الناس

عن الحوار مع هيثم المالح في “تلفزيون سوريا” وكلامه عن “رزان زيتونة”

هيثم المالح.. أنرجسيةً وسوءَ وِرْدٍ؟/ نزار غالب فليحان

في برنامجها “الذاكرة السورية” تحاول محطة “سوريا” الفضائية قراءة تاريخ سوريا، من خلال إجراء لقاءات حوارية مع شخصيات سورية معارضة شهدت على التغيرات التي عصفت بسوريا بعد الاستقلال.

آخر من التقاهم الإعلامي شعبان عبود هو المحامي والناشط الحقوقي “هيثم المالح” الذي ضلع في معارضة النظام زمناً طويلاً، كلله في الوقوف إلى جانب الحراك الشعبي السوري في مطالبه المحقة “الكرامة والحرية والديمقراطية”، كما دافع المالح عن عديد المعتقلين السوريين ما يسر له أن يكون مرجعية موثوقة وصادقة للنضال السياسي من أجل سوريا حرة مستقلة تنهج الديمقراطية وتحقق العدالة.

بالطبع لا ينتظر الرجل مني ولا من غيري ثناءً لأن نضاله يشهد له ويتحدث عنه، لكنَّ اللقاء الأخير -في بعض من مفاصله- لم يكن الأمثل للمالح، ليس لجهة نبرته النرجسية المبالغ فيها، قال نصاً: “أنا فارس لا يشق له غبار، ولا يمكن أن يجاريني إلا فارس مثلي” حتى خلتني أمام المتنبي، وأردف: “أنا عظمة ناشفة لا يمكن هضمي بسهولة” ولو أنه وضع عمامة لقلت “عاد الحجاج”، وليس لجهة اعتزازه الذي كرره كثيراً بأن كل البعثات الديبلوماسية الغربية لم تكن لتعرف سوريا لولا أنها كانت تضع زيارته في بيته، أو في مكتبه ضمن أولوياتها، ولا لجهة ممارسة الإلغاء والتقليل والإقصاء كلما ذكر اسم أحد المناضلين السياسيين السوريين في سياق الحديث للتخفيف من شأنهم وتقزيم أدوراهم، ولا لجهة الابتسامة المفعمة بالاستكبار والغرور، إنما لجهة سوء وِرْدِ ماء المناضلة المغيبة “رزان زيتونة” التي ربما استنتج شعبان عبود أنه أخطأ في طرح قضيتها المأساوية في الحوار، وربما شعر بذلك الخطأ بعد أن تلقى من المالح أجوبة لم يكن يتوقعها، ولم يتمكن من استدراك الأمر رغم محاولته لفت نظر المالح إلى أن من يتحدث عنها غائبة شأنها شأن عشرات آلاف حالات التغييب القسري التي يعج بها ملف الثورة السورية.

كان يمكن للمالح أن يتجنب الذهاب عميقاً في ملف ريحانة الثورة السورية “رزان زيتونة”، لكن أناه دفعته إلى سرد تفاصيل مهنية رأى أنها تدين رزان حين أصرت على حضور جلسة الدفاع عن المعتقل “أكثم نعيسة” والتي رآها المالح جريمة مهنية لكونها تعمل كمحامية في مكتبه ويجب أن تطيع أوامره كصاحب المكتب، ولأنها توقفت عن العمل في مكتبه نتيجة ذلك، مكتبه الذي كان مقر جمعية حقوق الإنسان السورية التي أسسها المالح برفقة محامين وناشطين آخرين والتي أكثر غير مرة من التأكيد على عظمة جهوده من أجل تأسيسها وعلى فضيلة تأمين مقر لها في مكتبه.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أوغل المالح في التعرض للسلوك الشخصي المبالغ به لرزان -حسب زعمه- لجهة حدة مزاجها وردود أفعالها المتسرعة وعدم “احتشام” لباسها الأمر الذي دفع أصدقاء المالح إلى التوسط لديه لقبولها متدربة في مكتبه ظناً منهم -حسب زعمه أيضاً- أنه لن يقبلها بهكذا سلوك لأنه من عائلة محافظة، وذهب بعيداً في ذلك حين عزا احتمال تصفيتها من قبل جيش الإسلام إلى عدم مراعاتها عادات وتقاليد أهالي دوما.

ما كان ينبغي أن يكون ذاكرة سوريا في هذا الحوار المنفر وغير الموفق، فكان في الواقع ذاكرة المالح، كان استعراضاً لبطولاته ومساحة لسرده المغرور، ولا يشفع للمالح أنه اعتبر رزان ابنته وأنه ادعى أنه سأل عن مصيرها، الأمر الذي كان يجب أن يتكتم عليه لأنه لم يعثر على حقيقة مبنية على وقائع أو مستندة إلى أدلة، هو المحامي الذي يدرك تماماً أن الخلاصات يجب أن تبنى على حقائق فأتى كلامه مرسلاً لا قيمة له، تجلى ذلك بشكل فاضح حين أنهى مرافعته ضد رزان بأن أحداً ما أحاطه علماً أنها صُفِّيَتْ من دون أن يهتز له جفن، لا تاريخه النضالي الطويل أنقذه من الانسياق وراء نرجسيته ولا مهنيته التي تقتضي الوقوف على الحقائق المبنية على قرائن وأدلة أنقذته من زلاته بحق رزان وسوء وِرْدِهِ قضيتها، ولا هو أخلص لميزان العدل الذي بدا بين يديه بكفة واحدة، ولئن صح قول “أحشفاً وسوءَ كيلة؟” على من أساء كيل تمر فاسد فقد صح قول “أنرجسيةً وسوءَ وِرْدٍ؟” في سردية هيثم المالح.

تلفزيون سوريا

————————–

هيثم المالح ورزان زيتونة في “الذاكرة السورية” / شعبان عبود

انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية بمضمون حلقة برنامج “الذاكرة السورية” التي استضفنا فيها المحامي هيثم المالح وسجلنا معه أربع حلقات تناولنا فيها كثيراً من القضايا المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان والنشاط الحقوقي، وقضايا تتعلق بالنضال السلمي للسوريين في مواجهة النظام الاستبدادي منذ وقت مبكر وخاصة حركة إضراب النقابات، وتحديدًا نقابة المحامين، نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات. لكن الحلقة الأخيرة مع “المالح” حيث تطرقنا إلى قضية الناشطة الحقوقية المغيبة رزان زيتونة، إذ أدلى خلالها المالح بمواقف وآراء تناولت رزان زيتونة، فتسببت بموجة واسعة من التعليقات من قبل شرائح كثيرة من السوريين انتقدت غالبيتها ما أدلى به “المالح” من مواقف وتعليقات بحق رزان زيتونة.

ليس ذلك فحسب، فهناك، وعلى خلفية هذه الحلقة، من انتقد “تلفزيون سوريا” بسبب بثه هذه الحلقة، ومنهم من طالب بإزالة الحلقة من على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم من تمنى من محاور البرنامج أن يتدخل ويساجل هيثم المالح في حديثه عن رزان زيتونة.

قبل كل شيء يجب الاعتراف أن قضية رزان زيتونة هي قضية رأي عام بامتياز، مسألة غيابها وتغييبها هي قضية رأي عام أيضًا، وأن يتصدى برنامج تلفزيوني مثل “الذاكرة السورية ” لهذه القضية هي مسألة ضرورية وطبيعية ومهنية في الوقت نفسه. لهذه الأسباب قررنا خوض النقاش وطرح أسئلة على ضيفنا المحامي هيثم المالح بحكم معرفته بها، وبحكم السنوات التي عملوا بها معاً كمتدربة في مكتبه كزميلة له في جمعية حقوق الإنسان. كانت الغاية سماع شهادة طيبة وإنسانية عن رزان زيتونة، ومتابعة النقاش حول مصيرها حتى تبقى قضيتها حية بيننا، وهذا أضعف الإيمان وما يمكن لوسيلة إعلامية سورية ومقدم برنامج أن يفعلاه من أجل قضية وطنية وإنسانية كقضية رزان زيتونة.

لكن خلال حواري مع الأستاذ هيثم لفت نظري ومنذ البداية أن هناك مواقف شخصية لها علاقة بتجربة العمل المشتركة لدى المالح، وظهر واضحًا أكثر حين تطرق إلى موضوع إصرار زيتونة على حضور جلسة المحامي والناشط الحقوقي أكثم نعيسة الذي كان معتقلا خلال فترة عمل رزان زيتونة في مكتب جمعية حقوق الإنسان مع هيثم المالح الذي حاول منع رزان من حضور تلك الجلسة لكنها أصرت على ذلك.

ومن ثم ظهرت مواقف الأستاذ هيثم المالح أكثر غرابة ومثارا للجدل حين ربط قضية تغييبها في منطقة دوما خلال الفترة المبكرة من عمر الثورة السورية بمسألة لباسها و”عدم مراعاتها للبيئة المحافظة” في منطقة دوما حسب تعبيره.

في الحقيقة، وكمقدم برنامج، تدخلت أكثر من مرة مستغربًا ومستهجناً بعض المواقف التي أدلى بها المالح، فمثلا سألته حين تحدث عن محاولته منع رزان زيتونة من حضور جلسة محاكمة أكثم نعيسة: هل أنت ضابط وهل رزان زيتونة جندي حتى تصدر أمرًا بمنعها من الحضور؟ كذلك حين تناول موضوع المكتب وقال إنه يملك المكتب وما فيه من أدوات عمل وغيره ولا يحق لرزان أن تغلق الكومبيوتر وتتصرف بهذه الطريقة بعد أن غضبت وتركت المكتب، هنا قاطعته وقلت له إن المسألة ليست مسألة ملكية شخصية، إنها جمعية حقوق إنسان وهناك نظام عمل يجب أن يكون هو الأساس في العلاقات بين الأعضاء وليس امتلاكك الشخصي للمكتب وما فيه.

وأيضًا، تدخلت مستغرباً ومنتقدًا حين ربط الأستاذ المالح بين مسألة تغييب رزان زيتونة وبين طريقتها “المتحدية ” في اللباس للبيئة المحافظة في منطقة دوما وقلت له: لا يمكن أبدا اختزال قضية كبيرة كقضية اختطاف رزان بمسألة اللباس، بل إن السبب يعود إلى حجم النشاط الهائل الذي كانت تقوم به رزان وما كانت تقدمه من معلومات ووثائق للخارج عما يجري من أحداث في ذلك الوقت.

الخلاصة، أنني كمحاور ومقدم للبرنامج حاولت التدخل أكثر من مرة بحكم واجبي المهني، خاصة أن الشخص موضوع الحديث، رزان زيتونة، هو شخص غائب، وقد أشرت إلى ذلك خلال الحلقة حين قلت له وذكرته “إننا نتحدث عن شخص غائب” طالبا منه مراعاة ذلك.

في هذا السياق، هناك مسألة أخرى بحاجة إلى توضيح مني بصفتي صحفياً ومقدماً للبرنامج، وهي أنني وخلال الاستماع للسيد المالح، وبحكم معرفتي عن قرب بالناشطة والمحامية رزان زيتونة بحكم عملي السابق في سوريا كمراسل صحفي، كنت متضايقًا كشخص وإنسان يعرف حقيقة رزان زيتونة، لكن في الوقت نفسه وبصفتي مقدماً لبرنامج الذاكرة السورية، وبحكم طبيعة هذا النوع من البرامج التوثيقية التاريخية حيث يجب إفساح المجال والوقت أمام الضيف ليتحدث ويدلي بشهادته، حاولت ألا أتدخل كثيرًا لغاية “سحب” الموقف والشهادة من الضيف، لأن التدخل الكثير والمقاطعة خلال التسجيل ربما تمنع الحصول على المعلومات التي نحتاج إليها، فهذا البرنامج، ومن ناحية مهنية، يحتاج إلى إنصات أكثر من المحاور حتى لا يفسد مسألة الحصول على المعلومات والآراء والشهادات بلسان أصحابها حتى لو اختلفنا معهم ولم نوافقهم. هذا البرنامج ليس برنامجاً سجالياً حواريًا وسياسيًا بحيث يتدخل ويدخل المحاور في معركة تسجيل موقف ما مع الضيف. إن مهمة الرد على ما أتى به الضيف هي مهمة الرأي العام وضيوف آخرين يحملون وجهة نظر مختلفة. ولقد حصل ذلك أن الرأي العام تفاعل كثيرا وبشكل غير مسبوق مع المواقف والآراء التي عبر عنها الأستاذ هيثم المالح، كذلك كتب البعض مقالات في موقع تلفزيون سوريا ينتقدون المالح والحلقة.

وفي هذا الصدد، لا بد من التذكير أن برنامج “الذاكرة السورية” منفتح على الجميع، لا يوجد ڤيتو على أحد، ونحن في فريق البرنامج نتواصل، وتواصلنا سابقا مع شخصيات من مختلف الطيف السياسي السوري، وما زلنا نتواصل.

لقد أجرينا حوارات مع المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني ومع السيد عقاب يحيى البعثي المقرب من صلاح جديد ومع القيادي الكردي السوري صلاح بدر الدين ومع إحسان الشيشكلي ابن الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي وغيرهم، ونحن بصدد إجراء حوارات في المستقبل مع شخصيات كثيرة تمثل كل الطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري، رغم كل العوائق التي واجهتنا وما زالت تواجهنا وفي مقدمتها الإجراءات المتعلقة بالإغلاق بسبب جائحة كورونا حيث لم نستطع الوصول إلى الكثير من الضيوف خلال فترة عملنا السابقة .

ومن أجل الوصول إلى كل هذا الطيف، ومن أجل توثيق أفضل ومتنوع للذاكرة السورية، سافر فريق البرنامج إلى الكثير من العواصم والمدن حول العالم، إسطنبول ولندن والمكسيك وولاية تكساس بالولايات المتحدة من أجل تسجيل هذه اللقاءات على الرغم من ما يتطلبه ذلك من جهد ونفقات مالية.

تلفزيون سوريا

———————–

توضيح من الأستاذ علي العبد الله حول ما جاء في اللقاء مع هيثم المالح في الحلقة الأخيرة معه من برنامج الذاكرة السورية حول الناشطة رزان زيتونة..

شهادة للتاريخ

في مقابلة الأستاذ هيثم المالح، حول ما قاله عن الأستاذة المختطفة رزان زيتونة وسبب تركها العمل في مكتبه، لي توضيح، حيث كنت حاضرا على الجدال وتبعاته؛ وكنت نوعا ما طرفا فيه، اعتبره شهادة للتاريخ. حضرت إلى مكتب الأستاذ والذي هو مقر “جمعية حقوق الإنسان في سورية”، باعتباري عضوا فيها، صباحا ووجدت رزان، كالعادة تعمل على الكمبيوتر وسألتها إن كانت ستحضر محاكمة الأستاذ أكثم نعيسة وكان جوابها بالإيجاب وبدأت في إغلاق الكمبيوتر وتجهيز حقيبة يدها وإذا بالأستاذ يدخل الغرفة، لم أكن أعرف بوجوده في المكتب حيث كان في غرفة داخلية، وسأل إلى أين فردت رزان إلى محكمة أمن الدولة لحضور جلسة محاكمة أكثم، فقال لها أنا سأحضر وأنت اذهبي إلى القصر العدلي صدرت أحكام في دعوى لنا أجلبي نسخة عنها، فقالت له محكمة أمن الدولة ستنتهي قبل أن ينتهي الدوام في القصر العدلي بساعات في العودة أمر وأجلب نسخة عن الأحكام. لم يقبل ردها فقال لها قلت لا تذهبي لأنني سأحضر الجلسة. قالت له أنا ذاهبة لتغطية الواقعة “للجمعية”. صمت، وخرجنا أنا وهي وتوجهنا إلى محكمة أمن الدولة وعند انتهاء الجلسة عدنا أدراجنا ومررنا إلى القصر العدلي وجلبت نسخة عن الأحكام وعدنا إلى المكتب ووجدنا الأستاذ هناك وبادرها بأن تأخذ ما لها في المكتب لأنه لم يعد لها عمل فيه. لمت أغرضها الشخصية وكتب قانون وثقافة. حملت معها وتوجهنا إلى حيث تسكن مع زوجها الأستاذ المختطف وائل حمادة. وما أن دخلنا حتى رن جرس الهاتف وإذا الأستاذ على الخط يطلب كلمة سر ايميل “الجمعية” فقالت له رزان انا تسلمتها من مجلس الإدارة ولما نجتمع في مجلس الإدارة ويقرر سحبها مني سأعطيها لكم. بعد دقائق فاجأنا بإرسال ايميل جديد “للجمعية” مع توضيح أنه الايميل المعتمد وتوقيعه كرئيس “للجمعية” على الإشعار. بعد أيام اجتمع مجلس إدارة “الجمعية” وكانت المفاجأة الصادمة اتهام الأستاذ لرزان بسرقة أشياء من مكتبه. طلبت منه تحديد هذه الأشياء فلم يجد جوابا قال المكتب فيه أشياء كثيرة. طلبت منه سحب الاتهام، فرفض. وقد اكتملت الفاجعة أن مجلس الإدارة انحاز إلى جانب الأستاذ وتم استبعاد رزان من المجلس. فسر لي أحد أعضاء المجلس الموقف بقوله: مكتبه مقر “الجمعية” ولو خالفناه سيمنعنا من استخدام مكتبه كمقر “للجمعية”. استغربت سلوك الأستاذ خاصة وأن الموضوع لا يستدعي هذا التشنج ولكنني علمت من أصدقاء آخرين أن السبب الحقيقي أن الأستاذ ابن الثمانين طلب رزان للزواج ووعدها بتسجيل نصف المكتب باسمها ولما رفضت، لأنها كانت اتفقت مع وائل على الزواج، حمل عليها وبيت في داخله الانتقام. عام 2010 اجتمعنا في الجناح السادس في سجن دمشق المركزي وكنا أكثر من شخص من إعلان دمشق والمعارضة وقد أخبرني أحدهم أن الأستاذ تحدث عن رزان بسوء مس فيه عرضها وشرفها.

———————————

هيثم المالح.. من العار أن يشفع له تاريخه!/ وليد بركسية

هيثم المالح.. من العار أن يشفع له تاريخه! رغم كلامه المُعيب في حق رزان زيتونة، ما زال هناك من يدافع عنه باعتباره أيقونة المعارضة السورية

من الممكن رد خطاب تجريم الضحية، الذي قدمه الحقوقي السوري هيثم المالح عند حديثه عن قضية تغييب الناشطة البارزة رزان زيتونة في منطقة دوما قرب العاصمة دمشق العام 2013، إلى عقلية ذكورية وخلفية إسلامية محافظة لدى المعارض المعروف الذي تجاوز عمره التسعين عاماً. لكن هذا الخطاب ليس جديداً على الإطلاق في الشرق الأوسط ككل، وليس سوريا وحدها، ويمكن ملاحظته في مسائل تبدأ من قضايا نسوية كالتحرش، ولا تنتهي بقضايا سياسية كالثورات الشعبية ضد السلطات الديكتاتورية، ما يجعل المسألة أبعد من ذلك المنطق التبريري السلبي.

الجديد فقط هو ربط ذلك الخطاب العفن بشخصية زيتونة التي حافظ السوريون من كافة الأطياف تقريباً، على احترام واسع لها، عطفاً على جهودها خلال الثورة ضد نظام بشار الأسد، وجهودها قبل الثورة في الدفاع عن معتقلي الرأي في البلاد كمحامية تدربت في مكتب المالح نفسه لسنوات، وإن كانت شهرتها كشخصية وطنية بدأت تتشكل بشكل أكبر بعد العام 2011 عندما أسست مع ناشطين آخرين لجان التنسيق المحلية في سوريا لتوثيق انتهاكات النظام السوري، كما كانت عضوة مؤسسة في جمعية حقوق الانسان في سوريا، وعضوة في فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي منذ العام 2001، وناشطة في لجنة دعم عائلات المعتقلين السياسيين في سوريا، وأسست العام 2005 رابط معلومات حقوق الانسان في سوريا ليكون بمثابة قاعدة بيانات لانتهاكات النظام لحقوق الانسان في البلاد.

    ١- ما يسمى هيثم المالح، يحاول الالتفاف والقول إن سبب تغييب أيقونة الثورة رزان زيتونة، هو أنها كانت تسير على عكس عادات وتقاليد مدينة دوما وكانت غير محتشمة في لباسها! مع العلم أن سبب تغييبها أنها كانت ناشطة حقوقية بارزة وكانت تقدم معلومات هائلة عن الجرائم التي ارتكبت في ريف #دمشق pic.twitter.com/Kk9S5cPagE

    — Shilan Chikh Mousa (@SChikhmousa) June 19, 2021

ومن المؤسف، الاضطرار للكتابة مرة أخرى عما يجب أن يكون من البديهيات، وهو في هذه الحالة حقيقة أن الضحية لا تتحمل مسؤولية أفعال الجاني. كما أن ربط مفاهيم الشرف بجسد المرأة ولباسها، التي أعيد تدويرها مجدداً عند تناول “أخلاق” زيتونة، كان مستفزاً في أقل تقدير! والأسوأ أن ذلك كله يعوّم أفكاراً سامّة وهدامة يجب بموجبها “احترام السائد” ومنع الصِّدام معه بحيث يصبح “احترام العادات والتقاليد السائدة في المجتمع” شرطاً يحدد مدى شرعية ما يقوم به الفرد.

والغريب هنا أن السائد الأخلاقي/المجتمعي، يختلف عن السائد السياسي ضمن خطاب المالح والمدافعين عنه. وبموجبه، من المسموح تحدي النظام السياسي في سوريا، لكن لا يجب تحدي المنظومة الأخلاقية السائدة، ما يقود إلى تساؤل لا مفر منه، وهو: هل عارض كثيرون من السوريين نظام الأسد لأنه في نظرهم “نظام عَلَوي” يحكم غالبية من السنّة، فقط؟ وهل كان ذلك الموقف سيتغير لو كان حكم النظام “الأقلوي” أكثر عدالة وأقل إجراماً؟ ومن المشين أنه في حالة الحديث عن زيتونة، التي تكشف نفاق الخطاب السابق، لكونها مع ورفاقها المغيبين قسرياً منذ سنوات، كانوا من أولئك المدافعين عن حقوق الإنسان بغض النظر عن أي انتماءات أيديولوجية وسياسية،.. أصبح وصفها بأنها امرأة متحررة، شتيمة للانتقاص منها، من باب أنها يجب أن تلتزم بحدود المقبول في البيئة المحافظة دينياً، حتى لو كانت ناشطة حقوقية تتفق مع تلك البيئة في الموقف السياسي المعارض من النظام الحاكم.

والحال أن فكرة الاحترام المشروط هي ما يجب أن يتم التوقف عنده مطولاً. فهي حاضرة منذ وقت طويل في خطاب النظام السوري، مثلما هي حاضرة في خطاب المعارضة الإسلامية، وبرزت مؤخراً عندما ارتدت المعارضة “العلمانية” بسمة قضماني (63 عاماً) الحجاب في ريف حلب. وإلى جانب أنها مصطلح لا يمكن التأكد من حدوده بدقة متناهية، كأي تهمة أخرى مثل “وهن نفسية الأمة”، فإن عدم الاحترام يصبح بسهولة تهمة جاهزة تستخدمها السلطة، دينية كانت أم سياسية أم مجتمعية، لقمع حريات الأفراد وخياراتهم الشخصية أولاً، وطريقة ناعمة لفرض أنماط ثقافية محددة ثانياً، ويؤثر بذلك بشكل مباشر في إحساس الأفراد بالانتماء والقبول الاجتماعي حتى ضمن نطاق ضيق مثل العائلة.

شهادات كثيرة كتبت في مواقع التواصل، عن المالح وذكوريته وعلاقته الشخصية بزيتونة، لا طائل من تكرارها ربما، إلا أن اللافت هو الحملة المضادة التي برزت للدفاع عنه بوصفه أيقونة من أيقونات المعارضة السورية! وذلك عطفاً على نضاله ضد نظام الأسد منذ عقود، وعمله في المجال العام منذ خمسينيات القرن الماضي، وصولاً إلى التذكير باعتقاله مرات عديدة ودعمه لثورة الشعب السوري. وبحسب هذا المنطق لا ينبغي المساس بقامة وطنية مثل المالح الذي يحق له ما لا يحق لغيره، بما في ذلك الحديث عن زيتونة، التي تشكل قامة وطنية بدورها وإن كانت، في نظره المحدود، لا ترتقي لما قدمه هو شخصياً.

مجدداً لا جديد في ما سبق، كلمات مثل أيقونة ورمز وقامة وطنية، هي أسوأ ما يوجد في اللغة العربية المعاصرة على الإطلاق بوصفها مدخلاً لتقديس الأفراد، بدءاً من الزعماء السياسيين والديكتاتوريين المحليين في خطاب مواليهم، إلى نجوم الغناء والتمثيل في خطاب معجبيهم، وليس انتهاء بجمهور الشخصيات العامة من ناشطين وحقوقيين وغيرهم. المسألة تتعلق بأن أولئك الأفراد، على اختلاف وظائفهم وأعمالهم، يمثلون بالنسبة لجمهورهم رموزاً أبعد من مجرد شخصيات معروفة، كونهم يمثلون أيديولوجيات وأفكاراً تمس بهوية جمهورهم نفسها ضمن بيئة معقدة تختفي فيها إلى حد كبير الهوية الفردية لصالح هويات جماعية يحكمها الدين والانتماء السياسي بالدرجة الأولى.

وعليه فإن انتقاد المالح، وتقريعه الواجب على ما قاله بحق زيتونة، ضمن برنامج “الذاكرة السورية” على شاشة “تلفزيون سوريا” قبل أيام، يصبح استهدافاً شخصياً، كونه شخصية معارضة. وأكثر من ذلك، يتم لوم من ينتقد المالح من باب القول أن النظام السوري لم يعد بحاجة إلى استهداف معارضيه، طالما أن أولئك يستهدفون بعضهم بعضاً. ويقود ذلك المنطق الأعوج إلى أن الثورة السورية في هذه الفترة تتطلب “وحدة الصفوف” بدلاً من المهاترات الشخصية، الوحدة والمؤازرة مهما كانت الأخطاء!

على أن الثورة السورية نفسها ليست أسمى من الانتقادات، مهما كان هدفها الأولي نبيلاً ومحقاً. ولعل خيبة أمل البعض من تصريحات المالح، تعود للخلط بين مفهومي الثورة والمعارضة السياسية. وهنا تشكل مواقف المالح حبة الكرز فوق كعكة إخفاقات المعارضة السورية، كواحدة من أكثر الحركات السياسية انفعالية وتورطاً في سوء التقدير السياسي. والمالح هنا كان جزءاً من الائتلاف السوري المعارض حتى استقالته منه العام 2019، ولا يعتبر شخصية عادية عطفاً على نضاله الحقوقي الطويل. إلا أن ما قدمه، والشهادات التي قدمت بحقه، بما في ذلك أراؤه من الإعدام وحقوق المثليين، تفضي إلى مناقشة أوسع تتعلق بمعنى الثورة السورية اليوم.

المعارض السوري الآخر جمال سليمان (61 عاماً)، علّق نشاطه مع المعارضة السورية قبل أشهر. وبعض ما قاله حينها يستوجب الانتباه عندما طرح مشكلة المعارضة السورية من ناحية عمرية أقرب إلى صراع الأجيال: “مع تقديري لخبرات وتجارب شخصيات المعارضة، إلا أنني أتمنى أن أرى ويرى الشعب السوري وجوهاً جديدة، ونسمع أصواتاً جديدة، فشباب وشابات سوريا الذين كانوا في سن المراهقة يوم حدث الانفجار السوري الكبير، صاروا اليوم أشخاصاً ناضجين، يتمتعون بخبرات ومعارف لا تملكها الأجيال التي سبقتهم”.

يمكن عكس ذلك على المالح وغيره من الشخصيات التي تظهر من فترة إلى فترة مواقف لا يمكن تفسيرها من أشخاص يفترض أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان أو يمثلون ثورة تطالب بالحرية لكل السوريين. المعارض أسعد الزعبي، دعا مرة إلى إبادة الأكراد السوريين بالأسلحة الكيماوية. ومؤخراً كان الحقوقي البارز أنور البني، ينوي المشاركة في جلسة حوارية حول التهجير القسري في مدينة عفرين التي شهد سكانها أنفسهم تهجيراً قسرياً، قبل اعتذاره أمام الانتقادات التي طاولته.

في ضوء ذلك، من الممكن القول أن المعارضة السورية تتفنن في تقديم شخصيات لا تقوم سوى بتعميق أذيتها للحراك الثوري الذي انطلق العام 2011 ضد النظام السوري، للمطالبة بالديموقراطية والمساواة لجميع السوريين، والذي انحرف مع مر السنين نحو مجرد صراع مسلح آخر على السلطة في منطقة متقلبة، وغابت معه تلك الآمال الواعدة التي شعر بها كثيرون عند وصول الربيع العربي إلى دمشق قبل 10 سنوات.

ويصبح من الضروري هنا تقديم رؤى نقدية للمعارضة السورية ككل، وللأشخاص الفاعلين فيها وتعرية مواقفهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن خطاب المعارضة السورية وأداءها الإعلامي لم يوفرا لغير العرب وغير المسلمين شعوراً بوجود إمكانية لتغيير حقيقي في البلاد، بموازاة فشلها في الترويج لما يجب أن يكون من المسلّمات في أي دولة عصرية منشودة، كالحقوق المتساوية للمجموعات المهمشة بما في ذلك النساء والمثليون جنسياً والملحدون والأقليات الدينية والأقليات العرقية.

المدن

=====================

تحديث 22 حزيران 2021

———————–

هذيان الشيخوخة… هيثم المالح نموذجاً/ أدهم حنا

ليست الكتابة تعليقاً على ما قاله هيثم المالح عن الغائبة رزان زيتونة، بأمرٍ عسير، لكن الاستماع إلى المقابلة كلها يشير بُكلية ما، إلى شخصية رجلٍ تجاوز الثمانين، والحذر في تقييمه أو تقييم أقواله قبل إجراء عملية فحص نفسي لمجمل ما قاله. تجنباً لاتهامه بالبارانويا، تجدر الإشارة إلى أن هيثم المالح في المقابلة ذات الساعة الواحدة وأقل، قد قال (أنا..) حوالى ثلاثين مرة. هذا هذيان بلا شك، لكن الميل إلى اعتبار وصوله لجنون العظمة يبدو أكثر منطقية، بسبب سنّه، واستخدامه قصصاً وسرديات شديدة الخصوصية لقدراته وإنجازاته، وتمثيل نفسه بقوة اجتماعية وشخصية هائلة. ويدور هذا ضمن خبل الشيخوخة (وبنية هوس الكذب) بِلا شك.

هذا لا يعنينا انتقاماً لرزان، لكنها صورة شخصية صنعها بنفسه، بأقواله وتنفخه. هل يُمكن قياس بنية التضخم لدى محامٍ ومناضل حقوقي، وهو يُشير حسب قوله إلى أن الناس “هتفت باسمي في دمشق وحمص وغيرها”… واصفاً نفسه بألقابٍ هذيانية وبلاغية واستعارات منمقة، كأن يكون “عظمة كبيرة في حلق النظام”، و”الحجرة الثقيلة”؟

بنية هوس الكذب جراء الشيخوخة، تليق بهيثم المالح، فنحن لم نستمع للحقوقي العتيد في شبابه، لنعرف بنية الذات النفسية التي تصوغ نفسها وتتحدث عن أحوالها في وقتٍ مضى، لكن ما بدا منه يجعلنا نميل لا لمسامحته، بل لاكتشاف مريض نفسي سوري آخر، ما أن يملك بوحاً عمومياً حتى يكشف نفسه وآليات تفكيره ومحددات عُصابه. ولو شئنا مثلاً تجنب أي استدلال يجعلنا نقيّمه بالشيخوخة أو البارانويا، لاكتفينا بمعاينة الواقع الاجتماعي والسياسي لسوريا، مع جملة قوله وفعله التي يدعيها، فنشاهد بلاداً محروقة ولا يحمل شعبها أي قيمة روحية أو ثقافية سوى كونه ضحية دول كُبرى، وإرادات شبه استعمارية. فلا يملك هيثم المالح أي أساس موضوعي لمجمل مقولاته أو إنجازاته سوى هذيانات وجُمل غير دقيقة أو واضحة، وبمقدمات غير صحيحة وكاذبة. ما يميزه فقط، الهذيان المنظم، ويحاول سرد قصص تؤيد مقدماته عبر العلاقات الشخصية وذكر الأسماء محتفظاً بإهانتها بدلالة عليه، وطبعاً كل هذا ليُقنع هذيانه القوي.

لسنا أمام حالة متزنة بالمطلق، لكن شيئاً أكثر وضوحاً وإضحاكاً في الشخصية التي رأيناها عبر شاشة “تلفزيون سوريا”، هو فرط الحساسية التنبيهي الذي يعانيه المالح جراء ذكر أي شخصية سورية. فهو لم يظهر مهاجماً للنظام السوري، بقدر ما حاول تصغير الشخصيات التي قد يُمكن ذكرها من المعارضين أو الناشطين السوريين: علي العبد الله “ناشط عادي”، حسن عبد العظيم “اشتراكي بخطاب بائس” ولم يُشر بأي شكر له رغم مساندته له أثناء محاكمته… وصولاً إلى ضرب رزان زيتونة بخطاب عبّر فيه بشكل كاملٍ عن رؤيته للأنثى السورية والمرأة والحرية عموماً. فمنذ بداية المقابلة لم يُخف المالح علاقته بأركان السلطة، وسهولة تواصله معهم. الهيثم لن يقنع أحداً بأنه ندٌّ لهم، لكنه لا يقبل أن يكون أقل وجوداً وتشخصناً من دون إفهامنا بأنه راعٍ، وأستاذ، وحقوقي، ومعارض، وشبه نبي. الأسطورة التي يحيك فيها قصصه تجعله أقرب للراعي الشرقي الذكوري، فارضاً علينا قصصه واستدماجه تاريخ سوريا بنفسه كما يفعل بشار الأسد تماماً. ولأنه أشبه براعٍ هذياني، كان عليه التماذج تماماً بوضع نظام رفضي، مُحدداً ثقافة محددة لرؤية سوريا ومجتمعها، ومعاقباً من يخالفه فيها قدحاً في اللغة واستخفافاً فيها.

فبينما يستعيض بالتراث الشعري لوصف نفسه، تتغير ملامحه وتتكئ شفتاه على عنة صوته ويحرك يديه حركة استخفاف بوصف الآخرين. كان غياب رزان زيتونة شديد التأثير فيه كشخصية هذيانية أنوية بحتة، لا يتحدث عنها أحد، ولا يعني أحداً وجودها. فتح باباً للسرد عنها، محاولاً جعل نشاطها عادياً وبسيطاً لفتاةٍ في الثانية والعشرين من العمر تقاتل أشرس الأنظمة الاستبدادية بكفاءة وتضحية. والسؤال الذي نستحق أن نطرحه على المالح وغيره: أهكذا كُنتم تُعاملون نخبة الشباب العاملين في الحقل الإنساني والسياسي والحقوقي في سوريا؟ فلم يُثمّن المالح عمل زيتونة، ولم يجعل له أي قيمة، متحدثاً عنه بسرعة ومن دون أي كفاءة حتى في السرد. وصولاً إلى افتعال سرد شخصي بينه وبينها، وتعظيم خلاف لا يبدو للوهلة الأولى أنه يملك أي أهمية، لكن فصوله التي خرجت عبر وسائل التواصل لا تميل أبداً إلى تصديق رواية المالح، ليس لأن الزيتونة أنثى ونميل للوقوف إلى جانبها، لكن، على طريقة باختين في لم شمل النصوص والآراء والسرد الشخصي لفهم نظرية الشخص، ولفهم تحول الشخصية في الشظايا التي يمكن جمعها من التفاصيل، فلا نميل إلى تصديق المالح بقدر ما نصدق ما يُحكى عنه بأنه عرض عليها زواجاً، وبأن رفضها حقق لشخصية الراعي الذكري التي فيه تشظياً أكثر عُنفاً، فهو لم يبادر لتحطيمها لفظياً، بل حقق مسروداً تبسيطياً، يتناسب مع تحقق شخصيته هو، لا قيمة نضالها هي.

وفي مواجهة هروبه من النظام الذي راعه وتخوف قتله، حسب زعمه، لأنه “عظمة كبيرة”، فإن الزيتونة الأكثر جرأة وقوة ومعنى منه في غيابها، هاجمها كراعٍ مستبد وفي الوقت ذاته بوصفها ابنة، حينما سأل عتاة “جيش الإسلام” عنها والذين أيضاً يجتمع معهم ضمن النظام التكيفي لصنع نفسه كراعٍ مستبد، مع التذكير بأنها ابنته، ما يجعلها مثلاً ضمن دائرة رعاياه الذين يحتاجهم ليفرض علينا سلطته وأثره وقوة شخصيته في العلاقات. في النظام التكيفي لشخصيته ذات النظام الرفضي المُختار، لم يقل لنا المالح إنجازاته مع “اختيار” أو”العلوش”، فلماذا رزان ابنته هنا؟ هل تحدّث لهم عن معتقلين آخرين أو ضحايا آخرين قتلهم “جيش الإسلام” وأخفاهم؟ هل رزان زيتونة مواطنة من طبقة أخرى من طبقات السوريين الذي على المالح السؤال عنهم؟ هل معرفته برزان تجعلها ابنته التي يخاف الراعي فقدها لأنه عرفها؟ أم دورها السياسي والفكرة التي تحققها وتناضل من أجلها ما جعله يسأل عنها؟… التوكيد على الأبوة ساذج، وهو يعرف في حد ذاته أن أقام تصعيداً نفسياً فهي بالكاد تهمه إلا من باب أنه قد سأل عنها وحاول تخليصها، ليضيف هذا لإنجازات وهمية يجعلها الراعي مجداً وعظمة. بالكاد يسرد المالح قصصاً تنتهي بمجمل إحباطات، إلا أن نظامه الهذياني الخاص يستعيد توازنه بنقد رزان زيتونة على ثيابها، أو مجمل تطلعاتها التي تبدو حرة. التكيفية المريضة تستعيد توازن الاتهام والرفض والعقاب، ولو لم يكن هذا العقاب قد جاء على يديه، بل على أيدي رعاة يشبهونه يشاهدوننا خرافاً وقطعاناً ناعمة تتبع قيوداً ويأتيهم العقاب. إنه راعٍ قاسٍ وبلا عاطفة وجاحد، هذا لن يؤذيه أبداً، طالما أنه يُعبّر عن نفسه تماماً كما يُحب.

أليست جائزة لنا أن نشاهد المالح هكذا؟ طبعاً، هذا جيد لكي نعرف الكثير عما دار في خلد ثقافتنا السياسة وطبيعة شخصياتها.

الاحتجاج النسوي جيد وحُر وحقيقي في وجه المالح ونقده لحرية الآخرين والمرأة عموماً. لكن ما يبدو أقسى علينا، أن يكون المالح جاحداً إلى هذا الحد، ومريضاً وقاسياً. في المقابلة ذاتها، عرفنا أيضاً أن المالح، حينما يملك ابنة من الحياة يكون رجاء الأهل طويلاً. يؤكد على الرجاء الآتي نحوه لقبوله تلميذاً. هذا الرجاء البدئي، ذو الطابع الديني، يُشير إلى شخصيته تماماً، هذا ليس رجاء لنبي بالطبع، لكن عليه أن يظهر هكذا.

توكيد الرجاء نحوه مثير للضحك والسخرية في آن معاً، ومهين لذوي رزان الذين وثقوا فيها ولم يترجوه بالطبع. وقد نسى أنه يتحدث عن أهل مفجوعين بابنتهم، فكانوا يستحقون رجاء المسامحة والمحبة والحنو لأوضاعهم، مثل آلاف الأمهات والآباء، بدلاً من وضعهم في موقع الرجاء لأي أحد.

الراعي المستبد الأسدي لا يختلف في أي شيء عن هيثم المالح، الفارق الوحيد أن الأسد يملك دلائل توكد شخصية الراعي التي فيه، أما المالح فيهذي هذا كله من دون أي واقعٍ يجعله يملك نظاماً رفضياً وحاسماً.

المدن

——————————–

هيثم المالح مختار سورية/ عمار ديوب

كان المحامي السوري المعارض هيثم المالح (90 عاما)، مسترخياً إلى الحد الأقصى في أجوبته عن أسئلة الصحافي شعبان عبود على شاشة “تلفزيون سوريا”؛ كان نرجسياً. لم يحاصره الأخير جيّداً بالأسئلة. حينما سرد أخباراً عن احتجاجات النقابات في 1979 في سورية، تلك الاحتجاجات التي لا يعلم عنها السوريون كثيراً، كنّا ننتظر إعطاءه مزيدا من الوقت، ليسرد بتفصيلٍ قصة النقابات التي جاهرت برفضها سياسات النظام الشمولي. عكس ذلك، وكأنّ الحوار يتقصد الإحاطة بالرجل وليس بالتاريخ الذي نشأ فيه، وعارض النظام، وصنع شخصيته عبر ذلك؛ تلك الشخصية، التي ينتقدها معارضون سوريون كثيرون بشدة على خلفية الحوار على “قناة سوريا الفضائية” المعارضة، إذ ظهر الرجل أنانياً، ومتعصّباً و”رجعياً” في المسائل الاجتماعية، وهناك من ألصق به تهماً بالجملة، وذلك ليس من الحق بشيء.

ككل الحداثيين، لا يمكنني قبول رؤية المالح عن موقع المرأة ولباسها وزواج الصغيرات وضرورة مراعاة التقاليد المجتمعية القديمة والدينية، ولن أقول البالية، وهذا برأيه سبب لاعتقال الناشطة الحقوقية رزان زيتونة، وربما تبرير لقتلها! ولكن حينما يدافع الرجل عن هذه القضايا، لا يمكنه أن يتبنّى قضية المواطنة المتساوية للأفراد. “شيخ الحقوقيين” هنا يسقط في مادة الدفاع عن الحقوق، بما هي غير قابلة للانتقاص والتمايز بين الأفراد ولأي سببٍ كان. الحقوق في العالم المعاصر تنطلق حصراً من مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان، والإقرار بأوسع شكلٍ من حقوق المرأة وليس العكس. الكلام بخصوص تعليقات هيثم المالح على الناشطة البارزة، رزان زيتونة، على يد جيش الإسلام، حين كان هذا يبسط سلطته على مدينة دوما، ويتحمّل مسؤولية اختطافها مع رفاقها. انتقد هيثم لباس رزان وعدم مراعاتها المجتمع، وحرّف في روايته عن تركها مكتبه كمحامية، وقد أظهر الباحث السوري علي العبدالله رواية مختلفة، ونشرها على صفحته في “فيسبوك”، ويوضح فيها أن المالح لم يقل الحقيقة، وكان موقفه رديئا مع رزان، ومع منظمة حقوق الإنسان التي كان يرأسها، ويستضيفها في مكتبه.

لم تتجاوز أجوبة المستضاف على الشاشة في حواره جوانب من تاريخه الشخصي، وكأنّه ينافس حافظ الأسد على صناعة سورية منذ قبل السبعينيات، حين كانت بعض اللافتات والجداريات تتحدّث أن الشعوب تَصنع التاريخ، بينما حافظ الأسد يصنع تاريخ سورية. هيثم المالح، وآخرون ينسجون على النول نفسه. عبر ذلك، يصبح هيثم الحقوقي الأوّل الذي يعلن إضراب نقابة المحامين في 1979، وأول من يُندّد بمنظمة طلائع “البعث”، ويرفع قضية ضد الدولة، وأهم شخصية تجوب الأرض، شرقاً وغرباً، لإخراج المعتقلين من السجون. سمّى نفسه مختار سورية في أثناء الحوار، إذ لا يمكن لسفيرٍ أو شخصية أجنبية مهمة أن تأتي إلى سورية من دون أن تزوره، وكأنّه الرئيس الظل! وتأخذ منه الحقائق الدقيقة عن أوضاع سورية.

لم يتطرّق شيخ الحقوقيين، كما سماه بعضهم، إلى مشكلات المعارضة، وقد كانت له وظيفة رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وله كتلة وجماعة في المعارضة. ويقال أيضا، والله أعلم، إن مبالغ مالية طائلة وصلت إليه بشكل غير شرعي، ولكن ليس من تحقيق صحافي استقصائي ودقيق يؤكد هذا أو ينفيه. رجلٌ في هذا الموقع، ولديه كل تلك الخبرات القانونية والعمر الطويل والخبرة السياسية، وقد كتب مذكراتٍ عديدة بعثها إلى الرئيس بشار الأسد، قبل الثورة، لإيقاف تغول الفساد والتدخل بعمل القضاء وكفّ أيدي الأجهزة الأمنية، ويغيب عنه أن يقدّم نقداً للمعارضة، ولا سيما أن نقدها لم تعد تقوله شخصيات رافضة لمؤسسات المعارضة بعامة، بل أصبح النقد ينطلق من شخصياتٍ لعبت دوراً أساسياً فيها، كالمرحوم ميشيل كيلو، وموفق نيربية، وبرهان غليون ومئات المعارضين، والذين يقولون جميعهم إن كل مسارات المعارضة كانت فاشلة، ويجب أن تتنحّى، أو تحلّ نفسها أو يعاد تشكيلها على أسسٍ جديدة. إن وصول شخصياتٍ كأنس العبدة، الذي تشيع عنه أقوال عن ارتكابه اختلاسات مالية ومنذ إعلان دمشق! أو نصر الحريري إلى قيادة “الائتلاف” وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، ما هو إلّا الباب الواسع لفهم فشل المعارضة؛ فهل يراهم المالح أهلاً لتلك المناصب، وإذا كان لا فلماذا لم يتكلم، وإذا كان نعم، فبؤس عقليته القاصرة والانتهازية تلك.

هناك مسائل يُنتقد عليها هذا المالح، كما حاول التوصيف أعلاه، ولكن لا يجوز المسارعة إلى وصفه بالعمالة، فهذا ليس نقدا، ولا سيما أن هذا كلام غير مقرون بوثائق. النقد لدى السوريين يتخذ صيغاً توحشية في أحيان كثيرة، وهذا لا يليق بشأن من ظلمهم هيثم المالح، ولا يسمح بمداخل جديدة للحوار أو للبحث عن قواسم مشتركة بين السوريين.

قيل للرئيس جمال عبد الناصر، حينما كانت سورية ومصر تتّحدان، إنك ستواجه شعباً صعب المراس، يرى نفسه في مصافّ الأنبياء والنوابغ وسواهم. أجوبة المالح في “تلفزيون سوريا” كانت في هذا السياق. ولكن تلك صفة عامة لدى السوريين، وهي صفة لها جانبان خطران، فمن ناحية قد يرى المرء نفسه في منزلة “إله” وقد يعامل نفسه كعبدٍ مع الآخرين؛ وهذا ما رأيناه في سلوكيات كتل كبرى في المعارضة ضد النظام، وفي التعامل مع دول وشخصيات وازنة في الخارج. السوريون معنيون بالتخلص من أمراض نفسية كبرى، وهي تتضخّم مع الهزائم. وينطلق صاحب هذه المقالة في كلامه هذا من كوارث أصبحت عليها سورية، بينما قادة في المعارضة أو النظام لا يتحسّسون ذلك، ويتابعون ممارساتهم وكأن شيئاً لم يكن؛ لاحظ مباركاتٍ من شخصياتٍ مُعارضةٍ لأنس العبدة أخيرا، وقد جُدد له في قيادة هيئة التفاوض، ولن أُشبّه هؤلاء بالمباركين لبشار الأسد وقد جُدّد لرئاسته، فالأخير يحكم بلداً، بينما أنس العبدة لا أحد يعلم ماذا يفعل بالضبط.

يستهين “شيخ الحقوقيين” بالمعارضين والمحامين الذين عملوا معه أو دافعوا عنه، فيما يفترض أن يجعله تقدّم سنّه مخضرماً بحق، ويعطي صفاتٍ دقيقة، سلباً أو إيجاباً، إزاء هؤلاء المعارضين “الرفاق”، ويعمل من أجل تأسيس شراكةٍ كبرى مع محامين آخرين، من أجل صياغة أفكار وقضايا ومسائل قانونية يستفيد منها السوريون، وقد أصبحت بلادهم على الأرض، وهم في كل جهات الله، ومن في الداخل يعاني كل أنواع الشرور والمظالم والتعاسة.

ليس من التفكير الديمقراطي بشيءٍ الاعتراض على إجراء الحوار مع هيثم المالح أو سحب المقابلة معه! الصواب الآن أن تُوجَّه له مذكرة قضائية، حيث أبدى ملاحظة تفيد بأنه التقى بعنصرٍ من “جيش الإسلام”، وقال له إن هذا الجيش هو الذي قتل رزان زيتونة ورفاقها. كذلك يجب تفنيد آرائه بشأن قضايا كثيرة، وهذا لا يحدث بإسكاته، بل بالحوار معه، ونقد أفكاره؛ حين يفعل ذلك السوريون يبدأون برؤية بعضهم بعضاً، والتحدّث وصياغة رؤى ومشاريع وأفكار للنهوض ببلادٍ، يرى كثرٌ أنّها لم تعد بلداً واحداً.

العربي الجديد

—————————–

هيثم المالح إذ لا يفاجئنا/ إيلي عبدو

استكمالاً لعرض النرجسية، قال المالح “أنا مختار سوريا”، ما يعني أن الرجل ينظر إلى سوريا بوصفها قرية، وفي القرية، تصعد علاقات القرابة والقيم المحافظة التي أخذ “شيخ الحقوقيين” على رزان زيتونة عدم التزامها بها، ما تسبب باختطافها.

لا يبدو ما صرّح به “المعارض” و”الحقوقي”، السوري هيثم المالح، بحق الناشطة المغيبة رزان زيتونة، مثيراً للاستغراب. فـ”شيخ الحقوقيين” كما يُلقب، والذي برر، بذكورية واستعلاء، في مقابلة تلفزيونية، اختطاف زيتونة بشكل غير مباشر، بقوله إنها لم تراع خصوصية المنطقة المحافظة التي كانت فيها، راكم فعلياً تجربة حقوقية، تتعلق بالنزاع مع النظام، بمعنى أن تجربته في ما يخص حقوق الإنسان، لم تتطور لتشمل حساسيات أخرى تتعلق بالنساء والمثليين والسود والعنصرية والأقليات، بل بقيت محصورة بالمعتقلين السياسيين. ما جعل النشاط الحقوقي عند المالح، نضالياً معارضاً، له هدف محدد بمواجهة النظام.

الناشطة السورية رزان زيتونة

صحيح أن الأخير مسؤول، بفعل إغلاق الفضاء العام، عن إفقار الفعل الحقوقي السوري، وحرمان العاملين فيه، من إدراك مختلف الحساسيات، لكن أيضاً، صعوبة ممارسة الفعل الحقوقي بوصفه اختصاصاً ساهم باختلاط السياسي بالحقوقي، ما أضر بالمجالين معاً، خصوصاً أن السياسة في سوريا تمارس خارج شروطها، مع وجود معارضين يساريين وإسلاميين، تعاملوا مع السياسة باعتبارها اعتراضاً على السلطة فقط، وليس بوصفها قيماً وتسويات وتحقيق مكاسب وخروجاً من المعادلات الصفرية، وهو ما تبدى بوضوح عقب الانتفاضة من خلال أداء هياكل المعارضة التي تم تشكيلها وكان المالح حاضراً في معظمها. 

من هنا فإن “شيخ الحقوقيين” هو نتاج، اللاحقوق واللاسياسة، أي الفوات في التعامل مع الأمرين في سوريا، خلال الاستبداد وبسببه، وخلال محاولة التخلص منه. وبعض السوريين الذين لم يجدوا في كلامه أي مشكلة، يتشاركون معه على الأرجح في الانتماء لهذا الفوات. وإن كانت ممارسة العمل الحقوقي بإهمال حساسيات شتى، وحصره بالنضالية ضد النظام، يسفر عن تصريحات ضد زيتونة، مثل التي سمعناها من المالح، فإن ممارسة السياسة خارج شروطها يؤدي إلى عدم مراكمة أي نتائج تعود بالنفع على المعارضين. ويمكن رصد الكثير من الأدلة، على ذلك، خلال المقابلة مع المالح، لا سيما قوله إنه ضد التدخل العسكري الغربي، وما يريده هو محاصرة النظام سياسياً، معتبراً إسقاط نظام صدام حسين في العراق “جريمة”.

إن “شيخ الحقوقيين” هو نتاج، اللاحقوق واللاسياسة.

وانعدام السياسة والحقوق، يتم تعويضه بنرجسية لا مثيل لها. فالمالح، على ما قال، “هو فارس لا يشق له غبار”، والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك أكد للنظام أنه (المالح) ورياض الترك خطان أحمران، وفي دوما هتف باسمه 150 ألفاً، ولم يكن ديبلوماسي غربي يزور سوريا إلا وكان يزوره في مكتبه في دمشق، وعند طلب أحد ضباط الأمن منه الحضور للتحقيق، رفض وأجابه، “إن كنت تريدني تعال إلي”، حتى عند اعتقاله، لم يشر إلى أي إهانة، بل تم تكريمه في غرفة فيها مكتب.

واستكمالاً لعرض النرجسية، قال المالح أيضاً “أنا مختار سوريا”، ما يعني أن الرجل ينظر إلى سوريا بوصفها قرية، وفي القرية، تتراجع السياسة وتصعب ممارسة الفعل الحقوقي، وتصعد علاقات القرابة والنسب وصلات الدم والقيم المحافظة التي أخذ “شيخ الحقوقيين” على زيتونة عدم التزامها بها، ما تسبب باختطافها. وفي القرية، يتحدث المختار عن “بطولاته” في مجالسه بحضور الأعيان والوجهاء، وكأنه في مقابلة تلفزيونية.

درج

——————————

من الحريري إلى هيثم المالح مروراً بـ”مسد”/ عمر قدور

بعدما انشغل السوريون خلال الأسابيع الماضية بانتخابات بشار وبالأخبار البائسة القادمة من أماكن سيطرته، أي بمهزلة الانتخابات ومأساة المحكومين، أبت المعارضة إلا أن تأخذ حصتها من الأضواء مختزلة بأدائها المهزلة والمأساة معاً، ثم لم يتأخر مجلس سوريا الديموقراطي “مسد” عن اللحاق بها، بل اقتفاء أثرها تماماً. ليس هذا اتهاماً للمعارضة أو مسد بخدمة الأسد من خلال أدائهما، فكل جهة منهما “بهيئاتها وأفرادها” تنضح أولاً بما فيها، وقد يصادف أن تخدم الأسد أحياناً، وقد لا يحرجها تقديم الخدمة أحياناً أخرى.

غداة قصف مستشفى الشفاء في عفرين، قبل عشرة أيام، وجه نصر الحريري رئيس ائتلاف المعارضة رسالة إلى الرئيس التركي طالباً منه التدخل العسكري “إلى جانب الشعب السوري والجيش الوطني من أجل طرد ميليشيا PYD من مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب وكافة المناطق السورية”. مع التذكير بأن إصابة المستشفى لم تأت بقصف عشوائي، بل أتى القصف مركزاً على دفعتين، جزم رئيس الائتلاف بمسؤولية قسد عن الهجوم القادم من جهة تتمركز فيها قسد وقوات الأسد وقوات روسية، وخلال ساعات كان قادراً على استبعاد أي احتمال آخر، وعلى استبعاد المطالبة “الشكلية واللفظية طبعاً” بتحقيق مستقل وكأن لديه أجهزة تحقيق تتفوق على تلك الموجودة لدى دول متقدمة تتريث عادة قبل إلقاء الاتهامات.

لم يشبع نصر الحريري من الحرب، وهو يطالب بطرد قسد من كافة المناطق السورية مع معرفته بالثمن الباهظ على المدنيين من تصعيد عسكري ضخم وشامل، بل إن الملايين الموجودة في مناطق يسيطر عليها ما يسميه الجيش الوطني مهددة بالمجاعة، وقد يعطّل الفيتو الروسي استمرار دخول المساعدات لإغاثتها. والحريري، بدل مخاطبة الأمم المتحدة لشرح تلك المأساة المنتظرة، يوجه “مذكرة قانونية” إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تبدأ بما هو معلوم عن مقتل متظاهرين في منبج على أيد “الأسايش” التابعين للإدارة الذاتية وباتهامه قسد بقصف مستشفى عفرين، لتمضي المذكرة في سرد انتهاكات الإدارة والمطالبة بإقصائها مع العمل على حماية حقوق السكن والملكية للغائبين وضمان عودة اللاجئين وإلغاء الممارسات العنصرية والتمييزية وإدارة المنطقة من قبل أبنائها.

رسالة مماثلة لتلك أرسلها الحريري إلى الرئيس الأمريكي الذي تدعم قواته قسد في مناطق الجزيرة السورية، وما يميز هذه الرسالة عن نظيرتيها الحديث عن فشل قسد في “الحرب على الإرهاب” وإبداء استعداد الائتلاف لتولي المهمة. في المحصلة نحن إزاء تحرك قل نظيره من قبل رئيس الائتلاف، وهو في رسائله يستخدم لغة لا نبالغ إذا وصفناها بالأسدية. إنه يجرّم وكأن ما يقوله يصبح حقيقةً على نحو تلقائي، ويفترض أن اتهام قسد ومسد بالانتهاكات يبرئ تلقائياً ساحة الائتلاف والفصائل المتحالفة معه من اتهامات مماثلة إن لم تفوق الموجهة للإدارة الذاتية. إنه يتحدث باسم السوريين! من دون حتى وجود ديموقراطية شكلية تبيح له التحدث باسم مناصري الثورة لا باسم السوريين جميعاً. وهو بما يبيحه لنفسه ولائتلافه “بكل جرأة” يطالب بكل ما لا يقبل به لأهالي عفرين، من حماية حقوق الغائبين وضمان عودة اللاجئين وإلغاء الممارسات التمييزية وإدارة المنطقة من قبل أبنائها.

بدايةً، نفت قسد مسؤوليتها عن القصف الذي طال المستشفى، مع تلميح يُفهم منه مسؤولية القوات الروسية عنه، إلا أن مجلس سوريا الديموقراطية “مسد” سيستدرك النفي بعد أربعة أيام بإصدار بيان معاكس تماماً لبيان الحريري. بيان مسد يتهم الفصائل التابعة لأنقرة باستهداف المستشفى لتوجيه الاتهام إلى قسد، ثم يسترسل في سرد انتهاكات تلك الفصائل على نحو مقلوب مما ورد في بيان الائتلاف. والبيان يكرر ما أصبح معتاداً في حالات مشابهة، مثلاً إذا ضربت سيارة مفخخة منطقة تابعة لتلك الفصائل فتلك الفصائل هي المجرمة التي فخخت السيارة لتضرب مناطق سيطرتها، وإذا ضربت سيارة مفخخة مناطق سيطرة الإدارة الذاتية فالفصائل بالطبع هي التي أرسلتها. الرواية المعاكسة تماماً نراها في الطرف المقابل، فكل طرف يقدّم نفسه بريئاً من كافة الجرائم، بينما الطرف الآخر يرتكبها جميعاً بما فيها الجرائم التي يتضرر منها!

يلفت الانتباه بقوة تحاشي اتهام قوات الأسد من قبل الطرفين، نصر الحريري في رسائله الثلاث كان يبرئ تلك القوات ونظيرتها الروسية بتأكيده على تجريم قسد، وبيان مسد يزايد عليه بالبذاءة في هذه النقطة، فهو ينكر مصدر القصف “وهي رقعة لا تتواجد فيه قسد لوحدها”، ليتهم الفصائل الموالية لأنقرة بالقصف. وإذا كانت الاتهامات سهلةً وسهلة التصديق عندما يتعلق الأمر بسيارة مفخخة، أو بإطلاق محدود للرصاص، فإن اتهام جهة بقصف مناطق سيطرتها عمداً أمر خارج المعقول، إنه يذكّر برواية نائبة بشار الأسد عن قيام فصائل الغوطة بقصف مناطقها بالسلاح الكيماوي. يبقى أقرب إلى الفهم تجنب قسد ومسد اتهام قوات الأسد، فالمنظومة بأكملها لم تعلن يوماً نفسها بمثابة ثورة عليه، بل يربطها تحالف معه في مناطق غرب الفرات، بينما ينحصر تحالفها مع واشنطن في شرق الفرات بمحاربة داعش فقط، لذا فإن ما يثير الاستغراب أكثر هو تحاشي الائتلاف اتهام قوات الأسد، الاستغراب الذي يزول إذا أخذنا في الحسبان أولويات أنقرة وهواجسها الكردية.

غير بعيد عن أجواء المعارضة، استضاف تلفزيون سوريا هيثم المالح، الذي لا ندري من أطلق عليه لقب شيخ الحقوقيين، ولا يُعرف له إسهام يستحق الإشارة طيلة تسلمه رئاسة المكتب الحقوقي في الائتلاف. لدى المالح ذاكرة يُغبط عليها وهو الشيخ التسعيني، إذ يسترجع غيباً أبيات شعر ألقاها قبل سبعين عاماً، لذا لا يمكن ردّ الكثير مما قاله إلى غياب التركيز. وهو لن يبخل على المشاهد بعبارات من نوع: أنا فارس يا أخي.. أنا لا يُشقّ لي غبار. أو يصف نفسه بصاحب الحضور على مستوى الديبلوماسيين “قبل الثورة”، حيث لم يأت ديبلوماسي زائراً سوريا إلا وزارني في بيتي أو مكتبي، ويقولون من لا يرى (يلتقي) هيثم المالح لا يعرف شيئاً عن سوريا، يعني أنا مختار سوريا. أنا صخرة كبيرة لا أُبلع معهم؛ هذه عن الأسد ومخابراته. ثم يصف حضوره مع انطلاق الثورة: في دوما، 150 ألفاً هتفوا باسمي.

سيستدعي الحوار الذي أجراه شعبان عبود مع المالح ردود أفعال غاضبة بسبب طريقته في التحدث عن رزان زيتونة التي تشير أصابع الاتهام إلى جيش الإسلام في قضية اختطافها مع سميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي، فهو على الأقل كان نرجسياً وبلا رحمة عندما تحدث عن خلافه معها الذي أدى إلى تركها العمل كمحامية في مكتبه، وظهر بلا حساسية عندما ذكر فرضية مقتلها، والأسوأ أنه كان يلومها بذريعة تحديها للمجتمع ويأتي بالمثل القائل “إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم”، المثل الذي يحتم على أيّ كان أن يحلب في إناء الأقوى والمسيطر. فلماذا إذاً لم يبقَ السوريون على عهدهم يحلبون في إناء الأسدية؟        

من المعتاد وصف المأساة السورية بأنها مأساة القرن الحالي، وقلة عبر التاريخ من فعلوا ما فعله بشار الأسد. لكن المقتلة السورية لا تنفي وجود العديد من الشعوب “في منطقتنا على نحو خاص” المنكوبة بحكامها، الشعوب التي تتطلع بأمل إلى البديل، ولو كان ذلك الأمل غامضاً أو ضئيلاً. مصيبتنا السورية، متكاملة الأركان، هي في وجود سلطات أمر واقع خارج الأسدية تطرح نفسها كبديل، سلطات لا تفعل سوى التنكيل بآمال السوريين وزرع اليأس في نفوسهم من كل بديل.

المدن

————————–

(هاي بنتي بدّياها).. حول هيثم المالح ورزان زيتونة والحشمة السورية/أحمد جاسم الحسين

تدرك هذه القراءة أنه سيتمّ تلقيها بالكثير من التنميط المسبق في لحظة الغضب السوري والشعور بالخيبة، وعدم الجدوى، وما أكثر هذه اللحظات! خاصة أن القراءة المتعجّلة أو الاتهامية أو المسبقة حاضرة بقوة في المشهد السوري عامة، بل إنها باتت إحدى سمات المجتمع، إذ تُرْتَكب في ضوئها الكثير من الجرائم الجنائية سنوياً، نتيجة الركون إلى اليقين المسبق، والاعتقاد بامتلاك الحقيقة، أو النظر المتعجل إلى ظاهر الأحداث!

لكن لا بدّ لنا من أن نحاول إعادة قراءة الشأن السوري العام وقضاياه بشيء من الموضوعية، والتروي، والعقلنة، والهدوء، وأن نقبل بعضنا كسوريين مناصرين لقضية الحرية، وفي الوقت نفسه، مهزومين مرحلياً، نتيجة ظروف داخلية وخارجية، وإن لم نقبل بعضنا البعض! فكيف لنا أن نطلب من العالم أن يتفهم وجعنا، ويناصر قضيتنا، ونحن لا يتفهّم كلّ منا الآخر، واختلافاتنا ومرجعياتنا؟

كرّر هيثم المالح، مرات عدة، في حواره مع تلفزيون سوريا عبر برنامج الذاكرة السياسية، أنه طلب خلال لقاءاته السابقة بكل من زهران علوش وإسلام علوش والعميد زاهر الساكت الكشف عن مصير، بل إعادة رزان زيتونة من خلال قوله: (هاي بنتي بدّياها)!

لم تشفع له كل هذه النداءات الأبوية التي أطلقها من قبل، من خلال تلك الجملة واضحة الدلالة، التي تحمل على المستوى اللغوي إيحاءات إضافية سورية أبوية: (هاي بنتي بدّياها) وفيها من الأبوة والحرص والمشاعر السورية النبيلة ما فيها، ولم يؤخذ بعين النظر وصفه لها بأنها نشيطة ومتميزة، وذكية، بل تمت إعادة عقارب الساعة من قبل كثيرين (بينهم الموضوعي، والباحث عن الحقيقة، ومنهم كذلك المتصيد والكاره والإلغائي) إلى لحظة سردية انتقامية، أقدم من ذلك بعشرين عاماً لا تحمل تلك المشاعر أو اللغة!

فالقراءة الاتهامية الإيديولوجية المسبقة هي الأكثر حضوراً في الساحة السياسية السورية اليوم والمرحّبُ بها، وقد خطف تسيّدها الحوارَ المهم، المتضمَّن معلومات كثيرة عن الواقع السوري، نحو كلمات قالها ضمن سياقاتها وفقاً لما يلي كما ورد في الحوار الذي يمكن الاطلاع عليه مصوّراً على موقع تلفزيون سوريا:

– (نعم، رزان زيتونة، جاءني خالها من آل الحموي، وجاءني مروان الحصري محام معه، وترجّوني أقبلها مُدَرَّبة في مكتبي.

وكان عمرها نحو 22 سنة وكانت خالصة حقوق، صبية صغيرة يعني، طبعاً إجو هنّن، يتوسطوا باعتبار مظهرها هي شوي متحررة، أكثر مما ينبغي، مش مثل بيئتنا لأنه أنا بيئتي متدينة، فقبلتها وقلنالها: أهلاً وسهلاً)

أو إلى قوله في إطار التحليل والتوصيف:

 (رزان زيتونة هي إنسانة ذكية وبتفهم وتعرف تشتغل ولكن عندها ردود فعل غير محسوبة).

وفي إطار التعليق على انفجار شرارة الخلاف بينهما في الحادثة الشهيرة (سردياً) المتعلقة في حرصها على حضور محاكمة أكثم نعيسة كأولوية بما أنها عضو مجلس إدارة في جمعية حقوق الإنسان، وليس متابعة قضايا مكتب المحاماة الذي تعمل به كما يروي المالح نفسه.

لم ينفع “المالح” تسويغه أنه ليس لديه بديل في ذلك اليوم، ليتابع قضايا مكتبه في القصر العدلي، (بحسب علمي يمكن تأجيلها)، تم تغييب التداخل ها هنا بين عمل رزان زيتونة في المكتب كمحامية، والعمل كناشطة في جمعية حقوق الإنسان، حيث جرت الحادثة التي فجرت العلاقة، وكشفت عن أسباب الخلاف العميقة، في رؤيتين تشكلان جزءاً من أطياف المجتمع السوري، ونبهت إلى وجود تيارين ينشغلان بتمثيل لجنة حقوق الإنسان، والرغبة بالتمايز عن بعضهما في إطار الحراك السوري للمجتمع المدني المقموع.

 ها هنا يمكن الحديث عن آليتين في التفكير ومقاربة الحادثة:

    آلية تعتقد أن التزامات العمل أولوية، وفقاً للمالح.

    آلية تعتقد أن النشاط المدني ومتابعة حقوق الإنسان أولوية وفقاً لما روي عن رزان زيتونة.

 في مفهوم القراءة الأخلاقية ستنتصر قراءة رزان وآليتها، التي سيردّ عليها المالح بأنه هو الأولى أن يحضر، وبالتالي هو موكَّلٌ مع فريق آخر من المحامين، ويكفي ذلك، وليس من داع لحضور ناشطة تعمل في مكتبه.

وفي مفهوم قراءة سوق العمل وضرورة الالتزام بالواجبات الوظيفية وأولويتها سترجح كفة المالح، الذي يتمثل في هذا السياق بإطار المدير المالك.

بالتأكيد في سياق العمل عند محام يرأس لجنة حقوق الإنسان من المهم كذلك أن تنتصر القراءة الأخلاقية، خاصة أن خلف الأكمة ما خلفها بينهما في تلك الفترة، وفقاً لسرديات المتابعين والمطلعين على تفاصيل العلاقة المهنية والشخصية بينهما.

يتابع المالح في إجابته عن أسئلة الصحفي شعبان عبود عبر حوار الذاكرة السياسية في تلفزيون سوريا القول:

((من حيث المبدأ أخي الكريم رزان زيتونة متل ما قلت هي ذكية ونظيفة، ووطنياً نظيفة، لكن ردود فعلها غير محسوبة وتقوم بردود فعل، أحياناً تسيء)).

وفي إجابة عن سؤال أخر:

((شوف أخي الكريم هي موجودة في بيئة محافظة، وهي لا تهتم إنه المحافظين لازم نراعيهم، ونحنا عندنا مثل نحن العرب: إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم، هي في الحقيقة عندها شيء من التحدي للبيئة)).

وهل رزان زيتونة امرأة قارّة، مستسلمة، ساكنة، مهادنة؟ وهل هي كذلك منذ اللحظة الأولى لعملها في المكتب؟ كيف بقيت خمس سنوات تعمل في المكتب ولم يتمّ التنبّه لهذا الأمر؟

كل ثائر ومن يريد أن يقدم شيئاً مختلفاً سيحارب المجتمع ويتحداه، هذا شيء يحسب لها، وقد كان المالح موضوعياً في جوانب من التوصف من جهة فكرية.

لدينا كذلك في هذا السياق رؤيتان: رؤية ناعمة محافظة تجد في المسايرة طريقاً للتواصل مع المجتمع وإحداث أثر فيه. ووجهة نظر أخرى تأخذ من تحدّيه وتكسير بناه الجامدة الحل الأمثل، ليس الموضوع ها هنا حكم أخلاقي أو حكم قيمة، بل طريقة تفكير ومفاهيم وفلسفة حياة.

ثم يأخذ المذيع، في لحظة إغراء صحفية، ضيفه للحديث عن الاحتشام واللباس وهل هو السبب، أم أن السبب هو أنها تقدم معلومات هائلة إلى الخارج عما يحدث في سوريا عن الوضع، وهناك جهات متضررة، فيردّ المالح بالقول: (كل الاحتمالات مفتوحة! أنا لا أقول هذا فقط) وكي يسوغ رأيه وقناعاته يحاجج من خلال استعمال سردية من مشهد الخوف السوري، التي يلجأ إليه سوريون كثيرون

((لكن أقول: اليوم في بيسمّوهن بـ المتشددين أو الإرهابيين أو الذين يكفرون الناس إنْ كنت بيناتهن ضروري تقوللهن: إنكم زبالة، إن قلت لهم زبالة بيقتلوك!

في أُسس للعمل، يعني حتى وين ما كنت موجود، يعني ما بيصير المجتمع أنت تتحداه بالكامل، هذا أمر مُسَلَّم فيه يعني، وهذه عادات، مش موجودة ببلادنا بس، بل بالعالم، يعني أنا قد يكون، أنا لا أقول هذا، بس قد يكون، باعتبار الموضوع في دوما، لو كان الموضوع في مكان آخر!))

يتحدث المالح فيما ورد أعلاه عن منهجية بالتعامل، تفرضها الخبرة، أو التجربة، أو الطباع، أو التربية، أو مفاهيم الحياة، لا تلغي الرؤية الأخرى، رؤية التحدي والمواجهة.

لكنها تعتقد أن المسايرة إحدى طرائق العيش المشترك، مع المجتمعات المحافظة ويمكننا أن نتذكر في هذا في هذا السياق ملاحظاتنا نحن السوريين على محافظة معينة أو مدينة أو عائلة وإدخال مفاهيم الشجاعة والجبن وسوى ذلك، ولا أريد أن أذكر أمثلة لأن كل قارئ لديه ما يكفي من الأمثلة، حول تلك الفكرة من تجربته الحياتية.

القراءة الاتهامية عينٌ ورؤية شائعة لا يمكن التغاضي عنها في الساحة الاجتماعية السورية، بل هي محدِّدٌ من محدِّدات الشخصية السورية، وبدا توظيف التلقي لوصف المالح رزان زيتونة بأنها تتحدى المجتمع في عدد من خياراتها عاملاً سلبياً، تمّ خطف (السكبة من رأس الطنجرة)، دون الانتباه إلى أن المالح قرأ شخصيتها بطريقته، وهذا حقه في القراءة ما دمنا نختلف في المرجعية معه.

الكثير مما قاله المالح عنها، وما فعلته رزان ذاتها من طريقة في الحياة يقع في إطار الحق الشخصي والخيار الفكري في التوصيف، تبدأ المشكلة حين تحدث إساءة لفظية أو غبن أو ظلم، وهذا ما اختلف عليه المتابعون.

نعيب على المالح وننتقده ونلومه أشدّ الانتقاد في حال ظنّ أن قراءته هي الوحيدة الصحيحة، أو أننا يجب أن نرى من منظاره نفسه، أما في سياق التعدد، فتلك قراءة سورية من جملة قراءات، لها الحق في الوجود جميعها، ندحض المخطئ منها بالدليل والنقاش والحوار وليس التسفيه والتجييش والتنمر والإساءة.

لذلك نؤكد ثانية أن وصف المالح لـ زيتونة بتحدّي المجتمع توصيف دقيق وثوري وهو لها وليس عليها بقراءة أخرى، وهل من يمشي مع سياقات المجتمع سيثور ويقدم روحه للثورة؟ الثائرون وحاملو رايات التغيير في العالم غالباً يتحدون السياقات الاجتماعية، تلك ليست مثلبة لتنتشر محاولات التسويغ لمواقف رزان وأنها لا تتحدى المجتمع! وأمام هذا الاستعجال فقد تمّ جرّ الحوار مع الرجل واجتزائه نحو مظانّ لم يقلها، وتدخل في سياق الشائعات أو سواها، وبات كثيرون يتحدثون عن أسرار يعرفونها حول علاقة هيثم المالح برزان زيتونة لكنهم لم يفصحوا عنها من قبل!

الحِشمة السورية

كثيرون منّا يحملون في ذاكرتهم الكثير من الاختلاف حول المفاهيم والحشمة ونوع اللباس تبعاً للمرجعية التي تحدّد مسار حياتهم، وكلّ من دفع ثمناً ما، أو تعرض لنقد ما نتيجة اختلاف المفاهيم للباس أو سواه.

لماذا ننكر أحاديثنا السرية والنميميّة؟ وتقييماتنا لبعضنا كسوريين: هل نذكّر بعضنا بحالة الإنكار؟ هل نتذكر ما تقوله الكثير من المحجبات عمن تلبس النقاب؟ أو من لا تضع الحجاب عمن تضعه؟ أبناء المحافظات عن أبناء المحافظات الأخرى؟ أو أبناء حارات عن أبناء حارات أخرى؟ أو أبناء عوائل عن أبناء عوائل أخرى؟ أو أبناء طوائف عن أبناء طوائف أخرى؟

يقول صديق، زوجته تنتمي إلى طائفة سورية أخرى: إن مثقفين بارزين سألوه مرات عدة: هل صحيح أن طائفة زوجته لديهم يوم مفتوح للجنس السنوي؟ تطفأ فيه الأضواء؟ هل ردّ عليهم الصديق بالتخوين والقصف أم حاورهم بالمعرفة والمعلومة؟ هذا سوريّ يتحدث عن سوريين، ويقول صديق آخر إن سوريين آخرين يسألونه إن كان أهله يسكنون في الخيم؟

لنقولها بصراحة: نحن السوريين نجهل بعضنا، ونحمل الكثير من المعلومات المغلوطة عن بعضنا تقودنا عصبيات الانتماءات للجغرافية والعشيرة والطبقة والحي والطائفة والدين والمذهب.. لذلك تعجبنا التعميمات وتريحنا التصنيفات الجاهزة، وحدها الثورة الجميلة السورية هي التي عرفتنا إلى بعضنا البعض، وجعلتنا نكتشف الكثير عن عاداتنا وتقاليدنا وطباعنا وأخلاقنا ومشتركاتنا..

من نافل القول التأكيد على أن المثقف والحقوقي والثوري يجب أن يبحث أكثر وأكثر عن المشتركات، وعليه أن ينتبه إلى وقع كلماته ووزنها، وأن يكون معجمه واضحاً، وأن لا يتبنى مقولات من لا يعرفون أو غير المتعلمين، أو الراغبين بالتعمية، وأن يصحح الخطأ وأن يكشف للآخرين المشترك معهم، وأن لا يكون عامل هدم، صحيحٌ أن المالح كان حذراً إلى حدّ ما، وبدا أنه حريص على انتقاء كلماته بعناية، لكن خصوصية وضع رزان وتغييبها وعدم وجودها قد فتح الباب لتأويلات عدّة أخرى.

المشكلة ربما ليست ها هنا، المشكلة في جانب من جوانبها أننا نؤمن بالتطابق وامتلاك الحقيقة واليقين وأن الاخر يجب أن يشبهنا تماماً، وينظر إلى العالم بالعين ذاتها، وهذا فكرياً وواقعياً أقرب للمستحيل!

أُوْقِفَ فعلُ هيثم المالح، من قبل كثيرين، وتجربته الحياتية والحقوقية عند “طلبه الزواج من رزان زيتونة” وهي سردية تروى لم أجد لها توثيقاً، وأنه واعدها فيما لو وافقت على الزواج منه سيكتب لها نصف المكتب كما سيروي عديدون (أظن أن عدداً منهم لم يلتق بها) تلك سرديات سورية ترتقي إلى اليقين السوري!

ولو افترضنا صحة تلك السردية، فهي آلية اجتماعية سورية راسخة، وإحدى طرق الزواج، وتشكل إحدى السمات الاجتماعية السورية، أعني فارق العمر الكبير وكذلك زواج الفقيرة من الثري أو الطبيب من الممرضة أو الأستاذ الجامعي من طالبته، أو الوزير من مديرة مكتبه، أو عضو الائتلاف من زميلته، أو المتدربة من المحامي، أو تقديم المال الكبير كمهر تعويضي عن فارق العمر أو سواه، وكل منا لديه عشرات الأمثلة حولها، بل قد يكون عددٌ منا مارس التجربة!

ربما في حالة الطهرانية الثورية (نظرياً) نريد للمالح أن لا يقوم بهذا الفعل اللا ثوري، وأن نقفز نحن المنغمسين بالواقع إلى المجتمع المدني السوري المأمول، خمسين عاماً إلى الأمام، وأن نطلب من المالح أن يكون جزءاً منه في سردية مرّ عليها عشرون عاماً أو أكثر، بمعنى نطلب من شخصية تقليدية محافظة، قارّة أن تتجاوز شرطها الزماني والمرجعي والفكري لتلائم تصوراتنا!!!

أهلنا الكرد كذلك وجدوها فرصة لتصفية حسابات مع المالح، وهو قد قال من قبل إن الكرد السوريين عرب، ربما قصد بالمفهوم أثر الثقافة، أو كرد دمشق الذين غلبت عليهم ثقافة المدن القارة، وهكذا امتلأت المدونات الكردية السورية بالشتائم والتشكيك بدروره عام 2004 وأنه أخّر انتساب عدد من الحقوقيين السوريين الكرد للجمعية السورية لحقوق الإنسان، مع أن الوقائع التي يسردها كرد سوريون آخرون تقول إنه كان له دور إيجابي في إيقاف همجية النظام وحلوله الغبية آنئذ. لم يؤخذ بعين النظر مطالبته، فعله، أي شيء، لا بد من إعادته إلى الماضي والانشغال بالثأر السوري، هذه قراءة مريحة في الوضع السوري، قراءة ماضوية تنهل من انتقامات الماضي وأوجاعه وخلافاته، يبدو الكثير من اللحظات أنها الأقرب إلى نفوس السوريين.

ثقافة الوضوح أم الطمس؟

لنقل – دون نقاش- إن الرجل تنمّر على رزان زيتون المغيبة عبر عدد من المفردات، فهل الحلّ بكل هذا الكم من التنمر عليه، الذي وجدناه عبر السوشيال ميديا؟

إذ تضمنت حملة التنمر ضده كل أنواع الشتائم من المعجم السوري الحديث (وجهه وعمره ومهنته ومدينته وشريحته الاجتماعية وقناعاته الدينية)، بل وُجِّهتْ نداءات إلى مدير تلفزيون سوريا لسحب المقابلة، والتشكيك في البرنامج والتلفزيون كله بصفته جزءاً من مؤامرة! أما من حلول أخرى لتبادل المعلومة والوقائع، لا مكان للرأي الآخر عند كثير من السوريين في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ بلدنا، هل علينا أن نتطابق في اللغة والرأي والرؤيا؟ ألا يوجد طرق أخرى للتواصل بين البشر والردّ؟ هاهنا نذكر بعض المنشورات الهادئة مثل منشور الناشط علي العبد الله، بغض النظر عن دقة ما رواه أم لا، تلك سرديات لها ما يدعمها وما يقف في وجهها.

لا مكان للمناقشة أو الحوار أو إبداء الرأي، ثقافة التغييب والطمس هي المسيطرة، ثقافة عدم الحوار هي الأفضل والحجج جاهزة: الظرف التاريخي والقدسية وكون الطرف الآخر ينتمي إلى ثقافة اجتماعية سورية أخرى، وسوى ذلك!

في “السياق السوري الغاضب” وليس في السياق الاجتماعي أو القراءاتي، لا بدّ من التأكيد على أنني لا أعرف الرجل شخصياً ولم ألتق به، ولا تربطني به أي صلة، وليس هدف هذه الكلمات الدفاع عن شخص، دافع عن مئات المعتقلين والمغيبين والمتهمين، بقدر تحليل الحالة، ووصف المآل الذي وصلنا إليه كسوريين في قراءة بعضنا.

بل إنني على المستوى الشخصي تمثلني تطلعات رزان وطريقة تفكيرها، ربما تمثل خياراتي أكثر من طريقته بكثير، وإن كان كل منا كأفراد سوريين نسيج تجربته ومعرفته وقناعاته، فقد أتقاطع معها أو معه في عدة قناعات، هذا ليس بمهم، المهم أن ندرك كسوريين أن لنا الحق في التعبير عن آرائنا وأفكارنا ومناقشة خيارات شركاء الوطن، وهو حق لنا في ظل مسعى لسوريا قادمة.

لن تمر فترة في ظل الهزيمة المرحلية التي تعيشها الشريحة السورية التي اختارت خيار الثورة، لسبب بسيط أنها ثارت لغير المآل الذي وصلت إليه هي، ووصلت سوريتها إليه، إضافة إلى انكفاء المجتمع الدولي والإقليمي وتدمير بلدنا وتقسيمه إلى كانتونات.

لا يفوتنا أن برنامج الذاكرة السياسية، في أحد أهدافه الرئيسية اللقاء مع شخصيات سورية (اجتماعية، سياسية، عسكرية، حزبية، ثقافية) تحاول نقل تفاصيل سورية، غير معروفة، وليكون جسراً بين الماضي والحاضر، وسياق البرنامج ونوع المعلومات الواردة فيه: هي معلومات تاريخية، ووجهات نظر من يتحاور معهم، إضافة إلى تجاربهم وتحليلاتهم.

كفة رزان وكفة المالح

أي قراءة تتوخى الحقيقة لا بد أن تأخذ بعين النظر السياق الذي تمر فيه لأن الظرف السوري يفرض خياراته علينا.

رزان زيتونة مغيّبة، والمالح حرّ، رزان صبية سورية متوثبة نحو الحرية، وهو رجل مسنّ كان يعدّ جسراً حوارياً مع النظام القديم، وعادة من يتقدم به العمر يميل للحلول التصالحية، رزان ناشطة ثائرة، وهو رجل مفاوضات، رزان تمثل التفكير المدني والعلماني، وهو يمثل التفكير المحافظ، رزان رمز ثوري سوري تمثل الشباب الثائر واليساريين والمدنيين السوريين، وهو يمثل شريحة من المتدينين أو المحافظين أو الثقافة الساكنة في المجتمع السوري، هل نتابع لنقول رزان ابنة التحولات والتفكير الحر، وهو ابن البنى التقليدية..!

بالتأكيد قضية رزان قضية سياسية ووطنية، وليست قضية شخصية فحسب، حتى على مستوى الفيسبوك والجيل الذي يمثله المالح أو الشريحة ليست ناشطة، مثل الفريق الذي يمثل رزان، ربما سيبرز رأي يقول في القضايا الأخلاقية والوطنية يجب تأجيل ساعة الاختلاف…

هل يجوز للمشتغلين والمشتغلات بالشأن السوري العام أن يحبوا زميلاتهم وزملاءهم؟

يمتلك المعارضون السوريون بالمفهوم الإنساني الحق في أن يكونوا بشراً طبيعيين، يحبون ويكرهون ويأكلون ويشربون، لا عاقل ينكر عليهم هذا الحق.

في الشرق عامة، ترتبط صورة المعارض والثوري بطهرانية وقداسة مردّها الرئيس أن من ثاروا عليه لديه كل أنواع الفساد، وحريٌّ بهم أن يأخذوا أقصى درجات الابتعاد عن سلوكه، هناك رغبة عارمة بالوصول نحو “الحدّ الأقصى”، الأعلى درجة، كرغبة بالتقديس، في مجتمع معياري: الأسود والأبيض أحد أبرز ملامحه، جنة ونار، حب وهجر، إلى درجة أننا من النادر أن نجد مُطَلَّقيْن سورييْن يحافظان على علاقة إنسانية في حدها الأدنى، بعد حدوث فعل الطلاق مثلاً، على الرغم من أن ذلك فيه مصلحة للأطفال!

تشير دراسة منشورة حول موضوع علاقات العمل والزواج إلى أن الوقت الطويل الذي يقضيه الزملاء في أماكن العمل يكاد يزيد على الوقت الذي يقضونه في منازلهم، وبالتالي تنشأ علاقات إنسانية ووجدانية بين زملاء العمل، وهذا لافت في الدراسات التي تتحدث عن خيارات الشباب أو سواهم باختيار شريكهم، تفيد دراسة شملت نحو 6 آلاف عامل في بريطانيا عام 2019، إلى أن أكثر من خُمس الأشخاص (22%) التقوا بشريك حياتهم من خلال العمل.

وقد فُصِلَ ستيف إيستربروك، من منصب الرئيس التنفيذي لشركة ماكدونالدز البريطانية بعدما انتهك سياسة الشركة بسبب إقامته علاقة عاطفية مع إحدى الموظفات. كل جهة لديها مدونة سلوك تحدد مسارات العاملين فيها.

المشكلة تبدأ حين يتم استغلال الموقع، القضية لتكييفه أو منحه الفرص من أجل الوصول إليه، أياً كان إطار العلاقة، التشاركية، وعدم استغلال موقع العمل، ولعلنا نذكر في هذا السياق كلينتون ومونيكا.

ثمة حدود أخلاقية يضعها كل شخص ومجتمع، في المجتمع الهولندي مثلاً جرى العرف أن يكون من تحبه بعمر يقارب عمرك تقريباً، ولكن ليس أزيد من سنتين أو ثلاث سنوات كي لا يدخل في الحالات غير المألوفة، لكن على موقع الخطبة والعلاقات “أليكسا” الشهير تضع بروفايلك وما ترغب به ومواهبك إلى أن يتواصل معك صبية أو أنك تستعرض البروفايلات الموجودة لتتواصل مع من تريد، يجري محادثة، قد تتطور إلى فنجان قهوة وما بعد فنجان القهوة وقد تقف عند هذا الحد.

السلطة إحدى العوامل الكثيرة التي تجعل الفتيات يخترن هذا أو ذاك للزواج، السلطة قد تكون مالية أو عسكرية أو اجتماعية، في حالة المعارضة السورية ومؤسساتها ثمة الكثير من السرديات، كذلك الأمر في مؤسسات الإغاثة، بل إن توزيع المناصب والمهام والمساعدات أحياناً يحتمل الكثير، ولعل الكثير من الزيجات قد حدثت لتكون غطاء لعلاقات حب فيها من تبادل المصالح ما فيها.

في حالة السيد هيثم المالح والحديث السائد عن علاقة حب من طرف واحد كما يحب أن يسرد الساردون، التي سنصدقها ها هنا ونقول: رزان زيتونة مرجعيتها الفكرية مدنية، اختار قلبها من أحبته وأرادته وارتبطت معه، سواء أكان هذا الارتباط مدنياً أم سوى ذلك.

هيثم المالح مرجعيته دينية قانونية محافظة اجتماعية كما يبدو في طلبه وعرضه، فهو لم يدعوها إلى علاقة، بل إلى حالة زواج شكلياً تلتزم بالقانون والمرجعية التي يؤمن بها.

من حيث المفهوم الإنساني مارس الرجل حقاً طبيعياً من حقوقه، بأن أعجب بصبية سورية وطلب منها الزواج ورفضت، إلى هذه الخطوة لا يبدو أنه ارتكب خطأ بالمفهوم القانوني أو الاجتماعي، ربما بالمفهوم الأخلاقي أخطأ إن عرف أن لديها علاقة بزوجها المغيّب معها!

بالمفهوم السوري وبعيداً عن طهرانية منتقديه: آخر ما كان يفكر فيه الكثير منهم رجالاً ونساءً الفارق العمري، أو سوى ذلك، والشواهد تملأ تجاربنا ورؤوسنا.

الإشكال الرئيس في الحديث عن قضية رزان زيتونة أنه يتناول مغيَّبة سورية فقدت في مناطق المعارضة ضد الأسد، ناشطة مدنية، فهي لم تغيب عند داعش كما حصل مع الأب باولو أو سواه. لذلك هي مشروع شهيدة، رمز من رموز الثورة السورية، فلم يعرف الرجل أنه حتى محاولة التوصيف يمس مقدساً سورياً. من حق المذيع والمعدين وأي برنامج حواري أن يحاولوا أن يأخذوا أعلى ما عند الضيف من تفاصيل وأهمها، لكن كان من حقه أن يرفض أو يتجنب الخوض في الموضوع.

المتابع للتجاذبات عبر السوشيال ميديا (الوطن السوري الجديد) بعد الحوار يجد أننا أمام فريقين اجتماعيين سوريين رئيسيين:

– فريق وجد فيما قيل في الحوار فرصة للهجوم على الرجل وإعدامه، حتى بدا أنه سبب خراب البصرة وعدم نجاح الثورة السورية في تحقيق أهدافها المباشرة والخراب الأخلاق والقيمي.

– فريق لديه رغبة بتشويه كل معارض، أو صاحب رأي، وقد وجدها فرصة لتصفية حسابات بين عدة أطراف تحاول سحب البساط السوري إليها، وتكريس سرديتها وخنق السرديات الأخرى.

إنها الثورة السورية الكاشفة ولا نزال نحبو في خطواتها الأولى!

تلفزيون سوريا

———————————-

ابتعدوا عن ذاكرة السوريين/ رشا عمران

في عام 2013، أصدرت السلطات المصرية قرارا مباغتا منعت فيه السوريين من الدخول إلى الأراضي المصرية بدون الحصول على موافقة أمنية مسبقة، تلك الفترة كانت مصر الملجأ الأول للهاربين من الحرب السورية ومن النظام، إذ كان السوري على مدى تاريخ طويل من العلاقات المتبادلة يدخل الأراضي المصرية دونما حاجة إلى تأشيرة دخول مسبقة، مما جعلها مقصدا للسوريين، خصوصا عامي 2012 و2013، حتى إن مكاتب الائتلاف المعارض كانت في أغلبها موجودة في القاهرة، كذلك معظم مؤتمرات المعارضة السورية تلك الفترة عقدت فيها، هذا ما جعل عددا كبيرا من السوريين يقررون الاستقرار بها مع عائلاتهم، وكانوا يسافرون ويعودون، دون أية مشكلة، حتى صدور القرار.

    أثمرت جهود شيخ الحقوقيين في الاتصالات، وسمح له ولزوجته ولابنه في الدخول إلى القاهرة، تاركا خلفه مئات السوريين في المطار لا يعرفون ماذا يفعلون

حين صدر القرار كان هناك الكثير من السوريين المستقرين في القاهرة مسافرين خارجها، وعادوا ليلة صدور القرار، الذي تم تطبيقه لحظة صدوره دوت إنذار مسبق، وصلوا إلى مطار القاهرة قادمين من عدة دول ولم يسمح لهم بالدخول، مئات السوريين ومنهم أطفال ونساء، حجزوا في مطار القاهرة تلك الليلة ولم يتمكنوا من الانضمام إلى عائلاتهم المنتظرة في القاهرة، كان المحامي هيثم المالح وزوجته وابنه من ضمن هؤلاء، ما جعل السوريين المحجوزين في مطار القاهرة يتفاءلون بالخير، إذ أن هيثم المالح كان وقتها رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف السوري المعارض في القاهرة، وكان لقبه (شيخ الحقوقيين السوريين) يوحي بالثقة، فعمله الحقوقي يجعل منه نصيرا لمن تعرض لظلم ما، توقع السوريون يومها أن مسألة احتجازهم في المطار سوف تحل قريبا دون إعادتهم إلى البلدان التي جاؤوا منها، إذ أن شيخ الحقوقيين الذي احتج على الحدث كان يقوم باتصالاته بالمسؤولين المصريين الذين يعرفهم.

كان بعض السوريين في المطار ينقلون الأحداث كما هي على صفحاتهم الافتراضية، وفعلا أثمرت جهود شيخ الحقوقيين في الاتصالات، وسمح له ولزوجته ولابنه في الدخول إلى القاهرة، تاركا خلفه مئات السوريين في المطار لا يعرفون ماذا يفعلون، ومئات العائلات في مصر التي تنتظر معجزة رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف المعارض، الذي قال لأحد المحتجين على تركه لهم يواجهون مصيرهم: “كل واحد يدبر حاله”، وغادر مع صحبه مطار القاهرة متوجها إلى منزله ومكتبه ليواصل نضاله في سبيل نيل السوريين حريتهم، وإسقاط النظام السوري الذي كان يتصرف مع السوريين (خارج دائرته) كما لو أنهم سقط متاع، يقتلهم، يشردهم، يحاصرهم، يعتقلهم، يهدم مدنهم وبلداتهم، يفعل ما يشاء بهم، فهو مالك المزرعة وهم أجراء لديه، وهو ما كان شيخ الحقوقيين والائتلاف يناضلون لتغييره.

تلك الحادثة في مطار القاهرة، كانت ربما هي الدليل الأكثر وضوحا، عن الذهنية التي تحكم الكثير من قيادات المعارضة والانتلجنسيا السورية، الذهنية التي استطاع استبداد النظام تكريسها وتعميمها حتى باتت نسقا عاما، لم يشذ عنه سوى قلة قليلة من المعارضة، الاستعلاء على السوريين، والاستفراد بالقرار والتصرف، ومحاولة الاستيلاء والسيطرة على كل مواقع القرار والمسؤولية، حتى لو كان ذلك على حساب تضحيات السوريين، والاستفادة من المميزات المتاحة للمعارضين ومحاولة الاستئثار بها، وهو ما طفح إلى العلن لاحقا، من خلال الفساد المالي والإداري والسياسي، ومتاجرة البعض بقضايا اللاجئين في المخيمات والمعتقلين لدى النظام ولدى الفصائل الإسلامية المسلحة، واللاجئين والمعتقلين هم الوحيدون الذين دفعوا الأثمان الباهظة التي قدمت للثورة، بينما كانت قيادات المعارضة مشغولة بخلافاتها وتحزباتها وولاءاتها، وكلها كانت أجندات تصب في صالح الثورة المضادة، وتتعارض كليا مع أهداف الثورة السورية وشعارات التغيير نحو الدولة الديموقراطية المدنية العادلة.

وهنا ربما لا بد من أن نتذكر شخصيات مغيبة حتى اللحظة ومجهولة المصير، شخصيات معارضة وطنية تآمر الجميع على تغييبها، نظاما ومعارضة، الدكتور عبد العزيز الخير الذي اختطفه النظام أثناء عودته من الخارج على طريق المطار مع رفاق له يوم 16/ 10/ 2012، والمحامية رزان زيتونة وثلاثة من رفاقها في 9/ 11/ 2013، أي بعد عام على اختفاء عبد العزيز الخير ورفاقه، فإذا كان اختفاء الخير تم على يد النظام بعد أن تم التعرض له مرارا بتخوينه من قبل الكثير من  معارضي الائتلاف وعلى وجه الخصوص (الإخوان المسلمون)، فإن رزان ورفاقها قد تم خطفهم من مدينة دوما في ريف دمشق، بعد رفضهم مغادرة سوريا وإصرارهم على البقاء في الغوطة لإكمال عملهم الحقوقي ونضالهم السلمي رغم التهديدات المستمرة التي كانت تصلهم.

اتهمت قيادات جيش الإسلام بالوقوف وراء اختطاف رزان ورفاقها، كونها الجهة التي كانت تسيطر تماما على دوما وعلى منطقة الغوطة الشرقية، تلك القيادات التي رفضت الاعتراف باختطافهم رغم العديد من التسريبات من قلب دوما التي فضحت عملية الاختطاف وكشفتها، رزان زيتونة المحامية الشابة الناشطة سبق لها أن عملت في مكتب شيخ الحقوقيين قبل الثورة، وتركت العمل معه على إثر خلاف يعرفه المقربون منهما، وتم الحديث عنه خلال الأيام الماضية، ما كشف عن وجه جديد لا يعرفه الكثير من السوريين عن شيخ الحقوقيين هيثم المالح، الذي يستضيفه تلفزيون سوريا هذه الفترة في برنامج الذاكرة السورية، والذي لا يخفي فيه المالح نرجسيته وتعاليه، بل لنقل الاضطراب في شخصيته الذي يوحي له أنه قائد الثورة السورية، وأنه هو الذي جعل المجتمع الدولي يلتفت إلى سوريا، لابأس، فليستمتع بما يدعيه عن نفسه، فهذا لن يضر أحدا غير صورته أمام الآخرين، ويبدو أنه غير معني برأي الآخرين به، لكنه تكلم في البرنامج ذاته عن رزان زيتونة، وقال بحقها كلاما يجب أن يحاسب عليه فعلا، لو كان هناك عدالة، وتكلم عن مصيرها دون أدنى إحساس بالمسؤولية لا أمام عائلتها وعائلات رفقائها، ولا أمام السوريين جميعا، ولا حتى أمام شرف المهنة التي ينتمي لها، والتي تحتم عليه أن يكون دقيقا ويقدم إثباتات موثقة، وأن يكون مسؤولا عما يقوله، لا أن يلقي كلاما على عواهنه، ويفرض  ما يقوله علينا بوصف ما يقوله بوصفه جزء ا من الذاكرة السورية الجمعية.

    كل ما يتعلق بسوريا قد تم التنكيل به وتهشيمه تماما، وكأن قوة جبارة تريد الانتقام من هذا البلد البائس والتشفي به تماما

لا مثيل لما نحن، السوريين، فيه حتما، لا يشبه ما وصلنا إليه من الحضيض أحدا، لا لدى النظام ولا لدى المعارضة، لم يترك أحد منهما شيئا في سوريا إلا ودمره عن بكرة أبيه، المجتمع والطبيعة والحجر والبشر والحضارة والبنية النفسية للسوريين والحاضر والمستقبل، كل ما يتعلق بسوريا قد تم التنكيل به وتهشيمه تماما، وكأن قوة جبارة تريد الانتقام من هذا البلد البائس والتشفي به تماما، لم يبق من سوريا إلا ذاكرة السوريين التي سوف تروي ما حدث ويحدث، نرجوكم نرجوكم دعوها سليمة، لا تلوثوها بأمراض الاستبداد نفسها.

تلفزيون سوريا

————————————–

هل أخطأ “تلفزيون سوريا”؟/ معن البياري

لا مجازفة في القول إن غالبية من خاضوا، أو شرّقوا وغرّبوا، في “السوشيال ميديا”، بشأن ما تحدّث فيه المحامي والحقوقي السوري المعارض، هيثم المالح، عن مواطنته الناشطة المغيّبة، رزان زيتونة، لم يشاهدوا المقابلة التلفزيونية معه على شاشة “تلفزيون سوريا”. بل في الوُسع أيضا ترجيح، إن لم يكن تأكيد، أن الذين كتبوا مطالبين القناة الفضائية بسحب المقطع الذي يأتي فيه حديث المالح عن زيتونة، وباعتذارها عن بثّه، لم يشاهدوا المقابلة، ولم يسمعوا ما قاله الرجل الذي بدا عند كثيرين أن أعوامه التسعين أمرٌ يُؤاخَذ عليه (!). وأول ما يمكن التعقيب به على هؤلاء أن هيثم المالح، في إجاباته عن أسئلة الزميل شعبان عبود بشأن رزان زيتونة، أورد تفاصيل عملٍ يوميٍّ في مكتبه للمحاماة في دمشق، وتحدّث بدقةٍ، ومن ذاكرةٍ حية، وسرد ما لديه، ولا أحد يمكنه الرد عليه سوى زيتونة نفسها، في شأن خلافٍ، يتّصل بالعمل، وقع بينهما في مكتب محاماة يتبعه، وجعله مقرّا للجمعية السورية لحقوق الإنسان. ولم تبدُ في نبرة الرجل أي إساءةٍ منه إلى شخصها، أو تبخيسٍ منها، وإنما يتضح مما قاله إن ما جرى كان خلافا بشأن علاقة موظفةٍ بمرؤوسها في مسألةٍ محدّدة. ولمّا كان الطرف الثاني المعني بالحكاية مغيّبا، يبقى ما قاله هيثم المالح، على المستوى المهني الوظيفي المحض، لا يدينُه في شيء، ولا يسيء إليه، بل قد يبدو مقنعا، سيما وأن الرجل كرّر وصفَه تلميذتَه التي تدرّبت على المحاماة في مكتبه، وعملت لديه خمس سنوات (كما قال)، بأنها ذكيةٌ ونشيطةٌ ومتتبّعة، وتفهم عملها، ونظيفةٌ وطنيا. وأفاد أيضا بأنه استوضح لاحقا من القياديين في “جيش الإسلام”، زهران علوش وإسلام علوش، عن مصيرها، بعد أن ذاع أن هذا التشكيل هو الذي اختطفها، (في ديسمبر/ كانون الأول 2013 مع وائل حمادة وسميرة الخليل وناظم حمادي) في دوما، وأفاد بأنه كان يسأل من باب أن رزان في مقام ابنته (قال إنها في عمر أحفاده).

لقد وجد زملاءُ وأصدقاء سوريون في الذي رواه هيثم المالح عن سبب خلاف زيتونة معه في عملها في مكتبه للمحاماة استهدافا لها، وبالتالي سببا مُضافا للتعاطف معها، وهي التي تستحق، بجدارةٍ مؤكّدة، وصفها ريحانة الثورة السورية وأيقونتها. ولا جدال في وجوب هذا التضامن والتعاطف معها (ومع رفاقها). والغالب أن حالَها المؤسف هذا، أو المُفزع على الأصحّ، هو وراء ازدراء ما قاله المالح، والاصطفاف ضدّه في واقعة خلاف رئيس عملٍ مع موظفته، فلو كانت زيتونة حرّةً، وحاضرةً بيننا، أو أقلّه لم تختف في جريمة اختطافٍ خسيسة، لربما أعمل بعض الساخطين على الحقوقي السوري المعروف (التسعيني كما يستحسنون وصفه!) جدالا مع أنفسِهم بشأن صلة عمل موظفةٍ برئيسها، مثلا، ولأمكن أن يصير الاصطفاف مع رزان، لمن أراد هذا، خاليا من شحنات التعاطف القوية معها، أو أن يصير الاصطفاف مع المالح بصفته ربّ عمل، وليس غير. وفي الحالين، بعيدا عن إحالاتٍ تسيء إلى الرجل بدوافع الترافع عن امرأة مناضلةٍ مختطفة.

وبشأن قوله عن عدم احتشام رزانة زيتونة الكافي في لباسها لمّا اختُطفت في دوما، ما يجعل هذا سببا محتملا لما صار لها في بيئةٍ محافظةٍ متشدّدة، كان من الأوْلى أن يتحرّز المالح كثيرا، وهو يأتي على هذه المسألة، أو أن لا يأتي عليها أبدا. أمّا وقد فعل، فإنه، لم يقل هذا الكلام، من باب التشنيع بالمناضلة المعروفة، أو التجريح بها أخلاقيا لا سمح الله. كان يُبدي وجهة نظر بكثيرٍ من العفوية والعادية، ومن دون علائم سوء نية، وكان حسنا جدّا من محاورِه أنه جادله في هذا الكلام، ولم يكن ردّ المالح عليه متعسّفا أو مكابرا أو معاندا.

في كل حال، لم يتضمّن كلام هيثم المالح أي إساءةٍ جارحةٍ في شخص رزان زيتونة، أو مسّا بها من أي نوع مرفوض، أو تعريضا بسمعتها. وبالتأكيد، لو أن شيئا من هذا جرى لفعل الزملاء في “تلفزيون سوريا” ما يجب فعله، بتْر هذا الكلام والامتناع عن بثّه. ولمّا خلا ما سمعناه من الرجل على الشاشة من أي تعبيراتٍ قد توحي بأيٍّ من هذا، يصير من غريب الغرائب أن يشيع حديثٌ مرتجلٌ، على عواهنه، وبعيدٌ عن أدنى مهنيةٍ، عن “سقطةٍ” وقع فيها “تلفزيون سوريا”، فتتم مطالبة القناة بسحب هذا المقطع من المقابلة المطوّلة مع الضيف المعني، بسبب هذا “الخطأ” الذي ارتكبه. وهنا، يلزم القول إن من أراد التشنيع على هيثم المالح، باستدعاء حكاياتٍ وقصصٍ أخرى، فذلك يصبح خارج سياق المادّة التلفزيونية موضوع المزاودة المتعجّلة التي سارع إليها من لم يشاهدوها، ومن لا يعرفون أبجديات المحاورات التلفزيونية، وكيفيات تقديم شهادات أهل الخبرة والمعرفة وأصحاب التجارب.

بإيجاز، هيثم المالح موضوعٌ آخر غير موضوع مقابلته في “تلفزيون سوريا”، وغير حديثه عن رزان زيتونة الذي لم يتضمّن أي إساءةٍ إليها إطلاقا.

———————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى