتهاء مهزلة الانتخابات الرئاسية التي حصلت مؤخراً في سوريا.

روسيا، ووزير خارجيتها الذي جال على عدة دول عربية قبل شهور قليلة محذراً من عواقب قانون قيصر على الوضع الإنساني في سوريا، معتبراً أنه يخنق السوريين تدرك تماماً أن قانون قيصر لا يفرض أي حصار على سوريا، ولا يمس بحياة المواطن، بل هو يفرض عقوبات انتقائية في مجالات محددة لمنع النظام من اسئناف جرائمه ضد السوريين.

بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، وما صار معروفاً من أن سوريا لم تكن على أجندة هذا الاجتماع، إلا بما يتعلق بالموضوع الإنساني والتمديد للمعبر، فقد وجدت موسكو فرصتها في ممارسة أبشع أنواع الابتزاز على الإدارة الاميركية، لانتزاع تنازلات تتعلق بالملف السوري وليس فقط بموضوع المساعدات.

ويبقى السؤال هل ترضح إدارة بايدن ومعها الاتحاد الأوروبي أمام هذا الابتزاز الروسي، وهل سيقف العالم مكتوف الأيدي أمام جريمة جديدة ترتكب بحق ملايين السوريين؟ أم أن تنازلاً ما سيقدم للقيصر الروسي مقابل سماحه بإدخال الغذاء والدواء إلى سوريا؟ يبدو أنه وفي كلا الحالتين سيدفع السوريون الثمن بطريقة أو أخرى.

————————-

قمّة بايدن – بوتين: للحديث بقيّة/راغدة درغام

حدث في القمّة الأميركية – الروسية ما كان مصمّماً له أن يحدث بين فريقي الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لا مفاجآت ولا مواجهات. بعض اللياقة الدبلوماسية والشخصية تتقاطع مع حزمٍ هنا وليونةٍ هناك. غادر الرجلان القمّة كلٌّ متأبطاً ما أحرزه وأهمّه عدم الإخفاق، عدم التنازل في الملفات المعقّدة، تحديد الخطوط الحُمر، إنهاء الحروب الدبلوماسية بعودة السفراء وإعادة فتح القنصليات، الاتفاق على مبدأ التفاهم مستقبلاً والعمل على سد الفجوات العميقة التي جعلت تحقيق الاختراق في القمّة مستحيلاً ومستبعَداً بالأساس.

لم يتفاوض الرئيسان أثناء قمّة الساعات القليلة، لأن الفريقين فاوضا مسبقاً على كل خطوة وصورة ورمزية في رقصة بايدن – بوتين، ولأن المفاوضات الضرورية لبناء الجسور الضرورية لسد الثغرات في المواقف المتباعدة تتطلّب ورشة عمل جدّيّة على مستوى المهنيّين في مختلف الوزارات. وهذا لربما أبرز ما حققته القمّة، وهو، تعريف كل من الرئيسين ما هي الملفات التي تشكّل له خطّاً أحمر وتلك التي يمكن التفاوض في صددها. من الأمن الاستراتيجي الى مسألة تغيير المناخ مع تشكيل فِرَق عمل لبدء المفاوضات. جو بايدن غادر القمة بزهو قائد الغرب الذي أبلغ الرئيس الروسي بحزم قواعده ومواقفه كقائد الغرب، وليس فقط كرئيس الولايات المتحدة، فلاديمير بوتين حقّق لنفسه نتائج ممتازة في قمّة الإخراج للصورة، إذ كان اللقاء فرصة لإبراز روسيا بوزن ثقيل – وكأنها بعظمة الاتحاد السوفياتي في زمن القطبين – ولإبراز نفسه لاعباً أساسياً على الساحة الدولية يلتقي الرئيس الأميركي على قدم المساواة. كلاهما اتفق على أن يكون للحديث بقيّة.

في الشكل كانت هذه قمّة جمعت قائدي دولتين عظميين. في الفعل، كانت مجرد لقاء تعارف بين الرئيسين الأميركي والروسي لم يحقق أي خطوة رئيسية جذرية في العلاقات بين البلدين. ما من نجاح باهر لهذه القمة، لكن لا فشل.

الرئيسان ووزيرا الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن والروسي سيرغي لافروف لم يمضوا الساعات الثلاث في استراحة، بل استخدموها لتحديد وتعريف المواقف القابلة للأخذ والعطاء في ملفات معيّنة، وتلك غير القابلة للنقاش.

من وجهة النظر الروسية، أفرط الرئيس الأميركي في الحديث بإسهاب عن مسائل حقوق الإنسان في روسيا، وفي مقدمتها قضية المعارض ألكسي نافالني، وخصّص لهذه المسائل وقتاً طويلاً. لكن الفريق الأميركي كان أبلغ الفريق الروسي عند التمهيد للقمّة أن مسألة حقوق الإنسان أهمّ لإدارة بايدن من الرؤوس النووية، حسبما نقل أحدهم عن المحادثات التمهيدية.

فريق بايدن حرصَ كل الحرص على حماية الرئيس من مفاجآت نظيره الروسي، وتم تصميم كل لقطة وكل خطوة لمنع فلاديمير بوتين من أخذ زمام المبادرة. مِن رفض وضع أجندة، الى معارضة عقد مؤتمر صحافي مشترك، الى إنهاء القمة قبل 4 ساعات فيما فريق بوتين أرادها على الأقل 5 ساعات – بل أرادها لأيام كعادة القمم – كان فريق بايدن حازماً في رسم المشهد والسيطرة على الفحوى. فاللياقة والرسالة شيء، والثقة شيء آخر. وبكل وضوح، أبرزت القمّة أن إدارة بايدن لا تثق بفلاديمير بوتين ولربما لن تنسى له، بحسب رأيها، تدخّله في الانتخابات الرئاسية التي أتت بدونالد ترامب رئيساً وسلبت الرئاسة من هيلاري كلينتون. لكنها جاهزة لاحتواء المواجهات ولاستنباط مجالات التفاهم، ثنائياً أو في صدد الملفات الدولية.

ما نقلته مصادر اطّلعت على أجواء القمّة وملفاتها هو أن الرئيسين لم يبحثا في العمق موضوع الصين، لا سيّما أن قمّة حلف شمال الأطلسي (ناتو) والقمّة الأميركية – الأوروبية أوضحتا مواقف الغرب من الصين جليّاً.

في ما يخص المسائل الإقليمية، تحدّث الرئيسان عن إيران وعن سوريا، وحسبما نقلت المصادر، كانت رسالة الرئيس بايدن أن التوصّل الى اتفاق مع إيران ممكن، لكن من غير الممكن القفز على سلوكها الإقليمي. قال بايدن لبوتين إنه يتابع عن كثب ما وصفه باستمرار إيران بسلوك يشكّل عنصراً “خطيراً” في السياسات الإقليمية، وأكد أن الولايات المتحدة لن ترفع كامل العقوبات عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى حين تغيير السلوك الإيراني.

أي أن إدارة بايدن جاهزة لرفع المزيد من العقوبات المفروضة على إيران، بالذات في قطاع النفط، لكنها ليست مستعدّة لرفع الحظر العسكري والسماح بصفقات أسلحة لإيران ما دامت إيران تتبنّى ما تسميه إدارة بايدن السياسات والنشاطات الإقليمية “الخبيثة”. بالطبع، مصلحة روسيا تقتضي رفع العقوبات العسكرية قبل غيرها، لأن لها مشاريع صفقات أسلحة ضخمة متشوّقة جداً لبيعها لإيران.

الموضوع الإقليمي الآخر الذي تطرّق اليه الرئيسان هو سوريا، حيث أبلغ بايدن بوتين أن الولايات المتحدة مهتمة بسوريا ولن تختفي عن المشهد السوري. وقال له، بحسب المصادر، إن إدارته جاهزة للبحث في الموضوع السوري على هذا الأساس.

مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى جوي هود شارك في الحلقة الافتراضية 37 لقمّة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي، الى جانب كل من وزير خارجية فنلندا بيكا هافيستو، ووزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي، ورئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسية فيودور لوكيانوف (https://youtu.be/b9ESFE5td0M) . هود حدّد سوريا كمكان وموقع حيث يمكن للولايات المتحدة أن تتعاون مع روسيا بالذات عبر البوّابة الإنسانية.

قال: “إذا اتفقنا على التعاون على الصعيد الإنساني، فقد نتمكّن من إحراز التقدّم على الصعيد السياسي أيضاً، لأن الرئيس بوتين أوضح مراراً عبر السنوات أنه ليس بالضرورة متفانياً dedicated لبشار الأسد كشخص، وأن ما يريده هو تجنّب الفوضى الكاملة في سوريا. ونحن نتقاسم الهدف ذاته في ما يخص عدم الرغبة بالمزيد من الفوضى والمعاناة الإنسانية”. وأضاف أن المطلوب هو “إنشاء دستور جديد، وإنشاء حكومة جديدة تمثّل الشعب حقاً، ولربما عندئذ يمكننا التوصّل الى وسائل تتمكّن من الدفع الى الأمام بالمصالح الأميركية والروسية في روسيا عبر عملية سياسية، ونحن في حاجة الى دعم روسيا لتحقيق ذلك”.

فيودور لوكيانوف أشار الى التعاون الأميركي – الروسي في سوريا عبر العسكريين “الحريصين جداً على عدم الاستفزاز بين الولايات المتحدة وروسيا، وقد نجحوا في ذلك”. لكنه شكّك في تحقيق التعاون على الصعيد الإنساني كما وصفه جوي هود، وقال إن ذلك “من وجهة نظر روسيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاعتراف الأميركي الرسمي بدمشق”، إشارة الى الحكومة الحالية بقيادة الأسد. في رأيه أن العلاقة الثنائية الأميركية – الروسية هي الأولوية لموسكو وليس الصفقة النووية أو إيران في سوريا “حيث لنا مصالح مختلفة حتى داخل سوريا كحلفاء هناك، لكن بأجندة مختلفة”. ويعتقد أن مقياس نجاح قمّة بايدن – بوتين هو تشكيل فِرق عمل من الخبراء والجنرالات والدبلوماسيين للقيام “بمراجعة شاملة لمسائل الاستقرار الاستراتيجي”، والبدء بالعمل.

الخلافات الأميركية – الروسية الجذرية تنطلق من اختلاف العقيدة ونظام الحكم. فالرئيس جو بايدن شهر الديموقراطية وحقوق الإنسان في وجه أنظمة الاستفراد بالسلطة وأنظمة الاستبداد والأنظمة الثيوقراطية. أعلن عزمه على تقوية الأنظمة الديموقراطية وإضعاف الأنظمة الثيوقراطية للحكومات الدينية التي تزعم أنها تستمد سلطتها مباشرة من الله، مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بايدن صادِق في عزمه على تقوية الأنظمة الديموقراطية، لكنّ نقطة ضعفه تكمن في أنه يتبنّى سياسات تؤدي مباشرة الى تقوية الأنظمة الثيوقراطية، كما يفعل في سياساته نحو إيران. صحيح أن رسالته الى طهران هي: لا تستنتجوا أن صفقة الاتفاقية النووية JCPOA قد تمّت، الى حين إتمامها. لكن الصحيح أيضاً هو أن إدارة بايدن وافقت على استبعاد السلوك الإيراني “الخبيث” عن المحادثات، وسحبت من أيديها أدوات التأثير في ذلك السلوك. فرفع العقوبات في القطاع النفطي عن إيران يوفر لديها الأموال الكافية لتمكين الحرس الثوري الإيراني من توطيد مشاريعه الإقليمية وتعزيزها وتنفيذها. أما حجب رفع العقوبات العسكرية فإنه لا يؤثر في الميزانية الإيرانية، بل في الميزانية الروسية لربما.

وهنا التناقض الخطير في أقوال الرئيس جو بايدن وفريقه وأفعالهما، بالذات في مزاعم التمسك بالديموقراطية وحقوق الإنسان، في حين أن السياسة الفعلية هي تجاهل الأمرين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الأوروبيون أيضاً يتعمّدون التجاهل ذاته عندما يتعلّق الأمر بإيران، لكنهم يتعصّبون للديموقراطية وحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالصين وروسيا – تماماً كما تفعل إدارة بايدن – لغايات المصالح الاستراتيجية.

لكن الاهتمام الأوروبي، المدعوم أميركياً، واضح في ملفات إقليمية معيّنة وبتنسيق وثيق مع دول عربية، كما يحدث مثلاً في ملف سدّ النهضة والخلاف بين السودان ومصر مع إثيوبيا حوله.

وزير خارجية فنلندا، بيكا هافيستو، تحدّث أثناء الحلقة الافتراضية 37 عن انتهاكات حقوق الإنسان في القرن الأفريقي، وهو المُكلّف من الاتحاد الأوروبي ملف سد النهضة. قال إن “دولاً خليجية، بالذات السعودية والإمارات، منخرطتان” في محاولة البحث عن حلول للأزمة المعنيّة بسد النهضة “وإننا نتطلّع الى المزيد من جهود الدول الخليجية في شأن هذه المسألة”، التي يتعاون في حلها كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.

وزيرة خارجية السودان، مريم الصادق المهدي، شدّدت على دور دولة الإمارات في المساعدة على إجراء المفاوضات. وقالت إن مصر كانت تعارض في السابق إجراء المفاوضات مع إثيوبيا على مرحلتين، لكنها وافقت هذا الأسبوع على فكرة التفاوض على مرحلتين. هذا التعاون الدولي لاحتواء أزمة خطيرة بين الدول الثلاث هو مثال على نوع جديد من الدبلوماسية المتعدّدة الأطراف، بغياب لافت لأدوار الصين وروسيا التقليدية في القرن الأفريقي. فالمقاييس والمعايير والأدوار والأولويات تعيد اختراع نفسها على الساحات الدولية.

النهار

——————–

تقييم الاستراتيجية المؤقتة لإدارة بايدن تجاه سورية

قسم الترجمة

بعد تولّي بايدن إدارة البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير، بدأت إدارته مراجعة السياسة الأميركية تجاه سورية والحرب الأهلية المستمرة هناك. سعت هذه المراجعة لطيّ صفحة سياسات إدارة ترامب التي حوّلت أولويات الولايات المتحدة في سورية، من الهدف الضيّق لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى توسيع مهمّة مكافحة إيران وحماية النفط السوري من بشار الأسد. كانت سياسة حقبة ترامب نابعة من خصوصيات الإدارة ذاتها، حيث قاوم الطاقم الذي خُوّل الإشراف على السياسة جهودَ ترامب الرامية إلى سحب القوات الأميركية. تُعيد إدارة بايدن ربط السياسة الأميركية بهزيمة داعش، وانتزعت من أهداف الولايات المتحدة كلّ مفاهيم حماية مرافق النفط، أو مواجهة الوكلاء الإيرانيين في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

ويمثّل هذا التحوّل في السياسات انعكاسًا براغماتيًا للأهداف الشاملة للإدارة. لقد حوّلت الولايات المتحدة أولوياتها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادئ والهندي، في حين حاولت تهدئة العلاقات مع كثيرٍ من أقرب حلفاء أميركا في أوروبا. الأولوية الرئيسة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي التوصّل إلى اتفاق مع إيران، بخصوص العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وكيفية ترتيب رفع العقوبات في عهد ترامب. الحرب الأهلية السورية هي أيضًا أولوية، ولكن سياسة الإدارة لم تعُد مرتبطة بطموحات إقليمية أوسع، مثل جهود فريق ترامب لإطاحة النظام الإيراني من خلال العقوبات، أو لمنع شركاء الولايات المتحدة من العرب من تطوير سياستهم الخاصة من خلال الاتصال بدمشق.

النظام السوري هشّ وغير كفء، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران، وقد صمد في وجه التمرّد بقيادة المعارضة طوال عشرة أعوام. لا يسيطر النظام على كامل البلاد، لكن المعارضة أضعف من أن تشن عمليات هجومية لاستعادة الأراضي. ويواجه البلد كارثة اقتصادية ناجمة عن انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وتأثير فيروس (كوفيد -19)، والعقوبات الأميركية، والجفاف الشديد الذي قلّل ناتج المحاصيل الزراعية، وتدمير البنية التحتية. ترتبط المصالح الأميركية الآن بهدفين مزدوجين: زيادة المساعدات الإنسانية، والاحتفاظ بالوجود العسكري الأميركي لمحاربة داعش.

ترتبط الأولوية الأولى بالمداولات في مجلس الأمن وبالتفويض الذي يتحكّم في إيصال المعونة عبر الحدود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. سمح اتفاق عام 2014 بأربعة معابر، ولكن هذا العدد انخفض إلى معبر واحد، بسبب المعارضة الروسية والصينية. وينتهي التفويض بالمعبر الأخير المتبقي في 10 تموز/ يوليو، ومن دون التمديد، يكون شمال غرب سورية معرضًا لخطر توقّف المعبر الأخير مع تركيا. إن الموقف الروسي يتلخص في أن دمشق هي حكومة سورية ذات سيادة، ولذلك ينبغي على الأمم المتحدة أن تقدّم المساعدات من خلال عاصمة البلاد وحدها.

بعد تولي بايدن منصبه، أعطت إدارته الإذن باستخدام (50) مليون دولار، كمساعدة لتحقيق الاستقرار، كانت قد جُمّدت خلال إدارة ترامب، على أن تُنفق في المقام الأول في شمال شرق سورية. ويضاف إلى هذا التمويل (600) مليون دولار، لتمويل المساعدات الإنسانية لجميع سكان سورية، حتى اللاجئين في البلدان المجاورة. وقررت إدارة بايدن الاحتفاظ بالقوات البرية، ومعدات القوات الجوية الأميركية، لدعم قوات سوريا الديمقراطية، وهي القوة الشريكة التي تولت زمام القيادة في الحرب ضد داعش، وهي الأولوية الثانية للإدارة. ويعتمد الوجود البرّي للولايات المتحدة على آليتين مترابطتين لمنع التصعيد والتضارب، تديران العمليات الجوية والبرية الأميركية والروسية. وقد استخدمت هذه الآليات نهر الفرات كحد، مع عدد قليل من الاستثناءات المقدمَة لكل جانب. تغيّر الوضع بعد الاجتياح التركي لشمال شرق سورية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حيث حدث انسحاب أميركي متسرّع من المناطق الحدودية، وتحرّك روسي للحلول محل المواقع الأميركية. أصبح الأميركيون والروس الآن قريبين من بعضهم البعض، بطرق تختلف اختلافًا كبيرًا عن بيئة ما قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

لقد أوضحت إدارة بايدن لموسكو صراحة أنها تنوي البقاء في سورية، وأرسلت وفدًا رفيع المستوى للقاء قيادة قوات سوريا الديمقراطية، لمقابلة قادتهم وإبلاغهم بقرارات السياسة الأميركية. ويشمل هذا الجهد أيضًا قدرًا كبيرًا من الاتصال بتركيا، وهو أمرٌ مهمّ لجهود الولايات المتحدة لزيادة المساعدة في تحقيق الاستقرار. ويعترف هذا التواصل بأن ثمّة علاقات منفصلة بين تركيا وروسيا في سورية، مبنيّة حول عملية آستانا. وتركز عملية آستانا على إصلاح الدستور السوري، ولكنها عملت أيضًا كآلية لأنقرة وموسكو، لإدارة التوترات والتوصّل إلى حلول وسط بخصوص القضايا الرئيسة. وقد سعت إدارة بايدن إلى الاستفادة من هذه العلاقة، ولا سيّما مسألة المساعدة في تحقيق الاستقرار وإيجاد حلّ وسط، لإيصال المعونة وتوزيعها بين المناطق التي يسيطر عليها الأتراك والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ويبدو أن الصيغة الأساسية هي تقديم “المزيد من المعونة من أجل استمرار وصول المعونات”. ويمكن لهذه الصيغة أن تزيد من إجمالي المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، التي ستشمل بالضرورة مزيدًا من المساعدات المقدمة عن طريق دمشق. وهذا الحل الوسط يمكن أن يرضي بعض رغبات روسيا، من دون المساس بجهود الولايات المتحدة في شمال شرق وشمال غرب البلاد.

لا تزال موسكو ملتزمةً بالأسد، وتحافظ على سياسة متسقة تجاه سورية. وتركز هذه السياسة على تدريب القوات المسلحة السورية وتجهيزها، وتوفير الدعم للعمليات الجوية والخاصة، وحماية النظام دبلوماسيًا في الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية. وقد حقق هذا الجهد ثماره، وبخاصة في ساحة المعركة. إن النظام آمنٌ، مع أنّ البلد في حالة مزرية وغارق في الانهيار الاقتصادي. والمعارضة للأسد محشورة في إدلب، تحت حماية تركية، بحكم الأمر الواقع، وغير قادرة على شن عمليات هجومية. ومن المنظور الروسي، منعت موسكو انهيار الدولة لشريك إقليمي.

مع أن الولايات المتحدة لا تتفاوض مباشرة مع روسيا، فإنها تشير إلى أنها قادرة على إحياء دبلوماسية أكثر صراحة وإنتاجية، إذا ما أظهرت موسكو بعض النيات الحسنة. وهذه المقاربة/ النهج منفصلة عن مقاربة إدارة بايدن الأوسع نطاقًا في التعامل مع العلاقات مع روسيا، ولكنها تتوافق مع الجهد الشامل لجعل العلاقات أكثر قابلية للتنبؤ وتركيزًا على المجالات، حيث يستطيع الجانبان إدارة التوترات. ومن المتوقع أن تناقش الولايات المتحدة وروسيا الحرب الأهلية السورية في مؤتمر القمة الثنائي الذي سيعقد في جنيف. وجود قوات الولايات المتحدة وروسيا، بمثل هذا القرب، يخدم مصالح الولايات المتحدة للحد من التفاعلات السلبية في صراع هامشي مثل سورية. إن التوصل إلى تسوية روسية بحكم الأمر الواقع، بخصوص قضية خلق الاستقرار، يمكن أن يفتح الباب أمام محادثات هادئة بصدد الحرب، الأمر الذي يمنح البلدين بعض المساحة لتعميق التفاهم، بخصوص مصالح كل منهما على المدى البعيد. وقد لا يؤدي هذا الاجتماع إلى نتائج ملموسة، بل يمكن استخدامه لإدارة الاختلافات، أو حتى يمكن أن يكون بمنزلة قناة خلفية لتعويم المقترحات الرامية إلى إضفاء الطابع الرسمي على وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني.

ضيّقت إدارة بايدن أهداف الولايات المتحدة في سورية، تاركة وراءها سياسة واسعة جدًا وضعيفة قانونيًا، سبق أن اتبعها فريق ترامب. هذه السياسة الجديدة تشير إلى أن وجود الولايات المتحدة مفتوح في الشمال الشرقي، لضمان أن تظلّ داعش مستهدفة في البلاد. ويبدو أيضًا أن الإدارة ملتزمة التزامًا راسخًا بتوفير الأموال اللازمة للمساعدة في تحقيق الاستقرار، في إطار ترتيب للوصول إلى فرص الحصول على الدعم الروسي. إن نظام الأسد مستقر ومستكين في السلطة، وقد أشارت واشنطن إلى أنها لن تتخذ إجراءات لخلع هذا النظام، وأنها تريد إقامة علاقة أكثر قابلية للتنبؤ بها مع روسيا في سورية. الكرة في ملعب موسكو، لكن إدارة بايدن أوضحت أنها ستحتفظ بقوات في البلاد، وأنها مستعدة لزيادة مساعدة الولايات المتحدة لإدارة الكارثة.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز

اسم المقال الأصلي         Assessing the Biden Administration’s Interim Syria Strategy

الكاتب   آرون شتاين، Aaron Stein

مكان النشر وتاريخه         معهد بحوث السياسة الخارجية، FOREIGN POLICY RESEARCH INSTITUTE

رابط المقال         https://bit.ly/2SjmpgS

عدد الكلمات       1098

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

—————————-

الروس أبقوا على نظام بشار ويسوّقونه اليوم/ عبد الباسط سيدا

التزم الروس، إلى جانب الإيرانيين، منذ اليوم الأول للثورة السورية، هدفَ الإبقاء على نظام بشار الأسد. وكانوا يسوّغون موقفهم باستمرار بأنهم ليسوا مع تغيير النظام بإرادة الدول، وإنما هم مع الاختيار الذي يتوافق عليه السوريون. هذا الموقف المنافق العام الذي يتظاهر صاحبُه بأنه مع حق السوريين في التعبير عن رأيهم وتحديد مصيرهم، لكنه في واقع الأمر يقف حتى الرمق الأخير مع النظام، كان يدعم النظامَ بسبل شتى في قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير بلادهم، وهذا الموقف ما زال هو الذي يتحكم في السياسة الروسية الخاصة بسورية.

ففي أيام الثورة السلمية آذار/ مارس 2011 التي خرج فيها السوريون بالملايين، في مختلف أنحاء البلاد، يطالبون بالإصلاح والتغيير، بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛ عمل الروس من خلال مجلس الأمن على تعطيل أي قرار من شأنه إدانة النظام، أو إلزامه بقبول التغيير. وكانوا يمدّونه بالأسلحة، ويوجهون إليه النصائح، وينسّقون مع الإيرانيين في اتخاذ الخطوات والتدابير التي من شأنها الحفاظ على النظام، ومنعه من الانهيار.

ومع تصاعد وتيرة الثورة، وتنامي الدعم لها، على المستويين الإقليمي والدولي، لم يكن أمام الروس من مجال سوى القبول ببيان جنيف 2012، الذي استند إلى النقاط الست التي كان كوفي عنان (ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية الخاص بسورية) قد وضعها، وباتت خطة متكاملة، تبدأ بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي.

ما دفع الروسَ إلى قبول هذه الخطة تمثّل في محاولة امتصاص الضغوط الرسمية والشعبية، والعمل بعد ذلك على إفراغ البيان من مضمونه، والسعي لتغيير الشروط والمعطيات في الميدان، واستغلال الفرص للتأثير في المواقف الإقليمية والدولية؛ وكلّ ذلك لمصلحة النظام التي تماهت مع مصلحة موسكو التي استخدمت الورقة السورية لتكون بوابة عودتها نحو عالم الكبار على المستوى الدولي. هذا إلى جانب رغبة موسكو في تعزيز قواعدها في سورية، وتأمين مصالحها الجيوسياسية في شرقي المتوسط؛ وكل ذلك كان بهدف فتح المجال أمامها لبناء التفاهمات والاتفاقيات مع الدول العربية الخليجية، ومحاولة الوصول ثانية إلى ليبيا الغنية بالنفط والقريبة من أوروبا.

وبناء على إدراك موسكو المسبق لأهمية العامل الإسرائيلي في الوضع السوري، حرصت على بناء التفاهمات مع تل أبيب، وسعت باستمرار لترسيخ الثقة معها عبر التنسيق المعلوماتي الاستخباراتي الدائم. هذا إلى جانب اعتماد سياسة غض النظر عن الغارات الإسرائيلية على المواقع العسكرية، سواء مواقع النظام نفسه أم مواقع إيران و”حزب الله”.

ويُضاف إلى ما تقدّم الالتزام المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية بـ “أمن إسرائيل”. ولعل ما يلقي الضوء على هذا الأمر يتشخص في الاجتماعات المتواصلة التي كانت بين بوتين ونتنياهو، والتنسيق الأمني الاستخباراتي الروسي- الأميركي- الإسرائيلي.

وفي سبيل تمييع الموقف، سياسيًا وميدانيًا وتنظيميًا، لخدمة مصالح النظام، لجأ الروس إلى خطة متكاملة للتحرك في مختلف الاتجاهات، وتمكنوا -في نهاية المطاف- من إطلاق مسار أستانا، في كانون الثاني/ يناير 2017، ليكون موازيًا لمسار جنيف، وذلك بعد تفاهمات مع تركيا وإقناعها بالانضمام إلى كلٍّ من روسيا وإيران، في رعاية مفاوضات أستانا الشكلية بين النظام ووفود صورية من جانب المعارضة الرسمية، وضمان مخرجاتها.

وهكذا تمكن الروس من تفكيك الجزء الأكبر من العمل الميداني العسكري المناهض للنظام، في حين أبقوا على “جبهة النصرة”/”هيئة تحرير الشام” التي سوّقوا تدخّلهم العسكري السافر في سورية عام 2015 لمصلحة النظام، تحت شعار محاربتها. وكانوا قبل ذلك قد تمكّنوا، بعد تفاهمات ترامب – بوتين، من احتواء العديد من الفصائل العسكرية في الجنوب السوري. وقد استقبل الروس باستمرار الشخصيات والأحزاب السورية المدجنة، أو تلك التي كانت في طريقها إلى التدجين، في موسكو وحميميم، وذلك بهدف تشكيل المعارضة التي يريدونها، لتكون الممثل الرسمي للسوريين الثائرين على حكم الأسد، وقد أفلحوا في هذا المجال إلى حدّ بعيد، وذلك بالتفاهم مع الدول الإقليمية.

وهكذا استطاع الروس تقزيم مطالب الثورة السورية، لتسوّق على أنها تتمثل في لجنة دستورية، أصرّوا على تشكيلها بعد الاجتماع الذي نظموه في سوتشي، كانون الثاني/ يناير 2018، وبالتفاهم مع المسؤول الدولي السابق الخاص بسورية ستيفان ديمستورا، وذلك في سعي أكيد لتجاوز شبح هيئة الحكم الانتقالي التي أعلنوا منذ البداية أنها لا تعني إبعاد بشار الأسد، وكانت هذه النقطة من بين النقاط الخلافية الأساسية مع التفسير الأميركي، ومع تفسير المجلس الوطني السوري، ومن ثم الائتلاف، لها.

وكان من الواضح أن الروس يحاولون كسب الوقت، في سبيل الوصول إلى موعد إعادة التمديد للأسد؛ وذلك بهدف فرض الأمر الواقع على الإدارة الأميركية الجديدة التي وجدوا أنها ستكون مشغولةً بقضايا كثيرة معقدة، سواء على المستوى الداخلي الأميركي نفسه، أم على المستويين الدولي والإقليمي، خاصة ما يتصل بالملف النووي الإيراني، وتنامي حدة المواجهة مع الصين، وترميم العلاقات الأميركية الأطلسية، والأميركية الأوروبية، وذلك بعد التصدعات المهددة التي سبّبتها سياسات ترامب وقراراته.

ولعل غياب، أو شبه الغياب، الموضوع السوري عن مباحثات القمة الأميركية الروسية الأخيرة، بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين، في جنيف 16 حزيران/ يونيو 2021، يؤكد أرجحية هذا التحليل. ولكن الغياب المعنيّ ليس معناه حل الإشكاليات بخصوص الملف السوري، أو التوافق حوله بكل جوانبه وتفصيلاته؛ فهناك مناطق واسعة في الشمال السوري، سواء في الشرق أم في الغرب، هي خارج سيطرة النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين، والأوضاع في الجنوب لم تستقر بعد، وما زال ملايين السوريين موزعين بين لاجئين ونازحين في دول الجوار والداخل الوطني. وهناك حاجة ماسة إلى المساعدات الدولية للسوريين في الداخل، وهي المساعدات التي يعمل الروس على منعها، لاتخاذها وسيلة ابتزاز سياسية من أجل تخفيف الضغط على النظام، تمهيدًا لتسويقه وشرعنته مجددًا، ويُشار في هذا السياق إلى جهود حثيثة تبذلها بعض الدول العربية في هذا الاتجاه، ولكنها تصطدم بالموقف الأميركي والغربي عمومًا الذي يرفض الاعتراف بشرعية إعادة التدوير، وهذا مؤداه رفض الاعتراف بنتائجها.

ما يُستشف من المعطيات والتحركات الراهنة هو أن الموضوع السوري لم يعد -بكل أسف- من الأولويات العاجلة ضمن الاهتمامات الغربية، والأميركية على وجه التحديد؛ بل بات مجرد ملف من الملفات المختلف حولها، التي تستخدم عادة في سياق عملية استعمال الأوراق للدفع نحو تسويات أعمّ على المستوى الدولي. ويُشار هنا -على سبيل المثال- إلى الموضوع الأوكراني الذي يُقلق الأوروبيين كثيرًا، بالإضافة إلى موضوع مستقبل العلاقات مع الصين، إلى جانب موضوع سباق التسلح والخشية من الحرب الباردة مع الروس، والهجمات السبرانية.

وما يُسهم في تهميش الموضوع السوري اليوم، على الرغم من التضحيات الكبيرة التي كانت والنتائج المأساوية التي ترتبت على الحرب التي أعلنها النظام بالتشارك مع حلفائه الروس والإيرانيين على الشعب السوري، هو عدم وجود قيادة وطنية سورية موحدة قادرة على طمأنة السوريين عبر مشروع وطني سوري يحترم الخصوصيات، ويضمن الحقوق من دون أي تمييز أو استثناء، ويوحّد الكلمة والموقف في مواجهة نظام الاستبداد والفساد. في بداية الثورة، كانت هناك إمكانيات لتشكّل مثل هذه القيادة، ولكن المصالح الدولية والإقليمية، والنزعات الانتهازية التسلقية لدى بعض السوريين بدّدتها. وقد أسهم الروس بقسط كبير في عملية التبديد تلك، ليسوّقوا اليوم زعمًا متهافتًا مضلّلًا، فحواه أنْ ليس هناك من بديل لبشار الأسد!

————————–

المحددات “السورية” أميركيًا/ بشار علي الحاج علي

على ما يبدو، إن الغائب الحاضر في الملفّ السوري هو من ساهم في زيادة معاناة السوريين، وهو يتابع تدميرهم وتدمير بلدهم. فلم يكن الجار غير المرغوب فيه في جولاننا المحتلّ بحاجة إلى رسائل نظام الأسد، منذ اليوم الأول لانتفاضة الكرامة، بأن أمن “إسرائيل” يتحقق بالحفاظ على هذه العصابة، وهو أمرٌ يعيه كثيرٌ من السوريين في دواخلهم، وإن كان مسكوتًا عنه خوفًا، والبعض كان يسبح في سراب المقاومة والمواجهة ومفردات الكفاح البلاغي.

وبحكم أهمية هذا الكيان “الصهيوني” للمنظومة الدولية، فهو يتمتع بعلاقات وقنوات معلومات، تجعله على معرفة دقيقة بالوضع السوري أكثر من السوريين، بل أكثر من أي جهة دولية أو غير دولية أخرى.

وكان من الواضح لديه -وهذا مشترك مع السوريين- أن هذا النظام لن يعيش، وأنه ساقطٌ، ولا سبيل للحفاظ عليه ضمن معادلة شعب ثائر لم يعد لديه ما يخسره ونظام عصابة من دون رأس حقيقي يحكمها!

وهنا، كان على أيّ تحرّك دولي أن يأخذ مصالح “إسرائيل” بالحسبان، وهي كيانٌ -كما نعلم- ليس لديه مصالح خيّرة، فمصالحه تقوم على التدمير والإنهاء، فكان أن مُنع عن قوى الثورة الأسلحة النوعية التي يمكن أن تسقط النظام، وخاصة مضادات الطيران والدروع، ثم تمت مصادرة الأسلحة الكيمياوية من النظام، من دون أن يُحدث استخدامه لها أيّ حرج للعالَم المتمدّن ومجتمع الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. وكأن القتل بالبراميل والصواريخ والفوسفور مسموح، وأن الثورة قامت لتسليم الكيمياوي إلى الولايات المتحدة الأميركية!

ومن متابعة الملف السوري، خاصة بعد الكيمياوي، يتضح أن الأمور تتجه نحو الحفاظ على هيكل النظام واستمرار التدمير المنهجي للبلد وللإنسان السوري، حيث لا يمكن للنظام أن ينتصر، ولا يُسمح للمعارضة والثورة المسلحة بالانتصار، وليس هناك رغبة في إيقاف هذه الطاحونة التي لا يمكن لها أن تقف أيضًا من تلقاء نفسها، بعد تعاضد المشغّلين الخارجيين واتفاقهم -على خلافهم- على استمرار الدوران، كلٌّ ينتظر قطف حصته وتوسيع حجمها.

وحيث إن النظام هو المأمون جانبه من قبل الجار السيئ، فلا حاجة إلى تجريب غيره من القوى الناشئة والحالمة، وخاصة بعد أن استحالت قضية توحيد القوى المسلحة الثائرة بتواطؤ متعدد الأطراف، فهي ثورة ليست تحت السيطرة، وهي بمنزلة خروج على المنظومة الدولية، في منطقة شديدة الحساسية تخضع لتوازنات القوى الدولية و توابعها من القوى الإقليمية.

وسارت الأمور على هذه القاعدة، وضمن هذه التكتيكات في احتواء الشعب السوري، بدأت الخطوات بحماية العاصمة من السقوط، وتم القضاء على معقل الثورة في المعضمية وداريّا، وقطع التواصل مع الجنوب والغرب من الزبداني ودرعا، ورفض ترحيل أهالي داريّا إلى حوران، وهذا طبعًا واضح، فكلّ ثائر يرفض التسليم يجب إبعاده عن العاصمة وعن الجولان المحتل، وتم تنفيذ هذه العملية على طريقة التدريج والقضم، بتوافق دولي، وخاصة مع الأطراف التي ادّعت “دعم الثورة”، وتوالى ذلك بالتسويات الإجبارية، وتحوّل المشهد، بين عشيّة وضحاها، مِن ألوية وفصائل مسلحة وعروض عسكرية، إلى تسليم وتهجير إلى الشمال حصرًا.

ولم يكن الاتفاق المعروف بـ (اتفاق كيري-لافروف) بين وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية ووزير خارجية روسيا عام 2017، والذي جاء عقب إيقاف دعم المعارضة المسلحة، وإنهاء ما كان يُعرف بغرفة (الموك) بعيدًا عن الرؤية الاسرائيلية، وكان من بين الشروط التي عرفت إبعاد إيران الملالي وميليشياتها مسافة 80 كم عن الجولان السوري المحتل، ولا مانع من استمرارها في قتل السوريين وتهجيرهم، وهو اعتراف بوجودها وقبول به في سورية، وبأن تمارس قواعد اشتباك شبيهة بتلك التي تمارسها في الجنوب اللبناني، وفق ما تقتضيه مصلحة النظامين المتطرفين، في إيران وفي الكيان الصهيوني.

واستطاعت إيران أن تحتفظ بوجودها حتى قرب الجولان، تحت غطاء جيش النظام، وذلك لعدم ثقتها بالأطراف الدولية وعدم مقدرة روسيا على إبعادها وتصفية فصائل (الموك)، وهذا ما دفع “إسرائيل” إلى أن تقوم بعمليات عسكرية مباشرة غير مرّة.

ومن الواضح أيضًا أن الإدارة الأميركية لم تخرج عن هذه الخطوط، على تعاقب الديمقراطيين والجمهوريين، وما زالت المصلحة “الإسرائيلية” تسيطر على الملف السوري بالدرجة الأولى، والحسابات الدولية بالدرجة الثانية، وتدور في فلكها كلّ الفواعل الإقليمية والمحلية.

وسيبقى الوضع السوري معلقًا حتى إيجاد مقاربة ممكنة تفضي إلى عدم وجود خطر على الكيان الصهيوني، وعدم إمكانية وجود قوى معادية مستقبلًا، على الأقل في المنظور القريب، وعدم قيام دولة مركزية، وهذا ما يفسر الرضى عن مناطق النفوذ، وإشغال السوريين طوال عقود بقضايا الهوية والمواطنة، وإعادة الإعمار والخدمات الأخرى.

وعلى الرغم من المصلحة الإسرائيلية المقيدة للأميركيين والمتقاطعة عادة مع المصلحة الأميركية، فإن الإدارة الأميركية لا تترك الملفّ كاملًا دون أخذ متطلبات أمنها القومي بالحسبان، وهذا ما يفسّر الحضور العسكري والقدرة على التدخل السريع، ومنع أيّ حلّ أو تسوية دون موافقتها، وإبقاء إمكانية التأثير على المتدخلين، سواء أكانوا حلفاء أم منافسين، وفي الوقت نفسه، بعث رسائل تطمئن الحلفاء بعد أن اهتزت ثقتهم بالأميركيين، وخاصة الحلفاء التاريخيين.

وأخيرًا صرّح الرئيس الأميركي بايدن، في أكثر من مناسبة، بأنّ أميركا عائدة، وأنها ستولي الدبلوماسية الجماعية أهميّة في معالجة القضايا الدولية والإقليمية. وكان لنشاط الشهر الأخير رسائل واضحة، من حيث بروز حلف غربي، بقيادة أميركا، لمواجهة الصين، وإعادة تعزيز حلف الناتو ودعم تركيا فيه ودعم تحرّكها إقليميًا، واحتواء روسيا دون أن تكون ندًا لأميركا. ولا يعني اللقاء في جنيف أنه لقاء ندّيّ، بل هو محاولة لوضع روسيا في الحجم الذي تراه الولايات المتحدة، وقد تجلّى ذلك من خلال تصرفات الرئيس بايدن، بعدم عقد مؤتمر صحفي مشترك، وعدم عقد اجتماع ثنائي مغلق، وعدم تناول غداء مشترك، بل إنه تعمّد الوصول متأخرًا إلى “الفيلا” التي جرى فيها اللقاء.

وعلينا -السوريين- أن نتمسّك بشرعية مطالبنا، من خلال قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وعدم الاستكانة للمصالح الدولية التي لا تراعي مصالحنا، وذلك من خلال تعزيز القوى السياسية، وتجميع الجهود من خلال لقاء وطني أو مؤتمر وطني، وتبني الخطاب الوطني الجامع، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والأجنبية التي ما تزال تقف الى جانب كرامتنا وحقّنا في العيش الكريم، والابتعاد عن كلّ المعارك الهامشية والمناكفات التي تُكسبنا أعداء وتخسرنا أصدقاء، والتركيز على قضيتنا كقضية إنسانية سامية، قبل أيّ توصيف آخر.

مركز حرمون

———————————-

=====================

تحديث 27 حزيران 2021

—————————-

تقييم الاستراتيجية المؤقتة لإدارة بايدن تجاه سورية/ آرون شتاين

ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

بعد تولّي بايدن إدارة البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير، بدأت إدارته مراجعة السياسة الأميركية تجاه سورية والحرب الأهلية المستمرة هناك. سعت هذه المراجعة لطيّ صفحة سياسات إدارة ترامب التي حوّلت أولويات الولايات المتحدة في سورية، من الهدف الضيّق لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى توسيع مهمّة مكافحة إيران وحماية النفط السوري من بشار الأسد. كانت سياسة حقبة ترامب نابعة من خصوصيات الإدارة ذاتها، حيث قاوم الطاقم الذي خُوّل الإشراف على السياسة جهودَ ترامب الرامية إلى سحب القوات الأميركية. تُعيد إدارة بايدن ربط السياسة الأميركية بهزيمة داعش، وانتزعت من أهداف الولايات المتحدة كلّ مفاهيم حماية مرافق النفط، أو مواجهة الوكلاء الإيرانيين في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

ويمثّل هذا التحوّل في السياسات انعكاسًا براغماتيًا للأهداف الشاملة للإدارة. لقد حوّلت الولايات المتحدة أولوياتها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادئ والهندي، في حين حاولت تهدئة العلاقات مع كثيرٍ من أقرب حلفاء أميركا في أوروبا. الأولوية الرئيسة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي التوصّل إلى اتفاق مع إيران، بخصوص العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وكيفية ترتيب رفع العقوبات في عهد ترامب. الحرب الأهلية السورية هي أيضًا أولوية، ولكن سياسة الإدارة لم تعُد مرتبطة بطموحات إقليمية أوسع، مثل جهود فريق ترامب لإطاحة النظام الإيراني من خلال العقوبات، أو لمنع شركاء الولايات المتحدة من العرب من تطوير سياستهم الخاصة من خلال الاتصال بدمشق.

النظام السوري هشّ وغير كفء، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران، وقد صمد في وجه التمرّد بقيادة المعارضة طوال عشرة أعوام. لا يسيطر النظام على كامل البلاد، لكن المعارضة أضعف من أن تشن عمليات هجومية لاستعادة الأراضي. ويواجه البلد كارثة اقتصادية ناجمة عن انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وتأثير فيروس (كوفيد -19)، والعقوبات الأميركية، والجفاف الشديد الذي قلّل ناتج المحاصيل الزراعية، وتدمير البنية التحتية. ترتبط المصالح الأميركية الآن بهدفين مزدوجين: زيادة المساعدات الإنسانية، والاحتفاظ بالوجود العسكري الأميركي لمحاربة داعش.

ترتبط الأولوية الأولى بالمداولات في مجلس الأمن وبالتفويض الذي يتحكّم في إيصال المعونة عبر الحدود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. سمح اتفاق عام 2014 بأربعة معابر، ولكن هذا العدد انخفض إلى معبر واحد، بسبب المعارضة الروسية والصينية. وينتهي التفويض بالمعبر الأخير المتبقي في 10 تموز/ يوليو، ومن دون التمديد، يكون شمال غرب سورية معرضًا لخطر توقّف المعبر الأخير مع تركيا. إن الموقف الروسي يتلخص في أن دمشق هي حكومة سورية ذات سيادة، ولذلك ينبغي على الأمم المتحدة أن تقدّم المساعدات من خلال عاصمة البلاد وحدها.

بعد تولي بايدن منصبه، أعطت إدارته الإذن باستخدام (50) مليون دولار، كمساعدة لتحقيق الاستقرار، كانت قد جُمّدت خلال إدارة ترامب، على أن تُنفق في المقام الأول في شمال شرق سورية. ويضاف إلى هذا التمويل (600) مليون دولار، لتمويل المساعدات الإنسانية لجميع سكان سورية، حتى اللاجئين في البلدان المجاورة. وقررت إدارة بايدن الاحتفاظ بالقوات البرية، ومعدات القوات الجوية الأميركية، لدعم قوات سوريا الديمقراطية، وهي القوة الشريكة التي تولت زمام القيادة في الحرب ضد داعش، وهي الأولوية الثانية للإدارة. ويعتمد الوجود البرّي للولايات المتحدة على آليتين مترابطتين لمنع التصعيد والتضارب، تديران العمليات الجوية والبرية الأميركية والروسية. وقد استخدمت هذه الآليات نهر الفرات كحد، مع عدد قليل من الاستثناءات المقدمَة لكل جانب. تغيّر الوضع بعد الاجتياح التركي لشمال شرق سورية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حيث حدث انسحاب أميركي متسرّع من المناطق الحدودية، وتحرّك روسي للحلول محل المواقع الأميركية. أصبح الأميركيون والروس الآن قريبين من بعضهم البعض، بطرق تختلف اختلافًا كبيرًا عن بيئة ما قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

لقد أوضحت إدارة بايدن لموسكو صراحة أنها تنوي البقاء في سورية، وأرسلت وفدًا رفيع المستوى للقاء قيادة قوات سوريا الديمقراطية، لمقابلة قادتهم وإبلاغهم بقرارات السياسة الأميركية. ويشمل هذا الجهد أيضًا قدرًا كبيرًا من الاتصال بتركيا، وهو أمرٌ مهمّ لجهود الولايات المتحدة لزيادة المساعدة في تحقيق الاستقرار. ويعترف هذا التواصل بأن ثمّة علاقات منفصلة بين تركيا وروسيا في سورية، مبنيّة حول عملية آستانا. وتركز عملية آستانا على إصلاح الدستور السوري، ولكنها عملت أيضًا كآلية لأنقرة وموسكو، لإدارة التوترات والتوصّل إلى حلول وسط بخصوص القضايا الرئيسة. وقد سعت إدارة بايدن إلى الاستفادة من هذه العلاقة، ولا سيّما مسألة المساعدة في تحقيق الاستقرار وإيجاد حلّ وسط، لإيصال المعونة وتوزيعها بين المناطق التي يسيطر عليها الأتراك والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ويبدو أن الصيغة الأساسية هي تقديم “المزيد من المعونة من أجل استمرار وصول المعونات”. ويمكن لهذه الصيغة أن تزيد من إجمالي المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، التي ستشمل بالضرورة مزيدًا من المساعدات المقدمة عن طريق دمشق. وهذا الحل الوسط يمكن أن يرضي بعض رغبات روسيا، من دون المساس بجهود الولايات المتحدة في شمال شرق وشمال غرب البلاد.

لا تزال موسكو ملتزمةً بالأسد، وتحافظ على سياسة متسقة تجاه سورية. وتركز هذه السياسة على تدريب القوات المسلحة السورية وتجهيزها، وتوفير الدعم للعمليات الجوية والخاصة، وحماية النظام دبلوماسيًا في الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية. وقد حقق هذا الجهد ثماره، وبخاصة في ساحة المعركة. إن النظام آمنٌ، مع أنّ البلد في حالة مزرية وغارق في الانهيار الاقتصادي. والمعارضة للأسد محشورة في إدلب، تحت حماية تركية، بحكم الأمر الواقع، وغير قادرة على شن عمليات هجومية. ومن المنظور الروسي، منعت موسكو انهيار الدولة لشريك إقليمي.

مع أن الولايات المتحدة لا تتفاوض مباشرة مع روسيا، فإنها تشير إلى أنها قادرة على إحياء دبلوماسية أكثر صراحة وإنتاجية، إذا ما أظهرت موسكو بعض النيات الحسنة. وهذه المقاربة/ النهج منفصلة عن مقاربة إدارة بايدن الأوسع نطاقًا في التعامل مع العلاقات مع روسيا، ولكنها تتوافق مع الجهد الشامل لجعل العلاقات أكثر قابلية للتنبؤ وتركيزًا على المجالات، حيث يستطيع الجانبان إدارة التوترات. ومن المتوقع أن تناقش الولايات المتحدة وروسيا الحرب الأهلية السورية في مؤتمر القمة الثنائي الذي سيعقد في جنيف. وجود قوات الولايات المتحدة وروسيا، بمثل هذا القرب، يخدم مصالح الولايات المتحدة للحد من التفاعلات السلبية في صراع هامشي مثل سورية. إن التوصل إلى تسوية روسية بحكم الأمر الواقع، بخصوص قضية خلق الاستقرار، يمكن أن يفتح الباب أمام محادثات هادئة بصدد الحرب، الأمر الذي يمنح البلدين بعض المساحة لتعميق التفاهم، بخصوص مصالح كل منهما على المدى البعيد. وقد لا يؤدي هذا الاجتماع إلى نتائج ملموسة، بل يمكن استخدامه لإدارة الاختلافات، أو حتى يمكن أن يكون بمنزلة قناة خلفية لتعويم المقترحات الرامية إلى إضفاء الطابع الرسمي على وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني.

ضيّقت إدارة بايدن أهداف الولايات المتحدة في سورية، تاركة وراءها سياسة واسعة جدًا وضعيفة قانونيًا، سبق أن اتبعها فريق ترامب. هذه السياسة الجديدة تشير إلى أن وجود الولايات المتحدة مفتوح في الشمال الشرقي، لضمان أن تظلّ داعش مستهدفة في البلاد. ويبدو أيضًا أن الإدارة ملتزمة التزامًا راسخًا بتوفير الأموال اللازمة للمساعدة في تحقيق الاستقرار، في إطار ترتيب للوصول إلى فرص الحصول على الدعم الروسي. إن نظام الأسد مستقر ومستكين في السلطة، وقد أشارت واشنطن إلى أنها لن تتخذ إجراءات لخلع هذا النظام، وأنها تريد إقامة علاقة أكثر قابلية للتنبؤ بها مع روسيا في سورية. الكرة في ملعب موسكو، لكن إدارة بايدن أوضحت أنها ستحتفظ بقوات في البلاد، وأنها مستعدة لزيادة مساعدة الولايات المتحدة لإدارة الكارثة.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز

اسم المقال الأصلي         Assessing the Biden Administration’s Interim Syria Strategy

الكاتب   آرون شتاين، Aaron Stein

مكان النشر وتاريخه         معهد بحوث السياسة الخارجية، FOREIGN POLICY RESEARCH INSTITUTE

رابط المقال         https://bit.ly/2SjmpgS

عدد الكلمات       1098

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

———————————-

سورية في قمة بايدن – بوتين/ فاطمة ياسين

عندما يجتمع قطبا السياسة العالمية في قمّة، ترتفع التوقعات وتنتعش الآمال بإيجاد حل لبعض مشكلات الكوكب، أو قد يسود جو من القلق من زيادة تعقيد مشكلات أخرى .. فتمدّد الدولتين الزئبقي يوحي بالفعل بأنّ أميركا وروسيا قد تكونان منشأ لكلّ مشكلة، ومصدراً لأيّ حلّ. وعلى هذا التصور، توجهت النظرات الشعبية والرسمية السورية إلى لقاء بايدن – بوتين، وما قد يصدر عنه بخصوص سورية. لم يكن التفاؤل سائداً بقدر ما كان الشعور يحمل ترقّباً، وتساؤلاً مضمونه: ماذا سيقول الرجلان حول الأمر؟

أصيب السوريون، على اختلاف جغرافيات وجودهم، بأنواع كثيرة من الإحباط، ولم يصدّقوا أنّ هناك حلاً فعلياً لما حصل في بلدهم. ومن هنا كان الترقب من دون انفعال خاص أو أمنيات محددة…

لم يبدِ الرجلان اللذان يحكمان “أخطر” بلدين، ردّ فعل كبيراً تجاه سورية، على الرغم من وجود قوات عسكرية لبلديهما فيها، ولديهما مصالح مباشرة هناك، ومصالح أخرى لحلفاء يحمونها، إلاّ أنّ الرجلين، بسرعة واقتضاب، ومن دون أيّ صيغ سياسية، حوّلا الموضوع السوري إلى مجرد قضية ذات مضمون إنساني، وأتى الحديث عنها محدّداً في سياق إدخال المساعدات وطرق عبورها، أو مشكلة كورونا التي تعصف بالداخل السوري، وبعض العقوبات المطبقة على النظام، والتي تحدّ من قدرته على مكافحة الفيروس! وعلى الرغم من أنّ الحديث ركّز على الجانب “الإنساني” فإنّه لم يصل ببوتين إلى الحدّ الذي يجعله يتعهد بتجديد القرار الأممي الذي يقرّ دخول مساعدات عبر الحدود السورية من نقطة واحدة، وكان العدد قد خُفّض من أربع نقاط دخول إلى واحدة، وهي النقطة الوحيدة التي تمرّ منها وسائل الحياة لثلاثة ملايين إنسان في إدلب ومحيطها، والتجديد للمعبر هو استحقاق إنساني موعده العاشر من الشهر المقبل (يوليو/ تموز). لم يفلح بايدن في تسجيل هذه النقطة الإنسانية والفرصة متاحة لعدم التجديد، كما يهدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهذا يعني مزيداً من الضغط على الملايين الثلاثة في إدلب.

لكنّ بوتين المستعجل لبدء عملية إعمار تعوّض عليه نفقاته الاقتصادية، طلب من بايدن أن يرفع العقوبات عن النظام، وتحديدا “قانون قيصر” ذا الآثار المدمرة، بذريعة أنّه يحد من قدرة النظام على التحكّم بانتشار فيروس كورونا. طلبُ بوتين المغلف بجوانب إنسانية جعل بايدن يستجيب جزئياً، ورفعت أميركا بالفعل العقوبات عن شركات مقرّبة من زوجة بشار الأسد، بما يخص استيراد مواد خاصة بمقاومة الفيروس، ما يفتح ثغرةً، وإن صغيرة، في القانون الذي ساهم في انهيار النظام اقتصادياً، وجعله يعاني وهو يشاهد معدلات ارتفاع جنونية لسعر الدولار أمام العملة السورية. هذا جزء، لكنّ رفع العقوبات الفعالة أمر بعيد جداً حالياً، خصوصاً في ظل العناد الروسي في قضية التعامل مع المعابر والإصرار على فرض ممثلي النظام في الإشراف عليها أو إغلاقها بالكامل، وهو إصرارٌ ذو جوهر سياسي، على الرغم من عناوينه الإنسانية، فهو يفرض النظام وممثلوه في أثناء التعاملات الدولية.

على الرغم من الجوانب الإنسانية للقضية السورية ذات الذيول المروّعة التي خلفت مشردين وأيتاماً، وأوجدت وقائع جغرافية جديدة، فإنّ المشكلة في سورية سياسية، ولا يمكن التعامل مع جوانبها الإنسانية فقط، فمثل هذا النوع من التعاطي يؤدّي مفعول المسكنات التي قد تخفّف من الألم من دون الولوج إلى أصل المرض، وهو الواجب علاجه لحلّ هذه القضية، لكنّ رؤساء دول كبرى يجدون استنزافاً لإمكانات روسيا وإيران في هذا الركود السياسي. وأميركا، على وجه الخصوص، ترحب بإطالة أمد هذا الاستنزاف إلى أطول فترة ممكنة، والتشاغل الإنساني يرضي عقليتها ويريح ضميرها، ويبقي الآلة العسكرية الروسية مشغولةً من دون أيّ تكلفة على الأميركيين. وللأسف، قد يتوجب على السوريين البحث عن أماكن أخرى غير صالات انعقاد مؤتمرات القمة العالمية، لحلّ مشكلاتهم السياسية.

العربي الجديد

——————————

هل من تسويات في ظل السذاجة المطلقة لإدارة بايدن/ ياسر هلال

إذا كان هناك في لبنان وسوريا والعراق، من يعتبر أنه جزء مؤثر في التطورات الإقليمية ويتطلع لأن تأتي لصالحه ليسجل نصراً مؤزراً على شركاء الوطن، فليراجع حساباته، قبل ان يكتشف انه يتطلع إلى سراب. فهذا زمن التحولات والتسويات الكبرى لا زمن الانتصارات الحاسمة. والعاقل من يختار التسوية الداخلية مهما كانت، ويقرر ان ينتظر التسوية معززاً مكرماً في وطن موحد ودولة بالحد الأدنى، بدلا من الانتظار على قارعة الطريق مشرداً أو مقتولاً.

لنراجع، بعيداً عن التحليلات والتنميات، بعض الوقائع والتطورات المتعلقة بالقوى الفاعلة خاصة أميركا وروسيا:

* تعاني أميركا تراجعاً خطيراً في عناصر قوتها الخارجية العسكرية والسياسية والاقتصادية، كما تعاني من تراجعأ أكثر خطورة في عناصر قوتها الداخلية خاصة على صعيد تدهور العلاقة بين المكونات العرقية والطبقية وانهيار قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان التي بنت عليها مجدها وسيطرتها على العالم.

* تعتبر أميركا أن الصين تشكل التحدي الأكبر لها، باعتبارها قوة منافسة ومزاحمة في قيادة العالم، في حين تتعامل مع روسيا كقوة مشاكسة على الصعيد الإقليمي وفي ملفات محددة.

* حدد بايدن هدفين استراتيجيين لرئاسته؛ الأول إعادة ترميم البيت الداخلي وإحياء قيم العدالة والديمقراطية محلياً وعالمياً. والثاني، ترميم وتقوية تحالفات أميركا مع القوى الكبرى في أوروبا واليابان وبعض الدول الأسيوية لمواجهة الصين.

* يواصل بايدن تنفيذ سياسة سلفه بالخروج من الإدارة المباشرة للنزاعات الإقليمية والتدخل العسكري فيها، خاصة في الشرق الأوسط (الانسحاب من سوريا والعراق وافغانستان، تخفيض الوجود العسكري في الخليج وسحب بطاريات الصواريخ، تأييد حل الدولتين في فلسطين الخ…). ولكن مع المسارعة إلى التأكيد على أن ذلك ليس خوفاً من الهزيمة أمام إيران وروسيا، وليس طبعاً للتفرغ لمواجهة الصين كما يقول البعض، فالمواجهة مع الصين تشمل كل العالم وكل المجالات والميادين، وهذه المنطقة تشكل تاريخياً منطقة نفوذ تقليدية للولايات المتحدة وأوروبا، والتنازل عنها لروسيا يقوض قدرتها على مواجهة الصين.

ماذا تريد أميركا؟

سؤال صعب في ظل ما يظهر من تخبط في السياسة الخارجية، ولكن يمكن القول بحذر أنها تريد إحكام سيطرتها على المنطقة بمقاربة جديدة، قوامها “الإدارة عن بعد”. وهو ما يتطلب عدم الالتزام بحماية او الدفاع عن أي دولة أو جماعة وإبداء الاستعداد للتضحية بكل الحلفاء مهما بلغت أهميتهم. أليس ذلك ما يحدث مع النظام الافغاني الذي تركته لقمة سائغة لطالبان، ومع الأكراد في سورية والعراق، ومع السعودية ودول الخليج، ومع حكومة الكاظمي في العراق، وربما مع جماعتها في لبنان في أي وقت. ولتقوم بدلاً من ذلك بإدارة النزاعات المستعصية بتوكيل الملفات الباردة للحلفاء الأوربيين، والملفات الساخنة مثل سوريا لروسيا ولكن بعد التوصل إلى اتفاق واضح معها أو الأصح تجديد وتوسيع الاتفاق الذي تم بموجبه دخول روسيا إلى سوريا في العام 2015. وتشمل هذه المقاربة بالطبع النزاع مع إيران بأضلاعه الثلاثة؛ الاتفاق النووي، الصواريخ الباليستية، والنفوذ الإقليمي. وبالطبع فإن نجاح أميركا في مقاربة “ضلعي الصواريخ والنفوذ” يحتاج بالدرجة الأولى إلى موافقة ومشاركة روسيا، وبالدرجة الثانية إلى تنسيق وتوافق بين أميركا وأوروبا والقوى الإقليمية مثل تركيا ومصر والسعودية وإسرائيل.

الجزرة…

يعني ذلك ان إبرام صفقة مع روسيا، هو شرط أساسي لنجاح هذه المقاربة، وعليه أعدت أميركا عدة الشغل ممثلة “بكمية من الجزر والعصي”. وتم تقديم الجزرة الأولى “بتغليف متقن” في قمة جنيف بين بوتين وبايدن. وشكل اللقاء في حد ذاته انتصاراً لبوتين، لأن بايدن هو من بادر بالدعوة له، ما وضع روسيا في موقع الند والشريك كامل المواصفات مع أميركا في قيادة العالم. كما أبدع القيصر خلال اللقاء في استعراض قوته، في حين بدا بايدن عن قصد او غير قصد كمن يقدم التنازلات لشراء ود الأعداء. وهو ما عبرت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” بقولها: “أن أي رئيس غير بادين كان خرج من القمة محبطاً أو غاضباً، ولكن مقاربته للاجتماع جاءت متسقة مع السمة الراسخة لرئاسته، وهي “الإيجابية المطلقة” أو ما يعتبره بعض النقاد “سذاجة مقلقة”.

هذا في الشكل، أما في المضمون، فقد حرص بايدن على “تقديم المزيد من الجزر” في ملفات عدة لم يكن آخرها الاستجابة الأميركية للضغوط الألمانية للتراجع عن العقوبات ضد مشروع بوتين الاستراتيجي “نورد ستريم 2”. إضافة إلى هدايا بالجملة في سوريا وآخرها الإعلان عن عدم تجديد الإعفاء الذي منحه ترامب لشركة “دلتا كريسنت إنيرجي” الأميركية للعمل في حقول النفط السورية، ولتعلن بعد ذلك مباشرة بعض الشركات الروسية عزمها الحصول على تراخيص للعمل في تلك الحقول. يضاف إلى ذلك السكوت بل “مباركة” سيطرة روسيا في سوريا، والتجاوب مع رغبتها في تعويم النظام السوري والانفتاح الأوروبي والعربي عليه. وقد نشهد الشهر المقبل، “جزرة جديدة” تتمثل برفع بعض العقوبات مقابل موافقة روسيا على عدم استخدام حق النقض على تجديد تفويض الأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود في سوريا. ولتبقى “الجزرة الأكبر” هي الموافقة غير المعلنة على تحقق الحلم الروسي بالوصول إلى المياه الدافئة وتوسيع قاعدتي حميميم وطرطوس وربما بناء قاعدة جديدة في ليبيا.

… والعصا

لنلاحظ أنه في مقابل التنازلات الكثيرة التي قدمها بايدن لبوتين أن اميركا المتحررة من الالتزامات ومن الوجود العسكري في المنطقة هي أكثر قوة وأشد خطورة. إذ تصبح قادرة على استخدام “سلاح الابتزاز” الذي طالما استخدم ضدها، أي وضع الخصوم بين خيارين إما الموافقة على شروطها وإما الفوضى وهي اللعبة التي تتقنها جيداً. فالانسحاب من سوريا وتسليمها إلى روسيا، مثلا، بقدر ما يشكل نصراً مبيناً لبوتين فإنه يشكل بالقدر نفسه “كابوسا” مرعباً له، إذا قررت أميركا مواجهته، لأنه سيجد نفسه في مستنقع صراعات عرقية وطائفية وحروب لا تنتهي. فهل هناك من يشك في قدرة أميركا على إعادة إشعال الحرب الأهلية في سوريا. فيتحول نصر القيصر إلى هزيمة أقسى من هزيمة الاتحاد السوفياتي في افغانستان. وينطبق ذلك على لبنان والعراق، فهل هناك من يشك أيضاً في قدرة أميركا على استخدام حلفائها كوقود، لتحويل سيطرة ونفوذ إيران في لبنان والعراق إلى “كابوس” بسبب عجزهم عن الحكم وتوفير الاستقرار في ظل حروب الإفقار والانهيار، والتي يمكن تحويلها “بباخرة سلاح ومليار دولار” إلى حروب أهلية ودمار.

هل يستجيب بوتين؟

هناك أسباب عديدة تدفع بوتين للتجاوب مع المساعي الأميركية مع الإبقاء على درجة محسوبة من الصراع مع الغرب، أهمها ان روسيا تحتاج إلى تهدئة اللعب والتوتر مع أميركا لهضم المكاسب الضخمة التي حققتها خلال السنوات الماضية على مختلف الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية، من القرم إلى سوريا وإيران وليبيا. يضاف إلى ذلك تفاقم الأوضاع الاقتصادية في ظل العقوبات وشح الاستثمارات الأجنبية وتفضيل رجال الأعمال الروس الاستثمار في الخارج نتيجة عدم ثقتهم باقتصاد بلادهم، وتزايد المخاوف من خطر نشوب حرب باردة جديدة وسباق تسلح تستنزف الموارد. ويبدو أنه حان وقت تحقق “نبوءة” مستشار الأمن القومي الشهير زبيغنيو بريجنسكي، “بأن العلاقة مع روسيا ستشهد توترا كبيراً، قبل عودتها إلى الغرب الذي يُعتبر مكانها الأصلي”. باعتبار ان روسيا تخشى توسع النفوذ الصيني اكثر من خشيتها من النفوذ الأميركي على المدى الطويل.

ولا شك أن الرئيس الروسي، قرأً جيداً مغزى حرص بايدن على تحديد موعد اللقاء ليأتي مباشرة بعد ثلاثة إنجازات مهمة تصب في خدمة استراتيجيته بإحياء وتعزيز تحالف “الدول الديمقراطية”. وهي اجتماع الدول الصناعية السبع، اللقاء مع دول الاتحاد الاوروبي، اجتماع حلف “الناتو”وهو الأهم والذي اتخذ قرار تاريخي بتوسيع مهام “الناتو” إلى خارج المسرح الأوروبي ليشمل مواجهة الصين.

هل تكون  “السذاجة المقلقة”، لإدارة بايدن هي بالحقيقة “مكر ودهاء” ويكون الانسحاب من مناطق النزاع والتضحية بالحلفاء فخاً محكماً، وتصبح “قوة أميركا في ضعفها” ؟! …

أنها مرحلة المخاض الكبير.. وفي لبنان المحكوم بمعادلة “لا غالب ولا مغلوب”، فالعاقل من يختار انتظار التسوية الكبرى معززاً مكرماً في وطن موحد ودولة بالحد الأدنى، بدلا من الانتظار على قارعة الطريق مشرداً أو مقتولاً.

المدن

—————————-

قمة تأكيد المؤكد… إلا إذا!/ هادي جان بوشعيا

على قاعدة من الأمل الضئيل انعقدت في قصر “لا غرانج” التاريخي قمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، حيث نوقشت عشرات الملفات المعقدة والمتأزمة على الطاولة، كان أولها إنعدام الثقة بين واشنطن وموسكو وليس آخرها التصرفات العدائية على غرار الهجمات السيبرانية التي وضعها بايدن ضمن جملة من الخطوط الحمراء لبوتين.

صحيح أن الديموقراطيين في الكونغرس الأميركي أشادوا بحرص بايدن على الاجتماع ببوتين، إلا أن الجمهوريين انتقدوا ما وصفوه بموقف بايدن الضعيف تجاه بوتين، داعين إلى اتخاذ موقف أميركي متشدد تجاه موسكو.

إزاء ذلك كله، يمكن تحليل شكل العلاقة بين البلدين وكيفية التعامل مع الخطر الروسي المحدق بالولايات المتحدة الأميركية وفق أربع قراءات تناقش على النحو التالي:

أولاً، تدلّ الأجواء “الإيجابية” لقمة بايدن وبوتين على حوار صريح، مباشر وغير عدائي بين الجانبين، ما يمهّد لتحسين العلاقات الثنائية.

ولعلّ الاختبار الحقيقي لأي قمة بين رئيس أميركي ورئيس آخر خصم يكمن بانطباع ذاك الخصم عن الولايات المتحدة، والذي بدوره يتوجب عليه إحترام الخط الأحمر الذي رسمه بايدن لنظيره الروسي حول الهجمات السيبرانية على 16 نوعاً من المنشآت والبنى التحتية الأميركية الحساسة.

وتستخلص القراءة الأولى أن روسيا لا تمثل تهديداً وجودياً لأميركا كما كان الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة، لكن طموحات بوتين في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط والفضاء الإلكتروني لا تزال تتعارض مع الولايات المتحدة. ويمكن للقمة أن تؤتي ثمارها في ما لو تمكن بايدن من إيصال هذه الرسالة لبوتين.

ثانياً، تجادل القراءة أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كانت الأكثر تشدداً ضد روسيا منذ نهاية الحرب الباردة من خلال عقوبات غير مسبوقة على مؤسسات وشخصيات روسية، فضلاً عن تسليحها أوكرانيا لمواجهة العدوان الروسي وإقناع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بزيادة الانفاق الدفاعي بقيمة 400 مليار دولار أميركي.

لكن يبدو أن بايدن غير مستعد لمواجهة روسيا، فيما ترتفع الأصوات المطالبةً بإظهار القوة الأميركية من خلال الرد على أي هجمات سيبرانية تشنّ من داخل روسيا بهجمات مضادة تستهدف أجهزة الأمن الروسية والدائرة المقربة من بوتين، إضافة إلى إيقاف مشروع خط أنبوب الغاز “نورد ستريم2” وفرض عقوبات على الشركات التي تقوم ببنائه وتمويله.

ثالثاً، تناقش القراءة أنه، بخلاف سلفه دونالد ترامب الذي أمضى أربع سنوات يغازل في خلالها بوتين، تمكّن بايدن من رسم معالم سياسة براغماتية تجاه روسيا قائمة على ثلاثية التعاون والاحتواء والردع، فضلاً عن العقاب متى دعت الحاجة إلى ذلك.

كما يشكل لقاء جنيف أول اختبار حقيقي لبايدن لمعرفة ما إذا كان سيترجم تطلعات إدارته إلى أفعال، مع الإشارة هنا إلى أن بدء الحوار مع روسيا يجب أن تليه سياسة احتواء صارمة من خلال “الناتو” مع تعزيز التعاون في بعض القضايا مثل ملف النووي الإيراني والمساعدات الإنسانية في سوريا.

وفيما تدعو القراءة إلى وجوب فتح القنوات الدبلوماسية والعسكرية مع موسكو، وعقد لقاءات بين أجهزة استخبارات البلدين، إلا أن ذلك لا يجب أن يُستتبع بتطبيع كامل للعلاقات بين البلدين.

رابعاً، وفي مقلب آخر، تجادل القراءة مسألة تركيز إدارة بايدن على المنافسة مع الصين، ما يجعل الولايات المتحدة تتجاهل حقيقة أن روسيا هي التي تشكل أكبر تهديد على المدى القصير بفضل أنظمتها العسكرية المتطورة ناهيك بالضغوط التي تمارسها على جوارها، وتوظيفها للنفط والغاز كورقة ضغط استراتيجية لتحقيق مآرب نفوذية وجيوسياسية أكبر.

ولم تغب تدخلات موسكو في الانتخابات الأميركية والهجمات السيبرانية التي تستهدف مؤسسات حكومية وبخاصة في أميركا. كما أنه، على خلاف الصين التي تقرّ بارتباط اقتصادها بالاقتصاد الأميركي، يرى بوتين أن إضعاف أميركا وبايدن هما السبيلان لانتصار روسيا ووضع حد للمتاعب السياسية التي يواجهها في الداخل الروسي.

في المحصلة، وبين هذا وذاك، يمكن استخلاص الآتي وهو أن القمة جاءت لتؤكد المؤكد بين القطبين العالميين اللذين يحكمان قبضتهما على رقاب دول كثيرة أخرى تبقى مشتتة وتائهة بين الإنضمام إلى أي من هذين المعسكرين من عدمه، فيما يبرز التنين الصيني الذي يربك حسابات الأطراف كافة ويفسح في المجال أمام دول كثيرة لتوسيع دائرة خياراتها مع بروز ما بات يعرف بالتعددية القطبية التي تحيك سياساتها الاقتصادية على الصعيدين الجيوسياسي والجيواستراتيجي.

النهار

—————————

=========================

تحديث 29 حزيران 2021

——————————

ايدن وتحالف الديمقراطيات/ مأمون فندي

في زيارة ممتدة لثمانية أيام حاول الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إعادة ترميم تحالفات أميركا مع أوروبا في إطار ما تسميه الإدارة الأميركية تحالف الديمقراطيات والموجه تحديداً ضد كل من روسيا والصين، فماذا تعني رحلة بايدن لمستقبل السياسة الدولية على المدى القصير؟ وهل استطاع بايدن أن يحقق الأهداف الرئيسية من رحلته المتمثلة في عودة أميركا، وحصار الصين وروسيا ثم بناء تحالف صلب يحقق المرجو من هذا الحصار الذي يهدف إلى تغيير سلوك البلدين على الساحة الدولية؟

في هذه الزيارة الطويلة لرئيس الولايات المتحدة التي اشتملت على ثلاث محطات رئيسية ذات تبعات سياسية: الاجتماع الوزاري لدول حلف الناتو، وقمة الدول السبع الكبار (G7)، ثم اجتماعه في جنيف في قمة ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأخيرة ربما وبمرور الوقت سيكون لها الأثر الأكبر في تحديد سياق العلاقات الدولية في ظل ظرف صعب وصلت فيه العلاقات الروسية – الأميركية إلى أدنى مستوياتها، حسب تعبير الرئيس الروسي بوتين.. جميع هذه المحطات مربوطة بخيط استراتيجي يمثل رؤية إدارة بايدن لدور أميركا في عالم علاقات دولية متغيرة ولم تعد لأميركا فيها السيطرة كقطب واحد كما كان الحال في السابق.

رغم أن بايدن وصف نظيره الروسي من قبل في إحدى المقابلات التلفزيونية بالقاتل إلا أن اجتماع جنيف خفف من حدة لهجته وربما تغيرت إلى حد ما عندما وصف بوتين بالخصم الجدير بالاحترام (worthy adversary)، ولاحت في الأفق إمكانية التوصل إلى صيغة تعاون بين روسيا والولايات المتحدة في حدودها الدنيا. بالطبع ملفات اجتماع جنيف كانت كثيرة وممتدة من العلاقات الثنائية بين البلدين إلى الملفات الإقليمية من أفغانستان مروراً بسوريا وليبيا وأوكرانيا ولكن ما ظهر من نتائج لا يوحي بتعاون وثيق، فقط كان تبريداً للنقاط الملتهبة بين الطرفين.

عودة السفراء كانت بداية مبشرة وربما كافية في تلك الأجواء المشحونة وبداية لتلمس الطريق. ومع ذلك تبقى شخصية الرئيسين وانطباعات كل منهما عن الآخر أساسية في تشكيل العلاقة بين الطرفين. فما زال بايدن يعتقد أن بوتين ضالع فيما عرف بالهجوم الإلكتروني على الديمقراطية الأميركية، وكذلك ضالع في قتل معارضيه، ومن هنا يصعب على بايدن تسويق بوتين لدى الرأي العام الأميركي.

أما الصين، وهي التحدي الأكبر بالنسبة للهيمنة الأميركية على النظام الدولي، فلا أظن أن رحلة بايدن نجحت في احتوائها، خصوصاً أن هناك تبايناً أميركياً وألمانياً مثلاً في الموقف من الصين، وأن المواجهة المباشرة في قمة ألاسكا كانت أكثر حدة مما يجب.

زيارة بايدن التي كانت مركزة وطويلة ربما نجحت في تحقيق مفهوم عودة أميركا إلى المشهد الدولي بقوة وبالتزام المتعارف عليه في العلاقات الدولية، لكن قدرتها على حشد الديمقراطيات من اليابان إلى الهند مع الديمقراطيات الغربية ضد كل من الصين وروسيا هو أمر ما زال يحتاج إلى لقاءات استراتيجية أخرى بين تجمع الديمقراطيات المزمع إقامته.

باستثناء إيران، لم يكن للشرق الأوسط نصيب يذكر في هذه اللقاءات، مما يعني أن أوضاع الشرق الأوسط ستبقى على ما هي عليه حتى ظهور أزمة جديدة مثل أزمة إسرائيل وغزة.

أميركا عادت ولكنها عودة محسوبة وربما بأقل مما هو مطلوب للقيام بدور حاسم في عالم علاقات دولية تكون السيولة أولى صفاته وأهمها.

——————————————–

مقبرة الإمبراطوريات وحديقة الجنازات/ غسان شربل

هل ارتكب جورج بوش قبل عقدين خطيئة من قماشة تلك التي ارتكبها ليونيد بريجنيف قبل أربعة عقود حين أرسل الجيش إلى أفغانستان في حرب يصعب كسبها في بلاد يتعذر تطويعها؟ وهل كان إرسال الجيش الأميركي لإسقاط صدام حسين خطيئة موازية انتهت بعد عقدين بانحسار الوجود العسكري الأميركي إلى ثكنات محدودة تستهدفها «الفصائل الإيرانية» في العراق؟ وهل انشغلت أميركا بتصدعات العراق وأفغانستان في وقت كان فيه ورثة ماو يضاعفون إنتاج السلع في «مصنع العالم» ويهاجمون الدول بالقروض والعقود لتجنيدها على طريق الحرير؟ وهل أضعف الاستنزاف البشري والمالي في أفغانستان والعراق قدرة أميركا على الاحتفاظ بالموقع الأول في السباق المحموم الذي دخلته الصين بلا هوادة؟

واضح أن عهد جو بايدن لن يعاني فقط من أثمان جائحة «كورونا» ومن المصدر الغامض الذي انطلقت منه شرارة الوباء. سيعاني هذا العهد من العودة المقتربة من الرحلة الأفغانية التي بدأت في سياق الحملة التأديبية الكبرى التي انطلقت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. لا يمكن تشبيه خروج الجيش الأميركي من أفغانستان بخروجه من فيتنام. إنها ظروف أخرى في عالم مختلف. لكن المرجح هو أن البلد الذي أنفقت فيه أميركا من جنودها أكثر من ألفي قتيل وعشرين ألف جريح سيعاود الإقامة في ظل من احتضنوا «القاعدة» ومخططي هجمات نيويورك وواشنطن.

عشية 11 سبتمبر المقبل سيجلس سيد الكرملين مع ابتسامته الساخرة. القوات الأميركية والأطلسية استكملت انسحابها من أفغانستان وتركتها لمصير يكاد يكون معروفاً. أغلب الظن أن رايات «طالبان» سترتفع مجدداً في كابل التي كان ابن بطوطة زارها قبل ثمانية قرون ولاحظ أن سكانها أهل شدة وبأس.

يشعر فلاديمير بوتين بقدر من الثأر. ولا غرابة أن يكون القيصر مجروحاً وأن تنتابه مشاعر مسنونة. فهذه البلاد التي تنام طويلاً تحت الثلج تعاودها عقدة الحصار كلما اقترب الغرب من حدودها. ومن يدري فقد يذهب جنرالات الجيش الروسي بعيداً في السيناريوهات. في القرن التاسع عشر حاولت الإمبراطورية البريطانية عبثاً تطويع الصخور الأفغانية لكنها فشلت بعدما نزفت. ثمة من نقّب في التاريخ وعاد باستنتاج ذي دلالات. أفغانستان «مقبرة الإمبراطوريات». وبقية الصورة هي أنها بلاد لا ترحم غزاتها ولا ترحم أبناءها. أهلها أشداء في مواجهة الغريب. وقساة أيضاً حين ينفرط عقدهم على خطوط التماس العرقية والمناطقية والمذهبية ويقتتلون بلا رادع أو حساب. فمقبرة الإمبراطوريات هي في الوقت نفسه بلاد الجنازات التي لا تنتهي. كراهية الجنرالات الروس للغرب قد تدفعهم إلى تخيل أن الجيش الأميركي ينسحب هو الآخر إلى بلاد سترغم بعد سنوات على الانضواء في العصر الصيني ولن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في شؤون القرية الكونية.

والحقيقة هي أن سنة 1989 كانت سنة ممتعة لجنرالات الجيش الأميركي وزملائهم في جيوش حلف الأطلسي. بعض المشاهد لم تكن متخيلة من قبل. بدأت السنة بقوافل «الجيش الأحمر» تستكمل انسحابها من أفغانستان. كان واضحاً أن الاتحاد السوفياتي خسر الحرب وأن كابل ستقيم في أيدي من أثخنوا قواته بهجماتهم. لكن لم يدفع المشهد إلى الاعتقاد بأن هذا الجيش النائم على ترسانة نووية كبرى عائد إلى بلاد ستنفجر. وراهن جنرالات واشنطن أن صور الجيش السوفياتي يغادر أفغانستان جريحاً ستنسي العالم مشهد الجيش الأميركي يفر مع العلم من سايغون ويترك فيتنام تواجه وحيدة مصيرها «الأحمر».

حدث آخر هز العالم في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) من تلك السنة. صدمت رياح الحرية جدار برلين فتداعى وفقد وظيفته المزدوجة كحارس لحدود جمهورية وحدود إمبراطورية. وبعد عامين سيستمتع جنرالات الأطلسي بمشهد يفوق رغباتهم وأحلامهم. مزقت روسيا ثيابها السوفياتية وتفرق أيتام لينين في أكثر من اتجاه.

لا أريد القول إن التدخل العسكري في أفغانستان كان السبب الرئيسي أو الوحيد في انهيار الاتحاد السوفياتي. كانت الأسباب متعددة وبينها الفشل الاقتصادي وتكاليف سباق التسلح والهوة التكنولوجية لمصلحة الغرب إضافة إلى مسائل الحريات والمعتقدات. لكن الأكيد هو أن «خطيئة بريجنيف» المتمثلة في قرار التدخل العسكري في أفغانستان كانت وخيمة العواقب.

بعد عقدين من هجمات نيويورك وواشنطن يصر بايدن على ضرورة استكمال الانسحاب من أفغانستان لأنها حرب لا يمكن كسبها. والواقع هو أن تجربة أفغانستان أكدت ما أكدته أيضاً تجربة العراق. الولايات المتحدة قوة هائلة تمتلك الآلة العسكرية الأكثر تطوراً في التاريخ. تستطيع هذه القوة الهائلة إصابة أي هدف على سطح الأرض. تستطيع ربما تقطيع أوصال دول وجيوش وشل قدراتها. لكن هذه القوة الهائلة لا تستطيع بناء بدائل قابلة للحياة للأنظمة التي تسقطها. والدليل أن إيران كانت ولا تزال الرابح الكبير من إطاحة نظام صدام حسين.

في أفغانستان تبدو الصورة أكثر تعقيداً. لا يوحي نظام الرئيس أشرف غني بأنه قادر على تحمل هجمات «طالبان» وخبرتها الطويلة في اختراق الولايات والثكنات. وأغلب الظن أن الخروج الأميركي سيترك فراغاً يغري لاعبين آخرين بملء جزء منه. باكستان لاعب طبيعي على المسرح الأفغاني، خصوصاً أن «طالبان» ولدت في الحاضنة الباكستانية. إيران استعدت أيضاً لهذه المرحلة ووظفت علاقاتها الأفغانية لتشكيل ميليشيات أرسلتها حتى في مهمات إلى سوريا. تركيا تحاول تعويم رصيدها لدى واشنطن بإبداء الاستعداد لدور أفغاني ينسي واشنطن تزود تركيا بالصواريخ الروسية. موسكو معنية هي الأخرى لأنها لا تستطيع تناسي أمن تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان. اللعبة معقدة. أفغانستان جارة الصين ولدى باكستان ما تقدمه لبكين التي لا تكره ثروة المعادن الثمينة الأفغانية وعقدة المواصلات التي تشكلها هذه البلاد الصعبة. وحين تكون باكستان في المطبخ مع الصين لا بد للهند من أن تقلق. ولن يتأخر النفخ في الجمر الأفغاني.

كل هذا لا يعني أن السلام عائد إلى أفغانستان. السلام هنا عادة غريبة. هذه البلاد تطرد من تسميهم الغزاة لتتفرغ لحروبها الأهلية الضارية. فـ«مقبرة الإمبراطوريات» أدمنت العيش في طقس الجنازات. جنازات الغرباء وجنازات أبنائها. هذا ما يقوله التاريخ البعيد والقريب. وليس من عادة التاريخ أن يكذب.

———————————

بايدن:الغارات على سوريا لردع إيران..والطائرات المسيّرة

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه أمر بشن ضربات على مواقع لفصائل تابعة لإيران في سوريا والعراق لحماية أفراد القوات الأميركية، وإضعاف وتعطيل سلسلة الهجمات المستمرة ضد واشنطن وشركائها إضافة إلى ردع إيران من تنفيذ هجمات لاحقة على القوات الأميركية.

وشدد بايدن على استعداد بلاده للتحرك لاحقاً، حسب الضرورة والمناسبة، لمواجهة التهديدات والهجمات مستقبلاً.

وقال بايدن في رسالة  وجهها إلى رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي نشرها البيت الأبيض الثلاثاء، إن “المنشآت المستهدفة في 27 حزيران/يونيو 2021، كانت مستخدمة لشن سلسلة من الهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على موظفين ومنشآت للولايات المتحدة في العراق”.

وأضاف أن هذه الهجمات تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة، إذ شملت هجمات على قاعدة بلد الجوية في 4 نيسان/أبريل و18 نيسان/أبريل و3 أيار/مايو 2021، ومركز بغداد للدعم الدبلوماسي قرب مطار بغداد الدولي في 2 أيار/مايو 2021، وقاعدة الأسد الجوية في 4 و24 أيار/مايو 2021.

كما استهدفت الهجمات مؤخراً منشآت أميركية في أربيل في 14 نيسان/أبريل 2021، وقاعدة الأسد الجوية في 8 أيار/مايو 2021، وقاعدة بشور الجوية في 10أيار/ مايو 2021، ومنشآت الولايات المتحدة بالقرب من مطار بغداد الدولي في 9 حزيران/يونيو 2021. وأضاف بايدن أن “هذه الهجمات أدت إلى إصابة وتهديد قواتنا وقوات التحالف”.

وتابع أن الولايات المتحدة اتخذت هذه الاجراءات الضرورية بما يتوافق مع القانون الدولي،

وحقها في الدفاع عن النفس كما جاء في المادة الـ 51 من ميثاق الأمم المتحدة”.

بدوره، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي أن الضربات الأميركية استهدفت مواقع خاصة بالطائرات المسيّرة، مؤكداً أن واشنطن لا تسعى لتصعيد الأوضاع في الشرق الأوسط أو استمرار العنف في العراق وسوريا.

وقال كيربي: “نعرف أننا أصبنا ما استهدفناه، وأننا دمرنا البنى التي وجهنا إليها الضربة”، لافتاً إلى أن “تلك البنى كانت مرتبطة بشكل مباشر بالتهديد الناجم عن الطائرات المسيرة، وهي كانت مخصصة للأغراض اللوجستية والتصليح والتحكم والقيادة وإطلاق الطائرات وعودتها وربما لتسليم المعدات ودعم الأنظمة”.

وكانت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد قالت في رسالة مكتوبة إلى مجلس الأمن إن هذا الرد العسكري “اتخذ بعدما تبين أن الخيارات غير العسكرية غير ملائمة في التصدي للتهديد، وكان هدفه خفض تصعيد الموقف والحيلولة دون وقوع هجمات أخرى”، بحسب وكالة “رويترز”.

ويأتي ذلك بعد استهداف فصائل مدعومة من إيران في مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي قاعدة “حقل العمر” النفطي الذي تتخذه قوات التحالف الدولي مركزاً لها في دير الزور، وذلك رداً على ضربات جوية أميركية استهدفت الحشد الشعبي عند الحدود السورية-العراقية.

وشكك بعض المشرعين الأميركيين في حق الولايات المتحدة بشن غارات جوية على مواقع في سوريا والعراق، مشيرين إلى أن بايدن ربما تجاوز سلطته بتوجيه هذه الضربات ويريدون منه استئذان الكونغرس قبل القيام بأي عمل عسكري.

————————————

شرق سورية ميدان صراع: صندوق بريد لرسائل إيرانية أميركية/ أمين العاصي

تبادل الأميركيون والإيرانيون الرسائل الحربية في أقصى الشرق السوري، الذي يبدو أنه سيكون ميدان صراع محتمل بين الطرفين، اللذين يبتعدان حتى اللحظة عن المواجهة النارية المباشرة، خصوصاً من الجانب الإيراني الذي يحرك وكلاء له في سورية والعراق لاستهداف قوات أميركية في كلا البلدين.

وقصفت مليشيا “أبو الفضل العباس” التابعة لـ”الحشد الشعبي” العراقي والمتمركزة في محيط مدينة الميادين السورية في ريف دير الزور الشرقي، مساء الإثنين، بثمانية صواريخ قاعدة حقل العمر النفطي التي تتمركز داخلها قوات التحالف الدولي، وفق مصادر محلية وشبكات إعلامية محلية. وبحسب هذه الشبكات، رد التحالف الدولي بقصف بالمدفعية الثقيلة على مصادر النيران على الفور، تلته بنصف ساعة غارات جوية مكثفة شنتها طائرات التحالف على مقرات ومواقع هذه المليشيا. وأكّد المتحدث باسم قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، واين ماروتو، الإثنين، تعرض قاعدة أميركية في سورية لقصف صاروخي، من دون وقوع إصابات، مشيراً في تغريدة عبر حسابه الرسمي على “تويتر”، إلى أن القوات الأميركية كانت في حالة “دفاع عن النفس” و”ردّت بقصف مدفعي للمواقع التي أطلقت منها الصواريخ”.

وجاءت الرسالة الإيرانية بعد يوم واحد من قصف أميركي، استهدف مقار لمليشيا “كتائب سيد الشهداء”، أحد أبرز الفصائل العراقية المدعومة من طهران، داخل منطقة الهري السورية الحدودية التي تبعد قرابة 6 كيلومترات من معبر القائم الحدودي شرق مدينة البوكمال، شرق سورية. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ليل الأحد-الإثنين، أنها شنّت غارات جوية استهدفت منشآت تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران على الحدود السورية العراقية، مشيرة إلى أن هذه الضربات أذن بها الرئيس جو بايدن في أعقاب الهجمات المستمرّة على المصالح الأميركية، فيما أقرّت مليشيا “كتائب سيد الشهداء”، في بيان لها، بمقتل عدد من عناصرها بالهجوم الأميركي.

وتشير المعطيات الواردة من ريف دير الزور الشرقي إلى أن المليشيات الإيرانية تتحسب من استمرار الضربات الجوية من قبل التحالف الدولي، وهو ما دفعها إلى إعادة انتشار لعناصرها في المنطقة الممتدة من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال شرقاً، والتي تعد منطقة نفوذ إيراني بلا منازع منذ أواخر عام 2017 حين خرج تنظيم “داعش” من هذه المنطقة. وتخلو المنطقة من أي وجود مهم لقوات النظام السوري الذي تخلى حتى عن السيطرة الرمزية عن جلّ ريف دير الزور الشرقي الذي يشكّل أهمية لدى الإيرانيين الذي يسيطرون فعلياً على شرقي سورية وغربي العراق من خلال مليشيات تتبع لهم.

أخبار

التحالف يكثّف طلعاته شرقي سورية واستنفار النظام و”قسد” قرب الفرات

ورأى مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن شرق سورية “لن يكون ساحة مواجهة مفتوحة بين الإيرانيين والأميركيين”، مضيفاً: “اعتقد انه سيتحوّل إلى صندوق بريد للرسائل المتبادلة بين الطرفين”. وتابع بالقول: “الإيرانيون والأميركيون اختاروا شرق سورية للرد المتبادل، فطهران تناور في منطقة بعيدة عن حدودها البرية، والأميركيون لا يريدون العودة مرة أخرى إلى العراق بالشكل الذي حافظوا عليه طيلة السنوات الماضية، لذا سورية ساحة مفضلة للطرفين لتبادل الرسائل السياسية بشكل عسكري”.

وأوضح علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، أن “نقاط الاشتباك بين الطرفين قريبة جداً في شرقي سورية، ولا يفصل بينهما سوى نهر الفرات على مسافة لا تتعدى 1500 متر وهي أقرب نقطة بين الإيرانيين والأميركيين في منطقة الشرق الأوسط”. وأعرب عن اعتقاده أن المواجهة “لن تتطور على الأقل في المدى المنظور بين الطرفين في شرق سورية”، مضيفاً: “ما يجري تسخين للملفات على طاولة المفاوضات في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني بين طهران والغرب”.

ويتشاطر الأميركيون والإيرانيون السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، إذ تسيطر المليشيات الإيرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات والمعروفة محلياً بـ”الشامية”، بينما يسيطر الأميركيون عن طريق “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على شمال النهر أو ما يُعرف محلياً بـ”الجزيرة”. ويحتفظ الأميركيون ودول التحالف الدولي بوجود عسكري كبير في شرقي سورية، وأقام هذا التحالف قاعدة كبرى في حقل العمر النفطي الذي يعد الأكبر بين الحقول السورية. كما تنتشر قواعد ونقاط تمركز أميركية في ريف الحسكة الجنوبي خصوصاً في بلدة الشدادي الغنية بالغاز، وفي ريف الحسكة الشرقي حيث حقول رميلان الشهيرة للنفط والغاز.

ولفت رئيس تحرير موقع “إيران انسايدر” أيمن محمد، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “أبرز المليشيات التابعة لإيران في محافظة دير الزور، هي: فاطميون الأفغانية، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله، وحزب الله اللبناني، إضافة للحرس الثوري الإيراني الذي يشرف على انتشار ودعم المليشيات عبر مستشارين وقادة عسكريين، قتل اثنان منهم قبل أيام على طريق حمص ـ تدمر”. وأشار إلى أن هذه المليشيات “تنتشر في مدن دير الزور والميادين والبوكمال”، مضيفاً: لإيران في شرق سورية قاعدة “الإمام علي” العسكرية الاستراتيجية التي تخزن فيها صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وتعرضت لقصف جوي إسرائيلي أكثر من مرة منذ بدء تشييد القاعدة بريف البوكمال. وبيّن محمد أن لمحافظة دير الزور أهمية لدى الإيرانيين، مشيراً إلى أنهم “يخططون لوجود طويل الأمد”، مضيفاً: تحاول إيران خلق بدائل محلية، ولهذا عملت على تأسيس مليشيات من العشائر الموالية لها في المنطقة آخرها كان “الهاشميون”. وتابع بالقول: ومن المهم التذكير أنه بتاريخ 13 مارس/آذار الماضي، نشرت المليشيات الإيرانية مجموعة من الصواريخ، في مدينة الميادين وريفها، ووجهتها نحو قاعدة التحالف الدولي في حقل العمر.

وفي السياق، أوضح أن إيران تضع يدها على معبر البوكمال الحدودي الذي يربط بين سورية والعراق، والذي افتتح في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه. ورأى محمد أن “المليشيات الإيرانية قادرة على إزعاج القوات الأميركية في حقل العمر، بحكم سيطرتها على مناطق متاخمة وقريبة من القاعدة”، مشيراً إلى أن إيران “تمتلك ترسانة صاروخية قادرة على ضرب القاعدة”.

العربي الجديد

———————-

=====================

تحديث 02 تموز 2021

—————————–

الوقت الأمريكي في الشرق الأوسط/ غسان المفلح

الكتابة عن السياسة والمصالح الأمريكية ليست بالأمر السهل. الكتابة عن التحركات الأمريكية في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة، تعد من أعقد البحوث والكتابات في الحقل السياسي. الشرق الأوسط

لذا كنت أحاول تناول بعض الجوانب التي يمكن أن تطرح أسئلة أو تضيء زاوية في هذا الظلام. مراكز بحوث كبرى أمريكية وعالمية تحاول تلمس تقييم موضوعي لهذه السياسة وتحركاتها. رغم الإرث الكبير الذي تستند إليه هذه المراكز وباحثوها، نجد أننا أمام حالة الاختلافات التكرارية في تناول سياسة أمريكا في كل بلد. لم يمر في تاريخ البشرية أن تتحكم دولة واحدة بالكوكب. أمريكا هي الاستثناء هنا.

المشروع الرأسمالي الذي انطلق من أوروبا الغربية واجتاح العالم برمته، بقي منذ انطلاقه على مدار ثلاثة قرون تقريباً مقاداً من قبل الدول القوية في أوروبا الغربية. حتى أتت نتائج الحرب العالمية الثانية لتنتقل القيادة إلى أمريكا. وتوزع العالم بعدها إلى حلفاء لأمريكا أو شركاء لها تحدد حصصهم، أو أعداء لأمريكا تريد القضاء عليهم. سبعون عاماً ونيّف وأمريكا تأخذ وقتها تماماً في معالجة كل ملف مهتمة به. الشرق الأوسط

بيّن الحلفاء والأعداء هنالك مروحة من العلاقات التي أسستها أمريكا مع كل دول العالم كل على حدة، لهذا تمتلك أمريكا أكبر وزارة خارجية في العالم. لا يوجد دولة في العالم ليس لأمريكا وجود فيها. لا يوجد “بؤرة توتر”، كما ترغب السياسة الأمريكية هذه التسمية، إلا ويوجد مندوب أمريكي مهمته معالجتها وفقاً للطريقة الأمريكية نفسها. هذا الأمر لا ينطبق على أية دولة أخرى في هذا الكوكب.

وبقية الدول كما أسلفنا تدور في فلك الحليف أو العدو أو “بين بين”، تحاول دول أن تخرج من هذه المساحة، فتجد أن أمريكا أمامها. إلى أين تخرج؟ الاتحاد السوفييتي سابقاً والآن الصين. الصين إذا أرادت الخروج فهي ستخرج بالتفاوض مع أمريكا، فهل تسمح أمريكا للصين بقيادة العالم؟ هل تسمح أمريكا بأن تشاركها الصين بقيادة العالم؟ أمريكا لم تسمح لحليفها التقليدي بذلك، وأقصد هنا أوروبا الغربية، فهل ستسمح للصين؟ بالتأكيد دوماً هنالك في تاريخ البشرية تحولات لا يمكن التنبؤ بها.. لكن أمريكا تحاول، وستبقى مواجهة أية تحولات ممكنة من شأنها تخفيف حصتها في قيادة هذا العالم. هل أمريكا كلية القدرة؟ بالتأكيد هذا السؤال فيه سذاجة، من جهة، وأحياناً فيه تلاعب من قبل راكبي موجة السياسة الأمريكية، من جهة أخرى.

أمريكا الموجودة هي نسبية القدرة، وهنا تكمن قوتها. لو كانت أمريكا كلية القدرة لسقطت منذ زمن. أمريكا ليست من السذاجة كي تتعامل مع نفسها بأنها كلية القدرة. هي في كل ملف على حدة تجد لها شركاء أو حلفاء أو حياديين حتى. وتدخل في اتفاقيات حتى مع من تسميهم أعدائها، لكنها تبقي على سيادة نسبية في كل الملفات التي تعنيها.

حتى في أحيان قليلة تقبل سيادة أقل في بعض الملفات، وتترك السيادة الفعلية فيها لحلفاء أو حتى لأعداء، حتى يتسنى لها الوقت وتغير ميزان القوى في هذا الملف أو ذاك. بحيث مع هذا الوقت الأمريكي تعود لها السيادة عليه. منذ أن صارت أمريكا في قيادة العالم، وهي تعتبر منطقة الشرق الأوسط مجالاً أمنياً أمريكياً. لا تقبل فيها سيادة أقوى من سيادتها. هذا أمر أعتقد ليس مجال خلاف حتى داخل أروقة السياسة الأمريكية، أو حتى داخل مراكز البحوث الأمريكية. الخلافات والاختلافات تكون حول طريقة معالجة هذه الإدارة أو تلك لهذا الملف أو ذاك داخل هذه المنطقة. معالجتها للملف الليبي مثلاً غير معالجتها للملف السوري كمثال. الشرق الأوسط

هذه السيادة على المنطقة تجعل من الوقت أداة لاستمرارها. بغض النظر عن حجم القتل والمجازر التي تحدث في بلدانها. تعتمد عامل الوقت المسيطر عليه، لتمرير دعمها لنسق سلطوي في كل بلد على حدة، أهم ميزاته أنه نسق يمارس القتل والإبادة بأريحية أمريكية. أمريكا حتى اللحظة لم تجد أنّ من مصلحتها قيام أنظمة ديمقراطية في الشرق الأوسط. كانت تركيا آخر الدول التي دعمتها أمريكا على هذا الصعيد. نحن المقهورين في هذه المنطقة، نحاول أن نجعل أمريكا تغير في سياستها. لكن حتى اللحظة عبث ما نحاول.

في سوريا، أمريكا مارست لعبة الوقت المسيطر عليه بنجاح وفقاً لأهدافها فيها. في كل فترة تخرج علينا بعناوين لا حل فيها. آخر هذه العناوين الآن هو عنوان معبر باب الهوى أو المعابر الإنسانية كما تسميها. روسيا ترفض وتريد إدخال المساعدات الإنسانية عن طريق نظام الأسد. عنوان ينشغل فيه الإعلام العالمي والمحلي، وهو عبارة عن فقاعة لا حل سياسي بعدها. ما يزال الوقت سيد الموقف الأمريكي في سوريا والشعب السوري ضحاياه كضرر جانبي. هذا الأمر ينطبق على كثير من الملفات الأمريكية في الشرق الأوسط. ببساطة لأننا نعيش الوقت الأمريكي.

ليفانت

————————————-

حدود التدخل الأميركي في سوريا اليوم/ رضوان زيادة

انتهى اجتماع روما الذي ضم لأول مرة دول ما يسمى “الدول النواة” في مجموعة أصدقاء الشعب السوري بالإضافة إلى تركيا وقطر، وهو في الحقيقة كان أول اجتماع دولي تقوم به وزارة الخارجية الأميركية بشأن سوريا منذ سنوات الرئيس السابق أوباما، بما يبشر ربما بعودة الدبلوماسية النشطة الأميركية بشأن سوريا.

صحيح أن الاجتماع عقد على هامش الاجتماع الدولي لمحاربة داعش وبما يؤشر باستمرار السياسة الأميركية في التركيز على محاربة داعش أكثر من تركيزها على تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، لكن البيان الختامي أشار إلى ضرورة تطبيق القرار 2254 كما أن مساعد وزير الخارجية حذر من تبعات التطبيع مع النظام السوري الذي استخدم السلاح الكيماوي في حربه ضد شعبه.

لا يبدو في الحقيقة أن هناك خطة سياسة أميركية استراتيجية مُختلفة اتجاه سوريا. إنها تبدو استمراراً لسياسات أوباما وترامب السابقة، لم يتم التعامل مع الملف السوري كأولوية لحل الأزمة الإنسانية هناك كما لم يتم التعامل مع الانتقال السياسي كبند رئيسي وضروري لحل الأزمة الإنسانية وللقضاء على المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش.

تحاول الإدارة الأميركية تبرير موقف أخلاقي يقوم على أساس الملف الإنساني كأولوية دون اعتبار للملفات السياسية والعسكرية الأخرى، حتى إن ملف العدالة وارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لا يبدو أنه يخضع لأهمية استراتيجية في الموقف الأميركي اليوم الذي يبدو خائفا “بأي شكل” من التورط في الملف السوري.

    حاولت الإدارة الأميركية تبرير موقف أخلاقي يقوم على أساس الملف الإنساني كأولوية دون اعتبار للملفات السياسية والعسكرية الأخرى

هناك تخوف من دعم أي تدخل عسكري في سوريا حتى ولو كان للحليف التركي، فربما يتصاعد الموقف عسكريا إلى اعتبارات لا يمكن السيطرة عليها، ولذلك أتى البيان على أهمية وقف إطلاق النار ولو كان وقف إطلاق النار هذا مؤقتا فهناك قناعة بأن تغيير الأمور لصالح المعارضة قد حسمت مع التدخل العسكري الروسي عام 2015 وأفضل موقف يمكن الدفاع عنه اليوم هو إبقاء الوضع على ما هو عليه.

ومع افتقار المنطقة العربية إلى نظام إقليمي أو مُؤسّسة إقليمية تستطيع من خلالها ضبط عملية الانتقال السياسي في سوريا فجامعة الدول العربية ليست ديمقراطية بأي شكل من الأشكال وهي التنظيم الأضعف تقريباً يصبح التعويل على قانون قيصر بالنسبة للسوريين أولوية لعدم تأهيل نظام الأسد، ولذلك كانت خطوة دعوة جامعة الدول العربية إلى اجتماع روما لإسكات الأصوات التي تنادي بعودة الأسد إلى الجامعة.

ولذلك سيقوم الموقف الأميركي على تشديد العقوبات الاقتصادية ومنع التمديدات المالية التي تصل لنظام الأسد من الدول المختلفة. والتركيز الدبلوماسي على السماح بمرور الساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى وربما إضافة معبر آخر إذا سمحت روسيا بذلك طبعا، ومنع التصعيد العسكري وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الأسد من عمليات القتل واقتحام المدن والاعتقالات العشوائية وتحويل السجون إلى مراكز اعتقال جماعية، لكن موقف الإدارة الأميركية لن يختلف فيما يتعلق برفض استخدام القوة لتحقيق الانتقال السياسي وهو ما يعني عدم التوازن بين ما كان يجري على الأرض في سوريا وبين تقييم الإدارة الأميركية وخطابها السياسي. فالخطاب الأميركي يُركِّز على فكرة العقوبات الاقتصادية ويقوم بالعمل من خلال مجلس الأمن الذي تَحوَّل إلى مُؤسَّسة غير فاعلة بسبب الفيتو الروسي والصيني.

وبالتالي ستبقى الولايات المتحدة حذرة تماماً اتجاه أي خطوات إضافية أخرى تُغيَّر موقفها مما جرى من سوريا على الرغم من قرار بايدن إبقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا بعدد محدود، لذلك نستطيع القول إنَّ الإدارة الأميركية بالرغم من وعودها فيما يَتعلَّق بمساعدة السوريين في حقهم في تغيير نظامهم السياسي أو في مساعدة السوريين في وقف هذه الأزمة الإنسانية فشلت فشلاً تاماً على المستوى الأخلاقي وعلى المستوى السياسي.

وأعتقد أنه حان لهذه الإدارة أن تدرك ذلك وتعمل على تطوير استراتيجية حقيقية تخرج السوريين من محنتهم الإنسانية وتفتح لهم أبواب المستقبل.

——————————–

الشرق الأوسط كـ «مستنقع للإستراتيجية الأميركية/ مهران الشامي

لاحظ جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، بعد مغادرته منصبه، افتقارَ واشنطن إلى الإستراتيجية والتخطيط الإستراتيجي الفعّال، ووصفها بأنها «منطقة خالية من الإستراتيجيات»! ملاحظة ماتيس هذه بدت وكأنها صدًى لما يتردّد على لسان العديد من المحلّلين والمهتمين بالسياسة الخارجية الأميركية في عالمنا العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

وفي تعليقٍ على ذلك، تمنّى أنتوني كوردسمان، المحلل والخبير الإستراتيجي المعروف، لو أنّ العاصمة الأميركية تشكو من غياب الإستراتيجية فحسب، واعتبر أنّ الإستراتيجيات المتبعة والمعمول بها عرجاء وعقيمة، ووصف واشنطن كـ «منطقة إستراتيجية خاطئة». وفي دراسةٍ له في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» (CSIS)، رأى كوردسمان أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أشبه بـ«مستنقع للإستراتيجية الأميركية»، على خلفية ما شهدته خلال العقدين الأخيرين من تدهور مطرد في استقرارها الإقليمي، وفي نفوذ الولايات المتحدة، على حدٍّ سواء.

وللتدليل على موقفه، يسوق كوردسمان بعض الأمثلة؛ مثل الغزو الأميركي للعراق الذي أفضى إلى «فتح أبوابه أمام النفوذ الإيراني، وخلق ممرّ آمن أمام طهران يمتد من بلاد الشام إلى غرب أفغانستان». وكذلك السياسة الأميركية في سورية التي «سمحت لروسيا وإيران وحزب الله بأن يصبحوا جهات فاعلة رئيسية في سورية، وأطرافًا معادية أقوى بكثير في المنطقة»1.

وفي الواقع، ليس كوردسمان وحده من يوجّه انتقادات للسياسات الأميركية المُتبعة في غير مكان من العالم، بل يشاطره في ذلك بعض المخضرمين من واضعي الإستراتيجيات الأميركية منذ عقود، (من أمثال زبغنيو بريجنسكي وهنري كيسينجر). فقد انتقد الأول، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأميركي بين عامي 1977 و1981، الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ووصفه بـ «المغامرة التي ألحقت ضررًا كارثيًا بالموقف الأميركي العالمي، وأسقطت مصداقية القيادة الأميركية العالمية، وكانت خسائرها المالية والبشرية باهظة ومرهقة»، فضلًا عن «تحول أفغانستان والعراق والصومال إلى ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية المسلحة التي صعدت على نحو غير مسبوق من قبل»2.

أما كيسنجر، مهندس السياسة الخارجية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، فقد ربط بين تراجع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة (من 55 % من الناتج القومي الإجمالي في العالم، عند نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى قرابة 22 % منه في نهاية العام 2016)، وبين تزايد التحديات التي تواجهها على صعيد سياستها الخارجية. ورأى أن مشكلة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تكمن كذلك في «غياب الرؤية الإستراتيجية».

ويرى كيسنجر أن «الولايات المتحدة لا يمكنها الانسحاب من الشرق الأوسط، بل تحتاج إلى وضع إستراتيجية واضحة، وتحديد الأولويات على نحو صحيح». قبل أن يضيف أنّ عليها أن توصل رسالة واضحة إلى طهران مفادها أنّ “تحقيق علاقات جيدة مع واشنطن لا يمكن أن يترافق مع شنّ حروب بالوكالة ودعم الإرهاب وخلق كيانات متشددة في لبنان، سورية، العراق، واليمن”، وقال: “إننا سوف نحكم على أفعالكم لا على أقوالكم”. وحذر من أن «تصبح عقيدة أوباما السلبية المتخاذلة صفة أساسية للسياسة الخارجية الأميركية»3.

وبغضّ النظر عن علاقة الأمر بغياب الإستراتيجية (أو بخطئها)، لدى صنّاع القرار في العاصمة الأميركية، أو أن نقد هذه الإستراتيجية هو محض تعبير عن رفض السياسات الأميركية المعمول بها هنا أو هناك، فإنّ ما تجدر ملاحظته هو مقدار التأرجح والارتباك، فضلًا عن الانزياح والتبدل في الإستراتيجيات الأميركية (الخارجية)، وخصوصًا تجاه ما يسمّى بالشرق الأوسط؛ هذه المنطقة الطافحة بالمتناقضات والتعقيدات والحبلى دائمًا بالأزمات.

تراجع الدور الأميركي

بعد الانتصار الذي حقّقته الولايات المتّحدة في الحرب الباردة، ساد الاعتقاد لدى المسؤولين الأميركيين، (وغيرهم)، بأنّ القرن الحادي والعشرين سيكون قرنًا أميركيًا بامتياز، من دون وجود منافس لهم. بيد أن التطورات والأحداث المتلاحقة التي حصلت منذ بدايات القرن أفضت إلى نتيجة معاكسة لهذه التوقعات؛ من هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، إلى دخول الولايات المتحدة في حربين متتاليتين في أفغانستان والعراق، وما صاحبهما من أخطاء وخطايا إستراتيجية ارتكبتها إدارة جورج بوش الابن، مرورًا بالأزمة المالية التي شهدتها في عام 2008، والركود الاقتصادي الذي ترتب عليها وما رافقه من تصاعد للمديونية الأميركية، وصولًا إلى تنامي الشكوك لدى عدد من العواصم العالمية في قدرة الولايات المتحدة على قيادة العالم، اقتصاديًا وسياسيًا، في وقت كانت فيه الصين تحقق معدلات نمو عالية، وتصعد على سلّم المنافسة الاقتصادية للولايات المتحدة.

ذلك كلّه أدى في حصيلته إلى بداية تراجع الدور الأميركي في السياسة الدولية، وأقلّه تراجع هذا الدور في الشرق الأوسط. ويرى كثيرون أن تخفيض الوجود العسكري في المنطقة سينجم عنه انحسار مؤكد في الدور السياسي والدبلوماسي الأميركي، وسيشكل بداية أفول الحقبة الأميركية الطويلة في منطقة الشرق الأوسط. وقد أعرب فرانك ماكينزي، القائد الأعلى للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، عن خشيته من أن يؤدي تقليص الوجود العسكري لبلاده في المنطقة لصالح التركيز على المنافسة مع القوى العظمى إلى نتائج معاكسة. وحذّر بأن الولايات المتحدة تخاطر من جرّاء ذلك بـ«منح الصين وروسيا فرصة لسدّ الفجوة وتوسيع نفوذهما في المنطقة»4.

ولاحظ البعض أن هذا التخفيض يتم بالتزامن مع بداية نهاية الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، وتوجّه إدارة بايدن إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، والأهم أنه يأتي في أعقاب توقيع اتفاق “الشراكة الإستراتيجية الشاملة” بين الصين وإيران، (وهو اتفاق اقتصادي وعسكري مدته 25 عامًا)، ويقضي بقيام بكين باستثمار حوالي 400 مليار دولار في قطاعات النفط والتعدين والمواصلات في إيران، وتعزيز العلاقات العسكرية والاستخباراتية بين البلدين، مقابل حصول الصين على إمدادات الطاقة التي تحتاج إليها بأسعار مُخفّضة.

وفضلًا عن كون هذا الاتفاق سيخفف حتمًا من وطأة المأزق الاقتصادي الذي تعانيه إيران، فإنّه -في حال تطبيقه- «سيعزّز لا محالة من نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي في المنطقة»5. وعلى ذلك، رأى محللون أن الاستعجال الأميركي للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران قد ينطوي، في جانب منه، على محاولة الحدّ من آثار هذا الاتفاق، والسعي إلى احتوائه وتطويق التمدد الصيني في المنطقة.

ولعلّ إستراتيجية الرئيس باراك أوباما (التي اشتهرت فيما بعد بـ«عقيدة أوباما») كانت مؤشرًا يؤذن ببداية هذا التراجع. حيث أكد فيها تغيّر الأولويات الخارجية، معتبرًا أنّ الشرق الأوسط لم يعد مهمًا للمصالح الأميركية، وينبغي عدم إدراجه ضمن أولوياتها، وذلك بالتزامن مع تناقص الاعتماد الأميركي على نفط الشرق الأوسط، واكتشافات الطاقة البديلة. ورأى في المقابل أنّ مركز الاهتمام الأميركي ينبغي أن ينتقل إلى الشرق الأقصى، لمواجهة النفوذ الاقتصادي والإستراتيجي المتنامي للصين، بوصفها التحدّي الرئيس للمصالح الأميركية، وبأنّ على واشنطن أن تعمل على كبح جماحها والحدّ من سعيها المتزايد للسيطرة.

أولويات مختلفة

بحسب جيفري غولدبرغ، فقد بدا واضحًا أنّ إدارة أوباما لن تورط نفسها في أيّ تدخّل عسكري جديد في المنطقة، في وقتٍ تسعى فيه إلى إنهاء حربين في العراق وأفغانستان والانسحاب منهما. هذا فضلًا عن اعتبار أن مشكلة الدول الخليجية الرئيسة ليست في الخطر الإيراني، بل في مقاومة هذه الدول لضرورات التغيير الداخلي، والاستجابة للتحوّلات التي تجري في مجتمعاتها والعالم. ولم يكتف أوباما بذلك، بل طالب بـ “إيجاد طريقة لتشارُك المنطقة بين السعوديين والإيرانيين..”، وكأنه يفترض أنّ إيران تملك حقًا مشروعًا لممارسة نفوذها في العالم العربي. معتبرًا أنّ المنافسة بين الطرفين «ساهمت في تغذية الفوضى والحروب التي تُشَنّ بالوكالة في سورية والعراق واليمن..»6.

يُذكر أنّ السعي الأميركي إلى الانسحاب من أفغانستان، وكذلك من العراق وسورية، استمرّ بوصفه هدفًا للإدارات المتعاقبة، ولم تختلف في ذلك إدارة الرئيس دونالد ترامب (الجمهورية) عن إدارة سلفه أوباما (الديمقراطية)، بصرف النظر عن التوجهات المتباينة في ما بينهما، وعلى الرغم كذلك من الأصوات الكثيرة، داخليًا وخارجيًا، الداعية إلى التأني في الإقدام على هذه الخطوة، محذرة من أنها ستصب في مصلحة طهران بشكل رئيس.

وفي ظلّ سياسته القاضية بنفض يديه من أزمات المنطقة، وشعور الكثيرين بانحيازه إلى إيران، على حساب أمن ومصالح الدول العربية والخليجية واستقرارها، وعدم اكتراثه السياسي والأخلاقي بموت مئات آلاف الضحايا الأبرياء في سورية والعراق وليبيا واليمن، ذهب البعض إلى حدّ القول بأن سياسة الرئيس أوباما تندرج في إطار المؤامرة، أو تلامس حدودها على الأقل. وخلص بعضهم إلى أنّ تراجع أوباما عن ضرب سورية (بعد تجاوزها لخطّه الأحمر الكيمياوي)، تمّ بقصد عدم تعكير صفو المفاوضات التي كانت تجري بسرية في عُمان مع الإيرانيين. وثمة من يقول الآن بأن إدارة بايدن قد تُقدم على مزيدٍ من التنازلات في سياساتها (السورية) على مذبح إنجاح مفاوضاتها مع طهران، على غرار ما فعله أوباما تمامًا.

وبصدد الحديث عن التنازلات، رأى آخرون أن سياسة أوباما وبايدن ليست غامضة ولا مبهمة، بل مدروسة جيدًا، وهما لا يمانعان أن تهيمن إيران على المنطقة، وتحلّ مكان واشنطن عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، ما دامت الأخيرة تريد المغادرة وترك أبناء المنطقة «يقلعون أشواكهم بأيديهم»!. أما المحللون الأكثر رصانة، فاكتفوا بالقول بأنه من الطبيعي أن تستثمر طهران في الليونة التي تبديها أي إدارة أميركية لتحقيق المكاسب، ومن بينها الاعتراف بها كشريك إستراتيجي في الحوار حول قضايا المنطقة7.

بايدن على خطى أوباما

وتماشيًا مع نهج أوباما و«عقيدته»، في الانفتاح على إيران والتغاضي عن أنشطتها المهددة للأمن الإقليمي (التي باتت وكأنها سياسة للحزب الديمقراطي ككل، وليس لهذه الإدارة أو تلك فقط)، شدد الرئيس بايدن على اللجوء إلى الدبلوماسية وعدم استخدام القوة العسكرية في حل مشكلات المنطقة. وأكد أنّ بلاده «لن تُنفق بعد الآن تريليونات الدولارات على حروب بلا نهاية، وجاءت بنتائج عكسية»8.

وقد تجاهل بايدن الشرق الأوسط على نحو شبه تام في خطاب حال الأمة، (نيسان/ أبريل الماضي)، ولم يكترث بأيٍّ من ملفاته. وجعل جهود إدارته تركّز على «الصين، المنافس الوحيد المحتمل للولايات المتحدة..»، إلى جانب روسيا وملف إيران النووي، كأبرز أولويات إدارته. مع التشديد على أنها تريد تلافي أزمات أخرى يمكن أن تحوّل انتباهها عن هذه الأولويات. وبالفعل، رمت إدارة بايدن بثقلها في مفاوضات جدية لإحياء الاتفاق النووي مع طهران. وتشير المعلومات المتداولة إلى أنّ الطرفين في طريقهما إلى العودة قريبًا إليه.

وفي المقابل، فهي ماضية في تخفيف وجودها العسكري في منطقة الخليج، ووجّهت انتقادات حادة بشأن وضع حقوق الإنسان في بعض الدول العربية (مثل السعودية ومصر)، وجمّدت مبيعات أسلحة متطورة للسعودية والإمارات. وأكّدت أنها ستوقف الدعم «للحرب التي تقودها السعودية في اليمن»، وتخلّت عن تصنيف الحوثيين «تنظيمًا إرهابيًا» (الذي أقرّ في عهد ترامب). وقد اعتُبر ذلك أنه يصبّ في خانة تقديم «أوراق حسن النية» تجاه طهران.

وتأكيدًا لهذه التوجهات، شدّد وزير الخارجية أنتوني بلينكن على أن إدارة بايدن لن تشجع الديمقراطية حول العالم، من خلال التدخلات العسكرية أو محاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة. وهنا يجدر التساؤل: أليس بإمكان واشنطن (إن هي أرادت) أن ترمي بثقلها الكلي وتضغط لتحقيق هدف محدد، ومن دون تدخل عسكري؟! ألم تفعل ذلك عند العدوان البريطاني والفرنسي والإسرائيلي المشترك على مصر عام 1956، حين اتخذ الرئيس الأميركي أيزنهاور موقفًا صارمًا تجاهه، وطلب من الدول الثلاثة، على نحو حاسم، سحب قواتهم فورًا من الأراضي المصرية؟ وشكل موقفه هذا نقطة انعطاف بالنسبة إلى النفوذ الأميركي في المنطقة، على حساب كلّ من القوتين الاستعماريتين التاريخيتين فيها؛ بريطانيا وفرنسا.

ما أودّ قوله هو أنّ مطالبة واشنطن، بممارسة الضغط في هذه الساحة أو تلك، لا يساوي ولا يعني بالضرورة دعوتها إلى التدخل العسكري المباشر. وبوسعنا الافتراض كذلك أنه كان بإمكان إدارة الرئيس أوباما أن تسعى إلى «صفقة» أفضل مع موسكو، بشأن ملف سورية الكيمياوي، في مقابل التراجع عن «خطها الأحمر» واستخدام آلتها العسكرية، وذلك لجهة ممارسة الضغط المطلوب لإنجاز تسوية سياسية تحقّق مصلحة جميع الأطراف المعنية (وفي مقدّمها الشعب السوري المنتفض)، أو على الأقلّ صفقة لا يكون المستفيد الوحيد منها هو نظام دمشق وحلفاؤه، الذين يُفترض أنهم في خانة أعداء وخصوم واشنطن!

وعلى الغرار نفسه، يمكن التنبيه إلى الاتفاق النووي مع طهران والتساؤل: ألم يكن بإمكان المفاوض الأميركي (في عهد أوباما) التوصل إلى اتفاق أفضل يأخذ بالحسبان الحيثيات والحساسيات والمصالح المتضاربة والمتناقضة لدول وشعوب المنطقة جميعها؟! والتساؤل ذاته ينسحب على المفاوضات الجارية حاليًا، تُرى هل ستهتم إدارة بايدن حقًا بمعالجة الثغرات والملاحظات التي أُخذت وما زالت تؤخذ على الاتفاق الموقع، أم أنها غير مكترثة ولا تأبه لذلك أصلًا؟

وفي هذا الصدد، يتذكر المرء قصة أيزنهاور و«العدوان الثلاثي» على مصر، فموقفه منه لم يكن بريئًا طبعًا، بل كان ينطلق من السعي إلى الحلول محلّ بريطانيا وفرنسا في الهيمنة على المنطقة من جهة، والرهان من جهة ثانية على إمكان استمالة الرئيس عبد الناصر (كقوة صاعدة)، ولو على حساب حلفاء بلاده التقليديين. بيد أنه أخفق في رهانه، ويقال إنه ندم عليه، بعد أن أدرك متأخرًا أنّ التنازلات التي قدمها لكسب ودّ عبد الناصر لم تنفع، وأن الأخير كان يماطل ويشتري الوقت، وأنه لن يكون، في أيّ حال، الصديق الموثوق الذي تبحث عنه واشنطن!

فهل يكرّر التاريخ نفسه إزاء الرهان الأميركي (أوباما سابقًا وبايدن حاليًا) على إمكان كسب نظام الملالي في طهران؟! تُرى، متى سيدرك «الديمقراطيون واليساريون» في أميركا وسواها، أن هذا النظام لا يُعوّل عليه، ولا يكترث بأيّ اتفاق، إنما يسعى إلى تحقيق أهداف إستراتيجية خاصة بآيات الله و«نظام الولي الفقيه». وهدفه الأساس هو تصدير «ثورته» ونهجه القروسطي، ومنطقه وأدواته المعتمدة في سبيل ذلك لا تتناسب أبدًا مع منطق وأدوات وأساليب دولة حديثة تتصرف على نحو عقلاني ومتوازن ومسؤول!

فلسطين وإدارة بايدن

يمثل الموقف من القضية الفلسطينية نموذجًا صارخًا لتخبّط واشنطن وإنكارها للمبادئ والقوانين الدولية، والتمسّك بموقف ينحاز، على نحو شبه مطلق، إلى طرفٍ على حساب طرف آخر. وقد شكلت المواجهات الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أوّل أزمة واجهتها إدارة بايدن على الصعيد الخارجي. فبعد تلكؤ وتردّد واضحين، تدخلت لدى إسرائيل من أجل وقف عدوانها على غزّة، قبل أن توفد وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى المنطقة، للبحث عن فرص تثبيت وقف إطلاق النار فقط، وليس السعي من أجل إطلاق مفاوضات متعثرة وعالقة منذ سنوات بين الجانبين.

الإدارات الأميركية المتعاقبة انحازت، على نحو دائم، إلى جانب إسرائيل، وشكلّت مظلة سياسية لها ولسياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين والعرب، غير أنّ الموقف الأميركي بقي، إلى ما قبل مجيء ترامب، ملتزمًا بعض العناوين العامة؛ مثل حلّ الدولتين، وعدم الاعتراف بالمستوطنات، أو بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ولكنّ ترامب تجاوز هذا كلّه؛ واتخذ قراراته المعروفة بشأن القدس والمستوطنات والأرض، التي تُسقط الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتؤدي في حصيلتها إلى تثقيل جديد في كفة إسرائيل (الراجحة أصلًا في ميزان الصراع المزمن)، وخصوصًا أنها ترافقت مع موجة التطبيع العلنية الجديدة، التي كان الغرض منها إعادة صياغة معادلات المنطقة وخارطة التحالفات فيها، على النحو الذي ينسجم مع المصالح والأهداف الأميركية الإسرائيلية التي تنطلق من رؤية اليمين القومي والديني الإسرائيلي بأن «الحلّ السياسي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي يأتي لاحقًا، وبالشروط التي نريدها، فلِمَ الاستعجال»!

أما مقاربة بايدن فهي مختلفة، وهو غالبًا سيُخرج «صفقة القرن» من نطاق التداول السياسي خلال ولايته، مع ترجيح عودته إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة في هذا الشأن. ويجدر بالذكر هنا أنّ إدارة أوباما كانت قدّمت للفلسطينيين «هدية ثمينة» قبل رحيلها، حين وافقت ضمنًا (عبر الامتناع عن التصويت) على قرار مجلس الأمن رقم 2334 (23/ 12/ 2016)، الذي يدين الاستيطان ويطالب إسرائيل بوقفه، ويعيد تعريف القدس والضفة الفلسطينية كأراضٍ محتلة.

ومن الناحية النظرية، لا العملية، نجد أن سياسة أوباما كانت تقوم على أنه من أجل الحفاظ على إسرائيل كـ «دولة يهودية ديمقراطية» فلا بُدّ لها أن تتخلى عن الاحتلال والاستيطان في أراضي 1967، وإتاحة المجال أمام إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جوارها، وهو ما اعتبره (أوباما) «أفضل ضمان لأمنٍ طويل الأمد لإسرائيل، مسنودًا بدعم الدولة الأقوى في العالم»9.

وعلى الرغم من الخطوات الإيجابية التي بادرت إدارة بايدن إلى اتخاذها، أو الإعلان عن نيّة اتخاذها، على الضد من الإجراءات التي أقدمت عليها إدارة ترامب، فإنّ هذه الخطوات جميعها لا ترقى إلى المستوى الذي يُمكن أن يدفع نحو التفاؤل وإمكان الرهان على هذه الإدارة في الضغط على إسرائيل لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وإنهاء احتلالها للأراضي العربية.

وقد لاحظ كثيرون أن بند إعادة إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يُدرج على أجندتها. وأنّ حديث الرئيس بايدن عن مبدأ «حل الدولتين» لا يتضمن أسسًا أو تصورات محدّدة لترجمته على أرض الواقع. والأدهى من ذلك أنه يعتبر أنّ هذا المبدأ يستوجب إقرار الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كـ «دولة يهودية» أولًا. وأكد أخيرًا أنه “ما لم تقل المنطقة بشكل لا لبس فيه إنها تعترف بحق إسرائيل في الوجود، كدولة يهودية مستقلة، فلن يكون هناك سلام»!10.

سورية تغيب أيضًا!

سورية أيضًا غابت عن قائمة الأولويات الأميركية، بدلالة أنّ الرئيس بايدن لم يأتِ على ذكرها في أيّ من خطبه الرسمية، ولم يُعيّن مبعوثًا خاصًا لها، كما لم يصدر عقوبات جديدة بموجب «قانون قيصر» منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وإذا قُيض لها أن تحضر على مائدته، فهي تفعل ذلك بالإنابة، وليس بالأصالة عن نفسها، أيّ من خلال مواقف وسياسات الدول المتدخلة في الصراع السوري وعلاقتها مع واشنطن؛ (روسيا، إيران، تركيا، وإسرائيل)، انطلاقًا من الأولوية التي تحتلها سورية على أجندة هذه الدول.

وفي الوقت الذي تقتصر الأولويات الأميركية في سورية على أمور ثلاثة: المساعدات الإنسانية، والملف الكيمياوي، ومحاربة «داعش»، قدّر بعضهم أنّ إدارة بايدن قد تتوجه نحو تبني خطة لـ «تسوية تدريجية» مع الأسد، وذلك على خلفية تعيينها لروبرت مالي، مبعوثا رئاسيًا خاصًا بإيران، وهو معروف بمواقفه المعارضة لأي ضغط على الأسد، إضافة إلى تعيين مسؤولين آخرين معروفين بمواقفهم الداعية إلى التخلّي عن المطالبة برحيله، وينادون برفع العقوبات عنه، والانخراط معه في حوار من أجل تحسين أوضاع السوريين. ومن هؤلاء فيل غوردون، الذي كان عضوًا في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما، ويشغل الآن منصب نائب لمستشارة الأمن القومي لنائب الرئيس كاميلا هاريس.

وكان «الديمقراطيون» قدّموا تصورهم بشأن سورية، ضمن دراسة صدرت عن «مركز كارتر»، تحت عنوان «مسار تحول الصراع في سورية: إطار لنهج مرحلي»11، ورد فيها أن من الممكن اقتراح مفاوضات مع الأسد حول ملفات محدّدة، مثل: «الإصلاح السياسي، المعتقلين، عودة اللاجئين، حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية إليهم، وقف إطلاق النار في إدلب، اللاعبين الدوليين، والأسلحة الكيمياوية»، على أن تتم «خطوة خطوة»، ويجري من خلالها «مكافأة الأسد على تجاوبه، إزاء كل نقطة يتحقق تقدّمٌ فيها»، ويمكن عكس المكافأة وفق آلية «سناباك» وإعادة العقوبات الأميركية والدولية في حال تراجع الأسد عن وعوده.

إن طرح مثل هذه المشاريع يعني أن الرهان الأميركي لا يزال قائمًا على إمكان المفاوضات مع نظام الأسد، على الرغم من كل الصلف والتعنت والرفض والتسويف الذي يُبديه إزاء الحلول والتنازلات التي تُطلب منه، منذ بدايات الحراك الشعبي والانتفاضة ضده.

أما الأخذ على محمل الجد، بما صرح به أنتوني بلينكن في برنامج تلفزيوني (أيار/ مايو 2020)، قبل أشهر من تعيينه وزيرًا للخارجية، واعترافه بـ «الفشل» في ما يتعلق بالسياسة الأميركية بشأن سورية. وبأنّ ذلك «شعور يراوده بقوة وسيحمله بقية عمره». أو الاعتقاد بأن ما ارتكبه نظام الأسد من إجرام وسوء إدارة داخل البلاد، وافتقاره إلى الشرعية، توفر أسبابًا كافية لإدراك الإدارة الجديدة أنّ بقاءه ستترتب عليه تداعيات خطيرة، في مقدّمها توفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، والاستنتاج تاليًا بأن إدارة بايدن ستسعى إلى تغيير نهجها والمبادرة إلى تصحيح أخطاء الإدارات السابقة، والتعويض عنها بسياسات حازمة تستعيد من خلالها مكانتها وهيبتها في سورية والمنطقة، فإن هذا كلّه يدخل، كما أعتقد، في باب التمنيات والتعبير عن رغبات أصحابها وأوهامهم، أكثر من كونها رؤية تتوفر على حد أدنى من شروط السياسة التي يُفترض بها أن تتعامل مع الوقائع العيانية الملموسة، مهما كانت مُخيّبة ومُحبطة!

وفي ضوء ذلك كلّه، ماذا بوسع السوريين (مثَلهم مثَل الفلسطينيين من قبلهم) أن يفعلوا، إذا كانت الجهة الخارجية المُعوّل عليها للتدخل إيجابًا لمصلحتهم تتعزّز وتستكثر عليهم ذلك؟! هل يتبقّى لهم سوى الاعتماد على أنفسهم، والسعي إلى «حكّ جلدهم بأظفارهم»، عبر تطوير عوامل استنهاض ووحدة «الذات الجمعية» بأطيافها ومكوناتها كافة؟!

———————————–

جبل الضجر السوري/ بشير البكر

يعود الملف السوري إلى دوائر الاهتمامات الدولية. مؤتمر وزاري في روما في الثامن والعشرين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، في وقتٍ تستعد الوفود كي تشد الرحال إلى الجولة الخامسة عشرة من مفاوضات أستانة في سوتشي، وتجري مشاوراتٌ من أجل عقد جولة سادسة للجنة الدستورية في جنيف. وأبرز ما في المؤتمر الوزاري للدول السبع الذي استضافته العاصمة الإيطالية أول مشاركة وازنة للولايات المتحدة في اجتماعٍ يخصّ سورية منذ تسلم الإدارة الأميركية عملها في بداية السنة الحالية، والهدف من الاجتماع الضغط على روسيا من أجل الموافقة على قرارٍ للأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لحوالي 13 مليون لاجئ سوري، حسب أرقام منظمة هيومن رايتس ووتش. أما جولة أستانة فلا تخرج عن سابقاتها منذ عام، واللازمة التي تتكرّر هي تحقيق وقف إطلاق النار في إدلب، ودفع عمل اللجنة الدستورية وقضية المعتقلين. وعلى الطريق ذاته، تسير اللجنة الدستورية، والذي بدأته في اكتوبر/ تشرين الأول 2019، من أجل وضع دستور سوري. ومنذ ذلك الحين، عقدت خمس جولات، ولم تتوصل إلى أي اتفاقٍ بين مكوناتها الثلاثة، المعارضة والنظام والمجتمع المدني.

في هذه الأثناء، ثمّة ملاحظة مهمة، أن الوضع السوري مجمّد دوليا في الوقت الراهن، وتتحكّم موسكو وطهران باتجاهاته الأساسية، وما يجري من لقاءات دولية خلف الأبواب المغلقة لا يعدو عن ثرثراتٍ لتقطيع الوقت لم تعد تثير الاهتمام، وتصدر عنها بياناتٌ تبعث على الضجر. والثابت أن الملف السوري يتراجع من الناحية السياسية لصالح الشأن الإنساني، وتشكّل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 16 مايو/ أيار الماضي محطّة مفصلية. وطالما أن القوى الدولية التي اعتبرت الانتخابات غير شرعية، لم تتخذ منها موقفا عمليا، فإن البيانات التي أصدرتها لا قيمة لها. ولذلك صار الشأن الإنساني، وتحديدا قضية المساعدات الدولية، مركز الاهتمام، ولكن الخطير هنا أن هذا التراجع يتم بشروط روسيا والنظام، وهذا أمرٌ يجد تطبيقه المثالي من خلال الآلية الدولية لوصول المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين داخل سورية في منطقتي الشمال الغربي والشرق، واستطاعت موسكو قبل عام أن توقف عمل معبرين رئيسيين للمساعدات، اليعربية مع العراق، وباب السلامة من تركيا. وتنازلت أمامها الدول الكبرى في مجلس الأمن، ووافقت على الإبقاء على ممر وحيد، هو باب الهوى الذي يخضع الآن لمساومات روسية، وسيتقرّر مصيره في العاشر من شهر يوليو/ تموز الجاري. وتضغط موسكو من أجل إغلاق كل الممرّات الإنسانية خارج سيطرة النظام وتسليم المساعدات الدولية له. وتهدف من ذلك إلى إعادة تأهيل النظام سياسيا، وتطبيع علاقاته العربية والدولية، وتسليحه بورقة المساعدات من أجل فرض نفوذه على أوسع نطاق من الجغرافيا السورية، على الرغم من أنه يحتكر المساعدات التي تصل إليه منذ عدة سنوات، ويحصر توزيعها بالموالين له في غياب إشرافٍ ومتابعةٍ من المنظمات الدولية المختصّة. وتعمل روسيا في المدى المنظور على إيصال المجتمع الدولي إلى طريقٍ مسدود، وليس أمامه غير الخيارات التي تتبنّاها بقوة وتقاتل من أجل فرضها، وهي الذهاب نحو إعادة الإعمار بشروطها، ووفق معادلة إعادة تعويم النظام. ومن المؤسف أنه ليست هناك قوة دولية قادرة على وقف المدحلة الروسية. وعلى الرغم من وجود عقوبات أميركية صارمة على النظام، سيما قانون قيصر، فإن روسيا وإيران هما من يحقّق التقدّم بالنقاط ضمن منطق فرض الأمر الواقع بالقوة، من دون أي حسابٍ لما حل بالسوريين من كوارث، وما صدر عن الشرعية الدولية من قراراتٍ لحل المسألة السورية، والتي باتت من كثرة تكرارها في المحافل والاجتماعات الدولية بمثابة جبلٍ من الضجر.

العربي الجديد

————————————

سوريا على أجندة بايدن.. ما فرص نجاح التدخل الأمريكي هذه المرة رغم “ثبات” موقف روسيا؟

يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قررت التعامل مع الملف السوري، على الرغم من الفشل الذريع لواشنطن على مدى أكثر من عقد كامل، فهل تمتلك الولايات المتحدة أي فرصة للنجاح الآن رغم ثبات موقف روسيا الداعم لنظام بشار الأسد؟

توجد عدة مؤشرات على أن سوريا قد أصبحت بالفعل على أجندة بايدن، على الرغم من أن المئة يوم الأولى من رئاسته شهدت تركيزاً كبيراً على قضايا الداخل الأمريكي مقابل تجاهل واضح لقضايا الشرق الأوسط بشكل عام، باستثناء الاتفاق النووي الإيراني.

وكان المؤشر الأول على هذه العودة الأمريكية للملف السوري هو وجود قضية إدخال المساعدات للسوريين خارج سيطرة نظام بشار الأسد على أجندة القمة بين بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف الشهر الماضي.

كيف عادت سوريا إلى أجندة بايدن؟

كان تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية قد ألقى الضوء على الملف السوري الذي يمثل فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية لواشنطن على مدار عقد كامل، وذلك قبل قمة جنيف بين بايدن وبوتين.

وجاء في ذلك التقرير أن إدارة بايدن تستعد لمواجهةٍ مع روسيا بشأن تسليم مساعدات الأمم المتحدة لملايين السوريين الواقعين خارج سيطرة بشَّار الأسد، وهو الأمر الذي تستعد موسكو، حليفة الأسد، لمنعه في يوليو/تموز. والإشارة هنا لاجتماع الأمم المتحدة المقرر 10 يوليو/تموز الجاري بشأن اتفاق إدخال المساعدات إلى السوريين في منطقة إدلب عبر معبر “باب الهوى” على الحدود التركية.

وقبل أيام برهنت إدارة بايدن على أن الملف السوري قد أصبح بالفعل على أجندة واشنطن، إذ دعت الولايات المتحدة لعقد اجتماع حول سوريا لوزراء خارجية “مجموعة الدول السبع” و12 دولة ومنظمة إقليمية على صلة بالملف السوري، في محاولة منها لتشكيل موقف موحد داعم للحل السياسي في مواجهة الموقفين الروسي والإيراني، وموقف النظام السوري، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

ملايين السوريين تعرضوا للتهجير بعد التدخل الروسي في سوريا، أرشيفية

وسبق هذا الاجتماع عقد مؤتمر للتحالف الدولي الدولي للحرب على تنظيم “داعش” استضافته العاصمة الإيطالية روما، دعا إلى مواصلة جهود دوله لإلحاق الهزيمة الكاملة والدائمة بالتنظيم، في ظل اعتقاد التحالف الذي يضم 83 دولة ومنظمة، أن استمرار الحرب في سوريا من شأنه توفير بيئة مواتية لنشاطات التنظيم.

فبحضور 40 وزير خارجية من دول التحالف الدولي، استضافت روما مؤتمراً دولياً في 28 يونيو/حزيران الماضي لبحث مجمل القضايا المتعلقة بالحرب على “داعش” وسبل هزيمته حول العالم، والتركيز على هزيمته في سوريا والعراق باعتبارهما مركز ثقل تواجد عناصر التنظيم الذين يقدر مسؤولون أمريكيون أعدادهم بنحو عشرة آلاف مقاتل.

وفي البيان المشترك، أكدت دول التحالف على السياسات الثابتة لدوله في الوقوف إلى جانب الشعب السوري، لدعم حل سياسي دائم وفقاً لمرجعية قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، الهادف للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة.

هذه التسوية تكون، وفق القرار، على أساس تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، ووقف أي هجمات ضد المدنيين، وسماح الأطراف المعنية بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مَن هم في حاجة إليها.

قضية المساعدات الإنسانية

وأكدت الولايات المتحدة في بيان لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن على “ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى جميع السوريين المحتاجين وإعادة تفويض وتوسيع قدرة الأمم المتحدة على تقديم هذه المساعدات إلى الشعب السوري عبر الحدود”.

فقد كان الوضع في سوريا محوراً مهماً وأساسياً في اجتماعات وزراء خارجية دول التحالف الذين عقدوا بعد انتهاء مؤتمرهم، اجتماعاً وزارياً حول الأوضاع في سوريا (المؤتمر الوزاري الموسع بشأن سوريا).

وشارك في الاجتماع حول سوريا، الولايات المتحدة وإيطاليا وكندا وفرنسا وألمانيا واليونان ومصر والعراق وأيرلندا واليابان ولبنان وهولندا والنرويج وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة وممثلون عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

ودعت الدول المشاركة في الاجتماع حول سوريا إلى وقف فوري لإطلاق النار في كامل الأراضي السورية، وعدم إعاقة إدخال المساعدات الإنسانية، وتوسيع آليات عمل الأمم المتحدة عبر الحدود مع تركيا، مع عدم توفر بديل مناسب لها.

وتسعى الولايات المتحدة لفرض تسوية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تعتقد روسيا أنه يشكل تهديداً لمستقبل النظام السوري ووجوده. بينما لا تزال روسيا تتمسك بالحل السياسي عبر مسار أستانة بعيداً عن مخرجات مؤتمر جنيف أو قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وتشير هذه التطورات إلى أن الولايات المتحدة تركز حالياً على تأمين مرور المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين إليها، وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية تتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتعزيز المساءلة الجنائية لانتهاكات النظام السوري ضد المدنيين السوريين.

ماذا عن موقف روسيا؟

وسبق لبايدن أن أكد لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 يونيو/حزيران الماضي على ضرورة استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري والحفاظ على الممرات الإنسانية، وإعادة فتح المعابر المغلقة في سوريا لضمان عبور مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود دون موافقة النظام السوري، والمحصورة حالياً في معبر “باب الهوى” على الحدود مع تركيا.

لكن روسيا تصر على رفض آلية وصول المساعدات الأممية عبر معبر “باب الهوى” وحصر تسليم المساعدات عن طريق النظام السوري. إذ تعد روسيا الفاعل الأهم في الملف السوري نظراً لوجودها البحري والجوي الكبير منذ عقود، والذي تزايد بعد الثورة السورية وطلب النظام رسمياً تدخلها العسكري في 2015.

وفي إشارة واضحة إلى عدم حصول أي تقارب في وجهات النظر أو التوصل إلى تفاهمات ثنائية مشتركة بين بوتين وبايدن، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد القمة الثنائية رفض بلاده تجديد التفويض الممنوح للأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سوريا عبر المعبر الوحيد “باب الهوى” مع تركيا الذي سينتهي بحلول 10 يوليو/تموز الجاري.

ومن المنتظر أن يناقش مجلس الأمن الدولي في 10 يوليو/تموز تمديد التفويض الخاص للأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى.

وكانت أيرلندا والنرويج قد تقدمتا بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي سيناقشه في جلسته المقررة في 10 يوليو/تموز، يدعو لإعادة فتح ممرين إنسانيين إضافيين أغلقا قبل أكثر من عام بضغط روسي، أحدهما معبر باب السلامة من تركيا إلى المناطق المتضررة في الشمال السوري، والآخر من العراق عبر معبر اليعربية في محافظة الحسكة.

وفي صميم الأزمة الإنسانية في سوريا تأتي مسألة ملايين النازحين داخلياً واللاجئين في دول العالم، ومنها تركيا التي تتحمل العبء الأكبر باستضافتها نحو 3.8 مليون سوري على أراضيها وما يترتب على هذا التواجد من تبعات على الاقتصاد والقطاعات الأخرى.

بوتين خلال زيارة سابقة لقاعدة حميميم الروسية في سوريا/ رويترز

وتقدر الأمم المتحدة حجم الدمار في سوريا جراء العمليات العسكرية بأكثر من 40% من البنية التحتية.

ولا يزال أكثر من 1.4 مليون نازح في محافظة إدلب يعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات الإنسانية والإغاثية الدولية المارة عبر الحدود التركية.

وتتخوف دول العالم من تفاقم الأزمة السورية واتساع رقعة الصراع المسلح إلى دول الجوار السوري وعموم منطقة الشرق الأوسط، وزيادة حدة التوترات في علاقات الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي.

ولا تزال الدول المعنية بالأزمة السورية تشدد على أن السبيل الأمثل والوحيد للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب في سوريا، هو التزام الأطراف المعنية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لضمان أمن الشعب السوري وتحقيق تطلعاته.

ويرى مراقبون أن الأزمة السورية باتت أكثر تعقيداً، بعد عشر سنوات من الحرب الداخلية وتدخلات الكثير من القوى الإقليمية والدولية مع غياب حقيقي للإرادة الدولية “الحازمة” لحل الأزمة.

ومنذ عام 2011 عقدت مؤتمرات عدة حول سوريا في جنيف وفيينا وروما وباريس وأستانة وغيرها، بالإضافة إلى تشكيل المجموعة الدولية لدعم الشعب السوري، دون التوصل إلى تسوية سياسية بين المعارضة والنظام الذي يعتقد أن الحسم العسكري هو السبيل الوحيد لنهاية الحرب.

ومن المرجح مع الموقف الروسي المتشدد المساند لوجهة نظر النظام السوري في الحسم العسكري، أن تمتد الحرب في سوريا لسنوات قادمة، مع احتمالات تجدد العمليات العسكرية في محافظة إدلب التي تعاني من زيادة ملحوظة في القصف الجوي والتحشيد العسكري على طول خطوط التماس مع فصائل المعارضة المسلحة.

——————————————

=======================

تحديث 08 تموز 2021

——————————–

شبح الاتفاق النووي الجديد/ عروة خليفة

تركت العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على طهران آثاراً كبيرة على الاقتصاد الإيراني، إذ تُظهر مقارنة الأرقام بين سنوات ما قبل العقوبات وما بعدها أن حجم الناتج المحلي انخفض إلى قرابة النصف. كان ترامب قد فرض تلك العقوبات بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولا تزال هذه العقوبات مستمرة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ولكن بالتزامن مع جولات مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في العاصمة النمساوية ڤيينا، انتهت الجولة السادسة منها الشهر الماضي دون تحقيق اختراق بخصوص العقبات التي تواجه العودة إلى الاتفاق.

سيكون الوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران بالغ التأثير على صعيد استعادة الاستقرار في الاقتصاد الإيراني، لكن تأثير الاتفاق سيمتد أيضاً إلى نفوذ الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري في المنطقة في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن. ويمكن لمقارنة أرقام الاقتصاد الإيراني، قبل وبعد العقوبات، والتي سُميت «حملة الضغوط القصوى»، أن تعطي مؤشرات على ما يحتمل أن نواجه في المنطقة، خاصةً إذا أغفل الاتفاق النشاطات الإيرانية العسكرية فيها، أو تغاضت إدارة بايدن عن هذه النشاطات، الأمر الذي سيعطي دفعةً للحضور الإيراني الإقليمي على المستويات السياسية والاقتصادية.

* * * * *

في الثاني عشر من الشهر الماضي حزيران (يونيو) بدأت الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، التي ضمّت كلاً من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، والتي انتهت مع تحقيق تقدم طفيف، لكن من دون الوصول إلى ملامح واضحة لاتفاق جديد بين الطرفين حول البرنامج النووي الإيراني. على الرغم من ذلك، فإن المبعوث الأميركي للأمم المتحدة اعتبر أن المفاوضات حتى الآن «ساعدت في تحديد خيارات البلدين من أجل العودة المشتركة إلى التزاماتهما في الاتفاق النووي». هذا التصريح الذي أتى خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت نهاية شهر حزيران (يونيو) الفائت، تبعته تصريحات من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكدّت أنّ على المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الموافقة على بنود الاتفاق، في إشارة إلى ضرورة عدم وضع العراقيل أمام تلك المفاوضات من قبل الجناح الأكثر تشدداً في الحكومة الإيرانية، خاصةً بعد تصريحات الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي بأن الصواريخ البالستية لن تكون بنداً في أي مفاوضات. هذا فيما ربط مسؤولون رسميون في الحكومة الأميركية رفع العقوبات بالوصول إلى اتفاق شامل مع طهران، وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم خارجية الولايات المتحدة في تصريح لقناة سي إن إن: «لن يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء».

من جانبها، شجّعت الأطراف الأخرى المشاركة في المفاوضات على الوصول إلى اتفاق، إذ عبّرت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن أملها بعودة العمل بخطة العمل المشتركة الشاملة بحلول منتصف تموز (يوليو) الحالي، أي مع حلول الذكرى السادسة لتوقيع الاتفاق عام 2015، فيما قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في حزيران الماضي إن التوصل لاتفاق بات «قريباً جداً».

خلال هذا الوقت، تستمر الآثار الاقتصادية الكبيرة للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ العام 2018، إذ تُظهِر بيانات البنك الدولي على سبيل المثال انخفاض الناتج المحلي لإيران بشكل كبير، من 445.3 مليار دولار عام 2017 إلى 258.2 مليار دولار عام 2019، أي أن نسبة الانخفاض بلغت 42 بالمئة بين العام 2017 بعد توقيع الاتفاق النووي والعام 2019 التالي لفرض العقوبات القصوى.

إلى جانب ذلك، شهد الاقتصاد الإيراني ارتفاعاً كبيراً في نسبة التضخم، التي انتقلت من حدود 10 بالمئة في 2017 إلى ما يزيد عن 40 بالمئة في 2019 حسب بيانات صندوق النقد الدولي. وقد كان قطاع إنتاج البترول أحد أكبر المتضررين من تلك العقوبات، إذ قال مسؤول إيراني لوكالة رويترز في شهر أيار (مايو) 2019 إنّ صادرات النفط الإيراني اليومية قد انخفضت إلى 500 ألف برميل، بالمقارنة مع أكثر من مليونين ونصف المليون برميل في 2017، وقد كان لانخفاض الصادرات النفطية الإيرانية أثر كبير على اقتصاد البلد، خاصةً أن قطاع النفط يشكل 13.5 بالمئة من حجم الاقتصاد.

بالطبع لا تفيد الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة الإيرانية في تحديد كميات النفط التي يتم تصديرها بشكل كامل، لأنّ تهريب النفط الإيراني بعد إقرار العقوبات شكّل سوقاً موازية للسوق الرسمية التي أُغلقت في وجه طهران، فعلى سبيل المثال قدّرت مؤسسة ريفينتيف لأبحاث النفط واردات الصين الشهرية من النفط الإيراني في شهر آذار (مارس) من العام الجاري 2021 بحوالي 27 مليون برميل. وهو ما يعني عملياً أن طهران استعادت قدرتها على تصدير كميات كبيرة من النفط على الرغم من العقوبات المفروضة، خاصةً إلى دول آسيا مثل الصين والهند، وإن بأسعار أقل من أسعار السوق الرسمية. بالمقابل فإن تأثر سوق النفط العالمية بعودة بيع الإنتاج الإيراني من النفط بشكل رسمي، في حال رفع العقوبات الأميركية عن هذا القطاع، سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، ما يجعل الفرق الذي ستناله طهران من هذه العملية فيما يخص تصدير النفط محدوداً.

تساهم عملية رفع العقوبات عن إيران باستعادة طهران التدريجية للاستقرار الاقتصادي، لكن هذه العملية ستكون مرتبطة بالوصول إلى صيغة اتفاق أكثر استقراراً مع واشنطن، وهو أمر لا يزال يواجه تحديات كبيرة نتيجة التغييرات السياسية الداخلية في إيران وتوجهات الحكومة الجديدة، إضافةً إلى ارتباط هذا التعافي بتجاوز السوق العالمية لآثار جائحة كورونا، ما سيسمح بتحديد أسعار أفضل للنفط وعودة قطاعات الصناعة للعمل بشكل كامل، وهذا سيساهم بدوره في تحسن الأسواق المحلية في أوروبا وشرق آسيا حيث يتمركز أبرز شركاء إيران الاقتصاديين.

* * * * *

يمكن القول بالتأكيد إنّ العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة أثّرت على تمويل إيران للميليشيات المسلحة المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك ميليشياتها في سوريا طبعاً. لكن بالمقابل، استطاعت هذه الميليشيات خلال السنوات الماضية، سواءً قبل حملة «الضغوط القصوى» أو بعدها، أن تبني لنفسها قواعد ثابتة في عدد من المدن والأرياف السورية والمناطق الاستراتيجية في البلد. ومن أمثلة ذلك مناطق السيطرة التي تمتد في محافظة دير الزور، تحديداً في محيط وداخل مدينة البوكمال ومناطق أخرى على الضفة الغربية لنهر الفرات، أو في مدينة حلب حيث تحظى الميليشيا التي تحمل اسم فيلق المدافعين عن حلب بنفوذ كبير داخل المدينة. ولا توجد أي معلومات عن تخلي الحرس الثوري الإيراني عن قواعد عسكرية هامّة في سوريا، مثل مطار تي فور وسط البلاد في منطقة البادية، وذلك على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات على تلك المواقع.

يساعد النفوذ المحلي العسكري والسياسي الكبير للميليشيات المرتبطة بإيران في تحصيل عائدات تساعدها على الاستمرار في العمل، سواءً عبر فرض إتاوات على السكان وفعاليتهم الاقتصادية، أو تأمين امتيازات لأعضائها من خلال نسب أكبر ونوعية أفضل من الدعم الحكومي المقدم للسلع الأساسية في مناطق النظام، وغير ذلك من الخدمات والمكاسب.

بالإضافة إلى ذلك، تشير كثير من التقارير إلى ارتفاع معدل تهريب المواد المخدرة بين سوريا والأردن، وإلى تورّط الميليشيات الإيرانية في عمليات التهريب تلك، وهو ما يعني محاولة تلك المليشيات رفع دخلها من خلال مصادر جديدة على رأسها تجارة المخدرات في المنطقة، حيث تُظهر التحقيقات التي عملت على الموضوع تركيز الميليشيات الإيرانية على تهريب الحشيش والحبوب المخدرة مثل الأمفيتامين (المعروف باسم الكبتاغون).

تؤمّن هذه الزيادة في عمليات إنتاج وتهريب المخدرات لتلك الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله، دخلاً قد يغطي لفترات الفجوة التي تركها تراجع التمويل الإيراني بسبب الآثار الاقتصادية للعقوبات الأميركية. بالمقابل، وفيما تتابع الكيانات المرتبطة بإيران سياسة الاعتماد الذاتي فيما يخص التمويل، والتي برهنت قدرتها على الحفاظ على تماسكها خلال الفترة الماضية على الرغم من الأزمة الاقتصادية، قيد يفيد رفع العقوبات في خلق أدوار جديدة لهذه الكيانات في سوريا. من ذلك مثلاً تمويل نشاطات دعم اجتماعي للسكّان، في محاولة لربط مصيرهم بتلك الميليشيات، إذ تعاني البلد من أزمة اقتصادية خانقة تسبَّبَ بها الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية وحرب النظام على السوريين خلال السنوات العشر الماضية، بالإضافة للعقوبات الدولية وعلى رأسها العقوبات الأميركية وفق قانون حماية المدنيين المعروف باسم «قانون قيصر».

الآثار الاقتصادية لأي رفع محتمل للعقوبات عن إيران لن تظهر خلال المدى القصير، لكنّ اتفاقاً لا يحدّ من نفوذها العسكري والسياسي في الإقليم سيعطي دفعةً سياسية كبيرة للكيانات المرتبطة بطهران، مثل الميليشيات التي تنتشر على مساحة سوريا، وهو ما قد يعطيها قدرة أكبر على فرض شروطها على الطرفين الشريكين في مسار أستانا (روسيا وتركيا)، كما سيعمّق من قدرة تابعيها في سوريا على تعزيز مواقعهم الحالية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال ربط المجتمعات المحلية بهم. وربما نشهد في هذه الحالة انقلابات في التحالفات الداخلية، إذ كانت أسرة القاطرجي التي تتحكم بتجارة النفط مع المناطق الشرقية لسوريا، على سبيل المثال، قد نقلت تحالفاتها مؤخراً إلى موسكو مقابل مكافأة مجزية هي تصدر قوائم مدعومة من هذه العائلة انتخابات مجلس الشعب عن مقاعد محافظة حلب على حساب حلفاء تقليديين للنظام السوري، وسيطرتهم شبه المطلقة على مقاعد غرفة تجارة حلب أيضاً. هذه التنقلات بين الوكلاء المحليين السوريين على خارطة داعمي نظام الأسد لن تتوقف بالتأكيد، وستكون عودة طهران إلى الواجهة فرصة للعديد منهم لتحصيل مكاسب جديدة مقابل تغيير الولاء.

أثبتت إيران وميليشياتها قدرة كبيرة على النجاة حتى الآن من العقوبات الأميركية، لكنّ استعادتها لقوتها الكاملة وفرض مزيد من النفوذ العسكري والسياسي الإقليمي يرتبط بشكل جوهري برفع تلك العقوبات عنها، ولذلك فإن أي اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران يتجاهل النفوذ العسكري للأخيرة في المنطقة سيكون فرصة لانتعاش ميليشيات تعتاش اليوم على تحطيم البلد والروابط الأهلية فيه، بعد أن فرضت نفسها عليه بالقتل والتهجير والإبادة.

موقع الجمهورية

————————————

ما الذي فعلته واشنطن في سوريا.. خذلان أم غدر؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي

لا يمكن أن يجري النقاش بشأن الثورة السورية دون أن يذكر الموقف الأميركي، ويكاد هذا الموقف لا يُذكر إلا في سياق سلبي، لا لأن واشنطن ظلّت تتفرج طيلة عقد على ذبح سوريا وشعبها وثورتها بسكين أحد أكثر النظم العسكرية همجية، بل لأنها كانت تدّعي غير ذلك، أو هكذا توحي، أي أنها قدّمت الكثير للشعب السوري، ولم يحدث أن ورد اعتراف رسمي بالفشل.. هذا الوهم والادّعاء يجعل من مقولة “خذلان الولايات المتحدة للقضية السورية” كثيرة الاستخدام والتداول، فهل هي صحيحة؟

الاستراتيجية الكبرى

منذ اليوم الأول للثورة السورية، تبّنت إدارة أوباما آنذاك عقيدة أو قاعدة “امنح الحرب فرصة” لصاحبها إدوارد لوتواك، المؤرخ والاستراتيجي البارز، صاحب نظرية إبطال عقيدة الاعتماد على القوة العسكرية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أنه أراد أيضاً من نظريته تلك خلاصة تقول إن الحرب تجلب السلام فقط إن بلغت ذروتها، أي ترك الحرب تستكمل مسارها الطبيعي.

إحدى تجليات ما سبق كان فيما أبلغه السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد المعارضة السورية في وقت مبكر، حين أكد لهم بشكل قاطع أن الولايات المتحدة لن تقدم الدعم العسكري لإسقاط نظام الأسد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين حمل رسائل مشابهة خلال زيارته برفقة السفير الفرنسي في دمشق آنذاك، إريك شوفالييه، إلى حماة للمشاركة في مليونيتها الشهيرة، وتعزيزاً لهذا النهج، اختار فورد أحد أبرز شهداء الثورة للمشاركة في عزائه، وهو الشهيد الحي غياث مطر، وفي هذا الاختيار دلالات واضحة.

كان فورد يقول بشكل غير مباشر لن ندعم ثورة عسكرية، رغم أن الجميع كان يجزم أن مآل الثورة السلمية هو اللجوء إلى السلاح، لأن المعلوم بالضرورة حينها أن النظام قد حسم أمره، وخصوصاً مع أول خطاب لبشار الأسد، بمواجهة الانتفاضة بعنف لا حدود له، والعنف المفرط يولد ردة فعل في المقابل، أي أن حمل السلاح لم يكن خياراً، ولم يكن مفاجئاً لأحد، وعليه بدأ الجميع بالتفكير، لا بتسليح المعارضة، بل بكيفية التسليح بما يضمن رسم أهداف محددة، وفي هذا السياق، فحتى النظام السوري كان له بشكل أو بآخر مصلحة في تسليح الثورة، من أجل جرها إلى الملعب الوحيد الذي يجيده، وهو القوة والإجرام والقتل.

التأجيج وتوازن القوة

لا يخفى على أحد أن المعارضة السورية حين سيطرت على ثلاثة أرباع سوريا، وكانت قاب قوسين أو أدنى من اقتحام دمشق، والسيطرة على حلب، أهم حاضرتيْن في سوريا، إنما تحقق بسلاح بسيط، وإمكانيات أبسط، لكن بفعالية أدهشت الخصوم والأصدقاء على السواء، وأربكت الجميع، ومن هنا بدأت التدخلات فعلياً.

ما سبق يُفسر ما يشبه الصمت أو التسهيل الأميركي وفي بعض المحطات بطلب من واشنطن، لتغوّل إيران في سوريا ومعها جحافل الميليشيات التابعة لها بما فيها حزب الله اللبناني، وكذلك فتح ممرات لوصول آلاف الجهاديين إلى البلد، أو فتح زنازين النظام، والنظام العراقي، للإفراج عن بعضهم، وصولاً إلى التدخل الروسي المباشر عام 2015.

تغذية قوة الأطراف بالتوازي وبشكل مدروس من جهة، وحرمان الثورة وأهلها الأصلاء وسلاحها الوطني من الدعم الفعال والحقيقي من جهة أخرى، كل هذا شكّل عناصر الوصفة الأميركية التي يأكل منها الجميع اليوم، باستثناء الشعب السوري بطبيعة الحال، والذي كان مجرد ميدان للتجارب العسكرية والسياسية، والثمن فادح، الملايين بين قتيل ومعتقل ومهجر.

وعلى هذا الأساس، ضبطت إدارة أوباما إيقاع تدخلها في سوريا، أو قل الاستثمار في سوريا، لصالح ملفات أخرى تراها أكثر أهمية، وفي مقدمتها ملف إيران النووي.

لم تكن خطوط أوباما الحمراء، والتلويح بضربة عسكرية إلا مناورة حذرة لكن مجدية، انتُزعت بموجبها التسوية المطلوبة أميركياً من إيران في ذلك الوقت، ومن ينسى حين خرج وزير الخارجية الأميركي حينذاك بالتزامن مع التلويح بالضربة ليقول: “إن الصفقة تمت”، وبعد ذلك التصريح تبخرت التهديدات، ولم يبق من لون أوباما الأحمر سوى دماء السوريين.

أي وبالمحصلة، أوباما لم يخذل الشعب السوري، بل غشّه وتاجر به وبقضيته بأسلوب لا تستخدمه إلا دول مثل روسيا والصين، وترى الولايات المتحدة بأنها تتفوق عليها أخلاقياً، لكن في سوريا جميعهم اختاروا المستنقع ذاته.

ودليل أن واشنطن أرادت ما حصل، أنها تدخلت عندما أرادت التدخل، وفي المكان الذي تريد، وبالقدر الذي تقدره، وتحت اللافتة التي تكتبها، وتختار هي الشركاء. تدخلت تحت لافتة محاربة تنظيم “داعش”، وهو نتيجة من نتائج الفوضى التي تسبب بها الأسد، وسخرت كل دعمها بشكل سخي لطرف واحد، لتوظفه لاحقاً في صراع آخر مديد، أو تُمدد به الصراع والحرب الجارية، لأن حليفها المتمثل بالوحدات الكردية، لديه الاستعداد أن يقاتل الجميع لأجل أهدافه المعلومة، وهي ليست كرمى عيون الكرد، بل تلبية لطموحات سلطوية لحزب العمال الذي، مثله مثل أي حزب شمولي، سيُبتلى به الكرد كما ابتلينا نحن العرب بحزب البعث يوماً ما.

اللحظة التاريخية الخاطئة

ورغم ما ورد آنفاً، لا يمكن إنكار أن الثورة السورية بوصفها لحظة تاريخية فارقة، جاءت في توقيت راكم معه المجتمع الدولي مخاوف تجارب سابقة من أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا، وكان طبيعياً أن تهيمن تلك التجارب كهاجس حين تُطرح سوريا على الطاولة.

بالعموم، إدارة أوباما لم تترك شيئاً للصدفة وللعجز، بل فعلت ما خططت له وأرادت فعله بدقة، وخصوصاً اعتبار سوريا ومأساتها كتفصيل ثانوي يرتبط بقضية رئيسية هي إيران وسلاحها النووي وتدخلاتها الإقليمية الآخذة بالتوسع، ولعل كلمة أوباما لا تزال عالقة في الأذهان حين قال بعد توقيع اتفاقه النووي مع طهران: “المهمة قد أنجزت، لا أريد سماع شيء بشأن سوريا”!!، وبهذا ذهب أوباما ولعنة السوريين التواقين إلى الحرية تلاحقه، وهم الذين فرحوا ربما لتوليه الرئاسة بوصفه رمزا للانتصار التحرري الإنساني، لكن هيهات.

شواهد الغدر

تلخيصاً لما سبق ولإثباته، سأضع هنا شواهد أنقلها بحكم معايشتي للواقع الميداني:

أولا: إن كانت واشنطن تريد لروسيا التورط في سوريا والغرق في رمالها على غرار تجربة سلفها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، فلما لم تزود الجيش الحر بمضاد الطيران، والذي كان كفيلاً، لا بإسقاط النظام فقط، وحماية الملايين بكلفة أقل مما تنفقه واشنطن اليوم على المساعدات، بل كان سيؤلم روسيا حقاً، وحليفتها إيران.

ثانيا: غرفتا “الموك والموم” لمن خبرهما جيداً، كانتا بالدرجة الرئيسية تعملان على مراقبة الثوار عن كثب، ومع الدعم المقنن والشروط القاسية وطلب الخطط مسبقاً، فإن النتائج في كل مرة، كانت خسارة الثوار منطقة تلو أخرى، والواقع فإن المعارضة لم تخسر إلا بعد تشكيل الغرفتين المذكورتين أعلاه.

ثالثا: كبحت غرفتا الموم والموك بكفاءة استراتيجية فتح معارك متزامنة للتخفيف عن المدن التي تتعرض لحملات عسكرية شرسة من جانب النظام.

رابعا: إن كان دخول التحالف لقتال داعش، وليس لتورية الدعم المقدم للوحدات الكردية، لما لم يقدم التحالف الدعم المطلوب لمعارك المعارضة ضد داعش، علماً أن قتال المعارضة لداعش بدأ قبل 10 أشهر من بدء قتال الوحدات الكردية لها، والتي لم تفعل ذلك إلا بعد حصار مدينة عين العرب- كوباني. بل المفارقة أن توجهنا في ذلك الوقت كجيش حر وطني إلى المدينة لمشاركة الكرد قتالهم ضد تنظيم داعش لم يلقَ لا الرضى ولا الدعم الأميركي، بل جوبه بالسخط، فلماذا؟

“الحيوان” وترامب

لم يكن يتخيل المرء أن يسمع رئيس أكبر دولة في العالم يصف أي رئيس آخر ب”الحيوان”، لكن ترامب فعلها، ورغم أنه صاحب شخصية مزاجية من الصعب توقع أفعالها، إلا أن التفاؤل عاد إلى إمكانية لعب واشنطن دوراً أكثر جدية معه في سوريا، خصوصاً أنه كان رافضاً لإرث أوباما بالمطلق، بما في ذلك إيران.

لكن ترامب وأوباما، في القضية السورية، تشابها في كل شيء رغم اختلاف المبررات، سوى أن ترامب لم يزبد ويرعد ويعد كما فعل أوباما، وضوحه على الأقل كان ربما الميّزة الوحيدة.

وعليه، فقد استكملت روسيا في عهده هيمنتها على المشهد السوري، ومعها إيران وبقية العصابات، وتكاثرت الاحتلالات، ووصلت إيران إلى تخوم الجولان السوري المحتل، وانحسر السوريون الأحرار وثورتهم وسلاحهم فيما بقي اليوم من أراضٍ، ربما كان ترامب جاداً فعلا في منع اقتحام إدلب لتعقيدات سيفرضها مثل هذا السيناريو، إقليمياً ودولياً.

وأما فيما يتعلق بقانون قيصر، فهذا لا يُحسب لا لأوباما ولا لترامب، ولا يهم في عهد مَن كُتب، ولا في عهد من أُقر، فهذا القانون تحديداً، والحديث يطول بشأن تفاصيله، الفضل فيه لقيصر أولاً، الذي وضع الأميركيين في ورطة أخلاقية صعبة، وثانياً لللوبي السوري في واشنطن، وثالثاً لأعضاء الكونغرس، ولو لم يُلحق القانون بميزانية وزارة الدفاع لما أُقر، أكان ذلك في عهد أوباما أو ترامب.. لا يهم.

وها نحن اليوم، مع ثالث رئيس أميركي منذ انفجار ثورة السوريين العظيمة، وربما أول ما يخطر في بال السائل، ما الذي سيفعله بايدن رئيساً ولم يفعله حين كان نائب رئيس؟ وأي جديد وهو يحيط نفسه بإدارة تحمل ذات نَفس إدارة أوباما.

من المبكر الحكم على ما قد يفعله هذا “الأوباماوي” العجوز، السياسي المحنك، إما لأنه سيسعى إلى وضع بصمته الخاصة كرئيس، أو لأن القضية السورية قد اختمرت فعلاً بناء على وصفة “أعطِ للحرب فرصة”، وأن الحالة اليوم قد أينعت وحان فصل القطاف.

اليوم، ومجدداً، روسيا تُصعد، وأميركا تتحدث عن مساعدات وفتح معبر أو اثنين، لكن كل ذلك يجري بالتزامن مع مفاوضات فيينا، حيث نقاش الملف النووي الإيراني، ولعل ما يحدث في سوريا لا يتجاوز كونه حلقة إضافية، ستتكشف نتائجها في الطريق بين طهران وواشنطن لا بين إدلب ودمشق، وليس حرياً بنا، نحن السوريون، أن نلدغ من جحر، ثلاث مرات.

المدن

————————–

سياسات بايدن الخارجية..أصعب من ترتيب فوضى ترامب/ لوري كينغ

بعد أقل من ستة أشهر على أدائه اليمين الدستورية بصفته الرئيس ال46 للولايات المتحدة، لم يكن ممكناً أن يبدو برنامج السياسة الداخلية لجو بايدن أكثر وضوحاً، على الرغم من أن هناك صعوبات تحول دون إتمامه، نظراً لمحاولات الجمهوريين “الصبيانية” لعرقلته ومواصلة استخدام ورقة التعطيل في مجلس الشيوخ.

من السهل تحليل ما يحاول بايدن فعله على صعيد الداخل الأميركي، فبعكس سلفه دونالد ترامب الذي تسبّب بخللٍ كبير في السياسة الداخلية الأميركية، نجح بايدن في وقف انتشار جائحة كورونا، تخفيف الأعباء المالية عن الطبقة العاملة والمتوسطة وإعادة كرامة وثقة السلطة التنفيذية للحكومة الأميركية.

قد يقول البعض أن بايدن يطمح لأن يكون نسخة القرن الحادي والعشرين للرئيس الأسبق فرانكلين ديلانو روزفلت، الذي لطالما كان يؤمن، كما الرئيس الحالي، بأهمية القطاع العام وشراكته المتوازية/ والمتقدمة على القطاع الخاص. بايدن، مثل روزفلت، أثبت قدرته على التعامل مع أزمات متعددة وحلّها، وخلق فرص عمل. مَهّدت الإدارات الثلاث الأولى لروزفلت (الرئيس ال32 للولايات المتحدة) الطريق للسيطرة الأميركية على العالم، سياسياً وتكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً، بعد الحرب العالمية الثانية، لتكون نقطة إنطلاقة للنفوذ الأميركي.

في المقابل، لا تبدو الأجندة السياسية الخارجية لبايدن واضحة. لكن هذا ليس خطأ بايدن وحده، بل لترامب الحصة الأكبر لأنه لم يُعِر اهتماماً كبيراً للسياسة الخارجية الأميركية فضلاً عن توجيه الشتائم إلى الصين وإقامة علاقات وثيقة مع قادة نرجسيين وطغاة آخرين مثله- كالرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي.

في عهد ترامب، عانت وزارة الخارجية الأميركية من أزمات عديدة. فمن ناحية كانت هذه الوزارة برئاسة شخصية غير كفوءة وانفعالية كمايك بومبيو، ومن ناحية أخرى، شهدت أيضاً تقاعداً مبكراً لعددٍ كبيرٍ من الدبلوماسيين المهنيين المتخصصين، فيما ظلت بعض مناصب سفارات أميركية شاغرة في الخارج. وفيما انتقد بايدن بشدة بن سلمان في مناسبات عديدة، ووصف بوتين بأنه “قاتل”، إلا أن هذا التصعيد في الكلام ليس نافعاً، لا بل رخيصاً، في ظل الإنتكاسة التي تعاني منها السياسة الخارجية الأميركية.

على الصعيد العسكري، كسب ترامب رضا الجماعات اليمينية في أميركا من خلال قصف قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا في نيسان/أبريل 2017، والإشراف على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020 بطائرة بدون طيار. كما نال ترامب رضا اليساريين من خلال عدم غزو أي دولة أو قصف المدنيين، وهو أمر كان كثيرون يخشونه في حال فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة الأميركية. وهو لم يولِ سوى اهتمامٍ ضئيلٍ للحرب المستمرة في أفغانستان، فيما تجاهل “هشاشة” العراق سياسياً. وكان تنظيم “داعش” قد خسر معركته وتوقفت عملياته، لذلك لم يكن ترامب مضطراً للتعامل مع هذا الكابوس.

وفي ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، قام ترامب بالاتفاق سراً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو وصهره ومستشاره الخاص غاريد كوشنر، لتولي سلسلة من قرارات السياسة الاميركية، ومنها: نقل السفارة الأميركية إلى القدس، موافقة واشنطن على السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان واعتبارها ملكاً لها في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي، غضّ الطرف عن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية حيث عانى سكان غزة من حصار قاتل، والأهم إلغاء خطة العمل الشاملة المشتركة حول الإتفاق النووي الإيراني المُبرم في عهد الرئيس باراك أوباما. ولكن يبقى التحالف بين إسرائيل ودول الخليج من أكثر التطورات في السياسة الخارجية المفاجئة لإدارة ترامب، وهو التحالف الذي كان له أثر بالغ في تقويض الدعم العربي للشعب الفلسطيني.

أما الصين، فكانت بمثابة “البيت الأسود” لترامب. فعقب انتشار كورونا، قام ترامب بتحفيز المشاعر المعادية لآسيا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، واصفاً الجائحة بأنها “انفلونزا الصين” (الفيروس الصيني). كما عزّز الكراهية ضد الآسيويين، التي أدت إلى مقتل العديد من الأميركيين الآسيويين. وهو لم يستطع مواجهة غضب المزارعين الأميركيين المتعثرين والعمال الصناعيين العاطلين عن العمل بسبب المشاكل المالية التي عانت منها الولايات المتحدة في عهده، فألقى اللوم على الصين. لكن في حقيقة الأمر، كان للحرب التجارية التي شنّها ترامب، التأثير الأكثر سلبيةً على الأميركيين وبعض حلفاء الولايات المتحدة.

ترتكز السياسة الخارجية والاقتصادية لبايدن أيضاً على الصين التي تعد الآن التحدي الأكبر لإدارته، ولعل أكثر ما يثير قلق إدارة بايدن هو تأثير الصين على المدى الطويل على الهيمنة الأميركية العالمية اقتصادياً وتقنياً وعسكرياً. ستكتب الصين الفصل التالي من تاريخ العالم، ولن تستطيع الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى أن تفعل شيئاً حيال ذلك.

بالطبع، هناك أسباب كثيرة تدعو لانتقاد الصين بدءاً من ارتكابها إبادة جماعية بحق أقلية الإيغور، عدم تقيدها بحقوق الإنسان في ما يخص سياسات المساعدات الخارجية، الطلب من متلقي المساعدات في إفريقيا دفع أثمان باهظة مقابلها، إضافة إلى أن برامجها التنموية والصناعية تعمل على تأجيج الأزمات البيئية وتساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري. وتعمل الصين بقيادتها الحالية على شن غزوات في الدول الآسيوية المجاورة، ومن المحتمل أن فيروس كورونا ما هو إلا سلاح بيولوجي تجريبي نشأ في مختبرات ووهان. لذا، لدى الولايات المتحدة ومعها العديد من الدول، أسباب وجيهة للقلق من الصين.

إذا أراد بايدن أن يركز على إعادة ترتيب الفوضى التي خلفها ترامب، فهو متورط أيضاً الآن في ترتيب الفوضى خلال رئاستيْ جورج بوش الأب والإبن في العراق وأفغانستان. (الجمهوريون موهوبون جداً في إحداث فوضى في السياسات الخارجية فيما يقوم لاحقاً الديمقراطيون بترتيب المنزل الداخلي الأميركي، وهذا ينجلي بمجرد العودة إلى الأحداث الكارثية في فيتنام وأميركا الوسطى والشرق الأوسط على مدى 50 عاماً).

إن إعلان إنسحاب جميع القوات الأميركية من أفغانستان بحلول 11 أيلول\سبتمبر، أي في الذكرى العشرين لهجمات تنظيم “القاعدة” على نيويورك وواشنطن- كان خطوة جريئة ولكن لها تداعياتها. وفي الصدد، يتساءل الديمقراطيون والجمهوريون عن خطة الطوارئ لإدارة بايدن بمجرد أن تستعيد حركة طالبان السيطرة على أفغانستان، وهو أمر حتمي. حتى كتابة هذه السطور، يبدو أن خطة بايدن تقوم على شن ضربات جوية عند الضرورة. هذه الخطة ليست الحل، بل هي تشكل فقط استفزازاً لطالبان والجماعات الأخرى التي تدعمها. كما من المؤكد أن سقوط أفغانستان مرة جديدة في دوامة العنف ستكون له تأثيرات غير مباشرة على إيران وباكستان، لكن يبدو أن وزارة الخارجية الأميركية لا تفكر بالتداعيات بعيدة المدى.

وينسحب نهج بايدن في أفغانستان أيضاً على العراق وسوريا، وهو “القصف أولاً” على أن يتم وضع خطة أميركية في وقت لاحق. وفي ما يتعلق بلبنان، وفي ظل عدم وجود سياسة أميركية محددة حوله، فإن الإدارة الأميركية تحاول غسل أيديها من هذا البلد الواقع في أزمات مزمنة وتحكمه مافيا فاسدة. ولعل السؤال الأبرز: لماذا نرسل الأموال لمساعدة اللبنانيين إذا كانت ستقع في حساب مصرفي تابع لسياسي فاسد؟ وبطبيعة الحال، إن النفوذ المتزايد ل”حزب الله” يعيق أيضاً إتخاذ موقف موحد للسياسة الأميركية في لبنان، كونه مرتبطاً بشكل كبير بالاعتبارات السياسية الأميركية الإيرانية. لذا يمكن إستنتاج أن الولايات المتحدة سعيدة بتفويض ملف لبنان إلى فرنسا.

وفي الوقت الذي سمح فيه ترامب لنتنياهو وكوشنر بتصميم سياساته الخارجية في ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، من المرجح أن يعيد بايدن إحياء سياسات عهد كلينتون، بالتركيز على حل الدولتين (المتجمد حالياً). كما سيحاول بايدن إعادة مفاوضات عملية السلام لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وبذل جهود أكبر في إنجاح الحوار. وفي الواقع، لا يبدو أن الإنتقاد المتزايد للناخبين الديمقراطيين، وما يقرب من نصف الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي، للفصل العنصري الإسرائيلي، يثير إنزعاجاً لدى بايدن، أقله حتى الآن.

من جهة، إن الحدّ من الهيمنة أو النفوذ الأميركي يجري على قدم وساق، ومن جهة أخرى، هناك تحديات عديدة وخطيرة في الداخل الأميركي، من بينها انقسام الشعب الأميركي حول أيديولوجيات التفوق الأبيض والإرهابيين المحليين، ما سيجعل من الصعب ألا يركز بايدن على السياسات الداخلية للولايات المتحدة، علماً أنه يقوم بجهود كبيرة مع فريقه لوضع أجندة سياسة خارجية متماسكة.

مع اقتراب النفوذ الأميركي من نهايته، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لا تملك الإرادة ولا القدرة ولا الموارد المالية لتلبية توقعات وأنشطة القوات العسكرية الأميركية في الخارج.

إن المشاكل التي تعاني منها الولايات المتحدة في الداخل عميقة ومثيرة للقلق. لقد شكّلت حقبة الحرب الأهلية الأميركية المزيد من الأخطار على بقاء الاتحاد الأميركي. لذا، من المتوقع أن يعتمد الناخبون في إقتراعهم في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 على السياسات المحلية وليس الخارجية للمرشح. وبالتالي، لن يكون غياب وجود أجندة سياسية خارجية متماسكة لبايدن عقبة كبيرة أمام الديمقراطيين، الذين يسعون لإعادة انتخابهم.

المدن

————————-

بايدن “تحت رحمة” بوتين بعد الانسحاب من أفغانستان.. فماذا سيفعل الرئيس الروسي لواشنطن؟

عربي بوست

فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها من غزو أفغانستان، وانسحبت بعد عقدين كاملين، والآن ترتبط أي خطط مستقبلية تسعى إدارة جو بايدن إلى وضعها بموافقة بوتين، الذي وصفه بايدن “بالقاتل”.

فمنذ إعلان الرئيس الأمريكي أن بلاده ستنهي انسحابها من أفغانستان قبل الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، يسعى كبار المسؤولين في إدارته إلى التوصل لاتفاق مع أي من دول آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان، للسماح بتمركز قوات أمريكية قادرة على التدخل لمنع ما قد تراه واشنطن تهديداً لها مصدره أفغانستان.

لكن تحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة من “خصم أزلي” حتى تتمكن من تخليص نفسها من أطول حرب خاضتها أمريكا، والمقصود هنا هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية، عنوانه “كيف يستطيع بوتين تعطيل خطط بايدن لما بعد الانسحاب من أفغانستان”.

أي مأزق يواجهه بايدن بعد الانسحاب؟

تواصلت إدارة بايدن في الأسابيع الأخيرة بهدوءٍ مع حكومات آسيا الوسطى، أملاً في استخدام واحدة أو أكثر من أراضي هذه الدول لاستضافة قواعد لها، بعد إكمال الانسحاب من أفغانستان، إذ لدى الولايات المتحدة مطلبان أساسيان: مركز انطلاق كي تواصل من خلاله مراقبة ما يحدث في أفغانستان، واستضافة مؤقتة لآلاف الأفغان الساعين للحصول على تأشيرات إلى الولايات المتحدة.

فالتساؤلات المزدوجة المتعلقة بالوصول إلى طريقة لمراقبة ما يحدث على الأرض، وتأمين الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية بعد انسحاب الولايات المتحدة صارت أكثر إلحاحاً يوم الجمعة 2 يوليو/تموز، حينما تركت القوات الأمريكية قاعدة باغرام الجوية، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية لها في أفغانستان ومركز الحرب الأمريكية هناك لأكثر من عقدين. وحتى الثلاثاء 6 يوليو/تموز، أتم الجيش الأمريكي 90% من عملية الانسحاب، وذلك حسبما أفادت القيادة المركزية.

جنود أمريكيون في أفغانستان، رويترز

وكان المقترح حاضراً ضمن الأجندة يوم الخميس 1 يوليو/تموز، عندما التقى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مقر وزارة الخارجية بنظرائه من طاجيكستان وأوزبكستان، اللتين تعدان الدولتين الأقرب من بين دول آسيا الوسطى الست التي ينظر إليها مخططو الجيش الأمريكي من أجل تنفيذ هذه الخطة، وذلك وفقاً لمصدر من الكونغرس.

تجاور كلتا الدولتين أفغانستان، ويمكن أن تسمح كلتاهما بدخول أفغانستان مرة أخرى أسرع من القواعد الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط ومن حاملات الطائرات المتمركزة في مياه الخليج، التي تبعد مئات الأميال.

كذلك التقى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بوزير خارجية طاجيكستان الجمعة 2 يوليو/تموز. وفي غضون ذلك، سافر مبعوث الولايات المتحدة إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، إلى طاجيكستان في مايو/أيار. لم تأت بيانات اجتماعات بلينكن المنعقدة يوم الجمعة على أي ذكر للمقترح، لكنها ذكرت أن المسؤولين اتفقوا على أن إنهاء الصراع الأفغاني يمكن أن يفيد المنطقة.

لماذا تحتاج أمريكا لموافقة روسيا؟

يتمثل المأزق الأمريكي في كل تلك التحركات في قدرة موسكو على استخدام نفوذها الاقتصادي والعسكري في المنطقة لتعطيل هذه المخططات، وذلك حسبما يقول مسؤولون وخبراء أمريكيون.

لن تكون هذه المرة الأولى التي تتمركز فيها القوات الأمريكية في آسيا الوسطى دعماً للحرب الأفغانية، لكن احتمالية الوصول إلى اتفاقية كهذه مع إحدى دول آسيا الوسطى تبدو غير محتملة الآن، بالنظر إلى تعكر صفو العلاقة بين واشنطن وموسكو، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة.

ومن الواضح أن قمة بايدن وبوتين في جنيف، يونيو/حزيران الماضي، لم تحقق الكثير لتنقية الأجواء بين البلدين، رغم عودة السفراء إلى ممارسة مهامهم. وبالتالي فإن ما وصفه البعض “بالكابوس” الذي يواجهه بايدن في أفغانستان بعد الانسحاب يضع الرئيس الأمريكي تحت رحمة نظيره الروسي، بعد أن كان بايدن قد وصف بوتين “بالقاتل”، في معرض التعليق على اعتقال المعارض الروسي الأبرز أليكسي نافالني.

والقصة هنا تتعلق بكون غالبية الدول التي “تغازلها” واشنطن حالياً تعتمد على روسيا -وعلى الصين بدرجة ما- على صعيد الصادرات، وكذلك المعدات العسكرية والتدريب. إذ تحتاج جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة إلى موافقة ضمنية من موسكو كي تسمح للقوات الأمريكية بالتمركز فوق أراضيها، وهو ما يقوله الخبراء.

فالعلاقات التي تجمع دول آسيا الوسطى بروسيا تصعّب من أن تطلب منها الولايات المتحدة استضافة آلاف المترجمين الأفغان والآخرين الذين ساعدوا القوات الأمريكية خلال الحرب.

وقال تيمور عمروف، مستشار الأبحاث في مركز كارنيغي في موسكو، لبوليتيكو إن روسيا لا تطلب من مواطني البلاد التي ترجو أمريكا تنفيذ مخططها فيها، الحصول على تأشيرة لدخول البلاد -وهي أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان- ولذا سوف يتوجب على موسكو إضافة مزيد من التدابير الأمنية للسيطرة على الحدود. فضلاً عن أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والموجة الأخيرة من الجائحة تعني أن هذه البلاد لن توافق على الأرجح على قبول مزيد من المهاجرين.

جمهوريات الاتحاد السوفييتي تعتمد على روسيا

عندما يتعلق الأمر بتمركز القوات الأمريكية، فمن المؤكد أن روسيا لن تتقبل الفكرة بسماحة، بحسب عمروف، مع أن طاجيكستان لديها تاريخ شهد على العمل مع الولايات المتحدة، بما في ذلك السماح لطائرات الجيش الأمريكي بالتزود بالوقود من مطارات البلاد في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، تشهد العلاقات فتوراً مع الولايات المتحدة، إذ إن رئيس طاجيكستان، إمام علي رحمن، الذي لا يزال في السلطة منذ تسعينيات القرن الماضي لم يزُر الولايات المتحدة منذ عام 2002.

وعلى الصعيد العسكري، تعد طاجيكستان عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو تحالف عسكري من بعض دول الاتحاد السوفييتي السابقة، وتستضيف بالفعل قاعدة عسكرية روسية على أراضيها. وتُشيّد الصين هي الأخرى موقعاً على الحدود مع أفغانستان.

قال عمروف إن روسيا والصين لديهما اليوم كل الأسباب الوجيهة لعرقلة خطوة تمركز القوات الأمريكية في طاجيكستان، أو في أي دولة أخرى من دول آسيا الوسطى. في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول قبل 20 عاماً، تشاركت موسكو وبكين مع واشنطن في المخاوف المتعلقة بأفغانستان، لكن ذلك التهديد انحسر الآن، والمنافسة بين الدول الثلاث اشتدت. أضاف عمروف أن روسيا على وجه الخصوص ترى أن جهود أمريكا في أفغانستان ما هي إلا طريقة أخرى لتقليص نفوذ روسيا. وتابع قائلاً: “ثمة تفاهم بين موسكو وبكين حول هذه المسألة. وآسيا الوسطى لن تغامر بخسارة علاقاتها طويلة الأمد مع روسيا والصين لمساعدة الولايات المتحدة”.

ومن بين الدول المجاورة لأفغانستان -وهي الصين وإيران وباكستان وأوزبكستان وتركمانستان- تبدو الخيارات المتبقية محدودة أمام واشنطن. فبعد استبعاد الصين وإيران من هذه الحسبة، أغلق رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، الباب بعبارات لا لبس فيها أمام احتمالية تمركز القوات الأمريكية في البلاد.

أما تركمانستان، التي وصفها عمروف بأنها “كوريا الشمالية في آسيا الوسطى”، فلم تعرب عن أي اهتمام بالتعاون مع الولايات المتحدة على صعيد الصراع في أفغانستان، بل والأكثر من ذلك أنها أكثر اعتماداً على بكين من بقية جيرانها.

تشكل أوزبكستان إذن أكثر الفرص الواعدة بالنسبة للبلاد التي تشترك في حدودها مع أفغانستان، وذلك حسبما قال الخبراء، إذ إنها أقل اعتماداً على روسيا والصين من الدول الأخرى، وليست عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ولا تستضيف أي قواعد عسكرية أجنبية، وفي غضون ذلك أعاد الرئيس شوكت ميرضيايف العلاقات مع الولايات المتحدة، حتى إنه زار واشنطن مؤخراً.

وتملك أوزبكستان تاريخاً من إيواء القوات الأمريكية، فقد أجّر الرئيس الأوزبكتساني آنذاك، إسلام كريموف، قاعدة كرشي خان آباد الجوية إلى الأمريكيين بين عامي 2001 و2005. إضافة إلى أن العاصمة الأوزبكستانية طشقند كانت مقراً لضابط الاتصال المكلف من حلف الناتو في آسيا الوسطى.

غير أن عمروف قال إن احتمالية استضافة قوات أمريكية في أوزبكستان بعد الانسحاب سوف يقابَل على الأرجح بمعارضةٍ شديدةٍ من كل موسكو وبكين، وكذلك من المجتمع الأوزبكستاني، الذي يرى أن أي تدخل في الصراع في أفغانستان يحمل آثاراً سلبية.

وتجدر الإشارة إلى أن أي اتفاق لتمركز القوات سوف يتطلب تغيير القانون الأوزبكستاني، إذ ينص القانون الحالي على عدم السماح بتمركز أي قواعد أجنبية على الأراضي الأوزبكستانية، وذلك حسبما قال عمروف.

غياب الثقة في الولايات المتحدة

يمكن أن تنظر إدارة بايدن إلى أبعد من هذا المحيط، مثل قيرغيزستان، التي لا تتشارك حدوداً مع أفغانستان، لكنها لديها تاريخ من استضافة القوات الأمريكية. بيد أن قيرغيزستان، مثل طاجيكستان، تعتمد اعتماداً كبيراً على تحويلات الأموال التي يرسلها العمال المهاجرون إلى روسيا، وعلى الاستدانة من الصين، وذلك وفقاً لعمروف، الذي أضاف أن المشكلة الأكبر بالنسبة لواشنطن تكمن في الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد. فقد شهدت قيرغيزستان ثلاث ثورات في الـ15 سنة الماضية، وإذا استمر انعدام القدرة على التنبؤ بالأوضاع فقد تعجز وزارة الدفاع (البنتاغون) عن ضمان أمن القوات الأمريكية داخل البلاد.

وفي غضون ذلك، تبدو كازاخستان خياراً أقل جدوى؛ نظراً إلى أنها تقع بين روسيا والصين، وتعد أحد أقرب حلفاء موسكو وأحد أكبر الشركاء التجاريين للصين في المنطقة، بجانب أن بُعدها عن أفغانستان يجعلها موقعاً أقل حيوية بالنسبة للقوات الأمريكية التي ستنتقل منها وإليها.

لعل واشنطن تستطيع بدرجة ما الاستفادة من تخفيف العقوبات ومنح الاعتراف الدولي مقابل الحصول على اتفاق، مثل أن تساعد أوزبكستان في تحقيق هدفها الرامي إلى الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية.

لكن الطريقة الوحيدة في العموم لدى إدارة بايدن للوصول إلى اتفاق لتستضيف إحدى دول آسيا الوسطى قاعدةً للقوات الأمريكية على أراضيها، تكمن في إقناعها بأن “المزايا السياسية والمالية لهذا التعاون سوف تتجاوز الخسائر الأكيدة التي ستتكبدها دول آسيا الوسطى بكل تأكيد، نتيجة رفض روسيا والصين”، وذلك حسبما قال عمروف. وتابع قائلاً: “لا يمكن وصف آسيا الوسطى بأنها أولوية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. في الوقت الحالي تستوعب آسيا الوسطى أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لموازنة ثقل روسيا والصين في المنطقة، لكنها تحتاج إلى آسيا الوسطى من أجل المصالح قصيرة الأمد”.

————————————-

الانسحاب من أفغانستان يرسم معالم “الهلال السنّي”/ منير الربيع

يعيش العالم مرحلة تحولات سياسية وثقافية كبرى تبدأ من داخل الولايات المتحدة الأميركية. في أميركا توجهات متعددة منقسمة بعضها على بعض. قوى اليمين المحسوبة على دونالد ترامب، وجماعة اليسار المتطرف، وصراع الثقافة والحضارة الذي تقوده هذه المجموعة حول بداية التاريخ الأميركيي وإعادة صياغته من جديد وهل يجب اعتبار التاريخ قد بدأ في العام 1619 وليس في العام 1776 أي أن أميركا بنيت ما قبل إعلان المؤسسين إنشاءها بل بنيت على ظهور العبيد. أما المجموعة الثالثة فهم أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع التي ترتكز على الحرية الأميركية وتصدير هذا المشروع للعالم. أما المجموعة الرابعة فهي التي تريد الحفاظ على أميركا كما هي عليه تحت عنوان “رفض موت أميركا” في إشارة إلى الصراع الكبير بين توجهات متناقضة، والذين يعتبرون أنه لا يمكن إبقاء أميركا كقوة عالمية وحيدة أو التسليم بالأحادية القطبية، إنما لا بد من الاعتراف بالصين وفي كيفية التعاون معها أو التعاون مع دول أخرى في سبيل إيقاف مشروعها التوسعي الكبير.

في مقارنة مع الثلاثين سنة الماضية، يظهر تنامي النفوذ الصيني إلى جانب النفوذ الأميركي عالمياً، ولا يمكن اعتبار أن النفوذ الأميركي قد انحسر في السنوات الماضية، بل توسع في مناطق عدة شرقية وغربية، في حين أن الصين عملت على تعزيز نفوذها في أفريقيا وآسيا، بينما فرنسا تراجع نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، أمّا من حقق تقدماً كاسحاً على صعيد اكتساب النفوذ في أوروبا فهي ألمانيا. على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن النظر إلى الشرق الأوسط ودوله وأقاليمه سوى كبيادق بسيطة في تلك المعركة الكبرى.

تنشغل الولايات المتحدة الأميركية بشؤونها الداخلية، لذلك تنسحب من مناطق عدّة، ما يرمز إلى تراجعها، كما هو الحال بالنسبة إلى الانسحاب من أفغانستان والعراق وسحب الأسلحة الثقيلة من الخليج. ما يؤشر إلى أن هذه المنطقة ليست ذات أهمية كبرى بالنسبة للأميركيين كما كان الوضع في العقود السابقة. يعتبر الأميركيون أنه لم يعد من مجال لخوض معارك النفوذ بشكل مباشر كما حصل في أفغانستان والعراق وحتى في دول الخليج، إنما الارتكاز على جهات إقليمية متعددة، وهي السياسة نفسها التي تتبعها الصين وتقوم على فن إدارة التناقضات، على غرار العلاقة القوية بين الصين وإيران، والعلاقة القوية بين الصين ودول الخليج في الوقت نفسه. وهنا لا يمكن إغفال الصراع الروسي الصيني على مناطق النفوذ في العالم، فمثلاً دخول الصين إلى كازاخستان وقرغيزستان وغيرها يعدّ من المحرمات الروسية.

بناء على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن للأميركيين والروس إلا أن يتعاونوا فيما بينهم، بغض النظر عن الخلافات المستمرة حالياً، لا يريد الطرفان أيّ تقوية أو اتساع للنفوذ الإيراني الصيني في لبنان وسوريا والعراق وغيرها، بينما هناك جهات دولية متعددة تفضل وجود نفوذ أميركي روسي في هذه المنطقة بدلاً من الدخول الصيني الإيراني إليها.

انسحاب الأميركيين من أفغانستان سيكون له انعكاسات سلبية جداً على إيران التي تتخوف من انفلات الوضع الأفغاني وارتداداته السلبية عليها. لذلك عملت إيران على سحب أكثر من خمسة آلاف مقاتل أفغاني من الهزارة من سوريا إلى الحدود الإيرانية الأفغانية تحسباً لحصول أي توترات عسكرية. وهناك حساب قديم بين الأفغان والإيرانيين، ففي العام 1998 دخل عناصر طالبان إلى مزار شريف وتم قتل الآلاف من الهزارة وقتل بينهم نحو 20 دبلوماسياً إيرانياً. وعند حصول الاجتياح الأميركي لأفغانستان كان هناك موقف ايراني داعم له، من خلال مساندة الهزارة الموالين لإيران للجيش الأميركي في مواجهة طالبان. وفي العام 2001 بعد احتلال أميركا لأفغانستان، قام الهزارة بإلقاء القبض على الكثير من عناصر طالبان ووضعوا في قطارات وأرسلوا إلى كابول وحصلت مجزرة بحقهم.

قبل أيام أطلق المسؤولون الإيرانيون مواقف تحذر من الاشتباك مع عناصر طالبان، تستشرف إيران الكثير من المخاطر من جراء الانسحاب الأميركي من أفغانستان على قاعدة أن رياح المخاطر تهب من الشرق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من الطالبان هم من البلوش الموجودين بكثرة في إيران. هذه المستجدات لا بد من ربطها بالدور التركي في أفغانستان بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا سينعكس مزيداً من النفوذ لتركيا في المنطقة وخصوصاً في سوريا، ففي مواجهة الهلال الشيعي، سيكون هناك هلال سني ولكنه غير عربي يمتد هذا الهلال من تركيا إلى باكستان وأفغانستان يطوق الهلال الشيعي. هذه الحسابات الاستراتيجية كلها ستقود إلى متغيرات جيوستراتيجية كبرى في هذا الجانب من العالم. هذا كله سيدفع إيران إلى اللجوء للولايات المتحدة الأميركية طلباً للحماية، والتي يفترض أن تبدأ إنجاز الاتفاق النووي، وتسعى إلى تفاهم مع الأميركيين والعرب على الوضع في العراق كي لا تصبح بين فكي كماشة، الأولى عربية تمتد من العراق إلى الأردن ومصر إلى جانب دول الخليج، بينما في الجهة الأخرى هناك هلال سني يطوق الهلال الشيعي.

تلفزيون سوريا

————————–

الموقف الأمريكي من الثورة السورية/ كمال اللبواني

لم يتغير موقف أمريكا من الثورة السورية كثيراً منذ بدايتها وحتى الآن رغم تغير الإدارات والأحداث، فهي متمسكة بما نصّ عليه قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وقبله بيان جنيف واحد، أي دعم إرادة الشعب السوري في اختيار السلطة التي يريد، وتمكينه من حقوقه التي نصّت عليها الشرعة الدولية، والحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها، ومعاقبة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.

لكنها أبداً لم تتوعد ولم تفكر جدياً بالتدخل العسكري بعد تجربتها الكارثية في العراق، فهي لن تتدخل لتغيير نظام الحكم أو لفرض نظام معين، كما لن تساعد أي نظام لا يحترم قيم المجتمع الدولي وحقوق الإنسان، بعد كارثة العراق حصرت تدخلها ضمن مسؤولياتها الدولية وضمن النظام الدولي، الذي عطله الفيتو الروسي الصيني ١٦ مرة حتى الآن فيما يخص سوريا.

فالعقدة إذاً ليست عدم قدرة أمريكا أو عدم إرادتها، بل القيود التي قيدت بها نفسها بعد خسارة العراق وتدميره، وإصرارها على تفعيل المسؤولية الدولية وفق النظام العالمي الذي ساهمت في صنعه منذ مشاركتها الحرب العالمية الثانية (من وجهة نظرها) يجب أن تشجع احترام هذا النظام، ومعاقبة الدول المارقة، ولا يجوز لها أن تتصرف خارجه كدولة مارقة تشجع الآخرين.

وهذا ما يعتبره البعض تحايلاً وتنصلاً من المسؤولية، بعد أن تدخلت بشكل سافر في أفغانستان والعراق ومن دون تفويض دولي، رافضين تفهم الندم الأمريكي، وحجم الرفض الشعبي لأي تدخل عسكري خارجي غير ضروري، فأمريكا لم تعد تعتبر نفسها شرطي العالم والمسؤولة عن الشعوب، بعد أن بدأت المنافسة الاقتصادية تقوّض اقتصادها وهيمنتها وتقييدها داخل حدودها بل تقتحم بنياتها.

أمريكا تدخلت كما هي العادة لمحاربة الإرهاب الذي يطالها ويهددها، وسبق له وضربها في عقر دارها، ولم تتدخل لمحاربة مجرمي الحرب والإرهابيين الذين يقتلون الشعب السوري لكنهم لا يهددوها هي، بينما دعمت دول إقليمية هذا الإرهاب وحاولت إلصاقه بالثورة السورية، ونجحت إلى حد كبير بسبب قابلية المعارضة السورية التي يهيمن عليها الإخوان، والدول الداعمة لهم، والاستعداد الطبيعي للحاضنة الشعبية للسقوط في هذه الحفرة التي حفرها النظام السوري بمساعدة دول وأنظمة حليفة، عندما هيمنت داعش على معظم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ثم أكملت النصرة وأخواتها على البقية، وقضت بشكل تام على الثورة والثوار، وأخضعتهم لسلطتها، وهكذا تنصّلت أمريكا من أي دعم للثورة ووقفت موقف المتفرج على صراع الخصوم فوق أرض سوريا.

ضغط المسألة الإنسانية لم يكن كافياً لتحريك الآلة العسكرية الأمريكية، لكنها استخدمت وسائل الضغط الاقتصادي والقانوني والديبلوماسي، وما تزال، والذي لن يعطي نتائجه بالسرعة اللازمة التي يجب أن تعالج بها مسألة جرائم الحرب، هذه البلادة الأمريكية تعطي النظام السوري وإيران وحلفائهما الوقت الكافي لتحقيق انتصار المجرمين وضياع حقوق الضحايا، من وجهة نظر الشعب السوري، يمكن توصيف هذه البلادة بالتآمر ضد الشعب، وهو ما تستفيد منه المنظمات الجهادية التي لا ترى مخرجاً قبل هزيمة المشركين المتعاونين معاً على قتال الإسلام والقضاء عليه.. ليست هذه النتيجة السلبية الوحيدة لتلك السياسة البليدة، بل أيضا تقارب وتفاهم ثم تحالف طرفي التطرّف الإسلامي الشيعي والسني معاً، والذين راهنت أمريكا وأوروبا على استنزافهم ببعضهم، فاتفقوا معاً رغم خلافاتهم على عداء الغرب وأمريكا ونشر الإرهاب في العالم.. فهل تصحو أمريكا وتفهم أن تأجيل العدالة يخدم فقط استمرار وشيوع الجريمة، وأنّ العدالة ليست كالسياسة ذات نفس طويل؟.

—————————

===================

تحديث 09 تموز 2021

—————————

قرار بايدن بمغادرة أفغانستان: تفهّم حيثياته شيء وتسويق عواقبه شيء آخر/ فكتور شلهوب

تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، مطولاً عن قراره الانسحاب من أفغانستان والسرعة الجاري فيها تنفيذه. مؤتمره الصحافي الذي خصّصه لهذا الموضوع، والذي ردّ خلاله على أسئلة أكثر من أي مرة سابقة، جاء وسط تزايد التشكيك بصوابية خطوته، والتحذيرات من عواقبها، الأفغانية والأمنية والاستراتيجية. المسوغات التي سبق وقدّمها في هذا الخصوص، لم تكن كافية لحسم الجدل حول الموضوع، ناهيك عن الاصطفاف وراء قراره. مسألة الانسحاب، المفترض وفق حساباته أن تتحول إلى إضافة في رصيده، بدأت تتسبب له بـ”وجع رأس”.

في الآونة الأخيرة، توسعت دائرة المتخوفين من تبعات المغادرة الأقرب إلى “الهرولة”، وتسجيل المآخذ على القرار “المتسرّع”. لذلك، كانت عودة الرئيس أمس إلى حيثياته التي شرحها بصورة مفصلة، معززة بالأرقام والمبررات المبنية على تجربة العقدين الأخيرين في أفغانستان، علّها توقف الإدانة المسبقة لقراره. مطالعته المستندة إلى وقائع عنيدة، والتي قدّمها من زاوية الحرص على وقف النزف المزمن والمسدود الأفق، تحظى بالتفهم. المفارقة أنها لا تساعده على تسويق نفض اليد من تداعيات وعواقب الانسحاب.

طوال المؤتمر الصحافي، بقي الرئيس في موقف الدفاع. استعان بأرقام الكلفة البشرية والمالية العالية لتعزيز حجته. شدد على أهمية قراره من ناحية أنه وضع نهاية “لأطول حرب” أميركية، لن يقبل أن يقوم بزج “جيل أميركي جديد” في أتونها. وأضاف أن تمديدها “ليس الحل”، بقدر ما هو وصفة “لحرب مفتوحة”. وإذا كانت المهمة دفاعية، فإن لدى أفغانستان “قوة عسكرية كبيرة من 300 ألف رجل”، يمكنها الدفاع عن البلاد “إذا ما توفر التماسك في قيادة البلد”، ولا سيما أن أميركا “حققت غرضها فيه”، من خلال الإطاحة بـ”طالبان”، وأن مهمتها فيه “لم تكن لبناء الدولة”.

وذكّر بأن أفغانستان “استعصت على إمبراطوريات سابقاً، ولم تكن مرة موحدة”. خطاب موجه للأميركي العادي الذي يستسيغ هذه اللغة، بقدر ما كان مصمماً على إزالة أي اعتقاد بأن قراره كان بمثابة هروب يحاكي الرحيل الأميركي الأخير من فيتنام. ويُذكر أن مثل هذا التشبيه تردّد في أكثر من تقرير وتعليق وتحليل، خصوصاً لجهة التخلي عن “المترجمين والمتعاملين” مع القوات الأميركية من المواطنين المحليين. وهذه مسألة أثار تعاطي الإدارة معها تساؤلات وشكوكاً كثيرة، بعد التباطؤ في إصدار تأشيرات دخول هؤلاء الأشخاص – أكثر من 17 ألف أفغاني – إلى الولايات المتحدة للإقامة فيها هرباً من احتمالات ملاحقتهم من جانب “طالبان” بعد الانسحاب الأميركي. وزاد من الارتياب أن تصريحات المسؤولين في هذا الموضوع راوحت بين الغموض والتسويف، بزعم أن الجهات المختصة تنتظر صدور تشريع من الكونغرس للاستناد إليه في تخليص أوراق انتقالهم إلى أميركا. وحتى الآن، ما زال الالتباس سيد الموقف بهذا الخصوص. الرئيس بايدن قال إن لهؤلاء العناصر والعائلات “منازل في أميركا إذا أرادوا”، علماً أنه لم تصدر حتى الآن سوى “2500 تأشيرة دخول، نصف أصحابها فقط غادروا أفغانستان”، والباقي من العدد الأصلي يجري استكمال معاملاتهم لنقلهم “إلى بلدان ثالثة”.

تقدّم “طالبان” بدأت الإدارة تتحسس وطأته. انعكس ذلك في إجابات المسؤولين المرتبكة عمّا يمكن أن تقوم به لو تهدّدت كابول بالسقوط. الرئيس قال إن واشنطن “لا تقوى على عمل الكثير”، بعد أن كان قد استبعد مثل هذا الاحتمال، بينما تصريح المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بدا خليطاً من الاندفاع والضبابية، حيث قال إن الإدارة ستقرّر في هذه الحالة “ما قد تفعله إذا انطوى مثل هذا التطور على أخطار تجاه أميركا”.

ما يؤرق أصحاب المآخذ على قرار بايدن أن القوى الدولية المنافسة لواشنطن لا بد أن تقرأ هذا الانسحاب كحلقة في مسلسل انسحابي بدأ مع فيتنام، وتوالى بعدها في العراق عام 2011، ثم في شرق سورية في 2018، والذي كاد أن يتم لولا إلحاح البنتاغون على التأجيل. والآن يأتي الخروج من أفغانستان مع تلميحات بشأن مغادرة لاحقة من العراق. وفي الاعتقاد أن الصين لا بد أنها تراقب هذا التطور بدقة، لتوظيف دروسه في الصراع البارد الجاري مع واشنطن.

مراوحة حرب أفغانستان لمدة عقدين وانسداد مخارجها الميدانية والسياسية، قلّصا الخيارات حتى للمعترضين على بايدن. الكل يسلّم بأن البقاء المديد في أفغانستان غير مقبول. لكن لا أحد يملك تصوراً يتعدى تأجيل الانسحاب من دون تحديد نهايته. حتى الصقور، مثل السفير والمستشار السابق جون بولتون، ليس لديه سوى تصنيف خطوة بايدن بأنها “غلطة خطيرة بحق الأمن القومي الأميركي، وستكون لها تداعياتها المخيفة”. لكن ليس لديه بديل محدد غير التمديد. “أخطاء كثيرة وقعت خلال العشرين سنة وأدت إلى مثل هذا القرار”، حسب المؤرخ كارتر مالكازيان. ومن هذه الأخطاء “الانشغال بحرب العراق”.

العربي الجديد

—————————-

عن التوتر الأميركي – الصيني/ أسامة أبو ارشيد

لم يفوّت الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في كلمته التي ألقاها في الثلاثين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، ضمن احتفالات الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي في الصين، فرصة توجيه رسائل تحذير شديدة اللهجة إلى خصوم بلاده، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية. قال بينغ إن “زمن التنمّر على الصين ولّى إلى غير رجعة”، وإن “كل من يجرؤ على القيام بذلك سيُسحَق رأسه ويُخضب بالدماء على سور الفولاذ العظيم الذي صنعه ما يربو على 1.4 مليار صيني”. وشدّد على أن النهضة التي تشهدها بلاده، عسكرياً واقتصادياً، هي “مسيرة تاريخية لا رجعة فيها”. جاء ذلك موازياً لحملة أميركية مكثفة تسعى إلى شيطنة الصين وتقديمها أنها التحدّي الجيوسياسي الأبرز للولايات المتحدة.

معروف أن التوتر الأميركي – الصيني يعود إلى عام 1949، وذلك عقب سيطرة الشيوعيين على الحكم بزعامة ماو تسي تونغ. ولم تفلح محاولات الولايات المتحدة منذ عام 1972، تحت إدارة ريتشارد نيكسون، في كسب الصين إلى جانبها ضد الاتحاد السوفييتي، على الرغم من أنها اعترفت بجمهورية الصين الشعبية عام 1979، وأقرّت مبدأ “صين واحدة”، بمعنى أن تايوان جزء منها، من دون القبول بضمّها بالقوة. ومع ذلك، نجحت إدارة نيكسون في منع حدوث تحالفٍ بين بكين وموسكو، مستفيدة من توترات إيديولوجية بينهما. وشهد العقدان الماضيان تصاعداً أكبر في منحنى التوتر الأميركي – الصيني، وتضاعف أكثر خلال سنوات إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. إلا أن هذا التوتر اكتسب مزيداً من الزخم مع وصول جو بايدن إلى الرئاسة، وإعلان البيت الأبيض، رسمياً، عبر وثيقة “التوجيهات الاستراتيجية المؤقتة” في شهر مارس/ آذار الماضي، أن الصين تمثل “المنافس الوحيد المحتمل القادر على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحدٍّ مستدام لتحقيق الاستقرار، ونظام دولي مفتوح”. بمعنى آخر، التحدّي الروسي يصبح هامشياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة إذا ما قورن بنظيره الصيني.

ثمَّة من يرى أن الولايات المتحدة والصين عالقتان اليوم في “حربٍ باردة”، لكن أساسها التنافس التجاري والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، لا الإيديولوجي. وحسب الخبراء أنفسهم، فإن الطبيعة المشحونة للعلاقات المشتركة ما هي إلا تعبيرٌ عن طبيعة التغييرات التي يشهدها ميزان القوى الدولي، بما قد يُؤذن بإرساء أسس نظام عالميٍّ جديد، لا تبقى فيه اليد العليا للولايات المتحدة، وهذا أكثر ما تخشاه هذه الأخيرة. عملياً، الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي، تليها الصين، كذلك فإن الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية عالمية، تليها روسيا فالصين. إلا أن بكين تقلّص الفارق الاقتصادي بشكل مطّرد مع واشنطن، وهي قد تتجاوزها خلال عقد واحد أو أقل، كذلك فإنها تبني ترسانةً عسكريةً ضخمةً قادرة على تحدّي الولايات المتحدة في المحيط الجيوستراتيجي الصيني، وقد تكون قادرةً على منافستها عالمياً خلال عقدين ونصف عقد.

تتعدّد جبهات المنافسة بين العملاقين الدوليين، فهناك الميزان التجاري بينهما، الذي يميل بشدة إلى مصلحة الصين، وهو ما دفع إدارة ترامب إلى شنِّ حرب تعريفاتٍ جمركيةٍ في محاولة لتعديل ذلك الاختلال، وقد حافظت إدارة بايدن على هذه التعريفات. أيضاً، هناك التنافس على بحرَي الصين الجنوبي والشرقي، اللذين ترى فيهما الصين، وتحديداً في البحر الجنوبي، منطقتين اقتصاديتين خالصتين لها وأنها تملك السيادة عليهما، وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة بشدّة، وتصرّ على أنهما وممرّاتهما المائية مناطق دولية خالصة، تخضع لقانون البحار الدولي. وبالتالي إن حرية الملاحة الدولية مضمونة فيهما. ومعلوم أن ثلثي التجارة العالمية يمرّ عبر ذَيْنكَ البحرين. ثمَّ هناك التنافس على النفوذ في شرق آسيا. وكذلك التنافس على الهيمنة الاقتصادية العالمية، ومحاولة الولايات المتحدة احتواء مبادرة الصين الاقتصادية الدولية المعروفة بـ”الحزام والطريق”. وهناك الاتهامات الأميركية للصين بقرصنة تكنولوجيا شركاتها، المدنية والعسكرية، وعدم احترام الملكية الفكرية، فضلاً عن اتهاماتٍ بعدم احترام حقوق الإنسان، إلخ.

ملخص ذلك أن الولايات المتحدة ترى أن الصين تهدّد “قواعد النظام الدولي الذي يضمن الاستقرار العالمي”، وأنها، حسب بايدن، تسعى إلى أن تصبح أغنى وأقوى دولة وفرض استبدادها القمعيِّ على العالم، وهو ما لن تسمح به واشنطن. في المقابل، وكما أشار بينغ في خطابه سابق الذكر، تشعر بكين بالإهانة جراء أكثر من قرنٍ من الاستخفاف الغربي والياباني بها، الذي وصل إلى حد غزوها واستعمار أجزاء منها في القرنين التاسع عشر والعشرين. وكانت بريطانيا قد شنّت حربين على الصين في القرن التاسع عشر، تعرفان بـ”حرب الأفيون”، ساندتها فرنسا في الثانية، وتمكّنت قواتهما من دخول بكين نفسها، وأبقت بريطانيا على احتلالها هونكغ كونغ من 1841 حتى 1997. واحتلت اليابان بعض جزر الصين، بينها تايوان، أواخر القرن التاسع عشر، وفي 1931 احتلت إقليم منشوريا، واستمر احتلالها لها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، التي كانت اليابان ضمن الدول التي خسرتها بعد التدخل الأميركي والسوفييتي إلى جانب قوات الحلفاء. ولا تُخفي الصين شعورها بالإهانة أيضاً من تعامل الولايات المتحدة معها، على مدى عقود، أنها ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً، وهذا ما أجبرها في بعض الأحيان، في الماضي، على الاستجابة لضغوط أميركية، كالإفراج عن مدافعين عن حقوق الإنسان أو قبول شروط واشنطن للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

لكن ثقة الصين بنفسها كبيرة اليوم، وهي تعتقد بقدرتها على تحدّي واشنطن. ولهذا، ترفض قواعد النظام الدولي القائم، الذي تراه محابياً للولايات المتحدة، و”يحظى بدعم عدد قليل من الدول”. وكان المسؤول الأعلى عن السياسة الخارجية الصينية، يانغ جيشي، قد عبّر عن هذا التصور خلال ردّه على اتهامات من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في الاجتماعات الأميركية – الصينية في مدينة آنكريج في ولاية ألاسكا الأميركية في مارس/ آذار الماضي، بقوله: “الولايات المتحدة لا تملك المؤهلات لتقول إنها تريد التحدّث إلى الصين من موقع قوة”، متهماً واشنطن بالتعالي.

على أي حال، يتصاعد التوتر بين العملاقين، وثمَّة مخاوف من وقوع حربٍ مدمرة بينهما، سواء خطأً أو بشكل مقصود، قد تقود إلى حرب عالمية ثالثة. قد تكون جزيرة تايوان التي تصرّ الصين على أنها جزء منها وأنها ستستعيدها، ولو بالقوة، فتيل الصراع. ومعلومٌ أن الولايات المتحدة ملتزمة منذ عام 1979 “قانون العلاقات مع تايوان”، الذي يتيح لها “مساعدات وخدمات دفاعية بأي كمية ضرورية لتمكينها من الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس على النحو الذي يحدّده الرئيس والكونغرس”.

السؤال المطروح راهناً: هل ستتمكّن الصين فعلاً من إطاحة الولايات المتحدة عن عرش الهيمنة الاقتصادية والعسكرية عالمياً؟

العربي الجديد

———————————

============================

تحديث 15 تموز 2021

——————————–

سوريا والولايات المتحدة.. مسؤولية الأمس وأمل الغد/ حسن منيمنة

في الذكرى العاشرة لاغتيال المنشد السوري، إبراهيم القاشوش، والذي اقتلع زبانية النظام حنجرته تغليظاً بالعقاب لمن تحدّى الطاغية بصوته، تبقى الحاجة مستمرة لمراجعة أسباب فشل الثورة.

المسؤوليات عديدة، على مستوى سوريا، والمنطقة، والعالم. السوريون الذين انتفضوا، وجميعهم نشأ تحت قمع نظام قاتل لا اعتبار لديه لحقوقهم إلا بقدر خدمتها لأغراضه، لم يكونوا مستعدين موضوعياً لمواجهة آلة الطغيان المتحكمة بهم وببلادهم. ولكنهم فعلوا بناءً على وعد ظنّ جيل العولمة منهم أنه قد حصل عليه، وهو أن العالم سوف ينصر أصحاب الحق، ليتبين أن الظنّ كان وهماً.

النظام ومن سانده قالوا إنها مؤامرة كونية. ليتها كانت. ليت من قاتلهم خَدَمة النظام والمنتصرون له بأمر الولي الفقيه، ومن بعدهم الروس، كانوا على تنسيق وانسجام وتوافق مع إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها. لربما، لو أن العالم، بما فيه إسرائيل هذه والولايات المتحدة تلك، قد مدّوا اليد لأصحاب القضية المحقّة في سوريا، لكان مئات الألوف لا يزالوان اليوم بين أحبائهم، ولكانت سوريا قد انتصرت على مسلسل الموت، لتتبوأ المكانة الرفيعة التي تستحقها في المنطقة والعالم.

ولكن العالم خذل أحرار سوريا وأهملهم. بل الأسوأ أن من أراد أن يتدخل فعل ذلك من باب المزاحمة والنكاية والمزايدة حيناً، كما كان حال بعض دول الخليج وتركيا، ومن باب رفع العتب وزعم الفضل أحياناً، كما فعل باراك أوباما الرئيس الأميركي الأسبق. فكانت حصيلة التدخلات المتضاربة فساداً وإفساداً وقتلاً واقتتالاً، استفاد منها محور “المقاومة”، إيران ومن والاها، دون أن يتمكن من الغلبة، إلى أن جاءت روسيا، فانتصرت في سوريا، وانتصرت من سوريا.

من تحصيل الحاصل القول إن الثورة السورية قد انتهت، بمعنى أنها لم تسقط النظام، ولن تسقطه. من سوف يسقطه ليس هذه الثورة، وليس في الغد المنظور. النظام لم ينتصر، ولكنه تمكن من النجاة. في عرفه وتقييمه، هذا هو الانتصار. أن يدمّر البلد، لا بأس، شرط أن يبقى رأس النظام في موقعه يتمنطق بما لا يفقه. أن يقتل مئات الآلاف ويرحل نصف أهل البلد، فليكن. على أن يصطّف من بقي حياً يهتف ويصفّق للابن كما هتف وصفّق للأب، في استذلال جلي، مؤسف إن كان إكراهاً، وملوّع إن كان طوعاً.

الولايات المتحدة أخطأت بحقّ سوريا، تركاً ثم فعلاً،  وبقي اهتمامها بالشأن السوري عَرَضياً على الدوام، سطحياً في العديد من الأحيان، استدراكياً استلحاقياً ارتجالياً بطبيعته، ولم يرتقِ يوماً إلى مستوى الرؤية المتكاملة التي تتيح رسم سياسة ثابتة واضحة فاعلة، خلافاً لمزاعم من يتمسك باستشفاف بصمات للولايات المتحدة ومخطط لها ومؤامرة ترعاها في كل حدث.

الخطأ ابتدأ مع استسهال الرئيس الأسبق أوباما سقوط النظام، وإسراعه، من باب اللحاق بالركب دون فعل ودون مساهمة، بمطالبة رأس النظام بالرحيل. لم يكن باراك أوباما مختلفاً عن خلفه دونالد ترامب في عدم التعويل على رأي الخبراء في الملفات الحساسة، فهذا وذاك، وكلاهما وصل إلى الرئاسة مفتقداً للتجربة السياسية التنفيذية، كان على قناعة بقدرته على اجتراح المواقف القيادية من بنات أفكاره عند الضرورة. وهذا وذاك لم يرَ في سوريا أولوية.

توصيف أوباما للحالة السورية كان أنها تتطلب استثماراً كبيراً وليس من شأنها أن تأتي إلا بعائدات صغيرة، أي أنها لا تستحق الاندفاع بشأنها. وعلى ذمة الناقل، يُروى أن أوباما كثيراً ما كان ينشغل بهاتفه الجوّال خلال اجتماعات البيت الأبيض ساعة يصل الموضوع إلى الشأن السوري.

على أي حال، فإن أوباما رضي بتخصيص أرصدة لمساهمة للولايات المتحدة، إنسانية وتأهيلية لا قتالية ابتداءً، بما هو أقل بكثير من تقييم الخبراء للحاجة، انطلاقاً من قراراه بأنه، لمواجهة الدعم الإيراني والروسي للنظام، فلتأتِ المساهمة من الحلفاء والشركاء، وليتوقف التعويل على الولايات المتحدة كالمصدر الأوحد.

وفي المراجعات الدورية التالية، تشكّلت لازمة كرّرها الرجل باطمئنان “بالفعل، لربما كان من الأجدى في المرحلة الماضية أن تكون المخصصات أكبر والانخراط أوضح، إلا أن الأوان قد فات الآن. نوافق على بعض الرفع للدعم، بما في ذلك بعض التدريب للمقاتلين، إنما بأقدار أقل بكثير من التي يقترحها الخبراء”، فكانت المشاركة الأميركية في “دعم” الثورة السورية منقوصة، عقيمة، عاجزة عن أن تأتي بالنتائج.

على أن خطيئة أوباما، والتي كشفت للصف الداعم للنظام وللعالم أجمع أنه لا اعتبار لكلامه، فقد كانت أداءه المعيب بعد ارتكاب النظام لجريمة استعمال السلاح الكيماوي بحق المواطنين السوريين. يذكر هنا أن أوباما، ومن باب التنصل من مسؤولية التدخل بعد ارتفاع وتيرة القمع والقتل من جانب النظام بحق المتظاهرين والمدنيين، بما في ذلك المذابح الترويعية، كان قد رسم خطاً أحمر، وربما هو على اطمئنان بأن النظام لن يقطعه، إذ لن يحتاج إلى قطعه، وهو تحذيره من أن استعمال سلاح التدمير الشامل، الكيماوي تحديداً، هو ما سوف يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري.

ولكن النظام، والعاجز يومئذٍ رغم تكثيفه القتل والتعذيب والتنكيل، عن استعادة هيبته وسلطته، فعلها. وأمام مشهد جثث الأطفال المصطفة بالعشرات، أتحف باراك أوباما العالم بخطبة رنانة حول “الاستثنائية الأميركية” والتي تستوجب الرد على هذا التجاوز الفاضح لحقوق الإنسان، قبل أن يعلن الانتصار، الكاذب المنافق الفارغ، ساعة توسطت روسيا لإقناع النظام بالتخلي عن مخزونه من السلاح الكيماوي، بما تنتفي معه الحاجة إلى الرد.

رضي القاتل بتسليم أداة القتل، فتحققت العدالة. لا عقاب، ولا عواقب، بل تقدير من ذاك الحائز على جائزة نوبل للسلام، للفعل الراشد للنظام القاتل.

أما “الشركاء والحلفاء” فقد نشطوا بالفعل في دعم الثورة، ليس دون رؤية موحّدة وحسب، بل وفق رؤى قاصرة متضاربة منشغلة بالخصومات المتبادلة، وإن أدّى الأمر إلى تحبيذ الطروحات الجهادية وتعميق تطفلها على الثورة، وصولاً إلى أن تنقلها إلى مكان آخر، تقطع فيه الأيادي وتضرب الأعناق ويرمى الناس من الشواهق.

 الصف العالمي المؤيد للثورة كان واسعاً شاسعاً ذا إمكانيات فائقة. موارد الجهات الداعمة للنظام، روسيا وإيران تحديداً، كانت أقل بكثير. على أن التنسيق واتضاح الرؤية لدى هذه أتاح لها التعويض عن انعدام التكافؤ في الطاقات، ودفعها باتجاه الإنجاز.

يشهد لنظام دمشق أن له ماضٍ عريق بممارسة أصناف القمع والأذى بما فيها بتوظيف الخصوم لأغراضه. لا حاجة لافتراض تواطئه مع تنظيم القاعدة، والذي اعتمد سوريا معبراً إلى العراق لإرباك الغزو الأميركي بعيد سقوط بغداد عام ٢٠٠٣، أو إلى تنسيق مباشر له مع “فتح الإسلام”، والتي أطلق سراح قائدها بعد أعوام ليلتحق بجماعته في مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني ويهدد الاستقرار والأمن في مواقع وجد نظام دمشق نفسه مرغماً على الخروج منها قبلها بعامين. في الحالتين، والكثير غيرهما، تمرّس النظام بفن إتاحة المجال لجهات تضمر له كل الشرّ لتحقق أهدافاً لها منسجمة مع ما يريده.

بل أن خطة النظام لمواجهة الثورة، وليس عرض الخطة هنا من باب الاستقراء وحسب بل جاء الإفصاح عنها على لسان أحد أهم المنظّرين له، كانت بأولوية استهداف المعارضة المدنية السلمية الناشطة بالمظاهرات والعمل الاجتماعي السياسي، من التنسيقيات والشخصيات المستقلة ذات التوجهات المنفتحة، اختراقها، تشتيتها، التنكيل بها، قتلها، وصولاً إلى انتفاء دورها، ثم العمل على هزيمة القوى المسلحة ذات التوجه الوطني الصريح، من المنشقين عن الجيش والملتحقين بهم، ومن بعدهم التركيز على المجموعات ذات الصبغة الإسلامية غير المتشددة. أما الجماعات الجهادية ذات الرؤية العالمية، وصولاً إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” برغباته الإبادية، فمصلحة النظام كانت تقتضي ترك مواجهتها للدول الخارجية التي تخشاها.

وبالفعل، إزاء تمدد “الدولة الإسلامية” ميدانياً، ما جعل منها “خلافة” تحضّر للملاحم ولفتح “رومية”، وتخيير الكفار كافة بين الإسلام والجزية والسيف، وانتقالها من منهج الفتوحات إلى منهج الغزوات في بلاد الكفر، ذبحاً ودهساً وشناعة، اضطر باراك أوباما إلى الخروج من تلكئه، والدخول الجزئي في المعترك السوري، وإن بارتجال شراكات مع الطرف القادر محلياً على أن يقوم مقام الجنود الأميركيين، فيقيهم وقوع الضحايا في صفوفهم، مجدداً دون اعتبار للنتائج العرضية المتعلقة بالسلم الأهلي والاجتماعي.

غياب الرؤية لحل في سوريا لدى أوباما تلتها غياب رؤية لدى دونالد ترامب. ارتجالات أوباما وهفواته واستعراضاته تلتها ارتجالات وهفوات واستعراضات لترامب. التفريط بعواقب الحرب في سوريا من جانب أوباما استمر أيضاً من ترامب.

قيام “الدولة الإسلامية” كان بفعل عوامل عدة، بما فيها أولويات المواجهة الميدانية التي اعتمدها النظام، وبما فيها إهمال الولايات المتحدة. أي أن الولايات المتحدة كانت قادرة على إخماد هذه النار عند شراراتها الأولى، وفي الولايات المتحدة من نبّه وحذّر، دون جدوى. فالاعتبارات الآنية هي الحاسمة.

الكارثة الإنسانية التي ألمّت بالمواطنين السوريين لم تبلغ الوعي الاجتماعي في الولايات المتحدة. ولكن نزوح السوريين بلغ أوروبا وساهم في صعود اليمين، بأصداء بلغت الولايات المتحدة ولا تزال تتفاقم.

كان في التحدي الغنائي الذي صدح به إبراهيم القاشوش في مواجهة نظام الطغيان فعل تحرر من الخوف، من التبجيل الكاذب، من الاستذلال. طافت سوريا بأكملها بأغنيات إبراهيم، والتي استعارت ألحان الغناء الشعبي، وطاف معها العالم العربي من كويته إلى مغربه.

بعد أسابيع قليلة من اغتيال القاشوش، جلس رأس النظام لمقابلة صحفية أريد لها تلميع صورته المتردية. سألته الصحافية عن القاشوش. أجاب، كاذباً، بأنه لا يعلم من هو، وليس على اطلاع على قضيته، بل ربما أن موته قد يكون عائداً إلى اقتتال داخلي في صفوف المعارضين.

بعد أعوام من البراميل المتفجرة، المنخفضة الكلفة بما يستدعي التهنئة لهذا الإنجاز الفني، والتي استهدفت المراكز الطبية والأسواق التجارية المكتظة وكل مرافق الحياة العادية لإقناع سكان المناطق خارج سيطرة النظام بحتمية العودة إلى قبضته، وبعد فصول متكررة من الهجمات الكيماوية، لتذكير القاصي والداني بأن النظام يفعل ما يشاء ولا يخشى أحد، والأهم، بعد تدخل ميداني واسع النطاق لروسيا، جنت منه روسيا العودة إلى موقع التأثير العالمي الكبير، انتهت فعلياً المواجهة الداخلية التي ابتدأت ثورة حق لتمسي حرباً عالمية.

للولايات المتحدة اليوم رئيس مختلف، قد أقرّ للتوّ بفشل بلاده وهزيمتها في أفغانستان، بعد عشرين عاماً من محاولة إقامة نظام موالٍ للغرب منسجم مع قيمه. ربما أن في انسحاب جو بايدن من أفغانستان قدراً من الواقعية، وقدراً من المجازفة المطلوبة من موقع القيادة والتي يقتضيها الإبهام في المعطيات.

الإقرار الآخر المطلوب من بايدن قد يكون بأن الولايات المتحدة لم تولِ الشأن السوري ما يستحقه، ونتائج هذا الإهمال كانت كارثية لسوريا والعالم. إصرار إدارة بايدن على قانون قيصر، أضعف الإيمان في معاقبة النظام، وتحذيرها الدول من مغبة التطبيع مع النظام القاتل خطوات تنبئ ببعض الخير. عسى أن تؤسس لرؤية. طابت ذكرى إبراهيم القاشوش.

الحرة

—————————–

هل من سياسة أميركية جديدة في سورية؟/ عمار ديوب

شكّل التوافق الروسي الأميركي على تمديد دخول المساعدات في مناقشات مجلس الأمن خطوة مهمة في اعتماد سياسة جديدة بين البلدين لإدارة شؤون سورية. على الرغم من ذلك، لا تغيّر هذه الخطوة من السياسات العامة المتبعة لدى روسيا وأميركا تجاه سورية، أي دعم الروس النظام، وتمسّك الأميركيين بالقرارات الدولية المتعلقة بالوضع السوري. الجديد هنا، وقد ترافق مع وصول الرئيس بايدن إلى السلطة، إذ جمد حزم العقوبات ضد شخصياتٍ وشركات سورية أو دولية، تتعامل مع النظام السوري. وأخيرا، ألغى عقد شركة نفط أميركية كانت تستثمر في شمال سورية، ودفعت الإدارة الأميركية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى النقاش مع النظام السوري بشأن أوجه العلاقة بينهما، وقضايا أخرى. قضايا كهذه تعني بالنسبة للروس أن هناك إمكانية لعودة النظام إلى شرق الفرات، وهناك أخبار تؤكد أن شركة نفط روسية في طريقها إلى الاستثمار في حقول النفط السورية.

التقارب الروسي الأميركي هذا يدعمه أن هناك نقاشات وتوافقات بين دبلوماسيي البلدين، وتتجاوز التوافق أعلاه إلى الموافقة الأميركية التركية على فتح خطوط للتجارة وحركة المواطنين بين مناطق “قسد” وسيطرة هيئة تحرير الشام والمناطق التي تسيطر عليها تركيا، وهذا سيشكل متنفساً للنظام “المخنوق”، وسيوصل البضائع الصناعية وسواها إلى مناطق النظام. هذا يحقق المصالح الروسية بدرجةٍ ما، إذ تعيش مناطق النظام أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة. ما وافقت عليه أميركا وتركيا لا يعني أن الحل السياسي أصبح قاب قوسين أو أدنى، لا. إن سياسة الخطوة خطوة، وهي ليست جديدة، ولكن لأوّل مرة توافق عليها روسيا. وبالتالي، سنشهد بعد التمديد لمعبر باب الهوى خطواتٍ إضافية بين البلدين، وهذا قد ينقل المسائل إلى قضية الإفراج عن المعتقلين مثلاً، والتي أصبحت قضيةً أساسية عالمياً. يشار هنا إلى أن تأخير قَسم الرئيس السوري ربما يكن نتيجة ضغطٍ روسيٍّ لاتخاذ خطوةٍ كهذه، وقد كانت واحدة من القضايا الرئيسة في لقاء أستانة الـ 16.

ما لم يتغير أميركيّا أن قانون قيصر لن يتم شطبه، وكذلك رفض عمليات التطبيع السياسية مع النظام، وجديدها إلغاء بطولة رياضية كانت مقرّرة لدى النظام السوري، وكذلك إصدار الاتحاد الأوروبي “توضيحات” تضمنت رفضاً كاملاً لأيّ تطبيعٍ مع النظام، وأن الأخبار “الملفقة” التي يصدرها الأخير أن دولا أوروبية كاليونان وإيطاليا وقبرص وسواها تنوي فتح سفاراتٍ في دمشق ليست صحيحة، وأن الاتحاد يعتمد سياسةً ثابتة تجاه سورية، وتتعلق بالبدء بعملية انتقال سياسي، وحينها ستتغير سياسته، وهذا إكمالٌ لسياسة أميركا “الخطوة خطوة”، وتمسّكاً بالقرارات الدولية التي تسمح بانتقالٍ سياسيٍّ جادٍ، يعيد تشكيل النظام السوري، ولا يتعارض مع صيغة روسيا للتغيير، أي التغيير عبر القرارات الدولية التي وافقت عليها روسيا، سيما القرار 2254، وسواه.

طبعاً الاختلاف في السياسات الدولية تجاه سورية، والتوافق على أن لروسيا نصيب الأسد في هذا البلد، هو ما سمح لها بالتمدّد في سورية منذ 2015. وفي الوقت ذاته، عزّز من مراكز النفوذ لكل من إيران وتركيا وأميركا وإسرائيل، وبالطبع روسيا. يشير التوافق الروسي الأميركي الجديد إلى أن سياسة التعزيز السابقة استوفت شروطها، ولا بد من سياسةٍ جديدةٍ نحو الوضع السوري. المقصد هنا أن حصار روسيا درعا، أخيرا، وهجومها على بعض مناطق إدلب، وإمكانية استثمار روسيا في النفط، هي خطواتٌ نحو صفقة جديدة مع الدول التي تحتل سورية. ولهذا لن نرى موقفاً دولياً حاسماً يرفض الخطوات الروسية الأخيرة، بل قد يتحقق لروسيا ما تريده من درعا. وفي إدلب تتابع تركيا الضغط على هيئة تحرير الشام لتفكيك المجموعات الجهادية، وتشكيل منطقة خالية من السلاح، وإحداث تغييراتٍ في نظام الحكم على هذه المدينة، وقد تسمح بتكرار تجربة الجيش الوطني في عفرين وجرابلس، أي تشكيل مجلس عسكري جديد، ليفرض سلطته على إدلب، وبالتشارك مع هيئة تحرير الشام.

لا ترفض روسيا قرار مجلس الأمن 2254، بل لعبت دوراً في إقراره، والرئيس السوري جُدّد له بالانتخابات أخيرا، وبيان جنيف لعام 2012 لم يعد الأساس لدى كل من أميركا والاتحاد الأوروبي، فهما تعتمدان 2254، ولا تثيران بشكلٍ ممنهج القرارات المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، أو قرارات أخرى تتعلق بمحاكمة الشخصيات الأساسية في النظام السوري. وإذاً ضمنا، ثمة صفقة كبيرة قد تتوصل إليها روسيا وأميركا في الأشهر المقبلة. ويدعم الفكرة هذه أن التوافق الروسي الأميركي وسياسة الخطوة خطوة لا يعنيان تغيّراً جديّاً في السياسة الأميركية. وعكس ذلك، لن يستفيد الروس من سيطرتهم على سورية إن لم يتوصلوا إلى صفقة مع الأميركيين. وهذا هو فتح المعابر بين مناطق النظام وإدلب والجزيرة السورية ستستفيد منه إيران والنظام، وهما ليسا معنيين بحلٍّ للوضع السوري، بل بتخفيف العقوبات عن النظام فحسب، وليس لإيران أية مصلحة في صفقةٍ تخص سورية؛ فسورية في السياسة الإيرانية ورقة مهمة في إطار مناقشاتها بخصوص الملف النووي. روسيا هي المعنية بألا تغرق في الوضع السوري، والتخفيف من الحضور الإيراني، بغض النظر عن مطالبات كل من إسرائيل وأميركا بضرورة ذلك التخفيف.

الآن، وبعد خطوة التوافق على المساعدات، والإشادة الروسية بالأميركيين والعكس، قد تندفع روسيا إلى التفكير جديّاً بالحل السياسي، والبدء بمشاوراتٍ جادّة مع الأميركيين. يفرض التحالف بين روسيا وإيران والنظام على الروس تأنيا كثيرا للوصول إلى صفقة سياسية تخص الوضع السوري. ولم يكن اعتماد سياسة الخطوة خطوة الأميركية لتغيير الوضع السوري؛ هي ضرورة لحل بعض المسائل الاقتصادية، وربما السياسية، ولكنها ليست بديلاً عن الوصول إلى حكم انتقالي، له كامل الصلاحيات في إدارة الشؤون السورية، كما جاء في القرار 2254. الفكرة هذه هي الحل الوحيد الذي يدفع نحو سياسات روسية أميركية متقاربة للوضع السوري. الخطوات الروسية والأميركية الجديدة ستتضمّن بالضرورة إعادة نقاشٍ جاد بين دبلوماسيي البلدين، وستشمل بالضرورة حصة إيران في سورية، ولن تكون أكثر من اقتصادية.

قرار تمديد إدخال المساعدات مدته عام، وبعد ستة أشهر سيمدّد له تلقائياً بعد تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتالي: هل نستعجل “الاحتفال” لنقول إن 2022 سيكون عام الانتقال السياسي في سورية؟ أغلب الظن.

العربي الجديد

———————————

أفغانستان كابوس بايدن القادم/ رضوان زيادة

مثّل موعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في سبتمبر/ أيلول المقبل صداعا مبكرا للرئيس الأميركي، جو بايدن، سيما مع تصاعد الأخبار القادمة من أفغانستان، والتي تخبرنا بتقدّم حركة طالبان المذهل نحو كابول، فقد سيطرت حاليا على ما يعادل مساحة خمس أفغانستان، وما زال الانسحاب الأميركي لم يكتمل بعد. أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الجيش الأميركي سحب أكثر من 90٪ من قواته ومعدّاته من أفغانستان في سرعة مخيفة، أبرزها عندما غادر بهدوء قاعدة باغرام الجوية، وهو حدث تاريخي بعد أمر بايدن سحب القوات الأميركية من البلاد. وكانت هذه القاعدة قد شهدت، في ذروتها عام 2012 ، مرور أكثر من مائة ألف جندي أميركي. وكانت أكبر منشأة عسكرية أميركية في أفغانستان. واليوم أخليت تماما بعد مرور عشرين عاما على الحرب في أفغانستان، في رمزية لا تخفى على أحد.

لقد أثارت عملية الانسحاب مخاوف من أن تتحول أفغانستان إلى مزيدٍ من إراقة الدماء بعد انسحاب القوات الأميركية، وهو ما أشارت إليه التقارير الاستخباراتية الأميركية التي ذكرت أن كابول العاصمة ربما تسقط خلال ستة أشهر مع فشل الجيش الأفغاني في صد الهجمات ضد قوات “طالبان”، وقد تحدّثت الأنباء عن انهيار هذا الجيش مع القوات الأمنية في شمال أفغانستان، حيث لجأ أكثر من ألف جندي من الجيش الأفغاني إلى طاجيكستان المجاورة، في مشهد يذكر بانهيار الجيش العراقي أمام مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهو ما يؤكّد أن احتمال اندلاع حرب أهلية في أفغانستان مسألة وقت فقط.

بعد ما يقرب من 20 عامًا في أفغانستان، الجيش الأميركي، بتوجيه من الرئيس بايدن، في المراحل النهائية لسحب قواته من البلاد، ووضع حد لأطول حرب أميركية. وبعد ثلاثة أشهر من إعلان بايدن قراره بسحب القوات بحلول 11 سبتمبر، تُفاجئ وتيرة الانسحاب أعضاء الكونغرس في واشنطن، وليس ثمّة ما يشير إلى أن بايدن، أو أيا من كبار مساعديه، نادمون على الخطوة، فبايدن وفريقه يكرران باستمرار أنهم قد قاسوا التداعيات السياسية والأمنية للقرار، وما زالوا واثقين من أنه القرار الصحيح، فعملية بناء الدولة في أفغانستان فشلت فشلا ذريعا بعد عشرين عاما من الوجود الأميركي هناك. وهو ما جعل كثيرين يشبهون الانسحاب من أفغانستان بالانسحاب الأميركي المذل في فيتنام، على الرغم من وعود الحكومة الأميركية هناك في عهد نيكسون بمساعدة فيتنام الجنوبية، لكن هذه الوعود طواها النسيان، ولم تحترم الحكومة الشيوعية في فيتنام اتفاقية باريس، وإنما انتظرت الانسحاب الأميركي، ثم انقضت على عاصمة فيتنام، فبعد شهرين من توقيع اتفاقية السلام الفيتنامية، غادرت آخر القوات القتالية الأميركية فيتنام الجنوبية، بينما تحرّرت هانوي ممن تبقوا من أسرى الحرب الأميركيين المحتجزين في فيتنام الشمالية، وهو ما أشّر على نهاية التدخل الأميركي المباشر ثماني سنوات في حرب فيتنام. ففي يناير/ كانون الثاني 1973، وقّع ممثلو الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية والجنوبية وفيتكونغ اتفاقية سلام في باريس، منهية التدخل العسكري الأميركي المباشر في حرب فيتنام. تضمنت بنودها الرئيسية وقف إطلاق النار في جميع أنحاء فيتنام، وانسحاب القوات الأميركية، وإطلاق سراح أسرى الحرب، وإعادة توحيد فيتنام الشمالية والجنوبية من خلال الوسائل السلمية. كان من المقرّر أن تظل الحكومة الفيتنامية الجنوبية في مكانها، حتى إجراء انتخابات جديدة، ولم يكن على القوات الفيتنامية الشمالية في الجنوب أن تتقدّم أكثر ولا أن تتعزّز.

ولكن، في 30 إبريل/ نيسان 1975، تم نقل آخر عدد من الأميركيين الذين ما زالوا في جنوب فيتنام جواً من البلاد، عندما سقطت سايغون في أيدي القوات الشيوعية. ولم تتدخل الولايات المتحدة لدعم المقاتلين في فيتنام الجنوبية، على عكس ما نصّت الاتفاقية في باريس. وهو ما يبدو أنه سيتكرّر أيضا في أفغانستان، ويجعل من هذا الانسحاب كابوسا يهدّد فرص بايدن بالحصول على ولاية ثانية في البيت الأبيض، فالعواقب الوخيمة للانسحاب بدأت للتو في الظهور. وبينما البيت الأبيض لا يزال موحدًا وراء القرار، تتصاعد مخاوف الحكومة بشأن تدهور الأمن في أفغانستان، ووتيرة الانسحاب، وأسئلة عديدة لا تزال بدون إجابة في شأن استراتيجية أميركا طويلة المدى، فقد شعر بايدن بالغضب بشكل واضح، عندما سئل عن حالة البلد الذي تغادره القوات الأميركية. وقال، بعد أن شرح بالتفصيل خطط الانسحاب وآماله في الحكومة الأفغانية المدنية المحاصرة، ورؤيته بشأن الدعم الجوي الأميركي: “لن أجيب على أي أسئلة أخرى بشأن أفغانستان”.

يحذّر كل من أجهزة المخابرات الأميركية والقادة العسكريون وأعضاء الكونغرس من أن الحكومة الأفغانية لن تكون قادرةً على مواجهة حركة طالبان بدون دعم القوة النارية الأميركية. تتحرّك “طالبان” بسرعة بالفعل للسيطرة على مناطق في الأجزاء الشمالية من أفغانستان، ما دفع القادة العسكريين الأميركيين إلى إثارة احتمال اندلاع حربٍ أهلية، بمجرّد رحيل القوات الأميركية.

لم يتم بعد اتخاذ قراراتٍ كبيرةٍ أخرى، بما في ذلك ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم الطائرات بدون طيار في المستقبل، لاستهداف الإرهابيين المشتبه بهم في أفغانستان، وكيفية ذلك، وكيفية تأمين المطار المدني في كابول، وكيفية ضمان المرور الآمن للمترجمين الأفغان وغيرهم من العمال. الذين ساعدوا القوات الأميركية خلال الحرب، وهم الآن أهداف لمسلّحي حركة طالبان”. ويلوح في الأفق أن الأخيرة سوف تطغى على حكومة الرئيس الأفغاني، أشرف غني، وتستعيد السيطرة على البلاد. حدّدت التقييمات الأخيرة الجدول الزمني المحتمل لاستيلاء “طالبان” على السلطة في أي مكان، من ستة إلى 12 شهرًا.

على الرغم من أن شبح إجلاء الموظفين الأميركيين من سايغون في عام 1975 يطاردهم في أثناء عملية اتخاذ القرار، إلا أن بايدن لا يزال مقتنعًا أنه بعد عقدين من الحرب في أفغانستان، لا يوجد الكثير مما يمكن للقوات الأميركية فعله لحل ما يُنظر إليه بشكل متزايد داخل الحكومة على أنه مشكلة مستعصية، فبايدن يستخدم حجّة معاكسة، بالقول إن الوتيرة التي اكتسبت بها “طالبان” مكانتها في الأسابيع الأخيرة قد عزّزت، بطريقة ما، للبيت الأبيض، مزايا قرار الانسحاب، عبر القول “إن حكومة أفغانستان التي تقف على شفا الفشل بهذه الطريقة المتسارعة، بعد 19 عامًا من التدريب والتجهيز والتمويل من أميركا، يعطي مصداقية لفكرة أن المزايا طويلة الأجل للحفاظ على وجود القوة في البلاد كانت محدودة”.

بالنسبة للجمهوريين، تعتبر هذه فرصة نادرة لتكرار فشل الديمقراطيين في قضايا الأمن الوطني، ففي مايو/ أيار، كتبت مجموعة من الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب إلى وزير الدفاع، لويد أوستن، يطلبون منه تقديم تقييم مخاطر للظروف على الأرض في أفغانستان. ووفقًا لرسالتهم، فإن البنتاغون ملزم قانونًا بتقديم هذا التقييم إلى الكونغرس قبل إنفاق الأموال لسحب الأفراد العسكريين الأميركيين في أفغانستان إلى ما دون مستويات القوات التي تبلغ ما بين ألفي جندي إلى أربعة آلاف.

ربما يمثل الانسحاب الأميركي الفاشل من أفغانستان بداية نهاية إدارة بايدن، على الرغم من نجاحه في ملفات أخرى مثل معالجة وباء كورونا.

العربي الجديد

———————————

الفشل السياسي الأميركي.. في أفغانستان والعراق/ خيرالله خيرالله

لم يعد مستقبل أفغانستان معروفا بغض النظر عن التصريحات المتفائلة للرئيس جو بايدن. ستتمكن حركة “طالبان” عاجلا أم آجلا من وضع يدها على كلّ أفغانستان. ستكتفي في المستقبل المنظور بمحاصرة كابل في انتظار سقوطها على نحو تدريجي.

ثمّة عودة إلى ما قبل 11 أيلول – سبتمبر 2001 عندما نفّذ تنظيم “القاعدة” الذي كان زعيمه أسامة بن لادن يقيم في أفغانستان، بحماية “طالبان”، غزوتي نيويورك وواشنطن.

استطاعت القوات الأميركية، في ضوء رفض زعيم “طالبان”، وقتذاك، الملا عمر تسليم أسامة بن لادن إخراج “طالبان” من كابل ومناطق أفغانية أخرى. لكنّ تلك الحركة الظلاميّة التي اخترعتها، أو على الأصح ارتكبتها، الأجهزة الأمنيّة الباكستانيّة بقيت منتشرة في الأرياف. تزحف “طالبان” حاليا انطلاقا من الأرياف في اتجاه المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة. ليس أكيدا أن “طالبان” باتت تسيطر على ما يزيد على 85  في المئة من الأراضي الأفغانيّة. ما هو أكيد أن القسم الأكبر من أفغانستان صار تحت سلطتها.

في محاولة لرفع معنويات الجنود الأميركيين، يتحدّث بايدن عن انتصار  في أفغانستان. نعم، حققت القوات الأميركيّة انتصارا عسكريا في أفغانستان. كان انتصارا مؤقتا. لكنها فشلت سياسيا. لم تستطع الولايات المتحدة إقامة نظام سياسي قابل للحياة بعد إخراج “طالبان” من كابل.

هناك مخاوف حقيقية من عودة أفغانستان مأوى للتنظيمات الإرهابيّة من نوع “القاعدة” وما شابهها، وهي حركات ولدت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين الذي انتمى إليه أسامة بن لادن في شبابه قبل أن ينشئ تنظيما إرهابيّا خاصا به يتوافق مع تطوّر فكره الإرهابي. تفوّق أسامة بن لادن، عبر “القاعدة”، على كلّ التنظيمات الإرهابيّة الأخرى التي أنتجها العالم، بما في ذلك حركة “طالبان” نفسها التي مارست إرهابها على الأفغان وعلى المرأة الأفغانيّة على وجه التحديد.

أسئلة كثيرة ستطرح نفسها بعد إتمام الانسحاب الأميركي من أفغانستان. لا شكّ أن هذا الانسحاب سيترك فراغا. هل تستطيع حركة “طالبان” ملء هذا الفراغ أم ستتحوّل أفغانستان إلى أرض مفتوحة لصراعات ذات طابع إقليمي؟ هناك دول عدّة تتأثّر بما يدور في أفغانستان. في مقدّم هذه الدول باكستان والهند وإيران وتركيا وروسيا والصين. لكلّ من هذه الدول حساباتها التي ستجعل الوضع الأفغاني أكثر تعقيدا في المستقبل، خصوصا في ظلّ كلام كثير عن تمكّن إيران من إيجاد تحالفات جديدة في الداخل الأفغاني… وعن طموحات تركيّة إلى دور على الأرض يشمل إرسال قوّات لتأمين مطار كابل.

ربّما قرّرت أميركا أن تكون أفغانستان “ساحة” تتنافس فيها هذه الدول بدل أن تكون همّا خاصا بها بعدما عجزت عن إقامة نظام بديل من نظام “طالبان”. في النهاية، اتخذ جو بايدن قرارا شجاعا عندما قرّر الانسحاب عسكريا من أفغانستان بعد عشرين عاما على غزوتي نيويورك وواشنطن. يعرف الرئيس الأميركي أنّه لا يمكن لبلاده أن تربح الحرب الأفغانية وأن قرارا بالانسحاب العسكري سيتخذ في يوم من الأيّام. رفض ترك هذا القرار لغيره، خصوصا أن الوجود العسكري الأميركي بات مكلفا جدّا.

على هامش الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان، لا يزال السؤال الأساسي يطرح نفسه: لماذا قرّرت إدارة جورج بوش الابن اجتياح العراق في وقت كانت الحرب في أفغانستان لا تزال دائرة؟

سيبقى هذا السؤال في الواجهة لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى أن إدارة بوش الابن تذرّعت بغزوتي نيويورك وواشنطن لتبرير اجتياح العراق، علما أنّه لم يكن هناك أيّ رابط بين النظام العراقي من جهة وأسامة بن لادن و“القاعدة” من جهة أخرى.

لا تستطيع أميركا، بكل جبروتها خوض حربين كبيرتين دفعة واحدة. انتهى الأمر بتسليم العراق على صحن من فضّة إلى إيران التي كانت شريكا في الحرب من أجل إسقاط نظام صدّام حسين.

الفشل الأميركي في أفغانستان والعراق واحد. إنّه فشل سياسي. في أساس هذا الفشل العجز عن إقامة نظام جديد قابل للحياة في أيّ من البلدين، على الرغم من تحقيق انتصار عسكري في كليهما. تدفع إدارة بايدن حاليا ثمن هذا الفشل المزدوج الذي لا تبرير له سوى أنّ مسؤولين في إدارة بوش الابن دفعوا في اتجاه الحرب على العراق. لماذا فعلوا ذلك؟ هذا لغز وليس سؤالا.

كلّ ما هو معروف إلى الآن أن كبار المسؤولين الأميركيين التقوا في منتجع كامب ديفيد مباشرة بعد غزوتي نيويورك وواشنطن وعقدوا اجتماعا برئاسة بوش الابن. في هذا الاجتماع، طرح بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع فكرة الردّ على ما قام به أسامة بن لادن وتنظيمه في العراق وليس في أفغانستان. ردّ عليه وزير الخارجية كولن باول، وقتذاك، مؤكّدا غياب أيّ رابط بين “القاعدة” من جهة والعراق ونظام صدّام حسين من جهة أخرى. انتهى الأمر عند هذا الحد. لكن الذي حصل بعد الاجتماع أن صحافيين سألوا ولفويتز لماذا طرح موضوع العراق؟ أجاب إنّه “زرع بذور” الحرب على العراق. لماذا العراق، علما أن النظام فيه كان تحت الحصار وأنّ الولايات المتحدة استطاعت تحويل صدّام حسين إلى ما يشبه جثّة، من الناحية السياسية؟

ستمرّ سنوات قبل الوصول إلى معرفة خبايا هذا اللغز. في انتظار ذلك، ليس ما يشير إلى أن موضوع أفغانستان سيحلّ قريبا بـ”طالبان” ومن دون “طالبان”. هناك معركة كبيرة بدأت. سيتوضح في نتيجتها من سيكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بلد سيستحيل في كلّ وقت السيطرة عليه كلّه. الأمر الوحيد الأكيد أن “طالبان” ستجعل من المواطن الأفغاني إنسانا بائسا يعيش في ظلّ نظام لا قيمة فيه للإنسان وللمرأة تحديدا! الأمر الأكيد الآخر أن الولايات المتحدة لم تستطع البناء على انتصارين عسكريين في أفغانستان والعراق. فشلت في ذلك بسبب حسابات لم يتحدّد بعد من يقف وراءها. في أساس هذه الحسابات خلق عذر لاجتياح العراق وتغيير كلّ التوازنات في الشرق الأوسط والخليج. منذ اجتياح العراق وتسليمه إلى إيران، لا يزال الشرق الأوسط في حال مخاض يصعب التكهّن بما سيسفر عنه.

إعلامي لبناني

العرب

————————————

الأميركيون يفرون من أفغانستان والعالم يرتجف/ بسام مقداد

إنسحاب القوات الأميركية المتسارع من أفغانستان، وإخلاء القواعد والمواقع العسكرية تحت جنح الظلام ومن دون إخطار الجيش الأفغاني بذلك لا يشبه الإنسحاب، بل هو فرار أكبر قوة عسكرية في العالم من ورطة دامت عشرين سنة. دخلت الولايات المتحدة أفغانستان العام 2001 لتأديب طالبان على إيوائها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وها هي تفر الآن كما فرت قبلها الإمبراطورية البريطانية ومن ثم السوفياتية.

عسكريون أميركيون كثر سوف يكتبون لاحقاً يومياتهم الأفغانية التي ستكشف الكثير من أهوال وأسرار الحرب الأميركية في افغانستان ومآسيها. فقد سبق لعسكري آخر من جيش إمبراطورية أخرى هُزمت في أفغانستان، هو مسؤول وحدة KGB السوفياتية في كابول ليونيد بوغدانوف ( والد النائب الحالي لوزير الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف) أن كتب “دفاتر أفغانية” تحدث فيها ليس عن فظائع المقاتلين الأفغان، بقدر ما تحدث عن فظائع ودموية “نظام الرفاق الأفغان” الذي دخل السوفيات لإنقاذه حينذاك.

الإنسحاب ـــــ الفرار الأميركي من أفغانستان يكشف عن حجم الثقب الأسود الذي كان يغطيه الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، والذي يُرعب بحجمه العالم أجمع ويجعله يرتعد. العالم كله يحبس أنفاسه الآن بإنتظار ما سيترتب على هذا الإنسحاب الأميركي في أفغانستان نفسها، بعد أن عصيت طالبان على التأديب الأميركي، وكيف ستجد الدولة الإسلامية والقاعدة ومشتقاتهما مرتعا لها في أفغانستان طالبان. وتتخطى الأسئلة أفغانستان نفسها إلى دول آسيا الوسطى الروسية السابقة، وإلى الشرق الأوسط بكل دوله بلا إستثناء، وما إن كانت الحرب على الإرهاب في طورها الجديد ستجمع إئتلافات وتحالفات جديدة تجمع الغرب والصين وروسيا وسواها، كما سبق أن كان في المراحل الأولى للحرب الأميركية في أفغانستان.

كان عنوان أحد نصوص وكالة نوفوستي الكثيرة هذه الأيام عن الحدث الأفغاني معبراً جداً عن حال العالم اليوم أمام ما يشهده في أفغانستان. فقد كتبت في 23 الشهر المنصرم نصاً بعنوان “الأميركيون ينسحبون، العالم سوف يرتعد قريباً، ما الذي بدأ في أفغانستان”. قالت الوكالة بأن طالبان الذين لم تتمكن الولايات المتحدة من تحييدهم بعملياتها خلال عشرين عاماً، ينتقلون الآن إلى الهجوم على كافة الجبهات. المنظمة المتطرفة تسيطر الآن على جزء كبير من البلاد وتمدد نفوذها بسرعة إلى البلدان المجاورة. الرئيس الأميركي قال بأنه لن يكون هناك تسرع في الإنسحاب، وهدد طالبان برد قاس إذا حاولت زعزعة الوضع في البلاد، لكن المتطرفين لم يخيفهم التهديد، بل هم يقومون منذ  أسابيع بالهجوم على مواقع القوات الحكومية ويوسعون العمليات العسكرية على الجزء الأكبر من البلاد.

القوات الرسمية تقوم أيضاً بعمليات هجومية، لكنها تبقى نقطة في بحر ما تقوم به طالبان من هجمات. ومن الواضح أن كابول لن تستطيع القيام بالكثير في مواجهة جحافل المسلحين من دون دعم القوات الأجنبية.

وتقول الوكالة أنه بعد خروج القوات السوفياتية أصبحت أفغانستان المنتج الرئيسي للهيرويين في العالم. أما خروج القوات الأميركية فيهدد بمشكلة أخرى تتمثل في الإنتشار المتفجر للإرهاب في الدول المجاورة. وطالبان التي تعتبر معتدلة في دوائر المتطرفين، أقامت جحيم شريعة على الأراضي التي تسيطر عليها، حيث يشمل الحظر بديهيات كثيرة في الحياة اليومية للناس: التلفزيون، الموسيقى والأدوات الموسيقية، الفن التشكيلي، الكحول، أجهزة الكمبيوتر، الشطرنج، الأحذية البيضاء وسواها الكثير، بما فيه نسف النصب والتماثيل غير الإسلامية.

ووجدت الوكالة تشابهاً كبيراً بين ما يجري الآن في أفغانستان وما جرى في سوريا في بداية العقد الحالي، حيث إحتل مقاتلو الدولة الإسلامية خلال بضع سنوات أكثر من نصف مساحة سوريا وأطلقوا تفرعاتهم في الدول المجاورة. وينشر مقاتلو طالبان وسط جنود الجيش الرسمي الدعوة إلى عالمهم المتوحش  ويدعونهم للإنضمام إليهم. وتجد دعواتهم صداها لدى الجنود الأفغان، حيث تنتقل إلى جانبهم وحدات عسكرية كاملة. ورغم تأكيدات الحكومة الأفغانية بأنها ستسترد المناطق والمواقع التي إحتلتها طالبان في الفترة الأخيرة، إلا أنها لا تحقق في الواقع نجاحات جدية.

في الولايات المتحدة يدركون عواقب إنسحاب قواتهم من أفغانستان، ويعرفون جيداً أن إستيلاء المتطرفين على السلطة هي مسألة وقت فقط. وتقول الوكالة أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال أمام إحدى لجان مجلس النواب أن المنظمات الإرهابية الدولية في أفغانستان تحتاج لسنتين تقريباً لإستعادة قوتها.

وتشير الوكالة إلى أن تزايد التهديدات في المنطقة قد تم بحثه في قمة بايدن بوتين، وقال بايدن بعد القمة أن بوتين أبدى إستعداده لتقديم الدعم في إستعادة الأمن في أفغانستان. وسبق للإدارة الأميركية أن أعلنت مراراً  عن عزمها تفويض المسألة الأفغانية لبلدان أخرى، ودعا الرئيس الأميركي في ربيع هذه السنة سلطات باكستان وروسيا والصين والهند وتركيا إلى تقديم الدعم إلى كابول.

هذا القلق العميق الذي تعبر عنه الوكالة الروسية الرسمية والخوف من تمدد طالبان إلى داخل الجمهوريات السوفياتية السابقة، لا يتناسب البتة مع سلوك روسيا في الفترة الأخيرة حيال الصراع الأفغاني. فبعد أن كانت بين الدول المؤيدة للدخول الأميركي إلى افغانستان، عادت واتخذت في السنوات الأخيرة موقفاً مناهضاً للوجود العسكري الأميركي في هذه الدولة. وقد بلغ الأمر حداً أن تحدثت صحيفة النيويورك تايمز في حزيران/يونيو العام المنصرم عن وعود روسية سرية لمقاتلي طالبان بجوائز مالية لقاء قتل عسكريين أميركيين. وحرصت روسيا منذ العام 2018 على إستضافة وفود من المكتب السياسي لمنظمة طالبان في موسكو، وكان آخرها منذ يومين في 8 من الشهر الجاري، حيث وصل وفد من أربعة أعضاء في طالبان برئاسة الشيخ شهاب الدين ديلاوير. يقيم الوفد مدة يومين في موسكو، ولم تذكر تاس من سيلتقي من المسؤولين الروس، لكن سبق لوزير الخارجية لافروف أن إنضم سراً إلى الجانب الروسي المفاوض، على قول BBC الناطقة بالروسية في نص خصصته لاستعراض زيارة وفود طالبان إلى موسكو. وحين سئل عن زيارة الوفد الأخير وما إن كان يسيئ ذلك إلى صورة روسيا، نفى أن يكون في اللقاء مع طالبان “ما يسيئ إلى صورة روسيا”.

كان يمكن تفسير إصرار موسكو على دعواتها المتكررة لوفود المكتب السياسي لحركة طالبان زيارة موسكو بحرصها على نهجها في الإبقاء على علاقات جيدة مع طرفي أي نزاع دون الإنحياز لأي منهما أو الإنخراط في النزاع نفسه. وتعتبر نهجها هذا مقاربة براغماتية تتيح لها فرصة لعب دور الوسيط في أي نزاع، وهو ما لا يتوفر لأي طرف دولي آخر من خارج المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا النهج ليس سوى ستار لتغطية الفرق الهائل بين إمكانياتها المادية وطموحاتها لمكانة دولة عظمى إلى جانب الدول العظمى التي تتيح لها إمكانياتها الإقتصادية والمادية تبوء هذه المكانة، تصر روسيا على براغماتية هذا النهج وترفض رفضاً  قاطعاً مقولة تغطية عجزها المادي عن تبوء مرتبة الدولة العظمى. 

لكن في جميع الأحوال، لم تكن روسيا لتفوت مثل هذه الفرصة السانحة لتسجيل نقاط على خصمها اللدود الأميركي على المسرح العالمي، كما لا تنسى أن تشير إلى أن الأميركيين أنفسهم يفاوضون طالبان، في إشارة إلى مفاوضات الدوحة التي أسفرت عن الإتفاق على إنهاء خروج القوات الأميركية والحليفة في الأول من أيار/مايو المنصرم. لكن ما إن أعلن الرئيس الأميركي في نيسان/أبريل المنصرم عن ضرورة إنجاز الإنسحاب من أفغانستان في 11 أيلول/سبتمبر القادم في الذكرى العشرين لهجمات القاعدة في مانهاتن وواشنطن، حتى أعلنت طالبان خروجها من الإتفاقية لإخلال واشنطن بشروطها. وعلى الرغم من أن بايدن عاد قبل يومين وقدم موعد إنجاز الإنسحاب إلى 31 آب/أغسطس القادم، إلا أن هذا لم يعد كافياً لتعود طالبان إلى إتفاق الدوحة وتوقف زحفها على مواقع السلطة في أفغانستان، وتجعل العالم يحبس أنفاسه ويرتجف من عودة إمساكها بأفغانستان وجعلها من جديد مرتعاً للتطرف والإرهاب؟

المدن

————————-

صفقة أميركية روسية في سورية؟/ عبسي سميسم

بكل بساطة، انتهت “أزمة” تمديد آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، التي تصدرت مشهد القضية السورية في الأشهر الماضية. وتدل السرعة والبساطة التي تمّ بهما التصويت في مجلس الأمن الدولي على القرار، على أنه لم يكن ليمر بهذه السهولة، من دون صفقة أميركية – روسية مرتبطة بالملف السوري، يصار من خلالها للروس تخفيض المساعدات تدريجياً، وإمكانية فتح معابر بين مناطق سيطرة النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى. ويهدف ذلك إلى تحسين الوضع الاقتصادي في مناطق النظام، مع مرور المساعدات (عبر خطوط التماس)، أي وصولها إلى مناطق النظام بإشراف روسي، أو منظمات لم تبدِ حيادية بالتعامل مع الأزمة السورية، كالصليب الأحمر. إلا أن ذلك يبقى بمثابة “تفاصيل”، أمام ما ورد في افتتاح كلمة المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، ليندا توماس – غرينفيلد، عقب التصويت على القرار، إذ قالت إنه “يمكن لملايينَ السوريين تنفسُ الصعداء، إذ يدركون أن تقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود سيستمر للسنة المقبلة. هذا الاتفاق الذي توصلنا إليه، سينقذ الأرواح ويسمح بتدفق المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية”.

كلمة المندوبة الأميركية تندرج في إطار المقولة السورية الشعبية “الضحك على اللحى”، التي عادةً ما تستخدم، لدى حل مشكلة بين طرفين باستخدام أدوات أو أشياء صغيرة، شكلاً وموضوعاً، أمام مشكلة كبيرة، شكلاً وموضوعاً. إذ لا تصوّر بأن الصعداء يمكن أن يتنفسّها السوريون من خلال تجديد آلية المساعدات الأممية، في ظلّ كل الكوارث التي واجهها الشعب السوري طوال السنوات العشر الماضية، من قصف طحن البشر مع الحجر، واعتقال وإخفاء قسري طاول خيرة شباب البلاد، وتهجير قام على أساس إحداث تغيير ديمغرافي، ومجازر وإبادة جماعية باستخدام السلاح الكيميائي. وحصل كل ذلك من دون أن يرف للنظام وحلفائه جفن، خشية المعاقبة من المجتمع الدولي، الذي يختصر اليوم كل تلك المآسي، بالتهليل لتمديد آلية المساعدات.

السوريون يريدون حلاً جذرياً لإنهاء معاناتهم، وغير ذلك هو “ضحك على اللحى” وإطالة أمد الأزمة السورية وإدارتها والانتفاع من مكاسبها في الملفات الدولية والإقليمية للفاعلين.

العربي الجديد

—————————-

ايران وكرة النار الافغانية/ حسن فحص

ما تشهده افغانستان من تطورات متسارعة نتيجة الهجوم الواسع الذي تقوم به حركة طالبان وسيطرتها على غالبية (85 في المئة) الاراضي الافغانية ووصولها الى مشارف العاصمة كابل (على بعد 30 كيلومترا لجهة الشرق)، شكل تحديا حقيقيا للنظام الايراني وتهديدا آتيا من حدوده الشرقية، تعمدت الادارة الامريكية من خلال تفاهماتها مع حركة طالبان وباستخدام الاتفاق الموقع بين واشنطن ممثلة بسفيرها زلماي خليل زاد وطالبان بقيادة رئيس مكتبها السياسي الملا عبد الغني برادر في الدوحة في شباط/فبراير 2020 تحويله الى كرة نار ملتهبة ورميها في الحضن الايراني، والى قنبلة موقوتة قذفتها ادارة بايدن تحت اقدام النظام لاشغاله من جهة الشرق.

سعت طهران منذ بداية الحوار الامريكي الطالباني، الى توسيع دائرته رافضة استبعاد الحكومة الشرعية في كابل بقيادة الرئيس أشرف غني، وحاولت بموازاة الحوار بين طالبان وواشنطن،  فتح مسار مواز من الحوارات بينها وبين طالبان من جهة، وبينها وبين حكومة غني من جهة اخرى، انطلاقا من مساعيها لاستيعاب التداعيات المحتملة لتفرد طالبان بالاتفاق مع واشنطن بعيدا عن الحكومة الرسمية او استبعادها على الرغم من انها تتحمل عبء تطبيق جزء اساسي من هذا الاتفاق الثنائي.

وعلى الرغم من محاولة تقديم الحدث الافغاني الذي تقوم به طالبان على انه هزيمة للادارة الامريكية بعد حرب استمرت 20 عاما وكلفة مالية تجاوزت التريليوني دولار (2000 مليار) واكثر من 3500 قتيل في صفوف الجيش الامريكي. الا ان القلق والترقب يمنعان القيادة الايرانية من الافراط في التفاؤل، لان القرار الامريكي بالانسحاب، وان كان آتيا من التزام الرئيس بالوعود التي اعلنها في حملته الانتخابية وتصب في السياق الذي أسسه له سلفه دونالد ترمب في اطار استراتيجية الانسحاب من المعارك والاشتباك الخارجي. الا انه حصل بعيدا عن التفاهم مع طهران التي تسعى لتكريس استراتيجيتها بالحلول مكان القوات الامريكية في منطقة غرب اسيا او على الاقل توظيف هذا الانسحاب المتفاهم عليه ان حصل في سياق يخدم مصالحها الاقليمية.

الاعلان عن بدء الانسحاب الامريكي من افغانستان، والذي ترافق مع عودة الاعمال العسكرية والسيطرة على الارض لحركة طالبان، اصاب الموقف الايراني بنوع من عدم التوازن، بحيث غاب اي موقف رسمي للحكومة والنظام في الايام الاولى لهذه التطورات، الى ان كشف النقاب عن الدعوة التي وجهها وزير الخارجية محمد جواد ظريف للافرقاء الافغان (الحكومة وطالبان والمعارضة والهيئات الانسانية) للاجتماع في طهران برعاية وزارة الخارجية للتفاهم والاتفاق على ان الحل في افغانستان سياسي وليس عسكرياً.

التحرك الايراني تزامن مع الاعلان عن استيلاء مقاتلي طالبان على المعبرين الاساسيين البريين الرابطين بين ايران وافغانستان، وهو حراك جاء معتمدا على الموقف الرسمي لايران التي تسعى لاستتباب الهدوء والامن على حدودها الشرقية، والتأكيد على الحوار الافغاني الداخلي، ومعارضة اي تدخل لقوى خارجية في هذا البلد. وفي ظل ارتفاع مخاطر ان تتحول التطورات الافغانية الى تهديد بالفوضى والحرب، الامر الذي يدفعها الى توظيف طاقاتها الدبلوماسية والميدانية لمنع تطور الاوضاع الامنية نحو مزيد من السوء، من هنا يأتي التحرك الدبلوماسي الذي قامت به الخارجية الايرانية باتجاه حكومة كابل وحركة طالبان وبعض العواصم المؤثرة على الساحة الافغانية ان كان مع روسيا او الباكستان.

الدوائر الايرانية المعنية بالتعامل مع المحيط، ترى انه في حال تصاعدت وتيرة المواجهات بين حكومة كابل وقوات طالبان، فان الاولوية الايرانية ستكون في الحفاظ على امن واستقرار المناطق الحدودية، وقد قامت طهران بتوجيه تحذير للقوى الافغانية بعدم نقل معاركهم باتجاه الحدود الايرانية، مع التمسك بمبدأ الدفع لتسهيل الحوار الافغاني الداخلي خصوصا مع طالبان باعتبارها أحد أهم اللاعبين على الساحة الافغانية. الا ان هذا الموقف قد يخرج عن طبيعته الحوارية والدبلوماسية في حال قررت طالبان اسقاط الحكومة الشرعية والسيطرة على السلطة، والعودة الى منطق التطرف واشعال حرب داخلية وسياسة التطهير العرقي،  عندها سيكون لطهران موقف مختلف وستنظر الى سيطرة طالبان كتهديد سياسي وايديولوجي لا يقتصر على افغانستان، بل سيتحول الى ازمة لايران ايضا.

وتضع طهران امامها ثلاثة سيناريوهات للتطورات الافغانية، الاول يقوم على امكانية ان تكون الاعمال الحربية التي تقوم بها طالبان مرحلية، من اجل توظيفها للعودة الى طاولة التفاوض والحوار مع حكومة كابل وهي تملك بيدها التفوق الميداني والسياسي ما يسمح لها بفرض حضورها وشراكتها من موقع القوة. اما السيناريو الثاني، ان تكون نية طالبان العودة للسيطرة على كامل افغانستان وتشكيل امارتها الاسلامية. في حين يذهب السيناريو الثالث الى امكانية الحرب الداخلية وتقسيم افغانستان.

وفي هذين السيناريوهين، ما تعتبره طهران خطرا، ليس على افغانستان وحدها، بل على المنطقة كلها والمصالح القومية لايران، فبالاضافة الى عدم استقرار الحدود الشرقية، ستسمح للقوى الخارجية ان يكون لها دور فاعل على هذه الساحة اكثر من الماضي، ورفع مستوى الصراع بينها ما قد يؤدي الى تعقيد الوضع وما يعنيه ذلك من أثمان قد يكون على ايران ان تدفعها. 

وفي الوقت الذي تدفع طهران لتكريس السيناريو الاول والتأكيد على ضرورة واولوية الحوار والمصالحة والتعاون الافغاني، بما يقطع الطريق على الوصول الى الحرب الداخلية والتقسيم والتدخل الخارجي، فانها تنظر الى استمرار مفاوضات السلام والابتعاد عن الحرب واراقة الدماء، من منطلق التفاؤل بالرهان على التحول في فكر طالبان وابتعادها عن العنف والتشدد، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بالاستنفرار الدائم ومراقبة تطورات هذا الوضع المعقد وما يدور خلف كواليس القوى المؤثرة والفاعلة الدولية من مخططات تطال ايران ومنطقة وسط اسيا وضرورة العمل لايجاد الصيغة المناسبة التي تضمن مصالح طهران ومصالح الدولة والقوى الافغانية.

المدن

—————————–

أفغانستان بعد عقدين من العبث الأميركي/ طارق عزيزة

في وثيقة رسمية صادرة عن “مكتب المنسّق لأنشطة مكافحة الإرهاب”، في وزارة الخارجية الأميركية، بتاريخ 21 أيار/ مايو 2002، تحت عنوان “نماذج الإرهاب الدولي – 2001″، جاء في نهاية الملحق الخامس منها، والمخصّص للحملة العسكرية الأميركية في أفغانستان: “الرسالة التي يبعث بها العمل العسكري الناجح في أفغانستان إلى أولئك الذين يلجأون إلى الإرهاب لتحقيق أهدافهم الدولية واضحة: الولايات المتحدة سوف تتصرّف بسرعة وبقسوة، وبيدٍ تطاول أي مكان في العالم لتعقّبهم والقضاء عليهم”. حينها، لم يكن قد مضى سوى بضعة أشهر على بدء غزو الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أفغانستان، ونجاحهم في إسقاط حكومة حركة طالبان. على أنّ الوقائع والأحداث بعد ذلك بيّنت حقيقة “العمل العسكري الناجح”، بما هو آنيٌّ ومؤقّت، وأكّدت أنّ “الرسالة التي يبعث بها”، لم تكن سوى صيغة دعائية متبجّحة، ومتسرّعة إلى حدّ كبير.

ما شهدته أفغانستان، على امتداد عقدين من الوجود العسكري والأمني الأميركي فيها، كان مسلسلاً من الإخفاقات، راكمَ الأميركيون فيه الفشل تلو الآخر، على الصُّعد كافّة، السياسيّة والأمنية والإنسانية. ليست الأرقام الإحصائية وحدها ما يؤكّد هذه الحقيقة، بل التطوّرات الميدانية المتسارعة التي تشهدها مناطق مختلفة من أفغانستان، بالتزامن مع تنفيذ قرار الانسحاب الأميركي منها.

عندما كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، يشرح بإسهابٍ قراره الانسحاب من أفغانستان في مؤتمرٍ صحافيّ مخصّص لهذا الموضوع، معلناً أن أميركا “حققت غرضها” في هذا البلد، من خلال إطاحة “طالبان”، كانت مساحات متزايدة من الأراضي الأفغانية تسقط تباعاً في يد مقاتلي الحركة التي لم تغب يوماً عن المشهد الأفغاني، على الرغم من إسقاط نظامها عام 2001. فبالتوازي مع استعادة قدراتها العسكرية والتنظيمية على الأرض، استطاعت “طالبان” ولوجَ الساحة الدولية من البوابة الدبلوماسية، والدخول في مفاوضاتٍ عالية المستوى مع أطراف إقليمية ودولية، بلغت ذروتها في التفاوض المباشر مع الأميركيين، في الدوحة، خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، وصولاً إلى توقيع الجانبين اتّفاقاً وُصِفَ بـ”التاريخي”، لتنظيم انسحاب القوات الأميركية تدريجياً من أفغانستان، والتمهيد لمفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية و”طالبان”.

لعلّ من المفيد التذكير بأن تلك الخطوات لم تكن بجهود “طالبان” الذاتية فقط، وإنما جاءت في إطار ما يمكن تسميتها “إعادة تأهيل” الحركة، من خلال إشراكها في أي حراكٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ يخصّ الشأن الأفغاني، وذلك لثنيها عن تطرّفها، ودفعها لقطع صلاتها مع تنظيم القاعدة وأشباهه، في مقابل مشاركتها في السلطة، والاعتراف بدور لها في مستقبل أفغانستان، يتناسب مع نفوذها الفعلي على الأرض، عوضاً عن استمرار حرب الاستنزاف الطويلة التي لم تفلح جهود القوات العسكرية الغربية، ولا قوات الحكومة الأفغانية المدعومة منها، في حسمها لمصلحتها. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى صعوبة الجزم بشأن استعداد “طالبان” لتبنّي نهج مختلف، فكرياً وسلوكياً، ومدى قدرتها على تقديم نموذج في الحكم، مغايرٍ لتجربتها السابقة شديدة التطرّف.

وصف الرئيس الأفغاني، أشرف غني، في خطاب له، الحالةَ في بلاده، بأنّها “من أكثر المراحل الانتقالية تعقيداً على وجه الأرض”، مشدّداً على أن قواته قادرة على مواجهة “طالبان”. لكنّ الأنباء الواردة من غرب البلاد تفيد بعكس ما قال، حيث تمكّنت “طالبان” من انتزاع مزيدٍ من المواقع في اشتباكات ضدّ القوّات الحكومية. ربّما سيضطر غني إلى انتهاج سياسة مختلفة في التعامل مع التحدّي المتزايد الذي تشكّله “طالبان”، والعودة إلى ما كان أعلنه عند تولّيه منصبه صيف 2014، عن نيّته التوصّلَ إلى تسوية سياسية تحقق السلام والمصالحة، فالرجل يعرف جيداً قوّة “طالبان”، ويدرك قدرتها على مواصلة القتال في حربٍ طويلة الأمد، نظراً إلى تحالفاتها الوثيقة العابرة للحدود، ومصادر تمويلها الهائلة التي تتنوّع ما بين تبرّعات سنوية، و”ضرائب” تفرضها على الشركات والمنظمات العاملة في مناطق سيطرتها، أو حتى ما تدرّه عليها زراعة المخدّرات وتجارتها من مبالغ طائلة، تقدّرها الأمم المتحدة بمئات ملايين الدولارات.

ثمّة في تجارب سابقة عديدة ما يعضد رأي المتخوّفين من التداعيات الخطيرة لقرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان، فانسحاب الاتّحاد السوفييتي السابق منها أوائل عام 1989، أعقبته سنوات من الفوضى، تخلّلها انهيار النظام الشيوعي في كابول (1992)، ثم مرحلة ما سمّي “حكم المجاهدين” وحروبهم الأهلية، ما مهّد الطريق أمام حركة طالبان، الناشئة حديثاً، لسحق خصومها، والاستيلاء على السلطة، لتنفرد بالحكم من 1994 حتى سقوط نظامها في 2001.

وفي العراق، شكّل انسحاب القوات الأميركية منه، أواخر عام 2011، العاملَ الأكثر أهمّية في إنتاج حالة الفوضى والفراغ الأمني التي أدّت إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام آنذاك، ثم سيطرته على مساحاتٍ شاسعة من البلاد، إثر الانهيار المتسارع لفرق الجيش العراقي أمام مقاتلي التنظيم. والعودة إلى سيناريوهاتٍ مشابهة، بعد عقدين على الغزو الأميركي لأفغانستان، تعني أنّ تدخّل الأميركيين لم يحلّ أيّاً من مشكلات الأفغان. وبالمثل، انسحاب قواتهم لن يحلّها، بل قد يزيد من تعقيدها، في دلالةٍ على درجة العبثية التي بلغتها “أطول حربٍ” خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.

وفقاً لموازين القوى الحالية على الساحة الأفغانية، يمكن القول إنّ فرصاً كبيرة تنتظر حركة طالبان لإحكام سيطرتها على كامل البلاد، وهي التي لم يمنعها الوجود الأميركي المستمرّ منذ عشرين عاماً من استعادة قوّتها وتنظيم صفوفها، ثم التمدّد التدريجي وتكريس نفوذها على الأرض، حتى زادت مناطق سيطرتها عن 85% من مساحة البلاد، وفق تصريحات رسمية لقياديين في الحركة. وعلى وقع هذه التطوّرات، أيّ معنى يبقى لكلام الرئيس الأميركي عن نجاح مهمّة قواته في إطاحة “طالبان”؟

العربي الجديد

————————–

أفغانستان… «لاس فيغاس الإرهابيين»/ طارق الحميد

مع قول الرئيس الأميركي جو بايدن، لحظة إعلانه عن انسحاب بلاده من أفغانستان: «لم نذهب لبناء دولة»، وبعد قرابة عشرين عاماً من احتلال أفغانستان، نكون أمام جملة معطيات لا يمكن تجاهلها، وسيكون لها تداعيات على منطقتنا والعالم.

أولاً، قول بايدن: «لم نذهب لبناء دولة» يعني الإعلان عن انتهاء مشروع فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية، في العالم، ومنطقتنا. ويمكن عنونة خطاب بايدن عن الانسحاب من أفغانستان بخطاب انتهاء «لعبة» القيم الأميركية عسكرياً.

ثانياً، مقولة بايدن تعني أيضاً أنه من الصعب التعويل على «العقل» الأميركي الذي تحدث عنه ذات يوم وينستن تشرشل، خصوصاً وسط الانقسامات، والتحولات الداخلية الأميركية، بالمساهمة بالاستقرار المنشود في منطقتنا.

وثالثاً، خطورة الانسحاب الأميركي بهذه الطريقة، ومع إعلان «طالبان» أنها تسيطر على 85% من أراضي أفغانستان، أنه سيكون بمثابة الملهم لجميع الجماعات الإرهابية في المنطقة من «القاعدة»، و«داعش»، و«حزب الله»، و«حماس»، و«الإخوان المسلمين»، والميليشيات الشيعية المسلحة في العراق.

الانسحاب الأميركي بمثابة بارقة أمل لكل تلك التنظيمات، فكل ما عليها فعله الانتظار ومواصلة إراقة الدماء، وستملّ أميركا وتنسحب، وكان المثل يُضرب دائماً بالانسحاب الأميركي من فيتنام، لكنّ أفغانستان مختلفة تماماً.

والمذهل أن قرار الانسحاب يُعزى إلى «تفجر شعور بالإحباط من حرب أفغانستان» لدى بايدن قبل أكثر من عشر سنوات، حسب تقرير لوكالة «رويترز» جاء فيه أن بايدن دخل في نقاش حاد وقتها مع الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي وهما على مأدبة العشاء.

وجاء في تقرير «رويترز»: «مع استمرار الخلاف ألقى بايدن بمنشفة الطعام وانتهى العشاء فجأة»، وهذا التقرير وحده يكشف حجم الكارثة، فهل يُعقل أن واشنطن لم تبلور فكرة عملية لواقع أفغانستان، ومنذ عشرة أعوام!

ألم تدرك الولايات المتحدة، وطوال عشرين عاماً، ومن أفغانستان إلى العراق أنه لا يمكن تطبيق ديمقراطية بمقاس واحد، ومواصفات موحدة، حيث لا توجد نظرية واحدة بمقاس واحد لكل الدول. هل يُعقَل مقارنة العراق بأفغانستان، وعلى الأصعدة كافة عملياً، وليس تفضيل شعب على آخر؟!

الواقع أن واشنطن لم تدرك قط، في منطقتنا، أنه كان من الأجدى فرض الاستقرار أولاً من خلال جيش قوي وعملية سياسية متدرجة، فالدول المدمَّرة لا تجيد إطلاق المشاريع بقدر ما تجيد إطلاق الرصاص.

رابعاً، بالنسبة إلينا في المنطقة لا بد أن ندرك أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يشكّل خطراً أمنياً حقيقياً، وآيديولوجياً، وفكرياً، ويتطلب تأهباً وخططاً تستبق الأحداث لا ردود أفعال، تأهباً لأبواب الجحيم التي ستُفتح من أفغانستان.

الأكيد أن إرهابيي المنطقة بحالة تأهب واستنفار على أمل السفر إلى أفغانستان، التي تعد «لاس فيغاس الإرهابيين» في منطقتنا. مما يتطلب أعلى درجات اليقظة والحذر. ويتطلب كذلك تعاوناً أمنياً استخباراتياً عالي المستوى بين دولنا، واستباقياً.

كما يتطلب مشروعاً فكرياً يتصدى للهجمات الفكرية الأصولية من أفغانستان، وأيضاً يقظة إعلامية تجعل أفغانستان على قائمة الأجندة الإعلامية لنكون يقظين للخطر الداهم الذي جلبه القرار الأميركي المتهور، والذي سيفرض على الأميركيين العودة مجدداً إلى أفغانستان، وربما أسرع من المتوقع.

———————–

الانسحاب الأميركي والإرباك الإيراني الروسي/ منير الربيع

إذا ما لجأنا إلى استخدام آلية الخطابة الإيرانية في مقاربة عملية انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الشرق الأوسط، نكون أمام خلاصة جملة واحدة ينطق بها الإيرانيون وهي أن المشروع الأميركي في الشرق الأوسط قد فشل، وأصيبت الولايات المتحدة بهزيمة نكراء دفعتها إلى الانسحاب لتجرّ أذيال الخيبة وراءها. لكن هذا المنطق نفسه سينطبق على الإيرانيين أنفسهم بعد سنوات من الآن. ولكن بعيداً عن لسانيات الخطاب الإيراني، فإن الدخول الأميركي العسكري إلى المنطقة كانت له أهداف وغايات تقاطعت استراتيجياً مع مشاريع استراتيجية أو تفصيلية إيرانية أيضاً من الدخول إلى أفغانستان والعراق، وربطاً بكل التداعيات التي شهدتها المنطقة بعد الدخول في حقبة مواجهة الإرهاب. ينسحب الأميركيون للعودة إلى الداخل وفي نظرهم أن مشروعهم قد أدى نتائجه ولا حاجة للمزيد من الاستنزاف والبقاء. في الانسحاب الأميركي لن يكون هناك أي انتصار لإيران إنما مزيد من الإرباك لها ولداخلها كما لروسيا خصوصاً من تداعيات الانسحاب من أفغانستان.

تبقى الفكرة الأساسية أن لا شيء مستعجل بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بل هي تفضل تأجيل معظم الملفات بما أن الاستنزاف سينقلب على روسيا وإيران وغيرهما وفي النهاية ستلجأ الدولتان إلى طلب عقد التسوية مع واشنطن. أكثر ما يؤشر على هذا المسار هو التنسيق حول المعابر في سوريا بين الأميركيين والروس وخصوصاً حول معبر باب الهوى بين شمال سوريا وتركيا، من شأنه أن يؤسس لأي اتفاق في المرحلة المقبلة. ليس تفصيلاً أن تتقدم أميركا وروسيا بمقترح مشترك إلى مجلس الأمن الدولي، فهذا يؤشر إلى أن أي حل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا بناء على اتفاق بين الطرفين. ولا يمكن لروسيا أن تفوز بأي ثمار من دون موافقة الأميركيين. وهنا يتوقف الأمر على وضع الإيراني في سوريا الذي يصر على مزيد من التقدم والتوغل والاستثمار. منطقياً أي حل في سوريا يحتاج إلى كسر عزيمة الإيراني وإجباره على التراجع والتنازل، لكن ذلك غير متاح حالياً.

أي انسحاب أميركي من العراق وفق بعض الأفكار المتداولة داخل الإدارة الأميركية، فإن ذلك سيؤدي إلى إرباك كبير في صفوف الإيرانيين. صحيح أن طهران حينذاك ستخرج لتعلن أنها حققت ما تريد وأخرجت القوات الأميركية من العراق نظرياً أو في إطار لعبة البروباغاندا والتعبئة الإعلامية التي تبرع بها طهران وحلفاؤها، أما النتائج السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على إيران ستكون في غاية السلبية والخطورة.

لن تكون إيران قادرة على تقديم أي مقاربة جدية للمشكلات التي ستجتاح العراق، سيكون النموذج اللبناني هو الأمثل الماثل أمامهم، السيطرة على كل المقدرات والقرارات السياسية من دون القدرة على تقديم أي حلّ، ما يعني أن ذلك سيضعهم أمام مواجهة حقيقية تثبت فشل المشروع، أو أن خيارهم سيكون الذهاب إلى تسويات متعددة ومتفرقة في محاولة متقطعة للخروج من الأزمات. إيران لا يقوم مشروعها إلا على الاستثمار بالحروب العسكرية، ولكن بخروج الأميركيين وانتهاء تنظيم داعش لن يكون هناك أي مجال للدخول في معركة عسكرية مع أي طرف. حينذاك ستحتاج إيران إلى أي تسوية تحفظ ماء الوجه وتدعي من خلالها أنها انتصرت، بالرغم من تقديم تنازلات والتراجع الجوهري.

لا يمكن إغفال الاستراتيجية الأميركية، وهي أن لإيران مشروعا تدميريا في المنطقة وها هو قد أنجز في الدول التي سيطرت عليها طهران، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، من دون أي قدرة على تقديم الحلول أو مشاريع التطوير والإنماء، ما سيفرض على طهران الذهاب إلى أي تسوية يقول من خلالها إنه أصبح شريكاً في صنع القرار. لا قدرة لإيران في الاستمرار والتعايش مع هذا التدمير الممنهج، في النهاية وإذا ما اعتبرت أنها حققت انتصاراً معنوياً أو على الأرض، فلا بد من تقريشه سياسياً واقتصادياً وهو غير متوفر لها. إنما سترث دولاً ومجتمعات منهارة بكامل مقوماتها منعدمة توفر أدنى مقومات العيش من الغذاء إلى الدواء والكهرباء.

ستكون إيران بأمس الحاجة للوصول إلى تسوية معينة، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الروس في سوريا، إذ يستجدون واشنطن على إبرام اتفاق شامل، في حين واشنطن لا تبدو مهتمة وستبقي كل القوى في مواجهة الانهيارات أو حالات التضعضع. وفي ظل هذه المعادلة فإن المقاربة الإيرانية للملفات الإقليمية ستنقلب رأساً على عقب، ففي حين تصر واشنطن وبعض الدول الحليفة لها على ضرورة البحث في النفوذ الإقليمي لإيران الأمر الذي ترفضه طهران وتتمسك بالتفاوض على البرنامج النووي من الناحية التقنية فقط، فإن ذلك سيتغير فيما بعد وسيصبح البحث عن تسوية إقليمية لترتيب الأوضاع داخل الدول التي تدّعي إيران السيطرة عليها هو مطلب إيراني بالدرجة الأولى، وهذا ما ستكون أول تجلياته حقيقة الوضع ومسار التطورات في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.

تلفزيون سوريا

——————————

=================

تحديث 18 تموز 2021

————————-

كيف تتأثر سوريا بالانسحاب الأميركي من أفغانستان؟/ لندن: إبراهيم حميدي

الانسحاب الأميركي من أفغانستان، سيرخي بظلاله على «مسارح» كثيرة في العالم، وإن اختلف حجم التأثير في كل منها، وقد تكون سوريا إحدى الدول الكثيرة التي سيكون فيها الوقع أعمق؛ لأسباب كثيرة، أهمها أن معظم «اللاعبين» في هذا «المسرح»، مثل أميركا وحلفائها وروسيا وإيران وتركيا و«داعش» وأخواته، هم إما منخرطون في الحرب الأفغانية، أو أنهم يعدون العدّة وينسجون الشبكات ويعقدون الاجتماعات ليكونوا «فاعلين» في «أرض الشمس» والجبال الوعرة، بعد تخلي الأميركيين عن حلفائهم، كما فعل «السوفيات» من قبلهم.

– «ساعدني كي أساعدك»

انسحاب قوات الاتحاد السوفياتي من أفغانستان في نهاية الثمانينات، كان مؤشراً على طي صفحة في «الحرب البادرة» القائمة على القطبية الثنائية في العالم. ولا شك أن انسحاب الأميركيين بعد تدخلهم عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، مؤشر إلى الولوج إلى العالم الجديد بعد «القطبية الأحادية»، ومخاض النظام العالمي الجديد، مع صعود الصين، والبحث الأميركي – الروسي عن تقاطعات.

في هذا الإطار، جاءت قمة الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الماضي، والحديث عن حوار استراتيجي بين البلدين، رغم الخلافات والتوترات والاشتباكات الميدانية والضربات «السيبرانية». وكان لافتاً قول الرئيس الأميركي بعد لقائه نظيره الروسي «سألني عن أفغانستان. قال إنه يأمل أن نتمكن من الحفاظ على بعض السلام والأمن، وقلت: هذا له علاقة كبيرة بكم. وأشار إلى أنه مستعد لـ(المساعدة) في أفغانستان وإيران. في المقابل قلنا: نريد القيام بالمساعدة فيما يتعلق بجلب بعض الاستقرار والأمن الاقتصادي أو الأمن المادي لشعبي سوريا وليبيا».

عقب القمة، عقد مستشارو الرئيسين لقاءً سرياً في جنيف مهد لمسودة مشتركة قدمت إلى مجلس الأمن الدولي في نيويورك، لتمديد قرار المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» إلى سوريا، ما مهد الطريق لإمكانية استئناف التواصل الأميركي – الروسي حول «تسوية سياسية» في سوريا، وعقد جولات لـ«الحوار الاستراتيجي» بين البلدين تناول ملفات كبيرة ومقايضات، باعتبار أن سوريا مهمة لروسيا، وأوكرانيا مهمة لأوروبا، وأفغانستان وترتيبات الانسحاب مهمة لأميركا.

– حلفاء وشركاء

قام وفد من «طالبان» بزيارة روسيا لتقديم تطمينات لها بعد الانسحاب الأميركي وتمددها في أفغانستان، كما أنها طمأنت دولاً مجاورة أخرى ومنافستها الحكومة القائمة في كابل.

هل بالإمكان أن تدفع واشنطن وموسكو وحلفاؤهما طرفي الصراع في أفغانستان للوصول إلى «محاصصة»؟

أيضاً، إحدى المساحات التي يمكن أن يتعاون فيها الجانبان في سوريا هو تفاهم شرق الفرات – غرب الفرات، الذي كان رسمه جيشا البلدين في منتصف 2017 بعد سنتين من تدخل روسيا وثلاث سنوات من وجود أميركا. فريق بايدن، وخصوصاً مسؤول الشرق الأوسط بريت ماكغورك، من أكثر المؤيدين للوصول إلى ترتيبات بين «قوات سوريا الديمقراطية» وجناحها السياسي من جهة، والحكومة السورية من جهة ثانية، على أساس الحصول على أفضل شيء ممكن لـ«الحلفاء الأكراد» قبل الخروج من هناك.

المشكلة هي أن تخلي واشنطن عن حلفائها في أفغانستان واستعجال الانسحاب، قوبل بتدحرج «طالبان» في البلاد وحدودها وبواباتها. أيضاً، بعث هذا التخلي رسالة إلى حلفاء أميركا في سوريا بإمكانية ملاقاة المصير ذاته. صحيح، أن الوجود العسكري الأميركي شرق سوريا في ظل حكومة بايدن، أكثر استقراراً مما كان عليه الحال أثناء إدارة دونالد ترمب، الذي سلم حلفاء بلاده المعارضين في جنوب سوريا إلى روسيا في منتصف 2018، و«قسّم» مناطق شرق الفرات بين تركيا وأميركا وروسيا في نهاية 2019، لكن واشنطن تقول دائماً إن وجودها يرمي إلى منع عودة «داعش»، لكن «ليس دون نهاية»، خصوصاً وسط استمرار الضغط الإيراني على الأميركيين في العراق وسوريا، ذلك أن الشرعية القانونية للتدخل الأميركي في العراق تقوم على محاربة الإرهاب، وأن الوجود في سوريا استكمال له.

عليه، الباب مفتوح كي «يساعد» الروس أميركا في أفغانستان، «مقابل» أن «يساعد» الأميركيون بتعزيز الحضور الروسي في سوريا.

– خصوم ومنافسون

هذا بالنسبة إلى القلق لدى الحلفاء. لكن، ماذا عن الخصوم أو المنافسين؟

لا شك أن «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على معظم إدلب وشمال غربي البلاد، تتابع بدقة الخروج الأميركي من أفغانستان لأسباب عدة:

– أولاً: غالباً ما كان قادة «الهيئة» يسعون إلى تقليد «طالبان» في وسائل القتال ووسائل التلون والتكيف مع الخارج والمجتمعات المحلية، وإعطاء هامش للمجالس المحلية، مع أحكام القبضة الأمنية – العسكرية.

– ثانياً: قد ينظر عدد منهم إلى ذلك على أنه نموذج لكيفية التعاطي مع الوجود الروسي في المدى الطويل، بحيث يكون مصيره مماثلاً للوجود الأميركي بعد «السوفياتي» في أفغانستان: قتال، ثم مفاوضات، ثم خروج.

– ثالثاً: التمحيص في كيفية تعاطي «داعش» مع هذا الواقع الجديد؛ إذ إن هذا التنظيم كان منافساً لـ«هيئة تحرير الشام» في سوريا، لكن المعلومات تشير إلى أن «داعش» بدأ بتسهيلات للتوجه من بعض مناطق سوريا إلى «أرض الجهاد الجديدة» في أفغانستان، التي كانت هي المنبع لـ«القاعدة» قبل مجيء عناصره إلى العراق وسوريا في العقدين الماضيين.

إيران ليست جديدة في المسرح الأفغاني المجاور لها، لكن الجديد في الفترة الأخيرة هو بروز الدور التركي فيها، وله جوانب عدة. بداية، هناك تفاهم مع أميركا على المساهمة في إدارة مطار كابل، عبر نشر نحو ألف «خبير عسكري» في هذا المعبر الرئيس للمؤسسات الدولية والحكومات للعبور إلى هذا البلد الذي سيهيمين على الأخبار في السنوات المقبلة. وهناك مؤشرات إلى أن الأجهزة التركية بدأت تفاوض بعض المقاتلين السوريين للذهاب إلى أفغانستان و«حماية المنشآت» بإشراف تركي، في تدخل مشابه، لكن قد يكون أعمق، لتدخل «المرتزقة” السوريين في ليبيا، وفي ناغورنو قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان.

وكان لافتاً، أن المتحدث باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، قال إن حركته «منزعجة» لأن تركيا تتعامل معهم مثل تعاملها مع «الفصائل السورية وليس مثل حكومة طرابلس» في ليبيا التي استعادت التوازن بعد الدعم العسكري من الجيش التركي. أيضاً، كان لافتا ان بعض السوريين الذين «نشطوا» في باكستان وافغانستان وعادوا الى شمال سوريا، تفاعلوا كثيراً مع ذلك.

تركيا، مثل روسيا، لن تكون «مساعدتها» لأميركا في «أرض الشمس» مجانية، ولا شك في أن إحدى المساحات التي تريد تركيا «الثمن» فيها هي شمال شرقي سوريا على حساب ترتيبات تخص مستقبل الأكراد فيها. وقد يكون هذا سبباً إضافياً لتزايد قلق حلفاء أميركا شمال شرقي سوريا: تخلي واشنطن عنهم، وحاجتها إلى موسكو وأنقرة، إضافة إلى طهران التي تنتظر استقرار رئيسها إبراهيم رئيسي لبحث مستقبل «الاتفاق النووي» والدور الإيراني في الإقليم، بما يشمل العراق وسوريا وأفغانستان, وكان لافتا, اعلان أنقرة, ان المتحدث بالرئاسة التركية إبراهيم قالن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بحثا اوضاع افغانستان وسوريا في ضوء {تفاهمات} بايدن وأردوغان في بروكسل.

– مانحون ولاجئون

إضافة إلى كل هذه الجوانب السياسية والعسكرية، هناك بعد إنساني يربط بين السوريين والأفغان. فقد كانت دمشق وجهة لطلاب يأتون من كابل كي يدرسوا في جامعاتها أثناء حكم الرئيس الأفغاني نجيب الله، ثم باتت أفغانستان وباكستان وجهة لـ«المجاهدين» السوريين ضد «السوفيات» وورثته قبل أن يعود بعضهم إلى «الوطن الأم» وخصوصاً في شمال غربي البلاد.

أيضاً، خلال السنوات العشر الماضية، كان البلدان «يتنافسان» في أمرين: من تهيمن أحداثه على نشرات الأخبار؟ من هو الشعب الأكثر عدداً من اللاجئين والنازحين؟ وحسب التقرير الأخير لـ«المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، فإن عدد اللاجئين والنازحين داخل بلدانهم وطالبي اللجوء ارتفع بنسبة 4 في المائة في 2020، مقارنة بعدد قياسي بلغ 79.5 مليون في نهاية 2019. والعام الماضي، كان أكثر من ثلثي الأشخاص الذين فروا إلى الخارج من خمس دول فقط هي: سوريا (6.7 ملايين)، وفنزويلا (أربعة ملايين)، وأفغانستان (2.6 مليون)، وجنوب السودان (2.2 مليون)، وبورما (1.1 مليون).

سرقت فنزويلا «الأضواء» مؤقتاً من سوريا وأفغانستان في السنة الأخيرة، لكن الانسحاب الأميركي قد يفتح الباب لـ«قفزة أفغانية» إلى الصدارة في الأخبار والتفجيرات والصراعات، وبعضها بين «طالبان» و«داعش»، واستقطاب اهتمامات المانحين والمؤسسات الدولية (مؤتمر المانحين لأفغانستان وفر 15 بليون دولار في 2016 و13 في 2020 ومؤتمر المانحين لسوريا وفر 10 مليارات في 2016 وستة مليارات في 2021)، الذي سيكون على حساب الاهتمام بالملف السوري وتقديم الدعم للسوريين من الدول المانحة، خصوصاً وسط معاناة اقتصادات العالم من جائحة «كورونا».

الشرق الأوسط

—————————-

أفغانستان… أفغانستان!/ حازم صاغية

أفغانستان مكان يُفترض بالعقائد والبرامج السياسيّة أن تتواضع وهي تفكّر فيه. يُفترض أن تجفل وهي تقدّم مقترحاتها لعلاجه، هو الذي يفيض عن ضفّتي احتلال وتحرير، أو استعمار واستقلال. تجربة ذاك البلد كافية لإقناعنا بأنّ الأفكار السياسيّة والآيديولوجيّة الكبرى لا تكفي وحدها.

لا السوفيات وشيوعيّتهم، ولا الأميركان وليبراليّتهم، ولا الإسلام السياسيّ بمجاهديه ثمّ بطالبانه أفلحوا في معالجة ذاك البلد. قبلهم جميعاً عرفت أفغانستان محاولة لفرض حلّ أتاتوركيّ رعاه الملك المستعجل على التحديث أمان الله خان. في 1929 أطيح أمان الله عبر حرب أهليّة. «الحرب على الإرهاب» تبيّنت حدودها هذه المرّة، لكنْ، في المرّات السابقة، كانت تتبيّن حدود الحروب من كلّ نوع.

فالغزاة حين يغزون أفغانستان يخلقون مشكلة كبرى، وحين ينسحبون منها يخلقون مشكلة كبرى. احتلالها كارثة، وهذا ما يسهل قوله دائماً، لكنّ تحرّرها أيضاً قد يكون كارثة، وهذا قول خلافيّ بالتأكيد، مع أنّ التجارب تقول إنّ الأفغان كلّما هزموا طرفاً أجنبيّاً غازياً هزموا أنفسهم كذلك.

والأمر أعقد من ذلك: فحين تنسحب روسيا من أفغانستان تواجه أميركا مصيبة في حجم 11 سبتمبر (أيلول). واليوم، فيما تنسحب أميركا من أفغانستان، يتساءل المراقبون: أيّ المصائب ستواجهها روسيا والصين وإيران وتركيّا من جرّاء انسحاب سواهم؟ الإجابات السياسيّة والآيديولوجيّة السريعة، أكانت تحابي الاحتلال أم تتحمّس للتحرّر، لا تفيد كثيراً. التذاكي أيضاً لا يفيد: الأميركيّون ربّما نجحوا، إبّان الحرب بين «المجاهدين» وموسكو، في تحويل أفغانستان إلى «فيتنام الاتّحاد السوفياتيّ». لكنّ نيويورك وواشنطن ما لبثت أن دكّتهما أعاصير أفغانستان. وإيران، بالتأكيد، أفادت من إسقاط الأميركيّين حكم طالبان، لكنّها قد تدفع، مع عودة طالبان المرجّحة إلى الحكم، أثماناً تعادل الأثمان التي تقاضتها من جرّاء إطاحتهم. أمّا روسيا التي كانت تُفرحها مصاعب واشنطن في كابل، فقد تأتيها من آسيا الوسطى لعنة أفغانيّة جديدة.

هكذا تصطكّ أسنان العالم كلّما غُزيت أفغانستان وكلّما تحرّرت. هذه بعض العناوين الحاليّة التي تواكب الاستعداد الأميركيّ للانسحاب:

إعراب باكستان عن خشيتها من اندلاع حرب أهليّة في أفغانستان تعقبها موجة لجوء جديدة. إيران تشاطر باكستان مخاوفها. حلف الناتو متخوّف من عودة «القاعدة» إلى أفغانستان الطالبانيّة، وربّما استضافة «داعش» أيضاً. تركيّا، التي تريد مصالحة الولايات المتّحدة بأيّ ثمن، عرضت أن تتولّى الأمن في مطار كابل الدوليّ. الأمم المتّحدة أعربت عن قلق متزايد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المبلّغ عنها في أفغانستان، وعن أنّ 18 مليوناً، أي أكثر من نصف السكّان، في حاجة ماسّة إلى «معونات تُبقي على قيد الحياة». المفوضيّة العليا للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين حذّرت من «أزمة إنسانيّة تلوح في الأفق في أفغانستان، حيث يؤدّي الصراع المتصاعد إلى زيادة المعاناة الإنسانيّة ونزوح المدنيّين».

والحال أنّ الحياة رخيصة جدّاً في أفغانستان واللجوء أرخص: منذ 2001، قُتل ما بين 66 و69 ألف جنديّ تابعين لحكومة كابل، و84 ألف مقاتل لـ«طالبان» وحلفائهم، و71 ألف مدنيّ أفغانيّ. أمّا الذين نزحوا داخل البلد فـ3.2 مليون أفغانيّ، والذين لجأوا إلى الخارج فـ2.7 مليون.

ما الذي جعل أفغانستان ما صارت عليه؟

لقد اجتمع في ذاك البلد، الذي لم يُستعمَر ولا يُطلّ على البحر، أقصيان:

– تدخّل خارجيّ من كلّ نوع افتتحته، ابتداء بأواخر القرن التاسع عشر، «اللعبة الكبرى» بين البريطانيّين والروس، ما جعل أفغانستان بلداً عازلاً. في 1979 جاء الروس. في 2001 جاء الأميركان.

– وتعدّد إثنيّ هائل، مصحوب بتعدّد طائفيّ جزئيّ. وبالنتيجة لم تستقرّ الأحوال على إجماع حدّ أدنى يمكن أن ترسو عليه حياة سياسيّة مستقرّة.

كلّ من هذين العاملين الأقصيين كان يغذّي الآخر ويقوّيه، وعن اجتماع العاملين هذين نشأت حالة قصوى ثالثة: التزمّت. فالهويّة حيال الآخر الإثنيّ، كما حيال الآخر غير الأفغانيّ، عزّزت التعصّب الذي صاغته مواقف كثيرة ربّما كان أهمّها الموقف من المرأة. لقد شهدت أفغانستان، من بين سائر بلدان العالم، عمليّات انتحاريّة ضدّ المدارس التي تعلّم الفتيات!

هذا لا يعني أنّ أفغانستان هي دوماً حالة ميؤوس منها. التاريخ الأفغانيّ الحديث نفسه شهد حقبة واعدة امتدّت بين 1964 و1978: في ظلّ الملك محمّد ظاهر شاه اعتمدت كابل سياسة حياد أتاحت لها أحسن العلاقات مع موسكو وواشنطن ولندن، وحرّضت العواصم الثلاث على التنافس في تقديم المساعدات لأفغانستان التي نأت بنفسها عن الحرب الباردة، وقبلها عن الحرب العالميّة الثانية. في الداخل، باشر ظاهر شاه تجربة تحديث تدريجيّ وهادئ مصحوبة بوضع دستور وتوسيع هامش المؤسّسات وتحكيم القانون. لكنْ في 1973 نُفّذ الانقلاب الجمهوريّ الذي تلاه، بعد خمس سنوات، الانقلاب الشيوعيّ، وكرّت السبحة.

العودة إلى الماضي مستحيلة. التقدّم نحو المستقبل مستحيل.

الشرق الأوسط

—————————–

الشطرنج الأفغاني/ سمير صالحة

تعهدت إدارة ترامب بناء على اتفاقية الدوحة المعتمدة في العام المنصرم بسحب جنودها من أفغانستان قبل شهر أيار 2021. الرئيس بايدن جدد تمسكه بالاتفاقية لكنه مدد فترة المغادرة إلى أيلول المقبل، ليفاجئنا بانسحابات خاطفة وسريعة حركت الساحتين السياسية والعسكرية في أفغانستان. المشكلة بالنسبة للكثيرين ليست تنفيذ واشنطن تعهداتها بل معرفة خبايا ما تعد له من خلال استراتيجية تحرك مقلقة على هذا النحو؟

على من انتصرت واشنطن في أفغانستان كي يعلن بايدن أن بلاده هزمت الإرهاب هناك؟ وما الذي يعنيه أميركيا عودة طالبان لبسط نفوها على 85 في المئة من الأراضي؟ أين هو النظام السياسي الذي أقامته وكل التقديرات وتحليلات الموقف تتحدث عن السيناريو الأسوأ في البلاد.

أميركا تدرك جيدا أن انسحابها سيترك فراغا. وتدرك أيضا أن حركة “طالبان” ستعمل على ملء هذا الفراغ والأهم من كل ذلك هي إدراكها بأن أفغانستان ستتحوّل إلى أرض مفتوحة لصراعات محلية وإقليمية فما الذي تريده وتبحث عنه تركيا التي أعلنت أنها على استعداد لتوفير حماية مطار كابول إذا ما تمت التفاهمات المحلية والدولية حول ذلك؟

أفغانستان هي قلب الآسيوية الجديدة بمعالمها الاقتصادية والتجارية وواشنطن تعرف ذلك من خلال التحرك الروسي الصيني الواسع في هذه البقعة الجغرافية فلماذا تريد إفساح الطريق أمام خصومها ومنافسيها بهذه البساطة ولماذا تقرر المغادرة بعد إنفاق أكثر من ترليوني دولار على مشروع بناء أفغانستان أميركية؟ هل هي ستفعل ذلك حقا؟ أم أن مشروعها هو أكبر وأهم من ذلك: فتح أبواب الجحيم الإقليمي بدلا من أبواب المصالحة الأفغانية؟

كانت أميركا تدعم الجماعات الإسلامية المقربة من القاعدة وطالبان في حربها مع الروس قبل 4 عقود. روسيا تستعد لقبول طالبان التي أعلنت هزيمة القوات الأميركية في أفغانستان قبل عام. بدأ وزير الخارجية الصيني وانغ لي تحركا آسيويا باتجاه دول الجوار الأفغاني لتأكيد عدم رغبة بلاده بالتفريط في مصالحها الاستراتيجية هناك. بكين بنت في العامين الأخيرين منظومة من العلاقات الأمنية مع طالبان في مواجهة النفوذ الأميركي الغربي وهي تواصل حوارا سياسيا مع باكستان بعيدا عن الأضواء، هذا إلى جانب كونها تملك أكثر من ورقة تأثير داخل أكثر من تكتل ومنظومة علاقات بنتها في الأعوام الأخيرة مثل منظمة شنغهاي والتحالف الاستراتيجي مع روسيا وخط الحرير الجديد وإعلانها أنها لن تتهاون في محاولات تحريك ملف الأقلية الأيغورية ضدها على الحدود الصينية الأفغانية. فلماذا تتورط تركيا في ساحة مواجهات مجهولة المعالم وهل ينهي إنقاذها لمطار كابول الخلافات الأفغانية الأفغانية ويقطع الطريق على التدخلات الإقليمية؟

دخول تركيا المفاجىء على الخط عبر اقتراح إدارة شؤون مطار كابول جزئية بسيطة في الحل لم تعجب طالبان ولم تقنع الكثير من دول الجوار الأفغاني. بعض وسائل الإعلام المنزعجة من التحرك التركي بدأت تشن حملاتها ضد أنقرة وتتحدث عن نقل المرتزقة السوريين من ليبيا وشمال سوريا إلى أفغانستان وتذكر تركيا بضرورة مراعاة التوازنات الإقليمية هناك. أية خطوة تركية غير محسوبة ستعني حتما التفريط بكل ما بني في العقود الأخيرة من علاقات متوازنة ومدروسة مع الأفغانيين، لكنها ستعني أيضا تعريض مصالحها للخطر ودفعها نحو فقدان ما جعلها مميزة عن بقية دول التحالف الدولي في التعامل مع الملف الأفغاني.

تركيا في أفغانستان منذ قرن عبر اتفاقية التعاون والصداقة وسفارتها هي الأضخم والأكبر 45 دونما من الأراضي هدية من الملك أمان الله. عشرات الاتفاقيات والعقود رغم بعد المسافات يقربها التاريخ والدين والثقافة. وواشنطن تريد زرع القنابل الموقوتة الجاهزة للانفجار بين دول الجوار الأفغاني طالما أنها عاجزة عن مواجهة نفوذ هذه الدول واصطفافاتها وحساباتها هناك.

طرحنا قبل أعوام سؤالا حول أسباب الانسحاب الأميركي السريع والمفاجىء من العراق فاكتشفنا أن الهدف هو إشعال هذا البلد وتوتير العلاقات بين دول الجوار العراقي ودفع ملف الأزمة نحو الفتنة الأكبر والتقسيم. السيناريو الأقرب الذي يفسر قرار واشنطن الانسحاب المفاجئ والسريع من أفغانستان قد يكون فتح الطريق أمام تكرار المشهد العراقي: انفجار أمني أفغاني يقود البلاد نحو الحرب الأهلية والتقسيم الذي يشعل جنوب آسيا بأكملها في السنوات المقبلة.

أميركا التي أعلنت أنها تدخل أفغانستان قبل عقدين بهدف محاربة الإرهاب ومساعدة الأفغانيين على بناء دولة ديمقراطية عصرية تنسحب تاركة طالبان تتصدر الساحة الأفغانية فلماذا تعلن دعمها للاقتراح التركي بتولي حماية مطار كرزاي وسط كل هذه التراشقات؟

لن تشارك تركيا في خطة إدارة شؤون مطار كابول دون اكتمال التنسيق المباشر وتقاسم المسؤوليات الميدانية مع باكستان وبدعم أممي وتمويل دولي وموافقة اللاعبين الإقليميين المعنيين بالملف. أنقرة تنتظر نتائج التحرك القطري الحالي الهادف لإيجاد صيغة تفاهمات تحول دون الانفجار الأمني الكبير لتحسم على ضوء ذلك موقفها وقرارها النهائي. العقبة الحقيقية هي ليست رفض طالبان للمقترح التركي بتوفير حماية مطار كرزاي بل وقوف موسكو وطهران وبكين إلى جانب طالبان في موقفها هذا وتشجيعها على مواصلته.

تتقاطع الكثير من التحليلات وتقديرات الموقف المتعلقة بالشأن الأفغاني عند حقيقة أن أميركا دخلت أفغانستان قبل 20 عاما لتأجيج الخلافات العرقية والسياسية أكثر من هدف محاربة الإرهاب الذي استهدفها في نيويورك. مغادرة القوات الأميركية بالنسبة للاعبين إقليميين يتابعون الملف مثل باكستان وروسيا والصين تعني حصولهم على الفرصة الاستراتيجية لملء هذا الفراغ وهذه الدول لن تقبل بدور تركي استراتيجي يعرقل خططها ومشاريعها هناك. تحتاج تركيا إلى تفعيل دورها الإقليمي في ملفات عديدة مرتبطة بالملف الأفغاني لكنها تحتاج إلى التنسيق والتفاهم مع بقية اللاعبين المؤثرين في جنوب شرقي آسيا. لا يمكن لتركيا الحصول على ما تريده في أفغانستان من خلال الاكتفاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية ودون الأخذ بعين الاعتبار النفوذ الروسي والصيني المتزايد في المنطقة. تنسق أنقرة مع واشنطن في موضوع تولي حماية مطار كابول لكنها لن تقرر إبقاء قواتها هناك دون تنسيق وتحضير مدروس مع موسكو وإيران بقدر ما تفعل ذلك مع أميركا.

رحبت طالبان بقرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان وأبدت السلطة السياسية الحاكمة تخوفها من ارتدادات مثل هذه الخطوة دون تحضير سياسي أمني لوجستي يكون جزءا من خارطة تفاهمات وطنية وإقليمية وغير ذلك يعني التورط في مستنقع يعرف الروس والأميركان الكثير عنه أفغانستان بلاد اصطياد المتورطين من الخارج في شؤونهم الداخلية.

تلفزيون سوريا

—————————

أميركا تودّع أفغانستان وتترك القلق في الصين وروسيا وإيران والهند وباكستان/ راغدة درغام

تتأهّب الدول المجاورة لأفغانستان لتلقي تداعيات الانسحاب الأميركي بعد 20 سنة وتريليوني دولار أُنفِقت على حربٍ فاشلة، انتهت بتلطيخ سمعة الأميركيين بأنهم لا يحسنون الاحتلال ولا الانسحاب، وسيرتهم هي عدم الالتزام مع الحلفاء، بل اللا وفاء. قرار الرئيس الأميركي جو بايدن إتمام سحب القوات الأميركية بحلول 11 أيلول (سبتمبر) المقبل – وهو تاريخ العمل الإرهابي الضخم عام 2011 الذي أدّى الى غزو العراق وملاحقة “طالبان” في أفغانستان وهزيمتها حينذاك – قرار كان لا بد منه، أتى استطراداً لقرار سلفه الرئيس دونالد ترامب الانسحاب.

فلا مفاجأة هناك. رغم ذلك يدبّ الرعب والقلق من عواقب خروج القوات الأميركية من أفغانستان في الدول المجاورة وأبعد، ليس فقط خوفاً من اندلاع الفوضى والانهيار الأمني وتسلّط “طالبان” على الحكم باستبداد ديني متطرّف وقوة السلاح، بل ما يخشاه الجميع أيضاً هو انتعاش الجماعات الإسلامية الأخرى المتطرّفة مثل “داعش” و”القاعدة” للانطلاق من أفغانستان نحو دول آسيا الوسطى وفي الجيرة المباشرة وأبعد. الصين قلقة وهي تجد في الانسحاب الأميركي حفرة، لكنها أيضاً ترى لنفسها هناك فرصة. روسيا لا تريد التورّط مجدّداً في أفغانستان، لكنها لا تريد أن تتلقّى الإرهاب الذي ارتبط بـ”داعش” و”القاعدة”، لا في عقر دارها، ولا في دول آسيا الوسطى مثل تركمانستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغستان. الدول الأساسية في الجيرة المباشرة، وهي الهند وباكستان وإيران، تتأهّب بأكثر من حلّة وحال لأسباب عدة، منها ما له علاقة بأفغانستان، ومنه ما يقع في خانة العداء المباشر بينها على نسق العداء بين الهند وباكستان. فالجميع كان مرتاحاً عندما قامت الولايات المتحدة، بالوكالة، بمهمّة أثبتت استحالة الانتصار الساحق بها، لكنها حاربت “القاعدة” و”طالبان” احتواءً للإسلام المتطرّف وللإرهاب. تَعِبَ الأميركيون وأدّى بهم الإرهاق الى لملمة استثمارهم الخاسر لطي صفحة الحروب بالنيابة والحروب اللامنتهية للخروج من أفغانستان. ولكن، ليس بلا كلفة بل ربما بمفاجآت مُكلفة آتية.

استضفتُ هذا الأسبوع في الحلقة الافتراضية 39 لقمّة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي الممثّل الخاص للمصالحة في أفغانستان في وزارة الخارجية الأميركية السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة والعراق وأفغانستان، زلماي خليل زاد. وضمّت الحلقة كلاً من الممثّل الخاص السابق للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق واليمن وزير خارجية الجزائر الأسبق الأخضر الإبراهيمي. الوزير البرتغالي الأسبق المُكَلّف ملف أوروبا، والزميل الأول في جامعة رينمين في الصين ومعهد هدسون في واشنطن، برونو ماسياس. ومدير مركز كارنِغي في موسكو، والزميل الباحث السابق في كلية الدفاع في حلف الناتو، ديمتري ترينن.

زلماي خليل زاد قال بصراحة إن “سياستنا تطوّرت وتكيّفت مع الظروف. في البداية اعتقدنا أن الأفغان الذين دعمناهم قد هَزموا “طالبان”، وأن “طالبان” قد اختفوا وأنه ربما كان هناك حل عسكري. ولكن بمرور الوقت، أصبح واضحاً”، تابع خليل زاد، أنه “لا حل عسكرياً، وأن “طالبان” قد أعادت تشكيل نفسها، وأن فرض الحل على “طالبان” لترضى بما نقبله نحن والأفغان الآخرون، لم يكن مُجدِياً”.

رأيه هو أنه في ظل ظروف أفغانستان واحتياجاتها، وفي ظل الاحتياجات الدولية والظروف الداخلية “احتكار السلطة من قِبَل “طالبان” لن يؤدّي الى استقرار أفغانستان، ولن يتم قبوله على أنه طبيعي في المستقبل المنظور. وعليهم التكيّف”. وعليه “لن يسمَح باستخدام أراضي أفغانستان من الجماعات والأفراد الذين يهدّدون الولايات المتحدة وحلفاءنا”. تقديره هو أن دور الجيران سيكون حيويّاً، وأن باكستان والهند وإيران “لديها مصلحة مشتركة في عدم اكتساب “داعش” النفوذ في أفغانستان” وأنه “سترغب الدول الثلاث جميعاً في رؤية الاستقرار عند مستوى واحد في أفغانستان”.

الأخضر الإبراهيمي ألقى اللوم على كل المعنيين وقال: “قفز الجميع الى استنتاج مفاده أن “طالبان” من صنع باكستان. وحتى عندما كانوا يسيطرون على 95 في المئة من البلاد، فشل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، في الاعتراف بهم. وكان هذا خطأً فادحاً”. ودعا الى “العودة الى الوراء أكثر وتعلم الدروس”، وقال: “علينا أن نتوقع الأسوأ”. واعتبر أن “تاريخ أفغانستان منذ منتصف التسعينات هو المسؤول عن الوضع الذي نعيشه الآن، وليس حوادث 11 سبتمبر وحدها”. ورأى أن السلام والحرب في أفغانستان يعتمدان الى حد كبير على الجيران “وعلى وجه الخصوص، إيران وباكستان والهند، التي عليها الاتفاق على أن السلام في أفغانستان يصب في مصلحتها”، وأن على الدول الكبرى الثلاث، الولايات المتحدة والصين وروسيا، أن ترى في السلام حماية لمصالحها.

وحذّر الإبراهيمي من أن “اغتنام الصين وباكستان فرصة الانسحاب الأميركي لتصبحا سيدتي اللعبة في أفغانستان سيكون خطأً فادحاً يرتكبه الصينيون. سيرتكبون الخطأ نفسه الذي ارتكبه السوفيات والولايات المتحدة، وهو، تجاهل حقيقة أن الأفغان يريدون أن يكونوا أسياداً في منزلهم”.

روسيا تعلّمت دروسها وهي ليست في وارد العودة العسكرية الى أفغانستان، ولا التدخّل، ولا التورّط في المسألة الأفغانية. “طالبان” بحدّ ذاتها ليست مصدر قلق لموسكو، ولموسكو اتصالات وتفاهمات مع “طالبان” أبرزها تعهّد “طالبان” أن لا هجمات عسكرية ضد روسيا ومصالحها.

ولكن، ما تستثنيه التفاهمات هو قدرة “طالبان” على احتواء حركة المجموعات الإسلامية الأخرى عبر الحدود الأفغانية، واعتبار مشاريع تلك المجموعات خارج مسؤوليتها. ثم هناك تفاهمات ما بين “طالبان” و”داعش” – منها اتفاق لعام 2019 – قوامه  ألاّ يزعم تنظيم “داعش” أي سلطة ونفوذ في المسألة الداخلية الأفغانية، في المقابل، لن تقيّد “طالبان” حركة “داعش” من أفغانستان الى الأراضي المجاورة. وبحسب التقديرات، أن لتنظيم “داعش” 3000 مقاتل في 9 قواعد في أفغانستان مليئة بالسلاح والذخيرة.

“داعش” لا يمانع سيطرة “طالبان” في أفغانستان، لا سيّما في ضوء قرارها فرض الشريعة الإسلامية. كل ما يريده تنظيم “داعش” من أفغانستان اليوم هو أن تكون قاعدته الجديدة لغاياته الاستراتيجية في دول آسيا الوسطى، والصين، وبحر قزوين. وبحسب مصادر تراقب تحركات “داعش”، هناك مؤشرات الى حشد المقاتلين من سوريا والعراق وليبيا للتوجّه الى أفغانستان حيث ستكون القاعدة الجديدة على ضوء الانسحاب الأميركي.

الى حد ما، وللسخرية، قد يكون ذلك نبأً جيّداً للمشرق والمغرب العربيين، إذا صدَق قرار انسحاب “داعش” من الجغرافيا العربية توجّهاً الى طاجيكستان، وتركمانستان، وكازاخستان، وقيرغيستان، بقرار استراتيجي.

ثم إن لدى “داعش” رغبة في نشر اللااستقرار في منطقة الأويغور Uyghurs ذات الأكثرية السُنيّة في الصين حيث يعيش المسلمون من عرقية تركيّة. والصين قلقة، ولذلك تهتمّ كثيراً بما يجري داخل أفغانستان، وهي تودّ التنسيق مع إيران لاحتواء “داعش”.

إيران تسعى الى نوعٍ من التفاهم مع “طالبان” لأسباب متعدّدة، منها التجارة الكثيفة عبر الحدود، لا سيّما بعدما سيطرت “طالبان” على المعابر الحدودية. وإيران تسعى وراء تعاون “طالبان” لمنع حركة “داعش” وأمثاله عبر الحدود الى الدول المجاورة. “طالبان” تقدّم الوعود بألاّ تخلق مشكلات لجيران أفغانستان، لكن الواقع قد يفرض أمراً آخر.

الهند قلقة من استخدام “داعش” وأخواته قاعدته الجديدة لتأجيج المسلمين في كشمير، وهي قلقة ليس فقط من “طالبان” و”داعش” وأمثالهما، بل قلقها أيضاً هو من باكستان التي تصدّ الهند عن أي مباحثات معنية بأفغانستان.

“أعتقد أن الصين ستُغرى بفكرة بسط نفوذها وسيطرتها عبر باكستان وعلى أفغانستان، حيث هناك موارد معدنية مهمّة للغاية”، قال برونو ماسياس، وتابع: “فالصين في وضع جيّد للغاية لأنها تتمتع بعلاقة مميّزة مع باكستان، ولديها أموال لتنفقها في أفغانستان”. وقال أيضاً إنه لا يعتقد أن بوسع “طالبان” السيطرة الكاملة على البلاد، وبالتالي ستقع أفغانستان تحت نفوذ وسيطرة قوى أخرى “بعضها، في اعتقادي، يقف في واجهة المعارضة المباشرة للمصالح الأميركية”. وعبّر ماسياس أيضاً من مخاوف أوروبية من تدفّق الهجرة من أفغانستان اليها، ربما بتسهيلات تركيّة، ما سيؤجّج النزاع بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

“طالبان” طالبت تركيا بسحب قواتها من أفغانستان، وهدّدت بقتل الجنود الأتراك، واضعة بذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المحكّ. إنها عازمة على توطيد قبضتها وتعزيزها على أفغانستان، ولذلك الخوف هو من حتميّة فشل كل تلك المحاولات والكلام عن المصالحة واقتسام السلطة في أفغانستان. الخوف أيضاً هو على مصير المتعاونين مع الولايات المتحدة بما يشابه مصير أولئك في سايغون أثناء محاولة الجلاء من فيتنام.

ديمتري ترينن لفت الى أن خروج الأميركيين بات محسوماً “وعلينا نحن التعاطي مع الفوضى، ومشتقاتها”. قال: “كان الناس مبتهجين للهزيمة الجديدة للولايات المتحدة أو الفشل الجديد للسياسة الخارجية الأميركية” لكن كان هناك آخرون “يفكرون في عواقب تلك الهزيمة، والعواقب وخيمة للغاية”. واعتبر أن “المشكلة الأساسية بالنسبة الى روسيا ليست “طالبان” أو المجموعات الجهادية أو “داعش” أو الجماعات المماثلة التي تعبر الحدود الى آسيا الوسطى. المشكلة الكبرى هي المخدرات، وما يعنيه مستقبل أفغانستان لتهريب المخدرات”. وأقرّ بقلق روسيا من “داعش” لا من “طالبان”، واعتبر أنه “ليس من شأن روسيا أن تهيمن الصين أو أي شخص آخر على أفغانستان”. لكنه اعتبر الابتهاج بالهزيمة الأميركية “سطحياً، فهذا هو الزبد على سطح الماء. الشيء الحقيقي هو القلق بشأن ما يمكن البناء عليه”.

زلماي خليل زاد يرفض تعبير الهزيمة، ويصرّ على أن الولايات المتحدة تعيد التموضع ولا تهجر المنطقة. تحدّى القول بأن إيران سعيدة بالانسحاب الأميركي من أفغانستان وستوظفه لمصلحتها، لا سيّما أنها تودّ دفع القوات الأميركية خارج العراق، كما تحدّى القول بأن الصين مبتهجة للهزيمة. قال: “لست متأكداً من أن الإيرانيين سعداء أو أن الصينيين سعداء بالانسحاب الأميركي، لأننا كنا نقدّم لهم خدمات مجانية الى حد ما. فمن الواضح أنهم كانوا قلقين بشأن مشكلة الإرهاب – الإيرانيون بالذات من “داعش” – ولقد كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يقاتلون تلك الجماعات الإرهابية في أفغانستان”.

تفاؤل خليل زاد “بالإجماع غير العادي” في القلق بين الأميركيين “والصينيين والإيرانيين والروس وآسيا الوسطى” ليكون نقطة التحوّل إيجاباً في أفغانستان، قد يكون من باب التمنيات. إنه متفائل بدور طهران، ويعتقد أن “الإيرانيين سيؤكّدون على تسوية سياسية شاملة للغاية للمجموعات العرقية والجماعات العرقية التي لها روابط بإيران والشيعة”. وهذا مؤشر الى أن إدارة بايدن تضع ثقة كبيرة في نيات إيران.

قرار الانسحاب الأميركي مصيري لأفغانستان ربما الى الأسوأ. إنما الإرهاق الأميركي من حروبٍ نيابة عن الآخرين بلا نهاية وبلا مردود وبلا تقدير هو ما بنى عليه الرئيس بايدن. الخوف هو في استعادة المجموعات الإسلامية المتطرّفة زمام المبادرة وإعادة اختراع نفسها بما يضاعف استعباد المرأة وانتهاكحقوق الانسان وبما يجعل إدارة بايدن تقول يوماً: ليتنا كنا نعلم… إنما بعد فوات الأوان.

النهار العربي

————————

الخارجية الأميركية لـ”العربي الجديد”: الأسد لم يسترد شرعيته/ عماد كركص

انصب الاهتمام الأميركي في الملف السوري، خلال الأسابيع الماضية، على تجديد آلية إدخال المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى على الحدود الشمالية لسورية مع تركيا. وقد مرّ تجديد الآلية بيسر في مجلس الأمن الدولي بعد تفاهم أميركي ــ روسي، وإن كانت الصفقة بين واشنطن وموسكو غير واضحة المعالم. وبعد تجديد الآلية، باتت الأسئلة مشروعة حول الأولويات الأخرى للإدارة الأميركية تجاه الملف السوري، مع بروز عناوين أساسية، أهمها مرتبط بمسارات الحل السياسي السوري المتعثرة بسبب مماطلة وتعطيل النظام بدفع روسي. مع العلم أنه لم تنفع أمام هذا التعطيل كل الأساليب التي استخدمتها واشنطن بإداراتها الثلاث السابقة، لا سيما إدارة دونالد ترامب، للضغط على النظام. كذلك، فإن مسألة بقاء القوات الأميركية في سورية، تعدّ محط اهتمام، خصوصاً لجهة ما إذا كان سيقتصر بقاء القوات على حماية آبار النفط وتقديم الدعم اللوجستي لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بمحاربة “داعش” أم سيكون لها مهام أخرى بتدعيم الاستقرار، ليس فقط في شرق سورية وشمالها، بل أيضاً في الشمال الغربي.

ويشكل الوجود الإيراني، محطة استفهام هامة بشأن كيفية التعامل معه من واشنطن، خصوصاً بعد أن كانت الأخيرة تركز على أن ضرورة إخراج المليشيات الإيرانية من سورية، أو على الأقل انسحابها من الجنوب السوري لطمأنة إسرائيل. وفي ظل تراخي إدارة الرئيس جو بايدن في هذه النقطة تحديداً، أو إهمالها مرحلياً بصورة مؤقتة، تدور شكوك جرى الحديث عنها صراحة في الأروقة الأميركية، لا سيما في الكونغرس، تتعلق باحتمال أن يؤدي الاتفاق حول البرنامج النووي مع إيران، إلى صفقة معها في سورية، تغضّ بموجبها أميركا النظر عن الوجود العسكري الإيراني في البلاد.

ويبرز ملف آخر متعلق بتعاطي الولايات المتحدة مع تركيا حيال الإشكاليات القائمة في الشمال السوري، شرقاً وغرباً. ومع إصرار أنقرة على التوسّع على حساب الأكراد جغرافياً في الشمال الشرقي من سورية، وتمسّك واشنطن بدعمهم، من دون أفق لحل لهذه المعضلة، سيكون من الأسهل للمتابع الاتجاه غرباً، لمعرفة ماهية الدعم الذي ستقدمه واشنطن لأنقرة في إدلب. مع العلم أن تركيا طلبت دعم الإدارة الأميركية السابقة، من خلال حلف شمال الأطلسي، في معركتها ضد قوات النظام السوري، في ربيع عام 2020، لتأمين غطاء جوي من أجل تدخل طيرانها الحربي، ولم تقابل الإدارة السابقة هذه المطالب بالإيجاب.

وسط كل هذا، تبرز نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لجهة القيام بالمزيد من التوغل في إدلب على حساب المعارضة والجيش التركي. في المقابل، لا يُمكن التغاضي عن مطالب تركية سابقة تقضي بانسحاب قوات النظام إلى الحدود الجغرافية لاتفاق سوتشي الموقع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر/أيلول 2018. وهو اتفاق خرقه النظام بدعم روسي، عبر قضم أجزاء واسعة من إدلب ومحيطها، أو ما يعرف بـ “منطقة خفض التصعيد الرابعة”، وتهجير نحو مليوني مدني. بالتالي، تبدو مسألة الدعم الأميركي لتركيا مهمة في أي استحقاق مقبل.

ويبقى الموضوع الأهمّ، هو المرتبط بالتعامل مع القضية السورية في ظل بقاء بشار الأسد في السلطة، لا سيما أن بايدن حسم مسألة شرعية الأسد، وإعادة تعويمه بإشارته إلى أن “الأسد شخص غير موثوق به”.

وحيال تراكم التساؤلات، يعبّر مسؤول رفيع في الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية، عن اعتقاده، بأن “الاستقرار في سورية والمنطقة بأكملها لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية. وهي عملية تمثل إرادة جميع السوريين ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان بقاء حل سياسي دائم في متناول اليد”. ويشير في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن بلاده “تدعم العملية السياسية بقيادة سورية تسهّلها الأمم المتحدة، والتي تم وضعها ضمن معايير قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015، وسنبقى على اتصال مع الأمم المتحدة وحلفائنا وشركائنا الدوليين لتشجيع كل الجهود الممكنة لدفع المسار السياسي”. ويلفت إلى أن “الرئيسين بايدن وبوتين أشادا بالعمل المشترك لفريقيهما عقب القمة الأميركية الروسية (عُقدت في 16 يونيو/حزيران الماضي) التي أدت إلى التجديد بالإجماع لآلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسورية، في مجلس الأمن”.

أما بخصوص وجود القوات الأميركية في سورية، فيوضح المسؤول الأميركي أن “تواجد القوات هناك هو لضمان الهزيمة الدائمة لداعش، ولا يوجد أي سبب آخر غير ذلك”. ويضيف أنه “لا يزال تنظيم داعش في سورية يشكل تهديداً خطيراً، مستفيداً من عدم الاستقرار عبر إظهار نواياه في شن هجمات في الخارج. كما يستمر في إلهام الهجمات الإرهابية حول العالم، ويتطلب منع عودة ظهور داعش في العراق وسورية، وكذلك من قبل الشركات التابعة له وشبكاته خارج الشرق الأوسط، تجديد تفعيل التزام الولايات المتحدة إلى جانب 83 من شركائنا وحلفائنا الذين يشكلون التحالف الدولي ضد داعش”. ويتطرّق المسؤول إلى البيان المشترك الصادر عن اجتماع روما لوزراء التحالف الدولي لهزيمة داعش في 28 يونيو الماضي، مشدّداً على “وجوب أن يبقى التحالف يقظاً إزاء تهديدات الإرهاب بكافة أشكاله وتعبيراته لكي يؤسّس على النجاح الذي حقّقه، ولا بدّ أن يستمرّ في العمل بشكل مشترك ضدّ أي تهديد لهذا النجاح، وأن يتجنّب الفراغ الأمني الذي قد يستغله داعش”.

وفي ما يتعلق بالوجود الإيراني في سورية، ينوّه المسؤول إلى أن “القوات الإيرانية، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وغيرها من القوات الأخرى بالوكالة المدعومة من إيران، تهدّد الاستقرار الإقليمي وأمن حلفائنا وشركائنا، بما في ذلك إسرائيل. كما تؤدي هذه القوات دوراً مزعزعاً للاستقرار في سورية بشكل خاص، مما يهدد آفاق الحل السلمي للصراع”. ويكشف كذلك بأن “الضربات الجوية الأميركية الأخيرة على المليشيات المدعومة من إيران، كانت إجراءً ضرورياً وملائماً ومناسباً للحدّ من خطر التصعيد”، مؤكداً: “سنتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية والدفاع عن أفراد الولايات المتحدة”.

أما حيال إمكانية تقديم الدعم لأنقرة في إدلب، فيؤكد المسؤول أن “للإدارة اهتماما بالجهود التركية للحدّ من العنف في إدلب، والذي قد يضرّ بالمدنيين ويسبّب أزمة لاجئين وأزمة إنسانية جديدة”، منوّهاً إلى أنه “يجمع بين الولايات المتحدة وتركيا الاهتمام بإنهاء الصراع في سورية بشكل مستدام وسنواصل التشاور مع أنقرة بشأن سورية، جنباً إلى جنب مع جيران سورية الآخرين وشركائنا في المنطقة، بينما نسعى إلى تفعيل مجالات التعاون”.

أما بخصوص تحقيق أي تقدم في العملية السياسية والحل السوري، في ظل بقاء الأسد في السلطة، رغم الإقرار الأميركي بفقدان شرعيته، يعتبر المسؤول الأميركي أنه “على الرغم من مرور عشر سنوات من الحرب الأهلية، لا يزال بشار الأسد في السلطة، وإذا ما ستكون هناك نهاية مستدامة للصراع في سورية، يجب على نظام الأسد تغيير سلوكه”. ويقول في السياق: “نركز على الدفع باتجاه تسوية سياسية لتحقيق الاستقرار والأمن وإنهاء معاناة الشعب السوري”، مؤكداً: “لم يسترد الأسد أي شرعية في نظرنا، ولا شك في أن الولايات المتحدة لا تنوي تطبيع العلاقات مع النظام حالياً، ومن المفترض أن تؤدي عقوبات قانون قيصر، الذي يحظى بتأييد واسع من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونغرس، إلى الحدّ من قدرة الأسد والآخرين في نظامه على الاستفادة من الصراع المستمر وإعادة الإعمار بعد الصراع، بما في ذلك الاستفادة من الاستيلاء على ممتلكات الشعب السوري. وتشكّل عقوباتنا أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد على سجله الفظيع لانتهاكات حقوق الإنسان، والتي يرقى بعضها إلى جرائم حرب. ويتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة، من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري”.

وسبق أن أشار مقرّبون من الإدارة الأميركية، في أحاديث سابقة لـ”العربي الجديد”، إلى أن المسؤولين في الإدارة يلجؤون لاستخدام مصطلح “تغيير سلوك النظام”، وليس المطالبة بإزالته، لأن المصطلح الأول يشكّل مشاكل قانونية للإدارة في الكونغرس. وشدّدوا على أن هذا الإجراء متفق عليه، ويضمر فهماً لعدم قدرة النظام على تغيير سلوكه، وبالتالي يُمكن التحرك ضده لارتكابه جرائم حرب في أماكن وأزمنة متفرقة في سورية.

العربي الجديد

———————————-

التحدي الإيراني لبايدن..شطرنج ثلاثي الأبعاد/ لوري كينغ

من بين جميع تحديات السياسة الخارجية التي ورثها الرئيس جو بايدن عن سلفه -القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين، التوسع الروسي والقرصنة الحاسوبية والعلاقات الثنائية الممزقة مع دول الاتحاد الأوروبي- لا شيء أكثر تعقيداً من موقف الولايات المتحدة تجاه إيران. من خلال صياغة وتنفيذ أي استراتيجية تجاه الجمهورية الإسلامية، يلعب فريق سياسة بايدن لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد عالية المخاطر. بالإضافة إلى إعادة النظر في خطة العمل الشاملة المشتركة وإحيائها، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل دور إيران أو علاقتها بمجموعة من الألغاز الإقليمية المترابطة: تأثير حزب الله في لبنان المتأرجح والمصدوم (ناهيك عن تورط ميليشيات حزب الله في الفوضى السورية)، والتوترات بين دول الخليج وإيران ،وحرب إيران والسعودية بالوكالة في اليمن، والصراع الداخلي في العراق الذي يمكن أن يمتد إلى سوريا؛ والعداء الإسرائيلي لأي وكل شيء إيراني.

في محاولتها للتحرك بشكل حاسم على أي من هذه الجبهات، تخاطر الولايات المتحدة بالتعرض للمراجعة على بعض أو كل الجبهات الأخرى، وعليها أن تأخذ في الاعتبار أي تأثير لسياسة إيران المتغيرة على روسيا وتركيا والآن أفغانستان في أعقاب الانسحاب العسكري الأميركي. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مكونات لوحة الشطرنج ثلاثية الأبعاد المذكورة أعلاه، تهيمن عليها قطع الشطرنج المحلية الثقيلة: اللوبي المؤيد لإسرائيل وحلفاؤه في الحزب الجمهوري، الذين يتألفون إلى حد كبير من المسيحيين الإنجيليين، ويمثلون ثقلاً موازناً هائلاً لأي استئناف لخطة العمل الشاملة المشتركة. المصالح النفطية وعداء السعودية للجمهورية الإسلامية الشيعية، ناهيك عن الكابوس المستمر في اليمن، يعيقان أي مفاوضات أمريكية محتملة مع إيران حول دورها في لبنان والعراق وسوريا.

كانت لدونالد ترامب نظرة مانوية ومبسطة إلى العالم -منظور أحادي البعد وكاريكاتوري: “الرجال السيئون” مقابل مفهوم “الأخيار” للعلاقات الدولية. على الرغم من أن إدارة بايدن ستعتمد بلا شك على وعي متعدد الأبعاد ودقيق أكثر للواقع العالمي، فإن الإدارة الأميركية الجديدة تفضل الاهتمام بالقضايا المحلية الملحة، أولاً وقبل كل شيء جائحة كورونا والدمار الاقتصادي الذي يؤثر على الطبقات الوسطى والعاملة في أميركا. لكن بعض الأزمات التي تصل إلى نقطة الغليان في “الموقد الخلفي” في وزارة الخارجية ستتطلب قريباً الاهتمام والعمل، وهناك احتمالات بأن أشد هذه الأزمات سخونة سيزداد غلياناً في الشرق الأوسط.

في ما يتعلق بإيران، فإن بعض اللاعبين الديمقراطيين في السياسة الخارجية منذ فترة طويلة، مثل دنيس روس، يحثون إدارة بايدن على البناء على “اتفاقات أبراهام” لإدارة ترامب لتشجيع الجهود العسكرية والدبلوماسية المشتركة بين دول الخليج وإسرائيل لتقييد إيران. مع ذلك، نادراً ما تم اختبار صمود التحالف الجديد بين إسرائيل والدول النفطية، وهو متجذر في التعاون التجاري والتكنولوجي. لا يبدو العمل العسكري الإسرائيلي-العربي المشترك ضد إيران مرجحاً، رغم أنه ممكن.

مع انتخاب رئيس القضاء المتشدد إبراهيم رئيسي كرئيس جديد للجمهورية الإسلامية، وتزايد مشاركة إيران الإقليمية ونفوذها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، أصبح لدى الولايات المتحدة مساحة أقل بكثير للتأثير أو التعامل مع إيران مما كانت قبل 20 عاماً، عندما كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، يفتح البلاد بطريقة غير مسبوقة ويتحدى القوى الغربية للانخراط مع إيران بطرق جديدة وبناءة. ومع ذلك، سرعان ما غيّر غزو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة العراق واحتلاله موازين القوى الإقليمية وانتهى “ربيع” خاتمي الإيراني. محمود أحمدي نجاد، رسم كاريكاتوري لرجل قوي، وصل بعد ذلك إلى السلطة، وقدم هدفاً سهلاً للكراهية والسخرية لقادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

على الرغم من أن الاحتجاجات السياسية الشعبية بدأت تعكر صفو إيران مرة أخرى ، لا سيما في محافظة خوزستان، إلا أن احتمال اندلاع اضطرابات داخلية لإسقاط النظام بعيد للغاية. الضغط الاقتصادي للعقوبات، إلى جانب تداعيات جائحة كورونا، يعيق المقاومة السياسية الواسعة النطاق من قبل الشباب الإيراني الذي خرج إلى الشوارع قبل عقد من الزمن. لذلك، إذا كان لدى أي شخص في الجهاز العسكري أو الاستخباراتي أو الدبلوماسي لإدارة بايدن آمال في الضغط على إيران من الداخل، فإن هذا الخيار ليس مطروحاً على الطاولة. على الإيرانيين الآن الكفاح والتظاهر من أجل الحصول على الماء والكهرباء. المطالب السياسية المحلية والمعارضة يجب أن تنتظر.

لدى إيران وروسيا مصالح واستراتيجيات مشتركة في سوريا، وكان الهدف من العمليات العسكرية الأولى لبايدن منذ توليه منصبه هو إرسال رسالة إلى إيران (وربما روسيا بالتبعية). في شباط/فبراير ومرة أخرى في تموز/يونيو، أذن بايدن بشن ضربات جوية على الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران على طول الحدود العراقية السورية، وجاءت الضربة الأخيرة بعد أسبوع واحد فقط من انتخاب رئيسي. حتى أثناء حدوث هذه الضربات العسكرية، شارك دبلوماسيون أميركيون وإيرانيون ودبلوماسيون آخرون في مفاوضات في فيينا لاستئناف خطة العمل الشاملة المشتركة. تم عقد ست جولات من المفاوضات، ومن المتوقع إجراء جولة سابعة. لقد أوضح بايدن أنه سيعارض أي محاولات إيرانية لامتلاك قدرات نووية، وشجب دور إيران في إمداد حزب الله وحماس بالأسلحة، لكنه يريد بوضوح إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة ليس فقط لتقييد القدرات العسكرية الإيرانية، ولكن حتى أكثر من ذلك: لتأسيس موطئ قدم للتدخل الدبلوماسي في المستقبل.

وسواء حصلت إيران على قدرة نووية معززة أم لا، فإن للجمهورية الإسلامية بالفعل دوراً بارزاً ومتزايداً في سوريا والعراق واليمن ولبنان. في لبنان، تتقاطع الآن مجموعة متنوعة من التوترات والألغاز الإقليمية المقلقة تماماً، كما أصبح النظام السياسي الممزق على وشك الانهيار التام. لا تزال الاستراتيجية الأميركية في ما يتعلق بأزمة لبنان غير واضحة -وبالتأكيد يعوقها الفساد الصارخ للقيادة اللبنانية والمخاوف الأميركية الراسخة من أن طبقة المافيا الحاكمة في لبنان سوف تسرق أي مساعدة قد تُعرض- لكن الولايات المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء في لبنان من دون مواجهة إيران بشكل مباشر أو غير مباشر، نظراً لقوة وبروز حزب الله في السياسة اللبنانية المحلية والوطنية. يبدو أن إسرائيل، تحت إدارة نفتالي بينيت الجديدة، راضية عن التعامل مع حزب الله في سوريا في الوقت الحالي، نظراً لضرباتها الصاروخية الأخيرة هناك، ويبدو أنها (حتى الآن، على الأقل) مترددة في التدخل عسكرياً في لبنان الجريح الذي لا يمكن التنبؤ به.

إذا فقد الديمقراطيون سيطرتهم الهزيلة على مجلس الشيوخ، وكذلك على مقاعد في مجلس النواب في عام 2022 (وهو أمر مرجح)، فإن فرص أن يكون لسياسة بايدن الخارجية بصمة دائمة على الشرق الأوسط ستكون ضئيلة. من المحتمل تماماً أن يعود الجمهوريون إلى السلطة في عام 2024، وإذا أعاد بايدن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، فسيتم اعتبارها لاغية وباطلة مرة أخرى. إن نافذة فرصة الولايات المتحدة للتأثير على أي من التطورات السياسية المتقاطعة العديدة التي تنطوي على إيران تنغلق بسرعة. هذا هو الهدوء المتوتر قبل العاصفة القادمة، وإيران تزرع بعض السحب المتراكمة لعاصفة رعدية محتملة يمكن أن تعقّد أياً من سياسات الشرق الأوسط التي تصوغها إدارة بايدن الآن. بالنظر إلى التحديات المحلية الملحة التي يجب على بايدن مواجهتها إذا كان الديموقراطيون سيحتفظون بالسلطة، فمن المحتمل أن تكون إدارته تفاعلية وليست استباقية في رقعة الشطرنج ثلاثية الأبعاد في الشرق الأوسط. وكما سيقول لك أي مؤرخ، فإن إيران لديها خبرة أطول بكثير في لعب الشطرنج مقارنة بالولايات المتحدة.

المدن

———————————

من سيقرر التدخل المقبل في واشنطن؟/ روبرت فورد

يراقب الكثيرون الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لكن هناك جدلاً أكبر تدور رحاه في واشنطن بشأن مستقبل التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. واستجابة للرأي العام؛ يريد الديمقراطيون، وحتى بعض الجمهوريين في الكونغرس، أن يزيدوا صعوبة بدء حرب جديدة في المنطقة. ومن النصوص الأساسية التي لا تزال تستخدم مبرراً ومسوّغاً قانونياً للقيام بعمل عسكري أميركي هو التصريح الرسمي بشنّ حرب ضد العراق عام 2002.

وقد حظي ذلك القانون بدعم كل من الديمقراطيين والجمهوريين، ومثل غطاءً قانونياً للرئيس جورج بوش لإسقاط نظام صدام حسين، واستخدم الرئيس السابق باراك أوباما القانون نفسه لتبرير الحملة العسكرية في العراق ضد تنظيم «داعش» عام 2014. كذلك استعان الرئيس السابق دونالد ترمب بالقانون نفسه لتبرير الهجوم الجوي الذي أسفر عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي. وصوّت مجلس النواب، بما يشمل 49 جمهورياً و219 ديمقراطياً، على إلغاء القانون في 17 يونيو (حزيران)، ومن المقرر أن يبدأ مجلس الشيوخ خلال الأسبوع الحالي عملية التصويت على إلغائه أيضاً. كذلك يدعم البيت الأبيض تحت إدارة الرئيس جو بايدن إلغاء القانون. وبحسب بيان البيت الأبيض في 14 يونيو، هناك قوانين أميركية أخرى توفر المبرر القانوني للعمليات العسكرية المستمرة.

على الجانب الآخر، لا يشعر الجميع في الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه بايدن، بالارتياح تجاه المبررات القانونية الأخرى، وبعد شنّ بايدن هجمات جوية ضد جماعات مسلحة عراقية في فبراير (شباط) ومرة أخرى في يونيو، انتقدته شخصيات ديمقراطية بارزة لعدم استشارة الكونغرس قبل قيامه بذلك. الدستور الأميركي واضح: الكونغرس فقط هو المخوّل له إعلان حرب بما في ذلك إعلان حرب ضد جماعات مسلحة أجنبية. مع ذلك، ينصّ الدستور الأميركي بوضوح أيضاً على إمكانية إصدار الرئيس لأوامر إلى القوات العسكرية. ولم يشر بايدن إلى تصريح عام 2002 الخاص بصدام حسين لتبرير الهجمات الجوية المذكورة آنفاً، بل أكد أنه يصدر أوامر إلى الجيش طبقاً للدستور، وأنه قد اتخذ خطوات للدفاع عن الجنود الأميركيين. في النهاية، يتناول هذا النقاش صلاحيات وسلطات الكونغرس مقارنة بصلاحيات وسلطات الرئيس. ويدعم أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ، مثل روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وتيم كين، الذي كان مرشحاً لمنصب نائب رئيس هيلاري كلينتون عام 2016، إلغاء تصريح عام 2002، ويريدون للكونغرس أن يصوّت لصالح الموافقة على عمليات عسكرية طويلة الأجل.

إيران جزء من هذا الجدل أيضاً. في كل مرة كان يشنّ فيها ترمب، وبعده بايدن، هجمات جوية ضد جماعات مسلحة موالية لإيران، يشعر بعض أعضاء الكونغرس، خاصة الديمقراطيين، بالقلق من أن تشعل مثل تلك الهجمات الجوية حرباً ضد إيران من دون موافقة مسبقة من الكونغرس. ويدافع بعض السياسيين الجمهوريين المحافظين، مثل رون جونسون وتيد كروز، عن حق بايدن في مهاجمة تلك الجماعات المسلحة العراقية من دون أي قيود من الكونغرس؛ ويضغطون على الكونغرس لإقرار قانون جديد بديل لتصريح 2002 بحيث يتمكن البيت الأبيض من شنّ هجمات وقائية استباقية ضد إيران وحلفائها بشكل قانوني من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس. ومن المثير للاهتمام أن الكثير من أولئك الجمهوريين في الكونغرس لا يزالون يزعمون أن بايدن قد فاز بانتخابات عام 2020 عن طريق الاحتيال، وهم يريدون الآن منح رئيس يعتبرونه غير شرعي ضمناً السلطة التي تمكّنه من القيام بعمل عسكري أحادي الجانب ضد إيران. مع ذلك سيرفض أكثر الديمقراطيين هذا الاقتراح.

الأهم من ذلك، هو محاولة إلغاء تصريح الكونغرس لعام 2001 الذي تم منحه لجورج بوش لمهاجمة الجماعات المتورطة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؛ وكان يستهدف ذلك التشريع تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان». وظل رؤساء يستخدمون هذا القانون طوال عشرين عاماً لتبرير العمليات العسكرية في 18 دولة ضد جماعات مثل حركة الشباب الصومالية، وتنظيم «داعش»، و«هيئة تحرير الشام»، وتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وأخبر الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الكونغرس في جلسة بتاريخ 23 يونيو، أن تصريح 2001 ضروري لإتمام الكثير من العمليات العسكرية الأميركية بعيداً عن أفغانستان. ويريد بعض أعضاء الكونغرس، خاصة الديمقراطيين ذوي التوجه اليساري، إلغاء تصريح الحرب ضد الإرهاب لعام 2001 لإجبار الرئيس على السعي وراء الحصول على تصريحات جديدة من الكونغرس للقيام بأي عمل عسكري جديد ضد المتطرفين الإسلاميين. وقد صوّتت لجنة موازنة مهمة في مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي لصالح إلغاء تصريح 2001؛ وكانت باربرا لي، العضو الديمقراطي التي قادت هذا العمل داخل اللجنة، هي الوحيدة التي تصوّت ضد تصريح 2001 منذ عشرين عاماً؛ وأصبح لديها حالياً حلفاء يريدون إلغاءه.

وسيجبر تصويت اللجنة أعضاء مجلس النواب جميعاً على النظر في أمر الإلغاء، وسيتعين على مجلس الشيوخ التصويت أيضاً. ويرفض الكثير من السياسيين الأميركيين، خاصة الجمهوريين المحافظين، تكتيف أيدي الجيش الأميركي؛ وسيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف بشأن تصريح 2001 خلال العام الحالي. مع ذلك يوضح الجدل التغير في المشهد السياسي الأميركي؛ فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يتحدّ الكونغرس أي تدخل عسكري يقرره أي رئيس. وبعد ما حدث من إخفاقات في كل من العراق وأفغانستان، تناقش المؤسسة التشريعية كيفية تقييد الصلاحيات العسكرية الرئاسية على نحو لم نشهده منذ نهاية حرب فيتنام منذ 40 عاماً تقريباً. وستجعل التحديات بايدن أكثر حذراً، خاصة أنها من جانب الديمقراطيين.

– خاص بـ«الشرق الأوسط

—————————

===========================

تحديث 30 تموز 2021

——————————–

ما هي الرسائل السياسية في «عقوبات بايدن» السورية؟/ إبراهيم حميدي

قائمة العقوبات الأولى التي فرضتها إدارة الرئيس جو بايدن على كيانات وشخصيات سورية، تتضمن الكثير من الإشارات، وتؤكد اتجاه السياسة الأميركية إزاء التعاطي مع الملف السوري، بعد أشهر من التمهل والاستشارات في المؤسسات الأميركية ذات الأولويات المختلفة أو المتناقضة. وهنا 10 ملاحظات على «قائمة بايدن»:

1 – الاتساع: على عكس قوائم إدارة الرئيس دونالد ترمب منذ بدء تطبيق «قانون قيصر» في يونيو (حزيران) 2020 وضمت 113 شخصاً وكياناً في قطاعات أمنية واقتصادية وسياسية تابعة للنظام – الحكومة، فإن «قائمة بايدن» الأولى، شملت 8 سجون و5 أمنيين وفصيلين عسكريين، أحدهما «أحرار الشرقية» المحسوبة على المعارضة، وشخصيتين لتمويل «القاعدة» و«هيئة تحرير الشام».

تناولت الإجراءات شخصيات في النظام والمعارضة والإرهابيين، ولم تتضمن أي شخصية سياسية أو حكومية أو رجل أعمال سوري، على عكس القوائم التي صدرت في عهد ترمب، وشملت رجال أعمال بتهم «الانخراط بالأعمار» ومسؤولين من «الحلقة الضيقة» للرئيس بشار الأسد وزوجته وعائلتهما.

2 – المساءلة: أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد إصدار العقوبات، أن معاقبة المسؤولين السوريين ترمي إلى «تعزيز مساءلة الكيانات والأفراد الذين تسببوا بعذاب الشعب السوري»، وأنها «تؤكد التزام أميركا تعزيز احترام حقوق الإنسان والمساءلة عن الانتهاكات ضد السوريين». أما إدراج شخصين بتهم بتمويل «القاعدة» يرمي لتأكيد «التزامنا بتعطيل شبكات دعم تنظيم (القاعدة) و(هيئة تحرير الشام) والجماعات الإرهابية الأخرى التي تسعى إلى مهاجمة أميركا وحلفائنا».

مقابل التركيز الحالي على «حقوق الإنسان» و«محاربة الإرهاب»، فإن وزير الخارجية السابق مايك بومبيو قال قبل أيام من مغادرة منصبه بأن معاقبة 18 فرداً وكياناً بسبب «تزويدهم آلة النظام الحربية وعرقلة الجهود المبذولة لإنهاء الصراع السوري».

3 – «قانون قيصر»: عززت القائمة الأخيرة التمسك بـ«قانون قيصر»؛ ذلك أن السجون التي أدرجت في العقوبات، قالت واشنطن إنها وردت في «الصور التي قدمها قيصر الذي انشق عن النظام بعد أن كان يعمل مصوراً رسمياً للجيش، وكشف عن معاملة النظام القاسية للمعتقلين. وتعزز الإجراءات أهداف القانون الذي سُمي باسمه، ألا وهو قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، والذي يسعى إلى تعزيز المساءلة عن انتهاكات النظام».

4 – المعتقلون: تعزز العقوبات اتجاه واشنطن بالدفع نحو فتح ملف المعتقلين والمغيبين؛ ذلك أنها سعت مع حلفائها لنصح المبعوث الأممي غير بيدرسن إلى العمل على هذا الملف بالتوازي مع مساعيه لتسهيل إصلاحات دستورية وعقد اجتماع للجنة في جنيف في الأسابيع المقبلة. وأفاد البيان الأميركي «قام النظام باحتجاز عدد كبير من السوريين منذ بداية النزاع وإساءة معاملتهم، وقد تم توثيق ذلك من لجنة الأمم المتحدة. وأفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأن أكثر من 14 ألف معتقل لقوا حتفهم بعد تعرضهم للتعذيب، ولا يزال 130 ألف سوري في عداد المفقودين أو المعتقلين».

5 – المساعدات: تأتي العقوبات بعد الاتفاق الأميركي – الروسي على مسودة مشتركة لتمديد قرار دولي لإيصال المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» بعيداً من سلطة دمشق في 10 يوليو (تموز)، وتضمنت المسودة قبول واشنطن بإدخال ثلاثة تنازلات: مساعدات «عبر الخطوط»، تقارير من الأمين العام أنطونيو غوتيريش تحسم موضوع تمديد القرار ستة أشهر أخرى، دعم «التعافي المبكر». وقال مسؤول أميركي «عقوباتنا لا تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية أو برامج التعافي المبكر أو الصمود الإنساني أو الإغاثة من (كوفيد – 19)».

6 – الأكراد: تضمنت العقوبات إدراج فصيل «أحرار الشرقية» المعارض واتهمته بضم عناصر من «داعش». كما قالت إنه «نهب ممتلكات المدنيين ومنع النازحين من العودة إلى ديارهم، وتورط في القتل السياسية الكردية السورية هفرين خلف في أكتوبر (تشرين الأول) 2019». ويعزز هذا أولوية اهتمام فريق بايدن بملف الأكراد والبقاء العسكري شمال شرقي سوريا. وانتقد بايدن تركيا أكثر من مرة، على عكس ترمب الذي دعم الرئيس رجب طيب إردوغان في مناسبات عدة، بينها إعطاء «الضوء الأخضر» للتوغل بين تل أبيض ورأس العين شرق الفرات في أكتوبر 2019.

7 – غياب إيران: وضع فريق ترمب «إخراج إيران» من سوريا هدفاً استراتيجياً، وأعلن أن «أدوات الضغط والعزل» التي يستعملها ترمي لتحقيق ذلك، وكانت العقوبات بين الأدوات المستعملة (إضافة إلى الوجود العسكري شرق الفرات، وقاعدة التنف، وعزل دمشق عربياً وأوروبياً، ودعم وجود تركيا شمال سوريا، ودعم غارات إسرائيل)، لكن «قائمة بايدن» والبيانات المرافقة، لم تتضمن إشارة إلى تنازلات جيوسياسية مطلوبة من دمشق.

8 – «تغيير السلوك»: تعزز قرار إدارة بايدن بخفض قائمة أهدافها في سوريا لتشمل «تغيير سلوك النظام» وليس «تغيير النظام»، مع غياب الكلام عن «الانتقال السياسي» أو تنفيذ القرار 2254. وقالت إيمي كترونا، وهي مسؤولة في وزارة الخارجية مكلفة الشؤون السورية «يجب أن تكون هذه العقوبات بمثابة تذكير بأن الولايات المتحدة ستستخدم كل أدواتها الدبلوماسية لتعزيز مساءلة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات ضد الشعب السوري». في المقابل، فإن بومبيو، قال بعد إعلان آخر قائمة في عهده «نقف إلى جانب الشعب ونعيد تأكيد دعمنا لطريق السلام المنصوص عليه في القرار 2254».

9 – ثلاثة أهداف: بلينكن قال في الاجتماع المغلق الخاص بسوريا في روما نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إن لواشنطن ثلاثة أهداف في سوريا: محاربة «داعش»، المساعدات الإنسانية، وقف نار شامل. وفي الإيجاز الصحافي لدى إعلان العقوبات أول من أمس، قال مسؤولون أميركيون، إن الإجراءات بين «أدوات» تستعملها واشنطن لتحقيق أهدافها، وتشمل «داعش» والمساعدات و«عدم التساهل مع انتهاكات حقوق الإنسان»، والهدنة الشاملة… مع أمل بتوفير ظروف لحل سياسي وفق القرار 2254.

10 – روسيا و«سيف قيصر»: شنّت روسيا حملة ضد «العقوبات الأحادية غير الشرعية»، وأبلغ مسؤولون روس نظراءهم الأميركيين بضرورة اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. ولا شك أن فرض بايدن بعد لقائه فلاديمير بوتين في جنيف، للعقوبات والتذكير بـ«قانون قيصر»، لن يلقى صدى إيجابيا في الكرملين. كما أن «قائمة بايدن» تذكر دولاً عربية وإقليمية وأوروبية والقطاع الخاص بالحدود الممكنة لـ«التطبيع» مع دمشق. صحيح أن فريق بلينكن وافق على طلبات دول عربية وأوروبية بعدم إدراج بند يعارض «التطبيع» ويشترط تقدماً بالحل السياسي للأعمار، في البيان المشترك بعد مؤتمر روما، لكن «قائمة بايدن» تذكير بأن «قانون قيصر» الأميركي «سيف تشريعي» أقرها الكونغرس بقبول غالبية الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يحدد من هامش الحركة السياسية.

الشرق الأوسط

—————————-

أمريكا والعراق: ضربات الارتداد على قدم وساق/ صبحي حديدي

أمريكيون كثر، ممّن استمعوا إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يزجي باللغة الإنكليزية آيات الشكر لمستضيفه الرئيس الأمريكي جو بايدن، لم يكونوا على دراية كافية بمشهد تدخّل الولايات المتحدة العسكري في البلد، أو بالأحرى لم تكن خلفيات ما يُسمى بـ«الفلسفة التدخلية» حاضرة في أذهانهم على أيّ نحو كافٍ في الحدود الدنيا. عراقيون كثر، في المقابل، لم تفلح 30 سنة، باحتساب ما قبل اجتياح 2003، ورئاسات جورج بوش الأب وبيل كلنتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، في تعطيل ذاكرة الرزايا العديدة المتنوعة التي ابتُلي بها العراق جراء الغزو الأمريكي وما أعقبه من سنوات احتلال، تغايرت في الشكل من دون أن تمسّ المضمون كثيراً.

على شاكلة العراقيين كانت، أغلب الظنّ، حال شعوب كثيرة على وجه البسيطة، في إيران، 1953؛ وغواتيمالا، 1954؛ ولبنان، 1958؛ وكوبا، 1959؛ والكونغو، 1960؛ والبرازيل، 1964؛ وأندونيسيا، 1965؛ وفييتنام ولاوس وكمبوديا، 1961؛ واليونان، 1967؛ وتشيلي، 1973؛ وأفغانستان، 1979؛ والسلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا، خلال الثمانينيات… ولا ينسى العراقيون أنّ ما يطلق عليه الثنائي بايدن والكاظمي صفة «الشراكة الستراتيجية» يبدو من المحال فصله عن حصيلة الاحتلال الأمريكي، وكيف كانت مدينة مثل الفلوجة لا تتنفس الصعداء إلا لتبدأ في الاختناق مدينة أخرى مثل النجف، وسامراء ومدينة الصدر والموصل وبعقوبة والرمادي، قبيل العودة إلى استهداف الفلوجة مجدداً. وبالطبع، ظلت الطرائق تعتمد الاجتياح بعد القصف الجوي والمدفعي الكثيف، وكان أسلوب الضغط يبدأ من تجويع المدن ومنع دخول الأغذية والمعدات الطبية وقطع المياه والكهرباء، ولا ينتهي عند تفاصيل همجية وجرائم حرب صريحة مثل مشهد جندي أمريكي يقتل أسيراً عراقياً جريحاً في أحد المساجد، ليس بطلقة واحدة بل بزخّة من رشاشه الآلي.

العراقيون أيضاً لم ينسوا ما تناساه جنرالات الجيش الامريكي من أنّ الفلوجة هذه هي ذاتها التي تعرّضت، في العام 1998، إلى تنكيل شديد واضطهاد وحصار على يد قوّات صدام حسين لأنّ أئمة مساجدها، وهي التي تُلقّب بـ «مدينة الألف مسجد» رفضوا التسبيح لصدّام في عيد ميلاده. في المقابل، كان صعباً على جنرالات أمريكا أنفسهم نسيان السبب المباشر لاندلاع المقاومة في الفلوجة، وأنّ المحرّض لم يكن أبو مصعب الزرقاوي أو فلول البعث الصدّامي كما زعمت آلة الدعاية الأمريكية، بل المجزرة التي ارتكبتها القوّات الأمريكية هناك يوم 28 نيسان (أبريل) 2003 بحقّ الطلبة المتظاهرين ضدّ احتلال مدارسهم، وسقط يومها 18 قتيلاً و200 جريح. وأمّا الجنرالات في مقرّ البنتاغون، ورهط أقطاب المخابرات المركزية، فقد توجّب عليهم أن يسترجعوا مفردة «ضربة الارتداد» Blowback التي ابتكروها بأنفسهم؛ ليس من وحي مجريات الاحتلال في العراق، بل طيّ تقرير سرّي يشرح دور الاستخبارات الأمريكية في الإطاحة بحكومة محمد مصدّق في إيران، سنة 1953، وإعادة تنصيب الشاه محمد رضا بهلوي 25 سنة تالية.

وفي كتابه الكلاسيكي الرائد، الذي يقتبس عنوان المفردة ذاتها، مع عنوان فرعي يسير هكذا: «أكلاف وعواقب الإمبراطورية الأمريكية» كان المؤرّخ الأمريكي شالمرز جونسون قد حذّر أمريكا من أنّ الزمن لن يطول قبل أن تصل الضربات الارتدادية إلى عمق الولايات المتحدة؛ من باب سداد بعض الأثمان الواجبة لقاء سياسات التدخل العسكري في شؤون الشعوب، واستبدال «العدو الأحمر» الشيوعي بعدوّ جديد يتمّ اختلاقه وتصنيعه تحت مسمّى «الإرهاب» عموماً، وذاك الإسلامي على وجه الخصوص. ولم يكن الرجل يتنبأ بما سيقع بعد 18 شهراً على صدور كتابه، من هجمات إرهابية استهدفت الأبراج وكادت تصيب مبنى البنتاغون ذاته؛ بل كان يتكئ تحليلياً على وقائع عانت منها أمريكا لتوّها: استهداف مركز التجارة ذاته، سنة 1993؛ والهجوم على مدمّرة USS Cole في ميناء عدن؛ وىتفجير سفارتَيْ الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي، صيف 1998؛ حيث لم يكن خافياً أنّ غزوات أمريكا الخارجية هي السبب الأوّل المحرّك.

أطروحة جونسون بسيطة، بقدر ما هي صائبة ومجرَّبة على مدى تاريخ خيارات التدخل الخارجي الأمريكية قبل الحرب الباردة وخلالها وبعدها: الضربة الارتدادية هي وسيلة أخرى للتعبير عن حقيقة أنّ «أمّة ما تحصد ما تزرعه. ورغم أنّ الأفراد يعرفون عادة ما زرعوا، فإنّ من النادر أن يمتلكوا المعرفة ذاتها على مستوى وطني، خاصة حين يبقى الكثير ممّا زرعه مديرو الإمبراطورية الأمريكية طيّ الكتمان». وعلى صعيد المفهوم، يتابع جونسون، تُدرَك الضربة الارتدادية على نحو أفضل عبر تجلياتها المباشرة الواضحة: «عواقب السياسة والأفعال الأمريكية في البلد أ، تفضي إلى تفجير سفارة أمريكية في البلد ب أو مقتل مواطن أمريكي في البلد ج»؛ وهذا قد يكون مجرّد سائح أو قسّ أو متطوّع لمهمة إنسانية أو، غنيّ عن القول، عميل مخابرات سرّي. غير أنّ الضربة الارتدادية لا تقتصر على هذه الأمثلة العيانية، ففي معناها الأوسع تنطوي على محاق أنساق هيمنة الإمبراطورية الأمريكية الأخرى، في الصناعة والاقتصاد والثقافة والعلوم، فضلاً عن تشوّه صورة أمريكا الإجمالية في ناظر الشعوب عامة وليس تلك التي تعاني من الاجتياح والغزو وحدها.

وحتى إذا شاء المرء وضع آراء جونسون جانباً، في كتابه المشار إليه أعلاه كما في كتابه الآخر الذي لا يقلّ أهمية وحفراً في جسد الإمبراطورية الأمريكية، والذي صدر سنة 2010 تحت عنوان «تفكيك الإمبراطورية: أفضل آمال أمريكا»؛ فإنّ مشهد الضربات الارتدادية التي تقترن الآن بالوجود العسكري الأمريكي في العراق، وسوف تعقب الانسحاب الوشيك غير الكامل، حاشد وحافل ومعقد، لتوّه. والأمر هنا لا يقتصر على فصائل مسلحة شيعية المذهب إيرانية الولاء تأتمر بما يطلبه جنرالات «الحرس الثوري» الإيراني أو يفتي به المرشد الأعلى علي خامنئي؛ فالأبعد أثراً، وأشدّ خطورة، هو الحصاد ذاته الذي زرعته سنوات الغزو والاجتياح والاحتلال، حيث لن يكون مثال هيمنة «حزب الله» في لبنان هو النسق الوحيد الذي يُرجّح تثبيته تدريجياً في عراق ما بعد انسحاب القوات الأمريكية. وبهذا المعنى فإنّ حديث الثنائي بايدن والكاظمي عن «شراكة ستراتيجية» لا يتجاوز الإطناب اللفظي، إذا لم يقارب اللغو في المعنى.

كان بايدن هو ذاته السناتور الديمقراطي الذي تحمّس لغزو العراق وصوّت عليه، ولن ينفع كثيراً أنه اليوم اعتبر موقفه ذاك «خطأ» فهذا أيضاً كان الحكم الذي أصدره ذاتياً العشرات من صقور الدفع نحو الغزو، بما في ذلك بوش الابن نفسه. وأمّا الكاظمي فقد جاء إلى رئاسة الحكومة من بوّابة الاستخبارات العراقية، التي لم تترك وسيلة تنكيل إلا واستخدمتها ضدّ مقاومي الاحتلال ومعارضي النظام في آن معاً؛ حتى انتهى به الأمر اليوم إلى انحناء أمام أمراء الحروب والمذاهب والميليشيات أجمعين على وجه التقريب، من دون خدمة «الدولة» ذاتها التي تُنتهك مؤسساتها كلّ يوم على مسمع ومرأى رئيس الحكومة.

وليس بيان «الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية» التي تضمّ «كتائب حزب الله» العراقي و«عصائب أهل الحق» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة النجباء» سوى أوّل النُذُر على عواصف هوجاء تنتظر عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي، ويصعب أن تُرى منحصرة في استهداف حفنة من جنود أمريكا المتبقين لأغراض «التدريب» بل ستذيق الشريكين الأمريكي العسكري والعراقي الحكومي أهوال ضربات ارتداد قائمة لتوّها أو تنتظر العراق، على قدم وساق.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

——————————-

في واشنطن جاري البحث عن استراتيجية جديدة حيال سوريا

في الأسابيع الأخيرة، ضج مراقبو الشرق الأوسط في واشنطن بالحديث عن مراجعة الرئيس الأمريكي جو بايدن المستمرة لسياسة سوريا. وخلال الأشهر الأولى من ولايتها، كان نهج إدارة بايدن تجاه دمشق حذرًا بشكل ملحوظ. على عكس أسلافه، حيث لم يقم بايدن بعد بتعيين مبعوث خاص بسوريا الى الآن.

بدأ الصراع السوري الذي استمر عشر سنوات على شكل انتفاضة شعبية ضد حكم الأسد قبل أن يتحول إلى حرب أهلية تهيمن عليها المنظمات الإرهابية. واليوم، تحولت سوريا الى ساحة معركة عالمية، حيث تقوم القوات العسكرية من خمس دول – إيران وإسرائيل وروسيا وتركيا والولايات المتحدة – بإجراء عمليات ضد أعداء مختلفين سعياً وراء أهداف متباينة.

والخطة الوحيدة لحل الصراع السوري التي حظيت بتأييد دولي هي قرار مجلس الأمن رقم 2254. الذي تم تمريره بالإجماع في عام 2015 بعد جهود دبلوماسية مكثفة من قبل إدارة أوباما.

لكن بدلاً من السعي وراء أهداف هذا القرار الدولي، أعلن نظام الأسد ورعاته في روسيا وإيران عن وقف إطلاق نار وهمي ونفذوا قصف مكثف للاستيلاء على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة باسم محاربة الجماعات الإرهابية.

كما كان للسياسة الأمريكية عدد من الأولويات: هزيمة تنظيم داعش من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجماعات معارضة أخرى. تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة والسماح بالعودة الآمنة للاجئين. طرد القوات المدعومة من إيران التي دخلت سوريا منذ بدء الصراع عام 2011، وإيجاد تسوية للحرب تعزز الأمن الإقليمي. وسيشمل ذلك ما وصفته وزارة الخارجية الأمريكية بأنه “تقدم لا رجوع فيه” في الإصلاح الدستوري والاستعدادات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا على النحو المبين في قرار الأمم المتحدة.

ولتحقيق هذه الأهداف، حاولت إدارة ترامب معاقبة وعزل نظام الأسد دبلوماسياً وحرمان المناطق التي يسيطر عليها النظام من أموال إعادة الإعمار. كما قامت واشنطن بعمل عسكري في سوريا رداً على الهجمات بالأسلحة الكيماوية، إلى جانب العمليات العسكرية التركية والإسرائيلية.

وراء الكواليس، عملت إدارة ترامب، مثل سابقتها، بهدوء مع روسيا لإيجاد حل دبلوماسي من شأنه أن يؤدي التقدم في أهداف واشنطن إلى تخفيف تدريجي للعقوبات وغيرها من الضغوط على الأسد. على الرغم من أن البعض وصف استراتيجية ترامب بأنها تغيير النظام بشكل مخفي، إلا أن النهج ركز فقط على تغيير سلوك النظام. كان الأمل أن يؤدي تبني قرار الأمم المتحدة إلى تحسين الحكم في سوريا، وإعادة السيادة على الأراضي السورية وحكومة تمثيلية في دمشق، والسماح للقوات الأجنبية بالانسحاب في نهاية المطاف.

نجحت واشنطن في هزيمة داعش من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية، لكن التقدم في أهدافها الأخرى كان مقيدًا بشدة بمحاولات ترامب لسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا وإحجام الإدارة الشديد عن تقديم المساعدة الأمريكية لتحقيق الاستقرار إلى قوات سوريا الديمقراطية.

ولسد فجوة التمويل، أصدرت واشنطن ترخيصًا للسماح لشركة النفط الأمريكية دلتا كريسنت إنرجي بتحسين حقول النفط السورية وإدخال طاقة تكرير متنقلة في شمال شرق سوريا. كانت الفكرة هي جعل القتال ضد داعش مستدامًا ذاتيًا ومنع قوات سوريا الديمقراطية من تداول النفط الخام مع نظام الأسد.

نتائج متباينة

ومع تنامي الضغط على طهران ونظام الأسد، أشارت مصادر إسرائيلية إلى تراجع وجود الجماعات المدعومة من إيران في سوريا. لكن إيران لم تسحب وكلائها بالكامل من مواقعهم غرب نهر الفرات وأماكن أخرى، واستمرت إسرائيل في شن ضربات على أهداف إيرانية في الأراضي السورية. واليوم، لا تزال إيران داعمًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا رئيسيًا لنظام الأسد.

ولكن واشنطن وحلفاءها لم يحرزوا سوى تقدم ضئيل في تنفيذ قرار الأمم المتحدة وتغيير سلوك نظام الأسد. أدى تباطؤ الأسد إلى فشل جولات متعددة من محادثات الإصلاح الدستوري في جنيف.

بالرغم من فوز الأسد في الانتخابات الأخيرة، لا يزال هذا النظام هشًا للغاية. في العام الماضي، دخل الأسد في نزاع مفتوح نادر مع ابن خاله، رامي مخلوف، الذي يُزعم أنه تعامل مع التمويل غير المشروع للأعمال التجارية التي تسيطر عليها عائلات النظام لسنوات. تم طرد مخلوف من الدائرة المقربة، حيث ورد أن دوره السابق ذهب إلى أسماء الأسد، زوجة الديكتاتور.

وفي الوقت نفسه، أدت العقوبات الأمريكية التي تم فرضها في عام 2019 إلى زيادة الضغط الاقتصادي بشكل كبير على الأسد وساعدت في انخفاض سعر الصرف بنحو 250٪ منذ أواخر عام 2019.

الأدوات المُدرجة

خلال السنة الأخيرة أو نحو ذلك من ولاية ترامب، لعب الأسد ورعاته الروس والإيرانيون على الوقت، على أمل أن يخسر ترامب انتخابات 2020 ويراهن على أنهم سيحصلون على صفقة أفضل من بايدن. بعد ما يقرب من ستة أشهر، أصبحت بعض ملامح سياسة بايدن تجاه سوريا واضحة الآن. تلتزم واشنطن بالهزيمة الدائمة لداعش من خلال إعادة تأكيد الوجود العسكري الأمريكي وإعادة إصدار مساعدات الاستقرار لشمال شرق سوريا التي قطعتها إدارة ترامب. كما أنها ملتزمة بتخفيف المعاناة الإنسانية في سوريا.

وكان إنهاء ترخيص دلتا كريسنت مطلبًا روسيًا رئيسيًا لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. مع خروج دلتا كريسنت من المشهد، تأمل شركة تدعى “”Gulfsands Petroleum في تحقيق نجاحات. وفقًا لتقرير نشرته MEES، وهي شركة تحلل صناعة الطاقة، فإن المساهم الرئيسي في شركة “Gulfsands” هو مستثمر روسي “يُعتقد أن له علاقات وثيقة مع الكرملين”.

وصرحت الشركة “Gulfsands” بأنها تخطط لتطوير بعض الحقول التي من المقرر أن تتخلى شركة دلتا كريسنت عنها في أقرب وقت في أواخر آب. وقد أدى ذلك ببعض النقاد إلى التكهن بوجود مقايضة، حيث أنهت واشنطن ترخيص دلتا كريسنت مقابل دعم موسكو لمواصلة السماح للمساعدات الإنسانية بعبور الحدود إلى مناطق سورية لا يسيطر عليها نظام الأسد.

وفي الوقت نفسه، لا يزال من غير الواضح كيف ستتعامل إدارة بايدن مع الوجود الإيراني المستمر في سوريا وأنشطة نظام الأسد العديدة غير المشروعة الأخرى التي تشكل تهديدات استراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها والمجتمع الدولي. يبدو من المرجح أن بايدن سيتوقف عن محاولة عزل نظام الأسد. يعتقد المدافعون عن هذا النهج أن دول الخليج ستعمل على تطبيع العلاقات مع دمشق وتقديم المساعدة في إعادة الإعمار بعد إعادة انتخاب الأسد. وبعد قرابة شهرين من الانتخابات، لم يحدث ذلك بعد. ومع ذلك، تشير مؤشرات أخرى إلى أن عزلة سوريا قد تخف.

لا تزال العقوبات هي أفضل الأدوات في سياسة واشنطن. في الأشهر الستة الأخيرة من ولايتها، فرضت إدارة ترامب عقوبات على 113 فردًا وكيانًا. لكن لم يكن لها تأثير كبير على سلوك النظام حتى الآن. يجب أن تستخدم إدارة بايدن العقوبات بشكل مختلف إذا كانت تأمل في تحقيق نتيجة مختلفة. للحد من تأثير الحرب الاقتصادية على الأشخاص الذين يحاولون ببساطة كسب لقمة العيش في بؤس الصراع السوري، وللتأكد من أن الأنشطة الإنسانية يمكن أن تستمر، يجب على الإدارة تسريع منح التراخيص للمنظمات غير الحكومية الدولية التي تقدم المساعدة في جميع أنحاء سوريا. يمكن أن يشمل ذلك تراخيص للمنظمات غير الحكومية في المناطق التي يسيطر عليها النظام، طالما استمر نظام الأسد وروسيا في السماح بوصول المساعدات الإنسانية الدولية خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام. يمكن تجديد التراخيص والإعفاءات التي تسمح بالعمل الإنساني.

يجب ضبط السياسة الجديدة في سوريا بعناية لتجنب الانغماس في البيروقراطية والمصالح المتنافسة. يجب على إدارة بايدن تعيين مبعوث خاص لسوريا مكلفًا بتطوير ما لم يفعله فريق ترامب – استراتيجية سياسية متماسكة، يدعمها مجتمع الاستخبارات الأمريكية، لعزل الأسد ووسطاء نظامه والحد من التأثير الخبيث لإيران وروسيا. بدون مثل هذه الاستراتيجية، سيكون من المستحيل تحقيق تسوية دبلوماسية قابلة للتطبيق للحرب السورية. ستستمر واشنطن في النضال مع التهديدات المنبثقة من سوريا لسنوات قادمة، وسيفقد السوريون جيلًا آخر في الصراع.

فورين أفيرز

——————-

الأسد يستغل غياب استراتيجية بايدن..ماذا لو سقطت إدلب؟

رأت صحيفة “واشنطن بوست” أنه بعد مرور 6 أشهر على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، لا يزال جو بايدن يحاول التوصل إلى استراتيجية لحل الصراع في سوريا الأمر الذي يمكّن موسكو وإيران ونظام بشار الأسد من استغلال الفرصة لعمل ما يريدون.

وأوضحت الصحيفة أن إدارة بايدن لم تتجاهل سوريا بالكامل، إذ سعى بايدن بنفسه لمنع روسيا من قطع آخر ممر للمساعدات الإنسانية إلى إدلب والتي يقطنها أكثر من 3 ملايين نازح، كما أعلن وزير خارجيته أنتوني بلينكن عن فرض عقوبات على 8 سجون سيئة السمعة مارس النظام فيها أبشع أساليبه بالتعذيب على الآلاف المدنيين المحتجزين.

وأضافت أنه بالنسبة للسوريين الذين شجعتهم وعود بايدن وبلينكن بقيادة جهد دولي جديد لحماية المدنيين وتقديم حل سياسي حقيقي للصراع، تبدو هذه التحركات الأخيرة محدودة وغير كافية على الإطلاق، فبعد حلّ مسألة المساعدات الإنسانية سارع الجيشان السوري والروسي إلى تنفيذ أعمال عنف وعدوان ضد المدنيين في إدلب، وحصار شديد على درعا مهد الثورة السورية، مشيرة إلى أن الوجود الأميركي على الأرض في سوريا بالكاد محسوس.

وكشفت عن أن العديد من مسؤولي بايدن أوضحوا له أن الإدارة تركز حالياً على الوضع الإنساني في سوريا وترى أن مستويات العنف المنخفضة نسبياً تستحق محاولة الحفاظ عليها، كما أنها متفائلة بحذر بوجود فرصة لمزيد من المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا، لكنها تعترف بأن إستراتيجيتها الدبلوماسية لم يتم تحديدها بعد، في انتظار نتائج مراجعة السياسة الداخلية التي لا تزال جارية.

كما أن إدارة بايدن لم تعيّن بعد ممثلاً خاصاً لسوريا وهو ما يعطي إشارة واضحة بأن سوريا ليست على قائمة أولويات بايدن، كما يقول معاذ مصطفى مدير قوة المهام الخاصة الطارئة لسوريا.

ويحذّر مصطفى من أنه إذا نجح النظام في استعادة إدلب بارتكاب جرائم حرب، فسيكون ذلك مدمراً ليس فقط للمدنيين ولكن أيضا للسعي الأميركي لإيجاد أي حل سياسي على الإطلاق. وإذا سقطت إدلب، فلن يكون لدى الأسد أي سبب للتفاوض وهذا يعني المزيد من الفظائع، والمزيد من التطرف والمزيد من اللاجئين.

ويضيف أن إدلب هي العقبة الأخيرة أمام النظام السوري وإيران وروسيا لتأمين النصر العسكري الذي يريدون. وإذا أعلنوا النصر، فسيجعل ذلك من سوريا كوريا شمالية في الشرق الأوسط.

ويواجه فريق بايدن المشاكل نفسها التي واجهت الإدارات السابقة: ما هي الخيارات المتاحة؟ تدخل عسكري قصير يمكن أن يغير حسابات موسكو والأسد؟ أم عقوبات جديدة تستهدف  السوريين المتورطين بجرائم حرب والشركات التي تدعمهم، والتي يمكن أن تكون مفيدة لكنها ليست كافية؟. ورأت الصحيفة أن على بايدن التأكيد أن الأسد لا يمكنه العودة إلى المجتمع الدولي عبر العنف.

ويقول ستيفن راب السفير السابق في وزارة الخارجية لجرائم الحرب إنه “يجب عدم تطبيع العلاقات مع الأسد وعلينا إقناع الدول الأخرى بعمل هذا، ولا يمكن للأسد أن يستمتع بثمار النصر التي يجب أن تكون منسجمة مع موقفنا”.

واعتبرت الصحيفة أن هناك أثماناً ومخاطر لأي عمل تقرر إدارة بايدن اتخاذه وهي تمضي بمراجعة للسياسة والتي تبدو بلا نهاية. لكن عدم التحرك هو قرار يحمل معه ثمناً ومخاطر، مشيرة إلى أن الانتظار على أمل عدم تدهور الوضع ليس استراتيجية.

المدن

————————————–

=========================

تحديث 04 آب 2021

—————————-

ما يمكن أن يتعلمه بايدن من نجاحات ترامب وإخفاقاته حول سوريا

في الأسابيع الأخيرة ، ضج مراقبو الشرق الأوسط في واشنطن بالحديث عن مراجعة الرئيس الأمريكي جو بايدن المستمرة لسياسة سوريا.

خلال الأشهر الأولى من ولايتها ، كان نهج إدارة بايدن تجاه دمشق حذرًا بشكل ملحوظ. على عكس أسلافه ، لم يقم بايدن بعد بتعيين مبعوث سوري رفيع المستوى أو لمعاقبة شخص واحد أو كيان واحد مرتبط بنظام الرئيس السوري بشار الأسد الاستبدادي. ولكن على الرغم من أن بايدن يفضل بوضوح السعي وراء أهداف أخرى في السياسة الخارجية ، فإن سوريا ستطالب باهتمامه بشكل متزايد.

بدأ الصراع السوري الذي امتد لعقد من الزمن على شكل انتفاضة شعبية ضد حكم الأسد قبل أن يتحول إلى حرب تهيمن عليها المنظمات الإرهابية التي تصنفها الولايات المتحدة. اليوم ، أصبحت ساحة معركة عالمية حقًا ، حيث تقوم القوات العسكرية من خمس دول – إيران وإسرائيل وروسيا وتركيا والولايات المتحدة – بإجراء عمليات ضد أعداء مختلفين سعياً وراء أهداف متباينة.

في غضون ذلك ، أصبح من الواضح أن الأسد لن يتوقف عند أي شيء لإبقاء نظامه المتهالك في السلطة.

لقد أجبرت التكتيكات الوحشية لنظامه نصف السوريين على ترك منازلهم: 6.6 مليون هم الآن لاجئون في بلدان أخرى ، و 6.7 مليون آخرين نازحون داخليًا ويعتمدون كليًا على المساعدات الدولية.

ومع ذلك ، فإن استمرار استخدام النظام للأسلحة الكيميائية (بعد فترة طويلة من تدمير برنامجه المفترض في عام 2013) ، واستضافته لقوات مدعومة من روسيا وإيران ، وإنتاجه وتهريبه الصارخ للصواريخ والمخدرات على نطاق صناعي ، كلها تشير إلى أن الأسد قد فعل ذلك. أصبح مرتاحًا مع تحول بلاده إلى شيء أقرب إلى كوريا الشمالية على البحر الأبيض المتوسط. يقدم رد إدارة ترامب على تحول نظام الأسد رؤى ودروسًا قيّمة يمكن أن تساعد فريق بايدن في الحصول على نتائج أفضل.

مغمورة في دا نانغ

الخطة الوحيدة لحل الصراع السوري التي حظيت بتأييد دولي هي قرار مجلس الأمن رقم 2254. الذي تم تمريره بالإجماع في عام 2015 بعد جهود دبلوماسية مكثفة من قبل إدارة أوباما ، يدعو القرار إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني وعملية يتم من خلالها السوريون – بما في ذلك أولئك الذين هم خارج البلاد – يمكنهم إقامة “حكم ذي مصداقية وشاملة وغير طائفية” ، وصياغة دستور جديد ، وإجراء “انتخابات حرة ونزيهة” تحت إشراف الأمم المتحدة.

لكن بدلاً من السعي وراء هذه الأهداف ، أعلن نظام الأسد ورعاته في روسيا وإيران عن وقف إطلاق نار وهمي واستخدموا قصفًا جويًا مكثفًا للاستيلاء على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة باسم محاربة الجماعات الإرهابية. في عام 2016 ، أدت هذه التكتيكات إلى السقوط الدراماتيكي لمدينة حلب ، التي كانت معقلًا للمعارضة. وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ، الذي كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية في ذلك الوقت ، هذه النتيجة بأنها إخفاق في السياسة الخارجية للولايات المتحدة “سأصطحبه معي بقية أيامي”.

أجرت إدارة ترامب ، التي كانت حريصة على عدم تكرار أخطاء سلفها ، مراجعة لسياستها الخاصة في عام 2017.

في البداية ، أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أنه قد يتخلى عن سوريا تمامًا. في تغريدة كتبها في وقت متأخر من الليل في يوليو 2017 ، كشف عن وجود برنامج سري لوكالة المخابرات المركزية لمساعدة المعارضة السورية وسخر من هذا الجهد ووصفه بأنه “مضيعة”. بعد ذلك ، في اجتماع عقد في تشرين الثاني / نوفمبر 2017 في دا نانغ ، فيتنام ، تفاوض ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف إطلاق النار في جيب تسيطر عليه المعارضة في جنوب غرب سوريا المتاخم لمرتفعات الجولان. عندما انتهك الأسد وقف إطلاق النار في منتصف عام 2018 ، تفاوض مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية من المستوى المتوسط ​​على صفقة تسحب بموجبها الولايات المتحدة دعمها لقوات المعارضة في الجنوب الغربي مقابل تأكيدات روسية بعدم سجن تلك القوات وأن الإيرانيين- الميليشيات المدعومة ستغادر المنطقة.

عندما فشلت روسيا ووكلاء إيران في الوفاء بتلك الوعود ، أمر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتنفيذ سياسة جديدة (تم تطويرها في الأصل في عهد سلفه ، ريكس تيلرسون) تهدف إلى تغيير سلوك نظام الأسد وحسابات رعاتها الروس والإيرانيون.

كان للسياسة عدد من الأولويات: هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضًا باسم داعش) من خلال دعم ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجماعات المعارضة الأخرى. تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة والسماح بالعودة الآمنة للاجئين. طرد القوات المدعومة من إيران التي كانت تدخل سوريا منذ بدء الصراع عام 2011 ؛ وإيجاد تسوية للحرب تعزز الأمن الإقليمي.

وسيشمل ذلك ما وصفته وزارة الخارجية الأمريكية بأنه “تقدم لا رجوع فيه” بشأن الإصلاح الدستوري والاستعدادات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في سوريا على النحو المبين في قرار الأمم المتحدة.

لتحقيق هذه الأهداف ، حاولت إدارة ترامب معاقبة وعزل نظام الأسد دبلوماسياً وحرمان المناطق التي يسيطر عليها النظام من أموال إعادة الإعمار. كما قامت واشنطن بعمل عسكري في سوريا ردا على الهجمات بالأسلحة الكيماوية ، إلى جانب العمليات العسكرية التركية والإسرائيلية.

وراء الكواليس ، عملت إدارة ترامب ، مثل سابقتها ، بهدوء مع روسيا لإيجاد حل دبلوماسي من شأنه أن يؤدي التقدم في أهداف واشنطن إلى تخفيف تدريجي للعقوبات وغيرها من الضغوط على الأسد. على الرغم من أن البعض وصف استراتيجية ترامب بأنها تغيير النظام عن طريق التخفي ، إلا أن النهج ركز فقط على تغيير سلوك النظام.

كان الأمل أن يؤدي تبني قرار الأمم المتحدة إلى تحسين الحكم في سوريا ، وإعادة السيادة على الأراضي السورية إلى حكومة تمثيلية في دمشق ، والسماح للقوات الأجنبية بالانسحاب في نهاية المطاف.

نجحت واشنطن في هزيمة داعش من خلال دعم ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية ، لكن التقدم في أهدافها الأخرى كان مقيدًا بشدة بمحاولات ترامب لسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا وإحجام الإدارة الشديد عن تقديم المساعدة الأمريكية لتحقيق الاستقرار إلى ميليشيات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد. لسد فجوة التمويل ، أصدرت واشنطن ترخيصًا للسماح لشركة النفط الأمريكية دلتا كريسنت إنرجي بتحسين حقول النفط السورية وإدخال طاقة تكرير متنقلة في شمال شرق سوريا. كانت الفكرة هي جعل القتال ضد داعش مستدامًا ذاتيًا ومنع قوات سوريا الديمقراطية من تداول النفط الخام مع نظام الأسد مقابل المنتجات المكررة – وهي ممارسة ربما تظل أقذر “سر” اقتصادي للحرب السورية.

نتائج متباينة

مع تنامي الضغط على طهران ونظام الأسد ، أشارت مصادر إسرائيلية إلى تراجع وجود الجماعات المدعومة من إيران في سوريا. لكن إيران لم تسحب وكلائها بالكامل من مواقعهم غرب نهر الفرات وأماكن أخرى ، واستمرت إسرائيل في شن ضربات على أهداف إيرانية في الأراضي السورية. اليوم ، لا تزال إيران داعمًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا رئيسيًا لنظام الأسد.

لكن واشنطن وحلفاءها لم يحرزوا سوى تقدم ضئيل في تنفيذ قرار الأمم المتحدة وتغيير سلوك نظام الأسد.

أدى تباطؤ الأسد إلى فشل جولات متعددة من محادثات الإصلاح الدستوري في جنيف. التزوير الصارخ للانتخابات الرئاسية التي جرت في 26 مايو في سوريا ، والتي ادعى فيها النظام أن الأسد حصل على دعم 95 في المائة من الناخبين ، لا تقدم سببًا للتفاؤل بشأن استعداد الأسد للسماح للمعارضة السياسية. ويُعتبر النظام ورعاته الروس تقارير موثوقة تفيد بأن القوات السورية تواصل استخدام الأسلحة الكيماوية على أنها “أخبار كاذبة”.

ومع ذلك ، لا يزال نظام الأسد هشًا للغاية. في العام الماضي ، دخل الأسد في نزاع مفتوح نادر مع ابن عمه ، رامي مخلوف ، الذي يُزعم أنه تعامل مع التمويل غير المشروع للأعمال التجارية التي تسيطر عليها عائلات النظام لسنوات. تم طرد مخلوف من الدائرة المقربة ، حيث ورد أن دوره السابق ذهب لأسماء الأسد ، زوجة الديكتاتور. أسماء سنية ، ومن خلال تكليفها بمسؤولية مثل هذه الوظائف الحاسمة للدولة ، كان الأسد يدخل لأول مرة سنيًا في قلب نظام يهيمن عليه أعضاء من الأقلية العلوية. وأدت هذه الخطوة إلى احتكاك النخب العلوية في سوريا ، وهو الأمر الذي حاول مخلوف استغلاله عبر منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي الوقت نفسه ، أدت العقوبات الأمريكية التي تم فرضها في عام 2019 إلى زيادة الضغط الاقتصادي بشكل كبير على الأسد وساعدت في انخفاض سعر الصرف بنحو 250٪ بين الليرة السورية والدولار الأمريكي منذ أواخر عام 2019 ، والاستنزاف الشديد لخزائن النظام ، وما يقابلها من تخفيضات في دعم النظام الذي أدى إلى تفاقم نقص الوقود والغذاء للسوريين العاديين. يجادل منتقدو العقوبات الأمريكية بأن مثل هذه الخطوات تزيد من معاناة السوريين ، لكن العديد من السوريين يلقون باللوم على انهيار العملة اللبنانية والنظام المصرفي ، الذي خدم سوريا لعقود ، باعتباره السبب الرئيسي لمشاكل سوريا الاقتصادية. كما يلقي السوريون باللوم على نقاط التفتيش التي أقامها نظام الأسد والجماعات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي تفرض رسوماً “جمركية” باهظة. في كلتا الحالتين ، فإن نظام الأسد أكثر عرضة للضغط الاقتصادي الآن من أي وقت في تاريخه.

الأدوات المُعايرة

خلال العام الأخير أو نحو ذلك من ولاية ترامب ، لعب الأسد ورعاته الروس والإيرانيون الوقت ، على أمل أن يخسر ترامب انتخابات 2020 ويراهن على أنهم سيحصلون على صفقة أفضل من بايدن.

بعد ما يقرب من ستة أشهر ، أصبحت بعض ملامح سياسة بايدن تجاه سوريا واضحة الآن.

تلتزم واشنطن بالهزيمة الدائمة لداعش من خلال إعادة تأكيد الوجود العسكري الأمريكي وإعادة إصدار مساعدات الاستقرار لشمال شرق سوريا التي قطعتها إدارة ترامب. كما أنها ملتزمة بتخفيف المعاناة الإنسانية في سوريا. في مارس / آذار ، ألقى بلينكين خطابًا حماسيًا في الأمم المتحدة دعمًا لتجديد القرار الذي سمح بتدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى مناطق سوريا غير الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. في وقت سابق من هذا الشهر ، عمل كبار المسؤولين في الإدارة بجد لدرء التهديد الروسي باستخدام الفيتو ضد القرار وتوسيع عدد المعابر الإنسانية من واحد إلى ثلاثة. في النهاية ، تم تجديد القرار لعبور واحد فقط لمدة ستة أشهر ، مع احتمال ستة أشهر أخرى بعد تقرير سيرسله الأمين العام للأمم المتحدة بشأن هذه القضية في يناير 2022.

ما كانت واشنطن على استعداد للتخلي عنه لتحقيق هذه الأهداف – خاصة قبل تصويت روسيا على قرار عبور الحدود – كان مصدر بعض الجدل.

بعد أيام فقط من فوز الأسد في الانتخابات الزائفة في مايو ، أنهى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية ترخيص شركة دلتا كريسنت إنرجي للعمل في سوريا.

يقول منتقدو دلتا كريسنت إن عملياتها كانت قليلة وغير مستدامة. لكن إنهاء ترخيص الشركة سيقيد ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا ، وتكافح المجموعة بالفعل لتمويل عملياتها بفضل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجفاف والحدود المغلقة وانهيار أسعار النفط في عام 2020. إذا لم تعد دلتا كريسنت قادرة على العمل في المنطقة ، فلن يكون أمام قوات سوريا الديمقراطية خيار آخر سوى الاستمرار في تجارة النفط مع نظام الأسد ، مما يقوض الاستراتيجية التي اتبعتها واشنطن منذ إدارة أوباما.

كان إنهاء ترخيص دلتا كريسنت مطلبًا روسيًا رئيسيًا لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. مع خروج دلتا كريسنت من الصورة ، تأمل شركة تسمى Gulfsands Petroleum في تحقيق نجاحات. وفقًا لتقرير نشرته MEES ، وهي شركة تحلل صناعة الطاقة ، فإن المساهم الرئيسي في شركة Gulfsands هو مستثمر روسي “يُعتقد أن له علاقات وثيقة مع الكرملين”. تمتلك الشركة اتفاقية مشاركة في الإنتاج في سوريا مع شركة صينية مملوكة للدولة ، Sinochem ، والمؤسسة السورية العامة للبترول. صرحت شركة Gulfsands بأنها تخطط لتطوير بعض الحقول التي من المقرر أن تتخلى دلتا كريسنت عنها في أواخر أغسطس. وقد أدى ذلك ببعض النقاد إلى التكهن بوجود مقايضة ، حيث أنهت واشنطن ترخيص دلتا كريسنت مقابل دعم موسكو لمواصلة السماح للمساعدات الإنسانية بعبور الحدود إلى مناطق سورية لا يسيطر عليها نظام الأسد. (نفت إدارة بايدن هذا الادعاء: “إن قرار عدم تجديد ترخيص دلتا كريسنت [الطاقة] ليس له علاقة بالروس” ، قال مسؤول كبير في الإدارة لم يذكر اسمه لموقع Al-Monitor الإخباري على الإنترنت. ليس شيئًا نعتقد أنه يجب التداول به “.

وفي الوقت نفسه ، لا يزال من غير الواضح كيف ستتعامل إدارة بايدن مع الوجود الإيراني المستمر في سوريا وأنشطة نظام الأسد العديدة غير المشروعة الأخرى التي تشكل تهديدات استراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها والمجتمع الدولي.

يبدو من المرجح أن بايدن سيتوقف عن محاولة عزل نظام الأسد.

يعتقد أنصار هذا النهج أن دول الخليج ستعمل على تطبيع العلاقات مع دمشق وتقديم المساعدة في إعادة الإعمار بعد إعادة انتخاب الأسد المزورة.

ومع ذلك ، بعد ما يقرب من شهرين من الانتخابات ، لم يحدث ذلك بعد. ومع ذلك ، تشير مؤشرات أخرى إلى أن عزلة سوريا قد تضعف. أعلنت اليونان أنها ستعيد فتح سفارتها في سوريا ، على الرغم من عدم وجود سفير. ويدعو قرار الأمم المتحدة بتجديد المساعدة عبر الحدود لأول مرة إلى إحراز تقدم في “مشاريع التعافي المبكر”: الأنشطة المتعلقة بالإنسانية التي تعتبر خطوة أولى نحو إعادة الإعمار والتي قد تجد دول الخليج الغنية قبولها الآن.

لا تزال العقوبات هي أفضل الأدوات في أدوات السياسة في واشنطن.

في الأشهر الستة الأخيرة من ولايتها ، فرضت إدارة ترامب عقوبات على 113 فردًا وكيانًا. لكن لم يكن لها تأثير يذكر على سلوك النظام حتى الآن ، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها لا تزال جديدة نسبيًا ويأمل النظام في الحصول على صفقة أفضل من بايدن.

يجب أن تستخدم إدارة بايدن العقوبات بشكل مختلف كثيرًا إذا كانت تأمل في تحقيق نتيجة مختلفة.

يجب أن تكون العقوبات واسعة النطاق على الأفراد محجوزة للأزمات. للحد من تأثير الحرب الاقتصادية على الأشخاص الذين يحاولون ببساطة كسب لقمة العيش في بؤس الصراع السوري ، وللتأكد من أن الأنشطة الإنسانية يمكن أن تستمر ، يجب على الإدارة تسريع منح التراخيص للمنظمات غير الحكومية الدولية التي تقدم المساعدة في جميع أنحاء سوريا. يمكن أن يشمل ذلك تراخيص للمنظمات غير الحكومية في المناطق التي يسيطر عليها النظام ، طالما استمر نظام الأسد وروسيا في السماح بوصول المساعدات الإنسانية الدولية خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام.

يمكن تجديد التراخيص والإعفاءات التي تسمح بالعمل الإنساني الحاسم ؛ يمكن القضاء على من يسيء إليهم النظام وأنصاره.

يجب ضبط السياسة الجديدة في سوريا بعناية لتجنب الانغماس في البيروقراطية والمصالح المتنافسة.

يجب على إدارة بايدن تعيين مبعوث خاص لسوريا مكلفًا بتطوير ما لم يفعله فريق ترامب – استراتيجية سياسية متماسكة ، يدعمها مجتمع الاستخبارات الأمريكية ، لعزل الأسد ووسطاء نظامه والحد من التأثير الخبيث لإيران وروسيا.

بدون مثل هذه الاستراتيجية ، سيكون من المستحيل تحقيق تسوية دبلوماسية قابلة للتطبيق للحرب السورية. ستستمر واشنطن في الكفاح مع التهديدات المنبثقة من سوريا لسنوات قادمة ، وسيفقد السوريون جيلًا آخر في الصراع.

فورين أفيرز

———————–

هل سوريا على قائمة أولويات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ؟

بعد مرور نصف عام على إدارته ، لم يتوصل الرئيس بايدن بعد إلى استراتيجية جديدة لمعالجة الصراع المروع في سوريا ، الذي دخل عامه الحادي عشر. في الوقت الذي تتأرجح فيه الحكومة الأمريكية ، يتدهور الوضع على الأرض حيث تستغل موسكو وطهران ونظام الأسد.

لكي نكون منصفين ، فإن إدارة بايدن لم تتجاهل سوريا بالكامل. في الشهر الماضي فقط ، عمل الرئيس بنفسه على منع روسيا من قطع طريق المساعدات الإنسانية الأخير إلى إدلب ، حيث كان أكثر من 3 ملايين لاجئ نازح داخليًا سيتضورون جوعاً لولا ذلك. وفي هذا الأسبوع فقط ، أعلن وزير الخارجية أنطوني بلينكين فرض عقوبات جديدة على ثمانية من سجون رأس النظام السوري بشار الأسد سيئة السمعة ، حيث يقوم النظام بتعذيب عشرات الآلاف من المدنيين رهن الاحتجاز لما يصل إلى عقد من الزمان وما زال يفعل ذلك.

لكن بالنسبة للسوريين الذين شجعتهم وعود بايدن وبلينكين بقيادة جهد دولي جديد لحماية المدنيين وتقديم حل سياسي حقيقي للصراع ، فإن هذه التحركات الأخيرة تبدو مخصصة وغير كافية على الإطلاق. على الأرض في سوريا ، الوجود الأمريكي بالكاد محسوس.

منذ حل قضية المساعدات الإنسانية في مجلس الأمن الدولي ، سارع الجيشان السوري والروسي إلى تسريع أعمال العنف والعدوان ضد المدنيين في إدلب ، بحسب ما قاله لي رائد الصالح ، رئيس الدفاع المدني السوري المعروف أيضًا باسم الخوذ البيضاء. خلال مقابلة.

وقال: “الإدارة الأمريكية قدمت ذلك على أنه انتصار ، لكن لا أحد يركز على التصعيد الذي يقوم به نظام الأسد وروسيا الآن”. لا نعرف ما هي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لسوريا. لا نعتقد أن سوريا على قائمة أولوياتهم “.

وأشار إلى أن الغارات الجوية الروسية ونظام الأسد قتلت ما لا يقل عن 21 طفلاً في جنوب إدلب خلال الأسبوعين الماضيين. كما قُتل عضوان من الخوذ البيضاء في ضربات “النقر المزدوج” التي استهدفت المسعفين الأوائل. في غضون ذلك ، في مدينة درعا جنوب سوريا ، مسقط رأس الثورة ، نفّذ الأسد حصارًا شديدًا للتجويع. كان أهالي درعا قد وافقوا على اتفاق هدنة مقابل ضمانات الحماية الروسية ، لكن موسكو تراجعت.

أخبرني العديد من مسؤولي بايدن أن الإدارة تركز على الوضع الإنساني في سوريا وترى أن مستويات العنف المنخفضة نسبيًا تستحق محاولة الحفاظ عليها. كما أن فريق بايدن متفائل بحذر بوجود فرصة لمزيد من المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا. لكن المسؤولين يعترفون بأن استراتيجيتهم الدبلوماسية لم يتم تحديدها بعد ، في انتظار نتائج مراجعة السياسة الداخلية التي لا تزال جارية.

سياستنا تجاه نظام الأسد لم تتغير. قال لي مسؤول كبير في الإدارة “لدينا نفس المخاوف بشأن الافتقار إلى الشرعية هناك. شعرنا أنه يتعين علينا التركيز أولاً على تخفيف المعاناة الإنسانية. . . ثم العمل مع الشركاء والأمم المتحدة لمحاولة التوصل إلى حل سياسي. ولدينا مراجعة مستمرة للسياسة حول كيفية توافق كل هذه الأجزاء معًا “.

لم يعين بلينكين بعد ممثلا خاصا لسوريا ، دبلوماسيا رفيعا لإدارة الحقيبة وتفعيل الدبلوماسية. قال معاذ مصطفى ، المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية ، وهي منظمة أمريكية غير حكومية تدعم المعارضة السورية ، إن هذا يرسل إشارة واضحة إلى أن سوريا ليست أولوية للإدارة.

وقال إنه إذا نجح النظام في استعادة إدلب بارتكاب جرائم حرب ، فسيكون ذلك مدمرًا ليس فقط لهؤلاء المدنيين ولكن أيضًا للسعي الأمريكي لإيجاد أي حل سياسي على الإطلاق. إذا سقطت إدلب ، فلن يكون لدى الأسد أي سبب للتفاوض. وهذا يعني المزيد من الفظائع ، والمزيد من التطرف ، والمزيد من اللاجئين ، والمزيد من عدم الاستقرار والصراع الذي لا نهاية له.

وقال “إدلب هي العقبة الأخيرة أمام سوريا وإيران وروسيا لتأمين النصر العسكري الذي تريده”. إذا أعلنوا النصر ، فسيترسخ ذلك سوريا باعتبارها كوريا الشمالية في الشرق الأوسط.

يواجه فريق بايدن نفس السؤال الذي واجهه أسلاف الرئيس: ما هي الخيارات – باستثناء التدخل العسكري – التي يمكن أن تغير في الواقع حسابات موسكو والأسد؟

المزيد من العقوبات ، التي تستهدف جميع السوريين المتورطين في جرائم الحرب والشركات التي تساعدهم ، سيكون مفيدًا ولكن ليس كافياً. يجب على بايدن أن يوضح أن الأسد لا يمكن أن يشق طريقه للعودة إلى النعم الطيبة للمجتمع الدولي.

قال ستيفن راب ، سفير وزارة الخارجية السابق المتجول في جرائم الحرب: “من الضروري ألا يكون هناك تطبيع للعلاقات مع الأسد ، ويجب أن نثني الدول الأخرى عن فعل ذلك أيضًا”. “الأسد لا يمكن أن يتمتع بثمار النصر ، هذا يجب أن يكون موقفنا الثابت.”

هناك تكاليف ومخاطر للعمل في سوريا تدرسها إدارة بايدن بالتأكيد بينما تمضي قدمًا في مراجعة سياساتها التي تبدو بلا نهاية. لكن التقاعس عن العمل هو أيضًا قرار يأتي مصحوبًا بتكاليف ومخاطر خاصة به. الأمل في ألا يزداد الوضع سوءًا ليس استراتيجية.

الواشنطن بوست

——————————

عقوبات أمريكية.. تنذر بالاستعداد لما هو أسوأ/ درويش خليفة

عندما طرح الرئيس الأمريكي «جو بايدن» برنامجه الانتخابي، خصيصاً؛ الفقرة الداعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، أعاد من خلالها الروح لرواد التغيير ونشطاء ثورات الربيع العربي التي انطلقت في عام 2011، إلا أن البعض شكك في رواية بايدن وبإمكانية تغليب واشنطن القيم على حساب المصالح، لاسيما عندما تتعلق المصالح الأمريكية-الغربية بالملف النووي الإيراني، حينها يتم التغافل عن دور فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وميلشياته الذين يعيثون فساداً وجهل في الدول العربية التي يتمتعون فيها بحضور سياسي وعسكري. عقوبات

بعد إعلان قادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، الشهر الماضي، في جنيف، عن استراتيجية مشتركة بشأن القضية السورية (خطوة بخطوة)، اتخذ الروس خطوتهم الأولى عندما مرّروا القرار 2585 القاضي بتدفق المساعدات الإنسانية إلى الشمال الغربي من سوريا، عند معبر باب الهوى، فكان بالمقابل مطلوب من الأمريكيين التقدم بخطوة مماثلة تعزز الثقة بين الطرفين. وهذا ما حدث بالفعل عندم أدرجت الخارجية الأمريكية فصيل أحرار الشرقية التابع للجيش الوطني المعارض مع اثنين من قادته على لائحة عقوباتها الأولى بعد وصول الرئيس «جو بايدن» إلى البيت الأبيض، كما ضمت القائمة ثماني معتقلات، وفروع أمنية، وخمسة مسؤولين أمنيين محسوبين على نظام الأسد وميليشيا موالية له.

كالعادة، انقسم السوريون بين راضٍ عن العقوبات ورافضٍ لها، بسبب إدراج فصيل أحرار الشرقية المتهم بقتل الناشطة السياسية الكردية هفرين خلف، خشية إدراج المزيد من فصائل المعارضة مستقبلاً، وبالتالي توضع المعارضة المسلحة مع النظام على قدم المساواة في انتهاكاتها لحقوق السوريين، أمام المجتمع الدولي.

ثمة من يتساءل، هل وجود الأمريكيين في الضفة الشرقية من سوريا إلى جانب حلفائها المحليين، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يجعلهم يغضون الطرف عن انتهاكات الأخيرة؟ قد يكون المبرر لأي إجابة غير منطقي، لكنه ليس غريباً، إذ تعد فضيحة القوات الأمريكية في سجن أبو غريب التي سُربت في نيسان/ أبريل عام 2004، من حيث الانتهاكات الجسدية والجنسية، هي الأكثر سلبية في الحرب الأمريكية على العراق، وفي المنطقة أيضاً، وذلك، قبل ظهور الإجرام الذي يُمارس في معتقلات بشار الأسد على العلن، وتأكيده من خلال الصور التي حملها معه، مصوراً عسكرياً يلقب بـ”سيزر” بعد مغادرته سوريا، وعرضها أمام الكونغرس الأمريكي في جلسة مغلقة. الأمر الذي أدى لاحقاً إلى إصدار (قانون قيصر)، الذي فرضت بموجبه الإدارة الأمريكية عقوبات على البنك المركزي السوري وفروع النظام الأمنية، وقياداته العسكرية، ومافيات الاقتصاد الداعمة للأسد في حربه على الشعب السوري بعد انتفاضة آذار 2011.

وهنا، لابدَّ من الإشارة إلى أن العقوبات الاقتصادية أقل تكلفة على الدول التي تفرضها من التدخل العسكري أو السياسي، تميل العقوبات الاقتصادية إلى أن تكون أقل حدة من حيث التراجع عنها في حال قام الطرف المُعاقب بتحسين سلوكه أو تغليبه لغة العقل، على حساب الدمار والقتل.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سياسة العقوبات الاقتصادية ليست طارئة عليها، إذ تشمل عقوباتها عدداً من الدول، بعضاً منها طويلة الأمد؛ مثل جمهورية كوبا وكوريا الشمالية وإيران والنظام في سوريا.

إلا أن قائمة العقوبات الأمريكية الأخيرة اتخذت منحى جديداً بإدراج فصيل من المعارضة المسلحة ولأول مرة منذ سلك قانون قيصر مساراً لتقييد النظام في دمشق جراء حربه على مناهضي حكمه.

مرة أخرى انقسم السوريون في نظرتهم للعقوبات الاقتصادية، بعضهم يرى أنها لا تنفع مع هكذا نوع من الأنظمة ولديهم أسبابهم بكل الأحوال؛ إذ لم تؤثر العقوبات والحصار الدولي على النظام العراقي في عهد صدام حسين بشكل مباشر، بل ساهمت في تعميق معاناة العراقيين، وكذلك الأمر بالنسبة للعقوبات الأمريكية على كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وإيران، فما تزال الأنظمة هناك تحكم شعوبها بالحديد والنار. وتعد ثورة العطش في إقليم الأهواز بجنوب غرب إيران وما تلاها من تدخلٍ حكومي قاسٍ بحق المحتجين دليلاً على كل ما سبق.

محاكمات أوربية تستهدف سوريي المعارضة والموالاة.

المحاكم التي تشهدها عدد من الدول الأوروبية، تشير إلى أن المحاسبة ستطال كل منتهكي حقوق الإنسان من السوريين وبكل أشكالها وأسبابها والمحرضين عليها، ومن جميع الأطراف المتصارعة عسكرياً. إلا أننا حتى اللحظة لم نشهد أي محاكمة لعناصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالرغم من تعدد الانتهاكات في مناطق سيطرتهم، على عكس ضباط مخابرات النظام السوري والبعض من المعارضة المسلحة الذين وصلوا أوروبا ليجدوا أنفسهم في أقفاص لا تراعي الرتبة العسكرية والمكانة الاجتماعية، بل العدالة ثم العدالة ثم العدالة.

ومن مفارقات التعاطي الأوروبي تجاه الملف السوري، والذي يُعتبر انتقائياً في بعض الأحيان، استقبال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وفداً من مجلس سوريا الديمقراطية (الجناح السياسي لقسد)، في قصر الإليزيه، ما دعا الحكومة التركية الداعمة للمعارضة السورية، للتعبير عن استنكارها من هذا الإجراء. فضلاً عن وجود مكتب تمثيل سياسي لـ(مسد) في الولايات المتحدة، كما أنه بالمقابل؛ هناك ممثل عن الائتلاف السوري المعارض أيضاً في واشنطن، إلا أنه لم ينبس ببنت شَفة، بخصوص العقوبات المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية على فصيل أحرار الشرقية التابع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة المنبثقة عن ائتلاف المعارضة.

الاستعداد للأسوأ يبدو عنواناً مناسباً للمرحلة المقبلة التي قد تواجه النظام السوري والمعارضة معاً، من حيث الخطوات الأمريكية التي بدأت تتعامل مع ملف الانتهاكات بنظرة شاملة، على مبدأ “لا فرق بين موالٍ ولا معارض ولا أبيض ولا أسود إلا بحقوق الإنسان”.

————————————–

الصين ترث أميركا في أفغانستان؟/ سميح صعب

لا تهدر الصين وقتاً للتعامل مع الوضع الذي يمكن أن ينشأ في أفغانستان بعد إنجاز الولايات المتحدة انسحابها العسكري من هذا البلد، واحتمال أن تضع حركة “طالبان” يدها بالكامل على السلطة في حال عدم قدرة حكومة الرئيس أشرف غاني المدعومة من الغرب، على الصمود عسكرياً في وجه الحركة.

وتلبية لدعوة من بكين، زار وفد كبير من “طالبان” برئاسة الشريك المؤسس للحركة الملا عبدالغني برادار مدينة تيانجين، وأجرى لقاءات مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي حول مستقبل أفغانستان بعد الإنسحاب الأميركي. وعلى رغم أن اللقاءات خلت إلا من كلام عمومي، فإن قراءة بين السطور، تظهر سعياً صينياً إلى الإحاطة بكل الاحتمالات التي يمكن أن تطرأ بعد الانسحاب الأميركي.

هل تفكر الصين في ملء الفراغ الذي سيخلفه الإنسحاب الأميركي؟ سؤال مطروح بقوة كون الصين هي القوة الوحيدة المجاورة لأفغانستان التي يمكنها أن تملأ الفراغ، ليس من الناحية العسكرية، وإنما من الناحية الاقتصادية، خصوصاً إذا ما اتجه الغرب إلى فرض عقوبات على أفغانستان في حال انفردت  “طالبان” بالسلطة. عندها ستتوجه الحركة حكماً نحو الصين التي يهمها أمر واحد ألا وهو أن لا تتحول أفغانستان منصة لـ”الحركة الإسلامية لتحرير تركستان” التي تسعى إلى استقلال إقليم شينجيانغ الذي تقطنه غالبية من الإيغور المسلمين. وكان هذا أحد مواضيع النقاش بين وانغ يي ووفد “طالبان”.

ثم أن هناك مسألة أساسية تهم الصين التي توظف استثمارات بقيمة 60 مليار دولار في باكستان في سياق مبادرة الحزام والطريق، وتالياً يهمها أن لا تتعرض هذه الاستثمارات لأي مساس في حال حصل تغيير في الحكم في أفغانستان. وهنا يجب التنويه بأن العلاقات الوطيدة بين بكين وإسلام أباد، قد تشكل رافعة للصين كي تضم أفغانستان هي الأخرى إلى مبادرة الحزام والطريق وأن يكون لها دور رئيسي في إعادة بناء أفغانستان.

والأمر المؤكد أن الصين لن تفكر بخوض مغامرات عسكرية في أفغانستان، طالما التزمت “طالبان” عدم تقديم تسهيلات للإنفصاليين الإيغور. ويبقى اللجوء إلى الخيار الاقتصادي هو المرجح لاكتساب النفوذ في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

وبقدر ما تتوجس الصين من احتمالات سقوط الحكومة الحالية في كابول نظراً إلى ما سيلي ذلك من تغيير جيوسياسي في جنوب آسيا يصب في مصلحة باكستان، فإن الهند ستدخل في حسابات مختلفة وترى نفسها من الخاسرين في هذه الحالة. وكانت نيودلهي عبر العلاقات المتينة التي أقامتها مع حكومة كابول بعد الغزو الأميركي عام 2001، ترى أن ميزان القوى الإقليمي بات يميل لمصلحتها. لكن عودة “طالبان” إلى الحكم تخلط الأوراق، وتعيد الكفة الإقليمية للرجحان ناحية إسلام أباد، التي رعت نشأة “طالبان” في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وحافظت على علاقات وطيدة مع الحركة حتى بعد الغزو الأميركي، حيث كان قادة “طالبان” يتجولون بحرية في الأراضي الباكستانية.

وعندما تهرع الصين إلى التودد إلى “طالبان”، فإنها تأخذ في الحسبان أيضاً التوازن الإقليمي مع الهند، وتعتبر أن استمالة كابول إلى ناحيتها، ستؤثر في النفوذ الهندي في المنطقة، خصوصاً بعد التوتر الذي ساد العلاقات بين بكين ونيودلهي وكانت ترجمته في الأشهر الأخيرة، اشتباكات حدودية، بينما بدأت الهند تصطف إلى جانب الولايات المتحدة في مواجهتها الأوسع مع الصين. وليس أدل على ذلك من زيارتي وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين أنطوني بلينكن ولويد أوستن للهند في الأونة الأخيرة.

لا بد أن وضعاً عسكرياً وسياسياً مختلفاً سينشأ على أنقاض الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ولن تقف الصين متفرجة في لعبة الأمم الكبرى التي تخاض في هذه المنطقة من العالم.

النهار العربي

————————————-

استراتيجية بايدن في سوريا.. فحص للنوايا الروسية والإيرانية/ ماري معلوف

منذ الأسابيع الأولى لوصول جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، كان واضحا اتفاق المراقبين على أن الطاقم القيادي الذي عينه، بدءا من وزير الدفاع لويد أوستن ونائبة الرئيس كامالا هاريس وصولا إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، لهم مواقف مناهضة بل وحادة من الرئيس السوري بشار الأسد.

وكنا نسمع هنا في واشنطن عما يمكن وصفه بحالة من الترقب الحذر بانتظار الخطوات الأولى التي ستتخذها الإدارة الأميركية وهل ستتجه لتبني استراتيجية مختلفة عن إدارة دونالد ترامب، وإن كان معظم الساسة في عالمنا العربي يعتقدون أنه بتغير الرؤساء الأميركيين لا يمكننا أن نجزم بحدوث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية الأميركية باختلاف الرؤساء والأحزاب.

فالإدارات الأميركية على تنوعها تخضع لاستراتيجيات موحدة بعيدة المدى مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، لكن كان لافتا أن بايدن خلال حملته الانتخابية ولقاءاته مع الجاليات الإسلامية في أميركا، عبر عن بالغ حزنه عما يعانيه الشعب السوري والروهنغيا وغيرهم، وتعهد برفع الظلم والجور عنهم، مستشهدا بالحديث النبوي الشريف: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه”.

نهاية الأسبوع كان لافتا ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” من مقال للكاتب جوش روغين، أعاد فيه محاولة البحث عن مفهوم وتصور استراتيجية بايدن المتوقعة في سوريا، حيث قال: “نصف عام مضى على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من دون أن تتوصل بعد إلى استراتيجية لمعالجة النزاع في سوريا، الذي مضى عليه 11 عاما”، وكان الكاتب موفقا في وصفه النظام السوري بأنه “هش وغير كفء”، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران وصمد في وجه “التمرد” بقيادة المعارضة لمدة 10 سنوات، حيث إن النظام لا يسيطر على كامل البلاد، لكن المعارضة أضعف من أن تشن حملات لاستعادة الأراضي.

وخلص الكاتب إلى أن “المصالح الأميركية ترتبط الآن بهدفين مزدوجين: زيادة المساعدة الإنسانية والاحتفاظ بالتواجد العسكري الأميركي لمحاربة “داعش”، لكنه أغفل الصراع الأميركي الروسي على نقاط أخرى، حيث إن الموقف الروسي متمسك بأن دمشق حكومة ذات سيادة لسوريا، وبالتالي فإن الأمم المتحدة يجب أن تقدم المساعدة فقط من خلال عاصمة البلاد، ولا ننسى هنا ان إدارة بايدن أفرجت عن 50 مليون دولار كمساعدة لتحقيق الاستقرار، كانت مجمدة خلال إدارة ترامب، وستنفق بشكل أساسي في شمال شرقي سوريا.

هذا التمويل يضاف إلى 600 مليون دولار هي للإنفاق الإنساني لكل سوريا، بما في ذلك اللاجئون في البلدان المجاورة، ومهما يكن من أمر فأن إدارة بايدن كانت قد أوضحت لموسكو صراحة أنها تنوي البقاء في سوريا، وأرسلت وفدا رفيع المستوى للقاء قيادة قوات سوريا الديمقراطية لنقل قرارات السياسة الأميركية، كما قررت الإدارة الاحتفاظ بقوات برية وقاعدة سلاح الجو الأميركي لدعم قوات سوريا الديمقراطية، لكن تغير الوضع بعد العمليات التركية في شمال شرق سوريا في أكتوبر 2019، مما أدى إلى انسحاب “متسرع” للولايات المتحدة من المناطق الحدودية، وتحرك روسي لملء فراغ القوات الأميركية في المواقع التي انسحبت منها، حيث أصبح الأميركيون والروس الآن قريبين من بعضهم بعضا، بطرق تختلف اختلافا كبيرا عما قبل أكتوبر 2019.

هذه المواقف الأميركية رأت المعارضة السورية أنها محدودة وغير كافية على الإطلاق، فبعد حل مسألة المساعدات الإنسانية سارع الجيشان السوري والروسي إلى تنفيذ أعمال عنف وعدوان ضد المدنيين في إدلب، وحصار شديد على درعا التي تعود اليوم إلى سيرتها الأولى وتجدد إرهاصات الثورة السورية، واختصارا يمكننا القول إن الإدارة الأميركية تركز حاليا على الوضع الإنساني في سوريا، وترى أن مستويات العنف المنخفضة نسبيا تستحق محاولة الحفاظ عليها، كما أنها متفائلة بحذر بوجود فرصة لمزيد من المفاوضات بينها وبين روسيا بشأن سوريا، لكن تلك الاستراتيجية يظهر بوضوح أنه لم يتم تحديدها بعد، فإدارة بايدن لم تعيّن بعد ممثلا خاصا لسوريا، وهو ما يعطي إشارة واضحة بأن سوريا ليست على قائمة أولويات الرئيس الأميركي.

وهنا يمكننا القول إنه وفي خضم تعدد المصالح الأجنبية في سوريا، فإن المهمة العسكرية الأميركية قد تكون لها أهداف واسعة تتجاوز بكثير قتال “داعش”، وأهمها فحص النوايا الروسية، وفي هذه النقطة يجب التوقف عندما نقلته مجلة “بوليتيكو” عن ويل تودمان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي قال إن وجود القوات الأميركية يمنع الحكومة السورية المدعومة من روسيا من الوصول إلى حقول النفط والموارد الزراعية في شمال شرق سوريا، ويعمل على إعاقة هدف إيران المتمثل في إنشاء ممر جغرافي يربط بين طهران ولبنان والبحر المتوسط.

وأوضح تودمان أن “الحفاظ على القدرة على عرقلة الجهود الإيرانية لنقل الأسلحة إلى سوريا جزء مهم من الوجود الأميركي هناك، فإيران تستفيد من عدم الاستقرار المستمر”.

خلال هذه الساعات أعلنت اسرائيل عن بدئها مناورات على الحدود اللبنانية، كما أعلنت فرنسا والولايات المتحدة أن الرد على قصف إيران لأحدى السفن سيرد عليه سريعا، ولا شك أن لكل التداعيات المقبلة تأثير مباشر وغير مباشر على الداخل السوري، فقد يكون هناك تدخل عسكري أميركي قصير يمكن أن يغير حسابات موسكو وبشار الأسد، وقد تكون هناك عقوبات جديدة تستهدف السوريين المتورطين بجرائم حرب والشركات التي تدعمهم، ولن تستطيع الولايات المتحدة ولا غيرها إعادة الأسد إلى المجتمع الدولي في وقت قريب.

في خلاصة الكلام يمكننا القول إن الإدارة الأميركية ليس لديها الآن أي خطط لإجراء أي تغييرات على العملية العسكرية الأميركية في سوريا، وهي تمضي بمراجعة للسياسة تبدو بلا نهاية، لكن في حكم المؤكد أن إدارة بايدن ستستمر في تطبيق قانون قيصر عبر فرض حزم إضافية من العقوبات بموجبه، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام للحد من تفكيره بالإقدام على مزيد من العمليات العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة، وستبقى استراتيجيتها غير واضحة المعالم، فلا هي أرادت حسم مصير النظام مع قدرتها على ذلك، ولا هي قبلت استمرار سوريا كدولة فاشلة لعلمها أن ذلك سوف تترتب عليه تداعيات خطيرة في مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة واحتمال عودة الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، وقضايا كثيرة أخرى لا بد لها أن تحسم في استراتيجية أميركية واضحة تجعل منها القطب الحاسم في أي صراع داخل شرقنا الأوسط.

سكاي نيوز

—————————-

=======================

تحديث 17 آب 2021

————————

استراتيجية بايدن في سورية تفتقر إلى العمل/ جوش روجين

ترجمة أحمد عيشة

بعد ستة أشهر من تولي الرئيس بايدن منصبه، لم يتوصل حتى اليوم إلى استراتيجية جديدة لمعالجة الصراع المروّع في سورية، الذي دخل عامه الحادي عشر. وبينما تتردد الحكومة الأميركية، يتدهور الوضع على الأرض، حيث تستغله موسكو وطهران ونظام الأسد.

ولكي نكون منصفين، فإن إدارة بايدن لم تتجاهل سورية بالكامل. في الشهر الماضي فحسب، عمل الرئيس نفسه على منع روسيا من قطع آخر طريق للمعونة الإنسانية إلى إدلب، حيث كان من الممكن لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ مشرد داخليًا أن يتضوّروا جوعًا حتى الموت. وفي هذا الأسبوع، أعلن أنتوني بلينكن (وزير الخارجية) فرض عقوبات جديدة على ثمانية من سجون الرئيس السوري بشار الأسد سيئة السمعة، حيث كان النظام يعذّب عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين، منذ نحو عقد من الزمان، ولا يزال يفعل ذلك.

ولكن هذه التحركات الأخيرة، بالنسبة إلى السوريين الذين أثلجت وعود بايدن وبلينكن صدورهم، بقيادة جهد دولي جديد لحماية المدنيين وتقديم حلّ سياسي حقيقي للصراع، تبدو مخصصة وغير كافية على نحو مؤسف. وعلى أرض الواقع في سورية، لا يكاد وجود الولايات المتحدة يكون محسوسًا.

منذ حلّ قضية المساعدات الإنسانية في مجلس الأمن، زاد العسكريون السوريون والروس عنفهم وعدوانهم ضد المدنيين في إدلب، كما أخبرني رائد الصالح، رئيس الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في مقابلة معه.

وقال السيد الصالح: “إن الإدارة الأميركية قدّمت ذلك على أنه فوز، ولكن لا أحد يركز على التصعيد الذي يفعله نظام الأسد وروسيا الآن. نحن لا نعرف ما هي استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة لسورية. ولا نعتقد أن سورية على قائمة أولوياتها”.

وقال إن الغارات الجوية الروسية ونظام الأسد قتلت ما لا يقل عن 21 طفلًا في جنوب إدلب، في الأسبوعين الماضيين. وقتلت أيضًا عضوان من (الخوذ البيضاء) في الضربات “المزدوجة” التي تستهدف أول المستجيبين. وفي الوقت نفسه، في مدينة درعا جنوب سورية، مهد الثورة، ينفّذ الأسد حصارًا وتجويعًا وحشيًا. وقد سبق أن وافق شعب درعا على اتفاق هدنة مقابل ضمانات بالحماية الروسية، ولكن موسكو تراجعت.

وأخبرني كثيرٌ من مسؤولي إدارة بايدن أن الإدارة تركز على الوضع الإنساني في سورية، وترى أن مستويات العنف المنخفضة نسبيًا تستحق محاولة الحفاظ عليها، وأن فريق بايدن متفائل بحذر بوجود فرصة لمزيد من المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بخصوص سورية. لكن المسؤولين يعترفون بأن استراتيجيتهم الدبلوماسية لم يتم تحديدها بعد، في انتظار نتائج مراجعة السياسة الداخلية التي ما تزال جارية.

وقال لي مسؤول رفيع في الإدارة: “سياستنا تجاه نظام الأسد لم تتغير… لدينا المخاوف نفسها بصدد الافتقار إلى الشرعية هناك. شعرنا بأن علينا التركيز أولًا على تخفيف المعاناة الإنسانية. . . ثم العمل مع الشركاء والأمم المتحدة، لمحاولة التوصل إلى حل سياسي. ولدينا مراجعة مستمرة للسياسة حول كيفية توافق كل هذه الأجزاء معًا”.

وما زال يتعين على بلينكن أن يعين ممثلًا خاصًا لسورية، دبلوماسيًا رفيع المستوى لإدارة الملف وتفعيل الدبلوماسية. وهذا يبعث بإشارة واضحة إلى أن سورية ليست من أولويات الإدارة، كما قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفرقة العمل السورية للطوارئ، وهي منظمة غير حكومية أميركية تدعم المعارضة السورية.

وقال: إذا نجح النظام في استعادة إدلب، من خلال ارتكاب جرائم حرب، فإن ذلك سيكون مدمّرًا، ليس لهؤلاء المدنيين فحسب، ولكن أيضًا لحملة الولايات المتحدة لإيجاد أي حلّ سياسي على الإطلاق. إذا سقطت إدلب، فلن يكون لدى الأسد أيّ سبب آخر للتفاوض. وهذا يعني المزيد من الفظائع، والمزيد من التطرف، والمزيد من اللاجئين، والمزيد من عدم الاستقرار، والصراع الذي لا نهاية له.

وقال: “إدلب هي العقبة الأخيرة أمام النظام السوري وإيران وروسيا، لتأمين النصر العسكري الذي يريدونه. إذا أعلنوا النصر، فإن ذلك سيرسخ سورية باعتبارها كوريا الشمالية في الشرق الأوسط”.

يواجه فريق بايدن السؤال الذي واجهه أسلاف الرئيس: ما هي الخيارات -باستثناء التدخل العسكري- التي يمكن أن تغير في الواقع حسابات موسكو والأسد؟ مزيد من العقوبات، التي تستهدف جميع السوريين المتورطين في جرائم الحرب والشركات التي تساعدهم، سيكون مفيدًا، ولكن ليس كافيًا. يجب على بايدن أن يوضح أن الأسد لا يمكن أن يشق طريقه للعودة إلى رحمة المجتمع الدولي وضيافته.

ستيفن راب، سفير وزارة الخارجية السابق المتجول بخصوص جرائم الحرب، قال: “من الضروري ألا يكون هناك تطبيع للعلاقات مع الأسد، ويجب أن نثني الدول الأخرى عن فعل ذلك أيضًا. لا يمكن للأسد أن يتمتع بثمار النصر، هذا يجب أن يكون موقفنا الثابت”.

هناك تكاليف ومخاطر للعمل في سورية، تدرسها إدارة بايدن، بالتأكيد، وهي تمضي قدمًا في مراجعة سياساتها المضجرة، التي تبدو بلا نهاية. لكن التقاعس عن العمل هو أيضًا قرار يأتي مصحوبًا بتكاليف ومخاطر خاصة به. إن الأمل في ألا يزداد الوضع سوءًا ليس استراتيجية.

اسم المقالة الأصلي        Biden’s Syria strategy is missing in action

الكاتب   جوش روجين، Josh Rogin

مكان النشر وتاريخه         واشنطن بوست، The Washington Post، 30 تموز/ يوليو 2021

رابط المقالة        https://wapo.st/2Vsr5SI

عدد الكلمات       742

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

مركز حرمون

—————————–

سوريا لا تزال غائبة عن أجندة واشنطن/ سميح صعب

لا يشكل طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، من الرئيس السوري بشار الأسد معرفة مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا عام 2012، تغييراً في سياسة التعامل مع سوريا عن بعد، ومن دون اعتماد مقاربة جديدة في التعامل مع دمشق.

حتى الآن، لا تظهر بوادر اهتمام من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالملف السوري. والاستثناء الوحيد كان ذاك الاهتمام الذي أبداه بايدن شخصياً خلال القمة التي عقدها في جنيف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 16 حزيران (يونيو)، والتي طلب فيها عدم استخدام روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن ضد تجديد تفويض إدخال المساعدات إلى سوريا من معبر باب الهوى مع تركيا.

وكان الطموح الأميركي هو أن يشمل التفويض أيضاً معبر اليعربية بين العراق وسوريا، الأمر الذي رفضته موسكو بالمطلق. وانتهت المساومات بين الجانبين إلى موافقة روسيا على تجديد العمل بمعبر باب الهوى وحده. وكانت موسكو، تساندها بكين، تشدد في المقابل على ضرورة إدخال المساعدات عبر “الخطوط الأمامية” التي تفصل مناطق سيطرة الحكومة السورية عن سيطرة المعارضة. لكن الغرب رفض الاقتراح الروسي، لأن من شأنه أن يشكل اعترافاً غربياً بالسيادة السورية وتعاملاً غير مباشر مع نظام الرئيس بشار الأسد.

ومن علامات غياب الاهتمام الأميركي الجدي بالأزمة السورية، هو عدم تعيين بايدن  مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، وعدم انتهاء إدارته من إعادة التقويم التي تجريها للسياسة حيال سوريا. ولا يخفي المسؤولون الأميركيون أن اهتمامهم ينصبّ في الوقت الحاضر على الحفاظ على الهدوء النسبي السائد ميدانياً. لكن هذا الهدوء مهدد بتصاعد القصف والقصف المضاد منذ أسابيع على جبهتي إدلب وريف حلب. كما أن جبهة درعا تشهد منذ شهر انتكاسة للتسويات التي أبرمها النظام مع مسلحي المعارضة في المحافظة بإشراف روسي. وتندلع اشتباكات بين الجيش ومقاتلين سابقين من المعارضة، لا سيما في درعا البلد.

والناحية الأخرى التي يركز عليها المسؤولون الأميركيون، هي التحالف مع “قوات سوريا الديموقراطية” التي يقودها الأكراد في شرق سوريا. وتنشر الولايات المتحدة نحو 900 جندي في هذه المنطقة التي تضم حقول النفط الرئيسية في سوريا، فضلاً عن وجود قاعدة أميركية في التنف عند مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية. والسبب المعلن للانتشار العسكري الأميركي في هذه المنطقة، هو حرمان تنظيم “داعش” من الوصول مجدداً إلى حقول النفط السورية، لكن واشنطن تمنع أيضاً دمشق من استغلال هذه الحقول اتساقاً مع سياسة تغليظ العقوبات على النظام.

وكان من بين الأسباب التي دفعت بايدن إلى عدم الانسحاب من العراق على غرار أفغانستان، هو الاستحالة العملية للانسحاب من العراق والبقاء في سوريا.

وفي الوقت الذي من غير الوارد التورط في خيارات عسكرية في سوريا، لا يبدو أن بايدن في عجلة من أمره للانخراط في أي مبادرة دبلوماسية حول سوريا، ويفضّل التريّث في انتظار نتائج التقويم الذي تجريه إدارته في هذا الشأن.

وتبقى العقوبات، وخصوصاً “قانون قيصر”، هي أداة الضغط التي تمارسها واشنطن ضد النظام، بينما الحل السياسي لا يمكن أن يتبلور من دون تفاهم أميركي – روسي. وبحسب المعطيات المتوافرة، لا يلوح في الأفق مثل هذا الاحتمال على المدى القريب. وما بدا من اهتمام أميركي بإبقاء معبر باب الهوى مفتوحاً أمام المساعدات عبر الحدود، لم يكن سوى استجابة من بايدن لضغوط في الكونغرس في هذا الاتجاه.

أما صوغ مبادرة متكاملة أو البحث عن حل بمساعدة روسيا، فليس مطروحاً على أجندة بايدن، على رغم أن السياسات المتبعة منذ عهد باراك أوباما ومن بعده دونالد ترامب قد أثبتت فشلها.

النهار العربي

————————————–

ماذا لو انسحبت واشنطن من سوريا؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي

أبلغت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد” إلهام أحمد، قادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، قبل أيام بالتحضر والاستعداد لانسحاب محتمل للقوات الأميركية من شمال شرق سوريا.

تصريحات تأتي بعد سلسلة تحركات أميركية تشير إلى انسحاب قواتها من عدد من المناطق في الشرق الأوسط، كان أبرزها الانسحاب من أفغانستان، بعد توقيع اتفاق مع حركة طالبان برعاية قطرية، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات عملية لتخفيض عدد القوات الأميركية في دول الخليج.

وعندما يتم ربط ما سبق بالحديث عن انسحاب أو تقليص لهذه القوات في العراق وسوريا، فإننا أمام واقع يشير بوضوح إلى استراتيجية جديدة تتعلق بالتواجد العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، وما يخشاه ويحذر منه حلفاء واشنطن أن يكون إعادة التموضع شمال شرق سوريا يأتي ضمن بازارات سياسية أكبر ترتبط بملفات عالقة بينها وبين روسيا، أو أطراف أخرى، مثل ملف أوكرانيا والملف النووي الإيراني.

وإذا كنا معنيين في هذا المقال بالحديث بالدرجة الأولى عن مستقبل الوجود العسكري الأميركي في سوريا وأهميته، فإن هذا يجعلنا محكومين بالضرورة بمحاولة فهم واستكشاف طبيعة النوايا الأميركية الجديدة على هذا الصعيد.

لم تكشف الولايات المتحدة حتى اليوم عن عدد جنودها وحجم قواتها في سوريا، والموجودة في إطار التحالف الدولي لمكافحة تنظيم (داعش)، وينحصر تواجدها في شرقي الفرات والتنف، في 28 موقع عسكري، موزع بين قواعد ونقاط عسكرية، أهمها:

قاعدة رميلا شرق القامشلي، قاعدة تل بيدر شمال محافظة الحسكة، قاعدة حقل كونيكو للغاز، شمال شرق دير الزور، حقل العمر النفطي، الذي يعتبر مقر قيادة قوات التحالف الدولي في سوريا، حقل التنك، حقل الجفرة النفطي، قاعدة الشدادي، قاعدة عين العرب (كوباني)، قاعدة ديريك بريف الحسكة، بالإضافة إلى قاعدة التنف العسكرية على الحدود السورية-الأردنية، وهي القاعدة الأكبر في سوريا.

وكما سبقت الإشارة، فإن المبرر القانوني الذي ستستند عليه واشنطن في حال قررت الابقاء على قوات عسكرية تابعة لها في سوريا هو التفويض الممنوح للعمليات المرتبطة بتهديد تنظيم داعش والجماعات الإرهابية المتطرفة التي تشكل، من وجهة نظر أميركية، تهديداً لأمنها القومي.

أما من الناحية الجيواستراتيجية، وهذه في الواقع هي الأسباب الحقيقية للتواجد العسكري الأميركي، هو منع التوسع الروسي، بالإضافة إلى الحد من نفوذ إيران والتنظيمات المرتبطة بها في سوريا والمنطقة، والتي تشكل تهديداً لحلفاء واشنطن في المنطقة (الأردن ودول الخليج العربي) بالإضافة إلى إسرائيل.

أما الحديث عن بقاء القوات العسكرية الأميركية، فما ينطبق على الوضع في سوريا ينطبق على الوضع في العراق، فالبلدين يشكلان اليوم وحدة عضوية بالنسبة لاستراتيجية التواجد الاميركي وطبيعة التهديدات الموجبة لاستمراره، وأولها طبعاً مواصلة دعم شركائها في محاربة الإرهاب، إلى جانب عرقلة التمدد الإيراني الهادف إلى تحقيق حلم النظام بفتح الطريق من طهران الى المتوسط، مرورا بدمشق وبغداد.

الدافع الثالث هو ضرورة الحفاظ على حالة التوازن مع روسيا الطامحة بقوة للوصول إلى هذه المساحة المنطقة (شرق سوريا وغرب العراق)، وعليه لا يمكن تصور أن واشنطن يمكن أن تغادر سوريا بهذه البساطة وتترك لروسيا فرصة أن تأخذ مكانها، خاصة وأن قوات سوريا الديمقراطية كانت مستعدة دائما للتعاون والتحالف مع موسكو ونظام الأسد.

وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن ما يعزز فكرة البقاء الأميركي هو أن المخاطر التي تواجه القوات العسكرية (قليلة العدد) في هذه البقعة تكاد تكون شبه معدومة، رغم أن هناك من يرى أن أميركا إذا أرادت الخروج من سوريا والعراق فإنها تفعل ذلك مدفوعة بالدرجة الأولى أن تكون قواتها بعيدة عن متناول الهجمات التي تشنها الميليشيات المرتبطة بإيران، والتي من المحتمل جداً أن تتزايد كلما تأزم الوضع بينها وبين واشنطن، أو تعرقلت محادثات فيينا حول الملف النووي، إلا أن هذه المخاطر لا تعتبر ذات بال عندما تقارن بالمخاطر الكبيرة التي يمكن أن تنتج عن انسحابها، وأولها ملء الفراغ الذي سيخلفه هذا الانسحاب من قبل خصومها إيران، روسيا.

هل ستنسحب أميركا بالفعل؟

يبدو أن المزاج الأميركي العام والسياسيين هناك يميلون للانكفاء عن المناطق الخطيرة، والتي ليست ضمن دائرة التهديدات المباشرة، من أجل التفرغ لمواجهة الصعود الصيني في المناطق الأكثر حساسية وحيوية بالنسبة للولايات المتحدة (بحر الصين الجنوبي-جنوب شرق اسيا) بالإضافة إلى افتراض أن هذا الانكفاء العسكري سيوفر الكثير من الناحية الاقتصادية التي يمكن توظيفه في مواجهة الصعود الاقتصادي للصين أيضاً، رغم أن كلفة التواجد العسكري في شرق الفرات والتنف منخفضة جداً، وهي بالعموم مناطق مكشوفة قابلة للحماية والرصد بسهولة، خاصة وأنها مؤمنة بقوات “قسد” برياً، والتمويل توفره عائدات النفط والزراعة.

أما بالنسبة لقاعدة التنف فتعتبر امتداداً للتواجد الأميركي في الأردن، ولم يسجل في أي من المنطقتين تهديداً أمنياً حقيقياً يستوجب زيادة الاعتمادات الأمنية أو التعزيزات العسكرية، وأغلب هذه التكاليف مغطى من الدول الموجودة فيها، كدول الخليج العربي، بالإضافة لمصادر أخرى كصندوق التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

وعليه فإنه لا يمكن الاعتقاد بوجود انسحاب عسكري أميركي بالصورة والشكل وإنما إعادة انتشار وتموضع، وربما خفض حجم القوات، والاستعاضة عن ذلك بالتفوق التكنولوجي العسكري، ورمزية العلم الأميركي.

كما أن أي انسحاب كامل وناجز سيؤثر وسيزيد من اهتزاز ثقة حلفاء واشنطن بها، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تخذل فيها واشنطن حلفاءها، كما فعلت مع حكومة كردستان العراق بعد الاستفتاء على استقلال الاقليم في خريف العام 2017، وسحبها لمنظومة صواريخ باتريوت من الحدود التركية-السورية، في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2015، وتخليها عن حليفها المهم في المنطقة، المملكة العربية السعودية، في مواجهة ميليشيا الحوثيين في اليمن، بل حتى إسرائيل ذاتها غير راضية عن التفاعل الأميركي مع التهديدات الإيرانية، فكيف سيكون حال دول الخليج الأكثر تأثراً بتلك التهديدات، وقوات سوريا الديمقراطية التي ستكون عرضة للانقراض، في حال انسحاب القوات الأميركية، وفريسة سهلة للجيش التركي وقوات الجيش الوطني السوري المتحالفة معه.

إن الانسحاب العسكري الأميركي من عدمه يحدده توازن عاملي الأهداف الاستراتيجية من جهة، والكلفة البشرية والاقتصادية للبقاء من جهة أخرى، إضافة الى مدى التأثير في توجهات الرأي العام (التسويق السياسي) الذي سيظل يعتمد على سردية محاربة الإرهاب القابل للتسويف بطبيعة الحال، من أجل السماح ببقاء العسكر الأميركي في سوريا والمنطقة لأطول وقت ممكن.

أما العامل الاستراتيجي فيتمثل بالدرجة الأولى بالصراع مع إيران، والحفاظ على أمن اسرائيل المهم بالنسبة لواشنطن، أما في سوريا فالصراع الأساسي على النفوذ مع روسيا وإيران ، ومع تركيا بدرجة أقل يبرز كدافع مهم ، وكذلك يسهم هذا البقاء في منح إدارة بايدن القدرة المستمرة على لعب دور في أي تسوية سياسية فيها.

أما الانسحاب فيعتمد عامل المتغيرات الاستراتيجية، أو تجنب زيادة الأعباء الاقتصادية أو الخسائر البشرية، وهي عوامل متغيرة، وبالتالي يبقى احتمال الانسحاب وارداً ولو بدرجة أقل، وهنا لا بد من ملاحظة ما جرى مؤخراً من فتور في العلاقة مع “قسد” نتيجة عدم مراعاتها للملاحظات الأميركية، وتوجه الأخيرة الى خطة تدريب وحدات حرس حدود يقدر عددهم ب (3000 ) مقاتل من المكون العربي، ربما تعتمدهم أميركا كقوى بديلة، خاصة في حال أوكلت مهامها شرق الفرات لتركيا ضمن تفاهم ما، وهذا احتمال قائم، مع زيادة النزوع الأميركي الى الاعتماد على المكونات الأخرى في المنطقة.

من الواضح أننا أمام انكفاء أميركي عن المنطقة، لكن لا يمكن القول إنه  سيكون كاملاً، ويبدو ان أميركا لديها مشاكل تتعلق بفهمها للتطورات الحاصلة في العالم، وتعاطيها مع هذه التطورات المتسارعة، بالإضافة لمشاكلها الداخلية بسبب ما يبدو أنه شيخوخة مؤسسات الحكم البيروقراطية التي تكلست وأصبحت تشكل عبئاً على حساب الأفكار والمرونة التي تتطلبها سرعة التطورات، عكس الصين الدولة الفتية المرنة المندفعة، وعكس الحماسة الروسية والجرأة والطموح الواضح لديها لاستعادة دورها العالمي.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل ستتنبه أوروبا وبريطانيا صاحبة الدور التاريخي في الشرق الأوسط، والتي تعتبر هذه المنطقة منطقة نفوذ تقليدي لها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة روسيا، وبالتالي التحرك بناء على هذه المعطيات، أم أن القارة العجوز ما زالت تعيش في جلباب أميركا!؟

المدن

————————————

هل الانسحاب الأميركي وشيك من سوريا؟/ عمر كوش

أثار انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، والإعلان عن انسحاب جميع القوات القتالية الأميركية من العراق بحلول نهاية العام الجاري، أسئلة حول وجود القوات الأميركية في سوريا، وإمكان أن يطولها أمر الانسحاب وتغادر المناطق التي توجد فيها.

ولا شك في أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان وإنهاء المهمّة القتاليّة في العراق لا يُعبّر عن سذاجةٍ سيّاسيّة، كونه يدخل في سياق تنفيذ الرئيس الأميركي جو بايدن وعوده الانتخابية بالانسحاب من التّورّط العسكري في الحروب البعيدة والطويلة، وعليه فإن تكهنات وممكنات أي انسحاب وشيك من سوريا قد تدخل في السياق ذاته. 

وبصرف النظر عن أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان تركها أمام الزحف السريع لمقاتلي حركة طالبان وفتح الباب على مصراعيه أمام دخولها في حرب أهلية، وأن الانسحاب الأميركي من العراق جرى تسويقه ضمن إطار ما يسمى “الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق”، إلا أن خيارات الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا، لا تخرج عما تسوقه مراكز البحوث والدراسات الأميركية، بوصفها أفضل الخيارات المتاحة أمام واشنطن، والتي تتمثل في انسحاب القوات القتالية الأميركية مع الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين والمدربين، بما يحافظ على النفوذ الأميركي فيهما، ويساعد على تخفيف النفوذ الإيراني والروسي فيهما، لذلك من المستبعد في المدى المنظور أن تحدث تغييرات جذرية على الوجود العسكري الأميركي في كل من العراق وسوريا، خاصة وأن الانسحاب العسكري الأميركي الكامل من العراق يطرح مشكلة تأمين الدعم للقوات الأميركية الموجودة في سوريا المجاورة. وبناء عليه، يجادل مسؤولون أميركيون بأن استراتيجية بلادهم في سوريا لن تتغير مثلما تغيرت في أفغانستان والعراق، وذلك في سياق نفيهم للتكهنات والتحليلات التي ترجح انسحاباً عسكريا أميركياً وشيكاً من سوريا.

ويعتبر بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية أن أفغانستان والعراق وسوريا تمثل ثلاث قضايا أو ملفات منفصلة تماماً عن بعضها البعض، ولا ينبغي الخلط بينها، لذلك لا يرون إمكانية حدوث أي تغييرات مهمة في المرحلة الراهنة على مهمة القوات الأميركية في سوريا وعلى الغاية من وجودها، معتبرين أن ذلك يدخل في إطار استراتيجية إدارة الرئيس بايدن في سوريا.

غير أن الحديث عن استراتيجية الرئيس بايدن في سوريا يقودنا ليس فقط إلى تلمّس جانبها العسكري المتمثل بالتصدي لتنظيم “داعش”، بل إلى معرفة جوانبها السياسية والأمنية وحسابات المصالح وسواها، إذ أن إدارة الرئيس بايدن ومنذ وصولها إلى الحكم في البيت الأبيض لم تبدِ سوى مواقف تتسم بالترقب والحذر حيال القضية السورية، حيث لم يعين بايدن مبعوثاً خاصاً له إلى سوريا، وفرض عقوبات شبه رمزية على ثمانية سجون لنظام الأسد، ولم تبلور إدارته رؤية أميركية متكاملة حيال القضية السورية، بمعنى أنها لم تتوصل بعد إلى استراتيجية جديدة لسبل معالجتها، واختارت فقط المدخل الإنساني عبر التفاهم مع الساسة الروس من أجل تمديد التفويض الأممي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين في الشمال السوري، بينما لم تقم بأي حراك حيال الهجمات المتكررة التي تشنها قوات نظام الأسد والقوات الروسية على المدنيين في مناطق محافظ إدلب، وحيال ما يتعرض له أهالي درعا من قصف وهجمات قوات نظام الأسد وميليشيات نظام الملالي الإيراني إلى جانب فرضها حصاراً شاملاً لتجويعهم وتهجيرهم قسرياً من مناطقهم.

ويثير تعامل الولايات المتحدة مع القضية السورية أسئلة عديدة حول الكيفيات التي اتبعتها الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض مع تطورات الأوضاع في سوريا منذ انطلاق الثورة في منتصف آذار/ مارس 2011، ومع البيانات والقرارات الدولية والأممية التي صدرت بشأنها، والتي لم تخرج عن أولويات تلك الإدارات في منطقة الشرق الأوسط، التي لا تعتبر الملف السوري من بينهما مقارنة بالملفات الأخرى في المنطقة، لذلك ارتهن التعامل الأميركي مع القضية السورية إلى حدّ كبير بتغير الإدارات والرؤساء الأميركيين، لكنها لم تستند إلى استراتيجية واضحة المعالم، ولا نهجاً معيناً، بل كانت مواقفها تتسم بعدم الاكتراث واللامبالاة، والسعي إلى إدارة الأزمة وليس حلها.

ولعل الأولوية الوحيدة التي بنت عليها الولايات المتحدة استراتيجيتها في سوريا هي الحرب على تنظيم الدولة “داعش”، لذلك تحالفت في سبيلها مع قوى الأمر الواقع ممثلة بميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية. ومع ذلك لم يتردد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن الإعلان مرتين على الأقل عن سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، الأولى كانت في 20 من ديسمبر/ كانون الأول 2018، والثانية في 9 من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لكنه تراجع أمام ضغوط المؤسسات الأميركية وخاصة البنتاغون كي يعلن عن الاحتفاظ بوجود عسكري أميركي محدود في سوريا، وذلك من أجل حماية حقول ومنشآت النفط، ومنع وصول تنظيم داعش إليها، لكن إدارة بايدن تريد التركيز على ربط السياسة الأميركية في سوريا بهزيمة داعش فقط، وعدم ربطها بالمنشآت النفطية السورية أو بمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.

إذاً الاستراتيجية الأميركية في المدى المنظور ستركز على بقاء قوات عسكرية أميركية في الشمال الشرقي من سوريا، لذلك أرسلت الإدارة الأميركية إشارات واضحة إلى الساسة الروس في هذا الصدد، وكذلك إلى قادة ميليشيات الأمر الواقع في المنطقة، لكن التساؤل سيطول نوع هذا الوجود العسكري الذي تنحصر مهمته في استمرار محاربة تنظيم داعش بالتعاون مع ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي من غير المرجح أن تقوم الولايات المتحدة في المدى القريب بسحب وشيك لقواتها العسكرية من سوريا كما حصل في أفغانستان ولا بإنهاء مهامها القتالية كما هو مقرر في العراق.

تلفزيون سوريا

————————-

لا همبرغر لمعتقلي صيدنايا بعد اليوم/ عمر قدور

لن يستمتع بعد اليوم معتقلو سجن صيدنايا بمذاق الهمبرغر، وستتوقف شركتا ماكدونالد وكنتاكي عن التنافس على توريد الوجبات إلى ذلك السجن الشهير العريق. ربما يكون هذا خبراً ساراً لأصدقاء البيئة بسبب ما كان يخلّفه تغليف الوجبات من نفايات صعبة التدوير، وكذلك لأنصار التغذية السليمة الذين لطالما احتجوا على تزايد السمنة بين المعتقلين. “الطاقم الإداري” للسجن سيعاني أيضاً من انقطاع التوريدات العالمية، فالشركات الكبرى للتكنولوجيا الرقمية لن تتنافس على تقديم أفضل أنواع الكمبيوترات التي تضمن توثيق وأرشفة أدق تفاصيل السجن، وعلى تقديم ألطف برامج التعذيب الافتراضية لاستخدامها فقط مع “السجناء شديدي الخطورة”. وإذا تركنا باب السخرية موارباً، لن تتمكن بعد اليوم شركات ألمانية “بمنافسة من أخرى صينية مقلِّدة” من توريد الكرسي الألماني الشهير، وكذلك سيكون حال كارتلات التمديدات الصحية التي ستفقد أضخم سوق لرواج الأنبوب المسمى “الأخضر الإبراهيمي” المستخدم في ملامسة أجساد المعتقلين. سياسياً، لن يتأخر مندوبا روسيا والصين في مجلس الأمن عن إبراز المجاعة التي ضربت السجن، بسبب إضراب السجناء عن الطعام بعد انقطاع وجبات ماكدونالد وكنتاكي، وسيلوّحان بما عُرف بصور قيصر، “صور قيصر ذاتها”،  لإثبات موقفهما.

إذاً، بعد طول انتظار، صدرت أول قائمة عقوبات أمريكية “خاصة بسوريا” في عهد بايدن، وبعد لوعة طالت وُضعَ سجن صيدنايا على قائمة العقوبات الأمريكية! وإذا كان مفهوماً وضع ضباط أو جلادين على قائمة العقوبات الدولية، ما لا يمكن فهمه “إلا على منوال الهزل المرّ في الاستهلال” أن يُعاقب سجن سوري كأنه منشأة لها زبائن سيكفّون عن التعامل معها تحت ضغط العقوبات، وكذلك هو حال سبعة سجون أخرى قد تكون الفائدة الوحيدة من إدراجها هي إطالة القائمة الأمريكية.

ضمت القائمة الجديدة أسماء ضباط مخابرات، وهذا مفهوم كإشارة رمزية ليس إلا. إذ من المعلوم أن ضباط مخابرات الأسد لا يودعون أموالهم بمنتهى الشفافية في بنوك الخارج “وحتى الداخل”، وليس من عادتهم قضاء عطلاتهم أو إجازاتهم خارج البلاد. أي أن وجود هؤلاء مع السجون الثمانية لا يعدو كونه رسالة رمزية، تقول من خلالها إدارة بايدن أنها تضع موضوع المعتقلين ضمن أولوياتها، وفي هذا استئناف لخطابها حيث دأب مسؤولوها على تقديم ما هو إنساني على ما هو سياسي، أو اعتبار الشأن الإنساني مدخلاً “ولو مديداً جداً جداً” إلى السياسي، بخلاف ما يراه كثر حول استحالة معالجة الشق الإنساني من الكارثة السورية ما لم يُعالج جذرها السياسي.

تريد إدارة بايدن الإيحاء بأنها ماضية في إقرار عقوبات جديدة على الأسد، لكن بطريقة لا بد أن يكون الأخير وحلفاؤه مسرورين بها، فالقائمة الجديدة تتفوق بالمطلق على سابقاتها لجهة انعدام تأثيرها حقاً لا كما اعتاد رهط الممانعة على إنكار آثار العقوبات. قد يُفسّر انعدام الفعالية المتعمد بإرضاء موسكو بعد موافقتها على التمديد لإدخال المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى، وأغلب الظن أن هذا لن يرضي موسكو التي تريد مقايضة التمديد اللاحق “إذا حصل” بما هو أهم من إبقاء واشنطن على المنسوب السابق من العقوبات التي أُقرت في عهد ترامب.

من بوابة التوازن والشمولية بعثت إدارة بايدن برسالتها الأهم، فالعقوبات لم تعد حكراً على الأسد، إنها “متوازنة” بحيث تشمل أصحاب الانتهاكات من خصومه، وتتعقب منتمين إلى تنظيمات مصنّفة على قائمة الإرهاب. أي أن الإدارة الحالية تتجاوز هدف العقوبات بموجب قانون قيصر، وهو الضغط على بشار وردع حلفائه عن إنقاذه بإعادة الإعمار، على أمل أن يؤدي الضغط إلى تغيير سياسي بموجب القرار الدولي 2254. اللائحة الجديدة تعني عملياً وضع أنقرة تحت ضغوط إضافية بحكم سلطتها على الفصائل التي ترعاها، ووجود فصيل “أحرار الشرقية” في اللائحة الجديدة قد يكون أول الغيث. 

معيار التوازن لا يطابق معيار الفعالية، ففعالية العقوبات على بشار مرهونة بتجاوبه مع العقوبات وهذا مستبعد بالمطلق، أو بتجاوب موسكو وطهران معها وهو مستبعد أيضاً، أي أن فعالية العقوبات على بشار وسجونه وضباط مخابراته هي صفر. أما العقوبات على أي فصيل ترعاه أنقرة فسيرتّب عليها مسؤوليات لا تستطيع التهرب منها كما تفعل موسكو وطهران، فتركيا تربطها علاقات تاريخية متشعبة بواشنطن والغرب عموماً، ولن يكون من السهل إدارة الظهر نهائياً إلى حلفاء الأمس القريب، ولن يكون سهلاً على أنقرة الوقوع بين مطرقة بايدن وسندان بوتين.

إن منطق العدالة يبقى في هذه الحالة شكلياً ومولِّداً لمزيد من القهر، فالتنظيمات الوحيدة والأشخاص المهددين حقاً بالعقاب هم غير المحميين بوجودهم تحت سلطة بشار. أما المجرم الأكبر ومساعدوه في التدمير والإبادة والتهجير فهم في منأى عن الملاحقة الفعلية والعقاب، بل لا يُستبعد لاحقاً مقايضة إفلاتهم من العقاب بـ”تنازلات” شكلية يقدّمونها ويرى “المجتمع الدولي” أنها كافية لتسوية “عادلة” للملف السوري. جزء من القهر الذي يولّده هذا المنطق عدم القدرة على مواجهته من منطلق العدالة ذاتها، لأن إفلات البعض من العقاب لا يعني إعفاء الباقين من الملاحقة والعقاب، ولأن انتهاكات المجرمين الكبار لا تبرر انتهاكات نظراء لهم أو مجرمين صغار.

وُضعَ فصيل “أحرار الشرقية” على قائمة العقوبات بسبب قتله هفرين خلف الأمينة العامة لحزب “سوريا المستقبل”، وكان أفراد من الفصيل قد وثّقوا عملية الإعدام الميدانية التي حدثت أثناء مشاركتهم في عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا للسيطرة على المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين في تشرين الأول2019. وإذا استمرت واشنطن في تقصي الانتهاكات وضم مرتكبيها إلى قوائم العقوبات فهناك بالتأكيد ما يفوق حادثة مقتل هفرين خلف على بشاعتها، ومن المرجح أن سيف العقوبات سيكون مسلطاً على غالبية الفصائل المدعومة من تركيا، أو بالأحرى سيكون مسلطاً على الداعم بشكل أساسي.

السؤال الشكلي الذي لا بد أن يقفز إلى الذهن: وماذا عن سلطة الإدارة الذاتية المتهمة بانتهاكات أيضاً؟ وفي حق خصومها الأكراد على حد سواء مع خصومها العرب؟ وماذا عن الاتهامات الموجهة إلى قسد أثناء الحرب ضد داعش، حيث اعترفت واشنطن نفسها بقصف مدنيين بالخطأ بناء على معلومات خاطئة “قد تكون كيدية أو ثأرية” مقدمة من قسد؟ وهل التحالف مع قسد ومسد سينجيهما من الضغوط الأمريكية بما أن لائحة العقوبات انتقائية ومسيَّسة في الأصل؟

لعل الإجابة الأقرب إلى البراغماتية المعهودة أن واشنطن لن تستبعد قسد ومسد من التصويب عليهما، وتوسيع إطار العقوبات فيه تهديد مؤجل لهما بقدر ما يكون أنصارهما فرحين مؤخراً بضغط العقوبات على تركيا. لم يكن السلوك الأمريكي محترماً عندما رمى مسؤولية قصف مدنيين على قسد مع علم واشنطن بالحساسيات الكردية-العربية، ولم يكن كذلك بعدم ضغط واشنطن كما يجب لإنجاز تفاهم كردي-كردي، أو لتحييد تأثير قيادات قنديل عن الشأن الكردي السوري، وتالياً تحييد أكراد سوريا عن صراع تركي-تركي بأدوات سورية. تورط الإدارة الذاتية في أخطائها أو انتهاكاتها لا يخرج عن الرغبة الأمريكية في تورط الجميع، وهم بالتأكيد لا يرتكبون انتهاكاتهم بناء عليها، إذ ليس أفضل من خصم أو حليف متورط، سواء للضغط والسيطرة عليه أو للتضحية به.

المدن

——————————-

قمة بايدن-بينيت:هل تنجح في إعادة ضبط العلاقات؟

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

عقد الرئيس الأميركي، جو بايدن، في البيت الأبيض في 27 آب/ أغسطس 2021، أول لقاء قمة يجمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت. وكان بينيت قد نجح، في حزيران/ يونيو 2021، في تشكيل حكومة ائتلافية هشة، هدفها التخلص من رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، الذي توترت في عهده العلاقة مع إدارة بايدن والديمقراطيين. وقد ركزت المحادثات بينهما على الملف النووي الإيراني، والمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، في حين احتل ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية مكانة هامشية في اللقاء.

أولًا: الملف النووي الإيراني

لم يخفِ بينيت أن هدف زيارته الرئيس لواشنطن هو إقناع بايدن بالتخلي عن محاولات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والاستمرار في العقوبات عليها، التي كانت إدارة دونالد ترامب أعادت فرضها عام 2018. ويرى أن رفع العقوبات أو تخفيفها سيمكن إيران من تسريع برنامج التخصيب والاقتراب من صنع قنبلة نووية، فضلًا عن إتاحة مزيد من الموارد لها للمضي في جهود “زعزعة استقرار المنطقة ودعم أعداء إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية فيها”. وأعلن أن إسرائيل تملك استراتيجية لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي سيسعى إلى إقناع بايدن بها.

ورغم أن إدارة بايدن ما زالت ترى أن الاتفاق النووي هو السبيل الأفضل لتقييد نشاطات إيران النووية، فإن احتمالات إحياء الاتفاق تراجعت في الأسابيع الأخيرة. فطهران تصر على رفع العقوبات الاقتصادية، قبل الحديث عن التزاماتها النووية بموجب الاتفاق. في المقابل، تصر واشنطن على أن تكون العودة إلى الالتزامات التي ينص عليها الاتفاق متزامنة، وأن تقبل طهران بإعادة النظر في الجداول الزمنية لاتفاق عام 2015 وتمديدها، فضلًا عن ضرورة أن تشمل المفاوضات برنامج إيران لتطوير الصواريخ الباليستية، ودعمها لحركات وميليشيات مختلفة في أنحاء المنطقة.

وتقوم إيران حاليًا بتخصيب كمية صغيرة من اليورانيوم بنسبة تصل إلى 63 في المئة، وهي نسبة تقل بقليل عن مستوى التخصيب الذي يمكّنها من إنتاج سلاح نووي (90 في المئة)، في حين أن النسبة التي كان حددها اتفاق عام 2015 هي 3.67 في المئة. كما قامت طهران بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها، بإنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر عددًا وتقدمًا مما تسمح به نصوص الاتفاق؛ ما يقلص، بحسب إدارة بايدن، الوقت المحتمل لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي إلى أشهر، وربما حتى أسابيع. كما تخشى واشنطن من تشدد إيراني أكبر في المفاوضات في ظل الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي.

بناء على ذلك، تتبلور تقديرات داخل إدارة بايدن بأن احتمالات العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران تتضاءل، وهو ما حاول بينيت الاستثمار فيه خلال زيارته لواشنطن. وفي إشارة إلى التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم “داعش” مستغلًا فوضى عملية الانسحاب في مطار كابول، وأدى إلى مقتل 175 شخصًا، بينهم 13 جنديًا أميركيًا، قال بينيت: “توضح هذه الأيام بالذات كيف سيبدو العالم إذا حصل نظام إسلامي متطرف على سلاح نووي. سيكون ذلك المزيج كابوسًا نوويًا للعالم بأسره”. ويبدو أن إدارة بايدن، وإن كانت ترى في العودة إلى الاتفاق النووي، مع بعض التعديلات، الخيار الأفضل، فإنها تسعى أيضًا لتطمين إسرائيل بأن ذلك لن يكون خيارًا مفتوحًا، ولا بأي ثمن. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع بينيت، التزم بايدن بعدم السماح لإيران بتطوير سلاح نووي، “ولكننا نضع الدبلوماسية أولًا، ونرى إلى أين سيقودنا ذلك”. وفي حال “فشلت الدبلوماسية فنحن مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى”، من دون أن يقدم أي توضيحات حول ما يعنيه بذلك.

في المقابل، وعلى عكس سلفه نتنياهو، حرص بينيت على عدم الظهور بمظهر من يتحدى الرئيس الأميركي، فعبر عن سعادته بمقاربة بايدن التي لا تجعل المسار الدبلوماسي خيارًا وحيدًا ومفتوحًا، لكنه أعلن أيضًا أن حكومته طورت “استراتيجية شاملة” لاحتواء إيران، بهدف وقف ما أسماه عدوانها الإقليمي “وتحجيمها” وإفقادها “القدرة على تطوير سلاح نووي على نحو دائم”. ووفقًا للخطة الإسرائيلية التي أعلن بينيت عن بعض تفاصيلها قبل اجتماعه ببايدن، فإنها ستشمل تعزيز العلاقات مع الدول العربية المعارضة لنفوذ إيران الإقليمي وطموحاتها النووية، واتخاذ إجراءات دبلوماسية واقتصادية ضدها، ومواصلة الهجمات الإسرائيلية السرية عليها. ويطلق مسؤولون إسرائيليون على هذه الخطة استراتيجية “القتل بالتجريح”، وهي كناية عن استنزاف إيران بضربات متكررة محدودة، ولكن موجعة تنهكها.

ثانيًا: المساعدات العسكرية

لم يشذّ بايدن عن الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه في تأكيد “الالتزام الأميركي الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل” وضمان تفوقها “العسكري النوعي” في الشرق الأوسط. ونجح بينيت خلال زيارته إلى واشنطن في الحصول على دعم أميركي لطلب تجديد نظام القبة الحديدية الذي تعتمد عليه إسرائيل في التصدي للصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة وجنوب لبنان، بقيمة مليار دولار من التمويل الطارئ. ويحتاج هذا الأمر إلى موافقة الكونغرس، وهي شبه مضمونة. وكانت إدارة بايدن وافقت في أيار/ مايو 2021، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بيع إسرائيل أسلحة وذخائر بقيمة 735 مليون دولار. وشملت الاتفاقات الأمنية الأخيرة بين الطرفين، كما أعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، التعاون في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي ومواجهة أنظمة الطائرات من دون طيار، و”ضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد تهديدات إيران ووكلائها”. وبحسب مذكرة تفاهم بين إدارة باراك أوباما وحكومة نتنياهو، عام 2016، رفعت الولايات المتحدة قيمة مساعداتها العسكرية السنوية لإسرائيل، بدءًا من عام 2019 حتى نهاية عام 2028، من 3.1 مليارات دولار سنويًا إلى 3.8 مليارات دولار سنويًا، إضافة إلى 5 مليارات دولار لتطوير أبحاث مواجهة الصواريخ الباليستية.

ثالثًا: محادثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية

كان لافتًا غياب أي إشارة ذات معنى من جانب بايدن إلى مفاوضات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية في افتتاح اللقاء، في حين تجاهل بينيت الملف تمامًا. وجاءت إشارة الرئيس الأميركي اليتيمة خلال المؤتمر الصحافي المشترك موجزة جدًا، ومن دون حديث عن حل الدولتين أو ضرورة وقف الاستيطان أو تجميده في الضفة الغربية؛ إذ اكتفى بالقول إنه يريد مناقشة “سبل تعزيز السلام والأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين”. ويرشح من المصادر الإسرائيلية أن بايدن طالب بينيت بدعم السلطة الفلسطينية ماليًا، والعمل على تخفيف المعاناة اليومية للفلسطينيين من الناحية المعيشية.

ورغم تأكيد بايدن، غير مرة في الماضي، أنه مع حل الدولتين، وهو الذي ابتعد عنه ترامب خلال سنوات رئاسته الأربع، فإن بينيت لا يتبنى هذا الموقف. وثمَّة اعتقاد أن إدارة بايدن لن تضغط على بينيت في موضوع استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين، أو مطالبة إسرائيل بتجميد التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقبول بحل الدولتين بحجة أن تحالف بينيت الحكومي هش جدًا، وأي ضغط عليه في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى انهيار حكومته وعودة نتنياهو.

وكان بينيت، وهو أول رئيس وزراء إسرائيلي متدين، وزعيم استيطاني سابق، قد استبق أي ضغوط أميركية محتملة قبل سفره إلى واشنطن بإعلان رفضه القاطع لقيام دولة فلسطينية، أو تجميد أعمال الاستيطان في الضفة الغربية، رغم تأكيد التزامه بعدم ضمِّ أي أجزاء من الضفة الغربية وبسط السيادة الإسرائيلية عليها؛ ليس لأنه يعارض ذلك، بل لأن مثل هذه الخطوة لا تحظى بإجماع داخل حكومته الائتلافية الضيقة والمعقدة التركيب. وبالنسبة إلى الحصار القائم على قطاع غزة، أعلن بينيت أنه لن يرفعه ما دامت حركة حماس تعمل على تسليح نفسها، كما أنه لن يتردد في شنِّ عدوان جديد في حال استمر إطلاق الصواريخ من القطاع، حتى لو أدى ذلك إلى فقدان حكومته دعم النواب العرب الأربعة، ومن ثمّ تفككها. ويتبلور داخل ائتلافه توجه لتجنب قضايا “الحل الدائم” والعمل على ما يسمّى تقليص الصراع “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين” وتقليل مظاهر الاحتلال إلى الحد الأدنى في المناطق  AوB مع تكثيف الاستيطان في المنطقة C. وهي ممارسة تشبه روح ما سُمّي في حينه صفقة القرن، ولكن من دون اتفاقيات رسمية.

ويبدو أن تهميش القضية الفلسطينية يتماشى مع تراجعها ضمن أولويات بايدن في هذه المرحلة، الذي يركز أكثر على أفغانستان وإيران والتعامل مع التحديات التي تمثّلها كل من الصين وروسيا.

رابعًا: إعادة ضبط العلاقة الثنائية

لم يخفِ الحزب الديمقراطي في السنوات الأخيرة غضبه من سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نتنياهو ومواقفه. ومنذ عام 2009، اصطدم نتنياهو بالديمقراطيين وتحدى إدارتهم غير مرة بخصوص مفاوضات السلام والاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. بل تدخل على نحوٍ غير مباشر لصالح المرشح الجمهوري، ميت رومني، ضد أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2012. وفي عام 2015، أثار نتنياهو حنق إدارة أوباما، والديمقراطيين بعامةٍ، حينما قبل دعوة من قيادة الجمهوريين في الكونغرس وألقى خطابًا تحريضيًا ضد الاتفاق النووي مع إيران والذي كان أوباما يعدّه أحد أهم إنجازاته في السياسة الخارجية.

وخلال سنوات ترامب في البيت الأبيض انحاز نتنياهو كليًا إليه، واختزل العلاقة الأميركية – الإسرائيلية بالحزب الجمهوري. وقد أدى ذلك إلى تراجع الدعم الذي تحظى به إسرائيل داخل أوساط الحزب الديمقراطي، وتحديدًا بين صفوف الشباب والتيارات التقدمية والليبرالية. وهكذا، بدا أن إسرائيل قد تتحول إلى قضية حزبية في أروقة الكونغرس، بعد أن كانت على مدى سبعة عقود قضية فوق حزبية، وتحظى بشبه إجماع سياسي أميركي. 

ومع هزيمة ترامب في الانتخابات عام 2020، وتسلم بايدن الرئاسة مطلع عام 2021، كان واضحًا التوتر بين الإدارة الجديدة وحكومة نتنياهو. وكان بايدن وصف نتنياهو خلال حملته الرئاسية بأنه “زعيم يميني متطرف”، وبأن وجوده “غير مفيد”. ولم يبادر الرئيس الأميركي إلى الاتصال به إلا بعد قرابة شهر من تسلمه الرئاسة. وكان مساعدو بايدن يخشون أن يسعى نتنياهو إلى محاولة تعطيل أجندة بايدن في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران.

ومع سقوط حكومة نتنياهو في حزيران/ يونيو 2021، بادر بايدن إلى الاتصال ببينيت مهنئًا خلال ساعتين فقط من أدائه اليمين الدستورية. وحرص بينيت، الذي لا يقل يمينية عن نتنياهو، على الابتعاد عن المشاحنات والنهج التصادمي الذي تبناه نتنياهو في علاقته بأوباما وبايدن، خصوصًا حول الملف النووي الإيراني. وعند اجتماعه ببايدن أعلن أنه يحمل معه “روحًا جديدة من النوايا الطيبة والأمل” في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة. أما بايدن فقد أشاد ببينت ووصفه بأنه “صديق مقرب”، وبأنه “يرأس أكثر الحكومات تنوعًا في تاريخ إسرائيل”. وفي دلالة على النهج الجديد في العلاقات الثنائية بين البلدين، سمحت حكومة بينيت باستئناف التعاون الاستخباراتي مع واشنطن بالمستوى نفسه الذي كان عليه قبل أن يأمر نتنياهو بتقليصه في الربيع الماضي.

خاتمة

رغم أن القمة الأميركية – الإسرائيلية جاءت في ذروة أزمة الانسحاب من أفغانستان، فإنها مثلت مناسبة استغلها الرئيس جو بايدن لتجديد التزام إدارته بأمن الحلفاء، وخاصة منهم إسرائيل. في المقابل، حصل نفتالي بينيت على الدعم العسكري والسياسي الذي أراده، وتمكّن على ما يبدو من إقناع بايدن بأن أي ضغوط على حكومته بشأن القضية الفلسطينية ستؤدي إلى تفككها، وعودة نتنياهو إلى الحكم؛ وهو ما لا تريده واشنطن، في هذه المرحلة على الأقل. لكن هذا لا يعني أن العلاقات بين الطرفين ستبقى دافئة بالضرورة. وتدرك إدارة بايدن أن بينيت قد يكون أشدّ رئيس وزراء يميني تطرفًا في تاريخ إسرائيل، وبأن ثمة أوساطًا متزايدة من القاعدة اليسارية للحزب الديمقراطي، وبين الشباب عمومًا، ترى أن “إسرائيل أصبحت من أكثر الدول يمينية في العالم المتقدم”، وأن هذا سيؤدي “حتمًا إلى تعقيد العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بغض النظر عما يريد قادة الدولتين قوله علنًا”، رغم مقاومة مؤسسة الحزب التقليدية لهذه النزعات النقدية المتنامية عند الشباب.

—————————-

روسيا والصين تتطلّعان إلى تراجع الولايات المتحدة/ جون بولتون

ستضغط بكين من أجل مزيد من النفوذ في باكستان؛ وستجرِّب موسكو في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى.

إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ينتهي بشكل مأساوي -وهذا له تداعيات إستراتيجية كاسحة. كان أحد الأخطاء الرئيسية الكامنة وراء شعار “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها” هو أن الانسحاب لن يؤثر إلّا على أفغانستان. بل على العكس من ذلك، فإن الرحيل يُشكِّل إعادة ترتيب إستراتيجية كبرى ومؤسفة للغاية للولايات المتحدة. حيث تسعى كلّ من الصين وروسيا، عدوَّيْنَا العالمييْنِ الرئيسييْنِ، بالفعل إلى جَنْي الفوائد.

إنهم والعديد من الآخرين يحكمون على ترك أفغانستان ليس فقط على العواقب المباشرة على التهديدات الإرهابية العالمية، ولكن أيضاً لما يقولونه عن التخلّي عن أهداف الولايات المتحدة وقدراتها ومدى حزمها على مستوى العالم.

على المدى القريب، استجابةً لكل من التهديدات والفرص الناشئة من أفغانستان، ستسعى الصين إلى زيادة نفوذها الكبير بالفعل في باكستان؛ وستفعل روسيا الشيء نفسه في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى. وكِلاهما سوف يوسِّعان مبادراتهما في الشرق الأوسط، غالباً جنباً إلى جنب مع إيران. هناك القليل من الأدلّة على أنّ البيت الأبيض مستعدّ للردّ على أي من هذه التهديدات.

على المدى الطويل، تتمتع بكين وموسكو بتقسيم طبيعي للعمل في تهديد أمريكا وحلفائها، في ثلاثة مسارح متميزة: الصين على محيطها الطويل من اليابان عَبْر جنوب شرق آسيا إلى الهند وباكستان؛ روسيا في أوروبا الشرقية والوسطى بالإضافة إلى الوفاق الودّي الروسي الإيراني الصيني في الشرق الأوسط. لذا يجب أن يفكّر المُخَطِّط الأمريكي في العديد من التهديدات التي تظهر في وقت واحد عَبْر هذه المسارح وغيرها.

وهذا يؤكّد مدى توتّر قدراتنا الدفاعية لحماية مصالحنا البعيدة، لا سيما بالنظر إلى الإنفاق المحلّي غير المسبوق الذي يطلبه الرئيس بايدن الآن. وبالتالي، فإنّ أهمّ مهمّة لواشنطن هي بطريقةٍ ما تأمين زيادات كبيرة في ميزانيات الدفاع بما يجابه طيف التهديد الكامل، من الإرهاب إلى الحرب الإلكترونية, فالدبلوماسية وحدها ليست بديلاً.

لن يتأثر “شي جين بينغ” بتأكيد السيد بايدن أن أمريكا بحاجة إلى إنهاء الأنشطة العسكرية في أفغانستان لمواجهة الصين بشكل أكثر فعالية. بدلاً من ذلك، أمام بكين فرص جديدة: تعزيز مصالحها في أفغانستان وباكستان؛ والحماية من انتشار الإرهاب في الصين؛ وزيادة الجهود لإرساء الهيمنة على محيطها، خاصة فيما يتعلق بتايوان وبحر الصين الجنوبي والهند.

تتلاءم هذه المبادرات بسلاسة مع التهديد الوجودي لبكين للغرب، والذي يمتدّ إلى ما هو أبعد من كارثة أفغانستان. على النقيض من ذلك، تتخبط واشنطن في مناورات تكتيكية وردود ارتجالية على حيل صينية معيّنة. أفغانستان هي الدافع الملحّ لحشد تفكيرنا المفاهيمي والإستراتيجي الأعمق؛ أثناء القيام بذلك، يمكننا الاستحواذ على الفور على العديد من النقاط السياسية المهمّة. وللقضاء على الغموض حول التزامنا الدفاعي لتايوان، على سبيل المثال، يجب أن نضع قوات عسكرية هناك. وعلى مستوى التواجد في المسارح، فنحن بحاجة إلى زيادات في الميزانية لتعزيز وجودنا البحري في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وبالتالي إنشاء الردع ومواجهة مطالبات السيادة الصينية.

يجب تكثيف علاقاتنا الدفاعية مع الهند وفيتنام وغيرهما كما يجب أن يتوسّع نطاق “الرباعية” (الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة) بشكل كبير ليشمل قضايا الدفاع الجماعي وينبغي على الرباعية نفسها أن تنظر في التوسّع. كما يجب علينا أن نحمّل الصين بشكل متزايد المسؤولية عن سياستها الخطيرة المتمثلة في انتشار الصواريخ الباليستية والتكنولوجيا النوويّة لأمثال باكستان وكوريا الشمالية.

مما لا شك فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مسروراً برؤية رئيس أمريكي ضعيف واهن في قمتهما في حزيران/ يونيو، مستذكراً خروتشوف بعد لقائه جون إف كينيدي في عام 1961. تنازُلات بايدن اللاحقة على نورد ستريم 2 وأفغانستان جعلت السيد بوتين يبتسم بالتأكيد على نطاق واسع. وسيعمل بقوة في آسيا الوسطى لوقف أي إرهاب متجدد، لكن تركيزه على المدى الطويل يظلّ على جيران روسيا الأوروبيين.

يرى بوتين حالة من الفوضى في أوروبا، التي تخشى عودة الصراع المستشري، إلى حد كبير؛ لأنها تخشى تعثّر أمريكا، وحتى الانسحاب بشكل كبير من الشؤون العالمية. وعلى الرغم من أن الرئيسين ترامب وبايدن لا يشكّلان توجُّهاً دائماً، فالأول كان انحرافاً؛ أما هذا الأخير فهو مجرد ديمقراطي نموذجي. وقد أدّى فشل بايدن في تحذير حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي من خروجه من أفغانستان إلى زعزعة مستويات الثقة الضعيفة بالفعل. فالدعوات الحتميّة لدور سياسي – عسكري “أوروبي” أكبر ستلاقي مصير الجهود السابقة. ولا يمكن أبداً أن يكون الاتحاد الأوروبي لاعباً جيوستراتيجياً عالمياً لأنه عادة يقوم بنشر الخطابات أكثر مما يقوم بتقديم الموارد.

وهذا يسمح لحلف الناتو، الذي خفَّف عنه السيد بايدن، مرة أخرى ليشعر بالرضا عن الذات، بإهمال الحلفاء بشأن أفغانستان. بدلاً من إلقاء اللوم على واشنطن لكونها تدخُّليّة أكثر من اللازم وبعد ذلك لعدم تدخُّلها بما فيه الكفاية، يتعين على أوروبا أن تقرّر ما إذا كانت تقدّر مسألة الدفاع الجماعي عن النفس في حلف شمال الأطلسي وتأخذها على محمل الجد، أو أن الأمر سيكون لمجرّد الحصول على شرف المشاركة فيه. عندما تقوم ألمانيا وغيرها بمطابقة قدراتها الدفاعية مع اقتصاداتها، فإن آراءهم ستكون مهمّة. وأثناء الانتظار، يجب على الولايات المتحدة العمل مع التحالفات شِبه التابعة لحلف شمال الأطلسي، ومعظمها من وسط وشرق أوروبا، وتهديد الدول غير الأعضاء في الناتو وفي تكتلات تلك الدول، لمواجهة غرائز السيد بوتين الإمبريالية ويمكن تعديل وضع القوّة لدينا في أوروبا وفقاً لذلك.

في الشرق الأوسط، إيران هي المورِّد المفضَّل للنفط للصين وشريك روسيا في دعم بشار الأسد في سورية. بالنسبة لبكين وموسكو، تعتبر طهران بديلاً للقيام بأعمال زعزعة الاستقرار، وهي بمثابة إحباط لتوسيع نفوذهما في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما أظهرته مؤخراً اتفاقية التعاون العسكري بين روسيا والمملكة العربية السعودية. فالرياض تتحوّط ضد الرفض الأمريكي والتحالف المحتمل مع طهران على غرار ما جرى في عهد أوباما. ويخشى عرب الخليج أن انسحاب أمريكا من أفغانستان قد يُنذر بالشيء نفسه في العراق، أو حتى من القواعد الجوية والبحرية الأمريكية الرئيسية في بلدانهم. ومَن منّا لا يتحوَّط من ذلك؟

يجب ألا تنضم واشنطن مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. هذا الجزء سهل، على الرغم من أن إدارة بايدن ما زالت لا تفهمه. فكلمة السرّ تكمن في الاعتراف بأن أهداف إيران تتعارض بشكل أساسي مع أهداف أمريكا وإسرائيل ومعظم العالم العربي. إن تغيير حكومة طهران هو الوحيد الذي يحظى بفرصة تقليل التهديدات في جميع أنحاء المنطقة، وهو آخِر شيء تريده الصين وروسيا.

للأسف بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الانسحاب من أفغانستان كان قراراً لمرّة واحدة مع عواقب محدودة، فإن العالم أكثر تعقيداً بكثير. النتائج سلبية للغاية بالفعل، وتستثمر الصين وروسيا في جعلها أسوأ. الأمر يعود إلينا والقرار بيدنا.

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: عبد الحميد فحّام

مؤلّف كتاب (مذكّرات البيت الأبيض) شغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، وسفيراً لدى الأمم المتحدة

نداء بوست

—————————–

==================

تحديث 04 آب 2021

———————————-

واشنطن والأسد.. الإغراء بدل الضغط/ إياد الجعفري

في أثناء كتابة هذه السطور، من المتوقع أن تكون إجراءات استقبال الوفد اللبناني رفيع المستوى، على الحدود السورية – اللبنانية، تجري على قدم وساق، في تحولٍ يستدعي التوقف عنده ملياً. فهذه الزيارة إلى دمشق، تتعلق بما هو أبعد من صفقة غاز وكهرباء إقليمية تمرّ عبر سوريا. ذلك أنها تتم بضوء أخضر أميركي، يمثّل أكبر إجراء تنفيذي تقوم به واشنطن في عهد إدارة الرئيس جو بايدن حتى الآن، في سياق تغيير تكتيات سياستها تجاه نظام الأسد، وحليفه الروسي. تغيير قد يعني تحول واشنطن من تكتيك الضغط إلى تكتيك الإغراء بغية احتواء الروس ونظام الأسد ومزاحمة طهران في “هلالها الشيعي”.

إذ لا تمثّل صفقة الغاز والكهرباء الإقليمية، التي ستربط مجدداً، مصر بالأردن وسوريا ولبنان، مخالفةً مباشرةً لقانون “قيصر”، فقط. بل أبعد من ذلك، هي تمثّل مساهمة أميركية في إعادة إعمار سوريا، وإن بصورة طفيفة ومحدودة. فالأميركيون يفاوضون البنك الدولي الآن، بغية تمرير قرض يسمح بتمويل الصفقة، بما تتضمنها من إصلاح لخطوط الكهرباء وأنابيب الغاز المعطلة، التي تمر عبر الأراضي السورية. ووفق المعطيات المتوافرة حتى الآن تلقى نظام الأسد موافقة مبدئية على مطالبه بأن يحصل على حصّة من الغاز والكهرباء، التي ستعبر أراضيه إلى لبنان. وهكذا يستخدم الأميركيون تكتيك الإغراء للنظام السوري، لأول مرة منذ عشر سنوات.

يشكّل هذا التحول في التكتيك الأميركي تجاه نظام الأسد، عودة إلى سياسات الإغراء والقوة الناعمة التي استخدمتها واشنطن بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي، مطلع التسعينات حيال دول أوروبا الشرقية. وقد أفلحت تلك السياسات حينها في جذب تلك الدول لتدور في الفلك الأميركي. بطبيعة الحال تختلف موازين القوى الدولية الآن. فروسيا التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي مهلهلةً، تصبو للتفاهم مع الغرب بأي ثمن ليست هي روسيا اليوم. لكن ذلك سبب أدعى لدفع واشنطن للعودة إلى استراتيجية الإغراء والقوة الناعمة، التي اعتمدتها مطلع التسعينات.

الأكاديمي الأميركي البارز، جوزيف ناي الابن، صاحب مصطلح “القوة الناعمة” وأبرز منظريها في واشنطن كتب مؤخراً عن تصدع القوة الناعمة الأميركية بفعل أخطاء سياسة إدارة دونالد ترامب، التي اعتمدت استراتيجية الضغط العسكري والاقتصادي على الخصوم والحلفاء في آن، بصورة دفعت بعض أبرز شركاء واشنطن إلى النفور منها. الأمر الذي قوّض على نطاق واسع، قدرة واشنطن على التأثير في الكثير من الملفات الدولية بتكاليف منخفضة.

ومع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تطوي واشنطن صفحة الاستخدام المفرط للقوة الصلبة. وتجد نفسها في حاجة ملحة لإعادة ترميم قوتها الناعمة. وتواجه تحديّ الصعود الصيني، بوصفه أخطر التحديات النوعية، مقابل تراجع تحدّي الإرهاب ليصبح في تقييم معظم المنظّرين الأميركيين خطراً ثانوياً. وبهذا الصدد يحذّر جوزيف ناي الابن من ترك روسيا فريسة للتقارب مع الصين. داعياً إلى جذبها واحتوائها. وبقدر ما يحظى ناي بتأثير في صنّاع القرار الأميركي خاصة الديمقراطيون منهم، بقدر ما تتناغم دعواته تلك مع وجهة النظر السائدة لدى شريحة واسعة من الأكاديميين ومراكز الدراسات الأميركية، ذات الأثر البارز في صنع القرار بواشنطن.

جذب روسيا لا يستهدف الصين فقط وفق المنظور الأميركي، بل يستهدف إيران أيضاً. ويراهن على خشية موسكو من أن تتحرر طهران من الحاجة لغطائها الدولي، بصورة تسمح لها بأن تضرّ بالمصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها بالنسبة للروس سوريا. وتتعلق تلك الخشية بصورة كبيرة، بمشروع “الغاز الإسلامي” الإيراني، الذي يستهدف مد خطوط للغاز من طهران عبر العراق إلى سوريا. بصورة تجعل تمرير الغاز الإيراني إلى أوروبا، لو تحقق مشروع “الغاز الإسلامي”، مسألة وقت لا أكثر. وذلك كان أحد أبرز دوافع موسكو للتدخل عسكرياً في سوريا، بغية منع هذا المشروع، وأية مشاريع أخرى شبيهة به، من التحقق، كي تبقى أوروبا رهينة الغاز الروسي، كما هو الحال الآن.

وهكذا تبحث واشنطن عن تقاطع للمصالح يجمعها بموسكو. ومن ذلك تخفيف الضغط الاقتصادي عن نظام الأسد. يأتي ذلك قبيل جولة جديدة مرتقبة من الحوار الروسي – الأميركي بخصوص الملف السوري. في محاولة للبناء على تجربة “خطوة مقابل خطوة” التي اتبعتها واشنطن مع موسكو قبيل الاتفاق على تمديد قرار المساعدات الإنسانية “عبر الحدود” و”عبر الخطوط” إلى سوريا. والذي مهدت له واشنطن بعدم إصدار أي حزمة عقوبات جديدة ضد نظام الأسد، ضمن قانون “قيصر”، منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة. ورغم أن واشنطن فرضت عقوبات على سجون ومسؤولين أمنيين تابعين للنظام، في نهاية تموز/يوليو الفائت. إلا أنها عقوبات جاءت خارج سياق قانون “قيصر”. وتحمل بعداً سياسياً، أكثر منه اقتصادياً.

وبخلاف ما أُشيع عن أن صفقة الغاز المصري والكهرباء الأردنية، طُرحت أميركياً كردٍ على سعي حزب الله لاستيراد النفط من إيران، تشير مصادر متقاطعة إلى أن هذه الصفقة تُدرس أميركياً منذ عدة أشهر، مع الإشارة إلى أن لبنان يفاوض مصر على صفقة الغاز منذ سنة، وكانت العقبة الرئيسية، هي العقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر، التي تعرقل تمرير الغاز عبر سوريا. وهي العقبة التي أزالتها واشنطن أخيراً. وقد تكون سفن النفط الإيرانية التي لوّح بها أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، قد سرّعت التحرك الأميركي لدعم تنفيذ صفقة الغاز المصري والكهرباء الأردنية. فواشنطن تريد استباق رفع مرتقب للعقوبات الأميركية عن إيران، بموجب إعادة الإحياء المُنتظر للاتفاق النووي، الأمر الذي قد يعزز من قدرات إيران المالية على ترسيخ نفوذها الاقتصادي في البلدان المُدرجة ضمن “هلالها الشيعي”.

وهكذا يبدو الأميركيون، وكأنهم يريدون مزاحمة طهران في مناطق نفوذها، وجذب القوى المحلية الفاعلة في تلك المناطق، إلى جانبهم، عبر الإغراء، بدل الضغط. وتراهن واشنطن في ذلك، على شركائها الإقليميين في المنطقة، كالأردن ومصر ودول الخليج، بعد أن قررت أخيراً، الاستماع إلى نصائحهم، باعتماد استراتيجية الانفتاح على النظام السوري بدل الضغط عليه.

لا يعني ما سبق أن واشنطن بصدد تقديم تنازلات كبرى في موقفها من النظام. بل ستعتمد على استراتيجية “خطوة مقابل خطوة”، التي طُرحت على طاولة الرئيس بايدن، من جانب خبراء إدارته، منذ بداية العام الجاري. وذلك يعني أن علينا توقع خطوات جديدة من الانفتاح الأميركي التدريجي على النظام، وعلى مصالح حليفه الروسي في سوريا. الأمر الذي يتطلب من المعارضة السورية، ومؤسساتها الرسمية، أن تعدّ العدّة للتعامل مع واقع إقليمي جديد، وسياسة أميركية مختلفة.

تلفزيون سوريا

———————————–

حرب أميركا في أفغانستان انتهت لكنّ اكاذيبنا الكبيرة بشأنها ما زالت قائمة

كان من الغريب خلال الأسابيع الماضية مشاهدة كيف بذل تقريباً كل شخص مسؤول عن هذه الفوضى كل ما في وسعه لإلقاء اللوم على جهات أخرى، بدلاً من مواجهة الوهم الذي انغمسنا فيه لمدة 20 عاماً.

غادرت آخر طائرة أميركية أفغانستان قبل حلول منتصف الليل في كابول بعد مرور أكثر من عقد على إفساح منتجي الاخبار الكسالى المنابر الإعلامية لمن يدعون الخبرة بالاستمرار في الترويج لكيفية إحراز الحكومة الأفغانية تقدماً، وقيام قوات الأمن ببناء القدرات وتأمين البلاد.

الآن يتضح أن ما كنّا ندعوها بـ”أفغانستان”، كانت مجرد خرافة وأنها دولة خاضعة للولايات المتحدة، معتمدة على قواتنا العسكرية ومحكوم عليها بالفشل من دونها.

ونظراً إلى أن العرض حقق أعلى نسب المشاهدات مجدداً، ولو لفترة وجيزة وبصعوبة، تنتهي الحرب مع قيام نفس هؤلاء الخبراء الذين يظهرون باستمرار على المنابر الإعلامية بنشر الحماقات، بما أنهم الوحيدين الذين يعرف محررو برامج الأخبار الاتصال بهم. فقد حاولوا أن ينددوا بطريقة الانسحاب، لإخماد غضبهم وإخفاء إحراجهم لأنهم كانوا مخطئين لمدة طويلة بترويجهم لأنصاف الحقائق السافرة والأكاذيب الصريحة.

تمثل الهدف العام في إرهاق المواطنين الأميركيين، ودفع المشاهدين للاستسلام من الإنهاك، وحرمان الرئيس جو بايدن وكل من يؤيد الانسحاب أي نوع من الرضا من أجل مصلحة مطلقة للبلاد وما ينطوي على ذلك من آفاق السياسة الخارجية على المدى البعيد. وللقيام بذلك، اعتمدوا على جهل الأميركيين بأفغانستان وعدم اهتمامهم بتاريخ البلاد خلال وقت احتلالنا لها. فقد اقتصرت الحرب على شاشات التلفزيون الأميركي على قصة واحدة فقط من بين العديد مما كان عليه برنامج بوش، ثم برنامج أوباما، وبعد ذلك برنامج ترامب، وأخيراً الآن برنامج بايدن.

بيد أن هذه ليست مجرد قصة. إذ إن الأحداث التي يشهدها العالم الحقيقي والتفاصيل على قدر من الأهمية، ولكن المسألة تتعلق بالعثور على تلك التفاصيل المهمة حقاً. فمن الجيد إجراء عملية تقييم للوضع بعد وقوع الكارثة. وأعلم من تجربتي الشخصية أثناء خدمتي في بعثتين عسكريتين كضابط مشاة في أفغانستان، أن السؤال المطروح هو ما إذا كنا سنتعلم أشياء قد تساعد على منع حدوث كوارث في المستقبل أو تكرار الأكاذيب التي قادتنا إلى هذه الكارثة.

لنأخذ على سبيل المثال، قاعدة “باغرام”، التي كانت حتى وقت الانسحاب في الشهر الحالي، المقر الرئيسي لنشاط الولايات المتحدة في أفغانستان لعقدين من الزمان، والطريق البالغ 8 أميال المحيط بها. قد يستغرق هذا الطريق حوالي ساعة لإكماله على مهل. تمهل لبرهة وفكر فيما سيتطلبه الأمر فعلياً لحماية وتأمين نطاق بمساحة 8 أميال، فضلاً عن حدوث ذلك وسط جهود عملية الإخلاء ودون وجود داعي للسيطرة على المناطق المحيطة.

على النقيض من ذلك، تألفت قاعدة العمليات الأمامية (قاعدة بيرميل العسكرية الأفغانية، ولاحقاً قاعدة بوريس العسكرية) التي قضيت فيها معظم الوقت خلال فترة خدمتي أول مرة في أفغانستان، من مسار طوله 400 متر تتخلله الحُفر التي استخدمت لحرق النفايات والفضلات البشرية. يقع الطريق الترابي خارج بوابات قاعدة العمليات الأمامية، ولكن داخل الأسلاك. في حين مثلت مجموعات الكلاب البرية تهديدا جدياً، لذلك كان يمضي المارون أحياناً حاملين معهم مسدساً للدفاع عن النفس.

تطلبت قاعدة بوريس العسكرية أكثر قليلاً من مجرد فصيلة مشاة يعملون في مناوبات لتأمينها جيداً. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المواقع القتالية في الشمال والشرق التي  كان كل منها كبيراً بما يكفي لاستيعاب فصيلة، وكان لها دور هام في تأمين  قاعدة بوريس العسكرية، يمكننا القول بأن متطلبات تأمين القاعدة لن تزيد عن ثلاث فصائل. تمركزت مجموعة من ست فصائل هناك، إلى جانب فصيلة من جنود المدفعية، وكتيبة من الطهاة، ومتخصصين في الإتصالات، بالإضافة إلى فرقة مثقلة بالعمل من الميكانيكيين العسكريين. في حين قامت فصيلة من الجيش الوطني الأفغاني، والشرطة الوطنية الأفغانية، بتأمين قاعدة للجيش الوطني الأفغاني، تبعد عن قاعدتنا بقليل ولكن يفصلها عنا بوابة، ولذا يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار أيضاً.

من المهم تحديد هذه التفاصيل، لأن هذه الأشياء التي يتغاضى عنها الناس عند وصف ما أصبح واحداً من أشهر الانتقادات لانسحاب بايدن من أفغانستان: وهي أنه سمح للجيش “بالتخلي” عن قاعدة “باغرام”، أو أنه كان من الممكن أو قابل للتنفيذ بطريقة ما، القيام بعملية إخلاء مدروسة من قاعدة “باغرام” بدلاً من مطار حامد كرزاي الدولي. وهذا التصور خاطئ. إذ إن العدد اللازم من الأشخاص لتأمين قاعدة “باغرام” ومحيطها البالغ 8 أميال في عام 2021، سيتطلب إرسال قوات جديدة تماماً يبلغ عددها الآلاف. وعندما نأخذ بعين الاعتبار الأمور اللوجيستية المتعلقة بهذا الأمر، وعدد الجنود، ومشاة البحرية، والطيارين، يمكن أن يزداد العدد بالتأكيد عن العدد المتوفر لهذه المهمة بالفعل.

علاوة على أن ذلك سيتطلب الاستعانة بقوات الأمن الأفغانية لتأمين المحيط الخارجي. فقبل عدة أشهر، لم يكن من المتصور أنه من الممكن تنفيذ عملية أحادية الجانب. إذ إن مثل هذه الخيارات قد تؤثر في تحديد وحدات قوات الأمن الأفغانية المتاحة لتأمين مكان آخر. ويجب علينا أيضاً الأخذ في الاعتبار عند التفكير بما حدث أن قيام قوات الأمن الأفغانية بالتأمين كان سيتطلب على الأرجح الدعم من النظام اللوجستي في القاعدة الأميركية.

لقد أظهر انهيار أفغانستان أن البلد الذي تصورته عندما تم إرسالي إلى هنا كان أيضاً كذبة، فقط مجرد قصة أخرى. لقد كان من الغريب خلال الأسابيع المتتالية، مشاهدة كيف بذل تقريباً كل شخص مسؤول عن هذه الفوضى كل ما في وسعه لإلقاء اللوم على جهات أخرى، بدلاً من مواجهة الوهم الذي انغمسنا فيه لمدة 20 عاماً. لا شك أن بعض القادة كانوا قادرين على التفكير ملياً في خطورة الانهيار شبه الفوري في أفغانستان. فعلى سبيل المثال، لم يتهرب الأدميرال مايك مولن، من الحقيقة. ولكن لم يشارك كثيرون الرئيس الأسبق لهيئة أركان الجيش الأميركي نفس الشعور. فقد انغمس معظم الأشخاص الآخرون الذين قادوا الحرب وقاموا بالترويج لها، في التبرير والمواساة من خلال الافتراضات المنافية للواقع، بل وحتى الأكاذيب السافرة.

القول بأن الإخلاء كان من الممكن توقعه هو أحد الأكاذيب التي يلزم الاعتراف بها. أو بأنه كان من الممكن أن يتم على نحو أكثر تنظيماً، أما القول إنه كان من الممكن أن يتم بطريقة أكثر فاعلية إذا احتفظنا بقاعدة “باغرام”، فهو كذبة أخرى. تبدو قصص الواقع البديل هذه، أشبه بقراءة الروايات الخيالية التي تستكشف مجموعة من الاحتمالات على مر التاريخ العالمي. ماذا لو انتصر هتلر في معركة دنكيرك؟ ماذا لو انتصر نابليون في معركة واترلو؟ ما الذي يهم؟ فهم لم ينتصروا.

تنبع كذبة قاعدة “باغرام” من الرغبة الإنسانية في إيجاد تفسير لتلك المأساة. فقد كانت عملية الإخلاء كارثية، وكان يتعين التعامل معها بطريقة مختلفة. ومن هذا المنطلق، من المعقول أن نقول إنه كان ينبغي لنا أن نديرها في قاعدة “باغرام”، كما ينبغي أن نقول إن الرئيس كان عليه أن ينتدب المزيد من الأشخاص الإضافيين إلى وزارة الخارجية لقراءة ومراجعة وثائق تأشيرات الهجرة الخاصة.

بيد أن ذلك هو مكمن الخلل في الافتراضات المنافية للواقع: فلو كنا نعلم أن الانسحاب سيكون كارثياً على هذا النحو، لما انسحبنا على الأرجح، وليس في ظل هذه الظروف بكل تأكيد.

وبالرغم من أن جميع الاعتراضات المتأخرة التي تفيد بعكس ذلك، لم يكن معروفاً أن الانسحاب سيعجل بانهيار أفغانستان. فقد كان من المعروف أن الحكومة الأفغانية ضعيفة، وأنه سيكون من الصعب عليها البقاء دون مساعدة أميركية. في حين توقع المتشائمون أن تسقط الحكومة بعد نحو عام من القتال. بينما أعرب المتفائلون مثلي أن الحكومة لديها فرصة للصمود والتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة.

ولو كانت الحقيقة معروفة على نطاق واسع -أنه بعد مضي 20 عاماً، صارت الدولة التي نُطلق عليها أفغانستان تعتمد اعتماداً كلياً وأساسياً على القوات الأميركية، ولا تستطيع  الصمود لمدة شهر واحد بدونها- لكان ذلك دافعاً إلى وقفة جادة لمحاسبة النفس وبعض الدعوات المعقولة للمساءلة. ولكان من المفترض أن تثور وسائل الإعلام غضباً. ودعونا لا ننسى، أنه حتى وقت قريب للغاية، التزمت وسائل الإعلام الصمت تقريباً حول هذا الموضوع. وانصب تركيز الكُتاب والباحثين والمحققين على توضيح تفاصيل الفساد الحكومي الأفغاني، واستعراض السبل التي تُنتهك من خلالها حقوق المرأة. وبعبارة أخرى، فقد كانت الفرضية التي انتشرت في وسائل الإعلام الشهيرة (عندما غطت الأحداث التي تحدث في أفغانستان في مجملها، الأمر الذي نادراً ما فعلته شبكات الأخبار)، وفي دوائر الأمن القومي، هي أن أفغانستان دولة نامية، بالكاد يُمكنها أن تتماسك، وهي دولة أوصالها بالية متصلة معاً بشكل عشوائي، تتنفس الصعداء، وتشهد تحسناً بطيئاً.

بيد أنها لم تكن كذلك. إذ إن الطريقة التي كنا ننظر بها إلى  أفغانستان كانت مغايرة للواقع تماماً.

تتجلى أبرز الأمثلة على ذلك في الكيفية التي خدع بها الأفغان المتمرسين والمفكرون الخبراء أنفسهم لكي يروا شيئاً لم يكن موجوداً من الأساس، عندما اجتاحهم غضب عارم بسبب قوائم المهاجرين الأفغان (وليس اللاجئين من الناحية الفنية) التي أُعطيت لطالبان لتسهيل التنقل عبر الطوق الأمني في طريقهم إلى المطار. فقد قارن البعض ذلك بالقوائم التي استخدمها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية لتحديد هوية الأشخاص من أصول يهودية. وهذا يُعد سوء فهم عميق وأساسي للثقافة الأفغانية، والسبب الذي دفع هؤلاء الأفغان إلى محاولة الهجرة في المقام الأول.

يعتمد الألمان، مثلنا، على القوائم، والأسماء الموجودة في جداول البيانات التي توضح من قد يستطيع تلبية نداء الوطن، إذا استُدعى إلى الخدمة العسكرية، ومن الذي يتعين عليه تسديد أموال ضريبية ولأي جهة، ومن هو الشخص الذي يرتبط اسمه بلوحة السيارة التي شوهدت وهي تمر عبر جسر ويتستون في ليلة الجمعة بدون بطاقة تحصيل رسوم العبور، وعليه أن يدفع الآن عشرة دولارات. إذ يتألف المجتمع في أفغانستان من مجموعة من الأصدقاء، وأبناء العم وأبناء الإخوة والأخوات، وتماماً مثلما تعلم الدولة عندما يتهرب أحد الأشخاص من دفع الأموال التي يدين بها إلى الدولة، ففي أفغانستان، إذا خرج أحد الأشخاص ليلاً ليتمشى بمفرده، أو مع امرأة لا تجمعه بها صلة قرابة، فمن المؤكد أن هذا الأمر سينتشر بسرعة وسيعلمه الجميع.

من ناحية، ثمة أشخاص يعملون لصالح الحكومة أو قوات الأمن الوطنية الأفغانية لديهم أقارب أو معارف يعملون لصالح طالبان؛ وفي المقابل، ثمة أشخاص يعملون لصالح طالبان لديهم أقارب أو معارف يعملون لصالح الحكومة أو قوات الأمن الوطنية الأفغانية. ولذا ليس هناك حاجة إلى القوائم. وليست هذه هي الطريقة التي تُسجل من خلالها المعلومات الهامة أو تُحفظ. إذ إن النظام في أفغانستان مختلف تمام الاختلاف. وطالبان ليسوا مثل النازيين، على الرغم من أنه يمكن أن يغفر للشخص الذي أتى بذلك الاستنتاج بعد قراءة رواية “عداء الطائرة الورقية” أو الجزء الثاني منها.

كل من يغادر أفغانستان ويترك ورائه أجيالاً من الحياة والذكريات يفعل ذلك، لأنهم معروفون بالفعل لدى طالبان. يُمكن أن تكون أسماؤهم على إحدى القوائم، أو مئات القوائم، أو لا تكون مذكورة في أي قوائم على الإطلاق، ولن يُحدث ذلك أي فرق. بيد أن ذلك من الممكن أن يُحدث فرقاً بالنسبة لنا، ولكن باستثناء الخيارات الشكلية الأخيرة، إذ لا يجمع بين نظام طالبان ونظامنا الكثير من الأمور المشتركة.

إليكم بعض الأكاذيب الأخرى التي شاهدتها.

1) الانسحاب أدى إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة مع حلفائها. لا، لم يفعل. إذ لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بنفس القدر من المصداقية مع حلفائها مثلما كان قبل أن تنسحب من أفغانستان. بيد أن الانسحاب ربما قد أضر بسمعة بعض الأفراد الذين لم يتوقعوا من الرئيس بايدن أن ينفذ هذا القرار، ولكن هذا أمر آخر مختلف.

2)الخسائر في الأرواح بين صفوف المدنيين الناجمة عن العمليات العسكرية للولايات المتحدة كانت مُكافأة للإرهابيين الذين قتلوا أو اعتقلوا نتيجة لهذه العمليات. لا، الغاية لا تبرر الوسيلة.

3) كان من الممكن القيام بنوع من السرد أو الدعاية أو الإجراءات بطريقة مختلفة لمواجهة دعاية طالبان. افتراض منافي للواقع، وغير مجدي، مجرد هراء عديم الفائدة.

بيد أن أسوأ كذبة من وجهة نظري -وهي الكذبة التي توضح أن مؤيديها يعيشون حقاً في عالم خيالي، وليس عالم مبني بإتقان- هي أن الوضع الراهن كان مستقراً. ولم يكن هناك داعي لحدوث كل ذلك، وأن الولايات المتحدة  كان بوسعها أن تحافظ على موطئ قدم ولو صغير في أفغانستان لسنوات أو عقود، أو “إلى أجل غير مسمى”.

هذه كذبة يستخدمها الناس العاديون كل يوم لدرء خوفهم من الموت، ويمكن فهمها على هذا المستوى. ولكن عندما يستخدم السفراء السابقون على المنابر الإعلامية الرئيسية، والمفكرين البارزين في المؤسسات البحثية، وخبراء الأمن القومي على منصات التواصل الاجتماعي، أسطورة التواجد الدائم في أفغانستان، ليجادلوا بأن الوضع الراهن الأفغاني الذي فرضه العنف الأميركي كان قابلاً للاستمرار حتى على المدى القريب؛ مع وجود طالبان التي من الواضح أنها أكثر قدرة وثقة بكثير مما تصورنا، وحكومة لم يكن لها تأثير على أرض الواقع، يجعل المرء يستشيط غضباً.

تعتمد كذبة “الوضع الراهن” على عدم اهتمام القراء بالشأن في أفغانستان. وقد يبدو منطقياً إذا كان أول مرة يطلع فيها الشخص على الوضع في أفغانستان من خلال التغطية الإعلامية لانسحاب الولايات المتحدة. فقد ضمت هذه التغطية حشودا من المترجمين الفوريين السابقين والأجانب الذين تقطعت بهم السبل ويخشون طالبان، ويفترض أنهم أيدوا الوضع الراهن من قبل. بيد أن ما لا تعرضه هذه التغطية هو التقدم المستمر لطالبان في المناطق الريفية في أفغانستان، والشهور والسنوات التي شهدت سحق القدرات العسكرية والإدارية الأفغانية حتى في ظل الوجود الأميركي. ولا يستطيع أنصار الوضع الراهن لأي سبب من الأسباب أن يواجهوا حقيقة أن أفغانستان التي يصفونها لم تكن موجودة منذ سنوات، بل وربما لم تكن موجودة على الإطلاق.

تُعبر هذه الأوهام كلها عن رغبة صريحة أو لاشعورية في عدم رؤية الواقع على حقيقته. وثمة نوع آخر من الأكاذيب، كان الغرض منها الاحتيال أو الخداع، استخدمته إدارة بايدن باستمرار. فمن خلال البيانات التي تتناقض مع الحقائق الواردة في التقارير أو تقديم تقييمات وردية، تمكنت الإدارة من خداع المراسلين والقراء المطلعين حول الوضع على أرض الواقع، مما أدى إلى زعزعة الثقة، وتسببت في فرض سوء النية دون هدف واضح.

لقد كان من المحرج مشاهدة الإدارة تحاول التنصل من المسؤولية مثلما فعل بايدن عندما اتهم قوات الأمن الوطنية الأفغانية بالجُبن.  ثمة الكثير من اللوم الذي يجب أن يوجه فيما يتعلق بإخلاء الحلفاء الأفغان. وإذا أراد بايدن أن يستحق التقدير من أجل الانسحاب -وهو أمر طيب- يتعين عليه أن يعترف بمسؤولية إدارته عن الطريقة التي حدثت من خلالها عمليات الإخلاء المتتالية، بما في ذلك المشاهد الفوضوية التي رأينها على مدى الأسبوعين الماضيين.

لقد كان الانسحاب الأميركي كارثياً بالنسبة لمئات الآلاف من الحلفاء الأميركيين الذين وجدوا أنفسهم على نحو غير متوقع في بلد آخر في وقت سابق من هذا الشهر. لقد كنا نعتقد أن الحكومة الأفغانية  مجهزة وممولة على نحو ملائم لتخوض حربا من أجل تقرير المصير ضد طالبان. ولم نكن نتوقع أنه ليس هناك حكومة، وأنه لن تكون هناك حرب. ولم نكن نتصور أننا خدعنا أنفسنا لرؤية مخرج بينما ليس هناك مخرج، وأن هناك وطن بينما في الحقيقة ليس هناك شيء.

ثمة أمر وحيد يبعث على الراحة بين كل هذه المآسي. فقد عملت حشود من المحاربين القدامى، والعسكريين الذين لا يزالوا في الخدمة، والدبلوماسيين، بلا هوادة للترحيب بهؤلاء المهاجرين الأفغان غير المتوقعين إلى الولايات المتحدة. لقد أصبح من الشائع أن يوجه النقد إلى البلاد باعتبارها دولة متعصبة للبيض، أو منعزلة، أو معادية للأشخاص من خلفيات مختلفة. لذا عند رؤية تلك الجهود الشعبية الكبيرة لاحتضان الأفغان في الولايات المتحدة وتمهيد الطريق أمامهم للنجاح، من الجميل أن ندرك أن هذه الانتقادات هي في حد ذاتها نوع من الأكاذيب، وأنها ليست سوى نوبة عصبية من  العداء للولايات المتحدة، لا تصمد عند إمعان النظر فيها. ففي نهاية المطاف، لا تزال أميركا ملاذاً لأولئك الفارين من الاستبداد. وهذه هي الحقيقة.

أدريان بونينبيرجر

هذا المقال مترجم عن thedailybeast.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا  الرابط التالي.

https://www.thedailybeast.com/americas-war-in-afghanistan-is-over-but-our-big-lies-about-it-live-on?ref=scroll

درج

————————————

قسد” وحسابات ما بعد أفغانستان/ بشير البكر

تبدو قيادة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) منشغلة كثيرا بالانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان، التي بقيت على مدى عشرين عاما بؤرة الاهتمام العسكري الأميركي، وكلفت الولايات المتحدة بشريا وماديا على نحو باهظ. ووصل القلق الذي يستبد بالحليف الكردي في الحرب ضد داعش إلى أروقة الإدارة الأميركية منذ عدة أشهر، وبدأ ينمو تدريجيا بعد أن اتفقت الولايات المتحدة مع الحكومة العراقية على أجندة زمنية لسحب قواتها المقاتلة، تبدأ في نهاية هذا العام.

وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في مطلع هذا الأسبوع الحالي، عن أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سعت في الأشهر الأخيرة، إلى طمأنة قائد “قسد” مظلوم عبدي وقادة آخرين، فأرسلت قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي، ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، إلى المنطقة للتحدث معهم. ونقل مسؤولون أميركيون وآخرون من “قسد” عن الإدارة الأميركية قولها إن الشراكة مع “قوات سوريا الديمقراطية” لا تزال قوية، وإن الجنود الأميركيين لن يغادروا. ولكن ذلك لا يقدم طمأنينة كاملة للطرف الكردي، وعليه نقلت الصحيفة عن عبدي قوله إنه يتوقع استقراراً نسبياً في شمال شرقي سوريا “إذا وفت الولايات المتحدة بتعهداتها”، مضيفاً “نشعر الآن أن لدينا دعماً سياسياً وعسكرياً أقوى، أكثر مما كان لدينا من الإدارة السابقة”.

ومن المرجح حتى الآن أن الولايات المتحدة لن تغير خططها في شمال شرقي سوريا، إلا أن هذه الخطط تبقى مرتبطة بالحرب على داعش، ولا صلة لها بأي حل سياسي ممكن في سوريا. ولأن الأمر بات مقلقا جدد جوي هود في مقابلة مع قناة الحرة يوم الخميس الماضي التطمينات الأميركية، وقال “أريد أن أقول بشكل لا لبس فيه إن أفغانستان ليست العراق ولا سوريا، بينما مهمتنا في أفغانستان اكتملت”. وأضاف “مصالحنا في العراق ستستمر مع الوقت، وهذا لا يشمل الأمن فقط إنما أيضاً مساعدة قوات الأمن العراقية وقوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش بشكل نهائي وهذا سيأخذ وقتاً”.

ومن الواضح هنا أنه باستثناء تفاهمات الحرب على داعش ليس هناك أي ضمانة لـ “قسد” في ما يتعلق بالمستقبل، الذي يبقى مرهونا بصيغة الحل الشامل في سوريا. والنقطة الأساسية التي لا تزال إشكالية بالنسبة للتنظيم هي موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الوضع في سوريا، ذلك أن إدارة الرئيس بايدن لم تعلن عن سياسة رسمية نهائية حتى الآن، وهناك تصريحات تؤكد على أن واشنطن “لا تسعى لتغيير الأسد” على حد تعبير هود، وهذا ما يضع “قسد” في دوامة القلق حول مصيرها، ولهذا فإن قيادتها تحركت في أكثر من مناسبة من أجل التفاهم مع النظام السوري برعاية روسية، كما حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عندما سحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قسما من قواتها التي كانت ترابط في المنطقة، وكانت نتيجة ذلك قيام تركيا وحلفائها من فصائل المعارضة السورية بالتقدم والسيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين، من دون أي رد فعل من جانب روسيا التي تنتشر قواتها في تلك المناطق. وفي الوقت الذي تقرر أميركا مغادرة المنطقة، فإن الطريق الوحيد أمام “قسد” هو الذي يؤدي إلى النظام، وبشروطه.

وتطمح “قسد” إلى بناء علاقة مع النظام على أمل أن تكسب سياسياً، من خلال التفاهم على حل في المنطقة التي تسيطر عليها، وعرضت أكثر من مرة، على النظام صفقة تقوم على تسليم المنطقة، مقابل تخفيف القبضة المركزية والاعتراف بالخصوصية الكردية. ومن المعروف أن النظام كان يمكن أن يقدّم هذا التنازل إلى “قسد” قبل عملية “نبع السلام”، ولكنه غيّر قواعد اللعبة بعد أن أدرك هشاشة “قسد” من دون مظلة أميركية.

تلفزيون سوريا

————————————

ما بين أفغانستان وسورية/ رضوان زيادة

كثرت التكهنات بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أن الجهة المقبلة للانسحاب سوف تكون سورية. وكثرت المقارنات بين الحالتين، ولا سيما أن الرئيس السابق، ترامب، كان قد اتخذ قرار الانسحاب من كل من أفغانستان عبر التوقيع على اتفاقية مع حركة طالبان تنص على الانسحاب الأميركي الكامل مع بداية شهر مايو/ أيار الماضي، لكن بايدن عدّل الاتفاق حتى ضمان الانسحاب الكامل حتى نهاية الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، وهو ما التزمت به الولايات المتحدة بشكل كامل، أقول التزمت لأن القناعة كانت مشتركة بين الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، بضرورة الانسحاب من أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. ولكن الوضع في سورية مختلف كليا، حيث لا اتفاقية بين أميركا وبشار الأسد، كما أن القوة الأميركية في سورية ليست تحت تهديد يومي كما كان الوضع في أفغانستان. لذلك يُستبعد تماما أن تنسحب هذه القوة بشكل كامل من سورية تحت إدارة الرئيس بايدن قريبا، فهو شيء يريد التمايز فيه عن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي فاجأ وزارة الدفاع حينها، وحتى وزارة الخارجية، عبر الإعلان، في مهرجان خطابي قبل ثلاث سنوات، عن نيته سحب ألفي جندي أميركي، والذين يقدمون الدعم لما تسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

حينها، تعرّضت هذه الخطوة الأميركية إلى انتقاد عنيف من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، وتراجع حينها ترامب، وغيّر خططه من أجل الإبقاء على القوات هناك، للسيطرة على النفط، ومنع “داعش” من الحصول على عائدات النفط. ولذلك لا يزال حوالي 900 جندي أميركي متمركزين في منطقة واسعة من شمال شرق سورية تقع خارج سيطرة حكومة الأسد. وقد أكد وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، أكثر من مرة على بقاء القوات الأميركية هناك، وربطها بالانتقال السياسي في سورية. وقد زار أكثر من مسؤول أميركي من إدارة بايدن المنطقة، منهم أخيرا الجنرال كينيث ماكنزي، الذي يرأس القيادة المركزية الأميركية، والقائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود ، وأكدوا أكثر من مرة أن القوة الأميركية لن تغادر في أي وقت قريب.

تدرك الولايات المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يشكل أيضًا تهديدًا، خصوصا في منطقة ريف حمص والبادية السورية، حيث قام تنظيم داعش بهجمات على قوات النظام السوري. وفي الوقت نفسه، ما زالت قوات سورية الديمقراطية تشرف على مخيم الهول الذي يحتفظ بأسرى مقاتلي تنظيم الدولة الأجانب وعائلاتهم، فضلا عن احتفاظها بأكثر من 11 ألف مقاتل من مقاتلي التنظيم في السجن الذي تشرف عليه هذه القوات. وتعرف الولايات المتحدة جيدا أنه بانسحاب قواتها ستتبخّر “قسد” كليا، وهذه لا تحتفظ بأي دعم شعبي في سورية.

لذلك يمكن القول إن المقارنة بين أفغانستان وسورية تبدو مشروعة، إلا أن حجم الاختلافات تقود إلى أن الإدارة الأميركية لن تتخذ قرارا بالانسحاب قريبأ. ولعل أفضل ما يدعم هذا الرأي الفشل الكبير الذي أعقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حيث سيطرت “طالبان” على السلطة هناك خلال 11 يوما فقط. وبالتالي، لا يستطيع بايدن تحمّل فشل آخر لانسحاب القوات الأميركية من سورية، حيث سينتهي وجود ما يسمى قوات سورية الديمقراطية بمجرّد انسحاب القوات الأميركية.

التحدّي الرئيسي الذي ينتظر الرئيس بايدن هو غياب سورية تماما من استراتيجيته الخارجية. لم يذكر سورية مطلقا في أي من مؤتمراته الصحافية أو خطاباته. ولعل البيان الوحيد الذي صدر من البيت الأبيض بعد صدور قرار مجلس الأمن 2585 الذي ينص على السماح باستمرار المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، وتمكّنت الولايات المتحدة من منع روسيا من استخدام الفيتو، وصدر القرار بإجماع أعضاء مجلس الأمن. ولذلك لا تشكل سورية أي أولوية بالنسبة لبايدن، ولا يجد حاجة لمزيد من الاستثمار السياسي أو الدبلوماسي فيها، بل بالعكس ربما ما زال يحمل قناعة أوباما في سنواته الأخيرة أن كثيرا من صداع الرأس يأتي من سورية. ولذلك من الأفضل الابتعاد عن ذلك المستنقع الآسن، كما سماه أوباما مرّة.

العربي الجديد

—————————–

هل تغادر أميركا الشرق الأوسط؟/ فاطمة ياسين

تخرج القوات الأميركية من أفغانستان بشكل كامل. ولتخفيف الأثر النفسي للانسحاب، تم تقريب موعده النهائي من 11 سبتمبر/ أيلول، التاريخ المكرّس في المزاج الأميركي، إلى نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي.

يظهر بعد الجلاء “السريع” أن أميركا لم تنجز ما أرادته من عملية الغزو، حين ظنّ جورج بوش الابن أنه، ومن خلال حشد قوات المارينز في بلدين من الشرق الأوسط، سيكون قادرا على إعادة صياغة المنطقة على أساس أيديولوجي وسياسي واجتماعي جديد. ويبدو أنه لم يقرأ جيدا درس التدخل السوفييتي في أفغانستان الذي أفرز راديكالية إسلامية متشدّدة، عجز العالم عن لجمها أو التعديل من مزاجها المتطرّف، وصولا إلى لحظة “11 سبتمبر” عام 2001… عشرون عاما من دخول أفغانستان لم تكن كافية، ولعلها، كما يدرك جو بايدن، لم تكن ضرورية. وما زال جورج بوش حيا ليشهد خروج القوات المتعجل من دون أن تنجز مهمتها، والاتفاق الذي تم مع حركة طالبان غير كاف للتغطية على عمل كبير من هذا النوع، فتركت فجوة سياسية واسعة لا يمكن التنبؤ بمدى تطورها واتجاهه مستقبلا.

قبل بدايته، بدا أن الهجوم الأميركي على أفغانستان، ومن ثم على العراق، رد فعل متسرّع، تكاليفه أكبر من مردوده السياسي. وهذا ما صار مؤكّدا عمليا، بعد سنوات تحول فيها الوجود الأميركي في البلدين إلى عمليةٍ ذات تكلفة باهظة، تلفت أنظار أعضاء الكونغرس الذين يتصيّدون المواقف التمويلية للأحزاب المنافسة. وقد تناوب على البيت الأبيض ديمقراطيون وجمهوريون، بينما القوات الأميركية مرابضة في الخارج، تنتظر مزيدا من التمويل. كان العالم، خلال تلك السنوات، يشاهد استمرار “طالبان” جماعات لديها حد أدنى من التنظيم لشن الهجمات، وموجودة في الثقافة الأفغانية القبلية، مع تغاضٍ لا بأس به عنها في المدن القريبة من التحضّر، وفشل استخدام القوة العسكرية والاقتصار على تدريب الشرطة والجيش وتكديس الأسلحة، في تغيير المعادلة، فشاهدنا أميركا أخيرا تغادر، وتكتفي باتفاقٍ قد لا تجد “طالبان” صعوبة في تجاوزه، مخلفةً آلاف المخذولين وخائبي الرجاء الذين عليهم المواجهة.

من جهة أخرى، قد يجد الرئيس بايدن، الملتفت إلى الوضع الداخلي، مع اهتمامات خارجية تكاد تقتصر على بضع شؤون بيئية عالمية، مع نظرة نحو الصين، على الرغم من ذلك، أن من الصعب مغادرة الشرق الأوسط بشكل كامل كما يحلم، ففي هذه المنطقة ثروة نفطية، ما زال العالم كله متعطشا لها. وعلى الرغم من انخفاض الاعتماد الأميركي عليها، إلا أن تقلبات التجارة الدولية ما زالت مرتبطةً بحالة المنطقة السياسية، وعلى أميركا متابعة الوجود المادي والعسكري في المنطقة، لوضع يدها ضمن الأيادي الممدودة للتحكّم بهذه الرقعة، بالإضافة إلى وجود إيران، وهي صداع مزمن، ترغب أميركا على الأقل بكبحه. والواقع لم تكن اتفاقية أوباما مع إيران كافية، وعلى الرئيس الحالي إنجاز اتفاق معدّل، تكون الصواريخ بعيدة المدى جزءا منه، وقد يساعد الوجود الأميركي في العراق وسورية على إنجاز اتفاقٍ يقبله متشدّدو الكونغرس الأميركي وإسرائيل. لذلك، يبدو خروجها القريب مستبعدا، ولا يمكن التفكير فيه بشكل جدّي، إلا بعد التوقيع على اتفاق جديد ووضعه موضع التنفيذ. أما خروج أميركا من أفغانستان فلا يزيل المنطقة من قائمة الاهتمام الأميركي، ولكنه يعيد جدولتها فقط، فالقوات الأميركية ما زالت موجودة بحجم معقول على تخوم المنطقة. وما زالت أفغانستان ضمن المدى المجدي لأسلحتها، والأهم أنها ما زالت ضمن المدى المجدي لسياستها، فلدى أميركا صلات قوية مع دول قريبة، وذات علاقات وثيقة مع “طالبان”، يمكن أن تلعب دورا في التقليل من راديكاليتها. وهذا يوفر على خزينة أميركا ويعيد مقاتليها، وهي القضية التي طالما شكلت عبئا سياسيا، ها هو بايدن يزيحه عن كاهله، ويقدّم صورة أفضل لناخبيه.

العربي الجديد

——————————

جهاديو” اليوم ليسوا أعداء أميركا/ مهند الحاج علي

سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان بالكامل، أعادت مشاهد من دخولهم كابول في تسعينات القرن الماضي، واحتضانها تنظيم “القاعدة” حينها، والذي ركز حينها على شن عمليات ضد الولايات المتحدة، وصولاً الى اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001. لكن المقارنة هنا بفارق أكثر من 20 عاماً، ليست في محلها لأسباب عديدة.

أولاً، الولايات المتحدة تنسحب، ليس من أفغانستان فحسب، بل من العراق وربما سوريا لاحقاً. حتى قواعدها العسكرية في الخليج ينخفض عددها بشكل متواصل.

في تسعينات القرن الماضي، خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد العراق لتحرير الكويت، وواصلت دعمها إسرائيل لقمع انتفاضتين فلسطينيين. مع انتشار شبكات التلفزة العابرة للحدود في العالمين العربي والإسلامي حينها، راكم سكان المنطقة وعياً معادياً للولايات المتحدة، بصفتها دولة تحتل مدناً إسلامية مقدسة، وتُبقي أنظمة فاسدة على قيد الحياة، وتدعم الاحتلال الإسرائيلي بشكل مطلق.

عام 2021 مختلف كثيراً. المزاج الإسلامي لم يعد معادياً للولايات المتحدة بالقدر ذاته. الولايات المتحدة تترك المنطقة، ولم تعد ترى فيها مصالح استراتيجية نتيجة تبدل حساباتها المرتبطة بالطاقة، نتيجة مزيج من الاعتماد المتزايد على الوسائل البديلة، أو تنمية القدرة على انتاج النفط محلياً دون الحاجة للخارج. وواشنطن انسحبت أيضاً من أفغانستان، وسلمت بهزيمتها أمام حركة “طالبان”، في ظل تفاهم مع الأخيرة حيال استضافة تنظيم “القاعدة” وأي حركة أو نشاط معادٍ للمصالح الأميركية.

إذن، أين المزاج الجهادي اليوم؟ بغض النظر عن تفاهم ايران مع حركة “طالبان”، الهمّ الإسلامي أو “الجهادي” الأول هو التمادي الإيراني في المنطقة، وإعادة “التوازن” للعلاقة بين الغالبية السنية والأقلية الشيعية. ذاك أن حرب العراق التي حرّضت على الولايات المتحدة، كونها المعتدي والمرتكب، تحولت إلى مركز للتحريض على الوجود الإيراني والميليشيات الموالية لها. وكذلك الحرب السورية أنتجت مواداً كثيرة للإسلاميين للتحريض ضد إيران ونفوذها “المتمادي” في المنطقة، في مقابل القليل عن التدخل الأميركي المحدود هناك. غالباً، بات في الفضاء الإسلامي عقد كامل من الزمن مملوء بالأحداث والمظلوميات في مواجهة القوى الشيعية بقيادة ايران.

هل احتك اسلاميو الشمال السوري مع روسيا أكثر أم مع ضربات جوية محدودة للولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية؟ طبعاً، هذا الكلام لا يعني أن العداء مع الولايات المتحدة تلاشى، لكن باتت هناك أولويات أخرى أيضاً، تتمثل بإيران وروسيا وأيضاً الصين. بيد أن المقاتلين التركستان (الأويغور) المنخرطين في الحزب الإسلامي التركستاني، خاضوا حرباً طويلة لسنوات في سوريا، لمصلحة الإسلاميين المشرقيين والعرب، على مبدأ “تُسددون لاحقاً”. واليوم، بعد عودة “طالبان”، يتوقع جهاديو “التركستاني” انخراطاً ما في المعركة بمواجهة الصين وحلفائها، في حين سيعود شيشان سوريا، أملاً بالقتال ضد الروس عبر الحدود.

لا يعني ذلك حتماً أن “طالبان” ستتبنى كل هذا المجهود الحربي، مع أكلافه الباهظة. هذا ليس أمراً محسوماً. إلا أن سيطرة الحركة اليوم، ليست مماثلة لما شهدناه سابقاً، لجهة تداعياتها على أمن أوروبا والولايات المتحدة. بل الأرجح أن عالم الجهاديين اليوم سيُواكب أكثر التغيرات في توازنات المنطقة حيث الدور الخارجي بات مشتركاً بين روسيا وتركيا وايران والصين.

من هذا المنطلق أيضاً بإمكاننا رؤية ارتياح الولايات المتحدة لقرار الانسحاب من أفغانستان، وأيضاً للاتفاق مع “طالبان”، أبعد من مجرد إيمان بالتزام الحركة ببنوده، إما لخشيتها من العواقب أو لحسابات إدارة الدولة. وهذا لا يعني شيئاً. تعي واشنطن بأنها لم تعد منذ العام 2009، لاعباً وحيداً في صلب أحداث المنطقة، يُلام على كل أخطائها. الحروب المتواصلة وخيبات الثورات العربية ونزاعاتها، أنتجت عالماً جديداً من المظالم والحسابات السياسية، بإمكان الولايات المتحدة إدارة “حصتها” فيه عن بعد، بالطائرات من دون طيار أو بالتعاون مع الحلفاء. لكن الوقت حان أيضاً بهذه الحسابات لدور صيني أكبر وأكثر جرأة واحتمالاً للأخطاء، ولهذا حديث وحسابات أخرى بالتأكيد.

المدن

———————————–

هل يحدُث الانسحاب الأميركي من سورية قريباً؟/ سميرة المسالمة

اتسم الموقف الأميركي من الثورة السوريّة غالباً بعدم الوضوح، والافتقاد إلى الحسم، وترك الصراع الجاري في سورية للقوى الأخرى، روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية، إما تعبيراً عن اللامبالاة، لأن سورية لم تكن يوماً في دائرة النفوذ الأميركي المباشر، أو بغرض توريط تلك الأطراف الدولية والإقليمية في هذا البلد، ما أطال أمد الصراع، وزاده تعقيداً، الأمر الذي دفع السوريون، وما زالوا، ثمنه باهظاً.

الراجح أن تلك الاستراتيجية خدمت إسرائيل التي استثمرت الأوضاع الحاصلة في العراق وفي سورية، وكذلك صعود النفوذ الإيرانيّ في المنطقة، بحيث أضحت الدولة الأكثر استقراراً وأماناً في الشرق الأوسط، وأيضاً باعتبارها، من وجهة نظر أطرافٍ عديدة، رسمية وشعبية، ليست هي الخطر في المشرق العربي، وإنما إيران في الدرجة الأولى.

على أية حال، تمثلت أيضاً هذه الاستراتيجية التي كان البيت الأبيض قد اعتمدها في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، بالحفاظ على ديمومة الصراع في واقعٍ لا غالب فيه ولا مغلوب، لا من جهة المعارضة ولا من جهة النظام، وبقيت معتمدةً في عهد دونالد ترامب. والظاهر أنها لن تكون معتمدة، على الأرجح، بكامل استراتيجيتها، في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، لأنها استنفدت بعد تحقيق أغراضها، في استنزاف الأطراف الأخرى، إلا أن التغير الحاصل في السياسة الأميركية يقتصر، حتى الآن، على الرغبة بالعودة إلى الاتفاق النووي عبر مباحثات فيينا المتعثرة، وعلى تصعيد اللهجة ضد إيران، وعدّها مصدر القلاقل في سورية ولبنان.

وبشأن ما يتعلّق بوجود الولايات المتحدة في سورية، تتناقض التصريحات الأميركية المعلنة أخيراً مع ما كان مسؤولون أميركيون عديدون قد أكدوه سابقاً، ومفاده بأن القوات الأميركية باقية في سورية حتى بعد إنهاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإلى حين تحقيق التسوية السّياسيَّة، بما في ذلك ممانعة التطبيع مع النظام، وممانعة إعادة الإعمار، وتحقيق نوعٍ من التغيير السياسي، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، إذ بات التأكيد الآن فقط على دورها في الحرب على “داعش” متجاهلة أدوارها الأخرى، ربما لرغبةٍ كامنة في أن تتابع انسحابها من كامل المناطق المشتعلة، بعد أن مهّدت الطريق فيها لحرائق يصعب إخمادها، كما هو الحال في أفغانستان بعد عشرين عاماً من وجودها ومعاركها فيها، والمبالغ الطائلة التي تدّعي أنها صرفتها على تدريب جيش وطني تبيّن أنه مجرّد “جيش من ورق”.

اللافت أن الولايات المتحدة، في تركيزها على إيران، باعتبارها خطراً يتهدّد مصالحها، ووجودها في المنطقة، باتت تتعاطى مع ذلك من مدخل منعها من الوصول إلى القدرة على إنتاج سلاحٍ نووي، وتحجيم نفوذها خارج حدودها، أي في العراق وسورية ولبنان واليمن، بما في ذلك مليشياتها العسكريّة، والنظر إليها بصفتها أحد مصادر نشوء الجماعات الإرهابية في المنطقة، أي أنها باتت تتصرّف، ولو شكلياً، بناءً على رؤية ترى أن معالجة مشكلات المنطقة، أي فرض الاستقرار في سورية والعراق ولبنان، ومكافحة الإرهاب، لا بُدَّ أن تمرّا من باب تقليم أظفار إيران النووية فقط، وإجبارها على تغيير أدوارها، سواء في الملف السوري أو في العراق، وصولاً إلى الحرب اليمنية، وانتهاء بتدجين مليشياتها في لبنان، بما يؤدّي إلى إعادة توزيع جديد للأدوار في المنطقة.

بيد أن ذلك لا ينبغى أن ينسينا أن إيران أدّت مهمّتها على أتمّ وجه، في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، من وجهة النظر الأميركية (وإسرائيل)، إذ غيّرت فعلياً أولويات المنطقة التي كانت قد اعتادت عليها خلال عقود عديدة، وأعادت تصنيف قضاياها وأنعشت تقسيماتها الدينيّة والطائفية. واللافت أنه في ظل تنامي الخطر الإيرانيّ، لم تعد مواجهة إسرائيل أولوية لدى الأنظمة العربية، بل كادت القضية الفلسطينية ألا تبقى عربية، بعد أن صادرتها إيران ووظّفتها لصالحها، باحتلالها ما يسمّى محور المقاومة والممانعة، وصعود أداتها اللبنانية، أي مليشيا حزب الله، في لبنان وسورية.

على ذلك، ليس الإعلان عن سياسات أميركية جديدة في المنطقة إلا بمنزلة اعتراف أميركي بانتهاء الدور الحالي الموكل لإيران، من دون أن يعني ذلك إزاحتها من المشهد نهائياً، حيث المطلوب فقط تحجيم دورها وتحديد مساحة حركتها إلى حدودها، الأمر الذي يشكّل مصلحة للولايات المتحدة (ولإسرائيل)، فالولايات المتحدة لا تريد إيران ذات قدرات نووية، ولا إيران التي تستطيع تهديد منابع النفط أو تقويض استقرار دول الخليج العربي، ولا إيران التي تدعم الإرهاب والمليشيات المسلحة، ولا إيران التي يمتد نفوذها من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق، ولا إيران التي يمكن أن تنافس المكانة الإقليميّة لإسرائيل.

المسألة الآن معرفة كيفية تعامل إيران مع هذه التطورات الجديدة، أو هل ستقاومها؟ وإلى أي درجة؟ لأنه بناء على ذلك، يمكننا معرفة مدى وطريقة التعامل الدولي مع إيران لوضعها عند حدّها. وفي ذلك كله، يبدو أن الولايات المتحدة تعيد، في كلّ مرة، جدولة الأولويات حسب ما يتفق والدور الذي ترغب به، وهي فيما يتعلق بسورية لا ترى الخطر إلا من خلال إيران، ما يعني أن وصولها إلى حلٍّ مع إيران قد يُلغي أي رغبة أميركية في الوجود في شرقي الفرات، ما يستدعي من القوى التي تتحامى بها إعادة النظر في مصدر قوتها وشرعيته، حتى لا تُصاب بهلع الأفغان وتهاوي الأمل بما بنته على مر سنوات قتالها مع “داعش”.

باختصار، على كل من يحتمي بغير شعبه أن يعتبر مما حدث مع الأفغان، والحال ليس بعيداً عن السوريين، فقد بنت الولايات المتحدة أدوارها على مصالحها، وهي لن تتأخّر في استكمال خطواتها التي تراها تتوافق معها، حتى على حساب إسرائيل ربيبتها التاريخية، فكيف عن حلفاء جدد قد تتبدّد مصالحها معهم في حال نفّذ النظام السوري متطلباتها التي مرّرتها عبر وسطاء النظام إليها؟

العربي الجديد

—————————–

واشنطن في عهد بايدن: تخلٍّ عن دور شرطي العالم

باشرت الولايات المتحدة منعطفاً في سياستها ألمح إليه باراك أوباما، وجاهر به دونالد ترامب، غير أن الرئيس جو بايدن هو بالتأكيد من أعلنه بأوضح العبارات، إذ أكد هذا الأسبوع بمناسبة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أن الولايات المتحدة لم تعد تريد أن تؤدي دور شرطي العالم.

وأوضح الأستاذ في كلية ماركيت للحقوق تشارلز فرانكلين، أنه “حان الوقت لوضع حدّ لهذه الحرب التي لا تنتهي… بايدن هو الذي قال ذلك، لكن كان من الممكن تماماً أن يكون ترامب قد قاله”. وعلّق فرانكلين بذلك على خطاب ألقاه الرئيس الثلاثاء، غداة إعلان رحيل آخر العسكريين الأميركيين من أفغانستان، بعد حرب استمرّت عشرين عاماً.

ولم يعمد بايدن إلى التمويه بعد الفوضى التي واكبت الانسحاب وسبّبت تراجع التأييد له لدى الرأي العام، بل اغتنم الفرصة ليعرض بوضوح تام عقيدته الدولية. وقال: “المسألة لا تقتصر على أفغانستان. المطلوب وضع حدّ لحقبة من عمليات التدخل العسكري الكبرى الهادفة إلى إعادة بناء دول أخرى”. وعلّق بنجامين حداد، من المجلس الأطلسي للأبحاث في واشنطن في تغريدة، أن هذا “أفضل تعبير عن رفض الأممية” الصادر عن رئيس أميركي “منذ عقود”. ويردد بايدن باستمرار أن “أميركا عادت”، لكنه هذه المرة شرح شروط عودتها.

“التعلم من أخطائنا”

وقال: “علينا أن نتعلم من أخطائنا”، مضيفاً: “علينا أن نحدّد لأنفسنا مهمات ذات أهداف واضحة وواقعية، لا أهداف لن يكون بإمكاننا تحقيقها أبداً”، و”علينا أن نركز جهودنا بوضوح على أمن الولايات المتحدة”. ولبايدن خبرة طويلة في السياسة الخارجية كسيناتور أولاً، ثم كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما.

وأوباما هو الذي باشر بالحدّ من النزعة الأميركية للتدخلات الخارجية، لكن من دون أن يفصح عن ذلك بوضوح مثل بايدن. فأعلن أوباما أن استخدام الرئيس السوري بشار الأسد أسلحة كيميائية في الحرب في بلاده سيكون “خطاً أحمر” يستوجب رداً مسلحاً، لكن حين تخطت دمشق هذا الخط في أغسطس/آب 2013، عدل الرئيس الجمهوري في نهاية المطاف عن شنّ الضربات الجوية التي توعد بها.

ويرى بايدن أن الصراع بين الدول الديمقراطية والأنظمة المتسلطة مثل الصين يجب أن تكون له الأولوية على العمليات العسكرية الكبرى، وهو يعتبر أن على الديمقراطية أن تثبت قدرتها على التصدي للتحديات الكبرى، مثل التغير المناخي والوباء بشكل أكثر فاعلية من الديكتاتوريات، مع تحقيق الازدهار للطبقات الوسطى في الوقت نفسه. وفي هذا السباق الكبير، يعوّل بايدن على التحالفات، في اختلاف جذري عن سلفه.

وفي هذا السياق، ينظّم في الخريف قمة عبر الإنترنت لرؤساء دول وحكومات البلدان الديمقراطية، لم تكشف بعد قائمة المشاركين فيها. وأوضح السفير الفرنسي السابق في واشنطن جيرار أرو في تغريدة، أن الولايات المتحدة “لطالما ترددت بين عزل نفسها عن خطايا العالم ونشر حسنات نموذجها. واختارت منذ 1945 أن تكون المدافعة عن الديمقراطية ثم المبشرة بها. وهي الآن تعود إلى الديار”.

“وقع الصدمة”

والحقيقة أن تفرّد الولايات المتحدة في إدارة عملية الانسحاب من أفغانستان كان له وقع الصدمة على حلفائها، فيما أثار ارتياح بكين وموسكو، إذ اعتبرتا الأمر بمثابة تحذير للدول التي راهنت بكل ما لديها على الدعم العسكري الأميركي. وأوضحت الأستاذة في الجامعة الأميركية تريشيا بايكن، أنه “يبدو أن هناك قدراً من الإحباط”، حتى لو أنه يصعب تحديد “مدى عمقه” بين حلفاء الولايات المتحدة، بالنسبة إلى إدارة الانسحاب من أفغانستان.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أول من لمس هذا التغير في السياسة الأميركية الدولية الأربعاء غداة خطاب بايدن، إذ جدد له الرئيس الأميركي وعده بمساعدته بوجه “العدوان” الروسي في القرم، من خلال تزويده بالمعدات العسكرية، لكنه لم يشرّع أبواب الحلف الأطلسي لأوكرانيا الطامحة إلى الانضمام إليه. كذلك فإن بايدن لم يتراجع بالنسبة إلى مشروع “نورد ستريم 2″، خط أنابيب الغاز الروسي الذي يثير مخاوف كييف، فاختار البيت الأبيض سلوك النهج الدبلوماسي حيال هذا الملف الحساس، عوضاً عن فرض عقوبات.

وخارج أوروبا، كتب عماد حرب، مدير الأبحاث والتحليلات في “المركز العربي” في واشنطن، في مدونة إلكترونية أن جو بايدن “قد يكون أغلق الباب نهائياً على النزعة الأميركية للتدخل عسكرياً في الشرق الأدنى والأوسط على نطاق واسع”.

وفي غياب دعم عسكري أميركي مضمون، قد تعمد دول المنطقة إلى إبداء “أقصى درجات ضبط النفس”، في حين أنها تميل عادة إلى التصدي لإيران ورفع النبرة.

(فرانس برس)

العربي الجديد

—————————–

أميركا تنزع جزمتها العسكرية/ بسام مقداد

خطاب الرئيس الأميركي الذي وجهه إلى الأمة والعالم أول الشهر الجاري بمناسبة خروج آخر عسكري أميركي من أفغانستان، كان له وقع الزلزال على مواقع الإعلام العالمي، التي أوجزت صحيفة الكرملين ردة فعلها بكلمات ثلاث:صدمة، إرتباك وحيرة. فقد أعلن بايدن في خطابه بأن القرار الذي اتخذ بشأن أفغانستان لا يتعلق بها وحدها، بل “يختتم مرحلة حروب أميركا الكبرى لإعادة بناء البلدان الأخرى”. وقال بأن مهمة محاربة الإرهاب في أفغانستان، والتي كانت تهدف إلى القضاء على الإرهابيين ومحاولة بناء أفغانستان ديموقراطية واحدة موحدة، لم يقم بها أحد على إمتداد قرون من التاريخ الأفغاني. “وإذا ما تخلينا عن مثل هذا التفكير ونشر وحدات عسكرية ضخمة لمثل هذه الأهداف، سوف يجعلنا هذا أقوى وأكثر فعالية، كما أنه سيفضي إلى أمن أكثر للولايات المتحدة”، حسب الصحيفة.

النص الذي نشرته الصحيفة في 2 من الشهر الجاري بعنوان “الولايات المتحدة تغير أداة الضغط على العالم”، هو نفسه كان منفعلاً متوتراً يكاد لا يصدق كاتبه بأن تكون ردة الفعل الأميركية على الحدث الأفغاني على هذا القدر من الجذرية والإلتفاف 180 درجة على نهجها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية في إعادة بناء العالم “اللاغربي غير المتحضر”. ويقول بأن ردة الفعل على إعلان بايدن كان فيها عدم ثقة، كان فيها تفاؤل، لكن الأساسي فيها كان الإرتباك: “كيف سنعيش لاحقاً”.

وتقول الصحيفة بأن شبكات التواصل كانت مليئة بتعابير مثل “هذا خداع أميركي آخر”، و”الولايات المتحدة لن تتخلى يوماً عن تصدير الديموقراطية على أجنحة قاذفات القنابل، فقط لأنها الولايات المتحدة”. وتسند هذا القول بقصة العقرب الذي طلب من ضفدع نقله عبر النهر إلى الضفة الأخرى، وحين شارف الإثنان على الغرق لدغ العقرب الضفدع وقال “لم يكن بوسعي غير ذلك، تلك هي طبيعتي”.

رئيس لجنة العلاقات مع الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف رأى في إعلان بايدن، “إنه لم يكن مجرد خطاب تخلي الولايات المتحدة عن سياسة “تبديل الأنظمة” التي تقوم عليها إستراتيجيتها الخارجية. ونقلت عنه الصحيفة إضافته إلى أنه في حال تخلي الولايات المتحدة الفعلي عن محاولات إعادة تنظيم الدول الأخرى، سوف يعني ذلك نهاية التدخلات العسكرية الأميركية في الدول الأخرى، وتبدلاً نوعياً في دور الولايات المتحدة العالمي. وترى الصحيفة في موقف بوشكوف “تفاؤلاً متحفظاً” سببه أنه، ومنذ الحرب في يوغوسلافيا، لم يحمل التصدير المسلح للديموقراطية فوزاً واحداً للولايات المتحدة، بل حملت جميعها هزائم امتصت الموازنة الأميركية، وأفضت إلى خسائر فادحة في صورتها.

ويرى بوشكوف أن “أوروبا الليبرالية” صدمت بإعلان بايدن عن نهاية حقبة إعادة التنظيم العسكرية للبلدان الأخرى، وهي تشعر أنه قد تمت خيانتها، وممن؟ من رئيس الدولة الرئيسية في العالم الغربي، من رئيس الدولة ــــــــ حارس مقولة النظام الليبرالي العالمي، من الدولة ـــــ معقل القيم الليبرالية التي كانت تصلي لها النخب الأوروبية.  

وتنقل الصحيفة عن مؤرخ أميركي قوله بأن بايدن، بإعلانه هذا، ينتهج السياسة عينها التي كان ينتهجها ترامب، والتي كانت تقول “الوطن أولاً”. وإذا كان الحديث يدور سابقاً عن ترويض الحلفاء وجعلهم يخضعون لما تمليه المصالح الأميركية، إعتمد بايدن الآن فكرة ترامب بالتخلي عن العمليات العسكرية الكبيرة لفرض الديموقراطية.

كما تنقل عن صحافي وبوليتولوغ ألماني قوله بأن تصريح بايدن يلقي بظلال من الشك على جميع تبريرات الحكومة الألمانية والأحزاب المعارضة للمهمات المماثلة لمهمة أفغانستان. ويرى بأن خطاب بايدن يقلب رأساً على عقب التفكير الألماني الذي يرى بأن قضايا الأمن يمكن معالجتها بالطرق العسكرية دون سواها، والتي لا تفترض أية إلتزامات بإعادة إعمار ما تهدم.

وترى الصحيفة أن أوروبا، وبعد تخلي بايدن عن زرع الديموقراطية بالقوة، بوسعها أن تنزع البوط العسكري “أيديولوجياً”، وتتحول إلى علاقات براغماتية مع الدول التي لا تلائم أوروبا ساستها الداخلية مثل روسيا وبيلوروسيا. لكن نزع البوط العسكري والتخفي تعوزه الإرادة والمرونة غير المتوفرتين لدى المؤمنين يالليبرالية برأي الصحيفة. وبوسع أوروبا أن ترفض التخفي بالطبع، لكنها سوف تصبح عندئذٍ على هامش العمليات التاريخية، حتى في عزلة عنها، ولذا سوف يتعين عليها التخفي في نهاية المطاف، “لكن مع خسائر أكبر بكثير”. وتنقل عن بروفسور في جامعة كيلن قوله بأن الكوسموبوليتية التي كانت تنتشر في بعض الحكومات الأوروبية “قد تنهار، لكن حين يصبح الوقت متأخراً جداً”.

لكن تخلي بايدن عن الخيار العسكري في زرع الديموقراطية وتغيير الأنظمة، لا يعني التخلي عن العولمة وأهدافها في بناء مجتمعات تعيش على النمط الأميركي. وترى الصحيفة أن فشل المغامرات العسكرية جعل بايدن يغير أداة نشر الديموقراطية واستبدال الخوف لصالح الإغواء. فالولايات المتحدة تعود إلى القوة الناعمة الكلاسيكية التي بواسطتها ستجعل الأنظمة “ديموقراطية” وليس بواسطة القنابل، بل بواسطة النفوذ الإقتصادي والإيديولوجي والثقافي. لكن السؤال يبقى بالنسبة للصحيفة، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تجيد إستخدام القوة الناعمة الكثيرة لديها، بعد طول إستخدام قاذفات القنابل بدلا منها.

توجهت “المدن” إلى بعض الكتاب السياسيين الروس المتابعيتن لقضايا الشرق الأوسط  بسؤالهم كيف يقيّمون قرار بايدن التخلي عن “تصدير الديموقراطية” و”تغيير الأنظمة، وما هي تأثيراته على الشرق الأوسط ككل، وعلى نظام الأسد ومحادثات فيينا بشأن العودة إلى إتفاقية الصفقة النووي الإيرانية.

خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية وكاتب العمود في موقع “AL Monitor” كيريل سيمونوف، رأى أن التعبيرين اللذين يوجزان قرار بايدن كان يمكن إستخدامهما بالنسبة لسياسة ترامب أيضاً. فواشنطن تواصل حالياً سياسة ترامب الدولية، ولن يكون للقرار تأثير على الشرق الأوسط الذي يعيش هو ذاته دينامية التغيير الخاصة به.

أما بخصوص تأثير القرار على نظام الأسد، فهو لا يرى أي تأثير، حيث أن الولايات المتحدة ليس في نيتها تغييره، إلا أن العقوبات سوف تستمر برأيه.

الصحافية المتابعة لشؤون الشرق  الأوسط في صحيفة”Kommersant”ماريانا بالكينا رأت بأنه ينبغي الإنتظار لجلاء الأمر وأبعاد القرار. وقالت بأن التنجيم لا يفيد، ولم تكن الولايات المتحدة عازمة في الآونة الأخيرة على تغيير السلطة  بالقوة في سوريا وإيران. ولم يتحدث بايدن سوى عن “نهاية عهد العمليات الكبيرة الرامية إلى إعادة تنظيم البلدان الأخرى”. وهذا لا يمس بسياسة العقوبات والطرق الأخرى للضغط، ولذلك “”لا أتوقع أية تغييرات لافتة”.

خبير منتدى فالداي للحوار الدولي والمجلس الروسي للعلاقات الدولية غيورغي أساتريان رأى بأنه إذا صدقت كلمات بايدن، وتوقفت الولايات المتحدة عن إنتهاج سياسة تغيير الأنظمة وتصدير الديموقراطية، فسوف يترك هذا الأمر تأثيراً إيجابياً على منظومة العلاقات الدولية. لكنه لا يصدق بأن الولايات المتحدة سوف تنتهج مثل هذه السياسة، على الأقل في المستقبل القريب.

أما بشأن إيران وسوريا فهو يعتقد بأن الولايات المتحدة هي بصدد تغيير سياستها، إذ أنها استسلمت لبقاء نظام الأسد، ولن تقوم بمحاولات جديدة للإطاحة به. أما بشأن إيران، فالولايات المتحدة تعتمد لغة الحوار معها

المدن

—————————–

المنطقة تغيّرت… أميركا لم تتغيّر!/ خيرالله خيرالله

بعد أيام، تمرّ الذكرى الـ20 على “غزوتي نيويورك وواشنطن” اللتين نفذهما تنظيم “القاعدة” الإرهابي بقيادة أسامة بن لادن. بعد عقدين على الحدث، يتبيّن أن العالم، خصوصا الشرق الأوسط والخليج، تغيّر فيما أميركا التي استهدفها الإرهاب لم تتغيّر. لا تزال أميركا تعاني من الأمراض نفسها التي كانت تعاني منها قبل الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001. لا تؤثّر هذه الأمراض بأميركا في ضوء قدرتها على التحمّل بفضل الحجم الضخم لاقتصادها، قبل أيّ شيء آخر. يسمح لها هذا الاقتصاد بتلقي الصدمات الواحدة تلو الأخرى… في انتظار خطأ أميركي جديد يذهب ضحيته أحد شعوب هذا العالم!

ما يؤكّد أن أميركا لم تتغيّر طريقة خروجها مهزومة من أفغانستان واستسلامها مجدّدا أمام “طالبان” من دون أي سؤال أو جواب عن مصير الشعب الأفغاني الذي سيكون عليه مجددا المعاناة من حركة متخلّفة لا تحترم الإنسان وتحتقر المرأة والعلم والتعليم وتعتقد أنّ كلّ ما هو حضاري في هذا العالم، بدءا بالموسيقى والفن، عدوّ لها. ليس ما يضمن ألّا تعود أفغانستان حاضنة للإرهاب كما كانت عليه الحال قبل 2001. من يضمن، في ضوء ما شهده مطار كابول أخيرا حيث قتل 13 عسكريا أميركيا على يد انتحاري من “داعش” ألّا تتحوّل أفغانستان مجددا مكانا يسرح فيه الإرهاب ويمرح؟

لدى أميركا القدرة على هزيمة الفشل، أيّ فشل. كلّ ما تفعله هو الانسحاب وترك البلدان التي حاولت إنقاذها لمصيرها. قد تكون القيادة في فيتنام، القيادة الوحيدة التي استدركت نفسها وانطلقت من هزيمتها لأميركا كي تعود حليفا لها في مواجهة الصين. هزم الفيتناميون أميركا عسكريا وانهزموا أمامها اقتصاديا وذلك في مصلحة بلدهم ومستقبله…

المفارقة أنّ الجيش الأميركي دخل إلى كابول في 2001 وأخرج منها “طالبان”. لدى مغادرته كابول في 2021، تعود “طالبان” إلى العاصمة الأفغانية فيما يسعى أهلها إلى الهروب منها بمعيّة الأميركيين. هذه فضيحة ليس بعدها فضيحة بالنسبة إلى إدارة أميركية تبحث كلّ يوم عن تبريرات لتفسير فشلها في الخروج بطريقة لائقة من حرب لم تستطع تحقيق انتصار فيها.

ستبقى أميركا أميركا بغض النظر عن المغامرة الأفغانيّة. ما هو محزن أنّ إدارة جو بايدن ترفض مراجعة ما حصل في السنوات العشرين الماضيّة. لم يشر أيّ مسؤول أميركي إلى ما حصل على هامش الغزو الأميركي لأفغانستان.

تميّزت السنوات العشرون الماضيّة بغياب أيّ فهم في واشنطن لمعنى الذهاب إلى العراق فيما الجيش الأميركي لم ينه حرب أفغانستان ويقضي نهائيا على “طالبان”. ما حصل هو تسليم للعراق على صحن من فضّة إلى النظام القائم في إيران، وهو نظام يربط بقاءه بقدرته على التخريب في المنطقة المحيطة به. ستعضّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” على جروح الماضي، بما في ذلك قتل “طالبان” لدبلوماسييها في مزار شريف في أيلول – سبتمبر من العام 1998. ستسعى في المقابل إلى لعب دور في أفغانستان مستفيدة من قاعدة مشتركة بينها وبين “طالبان”. اسم هذه القاعدة هو “القاعدة” التي وجدت من يؤوي بعض رجالاتها في إيران بعد العام 2001.

بغزوها العراق، غيّرت أميركا التوازن في الشرق الأوسط كلّيا. لم يعد العراق، وهو ركيزة من ركائز النظام الإقليمي وإحدى أهم الضمانات للتوازن فيه، موجودا. صار بلدا ضائعا يبحث عن هويّة وذلك في ضوء الإصرار الأميركي في عهد جورج بوش الابن على التخلّص من نظام صدّام حسين.

مع سقوط العراق وسقوط صدّام حسين بالطريقة التي أسقط بها، كشفت الولايات المتّحدة عن جهل كامل بالشرق الأوسط. ليس صدّام حسين وحده الذي لم يستوعب معنى ما حدث في الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001. لم يكن يمتلك القدرة الذهنيّة على فهم ما حدث. لم يفهم معنى أن يقسّم جورج بوش الابن العالم بين “من ما هو معنا ومن ما هو ضدّنا”. المهمّ أن أميركا أقدمت على ما أقدمت عليه وغيّرت الشرق الأوسط كلّيا. لم تكتف بإسقاط صدّام حسين ونظامه. سمحت لإسرائيل بالانتهاء من ياسر عرفات الذي وضعه أرييل شارون في الإقامة الجبريّة في “المقاطعة” في رام الله… إلى أن توفّى في 11 تشرين الثاني – نوفمبر 2004.

لعلّ الأخطر من ذلك كلّه أن الذهاب الأميركي إلى العراق وفّر اندفاعة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني وصولا إلى اغتيال رفيق الحريري في لبنان بغية السيطرة على البلد. وهذا ما نرى نتائجه حاليا بعدما صارت إيران تقرّر من هو رئيس الجمهوريّة في لبنان وتمنع تشكيل حكومة فيه. تبيّن مع مرور الوقت أن اغتيال رفيق الحريري لم يكن اغتيالا إيرانيّا لشخص معيّن كبر حجمه لبنانيا وعربيّا ودوليّا، بغطاء من النظام السوري. كان في الواقع اغتيالا لبلد ولصيغة عيش فيه مرفوضة من “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي تريد وجودا على البحر المتوسّط.

لم يقتصر الأمر على العراق ولبنان. بعد الاجتياح الأميركي للعراق، استسلم بشّار الأسد نهائيا أمام إيران. عندما انتفض الشعب السوري في وجه النظام الأقلّوي الذي يتحكّم به منذ نصف قرن، ألقت إيران بكلّ ثقلها في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه. بقيت أميركا في صف المتفرّجين على المأساة السورية ولا تزال…

تغيّر الشرق الأوسط إلى غير رجعة. ليس معروفا على ماذا يمكن أن يستقرّ العراق أو سوريا أو لبنان. أكثر من ذلك، صارت إيران، من خلال اليمن، موجودة في شبه الجزيرة العربيّة وتشكل تهديدا يوميا لدول الخليج.

وحدها أميركا لم تتغيّر. الثابت أنّه سيمرّ وقت طويل قبل أن تقدم على أي مغامرة جديدة خارج حدودها. لكنّ الثابت أيضا أنّها لن تفعل شيئا لإصلاح ما خرّبته في الشرق الأوسط والخليج. تركت دولا عدة مع شعوبها لمصيرها. ستعتمد موقف المتفرّج على المصير البائس للأفغان والعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين. لديها ما يكفي من القوّة والمناعة الاقتصادية لتمارس هذه اللعبة التي لا يستطيع أحد غيرها ممارستها!

إعلامي لبناني

العرب

————————–

في وداع القوات الأميركية/ مايكل يونغ

من الأمور المُلفتة في الانسحاب الأميركي من أفغانستان أن الكثير من الأميركيين قاربوا الحدث انطلاقًا من مفهوم الاستثناء الأميركي الذي يتفاخرون به. فالرسالة الضمنية، والصريحة أحيانًا، هي أن تخلّي الولايات المتحدة المُباغِت عن عشرات آلاف الأفغان الذين كانوا يعملون معها يُعدّ حدثًا مخجلًا في سجل دولة لا تسوّل لها معاييرها الأخلاقية الرفيعة أفعالًا كهذه.

وقد حدا هذا التفكير ببعض قدامى المحاربين الأميركيين إلى السعي من أجل نقل زملاء ومتعاونين أفغان سابقين إلى الولايات المتحدة. وكان حجم عمليات الإجلاء ملحوظًا أيضًا، إذ نُقل 114,000 شخص من كابل في غضون أسبوعين فقط. لكن، وباستثناء هذه الأمثلة المشجعة، سيُترك عشرات آلاف الأفغان في بلادهم ليواجهوا عواقب الانسحاب الأميركي.

لكن هذا الأمر لا ينبغي أن يشكّل مفاجأة لأحد. فالولايات المتحدة انسحبت مرارًا وتكرارًا من النزاعات في الشرق الأوسط الأوسع، متخليةً عن السكان المحليين الذين يعتمدون عليها. لكنها لا تزال تعوّل على سمعتها كدولة حافظت على وجود عسكري لها في أوروبا بعد العام 1945 من أجل ردع الاتحاد السوفياتي وصون ديمقراطية القارة الأوروبية. مع ذلك، تشكّل الالتزامات الأميركية الطويلة المدى في الدول الاستثناء لا القاعدة في السلوك الأميركي عمومًا.

ففي شهر شباط/فبراير 1984، انسحبت قوات المشاة البحرية الأميركية التي كانت جزءًا من بعثة حفظ السلام المتعددة الجنسيات من بيروت، فيما كان الجيش اللبناني يحارب الميليشيات المدعومة من سورية. وقد شعر الرئيس رونالد ريغان آنذاك بالرمزية السلبية التي تنطوي عليها مغادرة البلاد، فكذب للحفاظ على ماء الوجه، قائلًا: “لا أعتقد أننا خسرنا بعد، لكنني أدرك أن الأمور تبدو قاتمة”. وأضاف: “ما دامت هناك فرصة، فلن ننسحب، بل ننوي إعادة الانتشار والتموضع في موقع دفاعي أكثر”. لكن للذين كانوا يعيشون في بيروت آنذاك، عنت عودة قوات البحرية الأميركية إلى سفنها قبالة الشواطئ اللبنانية أن الولايات المتحدة تغادر البلاد على عجل.

يُضاف إلى ذلك ما فعله الأميركيون في أفغانستان في أعقاب الانسحاب السوفياتي في شباط/فبراير 1989. فبعد أن زوّدت الولايات المتحدة المجاهدين بالأسلحة لمحاربة الاتحاد السوفياتي، وقفت مكتوفة الأيدي بعد مغادرة القوات السوفياتية أفغانستان، ولم تحرّك ساكنًا لتجنّب انزلاق البلاد نحو الفوضى. لم يكن من المطلوب، ولا من الضروري، أن يؤدي ذلك إلى تدخل عسكري أميركي في البلاد، لكن كان من المحبّذ لو أن واشنطن قرّرت إطلاق مبادرة دبلوماسية دولية من أجل إرساء الاستقرار هناك. أما ما حدث فكان بروز نجم حركة طالبان، متبوعًا بعودة أسامة بن لادن إلى أفغانستان بعد طرده من السودان، ما أسفر عن تداعيات بعيدة المدى.

ثم ازدادت الأوضاع سوءًا في العام 1991، حين دفع التحالف الدولي القوات العراقية إلى الخروج من الكويت. وكان الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب يحث الشعب العراقي على الإطاحة بنظام صدام حسين. ففي خطاب ألقاه في بلدة أندوفر في ماساتشوستس، قال بوش: “ثمة طريقة أخرى لوقف إراقة الدماء، وهي أن يتسلّم كلٌّ من الجيش العراقي والشعب العراقي زمام الأمور وأن يُرغما الدكتاتور صدام حسين على التنحي”. لكن، حين انتفض الشيعة والأكراد ضد نظام البعث في آذار/مارس 1991، وقفت واشنطن مجدّدًا مكتوفة الأيدي فيما شنّت القوات العراقية حملة بقيادة علي حسن المجيد، ابن عم صدام حسين، لسحق الانتفاضة.

يعيدنا كل ذلك بالذاكرة إلى حدث يعتبره الأميركيون تجسيدًا للتخلي المهين، وهو انسحاب الولايات المتحدة من سايغون في نيسان/أبريل 1975. وفي كتاب ينتقد الإجراءات الأميركية، حمّل العميل في وكالة الاستخبارات المركزية فرانك سنيب، كلًّا من وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وسفير الولايات المتحدة في سايغون غراهام مارتن مسؤولية فشل التحضير لعملية الإجلاء، لاعتقادهما بأن ذلك كان ليقوّض حكومة فيتنام الجنوبية. لذا، حين سقطت سايغون، تُرك الكثير من الفيتناميين الذين عملوا مع الأميركيين لمواجهة مصيرهم، ووقعوا في أيدي الشيوعيين.

يُلقي كتاب سنيب، الذي يحمل عنوان Decent Interval (المهلة الزمنية اللائقة)، الضوء على التفكير الاستهزائي الأميركي. ويشير إلى أنه لو انقضت مهلة زمنية لائقة بين اللحظة التي قررت فيها الولايات المتحدة التخلي عن حلفائها الفيتناميين الجنوبيين وبين هزيمتهم أمام أعدائهم، لكان الوضع مقبولًا. وينطبق المنطق نفسه على حالة أفغانستان. ففي واشنطن، لم يعتقد أحد بإمكانية إلحاق الهزيمة بطالبان، لكن لو تمكنت الحكومة الأفغانية من الصمود فترة كافية ريثما يكون الناس قد نسوا إخفاقات الولايات المتحدة، لنجت إدارة بايدن بفعلتها هذه.

لكن ما الذي يفسّر ميل الولايات المتحدة إلى التخلّي عن أصدقائها؟ حقيقة أن الكثير من هذه الأحداث وقعت في الشرق الأوسط الأوسع تدفع إلى الافتراض بأن الأميركيين هم أكثر استعدادًا للتضحية بالشعوب التي لا تجمعهم معها روابط ثقافية كبيرة. وتكتسب وجهة النظر هذه المزيد من المصداقية عند سماع بعض الأميركيين يطالبون بمنع الأفغان الهاربين الذين ساعدوا الولايات المتحدة من دخول أراضيها. لكن الأميركيين، حتى في أوساط الجمهوريين، منقسمون حول هذه المسألة، لذا يبدو من غير الدقيق اختزال كل شيء في هذا الشرح.

غالب الظن أن الأمور أبسط من ذلك. فخلال أي صراع محبط، يعمد المسؤولون الأميركيون في مرحلة معينة باحتساب التكاليف والمكاسب، قبل أن يرجّحوا الكفّة لصالح الانسحاب إلى الجزيرة الأميركية. في هذا المنطق، تؤدي السياسات الداخلية والدوافع الانعزالية دورًا مهمًا. لكن هذا يفترض أن الأميركيين يتحركون وفقًا لما تمليه عليهم مصالحهم، لأن هذا ما يقتضيه تقييم التكاليف والمكاسب. مع ذلك، سواء في بيروت في 1984، أو أفغانستان بعد 1989، أو العراق في 1991، بدا جليًا أن الأميركيين عمومًا دفعوا أكلافًا باهظة ثمن سوء إدارتهم لعمليات الانسحاب. وهذا لم يحقّق مصالحهم البتّة.

فقد دفع الانسحاب من بيروت الكثير من خصوم أميركا، ومن بينهم أسامة بن لادن، إلى الاعتقاد بأنها تعاني من نقطة ضعف أساسية، وأتاح لإيران وسورية استخدام لبنان كقاعدة للوقوف في وجه المصالح الإقليمية لواشنطن وحلفائها. لقد سبّب قرار السماح لصدام حسين بالبقاء في السلطة والقضاء على أعدائه مشاكل لإدارة كلينتون، ما دفع إدارة جورج بوش الابن لاحقًا إلى غزو البلاد والإطاحة بالرئيس العراقي. ويصف الكثير من الأميركيين هذه الحصيلة بالكارثة التامة. يُضاف إلى ذلك أن عدم اهتمام واشنطن بشؤون أفغانستان بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي سمح لأسامة بن لادن باستخدام البلاد كقاعدة لشنّ هجمات مدمّرة على الولايات المتحدة في العام 2001.

بعبارة أخرى، قد يتمتع الأميركيون بالمهارة اللازمة لاحتساب التكاليف والمكاسب الفورية، لكنهم أقل براعةً في توقّع العواقب المحتملة لأفعالهم في المستقبل. فيبقى خارج المعادلة للأسف مصير الأشخاص الذين يضعون ثقتهم في أميركا. وهذه مسألة تستحق النظر إليها عن كثب. ففيما يزداد عدد الأشخاص المتضررين من القرارات الأميركية، ويواصل الأميركيون تبرير أفعالهم في إطار التفوّق الأخلاقي الباهر، قد تواجه واشنطن صعوبة أكبر في العثور على حلفاء مخلصين.

كتب مكيافلي أن “على الأمير أن يكون محبوبًا ومُهابًا. لكن إذا تعذّر تحقيق الحالتين معًا، فمن الأفضل أن يكون مُهابًا”. لكن استعداد الأميركيين للانسحاب من الدول والتخلّي عن حلفائهم حين تزداد الأوضاع صعوبةً يشير إلى أن احتمالًا مدمّرًا قد يطرأ، وهو أن يصبحوا لا محبوبين ولا مُهابين. ولا يمكن لأي قوة عظمى في العالم تحمّل ذلك لفترة طويلة.

—————————

====================

تحديث 06 أيلول 2021

————————–

عن أفول القوة الأميركية/ مهند الحاج علي

في مجموعة مقالات لمؤرخين ومفكرين من مشارب مختلفة، قاربت مجلة “ذي إيكونومست” مسألة انحدار القوة الأميركية واحتمال تجاوزها من الصين في ظل تواصل تنامي اقتصادها بوتيرة أكبر من نظيره في الولايات المتحدة. في الملف، وهو أشبه بنقاش بين نخبة من المفكرين، نقاط لافتة في هذا التنافس بين أميركا والصين، وهو ينعكس حُكماً على منطقتنا بأشكال متفاوتة، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً أيضاً. ذاك أن انحدار الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم، مقابل تقدم الصين، يطرح أسئلة عن شكل المنطقة وتوزع القوى والاستقرار فيها.

في مقال المؤرخ البريطاني بول كينيدي، يسأل عمّا تغير في العالم اليوم، إذ سبق للولايات المتحدة أن صعدت بعد فترات أفول، كما حصل بعد سقوط الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي، أو حرب العراق عام 2003. لكن كينيدي يُحدد 3 نقاط اختلاف لافتة مع الماضي، على مستوى منظومة العلاقات الدولية، والعسكر، والاقتصاد. النقطة الأولى هي أن عالمنا صار متعدد الأقطاب بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، إذ هناك قوى كبرى متعددة تلعب أدواراً متفاوتة. صحيح أن الولايات المتحدة هي الأقوى الآن، لكن قوتها لا تُترجم قدرة على فرض ارادتها في مناطق عدة من العالم. وهذا واقع جديد في عصرنا.

وثانياً، على المستوى العسكري، يُشبّه كينيدي الجيش الأميركي اليوم بقوات الإمبراطورية البائدة، إذ يتوزع على مناطق شاسعة، ويحمل أسلحة قديمة بعضها كحاملات الطائرات وحتى القوات الخاصة المدربة، قد لا يصلح للعصر المقبل حيث للطائرات بلا طيار الغلبة. كينيدي يُضخّم مسألة ترهل الأسلحة الأميركية وتراجع واشنطن أمام خصومها، سيما أنها ما زالت المنتج الأبرز للطائرات من دون طيار، وباتت هذه أساسية في حربها على الإرهاب.

النقطة الثالثة لكينيدي أكثر أهمية وهي على ارتباط بالاقتصاد، إذ يُوفر رؤية تاريخية لهذا النمو المضطرد. ذاك أن الواقع الاقتصادي الحالي، لناحية احتمالات تجاوز حجم الاقتصاد الصيني ذلك الأميركي، غير مسبوق منذ ثمانينات القرن التاسع عشر. خلال عقد 1880-1890، تجاوز حجم الاقتصاد الأميركي اقتصاد بريطانيا. وطوال القرن العشرين، كان الاقتصاد الأميركي أكبر ضعفين أو ثلاثة أو أربعة من اقتصاد أي من الدولة العظمى الأخرى. في ستينات القرن الماضي، كان اقتصاد الصين (الناتج المحلي) 11 في المئة من الاقتصاد الأميركي، واليوم تجاوز الـ70% (75% في مقال آخر بالمجموعة ذاتها). هذه أرقام غير مسبوقة. وكينيدي يضع هذه الوقائع الاقتصادية في سياق المواجهات التي خاضتها واشنطن خلال القرن الماضي إذ “كان الاقتصاد الأميركي أكبر بعشر أضعاف من نظيره الياباني حين وقع هجوم بيرل هاربور، وثلاث أضعاف من ذلك الألماني عندما قرر الزعيم النازي أدولف هتلر شن الحرب”. لأحجام الاقتصادات انعكاسات سياسية وعسكرية أيضاً، وما كان ينسحب على القرن الماضي، لم يعد قائماً اليوم.

المؤرخ نيال فيرغسون في مقال آخر يتناول مشكلة الدين الأميركي ويقارنها بالدين البريطاني الذي ارتفع من 109% من حجم الاقتصاد (الناتج المحلي) بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918 الى 200% عام 1934.

الدين الفيديرالي الأميركي سيصل بحسب فيرغسون الى 110% هذا العام وسيتجاوز ال200% عام 2051. يُشير هذا المؤرخ الى أن الدين الأميركي قصير الآجال، وهو بالتالي أكثر حساسية حيال تبدل الفائدة من الدين البريطاني حينها. خلاصة الأمر أن الاقتصاد الأميركي يُظهر علامات أفول مُشابهة لما حصل مع بريطانيا في نهاية حقبتها الامبراطورية.

الأكاديمي مينشين باي كتب مقالاً آخر في هذه المجموعة، يميل فيه للولايات المتحدة. يتناول باي الاقتصاد الصيني، مركزاً على الناتج المحلي للفرد. حتى لو تجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي (الناتج المحلي الإجمالي)، سيبقى الناتج المحلي الفردي ربع ذلك الأميركي. كما أن الصين تشيخ بشكل أسرع من الولايات المتحدة نتيجة تطبيق سياسة الطفل الواحد لسنوات عديدة، وهذا سينعكس حكماً بعد سنوات على قوتها العاملة، وقدرتها على النمو والانتاج بالسرعة ذاتها.

كما أن الولايات المتحدة لديها قدرة بحثية أكبر، وستُحافظ، بحسب باي، على تفوقها في مجال الجامعات وشركات التكنولوجيا والابتكارات الخلاقة وأيضاً في الأسواق المالية. لكن باي لا يأخذ في الاعتبار تطور مجال التعليم العالي في الصين خلال السنوات الماضية، والاستثمار الحكومي في هذا المجال (تُنفق الصين أكثر من 650 مليار دولار سنوياً على التعليم).

العائق الأكبر أمام تقدم الصين في السباق مع الولايات المتحدة هو الحزب الشيوعي الحاكم، بحسب باي، إذ يرغب في إبقاء الاقتصاد “تحت السيطرة”، والدليل هو الإجراءات المتخذة بحق شركات تكنولوجيا عملاقة مثل “علي بابا”. مثل هذه الإجراءات تنعكس سلباً على قدرات النمو والابتكار وريادة الأعمال. هنا كلام أيضاً لباي عن تحالفات الولايات المتحدة، في أوروبا (بريطانيا والاتحاد الأوروبي) واليابان وكوريا الشمالية. بيد أن الصين تنقصها مثل هذه التحالفات، حتى مع دول يُفترض أنها صديقة مثل روسيا. ولو أضفنا الاقتصادات الأميركية والبريطانية والألمانية والفرنسية واليابان سوية، لظهر فارق شاسع بينها جميعاً. والصين تُواجه كذلك تحديات أمنية وصراعات في الإقليم المباشر، مع اليابان والهند، وهي ليست في مواجهة أحادية مع الولايات المتحدة فحسب.

المهم أننا أمام عالم مختلف يتبلور سريعاً أمامنا. لن يكون بإمكان الولايات المتحدة لعب دور الشرطي وفرض ارادتها بشكل أحادي، لكن ذلك لا يعني تتويجاً للصين على أنقاض الأولى، بل تحولاً بطيئاً وفراغاً لن يخلو التنافس عليه من الدماء.

ومنطقتنا هنا ساحة متقدمة للنزاع عليها أن تُفكر ملياً بما ينتظرها. هذا إن كان في صفوف قادتها من يُفكر أبعد من الحفاظ على مصالحه وسلطته ونفوذه

المدن

—————————–

مقالة قديمة: ماذا سيفعل بايدن؟/ ميشيل كيلو

20 فبراير 2021

أعترف أنه لا معلومات لدي عمّا سيفعله الرئيس بايدن بشأن سورية، وأن الجهل بنواياه وخططه يشمل اليوم معظم من يدّعون المعرفة به وبما سيفعله، من الذين يتحدّثون وكأنهم أعضاء في إدارته، يشاركون في اجتماعاتها ويعرفون أسرارها، مع أنهم ليسوا غالبا من أصدقائنا الأميركيين/ السوريين، الأقدر على تخمين وتوقع ما قد يفعله، أو يدور في خلد مساعديه. لكنني أعرف أن بايدن ليس في عجلة من أمره، لثقته بنفوذ واشنطن وحضورها في سورية وحولها، وبأن جيش بلاده يستطيع تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر، انطلاقا من قواعده السورية، وتلك المتناثرة بكثافة في العالم، والتي يمنحه دورها ما يريد من وقت للتفكير بما عليه اتخاذه من خطوات، ولا سيما أن مصالحه السورية مضمونة تماما، وليس هناك من يمكنه تحدّيها أو تقليصها، فهي حصة نهائية، فلماذا يتعجّل ويجعل للمسألة السورية أولوية على القضايا الأخرى التي لا يسعه تجميدها كالقضية السورية، بما أنها تستدعي تدخلا عاجلا منه.

تُمسك واشنطن بأوراق الحل السوري الذي أعتقد أنها قرّرت تجميده إلى زمان يعرفه دهاقنتها المتحكّمون، بهذه الدرجة أو تلك، بمواقف من ترابط جيوشهم في بلادنا، وخصوصا منهم إيران، الجهة التي يكيل لها محتل الأرض السورية الآخر، إسرائيل، ضرباتٍ متتابعةً قد يكون بين أهدافها منع إيران من ممارسة دور متفوق على دور روسيا السوري، والإعداد للضربة الأكبر، في حال قرّرت واشنطن إخراجها من مستعمرتها الأسدية بالقوة، بموافقة موسكو، الحائرة بسبب قلة خبرتها في المجال الدولي، وفشل استئثارها بسورية، والذي تحدّى قدراتها، فأخفقت في بلوغ الهدف الذي حدّده الرئيس بوتين لغزوها، ويتلخص في الانفراد بموقعها الاستراتيجي، وتحويله إلى منطقة عبور تستعيد، انطلاقا منها، ما كان للسوفييت من حضور ونفوذ في الوطن العربي، وها هي تجد نفسها عالقةً بين خطوط واشنطن وطهران وإسطنبول وتل أبيب والأسد الحمراء، وعازفة، أو عاجزة، عن تصحيح غلطةٍ خطيرةٍ جسّدها دفاعها عن عصابة أسدية حاكمة، يرفضها شعبها، وشنّها حربا ظالمة عليه، مع أنه لم يكن يوما عدوا لها، أو يستخف بعلاقاته معها، كما فعل النظام الأسدي في مناسبات عديدة، منها غزوه لبنان بطلب من واشنطن وتل أبيب، والقتال إلى جانب الجيش الأميركي الذي دمر العراق وأسقط نظامه، وتقاسمه مع إيران!

جمدت واشنطن الوضع السوري، واستخفت بـ”انتصار” موسكو التي رفضت القرارات الدولية بشأن الحل السياسي في سورية، لاعتقادها أن فوزها بالغنيمة السورية يتطلّب رفضه تطبيقها، وها هي تجد نفسها عاجزةً عن إكمال الحسم العسكري، وأعجز من عاجزة عن الانفراد بحل سياسي، كثيرا ما حلم الرئيس بوتين به، بينما يُمسك صاحب البيت الأبيض أوراق الحل، وينظر بارتياح إلى الغارق في ما سماه جيمس جيفري، ممثل مكتب الأمن القومي الأميركي السابق في سورية، “المستنقع السوري”، ويتابع بارتياح فشل غريمه الروسي في القضاء على السلاح الذي يقاتل غاصب السلطة في دمشق، كما كان قد وعد مرارا وتكرارا، وتقليص حضور إيران في سورية، بينما خرج صفر اليدين سياسيا من تفاهمه العسكري مع واشنطن، وأخفق، أخيرا، في تدبير رؤوس أموال تمكّنه من إعادة إعمار سورية وابتلاعها وثرواتها، أو إيقاف عميله بشار ولو على ركبتيه، ومنعه من اللعب بورقة طهران، ضده. ليس بايدن مستعجلا على إخراج بوتين من المستنقع، أو على حل مشكلاته مع تركيا وإيران. ولذلك، ليس مستعجلا على حل.

هل هذا ما يفكر ساكن البيت الأبيض الجديد به؟ أعتقد أن هذا ما يجب أن يستنتجه كل من يتأمل كيف تحاصص الغزاة سورية، قبل الحل، وكيف أجلوه بدورهم، لأنه يرجّح أن يكون موضوع نزاع بينهم. ترى، لماذا يجعل بايدن الحل من أولوياته، في ظروف مريحة له كهذه؟

العربي الجديد

——————————

====================

تحديث 09 أيلول 2021

—————————

الانسحاب من أفغانستان في دلالاته السورية-اللبنانية/ منير الربيع

يقود الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى متغيرات سياسية ذات انعكاس استراتيجي في كل منطقة الشرق الأوسط. تتضح أكثر فأكثر معالم اللامبالاة الأميركية للتطورات الشرق أوسطية، إهمالاً لكل ملفات المنطقة. في مقابل قوى أخرى تسعى إلى سدّ الفراغ أو البحث عن فرصة لتعزيز شروطها وأوراقها وحضورها. ينعكس ذلك بشكل مباشر على الوقائع اللبنانية والسورية كما على كل وقائع المنطقة. ومن أبرز مؤشرات هذه التحولات، هي زيارة الوفد اللبناني الرسمي إلى دمشق في إعادة تطبيع العلاقات وافتتاحها رسمياً بعد عشر سنوات على انقطاعها. تركز طهران على تعبئة الفراغ وتحقيق مكسب سياسي جديد لصالح حلفائها.

لن تكون زيارة الوفد اللبناني الرسمي هي الوحيدة أو الأخيرة، سيكون هناك تحضير لزيارة يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى دمشق، ووفود من قوى متعددة ستذهب أيضاً باتجاه الشام على وقع البحث عن فرص لتوقيع اتفاقيات لها علاقة بالنفط والغاز، ووسط مساع عربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. تحاول إيران تظهير الانسحاب الأميركي وكأنه انتصار لها، تسارع إلى خطوات مع حلفائها تظهر قوتها وثبات نظرتها، وإنجاز المزيد من الأهداف السياسية. صحيح أن طهران تحقق أهدافاً سياسية وتسعى إلى تحقيق المزيد من التقدم تحضيراً للحظة تجديد التفاوض الكبير مع الولايات المتحدة الأميركية.

لم يكن الوفد اللبناني ليزور دمشق لو لم يكن هناك موافقة أميركية واضحة، حصلت الزيارة بتنسيق مع الأميركيين، من غير المعروف حتى الآن أبعاد هذه الخطوة الأميركية، إذا كانت ذات فعل صادق، أم أنها محاولة لنصب فخ جديد لكل من لبنان وإيران وسوريا معاً. السماح الأميركي بزيارة الوفد جاء بعد إعلان حزب الله عن استقدام النفط الإيراني إلى لبنان، قد يكون الردّ الأميركي هو إشارة إلى استمرار صراع المحاور والهويات السياسية، بين النفط الإيراني والنفط العربي، كما كان هناك صراع في السابق بين سوريا العربية وسوريا الإيرانية، من خلال نظرية احتضان النظام السوري عربياً لتخفيف النفوذ الإيراني وقضمه. ولكن أيضاً لا يمكن الوثوق بالأميركيين، الذي بعد عشرين سنة على مواجهة طالبان في أفغانستان، اتخذت واشنطن قرار الانسحاب وسلّمت البلاد كلها لجماعة قاتلتها وصرفت في سبيل قتالها آلاف مليارات الدولارات، وهذا أمر قابل لأن يتكرر مع إيران أو مع حزب الله في لبنان والمنطقة. وسوريا إحدى أبرز الأمثلة على التخلّي الأميركي عن دعم الشعب السوري وإطلاق يد إيران في سوريا وسحق الثورة السورية والحفاظ على النظام، وهذه كلها كانت نتيجة اهتمام واشنطن بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني. وحالياً هناك مشهد يتكرر في درعا، من خلال مؤامرة دولية أميركية روسية لتهجير أهالي المحافظة كرمى لعيون خطوط النفط والغاز.

كما أن زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا لم يكن لتحصل لولا الموافقة الأميركية، تبرز معلومات مؤكدة عن احتمال عقد لقاء بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، واللواء علي مملوك في العراق. ذلك يأتي في سياق الحركة الشاملة التي تقودها بغداد وحكومة مصطفى الكاظمي للجمع بين المتخاصمين، برعاية أميركية أيضاً. تشير المعلومات إلى احتمال عقد لقاء في شهر أكتوبر بين فيدان ومملوك في بغداد، وهو تتويج للقاءين استخباريين تركي وسوري حصلا في بغداد في الشهرين الفائتين، كذلك لا بد من الإشارة إلى لقاءين آخرين عقدا بين فيدان ومملوك برعاية روسية.

لا يعتبر ذلك تفصيلاً بالنسبة إلى مجريات التطورات، دخول تركيا بقوة أكبر إلى سوريا ولو من باب العلاقات مع النظام، سيكون له آثار سياسية متعددة، ما يركز عليه الأتراك وفق المعلومات هو ترتيب الوضع في درعا، وفي إدلب، وتوفير حماية للمدنيين، بالإضافة إلى تسهيل أمور السوريين المقيمين في تركيا، فيما الملف الثالث والأهم هو البحث في وضع الأكراد.

أمام هذه الوقائع لا بد من تسجيل ملاحظات أساسية على السياسة الأميركية. فإذا كانت وقائع الدخول الأميركي إلى الشرق الأوسط قد أدت إلى تحقيق تقدم إيراني، من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، فإن الانسحاب الأميركي من المنطقة، ينطوي على تعزيز نفوذ الأتراك فيها، خروج الأميركيين من أفغانستان، ينطوي على تحقيق تقدّم تركي هناك وفي كل المنطقة المحيطة، ما سيعزز النفوذ التركي أكثر، وهو امتداد لنفوذ تركي أساسي في باكستان وطاجيكستان وأذربيجان، ولا ينفصل عن النفوذ التركي في البحر الأبيض المتوسط بفعل الاتفاق التركي الليبي. ذلك يرتبط أيضاً بالمصالحات التركية العربية والخليجية، وحالياً يأتي دور تركيا في سوريا من خلال تثبيت حضورها انطلاقاً من الانسحاب الأميركي، وكما فعلت أنقرة منذ لقاءات أستانا في تعزيز نفوذها في سوريا، حالياً تسعى إلى توسيع هذا النفوذ ولو ارتكز على لقاء أو تنسيق مع النظام.

تلفزيون سوريا

——————————-

قنبلة موقوتة.. وديعة أميركية في أفغانستان/ أحمد رحال

ما تزال أصداء إخفاق انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان تتردد، بانعكاسات سياسية وعسكرية واستخباراتية، تكاد تطيح بأسماء لامعة في الإدارة الأميركية، وقد بدأ الحديث عن مدى الخسارات المتوقعة للحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية القادمة في الكونغرس، بعد أن أصبح من شبه المؤكد أن لا ولاية أخرى للرئيس الحالي “بايدن”.

الإخفاق الأميركي الذي يأتي بعد عشرين عامًا من الوجود الأميركي في أفغانستان ستكون نتائج دراساته وتحليلاته مادةً تُدرّس في المدارس والأكاديميات العسكرية والسياسية، وكذلك في مؤسسات العلاقات الدولية والأمنية، والانسحاب الأميركي بنتائجه الكارثية يعكس بصورة واضحة مدى الاستخفاف وحالة عدم وضوح الرؤية وسوء التوقع والتقدير، لدى ضباط الاستخبارات المركزية الأميركية وتقاريرهم التي توقعت صمود الجيش الأفغاني ثلاثة أشهر، على الأقلّ، على حين كانت ثقة حلف “الناتو” أكبر، عندما أكد جنرالاته، عبر توصيات وتوقعات، أن العاصمة “كابول” والجيش الأفغاني قادرون على الصمود، على الأقلّ لبداية عام 2022، لكن اللافت أنّ كلا الطرفين متفقان على حقيقة نصر حركة “طالبان”، وكان غياب التنسيق بين الاستخبارات الأميركية والبنتاغون واضحًا.

وبناء على ذلك؛ لم يكن مفاجئًا انتصار طالبان وسيطرتها على البلاد والقواعد العسكرية والمطارات، ومن ثم الحدود والعاصمة كابول، بل كانت المفاجأة في سرعة ما حدث، وفي سرعة انهيار الجيش الأفغاني الذي درّبته ودفعت رواتبه وزارة الدفاع الأميركية، بعد أن سبقه انهيار كامل المؤسسات الأمنية والسلطة السياسية التي كان رئيسها “أشرف غني” أوّل الهاربين نحو مطار كابول، للفرار خارج البلاد بما حصل عليه من صناديق الدولارات عبر الفساد المستشري بالبلاد.

المؤكد الآن أن هناك مراجعات، لدى القيادات الأميركية السياسية والعسكرية والاستخباراتية، لكلّ تقارير جنرالات وزارة الدفاع والاستخبارات والساسة التي كانت تُرفع من أفغانستان، وتتحدث عن قوة الجيش الأفغاني وعن النتائج الطيبة (وفقًا للتقارير المرفوعة) للمشاريع العسكرية التدريبية التي أجراها الجيش الأفغاني، وكانت أثمانها انهيارًا أفغانيًا وخيبة أمل أميركية، بعد مشاهد وأحداث أظهرتها ساحات أفغانستان، وأبرزت خسارة معارك للجيش الأفغاني أمام حركة “طالبان”، وكذلك تسليم الجيش دون قتال لمعظم الثكنات والمواقع التي كان يفترض به الدفاع عنها.

وفقًا لتقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (جون سوبكو)، كان الجيش الأفغاني يشغل 167 طائرة قابلة للاستخدام داخل البلاد، منها 33 طائرة من طراز “بلاك هوك”، وثلاث طائرات من طراز سي 130 هيركوليس، و23 طائرة من طراز (إ م دي 530)، و43 مروحية من طراز (آ سي 208)، و33 طائرة مطورة لإسقاط القنابل الموجهة بالليزر، وطلبت القوات الجوية الأفغانية، عبر وزارة دفاعها، من الأميركيين أكثر من مئة طائرة بدون طيار، وتقول تقارير الحسابات الأميركية عن مصروفها في أفغانستان إن مجموع ما صرفته واشنطن على عملياتها القتالية في أفغانستان يزيد عن 820 مليار دولار أميركي، والأخطر من ذلك تقارير تقول إن سلاحًا تسلّمته أو اغتنمته حركة “طالبان” تُقدّر قيمته بأكثر من 85 مليار دولار، فيه معدات خطرة جدًا تشمل:

600 ألف قطعة سلاح مشاة، أهمها بنادق هجومية أميركية طراز “إم 4” و “إم 16″، وأسلحة قنص طراز إم 24، و162.643 جهاز اتصال عسكري، 16 ألف جهاز رؤية ليلية للمعارك، و167 ألف مركبة عسكرية، أبرزها مركبات مدرعة أميركية طراز “هيمفي”، ومركبات مضادة للألغام، 7035 مدفع رشاش، 25 ألف قنبلة يدوية، 1394 قاذف قنابل، 16191 قطعة من الأجهزة الخاصة بالاستطلاع والاستخبارات والتجسس، 208 طائرات وحوّامات (شينوك وبلاك هوك)، وقد أكدت تقارير أميركية أن عدد حوامات (بلاك هوك) التي تركتها في أفغانستان يعادل 85% من عدد تلك الحوامات من هذا الطراز الموجودة خارج أميركا، أما الطائرات فهي طائرات هجومية خفيفة طراز (سوبر توكانو)، لكن من الناحية العملية لا يمكن استخدام الطائرات المتطورة دون تدريب، و211 طائرة إمداد عسكرية أميركية (46 منها هرب بها عناصر وضباط أفغان إلى أوزبكستان المجاورة)، والتقارير التي أظهرتها بعض الفيديوهات عن تدمير بعض تلك الطائرات والحوامات لم تُقنع أحدًا، خاصة ما قاله قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال “كينيث ماكنزى” بأن القوات الأميركية نزعت سلاح 73 طائرة، و 70 عربة تكتيكية من طراز (مراب)، و27 عربة (هيمفي) كانت موجودة في مطار كابول قبل إنهاء عملية الانسحاب، وأضاف: إنه إجراء معقد ويستغرق وقتًا طويلًا لتحطيم وتخريب تلك الأنظمة، واعتبر ماكنزي أن تجريد هذه الأنظمة من السلاح لن يسمح باستخدامها مرة أخرى، وأن الدافع لأمر التخريب مرده أن حماية القوات الأميركية كان أهمّ من إعادة تلك الأنظمة لأراضي الولايات المتحدة الأميركية.

وبناءً على ما سبق، أصبح اليوم أمرًا اعتياديًا مشاهدة مقاتلي حركة “طالبان” وهم يرتدون الزي العسكري الأميركي، وقد تم تجهيزهم بدروع واقية من الرصاص ونظارات للرؤية الليلية وبنادق أميركية متطورة، ويتجولون في عربات (همفي) الأميركية الشهيرة.

إن طريقة انهيار الجيش، ومشاهد هروب السلطة الرئيسية، وخاصة الرئيس الذي بدا وكأنه يرتب لتسليم السلطة وكل تلك المقدرات لطالبان! كانت تشبه إلى حد بعيد طريقةَ تسليم القيادة العراقية لمدينة “الموصل” في العراق، إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لأن واقع الحال يقول: إن عملية تسليم الموصل، مع المقدرات العسكرية واللوجستية لأربع فرق عسكرية عراقية مدربة على يد الأميركان، والانسحاب دون قتال تاركة سلاحها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، هي سيناريو مشابه لما يحصل الآن في أفغانستان، فهل نعدّ أن ما حصل بالعراق هو ترتيب أميركي آخر؟؟

وهل ما حصل في أفغانستان وعلاقة السلطة والقيادة العسكرية الجديدة يتعلق بمجموعة اتفاق البريكس؟ هل تلك القوة العسكرية المتروكة التي أودعتها وتركتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان لدى حركة “طالبان” ستكون مهمتها المستقبلية مواجهة قدرات دول البريكس أو التشويش عليها وإشغالها على أقل تقدير؟؟

ما يعزز هذا التوجه والتحليل أن هناك بعض التقارير الأميركية التي لاحظت أن هناك عمليات ضخ لكميات كبيرة من السلاح تفوق حاجة الجيش الأفغاني والقوى الأمنية (هناك تقرير أميركي يؤكد أن قوات الجيش والشرطة تلقت 112 ألف قطعة سلاح زائدة عما طلبته أفغانستان أساسًا)، وتلك التقارير زادت من غموض المغزى الأميركي مما حصل ويحصل.

وهناك تقرير يؤكد مبررًا أنّ من الأسباب الأخرى للفائض، في بعض أنواع الأسلحة الأميركية التي شُحنت وسلمت للجيش الأفغاني وزادت عن الحد المطلوب، رغبة قوات الأمن الوطنية الأفغانية في الحصول على أسلحة جديدة، بدلًا من إصلاح الأسلحة القديمة أو المعطلة، فهل غفلت عيون واشنطن وقيادتها العسكرية والاستخباراتية في أفغانستان عن هذا الأمر؟!

التقرير الذي أعده خبراء أميركيون حول السلاح المسلّم إلى أفغانستان أكد أنه كان على جنرالات البنتاغون مساعدة السلطات الأفغانية في القيام بجردة حساب كاملة لكلّ الأسلحة المسلمة إلى سلطات كابول وتدقيق لوائح التسليم ومحتويات المستودعات وضبط عمليات التسليم وتدقيق وجهات تسليم السلاح، ومع ذلك، فكل المؤشرات والدلائل تؤكد غياب سجلات الجرد والتدقيق والتفتيش والمحاسبة بالجيش الأفغاني قبل رحيل الأميركان، فما بالك اليوم؟

العبث والفوضى لم يكونا حصيلة الجهود العسكرية الفوضوية والفاشلة فحسب، بل شملا حتى أموال إعادة الإعمار، فقد كشف المفتّش العام المكلف إعادة اعمار أفغانستان “جون سوبكو” أن هناك مساعدات بقيمة 103 مليارات دولار لإعادة إعمار أفغانستان أُهدر جزءٌ منها على خطط مساعدة غير مدروسة وغير مجدية، وقال: “أنفقنا من المال أكثر مما ينبغي، وأسرع مما ينبغي، في بلد صغير جدًا، وبقدر ضئيل جدًا من المراقبة، إضافة إلى فقدان أثر مئات آلاف قطع السلاح التي سلّمت إلى أفغانستان خلال الأعوام السابقة”، والعارف بطريقة عمل الجيش الأميركي يدرك أنه من أكثر الجيوش تدريبًا ومحاسبة وتدقيقًا وملاحقة، فلماذا كان هذا الإهمال لأموال دافع الضرائب الأميركي؟؟ أم أن كل ما تم كان مدروسًا ومعدًّا لتنفيذ مهام سرية لاحقة، لم تكشفها بنود التوافقات والتفاهمات التي جرت بين وفد التفاوض الأميركي ووفد حركة “طالبان”، في العاصمة القطرية الدوحة؟؟

كميّة السلاح التي تمتلكها اليوم حركة “طالبان” تجعل منها رقمًا صعبًا في حسم الوضع الداخلي في أفغانستان، وتجعل منها قوة لا يستهان بها، ويجب أخذها بعين الاعتبار لدول أخرى كانت خططها الإستراتيجية تضع السيطرة على أفغانستان من ضمن اعتباراتها، واليوم، غابت تلك الاعتبارات من خطط موسكو وبكين وإيران وغيرها، نظرًا للمخزون الاستراتيجي العسكري الذي باتت تحتويه مستودعات حركة “طالبان”، وبات على تلك العواصم التوجس من قدرات “طالبان” بتغيير الوضع الجيوسياسي، بعد أن برزت كقوة عسكرية وسياسية شريكة في رسم مستقبل كامل المنطقة.

إن الوديعة الأميركية، من سلاح ومعدات ومقدرات متروكة في أفغانستان، هي “قنبلة موقوته” متفجرة وحارقة وخارقة ومدمرة، فتيل إشعالها ظاهريًا ممسوك بيد حركة “طالبان”، لكن قد يكون لواشنطن رأي آخر وتفاهمات سرية، ستتوضح لنا في المستقبل القريب. وعلى العواصم المحيطة، عدم إغلاق أعينها عن كابول؛ فقد بات المشهد خطيرًا ويستوجب المتابعة.

مركز حرمون

——————————

السّياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة بين الأمس واليوم/ رياض قهوجي 

 يرفض العديد من الناس فكرة أن دولة عظمى مثل أميركا يمكن أن يخطئ قادتها ومسؤولوها في تقديراتهم وقراراتهم، وبالتالي يرون في كل خطوة قامت وتقوم بها هذه الدولة العظمى جزءاً من مخطط أو مؤامرة تحوكها مجموعة من العباقرة معصومين عن الخطأ، وقادرين على رسم مسار سياسات متعددة على مدار عقود من الزمن. وتمتاز منطقة الشرق الأوسط بوجود العديد من هؤلاء المؤمنين بـ”نظرية المؤامرة” الأميركية التي لا تنتهي فصولها، والذين يعتبرون أنه حتى لو تعرضت مصالح أميركا لأي ضربات وبدا أن سياسات واشنطن تعرضت لانتكاسة، فإن ذلك جزء من مخطط يخدم أهداف أميركا الكبرى التي نحن كعرب أو مواطنين من دول العالم الثالث عاجزون عن فهمها وإدراكها.

باختصار، بالنسبة الى جماعة “نظرية المؤامرة،” أميركا لا تخطئ. ولقد ظهر هذا جلياً خلال العقدين الأخيرين من خلال العديد من التقارير والتحليلات، وآخرها الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتي ترى في ما يجري نتيجة لخطط وضعها مسؤولون أميركيون منذ زمن. هناك من لا يزال يتحدث عن مخطط هنري كيسنجر الذي خرج من السلطة قبل نحو خمسين عاماً، وآخرون يتحدثون عن نظرية “الفوضى المنظمة” للمحافظين الجدد.

تمكّنت الولايات المتحدة في أقل من قرن من التحول من دولة خرجت حديثاً من حرب أهلية وتعيش في عزلة على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، الى القوة العظمى المهيمنة عالمياً والأكثر تقدماً تكنولوجياً. فهي من مكّن دول غرب أوروبا من الانتصار في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي من خرجت منتصرة من الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي ووضعت أسس منظومة الحوكمة العالمية التي بُني النظام العالمي الحالي على أساسها. لعل هذا الصعود السريع والأسطوري لأميركا هو أهم أسباب اقتناع العديد من الناس بأن صنّاع القرار في أميركا يعرفون كل شيء ولا يخطئون.

ولأن أميركا كانت طرفاً مؤثراً في تطور الحوادث في الشرق الأوسط، بخاصة في ما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن ثم حرب تحرير الكويت ولاحقاً اجتياح العراق، فهي رسخت لنفسها صورة في أذهان العديد من الناس بأنها دولة لا تُهزم، ودائماً تحقق أهدافها من دون أي أخطاء. وهناك حتى من يتعاطون الشأن العام ويحتلون مناصب حكومية مهمة في المنطقة ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة الأميركية ويتصرفون على أساسها. فما هو واقع الحال؟

الدول عبر التاريخ تنجح وتصل الى درجة العظمة بحسب نوعية قادتها وامتلاكها مصادر القوة الأساسية: القدرات الاقتصادية، التكنولوجيا العسكرية والموارد البشرية. ولقد ظهرت امبراطوريات عديدة عبر الأزمنة شهدت عبر مراحل وجودها فترات من تعاظم نفوذها وتراجعه قبل أن تنهار في نهاية الأمر، فإما تختفي كلياً أو تتقلص الى دولة عادية أو قوة متوسطة، كما هي الحال بالنسبة الى الإمبراطوريتين اليابانية والبريطانية اللتين تقلص حجمهما خلال القرن الماضي تقلصاً كبيراً الى ما هما عليه اليوم. وهذا ينطبق على أميركا التي لا تزال اليوم تتمتع بنفوذ كبير عالمياً، لكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية تؤثر في أدائها وقراراتها وعلاقاتها مع حلفائها. أهم ما يؤثر في قرارات السياسة الخارجية الأميركية، هو شخصية المسؤولين والوضع الداخلي ومجموعات الضغط التابعة للشركات العملاقة التي تملك مصانع السلاح والتكنولوجيا والمصارف ومصافي النفط وناقلاته، ومنشآت الطاقة وإدارة المناجم حول العالم.

 نوعية القيادات السياسية في أميركا تغيّرت كثيراً منذ نشأتها حتى يومنا هذا. فأحد مؤسسي الجمهورية ورئيس الولايات المتحدة الثالث توماس جيفرسون كان عالماً وفيلسوفاً ومهندساً ودبلوماسياً مميزاً، في حين أن رئيس أميركا الخامس والأربعين كان رجل أعمال ملاحقاً بدعاوى قضائية بتهم الاحتيال والتهرب الضريبي والتحرش الجنسي اسمه دونالد ترامب. مستوى الأخلاقيات في السياسة تغيّر، ومعايير انتخاب الرؤساء تراجعت كثيراً. ولقد أثرت الثورة في الإعلام والاتصالات تأثيراً كبيراً في عالم السياسة في الأنظمة الليبرالية الديموقراطية، حيث بات الشخص الذي يستطيع أن يستقطب اهتمام الإعلام واستخدام شعارات شعبوية رنانة يتمكن من حشد ما يكفي من الأصوات للوصول الى السلطة، بغضّ النظر عن أجندته السياسية أو كفاءته المهنية. وهذا أحدث خللاً كبيراً في دوائر صنع القرار، إذ إن نوعية المسؤولين تتدنى، ما أثّر في سياسات الحكومة الأميركية عامّة والخارجية منها خاصّة.

أما داخلياً، فإن أميركا تشهد انقساماً أفقياً حاداً بين اليمين المحافظ واليسار الليبرالي، ومرد ذلك الى تراكمات لسياسات تبنتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ انتهاء الحرب العالمية وخلال الحرب الباردة الى يومنا هذا. وأدى تصاعد دور الشركات العملاقة والثورة التكنولوجية الى خسارة العديد من المزارعين والعمال الأميركيين مزارعهم ووظائهم في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ما أوجد نقمة لدى شريحة مهمة من سكان الوسط والجنوب الأميركيين على صناع القرار في واشنطن. كما أن سياسة استقبال المهاجرين من جنوب أميركا وأفريقيا والشرق الأوسط، ممن هم من البشرة السمراء ومن غير المسيحيين الإنجيليين، زاد من منسوب الشعور بالتهديد لدى العديد من الأميركيين البيض الإنجيليين الذين يشكلون الشريحة الأكبر من السكان. ولقد أدى هذا لتنامي النزعات العنصرية واتساع عدد المؤيدين لليمين المتشدد الذي يعارض استقبال المهاجرين غير البيض والمسلمين وتجنيسهم.

وكان وصول أول رئيس من أصول أفريقية الى الحكم، باراك أوباما، القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة الى جزء كبير من الأميركيين البيض. ولقد أحسن ترامب استغلال ذلك في حملته الانتخابية، ما أوصله الى البيت الأبيض. هذا الانقسام ما زال موجوداً، وأظهرته الانتخابات الأخيرة، ويبيّنه الالتفاف الكبير للجمهوريين في الكونغرس حول ترامب. هذا الانقسام الداخلي يؤثر كثيراً في السياسة الخارجية لواشنطن، الأمر الذي على المجتمع الدولي عامّة وحلفاء أميركا خاصّة، أن يتعايشوا معه لفترة من الزمن قد تكون طويلة، وسيترك تداعيات كبيرة وغير معروفة حتى الآن.

تأثير مجموعات الضغط أو ما يسمى بلوبيات الشركات الكبيرة، بخاصة العسكرية منها، في السياسة الخارجية الأميركية، هو أمر أكّدته العديد من الوقائع والدراسات في الولايات المتحدة وخارجها. حتى أن الرئيس الرابع والثلاثين لأميركا الجنرال دوايت أيزنهاور حذر في خطابه الوداعي للأمة عام 1961 من تداعيات “تأثير المجمع الصناعي العسكري” في قرارات الحكومة. وما التقارير التي تظهر بين الحين والآخر (والتي سيظهر المزيد منها مستقبلاً) حول مليارات الدولارات التي أُنفقت في حربي العراق وأفغانستان وحروب أخرى في الشرق الأوسط، سوى دليل على كم استفادت هذه الشركات الدفاعية من سياسات أميركا الخارجية خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

إذا ما تم جمع التغيير في نوعية القيادات مع الانقسامات الداخلية وتعاظم نفوذ المجمع الصناعي العسكري، تتكوّن صورة أوضح عن العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، وتُعرف أسباب التناقضات الكبيرة فيها وعدم التزامها استراتيجية متينة قابلة للاستمرار، ومبنيّة على عقيدة راسخة كما كانت عليه في النصف الأول من القرن الماضي. وكونها دولة عظمى غنية بموارد اقتصادية وعسكرية، تستطيع أميركا تحمّل أعباء السياسات الخارجية الفاشلة والانسحاب وترك حلفائها لمواجهة مصيرهم المشؤوم، كما كانت الحال في أفغانستان. فحقبة التخطيط الاستراتيجي الأميركي الطويل الأمد انتهت في أواخر خمسينات القرن الماضي، واليوم عمر أي استراتيجية للإدارة الأميركية هو غالباً من عمر فترة ساكن البيت الأبيض، أي من أربع الى ثماني سنوات. الخطر على أميركا هو أن تفقد ثقة غالبية حلفائها، وتبقى في الساحة الدولية وحيدة لمواجهة القوى العظمى الصاعدة، وتحديداً الصين.

النهار العربي

—————————–

موجة ثانية أم نهاية الجماعة؟/ عبد الرحمن الراشد

في شهر واحد، كان هناك انتصار في أفغانستان وهزيمة في تونس. وبعد الإحباط من الفشل المتكرر، أيقظ استيلاء «طالبان» على الحكم آمال جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة المسلحة في أنحاء منطقتنا. وجاء انتصارها ليغطي على هزيمة وإقصاء حزب النهضة في تونس الذي أوحى بأنها نهاية الطريق للتيار الديني الطامح للحكم في المنطقة.

فهل الإسلاميون في صعود أم هبوط؟

«طالبان» لا تشبه كثيراً «النهضة» التونسية أو «الإخوان» المصرية أو «القومي الإسلامي» السودانية. «طالبان» جماعة قبلية بشتونية يتزعمها قادة دينيون. أما «الإخوان» فليست حركة كفاح وطنية ولا مكوناً محلياً، بل جماعة دينية أممية تعد كل العالم الإسلامي دولتها، وكل المسلمين في العالم أتباعها، وإحياء الخلافة الإسلامية مشروعها، وهي وسيلة للوصول للحكم، مثل البعثية ذات الفكرة القومية العربية المتشددة التي ترفع شعار «العرب أمة واحدة»، ومثلها الشيوعية الأممية.

رأيي أن مشروع «الإخوان» المحلي والأممي في انحدار. أتباعه يعزون ذلك إلى الانقلابات والمؤامرات، لكنّ إخفاقهم في تونس نتيجة فشلهم في التجربة السياسية التي تسببت في كراهية شعبية واسعة ضدهم، أمر لا ينكرونه.

هل مات مشروع الدولة الإخوانية، الذي حكم أو شارك في الحكم ثم خسر في مصر والسودان وتونس، أم أننا أمام الموجة الثانية لصعود التيار الإسلامي السياسي من جديد؟ من النتائج والدروس سنرى المزيد من الانحسار، وليس التنافس بين الدولة الوطنية والدولة الدينية.

رأيي عكس ما يقال، صعود «طالبان» سيضرب ويشوّه فكرة الجماعة والتنظيم والدولة الإسلامية، مدنيةً كانت أم مسلحةً. والذين يتباهون، من الإسلاميين، بانتصار «طالبان» وعودتها لحكم أفغانستان، وخروج الأميركيين، هم أنفسهم سيباعدون عنها ويعلنون براءتهم لاحقاً من «طالبان» وأنها جماعة تشوّه الإسلام. وهذا ما عنيته في مقالي السابق أنها استثمار سياسي فاشل. ودلائل الفشل بدأت تظهر على السطح واضطرت الوسطاء إلى السعي لإقناع المشرعين الأميركيين بأن يعطوا الحكم الجديد في كابل فرصة حتى يثبت نفسه أنه يحترم القوانين والأعراف الدولية. لكن من الصعب أن نتخيل أن «طالبان» قادرة على أن تغير جلدها.

«طالبان» حركة دينية اجتماعياً بسيطة، وليست سياسياً شريرة، مثل «القاعدة» و«داعش». المفزع أنها مركّب سهل للجماعات الإسلامية المتطرفة أو حتى بعض الأنظمة، لأن الخطاب الطالباني الأفغاني في أعماقه مشابه لهذه الجماعات. ومثل معظم الجماعات المماثلة هي ذاتية التدمير، وستؤلب العالم ضد نفسها بسبب عجزها عن التأقلم خارج حدودها. وهي، كأي حركة دينية أو مؤدلجة أخرى، ستزداد تشدداً في داخلها. فور ساعة انتصار «طالبان» حرص المتحدثون باسم الحركة على الظهور على شاشات التلفزيون، والجلوس مع ممثلي الحكومات والمنظمات الدولية، حتى يبدوا معتدلين يمكن للعالم التعايش معهم. ثم مرت أيام قليلة واتضح أنهم القشرة العليا، أما تحت سطحها توجد القيادة الحقيقية؛ المتطرفون حَمَلة السلاح. وهذا أمر مألوف في التنظيمات السرية، التي تعمل تحت الأرض. فالحديث مع مفكر وقيادي في «الإخوان» المصرية مثل عبد المنعم أبو الفتوح يوحي بالموضوعية والإيجابية والاعتدال. وسواء كان طرحه عن إيمان به، أم مجرد علاقات عامة، كما يتهمه الآخرون، فإن الحقيقة أن صناعة القرار وتنفيذه كان في يد الجناح المتطرف، وشخصيات مثل خيرت الشاطر الذي يعتقد أنه كان يدير الحكومة رغم أنه لم يكن في الحكم.

«طالبان» الدوحة ليسوا «طالبان» كابل. في الإعلام الدولي عزفوا كلاماً يُطرب الغرب، ثم في الأيام التالية سمعنا الحكام الحقيقيين في شوارع العاصمة يتحدثون بشكل مخالف تماماً لما كان يقال في المؤتمرات الصحافية. انتصار «طالبان» هزيمة للجماعات السياسية المدنية الدينية فهي في انحدار، والجماعات الإسلامية المسلحة في تصاعد.

الشرق الأوسط

———————

====================

تحديث 16 أيلول 2021

———————————

أميركا: الولد الشقى صاحب “الطابة” بملعب “الشرق الأوسط”/ د. باسل معراوي

كلنا يذكر أيام الطفولة عندما كنا نلعب بالطابة “الكرة” في الحارة …كنا نختلف على من سيلعب بكل فريق ومن سيكون المهاجم ومن الغولار “حارس المرمى”، ومتى تبدأ المبارة.. ومتى تنتهي، نختلف وتتعالى أصواتنا ومنا يحرد “يزعل” ويراضيه بعضهم ويعود للعب ولو مكرها في مركز غير ما يفضل أن يكون فيه، وإذا لم تتساوى بمعنى يكتمل أعداد اللاعبين في الفريقين ممكن ينتظر أضعف الاولاد خارج الملعب لتكتمل اللعبة…

كل ذلك يجري أمام الولد الشقي الغليظ والذي ممسك بالطابة “الكرة”، وينتظر انتهاء المداولات غير عابئ بنتائجها لأنه يملك حق الفيتو على من يلعب ومن يخرج وتوقيت بدء المبارة وكذلك توقيت نهايتها مع حرص كل فريق أن يكون الولد الغليظ صاحب الطابة بفريقه رغم ديكتاتوريته حتى يكون الفريق الاقوى ويتحكم برسم نهاية المشهد..حيث كثيرا ماينهي الفريق الذي معه صاحب الطابة المباراة وهو منتصرا ..ويبتلع الفريق الخاسر الهزيمة ممتعضا ولايعترض على أمل التعويض في المباراة القادمة…

صاحب الطابة هو الولايات المتحدة الأميركية والملعب هو “الشرق الأوسط” واللاعبون هم مجموعة الدول الموجودة في الاقليم.

مرت الولايات المتحدة الأميركية بغفوة استراتيجية كبرى ..إذ بعد هزيمتها لامبراطورية الشر ( الاتحاد السوفيتي)، كما كان يفضل الرئيس رونالد ريغان تسميتها وانفراط عقد وارسو، بل تحول الجزء المهم من دوله إلى الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو…وتطليق العقيدة الشيوعية وبناء النظم السياسية القريبة من الغرب

اخطأت كثيرا الولايات المتحدة اختيار عدوها الاستراتيجي المقبل حيث اختارت الارهاب العالمي (الارهاب السني على وجه التحديد) خاصة بعد احداث 11 ايلول 2001..ولم تدرك ان الارهاب سلاح وليس عدو وهناك من يحرك هذا السلاح كما يريد وساعة ما يشاء ..فالارهاب مثل الدبابة والطائرة لايمكن أن يكن عدوا والعدو الحقيقي من يحرك هذه الأدوات

لن نصدق ما يردده المسؤولين الأميركان أنهم بصدد فك الارتباط بالبر..سواء بأفغانستان او العراق أو سورية…فتلك أحاديث توجه للاستهلاك المحلي..فطالما أن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على الدولار كعملة عالمية فعليها بناء قوة بحرية لاينافسها احد (وهؤ كذلك الان) وضمان سلامة خطوط الملاحة الدولية وضمان وصول الطاقة والمواد الاولية والمصنعة إلى من يحتاجها…وهي تملك الآن 21 حاملة طائرات 11 منهم سوبر، ثلاث منهم تعادل القوة النارية لكل القوات البحرية في العالم…في حين أن الصين تملك حاملة طائرات واحدة وروسيا تملك واحدة من طراز قديم جدا موروثة من اسطول الاتحاد السوفييتي

لاتريد الولايات المتحدة تدمير إيران لان ذلك سيجعلها بحضن الصين للابد لإعادة اعمارها..إيران في قلب قوس الازمات العالمي ..استخدمتها الولايات المتحدة (سواء اثناء حكم الشاه محمد بهلوي أم بوصول الخميني للسلطة) كحائط صد أمام التمدد الشيوعي جنوبا…وكانت تشكل الى جانب تركيا خطوطا منيعة لمنع الوصول السوفييتي للمياه الدافئة…ايضا عندما فكر والد الشاه الاخير الانضمام لهتلر في الحرب العالمية الثانية احتلت القوات البريطانية الجزء الجنوبي منها واحتل السوفييت الجزء الشمالي وتم اعتقال ونفي الشاه الموالي لهتلر، ولم ينسحب منها المحتلون إلا بانتهاء الحرب وتنصيب الشاه الأبن مكانه…

إيران ضرورية لأميركا في معركتها لاسقاط الصين ولن تسمح لها أميركا أو حتى روسيا أن تكون أداة صينية متقدمة…لذلك العمل جار على ارجاعها لبيت الطاعة الغربي (كرها أو طوعا) وابعادها عن الصين وبوصول اليمين المحافظ إلى الحكم واستفراده بها ورفضه لتوقيع الاتفاق النووي أو أي مناقشة لملف التمدد الاقليمي الذي يهدد أمن الدول كلها…وباعتبار أن منطقة ” الشرق الأوسط” والخليج العربي خطا أحمر أميركيا غير قابل للتفاوض ..فسيكون الاكراه الأميركي لإيران على الانفكاك عن الصين هو الارغام ويتم ذلك بادخالها بليل عقوبات لاينتهي وقاس ومظلم..يترافق هذا الليل الدامس بضربات نوعية وتحربك الاضطرابات الداخلية والتي تتنوع بين اضطرابات معيشية يشترك بها كل الشعب الإيراني أو اضطرابات مذهبية وقومية عبر الثقب الأفغاني الأسود الذي تم فتحه من الشرق بوصول العدو النوعي للجهاد الشيعي واستنزاف الموارد الإيرانية شرقا لاضعافها بغرب اسيا..واضطرارها للقبول ببحث تدخلها وزعزعتها لأمن دول الجوار

ماذا ستغعل أميركا على المدى القصير في المنطقة؟

سعت أميركا والذي من المؤكد انها ستنسحب من البر الشرق اوسطي وتكتفي من الجو والبحر بإدارة المشهد..

أقدمت الولايات المتحدة على تشجيع مصالحات تاريخية بين حلفاءها المتخاصمين..وبعضها مصالحات تاريخية استراتيجية..فقد انجزت مصالحات بين دول عربية مهمة وإسرائيل وادخلت إسرائيل إلى القيادة العسكرية الأميركية المركزية بالمنطقة (والتي مجال عملها الشرق الاوسط)..بعد أن كانت ضمن القيادة العسكرية الأوروبية ..وتم اجراء مصالحات مهمة ببن قطر وكل من السعودية ومصر والأمارات العربية المتحدة…ومصالحات بين تركيا وكل من مصر والسعودية والأمارات…وتم نقل القواعد الأميركية العسكرية من قطر إلى الأردن لتعزيز حمايته وانعاش اقتصاده عبر محور الشام الجديد ومرور خط الغاز العربي “الإسرائيلي” وتصديره لكهرباء منتجة لديه إلى لبنان سيدفع البنك الدولي قيمتها..وذهب الجميع متصالحون إلى قمة بغداد للشراكة والتعاون بشبه حلف واحد بمقابل ايران كعدو(واقصاء بشار اسد عن الحضور كأعتراف بمحور إيراني مضاد)..

ماتريده بالنهاية الولايات المتحدة في ” الشرق الاوسط” هو انشاء منظومات أمن اقليمية بالمنطقة لاتعادي مصالحها وذاتية الانضباط كتلك التي موجودة في آسيا وأميركا الجنوبية حيث تؤدي هذه المنظومات إلى كبت وتأجيل كثير من الحروب والنزاعات المسلحة والاكتفاء بالتنافس الاقليمي وارجاع من يتمادى إلى حدوده..هذه المنظومات الإقليمية التي تضمن المصالح الأميركية من ناحية الطاقة والتجارة العالمية وطرق المواصلات هو ما تهدف اليه الولايات المتحدة للتفرغ تماما للصراع مع التنين الصيني…

الحلف المناهض لإيران يتكون من ثلاث قوى رئيسية هي العرب..واسرائيل وتركيا سيتم ضم إيران له (بعد اخصاعها) لتصبح القوة الرابعة، بحيث يتم انشاء منظومة أمن اقليمية شرق اوسطية ذاتية العمل يتحكم بها الولد الشقي والغليظ صاحب الطابة وهو الولايات المتحدة الأميركية

سوريتنا

——————————–

واشنطن و”تحرير الشام”.. سيناريو تعاون ما يزال مطروحاً/ إياد الجعفري

كانت إطلالة أيمن الظواهري، زعيم تنظيم “القاعدة”، في الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول/سبتمبر، قبل أيام، باهتة وتعكس حضوراً بائساً، يؤشر لحالة تراجع التنظيم، وفق تصريحات لخبراء في شؤون الحركات الإسلامية، نشرتها وسائل إعلام، في اليومين الماضيين.

ورغم أنَّ هدف التسجيل الذي بثته “القاعدة” لزعيمها، هو تأكيد عدم وفاته، بعد الشائعات التي راجت بهذا الخصوص، إلا أنَّ ظهور الظواهري عكس حالة التدهور الصحي التي تلم به، وفتحت الباب أمام المتخصصين للتساؤل حول مصير التنظيم في ضوء أزمة خلافة مرتقبة في قمَّة قيادته. وذهبت شريحة من المراقبين إلى أنَّ الظواهري ميت بالفعل، وتحاول قيادة التنظيم إخفاء ذلك، خشية تعرض التنظيم للتفكك والانشقاقات.

تلك المعادلة الجديدة، التي فرضت نفسها في أوساط “الجهاد السُّني” في منطقتنا، وتتمثل في تراجع تأثير تنظيم “القاعدة”، لصالح طرفين آخرين، هما تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”، والتنظيمات الجهادية المحلية، تدفع إلى نتائج مرتقبة قد تؤدي إلى تغيرات نوعية على صعيد العلاقة بين حركات جهادية محلية، وبين قوى إقليمية ودولية، على غرار ما حدث بين طالبان، وكل من باكستان والولايات المتحدة الأمريكية، في أفغانستان.

ووفق المتخصصين في الحركات الجهادية، تواجه صيغة “الجهاد العابر للحدود”، أزمة جليّة في أوساط “الجهاديين”، لصالح الجماعات الجهادية المحلية، التي لا تستهدف الغرب أو أطرافاً خارجية.

ومنذ انضمام هيئة “تحرير الشام”، قبل سنوات، إلى توصيف “الجهاد المحلي”، بعد أن فكت ارتباطها بـ “القاعدة”، وقياداتها تؤكد في كلِّ مناسبة مُتاحة، أنها ليست بصدد استهداف الغرب أو أي طرف خارجي. وأنها تستهدف فقط النظام السوري وداعميه، داخل الأراضي السورية.

ورغم أنَّ شريحة واسعة من المتخصصين في دراسات الحركات الجهادية، يرفضون المقارنة بين “طالبان” وبين “تحرير الشام”، لأسباب عدة، من أبرزها؛ أنَّ “طالبان” تمكنت من فرض نفسها، بالقوة، في الساحة الأفغانية، فيما تبدو “تحرير الشام” محاصرة ومأزومة، وخاضعة لتفاهمات إقليمية، إلا أنَّ أسباب رفض المقارنة بين الحركتين، يرجع تحديداً إلى أنَّ عملية المقارنة تتم بين “طالبان” اليوم، بعد صعودها القوي بالسنوات الأخيرة، وبين “تحرير الشام”، اليوم، التي تبدو محاصرة وعاجزة عن المبادرة. أمَّا لو تمت المقارنة، بالعودة إلى صورة “طالبان” في لحظات انتكاسها، بعد العام 2001، إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان، ولجوئها إلى الجبال، وخروجها تقريباً من المشهد الأفغاني، لسنوات، قبل أن تشق طريقها للصعود مجدداً، فستصبح المقارنة أكثر واقعية.

ناهيك، عن معادلتين مرجحتين بشكل كبير، قد تغيران العلاقات بين الوسط “الجهادي السُّني” بالمنطقة العربية، وبين قوى إقليمية ودولية. الأولى؛ أنَّ معظم الخبراء في الحركات الجهادية يتوقعون صراع إلغاء، سيشتد بين الحركات الجهادية المحلية، وبين تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”، في الفترة المقبلة. وفي هذا الصراع ستجد القوى الإقليمية، وكذلك الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، مصلحة أمنية كبيرة لها، في دعم الحركات الجهادية المحلية، وهو ما يفسر أحد أسباب قبول واشنطن بتجرع المُرّ في تفاهمات مع “طالبان” وُثّقت باتفاق الدوحة، في شباط/فبراير 2020.

هذه التجربة الأمريكية مع “طالبان”، من الممكن إسقاطها على العلاقة بين واشنطن وهيئة “تحرير الشام”، في المستقبل القريب، على الرغم من أنَّ كثيراً من المراقبين يرفضون فكرة أن تقبل واشنطن صيغة من التفاهم والدعم لـ “تحرير الشام”، ذلك أنَّ بعض أبرز مسؤولي الإدارة الأمريكية، يصرّون على اعتبار الهيئة تنظيماً “قاعدياً”، رغم تغيير المسمَّى وإعلان فك التبعية منذ سنوات. لكن، مسألة عدم وجود تهديد حقيقي لمصالح الأمريكيين من جانب “تحرير الشام” ــ مع احتياج واشنطن لهذا النوع من التعاون في مواجهة الجهاديين “العابرين للحدود” سواء المحسوبين على “داعش” أو المحسوبين على بقايا “القاعدة” في سوريا ــ تجعل فكرة حصول تفاهمات أمريكية مع الهيئة، أمراً وارداً بشدة. وهي غاية تسعى الهيئة بجدٍّ كبيرٍ لتحقيقها، منذ نهاية العام المنصرم، عبر تغيير الخطاب، وتقديم صورة مختلفة عن الهيئة بوصفها “حركة تحرر” وليست “حركة جهادية”، وذلك عبر وسائل إعلام غربية.

أمَّا المعادلة الثانية، التي قد تشكل تغيراً نوعياً، فهي تكرار ما حدث بين باكستان و”طالبان”، في الحالة السورية. وهو أمر أشار إليه القيادي العراقي في هيئة “تحرير الشام”، أبو ماريا القحطاني، الذي اعتبر سيطرة طالبان على أفغانستان، في الشهر الفائت، فرصة تاريخية “للمحور التركي المسلم مع باكستان، (ليكون) محوراً جديداً يعيد رسم خارطة النظام الدولي الجديد”.

وبعيداً عن السقف المرتفع الذي طرحه القحطاني لقدرات تركيا وباكستان، فإنَّ الأخيرة نجحت في إقناع واشنطن بقبول التفاهم مع طالبان، بعدما عززت إسلام أباد، دعمها للحركة بصورة عجَّلت من سيطرتها على كامل أفغانستان.

وفيما لا يوجد حتى الآن ما يؤشر إلى أنَّ تركيا تعتمد استراتيجية مشابهة، في العلاقة مع “تحرير الشام”، تفتح تجربة التعاون البراغماتي، بين الطرفين، في تنفيذ تفاهمات أستانة وسوتشي التي اضطرت أنقرة لعقدها مع الروس، باباً لتعاون أكبر. خاصة وسط ما يُعتقد أنه دعم تركي للمقاومين في جنوب إدلب (جبل الزاوية)، ضدَّ تقدم قوات النظام المدعومة روسياً.

فأنقرة تملك مصلحة جليّة في دعم الحركة الجهادية، التي أظهرت قيادتها درجة ملحوظة من البراغماتية، في مواجهة خصوم تركيا في سوريا. وهي مصلحة قد تتجدد لدى واشنطن، ذاتها. حتى لو لم تكن في اللحظة الراهنة، سيناريو مطروح على الأجندة الأمريكية.

بطبيعة الحال، فإنَّ التغيرات التي تحدثنا عنها، في العلاقة بين الحركات الجهادية المحلية وبين القوى الإقليمية والدولية، تبقى رهناً بمجموعة شروط، من أبرزها في الحالة السورية؛ فشل مساعي واشنطن للوصول إلى حلولٍ وسط مع الروس والإيرانيين، في سوريا. وهي مساعٍ ستركز عليها الإدارة الأمريكية في الفترة المقبلة، لكنَّ التعنّت “الأسدي” – الإيراني، قد يتسبب في إخفاقها، وسط عجز موسكو عن فرض إرادتها على الأسد بدمشق، الأمر الذي قد يدفع واشنطن في نهاية المطاف، إلى استخدام ورقة “الجهاديين المحليين” في سوريا.

الطريق

—————————

هل تمهد أمريكا لمشاركتها الأسد بـ”نسخته الجديدة” في عيد ميلاده المقبل؟

كانت لبشار الأسد أسباب وجيهة للاحتفال بيوم ميلاده، الذي حل في 11 أيلول. فبعد أن رفع الأمريكيون الأيدي عن أفغانستان وانسحبوا منها بعد عقدين من عمليات البرجين، رفعوا أيضاً علماً أبيض في سوريا، فتركوها في أيدي بشار وشركائه.

صحيح أن صعود طالبان إلى الحكم واستئناف عمليات داعش ليسا بشرى طيبة للرئيس السوري، وذلك لأن الأمر كفيل بأن يعطي تشجيعاً وإلهاماً للمجموعات الإسلامية التي لا تزال تقاتله، ولكن يعوض عن ذلك المذلة التي تلقاها الأمريكيون، الذين لم يفقدوا رغم المهزلة الأفغانية التصميم على الانسحاب وعلى طي العلم و”الرقص مع العدو”.

في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي علق فيها لبنان، وفي ضوء نقص حاد في النفط والغاز يشوش حياة الدولة، بادر نصر الله مع حلفائه في طهران لخطوة علاقات عامة لامعة. الإيرانيون، بوساطة حزب الله، سيبعثون النفط إلى لبنان. وهكذا يثبتون للجميع من هو الذي يتجند لمساعدة لبنان عند الحاجة، فيساعدون حزب الله، وفي الوقت نفسه ينالون موطئ قدم آخر في المنطقة شمالي إسرائيل. بل إن نصر الله حرص على أن يهدد -ويبدو أن الأمور نزلت على آذان مصغية وفزعة في إسرائيل- بأن إذا مست إسرائيل بالسفن الإيرانية، فسيرى في ذلك مساً بالأراضي اللبنانية، وسيرد بما يتناسب مع ذلك.

وعليه، أعد الأمريكيون في الأسابيع الأخيرة صفقة تستهدف مساعدة حلفائهم في لبنان والخلاص من شرك العسل الذي عقده زعيم حزب الله أمامهم. وبدلاً من أن يبدو التصميم والزعامة للوقوف في وجه إيران، اختار الأمريكيون طريقاً ملتوياً جلبتهم مباشرة إلى أذرع بشار. اقترحوا أن ينقل كل من الأردن ومصر الغاز إلى لبنان ويربطوه بشبكة كهربائهم، وهكذا يخففون من الضائقة التي تسود فيه ويسمحوا لحكومة لبنان برفض المساعدة الإيرانية. أما السياسيون اللبنانيون الفاسدون وعديمو النفع، الذين هم على علم بالضرر الذي قد تلحقه العقوبات الأمريكية بأعمالهم، فقد قفزوا على العرض كغنيمة كبرى.

المشكلة هي أن الطريق من مصر والأردن إلى لبنان يمر عبر سوريا، وأن عقد صفقة كهذه هناك يحتاج إلى مباركة بشار. وقد أعطيت هذه بسرور، بمقابل إيضاحات من الولايات المتحدة بأن واشنطن لا ترفض استمرار حكمه في سوريا، وأن في نيتها سحب كل القوات الأمريكية من الدولة في أقرب وقت ممكن. وهكذا، بالمناسبة، يترك الأمريكيون حلفاءهم الأكراد في شمالي الدولة، الذين ساعدوهم في مكافحة داعش، وتركهم لمصيرهم في أيدي النظام السوري. يبدو أن الأمريكيين مصممون على أن يثبتوا بأن ليس لهم أصداء، بل مصالح – وعندما تغلب هذه، ترحل الصداقة.

وهكذا يمكن لبشار الأسد أن يحتفل بيوم ميلاد سعيد؛ لأنه بقي على كرسيه بعد حرب مضرجة بالدماء ذبح فيها مئات الآلاف من معارضيه، وبعضهم بالغاز، بل ولأن الأمريكيين يعترفون بانتصاره ومستعدون لـ”عقد الصفقات معه” مثلما في الماضي. تأمل واشنطن وإسرائيل بأن يكون بشار بعد الحرب هو بشار “جديد”: أكثر إنصاتاً وحذراً، مستعداً لصفقات موهومة ودعم أمريكي مقابل طرد إيران من سوريا. غير أن آمالاً كهذه ستتحطم على أرض الواقع مثلما في الماضي. وفي هذه الأثناء، وإلى أن يبدأ الغاز والكهرباء بالتدفق من الأردن ومصر، أعلنت دمشق عن نية سوريا مساعدة إيران في نقل النفط إلى لبنان عبر أراضيها. وبعد كل شيء، ما يضيرهم أن يرقصوا في عدة أعراس ما دام ذلك ممكناً؟

بقلم: أيال زيسر

إسرائيل اليوم 13/9/2021

القدس العربي

————————–

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى