أبحاث

ملف تناول التطورات الحالية لـ “هيئة تحرير الشام” ومقالات تناولت شخصية “الجولاني”

هيئة تحرير الشام ليست القاعدة، لكنها ما تزال نظامًا استبداديًا لا يُستهان به/ عروة عجوب

ترجمة أحمد عيشة

قبل الكشف عن هويته الحقيقية، وإعلان قطع علاقاته بتنظيم القاعدة في تموز/ يوليو 2016، حرص أبو محمد الجولاني، أمير جهة النصرة “الفاتح”، على التأكد من التحدّث بثقةٍ، عندما كان يُسأل عن علاقته بتنظيم القاعدة. وكان يرتدي زيًا تقليديًا متواضعًا من الأزياء الشامية، مظهرًا إحساسه بالانتماء والزهد المحليين. ولكن الأمور تغيّرت منذ ذلك الحين؛ إذ أصبح الانتماء إلى تنظيم القاعدة عبئًا، وقد غيّر “الفاتح” لقبه إلى مجرد “قائد”، وبدأ يرتدي بدلة رسمية على النمط الغربي. في الأول من حزيران/ يونيو، أصدرت (بي بي إس) فرونت لاين (PBS Frontline) فيلمًا وثائقيًا بعنوان “الجهادي“، يتضمن مقابلة أجراها الصحفي الأميركي، مارتن سميث، مع الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام الحالي، الذي “فتح قلبه” متحدثًا عن الماضي والحاضر وعن مستقبل جماعته [1].

أحيت المقابلة مسألة: هل ينبغي على المجتمع الدولي أن يصدّق مزاعم الجولاني، بخصوص تحوّل جماعته من الجهادية العالمية إلى التركيز المحلي، وإنكاره للادعاءات المتعلقة بالتعذيب في سجونها، أم لا. تجادل هذه المقالة بأنّ تحول هيئة تحرير الشام وانفصالها عن القاعدة هو أمرٌ حقيقي، ويجب الضغط على الجولاني لتقاسم السلطة على إدلب، وتخفيف قبضة جماعته الاستبدادية، التي تسبب مظالم سوف تدفع -على المدى الطويل- السكان المحليين إلى أيدي الجماعات المتطرفة، مثل داعش والقاعدة.

الجولاني الزعيم الزئبقي والبراغماتي

خلال الصراع السوري، قام القائد البالغ من العمر 40 عامًا، المعروف بسياسته الواقعية والبراغماتية، بتغيير ولائه مرتين، للحفاظ على سلطته. في نيسان/ أبريل 2013 و2016 على التوالي، نكث الجولاني بيعته أو يمين ولائه لأميره السابق أبو بكر البغدادي، (داعش) وأيمن الظواهري (القاعدة) [2]. وفي عالَم الجهاديين، البيعة عقدٌ ملزم بين الحاكم والمحكوم، ينصّ على التزامات متبادلة. وإذا لم يرتكب الحاكم خطيئة، فينبغي ضمان الطاعة والاعتراف بحكمه. ويُعدّ نكث البيعة خطيئة كبيرة، لأنه يضعف الأمّة، من خلال تقويض زعامتها وتشتيت صفوفها. ومع ذلك، فإن غريزة البقاء على قيد الحياة، والطموح السياسي، والجوع للسلطة، تتفوق أحيانًا على الأيديولوجية في تشكيل السلوك الجهادي [3].

أثناء حديثه مع سميث، بدا الجولاني غير مرتاح لمناقشة ماضيه المتطرف مع صحفي غربي. في مقابلاته السابقة، مع قناة الجزيرة في كانون الأول/ ديسمبر 2013 وأيار/ مايو 2015، لم يُخفِ الجولاني اعتزازه بانتماء جماعته إلى القاعدة [4]، إلى جانب الفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى، مثل أحرار الشام، ونور الدين الزنكي [5]. وبمرور الوقت، تم إخضاع كل هذه الفصائل تحت سيطرة هيئة تحرير الشام أو استيعابهم ضمنها لتعزيز سيطرتها على إدلب.

على عكس قتالها مع فصائل جيش الفتح، فإن معركة هيئة تحرير الشام مع القاعدة هي لعبة ذات محصلة صفرية، بسبب طبيعة القاعدة التي لا تساوم، وبحث الجولاني المحموم عن الشرعية السياسية، وهو ما دفعه إلى تبني موقف أكثر تطرفًا تجاه رفاق الأمس. منذ حزيران/ يونيو 2020، فككت هيئة تحرير الشام غرفة العمليات العسكرية للقاعدة (فاثبتوا)، بقتل واحتجاز كثير من كبار قادتها وإغلاق قواعدهم العسكرية [6]. وبالفعل، فإن أكثر من 20 من القادة والقادة الميدانيين لتنظيم حرّاس الدين (فرع تنظيم القاعدة في سورية)، ومعظمهم مطلوبون للتحالف الدولي، مسجونون في السجون غير الرسمية لهيئة تحرير الشام [7]. وعلاوة على ذلك، أصبح من الصعب إنكار تورط هيئة تحرير الشام في مقتل كبار قادة تنظيم حراس الدين، من قبل قادة التحالف الدولي، مثل أبو القسام الأردني وأبو محمد السوداني، آخذين في الحسبان إجراءاتهم الأمنية المشددة، وادعاءات الجولاني المتكررة بـ “احتواء” تنظيم حرّاس الدين.

وعلى الرغم من أنّ تنظيم القاعدة ما يزال موجودًا في إدلب، فإن وجودَه هناك ضئيل. حتى إن عملية القاعدة الأخيرة، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، نُفِّذت ضد القوات الروسية في جنوب الحسكة، من خارج إدلب[8].  وإنّ الادعاء بأن هيئة تحرير الشام (التي تضمّ أكثر من 12 ألف مقاتل) لا تزال تابعة للقاعدة إنما يروّج لروايةٍ أمنيةٍ، تحوّل إدلب، التي أصبحت موطنًا لأكثر من (3,5) مليون مدني، إلى هدف مبرر للتحالف الدولي، ويبرر أيضًا قصف النظام السوري وروسيا لإدلب، بذريعة محاربة القاعدة.

حكم هيئة تحرير الشام في إدلب

في حين يمكن النظر إلى الحملات القمعية الدورية التي تشنها هيئة تحرير الشام، ضد تنظيمي القاعدة وداعش في إدلب، على أنها علامات على حُسن النية مقدّمة للمجتمع الدولي، فإن هذه الإجراءات تعمل إلى حد كبير على ترسيخ حكمها، من خلال القضاء على أعدائها اللدودين وسحق الأصوات المعارضة المحلية، وهو ما يجعلها لا تختلف عن غيرها من الأنظمة الاستبدادية. ومن المرجح أن يؤدي النهج القمعي والإقصائي للجماعة في إدلب إلى تفاقم حالة التطرّف، حيث تقوم الهيئة بتهميش واستبعاد وقمع كثيرين، ممن لم يقتنعوا بالضرورة بأيديولوجية داعش والقاعدة، فيضطرّ هؤلاء -بسبب المظالم والعداء المشترك للجولاني- إلى الانضمام إلى هذه الجماعات. في الآونة الأخيرة، كسر الصحفي الأميركي، بلال عبد الكريم، الذي أمضى أكثر من ستة أشهر، في حبس انفرادي لهيئة تحرير الشام، صمته وفضح إنكار الجولاني لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جماعته، ووجود السجون التي تديرها جماعته [9].

تخضع إدلب -رسميًا- لإدارة “حكومة الإنقاذ”، التي تضمّ تكنوقراط، غير منتمين بالضرورة إلى هيئة تحرير الشام، لكن أولئك الموجودين في الحكومة بحاجة إلى أن تباركهم قيادتها. ويخضع قطاعا الاقتصاد والأمن، على وجه الخصوص، للمراقبة الدقيقة من قيادة هيئة تحرير الشام. من خلال المحسوبين على الجولاني، تحتكر هيئة تحرير الشام اقتصاد إدلب، حيث تسيطر على معبر (باب الهوى) وعلى القطاع المصرفي والنفط والاتصالات. وقد خلص تقريرٌ حديثٌ نشره مركز العمليات والسياسات إلى أنه “بدلًا من أن تتحمّل الهيئة مسؤولية إدارة الاقتصاد، أوكلت المهمّة إلى حكومة الإنقاذ، لتكتسب بذلك غطاءً قانونيًا وإداريًا”[10].

الأمن هو قطاع آخر تسيطر عليه هيئة تحرير الشام بإحكام، حيث إنه يمكّن الجولاني من إثبات حكمه ومنع الانقلاب عليه، من خلال مراقبة الخلافات وضبط العلاقات بين دوائر السلطة الداخلية. هناك ثلاثة فصائل رئيسة داخل هيئة تحرير الشام: أولئك الذين يتمتعون بحسٍ عالٍ من البراغماتية بقيادة الجولاني نفسه؛ وأولئك الذين لديهم مصلحة ثابتة مستمرة في هيمنة هيئة تحرير الشام؛ وفصيل أقلية أيديولوجي تم تهميشه من قبل الجولاني وأنصاره. وعلى حد تعبير صحفي محليّ، “الجولاني هو صمام الأمان للتيارات المختلفة ضمن هيئة تحرير الشام، التي تتنافس باستمرار على السلطة والمال”. في زمن جبهة النصرة، كانت الأيديولوجية السلفية الجهادية هي التي جمعت كل هؤلاء الرجال معًا. اليوم، يبدو الاستقرار في المنطقة هشًا، ويعتمد اعتمادًا أساسيًا على شخصية الجولاني، الذي يستمر أعداؤه في الازدياد.

الطريق إلى الأمام

في مقابلة أجريت حديثًا، قام جيمس جيفري، سفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا، بتشبيه علاقة واشنطن بقوات سوريا الديمقراطية بعلاقة أنقرة مع هيئة تحرير الشام [11]. من هذا المنظور، فإن التعامل مع الجماعات الإرهابية المصنفة، مثل هيئة تحرير الشام، يكون ضروريًّا لتأمين المنطقة والحفاظ على استقرارها وتنسيق إيصال المساعدات. ولكن في الأمد البعيد، يعمل هذا النوع من التفاهم على تقويض السياسات المستدامة لمكافحة الإرهاب، حيث يخاطر باستدامة حكم الجولاني الاستبدادي على إدلب. وإذا ما ساد الوضع الراهن، وهو أمرٌ مرجح، فإن إدلب -كما يبدو- تتجه نحو سيناريو أشبه بسيناريو غزة، حيث يكون الجولاني معزولًا، ولكن معززًا، مثل قيادة حماس.

لتجنب مثل هذه النتيجة، يجب على أنقرة، التي اكتسبت نفوذًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا في إدلب، منذ اتفاق 5 آذار/ مارس مع موسكو، الضغط على هيئة تحرير الشام، لقبول اتفاق لتقاسم السلطة. سعت تركيا طوال العامين الماضيين إلى توحيد الفصائل العسكرية العاملة في إدلب والمناطق الأخرى في منطقة النفوذ التركية، تحت هيئة عسكرية واحدة تُعرف باسم المجلس العسكري. لكن المحاولة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لجمع أكبر ثلاثة فصائل في هذه المناطق، وهي هيئة تحرير الشام، وأحرار الشام، وفيلق الشام، باءت بالفشل بسبب مكائد الجولاني [12]. وقام الجولاني بتدبير “انقلاب داخلي” داخل حركة أحرار الشام، للتأكد أن ممثلها في المجلس العسكري يتماشى مع توجهاته بشكل وثيق، لا مع مصالح الفصائل الأخرى. أظهرت هذه الحلقة أن فكرة تقاسم السلطة تبدو عاملًا مهدِدًا بالنسبة إلى هيئة تحرير الشام، وإلى المدى الذي ستذهب إليه قيادتها لتجنب ذلك.

يمكن أن يكون اتفاق تقاسم السلطة حلًا قابلًا للتطبيق لمعضلة إدلب، لأنه سيضعف هيمنة هيئة تحرير الشام على المنطقة وحكومة الإنقاذ أيضًا، ويعالج مصالح وشكاوى الجهات المحلية الأخرى، ويضمن أن مَن كان يُدعى “الفاتح”، ذات يوم، لن يحكم إلى الأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز ومواقفه من القضايا المطروحة

اسم المقال الأصلي         HTS is not al-Qaeda, but it is still an authoritarian regime to be reckoned with

الكاتب   عروة عجوب، Orwa Ajjoub

مكان النشر وتاريخه         مرصد الشرق الأوسط، MEI، 24/6/2021

رابط المقال         https://bit.ly/3dsIr8u

عدد الكلمات       1490

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

[1] – مارتن سميث، “الجهادي”، PBS Frontline، حزيران/ يونيو 2021، https://to.pbs.org/3A98ACW

[2] – للحصول على وصف تفصيلي لتطور جبهة النصرة، انظر تشارلز ليستر، جبهة النصرة، معهد بروكينغز (2016)، https://brook.gs/3jqwzaW

[3] – للحصول على تحليل تاريخي للبيعة وتطورها عبر التاريخ الإسلامي، انظر عروة عجوب، “بعد موت البغدادي، لماذا قدّم مقاتلو الدولة الإسلامية تعهدًا لقائدهم الجديد؟” https://bit.ly/3y4YvVL

[4] – تيسير علوني، لقاء اليوم، أبو محمد الجولاني، كانون الأول/ ديسمبر 2013، https://bit.ly/3jp8tgx

; وأحمد منصور، بلا حدود. مقابلة مع أبو محمد الجولاني. أيار/ مايو 2015، https://bit.ly/3w1oEDn

[5] – كان جيش الفتح مركز قيادة مشترك للفصائل الإسلامية السورية المسلحة التي نجت بين عامي 2015 و2017. للمزيد انظر، فلاديمير فان ويلجنبرغ ، “صعود جيش الفتح في شمال سورية”، مؤسسة جيمس تاون، 2015، https://bit.ly/3x4jPdV

[6] – لمزيد من المعلومات حول صراع هيئة تحرير الشام مع تنظيم حراس الدين، انظر عروة عجوب، هيئة تحرير الشام والقاعدة في سورية، “التوفيق بين المتضامنين”، معهد الشرق الأوسط، تموز/ يوليو 2020، https://bit.ly/3x4fWpb

[7] – ومنهم أبو عبد الرحمن المكي، وأبو حمزة الدرعاوي، وأبو يحيى الجزائري، وأبو ذر المصري، وأبو عبد الله السوري. آرون زيلين، “غوانتانامو إدلب”: مقاتلون أجانب في سجون هيئة تحرير الشام، “الجهادية السورية، حزيران/ يونيو 2021، https://bit.ly/3hjm6eu

[8] – وليد النوفل، “باستهداف قاعدة روسية في الرقة، حراس الدين يوجه رسالة متعددة الأوجه”، 6 كانون الثاني/ يناير 2021، https://bit.ly/3AavGJm

[9] – “بلال عبد الكريم يخرج عن صمته على احتجاز هيئة تحرير الشام في سورية”، ميدل إيست آي، 4 حزيران/ يونيو 2021، https://bit.ly/3wZyGWZ

[10] – نسرين الزاراعى، كرم شعار، “اقتصاديات هيئة تحرير الشام”، مركز العمليات والسياسات، حزيران/ يونيو 2021، https://bit.ly/2UQDDmQ

[11] -مارتن سميث، مقابلة مع جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق في العراق وتركيا، PBS Frontline، حزيران/ يونيو 2021،  https://to.pbs.org/3hj5CTO

[12] – https://bit.ly/3h5Fc8U

مركز حرمون

————————————

الجولاني معتقلاً عند المخابرات الجوية/ حسام جزماتي

لا يملك السجناء شيئاً أكثر من الوقت وهم يمضونه في أحاديث تطول وتتشعب وتتكرر. تبدأ في العادة بالتعارف بالأسماء والانتماء الجغرافي، ثم تنتقل إلى التهمة التي كثيراً ما يجري التعبير عنها بلفظ «الدعوة»، في تحريف عامي لكلمة «الدعوى» الرسمية، وخاصة عندما تشمل عدداً كبيراً من الموقوفين كما هي حال الدعاوى السياسية.

في المرحلة التي شكّل فيها معتقلو السلفية الجهادية أكثرية نزلاء سجن صيدنايا الشهير، في النصف الثاني للعقد الأول من هذا القرن، وتخللها الاستعصاء، عُرفت دعاوى عديدة تُنسب إلى اسم التنظيم، كدعوى جند الشام، أو إلى التهمة كدعوى تفجير المزة، أو إلى أبرز معتقليها كدعوى زكريا عفش، أو إلى محل سكن أصحابها كدعوى عربين.

من النوع الأخير كانت دعوى «دروشا-الطبقة». وقد أخذت هذا الوسم لأن «التنظيم»، الذي كان في طور تشكيله، لم يكن قد تبلور إلى درجة أن يحوز اسماً معتمداً، كما يبدو، وبسبب أنها تكونت من مجموعتين مرتبطتين «تنظيمياً» ولكنهما متباعدتان جغرافياً؛ إحداهما في بلدة دروشا بريف دمشق والأخرى في مدينة الطبقة في محافظة الرقة.

لم تكن المسافة الطويلة ما فصل المجموعتين فقط، بل أشياء كثيرة. فقد تكونت جماعة دروشا من شبكة أقارب، إخوة وأبناء عمومة، من نازحي الجولان السوري المحتل، يقطنون في دروشا غالباً، كانوا يلتقون في جلسات شبه عائلية يتبادلون فيها الأحاديث الجهادية ويشاهدون بعض إصدارات تنظيم القاعدة، أو أمثاله في العراق عبر السيديات. أما جماعة الطبقة فيبدو أنها كانت أكثر انخراطاً في العمل إذ كان بينها بعض من قاتلوا في هذا البلد المجاور بالفعل وتصلبت بنيتهم السلفية الجهادية. ورغم وجود بعض القرابات إلا أن الآيديولوجية كانت العامل الأساس في هذه المجموعة التي كانت كتلتها الأكبر في الطبقة وتصل امتداداتها إلى مدينة الرقة وبعض أريافها.

كي لا يبدو الأمر أكبر مما كان عليه في الواقع يجب أن نقول إن مجموع معتقلي الدعوى، بفرعيها، في صيدنايا كان في حدود 60 أو 65 سجيناً، لكنها كانت ثاني أكبر دعوى فيه بعد جماعة «جند الشام».

على رأس جماعة دروشا برز رجل في النصف الثاني من الثلاثينات، هو أبو ناصر (محمد ناصر ناصر)، عُرف بالاعتدال مقارنة مع نظرائه في السجن، وخاصة في أثناء الاستعصاء الذي ارتفع فيه التشدد. والحق أن اللين النسبي كان سمة عامة في جماعة دروشا، أيضاً بخلاف جناحهم الشقيق الأسود في الطبقة، الذي اتسم عدد واضح من معتقليه بنزوعهم التكفيري منذ ما قبل سجنهم. ولعل هؤلاء هم السبب الذي أتاح للسلطات تصنيف الدعوى على أنها «تكفير وهجرة» عندما ألقى جهاز المخابرات الجوية القبض على متهميها تباعاً في الأشهر الأربعة الأخيرة من 2005.

في أوقات خلو البال نسبياً في سجن صيدنايا، بعد انتهاء التحقيق والتعذيب، وبعد استنفاد حديث الدعوى محاوره الأساسية، كان أبو ناصر، وشقيقه أبو إسكندر (ناصر ناصر ناصر) المتهم معه في القضية نفسها؛ يذكران شاباً صغيراً من أبناء عمومتهما، بالمعنى العريض، استطاع النجاة مستغلاً صلة القرابة ليزعم أمام ضباط وعناصر فرع التحقيق أنها سبب علاقته بالمجموعة التي كان يلتقيها في أوقات متباعدة يقضيها بتدخين الأركيلة فقط، دون اهتمام بما سوى ذلك.

كانت القصة طريفة ورغم أنها هامشية إلا أنها استقرت في أذهان سجناء سمعوها في حال من الفراغ وتبادل السيَر. ولا شك أنها كانت ستمحى مع الزمن لولا أنهم تناقلوا خلال سنة 2013 بعد أن أفرج عن أكثرهم، أن هذا الشاب هو من يلمع نجمه وقتئذ بلقب «أبو محمد الجولاني»!

والحق أن مغادرة أحمد حسين الشرع، وهو اسمه الحقيقي، دمشق إلى العراق إبان الغزو الأميركي، وعودته، بلقبه الجديد هذا، قائداً لجبهة النصرة، في آب 2011؛ قد حجبتا هذه المرحلة من حياته. قبل أن يتبين أنه سافر إلى العراق مرتين، كما ألمح مؤخراً في مقابلته مع الصحفي الأميركي مارتن سميث

ما يبدو الآن أن الشرع، طالب الإعلام ذي الحادية والعشرين، سافر أولاً إلى العراق في آذار 2003. ومن تجارب مزامِنة نستطيع توقع ما حدث؛ الاستقبال الحماسي للمتطوعين السوريين، تدريبهم على يد الجيش العراقي خلال أيام وتسليمهم بنادق وتوزيعهم على مناطق في بغداد التي ستسقط دون أن يستوعبوا ما حدث وقبل أن يقاوموا، ليلفّهم التيه السياسي والمكاني بعد تبخر ما قد يستندون إليه، باحثين عن العودة إلى بلدهم بطرق مضطربة بين خطوط الأعداء.

أيضاً بالقياس إلى تجارب مماثلة يمكن التوقع أن هذه الرحلة الخائبة لم تطل أكثر من أشهر، عاد بعدها «المجاهدون» السوريون دون أن يجاهدوا، قبل تشكل أو انتشار حركات المقاومة لاحقاً، وهو ما حاولوا فعله في بلدهم، بتشكيل جماعات جهادية صغيرة وغير مترابطة وفاقدة الخبرة في أنحاء مختلفة من البلاد، هدفت إلى تقديم الدعم اللوجستي والمالي وإيصال المتطوعين إلى الساحة العراقية واستقبال الجرحى.

بين هذه البؤر المتكاثرة وقتها يمكن تصنيف جماعتي دروشا والطبقة اللتين يصعب تقدير ما فعلتاه بالضبط في ظل غياب شهادات من داخلهما بعد مقتل أغلب عناصرهما في ظروف مختلفة. وبالطبع تعسُر أكثر معرفة الدور الذي لعبه هذا الشاب الذي ظهر على ضفاف الحكاية التي رويت في السجن. وهنا تختلف ذاكرات شهود ثانويين سمعوها؛ بين من ينسب إلى الشاب، الذي سيصبح الجولاني، دوراً مركزياً في دعوى دروشا-الطبقة، بالربط بين المجموعتين أصلاً وبوصلهما بتنظيم القاعدة في العراق، وبتأمين تمويل عبر متبرعين سعوديين؛ وبين من يرى أن دوره كان هامشياً بالفعل، بالنظر إلى عمره قياساً برؤوسهما، وإلى نجاح خدعته، وهو الأمر الذي لم يكن ليتم لو أفادت الاعترافات بدوره المحوري المفترض، وأخيراً بالنظر إلى تواضع فاعلية المجموعتين وخاصة كتلة دروشا التي ارتبط بها.

ما يهم من الأمر أن الشرع أيقن أن نجاته لن تستمر إلى الأبد فبادر بعد اعتقاله القصير، إلى ترتيب سفره إلى العراق بشكل منظم وفق عرف الجهاديين هذه المرة، مزوداً بتزكية لأمير جماعة «سرايا المجاهدين» في الموصل، والتي سيرتبط بها لأشهر قبل أن يلقي الأميركان القبض عليه ويقضي في السجن نحو خمس سنوات ستنتهي على أعتاب الثورة السورية.

أما دعوى دروشا-الطبقة فسيُقتل بعض أفرادها في أثناء الاستعصاء، ومنهم أبو إسكندر، في حين سينال أبو ناصر حكماً إضافياً نتيجة مشاركته في التمرد، يُضاف إلى الاثني عشر عاماً التي حُكم بها في قضيته الأولى، وما زال سجيناً حتى الآن. في حين تفرقت سبل من خرجوا في سنة 2011 وما بعدها، فسارع التكفيريون منهم إلى الانتساب إلى جبهة النصرة، ثم غادروها دون تردد عند انشقاقها عن «دولة العراق الإسلامية»، ليقدّموا لداعش أبرز قادتها المحليين الذين أعدموا المئات على أقل تقدير؛ أبو لقمان (علي موسى الشواخ) والي الرقة المعروف وأهم سوريّي «الدولة»، وأبو علي الشرعي (فواز المحمد الحسن الكردي) أكثر قضاة الرقة دموية، وأبو صهيب (باسل العبد) الذي لم يقصّر عن إجرام سابقه إلا لأنه تولى «المحكمة الإسلامية» في مدينة أصغر هي الطبقة.

تلفزيون سوريا

——————————

الشيشاني يستغرب طلب الجولاني من”جنود الشام”مغادرة إدلب

أثار بيان زعيم جماعة “جنود الشام” مسلم الشيشاني الجدل بين السلفيين بعد أن كشف عن تفاصيل لقائه بأحد القادة الأمنيين في “هيئة تحرير الشام”، وتلقي الشيشاني وجماعته دعوة للهجرة إلى أفغانستان في حال أجبروا على مغادرة إدلب.

وقال الشيشاني في بيان: “تلقينا ورقة استدعاء من مسؤول جهاز الأمن العام التابع للهيئة وفي اليوم التالي ذهبت مع بعض الأخوة للقائه، طلب مني تفكيك الجماعة ومغادرة إدلب، وقال لي هذا قرار نهائي ولا يسمح لك بالاستئناف على هذا القرار، السلطة في إدلب بيد الهيئة ولن نترك أحداً لا يطيعنا أو ليس تحت سلطاننا”.

وانتقد الشيشاني الاستهداف المتعمد لجماعته على الرغم من وجود تشكيلات سلفية أخرى في إدلب وتساءل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت تحرير الشام إلى اتخاذ مثل هذا القرار وفي هذا التوقيت، وقال إن الجماعة لم تشترك في أي مواجهة ضد تحرير الشام، واعتزلت القتال الداخلي بين التنظيمات والفصائل منذ تأسيسها قبل نحو ثماني سنوات، فكيف يطلب منها المغادرة بعد أن أصبح قادتها وعناصرها مطاردين دولياً بسبب قتالهم في سوريا؟

وكان لبيان الشيشاني المطول وقعٌ كبيرٌ في الأوساط السلفية المستقلة والمناهضة لتحرير الشام في إدلب وخارجها بعد أن سرد بطريقة “رومنسية” تضحيات الجماعة ووقوفها عند حدود الشريعة وإنكارها المحرمات والإساءة إلى العامة، وهو ما دفع بطيف واسع من السلفيين إلى التضامن مع الشيشاني وجماعته.

وقال السلفي السعودي عبد الله المحيسني في تلغرام: “وأيم الله لو أن مثله هاجر لبلدي وقد غزاني كلاب العالم وترك أهله وولده لأعطيته صدر منزلي وبت خارجه، أقسم بالله أني منذ أن قرأت بيان أخي مسلم، وأنا في همٍّ عظيمٍ لا يعلمه إلا الله”. رسائل تضامن أخرى نشرها الشرعي السابق في تحرير الشام أبو شعيب المصري والشيخ عبد الرزاق المهدي وأبو يحيى الشامي وغيرهم.

كذلك دعا الشيخ أبو محمد الصادق فصائل الجبهة الوطنية للتحرير إلى استقبال جماعة الشيشاني في صفوفهم، وقال: “من المهاجرين رجال صدقوا مع أهل الشام ونصروهم، فإكرامهم والزود عنهم من الدين والمروءة ومكارم الأخلاق”. كما قدّم أدهم عبد الرحمن للشيشاني وجماعته خيار الانضمام إلى “الجيش الحر الذي استقبلكم أول مرة وعاملكم وكأنكم المهاجرين من عهد الصحابة لا أعتقد أنه يتخلى عنكم ويعرضكم لخطر الاعتقال”.

أحدث المنشقين عن تحرير الشام أبو العلاء الشامي وصف زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني ب”المستبد والشاذ فكرياً والمضيّع لأهل الشام أرضهم ومكاسبهم”. واتهمه بالسعي إلى “طرد المهاجرين المخلصين والتضييق عليهم لأن وجودهم يقض مضجعه ويكشف ظلمه”.

ويشكك السلفيون بتحركات تحرير الشام الهادفة الى تفكيك التشكيلات السلفية المرابطة في مناطق حساسة كمناطق جسر الشغور وجبال الساحل في ريف اللاذقية الشمالي، ويعتبرونها مقدمة لتسليم المنطقة للنظام وحلفائه.  ويُجري السلفيون مقارنة بين ما فعله الزعيم السابق لحركة طالبان الملا عمر في أفغانستان عندما رفض تسليم وطرد أمير تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن للأميركيين برغم المخاطرة الكبيرة، وبين ما يفعله الجولاني في الوقت الحالي بالمهاجرين في إدلب.

ووضع بيان الشيشاني تحرير الشام في موقف محرج ليس أمام السلفيين المناهضين لها وحسب، إنما بين حشد واسع من السلفيين الذي يؤيدون ضمناً مشروعها في إدلب. المشروع الذي باتت تروج له تحرير الشام على أنه نسخة من مشروع الإمارة الإسلامية في أفغانستان عندما زعمت بأن حملتها للقضاء على الجماعات السلفية الصغيرة ما هي إلا اقتداء بالطريقة الأفغانية المفترضة للوصول الى الهيمنة الكاملة والتفرد بالقرار العسكري والسياسي.

واعتبر قادة تحرير الشام بيان مسلم الشيشاني محاولة لدغدغة العواطف، وقالوا إن “جماعته تضم عناصر يتبعون لتنظيم “داعش” وعناصر يعملون في خلايا الاغتيالات لصالح التنظيم”، واتهموه ب”الامتناع عن المشاركة في المعارك وأن عناصره يرابطون في نقطة واحدة فقط بينما تشكل مقار الجماعة وكراً يختبئ فيه قطاع الطرق ومجموعات الاحتطاب”، وقالوا أن تفكيك هذه الجماعة أفضل من بقائها.

المدن

——————————–

الحركات المتشددة والسلفية في سورية بعد 2011 وتحولات هيئة تحرير الشام/ صالح الحموي

ترجمة فارس جاسم

بدأت “الثورة” السورية، في 18 آذار/ مارس 2011، عندما استخدم النظام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وفي أيار/ مايو 2011، شُكّل الجيش السوري الحر لحماية مناطقهم من هجمات النظام التي أسفرت عن مقتل آلاف المتظاهرين، وقد تحالفت مكونات هذا الجيش على مطالب سياسية من دون أيّ توجه أيديولوجي. حتى هذه المرحلة، لم تكن هناك أي حركة مسلحة سلفية في سورية. وبعد بدء الثورة بأسابيع قليلة، أُطلق سراح مجموعة من 279 شخصًا من سجن صيدنايا، وكان بعضٌ ممن أُطلق سراحهم جهاديين، وبعضهم علماء سلفيون. وكان من بين أبرز الأسماء الشيخ زهران علوش الذي اتُّخذ، من بعد ذلك، مرجعًا دينيًا، ورأَس ما يسمّى “جيش الإسلام”، وأبو عبد الله الحموي الذي أصبح قائدًا لجماعة “أحرار الشام”.

هناك ادعاءان بشأن إطلاق النظام سراح هؤلاء: الادعاء الأول هو أن النظام السوري كان يهدف من خلال هذه الخطوة إلى جعل الثورة حركة متطرفة؛ والثاني أن النظام اضطر إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة بسبب قانون “تخفيض مدة الاحتجاز بمقدار ثلاثة أرباع”، الذي أصدره تحت ضغط المتظاهرين.

الهجوم بقذائف المدفعية لوحدات تابعة لأحرار الشام المعارض في جبل الأكراد

وعلى الرغم من أن السبب الأول أُثير كثيرًا، فبعد اندلاع الحركات الشعبية في تونس ومصر وليبيا، تجمعت عائلات المعتقلين في سورية أمام وزارة الداخلية مطالبين بالإفراج عن المعتقلين. وبهذا القرار كان بإمكان النظام أن يخطط لمنع التظاهرات وتخفيف الضغط على نفسه. والمعلومة الأخرى التي تشجع الفرضية الثانية هي أن النظام لم يُفرج عن الجهاديين القادرين على إنشاء تنظيم، حيث إن هؤلاء الجهاديين لم يستفيدوا من القوانين التي أُصدرت، وأُبقوا في السجون.

تأسيس تنظيمات سلفية متشددة في سورية بعد عام 2011

كان الشباب السلفيون والمتشددون الخارجون من سجن صيدنايا، أو الذين كانوا في الخارج ولهم هذا التوجه، يعتقدون أن الطريقة الوحيدة لمواجهة النظام هي بقوة السلاح، وأن التظاهرات السلمية لن تُحدث أي تغيير. لكن هذه الفئة لم ترغب في أن تكون أول من يلجأ إلى السلاح، وانتظرت بدء الجيش السوري الحر في المقاومة المسلحة. في حزيران/ يونيو 2011، أُعلن تأسيس حركة أحرار الشام، بصفتها أول تنظيم سلفي متشدد، وذلك من خلال اندماج تنظيمات صغيرة في مناطق مثل سراقب والغاب ومعرة النعمان. وفي الوقت ذاته تقريبًا، بُدئ بتأسيس تنظيم “جبهة النصرة”، باعتبارها الذراع السوري لتنظيم القاعدة، قبل أن يُعلن تشكيلها في كانون الأول/ ديسمبر 2011.

إن الشباب الذين أسّسوا جبهة النصرة وأحرار الشام كانوا يعرفون بعضهم، وذلك بسبب وجودهم معًا في سجن صيدنايا، أو لأن لديهم التوجه نفسه خارج السجن. وكان قادة التنظيمين على اتصال ببعضهم قبل إعلان تأسيس التنظيمين، حيث أرسل أبو محمد الجولاني (مؤسس جبهة النصرة) رسائل عدة إلى “أبو عبد الله الحموي” زعيم حركة أحرار الشام، أبلغه فيها نيته الجمع بين التنظيمين، وتأسيس جبهة موحدة. غير أن “أبو عبد الله الحموي” رفض هذا العرض، بسبب ثلاث قضايا خلافية رئيسية: الأولى أن قيادة “أحرار الشام” لم ترغب في الانضمام إلى تنظيم القاعدة بشكل كامل ودائم، اعتقادًا منها أن ذلك سيضر كثيرًا بشرعيتها، كما اعتقدت بأن وجود تنظيم القاعدة سيضر الثورة. والثانية أن “أحرار الشام” كانت تخشى تكرار سيناريو تنظيم القاعدة في العراق الذي ارتكب أخطاء كبيرة ضد الجماعات العراقية. والثالثة أن أحرار الشام أرادت تشكيل مجموعة تضم أعضاءها الرئيسيين إلى جانب القوى الثورية الأخرى، حيث إن ذلك يخالف منهجية تنظيم القاعدة الذي يرتبط هيكله التنظيمي بفريق النخبة فقط. وكان “أبو عبد الله الحموي” قد أرسل رسالة إلى قيادة جبهة النصرة مفادها: “يمكننا التعاون في جميع المجالات، في سبيل إسقاط النظام، لكن التوحيد غير ممكن”.

أيديولوجية تأسيس أحرار الشام

قبلت “أحرار الشام” الفكر السلفي المتشدد في مرحلة التأسيس، مع الاستثناءات المذكورة في الأدنى. وكانت ترى مفهوم “البيعة” سنّة لا واجبًا. والاختلاف الثاني هو قضية العلم، فعلى الرغم من أن الحركة لم تكن تعتقد أن العلم ضروري للإعلان والتعبير عن الرأي والتوجه، وجدت أن من المناسب استخدامه ضمنيًا، واعتبرته كافيًا لإعلان هدف إسقاط النظام. بالإضافة إلى أن أحرار الشام كانت ترفض العمليات الانتحارية، ليس لأن ذلك غير جائز، بل لاعتقادها أن هذه العمليات هي سبب الفساد، لأنها ارتبطت بالقاعدة وتنظيمات مماثلة. وبصرف النظر عن نقاط الاختلاف هذه، اتخذت حركة أحرار الشام الفكر الذي تبناه تنظيم القاعدة، والهيكل الثوري الوطني، والأسس التي بُنيت عليها مؤسسات الثورة بشكل عام. بالإضافة إلى أن الحركة رأت أن علم الجيش السوري الحر هو غير شرعي، وأن “الجهاد” هو السبيل الوحيد لإطاحة النظام، حيث كانت تعتقد أن الغرض من الجهاد هو “تحكيم الشريعة وتعزيز سلطة الله على الأرض”.

الاشتباكات بين الفصائل المناهضة للنظام في سورية

وانضم العديد من مكونات “الجيش السوري الحر” في الأرياف إلى حركة أحرار الشام، بسبب الأسلوب التنظيمي الذي تبنته الحركة، حيث إن قواعد الانضمام لها مرنة، ونهجها الإداري لا يحتكر النخب. وعلى الرغم من أن الذين انضموا إلى الحركة هم أناس عاديون، فإنهم قد دُرّسوا الكتب السلفية والشرعية في المعسكرات بشكل مكثف. وبالإضافة إلى الدورات الفكرية والتعليمية، تسببت الدروس العقائدية التي تلقاها العناصر في مقارّ أحرار الشام بانتشار هذا الفكر بين أقارب ومعارف هؤلاء العناصر، مع مرور الزمن. وفي أواخر عام 2012، كان أكثر من نصف مقاتلي حركة أحرار الشام، وعددهم أكثر من 12 ألف مقاتل، قد تبنّوا الفكر السلفي المتشدد، في حين كان النصف الآخر قد تبنّى هذا الفكر بشكل جزئي، ولم يجعله عقيدة ثابتة.

التحول الفكري لدى حركة أحرار الشام

عقد قادة أحرار الشام سلسة من الاجتماعات مع المفكرين والباحثين في الفكر الإسلامي من أجل “حلم الأمة” المتصاعد. ومن خلال هذه الاجتماعات، تم اللقاء بـ “حاكم المطيري” من دول الخليج، و”أبو منذر الساعدي” من ليبيا، وزعماء الجماعات الجهادية الإسلامية التي تحارب الولايات المتحدة في العراق، وزعماء الجماعات الإسلامية في مصر، إضافة إلى علماء سلفيين. وقد تأثرت حركة أحرار الشام بآراء قادة هذه المجموعات والجماعات، ونتيجة هذه اللقاءات، حدثت انكسارات في أيديولوجية الحركة السلفية، وظهرت أفكار جديدة لا تتوافق مع العقيدة التي أُسّست عليها. وشملت هذه التغييرات أيضًا “قبول المساعدات المالية واللوجستية من الدول، ومنها الدول غير الإسلامية، والانضمام إلى المجالس العسكرية التي أُنشئت في المناطق الخاضعة للائتلاف الوطني المعارض”.

في عام 2013، تسببت التغييرات الفكرية في حالة شقاق بين النخب داخل التنظيم، إلى أن أصبحت الرؤية النهائية واضحة تمامًا. وفي عام 2014، أوضحت أحرار الشام توجهها بإعلان “عهد الثورة” الذي هو بمنزلة إعلان التخلي عن النهج السلفي المتشدد. وكانت التغييرات الرئيسية التي قام بها التنظيم كما يلي:

    – الموافقة على وجود برلمان إسلامي من خلال خوض الانتخابات بعد سقوط النظام، كما الحال في الدول العربية.

    – قبول إدخال الشريعة في الدستور من خلال التخلي عن تحكيم الشريعة في إطارها التقليدي.

جبهة النصرة والنهج الجديد

كان لجبهة النصرة النهج الإستراتيجي نفسه الذي اتبعه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” الذي أُسّس على أيديولوجية سلفية متشددة، واستمرّ من عام 2004 حتى 2011. لكن الجبهة بقيادة أبو محمد الجولاني، قررت بعد نقاشات جدية عدم تكرار الأخطاء الخمسة التي وقعت فيها “الدولة الإسلامية في العراق”:

    – عدم إعلان الارتباط بتنظيم القاعدة طوال عشرة أعوام على أقل تقدير، بسبب ظروفها في سورية.

    – عدم تنفيذ العمليات بالسيارات المفخخة أو بالعبوات الناسفة في مناطق سيطرة النظام والمدن، وذلك حفاظًا على حياة المدنيين.

    – عدم التدخل في شؤون المدنيين والإدارات في المناطق المحررة، وترك إدارة المنطقة للأهالي.

    – عدم إبراز المقاتلين الأجانب في مناصب مهمة، وعدم السماح لهم بالاحتكاك مع الأهالي.

    – عدم الاشتباك مع أي فصيل في سورية.

في إطار هذه الشروط، كانت جبهة النصرة تحتوي على 25 عضوًا فقط عند تأسيسها، وهؤلاء كانوا أمراء للمدن في البداية. وكان لدى كلّ أمير 5 أو 6 عناصر سلفيون متشددون، جلّهم من الذين خرجوا من سجن صيدنايا. واعتمدت جبهة النصرة ثلاثة مستويات لقبول المقاتلين: الأول أولئك الذين كانت لديهم فكرة السلفية المتشددة، ولهم خبرات سابقة في الجهاد والسجن؛ والمستوى الثاني أولئك المتشددون السلفيون؛ والمستوى الثالث، المجندون ذووا الاتجاه السلفي بشكل عام. ومع ذلك، بعد إنشاء التنظيم وتوسيع نطاق نفوذه، أُنشئ مستوى رابع، وجُنّد فيه الأشخاص العاديون القادرون على إدراك حساسية أيديولوجية الجبهة. بالإضافة إلى ذلك أُنشئ مستوى خامس يضم المؤيدين للجبهة، وإن لم يبايعوها، وهؤلاء المؤيدون ساعدوا جبهة النصرة ضد النظام.

على الرغم من أن جبهة النصرة قررت عدم الوقوع في أخطاء “الدولة الإسلامية في العراق”، فإنها كررت العديد من هذه الأخطاء في فترات متعددة، حيث نفّذت الجبهة هجمات على أماكن مثل المباني العسكرية ومبنى وزارة الداخلية في دمشق، وعلى العديد من المخافر في حلب وحماة، بالإضافة إلى سيطرتها على اللواء 111 وكتيبة الصواريخ في الطعانة في حلب. من ناحية أخرى، اكتسبت جبهة النصرة شعبية كبيرة من خلال قوة عملياتها العسكرية الساحقة، والابتعاد عن بعض الأشياء، مثل التدخل في شؤون المدنيين والاستيلاء على الغنائم. لكن الصعود الكبير لجبهة النصرة كان من خلال إدراج الولايات المتحدة لجبهة النصرة على لائحة الإرهاب، حيث نُظمت تظاهرات تحت شعار “كلنا جبهة النصرة”. في ذلك الوقت أيضًا، انتقد جورج صبرا رئيس المجلس الوطني، ومعاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، إدراج الولايات المتحدة جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، حيث دافعا عن الجبهة بالقول: “جبهة النصرة هي فصيل محلّي يهدف إلى إسقاط النظام، ويتبع أعضاؤه سياسة ناضجة وحساسة، ويمتنعون عن تعريف أنفسهم بالذراع السوري لتنظيم القاعدة، ولا تستقطب الجبهة المقاتلين الأجانب، ولا تتدخل في شؤون المدنيين”.

تأثير جبهة النصرة في نشر السلفية المتشددة في سورية حتى عام 2013

بحلول منتصف عام 2012، أصبحت جبهة النصرة قوة عسكرية فعّالة على الأرض، وازدادت حاجتها إلى المسلحين. في هذا السياق، بدأت الجبهة تلبي هذه الحاجة من خلال دمج بعض العناصر القريبة من الشعب، والتي ليس لها أيديولوجية محددة. وقبل ضمّ هؤلاء العناصر، قدّمت لهم دروسًا في السلفية المتشددة في معسكراتها، حيث خرّجوا في تلك المعسكرات عناصر سلفيين متشددين. وبسبب معايير الانضمام التي طبّقتها الجبهة، اقتصر عدد هؤلاء المقاتلين، بين عامي 2013 و2014، على 1000 شخص فقط.

الاشتباكات بين أحرار الشام وهيئة تحرير الشام

لم تنبع مشكلات جبهة النصرة مع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، الذي انبثقت منه الجبهة، من أسباب أيديولوجية، بل كانت إدارية. في نهاية عام 2012، كان هناك خلافات بين الأمراء الذين أرسلهم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” وبين كوادر جبهة النصرة، وذلك في مسألة مناطق النفوذ، ولا سيّما في حلب ودير الزور. ونتيجة لهذه النزاعات، أرسل تنظيم “الدولة الإسلامية” أبو علي الأنباري، المعروف باسم “أبو صهيب العراقي”، إلى سورية على أنه المسؤول الأعلى سلطة من الجولاني. فمن جهة تمت محاولة حلّ الخلافات بين الجولاني والأنباري، ومن جهة أخرى حُلّت الخلافات بين القائد حاج بكر ونائب أمير حلب والقيادة السورية في حلب. غير أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وانقسمت جبهة النصرة بين فصيل تحت قيادة أبو علي الأنباري الذي عينه تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، وفصيل سوري تحت قيادة الجولاني. وفي عام 2013، اتُخذت قرارات لحل الخلافات، من خلال إجراء اجتماع ضمّ زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” البغدادي. كانت الخلافات بين جبهة النصرة وتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يريد التحكم بالجبهة، تتركز على قضية أساسية، وهي انفصال الجبهة من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، والارتباط بتنظيم “القاعدة”. لذلك، تعيّن على تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” إنشاء كوادر عراقية، من خلال تعيين نواب أمراء عراقيين في مناطق سيطرة النصرة.

ونتيجة هذه المخاوف، تحرك تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” لتقييد الجولاني بفرض سياسة الأمر الواقع، حيث أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، في 9 نيسان/ أبريل 2013، من خلال تسجيل صوتي للبغدادي،  قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وبعد يوم واحد، أصدر الجولاني بيانًا رفض فيه الاندماج، وأعلن ولاءه للظواهري. ومع ذلك، لم يكن هناك خلاف أيديولوجي بين جبهة النصرة و(داعش). ولم يكن تنظيم داعش يعترض على عدم تحديد جبهة النصرة حدودًا لها في المناطق المحررة، أو التعاون مع تنظيم “أحرار الشام” أو التنظيمات الأخرى. وكان الجولاني قد سلّط الضوء على ذلك خلال مقابلة أجراها معه تيسير علوني على قناة الجزيرة، حيث وصف الخلافات بين جبهة النصرة وداعش بأنها “خلافات داخلية”.

 عندما بدأت الخلافات مع داعش، كان عدد عناصر جبهة النصرة حوالي ثلاثة آلاف مقاتل، بينهم نحو 1200 مقاتل أجنبي. غير أن ثمانين في المئة من عناصر النصرة أعلنوا ولاءهم لداعش، بعد أن أعلن الجولاني أنه ينتظر ردًا من الظواهري. وعندما أتى ردّ الظواهري الإيجابي تجاه النصرة، لم يعد سوى خمسين في المئة من الذين غادروا، وهذا ما أدى إلى قطع العلاقات، وبدء داعش في تنفيذ عمليات عسكرية ضد مقار النصرة. برّرت داعش هذه الهجمات بحجة أن “جميع أصول وذخائر جبهة النصرة وقواعدها العسكرية هي عائدة لداعش، لأنها فرع من تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق)”. ونتيجة هذه العمليات، استولى تنظيم داعش على العديد من معسكرات النصرة في حلب وإدلب. ولم تتخذ النصرة أيّ قرار مقاومة لهذه الهجمات، ولو أنها قررت ذلك لما وافق أي عنصر منها على توجيه السلاح ضد داعش؛ فقبل بضعة أيام من هذه الأحداث، كان أعضاء التنظيمين يتعاملون وفق مفهوم “الأخوة” في الحرب ضد النظام، حتى إنهم كانوا يستخدمون الخنادق والمقار نفسها.

تأثير الخلافات بين النصرة وداعش في السلفية المتشددة في سورية

أدى الصراع بين داعش وجبهة النصرة إلى إضعاف الأسس الفكرية للسلفية المتشددة في سورية. وفي هذا الإطار، تضررت الشروط الأساسية مثل “الانصياع للأوامر والإطاعة، واللجوء إلى الشريعة في حالة النزاع، والبيعة”، وعلى هذا النحو، انخفضت أهمية هذه المفاهيم في نظر السلفيين المتشددين في سورية، وبدأت الانقسامات تظهر في تفسير نصوص الشرع الأساسية. وقد اتهمت داعش، في تلك الفترة، قادة جبهة النصرة بـ “الضلالة والكفر”. من جهة أخرى اتهم قادة النصرة قادة داعش بـ “التطرّف والخروج”. هذه الاتهامات المتبادلة بدأت بقادة التنظيمين، ثم طالت العناصر في النهاية. وردًّا على الاتهامات التي وجهتها داعش، سعى قادة ومؤسسو جبهة النصرة لاستخدام المراجع الفكرية لنفيها. وفي هذا الصدد، وجّهت النصرة خطابها الرئيسي حول “البيعة، وإعلان الإمارة، وتطبيق الشريعة، وتكفير الهياكل الثورية”.

حاولت جبهة النصرة تنظيم وتجميع الصفوف المفككة، وحاولت الحفاظ على نفوذها، من خلال الرد على داعش نظريًا وعمليًا. لكن في تلك الفترة، ابتعدت النصرة عن هويتها السلفية المتشددة بشكل كبير. أيضًا، لُوحظ في تلك الفترة، تغييرات فكرية كبيرة في إدارة الجبهة، ولا سيّما في ما يتعلق بمفهومي “التكفير” و”الهيمنة”، خلافًا لإطار السلفية المتشددة. غير أنه لا يمكن الحديث عن طريقة مقنعة وواضحة وشاملة يمكن لجميع الأعضاء قبولها. في الواقع، كانت مسألة إعادة النظر في المراجع الفكرية تتمثل في ردود فردية على داعش من كبار قادة جبهة النصرة، أمثال: أبو ماريا القحطاني، والدكتور مظهر الأويس، وأبو سليمان الأسترالي، وصالح الحموي، بدلًا من يكونوا جادين وأقوياء. إن ما شهدته جبهة النصرة كان في الواقع مشابهًا لما شهدته حركة أحرار الشام؛ لأن الفجوة بين العناصر المتمسكين بقواعد السلفية المتشددة وطبقة القادة التي شهدت تغييرات فكرية آخذةٌ في الاتساع. ولهذا السبب، أُخفيت التغييرات في طبقة القادة عن طبقة العناصر، خوفًا من أن يترك العديد من المقاتلين تنظيم النصرة، وينضموا إلى تنظيم داعش.

جبهة النصرة وإعلان الخلافة

أعلنت داعش “الخلافة” خلال شهر رمضان عام 2014، وذلك عقب الاستيلاء على مدينة الرقة ودير الزور، بعد اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري الحر وجبهة النصرة. وعلى الرغم من تطرف تنظيم داعش، فإن نشر وسائل الإعلام التابعة له دعايات في إطار مفهوم “الحاكم المنتصر” قد أربك عناصر جبهة النصرة.  وأدّى ذلك إلى انتقال حوالي سبعين إلى ثمانين عنصرًا كلّ يوم من النصرة إلى داعش. وبعد أن رأى الجولاني أن هذه التمزقات من شأنها أن تنهي النصرة، أعلن على الفور “الإمارة الإسلامية والشريعة الإسلامية” من خلال تسجيل صوتي، وذلك من أجل ثني العناصر الذين قرّروا ترك النصرة. نجح الجولاني في منع مقاتليه من الانتقال إلى داعش، من خلال اتخاذ إعلان الإمارة. لكن، ظهرت تحديات خطيرة، تمثّلت بدور القضاء وجمع الزكاة وتطبيق الشريعة الإسلامية على المدنيين، ووضع حدود لبعض أحكام الشريعة. هذا الوضع بدأ يضرّ بعلاقات النصرة مع التنظيمات الأخرى. كانت جبهة ثوار سورية أوّل فصيل تواجهه جبهة النصرة، ثم بدأت الجبهة بالاشتباك مع اثني عشر فصيل، ومن ضمنهم حركة حزم، بدعوى أنها “تهددها، وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة، وتنشر الفساد”. وقالت جبهة النصرة “إن من واجبها تطبيق الشريعة في المناطق التي هيمنت عليها”. والواقع أن إعلان جبهة النصرة للإمارة الإسلامية، وتنفيذ بعض قواعد الشريعة، وإنشاء محاكم شرعية، كانت لمنع انتقال المقاتلين إلى داعش، أكثر من كونها إعلانًا توجه نحو التطرف. ومع ذلك، كان قادة النصرة يتألفون من أشخاص رأوا أن تنفيذ أحكام الشريعة في “دار الحرب” ليس إلزاميًا، وتبنّوا فكرة التعاون لإسقاط النظام. لكن، وفقًا لكبار المسؤولين التنفيذيين، لم يكن لديهم خيار آخر من أجل الإبقاء على المقاتلين داخل التنظيم، لأن الكشف عن الأفكار الحقيقية كان يعني انشقاقًا جماعيًا للأعضاء، وفي نهاية المطاف تدمير التنظيم. استمرت النصرة على هذا النهج حتى 2017 بسبب تهديد داعش.

“الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)

انفصال جبهة النصرة عن القاعدة

في عام 2014، كانت جبهة النصرة مقتنعة بأن عليها قطع علاقاتها بالقاعدة، لأن جماعات المعارضة الأخرى في سورية تمتنع عن الانضمام إليها، بسبب تلك العلاقات. ولو أنها اتخذت هذه الخطوة قبل انهيار داعش، لكان سبعون في المئة من مقاتليها قد انضموا إلى داعش، لأن العديد من المسلحين انضموا إلى النصرة، لأنهم اعتبروها الذراع السوري لتنظيم القاعدة. عندما بدأ تنظيم داعش في السقوط والتراجع، سيطرت جبهة النصرة على معظم المناطق المحررة، لكنها لم تتخذ في تلك الفترة قرارًا أحاديّ الجانب، بخصوص قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة. لكن خطاب الظواهري، الذي نُشر أثناء رحيل “أبو الخير المصري”، فتح الباب لأولئك الذين يريدون ترك تنظيم القاعدة، والانضمام إلى الجماعات السورية الأخرى، الأمر الذي أعطى الأمل لجبهة النصرة. وعلى الرغم من ذلك، تم الانفصال من جانب واحد، في تموز/ يوليو 2016، بدلًا من التوصل إلى اتفاق، حينها أبدى الظواهري ردة فعل تجاه الانفصال. وعلى الرغم من أن قرار الانفصال هذا كان من جانب واحد، فقد قررت شخصيات بارزة، منها “أبو خديجة الأردني، أبو جليبيب، سامي العريضي، أبو همام السوري”، مغادرة جبهة النصرة. بعد انفصالها عن القاعدة، غيّرت جبهة النصرة اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، ثم اندمجت لاحقًا مع تنظيمات معارضة عدة لتصبح “هيئة تحرير الشام”.

تخلّي هيئة تحرير الشام عن الأيديولوجية السلفية المتشددة

مع انهيار جند الأقصى، والانسحاب الكبير لداعش، لم يبقَ أي منافس لهيئة تحرير الشام على الأرض. ومع الأخذ بعين الحسبان أنه لم يبق لدى عناصر الهيئة بديل حقيقي يمكّنهم من ترك التنظيم، أصبح قادة التنظيم أكثر شجاعة بمسألة التغييرات التنظيمية والفكرية.

كانت هيئة تحرير الشام العقبة الوحيدة أمام تركيا لتوسيع نقاط المراقبة بصفتها ضامنًا في المنطقة بموجب اتفاق أستانا. ولهذا السبب، بدأت تركيا زيادة عدد نقاط المراقبة لمكافحة هيئة تحرير الشام على حدودها، لكن هيئة تحرير الشام لم تقم بشن هجوم ردًا على تركيا، وذلك بسبب النهج البراغماتي الذي يتبعه الجولاني. في الواقع، كان لعدم وجود تنظيم بديل، يمكن لأعضاء الهيئة الذين اعترضوا على هذا النهج الانضمام إليه، دور فعّال أيضًا في هذا القرار. في المقابل، طمأن الجولاني أعضاء التنظيم بالقول: “تركيا لن تدخل إلى أراضي الهيئة بالأسلحة الثقيلة، والهيئة ليست مشكلة بالنسبة لتركيا، ومن ثم، فإن الموقف السلمي تجاه تركيا غير مخالف للشرع”. وبفضل هذا الخطاب، تمكّن الجولاني من الإبقاء على الأسماء التي تؤيد القتال ضد تركيا، مثل “أبو حفص الأردني” وأمير البادية “أبو طه الحديدي”. كان الجولاني يعتقد بأنه أقنع أعضاء هيئة تحرير الشام شرعًا، بخصوص نقاط المراقبة التركية، لكن مع دخول تركيا إلى إدلب، تصاعدت أصوات المعارضين داخل التنظيم. وبعد مدة، أدّى هذا الوضع إلى تمزق منهجي. واتخذ الجولاني احتياطات ضد هذا الوضع، وشنّ حملة اعتقالات شملت قادةً عارضوا هذه السياسة، مثل قادة القاعدة: سامي العريضي والقسام الأردني وأبو جليبيب الأردني. لكن هذه الخطوة أسفرت عن نتيجة على عكس ما كان يتوقعه الجولاني، فقد شهد التنظيم انفصالات جماعية، تمثلت بانفصال قطاع البادية وجيش الساحل وجيش النخبة وفصيل جند الملاحم، بمجموع 1200 مقاتل. شكّل بعض الذين انشقوا عن هيئة تحرير الشام تنظيم “حراس الدين” بقيادة “أبو همام الهاشمي” الذي كان القائد العسكري العام لجبهة النصرة حتى 2014، وترك التنظيم عام 2017. وبغية الحدّ من انشقاقات جماعية أكبر، غيّر الجولاني سلسلة من التفسيرات البراغماتية والتكتيكية بخصوص تركيا. ويُعزى تراجع الجولاني إلى المخاوف بشأن التعزيز الأيديولوجي لتنظيم “حراس الدين”، وتجنيدها لمقاتلي هيئة تحرير الشام. لهذا السبب، بينما سعى الجولاني في كل خطوة لتحقيق التوازن، حتى لا يكون هناك قطيعة مع التغيرات الفكرية، سعت تركيا لحماية التنظيم من خلال إجراءات مختلفة، منها نزع الأسلحة الثقيلة من المنطقة، بموجب اتفاق سوتشي. 

النتيجة: الوضع الحالي لهيئة تحرير الشام

بعد مغادرة العديد من عناصرها وانضمامهم إلى تنظيم “حراس الدين”، أصبحت هيئة تحرير الشام تنظيمًا يتكون من ثلاثة مكونات أساسية:

    – المقاتلون السلفيون المتشددون: هذا المكون لا تتجاوز نسبته داخل التنظيم 10 في المئة، ويؤوّل جميع قرارات الهيئة من وجهة نظر الشرع. من أبرز أسماء هذا المكون مظهر الأويس وأبو ماريا القحطاني وأبو حارث المصري وأبو زبير المغربي وعبد الرحمن عطون.

    – التنظيمات المحلية: تبلغ نسبة هذا المكون حوالي 50 في المئة، ويمثله أمير في كل منطقة. هؤلاء العناصر هم من السكان المحليين ومن أبناء العشائر، وينضمون إلى التنظيمات التي ينضم إليها أمراؤهم.

    – المقاتلون المأجورون: ويشكلون نسبة الـ 40 في المئة المتبقية. هؤلاء انضموا إلى هيئة تحرير الشام، بعد عام 2015، ومعظمهم من العناصر الذين يشاركون في العمليات الأمنية وما يتعلق بها، وليس لدى هؤلاء العناصر أفكار أو ولاءات أيديولوجية، لأنهم يقاتلون من أجل المال، وقد أصبحوا عبئًا على قيادة الهيئة، حيث تزداد ضغوطات الشعب والعناصر الأخرى داخل التنظيم بسببهم.

مع ازدياد نقاط المراقبة التركية في إدلب، وانتهاء الحرب ضد النظام، تفرّغت هيئة تحرير الشام لحكم المنطقة المحررة من أجل الحصول على الشرعية الدولية والاعتراف بها كقوة وحيدة تمثل الثورة. وبهذا الفرض، اتخذت الهيئة سلسلة من الخطوات العملية لتسويق نفسها كقوة معتدلة. ومن بين الخطوات التي اتخذتها الهيئة:

    – في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أنشأت “حكومة الإنقاذ” كجبهة مدنية يحتوي مجلس الوزراء فيها على شخصيات مستقلة.

    – نظّم ناشطون مستقلون وزعماء العشائر ومجالس محلية ووفود مدنية من هيئة تحرير الشام، في 3 شباط/ فبراير 2019 في إدلب، “مؤتمر الثورة”.

    – تمّ استبدال علم الهيئة الأسود بعلم الثورة السورية في 3 شباط/ فبراير 2019.

    – تم تشكيل وفد سياسي في إدلب ليكون بديلًا عن وفد التفاوض التابع للائتلاف الوطني السوري.

    – محاولة منع تنظيم “حراس الدين” من خرق وقف إطلاق النار في إدلب.

    – روّجت لنفسها كتنظيم “يكافح الإرهاب”، من خلال اتخاذ تدابير أمنية ضد خلايا داعش وجند الأقصى.

    – منع استهداف قاعدة حميميم الروسية بالطائرات المسيرة بعد اتفاقية سوتشي مباشرة في 17 أيلول/ سبتمبر 2018.

    – الانسحاب من منطقة الغاب وريف حماة الشمالي، في 9 أيار/ مايو 2019، من دون أي اشتباك.

هذه الخطوات لم تمنح هيئة تحرير الشام الشرعية الدولية. لكنها، عمليًا، أسهمت في تحوّل هيئة تحرير الشام من تنظيم سلفي متشدد، إلى تنظيم براغماتي يسعى للخروج من السلفية وكسب الشرعية. وقد أدّى ذلك إلى تراجع حاد للسلفية المتشددة في سورية، ويمكن القول إن السلفية المتشددة في سورية قد سقطت، وإن أتباعها فقدوا الثقة في هذا الفكر لخمسة أسباب: أولًا، الصدمة التي أصابت السوريين الذين ينتهجون هذه الفكر، من ممارسات تنظيم داعش العلنية في سورية والعراق ضد المدنيين. ثانيًا، تفكك التنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة وجند الأقصى، والصراعات بين التنظيمات السلفية نفسها. ثالثًا، الخلاف بين بعض المفكرين والمؤسسين المنتمين للفكر السلفي المتشدد في سورية من حيث المراجع الفكرية، وتخليهم عن هذا الاتجاه، وقد أثّر هؤلاء في كثير من الناس بإعطاء إجابات من شأنها أن تزيل الشكوك في أذهان الشباب الذين يؤمنون بالنهج السلفي المتشدد، ومن أبرز هذه الأسماء: أبو ماريا القحطاني (القائد السابق لجبهة النصرة)، والدكتور مظهر الأويس (عضو الهيئة الشرعية في النصرة)، والشيخ السعودي مجيد الراشد. رابعًا، السقوط العسكري لداعش والنصرة، والهزائم التي تعرّضوا لها في معاركهم ضد النظام، وفقدان المناطق التي كانوا يسيطرون عليها. وأخيرًا، اكتشاف زيف الشعارات التي استخدمتها التنظيمات السلفية المتشددة، وهذا ما جعل عدد السوريين الذين ظلّوا على مسافة من التنظيمات السلفية المتشددة محدودًا. ونتيجةً لذلك، يُلاحظ أن النهج السلفي المتشدد في سورية يعيش أزمة فكرية، وأنّ المنظمات السلفية المتشددة باتت مهمّشة.

Suriye’de 2011 Sonrasında Militan-Selefi Hareketler ve HTŞ’nin Dönüşümü           عنوان المادة الأصلي

Saleh Al-Hamawi           الكاتب

Orsam- 4/6/2021           المصدر وتاريخ النشر

https://bit.ly/3wgNCyN  الرابط

3630 كلمة         عدد الكلمات

 فارس جاسم     الترجمة

———————————

هيئة “تحرير الشام” تتمكن من حل جماعة “جنود الشام” الجهادية/ محمد الأحمد

تمكنت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، من حل جماعة “جنود الشام” الإسلامية التي يقودها مسلم الشيشاني، التي تتمركز في جبل الأكراد، شرق محافظة اللاذقية، وذلك بعد ادعاءات وتهديدات من الهيئة استمرت لأسبوعين.

وأكدت مصادر مقربة من “هيئة تحرير الشام” لـ”العربي الجديد”، اليوم الخميس، أن اجتماعاً عقد صباحًا بين قادة من الهيئة يرأسهم أبو ماريا القحطاني وخمسة قادة من جماعة “جنود الشام” يترأسهم مسلم الشيشاني، في مقر جماعة “أنصار الإسلام” في مدينة جسر الشغور، غرب محافظة إدلب.

وأضافت المصادر أن الاجتماع استمر لمدة ثلاث ساعات بحث فيه الطرفان العديد من الحلول التي طرحها مسلم الشيشاني على أبو ماريا القحطاني، إلا أن قيادات الهيئة كانت متمسكة بقرارها بحل الجماعة أو الاعتقال والملاحقة في حال رفض ذلك، مشيرة إلى أن الشيشاني رضخ لطرح الهيئة بحل الجماعة وإفراغ مقراتها ونقاط رباطها، فيما لا تزال وجهة عناصرها ومقاتليها مجهولة حتى الآن.

وبحسب ما أفادت مصادر آخرى خاصة لـ”العربي الجديد”، فإن تعداد مقاتلي وقادة “جنود الشام” يبلغ 160 مقاتلاً، 30 شخصاً منهم أجانب وعرب مهاجرون و130 محليون، فيما تنتشر جميع نقاط رباطهم على جبهة “الكبانة” في منطقة جبل الأكراد، شرق محافظة اللاذقية، إضافة لبعض المقرات العسكرية في منطقة “البيضا” القريبة من “الكبانة”.

من جهته، قال عباس شريفة، المختص بالجماعات الجهادية والباحث في مركز “جسور للدراسات”، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الاجتماع بين “هيئة تحرير الشام” وفصيل “جنود الشام” بقيادة مسلم الشيشاني هو بمثابة جلسة تفاوضية للبحث في تسوية وضع “جنود الشام” بعد الخلافات الأخيرة.

ويرى شريفة أن “هيئة تحرير الشام” منذ أن اتخذت خطواتها في التحول عن السلفية الجهادية إلى فصيل محلي، بدأت بالعمل على إعادة ترتيب وتفكيك المشهد الجهادي في شمال غرب سورية، وضبط كل الجماعات الجهادية سلوكياً وتنظيمياً.

وأكد الباحث أن “الهيئة تريد إنهاء أي وجود لأي منصة جهادية يمكن أن تتحول إلى بقعة لاستقطاب العناصر الجهادية، إضافة إلى بعث رسائل للخارج أن الهيئة كانت وما زالت القوة الأكثر قدرة على تفكيك هذه الجماعات وكف خطرها، خصوصا إذا ما قرأنا الخطوة في سياق التصعيد الروسي على جبل الزاوية، وانعقاد جولة أستانا”.

وكانت “تحرير الشام” فد نفت قبل أيام لوسائل الإعلام المحلية السورية نيتها حل الجماعات الإسلامية الصغيرة في إدلب وجبال اللاذقية، رغم أنها لفتت عبر مسؤول العلاقات الإعلامية تقي الدين عمر، إلى أن هذه الجماعات تتستر على أشخاص متورطين في زعزعة الأمن والاستقرار ضمن المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب.

وقال عمر، في حديث مع وسائل الإعلام، إن الأجهزة الأمنية بالمناطق المحررة نجحت في ضبط الأمن ومحاربة كل أنواع الجريمة على اختلافها، مشيرًا إلى أن بعض الجناة والمطلوبين لجأوا إلى التستر والتخفي تحت أسماء مجاميع صغيرة للتغطية على جرائمهم، مؤكدا أن “التخفي جريمة أخرى لها مآلات سلبية ولن تسمح به الجهات القائمة على الشمال المحرر”.

 وأضاف أنه ثبت تورط بعض المنتسبين إلى مجموعة “جنود الشام” في قضايا أمنية وجنائية، فيما أكد أنه “طُلب من قاداتهم التعاون لضبطهم ومحاسبتهم أصولاً، إلا أن الأمر لم يواجه بمسؤولية، ونُشرت على أثره إشاعة مفادها إخراج المجموعة من إدلب”.

وادعى مسؤول العلاقات الإعلامية أن “إدلب وجبهاتها مفتوحة للجميع، فالمعركة كبيرة وتوجب وحدة صف حقيقية وتعاونا وتكاتفا بين الجميع أكثر من أي يوم ومضى، إلا أن التستر على المطلوبين ليس من المسؤولية في شيء”.

من جهة أخرى، أفادت المصادر لـ”العربي الجديد”، بأن “هيئة تحرير الشام” سوف تكرر السيناريو نفسه مع جماعة “أنصار الإسلام” المتمركزة في مدينة جسر الشغور، غرب محافظة إدلب، التي ينتشر عناصرها أيضاً على جبهات جبلي التركمان والأكراد، شرق محافظة اللاذقية، مُشيرةً إلى أن الهيئة هددت، اليوم الخميس، خلال الاجتماع، جماعة “أنصار الإسلام” بإخلاء جميع مقراتها ونقاط رباطها المنتشرة على الجبهات خلال مدة أقصاها أسبوعان.

العربي الجديد

——————————–

هدايا التطبيع.. سلاح مرافق الجولاني يكشف عن مرحلة جديدة شمال غربي سوريا

إسطنبول – عبدالله الموسى

يمضي قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني قدماً بسياسته الجديدة لتكوين صورة جديدة تغير الانطباعات، لكن هذه التحركات لا تقتصر على مستوى الخطاب والمستويات الإعلامية والخدمية وغيرها، وإنما انتقلت إلى مرحلة التحركات العملية في كامل الميدان شمال غربي سوريا، ويشمل ذلك مناطق سيطرة الجيش الوطني.

وعلى الرغم من أن هذا التحرك لم يتبلور بعد وما زال النقاش يحوم في الخطوط العريضة، فإن نجاحه يعني بداية مرحلة جديدة وشكلاً جديداً للمنطقة، ما سينعكس على كل السياقات السياسية والميدانية والاقتصادية والاجتماعية.

كان الظهور الأخير للجولاني مع الإعلام الغربي في اللقاء الذي أجراه معه الصحفي الأميركي مارتن سميث خلال زيارته لمدينة إدلب بين الأول والـ 14 من شباط الماضي.

حضرت مقتطفات مقابلة الجولاني في فيلم “فرونت لاين” الذي حمل اسم “الجهادي”، وفيه كشف الجولاني عن الكثير من سيرته الذاتية ونشأته وأفكاره والتغيرات التي طرأت عليها خلال مسيرة “جهاده” من العراق وحتى إدلب.

طغى على حديث الجولاني – كما توقع معظم المراقبين – في المقابلة، الطابع الوطني الثوري، من دون الانسلاخ عن الهوية الإسلامية، مبتعداً كل البعد عن ترديد شعارات جبهة النصرة في تحكيم الشريعة، وحكم المسلمين وتكفير الغرب ومعاداته.

ربما لم يظهر الفيلم كامل القصة وتفاصيل ما يجري منذ شهور، إلا أن لقطة واحدة منه كانت كافية للكشف عن متوالية من التغييرات الكبرى، هي أهم وأبعد من كل الخطوات السابقة نحو التغيير، وتحمل في طياتها مؤشرات قد تساعد في استشراف مصير المنطقة أو على الأقل شكلها القادم.

في نهاية الدقيقة الـ 40 من الفيلم، حيث كان الجولاني يتجول في شوارع وأسواق مدينة إدلب، وبعد أن ربّت على كتف أحد مهجري مدينة سراقب واعداً إياه بالعودة إليها، يظهر مرافقه حاملاً سلاحاً غريباً حديثاً أنيقاً وجديداً، لم يشاهده السوريون بيد مقاتلي الفصائل من قبل.

) الأميركية لتصنيع البنادق والمسدسات، إلا أنه بمقارنة كافة إصدارات الشركة لا يمكن الحصول على تطابق كامل، ويفسر ذلك على أن نوفسكي تصنع رشاشاتها بناء على النمط الشهير للرشاشات الأميركية AR وهو النمط الذي تصنع وفقه الرشاش الأشهر M16 ونسخته الأحدث M4، وتتيح شركة نوفسكي بيع أسلحتها قطعة قطعة، وهذا يسمح لحملة السلاح باستبدال سبطانة سلاحه إذا كان من النمط AR بسبطانة نوفسكي، وينطبق ذلك على باقي القطع الأخرى و”الإكسسوارات”.

رصد موقع تلفزيون سوريا تفاصيل السلاح وقارنها مع النوعيات والطرازات المنتشرة في الميدان السوري، من دون الوصول إلى نتيجة واضحة، وبحكم أن العراق المفكك أمنياً كان وما زال سوقاً رئيسياً يصدر السلاح الفردي إلى سوريا، إلا أن موقع تلفزيون سوريا لم يرصد منه في أيدي الحشد الشعبي أو الميليشيات الإيرانية.

بحثنا في مجموعات الفيس بوك التي تعرض أسلحة للبيع في إدلب وريف حلب، لتكون الكلاشينكوف بطرزها المختلفة القديمة والحديثة هي السائدة بالنسبة العظمى، إلى جانب قطع معدودة من الرشاش الأميركي M16 أو النسخة الأحدث منها M4، وهذه الأسلحة الأميركية محدودة العدد سلمها البنتاغون لمجموعات من فصائل الجيش الحر عامي 2015 و2016 ضمن برنامج تدريب المعارضة السورية.

وفي البحث المطول والدقيق رصد موقع تلفزيون سوريا نسخاً من السلاح في أيدي مقاتلين من الجيش الوطني، وذلك ضمن مقاطع نشروها على حساباتهم في برنامج “تيك توك”، ما ساعد في تضييق نطاق البحث لمعرفة مصدر هذا السلاح.

    @a.b.k.d.e

(ضحڪـهۃﭐلشـجآ؏ بوسـط-ﭐلآﯛجـآ؏ـ هيبـﮪ ツ👣⇣#معراوي_لك_عمي #ادلب #تابعوه #معراوي

@mousap4

♬ الصوت الأصلي – عزام ابو زيادة

تقاطع ما أكده قيادي في الجيش الوطني لموقع تلفزيون سوريا مع مصادر ميدانية وعسكرية أخرى، بأن هذا السلاح وصل إلى الجيش الوطني من ليبيا، حيث أحضر قادة عسكريون عدداً غير معلوم منه بعد عودتهم من القتال هناك إلى جانب حكومة الوفاق والقوات التركية.

كيف وصل السلاح إلى هيئة تحرير الشام؟

تتداول الأوساط الثورية في شمال غربي سوريا بأن وفوداً أمنية من هيئة تحرير الشام التقت بفصائل الجيش الوطني مراراً في الأشهر الأخيرة الماضية، للتباحث حول الملف الأمني والاتفاق على صيغة تنسيق للجهود بين الجانبين.

لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق واضح حتى الآن بحسب ما أكدته مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، إلا أن هذه الحالة تشي بتغيرات فكرية كبرى في الجانبين، وخاصة من جانب هيئة تحرير الشام.

أول ملامح تطبيع العلاقات كانت في زيارة الشرعي السابق في هيئة تحرير الشام عبد الرزاق المهدي لقائد فصيل السليمان شاه محمد جاسم أبو عمشة أواخر العام 2020، عندما زاره مع وفد لتقديم واجب العزاء بوفاة والدته.

وآخر الملامح كانت تغريدة القيادي في هيئة تحرير الشام جهاد عيسى الشيخ الملقب أبو أحمد زكور، في الثاني من الشهر الجاري، كتب فيها “أنا باعزاز الآن بجولة على قيادات الجيش الوطني نسأل الله التوفيق”، وأرفقها بصورة له، وأعاد تغريدتها القيادي أبو مارية القحطاني وكتب: زعلان منك تاج راسي صورت لحالك ما صورتني معك”.

    الى جميع الجهات التي يقصدها هذا الولد @MzmjerSh

و التي لا يقصدها أنا ب #أعزاز الآن بجولة على قيادات الجيش الوطني نسأل الله التوفيق https://t.co/n23HTjjbkh pic.twitter.com/rwiBDj9Qm8 — جهاد عيسى الشيخ (@ahmedzakor1) July 2, 2021

    زعلان منك تاج راسي صورت لحالك ما صورتني معك. https://t.co/5anG7zy4al

— Maysara Bn Ali Alkahtani (@BnMaysara) July 2, 2021

مصادر موقع تلفزيون سوريا أكدت أن محمد جاسم أبو عمشة قدّم لوفد من هيئة تحرير الشام زاره مؤخراً نحو 50 رشاشاً جديداً من هذا النوع، بالإضافة إلى عدد من مسدسات “غلوك

“.

وما يعزز هذه التأكيدات أن تجار السلاح في إدلب عرضوا مؤخراً قطعاً نادرة من مسدسات “غلوك” من الجيل الثالث للبيع على صفحاتهم الترويجية في فيس بوك.

ورصد موقع تلفزيون سوريا تسجيلات مصورة لمقاتلين من السليمان شاه على حساباتهم في تيك توك، يستعرضون بها أسلحتهم من طراز نوفسكي.

    @m.f.29

##طلعو_الفديو_ترند_ع_عناد_المظغوطين✌️😌_اكسبلور♬ الصوت الأصلي – ذكريات الثورة السورية

لماذا أبو عمشة؟

لم يستغرب المراقبون لتحركات هيئة تحرير الشام الاجتماعات التي حصلت مع الجبهة الشامية بهدف التنسيق الأمني، لكونها أكبر فصائل الجيش الوطني وأقدمها في منطقة سيطرة الجيش الوطني، إلا أن تطبيع الهيئة مع فصيل السلطان سليمان شاه وقائده أبو عمشة كان أمراً مستغرباً، فالأخير طردته جبهة النصرة مع كتيبته من قريته في سهل الغاب شمال غربي حماة، ولم يكن أبو عمشة يترك مناسبة ليلقي التهم على الجولاني ويصنفه كعدو للثورة.

    والله ماتمثلون غير حلكم وهل الخرجي العرص تبعكم الجولاني كلب المخابرات الجويه الزحف قادم بعون الله

    — محمد جاسم (أبو عمشة) (@abo33amsha) August 24, 2017

ينتشر فصيل أبو عمشة بشكل أساسي في منطقة الشيخ حديد غربي عفرين، وهي ناحية متاخمة لناحية جنديرس التي تعد بوابة الجيش الوطني لمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، وهناك لا ينازع السليمان شاه فصيلٌ آخر على السيطرة، وساهم أبو عمشة في تحسين الواقع المعيشي في الشيخ حديد وقراها وضخ لأجل ذلك الأموال الكثيرة، وينشط مكتب العلاقات العامة لديه في كل الفعاليات الاجتماعية والشعبية، ويكثف من لقاءاته مع الناشطين والفاعلين في المنطقة، والتي كان آخرها ما ظهر في تسجيل مصور لأبو عمشة مع شخصيات من ريف حماة عندما ألقى رئيس الهيئة السياسية لحماة نصر المحيميد خطاباً حماسياً مليئاً بالإطراءات لأبو عمشة الذي تصبب عرقاً من الجو الحار ما دفع مهند عجاج لمسح عرق جبينه.

في الأول من نيسان الفائت أعلن محمد الجاسم أبو عمشة خروج فصيله من مرتبات الفيلق الأول في الجيش الوطني من دون ذكر للأسباب، لتصدر وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بياناً تضمّن أمراً إدارياً بنقل فرقة السلطان سليمان شاه إلى ملاك الفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري “لضرورة الخدمة” دون ذكر تفاصيل إضافية.

السلطان سليمان

“السلطان سليمان شاه” تعلن انفصالها عن الفيلق الأول بالجيش الوطني

ويعرف الفيلق الثاني في الجيش الوطني باسم فيلق السلطان مراد بقيادة فهيم عيسى، وهو القائد المقرب من أبو عمشة.

العلاقة المتينة بين عيسى وأبو عمشة قديمة، وهما من أكثر فصائل الجيش الوطني اعتماداً من الأتراك، وساهما بأكبر الأعداد للقتال في ليبيا وأذربيجان، وتجمعهما صورة نشرها أبو عمشة في آب 2020، ضمن تغريدة كتب فيها “مِن على خطوط الجبهات ولا يـفصلنا عن العدو إلا أمتار حققنا انتصارات من الخنادق وليس من الفنادق.. برفقة بطل الإقتحامات الذئب التركماني العم فهيم أبو أحمد”.

    من على خطوط الجبهات ولا يـفصلنا عن الـعدو إلا أمتار حققنا انتصارات من الخنادق وليس من الفنادق برفقة بطل الإقتحامات الذئب التركماني العم فهيم أبو أحمد pic.twitter.com/gxFXplgApe

— محمد جاسم (أبو عمشة) (@abo33amsha) August 16, 2020

اللافت في الصورة أن أبو عمشة يحمل نفس السلاح الذي كان يحمله مرافق الجولاني في فيلم “الجهادي”، وهذه صورة التقطها القائدان في إحدى جبهات ليبيا، بحسب ما أكده قادة عسكريون في المعارضة.

ومن بعد قرار ترك الفيلق الأول والانضمام للفيلق الثاني، كثرت معسكرات السليمان شاه في تخريج دفعات كبيرة من المقاتلين الجدد كان آخرها وأكبرها تخريج دورة ذئاب الشمال.

    أبطال دورة ذئاب الشمال انتهوا بفضل الله تعالى من تدريباتهم التعبوية والقتالية والبدنية والدينية.

    وسيتم فرزهم قريباً جدآ على قطعات ووحدات فرقة السلطان سليمان شاه.

    اتمنى لهم التوفيق والنجاح في مهامهم الجديدة

    وكل الشكر والتقدير والإحترام إلى الإخوة المدربين والمشرفين على الدورة pic.twitter.com/t8Cyl3iaW6

— محمد جاسم (أبو عمشة) (@abo33amsha) July 5, 2021

وقال قيادي في الجيش الوطني طلب عدم الكشف عن اسمه لموقع تلفزيون سوريا إن أبو عمشة يخشى من تهديدات الجبهة الشامية لضربه وتفكيك فصيله بحجة مكافحة المفسدين، وبناء عليه انشق عن الفيلق الأول وضاعف أعداد مقاتليه، وركّز على إظهار حالة الجاهزية والتنظيم، كخطوات رادعة للشامية.

كل ما سبق ذكره من استراتيجية المنطقة التي يسيطر عليها أبو عمشة، وشخصيته البراغماتية والطامحة، ومخاوفه من تهديدات الشامية، يجعل منه ومن فصيله خياراً مناسباً ومتاحاً لهيئة تحرير الشام.

لا يمكن قياس مدى نجاح المباحثات بين وفود الهيئة وفصائل من الجيش الوطني، إلا أن مجرد حدوثها واستمرارها يعني أن الأطراف المحلية والإقليمية ترسم لواقع جديد لا ينفصل عن التطورات المحلية والدولية بشأن إدلب ومناطق وجود الجيش التركي.

تلفزيون سوريا

————————

الجولاني في حديث شامل: نشأت في بيئة ليبرالية وتأثرت بوالدي وهذه رسائلي لأميركا

ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا

نشر موقع “فرونت لاين” الأميركي المقابلة التي أجراها الصحفي، مارتن سميث، مع زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، خلال زيارته لمدينة إدلب في 1 و14 من شباط الماضي.

وتأتي هذه المقابلة كجزء من فيلم وثائقي لموقع “فرونت لاين”، تحت اسم “الجهادي”، ليختبر ظهور الجولاني كقيادي ومتشدد إسلامي، وجهوده لتقديم نفسه كقوة مؤثرة في مستقبل سوريا، على الرغم من تاريخه مع “تنظيم القاعدة” واتهامه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

فيما يلي نص المقابلة، التي أجراها سميث مع الجولاني، والتي تعتبر الأشمل والأكثر تفصيلاً له، بعد ترجمتها من اللغة الإنكليزية، وقمنا بتحرير النص لغوياً لتوضيحه، من دون التدخل بمحتواه.

لماذا هذه المقابلة؟

أود أن أبدأ بسؤالك عن السبب الذي جعلك تقرر التحدث إلى مراسل صحفي أميركي، لماذا قررت إجراء هذه المقابلة؟

نعم، بسم الله الرحمن الرحيم. بدايةً، هذه ثورة شعبية كان لها صدى في جميع أرجاء العالم، هناك أكثر من 5 ملايين شخص يعيشون في هذه المنطقة، وهناك 5 – 6 ملايين آخرين خارج البلاد مرتبطون بهم، نحن نمثل جزءاً من حدث كبير في الثورة السورية، ولدينا مهمة لنقل الصورة الحقيقية للثورة السورية إلى العالم بدقة.

أنت لم تتحدث مع مراسل أميركي في الماضي، أليس كذلك؟

لا، هذه هي المرة الأولى.

لماذا اخترت الآن التحدث إلى جمهور الولايات المتحدة؟

لا يوجد سبب معين، أنت طلبت ذلك، وكنا بالفعل على اتصال مع الوسيط الذي اتصلت به، ونعمل معه لإيصال الوضع الحالي إلى العالم، لذلك سألنا، ووافقنا على هذه المقابلة.

هذا كل ما في الأمر.

ومن الجمهور الذي تأمل أن تصل إليه؟

للثورة السورية أهمية لكثير من الناس في العالم، إنها ثورة عادلة قامت ضد طاغية مجرم وظالم يقتل شعبه، قتل أكثر من مليون شخص، أكثر من 400000 إلى 500000 شخص في المعتقلات، نساء تعرضن للتعذيب والاغتصاب في المعتقلات، دمرت ملايين المنازل والمدارس والمستشفيات.

لذا، فإن الحقيقة حول هذه القضية تستحق أن تصل إلى العالم كله بدقة، هناك من يحاول تشويه صورة الثورة، البعض أعداء والبعض الآخر ليسوا كذلك، يحاولون تشويه صورة الثورة ووصفها بطريقة معينة، دورنا ورسالتنا في الدفاع عن الناس والدفاع عن سلامتهم ودينهم وشرفهم وممتلكاتهم ومواجهة طاغية مجرم مثل بشار الأسد، يعني أنه من واجبنا أيضاً نقل هذه الصورة عبر منصتك أو أي منصة أخرى، يمكن أن تنقل الحقيقة إلى الجميع حول العالم.

وما رسالتك لمن يستمع إليك هنا؟ ما الذي تريدهم أن يفهموه أكثر؟

أولاً وقبل كل شيء، هذه المنطقة لا تمثل تهديداً لأمن أوروبا وأميركا، وهي ليست مرحلة لتنفيذ العمليات الخارجية، هذا لتبدأ به.

النقطة الأخرى هي أن هناك بعض السياسات الخاطئة التي يتبناها المجتمع الدولي ضد الثورة السورية، على سبيل المثال، حتى الآن لا يزال هناك اعتراف دولي ببشار الأسد، رغم أنه نفذ عشرات الهجمات الكيميائية ضد شعبه، أكثر من 100 هجوم، ودمر المدارس وقتل الأطفال والنساء، وألقى بالبراميل المتفجرة على أهالي القرى والبلدات، ودمر حضارات عظيمة مثل حمص وحلب.

الرسالة الرئيسية التي نريد نقلها، وحتى يفهمها الناس هي ببساطة: أراد الناس تغيير طاغية ونظام، وهذا الطاغية والنظام أرادا تغيير شعب بكامله، تغيير الطاغية أسهل بكثير من تغيير شعب بكامله.

الولايات المتحدة والتصنيف الإرهابي

تم تصنيفك كإرهابي من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والعديد من الحكومات، هناك كثير من الأميركيين الذين قد يقولون إنك لن تكون زعيماً إذا كنت إرهابياً. ماذا تقول لهم؟

بادئ ذي بدء، نحن لا نتصرف كزعماء في المنطقة، نحن جزء كامل من الثورة السورية، والثورة السورية لا يمكن أن تقتصر على شخص واحد، إنها ثورة الشعب.

الأمر الآخر هو أن هذا تصنيف غير عادل، إنها تسمية سياسية لا تحمل أي حقيقة أو صدقيّة، لأنه خلال رحلتنا التي استمرت 10 سنوات في هذه الثورة، لم نشكل أي تهديد للمجتمع الغربي أو الأوروبي: لا يوجد تهديد أمني، ولا تهديد اقتصادي، ولا شيء آخر.

لهذا السبب تم تسييس هذا التصنيف، وندعو الدول التي اتخذت هذه الإجراءات إلى مراجعة سياساتها تجاه هذه الثورة.

في أيلول من العام 2014 تعهدتم بمحاربة الولايات المتحدة وحلفائها. هل تغيرت؟

نعم، لقد انتقدنا بعض السياسات الغربية في المنطقة، ولكن لم نقل أننا نريد شن حرب على الولايات المتحدة والأوروبيين من سوريا، هذا غير صحيح.

أنت لم تقل أبداً أنك تريد القتال؟

لم نقل إننا نريد القتال، نحن لم نقل ذلك، لكننا تعرضنا لبعض الهجمات من قبل الولايات المتحدة، من خلال ضرب بعض الأشخاص الذين عملوا معنا أو كانوا مرتبطين بنا، لذلك انتقدنا هذه السياسات كرد فعل على استهدافنا.

كما نود أن نناقش شيئاً: ما تعريفُ الإرهاب؟ الإرهاب كيف تعرّفه؟ اليوم، كل دولة لديها قائمة للإرهاب، أي شخص أو حزب تدّعي الدولة أنه يعارضها يتم إضافته تلقائياً إلى قائمة الإرهاب.

إذن ماذا يعني تصنيف الإرهاب؟ ماذا تعني كلمة “إرهابي”؟ إنها الآن سياسة معتمدة من قبل أي دولة في العالم، حتى الدول الصغيرة لديها قوائم إرهابية، وهي تصنف كل من يعارضها بالإرهابي، لذلك لا يوجد تعريف محدد حتى الآن لما يعنيه الإرهاب.

هكذا سيكون رد فعل الأميركيين على ذلك، لقد تعهدت بالولاء لتنظيم القاعدة، لقد عملت مع أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، لذا، لكي تقول إنك لم تدعُ لمحاربة الأميركيين، عندما يكون ذلك في ماضيك، يستحيل على الناس فهمه.

هذا الموضوع يحتاج إلى تحليل موضوعي وعلمي، يجب أن يؤخذ في الاعتبار تاريخ المنطقة وما مرّت به خلال العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية، نحن نتحدث عن منطقة يحكمها طغاة بقبضات من حديد عبر أجهزتهم الأمنية، في الوقت نفسه، هذه المنطقة محاطة بالعديد من الصراعات والحروب، إذن، هناك العديد من الظروف الموضوعية المحيطة بالمنطقة، لا يمكننا أن نأخذ جزءاً من هذا التاريخ ونقول إن فلاناً انضم إلى القاعدة.

هناك آلاف الأشخاص الذين انضموا إلى القاعدة، لكن دعونا نسأل ما السبب وراء انضمام هؤلاء الأشخاص إلى القاعدة؟ هذا هو السؤال، هل السياسات الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية تجاه المنطقة مسؤولة جزئياً عن دفع الناس نحو تنظيم القاعدة؟

هل السياسات الأوروبية في المنطقة مسؤولة عن ردود فعل المتعاطفين مع القضية الفلسطينية أم من طريقة تعامل النظام الصهيوني مع الفلسطينيين؟ وهل الشعوب المكسورة والمضطهدة التي اضطرت لتحمل ما حدث في العراق مثلاً، أو في أفغانستان، هل هي مسؤولة عن أخطاء وسياسات هذه الإدارات الأميركية المتعاقبة؟

نحن ندرك أن الأبرياء قتلوا، إذا فعل شخص ما هذا وكان مرتبطاً بداعش أو غيره، فنحن نقول إننا لا ندعم هذه السياسات.

نحن ضد قتل الأبرياء، حتى لو كنا نحن المظلومين وندافع عن حقوقنا، ولما زاد هذا الأمر وتصاعدَ أدى إلى الانقسام بيننا وبين داعش لهذه الأسباب، لوجود سياسات مضللة يتبناها داعش في إدارة الصراع والقتال الذي دار، أو حتى التوجه لقتل بعض الأبرياء.

لذلك عندما وصلت إلى هذا المستوى، انفصلنا، ونأينا بأنفسنا عن أولئك الذين يقتلون الأبرياء، كانت تلك هي البوصلة المميزة.

لقد استخدمت انتحاريين، أليس كذلك؟

بلى، في بعض المعارك استخدمنا الشهداء، ماذا يعني ذلك؟ إنه سلاح، ليس لدينا طائرات لاستخدامها في محاربة العدو، لكن السؤال من كان الشهداء الذين انتشروا ضدهم؟ وانتشر الشهداء ضد الشبيحة والميليشيات الإيرانية والروسية التي حاولت اقتحام المنطقة ومهاجمة المتظاهرين وقتل الأبرياء، استخدمنا الشهداء ضدهم، هذا ليس عملاً من أعمال العار، إنه عمل مشرّف، رجل يضحي بنفسه لأنه يريد أن يدافع عن الأبرياء الذين يقتلون من قبل، لذا فهذه وسيلة، إنها وسيلة وليست غاية في حد ذاتها.

لو كانت لدينا طائرات، لكنا استخدمنا الطائرات، لو كانت لدينا مدفعية لتحل محل الاستشهاد، لكنا أنقذنا هؤلاء الإخوة واستعملنا تلك الأسلحة.

فما الفرق بين طائرة تسقط برميلاً متفجراً وتقتل أبرياء، ومن يريد أن يدافع عن هؤلاء الأبرياء، ويضحي بنفسه حتى يعيشوا بأمان، من المدان هنا؟

السؤال هو ما إذا كنت قد استخدمت الأساليب التي أدت إلى وفاة أي مدنيين، لقد استخدمت انتحاريين ضد أهداف تعتبرها عسكرية مشروعة، لكنك قتلت في هذه العملية العديد من المدنيين، أليس كذلك؟ هل تنكر ذلك؟

لا لا.. نحن واثقون من أننا لم نقتل أو نجرح أي أبرياء في أثناء عملياتنا، لأننا كنا نستهدف، على سبيل المثال، ثكنات الجيش، أو نكون في ساحة المعركة، حيث لم يكن هناك مدنيون.

هذا هو المكان الذي تستخدم فيه العمليات الاستشهادية، لا يتم استخدامها في المناطق السكنية أو المأهولة بالسكان.

بالطبع لا، هذا لم يحدث.

هل ستقول هنا الآن وبكل وضوح أنك كقائد سابق للقاعدة لن تدعم ما تسميه الجهاد الخارجي، وأنك لن تدعم أي هجمات ضد الولايات المتحدة؟

أكرر وأكرر، إن حقبة انخراطنا مع القاعدة في الماضي انتهت، وحتى في ذلك الوقت عندما كنا مع القاعدة، كنا ضد الهجمات الخارجية، وهو أمر مخالف تماماً لسياستنا في القيام بها، خروج عمليات خارجية من سوريا لاستهداف الأوروبيين أو الأميركيين، لم يكن هذا جزءاً من حساباتنا على الإطلاق، ولم نقم به على الإطلاق.

من هو الجولاني عندما كان شاباً؟

لذا دعنا نعود إلى تاريخك ونكتشف كيف وصلت إلى هذه النقطة التي أنت فيها الآن، نشأت في دمشق، أريد أن تخبرني عن شبابك، ما الذي شكلك كشاب، أريد أن أعرف عن والدك، أعرف أن اسمك الحقيقي أحمد الشرع.

نعم صحيح.

لقد ابتسمت، لذا أخبرني عن المنزل الذي نشأت فيه، ونوع الأسرة التي تربيت فيها، وكيف أثرت بك، كيف تصف نفسك كشاب، كمراهق يكبر وينظر إلى العالم من حوله؟

نحن من عائلة تنحدر من الجولان المحتل، لكن جدّي لأبي نزح من الجولان بعد دخول الجيش الصهيوني الإسرائيلي إلى المنطقة في العام 1967، تأثر والدي في شبابه بجمال عبد الناصر، وكان توجهه قوميا عربيا.

ولد في العام 1946، وخلال فترة نشأته الأولى، وتحديداً في العام 1958، كان هناك وحدة بين سوريا ومصر، كان أسلوب جمال عبد الناصر هو مخاطبة الجماهير والطبقات الفقيرة والناس من المناطق الريفية كرد فعل ضد الإقطاع والطبقة البرجوازية، لكن هذا حدث في مصر ولم يُنسخ في سوريا إلا بعد الاتحاد بينها وبين مصر.

وجد الناس الذين عاشوا في المناطق الريفية أنهم استفادوا من هذه السياسة الجديدة لعبد الناصر، وبالتالي فإن التوجه الاشتراكي القومي العربي لعبد الناصر كان يستقطب كثيراً من الشباب في ذلك الوقت، وكان أحدهم والدي.

في العام 1961 قام البعثيون بانقلاب ضد الوحدة مع مصر، كان والدي لا يزال طالباً في المدرسة، شارك في بعض الاحتجاجات ضد حكم البعث في سوريا، اعتقل ثم هرب فيما بعد من السجن وتوجه إلى الأردن حيث سجن مرة أخرى، وكان يبلغ من العمر 19 عاماً، ثم خيّروه بين الذهاب إلى السعودية أو العراق فاختار العراق.

أنزلوه عند الحدود العراقية، ثم ذهب إلى بغداد، واستكمل دراسته هناك، أنهى المدرسة الثانوية ثم ذهب إلى الكلية حيث درس الاقتصاد والعلوم السياسية بتخصص في النفط.

درس الاقتصاد والعلوم السياسية، وفي أثناء دراسته احتلت إسرائيل الجولان، فذهب إلى الأردن وقاتل مع الفدائيين الفلسطينيين.

عاد والدي بعد ذلك إلى بغداد لإكمال دراسته، حيث مكث فيها حتى العام 1971، عندما عاد إلى سوريا، حيث سُجن للمرة الثالثة، ثم توصل إلى تسوية مع الأمن السياسي، فأطلقوا سراحه من السجن.

ترشح للبرلمان، لكنه لم يفز بالطبع بسبب خلفيته السياسية، فذهب إلى المملكة العربية السعودية وعمل هناك في أوائل الثمانينيات، كخبير في النفط في وزارة النفط السعودية لنحو 10 سنوات.

ولدت أنا بمدينة الرياض في السعودية في العام 1982، وفي نهاية العام 1989 عادت العائلة إلى سوريا.

اسمح لي أن أتوقف للحظة، أريد أن أفهم ما هو رأيك في والدك، أو كيف كنت معجباً به أو هل كنت ناقداً له، أو كانت لديك أفكار مختلفة عنه، وكان شخصية مهمة في حياتك؟

بالتأكيد والدي كان له تأثير كبير عليّ، وهناك جوانب من القومية العربية تدفع الإنسان دائماً للنضال من أجل حقوق المظلوم، ولها أيضاً طبيعة ثورية، وكان جد والدي يعارض أيضاً، فقد كان قائداً رئيسياً في المقاومة خلال الاحتلال الفرنسي لسوريا، لذلك كانت هناك بذرة الدفاع عن المظلوم، بذرة العدل بشكل عام، وهي البذرة التي تتحدث عن القضايا التي تهم الأمة.

كان تركيز والدي وجدي على الدول العربية، ولكن بالنسبة لنا في الحركات الإسلامية، نأخذها إلى مستوى الأمة الإسلامية بأسرها، بالنسبة لنا هم مسلمون ثم عرب، في القومية العربية العرب أولاً ثم المسلمون.

لذلك لم نتفق أنا وأبي كثيراً فيما يتعلق بأفكارنا، ولكن بالتأكيد كان له تأثير علينا، حب فلسطين، على سبيل المثال، الرغبة في الدفاع عن الفلسطينيين بشكل عام، هذا كان مزروعاً داخل منزلنا على مدار الساعة.

متى أصبحت إسلامياً؟

نشأت وعشت في دمشق، في حي المزة بمنطقة الفيلات الشرقية، وهي تعتبر من الأحياء الراقية في دمشق، كانت تعيش فيها طبقات متوسطة وثريّة من السوريين، وكنا نعتبر نحن طبقة وسطى، لكن الحي بشكل عام لم يكن محافظاً، كان ليبرالياً إلى حد كبير، وكانت الميول الإسلامية ضعيفة، وتكاد تكون معدومة.

لذا فإن البيئة التي عشت فيها لم تكن توجهني أو تدفعني نحو الاتجاه الإسلامي، لكن في ذلك الوقت، تأثرت بشدة في الأحداث في فلسطين في عامي 2000 و1999، حينذاك كنت ما أزال شاباً، كان عمري 18 عاماً.

في ذلك الوقت، بدأت أفكر كيف يمكنني متابعة واجبي في الدفاع عن الوطن الذي كان يضطهده المحتلون والغزاة، لكن علينا أن نضع طريقة التفكير هذه في سياقها، كنت شاباً في الثامنة عشرة من عمري، لذلك فإن تلك كانت فكرة فطرية عفوية، لم تكن مسيسة أو موجهة.

بعد ذلك نصحني أحدهم بالذهاب إلى المسجد والالتزام بالصلاة فيه، فذهبت وبدأت ألتزم بالصلاة هناك، وشعرت أن الحياة لها معنى آخر يختلف عن المعنى الدنيوي النقي الذي كنا نبحث عنه.

لذلك بدأت في البحث عن هذه الحقيقة، كان هناك شيء بداخلي يدفعني للبحث عنها، كيف نصل إلى العدالة؟ كيف نريح أهل الظلم؟ كيف ننشر الخير بين الناس؟

بدأت البحث عن كل هذه المعاني في كتاب الله تعالى، القرآن الكريم، في ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم درست تفسير القرآن مع شيخ فاضل، كان مسناً في ذلك الوقت، لست متأكداً مما إذا كان لا يزال على قيد الحياة.

ما هو اسم رجل الدين؟

هل يمكنني ألا أذكر اسمه؟ لا أعرف ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة أم المنية وافته، لأنه كان حينذاك يبلغ من العمر نحو 68 عاماً.

أخشى أن يكون لا يزال في مناطق سيطرة النظام، وإذا ذكرت اسمه فقد يعرضه ذلك للخطر.

11 أيلول والحرب في العراق

ما رأيك؟ وبماذا شعرت في يوم 11 من أيلول؟

بادئ ذي بدء، فإن أي شخص عاش في العالم الإسلامي أو في العالم العربي في ذلك الوقت يخبرك أنه لم يكن سعيداً، فإنه يكذب عليك، لأن الناس شعروا بظلم الأميركيين في دعمهم للصهاينة ضد المسلمين بشكل عام، ودعمهم الواضح والقوي للطغاة في المنطقة.

لكن الناس يندمون على قتل الأبرياء بالتأكيد.

إذا نظرنا إليها من منظور الأشخاص الذين لا يعتبرون أميركا صديقة، فهي بهذا المعنى تعتبر عدواً، وبالتالي، سيكون أي شخص سعيداً بأي خطر يواجهه، لكن قتل الأبرياء والضحايا والنساء والأطفال والمدنيين، الناس يتألمون من هذه الصور، إنه تماماً مثل ما يحدث هنا حالياً.

آمل ألا تسيء كلماتي إلى الأبرياء الذين قد يُقتلون في أي مكان والذين قد يسمعون كلماتي الآن، لكننا نتحدث بوضوح شديد حتى نتمكن من تحليل وفهم كيف أوصلتنا أحداث العشرين عاماً الماضية إلى ما وصلنا إليه الان.

هناك كثير من الأشخاص الذين يستمعون إلى هذا، ولا يهتمون بمدى التعاطف الذي تقوله والذي تعبر عنه للضحايا الأبرياء، ووفق تعبيرهم، كان هجوماً جباناً باستخدام تلك الطائرات على تلك المباني (مركز التجارة العالمي)، حيث كان العديد من المدنيين يعملون من دون أن يكون هناك هدفٌ عسكريٌ، كان هجوماً جباناً، ويطلقون عليه اسم الإرهاب.

صحيح، قلت إنني أفهم وجهة نظرهم، لكن السؤال هو لماذا حدث ذلك، وما السياق الذي حدث فيه؟

أنا لا أشجعها، لكني أحاول أن أشرح، بموضوعية، حالة المنطقة في ذلك الوقت، وأنا، كشاب عاش خلال هذه المرحلة، أشرح مشاعري الخاصة ومشاعر الناس من حولي خلال ذلك الوقت.

بكل صدق، يجب أن تكون هذه المسألة دافعاً للبحث والدراسة وزيادة المعرفة والوعي بمسار الأحداث.

متى ذهبت إلى العراق لأول مرة؟

ذهبت أولاً إلى بغداد قبل قرابة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من بدء الحرب، ذهبت إلى بغداد ثم إلى الرمادي، وفي الوقت الذي بدأت فيه الحرب كنت في بغداد، ثم بعد فترة عدت إلى سوريا، ثم عدت إلى العراق مرة أخرى، ثم ذهبت إلى الموصل وقضيت معظم وقتي هناك، ثم تم اعتقالي ووضعوني في سجن أبو غريب، ثم تم نقلي إلى بوكا ثم إلى سجن كروبر في مطار بغداد، ثم سلمتني القوات الأميركية إلى العراقيين الذين وضعوني في سجن التاجي، خرجت من سجن التاجي بعد أن أمضيت ما مجموعه خمس سنوات في السجون.

لقد أخبرتني قبل أيام أنك لم تقابل أبا مصعب الزرقاوي، يمكنك الذهاب إلى ويكيبيديا والبحث عن أبو محمد الجولاني، يقول الموقع إنك قريب من أبو مصعب الزرقاوي. هل هذا غير صحيح؟

معظم المعلومات المتوافرة على الإنترنت خاطئة، لا تحتوي على أكثر من 2 إلى 3 % من الحقيقة.

لا، لم أقابل أبو مصعب الزرقاوي، هو كان موجوداً في الغالب في الفلوجة والرمادي وحول هذه المنطقة، وأنا كنت في الموصل خلال تلك الفترة، كنت جندياً عادياً، لم أشارك في أي عمليات كبرى من الممكن أن تجمعني مع الزرقاوي.

وكان الزرقاوي يحيط نفسه ببروتوكولات أمنية مشددة، فهناك لم تكن معركة مفتوحة، بل كانت حرب عصابات، وكان الناس يختبئون، ولم يكونوا يلتقون ببعضهم بعضا كما يحدث هنا الآن.

هل عملت تحت إمرته؟ هل كان من القادة الذين قاتلت معهم؟

كقائد عام نعم، وبعد مبايعته لتنظيم القاعدة، انضم العديد من الفصائل العراقية إلى أبو مصعب الزرقاوي، وكنت أنا من هذه الفصائل التي انضمت إليه.

الآن هو رجل أمر مقاتليه بتفجير مرقد شيعي في النجف، ومقر الأمم المتحدة في بغداد، وعدة مواقع أخرى، كما فجّر أقدس الأضرحة الشيعية في سامراء، وقتل العديد من المدنيين في تلك الهجمات، أنت كنت جندياً بين مقاتليه. ما شعورك حيال ذلك؟ كيف ترى هذه الإستراتيجية؟

كنت في السجن خلال الحرب الشيعية السنية التي دارت هناك، بدأ الأمر قرابة العام 2006 عندما كنت في السجن، وعندما كنت خارج السجن لم تكن هذه الحرب موجودة، تابعت هذه الأحداث كسجين، ووصلتنا أخبارها بعد ستة أشهر، كان الأميركيون يمنعوننا من الاتصالات، حتى الراديو كان ممنوعاً في بعض الأحيان، لذلك لم نسمع كثيرا عما كان يحدث في الخارج.

لكن يمكنني تحليل سبب حدوث هذه الأشياء.

لكن بعض الهجمات وقعت قبل الاعتقال، قصف مقر الأمم المتحدة كان في العام 2003، هل قلت لنفسك: هذا النوع من الهجوم، أو هذا النوع من القتل الجماعي للمدنيين، قد لا تكون إستراتيجية جيدة، أم أنك كنت تدعمه في ذلك الوقت؟

كنا ضد أي قتل للأبرياء، لم أكن وحدي، كثير من الناس الذين لديهم ضمير ووعي وفهم حقيقي للإسلام والدين كانوا ضد قتل أي شخص بريء، حتى لو كان سيؤدي إلى قتل عدد كبير من الأعداء، كنا ضد هذا، فهو غير مقبول وغير مبرر دينياً.

لماذا لم تستقِل؟ لماذا بقيت مع جيش كان تكتيكه الرئيسي القيام بتفجيرات انتحارية جماعية تقتل المدنيين حتماً أو عن عمد؟ لماذا بقيت مقاتلاً في هذا النوع من الجيش؟ هذا ما يريد الناس أن يسألوكَ عنه.

كنا دائما نطلب نفس الشيء على مستوى التنظيم، لم أكن قائداً، التنظيم في العراق لم يكن مركزياً، بل لا مركزي.

كنا نطرح كثيراً من هذه الأسئلة: لماذا نفذت هذه العملية وقُتل أبرياء؟ نحن نكافح لحماية هؤلاء الناس، فلماذا نحن السبب في مقتل الأبرياء؟

كان الجواب دائماً أن هذا الشخص فعل ذلك بمفرده، وسنعاقبه وسنحاسبه.

سيقول الأميركيون أنهم جاؤوا لتحرير العراق، ولولا مقاومة ذلك لما كان صراعاً دموياً، لقد كانت ردة فعل على هجماتكم، هجمات القاعدة في العراق، التفجيرات المستمرة للسيارات، العبوات الناسفة، القناصة، كل ذلك، لو لم تفعل القاعدة ذلك، فإن الأميركيين يعتقدون أنه لن يكون هناك كثير من إراقة الدماء، الأميركيون لم يأتوا إلى العراق ليشتركوا معك في قتال.

ولو لم يكن هناك وجود أميركي في العراق لما كانت هناك مقاومة.

التعرف إلى البغدادي والرؤية حول مستقبل سوريا

كيف حدث أنك خرجت من السجن وأصبحت زعيماً لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق؟ ماذا فعلت عندما غادرت؟

كان هناك كثير من التطورات داخل السجن، حيث لعب السجن دوراً في التطور الفكري لعناصر داعش، وما وصلوا إليه مر بعدة مراحل، صحيح أن السجن عزز ذلك، لكنه مر بمراحل وعبر عدة أشياء.

كان دوري في السجن هو توصيل الأيديولوجيا المناسبة للأشخاص من حولي، أدركت في السجن أن هناك العديد من الأفكار الخاطئة حول المعنى الحقيقي للإسلام، والمعنى الحقيقي للدفاع، وعملية الجهاد، لكنني فضلت عدم الخلاف مع أي شخص هناك، لذلك بدأت في تثقيف الناس حول المفاهيم الحقيقية حتى اكتسبت بعض الشعبية بين الأسرى والحمد لله.

لذلك اختلفت منهجيتي بشكل كامل عن منهجية الآخرين، الذين كانوا ضباط شرطة سابقين قبل أن يصبحوا أمراء في تنظيم القاعدة، كانوا يحاولون تحويل السجن إلى إمارة إسلامية، في محاولة للضغط على الناس للتصرف بطريقة معينة ومعاقبتهم، استخدموا إجراءات شنيعة لمحاسبتهم، فكان هناك كثير من الجرائم التي تقع داخل السجن، بما في ذلك القتل، لأسباب متنوعة، رفضت ذلك إلى حد كبير، وحاولت قدر الإمكان نشر الأفكار الصحيحة في الأقسام التي كنت فيها، وصلت إلى مرحلة ينتقل فيها الناس من الأقسام التي كان هؤلاء القادة فيها إلى قسمي.

بعد أن خرجت ذهبت لرؤية أبو بكر البغدادي، أمير الدولة الإسلامية في العراق آنذاك، كيف تمكنت من رؤيته؟ صف الاجتماع، ماذا ناقشت؟ أين كنت؟

قبل أن أخرج من السجن، كان هناك زعيم مهم، أحد القادة الذين تأثروا بالمقترحات التي كنت أطرحها داخل السجن، ووجدنا أنها الطريقة الصحيحة لاتباعها إذا خرجنا من السجن.

قدر الله أن أحد هؤلاء القادة خرج من السجن قبلي بأربعة أشهر، تم تكليفه بالولاية الشمالية التي تشمل الموصل ومحيطها، كانت أكبر إمارة تحت حكم الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، كان هناك تواصل بين هذا القائد الكبير والبغدادي، وتحدث معه عني، قال له، هناك شخص في السجن، وذكر الصفات التي يعرفها عني والمحادثات التي دارت بيننا في السجن.

عندما خرجت من السجن، كان هذا القائد أول من قابلني، في نفس اليوم الذي بدأت فيه الثورة السورية، فقال لي: “هل هذا ما كنت تتحدث إلينا عنه داخل السجن؟”، قلت “ربما الأيام التي كنا نأمل فيها هنا، عندما يثور الناس على طغاتهم”، قال: “ما رأيك؟ هل تريد البقاء هنا في العراق؟”، قلت: “لا، مكاني في سوريا”.

كان من القلائل الذين يعرفون أنني سوري، اعتقد معظم الناس أنني عراقي.

ثم قال هذا الشخص “حسناً، لنكتب إلى البغدادي، ليحصل على إذنه لك بالذهاب إلى سوريا”، لذلك قلت إنني سأكتب ما هي خطتي في سوريا وأرسلها إليه قبل أن أذهب.

كتبت له أفكاري حول سوريا وأرسلتها إليه، ركزت على القواعد الأساسية، أولاً أن تجربة العراق يجب أن لا تتكرر، كما كان لدي العديد من الملاحظات عليها، وألا تتكرر التجارب العراقية أو الجهاد العراقي أو المقاومة العراقية في سوريا، فقد كان وضعاً مختلفاً.

كانت رسالتي طويلة، مثل ورقة بحثية تحليلية، نحو 50 صفحة، أعددت فيها تاريخ سوريا، وجغرافيتها، والتنوع الطائفي فيها، وآلية الحكم، وكيف وصلت عائلة الأسد إلى السلطة، وما إلى ذلك، لأنه إلى حد ما بعض القادة في الدولة الإسلامية، كانت ثقافتهم تحد من معرفتهم بما يدور حولهم، لأنهم عاشوا تحت العقوبات وفي أثناء الحروب الطويلة في العراق، كانوا معزولين إلى حدٍ ما، وكان العراق معزولا عن جيرانه.

كانت رسالتي هي القواعد الأساسية، والبغدادي وافق عليها تماماً.

هل لديك نسخة من هذا المستند؟

لا، ليس لدي الآن، كان محفوظاً على محرك أقراص، وضاع.

 أود رؤيته وقراءته.

أنا أيضاً، لكن ليس لدي، ضاع في دمشق.

هل قابلت البغدادي بعد ذلك؟ أخبرني عن ذلك الاجتماع، أي نوع من الرجال كان هو؟

بعد هذا التقرير، بدأت بإعداد نفسي للذهاب إلى سوريا، ذهبت للقاء البغدادي خلال فترة التحضير وقابلته.

بصراحة، لقد فوجئت به بعض الشيء، لم يكن لديه كفاءة كبيرة لتحليل المواقف، ولم تكن لديه شخصية قوية. انفصل عن الحرب العراقية لفترة طويلة، فبعد خروجه من سجن بوكا ذهب إلى سوريا، وبقي هناك ثلاث إلى أربع سنوات قبل أن يعود، ولم يكن معروفاً بين قادة تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية.

كنت بحاجة للتعرف إليه، عندما يكون التواصل عبر الرسائل لا يمكنك معرفة الشخص بشكل جيد، كنت سأتحمل مسؤولية كبيرة، مسؤولية سوريا، لذلك كان يجب أن تكون هناك علاقة شخصية، يجيب أن تتعرف عيني إليه بشكل صحيح، والسماح لعقلي بالاستماع إليه بشكل صحيح، لذلك أعرف كيف يجب التحدث معه أو كيفية تقييم قدرته على الحكم على المواقف وإعطاء الأوامر، هل يدرسها بشكل صحيح أم لا؟ لذلك أعطيت نفسي هذه الفرصة وطلبت لقاءه، قلت له: “يجب أن نلتقي قبل أن أغادر”، ورحب بالفكرة ورد على الفور.

لكن هذا ما لا أفهمه، كان من الممكن أن تعود إلى سوريا وتقاتل ضمن الثورة، لكنك كتبت ورقة من 50 صفحة وتقدمت بطلب إلى البغدادي، الذي كان منتسباً للقاعدة، وكنت قد قلت سابقاً إنك لا تحب تكتيكات القاعدة. أنا لا أفهم، هناك تناقض هنا لم تشرحه.

نعم، كانت هذه هي القاعدة التي كنت أنطلق منها، كنت بحاجة لبعض الرجال، كنت بحاجة إلى الأسلحة، كنت بحاجة للإمدادات. في الوقت نفسه، كنت أنتمي إلى هذه المنظمة، كانت هناك رموز بيننا حتى لا أستطيع المغادرة من دون إذن،من  دون الحصول على إذن بالمغادرة.

إذن كم عدد الرجال؟ كم من المال؟ ما الذي تحصل عليه عندما تسجّل لتصبح فرعاً للقاعدة وتؤسس فصلاً جديداً في سوريا؟ ماذا يأتي مع ذلك؟

طلبت 100 رجل ليأتوا معي، لكن كان هناك العديد من القادة الذين لم يرحبوا بفكرة ذهابي إلى سوريا، لذلك جاء معي ستة أشخاص فقط، جئت بستة أشخاص فقط.

فيما يتعلق بالمال، لم يعطني الكثير، في ذلك الوقت لم يكن لدى الدولة الإسلامية كثير من المال، لكنه أعطاني نصف ما حصل عليه، والذي كان يتراوح بين 50 إلى 60 ألف دولار شهرياً لفترة قصيرة من الوقت، ستة إلى سبعة أشهر.

أما الأسلحة، فقد استخدمت المال لشراء بعض الأسلحة، قرابة 40 – 50 بندقية، لكن لم تُستخدم كثيراً، لقد دفنت تحت الرمال، لذلك صدِئت وتلفت.

العلاقة مع تنظيم القاعدة

هل كان هذا خطأ؟ هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لك اليوم أن يكون لديك هذا الانتماء إلى القاعدة، الآن أنت تحاول إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن تصنيفها لجماعتك هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، هل كان خاطئاً أنك أخذت هؤلاء الرجال وتلك الأموال من البغدادي، من القاعدة؟

ما نتحدث عنه الآن هو قصة حياتي وتجربتي وتاريخي، إذا جاز التعبير، وهذا نموذج ومثال لكثير من الشباب والأشخاص من حولنا. لذلك لا أندم على هذه الاختيارات، لأنها حدثت في سياق ظروف متأصلة تنفرد بها في الزمان والمكان، كما ذكرت، الظروف المنطقية في ذلك الوقت، لا يمكننا الحكم على أنفسنا في الماضي، كانت اختيارات طبيعية ومنطقية.

أنا أتحدث اليوم، ولا أريد أن أتحدث أحاديثَ سياسية أو لصالح بعض الأطراف، نحن نتحدث عن الواقع، ونريد تحليل الواقع.

هذا ما أنا عليه، وهذا نحن، هكذا نشأنا، وهذه هي الطريقة التي وصلنا بها إلى ما وصلنا إليه اليوم.

لكن السؤال هنا هل استخدمنا هذه الأموال لإيذاء الناس؟ لا، لقد استخدمنا هذه الأموال لمواجهة نظام طاغية ظالم يقتل الناس، ودافعنا عن هؤلاء الناس.

سؤال آخر: هل أصبح هذا المال هو الأساس، أو بالنسبة لنا لنحصل عليه؟ لا، لم يكن ذلك كافياً، لقد أنفقنا أضعاف هذا المبلغ خلال تلك الفترة لأنها كانت معركة كبيرة، انتشرنا في جميع أرجاء سوريا، كان النظام ما يزال يتمتع بالقوة والحيوية، وتطلب جهوداً كبيرة ومالاً ورجالاً.

لذلك لم يكن الأشخاص الستة بالتأكيد قوة كافية لنا للانتشار، ففي غضون عام واحد، انتقلنا من ستة أشخاص لـ 5000 خلال العام الأول، وتضاعفت الأموال أيضاً، وتمكنا من الانتشار في مساحة كبيرة جداً في سوريا.

هل لا يزال أي من هؤلاء الرجال الستة الأصليين الذين دخلت معهم في الأصل على قيد الحياة؟

ما زال نصفهم معي، والنصف الآخر عاد إلى داعش بعد الخلاف، الآن، بالطبع، قُتل معظمهم.

الذين لم يذهبوا إلى داعش، هل ما زال أحدهم معك؟

هناك واحد. وقتل الباقون.

ما الذي أعطاك السلطة للمطالبة بفرض قانون الشريعة الإسلامية في سوريا، وهي مجتمع علماني إلى حد كبير؟

بداية، نحن ندعو لما نؤمن به، لا ينبغي لأحد أن يعترض على أي دعوة من قبل شخص ما، خاصة وأن الشريعة الإسلامية تحتوي على كثير من الخير والعدالة والحلول الاجتماعية، إنها دعوة عادلة وصحيحة، هذه الرحمة والإنسانية والعدالة التي تحتويها يمكن أن تشمل جميع الفصائل، بما في ذلك المسيحيون واليهود والطوائف الأخرى التي تنتمي إلى الإسلام والمذاهب الأخرى، وإلا فكيف نفسر أن هناك مسيحيين عاشوا منذ 1400 سنة في سوريا والمنطقة العربية بشكل عام عندما كانت هناك خلافة إسلامية في ذلك الوقت، خلافة إسلامية كبيرة وعظيمة؟! كيف نجوا حتى اليوم؟ لذا فإن الدعوة إلى الشريعة لا تعني أننا نريد استبعاد الآخرين. إنه عكس ذلك تماماً.

لكنك كنت منخرطاً في مذهب تكفيري أو سلفي على الأقل، وكنت تدير تنظيماً قتل العلويين لأنهم علويون.

ذكرت أن هناك ظروفاً فريدة في ذلك الزمان والمكان ساعدت في دفع الشباب بشكل عام نحو هذه المنظمات، لكنني أتحدث، فأنا مسؤول عن نفسي ولنفسي.

لقد ارتكبت الإدارة الأميركية أخطاء كثيرة ضد الشعوب الأخرى. هل يسأل كل مواطن أميركي كل جندي أميركي: “لماذا كنت معهم؟ لماذا كنت معهم؟”، سيرد قائلاً إن هناك إدارة، وكانت هناك ظروف متأصلة خاصة بهذا الزمان والمكان فرضت عليّ الوجود هنا، الإدارات تتخذ قرارات سيئة، لا يمكن للشعب الأميركي أن يتحمل المسؤولية.

اسمح لي أن أضيف شيئاً: أساس خلافاتنا مع داعش، لماذا انفصلنا عن الدولة الإسلامية؟ كان أحد الأسباب الأساسية للانفصال عن الدولة الإسلامية هو انحراف البغدادي عن القواعد والمعايير التي ناقشناها في الوثيقة التي أرسلتها إليه.

لذلك بعد عام من المجيء إلى هنا، وبعد تحقيق بعض الانتصار، ووجود بعض الاتصالات ومستوى من الشعبية بين الناس، بدأ الاهتمام بسوريا من قبل بعض قادة الدولة الإسلامية لذلك بدؤوا يأتون إلى هنا، كان هناك العديد من المحاولات من قبل قادة الدولة الإسلامية لدفعنا لبدء حرب ضد الفصائل الأخرى، على سبيل المثال، لقد رفضنا هذا ووقفنا ضده، لذلك أصدر الصوت الذي سمعه الجميع، مُعلناً أن جبهة النصرة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. أجبته قائلاً إن ذلك غير مقبول. كان هناك اتفاق بيننا على أنه إذا كان هناك خلاف، فسيتم حلّه عبر الدكتور أيمن الظواهري، لذلك طرحنا الموضوع وبدأ الفراق بيننا.

ثم عندما رأينا أن مصلحة الثورة ومصلحة الشعب السوري هي أيضاً الانفصال عن تنظيم القاعدة، بدأنا ذلك بأنفسنا من دون ضغط من أحد ومن دون أن يتحدث أحد معنا عنها أو يطلب شيئاً، كانت مبادرة فردية وشخصية، مبنية على ما اعتقدنا أنه يخدم المصلحة العامة ويفيد الثورة السورية.

صدام النصرة وداعش

هكذا عندما ذهبت إلى أيمن الظواهري، زعيم القاعدة بعد مقتل بن لادن، ماذا كنت تحتاج منه؟

الرمزية. كانت هذه مشكلة كبيرة، كنت زعيم جبهة النصرة هنا، والبغدادي زعيم الدولة الإسلامية، فلمن سنتوجه؟ كنا بحاجة إلى شخصية رئيسية تحمل الرمزية، الصدام على هذا المستوى يحتاج إلى شخص ذي أهمية رمزية، بحيث يتأثر به العناصر الأساسيون، والأشخاص الذين سيسمعون رسائله سوف يتأثرون بها.

قبل أن تنشق، أو قبل خلافك الكبير مع البغدادي، اعترضت على بعض أفكاره وبعض استراتيجياته. هل يمكنك سردها؟

في بداية العمل، تمت الموافقة على الخطة والاستراتيجيات التي وضعتها في تقريري، ربما كان لديهم أمل ضئيل في أن ننجح في سوريا.

في غضون عام بعد ذلك، كانت أعدادنا كبيرة، لقد توسعنا وكان لدينا مساحة كبيرة جداً، وذلك عندما نما اهتمام الدولة الإسلامية بالمنطقة، لذلك أرسل البغدادي بعض القادة الذين كانت لهم علاقة مباشرة به، حاولوا تغيير بعض النقاط التي اتفقنا عليها في الماضي، كانوا يحاولون التحول نحو توسيع الحرب الطائفية، واختلفنا أيضاً حول هذا.

هذه كانت بدايات الخلاف، عندما رأى البغدادي أننا نعارض هذه السياسات، حاول تغيير تركيبة القيادة التي كانت من حولي في تلك الفترة، فقمنا بالرد عليه، ثم رفضناه وطلبنا الانشقاق عن الدولة الإسلامية.

كيف عُوملت في بوكا، وكيف عامل الأميركيون السجناء الآخرين؟

بقدر ما أشعر بالقلق، لم أواجه كثيرا من الضغوط، باستثناء أنهم سلبوا حريتي لمدة خمس سنوات دون قانون يحكم ذلك، وبدون أي قانون، خمس سنوات بدون محاكمة، كان هذا الأمر الأكثر خطورة بالنسبة لي، أكثر ما أثر عليّ.

أما آخرون فكانت فضيحة أبو غريب التي استمرت بعد انتشارها، تعذيب أناس معينين، وليس الجميع، ​​الإلقاء في النعوش والإيهام بالغرق وأساليب أخرى مشابهة، كانوا موجودين واستمروا، وأحياناً يرسلون المعتقلين إلى سجون عراقية سرية، والميليشيات العراقية والشيعية والإيرانية هي التي تمارس التعذيب لاستجوابهم والحصول على معلومات، ثم يأتي الأميركيون كمنقذين، بعد انتزاع المعلومات، ويعالجونهم في المستشفى ويعيدونهم إلى سجن عادي.

الاستراتيجية والخروج من الفخ

منذ أن تم تصنيفك كإرهابي مقابل 10 ملايين دولار على رأسك، كنت تنفق كثيرا من الطاقة والوقت في محاولة لإقناع الغرباء بأنك شخص يمكن التفكير معه. صِف الموقف الذي أنت فيه وما هي استراتيجيتك، يبدو لي أنك في صندوق، وتحاول الإقناع، من خلال هذه المقابلة كمثال، بالتواصل مع الأميركيين. ما الذي تبحث عنه؟

نحن في ثورة شعبية، حرب لتحرير شعب من طاغية يحكم هذا البلد، ندرك أن هناك أخطاراً كثيرة تحيط بالثورة السورية، لكن هذه هي المعادلة، نحن نعوض عن ذلك بروح الإيمان التي نحملها، بتصميمنا على مبادئنا وأهدافنا، وسنعمل دائماً على ذلك، لدينا القدرة على الاستمرار في التضحية حتى آخر قطرة دم في عروقنا، حتى نصل إلى أهدافنا بإذن الله.

لكن هل يمكنك أن تشرح، أعني بالنسبة للأميركيين، هذا مفترق طرق مربك للغاية، حيث يتصادم الروس والإيرانيون ونظام الأسد والأتراك جميعاً. اشرح الموقف الذي أنت فيه لشخص لا يفهمه.

تفاقم الصراع في سوريا، لم يعد صراعاً داخل نفس الناس، لقد أصبح لبعض البلدان، بسبب السياسات التي تحركها المصالح المختلفة، أشبه بصندوق بريد لهم للأسف.

لا تهتم روسيا كثيراً بالنظام، لكنها تستخدمه للوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، مستثمرة الغاز الطبيعي في سوريا ومياهها الدافئة، تلك هي اهتماماتهم، وهم يركزون عليها من جهة، كما يحاولون العودة إلى الساحة الدولية، بعد خسارتهم  الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات من العقد الماضي.

أما بالنسبة للإيرانيين، فإن لهم مصالح ضخمة في المنطقة، مصالح تعود إلى زمن بعيد في التاريخ القديم، ومصالح الإمبراطورية الفارسية القديمة، التي كانت موجودة في هذه المنطقة، والتي كانت تحكم المنطقة في فترة معينة ثم انسحبت منها فيما بعد، وقاتلت الرومان والبيزنطيين عليها بعد ذلك.

الإيرانيون يحاولون الآن استعادة أمجادهم السابقة، لهذا السبب يركزون على العراق، فالعراق كان جزءاً من إمبراطوريتهم، ويركزون أيضاً على اليمن، لأنه في مرحلة ما من التاريخ، قبل الإسلام، كان اليمن جزءاً من الإمبراطورية الفارسية، كما أنهم يركزون على لبنان وسوريا، يتحدثون عنها صراحة، يقولون “وجودنا في سوريا يكلفنا مقدماً، لكنه سيؤتي ثماره بمكاسب ضخمة؛ سنحصل على ميناء على البحر الأبيض المتوسط​​”.

البحر الأبيض المتوسط​​، له أهمية كبيرة بالطبع، وأي دولة لديها طموحات سترغب في الوصول إليه، كما تشارك روسيا هذه المصلحة، وتقول إيران بصراحة “نحن نأخذ الموارد، ونستحوذ على الموارد، نأخذ الفوسفات وننقله، نقوم بتحويل العراق وسوريا إلى مستهلكين للبضائع الإيرانية، ولدينا قرابة 7 مليارات دولار من البضائع المصدرة إلى العراق كل عام وأقل قليلاً إلى سوريا”.

وفي الوقت نفسه، يستخدمون العقيدة الشيعية للوصول إلى أهدافهم والمصالح التي كانوا يسعون إليها عبر التاريخ.

كادت الثورة أن تهزم النظام، ففي العام 2015، كنا على وشك الوصول إلى مواقع حساسة للغاية، مواقع مهمة للغاية، عندما شعر نظام الأسد وإيران، على الرغم من الدعم الذي حصل عليه من الإيرانيين وقلة الدعم المقدم للثورة السورية من أي دولة، بأنهم على وشك خسارة سوريا لصالح الثورة، قاسم سليماني نفسه ذهب إلى بوتين وأقنعه بدخول سوريا، وبالطبع اختبروا الوضع ليروا كيف سيرى الأميركيون والأوروبيون ذلك، فكان هناك صمت، واعتبر الروس أن ذلك كان الضوء الأخضر لدخولهم سوريا، وبعد ذلك كانت هناك الآن محاولة وفرصة جديدة لإنعاش النظام من جديد، لكن الحمد لله، لم يستطع النظام أن يتقدم كثيراً.

لذا نصل الآن إلى مشكلة كيف نحل هذا؟ وكيف تخرج من الفخ الذي أنت فيه؟

الحل بسيط، أعني أننا نحن بحاجة إلى معالجة الأسباب بدلاً من الأعراض، سبب هذه القضية، أو هذه الكارثة الضخمة، هو هذا النظام، وبمجرد زواله، تختفي هذه الكارثة الضخمة، هذه الكارثة الهائلة التي عانى منها الناس، والتي عانت منها دول الجوار، والتي عانى منها العالم بأسره، لذلك فإن القضية الأساسية هي إسقاط هذا النظام، والدفع لإسقاطه بكل الطرق الممكنة.

الرسائل إلى الأميركيين

لكن ماذا تريد من الأميركيين أن يفعلوا؟ لماذا؟ ما هي رسالتك؟ ما الذي تتوقع أن تفعله أميركا؟

لا أتوقع الكثير، أعني، أنني لست متفائلاً عندما يتعلق الأمر بالإدارة الأميركية وسياساتها، لكننا نشرح للرأي العام الأميركي، نشرح لهم ماذا وكيف تعمل الأشياء، وما هي السياسات الصحيحة وما هي السياسات الخاطئة، أنتقد سياسات الولايات المتحدة.

عندما تقول الولايات المتحدة إنها تريد “تحسين سلوك النظام، ولكن ليس إزالة النظام”، فهذا غير معقول وغير معقول ومستحيل، الأميركيون قادرون على صنع أدواتهم الخاصة للضغط على الروس لإخراجهم من سوريا، ولديهم العديد من الأدوات، إذا أرادوا يوماً ما استخدامهم لإسقاط النظام، أعني، فلديهم العديد من الأدوات للقيام بالمهمة.

أما بالنسبة لنا نحن، الشعب والثورة السورية، فنحن لا نعول على الأميركيين ولا على أي دولة مجاورة، نعلم أنه لمدة 10 سنوات ولدت هذه الثورة وحدها وستبقى وحيدة وستنتصر وحدها إن شاء الله.

لماذا يجب على الأميركيين أن يستمعوا إليك؟ كنت عدواً سابقاً للولايات المتحدة، كنت من قادة القاعدة، لماذا يجب أن يستمع الأميركيون إلى تحليلك أو لك في هذا الشأن؟

بادئ ذي بدء، أنا لا أجبر الأميركيين على الاستماع إلي، أنا أنتقد السياسات، وهذا حقي، وأنا أمثل جزءاً كبيراً من الثورة السورية، ولا أقف على هامش الثورة السورية. من حقي أن أتحدث بصوت عالٍ، لأقول كيف ينبغي أن تكون الأمور، لصالح الثورة السورية، وما هي السياسات المناسبة وغير المناسبة، لكن لا أجبرهم على الاستماع إليّ، هذا متروك لهم تماماً.

قلت في البداية إنه ليست لدي أي آمال ولا أطلب أي شيء منهم، على العكس من ذلك، فإن هذه الثورة ستفعل كل شيء بمفردها، سوف تنقذ نفسها بنفسها، أنا لا أطلب منهم أي شيء.

إذا كنت تعتقد أنه من المهم أن يستمع الأميركيون إليك وإلى قضيتك، فلماذا لا تحصل على شخص آخر لا يأتي مع معتقداتك ومع ماضيك؟ قد تكون أذكى رجل على بعد 500 ميل من هنا، والرجل الأكثر إخلاصاً، أنا لا أعرف، لكن لماذا لا تجد شخصاً من غير معتقداتك ليحمل قضيتك؟

أنا لا أقدم نفسي للغرب ولا للأميركيين، لكني بذلت هذا الجهد الهائل مع إخوتي للثورة، وما حققناه جاء بلا مساعدة من أحد، لقد كان جهدنا فقط، دمنا وتضحياتنا، وبفضل كل ذلك وصلنا إلى ما نحن فيه الآن.

هذا المكان الذي نقف فيه اليوم، جاء بتضحيات كثيرة من جانبنا، دماء الشهداء التي سقَتْ هذه الأرض، في خطابي اليوم، لا أوجهه للسياسيين الأميركيين، بل إلى الرأي العام الأميركي والغربي.

هناك كثير من الأشخاص المهتمين بهذه المنطقة والمهتمين بتصحيح المقاربات الخاطئة والسياسات الخاطئة التي تم زرعها في هذه المنطقة، ومن واجبي أن أقدم ما أؤمن به، وما أعتقد أنه سيكون النهج الصحيح والفعال الذي سيؤدي في النهاية إلى إنقاذ الشعب السوري من الكارثة التي كانوا يعيشون فيها، بسبب استبداد هذا المجرم.

ماذا يمكنك أن تقدم لأميركا؟ بماذا يمكنك أن تعد الولايات المتحدة؟ تريد منهم التحدث معك. ماذا تقدم؟

رسالتنا لهم موجزة، نحن هنا لا نشكل عليكم أي تهديد، لذلك لا داعي لتصنيف الناس على أنهم إرهابيون وتعلن مكافآت لقتلهم، وأيضاً كل ذلك لا يؤثر سلباً على الثورة السورية. هذه هي الرسالة الأكثر أهمية.

والرسالة الثانية هي أن السياسات الأميركية في المنطقة، وفي سوريا على وجه الخصوص، هي سياسات خاطئة تتطلب تعديلات كبيرة بحسب ما ذكرناه بخصوص إيران وروسيا.

القاسم المشترك بيننا هو وضع حد للأزمة الإنسانية والمعاناة التي تحدث في المنطقة، ووضع حد لجماهير اللاجئين الذين يفرون إلى تركيا أو إلى أوروبا ويخلقون مشكلات ضخمة، حتى بالنسبة للسوريين أنفسهم، الأشخاص الذين تم تهجيرهم في جميع أرجاء أوروبا، أو من أجل الأوروبيين أنفسهم، لأن هناك العديد من العواقب لوجود اللاجئين في مجتمعات جديدة.

هذه هي القضية التي يمكننا أن نتعاون بشأنها أكثر من غيرها، من خلال مساعدة الناس على البقاء هنا، أو من خلال توفير حياة كريمة لهم هنا، أو بتحرير أراضي هؤلاء الأشخاص حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، بدلاً من أن تدفعهم روسيا أو الميليشيات الإيرانية إلى الفرار إلى الخارج.

القضية الإنسانية هي أهم قضية يمكننا العمل عليها معاً لنوفر لهؤلاء الأشخاص حياة كريمة.

المعتقلات وحقوق الإنسان

لكن هنا توجد المشكلة، ولا بد لي من التساؤل عن حالة حقوق الإنسان في سجونكم، لقد قمتم بقمع الصحفيين والناشطين. لقد أطلقتم حالياً سراح أشخاص أكدوا تعرضهم للتعذيب في سجونكم، كيف يمكن لشخص ما في أميركا أن يثق بك؟

داخل الثورة السورية، هناك العديد من القضايا، نحن لا نحاول إظهار الجانب المشرق للغاية منها، إذا أردنا تحليل الأشياء بشكل صحيح، فنحن بحاجة إلى الاعتراف بالحقائق كما هي، والنظر إليها كما هي، هناك اختلافات كبيرة في الآراء داخل الثورة السورية، والعديد من المعارضات داخل الثورة السورية، هناك أناس طيبون وأناس أشرار، وهناك من يستخدم أساليب ملتوية، على سبيل المثال، عندما رأينا أن داعش خرج عن مساره اضطررنا للدخول في صراع عسكري معه.

عندما بدأ بعض عناصر داعش بمحاولات تفجير المتاجر أو قتل عناصر من فصائل معينة أو قتل الناس في المساجد أو المحاكم أو في أي مكان آخر، قمنا بحملات أمنية واعتقلنا مجموعة كبيرة منهم ووضعناهم في السجن.

على نفس المنوال، أولئك الذين يهددون أمن المنطقة ليسوا بالضرورة من الثورة السورية، هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من ضعف في ضبط النفس يحاولون السرقة، الابتزاز، الخطف.

أيضاً هؤلاء نقوم بحملات ضدهم، ويمرون بعملية قضائية كاملة داخل المحاكم الموجودة في المناطق المحررة.

أما ما يقال عن مهاجمتنا للناس فهناك مبالغة فيه.

أولئك الذين كانوا في سجونكم، وبالتأكيد السجون التي تسيطر عليها جبهة النصرة، يتحدثون عن معاملة وحشية وتعذيب، أحدهم، على سبيل المثال، هو ثيو بادنوس، وهو أميركي يتحدث عن التعذيب في سجن النصرة. هل يمكنك الرد على ذلك والقول لماذا عومل بالطريقة التي كان عليها؟

من هو ثيو؟ أنا لا أعرف من هو.

ثيو بادنوس أميركي تم اعتقاله. يقول إن ملازمك، وهو رجل تعرفه جيداً، أبو ماريا القحطاني، قد اعتذر عن معاملته. أنا مندهش إذا كنت لا تعرف القضية.

لم يكن لدينا سجناء أميركيون، في المقام الأول، لا في عهد النصرة ولا حتى الآن، هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن ذلك.

كانت هناك حقبة انفصلت فيها النصرة عن تنظيم الدولة الإسلامية، وكان ذلك في عهد الخلافة، حيث حدثت العديد من المخالفات، لكن هذا لم يكن أبداً جزءاً من سياستنا، ربما يكون بعض المقاتلين الذين انشقوا عن النصرة قد ارتكبوا أفعالاً خارجة عن قانون النصرة، إذا جاز التعبير، أو ربما كانوا أعضاءً في داعش ارتكبوا أفعالاً سيئة باسم النصرة.

لكننا لم نعتقل أو نحتجز أحداً، هذا لم يحدث على الإطلاق.

على سبيل المثال، اعتقلت عامل إغاثة بريطاني، توقير شريف، وشهد على تعرضه للتعذيب بعد إطلاق سراحه، كما تم اعتقال نور الشلو، وهي ناشطة صحفية، هذان الشخصان ليسا روسيين أو عناصر في داعش، هل يمكنك تبرير معالجة هذين المثالين؟

كان توقير شريف يعمل مع جماعة ترفض النظام العام المعمول به هنا، وكانوا متطرفين إلى حد ما، يريدون الاشتباك مع الجيش التركي في بعض الأحيان، يريدون شن المعارك في أوقات غير مناسبة، يريدون العبث بأمن المناطق المحررة، وثبت أنه كان يتعاون مع هذه المجموعة ويمولها، واعتقل بناء على ذلك، قدّم للعدالة وأفرج عنه بعد محاكمته.

أما نور الشلو، فقد كانت قضيتها جنائية في البداية، هاجمت امرأة في موقف معين، وذهبت إلى المحكمة، ووجّهت لها التهم بشكل طبيعي، ولا يعني أنها إذا كانت صحفية فيُسمح لها بارتكاب جريمة معينة ولا يُعاقبها القانون لمجرد أنها صحفية، بعض الناس يختبئون وراء هذا الجانب من الصحافة والإعلام، لأنهم يعرفون أننا نوليهم الأهمية، فيختبئون وراء هذه الأهمية التي نوليها لهم، ويستخدمونها كغطاء، ويذهبون ويخلقون مشكلات أمنية أو أخلاقية أو أشياء من هذا النوع.

لكن هل يمكنك ذلك، هل من المناسب برأيك تعذيب هؤلاء السجناء؟

لا يوجد تعذيب، هذا مرفوض تماماً، ولسنا مسؤولين عن ذلك. الاعتقال والتعذيب والعملية بكاملها في إجراءات المحاكم، والسلك القضائي مستقل تماماً في المناطق المحررة. إنها ليست لنا، هناك حكومة كاملة هنا، نحن هيئة تحرير الشام، هدفنا ودورنا عسكري بحت، أما بالنسبة لحكم المنطقة، فنحن نساعد الحكومة في بعض الأمور التي يحتاجون إليها منا لمساعدتهم على أداء مهامهم.

لكي نكون واضحين، أنت تقول إن توقير يكذب، وإنه لم يتعرض للتعذيب؟

يقوم بعرض إعلامي. هو فقط يقوم بعرض إعلامي في هذا الشأن.

هذا عرض إعلامي أيضاً، فمن نصدق؟

ربما تستطيع بعض المنظمات الحقوقية الحضور ومراقبة السجون والإشراف عليها، أو إلقاء نظرة عليها. مؤسساتنا مفتوحة للجميع، المنظمات مرحب بها، ويمكن للأشخاص المهتمين بهذا الأمر أن يزوروا أيضاً ويقيموا الموقف: هل تتم الأمور بشكل صحيح أم لا في هذه المؤسسات؟ ليس لدينا مشكلة، وإذا كانت هناك أخطاء فسنساعد في تصحيحها.

تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن هناك مئات الأشخاص إما محتجزون أو مغيبون في سجونكم من دون محاكمات عادلة، وكما تعلمون، لم أكن أعرف أن لديهم دعوة مفتوحة، أنت تقول لمنظمة هيومن رايتس ووتش والمرصد السوري لحقوق الإنسان وجماعات حقوقية أخرى تلقي دعوة مفتوحة منك لزيارة سجونك؟

ليس لدينا سجون، توجد سجون عامة للإدارة التي تحكم المناطق المحررة، في رأيي، لن يعترض أي من القادة داخل هذه الإدارة على زيارة سجونهم، ما يجب علينا فعله هو مساعدتهم على الوصول إلى تلك السجون وتوفير وسائل النقل لهم، سنفعل أي جزء مطلوب من جانبنا، على العكس من ذلك، نحن نرحب بهم.

الصراع مع فصائل المعارضة

في العام 2017، واجهت عدداً من الجماعات المتنافسة التي عارضت الاتجاه الذي كنت تسير فيه. تحدث عن الصراع الذي واجهته مع تلك الجماعات المتنافسة.

هناك فصائل كثيرة في الثورة السورية، أكثر من أي ثورة أخرى في العالم، ولم يكن لتلك المجموعات المتعددة سلطة عليا، وهذا ما كانت الثورة تفتقر إليه، لم يكن لها سلطة مركزية يلجأ إليها الناس في حالة الخلاف، لذلك، كانت النزاعات تحدث باستمرار، حتى في المناطق التي لم يكن لنا وجود فيها، قد تندلع الخلافات أحياناً حول قضايا ثانوية جداً، وأحياناً أخرى حول مسائل أكثر خطورة، كانت تلك النزاعات روتينية في مناطق ليس لها سلطة عليا.

إذن صحيح أنك قاتلت أحرار الشام، ضد أولئك الذين بقوا مع القاعدة وحراس الدين وداعش، وحتى الجيش السوري الحر المدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية. تحدث عن مدى دموية تلك المعارك، ما مقدار الدماء والموارد التي أريقت في ذلك الوقت؟

لكل من هذه الفصائل قصة منفصلة قد تستغرق وقتاً طويلاً، لكن باختصار، عندما بدأ تنظيم الدولة الإسلامية يشكل عقبة في طريق الثورة السورية، وبدأ يتعدى على الفصائل والشعب، بل وانتهكنا وقتل بعض جنودنا وقادتنا وشباننا، كانت المواجهة حتمية، رغم أننا حاولنا جاهدين تجنب هذه المواجهة.

لذلك قاتلنا داعش، ثم تحولوا إلى عناصر أمنية، ليغتالوا ويقاتلوا هنا وهناك، اعتقلت القوات الأمنية في المناطق المحررة العديد منهم، ووضعت من حاول تخريب الثورة السورية منهم في السجون.

أما بالنسبة لفصائل الجيش السوري الحر، فقد كانت هناك فصائل ادّعت أنها جزء من الثورة، وبعض الفصائل فعلت ذلك، في حين كانت في الواقع مجرد عصابات ولصوص وقطاع طرق.

كان من واجبنا أن نتحرك، بعد أن ناشدنا الناس لإنقاذهم من هؤلاء اللصوص، حاولنا ودياً أن نجعلهم يتوقفون عن إيذاء الناس، بعد ذلك حدث اشتباك بسيط وانتهى الأمر.

أريد أن أؤكد هنا أن كل تلك الصراعات الداخلية، أولاً وقبل كل شيء، ليست في مصلحة الثورة، ولا نريدها أبداً، ولا ندعمها.

وحتى لو دخلنا في مثل هذه النزاعات، فسنقوم بذلك بدافع الضرورة الملحة لتجنب الأذى ودرء التهديدات.

لكن الشيء الصحيح لجميع فصائل الثورة هو توحيد الصفوف، باستثناء من يخرج عن السياق العام، مثل داعش على سبيل المثال، ويجب إبعاد هؤلاء تماماً عن مسرح الثورة.

يبدو أنك لا تنقل إحساساً بصعوبة كبيرة خلال هذه الفترة، وأريد التأكد من أنني فهمتك. هل كانت هذه فترة من الزمن مرهقة للغاية؟

كانت فترة مؤلمة وصعبة ولا أفتخر بها، لقد كانت حالة استثنائية في الثورة، ويمكن تحليلها كنتيجة طبيعية للخلاف أو عدم وجود قيادة موحدة، وهذا يمكن أن يحدث في أي مكان.

لكنه أمر مزعج، ولست سعيداً بتلك الفترة ولا أنظر أبداً إلى حقيقة أنه كان علينا محاربة الفصائل الأخرى باعتباره إنجازاً في الثورة، بالطبع باستثناء فصائل مثل داعش التي اعتادت أن تنتهك، على الناس أو بعض اللصوص الذين سرقوا من الناس، بالطبع نحن لا نأسف لمحاربة هؤلاء.

منظمة عسكرية أم هيئة حكم مدنية؟

هيئة تحرير الشام منظمة عسكرية، لكنك قررت أن تدفع إلى تشكيل حكومة إنقاذ، من صاحب هذه الفكرة؟ كيف حدث هذا؟

كما أشرت سابقاً، لم يكن للثورة سلطة مركزية، وقد تسبب ذلك في العديد من المشكلات داخلياً، على المستوى الاجتماعي والمؤسسي والعسكري وحتى الاقتصادي في المناطق المحررة، لذلك دخلنا في مفاوضات مع الفصائل، ونتيجة لذلك حصل اندماج جزئي.

بعد ذلك، كانت هناك مبادرات عديدة لشريحة واسعة من الأكاديميين والمدنيين وأساتذة الجامعات، لأن المحادثات في إدلب ضمت ممثلين من جميع المحافظات السورية.

فتكوّن ذلك التجمع من خبراء من جميع المجالات، وكان هناك العديد من المبادرات من قبل ممثلي المجتمع المدني الذين جلسوا معنا ومع الفصائل الأخرى أيضاً، وأبرزت تلك المناقشات الحاجة إلى وجود مؤسسات وحوكمة وإدارة.

لكن من غير المعتاد للأجانب أن يروا جماعة سلفية تتشكل وتشجع المجتمع المدني، أخبرنا كيف تم التوفيق بين مُثل هيئة تحرير الشام ومُثل المجتمع المدني.

عندما نقول إنها حركة إسلامية، يعتقد الناس على الفور أنها حركة لا تشارك إلا في القتال، لن يتخيلوا أبداً أن هذه الحركة قادرة أيضاً على بناء أو إدارة المؤسسات في بلد ما.

لكن في الواقع، الإسلام مختلف تماماً، الإسلام ليس فقط عن التضحية ولا شيء آخر، الإسلام يدور حول البناء أكثر من مجرد القتال والمواجهة، القتال والمواجهة جزء من الإسلام، لذلك يمكن للناس البناء بعد ذلك، إنها تواجه الأعداء الذين يريدون تحطيم هذه الأمة، حتى يتمكن الناس، بدعم من المجتمع المدني، من بناء الهيكل المناسب لجميع المسلمين.

ماذا عن حقوق الأقليات؟

هل يمكنك أن تقول هنا، للأشخاص الذين يستمعون، والذين لديهم قدر كبير من عدم الثقة في أي شخص يحمل لقب سلفي أو جهادي أو إسلامي، هل يمكنك أن توضح هنا بوضوح ما الذي يضمن حقوق الأقليات الدينية والنساء والصحفيين والناشطين؟

بداية أعتقد أن قصر وصف هيئة تحرير الشام على كونها سلفية أو جهادية فقط، يحتاج إلى نقاش طويل، ولا أريد التعليق على ذلك الآن، لأنه سيتطلب كثيرا من البحث والدراسة.

نحاول اليوم أن نتحدث عن الإسلام بمفهومه الحقيقي، الإسلام الذي يسعى لنشر العدل ويطمح للبناء والتقدم وحماية المرأة والحفاظ على حقوقها والتعليم كذلك، فإذا اتفقنا على وجود حكم إسلامي في المناطق المحررة نقول إن هناك جامعات بحمد الله مليئة بالطلبة وثلثاها طالبات.

هناك أكثر من 450.000 إلى 500.000 طالب مسجلين في المدارس، هناك مستشفيات تعمل بكامل طاقتها في المناطق المحررة، وهناك أناس يعملون على بناء البلدات ورصف الطرق، يحاول البعض الآخر إنشاء نظام اقتصادي للناس ليعيشوا بأمان وسلام، وهناك نظام قضائي يسعى لإعادة الحقوق إلى الناس، وليس فقط معاقبة المذنبين كما يظن البعض عندما يسمعون عن جماعة إسلامية أو سلفية.

بالطبع لا أدعي أن الوضع في إدلب مثالي، لكني أقول إنه في ظل الظروف الحالية مع الحصار والعدد الكبير من النازحين وحالة الحرب والاحتلال الروسي والإيراني، أقول إنه بالرغم من كل هذه الظروف، هناك نموذج تأكيد ذاتي قادر على إدارة شؤون بلد بكامله في ظل حكم إسلامي.

وهذا لم يتحقق من قبل هيئة تحرير الشام وحدها، بدلاً من ذلك، كانت إرادة شريحة كبيرة من المدنيين والسوريين المثقفين وغيرهم من المواطنين المسلمين في المناطق المحررة، الذين يعملون ليل نهار حتى يتمكن الناس من العودة إلى منازلهم بأمان، والصلاة في المساجد، وبالتالي يمكن للعمال الذهاب إلى عملهم والمزارعين إلى أراضيهم بأمان.

لديك ثلاث قرى تحت سيطرتك مسيحية، هل يمكنك أن تعلن بوضوح أن حقوقهم في العبادة ستتم حمايتها ولن يتم إكراههم أو مضايقتهم؟

ما سأقوله في هذا الصدد ليس من باب التسويق السياسي لهيئة تحرير الشام، بل لأننا نريد أن نذكر الحقائق، وهذا هو الإسلام الذي نطبقه على أساس ما يريدنا الله أن نفعله، ينص تطبيق الشريعة الإسلامية على وجوب حماية الأقليات الدينية، وضرورة تمتعهم بحرية عبادة الله بالطريقة التي يرونها مناسبة وكما هو مذكور في شرائعهم، وقد تم تطبيق ذلك هنا في إدلب.

ولا أريد أن يعتقد الناس أنني أقول هذا لأسباب سياسية، أو أنني أحاول إعطاء صورة إيجابية للعالم، لا، ليس هذا ما هو عليه، لقد وضعناها موضع التنفيذ، كجزء من إيماننا، والمسيحيون يعيشون هنا منذ أكثر من 1400 عام، وحافظوا دائماً على علاقات ودية مع المسلمين.

أكرر، إن حربنا اليوم ليست حرباً لمحاربة الأديان والمذاهب، ولكن لإنهاء اضطهاد النظام الإجرامي ضد هؤلاء الناس، لذلك من المهم أن يدرك الأشخاص والمشاهدون هذه الحقيقة وأن يعرفوا ما نحن عليه حقاً، بطريقة قريبة وواقعية.

هل أمرت بإعدام رجل الدين العلوي بدر غزال؟

لا، لا، لا.

هل انخرط رجالك في اعتداءات طائفية ضد الطائفة العلوية؟

لا، لا.. كانت هذه هي الأساسيات التي بدأنا بها، استهدفنا البلطجية الذين كانوا يقاتلون الناس.

مقتل البغدادي

في العام 2019، عندما دخلت قوات النخبة الأميركية إلى إدلب، بالقرب من المكان الذي أجرينا فيه آخر مقابلة لنا، قُتل البغدادي هناك. هل لديك أدنى فكرة أنه كان موجوداً هنا في إدلب ليس بعيداً عنك؟ إذا لم يكن كذلك، فكيف لم تكن تعلم، وكيف كان رد فعلك على خبر مقتله؟

داعش محظور في إدلب، ونحن نطارد عناصره هنا، لأنهم يلحقون الأذى ويقتلون الناس بشكل غير مبرر، والبغدادي أيضاً ممنوع من القدوم إلى إدلب، ولهذا كان مختبئاً في إدلب، إدلب ليست بشكل كامل تحت السيطرة، كما هو الحال في أميركا، لكننا نطارد عناصر داعش باستمرار أينما كانوا، وهذا ما نفعله باستمرار.

لم أكن أعرف أن البغدادي كان في إدلب، ورد فعلي؟ لقد فوجئت أنه كان في الواقع في إدلب، هذا كل شيء.

هل كنت سعيداً عندما قتل؟

لم أشعر بالسعادة لأنه قُتل على أيدي الأميركيين، تمنيت لو تم القبض عليه ومحاسبته على جميع جرائمه التي ارتكبها ضد الثورة.

 —————————–

=====================

تحديث 15 تموز 2021

————————–

ماجستير الجولاني في العلاقات العامة/ مهند الحاج علي

ليس بالإمكان عزل إجراءات “هيئة تحرير الشام” بحق التنظيمات الجهادية عن العوامل الخارجية، أكانت مرتبطة بتركيا وعلاقاتها ومصالحها المتشعبة من جهة، أو بمحاولة إرضاء الولايات المتحدة واقناعها برفع اسم الهيئة عن قائمة المنظمات الإرهابية. ورغم أن مسؤولاً أميركياً ألمح أخيراً في مقابلة صحافية الى عدم وجود نية لدى واشنطن لرفع الاسم من اللائحة قريباً، إلا أن الموضوع ليس مستحيلاً رغم كونه صعب المنال. واشنطن فاوضت حركة “طالبان”، وتُفاوض النظام الإيراني في فيينا، ويتردد أن في الإدارة الأميركية من يُطالب بتصحيح هذا “الخطأ” لتيسير مسار المساعدات الإنسانية الى الشمال السوري.

في المقابل، لم يتوان رئيس الهيئة أبو محمد الجولاني في الترويج لشخصه ولتنظيمه بصفته جماعة سورية محلية لا تعتمد على المهاجرين، وأنها تحالفت وائتلفت آنياً مع جماعات جهادية في ظرف صعب من المواجهة مع النظام السوري. من خلال احتواء الجماعات الجهادية، يتبنى الجولاني استراتيجية حذقة مبنية أولاً على إيجاد تبريرات “شرعية” أو أخلاقية في مواجهة هذه القوى، قبل الانقضاض عليها، كي لا يخسر معركة الرأي العام الجهادي داخل تنظيمه نفسه وبين حلفائه القريبين (التركستان أو الأويغور مثلاً)، وحتى لا يظهر كمن يطعن المقاتلين الأجانب في الظهر بعدما جاؤوا لنصرة السوريين، كما يحلو لهم القول. وثانياً، وعلى أنقاض الشق الأول، يخوض الجولاني من خلال أنصاره معركة علاقات عامة في الساحة الدولية للظهور كمُحارب للإرهاب وكضمانة للاستقرار في الشمال السوري. يقرأ الجولاني هنا من كتاب نظام الأسد في العلاقات الدولية، مع فارق اللحية وربطة العنق.

المعركة مع تنظيم “حراس الدين” الذي اختفى تقريباً من الساحة السورية نتيجة حملات “هيئة تحرير الشام” ضده، قتالاً واعتقالاً وملاحقات، أُديرت بهذه العقلية وببطء رغم تكلفة ذلك، ليس فقط على الجولاني نفسه عبر خرق وقف النار وعدم التزام تعليماته، ولكن أيضاً على رعاته الأتراك وتفاهماتهم مع الجانب الروسي (وأيضاً على علاقات الجولاني مع الجانب التركي).

بدلاً من الإسراع في المعركة والانقضاض على “حراس الدين”، خاضت الهيئة مواجهة رأي عام، مع اصدار تبريرات لأعمالها. كان هناك افتراض بأن الهيئة ستخسر العديد من مقاتليها ومناصريها بعد هذه المواجهة، لكن ذلك لم يحدث نتيجة الإدارة الهادئة غالباً للمواجهة.

واليوم، في قرار تصفية “أجناد الشام” بقيادة مسلم الشيشاني، القائد الجهادي الكاريزماتي للشيشان، لافت أن تبرير الهيئة يدور حول جريمة أحد العناصر. الشيشاني يدعي في بيانه العاطفي بأن هذا العنصر لم يعد منضوياً في صفوف الجماعة. ومسلم الشيشاني محق في حديثه عن عدم عدالة القرار بإنهاء جماعة بأسرها نتيجة ارتكابات عنصر سابق فيها. هو يعلم بأن القرار بتصفية الجماعة الجهادية الشيشانية الأكثر خطورة على الأمن الروسي، أكبر من الجولاني نفسه، ولا بد أن مصدره هو “القلعة” الشاسعة في ضاحية باغليجة بأنقرة حيث مقر المخابرات التركية (أم آي تي).

قد يخيل للجولاني وأنصاره للحظة أن هذه المعركة محلية، وثمنها هو إعادة تعويم “الهيئة” لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أو ربما إرساء بعض الاستقرار في الشمال السوري من خلال توحيد البندقية. إلا أن الواقع مغاير.

حسابات اللاعبين الصغار فيها “آمال” باحتمال إعادة التعويم دولياً وفك الحصار أو القيود، أو ربما وعد ببعض الاستقرار (وهل يستقيم الاستقرار بوجود النظام السوري والقوات الروسية؟). لكن لدى اللاعبين الكبار حسابات مغايرة، ولا تحوي آمالاً أو حتى وعوداً، بل تندرج في اطار صفقات واضحة المعالم والبنود المتبادلة.

مسلم الشيشاني، مثله مثل “الحزب الإسلامي التركستاني”، من الحجم الخاضع للحسابات الدولية، إذ يُمثل تهديداً للأمن الروسي، وله ثمن في حسابات موسكو. وأنقرة تعرف ذلك. عملياً، نحن أمام مستويين من القرار، الأول أشبه بمسرحية ظاهرة للعيان، وفيها الجولاني ومعركة العلاقات العامة والتبريرات الشرعية والجهادية. ولكن خلف ستار هذا المشهد، لا بد من تفاهم دولي بين الكبار على تصفية دور لاعب من هذا المستوى، واللافت أن ذلك يحدث بالتزامن مع لقاء “نور سلطان” (أستانة) بين تركيا وايران وروسيا حول سوريا. لهذه الدول تفاهمات بالجملة في الاجتماعات المُغلقة على الملفات (سوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها)، وليس على المؤتمرين المحليين سوى التنفيذ، وغالباً من دون طرح أسئلة.

المدن

————————–

مكِّنوا السوريين لا أمراء الحرب: ضد إعادة تصنيف هيئة تحرير الشام/ رهف الدغلي وعزام القصير
ترجمة أحمد عيشة
نصحت مجموعة من الأوراق والدراسات السياسية الأخيرة الحكوماتِ الغربية بالعدول عن تصنيفها للجماعة السورية “هيئة تحرير الشام”، كمنظمة إرهابية. إن مثل هذه التوصيات السياسية المشكوك فيها تبرّر عادة من خلال الزعم بأن هيئة التحرير الشام، تحت قيادة أبو محمد الجولاني، هي شريك تفاوضي قادر على البقاء، ومستعد وقادر على كبح جماح الجماعات الجهادية العالمية الأكثر خطورة في سورية.
وبوصفنا باحثين سوريين، نكتب هذه المقالة ردًّا على التحليلات التي تبدو مدفوعة إما بالمثالية الإنسانية وإما بالواقعية الجيوستراتيجية المحضة. ويبدو أن كلا وجهتي النظر تخون الأمل في بناء سلام مستدام في دولة سورية موحدة، وتتخلى عنه. ويبدو أن المناقشات الحالية، بصدد هيئة تحرير الشام والجولاني، تعاني نوعًا من الاضطراب المعرفي الذي يظهر، في بعض الأحيان، عند تقييم وصف “الإرهابي” المتعلق بالاحتياجات الأمنية الغربية. ومن المؤكد أن تجارب الضحايا المحليين في سورية ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عند تعريف الإرهاب السياسي.
نحن نجادل بأن الجولاني لا يُظهر الانفتاح بدافع حسن النية. وبدلًا من ذلك، نعتقد أن هيئة تحرير الشام تتعرض لضغوط من كل من المتشددين غير الراضين عن براغماتية الجولاني، ومن السكان المحليين المستائين من إدارة هيئة تحرير الشام للقضايا الاجتماعية والاقتصادية. في السابق، كان أهمّ مصدر لشرعية هيئة تحرير الشام هو إنجازاتها العسكرية خلال الصراع. لذلك، بسبب الجمود العسكري الحالي، شرعت قيادة هيئة تحرير الشام في حملة تهدف إلى تأمين مصدر بديل للشرعية -الاعتراف الخارجي- ولكن بصورة حاسمة ومؤكدة لم يتغير إطارها الأيديولوجي كمنظمة جهادية.
العلاقة بين التبيئة والاعتدال غير موجودة
أحد أكبر التصورات الخاطئة عند الباحثين هو أن الجهاديين العالميين يصبحون أكثر اعتدالًا، عندما يصبحون محليين، على الرغم من عدم وجود صلة راسخة بين التبيئة والاعتدال. وتدلّ إعادة التوجيه هذه على تحوّل إستراتيجي لا يمسّ بالضرورة المعتقدات الأساسية لهذه الجماعات. وبدلًا من ذلك، فإن ما تغيّر هو الضحايا المباشرون لهذا التنظيم و هم السوريون. وبالتالي، لا يستطيع المرء أن يزعم أن هيئة تحرير الشام وأشباهها أصبحوا أقلّ أهمية أو أقلّ خطورة، وخاصة من منظور إنساني.
في المقابلات الأخيرة، تبنّى الجولاني لهجة شعبوية، كما ظهر في أفلام دعائية، وهو يمشي بشكل اعتيادي في شوارع إدلب، ويزور المحال التجارية المحلية، كما لو كان سياسيًا منتخبًا. ولا يمكن أن يخفي ذلك حقيقة أنه قائد ميليشيا جهادية تدين بشرعنة مكانتها للانتصارات في ساحة المعركة. وإذا لم تعد هيئة تحرير الشام تقتل كثيرًا من المدنيين المحليين، فإن هذا لا يعني أن جهاديي الأمس أصبحوا “براغماتيين” و “معتدلين” بما يكفي للنظر إليهم بكونهم أطرافًا سياسية مشروعة. إن السماح لأمراء الحرب في الصراع السوري، سواء أكانوا من الدكتاتوريين ذوي العلمانية الزائفة (كالأسد) أم من الجهاديين “المعتدلين”، بإعادة تدوير أنفسهم كزعماء الغد، هو “واقعية” قصيرة النظر، يمكنها أن تجعل الطريق نحو الديمقراطية والاستقرار والازدهار أكثر صعوبة.
إن التقييمات الجيوسياسية الباردة التي تبرّر التفاوض مع أمراء الحرب مغلفة بادعاءات محاولة فرض استقرار والقيام بكل ما يلزم للحد من العنف وضمان تدفق المعونة الإنسانية. وبوصفنا سوريين ممن عاشوا مباشرة تحت الخطر والقمع ، نقول إن البقاء المادي ليس الاعتبار الوحيد. الناس بحاجة إلى الكرامة والإرادة، بقدر حاجتهم إلى الخبز والوقود. ولن يكون ذلك ممكنًا إذا سُمِح لأمراء الحرب الجهاديين، مثل الجولاني، بالانتقال إلى دور أصحاب النفوذ السياسي المحليين.
أوراق الجولاني التفاوضية
منذ التدخل العسكري الروسي، في أيلول/ سبتمبر 2015، بُنِيت إستراتيجية الجولاني للنجاة على دعامتين: الأولى الحفاظ على زعامة الجولاني؛ والأخرى القفز إلى عربة الانتفاضة الشعبية. يدرك الجولاني أن تحقيق دوره المستقبلي المتوخى، بوصفه وسيطًا سياسيًا يتمتع بالشرعية، يستدعي رفع اسمه من قوائم الجماعات الإرهابية. وقد تبنى هذا الأمر باعتباره أجندة تشدد على أن هيئة تحرير الشام لا تشكل تهديدًا للأفراد خارج سورية. وفي سعيه إلى تحقيق الاعتراف الدولي، يعمل الجولاني على الانتفاع من قضايا اللاجئين، والمساعدات الإنسانية، ومحاربة الجهاديين العالميين. غير أن الجولاني، الذي يقود هذا التحول، قد يقرر فجأة إحداث تحول آخر في اتجاه غير مؤات، ما لم يكن راضيًا في المستقبل لأيّ سبب من الأسباب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي تعاون متسرع مع هيئة تحرير الشام سوف يعطي أيضًا الجماعة الوقت لإتمام الهيمنة الكاملة على إدلب.
ومثل العديد من الزعماء الجهاديين، جمع الجولاني منذ أمد بعيد بين الرسائل المتضاربة للإحسان والتعصب العنيف. إن الجهد الذي بُذل أخيرًا، لإعادة تصنيف هيئة تحرير الشام، لا يخرج عن هذا الاتجاه. وعلى سبيل المثال، فإن رفض الجولاني، في الآونة الأخيرة، لأيّ عنف طائفي من جانب هيئة تحرير الشام أو سلفها جبهة النصرة، يعيد إلى الذهن مقابلة الجولاني مع قناة الجزيرة عام 2015، التي ذكر فيها أن أفراد الأقلية العلوية لن يُقتلوا في ظلّ حكمه، ما داموا يتخلون عن دعمهم للأسد، وعن معتقداتهم الدينية المذهبية.
ليس هناك ندرة في مثل هذه الخطابات طوال صعود الجولاني إلى السلطة: “بالنسبة إلينا، فإن العلويين هم طائفة حادت عن دين الله، وفقًا لأحكام الفقهاء وأهل المعرفة، أما الدروز فهم يخضعون لنشاطاتنا الدعوية. على سبيل المثال، لديهم قبور يزورونها، والإسلام يعدّ هذا شركًا [عبادة الأصنام] لذلك أنهينا ذلك”. ومن عجيب المفارقات هنا، أن هذا التمييز الحاد بين المسلمين “الحقيقيين” في مواجهة المعارضين الهراطقة ومنزوعي الإنسانية، يشبه إلى حد كبير نسخة الأسد المختزلة من المواطنة السورية. وفي كلتا الحالتين، استخدمت صيغ من الأيديولوجية الأصولية لتبرير الوحشية ضد “الآخر” المتخيّل. وفي حالة هيئة تحرير الشام، تم تعريف “الآخر” تعريفًا واسعًا، بأنه أي شخص مستعد لمعارضة هيمنتها، ومن ضمنهم الناشطون المدنيون.
في مقابلة الجولاني مع مارتن سميث، اختطف مرارًا وتكرارًا الدعم الشعبي للسوريين الذين يعيشون في المنفى، من خلال المطالبة بالشرعية على صوتهم ورأيهم، وقدّم نفسه باعتباره الخيار السياسي الوحيد المتبقي. وهذا يماثل ادعاء الأسد بالشرعية الشعبية والدعم. وفي الوقت نفسه، لا ينكر أحد حقيقة أن الجولاني مستعد للانتفاع من الملايين الثلاثة من السوريين الذين يعيشون تحت سيطرته والتلاعب بهم، بعد أن أظهرت جماعته استعدادها لقتل وإخفاء أي صوت معارض. وبالتالي؛ فإن منحه أي شرعية يمكن أن يزيد من انقسام المجتمع السوري ويرسخ توظيف الأسد للخطاب الأمني.
وبغض النظر عن الوجه “البراغماتي” أو الشعبوي المكتشف حديثًا، الذي قد يقدمه الجولاني للغرب، فإن السوريين الذين يختلفون مع آرائه الدينية المحددة لا يزالون بعيدين عن الاطمئنان. كما أننا لسنا مرتاحين للاتجاه الحالي في تحليل السياسات نحو تبني هيئة تحرير الشام، كشريك تفاوضي قابل للحياة. إن أي تعاون مباشر متسرع يمكنه أن يحرم القوى الإقليمية من أي نفوذ للتأثير على هيئة تحرير الشام، في حين يمنحها الوقت والحرية لإرساء هيمنة كاملة على محافظة إدلب، وهذا يعني أن أي جهود لاحقة لإزاحة الجماعة واقتلاعها سوف تصبح مكلفة للغاية.
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى مستقبل سورية السياسي؟
نحن ندرك أن هناك حالة إنسانية يتعين القيام بالتعاون من أجلها، لا سيّما عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على وصول المعونة عبر الحدود، وربما التعاون عبر خطوط التماس لمكافحة انعدام الأمن الغذائي الشديد في سورية. غير أنه من الحيوي ألا يتحول أي تعاون إلى إضفاء الشرعية على السيطرة الإقليمية لهيئة تحرير الشام، أو قبولها بحكم الواقع. ومما لا شك فيه، أن أي منظمة غير حكومية تعمل في إدلب تحتاج في بعض الأحيان إلى تيسير مساعدتها الإنسانية بصورة غير رسمية، من خلال التعاون مع هيئة تحرير الشام. وعلى الرغم من هذا الواقع، فإن أي تعاون مع الهيئة المذكورة لا بد أن يكون محدودًا ومشروطًا، لمنع السوريين من التعرض للسحق من قِبَل أيديولوجية الجولاني الاستبدادية. وفي الوقت نفسه، ينبغي على القوى الإقليمية والدولية أن تعترف بأصوات جماعات المعارضة غير العسكرية، وأن تضخّمها، بدلًا من مكافأة أمراء الحرب بالتعامل معهم بوصفهم أطرافًا سياسية فاعلة.
ناشد الجولاني المصالح الجغرافية السياسية الغربية المتهافتة. ولكن من قصر النظر أن نرى فقط الدور المحدود الذي تلعبه هيئة تحرير الشام في تثبيت الاستقرار، في حين نتجاهل الكيفية التي يغذي بها الحكم الشمولي للجماعة الصراع الأكبر مع نظام الأسد، وتفيد في الحد من نمو المؤسسات المدنية الأكثر صحة. إن منطق تبني الشر الأقلّ، على الأقل من منظور غربي، لا يتوافق مع الدعم الحقيقي لأمل السوريين في الوصول إلى حكم مدني مستدام وشامل. وإننا ندرك أن التفكيك المفاجئ لهيئة تحرير الشام قد يؤدي إلى فراغ في السلطة، وربما إلى عودة ظهور خلايا تنظيم (داعش)، ولكن الاستقلال الذاتي الجزئي لإدلب، وتمكينها لوحدها، وتهميش الجماعات الأخرى، يمكن أن يزيد من تعقيد أي إمكانية للتحول السياسي في المستقبل. ولذلك، فإن تعدد المشاركين في السلطة، وإضفاء الطابع اللامركزي عليها، قد يستعيد ثقة سكان إدلب، ويمكّنهم من تسوية المنازعات محليًا على المستوى الشعبي. ويمكن أيضًا أن يوفّر مناخًا شاملًا للمجتمعات الضعيفة.
مع دخول الحرب السورية عامها الحادي عشر، يواصل المجتمع الدولي الدعوة إلى تسوية للصراع عن طريق التفاوض. ومسألة من سيكون على طاولة المفاوضات مسألة معقدة. ويمكن أن يكون الجمود العسكري الحالي فرصة لإعادة تشكيل الأدوار السياسية في معسكر المعارضة. ويمكن أن يكون فرصة للقوى الإقليمية والدولية للاعتراف بأصوات جماعات المعارضة غير العسكرية، وتوسيعها بدلًا من مكافأة أمراء الحرب. وسوف يظل تغيير سلوك هيئة تحرير الشام سطحيًا/ ظاهريًا، من دون السماح للناشطين المدنيين وفصائل المعارضة بالمشاركة الكاملة في إدارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية والعسكرية في الشمال الغربي. ولكن نظرًا لنهج الجولاني المتبع في إدلب، فإن أي اقتراح بتقاسم السلطة مع الفصائل الأخرى سوف يصبح أداة تطويع وإضفاء شرعية. وهناك خطر آخر يتمثل في أن أي انقسام في المستقبل أو نزاع على الزعامة في هيئة تحرير الشام قد يؤدي إلى زعزعة استقرار محلية هائلة في غياب مجتمع مدني سليم لامتصاص العواقب.
لقد بدأت هيمنة هيئة تحرير الشام العسكرية في إدلب في التحول نحو شكل من أشكال تطويع الحكم المدني، ولكن من دون إدراك الكيفية التي أسست بها الجماعة سلطتها أو الاعتبار للتطلعات السياسية لأولئك الذين يعيشون تحت هيمنتها. وفي الوقت الحالي، فإن طموح هيئة تحرير الشام في الحكم الكامل يفتقر فقط إلى الشرعية الخارجية. وإذا ما اكتسبت الهيئة ذلك، فسوف يكون ذلك على حساب جماعات المجتمع المدني والسوريين الذين يسعون لتطبيق حقوق الإنسان.
اسم المقال الأصلي Empower Syrians Not Warlords: Against the re-branding of Hayat Tahrir al-Sham
الكاتب رهف الدغلي وعزام القصير، Rahaf Aldoughli and Azzam Al Kassir
مكان النشر وتاريخه المجلس الأطلسي، The Atlantic Council، 15 تموز/ يوليو 2021
رابط المقال https://bit.ly/3BmNtO7
عدد الكلمات 1509
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
مركز حرمون


=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى