سياسة

عن انعقاد ” المؤتمر الوطني لاستعادة القرار” السوري في جنيف

——————————–

أسئلة حول مؤتمرات الوقت الضائع في سوريا/ مالك الحافظ

كَثُر حديث عدة جهات سياسية في الفترة الأخيرة عن عزمها عقد مؤتمر وطني سوري، بموجب حساسية الوقت وضرورة المرحلة، وفق ادعاء تلك الجهات، كان آخرها ما أنجزه بعض السياسيين السوريين تحت مسمى “المؤتمر الوطني لاستعادة السيادة والقرار” بجنيف السويسرية (آب 2021)، وسبقتهم مساع مشابهة لما عُرف لاحقاً بـ “الجبهة الوطنية الديمقراطية” (جود) بدمشق السورية (آذار 2021).

لا شك بأن المؤتمر الوطني للسوريين هو الإطار السياسي الأنسب الذي يُمكن أن ينطلق منه إنقاذ سوريا، والتأسيس لمرحلة جديدة تضمن بناء سوريا واستعادة دورها وفعاليتها، إلا أن المؤتمر الوطني الذي يجب أن ينعقد فعلياً، لا بد أن ينطلق حقيقة من اتفاق بين القوى السورية الفاعلة دون تغييب أي تيار، بحيث يضمن ذلك وجود أصحاب الكفاءات العلمية، وعدم استبعاد الخبرات الوطنية والقوى الشبابية الفاعلة تحت أي ذريعة كانت.

لا يمكن التقليل من دور المؤتمر الوطني المأمول انعقاده ويجمع مختلف القوى والتيارات السورية، لكن دون أن تشارك فيه شخصيات وكيانات لا تملك حضوراً وازناً على الأرض وشعبية معقولة؛ تشفع لهم التفرد بتصدير مؤتمرات لا طائل منها سوى تضييع الوقت وبيع الوهم خلال الفترة الحالية في ظل عدم تقديم برامج عمل اعتبارية للمرحلة المقبلة.

في ظل تدويل الملف السوري الذي بات أمراً لا مفر منه ولا يمكن الالتفاف عليه أو تجاهله كما تدعي بعض الجهات السياسية السورية، فمن المفترض أن يكون المجال المنتظر من “المؤتمر الوطني” يتمثل بإعداد خطط العمل التنفيذية التي تنطلق بعد تسوية سياسية شاملة عبر توافقات الدول الكبرى الفاعلة في الملف السوري، حيث لا بد من إعداد الوثائق السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، لتتفرع عنها أبرز المسائل التي تتصل بالحل السياسي وتنفيذه، طبيعة هيئة الحكم الانتقالي، والطرق البديلة لتنفيذ القرار الدولي 2254، تطبيق العدالة الانتقالية، وكذلك الفيدرالية واللامركزية الإدارية في الحالة السورية.

هل يستطيع منظمو مؤتمرات الوقت الضائع، المبتعدون عن دعم خارجي وفق قولهم، والغائب عنهم أي ضامن دولي، من تقديم حل قابل للتنفيذ في محافظة درعا المنكوبة منذ سنوات؟ هل يملكون وسيلة نافذة للوصول مع الأطراف القادرة على فرض حل هناك؟ -هذا سؤال واحد فقط لقياس القدرة الفعلية على الأرض لمنظمي مؤتمرات الوقت الضائع-.

ما هي الظروف الموجبة لتنظيم مؤتمراتهم، وأي قناعة راسخة تولدت لديهم حتى رأوا بأن مثل هذه المؤتمرات بوسعها أن تكون الجامعة المنتجة للحل بعد كل الفشل الذريع الذي تعرضوا له والآخرين من غير الحاضرين أيضاً، لطالما سلكوا نفس الطريق وبالأدوات المُنهكة ذاتها. لعل القيام بتجربة فاشلة وتوقع نتائج مختلفة، هو ضرب من الجنون.

ابتداءً من “جود” حيث سعت من خلاله بعض الأطراف السياسية المنعزلة ضمن قوقعة “معارضة الداخل” السياسية العاملة على الأرض، والتي عبّرت عن رغبتها بأن تكون نواة مؤتمر وطني ينطلق من دمشق، وصولاً إلى “استعادة السيادة والقرار” في جنيف، وغيره من دعوات أطراف أخرى لمؤتمر وطني، فقد فشل جميع هؤلاء وسيفشل غيرهم إذا ما بقوا على نهج ادعاء تمثيل الصوت الديمقراطي لوحدهم، وتغييب أصوات أخرى بحجة الارتهان الخارجي والتبعية لمال سياسي. بمقابل تقديم وثائق وأوراق عمل تحمل مشاريع “وطنية”، لا يمكن أن ينفذ منها شيء، بخاصة وإن كانت تلك الأوراق والوثائق أُعيد استنساخها وتكرارها من مؤتمرات سابقة.

هناك الكثير من الأصدقاء في الأطر السياسية المشار إليها مباشرة أو إيحاء، في هذا المقال، تجمع بيننا عدة مشتركات، إلا أن الخطوات الخاطئة لا يُمكن أن يبنى عليها مشروع وطني مثمر، ولا يمكن التغافل عن توجيه أصابع اللوم إلى مكامن الخطأ في أي دعوة لمؤتمرات تسعى من حيث يعلم أو لا يعلم القائمون عليها، لتكريس الإقصاء بصورة محدثة، أو تعميم الاستعصاء حتى بين بعض القوى المتشابهة فكرياً وسلوكياً.

نظرياً فإن الحديث عن حل سوري-سوري هو أمر منطقي وواجب الحدوث للخلاص من أزمة الاستعصاء السورية، لكن الاعتبار بأن هذه الخطوة فقط هي من تنقل السوريين بلمسة “العصا السحرية” إلى ضفة الخلاص دون الاكتراث بتأثير التوافقات الدولية بشكل أساسي هو خيال لا قيمة له، يثير السخرية من ضحالة فكر سياسي اعتاد الإقصاء من أطراف سياسية أخرى ليمارسه بشكل أشد وأعم من خلال استبعاد قوى سورية لا يمكن تجاهلها إلا بسبب الخلافات واحترابات تقاسم النفوذ في تيارات أخرى سابقة جمعتهم بمنظمي مؤتمرات الوقت الضائع.

دون قراءة المشهد السياسي السوري بصورته الكاملة، ومراعاة تأثير التوافقات الدولية وسبل التسوية السياسية من خلالها، مع ضمان حضور كل القوى السورية في التأسيس لمؤتمر وطني حقيقي وفاعل، لا يمكن التعويل على كل الخطوات التي تسعى لكسب بعض التغطيات الإعلامية، وكذلك إعادة توجيه الأضواء نحو مشاريع قديمة غير نافعة يتم تلميعها ببعض الأسماء الجديدة والعناوين الكبيرة الرنانة. ومن لا يستطيع الحوار مع أطراف سورية من أجل قضية تشمل كل السوريين والمضي نحو مشروع جامع، وطي الخلافات وإبقاء الاختلافات الصحية، لا يمكن الوثوق بإمكانية تحقيقه أي منجز على صعيد المؤتمر الوطني الديمقراطي.

هل ابتعدت التجارب السابقة عن ضرورة تجسيد الإرادة السورية الخالصة، كما يدعي حالياً منظمو مؤتمرات الوقت الضائع؟ رغم أن العديد منهم شاركوا سابقاً في العديد من تلك التجارب وبالأدوات ذاتها، لكن النتائج كانت صفرية وعلى ما يبدو ستبقى كذلك.

كيف يمكن تحقيق استراتيجية وطنية ترتكز على القرارات الأممية المتعلقة بسوريا، تستطيع إلزام مختلف الجهات المتنازعة في سوريا، والتوجه لبناء مشترك لدولة ذات سيادة واستقلال، إذا لم يكن الداعون لمؤتمرات الوقت الضائع؛ قادرين أو راغبين “لا فرق” على جمع كل التيارات والقوى على اختلاف تموضعاتها والتقائها ضمن إطار “المؤتمر الوطني”، كيف يمكن ذلك أيضاً وهم غير عابئين بفشل كل التجارب طوال العشر سنوات وعدم التعلم منها، بل وحتى عدم الاكتراث بوجود اعترافات إقليمية/دولية بمخرجات مؤتمراتهم والعمل على تنفيذها لاحقاً واعتمادها.

تلفزيون سوريا

—————————-

مؤتمر المعارضة في جنيف..استعادة القرار السوري أم مغازلة روسيا؟/ عقيل حسين

وسط جدل كبير وانتقادات واسعة، أعلن “المؤتمر الوطني لاستعادة القرار” بيانه الختامي مع انتهاء أعمال الهيئة العامة للمؤتمر التي عقدت اجتماعاتها على مدى يومين في مدينة جنيف بسويسرا، مع حضور عبر الانترنت من داخل سوريا وخارجها، على أن يستكمل جدول الأعمال التنظيمي خلال أيلول/سبتمبر، بانتخاب الأمين العام ومجلس الحكماء ومسؤولي المكاتب التنفيذية من أعضاء الأمانة العامة لاحقاً.

بيان مفاجئ

ونص البيان الصادر عن المؤتمر على “السعي لاستعادة السيادة الوطنية والتمسك بوحدة وسلامة الأراضي السورية وحرية الشعب السوري بكافة مكوناته”.

كما طالب ب”خروج كافة الاحتلالات والقوات الأجنبية من البلاد، والتمسك بأهداف الشعب السوري بإسقاط الديكتاتورية وتحقيق العدالة، وكذلك محاسبة المجرمين والعمل على إخراج المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون النظام وسجون التنظيمات الإرهابية”.

المؤتمر أكد على اعتبار نضال السوريين “حركة تحرر وطني ضد الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي”، وضرورة صياغة عقد وطني جامع بالاعتماد على “المحددات الأساسية لمفاوضات الحل السياسي، بناءً على ما نص عليه مؤتمر جنيف واحد عام 2012، والقرارات الأممية ذات الصلة، بما فيها القرار 2254”.

البيان عبّر عن سقف مرتفع فاجأ الكثيرين ممن توقعوا أن يتضمن لغة أقل صدامية تجاه النظام، على خلفية مشاركة عدد من المقيمين في مناطق سيطرته، من المحسوبين على التيار الثالث، بالإضافة إلى وجود كل من هيثم مناع وخالد المحاميد وأسماء أخرى مقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في لجنته التحضيرية.

وإلى جانب المعايير التي اعتمدت في ترشيح واختيار أعضاء المؤتمر، وجهت انتقادات أخرى إلى مضمون البيان الختامي، خاصة في ما يتعلق بترتيب البنود ووجود بعض التعابير العامة التي رأى البعض أنها تجنبت المباشرة، مثل الحديث عن إسقاط النظام وإغفال اسم بشار الأسد.

اعتراضات رد عليها عضو الأمانة العامة للمؤتمر، العقيد المنشق مصطفى فرحات، بالتأكيد على أن معايير اختيار الأعضاء هي “الوطنية وعدم ارتكاب جرائم أو انتهاكات”، أما في ما يخص انتقاد ترتيب بنود البيان أو الغمز من قناة بعض العبارات الواردة فيه وتأويلها فهو “تعبير عن موقف سلبي مسبق”.

وأضاف في تصريح ل”المدن”، أن “ما تضمنته وثائق المؤتمر محط إجماع غالبية الشعب السوري، إذ لا يمكن الجدال حول حق السوريين في الحرية وخروج الاحتلالات ومحاسبة المجرمين والحفاظ على وحدة الأراضي السورية”. أما حول الاعتراض على ما تضمنه البيان الختامي فرأى أنها “اصطياد في الماء العكر. فنحن عندما نقول إسقاط النظام فهذا يشمل كافة أركانه ورموزه ولا يمكن تصور استثناء الأسد”.

تحفظات وانسحابات

إلا أن التحفظات تجاه المؤتمر عززتها السجالات التي شهدتها اجتماعات اليوم الأول، إلى جانب بعض الأخطاء التنظيمية وكذلك انسحاب عدد من المشاركين فيه احتجاجاً على عدم وضع علم الثورة في قاعة المؤتمر.

الناشط السياسي درويش خليفة، أحد المنسحبين من المؤتمر، قال ل”المدن”، إنه غادر بعد ساعتين أو ثلاث على البداية بسبب “الطروحات التي اتسمت بعدم العمق”، ناهيك عن الشعور بأن الوثائق قدمت جاهزة وليس هناك الكثير الذي يمكن للهيئة العامة أن تناقشه.

وأضاف “إذا تجاوزنا قضية العلم على اعتبار أن مناقشة سبل الحل هي الضرورة في الوقت الحالي، فإن الأهم هو عدم الاقتناع بأن بعض أصحاب الطروحات في الساعات التي شاركت فيها عبر الانترنت جديرين بالتصدي لمهمة خطيرة بمستوى إنتاج أفكار للحل السياسي، فضلاً عن التطرق لمواضيع ليس هنا مجال نقاشها، مثل شكل الدولة وطبيعة نظامها السياسي، وهل نحن شعب أم شعوب ..الخ”. وتابع: “بينما يفترض أننا أتينا إلى مؤتمر إنقاذ للقرار الوطني واستعادة للسيادة السورية وهو ما لم ألمسه فقررت الانسحاب”.

لكن العقيد فرحات اعتبر أن الخلل الذي رافق مناقشات الجلسة الأولى من اللقاء أسبابها فنية بحت، بالإضافة إلى بعض التشنجات، أما قضية العلم فهي ليست معيار التقييم بل وثائق المؤتمر ونتائجه.

وقال: “لأن المؤتمر غير ممول من أي دولة أو جهة، وبسبب حضور عدد كبير من الأعضاء عبر الانترنت فقد حدثت أخطاء فنية زاد من أثرها حدة الطروح من قبل البعض في الجولة الأولى، لكن لاحقاً تم تدارك الأمور”. أما في ما يتعلق بقضية العلم، فقال: “نحن لم نمنع أي شخص من وضع العلم على كتفه أو صدره داخل القاعة، بمعنى أنه ليس لدينا موقف سلبي تجاه علم الثورة كما يروج البعض، لكن أردنا ألا ندخل بخلاف حول نقطة ليست مدرجة على جدول البحث، لأننا نؤمن أن اختيار علم الدولة أمر يقرره السوريون لاحقاً، أما تركيزنا فكان على ما يمكن أن ينتج عن هذا اللقاء”.

رضا المنظمين

واعتبر فرحات أن ما نتج عن المؤتمر “يلبي الحد الأدنى من التطلعات، لكن تقييمه النهائي يعود للشعب السوري”، مشيراً إلى أن المخرجات لا تقتصر فقط على البيان الختامي، بل أُقرت وثائق أخرى تعتبر خريطة طريق وبرنامج عمل سياسي سيتم البناء عليها، و”رغم أن هذه الوثائق تم العمل عليها من قبل اللجنة التحضيرية واطلع المشاركون عليها وقدموا ملاحظاتهم حولها على مدى الأشهر الماضية، إلا أن نقاشها كان مفتوحاً خلال الجلسات”.

وأضاف “أهم ما حصل برأيي هو أننا حطمنا الجدران المصطنعة بيننا كسوريين وتمكن ممثلون عن مختلف أطياف الشعب من الجلوس مع بعضهم البعض ومناقشة الأفكار بحرية كاملة، وعلى أي حال نحن نتفهم هذا الجدل الذي أثير حول الخطوة التي قمنا بها، بسبب التصحر السياسي الذي فرضه النظام على السوريين طيلة عقود، لكن نحترم الانتقادات الموضوعية طبعاً”.

مؤسسات المؤتمر

وإلى جانب اعتماد أوراق ووثائق المؤتمر وتصدير البيان الختامي، انتخب المشاركون 31 عضواً كاعضاء للأمانة العامة التي سيتم من خلالها إدارة مكاتب المؤتمر ولجانه تحضيراً للاجتماع القادم الذي لم يحدد موعده بعد.

وأبرز الاسماء التي انتخبت لهذه المهمة: اللواء محمد الحاج علي، ابراهيم مسلم، بهية مارديني، منيرفا الباروكي، مروان خوري، صالح النبواني، سمير الهواش، آصف دعبول، عامر قوتلي، لمى اللبواني، ممدوح القدسي، رواد بلان وإيمان كمان الدين. ومن المتوقع أن يتم اختيار اللواء محمد الحاج علي أميناً عاماً للمؤتمر الوطني لاستعادة القرار، وهيثم مناع رئيساً لمجلس الحكماء.

يتخوف البعض من أن يكون هذا المؤتمر ترويجاً للتفسير والرؤية الروسية للقرار الدولي 2254، خاصة مع تصدر المشهد فيه شخصيات معارضة تربطها علاقات جيدة مع موسكو، مثل هيثم مناع وخالد المحاميد، ويعتقد آخرون أنها مجرد نتاج لمنصة معارضة جديدة تضاف إلى المنصات الحالية، بينما يرى البعض أنها خطوة إيجابية من حيث المبدأ على الأقل باعتبارها حجراً في المياه السورية الراكدة سياسياً منذ وقت غير قصير.

المدن

——————————

المؤتمر السوري لاستعادة السيادة”… محاولة جديدة لتحريك الجمود السياسي/ ريان محمد

في ظل تعطيل النظام السوري ودول داعمة له للحل السياسي للأزمة السورية، وفي حين تشهد سورية حالة من الانهيار الاقتصادي والأمني، ويصرّ النظام على التعاطي مع السوريين بعقلية المنتصر وفرض سيطرته على المجتمع، تعقد مجموعة من السوريين المستقلين، اليوم السبت، وعلى مدى يومين، مؤتمراً في جنيف السويسرية، تحت عنوان “المؤتمر السوري لاستعادة السيادة والقرار”، لبحث عدد من المقترحات المقدمة، أبرزها كيفية الانتقال إلى “نظام ديمقراطي برلماني تعددي”، وبناء الجيش السوري، على أن ينتهي المؤتمر إلى ولادة مكون سياسي ينفذ الرؤية التي سيتم إقرارها.

وتؤكد مصادر مشاركة في المؤتمر أن المشاركين يحضرون بصفاتهم الشخصية، وتم رفض حضور كل من تورط بالدم السوري أو الفساد. وعُلم أن من المشاركين، بجر مالول، آصف دعبول، محمود سليمان الحاج، صلاح وائلي، يونس كنهوش، عبد الكريم الآغا، العقيد عدنان طلاس، وليد تامر، فيما فضّل العديد من المشاركين من داخل سورية عدم الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية.

ويبدأ المؤتمر أعماله صباح اليوم السبت في مدينة جنيف السويسرية، بحضور نحو 80 شخصية سورية، ومشاركة أكثر من 300 آخرين عبر الإنترنت من داخل سورية وخارجها، على أن تتواصل أعمال المؤتمر غداً الأحد. وستتم مناقشة أوراق عدة مقدمة من اللجنة التحضيرية، التي عملت على إعدادها طوال أكثر من عامين، جرى خلالها العمل على تطويرها ومراجعتها أكثر من مرة، لتتناسب مع الوضع الراهن. وقال اللواء محمد الحاج علي، أحد أبرز المشاركين والمنظمين للمؤتمر، إن المنظمين هم “مجموعة من السوريين المستقلين ولا توجد جهة دولية أو مؤسسة لها علاقة بهذا المؤتمر”.

وأفادت مصادر مشاركة في المؤتمر، “العربي الجديد”، بأن المؤتمر مموّل بشكل كامل من قبل أعضائه، بعيداً عن رعاية أي دولة أو جهة غير سورية، ويحضره المشاركون بصفاتهم الشخصية، من دون انتماء أي منهم إلى مكونات سياسة محددة. وأضافت المصادر أن “اللجنة التحضيرية لم تقبل أي مبلغ من أي دولة أو جهة غير سورية، كما تم رفض مشاركة كل من تورط بالدم السوري أو الفساد”.

وأوضحت المصادر أن “هناك شخصيات مرشحة من خارج اللجنة التحضيرية لإدارة جلسات المؤتمر، إذ تنتهي مهمة اللجنة التحضيرية مع افتتاح المؤتمر، في حين سيتم إجراء عملية انتخابية في ثاني أيام المؤتمر تحت إشراف لجنة انتخابات مكونة من أشخاص عدة غير مرشحين لأي مهمة قيادية ضمن المؤتمر، لانتخاب هيئة مركزية ولجنة حكماء، مهمتهم متابعة العمل السياسي وتنفيذ الرؤية التي سيتم إقرارها، عبر المكون السياسي الذي من المتوقع أن يولد من رحم المؤتمر”. وذكرت المصادر أن ممثلاً خاصاً للمبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن سيحضر افتتاح المؤتمر، إلى جانب عدد من الدبلوماسيين الدوليين.

وتضمّنت وثائق المؤتمر التي زادت عن 100 ورقة، والتي اطلع عليها “العربي الجديد”، العديد من القضايا، منها واحدة حملت عنوان “خريطة الطريق المقترحة من أجل سورية ديمقراطية ودولة مدنية”. وأكدت أن الهدف السياسي للعملية التفاوضية المباشرة هو “الانتقال إلى نظام ديمقراطي برلماني تعددي تداولي، يرسم معالمه ميثاق وطني مؤسس، يرتكز على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات لجميع السوريين، بغض النظر عن الجنس، أو القومية أو المعتقد أو المذهب”. وأضافت الورقة أن “دولة قانون ومؤسسات لكل أبناء ومكونات الوطن، وهي صاحبة الحق الشرعي الوحيد في حمل السلاح. مهمتها بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها، والدفاع عنها وعن مواطنيها، وتقديم الخدمات لهم، وترسيخ فصل السلطات وتنظيم الحقوق والواجبات، واحترام الدستور والقوانين وتجريم الطائفية السياسية ومحاربة الإرهاب بكافة مصادره وأشكاله”.

وحدّدت ورقة أخرى “مبادئ أساسية لميثاق وطني جامع”، أكدت على مبادئ المواطنة المتساوية وعدم التمييز وحرية المعتقد وممارسة العقائد، والتأكيد على حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بها. واعتبرت الوثائق أن “الحريات الفردية والعامة تشكل حقاً مشروعاً غير قابل للتصرف، وأن الشعب هو مصدر الشرعية والعدل، وأن مهمة الجيش السوري حماية البلاد وصون استقلالها ولا يتدخل في الأنشطة السياسية، واعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية”.

كذلك أفردت الأوراق باباً خاصاً تحت عنوان “بناء الجيش الوطني السوري والأجهزة الأمنية”، قدمها اللواء المنشق الدكتور محمد الحاج علي، بيّنت أهم التحديات التي تواجه مهمة إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية، خصوصاً المعارضة الشديدة من قِبل الأجهزة الأمنية ذاتها ومراكز القوى في الجيش، وصعوبة إزالة الأسس الطائفية والإثنية أو الحزبية السائدة. واعتبرت أن عملية الإصلاح تستند على أساسيين، هما “الوطنية والكفاءة، إضافة إلى عدم وجود الكوادر الوطنية المتجذرة وبشكل خاص القضائية والعسكرية، وتناقض الرؤى الأمنية بين طرفي الصراع ومصادرة القرار الوطني من قبلهما كنظام ومعارضة”.

وطرحت الأوراق إصلاح الجيش والقوات المسلحة، استناداً إلى القرار الأممي 2254، إضافة إلى مقترح تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتألف من الضباط المنشقين والموالين، ممن لم يرتكبوا جرائم بحق الشعب السوري، يتولى قيادة الجيش والإشراف على الأجهزة الأمنية خلال الفترة الانتقالية. ومن بين الخطوات الواجب اتخاذها لنجاح عملية الإصلاح وإعادة البناء، “إعادة التوازن الديمغرافي للجيش، وإحالة جميع مرتكبي الجرائم إلى محاكم عسكرية مختصة، وتطهير الجيش منهم”. وحول إصلاح الأجهزة الأمنية، شدّدت الورقة على ضرورة وضع أسس عامة لعملها وإعادة تأهيل عناصرها، وتحديد الهيكلية وتصحيح الخلل الديمغرافي، وتطهيرها من مرتكبي الجرائم وتأمين محاكمة عادلة لهم.

كما تضمنت الأوراق ورقة خاصة بالعدالة الانتقالية وبناء السلطة القضائية المستقلة في سورية، قدّمها السياسي السوري المعارض هيثم مناع واقترحت تشكيل “الهيئة العليا للحقيقة والإنصاف والمصالحة”، بما يفضي إلى بناء استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية في سورية. وتضمنت محاور رئيسية للعمل، عبر لجان “التحقيق الوطنية المستقلة، وجبر الضرر والتعويضات والمحاكمات، ولجان المصالحة والسلم الأهلي، ومجموعات الدعم النفسي ومكتب إعلامي وبرنامج لتدريب الكوادر الوطنية ومكتب لتخليد الذكرى، ولجان للتعاون والتنسيق، إضافة إلى رؤية لبناء القضاء المستقل”. كما تضمن جدول الأعمال مناقشة رؤية خاصة بإعادة الإعمار في سورية كقضية سياسية واقتصادية، إضافة إلى وثائق المبادرة الوطنية السورية من أجل مؤتمر وطني سوري، التي تم إعلانها في الثالث من مارس/ آذار 2019، و”ميثاق الوطن والمواطن” الذي يضم جملة من القواعد التأسيسية لدولة دستورية ذات سيادة، إضافة إلى ورقة خاصة بالتربية والتعليم، وإحاطة بوضع المرأة السورية، قدمها الباحث سليمان الكفيري.

———————————–

سوريا… النظام والمعارضة/ فايز سارة

كيف تبدو صورة المعارضة السورية بعد عشر سنوات من ثورة السوريين على نظام الأسد؟ لعله أحد الأسئلة الجوهرية، التي يطرحها الواقع السوري، ليس فقط من باب توصيفه، إنما أيضاً لما يتصل به من احتمالات التغيير في سوريا، سواء كان على المستوى القريب أو البعيد، والأمر في أحد جوانبه، يتصل بمواقف القوى المتدخلة في سوريا، وقد كررت على مدار العقد الماضي أقوالاً وادعاءات، تتصل بضعف وعدم أهلية معارضة النظام، وهو وصف يلصق بالمعارضة، لكنه يليق أكثر بنظام الأسد الذي يتلقى دعماً ومساندة غير محدودين، لا سيما من إيران وروسيا.

رسمت السنوات العشر الماضية صورة مكثفة للمعارضة السورية، كرست كتلتين، غلبت على ملامح الأولى أنها مقيمة في الداخل ومثالها الأوضح هيئة التنسيق الوطنية، وأغلب مكوناتها من جماعات وشخصيات، انخرطت في معارضة النظام منذ زمن بعيد، واختطت لها أساليب وطرائق وعلاقات في مواجهة النظام ومعه، فاستطاعت البقاء حتى بعد قيام الثورة، بل إنها استفادت من إرثها في رسم ملامح مواقف وطرق عمل، حازت قبولاً في أوساط داخلية وخارجية، منعت خروجها النهائي من ساحة العمل السياسي رغم الصعوبات التي خلقها النظام وحلفاؤه في طريقها، ورغم النزف الذي أصابها نتيجة خروج قيادات وكوادر منها خارج البلاد، أو بسبب هجمات النظام عليها، التي أدت إلى قتل واعتقال واختفاء قيادات فيها أو خروجهم من مسارات عملها.

والكتلة الثانية من المعارضة، غلبت عليها سمة المعارضة الخارجية، ومثالها الأبرز حالياً الائتلاف الوطني، وللحق فإن صورتها، كانت أكثر تعقيداً؛ إذ جمعت بقايا معارضات المنفى السوري من شخصيات وجماعات شاركت نضال السوريين ضد نظام «البعث» وحكم الأسدين، وكان بين هؤلاء قيادات وكوادر من كل الاتجاهات الآيديولوجية والسياسية، خصوصاً من جماعات الإسلام السياسي التي تحولت إلى جماعات في المنفى، وانضم إلى التكوين السابق سوريون عصفت بهم هتافات الحرية، وصور السوريين وهم يواجهون أعتى أجهزة القمع والإرهاب من أجل مستقبل سوريا، وفي الحالتين دلف إلى الكتلة أشخاص من الطامحين للعب دور مستقبلي، وكان بين هؤلاء مقاولون ومستثمرون في الأزمات والتطورات القريبة منهم، أو تتصل بهم، وبسبب من هشاشة وضعف علاقة هذه التشكيلة بالواقع السوري وانعدام تأثيرها عليه، فقد سعت إلى تواصل واتصال مع أطراف وشخصيات، قدرت أن لها أثراً في الداخل لتقوية كتلتها. وفي هذا السياق، جرى ضم كوادر وقيادات، خصوصاً الشباب ممن غادروا سوريا تحت الظروف المستجدة، أو ممن لعبوا دوراً مؤثراً في تكوينات المعارضة في الخارج، التي كان المجلس الوطني السوري أولها ومثالها البارز.

وبطبيعة الحال، فإن التكوين السياسي لكتلة المعارضة «الخارجية» رسم لها سياقاً مختلفاً عما كان عليه حال كتلة «الداخل»، فكان للأولى هامش أكبر وأوسع في طرح الشعارات والمطالب، وفي إقامة وتعزيز العلاقات، سواء مع القوى المحلية أو مع القوى الإقليمية والدولية، وأدى الهامش الأكبر والأوسع إلى تناقض أطروحات المكونات المشاركة فيها، حيث إن البعض اعتبر الثورة بوابة الثأر من نظام الأسد، واعتبر معارضة «الداخل» تحت سقف النظام، ورفض التعاون معها علناً ومداورة، وأعطى دوراً أكبر للقوى الخارجية في إسقاط نظام الأسد، بل إن البعض من شخصيات وتنظيمات ذهب إلى حد الارتباط بقوى دولية وإقليمية.

قد بدت السياسة العامة لقوى المعارضة ومن مواقع وخلفيات متعددة سبباً رئيسياً لفشلها في القيام بدورها ضد نظام الأسد، ومن أجل مطالب وطموحات السوريين، وارتبط الفشل بما اتخذته القوى الإقليمية والدولية من سياسات ومواقف في القضية السورية وحولها، سواء كانت مواقفها متحالفة مع نظام الأسد على نحو ما كانت مواقف روسيا وإيران، أو مواقف دول أصدقاء الشعب السوري، حيث اتسمت مواقف الأولى بالجدية والحسم، وكانت مواقف الثانية مثالاً للتردد.

واذ أدت التطورات السياسية والميدانية إلى تدهور مكانة وأوضاع المعارضة في كل تكويناتها رغم محاولات جمعها في إطار واحد، كما حدث في الهيئة العليا للمفاوضات، التي أطلقها مؤتمر المعارضة في الرياض 2015، وكان بين تعبيرات التردي صعود الميليشيات المسلحة، لا سيما جماعات التطرف الديني من «داعش» و«النصرة» وأخواتهما ومثلها الميليشيات، التي يقودها «حزب الاتحاد الديمقراطي» (pyd)، ومحاولة ثلاثي آستانة خلق إطار موازٍ أكثر توافقاً مع طروحاتهم، ومغادرة قسم من رموز المعارضة الأطر التي كانوا ينشطون فيها، وتوج ضعف كيان المعارضة الرئيسي بعملية إلحاق ببعض السياسات الإقليمية، وكلها أسباب جعلت المعارضة صفرية التأثير في كل مستويات علاقاتها مع القضية السورية في المستويين الداخلي والخارجي، وجل ما يطمح إليه رموزها هو الحفاظ على أماكنهم على أمل دور مستقبلي يعطيهم إياه الفاعلون في وقت لاحق، وأخذ فتات المزايا، التي يمكن أن تلقى عليها من هذا الطرف أو ذاك، وهو واقع قريب من سلوك الجماعات المسلحة خارج مناطق سيطرة النظام، لكن وسط سيطرة أشد من جانب القوى الخارجية على هذه الجماعات.

ووسط واقع الأزمة المحيطة بالنظام، خصوصاً في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي، فقد انفتحت بوابات لإطلاق أصوات احتجاج واعتراض، وصلت حاضنة النظام بما فيها نواته الصلبة، وأخذت حركة الاحتجاج والاعتراض تتسع، وتتعدد أشكال تعبيراتها، وتتنوع مستويات خطاباتها، رغم ما يحيط بها من خوف شديد، وضعف في القدرة على التأطير بهدف تحولها إلى أشكال من معارضة منظمة وفاعلة.

خلاصة القول في معارضة نظام الأسد اليوم، أنها معارضة هامشية لا وزن لها ولا تأثير، وتابعة، وتنتظر النخبة النافذة فيها من يمنحها دوراً في القضية السورية، وقريباً من ذلك، وإنْ بتفاصيل مختلفة، تتموضع جماعات مسلحة يحسبها البعض على المعارضة، فيما يتوالى في مناطق سيطرة النظام صعود تعبيرات احتجاج واعتراض، لا تقوى على التحول إلى معارضة، وهي التي تعرف ما يمكن أن يقوم به النظام ضدها من جرائم حتى بسبب ما يحصل حالياً.

وواقع الحال لدى السوريين هو العمل على خروج معارضة تليق بقيادتهم نحو أهدافهم وطموحاتهم، وهذا أمر لا تبدو له مؤشرات واضحة، وبالتالي فإنه صعب في المدى المنظور، أو أن يتحرك العالم الذي بات يؤكد اليوم ضرورة تنفيذ الإرادة الدولية في الحل السوري وفق القرار 2254، وينظم من أطر المعارضة والفعاليات السياسية السورية خارجها نخبة يمكن أن تدير مرحلة انتقالية لحل سوري طال انتظاره وتعقدت ظروفه، حتى صار يشبه حلماً يحتاج معجزة ليصير حقيقة.

الشرق الأوسط

—————————-

لماذا نقاشاتنا السورية غير منتجة؟/ إيلي عبدو

لا يكاد يمرّ حدث، سواء في المنطقة أو في العالم، دون أن يثير عاصفة جدل بين السوريين، ويكشف عن انقسامات عميقة بين انحيازاتهم الأيديولوجيا، وانتماءاتهم الطائفية، غير أن هذه العواصف تمر من دون أثر ملحوظ، وتنتهي بنهاية الشرارة التي أطلقتها، أي الحدث، من دون أن تؤسس لأي حوار يمكن أن ينتج أفكارا تنعكس على أحوال السوريين وتساعد في تحسنها، ولو نظرياً.

وعلى الرغم من أهمية ما يحصل حولنا، من تونس إلى أفغانستان، فإن انتظار حدث خارجي لإثارة نقاش بين السوريين، يكشف عن ضعف الأرضية التي تخاض عليها السجالات بيننا، واستخدام الخارج موضوعا لها، إذ إن سوريا، شهدت ثورة قبل عشر سنوات، وتداخلت مع حرب أهلية ثم تدخلات قوى أجنبية، فهزيمة وإحباط، أي عشنا مساراً معقداً من الأحداث، تستلزم كل مرحلة فيه، بحثا ونقاشا وإجراء مراجعة ونقد، خارج ثنائية ثورة ـ نظام غير المنتجة. فالأخيرة، رغم صوابيتها الأخلاقية، إلا أنها تغفل ثنائيات أخرى تتعلق بالمجتمع وانقساماته، وتختصر الصراع بحرب النظام على الشعب فقط، من دون الانتباه لصراع الشعب ضد بعضه، بوصفه جماعات.

انطلاقا من ذلك لا بد من بحث، شكل الدولة وحق الجماعات في تقرير مصيرها، والتخلص من التعريفات الأيديولوجية للبلد، كذلك العلاقة مع الدين، وأوضاع المرأة والأقليات ومجتمع الميم، والعلاقات مع دول الجوار، للانتقال من لوم الاستبداد فقط، وهو مطلوب أخلاقيا وسياسياً، إلى بحث التناقضات التي عبر منها الاستبداد، وأوصلتنا إلى الهزيمة. هذه الأرضية للنقاش السوري، تحتاج بطبيعة الحال، إلى التخلي عن الانحيازات الأيديولوجية، وعن التعريفات البعثية لسوريا، والتفكير بمرونة، بما يضمن، حرية السوريين كجماعات وأفراد، ما يعني، أسبقية التفكير بالسوريين وطبيعة اجتماعهم، وليس التفكير بسوريا والتمسك بتعريفاتها السابقة. السوريون يصنعون سوريا، وليس سوريا تصنع السوريين، هذه هي المعادلة التي يمكن أن تشكل معيارا للنقاش السوري. وتجاهل هذه الإشكاليات المتعلقة بتغير النظرة لأنفسنا، انطلاقا من العداء لأسباب الاستبداد وجذوره أكثر من شكل الاستبداد، جعل عدداً كبيراً من السوريين، ينطلقون في مقاربة مسألة خارجية والتطرف لرأيهم حيالها، من الانقسامات في بلدهم، وليس من التفكير بهذه الانقسامات. الفرق بين الأمرين، يكشف فقر السياسة، والاكتفاء بانتماءات ما قبل دولاتية.

أحداث مثل أفغانستان أو تونس، تستدخل، إلى الوعي الانقسامي الرافض للانتقال إلى السياسة، وبحث ما يضمن تصريف التناقضات، في أشكال حكم تراعي حقوق الجماعات والأفراد، وبالتالي، يجري تقليص الأحداث الخارجية، بما تحمل من تعقيدات ومن شروط موضوعية تتعلق بمساراتها، لتصبح على مقاس الانقسامات السورية المتروكة كمشاع، من دون أي تفكير سياسي. وعليه، تكون المعرفة ضحية، النقاشات تلك، لمرتين، الأولى انعدام السياسة، والثانية، سحب الأحداث من سياقاتها وقراءاتها في سياق محلي. والأهم، أن النظرة السورية للعالم، تنحصر بما يخدم الانقسامات ويعززها، ويضيف إليها مادة، لمواصلة المعارك والسجالات الكلامية، وفي ذلك تفويت لفرصة الاحتكاك مع العالم بشكل مختلف، قوامه التفاعل الإيجابي، مع التجارب الخارجية الناجحة، للمساعدة في إدارة الانقسام السوري ونقله إلى السياسة، بدل تجيير الخارج لصالح انقسامات الداخل.

يضاف إلى ذلك، أن النقاشات، بسبب أوضاع السوريين وتشتتهم بين داخل مقموع وخارج موزع بين مهجرين ولاجئين، تدور، على مواقع التواصل، أي في فضاء افتراضي وليس في فضاء عام، وفي الأول، النسيان هو مصير أي سجال مرتبط بحدث يأتي آخر ويزيله، أما في الثاني، فالنقاشات يتم تثميرها ضمن حوار مجتمعي ينعكس في مؤسسات، وقد يخلق رأياً عاماً، ويضغط لصوغ قوانين أو تشريعات. هكذا فإن ما يمر بصعوبة من أفكار جادة، ضمن مناخ الانقسامات السورية الضاغط، يزول سريعا بسبب، طبيعة العالم الافتراضي السريع الذي تدور فيه النقاشات السورية طوال الوقت، وانعدام وجود فضاء عام في ظل الاستبداد وفشل الثورة. وفي النتيجة، تخاض النقاشات السورية، لا سيما المرتبطة بالخارج، على قاعدة انقسامية تقل فيها السياسة، وتتقلص الأحداث المحيطة وتضيق لتصبح على مقاس معاركنا، وإن برز ما هو جاد، فهو لا يؤسس لشيء، بسبب طبيعة الفضاء الافتراضي، حيث ينتهي أي نقاش بانتهاء شرارته. ما يجعل هذه النقاشات، بلا مردود معرفي، وأقرب إلى ساحات المعارك، التي تستخدم فيها كل الأسلحة، وتنتعش في ظلها، الانتماءات القبلية والطائفية والأهلية، وإن بشكل غير مباشر، وباستقدام أحداث من الخارج وصبغها بما نحمل من كراهية لبعضنا بعضاً.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————-

قطار درعا في محطة جنيف.. أم عربة في قطار سوري؟/ نشمي عربي

قرأت كأي سوري البيان الختامي للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار المنعقد في جنيف مؤخراً ولم أجد فيه اختراقاً للغةٍ سياسية سورية صارت، ماركة مسجلة، لمعظم معارضات اليوم، وربما تشبه بعضها شكلاً، بفكر البعث ومنطلقاته النظرية، لكن يشفع لها حقها النبيل في مواجهة نظام يصر على المضي في مواجهة شعبه ولو على حساب خسارة سورية كلها.

لم أجد في البيان خروجاً أو تنازلاً عن ثوابت وحدود دنيا تمسكت بها ولم تتنازل عنها غالب مؤتمرات وندوات وفعاليات أطياف المعارضات السورية، فأهل المؤتمر ما هم (إلا من غزيَّة َ إن غوت … غووا وإن ترشد غزية يرشدوا)..

لم يسوِّق (المؤتمرون) لمؤتمرهم على أنه مفتاح حل العقد السورية، ولا بشَّروا بذلك، على الأقل من خلال تصريحاتهم العلنية المتاحة لعموم السوريين، وبنفس الوقت لم أقرأ في بيانهم الختامي آلية واقعية واضحة ومحددة لتحقيق ما يفترض أنهم توافقوا عليه في مؤتمرهم العتيد، آلية تلحظ خصوصية الوضع السوري بكافة تعقيداته الداخلية والإقليمية والدولية.

الأمر اللافت كان طريقة تعاطي العديد من السوريين مع المؤتمر، والتي شكلت مع الأسف علامة فارقة تضاف إلى سيلٍ من علامات أخرى راكمناها جميعاً كسوريين على طول مسار الأزمة السورية، ربما أضافت إلى تعقيداتها وأطالت في عمرها وقسوتها علينا جميعاً.

من حق كل سورية وسوري أن يتفقوا أو يختلفوا مع أي مبادرة أو نشاط أو فعالية، وأن تكون لهم آرائهم ومواقفهم المختلفة في كل ما يدور على الساحة السورية، ولكن من الممكن أن يتم ذلك دون نداءات التخوين والاتهام بالعمالة للنظام (مع أن النظام لا يوفر زج عيونه وآذانه في كل مكان)، والخضوع لأجندات دول ومحاور إقليمية، وأكثر من ذلك دون إطلاق تهمة (المناطقية) على منظمي المؤتمر!

رغم ذلك فأنا أضع كل هذه الملاحظات (حتى لا أقول الاتهامات) برسم منظمي المؤتمر والمؤتمرين للإجابة عليها وتوضيح مواقفهم حيالها.. وهذا حق السوريين، كل السوريين، عليهم، وعلى منتقديهم أيضاً.

كان مشهداً (سوريالياً) لا يتكرر فعلاً، ويصلح تسجيله كـ (براند) جديد (وطريف) لبعض السوريين أن يشارك في المؤتمر بعض من (مريدي ومحازبي ) أحد التيارات السورية، في الوقت عينه الذي يقوم به مريدون ومؤيدون لنفس التيار بشن حملة شعواء على المؤتمر في محاولة تذاكٍ ملّها وعافها السوريون.

لا أرى في أن يكون بين الداعين للمؤتمر (وربما المتحدث الرئيس فيه) قامة عسكرية مهمة ما يتعارض مع فكرة (المجلس العسكري الانتقالي)، التي ربما كان كاتب هذه السطور أكثر من أسهب في الحديث عنها وبتفصيل شديد، اتفق معي فيه كثيرون، واختلف آخرون، ولم يفسد هذا للود قضية، كنت محدداً وواضحاً فيما كتبته حول شكل ومواصفات هذا المجلس وأوردت دفوعاً ومسببات فرضتها خصوصية الوضع السوري لازلت مقتنعاً بل مؤمناً بها، ولازلت أرى أن هناك جهوداً مكثفة على كل العسكريين الذين رفضوا أن يكونوا جزءاً من آلة الفتك بشعبهم المشاركة بها لتقريب المواقف بينهم لضخ الحياة في شرايين هذا المجلس، ليصبح حقيقةً واقعه تقنع المجتمع الدولي بفاعليتها وقدرتها على الحفاظ على وحدة سورية، ومن ثم ليكون رديفاً لمجلس سياسي يشكلان معاً هيئة حكم انتقالي، وفق قرار مجلس الأمن 2254، تمثل كل السوريين دون استثناء أو إقصاء إلا لمن تلطخت أيديهم بدماء السوريين، تعمل على إخراج سورية من حالة الانهيار السياسي والاقتصادي التي وصلت لها سورية اليوم وتطال كل السوريين، لا أستثني منهم إلا أمراء الحرب، ولا يستطيع كل من لديه نظر أن ينكرها أو يتغاضى عنها.

لا يضير المؤتمر أن يكون من بين منظميه وداعميه من هو محسوب على بلد عربي أو خليجي بعينه، أو أجنبي، على اعتبار ذلك من الواقعية السياسية، شرط أن تكون أية مبادرات أو خطط أو حلول مفصلة على قياس السوريين والسوريين وحدهم، وبعيداً عن محاور لعل آخر هموم السوريين أن يكونوا جزءاً منها أو طرفاً فيها.

ليس سبةً أن يكون بين منظمي المؤتمر من صار همه وديدنه، الوحيد ربما، هو البحث عن ضمانات للجميع تحت سيادة القانون الذي يحمي الجميع، ولكن أن يصبح ذلك (عُصاباً) مبالغاً فيه تحت اسم (حماية الأقليات) فإن ذلك ما يقلق العديد من السوريين وأنا منهم.

السوريون لا يؤمنون بأقليات وأكثريات، ففي سورية أكثرية واحدة هي كل من يحافظ على حقوق السوريين وأمنهم وعيشهم الكريم ووحدة بلدهم، تحت سيادة القانون المدني، وأقلية واحدة هي كل من يقف ضد ذلك، وكلاهما موزع على كافة المناطق والطوائف والاتجاهات السياسية على امتداد التراب السوري.

لمنظمي المؤتمر، وللمؤتمرين، ولمن انتقدوهم، ولمن اندفعوا بعيداً في كيل الاتهامات لهم، أقول وبكل وضوح بأن التحدي أمام جميع من ذكرت هو ألّا يكون قطار جنيف هو قطار درعا، وألا ينظر له بهذا المنظار، بل عربة في قطار سوري موحد جامع للكل، تنضم لعربات أخرى ترفدها على سكة الحل السوري.

أتذكر من كتاب قراءة الابتدائية السورية درساً جميلاً بعنوان (سافر قطار درعا)..

السوريون الذين يعانون اليوم ما لم يعانه شعب آخر بانتظار قطار واحد لا ثاني له، قطار سورية الواحدة الموحدة بكل بناتها وأبنائها، ولكل بناتها وأبنائها.

السوريون، أغلبهم، الذين ضاقوا بمنطق المزرعة والعائلة والعصبة، والذين خرجوا عليها مرةً وإلى الأبد، لا يعنيهم قطار درعا، ولا قطار الجزيرة، ولا قطار الساحل أو حلب أو حمص أو حماة.. بل قطار سورية الواحدة الموحدة.

نشمي عربي

الناس نيوز


انسحاب عشرات الأعضاء من “مؤتمر جنيف” المعارض

وقع 63 عضواً على قرار الانسحاب من “مؤتمر استعادة السيادة والقرار السوري”، فيما أعلن عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر سمير هواش الإستقالة من منصبه، بعد خلافات كبيرة وسجالات واسعة تخللتها اتهامات وانسحابات، بسبب تشكيكهم بنزاهة انتخابات الأمانة العامة.

ووصل إلى “المدن” بيان الانسحاب من مؤتمر المعارضة، الذي انعقد على مدى يومين في 20 و21 آب/أوغسطس 2021 في مدينة جنيف بسويسرا، وجاء فيه: “انطلاقاً من الثوابت الوطنيهً، وإيماناً منا بعدالة قضيتنا وتضحيات شعبنا على كامل مساحة جغرافيا الوطن، من أجل تحرير سوريا من سلطة الاستبداد، وبناء دولة المواطنة والعدالة والديموقراطية، ذات السيادة على كامل التراب السوري، شاركنا بأعمال مؤتمر جنيف لاستعادة القرار والسيادة، وتشجيعاً منا بإيجاد منبر سياسي وطني متوزان وفاعل لتحريك الجمود في الملف السوري، والعمل مع المجتمع الدولي لخلاص شعبنا من الإملاءات والاحتلالات وسلطة القمع والاستبداد، على قاعدة القرارين الدوليين 2254 و2118، وفعلاً تمت المشاركة بحضور شخصيات وطنية مؤثرة وفعالة”.

وأضاف البيان “لكن للأسف تم نسف مبدأ الديمقراطية وأصول العمل السياسي الجاد والفعال من خلال الممارسات الملتوية والتي تريد الهيمنة على المؤتمر ومخرجاته، وبناء عليه تم التوافق على الانسحاب من الهيئة العامة للمؤتمر، وعدم الاعتراف بكل ما صدر ويُصدر عن هذا المؤتمر لاحقاً”.

وأشار البيان إلى أنه “سنبقى مستمرين بالنضال والعمل السياسي على كل الأصعدة والمحافل الدولية، لخدمة قضية شعبنا السوري بكل مكوناته وفئاته”، لافتاً إلى أن “العمل جارٍ لعقد مؤتمر وطني جامع يلبي طموحات شعبنا ببناء دولة المواطنة والعدالة والمساواة”.

ووقع على البيان الأعضاء المنسحبون، وهم: محمد الحاج علي، صلاح وانلي، سعاد خبية، بهية مارديني، يسار عوير، خالد الحسين، نادر عبيدات، مروان خوري، أديب مطاوع، بسام طبلية، عباس الديري، مصطفى فرحات، محمد الحريري، عامر العبدالله، محمد العيسى، محمد بلال العطار، مازن خديجة، زهير اليوسف، عاطف أبو جيش، ابتسام مطر، مرعي المصري، عبد الحكيم الخيرات، جمال شحود، مفيد شرف، جلال يماني، محمد الحاج،  مصطفى السيد، علي النايف، حسن مصطفى، عبدالله الحاج محمد، رشيد الناصر، عمار عباس،  عصام الحاج عبو، رمضان عيسى، ربى مصطفى، ريزان كمو، ماهر محمد فاضل، رامي المصطفى، درويش خليفة، جمعة العنزي.

كما انسحب من الهيئة العامة للمؤتمر: إسماعيل الحسن، رياض الأحمد، عبد الرزاق العليوي، تركي درويش، صفوان موشلي، أحمد بقجه جي، أسامة حمود، عبد الودود الأحمد، أحمد الأقرع، حميد عبد الكريم،  يحيى الخطيب، أحمد الحمود، محمد خالد الزرعي، جمال الحاج، عزت الخليل، أحمد العصوة، وائل الحريري، رمضان العبار، ماجد الكرو، عصام حاج عبو، علاء الدين البشير، محمود الناصر وزياد الحو.

بدوره، أعلن سمير هواش استقالته من منصبه، وقال: “كنت قد تمنيت على الرئاسة التواصل مع الزملاء الذين استقالوا من اللجنة ومحاولة إقناعهم بالعودة الى الأمانة العامة، لكن بعد مرور حوالى الأسبوع، لم يبادر أحد إلى التحرك، وكأن الأمر يناسب الجميع”.

ورأى أن “الأمانة العامة لم تعد تمثل ما عملنا عليه وما كان مأمولاً من المؤتمر، لذلك أعلن استقالتي وأتمنى لكم التوفيق في عملكم، وأتمنى أن أكون مخطئاً وأن تستطيعوا أن تحققوا ما نريده من نتائج للمؤتمر”، وتابع: “غداً سأصدر بيان الانسحاب مع 26 عضواً من المؤتمر”.

وكان المؤتمر قد عقد الاجتماع الأول لهيئته العامة بحضور 380 شخصاً في جنيف في سويسرا، حيث تمت مناقشة أوراق المؤتمر ووثائقه ونظامه الداخلي وأهدافه، بالإضافة إلى انتخاب أعضاء الأمانة العامة.

ونص البيان الصادر عن المؤتمر على “السعي لاستعادة السيادة الوطنية والتمسك بوحدة وسلامة الأراضي السورية وحرية الشعب السوري بكافة مكوناته”. كما طالب ب”خروج كافة الاحتلالات والقوات الأجنبية من البلاد، والتمسك بأهداف الشعب السوري بإسقاط الديكتاتورية وتحقيق العدالة، وكذلك محاسبة المجرمين والعمل على إخراج المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون النظام وسجون التنظيمات الإرهابية”. ورأى عدد من منتقدي مضمون البيان الختامي، أنه “تجنب المباشر، مثل الحديث عن إسقاط النظام وإغفال اسم بشار الأسد”.

المدن

———————————-

حمّى المؤتمرات.. عجز أم تأسيس لفعل.. أم…؟/ بسام يوسف

منذ أن شعر معظم السوريين أن الوضع في سوريا يذهب إلى حيث لا يريدون، وأن كل السبل التي اختاروها للوصول إلى أهدافهم لم تصل بهم إلا لخراب أكثر، كان من الطبيعي أن يحاولوا اجتراح سبل أخرى، وكان من المفترض بداهة أن تكون دروس الفشل السابق حاضرة في محاولات بحثهم الجديدة، لكن – وللأسف – فإن ما نشهده اليوم من سيل الدعوات والتحضيرات لاجتماعات ومؤتمرات، وما تمتلئ به وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصالات الشخصية، من أوراق، ونصوص، وحوارات هو إعادة التجارب السابقة إياها، لكن باستبدلات شكلية لن يكون لها أي جدوى.

لم تستعر هذه الاندفاعة بسبب الفشل فقط، بل جاءت أيضا لسبب آخر، وهو خطورة الاحتمالات التي تواجهها سوريا وشعبها والناجمة عن القمع المجنون، واستكلاب النظام للإمساك بالسلطة بغضّ النظر عن الثمن، وعن مدى خطورة انتزاع قرار الشأن السوري من يد السوريين، وانتقاله لأيدٍ خارجية.

ورغم الضرورة الماسّة لأن يسارع السوريون لاستعادة قرارهم، وللبحث عن فعل يفوّت الفرصة أمام احتمالات تفتيت سوريا، وتدميرها الكامل، إلا أنهم ما يزالون يدورون في الحلقة المفرغة التي ابتلعتهم منذ عقود، وما تزال السياسة بالنسبة لهم فعلا فوقياً، لغوياًَ، يتخبط في المفاهيم، لكنه لا يلامس الواقع، ولا تتهجى حروفه، هذا العمل السياسي الاعتباطي المنفعل، والذي غالبا ما يدير ظهره للحقائق لن ينتج إلا الفشل، هذا إذا افترضنا حسن النية، وافترضنا أن تجاهل الحقائق ليس لغايات غير بريئة.

غالباً ما يكون هاجس المؤتمرين هو إنجاز وثائق، ورؤى بصياغة تنافسية مع أوراق أخرى سبقتها، أو طرح أفكار جديدة تولّدها الرغبات والأحلام وليس الواقع والضرورة، كأنّما الصراع هو صراع بيانات وصياغات، ولهذا يحاول الجميع أن تكون أوراقهم مسبوكة بإتقان، ويختلفون كثيراً عند صياغتها، وربما يفترقون على عداوات حقيقية حول كلمة هنا أو هناك، فالمهم هو اكتمال النص، وليس المهم هو مدى ملاءمته للواقع، ومدى قدرته على الفعل، ولهذا فإن مؤتمراتنا غالباً ما تكون بلا فائدة بعد انتهاء انعقادها، لأن النصوص التي أبدعتها قريحة المجتمعين، لم تولِ الفعل والجدوى اهتمامها، ولم تلحظ حاجة الواقع الأساسية.

شهدت الأشهر الأخيرة عدة محاولات لعقد اجتماعات أو مؤتمرات، منها ما عُقد، ومنها ما يجري التحضير له، ومنها ما يزال قيد البحث، لكن ما يلفت الانتباه في اجتماعين عقدا مؤخراً، الأول في جنيف تحت عنوان “استعادة القرار والسيادة”، والثاني اجتماع دوري عقد في “فيينا” نظّمته مجموعة تطلق على نفسها “مدونة لسلوك عيش سوري مشترك”، وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة حكمت كلا الاجتماعين، إلا أن هناك نقطتين جوهريتين يتقاطع بهما كلا الاجتماعين، وتستوجبان الحديث عنهما.

النقطة الأولى، هي مشاركة سوريين يعيشون في الداخل السوري، أما الثانية فهي ضبابية موقفهما من النظام الحاكم في سوريا، وتحديداً فيما يتعلق برأس النظام بشار الأسد، وحجر الأساس في موقفهما من النظام هو فكرة انتصار النظام، وبالتالي التعامل مع هذا المعطى بما يناسبه سياسياً.

بخصوص مشاركة سوريين يأتون من مناطق سيطرة النظام ويعودون إليها، فهو أمر يدعو للتفاؤل، وهو ضروري، فالسوريون جميعاً معنيون بمصير وطنهم، ولهم كامل الحق بالمشاركة في صياغة هذا المصير، لكن لا يستقيم الأمر عندما نقول أن من قدموا من الداخل محكومون بظرف يمنعهم من تجاوز عتبة ما في مواقفهم لدواعٍ أمنية، حتى لو كان تجاوز هذه العتبة ضرورياً للعمل المجدي، لأن بديهيات العمل السياسي تقتضي أن تكون مرجعيته المصلحة العليا، والأهداف العليا التي تضعها هذه التكتلات. ولا يمكن للمصلحة العليا لدولة أو مجتمع، أو حتى لحزب أو جماعة، أن تكون عرضة لابتزاز جهة قمعية.

قبل مناقشة النقطة الثانية، لابدّ لي من القول إنني لست بصدد الأسماء المشاركة في كلا الاجتماعين، ولست بصدد نقاش تاريخهم أو مواقفهم السابقة، رغم أهمية هذا الأمر، لكنّي هنا معني فقط بنقاش فكرة يتم التسويق لها الآن، من قِبل عدة جهات دولية وسورية، سواء من جهة النظام، أو جهة المعارضة، وفحوى هذه النقطة هو انتصار النظام، وبالتالي فإن علم السياسة يوصي بالتعامل مع هذا الانتصار بما يتطلبه سياسياً.

أولا – في الجوهر لا يستقيم القول إن النظام انتصر، فأي انتصار يفترض بالضرورة طرفاً مهزوماً، وبما أن حرب النظام كانت ضد الشعب السوري، فإن انتصار النظام يعني هزيمة الشعب.

ثانياً – اعتبار حملة السلاح على تنوعهم هم ممثلو الشعب السوري، وهزيمتهم تعني هزيمة هذا الشعب، هي فكرة ليست صحيحة وحسب، بل هي فضيحة سياسية ومعرفية، ولا تليق بمواطنين يتصدون لكارثة تعصف بوطنهم.

ثالثاً – في إطلاق هذا التوصيف، تغييب غير بريء لجوهر الصراع في سوريا، والذي يستند أساساً إلى بنية النظام وحتمية انهيار الدولة والمجتمع في سوريا، في حال استمرار هذا النظام.

رابعاً – مصطلح أو مبدأ (لاغالب ولا مغلوب)، يُمكن استعماله في خلاف بين طرفين متمايزين تماماً، سواء في الجغرافيا، أو في الاقتصاد، أو في الدين أو الإيديولوجيا، لكن لا يجوز استعماله في صراع بين شعب وحاكم يستمد شرعيته من هذا الشعب، بين شعب وطغمة مستبدة تحكمه، وتُجرم بحقه، وتنهب ثرواته، وتدمّر ركائز بقائه وتطوره.

باختصار، يمكننا توصيف ما حدث في سوريا هو أن طاغية مدجج بالسلاح، استطاع بوحشيته، وبمساعدة أطراف دولية أكثر وحشية، من إخضاع الشعب الذي ثار ضده، وبالتالي فإن هزيمة هذه الثورة، لا يجوز لها أبداً أن تكون بوابة لإعادة شرعنة هذا الطاغية، ولا يجوز، ولا يحق لمن يعتبرون أنفسهم معنيين بهذا الشعب، أن يغيروا في توصيف جوهر الصراع، وطبيعته.

من جهة أخرى، ماذا يُمكن لنظام منخور بالفساد، والطائفية والتبعية، نظام مثقل بجرائم لا عدَّ لها، أن يُقدم لوطن مدمّر، ومحتل، ومنهار اقتصادياً وسياسياً؟

من يسهمون بسوء نية، أو بحسن نية، بإعادة تعويم هذا النظام، فإنهم يؤسسون إما لتفتيت سوريا، أو لإخضاعها بالعسف والطغيان فترة من الزمن، قبل أن تنفجر مرة أخرى على نحو أشد ضراوة.

عندما لا تستطيع أن تفعل شيئاً، لا تسهم بتزوير الحقائق، فالحقائق المزورة تصبح عقبة في وجه الآخرين الذين تدعي الدفاع عنهم.

تلفزيون سوريا

——————————–

هيا لنؤسس معارضة سورية جديدة!/ عمر قدور

قبل عشرة أيام أعلن ما يزيد عن ستين عضواً في “المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار” انسحابهم من التكتل المعارض الجديد، بعد أسبوعين من انسحاب عدد أقل اعتراضاً على نتائج المؤتمر وانتخاباته، المؤتمر الذي عقد في جنيف يومي 20-21 آب2021. المنسحبون الجدد أكدوا ما سبق أن أُثير في موجة الانسحابات الأولى، خاصة لجهة الإشارة إلى “ممارسات ملتوية تريد الهيمنة على المؤتمر ومخرجاته”، و”تنسف مبدأ الديموقراطية وأصول العمل السياسي الجاد والفعال”.

كانت الجبهة الوطنية الديموقراطية “جود” قد نالت قسطاً أوفر من الانتباه على أرضية وثائقها الأولى التي بدت متقدمة بالنسبة لما يُعرف بمعارضة الداخل، من حيث الإشارة إلى تغيير النظام برموزه وأركانه وإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وأيضاً لما حملته الدعوة إلى انعقاد المؤتمر التأسيسي في دمشق. بعد منع المخابرات انعقاد المؤتمر في آذار الماضي، عقدت الجبهة مؤتمرها افتراضياً في أيار، وهذه المرة مع غياب الاهتمام الذي لم يتجاوز دائرة ضيقة من متابعي تفاصيل الشأن السوري، و”الفتور” وجد طريقه إلى بيانها الصادر بعد انتخاب هيئتها التنفيذية، وكأن البيان الجديد يتخفف من “جرأة” التأسيس.

خلال ثلاثة شهور تماماً، تم تأسيس “مؤتمر” وطني معارض و”جبهة” ديموقراطية معارضة، لكن هذا ليس بالخبر الذي يلفت انتباه السوريين، ولا حتى انتباه الشريحة الأوسع من الذين يرون أنفسهم في جهة المعارضة. ربما، فقط في أوساط محدودة تمتهن العمل المعارض، يمكن العثور على مهتمين بحكم المنافسة، ويمكن العثور على أجوبة “من دون طرحها حتى” عن كواليس تنظيمات المعارضة الجديدة، وعن ارتباطاتها غير المعلنة وظروف تأسيسها غير المعلنة أيضاً، ومن المتحكم بخيوط اللعبة خلف تلك الكواليس…. إلخ.

لا ثقة في ما يعلنه التنظيم الجديد، فدائماً الحقيقة إما تحت الطاولة أو وراء الكواليس. تالياً، لن تكون مهمة وثائق التنظيم وطروحاته، خاصة مع التشابه المعمم بين ما تطرحه كافة تنظيمات المعارضة، وإذا قيس التشابه النظري بالخصومات العملية “ومنها خصومات تتفوق على العداء للأسد” فهذا القياس يعزز من عدم الثقة بما هو نظري، وبما يُقال عموماً لصالح التفتيش عما لا يُقال، ولماذا لا يُراد قوله، ولصالح مَن أو لصالح أية جهة.

إن أي تنظيم معارض سوف يبدأ، شاء أصحابه أم أبوا، من عتبة عدم الثقة المبنية على تاريخ من التنظيمات السابقة للمعارضة. قد لا تتساوى التنظيمات السابقة في مساوئها، إلا أن أفضلها “إن وجد” لم يكن مؤثراً بحيث يخفف من مناخ عدم الثقة المعمم، وهو ليس فقط وليد سنوات الثورة والتنظيمات التي أُسست خلالها. البدء من “تحت الصفر ثقة” يفرض مكابدة أشد، لم ينجح في امتحانها أي تنظيم حتى الآن، باستثناء مجموعات هامشية اكتسبت درجة الصفر في الثقة مع درجة الصفر في التأثير والتطور والانتشار!

الصورة النموذجية لحياة تنظيم معارض تكاد تكون على الشكل التالي: تلتقي مجموعة من المتقاربين أيديولوجياً وفكرياً، ولا يندر أن يتناسى هؤلاء تجربة سابقة مشتركة فاشلة جمعتهم، أو أن يتعالوا على جراح متبادلة جراء خلافاتهم السابقة، وسيكون من حسن الحظ إذا وجد أعضاء جدد طيبي النوايا لا يشاطرونهم ذلك الإرث. مدفوعين بحماس البدايات “كل مرة”، يستعيد المؤسسون تلك القيم الوطنية والديموقراطية النبيلة، ويفكرون طويلاً طويلاً في ما تنبغي إضافته ليكون التأسيس الجديد متمايزاً عن غيره، وعن التأسيس السابق الذي جمع بعضاً منهم. قد لا تخلو مرحلة الإعداد من التكتيكات والألاعيب التي لا تغيب عن أولئك المعارضين المعتّقين، إلا أنهم سيتجاهلونها مؤقتاً، وقد يتجاهلها البعض منهم رغم أن انتخابات المؤتمر التأسيسي لم تأتِ على هواه. ثم ستأتي الفرصة مع القيادة “التي انتُخبت أصلاً بطريقة مشبوهة”، ليعلن الناقمون دفعة واحدة انحرافَها عن المبادئ المؤسِّسة وعن مجيئها بألاعيب تخالف التقاليد الديموقراطية الحقة. ولا يندر أن ينشق التنظيم الجديد، وينسب كل طرف لنفسه الأحقية بالاسم فيكون لدينا تنظيمان “ولاحقاً أكثر” بالاسم نفسه.

التكاثر بالانقسام؛ هذا واحد من علل المعارضة السابقة على الثورة، إذ كان المعارضون أنفسهم “بلا زيادة أو نقصان يُعتد بهما” يزيدون في عدد التنظيمات جراء الانشقاقات التي عكست غياب الديموقراطية في التنظيم الأم، ومعها غياب المرونة القابلة بالتطور الفكري والمفاهيمي. مع انطلاقها، أتى هؤلاء إلى الثورة، بانقساماتهم السابقة وعداواتهم، والجمود الفكري لبعضهم الذي يظن أن الثورة استمرار لـ”نضاله” القديم. كان على الثورة أن تواجه سلطة متوحشة، بينما تقفز إلى صدارة تمثيلها السياسي هنا وهناك “في الداخل والخارج” معارضة تحمل أمراض الأيديولوجيات المفوّتة والأمراض المتسللة من سلطة الاستبداد، لتنقلها إلى المجال الجديد بدل “الخبرة” التي يفترض أن تساند بها شباب الثورة.

كانت الثورة مناسبة لدخول الجيل الجديد في السياسة، فتولى معارضون قدماء إفساد الجو بطرد النسبة العظمى من أولئك الشباب وبإفساد البعض منهم وتوريثه العلل السابقة، بل توريثه حتى العداوات التي نشبت عندما لم يكن قد ولد بعد! مَن أفسدوا المناخ العام ينتمون إلى مختلف أطياف المعارضة، مَن بقي منهم ضمن الأطر القديمة ومَن انتمى إلى الهياكل المستحدثة، وهو دور لا يقل تأثيراً عما يُنسب من تأثير سلبي للدول أو لأجهزة المخابرات التي تتعاطى مع تنظيمات المعارضة، أيضاً بمختلف أطيافها وأماكن تواجدها، مع التنويه بأن العلاقة بالخارج ليست نقيصة ما لم تصبح من موقع التبعية.

الطريف أنه جراء إفساد المناخ العام وانعدام الثقة في كافة تنظيمات المعارضة تبرز الحاجة إلى معارضة جديدة مختلفة، إلى معارضة بديلة تقدّم نفسها كنموذج محترم للسوريين وللخارج، ومعها يتقدم من يظنون أنفسهم خارج الفشل الذي ساهموا فيه. بعبارة أخرى، وعطفاً على السمعة السيئة القديمة، سيطرح الجديد نفسه بديلاً سواء صرح بذلك أم لم يصرّح. ثم سرعان ما سيكرر الجديد قديمه، فهو كما أسلفنا يقتفي خطاه السابقة، ويستخدم حجارته القديمة ذاتها متوهماً بناء جديد بها، ليستقر في النهاية كإضافة أو تنويع ضمن انعدام الثقة السائد، وكثقل إضافي فوق اليأس من القديم ومن الجديد معاً.

ما سبق كله ليس قدراً للمعارضة أو للسوريين، وسبل الخروج منه ليست مستحيلة أو عصية. نظرياً، يستطيع حتى معظم أولئك الذين صنعوا الفشل مراراً أن يشير إلى أسبابه وطرق الخروج من دوامته، إلا أن هذه المعرفة تُترك خارجاً عند الاجتماع لتجسيدها بالفعل.

المدن

———————————

الاجتماعات السرية التي يتابعها الإعلام/ بسام جوهر

رد على الصديق بسام يوسف

في مقالته المعنونة، حمّى المؤتمرات-عجز أم تأسيس لفعل، والمنشورة في موقع تلفزيون سوريا بتاريخ 7 / 9/ 2021، حاول الصديق بسام يوسف أن يشكك بجدوى كل تجمع أو مؤتمر يمكن أن يدعو إليه السوريون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.

حمّى المؤتمرات.. عجز أم تأسيس لفعل.. أم…؟

ربما هو ينطلق (وهو محق في ذلك)، من التجربة الفاشلة لجميع المؤتمرات والاجتماعات التي تنطع لها القائمون على المعارضة السورية الرسمية ومن يدور في فلكهم، فالجميع يعلم مستوى الفشل الذي وصلت إليه المعارضة السورية الرسمية، ليس على صعيد تحمّل مسؤولياتها السياسية فحسب، بل على الصعيد الأخلاقي وزكمت الأنوف روائح الفساد الذي طال معظم، ولن أقول جميع، من شارك ويشارك في صفوفها.

تناول الصديق بسام مؤتمرين أو اجتماعين عُقدا مؤخراً، الأول تحت عنوان: استعادة القرار السوري، وقد تم في جنيف ودعا إليه السيد هيثم مناع واللواء محمد الحاج علي، والثاني عُقد في فيينا هو لمجموعة سورية تطلق على نفسها: مجلس المدونة السورية، وقد وضعت هذه المجموعة في وقت سابق، مدوّنة أطلقت عليها (مدونة سلوك لعيش سوري مشترك).

بعد أن اتهم الصديق بسام يوسف المشاركين في الاجتماعين بأن همّهم هو إنجاز وثائق مسبوكة بإتقان، وبأنهم يديرون ظهورهم ويتجاهلون الحقائق على الأرض، ذلك التجاهل الذي يؤدي حتماً إلى الفشل، قال إن تجاهل الحقائق جاء بسوء نية ولغايات غير بريئة، (هذا إذا افترضنا حسن النية، وافترضنا أن تجاهل الحقائق ليس لغايات غير بريئة).

وقام الصديق بسام بسرد اتهامات تطول الاجتماعين وغمز من قناة المشاركين بهما الذين جاؤوا بحسن نية أو غير ذلك. علماً أن لكل اجتماع منهما خصوصيته وأهدافه وآلية عمله، وهذا ما لم تتم الإشارة إليه في المقال المذكور، ربما لأن كاتب المقال لم ينتبه لذلك.

هنا، وباعتباري مشاركاً ومنذ مدة ليست قصيرة في اجتماعات مجلس المدونة السورية، اسمحوا لي أن أذكر لصديقي بسام، ولكم، ما أراه فرقاً بين الاجتماعين المذكورين، مع قليل من التركيز على اللقاء الذي كنت مشاركاً فيه في فيينا.

المؤتمر الأول والذي كان تحت عنوان استعادة القرار السوري، هو مؤتمر سياسي بامتياز، كانت جلسته في جنيف هي الجلسة الأولى، له أهداف وطريقة عمل خاصة به، وهو يختلف عن اجتماع فيينا حتى بطبيعة لقاء الأشخاص المؤتمرين فيه، ولست هنا في صدد الكلام عن هذا المؤتمر وتقييمه والنتائج التي آلت إليها جهود أصحابه أو ما حصل فيه، فهذا شأن يخص القائمين عليه فهم أقدر على فعل ذلك.

لكني في صدد الكلام عن الاجتماع الثاني، أو اللقاء الدوري لمجلس المدونة السورية، الذي عُقد في فيينا في بداية شهر أيلول، أقول الاجتماع الدوري، لأن المجلس ينعقد منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ويضم مجموعة من السوريين من الداخل السوري ومن الخارج. ولا أجد حرجاً من إدراج القول الذي اعتاده السوريون، بأن المشاركين في هذه الاجتماعات هم (من كل أطياف النسيج السوري)، لكن لكل منّا قصدٌ يعنيه من تعبير النسيج، فقد يراه البعض طوائف وعشائر وقوميات، وأنا أراه مواقف سياسية وفكرية.

وقد شعرت بالفعل، مع الاعتذار من الصديق بسام، أن الخلط بين الاجتماعين ليس بريئاً، فإن كان بريئاً، فذلك يعود على الأغلب لنقص في معلومات الصديق بسام، حول آلية عمل مجلس المدونة وأهدافه وحتى طبيعة الناس المشاركين فيه على مدار أكثر من ثلاث سنوات. الخلط بين مؤتمر له أهدافه السياسية الواضحة وبين لقاء دوري ينطلق من أساس وتراكم نقاشات وخلافات وصلت إلى حد (شد الشعر) كما يُقال، هو أمر يجانب الصواب، فالنقاشات في مجلس المدونة أفضت في النهاية إلى الاتفاق على  أحد عشر بندا أو نقطة، بين سوريين يختلفون على الكثير من القضايا لكنهم أيضاً اكتشفوا أنهم أيضاً يجتمعون على الكثير من القضايا ومنها هذه النقاط الإحدى عشرة، ويرون أن هذه النقاط ربما تساعد على أن تكون أساساً لعيش سوري مشترك، ولمن لا تعجبه صيغة العيش المشترك، أقول إنها أيضاً لا تعجبنا، لكنها الحد المعقول الذي نطمح إليه في المدى المنظور، بعد أن أصبحت الثقة بين مكونات هذا الشعب أو تكاد تكون في خبر كان.

الحقيقة لا أعرف من أين جاء الصديق بسام بأننا ننطلق من فكرة انتصار النظام والتسويق لها!!! وشدّد إلى حد السخرية من فكرة لا غالب ولا مغلوب وهي أحد بنود المدونة وهي حرفياً: (الحرب السورية لا غالب فيها ولا مغلوب، وفيها خاسر وحيد هو الشعب السوري)، هل هذا البند، يذكر أن النظام انتصر ويجب التعامل مع الأمر من هذا المبدأ؟؟؟!

ثم من يقرأ المدونة يجد أن هذا البند يتحدث عن الشعب السوري وليس عن الأطراف المتحاربة، هؤلاء الذين جاء عنهم في المدونة أن: لا أحد بريء من الذنب ويجب محاسبتهم.

الحقيقة لسنا بحاجة إلى تذكيرنا من صديقي بسام يوسف أو من غيره، بجوهر الصراع في سوريا، فنحن ندرك تماما أننا أمام طاغية مدجج بالسلاح، ونعرف أيضاً الأطراف التي تريد تعويم النظام من جديد، ولسنا منهم قطعاً كما يقول، كما أننا نشد على كل يد تستطيع اقتلاع هذا النظام من جذوره، لكن نحن في مجلس المدونة نتعامل مع الواقع، ولا نسهم بتزوير الحقائق كما ورد في المقال، بل ننطلق من الممكن وما يمكن أن نستطيع فعله في ظل أسوأ كارثة شهدها العالم منذ الحرب العالية الثانية، أدت إلى تدهور كبير في ما بقي من الروابط الإنسانية والاجتماعية بين السوريين، كما أدت إلى استقطاب حاد بين مكونات الشعب السوري، أي باختصار أدت هذه الكارثة إلى انهيار ما بقي من السلم الأهلي الذي كان قائماً قبل سنوات الحرب.

إن عمل مجلس المدونة، هو محاولة إعادة تفعيل العلاقات والروابط وشبكات الأمان الاجتماعي والسلم الأهلي، وتعزيز التعاون والتضامن بين الأفراد والجماعات السورية، معتمدين في ذلك على أفراد وجماعات سورية لها وزنها الاجتماعي والديني والسياسي، ومن كل مكونات الشعب السوري.

شبكات الأمان هذه ليست مشروعا سياسيا، بل هي عمل مدني يهدف إلى تعزيز ثقافة السلم الأهلي.

طبعاً مجلس المدونة له موقع على شبكة الإنترنت وأيضاً له صفحة على الفيس بوك اسمها (سوريا11)، يتابعها نحو 75 ألف متابع، وكذلك على يوتيوب وتويتر، ويمكن لكل من يريد المزيد من المعلومات عن المدونة وأعضائها الدخول إلى الصفحة أو إلى موقع سوريا 11.

وفي النهاية أقول: بعض الاجتماعات لا تكون سريّة، لكنها تنأى بنفسها عن الاستعراض الإعلامي، ويصادف أنها تحصل من دون وجود أي نوع من أنواع المخابرات.

تلفزيون سوريا

————————–

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى