منوعات

بلاغ رقم 1: رصيف22 اسم مستعار لرفّ كتب سياسية في مكتبة بدمشق، يرجى التعامل…/ حطب الكاتب

تعيدنا فيروز مع أغنيتها “أسامينا” إلى لحظات تسميتنا الأولى، كيف اختار أهلنا أسماءنا وما استحضروه من ذكريات قبل اختيارهم للاسم الأخير. أنا لم أُسمِّ طفلاً من قبل، لكني اليوم أُعيد تسمية نفسي بما يتعلّق بهذه المجموعة من المقالات. أكتبُ هذه النصوص وأُبعد نفسي عنها ما استطعت. أكتبُ وأدعو معجم الأسماء ليتبنى اسمٌ منه ما كتبت. أتبرّأ لكم وللقائد الخالد ولله وللوطن من أي كلمة كتبتها أو كنت سأكتبها.

أوّل اسم خطر لي هو “المواطن الأخير”. يحمل مسمى المواطن معاني كثيرة، بعضها يبعث على الضحك وبعضها على البكاء. استخدم عزيزي القارئ مسمى “المواطن” في أيّ حكاية سورية وستنتهي الحكاية، إما بالضحك والقهقهة وإما بعبارتَي “الله يرحمه، الله يعينه”.

بحثت عن “المسمّى” في غوغل، ظهرت لي نتائج متعلّقة برائد الفضاء سيرجي كريكاليف، الذي غادر الأرض مواطناً من الاتحاد السوفييتي وعاد إليها مواطناً روسياً بعد زوال وطنه (تفكّكه). لم تعجبني الإحالة لفكرة تقسيم سوريا. كنت فقط أُدَلِّل بالمواطن الأخير على انتهاء فكرة المواطنة، ليس بما يخصّ سوريا فقط وإنما عالمياً أيضاً. ثم خطر لي مسمّى “أنا المواطن” ليستمد الاسم معناه من محتوى النصوص. أردت أن أسخر من فكرة المواطنة كما هي تدعو إلى السخرية في العالم السوري، وفي بعض العوالم والبلاد الأخرى.

لم أكن مقتنعاً بالاسم ولا أراه يحمل جرعة كافية من السخرية. أريد أن أسخر من فعل الكتابة بعد سنوات من الموت، وأريد أن أسخر من بطولات القائد الخالد وإنجازات نظامه وفروع أمنه الثلاثين أو الأربعين، لكنْ دون أن ينتهي بي الحال في أحدها. أريد أن أسخر من الموت والتشرّد والجوع والخوف.

الخوف هو أكثر الأشياء واقعية في حياة أي مواطن سوري، قد تصلح تسمية الكاتب “سوالف خايف”. نحن نخاف من كل شيء، نخاف من القيادة كما نخاف من فأر بحجم ديناصور يمرّ بجانبنا، هو شعور مختلط بين الخوف والاشمئزاز.

خطر لي أن أطلق على الكاتب اسم أحد الشخصيات الكرتونية مثل “دايسكي دوق فليد” من مسلسل غرندايزر، لكني لا أريد السخرية من طفولتي. أنا أريد بالتحديد أن أسخر من الحاضر، الحاضر الذي وصلنا إليه بكل ما فيه من خوف ولجوء. خطر لي من جهة أخرى أن أسمي الكاتب “سعيد النايحة”، ولمن لا يعرف “ابن النايحة” فهو اسم شخصية أيمن زيدان في مسلسله “بطل من هذا الزمان”.

أشياء كثيرة أبعدتني عن هذا الاسم، أوّلها أن سعيد لم يكن خائفاً بما يكفي كما نحن اليوم. أسماء مثل “غوّار الطوشة” أغرت مخيّلتي، غير أن موقف الأستاذ دريد لحّام من الثورة السورية (الثورة أيضاً تحتاج بما وصلت إليه لاسم مستعار جديد)، أقول إن موقفه من الثورة السورية أفرغ شخصية غوّار من مضامينها، صارت علاقتنا مع غوّار سلبية، غوّار لا ينفع في شيء إلا في النقد.

لكن كاتب هذه النصوص هو أيضاً لا يفعل شيء سوى النقد والتهكّم. لا اسم لي. هذه نصوص يتيمة وإذا اعتُقلتُ غداً سأنفي أي صلة لي بها، أنا لا أعرفها، ولا أعيد قراءتها، ولم أكتبها بالمعنى الحرفي للكلمة (أنا أستعمل الكيبورد) وهذا دليل كافٍ لإبعادها عني بما يكفي.

محزن أن تتبرّأ مما تكتب قبل انتهاء عملية الكتابة. تتداعى النظريات الأدبية أمام قمع النظام البعثي (مع نبرة جدية). ما هو محزن أيضاً، أن تموت بعض النصوص في رصيف22 قبل نشرها. لا يكتفي موقع رصيف22 بمصيبة تغييري لاسمي، بل يذهب إلى تغيير أجزاء من المقال أيضاً. (والأنكى كما نقول في العامية) أن التحرير يجد نفسه دائماً حرّاً (وكأنه فهم الكلمة بغير معناها) في تغيير عنوان المقال أيضاً.

تغيّر اسم الكاتب وتغيّر عنوان المقال وتغيّرت تعبيرات وجمل وتفاصيل في المقال نفسه. أنا رافض للنظام البعثي ورافض لتغيير ما أكتب، سأثور إذن على رصيف22 إلى جانب ثورتي على القائد الخالد، سيادته، معاليه. نعم عزيزي القارئ “مقدرش على الحمار اتشطّر على البردعة”. سيدفعني إذن فشلي في الثورة على سلطة سيادته إلى الثورة على سلطة التحرير في رصيف22.

هل تعلمون أن اسم سيادته مستعار أيضاً؟ يُحكى أن اسم أبيه لم يكن “حافظ الأسد” فاستبقى الحافظ واستعار الأسد. لست وحيداً في جرم استعارة الأسماء.

المشكلة الآن إنه إذا سقط معاليه فلا حاجة للأسماء المستعارة، ما يجعل بقاء اسمي المستعار مرتبطاً ببقائه. أسمع الآن اسمي المستعار يتمتم بالدعاء بخلود القائد وبقائه. سأصاب بشبه فصام بين اسم حقيقي يأبى الحضور خوفاً من سيادته واسم مستعار يدعو لسيادته بدوام البقاء والخلود.

سيفشي رصيف22 اسمي المستعار لفرع الأمن الفيسبوكي في دمشق، بعد ثورتي الجديدة على سياسته التحريرية، ولن يقبل نصوصاً جديدة تحمل الاسم نفسه. هل أضع لكل مقال اسماً مستعاراً جديداً؟ هل الأسماء في رصيف22 جميعها مستعارة؟

لا مشكلة، سأشي برصيف22 إلى الفرع نفسه، “بلاغ رقم (1) إلى سيادته: هناك موقع إلكتروني يسمي نفسه رصيف22، هو في الحقيقة اسم مستعار لرفّ كتب سياسية في مكتبة تبيع الدفاتر وأقلام التلوين بدمشق، أول (نزلة أو طلعة) البرامكة، بجانب شوشي شمشين، يرجى التعامل…”.

لا أخفيكم سرّاً أني خائف، أنا أسكن بالقرب من فرع فلسطين في مدينة دمشق، بجانب حلويات دنيا. تطلّ نافذتي على مكاتب القيادة هناك، الأمر مخيف، مخيف جدّاً، مخيف أكثر من مقدرتكم على تصوّره (أنتم أصحاب الأسماء العادية). والخوف يوصلنا أحياناً إلى الهذيان. اعذروني، فإن هذا المقال بعض من ذلك الهذيان.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى