سياسة

تطورات الموقف الروسي من الأزمة السورية-تحليلات ومقالات مختارة –

———————————-

عودة اللاجئين السوريين هي شعار المرحلة/ بكر صدقي

شحن بشار الأسد، مجدداً، إلى موسكو تحت جنح الظلام للمثول أمام فلاديمير بوتين. لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هناك علاقة فيروسية بين هذا الاجتماع والحجر الصحي الذي فرضه بوتين على نفسه، في أعقابه، خشية التقاط العدوى. فقد تحدثت مصادر الكرملين الرسمية عن إصابات بالعدوى في المحيط القريب من الرئيس الروسي، ولم تشر بشكل خاص إلى الزيارة الليلية لبشار الأسد.

ليس من المعقول ألا يكون كلا الرجلين قد حصل على العدد الأقصى من جرعات اللقاح المطلوبة ضد كورونا، في الوقت الذي حصل فيه كاتب هذه السطور، العبد الفقير السوري اللاجئ في تركيا، مثلاً، على 3 جرعات! فإذا كان ثمة خشية من إصابة بوتين بالعدوى، فهذا نذير شؤم بشأن مستقبل البشرية، بأن الفيروس اللعين، بطفراته الجديدة، قادر على التغلب على جميع العقبات والتدابير واللقاحات!

لعل في هذا التشاؤم بشأن مستقبل البشرية، بسبب فيروس تافه، عزاءً للسوريين بأن بلواهم متعددة الأبعاد ليست استثناءً، بل جزء من الجحيم الذي يمضي إليه الكل بثبات.

قال وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، قبل أيام، إن الحكومة التركية تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على صيغ أو وسائل لتأمين عودة آمنة للسوريين إلى ديارهم. ونشرت صحيفة «يني شفق» الموالية للحكومة التركية خبراً بهذا الشأن، أعطت فيه عناوين لتلك الصيغ والوسائل: التوسع في بناء وحدات سكنية تكون بديلاً للخيم أو الكرفانات داخل الأراضي السورية، وتحسين شروط الحياة في المخيمات القائمة. كل ذلك في المناطق المتاخمة للحدود التركية وتسيطر عليها القوات التركية والفصائل التابعة لها.

الدول الأوروبية التي «ملّت» من تمويل المساعدات الإغاثية للسوريين لتمنعهم تركيا من الانتقال إلى أوروبا، رأت «النجاحات» التي تحققت في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بخصوص توطين النازحين من مناطق أخرى إلى الشمال، بنتيجة خطة «مناطق خفض التصعيد» في أراض نزح منها أصحابها بسبب التدخل التركي، من خلال بناء وحدات سكنية بتمويل دول خليجية وتنفيذ شركات بناء تركية، فأصبحت أقرب إلى تفهم الخطة التي قدمها الرئيس التركي قبل سنتين، في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة: منطقة آمنة (كوريدور سلام وفقاً للرطانة التركية) تبنى فيها بيوت من طابقين تحيط بها حديقة لزراعة الخضروات، لإيواء ما بين مليون ومليونين من السوريين المقيمين في تركيا بموجب نظام «الحماية المؤقتة».

يتوجه الرئيس التركي، بعد أيام، إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة مرة أخرى. قد يكون أكثر حظاً هذه المرة من المحاولة الأولى في نيل دعم لخطته المذكورة، بالنظر إلى الحركة الدبلوماسية النشطة التي شهدتها تركيا في الأسبوعين الماضيين، وانصب اهتمام الضيوف الأوروبيين فيها على موضوع إيجاد حل لصداع اللاجئين السوريين.

الحل السياسي غير ممكن، وروسيا ماضية في مساعدة بشار الأسد على السيطرة على جميع الأراضي السورية، كما نفهم مما قاله بوتين في لقائه مع بشار، وهو ما نرى تطبيقه على الأرض سواء في درعا التي عادت، بعد مقاومة، إلى سيطرة النظام، أو في إدلب التي كثف الطيران الروسي قصف مختلف مناطقها في الآونة الأخيرة. التكهنات الإعلامية «المتفائلة» بشأن زيارة بشار لموسكو، تحدثت عن احتمال ضغط روسي عليه للمضي في «العملية السياسية» أي استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف. في حين أن بوتين استهل الاجتماع بتهنئة بشار بعيد ميلاده وبانتخابه لولاية رابعة من سبع سنوات. قال بوتين: «فوزكم في هذه الانتخابات دليل على ثقة شعبكم بكم»! كما أشاد بمساهمة بشار الإيجابية في «الحوار مع خصومكم» قال! ليرد عليه ضيفه بالقول إن الدول الأخرى تضغط (على أولئك الخصوم) لإفشال العملية السياسية!

نعم هذا هو الحوار السوريالي الذي جرى، وفقاً للمصادر الرسمية الروسية. ويقيني أنه قريب مما جرى فعلاً في اللقاء المذكور. من المحتمل أن ما لم يعلن عنه هو موضوع عودة اللاجئين السوريين، بما أنه موضوع الساعة في تركيا والأردن ولبنان ودول أوروبية. وكانت منظمة العفو الدولية قد نشرت، الأسبوع الماضي، تقريراً مؤلماً عن تعرض عائدين إلى سوريا لأنواع التعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري على يد أجهزة مخابرات النظام. بوتين الذي يسمم معارضيه الفارين إلى دول أخرى، ويغتال آخرين في شوارع المدن الروسية، ليس من المتوقع طبعاً أن يطلب من الأسد التوقف عن تعذيب العائدين أو إخفائهم، بل قد يقرّعه لفشله في الحيلولة دون تسرب أخبار تلك الانتهاكات إلى منظمات حقوقية، وبالتالي إلى الإعلام. ومن جهة أخرى ليس من المستبعد أن يطلب بوتين من ضيفه التجاوب إيجاباً مع تركيا بشأن التنسيق الأمني بدلاً من تكذيب أخبار لقاء مرتقب بين قائدي الجهازين الاستخباريين التركي والأسدي في بغداد، كما شاع مؤخراً.

«بشار الأسد باق» قال ملك الأردن بعد زيارة لموسكو اجتمع فيها مع الرئيس الروسي قبل أسابيع. وهو لسان حال «المجتمع الدولي»: باقٍ ويتمدد، وعليكم القبول به أيها السوريون، وعلى من نجوا منه في بلدان الشتات أن يعودوا «طوعاً» إلى «بلدهم»!

القدس العربي

————————————-

لقاء بوتين والأسد: ما أضعف المغزى لولا كوفيد ـ19

اللقاءات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد، سواء جرت في مطار حميميم أو دمشق أو منتجع سوشي أو موسكو، هي مناسبات دائمة للتذكير بحال تبعية الثاني للأول وعلى نحو لم يعد يكترث حتى بتوفير المستوى الأدنى من الإيهام بالسيادة الوطنية السورية مقابل الهيمنة السياسية والعسكرية والدبلوماسية الروسية.

وقد يكون المظهر الأول الأكثر وضوحاً هو أن زيارات الأسد إلى روسيا تبقى طي الكتمان ولا يُعلن عنها إلا بعد انتهائها، لأسباب لا تتصل فقط بالاعتبارات الأمنية من جانب النظام السوري وإنما كذلك بمقدار الأهمية التي يعلقها الكرملين على مجيء الأسد بالمقارنة مع جداول أعمال الرئيس الروسي وانشغالاته. وأما في الحالة الثانية، أي زيارات بوتين إلى سوريا، فإنها غالباً تأتي على هامش زيارات أخرى أكثر أهمية يزمع الرئيس الروسي القيام بها، كما في الانتقال إلى إسطنبول لتدشين خطّ الغاز «ترك ستريم» الذي يربط بين روسيا وتركيا.

المظهر الثاني هو التصريحات التي تصدر عن سيد الكرملين حول الوضع في سوريا، فلا تستغفل عقول السوريين وحدهم بل العالم بأسره أيضاً، كما تضيف الإهانة إلى الجرح السوري المفتوح الذي خلّفه التدخل الروسي لصالح النظام في أيلول/ سبتمبر 2015. ففي لقاء يوم الإثنين الماضي لم يجد الرئيس الروسي أي حرج في تهنئة الأسد على «النتائج الجيدة» التي أحرزها الأخير في مسرحية الانتخابات الرئاسية، بل لم يتردد في القول إن «هذه النتائج تؤكد ثقة السوريين بك وعلى الرغم من كل الصعوبات ومآسي السنوات السابقة، فإنهم يعولون عليك في عودة الحياة الطبيعية» رغم إدراكه جيداً أن هذه الأقوال كاذبة وعارية تماماً عن الصحة.

مدعاة سخرية أيضاً تصريح بوتين بأن القوات الأجنبية، التي يجري نشرها في سوريا دون قرار من الأمم المتحدة، تشكل عائقا أمام توحيد البلاد. وإذا كان التلميح يقصد القوات الأمريكية والتركية، فماذا عن القوات الإيرانية والروسية، هل هي منتشرة على الأراضي السورية بقرارات من الأمم المتحدة؟ وعلى من يضحك بوتين سوى على ضيفه ثم على نفسه، حين ينزه قوات بلاده عن إعاقة توحيد الأراضي السورية إذا كانت موسكو قد عجزت عن ضمان اتفاق يحفظ وحدة منطقة واحدة في سوريا مثل حوران، رغم أن القوات الروسية كانت هي الضامن لاتفاق خفض التصعيد هناك؟

وفي سجل اللقاءات بين بوتين والأسد تحفظ ذاكرة السوريين زيارة الرئيس الروسي إلى مطار حميميم أواخر 2017 لتفقد قواته التي حولت الموقع إلى قاعدة روسية، وكيف تعمد الكرملين تسريب شريط الفيديو المهين الذي يصور حرس بوتين وهم يمنعون الأسد من مرافقته أثناء المراسم. التسريب الثاني لم يكن أقل إهانة للأسد، حين عُرضت فقرات من ترحيب الرئيس الروسي بالضابط في جيش النظام سهيل الحسن، الملقب بـ«النمر» على نحو تضمّن استهانة صريحة بشخص الأسد.

ولعل من حق السوريين أن يضيفوا إلى سجل الزيارات واقعة خضوع بوتين للعزل الصحي خشية الإصابة بعدوى كوفيد ـ 19 بعد ساعات قلائل على استقبال الأسد، إذ ما أضعف مغزى اللقاء لولا تفصيل الفيروس.

القدس العربي

————————————-

زافترا: هل يعرقل الاحتلال التركي والتوسع الإيراني حل الأزمة السورية؟/ رامي الشاعر

نشر موقع الوطن أونلاين السوري مادة صحفية تحمل عنوان “ماذا في زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو؟”، جاء فيها أن “القمة الروسية السورية تطرقت لمسار أستانا ولجنة مناقشة الدستور، ولكن كان التركيز على الشق الاقتصادي وتحرير باقي الأراضي السوري، إذ لم تعد مسألة لجنة مناقشة الدستور تحمل أي أهمية بالنسبة للقيادة الروسية، خصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية السورية وما حملته من دلالات سياسية، والتي عبر عنها الرئيس بوتين لنظيره السوري عندما هنأه بفوزه (المستحق) في الانتخابات الرئاسية”.

يجب القول هنا إن ما سبق لا يعكس موقف روسيا نهائياً، بل أؤكد على أن الموقف الروسي هو عكس ذلك تماماً. وذلك استناداً إلى ما صرح به وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي عقده عقب لقائه وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، منذ بضعة أيام، حينما قال بأنه “لا بديل عن قرار مجلس الأمن رقم 2254 لمعالجة الأزمة السورية”، مؤكداّ على عمله من خلال القنوات الثنائية مع دمشق، وفي إطار مسار أستانا، بمشاركة تركيا وإيران، وكذلك من خلال منصة جنيف، حيث توقع الوزير استئناف عمل اللجنة الدستورية بمشاركة وفود من الحكومة والمعارضة في المستقبل القريب جداً.

كذلك فقد أشار الرئيس السوري، بشار الأسد، في الكلمة التي ألقاها أثناء استقبال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، له في الكرملين، إلى محادثات المسار السياسي، وذكر أن الأنشطة والفعاليات السياسية في سوتشي وأستانا وجنيف قد “ساهمت في تطبيع الحياة على أراضي الجمهورية العربية السورية”، إلا أن السبب في توقف العمليات السياسية منذ حوالي 3 سنوات هو أن “دولاً معينة تؤثر على نحو مدمّر وبكل الطرق الممكنة على إمكانية المضي قدماً في هذه العمليات”. وتابع الأسد بأن هناك عوامل أخرى، “لكننا نتفهمها تماماً ونحاول بذل قصارى جهودنا لحل هذه المشكلات الملحة”.

إن ذلك يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكل على أن القيادة في دمشق تدرك أهمية الاستمرار في العمل على المسارات المذكورة آنفاً، وبخاصة مسار جنيف الذي يعد تجسيداً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث استقبلت دمشق منذ أيام المبعوث الخاص لهيئة الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، للاتفاق على موعد عقد الجولة السادسة للجنة الدستورية. وقد غادر بيدرسون دمشق، وبقيت نائبه، خولة مطر، لمتابعة المحادثات مع المسؤولين السوريين لتحديد موعد اجتماع اللجنة.

بالطبع يوجد بعض الاعتراضات من جانب دمشق على سلوك المبعوث الأممي، لعل أهمها هو تدخله في تفاصيل خاصة بصياغة التعديلات الدستورية، في حين أن مهمته يتعيّن أن تقتصر فحسب على تهيئة أجواء الاجتماعات لاجتماع الأطراف السورية المعنية. وقد عبّرت دمشق عن عدم رضاها على اللقاء المتلفز، الذي عقده بيدرسون مع ممثلي وفد المعارضة بشأن أحداث درعا، ما تسبب في تأجيل قبول استقباله من قبل دمشق، لكن وساطة موسكو أزالت هذا العائق. ذلك هو الواقع الراهن، حيث يمكن أن تتسبب وسائل الإعلام أو الشخصيات السياسية في عرقلة المسار السياسي، وهو ما يضع مسؤولية كبرى على وسائل الإعلام والشخصيات الرسمية في نقل الحقيقة ومعالجة أي إشكالات واردة الحدوث بموضوعية وإنسانية، بعيداً عن حسابات السبق الصحفي والظهور الإعلامي وتحقيق مآرب سياسية ضيقة، للدفع بالمسار السياسي إلى الأمام لحل الأزمة السورية التي أصبحت أزمة إنسانية قبل أي شيء، يعاني بسببها ملايين السوريين اليوم من عدم توفّر أبسط متطلبات الحياة اليومية.

من هنا تكتسب زيارة الرئيس الأسد والوفد الاقتصادي المرافق له إلى موسكو أهميتها الخاصة، وبدلاً من تسليط الضوء على سبب الزيارة وعلاقتها بأحداث درعا والطرف المبادر لعقد اللقاء، يتعيّن التركيز على ما يمكن أن تسهم به هذه الزيارة في حلحلة الأزمة السورية، والتسريع باستعادة زخم العملية السياسية بين الحكومة والمعارضة، أملاً في المضي قدماً في تنفيذ قرار مجلس الأمن، وتحقيق التوافق بين السوريين، كي تعود الحياة إلى وضعها الطبيعي في سوريا، وتبدأ عملية التعافي الاقتصادي وإزالة العوائق الإقليمية والدولية، لعل أهمها وليس آخرها تطبيع العلاقة بين سوريا وجارتها الأقرب تركيا، وإيجاد حل سوري للقضية الكردية، من خلال تثبيتها بالتعديل الدستوري، وهو ما يمكن أن يكون العامل الأساسي في إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على مغادرة الأراضي السورية التي اقتحمتها عنوة، في خرق صارخ للقوانين والأعراف الدولية. حيث لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بالتعدي على الأراضي السورية، وإنما تقف عائقاً أساسياً أمام أي تقدم في السير على طريق مفاوضات الحل السياسي، وإنقاذ الشعب السوري من المأساة اللاإنسانية التي يمرّ بها.

يكفي التنويه هنا إلى عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية لتمرير قرض بقيمة مليار دولار لمساعدة سوريا، وقد وافق على منحه البنك الدولي، بدعوى أنها لا تعترف بـ “شرعية النظام” في دمشق، ناهيك عمّا يسببه “قانون قيصر” المجحف من عقوبات كارثية ليس فقط على الشعب السوري، وإنما يطال أثرها الشعب اللبناني بالتبعية. وهو ما وصفه الرئيس الأسد بـ “العداء للإنسانية” و”العداء للدولة وللشرعية”، وهو في ذلك محق.

وعودة إلى بعض الأجنحة في دمشق، ممن يراهنون على أن موسكو “لم تعد مهتمة باللجنة الدستورية”، أقول لهم ولجميع السوريين، وبخاصة العاملين في مجال السياسة والإعلام: لا تنتظروا المعجزة! فالمجتمع الدولي لن يتمكن من مساعدة شعبكم وبلادكم ما لم تبادروا بعملية الانتقال السياسي. وليس بذي أهمية، ما يمثله اهتمام أي طرف دولي بعمل اللجنة الدستورية، لأنها قضية تخصكم وحدكم، تخص الشعب السوري وحده. ودون التوصل إلى حد أدنى من التوافق المقبول، لن تحل الأزمة السورية. ولن تكفي المساعدات التي تقدمها روسيا أو أي من الدول الأخرى لسد جوع الشعب السوري، الذي يحتاج إلى استعادة “قدرته على الصيد وامتلاك السنارة” بدلاً من الحصول على “سمكة كل يوم” كما يقول المثل الصيني المعروف. يجب أن يضع الجميع في اعتباره اقتراب فصل شتاء جديد، يمر على الشعب السوري وهو في أصعب حالاته، بينما تعجز الدولة عن توفير إمكانيات التدفئة، وهو ما يطلق العد التنازلي، ويضع على كاهل الجميع مسؤوليات جسام في محاولة إنقاذ هذا الشعب الباسل.

إن استراتيجية روسيا تجاه الأزمة السورية، ومنذ البداية، كانت ولا زالت واحدة، وهي القضاء على التنظيمات الإرهابية، لما تحمله “آفة الإرهاب” التي تعرف حدوداً من خطر لا على سوريا، وإنما على البشرية جمعاء. وكذلك الحفاظ على السيادة السورية ووحدة الأراضي، وهو عملياً ما تم إنجازه تقريباً اليوم، وما بقي فقط هو التواجد الأمريكي غير الشرعي في بعض المناطق السورية. لكن ما يهم حقاً هو استراتيجية السوريين لإخراج أنفسهم من الأزمة العميقة التي تمر بها دولتهم وشعبهم، وهو ما يتطلب قبل أي شيء إرادة سياسية واعية ومدركة لحجم المخاطر والتداعيات الناجمة عن التقاعس والتأخير كل لحظة لا كل يوم، فكل الوسائل الآن، من وقف لإطلاق النار ومناطق التهدئة وبعثة الأمم المتحدة قد أصبحت مهيئة للشروع في العملية السياسية التي يمكن أن تفضي في نهاية المطاف إلى حلحلة الأزمة، وإنهاء القضايا الخلافية الأخرى بين السوريين، خاصة ما يعتبره السوريون احتلالاً تركياً لأراضي سوريا، وسياسة التتريك التي تدفع نحو التعامل في الشمال الغربي لسوريا بالليرة التركية، وتغيير مناهج التعليم، وكذلك، من جانب آخر، التواجد العسكري الإيراني والتوسع في المشاريع الاقتصادية وشراء العقارات، وانتهاج سياسة التشييع. كل ما ينقص الآن هو الإرادة السياسية، وترتيب الأولويات السياسية، ووضع المصالحة الوطنية والمصلحة القومية العليا فوق أي اعتبارات أخرى.

————————————–

الأسد في موسكو. رسائل بوتين وبداية مرحلة جديدة

فتحت الزيارة غبر المعلنة لرئيس النظام، بشار الأسد، إلى موسكو الاثنين الماضي، ولقائه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باب التحليلات حول توقيت الزيارة وأهميتها، في وقت كان يمكن لبوتين إيفاد مبعوثيه إلى دمشق، ونقل الرسائل التي يريد إيصالها إلى الأسد.

وجاءت الزيارة في وقت يشهد فيه الملف السوري تحركاً في مختلف الاتجاهات، سواء ميدانية أو سياسية.

إذ أن اللقاء جاء بعد أيام من اتفاق درعا البلد في الجنوب السوري، والذي رعته موسكو ودعمت فيه النظام، إلى جانب التصعيد الروسي في إدلب وشن غارات جوية على جبل الزاوية.

أما على الصعيد السياسي، فإن اللقاء جاء عقب زيارة المبعوث الأممي، غير بيدرسون، إلى دمشق، ولقائه وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، وهي زيارة طال انتظارها وجرت بضغط من الروس، لأن “الحكومة السورية لم تكن تريد استقبال المبعوث الدولي على خلفية بعض العناصر الخلافية”، حسب ما قاله الصحفي المختص بالشأن الروسي، رائد جبر لـ”السورية. نت”.

كما جاءت الزيارة قبل ساعات من لقاء مبعوث الرئيس الأمريكي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغوركن، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنييف، والتي من المتوقع أن يتم خلال اللقاء مناقشة الملف السوري وطرح أوراق جديدة على الطاولة.

وخلال لقاء الأسد مع بوتين تحدث الأخير عن نقطتين أساسيين بعيداً عن عبارات المجاملة وتهنئة الأسد بفوزه بالانتخابات، النقطة الأولى حسب جبر “ضرورة تنشيط الحوار مع الخصوم، حسب وصف بوتين، والمقصود هنا ضمان دفع عمل اللجنة الدستورية، إذ أن موسكو تريد من الحكومة السورية إبداء قدر كافي من المرونة والإيجابية مع هذا الاستحقاق، لأن موسكو تريد أن توظفها في نقاشاتها مع الجانب الأمريكي”.

أما النقطة الثانية التي تحدث عنها بوتين، هي مسألة “الوجود الأجنبي في سورية، والحديث هنا بالدرجة الأولى عن التواجد الأمريكي في شمال شرق سورية، إضافة إلى تلميح للتواجد التركي على خلفية تفاقم التباين بين موقفين موسكو وأنقرة حول التطورات في إدلب”.

ما هدف الزيارة؟

زيارة الأسد إلى موسكو هي الأولى منذ 2015 التي زار فيها موسكو مرتين متتاليتين وجاءت بعد أسابيع من تدخل روسيا عسكرياً إلى جانب النظام.

وطرحت الزيارة الأخيرة إشارات استفهام حول أهدافها، واعتبر المحلل السياسي المتخصص بالشأن الروسي، سامر إلياس أن “موسكو باتت تملك خطة عرضتها على رأس النظام”.

وقال الياس لـ”السورية.نت”، إن “هذه الخطة هي محطة بحث أساسي في اجتماعات بين المبعوث الروسي والأمريكي، وربما تتضمن تخفيف بعض العقوبات عن النظام السوري مقابل خطوات معينة يقوم بها لإبعاد الجانب الإيراني من الحدود الجنوبية من منطقة درعا، ضمن إطار التزام كلا من موسكو وواشنطن بأولوية أمن إسرائيل في هذه المنطقة”.

وأضاف إلياس أنه “يمكن أن يكون هناك بوادر خطة جديدة للتحرك الأردني بتنسيق مع واشنطن وإسرائيل وروسيا من أجل تخفيف جزئي للعقوبات عن النظام، في المجال الطبي والإنساني وإعادة الاعمار، مقابل ليونة للنظام في الملف السياسي، ما يمكن أن يمهد لعودة النظام إلى الجامعة العربية، ومحاولة وسعي روسيا لإعادة تعويم النظام، وهذا المرة من بوابات إقليمية وعن طريق التخفيف من المعاناة الإنسانية في سورية، واستفادة الأطراف الإقليمية عبر مشروع خط الغاز وفتح المعابر الحدودية، وصمان أمن إسرائيل”.

واعتبر إلياس أن الزيارة تؤكد بأن “الرئيس الروسي أراد إبلاغ الأسد ببعض القضايا وأخذ ضمانات وموافقة واضحة منه عبر اللقاء وجها لوجه ودون إيفاد مبعوثيه لسورية”.

في حين أوضح الصحفي رائد جبر أن زيارة الأسد إلى موسكو هي من “أجل إفهام الأسد ونقل رسالة واضحة بأن موسكو تسير في ترتيبات، وهي بالفعل تسعى إلى نقل نقاشاتها مع الجانب الأمريكي إلى مستوى التفاهمات على قضايا محددة”.

وحسب جبر فإن المقصود في القضايا المحددة ليست مبادرة روسية- أمريكية -أردنية “لكن هناك على الأقل فهم مشترك روسي- أردني بأن المدخل الإنساني هو عنوان مهم للتأثير والحديث مع الجانب الأمريكي، خصوصا على صعيد المحاولة الحصول على استثناءات من قانون قيصر، لتسهيل تخفيف معاناة الإنسانية في سورية”.

وتأمل روسيا بفتح النقاشات مع الجانب الأمريكي على تفاهمات أوسع “لبلورة آلية جديدة في التعامل مع التسوية السياسية في سورية لاحقاً، وطبعا المدخل الروسي ينطلق من أن اللجنة الدستورية هي المدخل الصحيح لتطبيق قرار 2245 وهنا خلاف مع بقية المجتمع الدولي”، حسب جبر.

واعتبر أن روسيا تحاول التوصل إلى تفاهمات مع الجانب الأمريكي على القضايا التي يمكن التوصل إليها مبدئياً، وترك المسائل الأكثر خلافية إلى مراحل مقبلة.

————————————

ماذا وراء لقاء بوتين – الأسد في موسكو… توقيته ورسائله؟/ هبة محمد

أعلن الكرملين أمس الثلاثاء، عن لقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الاثنين، في العاصمة الروسية موسكو.

ووفقاً للمصادر الرسمية فإن هدف اللقاء هو بحث ملفات التعاون الثنائي وإجراءات توسيعه وتطويره، بينما ترجم خبراء ومراقبون معارضون للنظام السوري، سرية اللقاء الذي جمع بوتين ببشار الأسد، ليلاً، بأنه اجتماع لتلقي الأوامر الروسية، وذلك لإجباره على تفعيل المشاركة في اجتماع اللجنة الدستورية القادم في العاصمة السويسرية، مستذكرين استحضار الأسد إلى مدينة سوتشي الروسية قبل سنوات لإجباره على المشاركة في العملية السياسية في جنيف.

أسباب أمنية

ونقل موقع قناة «آر تي عربية» الروسية عن بوتين القول خلال اللقاء: «بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90% من أراضي البلاد، رغم بقاء عدد من بؤر الإرهاب قائمة». وأضاف: «مع ذلك، فإن النازحين يعودون بنشاط إلى المناطق المحررة». وتابع بوتين :»المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أن قوات أجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية».

ووصف الأسد العقوبات المفروضة على سوريا بأنها لا إنسانية ولا شرعية، وأشار إلى أن جيشي سوريا وروسيا حققتا نجاحات ملموسة في القضاء على الإرهاب.

كما أعرب الأسد عن امتنانه لروسيا على مساعدتها لبلاده في مكافحة تفشي فيروس كورونا وتقديم مساعدات أخرى، بما في ذلك إمدادات المواد الغذائية.

وأفاد الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في تصريحات للصحافيين الثلاثاء، أن رأس النظام السوري قد عاد إلى بلاده وهو موجود في دمشق، مبرراً عدم الإعلان عن زيارة الأسد إلى موسكو مسبقاً بوجود أسباب أمنية، حيث قال «هناك اعتبارات أمنية معينة يجب اتباعها وهي واضحة تماماً. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات طبعاً لم يتم الإعلان عن الزيارة وتم توفير المعلومات لوسائل الإعلام بعد عودة الرئيس السوري إلى الوطن».

أهداف اللقاء

وذكرت وكالة أنباء النظام الرسمية «سانا» أن اللقاء، الذي عُقد الاثنين بين بوتين والأسد، بدأ باجتماع ثنائي مطوّل ثم انضم إليهما لاحقاً وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وأضافت أن الجانبين بحثا «التعاون المشترك بين جيشي البلدين في عملية مكافحة الإرهاب، واستكمال تحرير الأراضي التي ما زالت تخضع لسيطرة التنظيمات الإرهابية، كما تم التباحث بشأن الخطوات المتخذة على المسار السياسي». اللقاء هو الخامس الذي يعقد بين بوتين والأسد منذ عام 2015، ويتزامن مع مرور 6 سنوات على تدخل روسيا في الأراضي السوري، وذلك تماشياً مع وجود نشاط دبلوماسي مكثف حول سوريا وتصعيد عسكري غير مسبوق.

وحول أهداف اللقاء وأسبابه، ربط الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي الاجتماع بالتفاهمات الروسية – الأمريكية إزاء الملف السوري، متوقعاً أن تكون موسكو قد طالبت الأسد بضمانات لتحقيق تقدّم فعلي في الجولة السادسة للجنة الدستورية، بهدف دفع العملية السياسية التي تشكل مدخل للتفاهمات الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا.

وأبدى عاصي في تصريح لـ «القدس العربي» اعتقاده بأنّ روسيا قد تكون قد حقّقت خرقاً جديداً في التفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن الملف السوري.

فمن المرتقب انعقاد اجتماع ثنائي بين مبعوثي الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف حول سوريا، مما يستدعي برأي المتحدث ضمان موسكو عدم حصول خروقات من قبل النظام الذي لا يفوّت فرصة المماطلة والتعطيل مستفيداً من التنافس بين روسيا وإيران، كما «أنه قد تكون العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية مدخلاً للتفاهمات الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا بعد تجاوز اختبار الثقة الخاص بآلية المساعدات الإنسانية، فيما يبدو أن روسيا قدّمت ضمانات لتحقيق تقدّم فعلي في الجولة السادسة التي حددها بيدرسون في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، وليس من المستبعد تحقيق اختراق في المضامين الدستورية».

وفي المقابل يبدو أنّ روسيا «قدّمت للولايات المتحدة ضمانات لإبعاد بشار الأسد عن إيران بشكل أكبر، فيما يبدو أنّ خط الغاز العربي اختباراً لهذا الالتزام والذي سيقيد النظام السوري ويدفعه أكثر للتعاون مع الدول العربية على حساب إيران» حسب عاصي. ويشير اللقاء وفق خبراء إلى أن روسيا ما زالت على موقفها الثابت منذ سنوات لجهة دعم الأسد (كرئيس) لسوريا.

الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة، اعتبر في تصريح لـ «القدس العربي» أنه في كل مرة «تستدعي موسكو بشار الأسد، لا يكون الهدف لأجل التشاور حول العلاقات الثنائية بل من أجل تنفيذ المهام التي يُكلّف بها، ومن تلك الأمور وفق رأيه «التوقيع على عقود تجارية وعسكرية حصرية، أو تفويض عسكري وسياسي وتجاري سري على شكل اتفاقية أو معاهدة يعزز من تحكم موسكو بالقرارات السيادية للدولة السورية مستقبلا. وإجراء تغييرات تطال الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية بناء على القوائم الروسية».

رسالة إلى الغرب

ووفق المتحدث فإن المراد من اللقاء هو توجيه رسالة إلى الدول الغربية بأن سوريا دولة مستقرة، وبأن النظام شرعي، «ولو من خلال إجراء مسرحية الانتخابات والحديث عن كذبة سيطرة النظام على 90% من الأراضي السورية، والهدف من تكرار هذه الاسطوانة المشروخة إقناع الغرب بالبدء بضخ الأموال لعملية إعادة الإعمار» مرجحاً مطالبة الأسد بالتعاطي بإيجابية تجاه تركيا، قبيل الاجتماع المزمع عقده بين رئيس الاستخبارات التركية وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، فضلاً عن تلقيه أوامر بضرورة تحجيم الدور الإيراني جنوباً، بما يتفق والمصالح الروسية وتفاهماتها مع الأردن وإسرائيل وأمريكا.

وحول كتمان النظام السوري للاجتماع قال عبارة «تعتبر نقطة إضافية ضد النظام، فهو لا يستطيع أن يعلن عن توقيت اللقاء أو فحوها ومن حضره، لأنه نظام مسلوب الإرادة ومسلوب السيادة حتى لمجرد الإعلان». اللقاء الذي جرى سراً، ولم يعلن عنه النظام السوري، إلا بعدما أعلنت عنه موسكو، أثار موجة من الانتقادات، من قبل محللين ومراقبين، حيث عقب الخبير في الشؤون الروسي – السورية د.محمود الحمزة بالقول إن «بشار الأسد لعبة بيد الدول وعار على سوريا». وكتب الحمزة على صفحته الشخصية عبر موقع فيسبوك «بوتين استقبل الأسد ليلاً بعد أن جلبوه سراً وجلس أمام بوتين بشكل غير رسمي دون إعلام».

وقال البروفيسور أن زيارة الأسد تمت «بأمر من بوتين لإجباره على تفعيل المشاركة في اجتماع اللجنة الدستورية القادم في جنيف لأن الروس والأمريكان يريدون على ما يبدو الاتفاق على حل ما في سوريا، وغدًا سيلتقي مبعوث الرئيس الروسي الى سوريا الكسندر لافرينتيف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين في جنيف مع المبعوث الامريكي الى الشرق الاوسط ويبحثان ملف سوريا».

وأضاف «استحضار بشار هذه المرة في عتمة الليل وبالسر يذكرني باستحضاره الى سوتشي قبل سنوات عدة لإجباره على الموافقة على المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية حيث كان يرفض قبلها اي مشاركة للنظام في أعمال اللجنة الدستورية تحت إشراف الأمم المتحدة بل كان بشار يريد أن تجري الاجتماعات في دمشق تحت إشراف النظام ولكن الروس كانوا قد نسقوا مع الأمم المتحدة على أن تكون اللجنة الدستورية تحت إشرافهم وهكذا ورد في البيان الصادر عن مؤتمر سوتشي 2018 بالصيغة التي ارادها الروس ولكن بيان النظام كان مختلفاً فلم يذكر أي إشراف للأمم المتحدة».

القدس العربي

————————–

روسيا تتنازل بـ«الدستور السوري» لإغراء أميركا/ إبراهيم حميدي

تتجه الأنظار إلى لقاء مبعوثي الرئيسين فلاديمير بوتين، وجو بايدن، في جنيف، غداً، لتلمس التفاهمات الروسية – الأميركية حول سوريا للمرحلة المقبلة، بعدما نجحت موسكو في انتزاع «تنازلات سياسية» ولو شكلية، من دمشق وفرض «وقائع عسكرية» في سوريا بين التهدئة في درعا والتصعيد بإدلب، ستعرضها على وفد واشنطن للمطالبة بـ«ثمن سياسي» لها.

«التنازل» السياسي يمثل بداية بموافقة دمشق على استقبال المبعوث الأممي غير بيدرسن، بعد تمنع سوري لشهرين. اللقاء جاء بناءً على تدخل روسي مباشر ونصيحة من طهران عبر اتصالات مباشرة مع الجانب السوري. الاختراق الثاني، تمثل بموافقة رئيس «الوفد المسمى من الحكومة» أحمد الكزبري، على بدء عملية الاتفاق على «آلية أممية» اقترحها بيدرسن لإطلاق الكزبري ورئيس وفد «هيئة التفاوض» هادي البحرة، مسار «صوغ» الدستور السوري، على أمل عقد الجولة السادسة المقبلة في جنيف في 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

كانت دمشق أعربت سابقاً عن «انزعاجها» من بيدرسن لسببين: الأول، لقاء وفد يمثل درعا خلال عملية المفاوضات والتصعيد العسكري قبل أسابيع. الثاني، عدم انخراطه مع الكزبري لمناقشة مسودة الورقة التي اقترحها لعمل لجنة الدستور. هذان الشرطان، طويا بمجرد ما «نصحت» موسكو دمشق باستقبال بيدرسن. لكن في المقابل، حصلت دمشق على «صمت» أممي من البيان الذي أصدرته الخارجية السورية خلال زيارة بيدرسن، وشرح وزير الخارجية فيصل المقداد، «حقيقة التطورات التي جرت مؤخراً في درعا وارتياح الدولة السورية للحلول التي تم التوصل إليها، وبدء عودة الحياة الطبيعية إلى درعا البلد»، إضافة إلى «ضغوطات» على الأمم المتحدة لإعلان موقف أوضح ضد «العقوبات الأحادية» وضد «الاحتلالين التركي والأميركي» و«التدخل الخارجي».

أما الوقائع العسكرية الجديدة، فتمثلت بعودة دمشق إلى درعا «مهد الثورة» لأول مرة منذ عشر سنوات، التي حصلت بموجب تفاهمات روسية – أميركية – أردنية. وحسب مسؤول غربي، فإن «الدول الثلاث رعت اتفاق عودة الحكومة إلى الجنوب في 2018 مقابل إبعاد إيران، واليوم رعت استكمال الاتفاق بالعودة الكاملة للحكومة إلى الجنوب مع وعود بتخفيف نفوذ إيران هناك».

وأشار إلى أن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغوركن، الذي سيلتقي نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنييف، كان «عراب» اتفاق 2018، وأنه أحد الداعمين الأساسين للاقتراح الأردني الجديد الخاص بجنوب سوريا، ويتضمن اقتصادية على مقايضات تشمل مرور الغاز العربي عبر سوريا، واستثنائها من العقوبات الأميركية، وعودة دمشق إلى درعا، وإضعاف إيران.

وبالتوازي مع «التهدئة» في درعا، بدأت روسيا بالتصعيد في إدلب، إذ إنه بالتزامن مع قول وزير الخارجية سيرغي لافروف إن تركيا «لم تنفذ التزاماتها» في شمال غربي سوريا، صعدت طائرات روسية من قصفها على جنوب إدلب، الأمر الذي رد عليه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بالقول إنه على روسيا أن تلزم بتعهداتها. طبعاً، موسكو تريد فصل الإرهابيين عن المعتدلين في شمال غربي سوريا، وإعادة تشغيل طريق حلب – اللاذقية. أنقرة، تريد ثبات وقف النار ووقف القصف هناك، وتسعى إلى «تذويب» المتطرفين.

وطالما أن روسيا وتركيا تسيران دوريات مشتركة شرق الفرات، فأغلب الظن أن الأمور تسير باتجاه ترتيبات جديدة بينهما وصفقة، ربما تكون جنوب طريق حلب – اللاذقية مقابل توغل تركي ضد الأكراد شرق الفرات. لكن التصعيد الروسي في إدلب، هو استدراج لعروض أميركية ضد «هيئة تحرير الشام» التي تصنفها تنظيماً إرهابياً، ولا يميز بعض مسؤولي واشنطن، خصوصاً ماكغورك، بينها وبين «القاعدة».

ستكون هذه التفاصيل من دمشق إلى درعا وإدلب والحسكة والرقة وحلب، على طاولة ماكغورك – فريشينين. لكن كل المؤشرات تدل إلى أن كفة المحادثات تسير باتجاه اقتراب أميركي أكثر من القراءة الروسية، ذلك أن الهم الأساسي لماكغورك، هو البحث عن تحالف الراغبين لمحاربة الإرهاب ومنع عودة «داعش»، خصوصاً بعد الانسحاب من أفغانستان، بحيث إنه لن يعترض بل يشجع ترتيبات بين دمشق والقامشلي بضمانات روسية وخفض الضلع التركي شرق الفرات، وعلى تقديم «حوافز» لمحاوريه الروس، بتمويل «الانعاش المبكر» واختراق «قانون قيصر»… ومحاربة الإرهاب.

الشرق الأوسط

———————————

التصعيد الروسي ضد المعارضة.. الطبل في إدلب والعرس شرق الفرات/ وائل علوان

بذريعة وجود “هيئة تحرير الشام” المصنفة على قوائم الإرهاب، وبذريعة عدم تنفيذ استحقاقات سوتشي 2019، ومنها فتح المعابر بين النظام والمعارضة؛ يستمر القصف الروسي لمختلف مناطق المعارضة السورية، لا سيما في منطقة إدلب التي ازدادت عليها غارات الطيران الحربي الروسي وباتت توقع ضحايا في مناطق لم تكن ضمن خريطة الخروقات سابقاً.

وزير الخارجية الروسي أكد في تصريحاته أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإسرائيلي في 9 أيلول/سبتمبر الجاري أن روسيا تأسف لعدم تمكن تركيا من فصل المعارضة العقلانية عن الإرهابيين، وهو عنوان التوتر الجديد في العلاقات الروسية التركية في سورية، حيث يتجلى هذا التوتر بتوسيع القصف في إدلب، وبأن يطال القصف الروسي للمرة الأولى عفرين شمال غرب حلب، وذلك منذ سيطرة المعارضة السورية عليها ربيع 2018.

لكن مع متابعة أعمق للمعلومات يتضح أنَّ التصعيد الروسي المستمر ضد المعارضة المدعومة من تركيا يوازيه مباحثات نشِطة جداً بين روسيا وبين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لإيجاد تحالفات شاملة وإستراتيجية بينهما، قُبيل أن تتوفر فرصة لنجاح التفاهمات الأمريكية التركية لحل جملة من الخلافات بين المعارضة السورية و”قسد”، الأمر الكفيل بإغلاق باب عظيم من المكاسب التي يرجوها النظام وتيسرها روسيا من شرق الفرات.

المراقب للضوء الأخضر الأمريكي لتركيا باستهداف الأخيرة للقيادات الإرهابية بحسب تصنيفها يخلق ربما فوضى داخلية ضمن “قسد” تراهن الولايات المتحدة على قدرة ضبطها والاستفادة منها لصالح المشروع الأمريكي القديم الجديد الذي لا تزال تحاوله، وهو إيجاد تحالفات حقيقية بين المعارضة و”قسد” ضمن مسار أمريكي تركي، وذلك بعد النجاح الصعب في ضمان الأمن التركي والمصالح التركية في المنطقة، ولعل الضوء الأخضر الأمريكي يأتي في سياق هذه الضمانات، حيث وعلى مدىً زمني واسع سيتاح لتركيا التعامل المباشر مع الأهداف الأمنية والعسكرية المقلقة والخطرة بالنسبة لأمنها.

النجاح أخيراً في تأمين قنوات الاتصال، ثم الوصول لحل الخلافات وبناء الشراكات بين المعارضة و”قسد” هو مشروع بالنسبة للجانب الأمريكي، وهو أمر محفوف بالمخاطر، لكنه ممكن بالنسبة لتركيا، بينما هو السيناريو الأخطر بالنسبة لروسيا التي تستعجل التصعيد العسكري ضد المعارضة للضغط على تركيا وإيصال رسائل ترقى إلى التهديد بانهيار وقف إطلاق النار المستمر منذ (آذار/مارس 2020).

وفي المقابل تنقل روسيا معلومات “لقسد” بتأكيد الانسحاب الأمريكي من سورية وترك “قسد” عرضة للاستهداف التركي، بل تنقل روسيا معلومات “لقسد” عن تنسيق أمريكي تركي لمعارك من المفترض أن تبادر بها تركيا في عين العرب وعين عيسى ومنبج، وتسوق روسيا ضمن مفاوضاتها مع “قسد” التصعيد العسكري في إدلب على أنّه رد روسي على التصعيد التركي الأخير شرق الفرات، الأمر الذي يعني “لقسد” حرص روسيا على استقرار الخريطة واستعداد روسيا لضمانات تتعلق بعدم المركزية مجدداً وبالحماية العسكرية والأمنية في حال نجح ما تصبو إليه روسيا من تحقيق تفاهم شامل بينها وبين “قسد” يصب في مصلحة النظام ولا يؤثر سلباً في “قسد”.

بالمحصلة: فإنَّ صراع الأجنحة داخل “قسد” ربما في طريقه إلى ما تريده الولايات المتحدة ويرضي تركيا، ويبدّد التخويفات الروسية “لقسد” المسارات التي تبنيها الولايات المتحدة وتدعمها بالتنسيق مع تركيا لحل المشكلات الكردية الكردية، أولاً ثم بين “قسد” والمعارضة لاحقاً.

ويبقى أمام روسيا عقبة كبيرة جداً تتعلق بالمصداقية، والتي كان آخر مسمار في نعشها هو تخلّيها عن جميع الضمانات التي قدمتها جنوب سورية للأطراف المحلية أو للأطراف الخارجية وتنصّلها منها، والمشهد الأخير في درعا أثبتت فيه روسيا مجدداً أنَّها سوف تنسِّق وتستثمر الوجود الإيراني في مختلف مناطق سورية، سواء بالاستثمار الداخلي على مستوى الفاعلين المحليين، أو بالاستثمار الخارجي على مستوى المفاوضات الإقليمية والدولية، وهذا ربما ما ستحسب حسابه “قسد”، وتُبقي أرجلها ثابتة بدلاً من محاولات القفز في الهواء.

نداء بوست

———————

بوتين يختبر عزم بايدن في سورية ويتهم الولايات المتحدة بـ “انتهاك” القانون الدولي/ جون فارغا

كما ادّعى الرئيس الروسي أن وجود الجنود الأمريكيين يمنع عودة السلام في الدولة التي مزّقتها الحرب.

وجاءت تصريحات بوتين بعد اجتماع في موسكو يوم الإثنين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. ولدى واشنطن حالياً نحو 900 عسكري في مناطق شرق وشمال شرق سورية الخاضعة للسيطرة الكردية.

وتساعد تلك القوات نظراءها الأكراد في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تسعى لحماية المصالح الأمنية للولايات المتحدة.

كما نشرت تركيا قوات في جزء كبير من الشمال والشمال الغربي، آخِر معقل كبير لفصائل المعارضة المناهضة للأسد.

ومع ذلك، لا يوجد لدى الولايات المتحدة أو تركيا تفويض من الأمم المتحدة للمشاركة العسكرية في البلاد، ولم يتلقوا إذناً من دمشق- على عكس روسيا.

وبحسب ما ورد قال بوتين لرئيس النظام السوري: “من الواضح أن هذا ينتهك القانون الدولي ولا يسمح لك ببذل أقصى الجهود لتوطيد البلاد”. وأضاف: “فقط توحيد كل القوات في سورية سيسمح للبلاد بالوقوف على قدميها والبدء في التنمية المُطردة والمضي قدماً”.

دخلت موسكو الصراع السوري المستمر منذ 10 سنوات في عام 2015 ، عندما كان نظام الأسد على وشك الانهيار.

وقد أدّى دخولها الحرب إلى قلب الميزان لصالح النظام، مما أدّى في نهاية المطاف إلى دحر الفصائل المعارضة.

وينتشر المئات من القوات الروسية في أنحاء سورية ولدى موسكو أيضاً قاعدة عسكرية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ويعتقد العديد من الخبراء أن السيد بوتين سيسعى إلى اختبار تصميم جو بايدن على الاستمرار في المسار في سورية، في أعقاب قراره بسحب القوات من أفغانستان.

كما يعتقد البعض أن هذا قد ينطوي على تبييت هجمات جديدة على الجيش الأمريكي في الدولة الشرق أوسطية.

فقد قال نيل كويليام، زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، لصحيفة ديلي تلغراف: “بالنظر إلى سجلّ بوتين الحافل باختبار شهية الولايات المتحدة للتراجع، لا سيما في شِبه جزيرة القرم، يمكننا أن نتوقع منه اختبار تصميم بايدن على الالتزام تجاه الحلفاء في سورية من خلال تأجيج الاشتباكات مع القوات الأمريكية على الأرض “.

المصدر:  دايلي إكسبريس

صحفي ومراسل في الـ دايلي إكسبريس

ترجمة: عبدالحميد فحام

——————-

خلافاً لتصريحات “بوتين” الاستعراضية خلال لقاء الأسد.. روسيا تعاني من معضلات في سورية/ فراس فحام

تحدث “فلاديمير بوتين” خلال لقائه مع “بشار الأسد” الأخير، عن سيطرة مَن سماه “الجيش السوري” على أكثر من 90% من الأراضي السورية، بعد “الضربة المشتركة” التي وجَّهتها روسيا والنظام السوري ضد “الإرهابيين”.

بعد مضي أقل من يومين على حديث “بوتين” مع “الأسد”، طوَّقت حركة “رجال الكرامة” في السويداء مبنى “الأمن العسكري”، أحد أهمّ الأذرع الأمنية للنظام السوري في المحافظة، وبدأت الحركة إلى جانب ما يعرف بـ “قوات مكافحة الإرهاب”، تحرُّكات لإنهاء نفوذ النظام السوري في قرية “عتيل”، في تطوُّر يؤكد بشكل قاطع محدودية تأثير النظام في المشهد العامّ بالسويداء، الخاضعة لتوازُنات دولية لا تستطيع موسكو خرقها، كما أنها غير قادرة على فرض الحل العسكري فيها لاعتبارات سياسية، بل إن هذه التوازُنات تعقدت أكثر مع الإعلان عن حزب “اللواء السوري”، مؤخراً بدعم دولي، والذي يرفع شعار تغيير النظام السياسي في سورية كمطلب أساسي له، وإنشاء فصيل عسكري متحالف معه يسمى بـ “مكافحة الإرهاب”.

تصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية “أفريل هاينز” في الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، والتي اعتبرت فيها أن “التهديدات الأخطر” بالنسبة لبلادها تأتي من العراق واليمن وسورية والصومال، تقلل من أهمية الحديث عن قرب الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سورية الغني بالنفط والقمح، وبالتالي فإن روسيا أمام استمرار معضلة عدم قدرتها على بسط السيطرة على تلك المنطقة الإستراتيجية.

في إدلب يبدو موقف أنقرة ثابتاً، إذ إن انتشار الجيش التركي هناك يمنع الحديث عن “حسم عسكري” روسي، ويجعل من تهديدات النظام السوري باستكمال العمليات العسكرية غير قابلة للتحقيق، باستثناء قدرة موسكو والنظام طبعاً على إقلاق راحة المنطقة من خلال الخروقات المستمرة والقصف المدفعي والجوي، ومن غير المتوقع أن يكون هناك تغيرات في شمال غربي سورية، خاصة مع استمرار وصول التعزيزات الروسية إلى ريف الرقة، وتراجع احتمالات التزام روسيا بالضغط على “قسد” بموجب تفاهُماتها مع أنقرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

تُعوِّل موسكو على تحقيق المزيد من التقدم السياسي في محادثاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، واستكمال مسار تخفيف العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، لكن هذا مرتبط بمدى قدرة موسكو على إحداث تغييرات مقنعة للأطراف الدولية في بنية المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام السوري، بما يجعلها أقل اختراقاً من قِبل إيران، بالإضافة إلى توفير عملية سياسية مقنعة، وليس مجرد خطوات تجميلية، وهنا لا بد من الانتباه إلى أن طهران لن تفرط بسهولة بنفوذها الذي عززته على الأراضي السورية طيلة سنوات الحرب الماضية، والتكاليف الباهظة التي أنفقتها من أجل تحقيقه، وحتى هذه اللحظة فقد فشلت روسيا بتحقيق تقدم مهم في ملف النفوذ الإيراني، ويقدم الجنوب السوري مثالاً مهماً على فشل روسيا أو عدم رغبتها بالوفاء بتعهداتها حيال ضبط النفوذ الإيراني.

قد تكون تصريحات “بوتين” الاستعراضية، تخفي خلفها كلاماً كثيراً غير سارّ قيل للأسد، دون أن يتم الإعلان عنه، كمطالبته بإبداء المرونة بشكل أكبر مع “قسد” والعملية السياسية ومسار اللجنة الدستورية، بالإضافة إلى دفعه لصرامة أكبر مع إيران، وهذه المطالب قد تعمّق المعضلة الروسية بشكل أكبر؛ لأنها من المحتمل أن تؤدي لدفع النظام السوري باتجاه إيران ليناور الضغوطات الروسية.

———————————

بوتين ”مرشداً“ للأسد/ يحيى العريضي

أن يكون السيد الرئيس فلاديمير إليتش بوتين جاسوساً، أو قاتلاً، أو عابثاً بانتخابات بلد آخر، نفهمها؛ ولكن أن يتحوّل إلى “مُرشد نفسي” يمتهن التزوير؛ وهو رئيس يمتلك كل هذه القوة القيصرية، وغير مضطر للوقوع بتناقضات مفضوحة؛  فهذا ما يصعب استيعابه، وما لنا طائل على فهمه.

عندما يصف “آخر ضيف” للسيد بوتين مَن يعارضه بالجراثيم والخونة المرتهنين؛ ويسقط عنهم سوريّتهم؛ وعندما يتمنّع عن الدخول في أي عملية سياسية لإنقاذ ما تبقى من سورية، إلا مغصوباً؛ فكيف تستقيم الأمور مع السيد بوتين أن يقول إن الأسد” يفعل الكثير لإقامة حوار مع المعارضين السياسيين”؟! من جانب آخر، إذا غاب شكل ومحتوى مسرحية “انتخابات بشار الأسد” عن أحد؛ من الطبيعي ألا تغيب عن بوتين؛ ومع ذلك تراه يشيد بتلك “الانتخابات”. ولكن نعذره ها هنا؛ فهو ربما قاسَ ذلك على “انتخاباته”. فعندما يتحدث بوتين عن “الثقة” التي يحوز عليها بشار الأسد من “شعبه”، لا بد أن في ذهنه “مجلس الدوما” الذي جعل من بوتين رئيساً للأبد.

مِن صفات رجل الاستخبارات أن يكون دقيقاً بالأرقام والإحصائيات؛ ولكن أن يقول السيد بوتين إن بشار الأسد يسيطر على 90% من سورية، وهو يُشحن مِن قِبل إحدى قوى الاحتلال بوتين نفسه للقاء في موسكو؛ فهذا ليس من الدقة بشيء.

وإذا كان الأمر كذلك- وبوتين لا يريد وجوداً عسكرياً غريباً “غير شرعي”؛ فكيف تستقيم معه الأمور بأن ضيفه يسيطر على 90% من الأرض السورية؟! وإذا كانا معاً يقاومان “الإرهاب”، فمن أين أتت مئات آلاف الوثائق التي تدين ضيفه وطُغمته بارتكاب جرائم حرب في سورية؟! وهل يعتقد السيد بوتين أن جرائم الحرب ليست إرهاباً؟!

وبالعودة إلى الـ 90 بالمائة، التي يتحدث عنها السيد بوتين، فهل كان الـ 13 مليون سوري الذين تشردوا في العشرة بالمائة التي لا تزال خارج سيطرة بشار الأسد في نزهة؟! وهل تستحق عشرة بالمائة عقد مؤتمرات روسية لإعادة اللاجئين؟! وهل يكترث مَن كان بالأمس بصدد تهجير ما تبقى من درعا بعودة لاجئين أو إعادة إعمار؛ أم أن في المسألة جَنًى اقتصادياً بعد الجَنَى العسكري تعويضاً عن الفشل السياسي الصارخ الوضوح؟! إذا كان السيد بوتين يحاول –كجزء من المعالجة أو الإرشاد النفسي- إسباغ صفات حميدة تعزيرية لشخصية ضيفه بغية سحبه باتجاه “تغيير سلوكه” تلبية للمطلب الأمريكي؛ فهو واهم؛ فالضيف والمضيف يكذبان ويعرفان أنهما يكذبان، بحكم أن المعالِج والمعالَج  منفصمان عن الواقع.

بحكم الانفصام -الذي يصيب المعالِج أيضاً-؛ قد يتمكن السيد بوتين من جعل ضيفه يطرّي كلامه، ويتحدث عن حوار سياسي، بعد أن خذله في درعا عندما لبس ثوب ” الوسيط”؛ ولكن كيف له أن يرمم الأمور مع ملالي طهران الذين أصبحوا موضوع الاستهداف في الجنوب؟! فها هو بوتين بوضوح ينضمّ إلى جوقة إبعاد إيران عن الجنوب السوري. وماذا سيقول لإسرائيل إن ركب الإيرانيون رأسهم؟ وأي تقرير سيقدّمه للأمريكيين الذين لا بد تَعهَّد لهم بتنفيذ ما يريدون؟ وهل يكفيه الحديث عن شرعية أو لا شرعية وجود قوات أجنبية على الأرض السورية؟! ها هو حتى ضيفه، في مقدمته العصماء لاجتماعهما حول العقوبات الاقتصادية، يتحدث عن اللاإنسانية واللاشرعية؛ وكأن القتل والاعتقال والتشريد لشعب سورية- حتى استغلال العقوبات ذاتها لإذلال من بقي من السوريين في الداخل- أعمال إنسانية وشرعية!

نستطيع أن نفهم أن تكثيف القصف الروسي للشمال الغربي السوري، ومغازلة روسيا للـ “بي كي كي”؛ جزءٌ من “العشرة بالمئة المتبقية”، وجزءٌ من خذلان روسيا للنظام الأسدي وإيران في درعا، ومؤشر جديد على خط روسي جديد “الوسيط”؛ ولكن في الأمرين الأخيرين، كيف ستتدبر روسيا وضع علاقتها مع تركيا، الحليف شِبه الإستراتيجي، على مختلف الصعد؟! أليست كثافة التصريحات الروسية مؤخراً حول الوجود “الشرعي أو غير الشرعي” لقوات أجنبية على الأرض السورية في هذا السياق؟! أليست تركيا هي أكثر الجهات المقصودة بتصريحات كهذه، لاستشعار بوتين ارتفاعاً مهماً بمنسوب التنسيق التركي- الأمريكي؟! هل السيد بوتين جاهز ليحمل ملايين السوريين الذين تحملهم تركيا في بلده، أم أنه يفكر ببناء معتقلات لهؤلاء كجزء من إعادة الإعمار التي يتحدث عنها وضيفه؟!

عندما تمتزج “البهلوانية” في السياسة، بالاستعدادية للإجرام، بدور “المرشد النفسي”؛ وعندما يلبس الدب ثوب رقص، أو جلد حمل وديع، وعندما يمتلك عقل العصابة المافياوية التي لا يعنيها إلا تكبير إمبراطوريتها الذاتية النابعة من “أنا” متضخمة تسربلها عُقَد النقص؛ على المرء أن يتوقّع كل شيء، وأن يعاني من كل الانسدادات، ويتحمل المآسي وخراب الأوطان. مَن يحتاج شفاءً أو تغيير سلوك، لا يستطيع تغيير سلوك مَن هو أشد منه مرضاً. سبب داء وابتلاء سورية واضح؛ إنه الابتلاء بمنظومة الاستبداد الأسدية، التي لا بد من التخلص منها، حتى تعيش سورية.

إقرا ايضاً: https://nedaa-post.com/article/Art46811SYHc3ha

عميد كلية الإعلام الأسبق – سياسي وإعلامي وسوري

——————————–

روسيا تتحدث عن سبب سريّة زيارة بشار الأسد إلى موسكو

برّر المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف عدم إعلان بلاده عن إجراء رئيس النظام السوري بشار الأسد زيارة إلى موسكو إلى حين انتهائها.

وزعم بيسكوف أن سبب عدم الإعلان عن زيارة الأسد لموسكو تعود لاعتبارات أمنية، قائلاً: “هناك اعتبارات أمنية معينة يجب اتباعها، وهي واضحة تماماً، بناءً على هذه الاعتبارات بالطبع لم يتم الإعلان عنها”.

وأشار إلى أنه تم تقديم المعلومات لوسائل الإعلام بعد عودة بشار الأسد إلى سورية، مضيفاً: “الرئيس السوري عاد إلى بلاده وهو موجود في دمشق”.

————————-

السر السوري في زيارة لابيد لموسكو/ عمار جلو

جاءت زيارةُ وزيرِ الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد” إلى العاصمة الروسية موسكو، ولقاؤُهُ وزيرَ خارجيتها سيرغي لافروف، بعد أسابيع من زيارة قام بها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق “يائير بن شابات”، والرئيس الجديد “ايال حولتا”، ناقشا خلالها مع رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بيترشوف، الوضع في سوريا، وقد تباينت وجهات النظر لدى الجانبين في عدد من القضايا، حسب أحد الدبلوماسيين الروس، وهو ما دعا لزيارة “لابيد” الخاطفة.

لم يكن باستطاعة موسكو الدخول إلى الساحة السورية عام ٢٠١٥ إلا عبر تفاهم مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي، حيث لعب الأخير دوراً مهماً في تليين الموقف الأمريكي المتصلّب نتيجة التدخل الروسي في البلقان وجزيرة القرم، إلا أنَّ إسقاط الطائرة الروسية بنيران إسرائيلية عام ٢٠١٨ فرض على الطرفين تعميق تفاهمهما وتأطيره ضمن مسمَّى (منع التصادم).

تلاقت المصالح الروسية والإسرائيلية على الجغرافية السورية؛ بالحفاظ على النظام السوري ولو إلى حين، وتقليص الوجود الإيراني في سوريا، إضافة للبوابة العريضة المتمثلة بمحاربة الحركات الإسلامية الراديكالية، مع وجوب مراعاة المحاذير الروسية بمنع استهداف قواتها أو مناطق تجمعها أو قوات النظام ومواقعها أو الأسلحة الحديثة المزود بها، مع الاشتراط بعدم استهداف البنية التحتية لــ “الدولة السورية” ومواقع القيادة والإدارة، وعدم التدخل بجهود النظام الرامية لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو ما لم تلتزم به تل أبيب ضمن عملياتها المسمَّاة بـ”الحرب بين الحروب”.

لكنَّ عواملَ عدة ساهمت بإحداث هوة بين موسكو وتل أبيب، تصدَّرها حديث لا مصدر له تردد على مسامع الإدارة الروسية عن تزويد إسرائيل لأوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية لحمايتها من أي اعتداء روسي، ورغم أنَّ الحديث لا يحمل الكثير من المصداقية، إلا أنَّ حجم التبادل التجاري بما فيه العسكري بين إسرائيل وأوكرانيا يثير استياء موسكو، كما أنَّ عودة الدفء للعلاقة الأمريكية الروسية قلّل حاجة موسكو للوساطة الإسرائيلية مع واشنطن، لا سيَّما مع مجيء حكومة إسرائيلية جديدة وهشَّة تثير رغبة الروس بتغيير توافقاتها مع تل أبيب، نتيجة تأثير الضربات الإسرائيلية المتكررة على سمعة الأسلحة الروسية المعروضة للبيع، على إيقاع الدعاية الروسية الملطخة بالدم السوري.

تلك العوامل وغيرها دعت الوزير لافروف، مطلع هذا العام، إلى مطالبة إسرائيل بإبلاغ الجانب الروسي عن مخاوفها المفترضة والمتولدة من وقائع الأراضي السورية؛ حتى تتمكن موسكو من معالجتها.

وبين ملفات الخلافات الضخمة فإنَّ عدداً قليلاً من قضايا التوافق تجمع الجانبين الأمريكي والروسي، وفي مقدمتها أمن إسرائيل، الذي أصبح لازمة من لوازم الخطاب الدبلوماسي الروسي مؤخراً، وهو ما جدد التأكيد عليه الوزير لافروف خلال اللقاء الصحفي الذي جمعه مع الوزير لابيد، فيما فضّل الأخير التطرق إلى لبّ اللقاء المتمثل بوجود إيران في سوريا بقوله: “علينا أن نفهم أنَّ إيران عامل مزعزع للاستقرار في سوريا ولا يمكن لإسرائيل أن تتسامح مع وجود إيران وقيامها بتصدير الإرهاب في الشرق الأوسط، لا على المدى القريب (ولا على المدى البعيد)، لذا يجب على المنطقة والعالم أن يفهموا أننا سنفعل شيئاً حيال ذلك”، مع تأكيده على العمل بشكل وثيق (جداً) مع الشريك الروسي، تلافياً لأيِّ تصعيد عسكري.

لا يكفي اللقاء الصحفي وما تم خلاله من تصريحات، لقراءة الزيارة التي جاءت بناءً على طلب موسكو لإنهاء التحضيرات لترتيبات القمة المزمع عقدها بين زعيمي البلدين، إلا أنَّ ما يثير الانتباه تأكيد الوزير الروسي في تصريحاته على عملية السلام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة فيما ركّز الوزير الإسرائيلي على التغول الإيراني في المنطقة بتصريحاته التي توحي بتوافق بين الجانبين في هذا الشأن، والذي يُشَمُّ منه النية بتوسيع نطاق الضربات ليشمل وحدات تابعة للنظام، بشكل خاص تلك الخاضعة للأوامر الإيرانية كالفرقة الرابعة، تزامناً ما ينطوي عليه هذا الأمر من تلاقٍ بين مصالح الطرفين؛ خاصة في ظل أحداث درعا الأخيرة، وما مارسته بعض الوحدات النظامية المهيمن عليها إيرانياً من دور سلبي في إفشال مساعي الوساطة الروسية.

ولكن، هل هذه الجزئية البسيطة من تلاقي المصالح يكفي كثمن لقبول الروس بالخروج عمَّا هو متفق عليه مع إسرائيل على نطاق واسع ؟ وما هو الالتزام الإسرائيلي الذي قدمته تل أبيب لموسكو لتخطي الاستياء الروسي المفترض ؟

جاءت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد” بناءً على دعوة من الجانب الروسي في مسعى لإتمام التحضيرات للقاء المزمع عقده بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينت” مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في موسكو الشهر القادم، وما بين استدعاء لابيد وقمة بوتين/ بينت، زيارة مقررة لرأس النظام السوري إلى موسكو، فهل من ترابط بينهما؟

الطريق-

——————————-

ماذا وراء التصعيد الروسي في الشمال السوري؟/ د.باسل معراوي

لا يخبرنا التاريخ عن أنَّ العلاقات الروسية/ التركية كانت على وئامٍ يوماً ما، منذ أيام الحروب الكبرى بين روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية…ويراه البعض بأنه صراع مصالح لا يمكن أن تلتقي أو تتوافق، ولا علاقة لكون روسيا القيصرية راعية الكنيسة الأرثوذكسية في العالم أو أنَّ الخلافة العثمانية هي التجسيد السياسي للدين الإسلامي؛ إذ استمر الصراع بعد وصول الشيوعيين إلى الحكم في موسكو والكماليين العلمانيين في تركيا…حيث كانت تركيا من أهم دول حلف الناتو المجاورة للاتحاد السوفييتي في القرن العشرين.

تحسَّنت العلاقات التركية/ الروسية قليلاً بوصول الرئيسين أردوغان وبوتين للحكم، لكنها سرعان ما انهارت بأول اختبار أو احتكاك حقيقي نتيجة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا بالعام 2015..ووصلت لحد التهديد بنشوب حرب بين البلدين..

حصلت تهدئة بعدها بين البلدين، وتمَّ إنشاء مسار أستانة لتنظيم الخلاف بينهما وعدم حدوث صدام مباشر، وكانت الموافقة الروسية على عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون  ضرورية لإنجازهما..

كانت العلاقات الاقتصادية تسير في منحى مختلف عن التوافقات السياسية؛ حيث يملك الأتراك آلاف المشاريع الاستثمارية في روسيا، وبالمقابل توجد استثمارات روسية مهمَّة في تركيا.

كما أنَّ لخطَّي الغاز الروسي، اللذين يمران من تركيا أهميةً كبرى للبلدين؛ إذ إنَّ أحدهما مخصص لتأمين احتياجات تركيا من الغاز، والثاني للتصدير إلى دول أوربا الجنوبية، كما أنَّ تركيا تجني بضع مليارات من عائدات السياح الروس سنوياً.

لم تتلاقَ روسيا وتركيا بأي ساحة إلا وكانت مصالحهما متضاربة؛ فهما على النقيض في سوريا، وليبيا، وحرب إقليم كاراباخ الأخيرة..

بل إنَّ تركيا أغاظت روسيا باستقبالها الرئيس الأوكراني بأوج الأزمة الأخيرة، وأبدت دعمها للموقف الأوكراني وعدم اعترافها بضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا، وقد زوَّدت أوكرانيا بمعدات عسكرية، منها طائرات تركية بدون طيار تحظى بسمعة جيدة.

كما أنَّ تركيا زوَّدت بولندا (العدو اللدود لروسيا) بطائرات البيرقدار؛ وهو ما أزعج روسيا كثيراً.

ولم تكن روسيا راضية كثيراً عن إنشاء تركيا خطاً دفاعياً فولاذياً في محافظة إدلب، وبوجود قوات تركية عسكرية نظامية إلى جانب فصائل سورية مدعومة من أنقرة..

كان مفهوماً أنَّ التصعيد الروسي منذ آذار الماضي على جبل الزاوية يهدف إلى أمرين اثنين:

أولهما دفع القوات التركية للانسحاب من جانبي طريق حلب/ اللاذقية الذي يمر جزء هام منه من محافظة إدلب الخارجة عن سيطرة قوات النظام، والقبول بالقراءة الروسية لاتفاق التهدئة الذي وقع بين الرئيسين التركي والروسي بموسكو بـ 5 آذار 2020..وهذا ما لم يحصل رغم ارتكاب العديد من المجازر.

وثانيهما دفع أنقرة للقبول بمرور المساعدات الأممية التي يتم تسليمها للنظام؛ بالمرور عبر خطوط القتال الداخلية إلى المناطق المحرَّرة ..وقد تم ذلك عبر افتتاح معبر ميزناز معارة الذي يربط بين مناطق سيطرة الطرفين.

أمَّا التصعيد الروسي خارج جبل الزاوية والوصول أمس لارتكاب مجزرة بمدينة إدلب وقبلها عدة اعتداءات بمناطق غصن الزيتون ودرع الفرات عبر الوكلاء وتارة عبر قوات النظام ــ أغلب الاعتداءات بواسطة قوات “قسد” التي تحتل جيباً من القرى في ريف حلب الشمالي أو عبر “قسد” التي تتواجد في محيط مدينة الباب وجرابلس. وكان القصف الروسي المباشر لقاعدة عسكرية تتبع لفيلق الشام في منطقة عفرين، وسبقه استهداف النظام لمحيط قاعدة تركية بجبل الزاوية، أعقبه صواريخ تركية تحذيرية لطائرة عسكرية روسية في سماء إدلب ــ فهو يدلّ على وصول التفاهمات الروسية/ التركية المستقبلية إلى طريق مسدود.

ولا يخفى عن الروس التطور الإيجابي الكبير الذي طرأ على العلاقات التركية/ الأمريكية بعهد الرئيس بايدن (على خلاف ما كان متوقعاً) وتجلّى ذلك بلقاء قمة تركي/ أمريكي على هامش قمة الناتو الأخيرة في بروكسل.

ما رشح عن القمة ويمكن مشاهدة انعكاساته على الأرض، وفي ظل انسحاب أمريكي من البر الأفغاني والعراقي والسوري (قريباً) هو تفويض أنقرة بمهام وأدوار جديدة وعلاقات أكثر رسوخاً؛ تجلى ذلك بالتفويض الأمريكي لأنقرة ــ وبموافقة حركة طالبان ــ بالإشراف على تأمين وتشغيل مطار كابل. ولن يكون عصياً على الفهم التوقع بأنَّ السلاح الأمريكي الهائل الذي وقع بأيدي طالبان سيكون تحت العين التركية صيانةً وتشغيلاً، وربما توجيهاً.

وتدرك موسكو أنَّ أيَّ تقارب بين أنقرة وواشنطن؛ سيكون على حساب تباعد أكثر بين أنقرة وموسكو، وهو الأمر الذي جعل مسؤولاً عسكرياً روسياً يصرِّح بأنَّ صفقة ثانية من صواريخ S400 في طور الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليها، ما أدَّى إلى قيام مصدر تركي رسمي  بتكذيب الخبر؛ معللاً ذلك بأنَّ إعلان هكذا أخبار كاذبة يهدف إلى توتير العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

ما تخشاه موسكو من تنسيق عالي المستوى بين أمريكا وتركيا، هو الموافقة لتركيا وقوات الجيش السوري الحر على الانتشار بمناطق شمال الرقة، وصولاً لعين العرب ومنبج ..وربما يكون شرق رأس العين أيضاً. ويفضل الروس إعطاء الأتراك القرى العربية في محيط تل رفعت بدلاً عن ذلك، لتأمين مناطق عفرين ودرع الفرات بشكل كامل، وتستبق ذلك سياسياً بمحاولة عقد تفاهمات سريعة بين “مسد” والنظام للتشويش على التفاهمات التركية/ الأمريكية الجاهزة للتنفيذ قريباً..

————————-

هل تمهد أمريكا لمشاركتها الأسد بـ”نسخته الجديدة” في عيد ميلاده المقبل؟

كانت لبشار الأسد أسباب وجيهة للاحتفال بيوم ميلاده، الذي حل في 11 أيلول. فبعد أن رفع الأمريكيون الأيدي عن أفغانستان وانسحبوا منها بعد عقدين من عمليات البرجين، رفعوا أيضاً علماً أبيض في سوريا، فتركوها في أيدي بشار وشركائه.

صحيح أن صعود طالبان إلى الحكم واستئناف عمليات داعش ليسا بشرى طيبة للرئيس السوري، وذلك لأن الأمر كفيل بأن يعطي تشجيعاً وإلهاماً للمجموعات الإسلامية التي لا تزال تقاتله، ولكن يعوض عن ذلك المذلة التي تلقاها الأمريكيون، الذين لم يفقدوا رغم المهزلة الأفغانية التصميم على الانسحاب وعلى طي العلم و”الرقص مع العدو”.

في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي علق فيها لبنان، وفي ضوء نقص حاد في النفط والغاز يشوش حياة الدولة، بادر نصر الله مع حلفائه في طهران لخطوة علاقات عامة لامعة. الإيرانيون، بوساطة حزب الله، سيبعثون النفط إلى لبنان. وهكذا يثبتون للجميع من هو الذي يتجند لمساعدة لبنان عند الحاجة، فيساعدون حزب الله، وفي الوقت نفسه ينالون موطئ قدم آخر في المنطقة شمالي إسرائيل. بل إن نصر الله حرص على أن يهدد -ويبدو أن الأمور نزلت على آذان مصغية وفزعة في إسرائيل- بأن إذا مست إسرائيل بالسفن الإيرانية، فسيرى في ذلك مساً بالأراضي اللبنانية، وسيرد بما يتناسب مع ذلك.

وعليه، أعد الأمريكيون في الأسابيع الأخيرة صفقة تستهدف مساعدة حلفائهم في لبنان والخلاص من شرك العسل الذي عقده زعيم حزب الله أمامهم. وبدلاً من أن يبدو التصميم والزعامة للوقوف في وجه إيران، اختار الأمريكيون طريقاً ملتوياً جلبتهم مباشرة إلى أذرع بشار. اقترحوا أن ينقل كل من الأردن ومصر الغاز إلى لبنان ويربطوه بشبكة كهربائهم، وهكذا يخففون من الضائقة التي تسود فيه ويسمحوا لحكومة لبنان برفض المساعدة الإيرانية. أما السياسيون اللبنانيون الفاسدون وعديمو النفع، الذين هم على علم بالضرر الذي قد تلحقه العقوبات الأمريكية بأعمالهم، فقد قفزوا على العرض كغنيمة كبرى.

المشكلة هي أن الطريق من مصر والأردن إلى لبنان يمر عبر سوريا، وأن عقد صفقة كهذه هناك يحتاج إلى مباركة بشار. وقد أعطيت هذه بسرور، بمقابل إيضاحات من الولايات المتحدة بأن واشنطن لا ترفض استمرار حكمه في سوريا، وأن في نيتها سحب كل القوات الأمريكية من الدولة في أقرب وقت ممكن. وهكذا، بالمناسبة، يترك الأمريكيون حلفاءهم الأكراد في شمالي الدولة، الذين ساعدوهم في مكافحة داعش، وتركهم لمصيرهم في أيدي النظام السوري. يبدو أن الأمريكيين مصممون على أن يثبتوا بأن ليس لهم أصداء، بل مصالح – وعندما تغلب هذه، ترحل الصداقة.

وهكذا يمكن لبشار الأسد أن يحتفل بيوم ميلاد سعيد؛ لأنه بقي على كرسيه بعد حرب مضرجة بالدماء ذبح فيها مئات الآلاف من معارضيه، وبعضهم بالغاز، بل ولأن الأمريكيين يعترفون بانتصاره ومستعدون لـ”عقد الصفقات معه” مثلما في الماضي. تأمل واشنطن وإسرائيل بأن يكون بشار بعد الحرب هو بشار “جديد”: أكثر إنصاتاً وحذراً، مستعداً لصفقات موهومة ودعم أمريكي مقابل طرد إيران من سوريا. غير أن آمالاً كهذه ستتحطم على أرض الواقع مثلما في الماضي. وفي هذه الأثناء، وإلى أن يبدأ الغاز والكهرباء بالتدفق من الأردن ومصر، أعلنت دمشق عن نية سوريا مساعدة إيران في نقل النفط إلى لبنان عبر أراضيها. وبعد كل شيء، ما يضيرهم أن يرقصوا في عدة أعراس ما دام ذلك ممكناً؟

بقلم: أيال زيسر

إسرائيل اليوم 13/9/2021

القدس العربي

——————————

بوغدانوف يستقبل “مسد”..روسيا وسيط مع النظام

بحث الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف مع وفد من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) برئاسة رئيسة اللجنة التنفيذية للمجلس إلهام أحمد، في العاصمة الروسية موسكو، تطورات الأوضاع في مناطق شمال شرقي سوريا، ومستجدات العملية السياسية.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان، إنه تم خلال اللقاء “تبادل صريح للآراء حول الوضع في سوريا مع التركيز على الأوضاع شمال شرقي البلاد”.

وأشار البيان إلى أن الجانب الروسي أكد “موقفه المبدئي الداعم لتسوية جميع القضايا التي تعيق استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا بالكامل، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)، وبأسرع ما يمكن”.

وأضاف أنه “تم التأكيد على أهمية مواصلة الحوار بشكل فعال بين مسد ودمشق بهدف التوصل إلى اتفاقات تستجيب للتطلعات المشروعة لجميع المواطنين السوريين، وتراعي خصائص المناطق والتعددية الإثنية والثقافية للمجتمع السوري”.

من جهته، قال مجلس سوريا الديمقراطية في بيان، إن اللقاء جاء بناءً على دعوة رسمية من الخارجية الروسية، وحضره وفد من مسد والإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا.

ووصف المجلس اللقاء ب”الإيجابي”، لافتاً إلى أنه “تم التاكيد على الحل السياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، وضرورة مشاركة مسد في العملية السياسية”. وأضاف أنه “تمت مناقشة الانتهاكات المستمرة من قبل تركيا للسيادة السورية”.

وتابع: “يسعى مسد إلى عقد لقاءات مكثفة مع مختلف الأطراف الدولية الفاعلة بشكل رئيسي في القضية السورية بهدف البحث عن فرص لانهاء الصراع وبدء مرحلة انتقالية نحو الحل السياسي الذي يجب أن يفضي إلى سلام دائم ومستقر”.

فيما اعتبرت وسائل إعلام سورية معارضة أن تحركات ولقاءات مسد الأخيرة تأتي بدافع الخوف من انسحاب أميركي مفاجئ في سوريا على غرار ما حصل في أفغانستان، موضحةً أن “المجلس يحاول أحياناً التواصل مع الروس أو الإيرانيين أو مع رئيس النظام بشار الأسد بصورة مباشرة، بالإضافة إلى أطراف أخرى، بهدف الحفاظ على مكتسباته التي حصل عليها في حال انسحاب القوات الأميركية”.

وكان الرئيس المشترك لمسد رياض درار أعلن عن نية المجلس إجراء زيارتين إلى كل من موسكو وواشنطن، بهدف بحث مشاركته في العملية السياسية السورية، بغية التوصل إلى حل سياسي وفق القرار الأممي 2254.

وفي أيلول/سبتمبر 2020، التقى وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، إلهام أحمد، وعضو رئاسة المجلس المركزي لحزب الإرادة الشعبية وأمينه، قدري جميل. وذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان حينها، إن لافروف أعلن استعداد بلاده ل”مواصلة تعزيز حوار شامل وبناء بين السوريين.. وتهيئة الظروف للتعايش المتناغم والتنمية لجميع المكونات العرقية والدينية في المجتمع السوري”.

ويعد مسد الواجهة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا بدعم من الولايات المتحدة. ويطالب المجلس بمنحه إدارة ذاتية في المناطق التي يديرها “بسبب وجود أكثرية كردية فيها”.

—————————-

بوتين يحث الأسد على تنشيط الحوار السياسي مع «الخصوم»

ركز على رفض الوجود الأجنبي «غير الشرعي» في سوريا

موسكو: رائد جبر

كما جرت العادة في زيارات سابقة إلى روسيا، ظهر الرئيس السوري بشار الأسد بشكل مفاجئ في موسكو، في زيارة بدا أنها نُظمت ليلاً إلى الكرملين، وخلت من مراسم بروتوكولية، بينها رفع العلم السوري في القاعة، خلال اللقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين.

وحمل إصدار الكرملين بياناً في الساعة السابعة صباحاً أمس، مؤشراً إلى أن المحادثات جرت في وقت متأخر من الليل.

وعلى الرغم من أن الكرملين تعمد عدم نشر مقاطع فيديو تظهر الجانب العلني من اللقاء، لكن بيان الرئاسة الروسية أوضح العناصر التي سعى بوتين إلى التركيز عليها خلال اللقاء.

واستهل بوتين حديثه بعبارات مجاملة؛ إذ خاطب الأسد مهنئاً بعيد ميلاده الذي مرّ قبل أيام، وهو أمر رد عليه الأسد باللغة الروسية بكلمة «سباسيبا»، أي شكراً. كما حرص الرئيس الروسي على تكرار التهنئة بـ«النتيجة الجيدة للغاية للانتخابات الرئاسية في سوريا». وقال، إن «النتائج أظهرت أن الناس يثقون بك، وعلى الرغم من كل صعوبات السنوات الماضية، فإنهم ما زالوا يربطون بك عملية التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية».

وفي إشارة لافتة، زاد الرئيس الروسي «أعلم أنك تفعل الكثير من أجل ذلك، بما في ذلك عبر إقامة حوار مع خصومك السياسيين. آمل حقاً أن تستمر هذه العملية. فقط توحيد جميع القوات في سوريا سيسمح للبلاد بالوقوف على قدميها والبدء في التطور التدريجي والمضي قدماً».

وقال بوتين، إنه «بفضل جهودنا المشتركة، تم تحرير الجزء الأكبر من الأراضي السورية من سيطرة الإرهابيين، الذين تلقوا ضربات بالغة، وتسيطر الحكومة السورية حالياً برئاستكم على 90 في المائة من الأراضي». ولفت إلى أن «المشكلة الرئيسية، في رأيي، هي أنه، بعد كل شيء، القوات المسلحة الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد من دون قرار من الأمم المتحدة، ومن دون موافقتكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ولا يمنح الفرصة لبذل أقصى الجهود لتوحيد البلاد، ومن أجل المضي قدماً في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية».

وزاد بوتين، أنه «لسوء الحظ، لا تزال هناك بؤر للإرهابيين، الذين لا يسيطرون فقط على جزء من الأراضي، ولكنهم يواصلون ترويع المدنيين أيضاً. ومع ذلك، يعود اللاجئون بنشاط إلى المناطق المحررة. رأيت بأم عيني، عندما زرتكم، كيف يعمل الناس بنشاط على ترميم منازلهم، ويعملون بنشاط للعودة بالمعنى الكامل للكلمة إلى حياة سلمية».

ولفت الرئيس الروسي إلى أن «جهودنا المشتركة تؤتي ثمارها. أنا أتحدث الآن ليس فقط عن المساعدات الإنسانية من روسيا للشعب السوري، ولكن أيضاً عن تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية. في النصف الأول من هذا العام، زاد حجم التجارة بمقدار 3.5 أضعاف (..) ونعمل معا لحل المشكلة الرئيسية التي تواجه البشرية جمعاء اليوم، أعني مكافحة عدوى فيروس كورونا. وصلت أول شحنات (سبوتنيك) إلى سوريا. آمل أن نتمكن من خلال الجهود المشتركة من مساعدة الشعب السوري في استعادة الاقتصاد، والمجال الاجتماعي، والرعاية الصحية».

من جانبه، قال الأسد، إن اللقاء يوفر فرصة مهمة «لمناقشة القضايا المتعلقة بمهامنا المشتركة، من خلال تحقيق ما حققناه من نتائج ملموسة في مكافحة الإرهاب الدولي».

وزاد «حقق جيشانا العربي السوري والروسي نتائج مهمة، ليس فقط في تحرير الأراضي المحتلة التي استولى عليها المسلحون، ولكن أيضاً في تسهيل عودة اللاجئين الذين أجبروا على ترك ديارهم». وأضاف، أن «التحركات السياسية المشتركة التي قمنا بها، سواء في سوتشي أو في آستانة، أسهمت في تطبيع الحياة في الجمهورية العربية السورية». وفي رد على دعوة بوتين لتنشيط الحوار السياسي، قال الأسد، إن «الشيء الوحيد الذي أود أن أشير إليه هو حقيقة أن العمليات السياسية التي كنا نقوم بها قد توقفت منذ نحو ثلاث سنوات. هناك، بالطبع، أسباب معينة لذلك. هناك دول معينة تؤثر بشكل مدمر بكل الطرق الممكنة على إمكانية إجراء العملية السياسية. وهناك عوامل أخرى، نفهمها تماماً ونحاول بذل قصارى جهدنا لحلها».

وأشار إلى أن «العقوبات المفروضة على الشعب السوري، يمكن تصنيفها على أنها معادية للإنسان، ومعادية للدولة، ومعادية للشرعية».

وأشاد الرئيس السوري بشكل خاص بدور وزارة الخارجية الروسية على «مواقفها وسياستها الواضحة التي تنتهجها على الساحة الدولية، والدفاع عن مبادئ وأعراف القانون الدولي المشروعة المعترف بها عالمياً».

الشرق الأوسط

——————————

بانتهاء جيب درعا، بوتين والأسد يبحثان عن رد على سؤال: ماذا نفعل مع تركيا وإيران

المصالح الاستراتيجية لروسيا تتعارض مع أي نفوذ مستقبلي لأنقرة وطهران في سوريا.

أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد بعد لقائهما في العاصمة الروسية الاثنين رسالة واضحة مفادها أن المرحلة القادمة ستكون لإخراج القوات الأجنبية، في إشارة إلى تركيا وإيران بالدرجة الأولى.

وبعد أن نجحت القوات السورية بدعم مباشر من روسيا في استعادة السيطرة على جيب درعا كآخر معاقل المعارضة الداخلية، يعتقد مراقبون أنه لم يعد أمام بوتين لتثبيت نظام الأسد سوى الضغط لإخراج القوات الأجنبية، وخاصة تركيا التي تسعى لتحويل سيطرتها على إدلب ومناطق كردية إلى أمر واقع.

ويريد بوتين فصل الوضع في سوريا عن الملفات الأخرى التي يتم فيها تنسيق تركي – روسي، وهو ما يعني أن موسكو لن تقبل بقاء القوات التركية التي تعرقل الهدف الرئيسي للتدخل الروسي وهو الإبقاء على سوريا موحدة، خاصة أن تركيا نجحت في استقطاب الآلاف من عناصر المعارضة المسلحة وحولتهم إلى ورقة ضغط في مفاوضاتها غير المباشرة مع الأسد، ووجود هؤلاء المقاتلين على المدى البعيد قد يحول التقسيم إلى أمر واقع.

خطاب المسؤولين الروس يظهر عدم رضا ليس فقط عن الدور التركي، فهناك انزعاج أيضا من الدور الإيراني الذي يهدد مكاسبهم على المدى البعيد

وإذا كان الوجود الأميركي في مناطق سيطرة الأكراد مقلقا لموسكو فإنه ليس بنفس الدرجة من الخطر الاستراتيجي التركي؛ ذلك أن المئات من الجنود الأميركيين من المقرر أن يرحلوا ضمن استراتيجية واشنطن للانسحاب من مناطق النزاع، في حين أن تركيا تخطط لبقاء دائم تبرره استراتيجية الرئيس رجب طيب أردوغان الهادفة إلى استعادة مناطق سيطرة الدولة العثمانية على المدى البعيد، وأن تمركز قواتها في سوريا ليس سوى أحد عناصر تلك الاستراتيجية.

وأكد بوتين خلال لقائه الأسد أن “القوات المسلحة الأجنبية موجودة دون قرار من الأمم المتحدة في البعض من مناطق البلاد، في انتهاك بطبيعة الحال للقانون الدولي، وهو ما يحول دون بذل الجهود القصوى لتعزيز البلاد والتقدم على طريق إعادة البناء”.

ونقل بيان للكرملين عن بوتين القول “الإرهابيون تكبدوا أضرارا بالغة، وتسيطر الحكومة السورية برئاستكم على 90 في المئة من الأراضي”. وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء إن الرئيسين بحثا “التعاون المشترك بين جيشي البلدين في عملية مكافحة الإرهاب واستكمال تحرير الأراضي التي ما زالت تخضع لسيطرة التنظيمات الإرهابية”.

وتدخلت روسيا عسكريا في سوريا عام 2015 ما سمح لقوات النظام السوري باستعادة مناطق خسرتها البلاد أمام فصائل المعارضة والحركات الجهادية. لكن ذلك لم يمكن موسكو من تأمين نفوذها بسبب عوامل خارجية متداخلة.

وبات واضحا في خطاب المسؤولين الروس عدم رضا ليس فقط عن الدور التركي، فهناك انزعاج أيضا من الدور الإيراني الذي يقلق خطط روسيا لتأمين وضع سياسي في سوريا يتيح لها التحكم في الوضع على المدى البعيد وعقد اتفاقيات تمكنها من استعادة ما أنفقته وتأمين مناخ أمني وعسكري يتيح للأسد الحكم في ظروف مريحة، وهو وضع يهدده بقاء النفوذ الإيراني.

وتقول روسيا إن تدخلها جاء بطلب رسمي من الأسد، وهو ما يكرره المسؤولون الإيرانيون الذين يطالبون هم أيضا بمزايا استراتيجية كمكافأة من الرئيس السوري على الدور الذي لعبته بلادهم وميليشيات حليفة لها في هزْمِ المعارضة؛ وهو ما يعني منافسة روسيا على اتفاقيات النفط والغاز، واتفاقيات الموانئ والقواعد العسكرية وإعادة الإعمار.

ولأجل التخلص من الوجود الإيراني المعقد على الأراضي السورية -وهو دور يمتزج فيه الدور العسكري بالخطاب الطائفي وشعارات المقاومة- بدا أن الروس صاروا أقرب إلى مطالبة إسرائيل بالحد من النفوذ الإيراني في سوريا ولو بشكل تدريجي وإبعاده عن الحدود مع إسرائيل إلى داخل الأراضي السورية.

ولئن تكتمت روسيا على تفاصيل التنسيق مع إسرائيل بشأن سوريا فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تظهر أن موسكو لا تعترض على استهداف الوجود الإيراني في سوريا، وأنهم تلقوا الضوء الأخضر للاستمرار في تنفيذ عمليات محدودة ولكنها دقيقة ضد تمركز الإيرانيين وحلفائهم من ميليشيا حزب الله أو ميليشيات عراقية وأفغانية.

وهناك ما يشبه عملية توزيع أدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل لإجبار إيران على الرحيل من سوريا.

ولا تبدو روسيا بعيدة عن عملية توزيع الأدوار هذه؛ ذلك أنها ما فتئت، على مدار عمر الصراع، تغض الطرف عن العمليات الإسرائيلية في الداخل السوري ونادرا مع تعلق على مثل تلك العمليات. كما أنها ترفض تفعيل منظومات الدفاع الجوي الحديثة التي استقدمتها إلى سوريا لاسيما أس 300، فيما بدا أن هناك اتفاقا ضمنيا مع واشنطن وتل أبيب حول ذلك.

وتتجه إسرائيل إلى توسيع دائرة استهداف النفوذ الإيراني من عمليات داخل العمق السوري أو اللبناني إلى عمليات أخرى قد تطال مناطق يتم فيها التخطيط لتنفيذ هجمات في سوريا.

ويوم السبت الماضي حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من أن إيران “تقوم بتدريب ميليشيات من العراق واليمن ولبنان وسوريا على استخدام طائرات مُسيرة متقدمة، في قاعدة تدعى كاشان”.

وقال غانتس إن “قاعدة كاشان في شمال مدينة أصفهان تُستخدم لتدريب إرهابيين من اليمن والعراق وسوريا ولبنان. ويتم تدريب هؤلاء الإرهابيين على استخدام المُسيرات التي تنتجها إيران. وتعتبر هذه القاعدة نقطة رئيسية يتم منها تصدير الإرهاب الجوي إلى المنطقة”.

وكان بوتين، الحليف الرئيسي للأسد في الصراع الدائر في سوريا منذ عشر سنوات، قد استقبل الرئيس السوري في روسيا عام 2018 في مقر إقامته الصيفي بمنتجع سوتشي المطل على البحر الأسود.

ولعب سلاح الجو الروسي دورا حيويا في تحويل الدفة لصالح الأسد في الصراع، بعد انتشاره هناك في 2015 مما ساعد الأسد على استعادة معظم الأراضي التي خسرها أمام المعارضة المسلحة.

العرب

—————————–

====================

تحديث 17 أيلول 2021

——————————

روسيا في “جمهورية الموز” الأسدية/ ناصر السهلي

اختزلت “الزيارة” الأخيرة لرأس نظام دمشق، بشار الأسد، إلى موسكو، وما رافقها من حديث للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نتائج 6 سنوات من التدخل العسكري لإنقاذ النظام، سعياً لمصالح روسية خالصة، بتحويل البلد إلى “جمهورية موز” تابعة لها. فحديث الأسد المفتعل عن واقع سورية “المنتصرة” لا يؤشر فقط إلى ديمومة حالة الإنكار التي يعيشها نظامه، بل إلى أي دور وظيفي حول بلده في استراتيجية حصول حُماته على ما يسمى “موطئ قدم” على شواطئ المتوسط.

التفجع الكاذب حول اللاجئين السوريين لا يقابله حجماً سوى ذلك الحديث عن “السيادة السورية”، من طرف تفاخر بتحويل البلد إلى حقل تجارب للسلاح الروسي ومشاريع هيمنة إيرانية، وهو لا يستهدف سوى جذب المال وتطبيع وضع النظام إقليمياً وطمس معالم الجرائم، عبر محاولة إظهار أن لجوء ونزوح الملايين حصل بسبب كوارث طبيعية، وليس بفعل تدمير ممنهج ومقصود لتفريغ المدن من سكانها، ثم تهديدهم بألا يفكروا بالعودة وإلا “فالانتقام ينتظرهم”، بعد وصلات من التخوين واتهام بالعمالة والتآمر، والتحريض عليهم في بلدان اللجوء، القريبة والبعيدة.

بالتأكيد يعرف بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، من خلال مندوبيهما في قاعدة “حميميم” وممثليهما في دمشق، أن قلة من السوريين والعرب يشترون شعاراتهما “الإنسانية”. يكفي النظر لممارسة عسكريي روسيا بتدمير “مقبرة الشهداء” الفلسطينيين في مخيم اليرموك جنوب دمشق، بحثاً عن رفات جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومنع سكانه منه، ليدرك المرء أن حالة التفجع الزائف حول عودة الناس إلى مناطقها مجرد كذبة أخرى، في سياق أوسع من التهجير وتغيير السكان، كما حدث أخيراً في درعا البلد.

فلا يمكن لعاقل أن يصدق حرص موسكو على عودة السوريين، رغم مسرحيات شرطتها العسكرية في ملاحقة ناهبي بيوت السوريين، المسماة باللغة الدارجة “تعفيشاً”، مع استمرار القصف اليومي الذي لا يستثني مخيمات البؤس للمهجرين والنازحين في الشمال السوري، ودعم سيطرة مليشياوية تفرغ البلاد من أصحابها. ببساطة شديدة، فإن إظهار “حرص” على عودة اللاجئين يعد من أكبر عمليات الانتحال والاحتيال لتحصيل مكاسب روسية، جراء رعاية كل التدمير والإجرام الذي أدى بالأساس إلى تهجيرهم، ووقوف مئات الآلاف في طوابير الهجرة يأساً من واقع يزداد مأساوية. تحذير “العفو الدولية” ولجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة من المصائر الدموية للعائدين تعززها يوميات السوريين العاديين، الذين يستشعرون حقيقة تحول بلدهم إلى بلد انتداب محتل، برعاية الكرملين وحمايته بـ”السوخوي” مرتزقة متعددي الجنسيات.

العربي الجديد

—————————–

الأسد في موسكو مجدداً/ رضوان زيادة

شحنت روسيا الأسد مجدداً إلى موسكو حيث ظهر فجأة في لقاء مع الرئيس الروسي بوتين، ردد الأسد الكلمات ذاتها حول “الإرهابيين” وفشل “العملية السياسية” التي تعمد إفشالها، بينما ردد بوتين من جهته العبارات ذاتها بأن التدخل الروسي “مشروع” في قتل المدنيين بينما هو محرم على الآخرين لأنهم لا يستهدفون المدنيين.

منذ اللحظة الأولى لاستخدام روسيا حق النقض الفيتو للمرة الأولى بالتعاون مع الصين لمنع إقرار مقترح غربي يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ويهدد إجراءات ضد حكومة بشار الأسد. وذلك في تشرين الأول 2011 أي بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية وإلى اليوم ما زالت تستخدم الفيتو لحمايته ضد أية إدانة دولية في مجلس الأمن حتى بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها روسيا الفيتو في الأزمة السورية 16 مرة.

أي منذ ذلك التاريخ والسوريون يحاولون التكهن لفهم حقيقة النوايا الروسية وسياساتها في سوريا وهو ما مثل أحد أهم المعضلات ليس للسوريين فحسب وإنما للخبراء الدوليين، فالنظام الروسي هو نظام أوتوقراطي يشكل الرئيس الروسي بوتين عصبه الأول والأخير، ولذلك ازدادت التكهنات والتوقعات من حقيقة الموقف الروسي والأهم المخاوف من أية مبادرة روسية.

والأمر ذاته يعود عندما قررت موسكو التدخل عسكريا في الأزمة السورية في أيلول 2015 لصالح النظام السوري، لم يكن واضحاً الهدف الروسي من هذا التدخل العسكري الذي ربما كان سيقود إلى صدام عسكري روسي – أميركي على الأرض السورية، لكن بعد سنوات ها نحن نرى الطرف الأميركي ينسحب تماماً سياسياً وربما عسكرياً قريباً وتتحول روسيا لضامن سياسي ووكيل كامل الصلاحيات للنظام السوري.

استخدمت روسيا قوة عسكرية نارية لا مثيل لها في الغوطة الشرقية أدت إلى تدمير كامل لحساب سيطرة الأسد وإيران، ثم تكرر السيناريو ذاته في الغوطة الشرقية ثم القلمون ثم درعا، فإنه من الغباء المطلق القول إن النوايا الروسية لم تعد واضحة وصريحة، إنها تكرار للنموذج الشيشاني في سوريا مهما كانت التكلفة فروسيا تستقوي اليوم بالغياب الأميركي الكامل وانعدام أية سياسة عربية تجاه القضية السورية.

ظهرت الرغبة الروسية في جني أرباح تدخلها في سوريا، إذ ليس هناك أرقام روسية رسمية عن التكلفة البشرية في سوريا أو حتى التكلفة المادية، ولكن ما يهم هو العقود الروسية في سوريا من الغاز إلى مرفأ طرطوس إلى الشركات الاستثمارية في الساحل السوري، فضلا عن العقود لمئة عام والتي تعكس أشبه بما يسمى Land grabbing ولذلك ترغب روسيا الآن بالحصول على بعض العائدات مع الأيام الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الغربية، وربما سيحصل بوتين على تنازلات جديدة من الأسد بعد هذه الزيارة التي من الصعب وصفها بأنها رسمية، فلا حضور للعلم السوري أو لأي من المراسم في الاستقبال والصورة.

ما زالت روسيا اليوم تطمح للسيطرة على إدلب ودرعا وإن كانت لا تفضل الحل العسكري الآن ربما وبشكل مؤقت، وبنفس الوقت تقود روسيا حملة مضللة كما فعلت على مدى العشر السنوات الماضية في مجلس الأمن والمنظمات الدولية، إذ تستغل روسيا عضويتها في مجلس الأمن لترداد معلومات عن درعا ليست مغلوطة فقط، وإنما مجرد أكاذيب وتلفيقات، والحقيقة أن هناك درجات من المعلومات المغلوطة إلى عدم قول الحقيقة كاملة إلى الكذب وأعلاها بالتأكيد التلفيق، وصلت البروبوغاندا الروسية إلى هذا المستوى الأخير بسرعة وبشكل يشعر بالاستفزاز والغضب، إذ كيف يمكن مواجهة هذه الأكاذيب والمغالطات بحق سوريا إذا كان مندوب النظام السوري الذي ما زال يحتل موقع سوريا في الأمم المتحدة يردد الأكاذيب ذاتها وعلى المستوى نفسه إنما ليس بالبراعة الروسية التي تدخل في التفاصيل، إذ ما زال المندوب السوري فذاً في غبائه عند ترديد الشعارات وقول الشعر بأخطاء لغوية لا حصر لها، ولذلك فإن دعايته لا ترقى لوصف البروبوغاندا، إنها أحط من ذلك بكثير.

لكن، الخطورة في الدعاية الروسية هي أنها تطلب من العالم تصديقها وتجبر مؤسسات الأمم المتحدة أن تأخذ روايتها الكاذبة على محمل الجد، هذه المرة تقدمت البروبوغاندا الروسية مرة أكثر تقدما في الاستخفاف بالمجتمع الدولي وبالسوريين بشكل رئيسي، تريد منا أن نصدق أن عشرات الضحايا ليس لهم وجود، تريد منا أن نصدق أن عشرات الفيديوهات التي ظهرت قد تم فبركتها بشكل كامل من قبل “عصابات” الخوذ البيضاء.  

النظام السوري كما روسيا يخافون من الحقيقة ويخافون أكثر من انتشار الحقيقة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبالرغم من أن روسيا تستخدم وسائل التواصل هذه بكثافة من أجل بث دعايتها المسمومة وأخبارها الملفقة فإن إيماننا وإخلاصنا للحقيقة يجب أن يدفعنا دوماً إلى اعتبارها كمبدأ رئيسي خلال نشرنا أو كتابتنا للأخبار، لأن الحقيقة دوماً صديق الضحية وأن المجرم دوماً يخاف النور كما الحقيقة ويحاول طمسها بكل ما يستطيع وهو ما لن تستطيع روسيا القيام به أبداً مع ملايين المستخدمين من وسائل التواصل الاجتماعي من السوريين حتى ولو استغلت أقوى منبر في العالم وهو منصة مجلس الأمن التي من المؤسف أن تصبح منبراً لترداد الأكاذيب والأخبار المزيفة والملفقة.

تلفزيون سوريا

———————————-

روسيا لا تستطيع تحويل نجاحها العسكري السوري لإنتصار سياسي

في الذكرى السادسة للتدخل الروسي في سوريا إلى جانب النظام، قال معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركية إن “الاستراتيجية التي وضعتها موسكو ضد الاستراتيجيات الغربية المشوشة والمترددة، سمحت لها بتحقيق هدفها الأولى المتمثل في منع سقوط بشار الأسد”.

وأضاف المعهد في تقرير تحت عنوان: “حرب روسيا الأبدية.. سوريا والسعي لتحقيق مكانة القوى العظمى”، أن “الكرملين أعاد أيضاً تأسيس نفسه كلاعب في الجغرافيا للشرق الأوسط”.

وتابع الكاتب العقيد المتقاعد في سلاح الجو الأميركي روبرت هاملتون في التقرير: “لا يزال جزء كبير من سوريا خارج سيطرة روسيا وحلفائها، الذين يبدو أنه ليس لديهم فكرة عن كيفية تحويل نجاحهم العسكري الأولي إلى انتصار سياسي”.

واعتبر هاملتون أن “صراع روسيا لإخراج نفسها من سوريا يمثل مشكلة، كما أن ضجر الشعب الروسي المتزايد من مغامرات الكرملين الخارجية هو مشكلة أكبر”.

وأظهر استطلاع حديث أجراه مركز “ليفادا” الروسي أن 32 في المئة فقط من الروس يقولون إنه “من المهم لروسيا أن تكون قوة عظمى يحترمها الآخرون”، وهو أدنى رقم خلال عقود فلاديمير بوتين في الحكم، في حين يقول 66 في المئة إن “مستوى المعيشة المرتفع أهم من كونها قوة عظمى”.

وأشار هاملتون إلى أن صراع الكرملين للخروج من الحرب السورية ليس معضلته الجيوسياسية الوحيدة، مضيفاً أن “الوجود الروسي في سوريا غير معترف به”، لافتاً إلى أن “الواضح أن هناك معضلة أخرى في أوكرانيا وقد دخلت عامها السابع”.

وتابع: “قد تجبر الفوضى التي خلفتها الولايات المتحدة بعد الانسحاب من أفغانستان، موسكو إلى زيادة وجودها العسكري في آسيا الوسطى”، مضيفاً أن “عمليات الانتشار هذه، يُمكن أن تجهد موارد قوة روسيا العسكرية الموسعة والتي على الرغم من ذلك لا تزال محددة”.

واعتبر الكاتب أنه “رغم أن عمليات الانتشار تغذي نظرة الكرملين لنفسه كقوة صاعدة وحاجته إلى التنافس مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة، فإنها لا تفعل الكثير لتهدئة مخاوف المواطنين الروس العاديين”، متابعاً: “روسيا ليست دولة ديمقراطية، ولكن يجب أن تظل حكومتها منتبهة لإرادة الشعب”.

وقال هاملتون إن “ما لم تكن موسكو قادرة على موازنة رغبتها في الحصول على مكانة قوة عظمى مع القدرة على معالجة مخاوف الشعب، فقد تجد دخولها في الجغرافيا السياسية عالية المخاطر وأكثر تكلفة مما كان متوقعاً”.

ودعمت روسيا النظام السوري منذ بداية الحرب السورية العام 2011 سياسياً، ثم من خلال المشاركة العسكرية المُباشرة منذ 30 كانون الأول/سبتمبر العام 2015. وبدأت موسكو في تعزيز وجودها العسكري الدائم في العام 2017 عقب اتفاق مع حكومة النظام.

المدن

—————————-

موسكو تحذّر من سيناريو أميركي لـ«تكريس تقسيم سوريا»

رائد جبر

بالتزامن مع انطلاق جولة مشاورات روسية أميركية حول سوريا في جنيف، برزت تحذيرات في موسكو من «سيناريو أميركي لتكريس تقسيم سوريا». وأعرب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف عن قناعة بأن «مداخل واشنطن للتعامل مع الملف السوري لم تتغير»، متوقعا أن تحافظ الولايات المتحدة على وجود عسكري طويل المدى في شمال شرقي البلاد.

وفي وقت توجهت الأنظار إلى جنيف، انطلقت أمس، جولة مفاوضات بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينتييف تركز على ملفات عدة تخص سوريا بما في ذلك الوضع الميداني والمساعدات الإنسانية، حملت التحذيرات التي أطلقها ريابكوف إشارات لافتة، إذ دلت إلى قناعة موسكو بأن مواقف واشنطن لن تشهد تغيرا كبيرا في المسائل المتعلقة بالوضع العام في سوريا خصوصا على صعيد الوجود العسكري الأميركي في هذا البلد، ومساعي واشنطن لتشجيع النزعات الانفصالية في شمال شرقي البلاد.

وقال ريابكوف في مقابلة تلفزيونية مع قناة «آر تي» إن «أهم أسباب عدم الاستقرار واستمرار النزاع في سوريا هو الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية» التي وصفها بأنها «قوات احتلال وعدوان». وزاد أن القيادة الروسية دعت أكثر من مرة إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية و«واشنطن تعرف موقفنا تماما لكنها للأسف تتمسك بمواقفها السابقة، وأنا أتوقع أن في جعبتهم سيناريو واضح لتقسيم البلد عمليا».

وقال المسؤول الروسي إن موسكو «تعارض بقوة هذا التوجه الذي يتنافى مع قرارات مجلس الأمن والمبادئ القانونية الأساسية التي تضمن وحدة واستقلال سوريا». ولفت إلى أن الوجود العسكري الروسي خلافا للوجود الأميركي «مشروع تام لأنه يقوم على دعوة رسمية من الرئيس المنتخب شرعيا».

وفي إشارة إلى المشاورات الروسية – الأميركية الجارية، قال ريابكوف إن «لدينا (مع الأميركيين) تجربة طويلة للتواصل وبمختلف الأشكال والمستويات في آستانة وجنيف ونيويورك وأماكن أخرى»، مضيفا أن الطرفين «يواصلان التنسيق العسكري لمنع التصادم كون قواتنا والقوات الأميركية إما على تماس مباشر في بعض المواقع السورية وإما قريبة جدا».

وزاد أنه على المستوى السياسي الدبلوماسي «يستمر أيضا التواصل، ونحن لا نعلن عن ذلك في كثير من الأحيان لأن الموضوع شائك ومعقد»، معربا عن أمل في أن «يستمع الزملاء الأميركيون أكثر إلى المقترحات المعقولة وأن يعملوا على أساس الشرعية الدولية وليس على أساس تصوراتهم لما هو الصحيح وما هو الخاطئ أو من هو عدوهم ومن حليفهم».

بدا ريابكوف متشائما عندما سئل احتمالات الانسحاب الأميركي من سوريا، وقال إن «واشنطن تحتاج لموطئ قدم في سوريا من أجل مواجهة منافسيها الجيوسياسيين وبينهم روسيا، وكذلك لضمان عرض القوة في المنطقة». وهذه التصريحات الأولى من نوعها لدبلوماسي روسي في تفسير حرص واشنطن على الوجود العسكري في سوريا. وزاد ريابكوف: «للأسف هذا واقع علينا التعامل معه، وخلال السنوات الماضية سمعنا عدة مرات عن توجه أميركي للانسحاب لكن ذلك لم يحدث، وأنا لا أرى أن لدى واشنطن ما يشير إلى عزمها التخلي عن سياسة فرض مقارباتها على الشؤون السورية بما في ذلك عبر القوة العسكرية».

ورغم ذلك، قال نائب الوزير إن «موقفنا أن هذا يعكس توجه واشنطن لتكريس الهيمنة على الشؤون العالمية وفرض إرادتها على الدول المستقلة، هذا أمر غير مشروع، وسوف نواصل مواجهته، ولدينا تحالف واسع مع الدول التي تشاطرنا الموقف في تقييم سياسات واشنطن، ومع مرور الوقت سوف نستطيع أن نواجه واشنطن بحل مقبول يعزز وحدة وسلامة الأراضي السورية».

وتطرق نائب الوزير الروسي إلى انسحاب واشنطن من أفغانستان، مشيرا إلى أن «هذا الهروب بين فشل سياسة الولايات المتحدة على مدى عقدين وحلفاء واشنطن اضطروا إلى الاعتراف بأخطاء تلك السياسة، الآن الأوضاع تغيرت جذريا والمهم أننا نمضي في سياسة واضحة ومتوازنة تعكس مصالحنا الأساسية وتلتزم بالقوانين الدولية».

على صعيد آخر، تناول محللون روس أمس، الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، وسط تباين المواقف بين من رأى فيها تحضيرا لاستحقاقات سياسية مقبلة أو أنها تتعلق بالتطورات الميدانية في سوريا. ورأى الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن أنطون مارداسوف، في حديث لصحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا»، أن «محضر اجتماع بوتين – الأسد يذكر بإحدى محادثات 2018 في سوتشي: حينها شدد بوتين أيضا على الوجود الأجنبي، وتحدث الأسد عن تسوية سياسية.

من الواضح أن الطرفين يبثان الأطروحات ذاتها. مع فارق أن الأسد آنذاك تحدث عن قرار إرسال وفد لتشكيل لجنة دستورية… وهو الآن يشكو من أن التسوية توقفت بذنب دول معينة».

ورأى الباحث أن أهمية محادثات الأسد مع بوتين كونها جرت عشية زيارة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن إلى إسطنبول والمحادثات الجارية في جنيف بين موسكو وواشنطن. لكن اللافت أن الباحث رأى أن «المساومة كما أراها لا تدور حول استئناف المباحثات في جنيف، التي يحاول النظام السوري بكل طريقة ممكنة المماطلة فيها ونقلها إلى دمشق، إنما حول تخفيف العقوبات، لتكثيف التجارة مع الأردن. النقاش برأيي يدور حول تنفيذ مشروع استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا».

الشرق الأوسط

———————

=======================

تحديث 19 أيلول 2021

———————–

«الفيل الأفغاني» في الغرفة السورية/ إبراهيم حميدي

تنتظر مصر والأردن ولبنان رسالة خطّية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتضمن استثناء مرور خط «الغاز العربي» عبر الأراضي السورية، من عقوبات «قانون قيصر».

ولم تكتفِ هذه الدول بضمانات شفوية، تبلغتها من واشنطن، وأحاديث أسهم بها كبار المسؤولين ومدير وكالة «الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي إيه) وليم بيرنز، والقول إنه ما دامت دمشق ستأخذ حصة من الغاز والكهرباء من العرب وليست أموالاً، فهي ليست مشمولة بالعقوبات. فالتجربة مع المؤسسات الأميركية التي عمّقتها تجربة أفغانستان الأخيرة، دفعت هذه الدول إلى طلب «رسالة خطية».

هذا نموذج لتعاطي حلفاء واشنطن معها بعد أفغانستان. أيضاً، أفغانستان كانت «الفيل في غرفة» الحوار بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن الأميركي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين، والمبعوث ألكسندر لافرينييف. فمشاهد تدفق «طالبان» في وديان البلاد وسهولها إلى كابل، وفوضى الانسحاب والإجلاء الأميركي بعد عقدين، كانت ممدودة على مائدة المفاوضات الأميركية – الروسية.

بالنسبة إلى الوفد الروسي، على الغرب التوقف عن إلقاء المحاضرات في «بناء الأمم»، لأن كل تجاربه فاشلة، من ليبيا إلى العراق إلى أفغانستان، ما يعني أن روسيا هي الأقدر على فهم الدول و«بناء الأمم»، وهي لن تقبل بتكرار «الفشل الغربي» في سوريا عبر تحطيم مؤسساتها وخريطتها. أي إن المطلوب روسياً من الغرب هو تقوية المؤسسات السورية، بما فيها الرئاسة، واستعادة السيادة الكاملة، كي لا يكون البديل سيطرة «طالبان السورية على سوريا».

ترجمة هذه الكلمات الروسية في القاموس السوري ظهرت ملامحها في زيارة الرئيس بشار الأسد للكرملين ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، الذي هنّأ الأسد بعيد ميلاده وبـ«الفوز في الانتخابات بموافقة أكثر من 95% من السوريين»، ودعم سيطرة الحكومة على «90% من الأراضي»، والقول إن «العقبة الوحيدة أمام الإعمار هي وجود القوات الأجنبية» مع «بعض البؤر الإرهابية».

كما تعني أيضاً دعم الحكومة في توسيع «التسويات» في الجنوب، والضغط على الأكراد ودمشق لبدء حوار سياسي عنوانه «استعادة السيادة»، مع الإقرار بـ«التنوع»، أي الخصوصية الكردية. والضغط يكون بالسياسة والنصيحة بلسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف خلال لقائه القيادية إلهام أحمد، وبالقبضة العسكرية، عبر تشجيع أو عدم منع تركيا وفصائل مدعومة منها، من قصف حلفاء أميركا شرق الفرات «الذين هم عائق السيادة».

كما يعني هذا استمرار تشجع الدول العربية على التطبيع مع دمشق، أو عدم عرقلة ذلك، في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ضمن الحدود الممكنة. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة السورية الداخلية، فإن أوراق المعارضة تساقطت في موسكو بحيث لم تعد هناك «معارضة شرعية»، لكن لا بأس من المضيّ قدماً في عمل اللجنة الدستورية والعمل على عقد الجولة السادسة في 9 من الشهر المقبل، إذا وافق رئيس «الوفد المسمى من الحكومة» أحمد الكزبري، وفريقه على آلية البدء بصوغ الدستور وتعديلاتها، لا لشيء سوى القول إن شيئاً ما يحصل.

هناك رفض روسي لتحمل مسؤولية الفشل ورهان على انقلاب أميركي في سوريا. إذ إنه رغم كل الوعود الأميركية للحلفاء الأكراد شرق الفرات، فإن التجربة أثبتت أن تغيير السياسة في شكل جذري وارد، بما في ذلك مع الرئيس جو بايدن. شعر حلفاؤه في ذلك بالانسحاب من أفغانستان ثم توقيع الاتفاق الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا من وراء ظهر الحليف الأوروبي.

أيضاً، التجربة الأفغانية، خيّمت على التفكير الأميركي في جنيف، وعززت فكرة الابتعاد عن لعب «دور قيادي» في الملف السوري أو «غسل الأيدي منه». أميركا فجأة انتقلت من سياسة «الضغط الأقصى» في عهد دونالد ترمب إلى إهمال سوريا. وهناك اعتقاد بأن تجربة عشر سنوات عززت قناعة الفريق الأميركي الجديد – القديم الخاص بسوريا بأن الروس لا يريدون أو غير قادرين على إجراء تغييرات في سلوك دمشق. وفي كلتا الحالتين، فإن واشنطن تجد نفسها عارية من الذخيرة، أو غير قادرة وغير راغبة في استعمال الأدوات الموجودة لديها، مثل العقوبات والوجود العسكري والعزلة.

وعليه، هناك شعور بعدم الرغبة في تغيير المسار في شكل جذري بأيٍّ من الاتجاهين، أي «لا تطبيع كامل» و«لا ضغط أقصى»، بحيث يبقى الوضع على ما هو عليه، إلى موعد المفاجأة المقبلة من اللاعب الأميركي لحلفائه وخصومه، وأغلب الظن من بوابة سوريا الشرقية، أي الوجود العسكري.

أمام هاتين القراءتين، يبدو أن الأمر الوحيد المتاح سورياً ويمكن أن تلتقي عليه الأجندتان الروسية والأميركية، هو المساعدات الإنسانية، سواءً كانت «عبر الحدود» أو «عبر الخطوط»، مع تركيز على «الإنعاش المبكر» و«الغاز العربي»، وترتيبات بين دمشق والأكراد، وإلقاء بعض التحيات على مسار اللجنة الدستورية بوصفها أوكسجيناً كي لا تموت العملية السياسية، وإيحاءً معنوياً من باب رفع العتب، لتنفيذ القرار 2254.

الشرق الأوسط

—————————–

عندما يستدعي بوتين مرؤوسه.. بايدن يضبط إيقاع الدب الروسي/ هشام اسكيف

على طريقة استدعاء الرئيس لمرؤوسيه كان مشهد زيارة بشار الأسد للرئيس الروسي بوتين، فلم تخرج هذه الزيارة عن طريقة الشحن السابقة دون إعلان مسبق ودون مراسم استقبال وبشكل مفاجئ.

يبدو أن تعليمات المرحلة القادمة غاية في الأهمية حيث استدعت ضبط وإحضار بشار الأسد مخفورا إلى الكرملين فهي مرحلة التفاهمات على ما يبدو وخاصة أن غدا موعد اجتماع لجنة الخبراء فريشنين/ ما كغورك هذه المرحلة أتت بعد مرحلتين:

المرحلة الأولى قبل القمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ـ وجو بايدن، والتي اتسمت بحالة استعراض أوراق القوة.

أما في المرحلة الثانية:  أثناء القمة فكان الملف السوري الحاضر الغائب ومسبر الاختبار للعلاقة الروسية الأميركية  فمدة 10 دقائق ـ  وهو وقت ليس بالقليل ـ أفرده بوتين لمحاولة إقناع الرئيس جو بايدن بفوائد إعادة تأهيل بشار الأسد،  عَرَض بوتين خدمات بشار والتزامه بأمن إسرائيل والتزام بشار بتقييد وصول الأسلحة الدقيقة الإيرانية للميليشيات الإيرانية وتعهد وفق ما قال بوتين بذلك شخصياً  وعلى ضمانته، ولكن يبدو أنَّ دبلوماسية السمسار التي تمتع بها بوتين في سنوات عهده الدموية لم تقنع جو بايدن فكان رده على الـ 10 دقائق المسهبة في شرح مزايا تأهيل بشار الأسد بما لا يتجاوز الـ 20 ثانية ((إنَّ ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وإنَّ التعامل معه «لم يعد جائزاً أخلاقياً»)).

المرحلة الثالثة: التي تجري الآن والتي اتسمت بوجود لجنة الخبراء يرأسها مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ما كغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، التي أنتجت تفاهمات قرار تمديد دخول المساعدات من باب الهوى والتي أيضا على موعد للاجتماع غدا وعلى الطاولة كل التفاصيل من دمشق إلى درعا وإدلب والحسكة والرقة وحلب، لذلك رأينا ضبط وإحضار بشار الأسد بهذه الطريقة التي تحدثت بالكثير وبإمكانك أن تكتفي فيها مهملا كل ما جرى من محادثات علنية فيها وعنها.

سياسية الخطوة بخطوة

ظهرت استراتيجية الخطوة بخطوة بشكل أولي من خلال مقالات لمسؤولين أميركيين وأولهم منظر الاستراتيجية بريت ما كغورك والذي تسلّم لاحقاً مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، وترسخت هذه الاستراتيجية بعد اجتماعات  فيينا وجنيف والتي أسست لمرحلة جديدة اتسمت بالتوازن الأميركي بالتعاطي مع الملفات الحساسة في الشرق الأوسط، بحيث منعت الولايات المتحدة عملية التطبيع مع النظام السوري دون مقابل وعادت للتلويح بقانون قيصر وصولا إلى صدور عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات من النظام السوري، تبلورت بعد كل هذا المخاض العسير سياسية الخطوة بخطوة ولكن تنفيذ تلك الاستراتيجية يتسم فيما يبدو بالضبط المحكم فمشروع الملك عبد الله (الغاز الإسرائيلي مقابل الكهرباء) ليس مشروعاً منفردا بل يأتي في إطار تلك الاستراتيجية لاسيما أن عائدات النظام من الغاز والكهرباء لا تذكر ومن المؤكد أن العوائد السياسية هي أكبر فالزيارات اللبنانية والأردنية  قد تكون الثمن فماذا دفع النظام مقابلها؟؟

منع العودة إلى الجامعة العربية واللجنة الدستورية وحكومة لبنان والحبل على الجرار…

لابد أن نلحظ إخفاق إيران في جعل سيطرتها على درعا ورقة في التفاوض النووي فكل الأحداث السابقة تزامنت مع بعضها البعض حصار درعا زيارة الملك عبد الله لواشنطن وموسكو إطلاق مباردة الغاز ـ والتي تبين بحسب وكالة (دوتشيه فيله) أنه غاز سيأتي من إسرائيل إلى عرين الممانعة ومحور المقاومة ـ وبعدها الاتفاق في درعا ومرور مباردة الغاز وتسهيل ولادة حكومة لبنان وأخيرا وليس آخراً إجبار النظام على استقبال بيدرسن وتحديد موعد لاجتماع اللجنة الدستورية والتي وفق خطوة ـ خطوة سيكون هناك إجراءات لا يمكن الرجوع عنها لتسهيل العملية السياسية عموما والدستورية خصوصاً، مقابل تخفيف طفيف في العقوبات لتسهيل مبادرة الغاز ولابد أن نتذكر هنا أنه في خطاب المهزلة (القسم) تفنن بشار الأسد في إهانة الحلول الدولية وقذفها في البحر وخاصة ما يخص العملية الدستورية، المظهر الوحيد على الطاولة الذي يعبر عن استمرار الجهود الدولية بل ورفضها رفضا قاطعا متوشحا دعما إيرانيا واضحا هذا الرفض الذي كسرته يبدو توافقات أميركية ـ روسية ربما تجعل بشار نفسه ثمنا لسياسة خطوةـ  بخطوة، ويظهر أن ثمن الغاز لا يساوي عودة النظام إلى الجامعة العربية فقد صرح مصدر مسؤول في الجامعة أن عودة “سوريا” النظام إلى الجامعة لا تزال لا تحظى بإجماع عربي.

  بيدرسون الذي عول على توافق دولي

في اجتماع فيينا وجنيف نادى غير بيدرسون المبعوث الدولي لسوريا بإنشاء مجموعة اتصال دولية ذات دينامية جديدة تجمع دول القرار في سوريا، المجموعة المصغرة وأستانا ثم التقف استراتيجية خطوة بخطوة وأصبحت لديه كثيمة سياسية يرددها في كل خطوة مقابل خطوة، فما الخطوة التالية؟ وما الأثمان السياسية التي سيدفعها النظام لقاء خطوة ما ستكون في الرصيد الروسي حكما وليس في رصيد النظام الذي بدا رأسه اليوم موظفا يستدعى لإبلاغه التعليمات لا أكثر.

الأثمان ستصب في بنك أهداف بوتين وليس بشار..

 العيون تتجه روسياً إلى أوكرانيا وتحاول صناعة صفقة ما مع الولايات المتحدة وفي المقابل المخاوف تتزايد من عواقب الزلزال الذي أحدثه الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تلك المخاوف لها وجاهتها روسياً فقد خلط ذلك الانسحاب أوراق الروس وإيران وخلق تحديات جديدة وجدية لهما، فيما العين الروسية أيضا تراقب تقارباً يزداد يوما بعد يوم بين تركيا “الناتو” وبين الولايات المتحدة وتقرؤه موسكو بشكل جيد شرق الفرات وحتى غربه، فهي تضغط بشكل متزايد على تركيا في إدلب وهي تراقب بشكل جدي سماح المسيرات التركية ضرب أهداف داخل مناطق سيطرة الولايات المتحدة والضغط الأميركي للحوار الكردي الكردي ومنع حوار قسد مع النظام الذي تريده موسكو بكل قوة وإصرار ولكنه قد يلاقي فيتو أميركياً قوياً.

كل ما سبق يقول إن توافقاً ولو بالحد الأدنى بين الولايات المتحدة وروسيا قد أصبح أمراً واقعاً فرض استدعاء وجلب وإحضار بشار الأسد ليبلغ في مضمونه وتنفيذه.

تلفزيون سوريا

———————————–

الأسد ولابيد في موسكو..عملية خاصة/ بسام مقداد

القول بأنه كانت هناك زيارتان الى موسكو لكل من الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، فيه تجنٍ على وقائع الحدثين. ففي حين استقبل لابيد في موسكو وفق ما تقتضيه أعراف الدبلوماسية وبروتوكول الزيارات الرسمية، بدا وكأن الأسد قد استدعي إلى موسكو لإبلاغه بأمور ما، وليس للتفاوض معه، كما حاول قوله شريط الفيديو الذي نشرته موسكو، على غير عادتها بالسماح بالتصوير بعد بدء المفاوضات الرسمية.

مواقع الإعلام الروسية إنشغلت بالظهور المفاجئ للأسد في موسكو، ووصفتها الغالبية منها ب”العملية الخاصة” التي توصف بها عادة عمليات الكوماندوس والقوات الخاصة. وقال الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن “إعتبارات أمنية معينة ينبغي مراعاتها، وهي واضحة جداً”، حالت دون الإعلان عن وصول الأسد ومغادرته. ورداً على سؤاله كيف يستقبل بوتين الأسد ويعزل نفسه بعدها تخوفاً من الإصابة بفيروس كورونا، أشار بيسكوف إلى أن بوتين إستقبل الأسد في بداية يوم العمل، في حين كان الأطباء في صدد إتخاذ قرارهم، “وليس في الأمر ما هو غير منطقي”.

القليل جداً من مواقع الإعلام الروسية نشر تعليقات ونصوصاً تحليلية عن إطلالة الأسد في اللقاء مع بوتين، في حين أكثرت  في التعليق على زيارة لابيد، بل ولم يخف البعض منها سروره بالجو الودي الذي ساد المؤتمر الصحافي الذي أعقب محادثات لافروف لابيد.

صحيفة “Kommersant” نشرت نصاً عن زيارة لابيد كتبته المتابعة لشؤون الشرق الأوسط ماريانا بيلنكايا بعنوان “الوزيران كانا على موجة ودية”، وقالت بأن لا المسألة الإيرانية ولا السورية ولا الفلسطينية عكرت مزاج الوزيرين.

وتوقفت الكاتبة عند إطلالة الأسد من الكرملين في نص آخر بعنوان لافت  “في جو من السوريانية المتزايدة”، قالت بأن وجود الولايات المتحدة في سوريا هو أحد اكثر العوامل إزعاجاً لروسيا.

صحيفة “NG” نشرت قبل يومين من زيارة الإسرائيلي نصاً بعنوان”إسرائيل وروسيا ستناقشان القواعد الجديدة للعبة في سوريا”. لكنها عادت لتقول في متن النص أن جدول أعمال المفاوضات بين لافروف ولابيد قد لا يقتصر على سوريا فقط. فمنذ شهر أعلنت نائب الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة أن موسكو تقترح عقد لقاء وزاري ل”رباعية الشرق الأوسط” على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومناقشة إستعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة.  

وكالة أنباء ” REGNUM ” الروسية الخاصة، وفي إشارة منها إلى تطبيع دول خليجية علاقاتها مع إسرائيل، عنونت نصها عن زيارة لابيد بالقول “تيار خليجي بين روسيا وإسرائيل”. كان النص يفيض بالترحيب بالجو الإيجابي الذي ساد الزيارة، وقالت أن تصريحات لافروف تشير إلى أنه لم يكن يوماً متعاطفاً مع زملائه الإسرائيليين كما في هذه المرة. ورأت أن المؤتمر الصحفي بين الوزيرين أظهر أن روسيا وإسرائيل تعلمتا ، ليس فقط تجنب الإحتكاكات والصراعات، بل تعلمتا أيضاً “العمل بإنسجام في إطار التفاهم المتبادل”.

وعبرت الوكالة عن إمتعاضها من وكالة نوفوستي  التي نشرت يوم زيارة لابيد نصاً بعنوان”في إسرائيل يعلنون بأنهم لا يبحثون مسألة إعادة هضبة الجولان إلى سوريا”. وقالت الوكالة بأن نوفوستي أثارت الدهشة بمحاولتها إختصار زيارة الوزير الإسرائيلي بالجدل حول الجولان. وسألت “هل أثار لابيد مسألة القرم أو الدونباس؟ فما معنى إفساد الجو من دون سبب؟ على كل، هذا ليس سوى تفصيل صغير”.

قرب الحدثين ـــــــ الزيارة والإستدعاء ـــــــ زمنياً من بعضهما (9 و15 من الجاري)، ليس العامل الوحيد الذي دفع إلى التساؤل عن ترابط ما بينهما. وقد طرحت “المدن” على عدد من الكتاب السياسيين والخبراء والصحفيين الروس المهتمين بقضايا الشرق الأوسط أسئلة عن وجود مثل هذا الترابط، وما إن كانت موسكو أرادت إطلاع الإسد على تفاصيل استجدت في علاقاتها مع إسرائيل بعد زيارة لابيد، وعن ما يمكن أن تكون موسكو قد بحثته مع كل من الأسد ولابيد. 

خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية، والخبير الزائر للبرنامج السوري في معهد الشرق الأوسط بواشنطن MEI أنطون مارداسوف، وفي إطلالته الأولى في “المدن”، قال بأنه ما من شك بأن الترابط موجود بين الحدثين، فالموضوع الفلسطيني والسوري ومسائل الملف النووي الإيراني كانت مطروحة على طاولة المفاوضات بين وزيري خارجية روسيا وإسرائيل. لكن الطرفين “فعلا كل شئ” من أجل تدوير الزوايا الحادة التي أخذت تظهر في العلاقات الثنائية منذ تغيير الحكومة الإسرائيلية. فمن الواضح أن إسرائيل بعد سقوط نتنياهو مهتمة بالتوصل إلى علاقات مرنة مع واشنطن، وهو ما يؤكده التحضير الطويل لبينيت لزيارة واشنطن ووقائع محادثاته مع بايدن. كما أنها مهتمة أيضاً في تطوير العلاقات مع أوكرانيا، وهو ما يتقبلونه بمرارة في الكرملين.

يرى مارداسوف أن روسيا وإسرائيل، وبالدرجة الأولى روسيا، معنيتان في أن تظهرا بأن العلاقات الثنائية بينهما ليست مرتبطة بالعامل الشخصي، أي نتنياهو الذي كان يلعب الورقة الروسية في سياسته الداخلية، وهو ما كان يجعل روسيا تشعر بالإطراء. لكن في الوقت عينه، من الواضح أنه من دون نتنياهو سوف يكون التوصل إلى المرونة في مسائل الشرق الأوسط أصعب على البلدين، لأنه سوف تغيب تلك الأمور التكتيكية (كالبحث عن رفات العسكريين الإسرائيليين في سوريا) التي كان نتنياهو وبوتين غالباً ما يغطون بها الخلافات.

ويذهب مارداسوف في تأويل جرئ للغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف إيرانية في شرق سوريا إثر المفاوضات مباشرة، وما يمكن أن تعنيه في تفسير موقف موسكو من ضربات إسرائيلية على إيران نفسها. فيقول بأنه يعتقد أن الهجمات الأخيرة للطيران الحربي الإسرائيلي على أهداف شرقي سوريا، من الوضح أنها تثبت أن الجيش الإسرائيلي سوف يستخدم القوة. كما أن إسرائيل، وبضرباتها بعد المفاوضات في موسكو، تفسح المجال للتأويل في تفسير موقف موسكو: فماذا لو كانت روسيا ليست ضد الضربات على إيران، طالما أن الهجمات حدثت بعد المفاوضات في موسكو مباشرة؟ 

خبير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية كيريل سيميونوف أحال “المدن” إلى نص نشره في 15 من الجاري في موقع روسي بعنوان”بوتين والأسد ناقشا طريق سوريا المسدود”. قال سيميونوف بأن للزيارة قيمة دعائية مهمة، أرادت روسيا من خلالها القول بأنها، وكما في السابق، تبقى الحليف الأهم لسوريا، وأن الحكومة السورية هي الوحيدة الشرعية بالنسبة لموسكو. وأشار الكاتب إلى تأكيد الرئيسين على أن وجود القوات الأجنبية في سوريا يحول دون خروج سوريا من الأزمة ، لكنه لم يتم العثور حتى الآن على وصفات لخروج سوريا من “الطريق المسدود” بالوسائل العسكرية.

المتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة ” NG” قال ل”المدن” بأنه لا يمكن ألا تكون الزيارتان مترابطتين ببعضهما. فإسرائيل قلقة مما يحدث في درعا، وكذلك من مشروع الغاز المصري اللبناني. ويفترض أنه تم إطلاع الأسد على كل مايقلق الإسرائيليين، لكن سوريا من المستبعد أن تأخذ ذلك بالحسبان، برأيه. ويرى أن الإنتخابات الرئاسية الهادئة، وإشراك دمشق بمشروع الغاز المصري اللبناني وإستعداد الولايات المتحدة للموافقة عليه، لا يمكن إلا أن “يرفع من إعتداد النظام بنفسه”.

الصحافية في موقع RT الناطق بالروسية يوليا يوزيك قالت بان محادثات بوتين الأسد جرت خلف أبواب موصدة، وكانت شبيهة ب”العملية الخاصة”. ومن الواضح أن بوتين يتبع تكتيكه في الوساطة بين الولايات المتحدة والبلدان “الصعبة”، مثل سوريا وإيران. ورأت أن ثمة إرتباطاً، بالطبع، بين زيارة لابيد والمفاوضات الأميركية الروسية بشأن سوريا في سويسرا. ومن شبه المؤكد أن يكون الأسد قد طلب حل مسألة “العقوبات الشديدة” التي فرضتها واشنطن العام 2020.

من المهم بالنسبة لها معرفة من هي الدول التي قال الأسد بأنها تعرقل العملية السياسية في سوريا، ألا يمكن أن يكون قد قصد ليس تركيا، بل إيران التي “تمسك بيد حديدية حركة عنقه”، ولا تسمح بالخطوات التي “يستطيع ويريد” القيام بها. وتتساءل ما إن كان الأسد طلب من بوتين المساعدة في حل المشكلة مع الإيرانيين، وتقول بأنه مجرد تساؤل بلاغي.

———————–

لقاء بوتين-أردوغان..أهداف روسية تتجاوز خريطة شمال سوريا/ مصطفى محمد

استبق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اللقاء المرتقب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحديثه خلال استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي، عن التواجد “غير الشرعي” للقوات الأجنبية في سوريا، بحيث بدا وكأن الحديث هنا موجه، بجانب الولايات المتحدة، إلى تركيا، التي تنشر قواتها في مناطق الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة.

وتوازياً مع الرسائل السياسية التي أراد بوتين إيصالها إلى تركيا من خلال تلك التصريحات، كثّفت الطائرات الروسية من غاراتها الجوية على مناطق إدلب، ما يؤشر إلى توجه روسي جديد، يهدف إلى ابتزاز تركيا التي لديها مخاوف كبيرة من أي تصعيد عسكري في الشمال من شأنه تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى أراضيها، لدفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات في الملف السوري.

وتبدو التنازلات التي ستضغط روسيا للحصول عليها، خلال اللقاء المرتقب بين بوتين وأردوغان الذي سيعقد في منتجع سوتaي الروسي، في وقت لاحق من أيلول/سبتمبر، مختلفة هذه المرة، بحيث يبدو أن حسابات بوتين تتجاوز مسألة السيطرة على منطقة محددة، أو حتى افتتاح الطرق الدولية المارة في إدلب أمام حركة العبور.

وبحسب ما تردد في وسائل إعلام تركية، ستدفع روسيا إلى محاولة إقناع تركيا للقبول بالجلوس مع نظام بشار الأسد، وذلك بهدف استكمال المخطط الهادف إلى تعويم ذلك النظام مجدداً.

وتعوّل روسيا على الحساسية التركية من ملف اللاجئين السوريين، والضغوط الشعبية المتزايدة على حزب “العدالة والتنمية” الحاكم جراء تبعات هذا الملف، وكذلك على التوجه التركي الجديد نحو تحسين العلاقات المتوترة مع دول متعددة في المنطقة (الإمارات، مصر، السعودية)، لدفع أنقرة التي لا تخفي رغبتها بإعادة اللاجئين السوريين، إلى تليين مواقفها من نظام الأسد، والجلوس في نهاية المطاف معه.

ويقول السياسي التركي، وعضو حزب “العدالة والتنمية” يوسف كاتب أوغلو، إن علاقات بلاده تشهد إعادة تموضع، فرضتها التغييرات السياسية، “تركيا تعيد رسم المحاور السياسية، والانتقال بعلاقاتها إلى محاور غير مضادة”.

وبخصوص الملف السوري واحتمالية وجود تغييرات تركية فيه، يقول ل”المدن”: “لتركيا مخاوف على أمنها القومي، والتوتر في الشمال السوري يؤجج هذه المخاوف، وبذلك يمكن القول إن الخروق المستمرة من قوات النظام وروسيا تأتي في هذا الإطار”.

وفي ما يخصّ الحسابات الروسية المتعلقة بدفع أنقرة إلى فتح قنوات الحوار مع دمشق، يؤكد كاتب أوغلو أن روسيا حاولت مراراً تنفيذ ذلك، ويستدرك: “لكن حتى الآن لم تبدِ تركيا أي رغبة في فتح علاقة مع نظام الأسد، خارج الإطار الأمني الاستخباراتي”. ولا يستبعد زيادة تفعيل قنوات بلاده الاستخباراتية مع نظام الأسد، بتنسيق روسي، ويقول: “ليس من الوارد أن تعيد تركيا علاقاتها مع النظام السوري، على الأقل في المدى القريب”.

ويتفق مع أوغلو، الكاتب والمحلل السياسي عمار جلو الذي يعتقد أن “تركيا لن تقبل بتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، ما لم تحصل على مكاسب استراتيجية كبيرة، والوقائع على الأرض لا تؤشر إلى ذلك”.

ويضيف ل”المدن” أن “تركيا حافظت على موقفها من نظام الأسد، وهي الدولة الوحيدة تقريباَ التي لا زال موقفها صلباً من النظام، ومن الصعب بتقديري وجود تحول في السياسة التركية من نظام الأسد، وهو أمر مستبعد في ظل العوائق الكثيرة، ومن أهمها عدم استقرار العلاقة بين أنقرة وموسكو”.

وفي السياق ذاته، حدد الكاتب الصحافي التركي برهان الدين دوران، في مقال له في صحيفة “صباح” التركية، الشروط التي تريدها بلاده من الأسد قبل إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية معه، قائلاً: “يجب وقبل أي شيء، أن تكون إدارة دمشق مستعدة وجاهزة لإعادة أبناء شعبها إلى بلادهم، وعليه فيجب أن تهتم بالعمليات السياسية التي تشارك فيها المعارضة، وأن تتوقف عن دفع الملايين في إدلب باتجاه الحدود التركية بسبب القصف”.

وأضاف أن “المصالحة بين أنقرة ودمشق قد تقضي على وحدات حماية الشعب الكردية”. وتساءل: “هل يمكن تحقيق ذلك من دون انسحاب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا، وهل يمكن الوثوق بدمشق في ما يتعلق بالمعارضين واللاجئين؟”.

وترى روسيا أن نجاح عملية إعادة إنتاج النظام السوري، التي بدأت في الأردن، مرهون بانخراط تركيا فيها، وهو ما تسعى إليه بالتصعيد على الأرض، والحديث عن عدم شرعية الوجود العسكري في الشمال السوري.

———————-

على أعتاب السنة السابعة للتدخل الروسي في سوريا/ حسان الأسود

في الثلاثين من أيلول سبتمبر الجاري يُكمل التدخل الروسي في سوريا سنته السادسة، وفي حساب أعمار الشعوب والدول ليس هذا بالرقم الكبير، فالاحتلال الفرنسي للجزائر دام 132 سنة، فبدأ في 5 من تموز يوليو 1830 وانتهى في 5 من الشهر ذاته عام 1962. لكنّ الأمور اختلفت كثيراً في الزمن الراهن عمّا مضى، فاليوم، وفّرت الثورة التكنولوجية العظيمة حصيلة معرفية ضخمة ومخزوناً معلوماتياً هائلا، جعلت منجزات البشر تُحسب بالأيام لا بالأعوام مقارنة بعقود خلت من عمر البشرية. وفي هذا المجال يمكن القول إنّ ما مرّ على سوريا من أحداث خلال السنوات العشر المنصرمة، قد يزيد على ما مرّ بها خلال قرن كامل من بدء التأسيس الأول. فماذا كانت نتائج هذا التدخل الروسي، وماذا حصدت هي من ذلك، وما هي النتائج على الصعيد السوري؟

الحقيقة أنّ روسيا الاتحادية عادت للحضور وبقوّة على الساحة الدولية، وكانت سوريا إحدى أهمّ البوابات التي ولجت منها عصر ما بعد انتهاء مرحلة القطب الأميركي الأوحد. فمن البوابة السورية استطاعت تحطيم الرقم القياسي لاستخدام الفيتو في مجلس الأمن بشأن قضيّة واحدة، مما يؤشّر على مدى أهمّية الملف السوري في الاستراتيجية الروسية. كذلك فعّلت دورها في مناطق آسيا الوسطى من خلال المقايضات مع تركيا في ملفات الصراع بين أذربيجان وأرمينيا من البوابة السورية. استثمرت حضورها السوري في الملف الليبي أيضاً، من خلال تأمين مقاتلين مرتزقة لحماية المنشآت النفطية. لكنّ الاستثمار الأكبر كان في طرح أسهمها للتسويق مجدداً كحليف موثوق لا يتخلّى عن حلفائه كما تفعل الولايات المتحدة الأميركية، فالمقارنة واضحة بين الموقف الروسي من دعم بشار الأسد، والموقف الأميركي الذي تخلى عن زين العابدين بن علي وعن حسني مبارك.

تحاول روسيا العودة بقوّة إلى شمال أفريقيا من خلال البوابتين المصرية والسودانية، كما تحاول إحداث اختراق حقيقي في العلاقة مع دول الخليج العربي، مستغلّة الفراغ المعنوي وفقدان الثقة اللذين أورثهما الانسحاب الأميركي من أفغانستان. قد يربك تعقيد الموقف في تلك المنطقة الحسابات الروسية، خاصّة وأنّ اللاعبين الإقليميين مثل باكستان وإيران واللاعبين الدوليين مثل الهند والصين، قد تغيّرت مواقفهم ومصالحهم عمّا كانت عليه عشيّة التدخل السوفييتي في ذلك البلد عام 1979. لا تفوّت القيادة الروسيّة فرصة إلا وتستغلّها لإثبات وجودها في أيّة ساحة صراع مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، هذا ما شهدناه في فنزويلا عندما وقفت بقوّة خلف الرئيس نيكولاس مادورو بمواجهة زعيم المعارضة خوان غوايدو. والحقيقة أنّ التدخّل في سوريا، والعنف الرهيب الذي مارسته ضدّ الفصائل العسكرية المعارضة لنظام الأسد، والوحشية السافرة في قصف المنشآت المدنية من مشافٍ ومدارس ومراكز الدفاع المدني، جعل هذا كلّه روسيا تعيد إلى أذهان العالم هيبة الاتحاد السوفييتي السابق، مجسّداً بشخص فلاديمير بوتين رئيساً صلباً مثل جوزيف ستالين.

أمّا على الجهة السورية، فماذا كان الحصاد، وهل ساعد التدخّل الروسي الشعب السوري من حيث النتيجة، أم حفظ وحدة التراب السوري وحافظ على مؤسسات الدولة السورية، كما كانت شعارات القيادة الروسية تعلن أهدافها من التدخّل؟

الواقع يقول إنّ المستفيد الأكبر هو النظام الأمني العسكري الديكتاتوري في سوريا ورأسه بشار الأسد. لقد ثبّت الروس حليفهم بالقوّة العسكرية العارية وبقوّة الدبلوماسيّة في مجلس الأمن وبقوّة السياسة في اختراق العلاقات الدولية لصالحه. وباعتبار أنّ نظام الأسد لا يعمل وفق أية قواعد خارج حماية ذاته ورأسه، فإنّه لا يجد غضاضة في الانهيار الاقتصادي أو في دمار البنى التحتية للدولة أو في تهجير السكان، ولا قيمة لانهيار النظام الصحي أو نظام التعليم، ولا قيمة لانعدام القدرة على تأمين أيّ من الخدمات الأساسية للسكان بما فيهم الموالون له بشدّة. ولا أهمّية لاقتطاع أجزاء كبيرة من أراضي الدولة لصالح قوى أمر واقعٍ محلية، أو لصالح جيوش وميليشيات أجنبية، كذلك لا قيمة لانتقاص السيادة السورية على أرض أو سماء البلاد من قبل إسرائيل أو غيرها. ما دام النظام قائماً وقادراً على إعادة إنتاج نفسه، فلا قيمة لأي شيء آخر في سوريا الأسد، وهذا ما حققه التدخّل الروسي بكلّ وضوح.

باتت سوريا الآن أقرب إلى الدولة الفاشلة، فقد انهار المجتمع السوري وتشرذم، وانهارت الدولة وتفتّتت، لكنّ النظام نجا، بل بات أكثر قوّة مما كان عليه قبل الثورة. والآن، وبسبب الحاجة الإقليمية لأي نوعٍ من أنواع الاستقرار، فإنّ معادلة إعادة تدوير النظام جاريةٌ على قدمٍ وساق. وقد يكون من مصلحة جميع أنظمة المنطقة بقاء هذا النظام بدل تغييره. سيكون أيّ نظام عربي أو إقليمي بمنزلة حَمَلٍ وديعٍ مقارنة بنظام الأسد، وهذا سيعطي شعوب هذه الدول من جهة، وساسة الدول الأخرى من جهة ثانية، دروساً وعبراً في الواقعيّة البراغماتية ولو على حساب ملايين البشر.

من قال إنّ الظلم والطغيان سيندحران في النهاية لأنّهما باطل، ومن قال بأنّ الخير والجمال سينتصران أخيراً لأنّهما حق؟ هذا ما نراه في أفلام هوليود وبوليود وليس في الحياة البشرية الواقعية. استطاع الزعيم (الكويدلو) فرانكو أن يهزم خصومه الجمهوريين وأن يبقى في سدّة الحكم الفعلي منذ انقلابه عام 1936 وحتى وفاته عام 1975 رغم ما ارتكبه من جرائم وموبقات يندى لها جبين البشرية. كذلك كانت سيرة ستالين وبينوشيه، وأقرب مثال لنا حافظ الأسد، حيثُ نُقل جثمانه على عربة مدفع عسكري كأيّ بطلٍ قومي أو فاتحٍ مقدّس، رغم ما أذاقه للسوريين من مرارة وظلم وإجرامٍ خلال ثلاثين عاماً من حكمه.

الخلاصة أنّ التاريخ لا يسير دائماً إلى الأمام، وأنّ سعادة البشر ليست من مفردات هذا التاريخ، وأنّ الصواب والجمال والخير، قيمٌ أخلاقية لا تحمل في ذاتها شروط سيادتها لأنها كذلك، بل لا بدّ من توفّر عوامل خارجية تسمح لها بالتحقق.

والآن، ونحن على أعتاب العام السابع للتدخل الروسي في بلادنا، أما آن الأوان لخلق مقاربات جديدة للعمل، أما آن الأوان لإبداع آليات جديدة للتعامل مع الواقع، أما آن الأوان للبدء بعمليّة تغيير حقيقيّة واضحة في العقلية والنفسية والعمل الوطني والسياسي، أم سننتظر انتصارنا التلقائي لاعتقادنا الساذج أنّنا على حق وخصومنا على باطل؟

تلفزيون سوريا

————————–

===================

تحديث 20 أيلول 2021

—————————–

الأسد في موسكو.. التصعيد قادم/ بشير البكر

زيارة بشار الأسد إلى موسكو يوم الإثنين الماضي ذات أهمية خاصة، لأنها بداية لطريق جديد تسلكه المسألة السورية، من خلال أول خطوات التطبيع مع النظام السوري، التي بدأت من لبنان وفتحت له نافذة مع الأردن ومصر، في إطار مشروع أميركي لمساعدة لبنان على تجاوز أزماته، وعلى نحو خاص الطاقة الكهربائية، التي ستمر من الأردن إلى لبنان عبر سوريا وبشروطها وتحصيل ضريبة مالية كبيرة.

وجاء بعد ذلك تشكيل الحكومة اللبنانية وفق شروط إيران، وتراجع فرنسا عن مبادرتها على أساس مقايضة اقتصادية إيرانية فرنسية في العراق. ويعد هذا مكسبا للنظام السوري ليس فقط من خلال توزير بعض القريبين منه مثل وزير الإعلام جورج قرداحي، بل بما يعنيه ذلك من إعادة ضبط إيقاع العلاقة بين بيروت ودمشق على مقاس مصالح إيران وأهدافها ورؤيتها للوضع في الشرق الأوسط.

نجحت طهران في أن تفتح بابا للأسد من حيث لم يكن واردا في حساب أحد، وسجلت نقطة مهمة ضد منافستها موسكو على الإمساك بأوراق القضية السورية، وأكثر من ذلك وجهت رسالة، بوصف ما حصل هو عبارة عن أول إنجاز لحكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي الذي تسلم السلطة في الشهر الماضي. ويريد رئيسي أن يجعل من نجاح تدخله لتشكيل الحكومة اللبنانية مثالا ينسحب على سياسات حكومته في المنطقة، وبيده الكثير من أوراق المساومة في سوريا والعراق واليمن، والتي يريد الضغط بها في مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، بعد أن تعثرت عند الجلسة السادسة في نهاية حزيران الماضي، بسبب تمسك طهران برفع جميع العقوبات الأميركية، وليس فقط تلك المرتبطة بالملف النووي.

يعيد نجاح طهران سياسيا في الإقليم خلط الأوراق، والتأثير على الحسابات في سوريا، ولذلك عاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لغة القوة العسكرية خلال استقباله الأسدـ وتحدث بصراحة عندما قال “إن المشكلة الرئيسية تكمن في وجود القوات الأجنبية في مناطق معينة من البلاد”. وهذا سبب عدم استتاب سلطة الأسد، والمعيق الأساسي لإعادة الإعمار. ويرى بوتين أن “الجيش السوري يسيطر على أكثر من 90 في المئة من أراضي البلاد (في الواقع 64%)، رغم بقاء عدد من بؤر الإرهاب قائمة.” ويشكل ذلك إشارة صريحة إلى ضرورة استعادة هذا الجزء الذي يحول دون بسط سلطة النظام على كامل الجغرافية السورية، والانطلاق نحو إعادة الإعمار. وهذا يعني أن الضرورة تستدعي اجتثاث “بؤر الإرهاب” التي يحددها الروس في محافظة إدلب ولا يحصرونها في فصيل “هيئة تحرير الشام”، وإنما يرون في كل من يدعو لرحيل النظام إرهابيا. وهم يمارسون ذلك على الأرض من خلال القصف اليومي المتواصل على ريفي حلب وإدلب لمواقع الفصائل الحليفة مع تركيا. وبالتالي لا يمكن فهم تصريحات بوتين إلا بوصفها دعوة صريحة إلى اجتياح محافظة إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلامة، وهذا يعيد المنطقة إلى وضع أسوأ من ذلك الذي عرفه ريفا حماة وإدلب، وكان نتيجة هجوم النظام والميليشيات الطائفية ودعم روسي، تهجير أكثر من مليون.

كان بوتين يريد أن يتفادى العملية العسكرية الواسعة التي ستقود إلى اجتياح كبير، وراهن على تعويم الأسد بشروطه، ولكنه لقي صدا من الولايات المتحدة التي رفضت تعليق العقوبات على النظام وداعميه حسب “قانون قيصر”، ولكن هذه العملية قد تكون ذات كلفة باهظة إذا قررت القوات التركية الموجودة في مناطق العمليات المشاركة فيها أو في حال تم استهدافها. ولكن أثرها سوف يكون كارثيا على أكثر من أربعة ملايين، القسم الأكبر منهم تم تهجيره من محافظات سورية أخرى، وهذه المرة ستكون دروب الهجرة مقفلة، وهنا الخطر الكبير، الذي يتفاقم في فصل الشتاء.

تلفزيون سوريا

—————————–

قسد” بين روسيا وأميركا والحوار الكردي – الكردي/ شفان إبراهيم

تعيش “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) حالياً ضغطاً مزدوجاً، طرفه الأول رغبة أميركا بتفعيل الحوار الكردي – الكردي، وتنفيذ شروطها بالإبقاء على الهويّات السورية وحدها في المنطقة، وإشارات الاستفهام بشأن الموقف الأميركي من الهجمات التركية أخيراً، واستهدافها قيادات عسكرية لـ”قسد” بالقرب من قاعدة أميركية، غربي القامشلي، ومع ضعف احتمال تكرار مشهد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حالياً في شمال شرقي سورية، بسبب الوجودين الروسي والإيراني والطريقين الدوليين M5 M4، إلّا أن خطر نفاد الصبر الأميركي حيال الحوار الكردي الداخلي يضغط على طرفي الحوار. وقد شكل ذلك فرصة لروسيا، لتشكّل بدورها الطرف الثاني للضغط، محمَّلة بمغازلة صريحة، عبر أربعة أحداث متتالية، أولها: هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية تركية قرب جرابلس في ريف حلب، مصدره محيط مناطق منبج، الخاضعة للنفوذ الروسي، وإنْ لم تكن ثمّة مؤشّرات على ضلوع روسي بالقصف، لكنها غضّت الطرف عن المصدر. وثانيها: غارات للطيران الروسي على مخيمٍ للنازحين في منطقة معرّة مصرين، شمال إدلب، على الحدود التركية – السورية. وثالثها: غارات جوية روسية على مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” في عفرين، شمالي حلب، مستهدفةً معسكراً لفصيل فيلق الشام، المقرّب من تركيا، وهو ما اعتبر مؤشّراً واضحاً لموقف موسكو بالرد “المحدود جداً” على تركيا، نتيجة تصعيد الأخيرة ضد “قسد”، وخلفية الموضوع هو توجّه روسي لاستغلال التحرّكات الأميركية التي تفضّل مراعاة المخاوف الأمنية التركية على حساب “قسد”، وجنت روسيا ثماره حالياً، وفقاً لتقارير صحافية، عبر موافقة “قسد” للقوات الروسية بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في قرية كري شامو في ريف تربسبي (القحطانية) في محافظة الحسكة، على الرغم من أنها مناطق نفوذ أميركي عملياً وفعلياً، بعد أن سبق لـ”قوات سوريا الديمقراطية” منع روسيا مراراً من إنشاء تلك القواعد، بل إنها كانت تمنعها من التمدّد في مناطق النفوذ الأميركي، ومنعت القوات الروسية أكثر من مرة من الوصول إلى معبر سيمالكا الحدودي مع كردستان العراق، إرضاءً للجانب الأميركي.

وقد شهدت علاقات روسيا بـ”قسد” شدّاً وجذباً، نتيجة عدم التزام روسيا بنقاط المراقبة في بلدتي عين عيسى وتل تمر، وعدم منع روسيا لتركيا من شنّ هجماتها عبر الطائرات المسيّرة التي تكرّرت مراراً، وبات واضحاً أن روسيا تضغط على “قسد” لسببين مركبين: تأهيل الوضع لاتفاق مع الحكومة السورية، لتصل بالنتيجة إلى تجاوز وضعية اكتفاء عناصر الجيش السوري على طول الحدود السورية مع تركيا بنقاط المراقبة، وصولاً إلى تسليم نقاط التماس والتوتر مع تركيا كاملاً إلى الجيش السوري، وانسحاب “قسد” إلى جنوب الطريق الدولي “M4”. وسبق أن رفضت “قسد” المطلب جملة وتفصيلاً. وما لا يمكن تجاوزه يتوج عبر حماية موسكو للأحياء ومناطق سيطرة “قسد” في شمال حلب، وهي في أمان لطالما بقيت روسيا هناك. وهو ما تجلّى في رابع الأحداث في استقبال الخارجية الروسية القيادي في “مجلس سوريا الديمقراطية” إلهام أحمد، ومناقشة كيفية وجود “مسد” ضمن مسارات الحل السياسي لسورية، والحديث الصريح عن ضرورة تفعيل الحوار مع دمشق، والتوصل إلى تسوية ترضي الطرفين، مع مراعاة خصوصية التعدّدية الإثنية والثقافية في مختلف المناطق السورية، وتأكيد بيان وزارة الخارجية الروسية على دعم روسيا تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، وبأسرع ما يمكن، خصوصاً وأن أبرز بنود القرار الدولي هو عملية الانتقال السياسي وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة بإشراف دولي، ما يعني أن روسيا تسعى إلى تضخيم ورقة دمشق في الإحياء القادم لمسار عمل اللجنة الدستورية، مقابل المساعي الأميركية لتوحيد البيت الكردي، وتناغم كامل الشمال الشرقي مع المعارضة السورية، ومع الحديث الدائر حالياً عن زيارة وفد إلى واشنطن، وتتضارب الأنباء حول عضويته ما بين “شخصية لكلّ من المجلس الكردي مسد، وآشوري من جبهة السلام، والإدارة الذاتية، وشخصيتين عربيتين من الرقّة ودير الزور” أو اختصار عضوية الوفد على ممثلين عن “مسد” فحسب، وهو ما يضع الأخير في ضرورة اختيار ضفة واحدة فقط؛ فتوازنات اللحظة الحرجة لن تفيد نفعاً لـ”قوات سوريا الديمقراطية” ولا يُمكن لأي طرف اللعب على الحبلين معاً، ولا أوراق مساومة أو ضغط بيد “مسد” لتجيد لعبة تدوير الزوايا، من قبيل طروحاتها الأخيرة في مبادرة مركّبة تهدف إلى الحوار والتواصل مع المعارضة السورية وتركيا، وأنها ستّتجه صوب دمشق لفتح باب الحوار، رُبما بحثاً عن نفاذٍ، ولو عبر نفقٍ مظلم، لن ينفع في هرولة روسيا وأميركا معاً لإرضاء “مسد” على حسابهما.

بناء على ذلك، تعصف أزمة مركّبة بالجغرافيا الخاضعة لسيطرة “قسد”، أول عناصرها: سعي الدول الفاعلة في الملف السوري ليّ ذراع “قسد” وتعميق أي شرخٍ مع الطرف الآخر. وثانيها: مصير الإدارة الذاتية الذي يتحدّد وفق الخيار النهائي لـ”قسد” ما بين روسيا أو أميركا، ما بين اتفاق مع دمشق التي لن تتوانى عن فرض شروطها القاسية عليها بلهجة ولغة أخرى تختلفان عن لغة الحوار الذي يطلبه “مسد” من دمشق، أو الرضوخ للشروط الأميركية، وانتقال “الإدارة الذاتية” حين ذاك إلى طور آخر مختلف كلياً، وإلّا فإن العشائر العربية رُبما تكون البديل القادم عن أغلب الأطراف المحلية الفاعلة في شرق الفرات، وهي بذلك حلقة جديدة لترتيب وضع خاص لشمال شرق سورية، بعيداً عن الداخل السوري، وربما نجد، قريباً، نوعاً من العلاقات بين هياكل الحكم المحلية لكامل الشمال السوري.

وإضافة إلى تعقيد المشهدين، السياسي واختيار الحليف النهائي المستقبلي للمنطقة، وفقاً لصراعات مسارات الحل السياسي في سورية، فإن المشهد العام الإداري والمعيشي واليومي، في شمال شرق سورية عامة، والمنطقة الكردية خصوصاً، مُنهار ومفكّك، ويعيش أسوأ أيامه، حيث الفساد، والفقر، والخوف، والقلق من تدخل تركي جديد، ومخاوف من فشّل نهائي للحوار – الكردي الداخلي، وهو ما سينعكس سلباً على الأرض، ولم يعد أمام كرد سورية سوى الالتفات إلى نوع من العلاقات السياسية والحوكمية والعسكرية التي تلمّ شملهم في إطار واحد، وهي كفيلة بوضع “مسد” في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، عوضاً عن النداءات التي لن تجد من يستمع إليها. إلى درجة أن قناعةً تسود لدى القواعد الاجتماعية في المنطقة، تقوم على عدم اكتراث النخب السياسية بأوجاع الأهالي. وإذا كان نجاح الحوار الكردي – الكردي، وإعادة هيكلة الإدارة الذاتية، وتغيير سحنتها الحزبية، وضم باقي المكوّنات التي بقيت خارج الإدارة الذاتية، هو الاحتمال الأكثر رواجاً لكبح جماح تركيا، وهو احتمالٌ مأساوي نتيجة التعنت والاستعصاء السياسي الموجود في الحوار الداخلي لكرد سورية، فإن فشله أيضاً مفتوح على مآسٍ وفوضى عارمة ومزيد من الانقسامات والارتدادات ومزيد من الهجرة الكبيرة.

العربي الجديد

—————————

سوريا عنوان جدلٍ ايراني روسي/ حسن فحص

الزيارة المفاجئة والسرية او غير المعلنة التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الى العاصمة الروسية موسكو واللقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين، اثارت الكثير من القلق لدى الجانب الايراني الذي يعتبر الضلع الثالث في هذه الشراكة، من ان يكون هناك شيء ما يدبر في الخفاء لتحجيم دور طهران على الساحة السورية، وصولا الى اخراجها وانهاء وجودها ونفوذها في هذا البلد.

وقد ذهبت بعض التقديرات الايرانية للحديث ان عن زيارة الاسد التي لم يعلن عنها الا بعد عودته الى دمشق، قد تكون مطلباً او طلباً روسياً لوضعه في اجواء التفاهمات التي حصلت في القمة التي استضافتها مدينة جنيف بين الرئيس بوتين ونظيره الامريكي جو بايدن في السادس عشر من شهر حزيران الماضي.

اللقاء الثنائي الذي جمع بوتين بالاسد والذي استمر لنحو 90 دقيقة ثم تلاه اجتماع موسع بمشاركة وزير الخارجية السورية فيصل المقداد ووزير الدفاع الروسي سرغي شويغو أثار اسئلة ايرانية حول طبيعة المباحثات التي جرت بين الرجلين، وهل ان الموضوع يتعلق بمستقبل الدور الايراني في سوريا، أم حول تفاهمات سياسية تتعلق بضرورة اعادة اطلاق المسار السياسي واعمال اللجنة الدستورية التي من المفترض ان تجتمع في سويسرا، أم في مستقبل الحوارات الداخلية التي من المفترض ان تجري بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” بعد الانسحاب الامريكي من مناطق شمال شرق سوريا، وماذا عن مناطق شمال غرب سوريا ومحافظة ادلب وآليات التعامل مع الوجود التركي في هذه المنطقة. خصوصا وان طهران وقواتها العاملة في مناطق شمال شرق سوريا تعتبر الجهة المعنية اكثر من غيرها بما يمكن ان يحصل من تحولات في هذه المنطقة التي تعتبر مساحة اشتباك مع القوات الامريكية وتدخل في اطار الاستراتيجية التي وضعها المرشد الاعلى بعد اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني والهادفة لدفع واشنطن الى سحب قواتها وانهاء وجودها العسكري في منطقة غرب آسيا. فضلا عن ان منطقة شمال غرب سوريا ومعضلة الوجود التركي تندرج تحت سقف مسار آستانة الثلاثي ( روسيا وايران وتركيا) ومن غير الممكن ان يحصل اي تطور في هذه المنطقة بعيداً عن ايران وموقفها لجهة العلاقة المركبة والمتداخلة التي تربطها مع تركيا، وضرورة التعامل بدقة مع الموقف التركي الآخذ بالتمدد  باتجاه حدودها الشمالية في آّذربايجان، والطامح لدور فاعل على حدودها الشرقية في افغانستان.

على الرغم من كل هذه الهواجس والاسئلة، تعتقد طهران اولا بامكانية حصول تفاهمات جزئية في المفاوضات السياسية بين الحكومة السورية والمعارضة، قد تساعد على تحريك هذا المسار، من دون ضمان ان يصل الى نتائج نهائية في المديين القصير والمتوسط، ما لم تستطع دمشق استعادة سيادتها الكاملة على كامل التراب السوري من الشمال الشرقي وصولا الى الشمال الغربي. وهذا المسار سيكون مدعوماً من طهران وموسكو وبالضرورة من تركيا بالاضافة الى المجتمع الدولية.

ولا تعتقد طهران بامكانية نجاح الجهود الدولية التي تبذل لإبعاد سوريا عن ايران او اخراج ايران من سوريا، فالتحالف الاستراتيجي بين البلدين من الصعب ان يتأثر بالمساعي التي تبذل بهذا الاتجاه. وتستبعد ان يكون هناك تفاهم روسي امريكي يضم اسرائيل لتحقيق هذا الهدف. فضلا عن ان جهود اعادة سوريا الى الحضن العربي والتي بدأت مؤشراته من الاجتماع الرباعي الذي استضافته العاصمة الاردنية عمان لوزراء الطاقة الذي ضم بالاضافة الى سوريا كلاَ من الاردن ومصر ولبنان، لن يخرج عن اطار البحث  في تسهيل آليات مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية الاردنية والغاز المصري، ولن تسمح واشنطن بالانهيار السريع لقانون قيصر او السماح بتحويل هذا المسار الى واقع يسمح لسوريا في توسيع دائرة انفتاحها او الاستفادة من عائدات استجرار الطاقة لانعاش اقتصادها، على الاقل في المدى المنظور طالما ان الادارة الامريكية لم تصل الى معادلات نهائية حول مستقبل الشرق الاوسط في ظل عدم توصلها الى تفاهمات مع طهران حول الملف النووي وتأطير دورها الاقليمي في مناطق نفوذها.

من هنا فإن رهان بعض الاطراف على دورٍ روسيٍ في تحجيم النفوذ الايراني في سوريا والمنطقة، يبدو انه في غير محله باعتقاد طهران، التي تؤكد أن موسكو تدرك دور وتأثير ايران على الساحة السورية، خاصة بعد التعاون الكبير والواسع والعميق الذي حصل بين الطرفين خلال السنوات الماضية في محارب الارهاب ومنع سقوط سوريا، وبالتالي فان الطبيعي ان يستمر هذا التعاون والتنسيق في مرحلة ما بعد الازمة في مختلف المجالات، بما يتجاوز موضوع استكمال استعادة المناطق التي مازالت خارج سلطة دمشق وعملية اعادة الاعمار.

وترى طهران ان التطورات الافغانية والانسحاب الامريكي السريع وما رافقه من انهيار الدولة الافغانية وسقوطها في يد حركة طالبان، جعل من مسألة توسيع التعاون الروسي الايراني ضرورة لمواجهة تداعياته، وبالتالي فان تأثيراته لا يمكن عزلها عن الساحة السورية وغيرها من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، الأمر الذي يرفع من ضرورة المزيد من التنسيق والتفاهم بينهما انطلاق من الحاجة المشتركة، الامر الذي يبعد امكانية اي ضغوط روسية ضد الدور او الوجود الايراني في سوريا.

المدن

—————————

الأسد إذ يتحول دمية في يد “سيد الكرملين”/ سامر إلياس

أفاض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على بشار الأسد بالمديح والترحيب والتهنئة، في لقائهما الأخير بموسكو، هنأه بعيد ميلاده ورحب به في الكرملين وامتدحه لفوزه “المقنع” في الانتخابات، وخاطبه بالقول: “الناس لا تزال تربط عمليتي التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية، بك”، والمقصود بالناس الشعب السوري. وأضاف: “أعلم أنك تعمل الكثير من أجل هذا (التعافي والعودة)، بما في ذلك إجراء حوار مع خصومك السياسيين آمل أن تتواصل هذه العملية”.

ربما من وجهة نظر مسؤولي النظام ومؤيديه هذا يكفي لاعتبار أن الزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس، وبالمقارنة مع سابقاتها، لكن سيبقى ثمة سؤال يؤرقهم: كيف ومتى سيتم صرف ذلك في ميزان السياسة لصالح النظام؟ وهل حقاً كان يقصد كل ما قاله؟

الأسد بدوره مدح بوتين من خلال الثناء على الجيش الروسي، الذي منع بتدخله العسكري منذ خريف 2015 سقوط النظام، وقلب موازين القوى على الأرض لصالحه.

ويمكن لهواة المديح أن يضيفوا إلى ما سبق أن الرئيس بوتين أخَّر موعد دخوله في حجر صحي حتى يجتمع مع الأسد، كدليل على أهمية الزيارة وفق محللين مقربين من النظام، رغم تأكيد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف “أن الاجتماع مع الأسد جرى في اليوم الذي سبق قرار الحاجة للعزل”. يشار هنا إلى أن بوتين عزل نفسه بسبب اكتشاف إصابات بفيروس كورونا ضمن دائرة المقربين منه.

وليس المطلوب هنا الخوض في سجال حول أهمية الزيارة، بل وضع الأمور في نصابها بعيداً عن المديح المتبادل، فإذا كانت الزيارة مهمة فهذا يتعلق بما قيل فيها خلف الأبواب المغلقة، والهدف الحقيقي من ورائها.

لا معلومات رسمية حول ما دار بين بوتين وبشار الأسد، لكن بقراءة متأنية ووضع كلمات المديح جانباً، قال بوتين ما يريده من بشار الأسد ونظامه، التوقف عن تعطيل العملية السياسية كشرط للخروج من عنق الزجاجة، ومحاولة استعادة بعض الثقة شعبياً بالتوقف عن التصرف كزعيم طغمة مستبدة وميليشياوية، كي لا يبقى حجر عثرة أمام تسوية سياسية شاملة متوافق عليها دولياً.

فالرئيس بوتين قال في قالب من المديح ما يفترض أن يكون عليه بشار الأسد وليس ما هو عليه حقاً بنظر “القيصر” الروسي، الذي فضل هذه المرَّة الأخذ بالمثل القائل: “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”، الضربة على المسمار كانت بإهانة بشار الأسد في قاعدة حميميم أمام عدسات الكاميرات بواقعة شهيرة، وفي اللقاء الأخير فضل بوتين أن يضرب على الحافر في العلن، ليكيل الضربات على المسمار خلف الأبواب.

واستدعاء بشار الأسد من حيث التوقيت يكشف عن تقدير روسي يتخوف من تداعيات الحدث الأفغاني، ومنها اتجاه الإدارة الأميركية لإعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط، كأولوية قصوى خوفا من تنامي الدورين الروسي والصيني في هذه المنطقة الحيوية. وفي الوقت ذاته، ما زالت موسكو تعاني مع نظام بشار الأسد مأزقاً مزدوجاً، فهي عاجزة عن قطف ثمار سياسية أو اقتصادية من تدخلها العسكري إلى جانب النظام، وتواجه معادلات صعبة في تعاطيها مع ملفات الأزمة السورية، منها عجز الكرملين عن تسويق النظام تحت يافطة تعامل العالم معه كأمر واقع، واتساع هوة تضارب المصالح مع إيران والميليشيات التابعة لها، وصعوبة إبقاء التوترات بين إسرائيل وإيران تحت سقف منضبط نسبياً، ونزع فتيل التوترات المتعاقبة مع تركيا. ناهيك عن تكلس مواقف نظام بشار الأسد في رفض إحداث تغيير يعتد به للتحسين من صورته، ولو جزئيا، أمام المجتمع الدولي، بافتراض أنه قادر على ذلك.

وفي قراءة ما بين سطور ما قاله بوتين خلال لقائه الأخير مع بشار الأسد، هناك جملة تستحق التوقف عندها مطولاً، حيث اعترف بوتين مواربة بهشاشة وضع نظام الأسد، بقوله: إن وجود قوات أجنبية على الأراضي السورية، بالطبع لا يقصد القوات والميليشيات الروسية أو الإيرانية، لا يمنح بشار الأسد “فرصة بذل الجهد الأقصى لإعادة التماسك للبلاد”. أما كيفية حل هذه المعضلة فهي موضع خلاف في دوائر صنع القرار بموسكو، وكثيرا ما يطفو ذلك على السطح.

وعلى سبيل المثال، نقلت بلومبرغ، في تقرير لها بتاريخ أيار 2020، عن ألكسندر شوميلين، الدبلوماسي الروسي السابق والذي يدير مركز أوروبا والشرق الأوسط الممول من الحكومة الروسية ، قوله إن “الكرملين في حاجة إلى التخلص من الصداع السوري. المشكلة تكمن في شخص واحد، الأسد وحاشيته”.

في سياق متصل؛ السفير الروسي السابق في دمشق ألكسندر أكسينيونوك نشر مقالاً على موقع “فالداي كلوب” الإلكتروني، في 17 نيسان الماضي، عبَّر فيه عن إحباط من نظام الأسد وممارساته، وواقع الحال الذي وصلت إليه المناطق الخاضعة لسيطرته، يقول أكسينيونوك: “من الصعب في الأغلب التمييز بين مكافحة الإرهاب والعنف الحكومي ضد المعارضة.. أصبحت عمليات القتل والتهديد والاختطاف الغامضة أكثر تواتراً، وذلك من بين أخطاء أخرى فادحة ترتكبها المخابرات السورية”. وأضاف: “الرشاوى في قطاع التجارة والنقل والعبور والقوافل الإنسانية لصالح سلسلة تتألف من وحدات بعينها من الجيش والأجهزة الأمنية والوسطاء وكبار رجال الأعمال الموالين تقليديا لعائلة الرئيس”. وخلص أكسينيونوك إلى أن ” إعادة البناء الاقتصادي وتطوير نظام سياسي -المقصود في سوريا-  لا يقومان إلا على نهج شامل وموافقة دولية”.

إشاراتٌ يؤكد محللون روس أنها دليل على أن كثيراً من الدبلوماسيين الروس منزعجون من تراجع تأثير الدبلوماسية الروسية في الملف السوري لحساب دور الجيش الروسي، والسبب تمسك بوتين وإلى جانبه وزير خارجيته لافروف ووزير دفاعه شويغو بورقة الأسد، فهو كان ومازال يمثل “حصان طروادة” لإمساك روسيا بالملف السوري. واعترف وزير الخارجية الروسي بهذا صراحة، في جلسة لمجلس الدوما آذار 2012، حيث أجاب على سؤال بالقول: “إن طرف النزاع الذي نملك تأثيراً عليه هو حكومة بشار الأسد”.

إلا أن هذا يأتي في سياق مصلحة نفعية، تستخدم فيها موسكو الأسد ونظامه لتنفيذ أجنداتها وتحقيق مصالحها، وهي تدرك أن انتزاع مكاسب غير ممكن إلا بتسوية شاملة للملف السوري متوافق عليها مع الغرب، ستفتح على بازار مقايضة حول الأوراق التي سيرميها كل طرف والثمن المطلوب، والورقة الدسمة في الجعبة الروسية هي مصير بشار الأسد ونظامه.

قالتها موسكو مراراً وتكراراً إنها لا تدافع عن نظام حكم الأسد، وإن ما تريده هو ألا يكون رحيل بشار ونظامه شرطاً مسبقاً لتسوية سياسية، وفي تحليل مجرد هي منسجمة مع نفسها، لأن هذا يتوافق مع سياسة قيصر الكرملين الحالم بإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، والتي يأتي الشعب السوري للأسف في رأس قائمة ضحاياها، وعندما يحين الوقت ستلقي موسكو بورقة نظام بشار الأسد، وقد ذرت الرياح كلمات المديح والترحيب والتهنئة قبل أن يجف حبرها.

ولمعرفة قدر الأسد جيدا بالنسبة لروسيا، أعود إلى عام 2012، وحينها سأل معارض سوري بارز للنظام مسؤولا برلمانيا بارزا في فترة استراحة في أثناء برنامج تلفزيوني عن سبب الدفاع المستميت عن نظام الأسد الذي تعرف موسكو حقيقته، جواب البرلماني، الذي مازال يدافع بشراسة عن الأسد، كان مفاجئا، إذ قال: نعلم أن الأسد ابن كلبة… ولكنه ابن كلبتنا”، وفي ذات التوقيت تقريبا قال الأسد في حوار مع “روسيا اليوم” إنه يرفض مغادرة بلاده، وزاد “أنا لست دمية، ولم يصنعني الغرب كي أذهب إلى الغرب أو إلى أي بلد آخر. أنا سوري، أنا من صنع سوري، وعليّ أن أعيش وأموت في سوريا”، في ذلك اللقاء صدق الأسد لأن أيا من دول الغرب أو حتى روسيا لن تقبل بإيواء الأسد بعد جرائمه بحق السوريين، ولكن الأسد مازال في حالة إنكار لواقعه الجديد الذي تحول فيها إلى دمية يحركها وينقلها سيد الكرملين كما يشاء.

تلفزيون سوريا

——————————

ما الغاية من شحن بشار الأسد إلى موسكو؟/ عمر كوش

أثار شحن بشار الأسد مجدداً إلى موسكو، وبسرية تامة وتحت جنح الظلام، سخرية واستهجان الكثير من السوريين، في حين راح محللون ومعلقون يتحدثون عن أسباب عملية الشحن الجديدة وتوقيتها، والغاية الروسية منها، وعن ماهية الرسائل التي أراد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إرسالها والجهات المقصودة بها.

وكان متاحاً لبوتين أن يرسل أحد مبعوثيه إلى دمشق، أو أن يلجأ إلى أي وسيلة أخرى، من أجل إبلاغ الأسد بما يريد دون الحاجة إلى شحنه ليلاً، لكن بوصفه شخصية موتورة، تتصور نفسها قيصراً وسيداً في روسيا وما حولها، تجسيداً لنزعته الشعبوية الشوفينية المتغطرسة بعد أن استبدت به نزعتا القوة والعظمة، وادعاء إعادة بناء مجد روسيا المشدود إلى قيصرية غابرة، أراد تأكيد تبعية الأسد له، وإظهاره أمام العالم على أنه مجرد لعبة، يحركها متى يشاء، وليس في وسع الأسد سوى الإصغاء والرضوخ وإطاعة وتنفيذ أوامر سيده، صاحب الفضل في بقائه جاثماً على صدور السوريين إلى يومنا هذا، لذلك لم يكترث بوتين لأي مظاهر استقبال أو بروتوكولات الإيهام بحدّ أدنى من “السيادة السورية”، التي طالما يتشدق بها الساسة الروس في لقاءاتهم وتصريحاتهم المعلنة. والأنكى من ذلك أن وسائل إعلام نظام الأسد ومسؤوليه ليس بإمكانهم الإعلان عن توقيت عمليات شحن الأسد إلى موسكو أو سواها من المدن الروسية، ولا عن تفاصيلها وحيثياتها، لتبقى طي الكتمان إلى حين إعلان الطرف الروسي عنها بعد انتهائها. وهنا لا يتعلق الأمر بالاعتبارات الأمنية لنظام الأسد، بل تنفيذاً لمقتضيات تبعيته للنظام البوتيني، الحريص على تأكيد وإظهار قوة تأثيره وتحكمه في كل ما يتعلق بالشأن السوري، بوصفه قوة الاحتلال الأولى للأرض السورية.

ومع إعلان الطرف الروسي عن عملية الشحن، والكشف عن بعض تفاصيلها، لم تختلف تصريحات بوتين في محتواها ورسائلها هذه المرة عن سابقاتها، إذ تعمّد التفوّه بعبارات تقصّد فيها الدوس على دماء السوريين والاستخفاف بجراحهم ومصائبهم، وذلك باللجوء إلى ماكينة الكذب والافتراء، التي يتقنها جيداً وتعود عليها مع جميع أركان نظامه، وذلك عبر التبجح بإنجاز مهزلة انتخابات الأسد ومدح “نتائجها الجيدة”، وتهنئته على مدى التزوير الذي قام به، واعتبار نتائجها تأكيداً على “ثقة السوريين” بالأسد، “بالرغم من كل الصعوبات ومآسي السنوات السابقة”، وذلك تيمناً بمهازل انتخابات النظام البوتيني نفسه الذي نظم مهزلة انتخابات “مجلس الدوما” التي انتهت أمس الأحد، وسيفوز بها حزب بوتين بلا أدنى شك، وذلك بعد أن حرم المعارضة وأكثر من تسعة ملايين روسي من حقهم في الترشح فيها.

وتضاف إهانة شحن الأسد إلى سلسلة الإهانات، التي حرص نظام بوتين على تسريبها إلى وسائل الإعلام، وتعوّد الأسد ونظامه على ابتلاعها وهضمها، بل والتغني بها، حيث لا تزال ماثلة في الأذهان مشاهد الفيديو التي أظهرت إهانة الأسد وإذلاله من خلال منعه من طرف أحد الضباط الروس من التقدم لمرافقة بوتين أثناء مراسم تفقد قواته في قادة حميميم أواخر العام 2017، بينما تعمد الروس إظهار مشاهد ترحيب بوتين بالضابط في جيش النظام والشبيح الموالي لروسيا، سهيل الحسن، الملقب بالنمر، وليس بعيداً عن المهانة إعلان بوتين دخوله الحجر الصحي فور انتهاء لقائه بالأسد، بالرغم من التذرع بمخالطته أشخاص من طاقمه مصابين بفيروس كورونا.

ولعل ما يثير الاستهجان والتندر هو ادعاء بوتين أن نظام الأسد بات يسيطر على أكثر من 90% من الأرض السورية، وهو ادعاء يكشف مدى الاستخفاف بمن يشحنه متى يشاء، بوصفه مجرد إمعة خانعة تصدق كل ما يقول سيدها، فضلاً عن أنه ادعاء يعجز عن تصديقه حتى الأسد نفسه، كونه يعلم جيداً أنه لا يسيطر بشكل فعلي حتى على المناطق الخاضعة لسيطرة قواته وميليشياته، في ظل وجود قوات الاحتلالين الروسي والإيراني وميليشياتهما، فضلاً عن المناطق التي توجد فيها قوات أميركية وتركية وفصائل سورية مسلحة، والأكثر إثارة للسخرية هو حديثه عن مشكلة وجود “القوات الأجنبية الموجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة”، التي تعيق توحيد سوريا، “وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي”، مستثنياً وجود قواته التي يطلق على وجودها صفة شرعية لا يعترف بها أحد.

وعلى الرغم من أن بوتين يعلم جيداً أن العالم لن تمرّ عليه ادعاءاته وافتراءاته، لكنه مع ذلك يصر عليها، كي يرسل إشارات تشي بتحكمه بالأسد ونظامه الذي بات “مستقراً”، وذلك عشية اللقاء حول الملف السوري في جنيف بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينتييف، وكذلك بعد زيارة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى دمشق وانتقاله إلى إسطنبول، إلى جانب التطورات الحاصلة في المنطقة في ظل الاستثناءات الأميركية من عقوبات قانون قيصر تنفيذاً لمشروع استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، فضلاً عن التصعيد الروسي في إدلب، وعن التطورات الميدانية في الجنوب السوري بعد أن نكث الروس اتفاق التسوية عام 2018 فيها، واجتراحهم تسويات جديدة دعماً لنظام الأسد من أجل السيطرة على جنوب “سوريا المفيدة”.

ويبدو أن بوتين أراد من شحن الأسد إلى موسكو بعد هذه التطورات الميدانية والسياسية، أن يُملي عليه تعليماته وأوامره الجديدة حول كيفية التعاطي معها وفق وجهة نظره ومصالحه، وبالتالي إفهامه بها شخصياً، والإيحاء بأنه في صدد القيام بترتيبات جديدة في الوضع السوري، بغية تسويقها إلى الطرف الأميركي، ونقلها إلى مستوى التفاهمات التي يمكن من خلالها الدخول إلى تسوية سياسية تحفظ مصالح النظام البوتيني، وذلك في ظل استراتيجية الانسحاب التي تقوم بها الإدارة الأميركية التي بدأت في تنفيذها في أفغانستان والعراق، لكن الأمر مرهون بمدى استعداد وقبول الطرف الأميركي بكل هذه الإشارات والمحاولات الروسية.

تلفزيون سوريا

—————————–

انتصرت روسيا ولم يفز الأسد/ فراس علاوي

أحدث انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان زلزالاً في أروقة السياسة العالمية، جعل جميع الدول المتداخلة في تلك المنطقة الجغرافية من العالم تعيد حساباتها مجدداً، إذ فتح هذا الانسحاب /الهزيمة/ حسب رؤية البعض الأبواب على مصراعيها لإعادة رسم خرائط التحالفات مجدداً وإعادة تقييم العلاقات الدولية والصراعات في المنطقة على ضوء التخبط والضعف الذي لحق بالإدارة الأميركية، والذي جعل أقطاب إدارتها في وضع لايحسدون عليه، بالرغم من محاولات التماسك التي يحاول كلٌ من الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن والذي حتى اللحظة لم يقدم الأداء الذي يظهره على أنه ممثل السياسة الخارجية لأقوى دولة في العالم.

يبدو أن الانسحاب الذي أراده الأميركان لخلط أوراق روسيا وإيران في المنطقة قد انقلب بصورة واضحة ليصبح أداة ضغط على إدارة بايدن، والتي بدا وكأنها تستجدي الاتفاق مع إيران، بذريعة التفرغ لمحاربة الصين العملاق الذي بدأ بالتململ، بذات الخطوة والتي أثارت عشرات إشارات الاستفهام لدى حلفاء الولايات المتحدة حول العالم وخاصة دول الخليج ومصر، استفزت خطوة الإدارة الأميركية الأخيرة بالاتفاق مع أستراليا وبريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي حديثاً بماسمي اتفاق /أوكوس/ حفيظة الحلفاء الأوروبيين، وفرنسا على وجه التحديد بسبب ما أثارته أزمة الغواصات مع أستراليا ودور الولايات المتحدة فيها.

بالعودة للعنوان وعلاقته بماتم الحديث عنه، فإن سوريا تعد أحد مناطق الاختبار الجدية لسياسات الولايات المتحدة الجديدة، إذ يبلغ التداخل الدولي فيها حدوده القصوى وتتشارك عدد من الدول ملفات أخرى يجري حل بعضها في سوريا، والتي تحولت لصندوق بريد بين تلك الدول.

منذ تراجع أوباما ووزير خارجيته حينها جون كيري عن معاقبة نظام الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، أمام سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، بدا أن الانكفاء الأميركي في المنطقة قد أصبح أمراً واقعاً عززه توقيع الاتفاق النووي مع إيران وانسحاب ترامب من نقاط ومواقع أميركية في سوريا وإتمام الانسحاب الأميركي من العراق، والذي بموجبه سُمح لإيران بالتمدد في محيطها الجغرافي، وتشغيل أذرعها في مناطق نفوذها المحتملة.

بالمقابل كانت الاستراتيجية الروسية في سوريا والتي كانت إحدى بوابات بوتين للعودة للساحة الدولية وفك طوق العزلة عن موسكو، تعتمد على مسارين أساسيين الأول عسكري وهو إعادة سيطرة نظام الأسد على عموم الجغرافيا السورية، وهذا ماحصل فبعدما انحسرت سيطرته إلى بقعة جغرافية لاتساوي أكثر من 30% من مساحة سوريا، بات اليوم يسيطر وبدعم من روسيا وإيران على مايقارب 90 % من مساحتها.

ويعول الروس على الانسحاب الأميركي من شرقي الفرات وسوريا، والتقارب مع قسد وفتح باب التوافقات بينها وبين نظام الأسد للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية والمهمة اقتصادياً وجيوسياسياً من سوريا.

كذلك يعمل الروس وبالتوافق مع تركيا والتي باتت تخشى من انهيار سياسة حافة الهاوية أو التوازن بين القوى التي كانت تمارسها بين روسيا والولايات المتحدة، في حال انسحبت الولايات المتحدة من سوريا وهو أمر متوقع، على إنهاء ملف إدلب وهيئة تحرير الشام، بعد ضمان عدم تحرك الفصائل المدجنة تركياً في حال أي تقدم للنظام، ويبقى ملف الهيئة هو الأبرز والذي ربما سيناقش في الزيارة المقررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو، فروسيا والتي حصلت على دفعة معنوية بعدما حصل في درعا في ظل صمت دولي، ستعمل على فرض اتفاق لمصلحة النظام في إدلب مستغلة الانشغالات التركية بملفات أخرى أكثر أهمية أبرزها الانتخابات القادمة عام 2023، والتي تأتي في ظل ارتباك اقتصادي وسياسي واضح سواء للحكومة أو المعارضة التركية، بالمقابل يعتمد الروس في مسارهم الثاني السياسي على تفسيرهم للقرار 225‪4

والذي حسب وجهة النظر الروسية يبقي على الأسد لكن ضمن ضوابط معينة، تفرض عليه التعامل مع معارضة منخفضة سقف المطالب تقبل بالشراكة مع وعود بتغيير دستوري وإجراء انتخابات مبكرة /ربما/ كنوع من تطبيق القرار الأممي.

الرؤية الروسية للحل ترضي أحد أبرز اللاعبين الإقليميين في المنطقة وهو إسرائيل والتي أظهرت تقارباً واضحاً مع روسيا، في ظل توتر العلاقات مع الديموقراطيين وتخبط الإدارات الأميركية في التعامل مع إيران، هذا الشكل من الحل يبدو أنه ينسج في موسكو، والذي بدت خيوطه من خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى موسكو ومن ثم استدعاء الأسد والمحادثات الروسية الإيرانية التركية من خلال إعادة تفعيل مسار أستانا، واللجنة الدستورية التي تمارسها روسيا كنوع من سياسة الإلهاء للمعارضة السورية الغارقة في أوهامها، والتي يتراجع دورها يوماً بعد يوم في طريقها للاضمحلال، بعد فشلها في جميع المسارات بمافيها المسارات التفاوضية.

يبدو أن تعويم النظام عربياً وإقليمياً يسير على قدم وساق، بداية بالدعوات لإعادة سوريا نظام الأسد إلى مقعدها بالجامعة العربية والتي ستشكل قمة الجزائر محطة مهمة فيها مع تأييد الجزائر الدولة المستضيفة للقمة لهذا الطرح ودعمه بقوة، إلى ماسمي مشروع خط الغاز العربي، والذي يتم بدعم مصري أردني بذريعة إنقاذ لبنان.

إذ تدرك الدول العربية بأنَّ المزاج الدولي لايسير باتجاه إنهاء الصراع لمصلحة الشعب السوري وإنما هناك نية لتعويم الأسد وفق الرؤية الروسية، وهي بذلك لاتريد الخروج صفر اليدين من الحل السوري، فاقتسام كعكة إعادة الإعمار يجب أن يحصل الجميع على حصته منها، بما فيها إيران والتي يرتبط موقفها في سوريا بعاملين أساسيين الأول محادثات الاتفاق النووي مع إدارة بايدن والثاني القدرة على التنسيق مع الروس في المنطقة.

يبدو بأنَّ ملف إعادة الإعمار وهو آخر أوراق أميركا التي تلعبها في سوريا بعد تراجع ورقة قتال تنظيم الدولة، بدأ يفقد قوته مع المطالبة بتخفيف قيود قانون سيزر بذريعة الحالات الإنسانية ودعم لبنان، وهو ما أنتج اتفاقاً روسياً أميركياً حول المعابر في تموز 202‪1.

والذي يعتبر نصراً تكتيكياً حققه الروس على حساب الأميركان وهذه المرة في مجلس الأمن، يبدو أنَّ ملف إعادة الإعمار يسيل له لعاب دول أخرى لم تكن منخرطة بالشأن السوري بشكل مباشر بل على العكس، كانت على قطيعة معه مثل باكستان والتي أعادت تسيير رحلاتها الجوية إلى دمشق بعد انقطاع دام 22 عاماً أي قبل عقد من انطلاق الثورة السورية، كذلك يلوح دور واضح للصين في إعادة الإعمار بعد محاولات تغلغلها الاقتصادي وتوقيع اتفاقياتها التجارية مع إيران.

يبدو أن الاقتصاد وتسونامي الخسائر الذي تسبب به فيروس كورونا قد غير كثيراً من قواعد اللعب الدولية وهذا ماقد يفجّر مفاجآت جديدة كما حدث في أفغانستان وفي اتفاق أوكوس مع  أستراليا، وقد يكون الاتحاد الأوروبي الذي بات يخشى من موجات اللجوء أحد أبطالها، خاصة بعد تهديدات الرئيس التركي والتي قال فيها بأن تركيا لن تبقى خزاناً للاجئين.

وعلى الرغم مما تم الحديث عنه من انتصار روسيا إلا أنه حقيقة الأمر لايفضي لفوز الأسد بالضربة القاضية، فإعادة تعويم النظام قد تجعل من رأسه ورقة للمفاوضات، كذلك فإن التنازلات التي قد تحصل عليها روسيا لن تكون مجانية وبذلك سيخسر الأسد حلفاءه، كما أن الانتصار الروسي يعني انتصار الجناح الموالي لروسيا في النظام على حساب الجناح الموالي لإيران والذي يقوده ماهر الشقيق الأصغر لبشار الأسد، من جهة أخرى فإن دخول قوى اقتصادية إقليمية بعضها غير مؤيد لبقاء الأسد سوف يضعف موقع القوى الاقتصادية المحلية المؤيدة له وربما يخرجها خارج نطاق لعبة إعادة الإعمار وبالتالي سيخسر ورقة ضغط أخرى، وتبقى إشارات الاستفهام مطروحة حول الدور السعودي ومن خلفه الخليجي بمافيها القطري من إعادة الإعمار، وهي المعول عليها في تحمل العبء الأكبر فيه من بقاء بشار الأسد في الحكم، مما يطرح سؤالاً قد يبدو الآن منطقياً لكنه لن يبق هكذا لزمن أطول لتغير الاستراتيجيات والتكتيك المفاجىء الذي تمارسه الدول.

السؤال هل سيعرقل بقاء الأسد الانتصار الروسي أم سيكون رحيله شرطاً لهذا الانتصار؟

تلفزيون سوريا

————————————-

لقاء موسكو: “تنازلات” مطلوبة من الأسد/ عبدالوهاب بدرخان

رحلة بشار الأسد الى موسكو لم تكن مبرمجة مسبقاً، لكن استوجبتها ظروف عدة: أعيد “انتخابه” لولاية رابعة على رأس النظام السوري بدعم روسي كبير، وساعده الروس في استعادة السيطرة على الجيب المتبقّي من درعا على رغم مآخذهم على “الفرقة الرابعة” من قواته وقد باتت إيرانية، كما أن روسيا منخرطة في حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة وتعوّل فيه على التوصّل الى تفاهمات أساسية في شأن سوريا وغيرها… وبالتالي فإن مرحلة جديدة بدأت بعد مرور عشرة أعوام على تفجّر الأزمة التي حوّلها النظام وحليفه الإيراني الى حرب داخلية طاحنة، وكانت لروسيا فيها مساهمة تدميرية معروفة، بل “غاشمة” بالمعنى العسكريّ، إذ أضاعت بوصلتَي الحل السياسي ومستقبل وجودها نفسه في سوريا، ولا تزال تتخبّط على رغم أنها نالت باكراً “مباركة” أميركية ودولية مشروطة فقط بـ”إيجاد حل حقيقي” قابل للدوام، بدلاً من أن تخضع لرغبة النظام وإيران في إدامة الحرب.

لا يمكن الوثوق بأن روسيا تعلّمت من التجربة، مع أنها تدفع أكلافها وتتطلّع الى تعويض خسائرها أو استعادة ما أنفقته، سواء بالاستثمارات التي يجيزها لها النظام أم بمحاولة إقناع الأميركيين والأوروبيين بتمويل إعادة الإعمار. لكن وجود فرصة للتفاهم مع أميركا قد يدفع روسيا الى أن تكون أكثر حزماً ووضوحاً في توجّهاتها وخياراتها، وتحتاج الى تعاون من جانب النظام بعدما اطمأن وطمأنته الى بقائه وتريد إعادة تأهيله كما تعمل على تسويقه عربياً ودولياً، ولم تخفِ استياءها من محاولاته فتح قنوات خاصة مع الأميركيين والإسرائيليين، مع علمه أن ثمة تنسيقاً روسياً – إسرائيلياً وأن اتصالاته مع واشنطن لن تتمكّن من تجاوز الرغبة الأميركية في تسوية مع الروس.

صحيح أن فلاديمير بوتين انتقد، بحضور الأسد، بحسب البيان الرسمي، الوجود “غير الشرعي” لـ”قوات أجنبية” (أميركية وتركية)، واعتبره عاملاً سلبياً في مسعى “إبقاء سوريا موحّدة”، إلا أن انسحاب القوات الأميركية من الشمال الشرقي – من دون تسوية – يشكّل مصدر قلق للجانب الروسي، لأنه يعني أولاً استمرار العقوبات، وثانياً انفلات الحدود السورية – العراقية لمصلحة إيران، وثالثاً إتاحة اجتياح دير الزور أمام الإيرانيين وأتباعهم، ورابعاً احتمال تفجّر التوتّرات بين الميليشيات الإيرانية وأكراد “قوات سوريا الديموقراطية”. وحتى الضغط على الأتراك كي ينسحبوا من شأنه أن يوجِد فراغاً ستسعى أنقرة الى ملئه بفصائل المعارضة السورية الموالية لها، ما يفتح فصلاً جديداً في حرب تعهّدت روسيا إنهاءها. لكن موسكو تعرف، بل أُبلغت، أن واشنطن وأنقرة توصّلتا في شأن الشمال السوري الى “توافقات” لا تتحدّى الوجود الروسي، بل ترمي الى ترتيب الوضع الذي سينشأ بعد الانسحاب الأميركي. في الوقت نفسه أحرز الروس تقدّماً في التفاهم مع “قسد”، وبعلم واشنطن وموافقتها، لكن يُفترض أن يشمل هذا التفاهم موافقة نظام الأسد وتعاونه، بمعزل عن الإيرانيين.

كان “استدعاء” الأسد الى موسكو بناءً على هذه المتغيّرات، وكانت مشاركة بوتين فيه قصيرة لم تتجاوز عشر دقائق، فيما تضمن ساعات من المحادثات مع وزيري الدفاع والخارجية والفريق الذي يدير الملف السوري. وتؤكّد مصادر مطّلعة أن الموضوع الرئيسي كان تركيا، إذ إن بوتين يريد في المرحلة المقبلة أن يفتح مجالاً أكبر لدور تركي في الشمال شرق الفرات وغربه، ولذلك فهو يتوقع من النظام أن يقلع عن تعنّته وإصراره على القطيعة مع أنقرة. لا تعتبر موسكو إشراك تركيا في التسويات أمراً مفروضاً (بحكم توافقات واشنطن وأنقرة) بل ورقة تحتاجها في المدى المنظور وتمكّنها لاحقاً من الضغط على تركيا نفسها. لكن الأمر يتطلّب، في المقابل، مقاربات جديدة من جانب النظام لفتح حوار سياسي ومعالجة ملفات عالقة وتفاعلاً جدّياً مع أعمال اللجنة الدستورية.

يحاول الروس الإيحاء بأنهم في صدد تغيير سلوك النظام داخلياً، أي في مناطق سيطرته، ويروّجون أنهم في صدد إجراء تغييرات مفصلية في بنية النظام، إذ نصحوه بـ”الانفتاح”، أقله على المعارضة الخارجية المحسوبة على موسكو، بل يضعون ذلك في إطار تسهيل عودة اللاجئين والنازحين. تحدّث بوتين والأسد عن هذه العودة وكأنها أصبحت واقعاً، لكن التقارير الدولية لا تزكّي ما يدّعيانه، وآخرها قول لجنة التحقيق الدولية المستقلة بوضوح إن الوقت لم يحن “للاعتقاد أن الوضع في سوريا مناسب لعودة اللاجئين”، بل إنه يزداد قسوةً بسبب استمرار العنف وانهيار الاقتصاد. ثم إن تجربة درعا كشفت للروس عوامل الخلل والفشل في “مناطق المصالحات” التي رعوها ثم تركوها لجماعات النظام وإيران.

قد تكون “التغييرات” الروسية المزمعة حقيقية وقد تكون وهمية. فالملاحظ، وفقاً للمعلومات، أن محادثات موسكو لم تتطرّق مباشرة الى الوجود الإيراني، ربما لأن الروس لا يثقون بالأسد ونظامه في هذا الملف تحديداً. فإيران ليست فقط محوراً أساسياً في أي حوار روسي مع الأميركيين والإسرائيليين، بل عقبة كأداء أمام أي تفاهم كامل ومريح مع واشنطن، فضلاً عن كونها عقدة تضعف اجتذاب العرب الى التطبيع مع النظام. ويعرف الروس أن النظام يغذي الهوامش بينهم وبين الإيرانيين ويلعب عليها، وفيما يتغاضى عن توسّع الاختراقات الإيرانية في أجهزة الجيش والأمن، فإنه يشجّعها ليستقوي بها على النفوذ الروسي نفسه. لذلك يتجه الروس أكثر فأكثر الى الإشراف على هذه الأجهزة وإعادة هيكلتها، كخطوة لازمة وضرورية لبلورة التفاهمات مع أميركا.

يعرف الأميركيون بدورهم مدى الاختراق الإيراني للأجهزة، أي بمعنى أدقّ لعصب النظام، ويرون أن الروس تأخروا في إدراك ما عليهم أن يفعلوه لضبط الوضع السوري وتوجيهه نحو حلّ سياسي، وتأخروا في الاعتراف بتعقيدات المعضلة الإيرانية، فإيران تستطيع استخدام النظام لتعطيل أي تسوية أميركية – روسية لا تكون هي (والنظام) جزءاً منها. ليس بإمكان الروس وحدهم، في وضعهم الحالي، أن يحسموا أي صراع بينهم وبين الإيرانيين للسيطرة على الجيش والأمن، ما لم يكن النظام متعاوناً معهم. إذاً بات على الأسد أن يختار بين تسوية أميركية – روسية تبقي نظامه لقاء “تنازلات” لإنهاء الأزمة، وبين مواصلة التمترس وراء إيران وبقاء العقوبات من دون حلٍّ دائم.

النهار العربي

——————————

الكرملين أمل الأسد الأخير/ طوني فرنسيس

موسكو تجمع أوراقها عشية حوارها الاستراتيجي مع واشنطن.

ليس لدى روسيا في لعبتها الجيوسياسية ما تفاوض عليه سوى تجربتها السورية. هي تعتبر أنها في بلاد الشام قدمت نموذجاً في العلاقات الدولية، يستند إلى قوانين الأمم المتحدة وموجبات الحرب على الإرهاب من دون خرق لسيادة الدول، بل استناداً إلى طلب سلطاتها الشرعية.

وقد مضى على التدخل الروسي في سوريا ستة أعوام كاملة من دون أن تتمكن موسكو من توظيف استثمارها السوري في فرض نموذجها السياسي أو حتى المساهمة بإحداث تغيير في الواقع السوري نفسه، فسوريا لا تزال مقسمة بين دول ومواقع نفوذ، واقتصادها يترنح نتيجة الحرب والعقوبات، والحلول السياسية تقف عند عتبة التجديد لبشار الأسد رئيساً لولاية جديدة طويلة.

تدرك موسكو أنها إذا سجلت خرقاً سياسياً في سوريا يحفظ مصالحها من جهة، ويستجيب للقرارات الدولية وموجبات “الانتقال السياسي” التي نصت عليها تلك القرارات من جهة ثانية، فإنها ستكسب الكثير من المصداقية في منطقة مليئة بالصراعات المتروكة من دون حلول، وستتمكن من إعادة تأسيس شبكة من العلاقات الدولية تعزز موقعها في ظروف حصار معلن تعانيه، ومخاطر جديدة محتملة قد يثيرها الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

والواقع أن هذا الانسحاب فرض على روسيا إقامة اتصالات مع حركة “طالبان” المصنفة إرهابية في موسكو، وجعلها تستنفر أصدقاءها القدامى في منظمة الأمن والتعاون (دول آسيا الوسطى المحاذية لأفغانستان، بالإضافة إلى أرمينيا وأذربيجان) لرفض إقامة قواعد أجنبية (أميركية) وعدم استقبال لاجئين أفغان على أراضيها خوفاً من “تسلل إرهابيين”.

وتنظر روسيا بقلق إلى الحزام الأطلسي المحيط بها من البلطيق إلى البحر المتوسط، وهي استقبلت بقلق تصريحات نائب وزير الدفاع الأميركي كولين كال أمام مؤتمر البلطيق العسكري في ليتوانيا بأن الصين “ربما تشكل خطراً أساسياً على الولايات المتحدة، غير أن روسيا قد تشكل مشكلة أكبر على المدى القصير”. وبحسب المسؤول الأميركي، فإن “روسيا خصم يزداد حزماً في سعيه الثابت إلى تعزيز نفوذه في العالم وأداء دور مزعزع على الصعيد الدولي، وسلوكها في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا يشكل تحدياً خطيراً “.

في المقابل، الأرجح أن تنظر موسكو بارتياح إلى النزاع الفرنسي – الأميركي في موضوع الغواصات الأسترالية وارتداداته الأطلسية المحتملة، وإن كانت لا تنزعج ضمناً من تعزيز الحضور الأميركي في شرق آسيا وأوقيانيا بمواجهة الصين شريكها اللدود.

كل تلك المسائل ستكون نهاية الشهر الحالي ضمن جدول اجتماعات الحوار الاستراتيجي بين أميركا وروسيا. والواقع أن الحوارات بين البلدين لم تنقطع منذ قمة رئيسيهما مطلع الصيف الماضي، وبما أن سوريا ستكون بنداً أساسياً في هذا الحوار، فإن موسكو استعدت بما يكفي في محاولة للخروج بنتائج مرضية في الشأن السوري، “نموذجها” المحبب في سياستها الخارجية.

زار الأسد موسكو على عجل بمبادرة منه، كما قيل في الصحافة الروسية، ولم يصدر بيان عن الزيارة إلا بعد عودته ووصوله إلى دمشق. طابع العجلة اتضح خصوصاً بعد ذهاب الرئيس فلاديمير بوتين إلى العزل بسبب تفشي كورونا في محيطه. ومع ذلك كان لديه الوقت للقاء الرئيس السوري الذي يشعر أن مستقبله ومصير سوريا على بساط البحث.

وفي السياق، كان للقيادة الروسية سلسلة مواقف واتصالات مع المعنيين بالوضع السوري، نتائجها ستوظف في لقاء الحوار الاستراتيجي مع الأميركيين. فقد استقبل وزير الخارجية سيرغي لافروف نظيره الإسرائيلي يائير لبيد. وعكست صحف روسية نتائج مباحثاتهما بالقول إنه لا شيء يعم صفو علاقات البلدين، لا هجمات إسرائيل على المواقع الإيرانية في سوريا، ولا الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وفي الوقت ذاته أكد لبيد للصحافة الروسية، “لا نستطيع التسليم بالوجود الإيراني في سوريا، ولذلك لن نجلس مكتوفي الأيدي. هناك آلية لمنع الصدام مع الروس تعمل بشكل جيد. من المهم ألا تصاب القوات الروسية في سوريا”.

إلى التنسيق مع إسرائيل، سيلتقي بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبحث الوضع في إدلب خصوصاً، وعلى خط مُوازٍ ساعدت روسيا في قبول إيران عضواً في منظمة شنغهاي، الأمر الذي اعتبرته الصحافة الإيرانية تسهيلاً للضغوط على إيران للعودة إلى المفاوضات النووية.

وإيران هي شريك لروسيا وعقدة لها في سوريا. وأوضحت حصيلة مباحثات الأسد في موسكو أن مضيفيه ضاقوا ذرعاً بالمماطلة في تقديم الحد الأدنى من التنازلات، خصوصاً ما يتصل بعمل اللجنة الدستورية.

جاء الأسد معتبراً إعادة إحياء مشروع الغاز المصري إلى لبنان إشارة أميركية لفك الحصار عن نظامه وتخفيف الضغوط الغربية عليه، ليمعن تالياً في تعطيل عمل اللجنة الدستورية ومتطلبات القرارات الدولية في شأن التسوية في بلاده، إلا أن موسكو أوضحت له أن الأمر يتعلق باستئناف مباحثات جنيف للجنة الدستورية التي يحاول الأسد نقلها إلى دمشق، وليس حول تخفيف العقوبات، لتكثيف التجارة مع الأردن والحصول على الغاز المصري ودفع لبنان ثمن وصول الغاز والتيار الكهربائي إليه. وفي هذا الإطار أبلغ الأسد أن المبعوث الدولي غير بيدرسون سيزور إسطنبول، وأن الموفدين الروس والأميركيين في شأن سوريا سيلتقون في جنيف، وأن “أمل الأسد الأخير هو في الكرملين”، بحسب ما عنونت إحدى الصحف الموسكوفية.

عاد الأسد إلى دمشق لتشيع أوساطه أن التركيز كان “على الشق الاقتصادي وتحرير باقي الأراضي السورية”، ورد مستشار في الخارجية الروسية بقسوة، “ما قيل لا يعكس موقف روسيا نهائياً، بل هو عكس ذلك تماماً، فلا بديل عن قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومن استئناف عمل اللجنة الدستورية قريباً جداً”.

أكثر من ذلك توجه المستشار المذكور للقيادة السورية بالقول، “لا تنتظروا المعجزة، فالمجتمع الدولي لن يتمكن من مساعدتكم ما لم تبادروا إلى عملية الانتقال السياسي، وإنهاء القضايا الخلافية بين السوريين، وبخاصة ما يعتبرونه احتلالاً تركياً. ومن جانب آخر، الوجود العسكري الإيراني وتوسعه في المشاريع الاقتصادية وشراء العقارات وانتهاج سياسة التشييع”.

الرسالة الروسية إلى الأسد والسوريين واضحة: رتّبوا أولوياتكم بمقتضى المصلحة الوطنية العليا، وإلى الإيرانيين والأتراك، إن وضعكم رهن بعملية الانتقال السياسي، وإلى الإسرائيليين نحن معكم، وإلى الأميركيين تعالوا نتفق في لجنة الحوار الاستراتيجي ونجعل من سوريا نموذجاً لتعاون القطبين.

اندبندنت عربية

———————————-

روسيا وتركيا… «تعايش عدائي»

مرت العلاقات بين روسيا وتركيا بالكثير من المراحل، تأرجحت بين الحروب والشراكة وما بينهما. والذاكرة الإمبراطورية، مثقلة بالمظالم، لكنها تستند أيضاً إلى أساس قوي للتعايش. وهي تتعزز اليوم باطراد، مع أنها ليست خالية من المشاكل.

وكان عام 2000 نقطة مرجعية لبداية مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، حددت فيها المصالح الوطنية سلفاً انتصار التعاون على التنافس. وتعزز البحث عن تقاطعات بين البلدي، بعد التدخل العسكري المباشر لروسيا في سوريا، بحيث باتت تركيا «جارة» وساحة سعت موسكو لاختراق «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) من بوابتها.

ولم يعد التعاون بين أنقرة وموسكو يشمل فقط المجال الثنائي عسكرياً وتجارياً واقتصادياً وسياسياً، بل إنه لامس ملفات إقليمية معقدة في سوريا وليبيا وناغورنو قره باخ والمياه الدافئة. وصل في بعض الأحيان إلى حد الشراكة الخطرة على الطرفين التركي والروسي. لذلك ذهب بعض المحللين السياسيين إلى تسمية التفاعل بين موسكو وأنقرة في مناطق الصراع «تعاوناً عدائياً»، أو «تنافساً متعاوناً».

«الشرق الأوسط» تفتح ملف العلاقات بين «الصديقين اللدودين» عبر التاريخ والحاضر وأفق المستقبل، بحيث يقدم الخبير الروسي فيتالي نعومكين قراءته لرؤية موسكو لهذه العلاقة، فيما يعرض السفير التركي السابق عمر أونهون وجهة نظر أنقرة:

الشرق الأوسط

———————————-

التعاون يتغلب على المنافسة/ فييتالي نعومكين

إذا لم نقل إن تاريخ العلاقات بين الدولتين الجارتين متعددتي القوميات والأديان، روسيا وتركيا، اللتين مرت كل منهما عبر حقبة الإمبراطورية (الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية العثمانية) لم يكن مستقيماً، ولم نقل إنه كانت فيه حروب عديدة ومراحل شراكة بناءة، وحتى صداقة، فهذا يعني أننا لم نقل شيئاً.

وإذا لم نقل إن ذاكرتهما التاريخية مثقلة بالمظالم، وفي الوقت نفسه إن علاقاتهما تستند إلى أساس قوي للتعايش بين الشعبين الروسي والتركي، فهذا أيضاً لن يكون مطابقاً للواقع.

لكن، من ناحية أخرى، هل كان تاريخ العلاقات بين دول تقع في فضاء واحد، حتى وإن كانت تفصلهم المياه، مستقيماً؟ يكفي أن نذكر هنا الحروب بين الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تربطهما علاقات قرابة، تلك الحروب التي كانت في حينها تحريرية بالنسبة لأميركا.

إذا تحدثنا حصرياً عن تاريخ روسيا وتركيا في حقبة ما بعد الإمبراطورية وما بعد الثورة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فسنجد هنا أيضاً فترات من علاقات الصداقة والتعاون، وفترات من المواجهة والعداوة.

منذ بداية عشرينيات القرن الماضي وحتى عام 1939 (نقطة الانحدار الفعلية) كانت الدولتان في بعض الأحيان قريبتين جداً، لدرجة أنه من بين الشخصيات البطولية التي خُلِّدت في النصب التذكاري الرائع في ميدان تقسيم في إسطنبول، إلى جانب الشخصيات التركية التي تدين لها تركيا بالحفاظ على دولتها، تمثال المشير السوفياتي، ولاحقاً الرئيس الرسمي للاتحاد السوفياتي، كليمنت فوروشيلوف، وتمثال مؤسس المخابرات العسكرية السوفياتية، سيميون أرالوف.

العلاقات بين روسيا وتركيا تتعزز اليوم باطراد، مع أنها ليست خالية من المشاكل.

كان عام 2000 نقطة مرجعية لبداية مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، حَددت فيها المصالحُ الوطنية سلفاً انتصار التعاون على التنافس.

إن النمو الهائل للسياحة والتواصل الوثيق بين الناس (يكفي القول إن عدد الأسر المختلطة تجاوز 80 ألف شخص) أصبح عنصراً هاماً في تنمية العلاقات. ورغم التفاؤل الذي ساد في تقييم آفاق التعاون المتنامي بسرعة، لاحظ العديد من الخبراء أن هذا التعاون مجزأً وغير متناظر، وهو ما أود وصفه بأنه أفقي أو قطاعي، أي بمعنى الاختلاف في مستويات تطوره في مختلف مجالات الحياة.

بعبارة أخرى، حتى في الفترة الحديثة الحالية، أي في القرن الحادي والعشرين، لم تكن العلاقات بين البلدين مستقيمة أيضاً، حيث شهد الجو العام للاتفاق، وبشكل دوري، أزمات تم التغلب عليها، بفضل «كيمياء» العلاقات الشخصية بين الرئيسين بوتين وإردوغان، كان أشدها حادث إسقاط الطائرة الروسية الحربية من طراز «سو – 24 إم» في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 وقتل طيارها. لقد وجه هذا الحادث ضربة للروابط، ليس فقط في مجال الأمن، بل وحتى في مجال الاقتصاد، متقدماً بفارق كبير عن المجالات الأخرى، إذ تم بعده تجميد التجارة فعلياً، وبات مصير المشاريع العملاقة والمهمة في خطر.

ثم عاد قادة البلدين واتفقوا بعد اعتذار إردوغان في عام 2016. وتحسنت العلاقات مرة أخرى، لكن الأثر الذي خلفه هذا الحادث قوض الثقة المتبادلة، وسمح للمشاعر السلبية بالانتشار مرة أخرى بين جزء من السكان تجاه بعضهم البعض، حيث لا تزال هذه المشاعر تبرز بين الفينة والأخرى.

ويشير الخبير التركي حبيبي أوزدال في هذا الصدد، بحق، إلى أن نظام الإعفاء من التأشيرة الذي كان قائماً بين الدولتين قبل الحادث، بات وحتى بعد التطبيع، صالحاً على أساس متبادل، فقط لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمية، وكذلك لسائقي المركبات على الخطوط الدولية.

لكن المسألة هنا لا تكمن في أنها مجرد عواقب للحادث، إذ يتشكل انطباع، وكأن موسكو كانت مستعدة لإعادة قيود السفر جزئياً للمواطنين الأتراك في ضوء مخاوف متعلقة بالأمن القومي. فكما يقول المثل الروسي: «لم تكن هناك سعادة، لكن سوء الحظ ساعد».

أما فيما يتعلق بالمخاوف المذكورة أعلاه، فهي مرتبطة بتهديدات عبور أعضاء تنظيمات متطرفة إلى روسيا لارتكاب أعمال إرهابية على الأراضي الروسية، فضلاً عن ترويجهم للأفكار الإسلامية والقومية الراديكالية، وتجنيد المواطنين الروس. فلقد أعطى دعم تركيا لأنشطة الجماعات التي تخوض صراعاً مسلحاً في سوريا ضد الحكومة الشرعية، سبباً للاعتقاد بأن مخاوف الإدارات الروسية لم تكن من دون أساس. وثبت ذلك من خلال حادثة قتل السفير الروسي في تركيا، أندريه كارلوف، في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2016 على يد إرهابي كان سابقاً عنصراً في شرطة أنقرة. غير أنه تم نزع فتيل الموقف بسرعة من خلال رد الفعل الصحيح الذي جاء في الوقت المناسب من جانب السلطات التركية وإردوغان شخصياً، الذي كاد قبل ذلك بفترة قصيرة، في 15 – 16 يوليو (تموز) 2016، أن يقع ضحية انقلاب حاول عسكريون تنفيذه. وسهّل استعادة الثقة الموقف النشط للقيادة الروسية الداعم للزعيم التركي، والذي أدان محاولة الانقلابيين الاستيلاء على السلطة بطريقة غير قانونية. علاوة على ذلك، في حال تصديق الشائعات المتداولة في وسائل الإعلام، يُزعم أن الأجهزة الروسية الخاصة كانت قد حذرت إردوغان من الانقلاب الوشيك، مما ساعده على النجاة.

– مشاريع عملاقة

تعافت العلاقات التجارية والاقتصادية بين موسكو وأنقرة بسرعة، وواصلت المشاريع العملاقة المضي قدماً، واحتلت روسيا المرتبة الأولى من حيث عدد السياح الذين يزورون تركيا، والذي بلغ سبعة ملايين سائح بحلول عام 2019. وأكدت الخبيرتان الروسيتان إيرينا زفياغلسكايا وإرينا سفيستونوفا أن روسيا أصبحت ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا. ففي ديسمبر 2020 بلغت حصتها 47 في المائة من إجمالي واردات الغاز السنوية إلى تركيا. وبات المشروعان العملاقان الرئيسيان، خط أنابيب الغاز «السيل الأزرق» بطاقة 16 مليار متر مكعب في السنة، و«السيل التركي» الذي تم إطلاقه في يناير (كانون الثاني) 2020. بطاقة 31.5 مليار متر مكعب في السنة، أهم المشاريع في قطاع الطاقة، حيث أصبحت تركيا مركزاً دولياً مهماً لتوزيع الطاقة، يتم من خلاله إمداد الغاز الروسي إلى بلغاريا واليونان وصربيا ورومانيا ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك. وفي الوقت الحالي، يجري بناء محطة «أكويو» النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، جنباً إلى جنب مع تدريب الكوادر الوطنية للصناعة النووية، ويواصل مقاولو البناء الأتراك العمل بنشاط في روسيا.

كذلك، فإن صفقة شراء تركيا لأنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من طراز «إس 400» تجاوزت الإطار الاقتصادي، نظراً لارتباطها بشكل مباشر بالمصالح الأمنية لتركيا وروسيا، الأمر الذي أثار استياءً حاداً لدى شركاء تركيا في حلف «الناتو»، إذ حاولوا التدخل لإعاقة إنجاز هذه الصفقة، من خلال التهديد بالعقوبات. وتلقى على إثرها مؤيدو التوجه الأوروآسيوي في تركيا حججاً إضافية لصالح برنامجهم. في الوقت نفسه، تدرك روسيا جيداً أن مسار أنقرة للوفاء بجميع التزاماتها في حلف «الناتو» ثابت، لكن القيادة التركية ستدافع دائماً عن الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بأمنها بشكل مستقل.

وعلى النسق نفسه، أدى قرار تركيا نشر طائرات من دون طيار من طراز «بيرقدار تي بي 2» (اثنتان حتى الآن) والتي بإمكانها نقل الرسائل إلى السفن الحربية التركية، في أراضي جمهورية شمال قبرص غير المعترف بها، وكذلك بدء العمل على تحديث قاعدة «جتشيكالة» الجوية، إلى بروز مخاوف لدى قيادات جمهورية قبرص واليونان ومصر (حيث، على ما يبدو، تجري تركيا مع الأخيرة حواراً جاداً وواعداً). وأبدت حكومات هذه الدول، ظاهرياً، ضبط النفس، انطلاقاً من عدم رغبتها في توتير العلاقات مع أنقرة، في انتظار رد فعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. واتخذت روسيا إزاء هذا الأمر موقفاً مبنياً على احترام السيادة وعدم التدخل في العلاقات بين دول شرق البحر المتوسط. لكنها، في الوقت نفسه، وإدراكاً منها لأهمية المنطقة في ضمان المحيط الخارجي لأمنها الإقليمي وأمن قواعد قواتها في سوريا، واضطلاعاً بمسؤوليتها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، تتابع عن كثب التطورات في هذه المنطقة.

– سوريا… والجار

وهنا يلعب التعاون بين روسيا وتركيا دوراً كبيراً فيما يتعلق بالأزمة السورية على الصعيدين الثنائي والثلاثي (مع إيران)، والذي يتطور رغم الاختلافات في مواقف البلدين.

وعلى وجه الخصوص، ترى روسيا أن من الضروري أن تخضع محافظة إدلب لسيطرة الحكومة السورية، أما تركيا فهي قلقة على مصير الجماعات الموالية لها والموجودة تحت حمايتها في هذه المحافظة. فجزء كبير من المحافظة يخضع لسلطة «هيئة تحرير الشام»، التي صنّفها المجتمع الدولي بأنها منظمة إرهابية. وحتى الآن، فشلت أنقرة في الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في المذكرة الروسية التركية، في تحديد وفصل الإرهابيين عن الجماعات الموالية لها.

في الوقت نفسه، تواصل روسيا وتركيا التعاون هناك. فعلى سبيل المثال، تقوم قوات البلدين بتسيير دوريات عسكرية روسية تركية مشتركة على الطريق السريع .M4

وحتى الآن، لا يزال موقف تركيا سلبياً بشكل حاد تجاه دمشق، وتعتبر الأكراد السوريين عموماً إرهابيين، باستثناء الجماعات الموالية لها. لكن روسيا لا تشاركها هذه المواقف. فهي وإن كانت تتفهم مخاوف تركيا، لكنها تنطلق من حقيقة أن وجود الأخيرة في شمال سوريا مؤقت، وفقاً لما قاله الرئيس إردوغان نفسه. ومن الصعب تحديد ما إذا كان يمكن حدوث تغير في موقف أنقرة تجاه دمشق في ظل الظروف الجديدة. وفي مطلع سبتمبر (أيلول)، تحدثت الصحافة التركية عن لقاء مرتقب في بغداد بين رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، وبدأت تركيا تتحدث عن بداية حقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي لا تحتاج الآن إلى وساطة موسكو وطهران. وتعليقاً على النبأ، قال الرئيس السابق لإدارة الاستخبارات في الأركان العامة للقوات المسلحة التركية، الجنرال المتقاعد إسماعيل بكين، إنه سيتم مناقشة القتال ضد الجماعات الكردية المسلحة في شمال شرقي سوريا، وأزمة الهجرة، وكذلك مصير مناطق المتمردين في محافظة إدلب، والوضع في محافظة درعا. ووفقاً لما قاله الجنرال المتقاعد، فإن العملية التي انطلقت بقيادة هاكان فيدان تهدف إلى تفعيل «القنوات الدبلوماسية».

ورغم أن موقف تركيا السلبي الحاد تجاه دمشق لم يتغير، بات من الواضح أن الشائعات تبدو معقولة (لم يكن هناك إعلان رسمي عن الاجتماع المخطط له) على خلفية المحادثات حول قرار واشنطن سحب قواتها العسكرية من العراق، وحتى احتمال انسحاب الأميركيين من سوريا، وكذلك في ضوء تحسين علاقات تركيا مع السعودية ومصر والإمارات. بدورها، بدأت دوائر الخبراء الروس تتحدث عن احتمال معين لتحويل روسيا وتركيا إلى لاعبين خارجيين رئيسيين في بلاد الشام.

– حوار في ليبيا

فيما يتعلق بالأزمة الليبية، يبدو أن أنقرة وروسيا ما زالتا ملتزمتين بالحوار ولا تميلان إلى تعقيد تفاعلهما بشأن القضايا الإقليمية إثر الخلافات القائمة في الرأي حول التسوية الليبية، في انتظار الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ديسمبر المقبل. فوفقاً لبعض المسؤولين، يُزعم أن عبد الحميد دبيبة، خلال اجتماعه في يونيو (حزيران) مع إيمانويل ماكرون، أعرب عن رأي ضد انتخابات ديسمبر، ثم أرسل إشارات مماثلة إلى لاعبين آخرين. ويعتقد الخبراء الروس والأتراك أن دبيبة يمكن أن يستفيد هو وغيره من المسؤولين الحكوميين من تأجيل الانتخابات والحفاظ على الوضع الراهن، وهو ما يصب أيضاً في مصلحة خليفة حفتر، الذي لا يمكنه الترشح كونه مواطناً أميركياً، إضافة إلى أن فرصه بالفوز ضئيلة. في الوقت نفسه، تهتم أوساط الخبراء الروس بإمكانية ترشح صدام، نجل حفتر، في الانتخابات الرئاسية، الذي يميل الإسرائيليون، بحسب الشائعات، إلى دعمه. أما سيف الإسلام القذافي، الذي لن تقبل ترشحه الجماعات المسلحة المرتبطة بالإسلاميين في طرابلس ومصراتة، فهو أيضاً بإمكانه أن يكون شخصية واعدة.

وتعير موسكو لاختلاف الرؤى في سياق العلاقات مع تركيا تجاه قضايا فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، أهمية أكبر مما هو الحال عليه تجاه قضايا الشرق الأوسط. ومن بين هذه القضايا، على وجه الخصوص، عدم اعتراف أنقرة بشبه جزيرة القرم كجزء من الاتحاد الروسي، وكذلك التعاون العسكري التقني بين تركيا وأوكرانيا، فضلاً عن التعاون الروسي التركي في ناغورني قره باغ.

وكما كتب مؤلفو العمل الجماعي «عاصفة في القوقاز»، الذي نُشر مؤخراً تحت إشراف الخبير العسكري الروسي الشهير رسلان بوخوف، لا يمكن اعتبار الوضع الحالي في منطقة الصراع مستقراً. و«إذا لم تظهر فرص للانتقام الأرمني في المستقبل المنظور، فإن أذربيجان ستسعى إلى السيطرة الكاملة والنهائية على كامل أراضي ناغورني قره باغ». وبطبيعة الحال، لا غنى في هذه الحالة عن مساعدة تركيا، وهذا الأمر سيضع روسيا في موقف صعب، رغم أنها تمكنت حتى الآن من المناورة بنجاح كبير: فقد احتفظت بأرمينيا كحليف، وبأذربيجان كشريك. لكن، إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟ وإلى متى ستكون أنقرة مستعدة لرؤية موسكو كحافظ رئيسي للسلام في جنوب القوقاز؟

ويلفت العديد من المحللين الروس الانتباه إلى استعدادات باكو لحرب جديدة، ويربط بعضهم ذلك بتقارب أذربيجان مع تركيا. ويمكن اليوم أن نجد في الصحف الروسية مقالات تدّعي أن الجانبين يخططان لإنشاء جيش مشترك في المستقبل تحت رعاية مجلس الدول التركية. ويجب الأخذ بعين الاعتبار، كما يقول المحلل التركي البارز كريم خاص، أن حرب قره باغ الثانية الأخيرة، اتسمت بالفعل بانخراط كبير من قبل روسيا وتركيا في الصراع.

والسؤال هو: ألا يمكن أن يتحول تطور هذا الاتجاه إلى خطورة كبيرة على الشريكين التركي والروسي؟ حينها قد يكون على حق أولئك المحللون السياسيون الذين يسمون التفاعل بين موسكو وأنقرة في مناطق الصراع «تعاوناً عدائياً»، أو «تنافساً متعاوناً».

– خاص بـ«الشرق الأوسط»

—————————–

صديق أم عدو… أم مجرد «علاقة براغماتية»؟/ عمر أونهون

لطالما كان للعلاقات التركية – الروسية عمق تاريخي يتسم في الغالب بالصراع، فقد خاضت الإمبراطورية العثمانية وروسيا القيصرية عشرات الحروب، وكانتا خلال الحرب العالمية الأولى على طرفي نقيض، وقد تمتعت الاثنتان بعلاقات تتراوح بين المقبولة والجيدة خلال حرب الاستقلال التركية. ولكن حتى في ذلك الحين، لم تكن الأمور جيدة كما كانت تبدو.

فبعد الحرب العالمية الثانية، طالب السوفيات ببعض الأراضي التركية في شرق الأناضول، وشككوا في سيادة البلاد على المضائق التركية، فيما انضمت أنقرة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1952، وظلت في الجناح الجنوبي للحلف طوال فترة الحرب الباردة. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، دخلت تركيا وروسيا في منافسة على ما يحب بعضهم تسميته «اللعبة الجديدة الكبرى من أجل القوقاز وآسيا الوسطى».

وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اضطر تتار القرم والشركس والنوغيين (مجموعة عرقية تركية تعيش في منطقة شمال القوقاز)، وغيرهم كثير من شعوب الإمبراطورية العثمانية المتقلصة، إلى الفرار من ديار أجدادهم بسبب التقدم الروسي. وهؤلاء الأشخاص الذين وجدوا في الأناضول مستقراً جديداً لهم كانوا أيضاً عاملاً في تشكيل العلاقات التركية – الروسية.

وبالنظر لهذه الخلفية، وفي إطار البيئة والتطورات الاستراتيجية الجديدة على الساحة الدولية، اكتسبت العلاقات التركية – الروسية زخماً جديداً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

– بوتين وإردوغان

ينظر كثيرون إلى الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين على أنهما متشابهان في طريقتهما في ممارسة السياسة بشكل عام. صحيح أنهما قد لا يكونان أفضل صديقين (الصداقة التي تحددها المثل العليا وأنماط الحياة المشتركة)، لكنهما أقاما شكلاً من أشكال علاقات العمل التي تقوم على أساس المصلحة والمنفعة المتبادلة، وهي العلاقة التي تؤدي دوراً رئيسياً، بل مركزياً، في إدارة العلاقات التركية – الروسية في الوقت الحالي.

وتبدو العلاقات الثنائية الآن بين البلدين نشطة للغاية، إذ يبلغ حجم التجارة بينهما 25 مليار دولار أميركي، في المتوسط، حيث بلغ في وقت ما نحو 30 مليار دولار أميركي. وعلى الرغم من انخفاض حصتها، لا تزال روسيا هي المورِّد الرئيسي للطاقة إلى تركيا، حيث توفر لها 34 في المائة من الغاز الطبيعي، و11 في المائة من النفط، فيما تتمثل الصادرات التركية إلى روسيا بشكل أساسي في المنتجات الزراعية والآلات والمركبات والمنسوجات.

وبشكل عام، فإن نحو 80 في المائة من حجم التجارة الثنائية يصب في صالح روسيا، ولكن تركيا تعوض هذا النقص في مجالات الخدمات والبناء، حيث لا تزال أنقرة هي الوجهة الرئيسية للروس الذين يعشقون منتجعاتها ذات الأسعار المعتدلة الشاملة للخدمات كافة، حيث وصل عدد السياح الروس إلى تركيا عام 2019 إلى 7 ملايين سائح. أما بالنسبة لقطاع البناء، فقد أنجزت تركيا حتى الآن نحو 1980 مشروعاً في موسكو، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 75 مليار دولار أميركي.

وتُعد تركيا، أيضاً، بمثابة ناقل للغاز الطبيعي الروسي. وأحدث مشروع مشترك في هذه المنطقة هو مشروع «ترك ستريم» الذي تم افتتاحه رسمياً في عام 2020، والذي يربط روسيا وتركيا بخطين من خطوط الأنابيب البحرية بطول 930 كيلومتراً تحت البحر الأسود، ويجلب أحدهما الغاز الطبيعي إلى تركيا، فيما يعد الآخر مخصصاً للغاز الموجه إلى أوروبا.

وهناك كذلك محطة «أكويو» للطاقة النووية التي تقدر تكلفتها الإجمالية بـ20 مليار دولار أميركي، والتي تمثل مجال تعاون ذا قيمة استراتيجية أخرى بين البلدين. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل مفاعلها الأول في عام 2023.

وعلى المسرح العالمي، تستمر روسيا وتركيا في مواجهة إحداهما الأخرى في أماكن مختلفة، مثل سوريا وأوكرانيا وليبيا وجنوب القوقاز، حيث تكونان في الغالب في جانبين متعارضين، كما أنهما في بعض الأحيان تؤذيان إحداهما الأخرى، ولكنهما نجحتا -بشكل عام- في إنشاء شكل من أشكال الحوار والتعاون في كل المسارح التي تتضمن وجودهما فيها معاً.

– صدع في إدلب

وتعد روسيا طرفاً فاعلاً رئيسياً في سوريا، كما أنها ناشطة عسكرياً في المعركة هناك. وقد مهدت عملية آستانة الطريق للتعاون بين أنقرة وموسكو، ولكن احتمال حدوث صدع لا يزال موجوداً إلى حد كبير، لا سيما في إدلب. فعلى الرغم من اتفاق عام 2018، استولى النظام السوري وروسيا على نصف المحافظة. وتضم المعارضة الموجودة في إدلب التي يتم استهدافها بشكل متكرر من قبل النظام آلاف المسلحين من «هيئة تحرير الشام» وغيرها من الجماعات المتطرفة في الغالب.

وفي مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو، يوم 9 سبتمبر (أيلول)، مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، قال لافروف: «يحتاج الزملاء الأتراك إلى تنفيذ الاتفاقات التي توصل إليها رئيسا روسيا وتركيا في سبتمبر (أيلول) 2018، وتنص هذه الاتفاقات على فصل المعارضة الطبيعية المعقولة عن الإرهابيين، وبشكل أساسي عن (هيئة تحرير الشام). صحيح أن هذا العمل جارٍ، ولكنه للأسف لم يكتمل بعد». وفي سياق التطورات الأخيرة في درعا، قال لافروف: «بالنسبة لدرعا، وعلى مستوى أوسع في سوريا، فإنه لا يجب أن تسيطر أي فصائل مسلحة غير الجيش السوري على أي أرض».

ويمكن اعتبار ما يقوله لافروف بمثابة رسالة لما يمكن توقعه في المستقبل. فما سيحدث لإدلب، وسكانها البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة، في حال شن حملة عسكرية شاملة من قبل نظام الأسد والروس، يشير إلى احتمال المواجهة. وفي هذا الصدد، فإن الهجوم الذي تم على دورية تركية في إدلب، وأدى لمقتل جنديين تركيين، وإصابة 3 آخرين، يبدو أنه جاء في وقت حرج. فقد كانت حادثة 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، عندما أسقطت تركيا طائرة عسكرية روسية من طراز (SU-24) في سوريا، بمثابة مثال واضح على الكيفية التي يمكن أن تتحول بها الأمور بين البلدين، إذ أوقفت روسيا كل خدمات الشركات التركية تقريباً في أراضيها، فضلاً عن منع زيارة الروس لتركيا، كما تأثرت الأنشطة العسكرية التركية في سوريا بشكل خطير، وعززت روسيا وجودها في دمشق بمعدات عسكرية متطورة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي. وقد تطلب إصلاح العلاقات كثيرًا من الجهد، واستغرق الأمر نحو عام.

وفي ليبيا، واجهت تركيا وروسيا إحداهما الأخرى بعناصر قتالية مختلفة. فقد أدى التدخل التركي، بطلب من حكومة الوفاق الوطني الليبية، إلى تغيير مسار الحرب. صحيح أن روسيا والدول المؤيدة لموقفها في ليبيا لم ينتهِ بهم الأمر إلى السيطرة على الأوضاع، ولكن لا يبدو أنهم غير راضين عن مجريات الأحداث، على الأقل في الوقت الحالي.

– صدام في القوقاز

وفي عام 2020، تمكنت أذربيجان، بدعم من تركيا، من استرجاع أراضيها الواقعة تحت الاحتلال الأرميني. وحينها، استطاعت أنقرة وضع بصماتها في القوقاز، لتثبت أنها قوة لها أهميتها هناك، كما عززت تحالفها مع أذربيجان، وسجلت نقاطاً عدة لدى حلفائها في القوقاز وآسيا الوسطى. ومن جانب روسيا، فإن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، الذي لم يكن صديقاً لموسكو لم يتعلم الدرس. فقد تمكنت الأخيرة من هندسة قرار وقف إطلاق النار. وبموجب شروط الاتفاق، استرجعت أذربيجان أراضيها لأول مرة منذ عام 1990. وعلى أي حال، فقد لعبت كل من تركيا وروسيا دوراً جيداً في منع الأمور من اتخاذ شكل مختلف، والتحول إلى صراع فيما بينهما في هذه الساحة.

أما في أوكرانيا، فإن تركيا وروسيا تقفان على طرفي نقيض، وذلك لأن موقف أنقرة المعلن صراحة هو أنها لا تعترف بضم شبه جزيرة القرم. ولا يبدو أن روسيا تمانع في ذلك، ما دام أن المواقف السياسية لم تتحول إلى شكل من أشكال العمل الفعلي. ولكن الروس يتابعون ببعض الاستياء والقلق التعاون الدفاعي الأخير بين تركيا وأوكرانيا، لا سيما نقل الطائرات التركية المقاتلة من دون طيار.

وقد تصبح أفغانستان ملفاً آخر إما للتعاون أو المواجهة بين البلدين، وذلك حسب كيفية تطور الأمور هناك. والأسباب ليست واضحة تماماً للجميع، لكن يبدو أن تركيا حريصة على لعب دور في كابول الجديدة، فيما تنظر روسيا إلى أفغانستان -بشكل أساسي- من وجهة نظر أمنية، مع اهتمام خاص بدول آسيا الوسطى. فهذه المنطقة مهمة لروسيا، من حيث قيمتها الاستراتيجية، ولكونها الجوار الخارجي القريب منها، كما أنها مهمة لمنظمة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو.

وهناك قضية أخرى ذات أهمية خاصة، وذلك من زاوية حلف الأطلسي (الناتو)، وهي البحر الأسود واتفاقية مونترو (اتفاقية عقدت في مونترو في 1936، منحت تركيا السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين)، إذ لا تريد روسيا وجود سفن حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، وتصر على الحفاظ على الاتفاقية التي تنظم مرور السفن الحربية عبر المضيق التركي، وتحد من وجودها. وقد أثار مشروع قناة إسطنبول الذي تم تسويقه سياسياً من قبل الرئيس التركي بعض التساؤلات حول ما إذا كان سيتعين تغيير الاتفاقية أم لا. لكن لا يبدو أن موقف تركيا يتعارض مع موقف روسيا في هذه القضية.

– «إس ـ 400»

وكان أهم تطور في العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو هو التداعيات بعيدة المدى لاستحواذ تركيا على أنظمة الدفاع الجوي «إس-400» من روسيا، حيث ردت الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الآخرين في «الناتو» بقوة على الأمر، حتى ذهبوا إلى حد فرض عقوبات ينص عليها قانون مكافحة خصوم أميركا على تركيا، فيما تواصل كثير من الدول الغربية تقديم قضية «إس-400» بصفتها دليلاً آخر على ابتعاد تركيا عن «الناتو» والغرب.

أما الجانب التركي من القصة، فيبدو مختلفاً تماماً. فقد ظلت تركيا، لبعض الوقت، تشعر بمعاملة غير عادلة من قبل الاتحاد الأوروبي، والغرب بشكل عام، كما شعرت بأنها مهملة من قبل الحلفاء في عدد من المناسبات. وتشهد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي حالة من الجمود العميق، فيما أصبحت مبيعات الأسلحة من كثير من دول الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وألمانيا، إما مقيدة أو محظورة تماماً في بعض الحالات.

وأكدت تركيا أنها حاولت شراء أنظمة دفاع جوي من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، لكنها قوبلت بالرفض. وفي المقابل، كانت روسيا مستعدة للغاية لبيع الأسلحة لأنقرة، واختارتها تركيا بصفتها المكان الذي يمكنها شراء النظام الدفاعي منه، والذي تشتد الحاجة إليه. حتى أن الأتراك، من مختلف المعتقدات السياسية، الذين نادراً ما يتفقون على أي شيء، لديهم الرأي نفسه القائل إن تحركات بلادهم ليست بدافع الحب لروسيا، ولكنها نتيجة للمعاملة السيئة لحلفائها الغربيين وشركائها.

وعلى أي حال، فإن روسيا تبدو سعيدة. فقد تمكنت من بيع أحد أنظمة أسلحتها التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وخلقت صدعاً داخل «الناتو»، وزادت من اضطراب العلاقات المتوترة بالفعل بين تركيا والغرب.

صحيح أن تركيا عضو في التحالف الذي تُعد روسيا التهديد الرئيسي له في البيئة الأمنية المتدهورة حالياً، ولكن لا يوجد ما يمنع أنقرة، أو أي دولة أخرى في «الناتو»، من الانخراط مع روسيا في مختلف المجالات، وذلك على أساس المنفعة والاحترام المتبادلين، بشكل لا يتناقض مع التزاماتها في الحلف.

وفي الختام، فإنه قد يكون لتركيا وروسيا مواقف متباينة بشأن عدد من القضايا التي يحمل بعضها احتمالات المواجهة المباشرة أو غير المباشرة، ولكن في الوقت الحالي يبدو أن البراغماتية هي التي تحكم علاقات الطرفين. وعلى الرغم من أنه قد تكون هناك حاجة إلى كثير من الصبر وغض الطرف من حين لآخر في هذه العلاقات، فإنه يبدو أن كلا البلدين يدرك أن الحوار والتعاون سيكون أفضل من المواجهة، ما دام ذلك ممكناً.

– خاص بـ«الشرق الأوسط»

———————————

طهران:روسيا تنتفع من الاقتصاد السوري أكثر من غيرها

أعلن نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية علي أصغر زبردست أن التبادل التجاري بين البلدين “يسير ببطء”، مشيراً إلى أن النظام السوري كان تعهد “بمساعدة تسريع وتسهيل حركة التبادل لكن هذا لم يتحقق”.

وقال زبردست في تصريح لوكالة “ايلنا” الإيرانية، إن “الروس ينتفعون من الاقتصاد السوري أكثر من غيرهم ويشاركون ببعض المشاريع في إعادة بناء البلد”، مضيفاً: “ما حدث لنا في العراق يتكرر حالياً”، موضحاً ان “معظم مبادلات العراق التجارية تتم مع تركيا وليس مع إيران ومن المحتمل أن يتكرر الأمر في سوريا”.

وأقرّ بأن “مبادلاتنا التجارية مع سوريا تسير ببطء”، لافتاً الى ان “الجانب السوري يعدنا بالمساعدة لتسريع وتسهيل المزاودات لكن هذا لم يتحقق رغم الوعود”. وأضاف: “اجتمعنا مع مدير المعارض في البلاد حتى تتمكن إيران من إقامة معرض حصري في دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر، وهذا المعرض مخصص فقط لإيران ويمكن أن يكون فرصة جيدة لرجال الأعمال ورجال الأعمال الإيرانيين”.

وتأتي تصريحات المسؤول الإيراني بعد زيارات عديدة من الجانب الإيراني للنظام وما رافقها من دعوات إلى زيادة التبادل التجاري بين الطرفين، آخرها في 29 آب/أغسطس، إذ استعرض حينها وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان مع رئيس النظام بشار الأسد “تعزيز التعاون الثنائي بهدف الوصول إلى مستوى أعلى من الشراكات على مختلف الأصعدة، وخصوصاً في المجال الاقتصادي والتجاري”.

وشهد عام 2021 مباحثات لبحث إقامة شراكة مشتركة بين “المؤسسة السورية للتجارة” ومؤسسة “إتكا” الإيرانية، التي تهدف إلى تبادل المنتجات وإحداث مركز تجاري في دمشق لعرض منتجات إيران.

وكانت “شركة أمرسان” الإيرانية قد عرضت إعادة تأهيل وتطوير شركة بردى للبرادات والغسالات “وفق مبدأ التشاركية”، على أن تقوم أمرسان بتصدير منتجاتها مستقبلاً إلى الدول المجاورة.

وكان رئيس الغرفة التجارية الإيرانية السورية المشتركة كيوان كاشفي أعلن عن تدشين مركز “إيرانيان” التجاري في دمشق، لافتاً إلى أن “المركز يقع في المنطقة التجارية الحرة في العاصمة على مساحة 4 آلاف متر مربع، ويضم 24 شركة إيرانية”.

ورغم وجود اتفاقية للتجارة الحرة بين النظام السوري وإيران منذ عام 2012، والتي تقضي بتبادل المنتجات والسلع من دون خضوعها للضرائب والتعرفة الجمركية، فإن حجم التبادل التجاري خلال العام 2020 لم يزد على 200 مليون دولار، منها 117 مليون دولار صادرات إيرانية إلى سوريا، بحسب مراقبين اقتصاديين.

المدن

————————–

رسائل عسكرية وسياسية من دمشق وموسكو .. هل اقترب “الهجوم الكبير” على مناطق الانتشار التركي شمالي سوريا؟/ إسماعيل جمال

إسطنبول- “القدس العربي”: منذ زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو الأسبوع الماضي يطلق الجانبان الروسي والسوري تصريحات متناسقة ورسائل عسكرية وسياسية متلاحقة ضد الوجود التركي في شمالي سوريا وسط تصعيد عسكري متواصل وتسخين للجبهات وحشود عسكرية ينذر بما يعتقد أنه “هجوم كبير” يخطط النظام السوري لشنه على مناطق انتشار الجيش التركي في شمالي سوريا بشكل عام وذلك على الرغم من الزيارة القريبة المتوقعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو.

المؤشر العسكري الأبرز، هو التصعيد التدريجي في محيط إدلب وصولاً لمناطق انتشار الجيش التركي “درع الفرات وغضن الزيتون ونبع السلام”، حيث تصاعدت تدريجياً هجمات النظام السوري والغارات الجوية الروسية في الأسابيع والأيام الماضية وركزت كما يبدو على إضعاف الخطوط الأمامية الدفاعية للمعارضة السورية وخاصة في جبل الزاوية الذي يعتقد أنه الهدف العسكري الأول للنظام السوري في أي عملية عسكرية مقبلة.

ويذكر التصعيد الأخير بسياسة النظام السوري التي ارتكزت في السنوات الأخيرة على القيام بهجوم كبير يقضم مساحات واسعة من مناطق سيطرة المعارضة السورية قبيل الانصياع للضغوط العسكرية والسياسية والبدء فوراً بالاستعداد لجولة جديدة من القتال حيث باتت المعارضة السورية محصورة في مناطق صغيرة من وسط وشمال إدلب ومناطق صغيرة متفرقة يسيطر عليها الجيش التركي شمالي سوريا.

كما يتوقع أن النظام السوري الذي يسعى بكافة الطرق لإحكام سيطرته على كافة الأراضي السورية قد تفرغ إلى درجة كبيرة لحسم مناطق المعارضة شمالاً وذلك بعدما نجح مؤخراً في اختراق درعا جنوباً بالهجمات العسكرية والاتفاق الروسي الأخير وهو ما منح النظام مساحة لتركيز جهوده في المرحلة المقبلة على هدف واحد وهو إنهاء مناطق سيطرة المعارضة والجيش التركي في الشمال.

ومن جانب آخر، يرى النظام السوري في بدايات العودة إلى النظام العربي الرسمي مجدداً فرصة للتصعيد ضد تركيا وهو ما يعتقد أنه سيزيد أسهمه في الجامعة العربية في ظل تركيز العديد من الدول العربية على قضية “التدخلات التركية” في الدول العربية ورغبة العديد من الدول العربية في استخدام النظام السوري لمهاجمة تركيا، وهي فرصة سانحة يرى النظام أنها ستمنحه أسهماً وربما تسرع في إقبال الدول العربية على إعادة التطبيع مع النظام وإعادته إلى جامعة الدول العربية، لا سيما عقب الزيارة الأخيرة لوزير دفاع النظام إلى الأردن لأول مرة منذ 10 سنوات والاجتماعات العربية مع النظام السوري التي جاءت تحت بند إيصال الغاز والكهرباء للبنان.

وفي سياق غير مفهوم، الاثنين، خرج النظام السوري بتصريح على لسان مسؤول في وزارة الخارجية يقول إن “سوريا تحتفظ بحقها الذي يكفله الدستور والقانون السوري، في الرد على الممارسات العدائية التركية ووضع حد لها”، مضيفاً: “تحمل سوريا النظام التركي كامل المسؤوليات القانونية والسياسية والمالية التي تفرضها مبادئ القانون الدولي ذات الصلة.. سوريا تدين الممارسات التركية العدائية وانتهاكاتها لأراضيها وتعتبرها عملا عدوانيا وخرقا لسيادتها واستقلالها وجزءا من السياسات العدوانية التي ينتهجها النظام التركي منذ أكثر من عشر سنوات”.

وخلال استقباله الأسد في موسكو قبل أيام، قال بوتين: “بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90٪ من أراضي البلاد”، مضيفا أنه “للأسف، لا تزال هناك جيوب مقاومة للإرهابيين الذين لا يسيطرون فقط على جزء من الأراضي، بل ويواصلون ترهيب المدنيين أيضا”.

وأضاف بوتين: “المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية”.

من جهته، قال الأسد إن “لبعض الدول تأثيرا مدمرا على سير العملية السياسية في سوريا”، وأضاف: “مضى على العملية المشتركة لمكافحة الإرهاب حوالي 6 سنوات، حقق خلالها الجيشان العربي السوري والروسي، إنجازات كبيرة، ليس فقط من خلال تحرير الأراضي أو من خلال إعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، وإنما أيضا من خلال حماية مواطنين أبرياء كثر في هذا العالم، لأن الإرهاب لا يعرف حدودا سياسية، ولا يقبل بالحدود السياسية”، وتابع بالقول: “كما تعلمون هناك عوائق لأن هناك دولا تدعم الإرهابيين، وليس لها مصلحة في أن تستمر هذه العملية بالاتجاه الذي يحقق الاستقرار في سوريا”.

هذا الخطاب الموحد والذي ركز على فكرة “محاربة الإرهاب” و”القوات الأجنبية” فهم منه أنه خطاب موجه إلى تركيا بشكل مباشر رغم عدم ذكرها بشكل علني، وما يزيد من أهمية هذه التصريحات أنها تأتي في إطار زيارة للأسد إلى موسكو وهي الزيارة التي لا تجري في سياق طبيعي وإنما ما يسميه السوريون “استدعاء” روسيا للنظام من أجل الانتقال لمرحلة جديدة من المسار العسكري والسياسي في البلاد، وفي ظل الشلل الذي يصيب المسار السياسي فإن الخشية تتزايد من مسار عسكري جديد وقريب.

ورغم الخلافات التركية الروسية الظاهرة في الملف السوري، فإن كثيرين يعولون على القمة المرتقبة بين أردوغان وبوتين في موسكو من أجل منع حصول مواجهة عسكرية جديدة وذلك عبر التوصل إلى اتفاق جديد أو آليات عملية تمنع أو تؤجل بالحد الأدنى تفجر الأوضاع العسكرية ولو لعدة أشهر جديدة، حيث أكد الكرملين في بيان له، الاثنين، أن أردوغان وبوتين سوف يبحثان بدرجة أساسية الملف السوري.

القدس العربي

—————————–

تعويم الأسد.. المهمة الشاقة أمام روسيا/ رانيا مصطفى

تعوّل موسكو، في القمة الثلاثية المرتقبة بعد أيام في سوتشي ضمن تحالف أستانة، على حصول توافقات مع الجانب التركي في الملف السوري؛ وعلى ذلك هي بدأت حملة عسكرية في إدلب، للضغط على أردوغان، وتحصيل تفاهم يخصُّ منطقة “خفض التصعيد” في الشمال الغربي، وتسوية وضعها، ضمن محاولات روسيا لفرض سياسة الأمر الواقع، عبر توافقات ثنائية، أو بمشاركة دول الجوار، للمناطق غير المحسومة، على غرار ما أنجزته في جنوب غربي سوريا.

حيث اقتضى الاتفاق بمشاركة الأردن، وإسرائيل، عودة سيطرة النظام على درعا البلد والبلدات المحيطة، وإبعاد المليشيات الإيرانية والفرق العسكرية المقربة منها، وبالتالي فتح الحدود مع الأردن أمام الحركة التجارية، وكيفية تأمين العبور وحمايته من الإرهاب وتجارة المخدرات ونشاط المليشيات الشيعية، وهو ما تم التنسيق له في لقاء وزيري الدفاع السوري والأردني مؤخراً في عمان.

في شمال غربي سوريا، تريد روسيا تنفيذ بنود اتفاق موسكو في 5 آذار 2020، وخاصة الجانب المتعلق بفتح الطريق الدولي إم 4 أمام الحركة التجارية، وتأمينه، بإبعاد الفصائل المعارضة إلى شمال الطريق، وحصرها في جيب على الحدود مع تركيا؛ وهي بالتالي غير مهتمة، في المرحلة الحالية، باستعادة سيطرة النظام على شمالي سوريا على غرار ما حصل في الجنوب، لأن ذلك يعني فتح حرب شاملة ستتسبب في موجة لجوء جديدة، وستطيح بالتوافقات الأخيرة مع واشنطن حول تمديد عمل آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، وستُغضب الأتراك والأوروبيين. موسكو مهتمة في المرحلة الحالية بتسوية ثنائية مع تركيا لإقرار واقع جديد مقبول، تحمله معها في أية مفاوضات جديدة مع الجانب الأميركي.

تحاول موسكو استغلال طيب العلاقة مع واشنطن، منذ لقاء الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف في تموز الماضي، والتي أثمرت عن القرار الدولي الخاص بتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى مع تركيا، والسماح بدخولها عبر دمشق، وأن يتولى النظام توصيلها إلى المناطق الخارجة عن سيطرته عبر المعابر على خطوط التماس.

وتلا ذلك، الموافقة الأميركية على اتفاق الجنوب الأخير، وعلى دراسة مسألة التخفيف من عقوبات قانون قيصر على النظام السوري وعلى من يدعمه، من أجل تمرير مشروعات نقل الطاقة (الغاز المصري والكهرباء الأردني) عبر الأردن وسوريا، إلى لبنان، لإنقاذها من انهيار اقتصادي محتمل.

في هذا السياق، أكدت تصريحات المرشحة لمنصب مساعد وزير الخارجية، باربرا ليف، حول الانفتاح الأميركي على رفع بعض العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، عن نظام الأسد، لتسهيل مرور الغاز إلى لبنان عبر سوريا, وأن هذا الحل تتعاون فيه الأردن ومصر، ويدعمه البنك الدولي، باعتبار أن هذه الخطة تقدم حلاً معقولاً “قصير الأمد” لما يبدو أنه “مشكلة ضخمة ومرعبة في لبنان”. وفي حزيران الماضي، بدأت بالفعل إدارة بايدن رفع العقوبات عن عدد من رجالات الأعمال المرتبطين بشبكة الأسد وإيران المالية.

تعمل موسكو على بناء شبكة علاقات قوية مع كل الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، لذلك هي تقوي علاقتها بإسرائيل، وتضغط على تركيا لانتزاع التفاهمات، وتستفيد من الخلاف الأوروبي الأميركي الجديد، خاصة أنه يضعف حلف الناتو، وتستغل الرغبة الأميركية في الانسحاب من المنطقة، رغم انزعاجها من التمركز الأميركي في المحيط الهادئ، ومخاوفها من تداعيات الحدث الأفغاني، وما زالت متمسكة بالحليف الإيراني، رغم تضايقها من دوره في دفع النظام لتعطيل كل التوافقات والخطط التي تعمل عليها روسيا، ولا تشارك فيها إيران.

لذلك استدعى بوتين بشار الأسد، إلى موسكو، في زيارته الثانية، لدفعه إلى الانفتاح على تركيا، وعلى المعارضة، على الأقل تلك المدعومة من موسكو، ولتسهيل عودة اللاجئين، وعدم تعطيل عمل اللجنة الدستورية وجولات المفاوضات.

مشكلة روسيا مع النظام؛ ارتباطه اللصيق بإيران، والأخيرة تعمل دوماً على تعطيل التوافقات، وإبقاء المنطقة في حالة توتر، لأن أي اقتراب من الحل السياسي، سيعني خروجها من سوريا، وسيعطل مشروعها التوسعي.

لذلك ليس من السهل على روسيا إجبار النظام على التقيد كلياً بأجنداتها، بوجود إيران، رغم أن اتفاق درعا الأخير أظهر قدرة موسكو على إجبار النظام على تنفيذ الاتفاق، وقد يعود ذلك إلى مصلحة اقتصادية لدمشق، وطمعاً في تعويمه (النظام السوري) عربياً، بدءاً بفتح العلاقات مع الأردن.

في حين أن طهران باتت جزءاً من تحالفٍ صيني- روسي- إيراني يعمل على أخذ دور في المنطقة، الأمر الذي يدفع روسيا للتمسك بإيران، وعدم فتح المجال الجوي فوق سوريا، على نطاق واسع، أمام الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف التواجد الإيراني في سوريا، وهذا الموضوع كان هدف زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد إلى موسكو.

لا تريد واشنطن لأي تحالفات تضم الصين أن تقوى، لذلك يحتاج خروجها من العراق إلى ترتيبات كبيرة، في حين أن الانسحاب من سوريا ما زال بعيداً، وتصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة حول عدم قدرة قوات سوريا الديمقراطية على محاربة الإرهاب وحدها، دون دعم أميركي، تؤكد ذلك. هذا يشكل عقبة كبيرة أمام رغبة روسيا في السيطرة على شرق الفرات، والاستفادة من مخازن الطاقة فيه.

تريد روسيا، في المرحلة الحالية، انفتاح النظام على دول الجوار، وتخفيف العقوبات على النظام من أجل بدء استثماراتها في المنطقة، على الأقل في الجانب الإنساني، ضمن خطة “الإنعاش المبكر” التي قدمها بايدن في لقائه مع بوتين في جنيف، وأن تستغل موسكو هذا الانفتاح الدولي والإقليمي من أجل تعويم النظام.

وفي المدى الأبعد، تريد موسكو أن تأخذ دوراً في المنطقة، يتناسب مع نظرتها إلى نفسها كدولة عظمى، وأن يبدأ هذا الدور بحسم الملف السوري، بحلٍ يحفظ مصالحها، ويلتف على القرارات الدولية وخاصة ما يتعلق بالانتقال السياسي.

لا توافق واشنطن على تعويم النظام السوري، لكن تساهلاتها حول مسألة العقوبات تأتي في إطار تحقيق بعض الدعم الإنساني، ضمن ملف شديد التداخلات والتعقيدات، كحل إسعافي مؤقت، في ظل استعصاء الحل السياسي، وإصرار روسيا في دعمها للنظام، باعتباره، سلطة شرعية، أعطت مشروعية لتدخلها وقواعدها العسكرية في سوريا.

الحل نت

—————————

سورية .. ترتيبات المرحلة المقبلة/ مروان قبلان

فيما يشتدّ تفشّي وباء كورونا في مناطق شمال غرب سورية، تتجه الأنظار إلى القمة الروسية – التركية التي تعقد في سوتشي، في وقت لاحق من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، على وقع تصعيد روسي يهدف إلى فرض وقائع جديدة في المنطقة الأخيرة من مناطق ما يسمّى “خفض التصعيد”. إذ تعمد موسكو، بعد أن أحكمت قبضتها على مناطق الداخل، إلى وضع ترتيبات خاصة بالمناطق الطرفية (الحدودية) التي تقع خارج سيطرتها، في إطار تفاهمات ثنائية أو متعدّدة الأطراف مع دول الجوار. في جنوب غرب البلاد، تمكّنت موسكو، بالتنسيق مع الأردن (وإسرائيل)، من إنهاء العمل باتفاق 2018، وإعادة المنطقة إلى سيطرة النظام، تمهيداً لإعادة فتح الحدود كلياً مع الأردن والاستعداد لتنفيذ اتفاق نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سورية، والذي أجازته الولايات المتحدة.

وما إن أنهت موسكو ترتيب الأوضاع في جنوب غرب البلاد، حتى انتقل تركيزها إلى الشمال الذي تحكمه معادلات قوة مختلفة، والمرشّح لتطورات مهمة في المدى المنظور. في الشمال الغربي، تسعى روسيا الى إلزام تركيا بفتح الطريق الدولي “إم 4” الذي يربط بين حلب واللاذقية، بموجب اتفاق الخامس من مارس/ آذار 2020، ودفع قوات المعارضة إلى شمال الطريق. وتحاول روسيا هنا على ما يبدو تكرار سيناريو السيطرة على طريق “إم 5” الرابط بين حماة وحلب، مطلع عام 2020، إذا فشلت قمة سوتشي في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن. تبدو أهداف روسيا في هذه المرحلة محدودة، فهي على الأرجح لن تغامر بمعركةٍ شاملةٍ في إدلب تكون مكلفة سياسياً وعسكرياً، تضعها في مواجهةٍ مباشرة مع تركيا، كما حصل مطلع عام 2020، وتقوض الحوار الروسي – الأميركي الذي نجح في شهر يوليو/ تموز الماضي، بعد قمة بوتين – بايدن في جنيف، في الاتفاق على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى، كما أن حملة كبيرة في إدلب ستعرض العلاقات الروسية – الأوروبية لمزيد من التدهور، إذا حصلت موجة لجوء جديدة، فيما يصارع الجميع لاحتواء وباء كورونا. خلاف ذلك لا تريد روسيا، على ما يبدو، ولا هي مستعدّة، أقله الآن، لتحمل مسؤولية نحو أربعة ملايين سوري يعيشون في مناطق الشمال الغربي، فيما يمكن إبقاء العبء ملقىً على كاهل الأتراك والأمم المتحدة.

في الشمال الشرقي، تبدو الترتيبات أعقد قليلاً بالنسبة إلى الروس، بسبب وجود “جار” إضافي كبير، هو الولايات المتحدة، إلى جانب تركيا طبعاً. وفيما تتفق روسيا وتركيا في رغبتهما فدفع الولايات المتحدة للخروج من المنطقة، روسيا لأنها تريد عودة النظام ووضع يدها على ثروات المنطقة (نفط – غاز – قمح – قطن… إلخ)، حيث تسعى تركيا إلى القضاء على مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعدّها فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل الانفصال في تركيا، فإنهما تختلفان على كل شيء آخر تقريباً. بالمثل، تختلف “قسد” والمعارضة السورية جوهرياً في الرؤى والمواقف، إلا أنهما تتمسّكان ببقاء الأميركيين في المنطقة.

وعلى الرغم من غياب ضغوط داخلية أو على الأرض، كما في أفغانستان، لسحب نحو 900 جندي أميركي من شرق سورية، إلا أن هذا الاحتمال لا يمكن شطبه نهائياً، في ظل توجه واشنطن إلى التركيز كلياً تقريباً على الصين. إذا حصل هذا، من غير الواضح الطرف الذي سيعمد الأميركيون إلى التنسيق معه لملء الفراغ، وتولي مهمة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشرق السوري: “الحليف” التركي الذي سيبطش بالأكراد، وقد كانوا ذراع واشنطن في محاربة “داعش”، ولهم أصدقاء كثر في إدارة بايدن، أم “الخصم” الروسي الذي يمكن لواشنطن أن تضمن معه للأكراد نوعاً ما من لامركزية إدارية في مناطقهم. هذه الهواجس هي ما دعت قيادة مجلس سورية الديموقراطية (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، والتنظيم الكردي الأبرز في مناطق شرق الفرات، إلى زيارة موسكو وفتح الأبواب معها، استباقاً لأي تطورات محتملة بهذا الاتجاه، بدل الاستمرار في الرهان على وفاء “الحليف” الأميركي، وانتظار اتضاح مصيرها في بازار المفاوضات الثلاثية الجارية بين موسكو وواشنطن وأنقرة، كما تفعل المعارضة السورية القابعة في إسطنبول، وغيرها، بانتظار معجزةٍ تنقذها من مصيرٍ يبدو، وفق أدائها، بائساً محتوماً.

العربي الجديد

——————————–

=====================

تحديث 23 أيلول 2021

————————

بوتين وسنواته الست كحاكم انتداب لسوريا/ رياض معسعس

في زيارة غير معلنة في الثالث عشر من هذا الشهر، التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد بنظيره الروسي فلاديمير، ولم يرشح عن أسباب هذه الزيارة، ولا عن فحوى المحادثات بينهما، إذ لم يعقدا مؤتمرا صحافيا، ولم يصرحا عن شيء سوى بعض المجاملات “اللطيفة”: قال الأسد لنظيره: “حقق الجيشان السوري والروسي إنجازات كبيرة ليس فقط من خلال تحرير الأراضي أو من خلال إعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم ولكن أيضا من خلال حماية مواطنين أبرياء كثر في هذا العالم”. ليرد عليه بوتين في مجاملة أقرب إلى السخرية إذ هنأه بفوزه في الانتخابات التي حصد فيها أكثر من 95 في المئة من الأصوات:

“هذه النتيجة تأكد أن الشعب يثق بك ورغم صعوبات السنوات الماضية والمآسي التي شهدتها تلك السنوات، فإن الناس لا تزال تربط عمليتي التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية، بك”

ورسم بشار الأسد ابتسامة رضى على شفتيه لإخفاء الشعور بالسخرية منه من قبل راعيه وحاميه لأنه يدرك تماما أنها عارية عن الصحة وفيها استغفال للشعب السوري.

الرئيس الروسي أرجع سبب الأزمة في تواجد قوات أجنبية على الأرض السورية ويقصد القوات الإيرانية والأمريكية بشكل خاص، والتركية بشكل عام. وطلب من الأسد الانفتاح على المعارضة.

الزيارة الأولى

سنوات ست مضت على زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد السرية إلى موسكو في طائرة شحن ليطلب العون من حليف قديم ينقذ نظامه من السقوط ورأسه كما سقطت رؤوس قبله في دول عربية أخرى هبت عليها ريح الربيع العاتية. الزيارة جاءت بعد أن خاب أمله من حليفه الفارسي الذي استنجد به قبلا ولم يقو على صد المعارضة المسلحة، رغم كل الميليشيات المرتزقة التي جلبها من أفغانستان، وباكستان بشحذ طائفي (حسب تسمياتها فاطميون، زينبيون، أبو فضل العباس)، بالإضافة إلى الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، وببعض ميليشيات طائفية عراقية “كعصائب الحق” وسواها التي منيت جميعها بهزائم كبيرة وبخسارات بشرية فادحة.

شروط بوتين

خلال هذه الزيارة وضع بوتين شروطه: توسيع القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، بناء قواعد عسكرية برية، أكبرها قاعدة حميميم الجوية والتعاقد مع النظام السوري لاستمرارها على الأراضي السورية لنصف قرن مقبل، جلب مرتزقة ” فاغنر” لتضاف إلى الميليشيات الطائفية الأخرى التي ترتكب أبشع المجازر بالشعب السوري، إعطاء الضوء الأخضر للجيش الروسي باستخدام كل أسلحته وتجربتها في قصف السوريين، ( القصف الروسي قتل آلاف المدنيين منهم مئات الأطفال، ونجم عنه تدمير منشآت طبيه ومدارس وأبنية سكنية) توكيل روسيا بأي مفاوضات تتعلق بسوريا خارجيا، ووضع خططها للقضاء على المعارضة المسلحة داخليا بلغة الحيلة حينا (حيلة مناطق خفض التصعيد)، وبلغة الرصاص، والسوخوي أحيانا. (اعترف وزير الدفاع الروسي بتجريب مئتي سلاح جديد في سوريا) وبعدم التعرض للجيش الروسي من قبل السلطات والقوات السورية تحت أي ظرف.

هذه الشروط المجحفة بحق سوريا وسيادتها، وبحق الشعب السوري، قبلها رئيس النظام السوري برحابة صدر، وأثبتت السنوات الست الماضية أن بوتين يتصرف بسوريا كمقاطعة روسية، يهبط في قاعدة حميميم دون إعلام السلطات السورية ويستدعي رئيس النظام بمكالمة هاتفية.

ويكفي التذكير بزيارة بوتين إلى مطار حميميم أواخر 2017، وكيف تعمد الكرملين تسريب شريط فيديو مهين أظهر كيف قام حرس بوتين بمنع الأسد من مرافقته أثناء مراسم قام بها الجيش الروسي لتدشين القاعدة.

وموسكو وجدت في طلب إنقاذ نظام الأسد “بيضة ذهبية” لم تكن تتوقعها فهي تعود إلى الساحة الدولية عبر البوابة السورية، وتضمن تواجدا دائما في المياه الدافئة السورية، وتستفيد شركاتها من إعادة الإعمار، وترويج بيع أسلحتها.

إعادة تدوير النظام

حديث بشار الأسد عن الإنجازات والانتصارات التي حققها الجيشان السوري والروسي في “تحرير الأراضي وإعادة اللاجئين” تذكر بمقولة والده بعد هزيمته في حرب حزيران- يونيو 67 أن النظام البعثي انتصر في هذه الحرب على إسرائيل وتفسيره لهذا الانتصار الكبير هو أن هدف إسرائيل كان إسقاط نظام البعث في سوريا، وبما أنها أخفقت في مسعاها وصمد النظام للهزة العنيفة للهزيمة على الأرض وخسارة الجولان فإنه يعد هذا انتصارا لهذا النظام الصنديد.

واليوم يعتبر وريثه بشار أنه حقق انتصارا ما بعده انتصار رغم أن الواقع على الأرض يوازي انتدابا متعدد الجنسيات مع هيمنة سياسية وعسكرية ودبلوماسية روسية، مع فقدان أدنى مستوى من السيادة الوطنية السورية التي كانت تتميز بها فيما سبق. لكن الانتصار لم يكتمل بعد إلا بإعادة تدوير النظام وفتح قنوات الاتصال معه إقليميا ودوليا، وعلى دبلوماسية قيصر روسيا لعب هذا الدور الذي بدأه وزير الخارجية سيرغي لافروف مع بعض الأنظمة العربية، ورحب بها العاهل الأردني ودعا إليها في زيارته لواشنطن لعلها تزيل عقوبة “قيصرها” عن النظام السوري.

وتعززت العلاقات بزيارة وزير دفاع نظام الأسد إلى عمان وقد جرى خلال اللقاء “بحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين، والأوضاع في الجنوب السوري، ومكافحة الإرهاب والجهود المشتركة لمواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات.

وكانت عمان تقف مع الثورة سابقا. كما أثار محللون سياسيون سبب زيارة وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد إلى موسكو في الفترة نفسها وإثارة الأزمة السورية وتواجد القوات الإيرانية وحزب الله التي ترى فيها تهديدا لأمن إسرائيل. بمعنى آخر أن إسرائيل تطلب من الروس الضغط على النظام السوري للاستغناء عن الحليف الإيراني وميليشياته، وهذا قرار صعب التحقيق فإيران نشرت ميليشياتها في كل مكان، واستثمرت في النظام مبالغ ضخمة منذ اندلاع الثورة ولن تتخلى عنها بهذه السهولة وإلا تحولت عدوا محتملا ضد النظام. فأمام إرضاء قيصر موسكو، وإغضاب ولاية الفقيه هما أمران أحلاهما مر.

المصدر

القدس العربي

—————————

الأسد – لابيد في موسكو.. أي اختلاف؟/ نزار السهلي

حدثان بارزان قفزا إلى سدة الاهتمام في تل أبيب ودمشق، في الأيام الأخيرة، المحور بينهما موسكو، قصَدها أولًا وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، ثم بشار الأسد رئيس النظام السوري، الحدثان فيهما قراءات ليست جديدة للواقع العربي، وخصوصًا الموقف الروسي من دعم نظام الأسد، ومشاركته في عمليات قتل السوريين منذ التدخل العسكري الروسي المباشر على هذا الخط، في أيلول/ سبتمبر 2015، للعمل على تثبيت نظام الأسد، بعد تخلخل أركان حكمه إثر اندلاع الثورة السورية. السياسة الروسية في الملفّ السوري والمنطقة العربية شكّلت قفزة نوعية في سنوات الربيع العربي، لتكريس دعم الدكتاتوريات والطغاة، وما كان يدور همسًا أو في غرف مغلقة، عن متانة العلاقة والتحالف الروسي الإسرائيلي، أصبح برنامج عمل مشتركًا للكرملين وتل أبيب ونظام الأسد، وضرورة ملحّة في كل حال.

لم تتعدد الرؤى والتحليلات الروسية الإسرائيلية في الملفّ السوري، المناقشات والطروحات التي يجريها المسؤولون الإسرائيليون في موسكو مع نظرائهم تمخض عنها “أولوية روسية لأمن إسرائيل في التسوية السورية، بحسب تصريحات لافروف مع يائير لابيد في موسكو، وأن هضبة الجولان المحتلة ليست للنقاش، وسورية مع حكم الأسد للسنوات السبع القادمة لن تكون منطلقًا لأي هجمات على إسرائيل، باستمرار التنسيق المشترك بين تل أبيب وموسكو في سورية”. هذه المواقف ليست حديثة، إنما إفراز طبيعي لجهود الحكومة الاسرائيلية السابقة بزعامة بنيامين نتنياهو، مع فلاديمير بوتين، وبوضوح ودقة أكثر، لعبت موسكو الدور المحوري لثبيت مصالح إسرائيل في سورية، من خلال تثبيت نظام الأسد وتمكينه من السيطرة على الأرض، بعد محاربة العدو المشترك (الإرهاب) للتحالف الثلاثي في موسكو وتل أبيب ودمشق، وإضفاء بعض الشرعية على كل عدوان تقوم به إسرائيل على الأراضي السورية، ما دام أنه لا يستهدف النظام وأدواته الباطشة بالشعب السوري على الأرض.

ما حبلت به السنوات العشر الماضية، من السياسة الروسية في سورية، أنجب “إعجابًا” لافتًا من بعض النخب العربية التي تدور في فلك نظام الأسد. وما استتبعته هذه السياسة، من كوارث على ملف الثورات العربية، وعلى ملف القضية الفلسطينية، أدى إلى تعريضهما لمخاطر حقيقية وفرز للتيارات والاتجاهات المتعددة، الأمر الذي أدى غالبًا إلى تدمير البروباغندا الروسية، كقطب يشكل ندًا للسياسة الأميركية والغربية. تفوقت موسكو بالعمل بنسخ “إمبريالية” تختلف عن الأميركية بغلاظتها السياسية، وتتطابق معها في وحشيتها وقمعها، إن كان بالتدخل العسكري المباشر بتشكيل العصابات والمرتزقة، أو بعلاوة استخدام حق النقض ضد القرارات الدولية التي كان من شأنها حماية أرواح ملايين السوريين. لكن التخويف الروسي المستمر من الديمقراطية ومن بدائل الطاغية، وتكالب التآمر على الشعب السوري، وإيغال الآلة العسكرية الروسية بسورية، ثبّت كثيرًا من البديهيات عن السياسة الروسية.

وكي نخرج من العموميات إلى قليل من التفصيل، نقول: الخطوات الروسية على الأرض في سورية وُضعت على أساس نصائح مشتركة، بين تل أبيب وموسكو، وتشير كلها إلى محاولة تدجين الشعب السوري للسير خلف خاطف حياتهم ومستقبلهم، بعد بلوغ موسكو تثبيت هدف احتلالها على الأرض، ولم يكن الوصول إلى مثل هذه السياسة والممارسة العملية للنظام على الأرض من دون المسؤولية “التضامنية”، بين موسكو وتل أبيب، كما لفت وزير الخارجية الروسي لافروف لنظيره الإسرائيلي لابيد “إلى أن العسكريين الروس والإسرائيليين يبحثون بشكل يومي المسائل الفنية المتعلقة بهذا الموضوع”.

التشويه المتعمّد الذي مارسته موسكو، لحرية وكرامة الشعب السوري، من خلال القمع والإرهاب والقتل والتدمير الذي شاركت ودعمت فيه نظام الأسد، حصدته إسرائيل، وما يلفت الانتباه وعناء البحث والدراسة والتحليل هو غياب السياسة الروسية عن ملفّ القضية الفلسطينية، الذي يدّعي محور الأسد وممانعته تبرير البطش بالشعب السوري لأجلها، وتتأكد هذه الدلالات، عندما نلقي نظرة على سلسلة المواقف التي تفجرت مع الثورة السورية، بغلاظتها السياسية وعنجهيتها العسكرية، لحماية نظام الأسد، وتختفي تمامًا عند كل محطات العدوان الإسرائيلي في فلسطين، بينما مخالبها تكبر على جسد الجغرافيا السورية.

على العكس تمامًا، تظهر السياسة الروسية نحو تل أبيب تحالفًا متينًا، ينبع من الإيمان المشترك بعقيدة هزيمة حرية الشعوب. وبخلاف التعاطي الروسي مع نظام بشار الأسد، كتابع لإدارة الاحتلال الروسي في الكرملين، ظهر وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي لابيد، كما زيارات نظرائه في الحكومات السابقة، وهو يحظى بحفاوة التبجيل والوعود والدعم، وبدا الأسد في موسكو، كما زياراته الثلاث، ذليلًا مسلوب الإرادة والسيادة، في تكراره عبارات الثناء على محتلّ روسي شاركه في تدمير أرضه وتشريد شعبه، وحالة الانتشاء بمديح الدكتاتور الروسي للسوري بإنجازه نصرًا انتخابيًا وعسكريًا تصحّ تسميتها “قمة المهزلة”.

من هنا، فإن الحضور الدبلوماسي الإسرائيلي في موسكو والعكس هو تعبير عن عمق تغلغل المصالح المشتركة الذي توجته عديد الاتفاقات على قاعدة صلبة، تضمن ديمومة المحتل، وفي حضور الأسد الدبلوماسي بموسكو عنوان لصورة مقززة نافرة عن التبعية والوصاية، لكن لا اختلاف في أن المظلة الروسية باقية لتحمي الاحتلال والوكيل في دمشق.

مركز حرمون

————————-

مقلوبة” سوريّة في المطبخ الروسيّ/ د. سمير صالحة

“المقلوبة” هي من الأكلات الدسمة في العالم العربي وتركيا. ومن بين لوازم الطبخة هناك اللحم أو الدجاج، والأرزّ، وكميّات لا بأس بها من الخضار والمكسّرات الفاخرة. خصوصيّة الأكلة هي رصّ صفوف المعايير والمقادير وطريقة الإعداد. لكنّ التفنّن هو في المحافظة على شكل وعاء الطبخ بعد قلب الأكلة في “السدر” أو الصينيّة إلى جانب السَلَطة واللبن.

في تركيا تراجع أكلها بشكل ملحوظ في السنوات الخمس الأخيرة لأنّها كانت تُعتبر أكلة جماعة فتح الله غولن المفضّلة، التي كان طلاب وكوادر “الكيان الموازي” يلتفّون حولها قبل مناقشة قراراتهم وخياراتهم السياسية داخل تركيا وخارجها. ومن المحتمل أن يكون قرار المحاولة الانقلابية الفاشلة قد اُتُّخذ على مائدة من هذا النوع.

إنّها مسألة فيها الكثير من التشابكات والتعقيدات، وتحتاج إلى صفقات إقليمية وتفاهمات أميركية روسية لم تحصل بعد، على مسار المرحلة الانتقالية ومعالمها الجديدة في سوريا

أثارت خيبة الأمل الأميركية في أفغانستان شهيّة روسيا في السيطرة على كامل الأراضي السورية عبر التحرّك على كلّ الجبهات لتسهيل هيمنة حليفها بشار الأسد على الجنوب والشمال السوريّيْن، المنطقتين الأكثر سخونة بسبب النفوذ التركي والإسرائيلي على الجبهتين. هي تريد تجهيز وجبة طعام تفاجىء بها الجميع وتعدّها على طريقتها ما دامت هي اللاعب الميداني الأقوى على الأرض والممسك بالكثير من خيوط اللعبة السورية منذ عقود.

ومن بين أهداف موسكو غير المعلنة في سوريا:

1 – إقناع واشنطن بتغيير سياستها السورية، والتنسيق معها في ملفّ أكراد سوريا في إطار ضمانات ومقايضات متبادلة، بينها موضوع الفدرالية السورية، حلم “قسد” المدعوم أميركيّاً وروسيّاً.

2 – تسهيل بسط النظام لنفوذه في الشمال السوري بعد إنجاز عملية درعا ووضع الجولان في إطار ضمانات قُدِّمت لتل أبيب بأنّ الستاتيكو القائم هناك لن يتغيّر من دون اتفاقية سلام سورية إسرائيلية تعطي واشنطن وموسكو الضوء الأخضر بعقدها.

3 – إقناع المجموعة العربية بفوائد عودة النظام إلى الحضن العربي لأنّه سيعيد هذه المجموعة إلى بقعة جغرافية تراجع فيها نفوذها منذ سنوات أمام التمدّد التركي والإيراني.

4 – الاستعداد لبحث العملية الانتقالية السياسية في سوريا خارج كلّ المنابر الإقليمية والدولية التي وصلت إلى طريق مسدود.

5 – طمأنة أنقرة وطهران إلى أنّ حصّتهما محميّة في سوريا أمنيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً.

فهل من المعقول أن تأخذ إدارة الكرملين كلّ ما تريده في سوريا وهي تعرف أنّ المسألة مرتبطة بأكثر من ملفّ سياسي وأمني واستراتيجي يشمل الجغرافيا الشاميّة بأوسع دوائرها، حيث تتقاطع المصالح السورية واللبنانية والأردنية والعراقية والإسرائيلية والتركية والإيرانية؟

تريد قوات سوريا الديموقراطية من واشنطن أن تكون قد استفادت من الدرس الأفغاني لتطبّق ما تعلّمته في سوريا عبر التمسّك بالورقة الكردية هناك حتى النهاية، ولموازنة النفوذ الروسي والتركي والإيراني. لكنّ قيادات “قسد” تعرف أيضاً أنّ الثقة بفريق عمل بايدن لن تكفيها، فهي أيضاً تعلّمت الدرس قبل 4 أعوام عندما تخلّت إدارة ترامب خلال ساعات عن الحليف الكردي في شمال العراق الذي تحرّك لإجراء استفتاء شكليّ والاستعداد لقرار الانفصال عن بغداد.

قسد والضوء الأخضر

أشعلت “قسد” في الآونة الأخيرة الضوء الأخضر أمام النظام في دمشق. يقول النظام أيضاً إنّه لن يعاملها كما عامل الآخرين في إدلب حتى لو نسيت أميركا مئات الأطنان من السلاح الثقيل في القامشلي والحسكة ودير الزور، وحتى لو سقط حلم الكيان الكردي المستقلّ في شمال سوريا.

موسكو ستفاوض أنقرة وطهران وتل أبيب على تسوية سياسية في سوريا تضع الجميع أمام تفاهمات الحدّ الأدنى، وهي ستكون بذلك قد قدّمت خدمة لواشنطن بمساعدتها على التحرّر من التزامات وأعباء فشلت في تنفيذها هناك. التنافس اليوم هو بين أنقرة و”قسد” والنظام وبعض العواصم العربية وطهران وتل أبيب على مَن يقترب أكثر من موسكو ويكسب دعمها في سوريا.

إذا ما تعثّر فعلاً تنظيم لقاء قمّة أميركي تركي في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة، فالردّ التركي سيكون بعد أسبوع من روسيا مباشرة خلال اللقاء المرتقب بين الرئيسين إردوغان وبوتين. السيناريو الذي يتقدّم على غيره بالنسبة إلى تركيا في الملفّ السوري هو أن تتنازل واشنطن لموسكو بدل التنازل لأنقرة في شرق الفرات لأنّ روسيا هي اللاعب الأقوى على الأرض والأوفر حظّاً للتفاهم معها في الملفّ السوري. أما زيارة إردوغان المرتقبة إلى روسيا فهي لفتح الطريق أمام تفاهمات سياسية جديدة في مسار الملفّ السوري، لكنّ موسكو تعرف أنّ فرصها وأوراقها ستكون أقوى بسبب الموقف الأميركي المتراجع في سوريا.

هناك ما/مَن أقنع إدارة بايدن بإمكانية الاعتماد على موسكو في إدارة عملية تغيير سياسي حقيقية داخل نظام الأسد تسهم في تغيير سلوكه تجاه بلدان الجوار. وحلقة من عملية التغيير هذه ستكون متعلّقة بتقليص النفوذ الإيراني على الأراضي السورية مقابل دعم روسي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، ومراجعة موسكو لمسار علاقاتها مع إيران وتركيا في المنطقة.

وخطوة عرقلة واشنطن للقاء قمّة تركي أميركي لا يمكن فصله عن الحوار الأميركي الروسي القائم بعيداً عن الأضواء حول سوريا ومصير “قسد”، والعرض الروسي الأخير المقدّم للإدارة الأميركية حول ضمانات متعدّدة الجوانب تحمي حصّة واشنطن. أما الكارثة في اللعبة السياسية الجديدة اليوم فهي أن تكون إدارة بايدن تسعى إلى دعم موسكو خلال لقاء القمة الروسي التركي المرتقب.

يرتبط قرار واشنطن بإطلاق يد موسكو في سوريا بعد سنوات من العداء والتباعد، ارتباطاً مباشراً بتفسيرها للتغيّرات الجيوسياسية على نطاق إقليمي، وفشلها في مواجهة النفوذ والتمدّد الروسيّيْن، وخسارتها أوراق تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. إذ تريد واشنطن أن تبقى في سوريا والعراق ولبنان ليس من خلال خوض المواجهات مع موسكو، بل من خلال التفاهم معها على حماية مصالحها عبر تقاسم النفوذ في هذه الملفّات. وقد أدركت أنقرة أيضاً أنّ فتح صفحة جديدة تُنهي علاقتها المضطربة مع العديد من العواصم، مثل دمشق وبغداد وتل أبيب وأثينا، يحتاج إلى الدعم الروسي وليس إلى الاصطفاف وراء واشنطن التي كان آخر ما قاله وزير خارجيّتها للأتراك هو الحليف المفترض.

أثارت خيبة الأمل الأميركية في أفغانستان شهيّة روسيا في السيطرة على كامل الأراضي السورية عبر التحرّك على كلّ الجبهات لتسهيل هيمنة حليفها بشار الأسد على الجنوب والشمال السوريّيْن، المنطقتين الأكثر سخونة

أردوغان وبوتين في سوتشي

سيوجِّه إردوغان رسائله إلى البيت الأبيض من سوتشي الروسية بعد اجتماعه ببوتين، وفي مقدّمها أنّ فتحة المقصّ بين أنقرة وموسكو في سوريا لا يمكن أن تتّسع لأنّ مصالحهما الثنائية والإقليمية تتطلّب ذلك. الشمال السوري يميل أكثر نحو تفاهمات تركية روسية بموافقة أميركية مشروطة بدلاً من تفجير الوضع مجدّداً هناك. ستأخذ موسكو على عاتقها ضمانات إبعاد خطر المشروع الكرديّ الانفصالي على حدود تركيا الجنوبية، وطمأنة أنقرة في موضوع قوى المعارضة السورية المحسوبة عليها مقابل تليين تركيا لموقفها في مطلب المنطقة الآمنة، والمساعدة على حسم مسألة الجهاديين في إدلب.

بدأت مسألة أخرى تتوضّح معالمها في الآونة الأخيرة حول أهداف الحوار الأردني العسكري الأمني والاقتصادي مع النظام في دمشق بعد الزيارة التي قام بها الوفد العسكري السوري إلى عمّان، والتي سبقتها زيارة وزير النفط في حكومة الأسد بسام طعمة في الثامن من أيلول الجاري، حيث اتّفق مع وزراء الطاقة في الأردن ومصر ولبنان وسوريا على خريطة طريق لنقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا. علينا أن نتذكّر هنا اللقاء الأردني الروسي الذي تمّ في موسكو بين العاهل الأردني والرئيس الروسي، والذي سبقه لقاء قمّة أردني أميركي كان الملف السوري في مقدّم جدول أعماله. وقد توقّف الإعلام الأميركي عند خطّة أردنية عُرِضت على أكثر من لاعب إقليمي بهدف الاتفاق على خريطة طريق للحلّ في سوريا. نجحت عمّان، كما يبدو، في إقناع واشنطن بعدم التصعيد في مسائل نقل الكهرباء والنفط إلى لبنان عبر سوريا. فهل هدف عمّان النهائي هو إنقاذ بشار الأسد، وإعادة تلميع صورته وتعويمه عربياً ودولياً؟ أم إنقاذ الاقتصاد الأردني وحماية حدودها الشمالية مع سوريا، وهي تعرف لعبة التوازنات الحساسة في المنطقة؟ هل من الممكن القول إنّ أميركا اكتفت بشرط حماية مصالح الحليف المحلّي الكردي، وتنازلت عن بقيّة القضايا لروسيا لتتصرّف كما تشاء في الجغرافيا السورية في إطار صفقة إقليمية مع الكرملين؟

حتى لو كانت الإجابات على أسئلة المشهد السوري تأتي بشكل تدريجي ومبرمج وكأنّها استراتيجية تحرُّكٍ وخارطة طريق أعدّت لها موسكو بدقّة وصبر. وحتى لو كانت “المقلوبة” روسيّة هذه المرّة، حيث يحاول النظام في دمشق أن يقتنص الفرصة لتسجيل عملية اختراق جديدة في المشهد السوري نتيجة التخبّط الأميركي الغربي التركي والتفوّق الروسي المدعوم من إيران وبعض العواصم العربية، فإنّ حدود محاولة استقواء النظام في دمشق ببعض العواصم العربية، كما قرأنا في بيانات الجامعة العربية الأخيرة، هي مواجهة النفوذين التركي والإيراني في الساحة العربية، وليس فتح الطريق أمام بشار الأسد للعودة إلى الحضن العربي تحت مقولة “لا غالب أو مغلوب” أو “عفا الله عمّا سلف”.

إنّها مسألة فيها الكثير من التشابكات والتعقيدات، وتحتاج إلى صفقات إقليمية وتفاهمات أميركية روسية لم تحصل بعد، على مسار المرحلة الانتقالية ومعالمها الجديدة في سوريا.

*أكاديميّ وكاتب تركيّ، والعميد المؤسّس لكلّية القانون في جامعة غازي عنتاب، وأستاذ مادّتيْ القانون الدوليّ العامّ والعلاقات الدوليّة.

————————–

الأردن: لحوار روسي-أميركي حول سوريا

قال وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي إنه لا يمكن حل الأزمة من دون حوار أميركي-روسي، مشيراً إلى أن “روسيا تلعب دوراً رئيسياً في أي جهد لحل الأزمة، ودوراً مهماً في استقرار جنوب سوريا”.

ولفت الصفدي في مقابلة مع قناة الشرق الإخبارية، إلى أهمية وجود دور عربي جماعي لحل الأزمة السورية، داعياً إلى “حل سياسي في سوريا يحفظ وحدتها”، متابعاً: “الأردن يدفع جزءاً من استمرار الأزمة السورية”.

وقال: “سوريا دولة شقيقة ولا بد من التنسيق معها”، مشيراً إلى أن زيارة وزير الدفاع في حكومة النظام علي أيوب إلى الأردن الأحد، كان هدفها “التنسيق الأمني”، مضيفاً أن بلاده تنسق مع النظام في قطاعات إنتاجية عديدة وهذه العلاقة قائمة “على تعاون ضروري لا غنى عنه”.

وكان قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي التقى أيوب الأحد، وبحثا “ضمان أمن الحدود السورية الأردنية”، وفق بيان للجيش الأردني.

وذكر البيان أنه “تم خلال اللقاء بحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين، والأوضاع في الجنوب السوري، ومكافحة الإرهاب والجهود المشتركة لمواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات”. ولفت البيان إلى أن اللقاء جاء في “إطار الحرص المشترك على زيادة التنسيق في مجال أمن الحدود بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين”، مؤكداً على “استمرار التنسيق والتشاور المستقبلي إزاء مجمل القضايا المشتركة”.

وتأتي زيارة أيوب للأردن بعد 4 أسابيع على لقاء جمع ملك الأردن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، اقترح خلاله الأخير أهمية تطبيع علاقات الأردن مع النظام السوري.

وكان ملك الأردن عرض على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى واشنطن في تموز/يوليو، الانضمام إلى فريق عمل يسعى للاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا.

وقالت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية حينها إن تطبيق خريطة الملك يتطلب تعاون الولايات المتحدة وروسيا ورئيس النظام بشار الأسد، لافتةً إلى أن بايدن لم يعطِ الملك الأردني جواباً على عرضه، ولم يلتزم بهذا الاقتراح بعد.

————————–

تطابق أميركي ـ روسي.. وحدة أوروبا مهددة كما سوريا/ منير الربيع

في موازاة الخلاف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، يبرز تصريح لافت للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش حول المصالح الاستراتيجية المتطابقة لأميركا وروسيا في سوريا. إنه النموذج الأوضح عن ولادة مسار جديد في العلاقات الدولية والذي يمكن اعتباره قائماً على مبدأ مركب ومعقد بين القوى والدول وداخل التحالفات.

بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا صراع تاريخي مثقل بالحروب الساخنة والباردة، لكن الطرفين يلتقيان على مصلحة واحدة في سوريا، تفتيت الدولة السورية، أمن إسرائيل، حفظ مصالحهما الاستراتيجية التي تتقاطع، والسماح الأميركي بالسيطرة الروسية على الأراضي السورية والمرافئ والموانئ في إطار سياسة أميركية أوسع تتعلق بمواجهة الصين، وتقوم على مبدأ الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط لصالح الاهتمام في مناطق أخرى وتحديداً في المحيط الهادئ.

ويقود الانسحاب الأميركي من المنطقة إلى بروز أدوار أوسع لقوى إقليمية ذات المشاريع الواضحة، إسرائيل، إيران، تركيا، وفي ظل الانكفاء الخليجي عن التأثير ولعب دور مباشر في المنطقة، تسعى مصر والأردن بتنسيق مع واشنطن إلى التقدم نحو الملعب، والمدخل لذلك كان في اتفاقيات ثلاثية تجمع الدولتين مع العراق، وحالياً الدور الذي تلعبانه بما يتعلق بتطبيع العلاقات مع النظام السوري وإنجاز اتفاقيات إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية بموافقة أميركية.

إلى جانب هذا المسار، يستمر التقاطع الأميركي الروسي الإسرائيلي في سوريا، وهنا لا بد من تسجيل جملة نقاط، بعد أيام على عقد الإجتماع الرباعي في عمان، حطّ رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مصر للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي. على مقلب آخر حطّ بشار الأسد في زيارة عاجلة إلى موسكو بعد ساعات من زيارة أجراها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، ثمة قاسم مشترك بين الحركة الإسرائيلية، والحركة المصرية الروسية مع النظام السوري.

كل ذلك يقود إلى خلاصة واحدة وهي أن منطقة الشرق الأوسط كانت مسرحاً لاختبار العلاقات الدولية الجديدة وآلية إعادة تركيبها على قواعد جيوستراتيجية مختلفة عمّا كان عليه الوضع سابقاً. فكل التواطؤ الذي أقدمت عليه القوى الإقليمية والدولية لصالح الأميركيين والإسرائيليين على حساب سوريا وتفتيتها وتهجير أهلها، تعود -هذه القوى- إلى دفع أثمان باهظة، منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان، إلى الأزمة المستجدة بين أميركا وبريطانيا وأستراليا من جهة، وفرنسا من جهة أخرى.

من يطّلع على تصريحات مسؤولي هذه البلاد المختلفة بين بعضها البعض لا بد أن يستنتج حجم الأزمة القائمة والتي ستستمر. أن يصل الأمر بوزير خارجية فرنسا إلى اتهام أميركا بالكذب والطعن بالظهر، وأن يصل به الأمر إلى وصف بريطانيا بأنها انتهازية، فهو طور جديد في العلاقات بين هذه الدول لا بد له وأن يعيد إحياء النقاشات ونبش تاريخ العلاقات غير المكشوفة بين هذه الدول وتحديداً في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ إن التظهير السائد لتلك العلاقات كان قائماً على تركيز منطق التحالف في حين الحقيقة كانت مختلفة جذرياً، وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط كلها تعيش على إيقاع ما أرسته اتفاقية سايكس بيكو، والتي تتخذ عنواناً للتحالف المتين البريطاني الفرنسي، هي في واقع الحال، حقيقته مغايرة كلياً، ونتجت بعد صراعات عميقة ومديدة كان الأميركيون أصحاب الدور الأبرز فيها، مع فارق أن تلك الفترة شهدت التقاء فرنسياً أميركياً على ضرب بريطانيا، لأن الولايات المتحدة الأميركية كانت تريد إضعاف بريطانيا لصالح مشروعها التوسعي، وهو ما تجلى في النظام العالمي الذي أرسته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية.

ينشأ التحالف الجديد بين أميركا، بريطانيا، أستراليا لأهداف استراتيجية تتعلق بالصين ومحاولة تطويقها. لكنه تحالف قابل للانعكاس سلباً على أوروبا ووضعها الاتحادي، وهي أزمة عميقة تهدد الاتحاد كانت قد بدأت معالمها مع قرار بريكست البريطاني، وتنامت أكثر في أعقاب أزمة كورونا. ستنعكس  الأزمة الأميركية الفرنسية على التطورات في المنطقة، والتي تسير نحو مزيد من تكريس مبدأ “تصغير الكيانات”.

تلفزيون سوريا

————————————-

موسكو تدعو إسرائيل لإقناع واشنطن بلقاء ثلاثي حول سوريا

كشف موقع “أكسيوس” الأميركي أن روسيا تسعى إلى إجراء محادثات ثلاثية رفيعة المستوى بشأن سوريا مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ونقل الموقع عن مسؤوليَن إسرائيلييَن مطلعين قولهما إن موسكو طلبت من إسرائيل تشجيع واشنطن على الموافقة على إجراء محادثات ثلاثية رفيعة المستوى بشأن سوريا. وقال المسؤولان الإسرائيليان إنهما يؤيدان مبادرة لإجراء لقاء بين الدول ال3 على مستوى مستشاري الأمن القومي.

وأشار إلى أن “التركيز الرئيسي لإسرائيل في الملف السوري هو حول إخراج إيران من سوريا”، مضيفاً أن “الهدف الإسرائيلي لن يكون ممكناً إلا من خلال التعاون الأميركي-الروسي”.

وذكر الموقع أن البيت الأبيض نفى وجود “اجتماعات ثلاثية لاستعراضها”، ولفت إلى آخر مناقشة بين مستشاري الأمن القومي الأميركي والروسي والإسرائيلي حول الوضع في سوريا، التي حصلت خلال اجتماعهم في القدس المحتلة في حزيران/يونيو 2019، مشيراً إلى أن جون بولتون كان حينها يشغل منصب مستشار الأمن القومي الأميركي، لكنه أُقيل من منصبه بعد شهرين، ولم يُعقد اجتماع متابعة بعدها.

وأضاف أن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف كان قد أثار مسألة الاجتماع الثلاثي خلال لقائه نظيره الإسرئيلي يائير لبيد في موسكو في 9 أيلول/سبتمبر، كما ناقشها الجانب الروسي مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاتا. وتضمنت المحادثات بين روسيا وإسرائيل “الوضع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، والوجود الإيراني فيها”.

كما أشار الموقع إلى أن منسق البيت الأبيض للسياسة في الشرق الأوسط بريت ماكغورك عقد في أيلول/سبتمبر في جنيف، بطلب من الجانب الروسي، اجتماعاً مع نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف.

وقال إن الجانب الروسي أراد بحث الخطوات الخاصة بالتسوية السياسية في سوريا ومعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستوافق على منح إعفاءات من العقوبات على النظام السوري، للسماح بنقل النفط والغاز عبر أراضي سوريا إلى لبنان.

بدوره، تطرق ماكغورك، بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، إلى مسألة انسحاب القوات الإيرانية والفصائل الموالية لها من المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان المحتل.

ولفت موقع “أكسيوس” إلى أنه من المتوقع أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بزيارة إلى موسكو خلال الأسابيع المقبلة، لعقد أول لقاء له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

——————————

===================

تحديث 27 أيلول 2021

——————————–

ألوان روسية تركية في الخريطة السورية/ سميرة المسالمة

يحسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد غد الأربعاء، التوقعات المتناقضة عن لقائه بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. فبين متفائل بالدور التركي في حل الصراع في سورية لمصلحة المعارضة الموالية لهم في إدلب ومناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، ومن يرى أن العلاقات الروسية – التركية في تحسّن مستمر على حساب مصالح الثورة السورية، وأيضاً على حساب المعارضة بمختلف تبعياتها الإقليمية، بما فيها المتهمة بالتبعية المطلقة لحكومة أنقرة، حيث كسبت روسيا مختلف الجولات التفاوضية منذ بداية تدخّلها العسكري في سورية 2015 إلى جانب النظام السوري، وحتى آخر لقاء بين الزعيمين، ووضعت خلال اللقاءات خططا عملياتية مرحلية لاستعادة سيطرة النظام السوري على معظم الأراضي، بدءا من استعادة حلب 2016 وريف دمشق وقضم بعض القرى والمدن في إدلب لاحقاً، حتى فتح المعابر وتفعيل حركة المرور على الطرق الرئيسية M4 وM5L وصولاً إلى درعا وإطباق الحصار عليها.

واللافت في لقاءات القمة الثنائية بين الجانبين أنها تأتي في أعقاب توترات وعمليات عسكرية واسعة الأهداف المعلنة، ثم تنتهي بعد عشرات الضحايا السوريين ببيانات مشتركة روسية – تركية، ثم يحقّق من خلال ذلك النظام السوري الذي تدعم عملياته العسكرية روسيا خطوة إلى الأمام، في عملية تقليص مساحات المعارضة. ومع كل لقاء يمكن رصد تغير خريطة سورية، وتموضع القوات المتصارعة فيها من الروسية إلى الإيرانية والتركية، وكذلك الأميركية، عبر تغير تموضع القوات الكردية المدعومة منها، وما نتج عن هذه اللقاءات من تسوياتٍ، بدءا من مقايضة حلب بعملية غصن الزيتون التي كانت فاتحة أعمال الجيش التركي رسمياً داخل الحدود السورية، وصولا إلى عمليتي غصن الزيتون ونبع الفرات.

ويمكن ملاحظة أن العمليات التركية في سورية لم تلق اعتراضاً روسيا عليها، لأنها تقع ضمنياً مع خصومٍ ترى موسكو أن إزاحتهم من الطريق يمهّد لها أجواء تفاهمات دولية، سواء مع تركيا التي يسهل على موسكو الوصول إلى اتفاقياتٍ مستدامةٍ معها، أو مع الولايات المتحدة التي لم تُبد، في أي مرّة، انزعاجها من تغير خريطة سورية السيادية على يد القوات التركية، على الرغم من أنها كانت في العمليتين التركيتين، “درع الفرات” و”نبع السلام”، على حساب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الإدارة الأميركية، في حين كان شعار العملية الأولى (درع الفرات) طرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من ريفي حلب الشمالي والشرقي، ما يعني أنها كانت عمليات تحت الغطاء الروسي من جهة، وتحت الغطاء الأميركي الصامت من جهة ثانية.

وتأتي زيارة أردوغان سوتشي وسط أجواء زياراته السابقة بما يتعلق بالوضع السوري، تصعيد من قوات النظام وتصريحات نارية من مسؤوليه. وعلى الجهة المقابلة، تحرّكات وتموضعات جديدة للقوات التركية، بما يوحي بقرب نشوب حربٍ كالتي جرت في بداية العام الماضي، وانتهت باتفاق وقف إطلاق نار توصل إليه الرئيسان في 5 مارس/آذار 2020 وتم الاتفاق فيه، إضافة إلى وقف إطلاق النار، على تبنّي قرار الأمم المتحدة بشأن تصنيف المنظمات الإرهابية، ومنها تصنيف جبهة النصرة التي تسيطر في شمال غرب سورية على نحو 75% من مناطق إدلب الخارجة عن سيطرة النظام.

لا يمكن فصل ما تم تسريبه من لقاء بوتين بالرئيس السوري بشار الأسد، أخيرا في موسكو، أن “المشكلة في سورية هي بسبب وجود القوات الأجنبية غير الشرعية”، عن ما يحدث من تحرّكات القوات السورية وتصريحات وزير الخارجية، فيصل المقداد، في هذا الشأن. ما يعني أن روسيا ترى ضرورة تحريك خطوط خارطة سورية من جديد، وفق استراتيجيتها التي اعتمدتها مع كل تقدّم في علاقاتها مع تركيا، وهي بذلك تستثمر مجموعة متغيرات في الواقع الدولي، منها تأزّم المجتمع الأوروبي من موجات اللجوء، وهي الورقة التي يستخدمها أردوغان في وجه أوروبا أيضاً، ومنها الصمت الأميركي تجاه الخطوات الروسية لتفعيل الحوار بين “قسد” والنظام السوري، وعدم وجود خطوط واضحة للدور الذي تريده إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في سورية، والأهم واقع اقتصاد تركيا وأمنها وحاجتها إلى موسكو كعكازة تسندها عند التقلبات الأميركية تجاهها.

ولا ترى تركيا في موسكو خصماً لها في سورية، وكذلك الحال مع إيران، تراها منافسا لها على المصالح. وبالتالي، من شأن التوصل معها إلى اتفاقٍ مرضٍ أن يجعل رسم الخريطة السياسية والجغرافية (النفوذ) أسهل على كل الأطراف المعنية، فليس من مصلحة تركية في الدفاع عن “سلاح أمير النصرة أبي محمد الجولاني” في إدلب، على الأقل تنفيذاً لاتفاق مارس 2020. ولكن أيضاً لن يكون تسليم إدلب بالحدود التي يطلبها النظام أمرا سهلا، وليس في متناول أردوغان كاملاً، وهو ما يمكن استشرافه من تحرّكات أمير “النصرة”، أخيرا، سواء بلقاءاته مع الأميركيين أو مع الأتراك. لهذا فإن وسطية الحل تقتضي باتفاق مرحلي يأخذ فيه النظام مناطق استراتيجية في إدلب، بينما تستعد تركيا لتغيير جديد في طبيعة تجمعات الفصائل المسلحة المحسوبة عليها في إدلب ومناطق نفوذها، وفي تسمية هذه التجمعات.

ويمكن أيضا الربط بين حديث رئيس النظام عن لامركزية سورية الذي يظن الكرد أنه جاء تلبية لمطالبهم لعقد تفاهات مع دمشق برعاية روسية، بينما هو يدخل كذلك في صميم المصلحة التركية المستقبلية، في حال سمحت روسيا والولايات المتحدة لأردوغان بأن يقوم بحملته العسكرية في سورية “الأخيرة” ضد مناطق “قسد” التي تقع على حدودها الجنوبية، ما يجعلها في مأمنين: ضمان إبعاد الكرد، وعدم تواصلهم الجغرافي مع أراضيها، وضمان بقاء حلفائها السوريين في مناطق تخضع لحكمهم ضمن سورية “لامركزية”، حيث يشكلون اليوم الأكثرية العددية والقوة الاقتصادية، وكل ما يحتاجه الأمر تعويم مسودة مشروع الدستور السوري التي أعدّتها موسكو في عام 2017، وقدّمته للمعارضة السورية في أول اجتماعات مسار أستانة التفاوضي.

يمكن للقاء المرتقب أن يحمل مفاجآت عديدة للسوريين، لما يحمله من مقايضات لملفات خارجية، ستكون الألوان الجديدة لخريطة سورية ثمناً لها، وذلك لا يعيب تركيا، الدولة المثقلة بالعدد الكبير للاجئين السوريين على أراضيها، والتي تعمل للحفاظ على مصالحها في وجه أزمةٍ دوليةٍ عامة، كما يعمل أردوغان على تخفيف استفادة معارضته من حدّة الغضب الشعبي في الموضوع السوري، من خلال تنظيم رؤية جديدة للحل السوري مع حليفه الروسي، قبل أن ينضم لهما الشخص الثالث الذي استبعده، عندما أكّد أنه اجتماع ثنائي لا ثالث فيه، ولكن الأمر برمته يعيب من سلم قراره واستسلم لما تمليه عليه أجندات الداعمين على الجانبين، النظام والمعارضة، الغائبين والمغيبين، عن مناقشة مصير دولتهم وشعبهم.

العربي الجديد

—————————-

التفاهمات الأميركية الروسية في سورية إلى أين؟/ خالد المطلق

بنظرة سريعة على الواقع الميداني الحالي في سورية، نشاهد جملةً من التفاهمات أو شبه التفاهمات، حول ما يجري على الأراضي السورية بين عدد من الأطراف الظاهرة بجلاء على مسرح الأحداث، مثل روسيا وإيران وتركيا، وبين أطراف تعمل من خلف الكواليس كالولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية. ولعلّ ما يجري في درعا، من تجاذبات بين أهل درعا ورجالاتها، وبين المحتل الروسي ومن خلفه عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية المتغلغلة في الجنوب السوري، هو خير مثال على تلك التفاهمات التي أبرمتها الأطراف الخارجية، وقد تعثر تطبيقها بسبب صمود أهلنا في درعا وتمسكهم بأرضهم، فمنذ مؤتمر جنيف الأول، كان هناك تفاهم روسي أميركي حول سورية، على الرغم من وجود عدم ثقة مطلقة بين الطرفين، وهذا ما دفع الروس إلى التدخل العسكري وعقد مؤتمرات آستانة وسوتشي التي ساعدت الأسد في استعادة أغلب المناطق المحررة، تحت نظر العالم أجمع ومسمعه، خاصة الولايات المتحدة الأميركية الصامتة عن تلك المؤتمرات ونتائجها، ولولا الرضا الأميركي لما نجح الروس في عقد تلك المؤتمرات وإبرام صفقات مع ما يسمّى معارضة، تلك المعارضة التي تنازلت عن دماء الشباب السوري التي أراقها الأسد والروس والإيرانيون الذين ثبت أنهم استخدموا تلك المعارضة، مقابل مكاسب شخصية وحزبية رخيصة لتحقيق هدفهم، وهو إعادة إنتاج الأسد من بوابة استعادة الأراضي التي حررها الجيش الحر في السنوات الثلاث الأولى من الثورة، ولهذا لا يمكن أن نقول إن الروس عملوا منفردين في القضية السورية، بمعزل عن الأميركيين الذي كان صمتهم دليلًا على رضاهم عمّا يحدث على الأراضي السورية، بل ظهر أن هناك تفاهمات سرية، تُترجم بفعل روسي إيراني وصمت أميركي أوروبي عربي. هذه المواقف لم تكن في بداية الثورة، فالولايات المتحدة الأميركية سعت بكل جهودها لتحقيق شيء من التغيير في سورية، على الرغم من الفيتو الروسي المتكرر في أي قرار لمجلس الأمن الدولي، لكنّ تغيّر الموقف الأميركي من الثورة السورية جاء لسببين: الأول وقوف الدول العربية مع نظام الأسد منذ البداية؛ والسبب الثاني الجوهري نجاح العرب وإيران ومخابرات الأسد في إلصاق تهمة “الإرهاب” بالثورة السورية، من خلال تبنيها ودعمها اللامحدود للفصائل الراديكالية، ومن هنا خشيت أميركا وحلفاؤها أن يتكرر سيناريو العراق وأفغانستان في سورية التي تتمتع بموقع جيوسياسي استراتيجي، من حيث وجودها على حدود الكيان الصهيوني، وكونها صلة الوصل الجغرافية بين أوروبا والدول العربية والخليجية خاصة. ومنذ جنيف واحد، سعت أميركا وحلفاؤها لجرّ المعارضة إلى التفاوض مع الأسد، بحجة أنهم لن يسمحوا بانهيار الدولة السورية، وأن تغيير النظام ممكن لكن من دون السماح للمنظمات الإرهابية بمسك زمام أمور الدولة السورية، وتحدثوا عن سلطة انتقالية يرضى بها الطرفان الروسي والأميركي، وهذا -برأيهم- هو الحل الأنسب للقضية السورية، وعندما بدأ نظام الأسد بالانهيار، بداية عام 2013؛ كنتُ أحد المدعوين لوضع خطط وآليات عمل لملء الفراغ الذي يمكن أن يحصل عند انهيار النظام، لكن إيران والعرب كان لهم رأي آخر، حيث استخدموا كلّ ما يملكون لمنع سقوط نظام الأسد، من خلال دعم إيران اللامحدود للأسد بالعتاد وعناصر الميليشيات، ومن خلال دعم الدول العربية للفصائل الراديكالية، بشرط عدم المساس بالنظام ودخول دمشق أو المدن التي يسيطر عليها الأسد، وفي الوقت نفسه، تم تقديم الدعم المادي للأسد لاستمرارية بقائه في السلطة، فكانت معركة القصير البذرة الأولى التي أنتشت ذلك الدعم، حيث اقتحمت قوات “حزب الله” اللبناني بلدة “القصير” الحدودية، ودمرتها تدميرًا كاملًا، ونكلت بسكانها وهجرتهم من بلدتهم، وكانت هذا المعركة بداية طريق التغيير الديموغرافي في سورية، وامتدت المعارك إلى حمص، ومن ثم إلى بقية المناطق المحررة؛ فالدخول الإيراني المركّز والدعم العربي للفصائل الجهادية، وقطع الدعم عن الجيش الحر، وتعويضه بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي اشترت كثيرًا من قادة فصائل الجيش الحر، من أصحاب النفوس الرخيصة.

كل هذا أدى إلى منع سقوط الأسد في تلك المرحلة من مراحل الثورة، وعلى الرغم من كل ذلك الدعم، لم يستطع أحد من الطرفين المتصارعين على الأرض حسم المعركة؛ فقوات الأسد والميليشيات الداعمة لها والدعم الروسي، مقابل فصائل الجيش الحر الوطنية التي لم تحمل أي أيديولوجية، بل كان همَّها وطنٌ اسمه سورية، يعيش فيه كل السوريين، على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم العرقية والطائفية والدينية والقومية، وخوفًا من أن يحسم أحد الطرفين الأمور، دخل الروسي -بالاتفاق مع الأميركان- كعامل مرجّح، وتخاذل الأميركيون في دعم المعارضة، وفي الوقت نفسه، ساقتهم روسيا، برضًا أميركي، إلى مؤتمر آستانة الذي تمخّض عنه تقسيم المناطق المحررة، وتسليمها تباعًا إلى الأسد، ومنع الأسد من تحقيق الانتصار الساحق، بانتظار القضاء على التنظيمات والجماعات الإرهابية، وعندئذ يمكن تغيير رأس النظام وجزء من منظومته الأمنية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وفق منظور متفق عليه دوليًّا وعربيًّا وإقليميًّا، وهنا تشكل التحالف الدولي لمحاربة (داعش)، وبالذريعة ذاتها، دخلت روسيا، لكنها لم تقاتل إلا الجيش الحر وحاضنته الشعبية؛ فاجتمع على قتل السوريين عصاباتُ الأسد والميليشيات الإيرانية والروس والأميركيون وتنظيم “داعش”، ومن جهة أخرى الفصائل الراديكالية الأخرى التي بدأت ممارسة الإرهاب على حاضنة الثورة، بطرق وأساليب مختلفة، هذا كله يأتي في إطار الحل اللاأخلاقي، أو كما يُسمّى الحلّ القذر الذي ما يزال مُسْتَمِرًّا حتى الآن، وهدفه الآن تركيع درعا وشعبها، أو طردهم من بيوتهم وأراضيهم، لمنع وجود أيّ فصيل غير متحكّم فيه، يمكن أن يشكل تهديدًا للسلطة الانتقالية المنتظرة، ولو تمّ التغيير الديموغرافي الذي يبدو أنه يُسعد أميركا والروس قبل إيران، ولهذا نشاهد صمت الإدارة الأميركية المطبق عمّا يجري في درعا، وعما تقوم به روسيا من نقض للاتفاقيات التي تعقدها مع ممثلي أهالي درعا، بحجج واهية، وبهذا يمكن أن نعتبر أن الروس ماضون في تثبيت حكم الأسد، بكل الطرق.

إلا أن الأميركيين -كما يبدو من خلال تصريحاتهم- لن يقبلوا بذلك، وسيقومون بالضغط على الروس بطرق عدة، من أهمها منع إعادة الإعمار، ومنع استقرار الوضع في سورية، وعدم الاعتراف بشرعية نظام الأسد، والأهمّ محاسبة النظام على الجرائم التي ارتكبها، وعلى رأس القائمة استخدامه الكيمياوي ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى ملفات قانون سيزر الذي صدر بناء على الصور التي تؤكد الانتهاكات الصارخة في سجون الأسد وأجهزة مخابراته، وبالتالي؛ سيَقبل الروسي مكرهًا بالعودة للقرارات الدولية التي تنصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالي. وهذا يعني أن الخطة تسير بشكل رتيب نحو سيطرة نظام الأسد على الجنوب السوري بالكامل، بعد أن فرض سيطرته جُزْئِيًّا، من خلال اتفاقيات آستانة وسوتشي، وسيتم سحب السلاح من أهالي المنطقة، حتى لا يبقى أيّ سلاح بيد أي جهة يمكن أن تهدد من سيتسلم مهمات المرحلة الانتقالية، بعد ذلك بمدة لن تتجاوز شهرين، سيتم التركيز على المناطق المحررة من إدلب، ليُنفذ السيناريو نفسه، وكلّ من يصمت عن ذلك سيكون صمته دليلًا على موافقته على هذا السيناريو، وهناك ثلاث مؤشرات تدلّ -بشكل أو بآخر- على رضا الصامتين في الشمال عمّا سيجري في المستقبل القريب في المحرر؛ وأولهما السماح بفتح معبرٍ بين إدلب ونظام الأسد؛ والثاني منع قيام أي تظاهرة لنصرة درعا؛ والثالث عدم التحرك وفتح الجبهات مع نظام الأسد لمساندة درعا وتخفيف الضغط عما يجري فيها. والأيام والأسابيع القادمة ستُثبت صحة هذا أو تنفيه، أما الأميركان، فسيجدون حلًّا ما يُمكّن نظام الأسد من السيطرة على المنطقة، وأعتقد أن سيناريو دخول القوات الروسية مع قوات من “الفيلق الخامس” هو الأرجح تنفيذه، نظرًا لنجاحه في باقي المناطق التي سُلّمت إلى النظام، وهنا لن يُسمح ببقاء أي فصيل يمكن أن يُهدد هذه الاتفاقيات، وسيعود نظام الأسد تدريجيًّا إلى الشمال بالكامل، والصامتون عن هذا، مما يسمى الجيش الوطني، ستتم مكافأتهم بدمجهم في جيش الأسد لاحقًا، أما الجزء المتبقي من سورية، الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد”؛ فالأمر سيبدأ من لحظة انسحاب القوات الأميركية من سورية، وهو المظلة العسكرية الحقيقية لـ (قسد) التي ستجد نفسها مكشوفة وغير قادرة على مواجهة مخطط تلك الدول، ولهذا يمكن أن تعقد صفقةً ما مع الأسد تحفظ بها ماء وجهها وتحقق لها جزءًا من الشعارات التي نادت بها، خاصة أن أميركا لم تعِد (قسد) بكيان مستقل، بل كان دعمها العسكري ينصبّ فقط لمحاربة (داعش)، وعند انتهاء تلك المهمة، ستتخلى أميركا عنها، مقابل تفاهمات بينها وبين تركيا، تقضي بمنع قيام كيان كردي على الحدود الجنوبية لتركيا، فتركيا هي الأهمّ، بالنسبة إلى أميركا، من حيث المصالح المشتركة بينهما وبعض القضايا الإقليمية التي تقوم تركيا بدور فعّال فيها، ففي الحلّ القادم لن يكون هناك كيانات مستقلة، وستكون هناك دولة مركزية، على الأقل عَسْكَرِيًّا وَأَمْنِيًّا وَقَانُونِيًّا، يمكن أن يتخللها إدارة ذاتية محلية فقط، وبذلك ستبسط قوات الأسد سيطرتها على كامل الأراضي السورية، وفي تلك المرحلة، ستكون سورية جاهزة لمرحلة انتقالية، ما تزال معالمها النهائية غير واضحة حتى الآن، وهذا يعتمد على صدق روسيا مع المجتمع الدولي، ومدى تأثير الضغوط الأميركية على الروس، بالإضافة إلى مدى تحقيق إيران للهدف الذي تدخلت من أجله في سورية، والضغوط التي يمكن أن تمارس عليها للانسحاب من سورية، ويبدو أنّ إيران شعرت بهذا الآن، ولهذا طلبت إدراج الملف السوري ضمن ملفات مفاوضاتها مع الأميركيين، أملًا في تحقيق مكاسب مقابل انسحابها من سورية، وباعتقادي؛ لا يمكن أن يقتنع الأميركي والإسرائيلي بأن الاستقرار في سورية والمنطقة سيتحقق في ظل وجود القوات الإيرانية وميليشياتها في سورية، التي ستكون ورقة قوية ضمن مجموعة من الأوراق التي تعتمد عليها إيران في غزوها لسورية، وأعتقد أنه لا يمكن إخراج إيران من سورية بالقوة العسكرية، لعدم وجود قوة محلية يمكن أن تواجه القوة الإيرانية على الأرض، سواء أكانت قوة محلية أم قوة دولية يمكن أن تُشكل لهذه الغاية، في ظل غياب الرغبة الدولية والأميركية بذلك، ولهذا لا يمكن التأثير على الميليشيات الإيرانية في سورية إلا من خلال إعادة المهجّرين إلى ديارهم، ليكونوا قوة بشرية، والبدء بأعمال المقاومة الشعبية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأمنية، بالإضافة إلى الممارسات اليومية للمواطنين السوريين، وتطويق ومحاربة الأعمال الإيرانية التي يمكن أن ترسخ وجودها على الأرض السورية، ذلك بأن تطهير سورية من الإيراني ليس عملية سهلة بالمطلق، وتحتاج إلى زمن قد يطول أو يقصر، ويعتمد ذلك على الخطط التي يمكن أن يضعها وينفذها السوريون أنفسهم، بعد عودتهم إلى ديارهم، وهي عودة مرتبطة بعددٍ من الشروط لا يمكن تجاوزها، وأهمها تغيير رأس النظام، وإجراء تعديلات جوهرية على المؤسسة العسكرية والأمنية، لتغيير المناخ الذي يعيش فيه السوريون، ويمكن أن يبدأ التغيير من فرض هيئة حكم انتقالية تُرضي جميع الأطراف الداخلية والخارجية، تستطيع تلك الهيئة إدارة شؤون البلاد إلى حين فرض الاستقرار الأمني وإخراج الميليشيات الأجنبية من البلاد، وعودة المهجرين إلى ديارهم، لإيجاد المناخ الملائم وإجراء انتخابات تشريعية حقيقية، يشارك فيها جميع السوريين، ومن ثم تسليم مؤسسات الدولة إلى طاقم يستطيع السيطرة على البلاد، ويقوم بمهامه الوظيفية التي يمكن أن يكون أوّلها إنشاء دستور للبلاد، يكون جامعًا للسوريين، ويعمل تحت مظلته كل السوريين، ومن ثم يمكن المباشرة بإعادة الإعمار لتنظيم المدن السورية، وفق مخططات حديثة تجاري العصر.

خلاصة القول: يمكن أن نجزم بأن الحلول في سورية ستكون من خلال هذا السيناريو الذي تحدثنا عنه، وغير ذلك سيكون مضيعة للوقت واستنزافًا لما تبقى من دماء السوريين ومدخراتهم، وهذا يجب أن يعرفه الأسد وعصاباته جيدًا، وإن إعادة الأراضي التي حررها الجيش الحر إلى سيطرة الأسد وحلفائه ليست آخر المطاف، بل هناك استحقاقات ستُفرض بالقوة، إذا لم يستجب لها رأس النظام وزبانيته، وأوّل هذه الاستحقاقات هو رحيل تلك العصابة المارقة التي دمّرت سورية، وقتلت وهجرت شعبها، وسمحت بدخول كلّ شذاذ الآفاق إليها، ليعيثوا فسادًا وإفسادًا، ويرتكبوا أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، والتي ستكون حقبة سوداء في تاريخ سورية لا تُشبهها أي حقبة عبر التاريخ السوري العريق الممتد إلى آلاف السنين. وفي الوقت نفسه، سيضيع حُلم مَن سرق تمثيل الثورة، من أفراد وأحزاب وجماعات عابرة للحدود، في حكم سورية المستقبل التي لن تنعم بالاستقرار بوجود هؤلاء من شذاذ الآفاق والحاقدين على السوريين، والمتحالفين مع نظام الملالي في طهران ألدّ أعداء الشعب السوري، وبهذا؛ يمكن أن تطوى صفحة من صفحات الحرب القذرة التي تعرّض لها الشعب السوري من قبل اللاهثين وراء السلطة من الطرفين، وأدواتهم القذرة، كالميليشيات الإيرانية والفصائل الراديكالية التي مارست كل أنواع الإرهاب ضدّ هذا الشعب المسكين الذي خرج ليطالب بحريته وكرامته، فكان له هؤلاء مجتمعين خنجرًا مسمومًا لم يترك شبرًا في جسد هذا الشعب إلا طعنه.

مركز حرمون

—————————–

لكن جبهة النصرة ليست طالبان/ عمر قدور

أعلن مكتب الرئاسة التركية عن انعقاد قمة بوتين-أردوغان في سوتشي في التاسع والعشرين من هذا الشهر، والخبر كان مرتقباً لما هو منتظر من القمة على خلفية تصريحات الجانبين السابقة عليها. الجانب الروسي، مع تصعيد غاراته الجوية على مناطق النفوذ التركية في إدلب وريف حلب، كان قد أشار إلى عدم وفاء أنقرة بالتزاماتها المنصوص عليها في التفاهمات السابقة بين الجانبين، وقابل وزير الدفاع التركي تصريحات لافروف بالقول أن موسكو لم تفِ بالتزامها بالتهدئة بموجب التفاهمات ذاتها.

بالتزامن مع إعلان مكتب الرئاسة التركية، أكدت موسكو بدء التحضيرات لانعقاد القمة، من دون ذكر موعدها، وهذا واحد من أساليب “الدبلوماسية” الروسية في إظهار عدم الحماس، والتلميح تالياً إلى صعوبة ما سيلاقيه أردوغان من نظيره. لكن تبقى الألاعيب الدبلوماسية أهون الشرور، إذ يُخشى “كما حدث مراراً” أن تتولى الطائرات الروسية إيصال الرسائل قبيل القمة بأجساد السوريين في إدلب أو سواها، والخشية تبقى قائمة حتى تنفض القمة وتبدأ نتائجها الفعلية بالظهور.

كما هو معلوم ستكون إدلب في صلب المحادثات، ولموسكو مطلبان سبق لأنقرة أن إلتزمت بتنفيذهما. الأول هو فتح طريق إم4، والثاني هو التزام أنقرة القديم المتعلق بفصل التنظيمات الإرهابية عن الفصائل المسلحة المعتدلة. الثاني منهما ركزت عليه موسكو مؤخراً، وهي تتسلح بوجود جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الدولية بموجب قرار لمجلس الأمن، وبأن الجانب التركي مع الفصائل التابعة له لم يواجه النصرة، بل إن الأخيرة بعد سريان تفاهمات سوتشي الأولى ومسار أستانة عززت من سيطرتها على إدلب وطردت فصائل أصغر كان لها بعض الحضور.

تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وقبلها بشهور قليلة إلى “جبهة فتح الشام”، لم يساعد النصرة على التملص من لائحة الإرهاب فبقيت الجبهة بأسمائها المختلفة على اللائحة. أيضاً إعلانها قطع العلاقة مع تنظيم القاعدة، ومحاربة تنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، لم يشفعا لها على الصعيد نفسه، وكل الافتراضات المتعلقة بإعادة تأهيلها لتكون شريكاً مقبولاً بقيت بلا سند حتى الآن، وبقي معها النظر إلى إدلب كرهينة لدى النصرة تتوعد موسكو بالانقضاض عليها، ولا يفضّل الغرب هذا الخيار فقط لما قد يخلّفه من تدفق جديد للاجئين في اتجاه أوروبا.

ربما لاحت بوادر مطمئنة للنصرة في السنة الأخيرة من حكم ترامب، وحينها أبدت واشنطن معارضة واضحة لأي هجوم روسي على إدلب يخلخل بشكل مؤثر ترسيمة النفوذ الموجودة، وكان للعلاقة الشخصية الجيدة بين ترامب وأردوغان أثر إيجابي ملموس في تظهير الموقف الأمريكي والحفاظ على الهدنة الهشة. حالياً يذهب بوتين إلى القمة المقبلة وهو مستند إلى موقف أمريكي بارد تجاه أنقرة، وإلى موقف أمريكي أكثر سلبية تجاه النصرة. قد نضيف إلى ما سبق عدم وفاء بايدن بتعهداته بعلاقة أفضل مع الحلفاء الأوروبيين، هناك ملفان طازجان هما الانسحاب من أفغانستان وصفقة الغواصات الأسترالية، وفي كليهما عدم اكتراث بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين، وفي الأول منهما خاصةً قلة حساسية إزاء التخوفات الأوروبية من تدفق اللاجئين الأفغان بعد هيمنة طالبان.

على نحو مباشر، يدخل بوتين القمة متسلحاً بالصمت الأمريكي خلال ما يزيد عن شهرين ونصف من حصار درعا البلد وقصفها، فواشنطن صمتت عما يحدث إلى الجوار الملاصق لحليفها الأقرب “إسرائيل”. حاجته إلى التحالف مع أنقرة وإرضائها من أجل مواجهة الوجود الأمريكي الداعم للإدارة الذاتية الكردية باتت أقل من قبل، فالانسحاب من أفغانستان تكفل بالضغط على مسد وتقريبها من موسكو مع التخوف من تخلٍّ أمريكي مقبل. وأفضل صفقة لتركيا قد يطرحها بوتين على أردوغان ستكون على حساب قسد، إذا تضمنت سيطرة موسكو على شريط جديد من إدلب مقابل تمدد أنقرة إلى تل رفعت التي تسيطر عليها قسد.

على صعيد متصل، سيسعى بوتين من خلال القمة إلى تكريس دوره كوصي أساسي على الشأن السوري بالتشارك مع واشنطن كقوتين عظميين، في حين يترتب على أنقرة الالتزام بالواقع القديم المتجدد، الواقع الذي كان يطل في عهد أوباما مع لقاءات لافروف-كيري المتكررة وضحكاتها أمام الصحفيين التي تفصح عن مدى التنسيق بينهما أفضل من أي كلام. بهذا المعنى لن يكتفي بوتين بالضغط من أجل الحصول على تنازلات حالية، بل سيحاول التأسيس لوضع جديد يبتز بموجبه تنازلات لاحقة عندما يحين موعدها.

لن تنفجر عقدة إدلب أو تُحل في القمة الحالية، التجاذب سيكون فقط حول قضم جزء منها، ووفق سياسة قضم متدرجة لا تخلف دفعة واحدة الكارثة الإنسانية المرتقبة. الذريعة موجودة، ولا مؤشرات على نزعها. إنها جبهة النصرة التي لن يفيدها الخروج من جلدها مرة أخرى، ولن تكون مثل طالبان التي رأى جزء من “المجتمع الدولي” أنها تغيرت، بينما نادى البعض الآخر بانتظار الأفعال لا الأقوال. لا تتسع سوريا لنموذج على مثال طالبان التي تابت عن علاقتها بالقاعدة، ومنذ وضعت النصرة على اللائحة الدولية للإرهاب رُسم مصيرها.

لكن ما الذي تفعله النصرة وهي مهددة بالهجوم على معقلها وبفقدانها قسماً من الأراضي التي تسيطر عليها؟ ما الذي تفعله بينما يخشى المعنيون بالشأن السوري ومتابعوه أيضاً من كارثة إنسانية سيتسبب بها الهجوم إذا حدث؟ الواقع أن التهديدات والأخطار لا تهز رسوخ النصرة، ولا تثني “دولتها وحكومتها” عن المضي فيما هو معتاد من شؤون الحكم. بل لا مغالاة في القول أن النصرة قوية وصلبة إزاء مختلف الشدائد، ففي ظل التهديدات الحالية، ومع شبح تفشي كورونا على نحو كارثي، تجد وزارة “الأوقاف والدعوة والإرشاد” في حكومة الإنقاذ التابعة لها متسعاً من الوقت والجهد والإمكانيات لإطلاق حملة “حراس الفضيلة”. و”حراس الفضيلة” هي التسمية الإسلامية المشتركة لحملات متشابهة من الحوثيين في اليمن مروراً بغزة وصولاً إلى إدلب، والمقصود بها حراسة النساء وفرض النمط الإسلامي عليهن وفق تصور كل من التنظيمات المسيطرة.

حراس الفضيلة هؤلاء، في هذا الوضع الكارثي، أولويتهم هي تعليق لوحات ضخمة، كما تفعل مثلاً مديرية أوقاف سلقين، تتوجه إحداها إلى الرجل بالقول: أخي الغالي.. عرضك أمانة فإتقِ الله فيهم.. فلباس المرأة يحكي تربية أبيها، غيرة أخيها، رجولة زوجها. للإنصاف لا تتوجه كافة اللوحات إلى الرجال، فهناك لوحة فيها رسم لثلاث إناث من مختلف الأعمار لا يظهر من ملامحهن أي شيء مع تعليق: أختاه أنت صانعة الأبطال ومربية الأجيال.. فإتقي الله فأنت على ثغر عظيم.. قيل لنابليون: أي حصون الشرق الإسلامي كان الأمنع على فرنسا؟؟ قال: “الأمهات الصالحات”. من يدري! لعل اللوحة مكتوبة بقصد الإنذار، ولعل بوتين يتعظ من مصير نابليون.

المدن

—————————————

لكن جبهة النصرة ليست طالبان/ عمر قدور

أعلن مكتب الرئاسة التركية عن انعقاد قمة بوتين-أردوغان في سوتشي في التاسع والعشرين من هذا الشهر، والخبر كان مرتقباً لما هو منتظر من القمة على خلفية تصريحات الجانبين السابقة عليها. الجانب الروسي، مع تصعيد غاراته الجوية على مناطق النفوذ التركية في إدلب وريف حلب، كان قد أشار إلى عدم وفاء أنقرة بالتزاماتها المنصوص عليها في التفاهمات السابقة بين الجانبين، وقابل وزير الدفاع التركي تصريحات لافروف بالقول أن موسكو لم تفِ بالتزامها بالتهدئة بموجب التفاهمات ذاتها.

بالتزامن مع إعلان مكتب الرئاسة التركية، أكدت موسكو بدء التحضيرات لانعقاد القمة، من دون ذكر موعدها، وهذا واحد من أساليب “الدبلوماسية” الروسية في إظهار عدم الحماس، والتلميح تالياً إلى صعوبة ما سيلاقيه أردوغان من نظيره. لكن تبقى الألاعيب الدبلوماسية أهون الشرور، إذ يُخشى “كما حدث مراراً” أن تتولى الطائرات الروسية إيصال الرسائل قبيل القمة بأجساد السوريين في إدلب أو سواها، والخشية تبقى قائمة حتى تنفض القمة وتبدأ نتائجها الفعلية بالظهور.

كما هو معلوم ستكون إدلب في صلب المحادثات، ولموسكو مطلبان سبق لأنقرة أن إلتزمت بتنفيذهما. الأول هو فتح طريق إم4، والثاني هو التزام أنقرة القديم المتعلق بفصل التنظيمات الإرهابية عن الفصائل المسلحة المعتدلة. الثاني منهما ركزت عليه موسكو مؤخراً، وهي تتسلح بوجود جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الدولية بموجب قرار لمجلس الأمن، وبأن الجانب التركي مع الفصائل التابعة له لم يواجه النصرة، بل إن الأخيرة بعد سريان تفاهمات سوتشي الأولى ومسار أستانة عززت من سيطرتها على إدلب وطردت فصائل أصغر كان لها بعض الحضور.

تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وقبلها بشهور قليلة إلى “جبهة فتح الشام”، لم يساعد النصرة على التملص من لائحة الإرهاب فبقيت الجبهة بأسمائها المختلفة على اللائحة. أيضاً إعلانها قطع العلاقة مع تنظيم القاعدة، ومحاربة تنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، لم يشفعا لها على الصعيد نفسه، وكل الافتراضات المتعلقة بإعادة تأهيلها لتكون شريكاً مقبولاً بقيت بلا سند حتى الآن، وبقي معها النظر إلى إدلب كرهينة لدى النصرة تتوعد موسكو بالانقضاض عليها، ولا يفضّل الغرب هذا الخيار فقط لما قد يخلّفه من تدفق جديد للاجئين في اتجاه أوروبا.

ربما لاحت بوادر مطمئنة للنصرة في السنة الأخيرة من حكم ترامب، وحينها أبدت واشنطن معارضة واضحة لأي هجوم روسي على إدلب يخلخل بشكل مؤثر ترسيمة النفوذ الموجودة، وكان للعلاقة الشخصية الجيدة بين ترامب وأردوغان أثر إيجابي ملموس في تظهير الموقف الأمريكي والحفاظ على الهدنة الهشة. حالياً يذهب بوتين إلى القمة المقبلة وهو مستند إلى موقف أمريكي بارد تجاه أنقرة، وإلى موقف أمريكي أكثر سلبية تجاه النصرة. قد نضيف إلى ما سبق عدم وفاء بايدن بتعهداته بعلاقة أفضل مع الحلفاء الأوروبيين، هناك ملفان طازجان هما الانسحاب من أفغانستان وصفقة الغواصات الأسترالية، وفي كليهما عدم اكتراث بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين، وفي الأول منهما خاصةً قلة حساسية إزاء التخوفات الأوروبية من تدفق اللاجئين الأفغان بعد هيمنة طالبان.

على نحو مباشر، يدخل بوتين القمة متسلحاً بالصمت الأمريكي خلال ما يزيد عن شهرين ونصف من حصار درعا البلد وقصفها، فواشنطن صمتت عما يحدث إلى الجوار الملاصق لحليفها الأقرب “إسرائيل”. حاجته إلى التحالف مع أنقرة وإرضائها من أجل مواجهة الوجود الأمريكي الداعم للإدارة الذاتية الكردية باتت أقل من قبل، فالانسحاب من أفغانستان تكفل بالضغط على مسد وتقريبها من موسكو مع التخوف من تخلٍّ أمريكي مقبل. وأفضل صفقة لتركيا قد يطرحها بوتين على أردوغان ستكون على حساب قسد، إذا تضمنت سيطرة موسكو على شريط جديد من إدلب مقابل تمدد أنقرة إلى تل رفعت التي تسيطر عليها قسد.

على صعيد متصل، سيسعى بوتين من خلال القمة إلى تكريس دوره كوصي أساسي على الشأن السوري بالتشارك مع واشنطن كقوتين عظميين، في حين يترتب على أنقرة الالتزام بالواقع القديم المتجدد، الواقع الذي كان يطل في عهد أوباما مع لقاءات لافروف-كيري المتكررة وضحكاتها أمام الصحفيين التي تفصح عن مدى التنسيق بينهما أفضل من أي كلام. بهذا المعنى لن يكتفي بوتين بالضغط من أجل الحصول على تنازلات حالية، بل سيحاول التأسيس لوضع جديد يبتز بموجبه تنازلات لاحقة عندما يحين موعدها.

لن تنفجر عقدة إدلب أو تُحل في القمة الحالية، التجاذب سيكون فقط حول قضم جزء منها، ووفق سياسة قضم متدرجة لا تخلف دفعة واحدة الكارثة الإنسانية المرتقبة. الذريعة موجودة، ولا مؤشرات على نزعها. إنها جبهة النصرة التي لن يفيدها الخروج من جلدها مرة أخرى، ولن تكون مثل طالبان التي رأى جزء من “المجتمع الدولي” أنها تغيرت، بينما نادى البعض الآخر بانتظار الأفعال لا الأقوال. لا تتسع سوريا لنموذج على مثال طالبان التي تابت عن علاقتها بالقاعدة، ومنذ وضعت النصرة على اللائحة الدولية للإرهاب رُسم مصيرها.

لكن ما الذي تفعله النصرة وهي مهددة بالهجوم على معقلها وبفقدانها قسماً من الأراضي التي تسيطر عليها؟ ما الذي تفعله بينما يخشى المعنيون بالشأن السوري ومتابعوه أيضاً من كارثة إنسانية سيتسبب بها الهجوم إذا حدث؟ الواقع أن التهديدات والأخطار لا تهز رسوخ النصرة، ولا تثني “دولتها وحكومتها” عن المضي فيما هو معتاد من شؤون الحكم. بل لا مغالاة في القول أن النصرة قوية وصلبة إزاء مختلف الشدائد، ففي ظل التهديدات الحالية، ومع شبح تفشي كورونا على نحو كارثي، تجد وزارة “الأوقاف والدعوة والإرشاد” في حكومة الإنقاذ التابعة لها متسعاً من الوقت والجهد والإمكانيات لإطلاق حملة “حراس الفضيلة”. و”حراس الفضيلة” هي التسمية الإسلامية المشتركة لحملات متشابهة من الحوثيين في اليمن مروراً بغزة وصولاً إلى إدلب، والمقصود بها حراسة النساء وفرض النمط الإسلامي عليهن وفق تصور كل من التنظيمات المسيطرة.

حراس الفضيلة هؤلاء، في هذا الوضع الكارثي، أولويتهم هي تعليق لوحات ضخمة، كما تفعل مثلاً مديرية أوقاف سلقين، تتوجه إحداها إلى الرجل بالقول: أخي الغالي.. عرضك أمانة فإتقِ الله فيهم.. فلباس المرأة يحكي تربية أبيها، غيرة أخيها، رجولة زوجها. للإنصاف لا تتوجه كافة اللوحات إلى الرجال، فهناك لوحة فيها رسم لثلاث إناث من مختلف الأعمار لا يظهر من ملامحهن أي شيء مع تعليق: أختاه أنت صانعة الأبطال ومربية الأجيال.. فإتقي الله فأنت على ثغر عظيم.. قيل لنابليون: أي حصون الشرق الإسلامي كان الأمنع على فرنسا؟؟ قال: “الأمهات الصالحات”. من يدري! لعل اللوحة مكتوبة بقصد الإنذار، ولعل بوتين يتعظ من مصير نابليون.

المدن

—————————————

من روسيا إلى سوريّا ولبنان: حزب واحد بأحزاب كثيرة/ حازم صاغية

حزب «روسيا الموحّدة»، حزب الرئيس فلاديمير بوتين، نال نصف أصوات المقترعين الروس. لكنّ النصف الآخر لم يذهب إلى المعارضة، أيّة معارضة. لقد تقاسمتْه أحزاب تؤيّد كلّها السيّد الرئيس. هي قد تعترض على تفصيل هنا، وعلى نقص في الكفاءة عند وزير هناك، أو على تزوير طفيف في قلم اقتراع، إلاّ أنّها كلّها مُجمعة على أنّ فلاديمير بوتين هو وحده من تتجسّد فيه كرامة روسيا وصمودها في وجه خارج مُعادٍ.

الروس الذين لا يرون هذا الرأي، كالمنشقّ أليكساي نافالني، مُنعوا، على الطريقة الإيرانيّة، من المشاركة في الانتخابات. ذاك أنّ روسيا بوتين، التي ترفض «فرض القيم الغربيّة» على غير الغربيّين، باتت لا تجد ما يغري بالتقليد إلاّ قيم إيران الخمينيّة.

مسخرةٌ لا تملك إلاّ أن تذكّر بمسخرة «الديمقراطيّة الشعبيّة» التي اخترعتها الشيوعيّة السوفياتيّة لتحطيم الديمقراطيّة، وفي الوقت ذاته السيطرة على الشعب في بلدان أوروبا الوسطى.

لكنّ مسخرة الانتخابات في روسيا لا تكتمل بغير مسخرة الأحزاب والإيديولوجيّات سواء بسواء. الأحزاب لم تعد تعبّر عن اختلافات في وجهات النظر وفي المصالح، وهذا تعريف الأحزاب. في المقابل، كلّها باتت متّفقة على الأساسيّات، وليس هناك اليوم ما هو أكثر أساسيّة من الاصطفاف وراء الرئيس، فيما التسميات الآيديولوجيّة لهذه الأحزاب المتوافقة تتباين تبايُن الشيوعيّ والقوميّ والديمقراطيّ والليبراليّ. الوصف إذاً لا يصف الموصوف. الكلام لا يعني ما يُفترض أن يعنيه. فلاديمير جيرينوفسكي سبق له منذ 1989 أن أسّس المسخرة، مُستبقاً ظهور بوتين، حين سمّى حزبه القوميّ المتطرّف «الحزب الروسيّ الديمقراطيّ الليبراليّ».

واقع الحال أنّ الذين تقاسموا أصوات الروس في الانتخابات التي أجريت قبل أيّام هم كلّهم حزب واحد برؤوس كثيرة، أو بأحزاب كثيرة. أمّا الحزب الخفيّ الواحد فحزب القوميّة الشعبويّة وزعيمه الأوحد هو بوتين. على هذا النحو فقط تغدو الديمقراطيّة شيئاً نابعاً من «قيمنا» ومن «أصالتنا» وسبباً للوحدة بدل أن تكون باعثاً على التجزئة والتناحر!

السوريّون واللبنانيّون من أكثر الشعوب التي تتفهّم النموذج الروسيّ هذا.

هذان البلدان ليسا مثلين حصريّين لكنّهما مثلان نافران: فيهما يصطفّ وراء الرئيس السوريّ بشّار الأسد قوميٌّ عربيّ بعثيّ أو ناصريّ، وقوميّ سوريّ، وشيوعيّ عمّاليّ، وإسلاميّ من أتباع حسن نصر الله. الكلّ «إخوة» و«رفاق»، لا فرق بين واحدهم والآخر إلاّ بدرجة الولاء للسيّد القائد وأجهزته. أمّا الدعم الروسيّ والإيرانيّ للأسد فيتكفّل بإزالة ما قد يتبقّى من شكّ حول وجوب هذه الرابطة الأخويّة الصلبة والفردوسيّة.

ولا بأس، حرصاً على الرابطة إيّاها، بتصحيح التواريخ المغلوطة تبعاً لجاهليّة حديثة: فلا القوميّين السوريّين اغتالوا الضابط البعثيّ عدنان المالكي، ولا القوميّين العرب قتلوا القياديّ الشيوعيّ فرج الله الحلو أو الضابط القوميّ السوريّ غسّان جديد، ولا أنصار «حزب الله» صفّوا المثقّفين الشيوعيّين حسين مروّة وحسن حمدان… القاتل هو دائماً الإمبرياليّة والصهيونيّة والضحايا ضحاياهما حصراً. مَن يقول عكس هذا إمّا مستشرق لعين أو دارس على المستشرقين.

هكذا يغدو الدفاع عن الأفكار والدفاع عن السياسة محكومين بالدفاع عن الصدق والحقيقة. يصحّ هذا في روسيا وإيران، كما في لبنان وسوريّا.

لقد شمل خلطُ المعاني والازدراء بها جميعاً تعريفَ اليمين واليسار، والمحافظة والليبراليّة، والتديّن والعلمانيّة… أمّا ممارسو الخلط فنجحوا في غزو بعض أعرق الديمقراطيّات. نجد هذا مثلاً في «اليساريّ» الفرنسيّ جان لوك ميلونشون، كما نجده في «اليمينيّة» الفرنسيّة مارين لوبين. ذاك أنّ الأولويّة لم تعد تطال الموقف من الأفكار والمصالح. إنّها تطال الموقف من الخارج، ومن الهويّة التي يقال أنّ هذا الخارج يتهدّدها. وهناك دائماً زعيم تهفو له القلوب، كبوتين أو الأسد، يُنصّب حامياً لتلك الهويّة في مواجهة الخارج الذي هو دائماً مطّاط: يتّسع للإمبرياليّة والصهيونيّة مثلما يتّسع للعولمة والشركات متعدّدة الجنسيّة، وللاجئين والمهاجرين، وللراغبين في الحرّيّة أو في الاستقلال على أنواعهم.

أمّا الرهان على أن يتصدّى حزبيّون لإنقاذ أحزابهم، ولإنقاذ الأفكار التي آمنوا بها حين انتسبوا إلى تلك الأحزاب من الأكاذيب اللاحقة بها، فرهان في غير محلّه. ذاك أنّ التطبّع على الكذب غلب الطبع، مستعيناً بشبكات مصالح صغرى، وبتورّط في الدم هنا وهناك، وطبعاً بحرص على إبقاء الجماعة الحزبيّة على قيد الحياة بعد زوال مبرّراتها.

وفي ظلّ هذا التزوير المتمادي للأحزاب كما للأفكار لن تكون النتيجة سوى موت النقاش العامّ وانتفاخ الركود الفكريّ والثقافيّ وانتشاره على مساحات بلدان بأكملها.

فحين يكون النموذج الروسيّ أو النموذج الإيرانيّ موضعَ التقليد والاتّباع، يصعب أن تنتهي الأمور إلى غير ما تنتهي إليه: صفرٌ ينطح صفراً.

الشرق الأوسط

—————————–

روسيا وتركيا والعلاقة المتشابكة/ رامي الشاعر

قبل 3 أيام من لقاء الرئيسين الروسي والتركي، يحتدم الجدل حول ما يمكن أن يسفر عنه هذه اللقاء، خاصة في ظل التوتر الذي تشهده منطقة إدلب والشمال الشرقي لسوريا.

يأتي ذلك التوتر على خلفية بعض الانتهاكات من جانب المسلّحين في إدلب، ومناوشات أفضت إلى حادث مقتل 33 جندي تركي في غارة شنها الطيران السوري في محافظة إدلب، فبراير الماضي، وهو ما رفع من درجة حرارة التصريحات التي انتهت بتصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للصحفيين في إسطنبول، الجمعة الماضي، بأن “النظام السوري تحول إلى بؤرة تهديد في جنوب تركيا”، وتوقعاته بأن “تسلك روسيا نهجاً مختلفاً” للتضامن مع أنقرة.

فتحت تلك التصريحات شهية بعض المحللين السياسيين والصحفيين، ليدلوا بدلوهم، ويتخذوا مواقع الخبراء في شؤون العلاقات الروسية التركية، شديدة التعقيد والتشابك، حتى صرح بعضهم بأن الاختلافات الاستراتيجية ممثلة في استياء روسيا من التحركات التركية في أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان، بالإضافة إلى “عدم موافقة” تركيا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تؤكد “محدودية التفاهمات التركية-الروسية”، وأن التقارب الحاصل بين البلدين “لا يضع علاقتهما في موقع التحالف الاستراتيجي، وإنما هو أقرب إلى التكتيكي”، ما جعل التفاهمات التركية الروسية عموماً، وبشأن سوريا على وجه الخصوص، “أمام لحظة مفصلية جديدة”.

كما ذهب البعض الآخر إلى أن استمرار النهج التركي يعني أن أردوغان يسعى إلى “الخصام مع الجميع، بما في ذلك روسيا”، حيث يرون أن تصريحاته تعد مؤشراً إضافياً على “تجاوزه معايير السلوك المقبولة والمتعارف عليها في العلاقات الدولية”.

من الممكن بالطبع فهم وجهة النظر هذه، استناداً للسياق السياسي الذي تطرح فيه، فهناك كثيرون لا يرضون عن التقدم الذي أحرزه مسار أستانا، ومؤتمرات موسكو وسوتشي وسائر المؤتمرات التي أفضت في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق النار في سوريا، وإنشاء مناطق التهدئة. هناك آخرون ممن لا يعجبهم أي تقارب روسي تركي، لما يمثله ذلك من تعارض مع أجنداتهم السياسية في سوريا وغير سوريا.

شخصياً، لا أجد أي سبب يحملني على عدم التفاؤل إزاء قمة الرئيسين بوتين وأردوغان. بل إني أعتقد أن هذا اللقاء المرتقب سوف يكون لقاءً إيجابياً وبناءً من حيث المضمون والنتائج، لأن روسيا تتفهم أهمية الوضع في الشمال الغربي للأراضي السورية بالنسبة للأمن القومي التركي، كما تتفهم كذلك العبء الكبير الذي تتحمله تركيا من تواجد حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها، وهو ما يرتبط مباشرة بتسوية الوضع في إدلب، والتعامل مع قضية المعابر الحدودية.

روسيا كذلك تقدّر الدور الكبير، الذي قامت وتقوم به تركيا من خلال مسار أستانا، وسعيها بالتنسيق مع روسيا إلى منع الاحتكاكات المسلحة، التي تحاول القيام بها جهات متطرفة سواء من جانب الأكراد، أو من جانب التنظيمات الإرهابية المسلحة، بهدف الاستفزاز وإفشال جهود التسوية، لما يمثله ذلك من خطر على هؤلاء، وفضح هوياتهم الإرهابية أمام العالم.

أما فيما يخص العلاقات الروسية التركية، فأود هنا التذكير بما حدث في الرابع والعشرين من نوفمبر 2015، حينما أطلقت قوات الدفاع الجوية التركية النار على مقاتلة روسية من طراز “سوخوي – سو24″، ما أدى إلى سقوطها قرب الحدود السورية التركية، ومقتل طياريها. وهو ما أدى إلى أزمة دبلوماسية حادة بين روسيا وتركيا، أعلنت بعدها هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قطع جميع الاتصالات العسكرية مع الجانب التركي، ونشرت القوات الروسية منظومة إس-400 الدفاعية المتقدمة المضادة للأهداف الجوية في قاعدة حميميم على الأراضي السورية، ثم تم التوقيع، في 28 نوفمبر، على “مرسوم بشأن التدابير الخاصة بضمان الأمن القومي الروسي وحماية المواطنين الروس من الأعمال الإجرامية وغيرها من الأعمال غير الشرعية، والتدابير الاقتصادية الخاصة ضد تركيا”. وبموجب هذا المرسوم تم فرض حظر أو تقييد للعمليات الاقتصادية الخارجية على أراضي روسيا، ومنع استيراد أنواع معينة من البضائع التركية إلى البلاد. كما تم فرض حظر أو تقييد على المنظمات الخاضعة للولاية القضائية التركية، والتي تؤدي بعض الأعمال أو تقدم بعض الخدمات على الأراضي الروسية. وتم فرض حظر على أرباب العمل لجذب الموظفين من بين المواطنين الأتراك اعتباراً من 1 يناير 2016، وأوقف العمل بقانون السماح للمواطنين الأتراك بدخول الأراضي الروسية دون تأشيرة، وتوقفت السياحة بين البلدين نهائياً.

في يونيو 2016، وقبل الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تقدم الأخير بخطاب عبّر فيه عن رغبته في حل الأزمة بشأن حادث مقتل الطيارين الروس، وعقب محادثة هاتفية بينه وبين الرئيس الروسي، بدأت المياه في العودة إلى مجاريها فيما يخص العلاقات بين البلدين. وبدءاً من نهاية عام 2016 عادت روسيا للتنسيق مع تركيا بشأن العملية العسكرية في سوريا، حتى تم توقيع اتفاقية مناطق التهدئة في أكتوبر عام 2019، والتي تم بموجبها وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية.

الآن، نحن نرى واقعياً وعلى الأرض كيف أن حجم الاستثمارات التركية المباشرة في روسيا (وفقاً لبيانات البنك المركزي الروسي عن يناير 2021) 2 مليار دولار، والروسية في تركيا 6.4 مليار دولار. رأينا كذلك مراسم افتتاح الرئيسين بوتين وأردوغان في 8 يناير عام 2020 لخط أنابيب “السيل التركي” لنقل الغاز الطبيعي. كما نشهد الآن أيضاً أعمال بناء 4 مفاعلات نووية في محطة “أكويو” النووية بمقاطعة ميرسين التركية، والتي تبلغ قيمتها استثماراتها أكثر من 20 مليار دولار، وبدأ العمل بها عام 2018، ويفتتح المفاعل الأول عام 2023.

كذلك، وبالتزامن مع التصريحات التي فتحت أبواب الجدل والتكهنات، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الخميس الماضي، عن رفض بلاده للضغوط الأمريكية المستمرة بسبب شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية “إس-400″، حيث تم الانتهاء من الصفقة، ولن يتم تعديلها، حسب تعبيره، (كانت روسيا وتركيا قد وقعتا عقد الحصول على أنظمة الدفاع الجوي الروسية في 2017، وتم تسليم المعدات في صيف وخريف عام 2019، وهو ما تسبب في أزمة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث طالبت واشنطن تركيا بشراء منظومات “باتريوت” الأمريكية، وهددت بتأجيل أو حتى إلغاء صفقة بيع أحدث مقاتلات “إف-35” الأمريكية إلى تركيا، فضلاً عن فرض عقوبات عليها). كما أعلن أردوغان، نهاية أغسطس الماضي، عن اعتزامه شراء فوج ثان من أنظمة الدفاع الجوي الروسية “إس-400”.

لهذا أعود للتأكيد على أن العلاقة بين الرئيسين الروسي والتركي هي علاقة متميّزة يسودها التفاهم وروح المسؤولية، تضع على قائمة أولوياتها أمن واستقرار المنطقة، وتطوير علاقات التعاون والتنسيق المتبادل بين البلدين، ليس فقط فيما يخص الملف السوري، وإنما على كافة المستويات وفي جميع القطاعات.

وبصدد قضية إدلب، فإني أعتقد أن اتفاقاً سيبرم بين الزعيمين بشأن الاستمرار في آليات التنسيق بين البلدين، مع الوضع في الاعتبار أهمية ذلك بالنسبة للجانب التركي، ومراعاة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وسيادة الحكومة الشرعية في البلاد على كافة أراضيها، وهو ما يركّز عليه الطرفان دائماً في جميع بياناتهما المشتركة عقب كل اللقاءات التي جرت في الماضي.

وبشأن القضية الكردية، فإن روسيا لا ترى حلاً للمشكلة الكردية إلا في إطار الدولة السورية، التي تتمتع بمطلق السيادة ووحدة الأراضي على مجمل التراب السوري، وتعتبر التواجد العسكري الأمريكي تواجداً غير شرعي بالمرة، يخالف كافة المواثيق والأعراف الدولية، وهو ما أبلغه رئيس الأركان العامة الروسية، فاليري غيراسيموف، لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، مارك ميلي، خلال لقائهما في مقر الحكومة الفنلندية بمدينة فانتا، 22 سبتمبر الجاري، حيث أبلغه بضرورة مغادرة القوات الأمريكية للأراضي السورية.

لقد مرت العلاقات الروسية التركية بعدد من المحطات المفصلية عبر التاريخ، إلا أن هذه العلاقات تثبت رسوخاً وقوة مع كل منعطف تمر به، ولا أعتقد، بأي حال من الأحوال، أن تمثّل مواقف تركيا من الاعتراف بشبه جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، أو موقف تركيا من أوكرانيا أو في ليبيا وغيرها من مناطق الاختلاف بين البلدين، غيوماً تلبد اللقاء بين بوتين وأردوغان.

إن تجربة مسار أستانا لابد وأن تكون نموذجاً لما يمكن أن تتمخض عنه سياسة الموائمات والدبلوماسية الرشيدة، وأعتقد بكل ما أوتيت من قوة، وبناء على خبرة طويلة في مجال العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي، أن تعزيز العلاقات التركية الإيرانية الروسية العربية هو مفتاح الازدهار والأمن والاستقرار في المنطقة، وهو الدرع الحامي للمنطقة ضد كل التحديّات بما فيها التحديات الطبيعية.

الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر

—————————–

في ذكرى الاحتلال الروسي لسوريا/ سامر السليمان

أيام قلائل، وتكون روسيا قد بدأت عامها السابع في احتلال سوريا. تدخلت بذريعة محاربة الجماعات الجهادية، وإنقاذ النظام من بين فكيها. طيلة أعوام تدخلها، دمرت المدن والقرى، وقصفت المستشفيات والأسواق، وهَجرت ملايين السوريين. دعمت التدخل البري الإيراني والميلشيات الطائفية، التي هي مجموعات جهادية شيعية، ومقادة من الحرس الثوري الإيراني. ربما أنقذت النظام عسكرياً، ولكنها جعلت منه تابعاً ذليلاً لها، وضعيفاً إزاء إيران، وغير ذلك فرضت عليه مئات الاتفاقيات الاقتصادية ونهب ثروات سوريا، وشمل ذلك المطارات والموانئ والشركات الصناعية القديمة، ووضعت يدها على أغلبية فوسفات سوريا، وتطمح لوراثة أميركا والسيطرة على سلة سوريا من النفط والغاز والزراعة. عدا ما ذكرت، أصبحت روسيا مهيمنة على المفاصل العسكرية والأمنية للنظام.

استدعى قاسم سليماني الاحتلال الروسي للتدخل في سوريا. أيضاً، طلبت منه ذلك كل من السعودية والإمارات، وبالطبع وافقت أميركا وإسرائيل على ذلك. إذاً هناك توافق إقليمي ودولي واسع على اجتثاث الثورة، وإعادة تعويم النظام. إن شذوذ تركيا وأميركا عن التسليم الكامل لروسيا، “فرمل” سرعة الاجتثاث تلك، وكذلك رداءة قوات النظام، وكثرة الفصائل الرافضة له، وامتدادها على أغلبية الأرض السورية. الاستعصاءات الأخيرة، أجبرت روسيا على الاعتراف بدورٍ لتركيا وأميركا، وهذا اضطرها على الاستمرار في التحالف مع إيران في سوريا، وبدأت الخطط الاستراتيجية للتخلص من الثورة؛ فكانت الحكاية السمجة لخيار الأستانا وسوتشي واللجنة الدستورية، وتمّ تفريغ القرارات الدولية المناهضة للنظام من قوتها، وهمشت اتفاقيات جنيف، ولجنة التفاوض، وبالمثل شُطِب المجلس الوطني واستبدل بمؤسسة هزيلة، ونقصد الائتلاف الوطني لقوى لثورة والمعارضة. المسارات المتعددة هذه، تحكمت بها روسيا، واعتمدت عليها لإنهاك الفصائل والثورة، وبالوقت ذاته لم يتوقف طيرانها عن التدمير والتهجير والقتل والتخريب واستعراض القوة أمام تركيا وإيران خاصة، وتحوّل السوريون وممتلكاتهم إلى ساحاتٍ لتجريب الأسلحة الروسية الجديدة.

تعاملت روسيا مع سوريا كدولة لا خيارات وطنية لأهلها فيها، ولم تمارس أية ضغوط جادة للتقريب من وجهات نظر النظام والمعارضة. وكان مسار أستانا، للإمعان في السيطرة على الثورة وسوريا والمعارضة، ولم يكن بقصد التقريب، وإيجاد الحلول. روسيا المُغطاة بدولٍ إقليمية وعالمية لتدخلها لم تقترح تسوية للوضع السوري، وعكس ذلك راحت تأخر الحل السياسي، وتمتن من وجودها العسكري، وترهن مستقبل النظام وسوريا بها، وذلك عبر الاتفاقيات الاقتصادية الكثيرة.

لم تتدخل روسيا ضد الثورة مع الطلب الإقليمي والدولي لاحتلالها. لا، كانت روسيا تدافع عن النظام دبلوماسياً وعبر مجلس الأمن الدولي وهيئات الأمم المتحدة منذ 2011. ورفع فيتويات عديدة “16”، تناهض بها مصالح الشعب السوري ولصالح النظام. إذا هناك رفض جذري لفكرة الثورة السورية، وغير السورية. الرفض الروسي للثورات أصبح معروفاً، حيث تقرن الثورات بأميركا وأوروبا، وكأنّ الشعوب لا تثور، وإن ثارت يجب اجتثاث ثوراتها! مشكلتنا مع روسيا أنها تجاهلت من استدعاها لإنقاذ النظام، ورفض المسارعة إلى التسوية. روسيا تريد سوريا خالصةً لها إذاً، وهذا هو مخططها منذ 2011، وليس مع لحظة تدخلها العسكري 30 أيلول 2015.

روسيا لا تثق بأميركا وأوروبا، اللتين تدخلتا في ليبيا، وأنهتا صديقها معمر القذافي. وعدا ذلك، روسيا ترفض فكرة الثورات منذ أن انتصرت الثورات الملونة في محيطها، واستقلت بذاتها، وأدارت الظهر لموسكو، واتجهت نحو واشنطن أو أوروبا. عدم ثقة روسيا بالشعب السوري وبمن طلبها لاحتلال سوريا، هو ما يدفعها نحو انتهاج طريق خاص لفرض هيمنتها على سوريا.

أوضحنا أنها تسيطر على النظام، والأخير أصبح طوع بنانها. مشكلة روسيا الفعلية مع بقايا الأماكن الخارجة عن النظام ومع تركيا وأميركا وإسرائيل وإيران؛ فلكل من هذه الدول مصالح في سوريا، ولها -باستثناء إسرائيل- جيوش، ولتحقيق هيمنتها الكاملة، تحتاج إلى مفاوضات مستمرة، لتتمكن من ذلك. مشكلة روسيا ليست في المفاوضات، التي تنعقد، ومنذ 2015 مشكلتها أنها تريد تعويم النظام ورأسه، وهنا الخطأ الأكبر لديها. حيث لا أميركا ولا أوروبا ولا تركيا راغبة بذلك، ولكن هذه الدول غير راغبة كذلك في الضغط على روسيا لتتقدم بتسويةٍ، تنقذ الوضع المعقد، الذي وصلت إليه سوريا، نظاماً ومعارضة. القضية لا تكمن في ضعف تلك الدول، بل في استفادت تلك الدول من الوضع المتأزم والمعقد، وبالتالي تعمق من وجودها ودورها في مستقبل سوريا. لقد صار لتركيا مصالح أكبر الأن مما كانت عليه حينما كانت داعمة للفصائل، وكذلك لأميركا مصالح، فهي تسيطر على منطقة غنية بأهم ثروات سوريا، وإيران أيضاً أصبح لها مصالح كبرى في سوريا، وأن أيّة تسويّةٍ لا يكون الشعب السوري فيها هو المقرّر، ويطالب بإخراج إيران بشكل كامل، وإجبارها على دفع تعويضات للتضرر الواسع الذي عاناه السوريون بسبب دعمها لنظام القتل، ستكون تسوية مناهضة لمصالح السوريين، وضامنة لمصالح إيران ولا سيما الاقتصادية!

الوضع السابق، يقول إن روسيا لم تتمكن من فرض استراتيجيتها بعد ست سنوات، وأصبحت الدول المتدخلة أقوى في سوريا، وأية تسوية تتطلب أخذ مصالح تلك الدول، وعدا كل ذلك إن مصالح روسيا ووجودها سيكون عرضة للتدهور والرفض والملاحقة القانونية لما فعلته بالشعب السوري، والآن يفترض أن تُرفع الدعاوى القضائية ضدها وملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية! إن قوة الروس في سوريا تتعلق بالتوكيل الدولي والإقليمي لها باحتلال سوريا، وضعف الروس، يتعلق بسوء استراتيجيتهم منذ 2011، وفشلها الآن.

الفشل ذاك، يوضحه محاولات روسية الدؤوبة لعقد الصفقات بخصوص سوريا مع الإدارة الأميركية، والتشاور المستمر مع تركيا، واستمرار الوجود الإيراني، والتدخل الإسرائيلي المستمر. تعد روسيا الآن أكبر المتحكمين في النظام، وأكثر من يُصادر مستقبل السوريين، ولكنها ومعها إيران تعدُّ أكثر الدول مكروهة من أغلبية الشعب السوري. هذا الشعب، الذي ينتظر أية صفقة، ليعيد ترتيب أولوياته، واستراتيجياته، والبدء باستنهاض مجتمعه، وهذا سيؤدي مباشرة إلى إعادة التوزان في علاقاته مع الدول، وأوّلها المُحتلة لسوريا، وترتيب خروجها، وإعادة النظر بكل الاتفاقيات التي وقعتها مع النظام الحالي، الفاقد لكل شرعية وأقلها منذ 2011.

في الذكرى السادسة، لم يعد الثائر متضرّراً من ذلك الاحتلال بل وحتى الشعب الرمادي والمؤيد. إن الأخير أصبح يترك بالأشهر الأخيرة سوريا وبآلاف الأفراد، وهذا سيُعقد المشهد المستقبلي أكثر فأكثر، حيث ستكون عودة السوريين مرتبطة بالضرورة بتغييرٍ كبير في النظام السياسي، وباتفاقياتٍ تحدّ بصورةٍ كبيرة من التدخلات الإقليمية والدولية. إن الوضع السوري، وكمية الدمار والقتل والتهجير، تقتضي بالضرورة تسوية تنطلق من بيان جنيف الأول، وتشكيل هيئة حكم انتقالي مستقلة، وشطب أغلبية قيادات النظام، السياسية والعسكرية والأمنية.

روسيا ستخسر مع أيّة تسوية قادمة، وأوهامها عن انسحاب أميركي لن تتحقق من دون شروط تتعلق بتغيير في النظام أو طرد إيران، ولن تتمكن من فرض الأمر الواقع على تركيا في الاجتماع المقبل بين بوتين وأردوغان في 29 أيلول الجاري، واستمرار تحالفها مع إيران، لن يساعدها في فرض هيمنة مطلقة على السوريين وثرواتهم ومستقبلهم.

أميركا ستظلُّ لاعباً أساسيّاً في الشأن السوري، وإسرائيل لن تسمح باستمرار إيران في سوريا، وهذا عكس الرؤى التي تتعامل مع ذاتها كمسلمات، وأن النظام السوري قُبِل في المحيط الإقليمي ويعاد تعويمه دوليّاً كذلك. ستتقلص شعبية روسيا أكثر فأكثر، وبالتالي ستكون اتفاقياتها ومصالحها على طاولة الرفض الشعبي مع أوّل تسويةٍ ستجري. وهذا سبب مركزي لتأجيلها إجراء تسوية سياسية، وجميع أشكال التغيير التي أحدثتها منذ 2015، لن تشرع وجودها لدى الشعب السوري، المعارض أولاً، والمؤيد ثانياً.

تلفزيون سوريا

——————————–

إدلب اختبار جديد لبوتين وإردوغان/ إبراهيم حميدي

مصير إدلب، أو جزء منها على الأقل، رهن قمة الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، في سوتشي يوم 29 سبتمبر (أيلول) الحالي، بعد لقاء بوتين بالرئيس بشار الأسد في موسكو عشية الحوار بين مبعوثي الرئيس الروسي ونظيره الأميركي جو بايدن في جنيف منتصف الشهر الحالي.

عملياً؛ إدلب عالقة بين رغبات وأولويات متناقضة وحسابات دقيقة. بالنسبة إلى الأسد، بعد قبوله رغبة الكرملين بثبات «خطوط التماس» في إدلب منذ اتفاق بوتين – إردوغان في مارس (آذار) الماضي، عاد إلى طرح موضوع العودة إلى إدلب؛ إذ واصلت دمشق القصف المدفعي على جنوب إدلب، نظراً لأنها محرومة من إمكانية القصف الجوي، كما واصلت «القصف الإعلامي» عبر تصريحات رسمية وتسريبات إعلامية عن «تحرير إدلب».

وترى دمشق أن الظروف «مواتية» لذلك، في ضوء قراءتها الجيوسياسية بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتراجع أولوية سوريا والشرق الأوسط لدى الإدارة الأميركية وإعطاء هامش أوسع لمبادرات إقليمية، وشعور بأن تركيا تحت الضغط. وهي استفادت من هذه القراءة بالعودة إلى «مهد الثورة» في درعا، وكذلك في ضوء إدراكها دلالات حصول العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على دعم لاقتراحاته بتوفير الاستقرار جنوب سوريا ومحاربة الإرهاب والمخدرات، عبر عودة دمشق إلى درعا، ومد خط «الغاز العربي» من مصر إلى لبنان عبر سوريا والأردن.

كما أن الحوار الروسي – الأميركي في جنيف كشف عن عمق انهيار سوريا في أولويات فريق بايدن. فأعضاء الفريق مهتمون فقط بتقديم المساعدات الإنسانية والحفاظ على الاستقرار ووقف النار ومنع عودة «داعش». وعلى عكس الفريق السابق المكلف الملف السوري، والذي كان يرى أن إدلب تشكل أداة ضغط على دمشق وموسكو حتى لو كان ذلك بوجود «هيئة تحرير الشام»، فإن الفريق الحالي لا يرى فرقاً كبيراً بين «هيئة تحرير الشام» وتنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» التي تريد واشنطن محاربتها، وترى ذلك أولوية بعد الانسحاب من أفغانستان، وأعلنت توجيه بوصلة محاربة الإرهاب إلى سوريا والعراق. ويمكن اعتبار الغارة الأميركية الأخيرة في ريف إدلب لاغتيال قيادي في «القاعدة» من دون ذكر اسمه، تذكيراً بهذه الأولوية الأميركية الجديدة.

يوافق بوتين على قسم كبير من القراءة الآتية من دمشق، ويضيف إليها أن وجود القوات الأجنبية «عقبة أساسية» أمام استعادة السيادة السورية وإعمار البلاد، مع التحذير من «بؤر الإرهاب». وعليه؛ تمددت «الخريطة الروسية» في الجنوب السوري، ويحاول بوتين اختبار إمكانية تمددها في الشمال؛ مما يفسر زيادة حجم ورقعة الغارات الروسية هناك. بدايةً؛ قصفت الطائرات الروسية فصيلاً موالياً لأنقرة، ثم راحت تضرب مدناً ومناطق لم تكن تقصفها سابقاً في مثلث أرياف حلب وإدلب واللاذقية. يضاف إلى ذلك، قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن تركيا لم تفِ بالتزاماتها بموجب اتفاق العام الماضي.

إذن؛ بوتين يلوح بورقة إدلب وملف الهجرة للأوروبيين، ويضغط على إردوغان قبل لقائهما الأربعاء المقبل، ودمشق تريد نسخ «سيناريو الجنوب» في الشمال. وبالفعل، كان هذا السيناريو جديداً. فهو عقد بموجب اتفاقات بين القوى الإقليمية على حساب الأطراف السورية، ويقضي بتقدم روسي مقابل تراجع أميركي، ويضمن نوعاً من المرونة بوجود جسم معارض، إضافة إلى أنه شكل نسفاً أو تطويراً لاتفاق سابق جرى في عام 2018.

لكن؛ هناك فرق مهم بين الشمال والجنوب، وهو العامل التركي، وهذا ليس قليلاً. فوزير الدفاع التركي خلوصي أكار رد على لافروف، وقال إن موسكو لم تلتزم بتعهداتها في اتفاق إدلب بين بوتين وإردوغان. وعلى عكس دعم عمان عودة «الحكومة السورية والجيش العربي السوري» إلى درعا، واستقبالها وزراء سوريين، فإن أنقرة تريد من موسكو منع «عودة النظام وميليشياته» إلى إدلب.

وتقول روسيا إن تركيا لم تنفذ التزاماتها في شمال غربي سوريا في أمرين: فتح طريق حلب – اللاذقية وإقامة منطقة آمنة على جانبيه وتسيير دوريات مشتركة عليه، ومحاربة التنظيمات الإرهابية وفصلها عن المعتدلين. أما أنقرة فتقول إن موسكو لم تنفذ تعهداتها في أمرين: وقف القصف الجوي والمدفعي على إدلب ومنع موجة جديدة من النازحين في منطقة تضم نحو 4 ملايين شخص قرب حدودها، وإخراج «قوات النظام» من نقاط متفق عليها.

معروف أن العلاقات بين تركيا وروسيا أوسع وأكبر وأهم من إدلب. أيضاً؛ تركيا تقدم في الشمال موقفاً مغايراً لمواقف الدول الإقليمية في الجنوب. يضاف إلى ذلك أن التعاون بين أنقرة وموسكو متواصل شرق الفرات، رغم التصعيد في إدلب.

وأمام هذه العوامل والتشابكات بين أنقرة وموسكو، أخرج المستشارون من الأدراج مقترحاً قديماً يتضمن مقايضة جنوب طريق حلب – اللاذقية في إدلب مقابل «تل رفعت» في ريف حلب. أي تجديد الهمة لعودة قوات الحكومة إلى جنوب الطريق الدولية في إدلب، وفتح هذه الطريق الدولية الحيوية لإعمار المنطقة، مقابل إعطاء موسكو ضوءاً أخضر لأنقرة لتقدم فصائل موالية لها لإضعاف «قوات سوريا الديمقراطية» شمال حلب، خصوصاً أن هذه القوات حليفة لأميركا المنسحبة من أفغانستان. وقد يدخل عامل آخر هنا، وهو محاولات عراقية لترتيب لقاء بين مدير المخابرات التركية فيدان حقان، الذي يريد «محاربة حزب العمال الكردستاني وأخواته» شرق الفرات، ومدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، الذي يريد «اختراقاً يخص الاحتلال التركي» في إدلب.

أما البند الثاني الذي أخرجه المستشارون من خزائنهم ووضعوه على طاولة بوتين – إردوغان، فيتعلق باللجنة الدستورية؛ إذ إن روسيا وتركيا تعدّانها من أهم «إنجازات» عملية آستانة التي تشترك إيران معهما في رعايتها. وقد تختلف أولويات بوتين وإردوغان جزئياً وزمنياً في إدلب، لكنهما متفقان على نية «الترحيب» باختراق حققه المبعوث الأممي غير بيدرسن، يتمثل في الاتفاق مع الحكومة والمعارضة على آلية أممية لبدء لقاءات يومية بين رئيسي وفدي الحكومة أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة، لصوغ مبادئ الدستور السوري في جنيف، في الجولة السادسة من أعمال اللجنة الدستورية في التاسع من الشهر المقبل.

الشرق الأوسط

———————————-

خيبات أمل المراهنين على روسيا/ نبراس إبراهيم

ست سنوات على التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، عانى فيها السوريون ما عانوه نتيجة هذا التدخل. سنوات تبددت خلالها أوهام الكثيرين ممن كانوا يظنون أن روسيا “دولة عظمى” وريثة للاتحاد السوفييتي، ويمكن لها أن تقوم بدور أممي إنساني يليق بالدول العظمى، دور يحترم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد أهدافها.

كثيرون ممن بنوا رؤى إيجابية في هذا التدخل المباشر، كانوا في الساحة الرمادية، وبعضهم في ساحة المعارضة السورية، وحاولوا بث الأفكار التي تدعم رؤيتهم الإيجابية لموسكو ودورها المرتقب والمحتمل في سوريا، فحرقوا مراكبهم واحترقت مع محاولاتهم هذه أحلام سوريين تمنوا أن تكون هذه الأفكار والرؤى صحيحة.

اعتقد البعض أن روسيا بتدخلها العسكري ستقوم بتحجيم دور إيران، ووضع حد لانفلات مشروعها القومي – الطائفي في سوريا، لكنها في الحقيقة ساعدت في تنفيذ مشروع التغيير الديمغرافي الذي تتبناه إيران، كما غضّت الطرف عن اللعب والهيمنة التي قامت بهما داخل المجتمع السوري، ونسّقت معها مؤتمرات أستانا وسوتشي، وأشركتها في جزء من عملياتها العسكرية ومشاريعها السياسية في سوريا.

اعتقد البعض أن روسيا، وبعد تدخلها العسكري، ستُمسك العصا من الوسط، وسيكون لها مواقف جادة تجاه الحل الحربي العنيف الذي انتهجه النظام ضد المعارضين له، لكن الواقع أثبت أنها شاركته في جرائمه، وبدورها قامت بعمليات عسكرية غاية في العنف ضد السوريين، وجرّبت أسلحتها الذكية والغبية على البشر، ودمّرت مشافي ومدارس ومراكز إيواء، وارتكبت جرائم حرب، حالها كحال النظام الذي تحميه.

اعتقد البعض أن روسيا ستفتح صدرها لاستيعاب المعارضة السورية، وستقف موقفاً مؤيداً لجزء على الأقل من مطالبها المحقة، فزار كثيرون موسكو واجتمعوا بقادتها، وأوهموا السوريين بأن الدب الروسي يمكن أن يصبح حمامة سلام، لكن روسيا في الواقع حاولت فرض أجنداتها المختلفة على المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وسخرتها لمشاريعها، واستخدمتها لتشريع مسارات جديدة، كمسار أستانا وسوتشي، ولم تقبل بأي شكل من الإشكال منحهم – ولو شكلياً – دوراً حقيقياً، أو حتى أن تتجاوب مع بعض مطالبهم لذر الرماد بالعيون.

اعتقد البعض أن روسيا يمكن أن تغير موقفها من نظام الأسد، وتضغط عليه لقبول حل سياسي وسط بعيداً عن الحل العسكري، وربما تقنعه بضرورة التخلي عن السلطة لوقف نهر الدماء، لكن روسيا زادت من دعم النظام، ومنعت سقوطه في عدة مراحل، وأيّدت مطالبه وزادته قوة بقوتها، وساهمت في بقائه، وأثبتت مقولة أنها حليفة لأكثر الأنظمة الديكتاتورية سوءاً في العالم، وحتى لو عاملته كتابع، إلا أنها تراه أهم ورقة لعب في يدها، ولم ولن تتخلى عنه مقابل إرادة شعب مسكين.

كذلك اعتقد البعض، أن روسيا تضع أهدافاً استراتيجية عسكرية فقط، لتثبيت التوازنات ونشر السلام في المنطقة، ولن يكون لها أطماع استعمارية احتلالية، لكن واقع الحال، أن روسيا استخدمت الملف السوري بأبشع صوره لتحاول رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عنها، ومن بعدها، سعت للسيطرة على مفاصل في الاقتصاد السوري، واستغلت الظروف لتوقّع مع النظام المأزوم في دمشق صكوك تنازل عن الكثير من أصول سورية الاقتصادية، من سيطرة على الموانئ، وعقود النفط والغاز والفوسفات وغيرها، وكذلك هيأت الطريق، ولوت ذراع أي مفاوضات، لتضمن أن تكون شركاتها هي المستفيد الأساس من أي عملية إعادة إعمار مرتقبة.

وأيضاً، اعتقد البعض أن روسيا التي ترغب بتقديم نفسها من جديد للمجتمع الدولي، ستُظهر الوجه الأفضل، وستحترم الشرعة الدولية، وستتعاون مع الدول الكبرى الأخرى، وتضع معهم ومع الأمم المتحدة خارطة جديدة لإنهاء الصراع في سوريا، لكنها في واقع الأمر عملت بكل ما تستطيع على تعطيل أي حل، واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن 16 مرة، لتوقف قرارات يمكن أن تساهم ولو بشكل غير مباشر بإنهاء الحرب والمقتلة السورية، وأفرغت بطرق ملتوية القرارات الأممية الخاصة بسوريا من مضامينها، ولم تُساهم في إنجاح وتنفيذ أي قرار أممي، من جنيف وحتى 2254.

لا أحد يعرف من أسوأ مِمّن، النظام الروسي أم السوري، فكلاهما سلطة ديكتاتورية تُقيّد الحريات وترفض حرية التعبير، نظامان فاسدان سياسياً ومالياً، نظامان يعتمدان على المؤسسة الأمنية القمعية، لقمع شعبهما قبل إحاكة المؤامرات ضد الشعوب الأخرى، ويعتمدان على مؤسسات الظل والدولة العميقة، نظامان تمييزيان يعتمدان على الحاشية وحاشية الحاشية.

لروسيا مصلحة جيوسياسية للهيمنة على الشرق الأوسط، كمركز توازن استراتيجي عالمي، وتريد الوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط، وتريد فرض نفسها من جديد بعد أن أفل نجمها كقوة عالمية مهيبة، من خلال الورقة السورية، وبطريقها، تريد ضمان عملية نهب غير مباشرة لسوريا على المدى البعيد.

خلال 6 سنوات، فعلت روسيا الكثير، لكن لم يكن ضمنها أي أمر إيجابي، ومع هذا، من المستبعد أن تكون مقتنعة بأنها نجحت، لأن كل المواقف الدولية والتوازنات والمعايير وحتى النظريات، تقول إنه من دون أي تسوية سياسية دائمة ومتوازنة في سوريا، وتفاهمات أميركية – روسية – أوروبية – إقليمية، لن يستقر أي شيء، ولن ينجح أي طرف، وبالتسوية السياسية الدائمة والمتوازنة ستعود في الغالب روسيا لتخسر كل ما كسبته بعنفها وشرورها وعنجهيتها، ولتخسر ما كسبته بعد أن ساهمت مساهمة قوية في تحويل سوريا إلى ركام دولة، بل وربما ستدفع روسيا وقتها أكثر مما اعتقدت أنها قد كسبته في سوريا.

تلفزيون سوريا

————————————

ست سنوات وتجريب الأسلحة الروسية مستمر/ نبيل العلي

مرّت ستّ سنوات على التدخّل العسكريّ الروسيّ في سورية، أثّرت جذريًا في سورية، حاضرًا ومستقبلًا، على المستويات كافة، إذ تسببت في منع سقوط النظام، كما تسببت في تعثّر المسار السياسي، وحرفه على المستوى الدولي، والأهم أنها أسهمت في دمار سورية وخرابها، وأبشع ما جرى خلالها هو استهلاك روسيا أسلحتها البالية فوق رؤوس السوريين، ومن ثم تحويلها للأرض السورية إلى حقل تجارب للأسلحة الحديثة وقيد الاختبار، مستثمرة أبشع وسيلة لتجارة السلاح وتطويره.

تجريب السلاح الروسي في سورية ليس جديدًا على المتابع، بل دأبت روسيا على التفاخر بهذا الإنجاز، وكان آخر إعلان رسمي روسي في تموز/ يوليو، العام الجاري، حيث صرّح سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، بأن الجيش الروسي جرّب أكثر من 320 نوع سلاح مختلف، خلال عملياته في سورية، وأكد خلال تصريحاته الصحفية، في شركة “روست فيرتول” الروسية لصناعة المروحيات، أن الأخيرة طوّرت إحدى مروحياتها نتيجة العمليات العسكرية في سورية، وأن نسبة الأسلحة والمعدات الحديثة لدى الجيش الروسي تصل إلى 7%، متباهيًا بأن هذه النسبة من بين الأعلى بين جيوش العالم.

الوزير الروسي يظهر في وسائل إعلام منذ سنوات، ويُبشّر السوريين بأن موسكو تنوي تجربة سلاح جديد في سورية، بري أو بحري أو جوي، بطيار أو بدون، محدود التفجير أو واسعه، مسموحة دوليًا أو محرّمة، لينضم إلى مئات الأسلحة التي ما زالت تُجرّبها روسيا في حقل اختبار السوريين، كما يؤكّد في تصريحاته أن هناك ضرورة لتجريب هذه الأسلحة، للتأكد من جاهزيتها وخلوّها من الأخطاء، قبل طرحها في أسواق السلاح.

حقل اختبار لأدوات الموت:

وفق وزارة الدفاع الروسية، فإن روسيا جرّبت واختبرت العديد من أنواع الأسلحة، خلال عملياتها في سورية، من بينها طائرات مقاتلة من الجيل الخامس “سوخوي 57” التي اجتازت جميع مراحل الاختبار في سورية، ومنظومات دفاع جزي “بانتسير”، ومدرعات وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وصولًا إلى تجريب روبوتات مقاتلة “أوران 9″، وغيرها كثير.

وفي خطوة غريبة تثير السخرية السوداء، قامت وزارة الدفاع هذا العام، بُعيد اتهام أرمينيا لها، على لسان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشنيان، بأن صواريخ إسكندر لم تكن فاعلة في حرب كاراباخ الأخيرة مع الأذريين، ولم تنفجر أو انفجر منها 10% فقط، بنشر مقاطع فيديو لعمليات سابقة، تتضمن إطلاق صواريخ إسكندر في سورية وانفجارها على الأرض السورية، وغالبًا على أهداف حيّة، لتؤكد للأرمن أن صواريخ إسكندر سليمة ومُجربة وتعمل بشكل سليم، ودليل ذلك أنها استُخدِمت بنجاح في سورية.

لقطات الفيديو لإطلاق صواريخ إسكندر التي نُشرت مُصوّرةٌ في مطار حميميم، الذي تتخذه روسيا قاعدة لقواتها في سورية ومقرًا لإدارة عملياتها العسكرية، حيث أطلق صاروخان باتجاهين مختلفين، أحدهما نحو المشفى الوطني في شمال حلب في مدينة إعزاز، في مناطق سيطرة المعارضة السورية، والآخر نحو مدينة الطبقة في محافظة الرقة فوق منازل، وتظهر اللقطات إطلاق الصاروخين وإصابة الأهداف، حيث سيستخدمه الروس طبعًا كمادة دعائية تسويقية، من قبل لجان مبيع الأسلحة التابعة لوزارة الدفاع الروسية.

لطالما جرّبت روسيا أسلحتها في سورية، ثم عدّلتها وطورتها لتلافي الأخطاء، ثم عادت وجربتها مرة ثانية وثالثة في الساحة السورية نفسها، ولم تخفِ هذا الأمر، بل على العكس تباهت به وبأسلحتها التي صارت جاهزة للبيع ومضمونة الفعالية، بعد أن قتلت عشرات آلاف السوريين، ودمّرت مئات المنازل والمراكز الحيوية في مناطق سيطرة المعارضة السورية، حتى إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إن الحملة العسكرية الروسية في سورية لا تُقدَّر بثمن لتطوير القدرات القتالية للجيش الروسي واختبار أسلحة جديدة.

يصعب حصر جميع الأسلحة التي جرّبتها روسيا في سورية، وبعضها سرّي، غالبًا إما لأنه في طور التجريب ومرحلة السرّية، وإما لأنه محرّم على النطاق الدولي، ومن بين هذه الأسلحة مقاتلات سوخوي 35 و 57، والقاذفة توبوليف 160، والقنابل الذكية وأنظمة الدفاع الجوي، وطائرات بدون طيار، ومدرعات لإزالة ألغام، وصواريخ بحر – أرض بعيدة المدى من نوع (كاليبير) أُطلقت من بحر قزوين لتقطع نحو 1500 كم نحو سورية.

كذلك جرّبت روسيا صواريخ حرارية، ذات وميض هائل، جُرّبت في ريف حلب عام 2016، ووفق الخبراء تأتي هذه الصواريخ بالمرتبة الثانية بالقوة الانفجارية والتدمير، بعد القنابل النووية، وأيضًا جرّبت المروحيات القتالية ك 52، و”بذة جندي المستقبل – راتنيك”، والصواريخ المضادة للدبابات (بي تي أو إر – شتورم”، والمنظومة المضادة للدبابات “فيخر”، وصواريخ جو – أرض “أكس-25″، وأسلحة ليزرية، وقنابل عنقودية جوية، وغيرها الكثير.

جرّبت روسيا أسلحتها في سورية في بيئة مناخية شبه صحراوية وصحراوية جديدة على القوات الروسية، وفي تضاريس أرضية تتطابق مع أرض المعارك، لا تشبه ما اعتاد الجيش الروسي عليه، واكتسب مقاتلو الجيش الروس خبرة مهمّة للمستقبل، على حساب السوريين، وتباهت باعتدائها هذا وتحويلها للأرض السورية إلى حقل تجارب للموت.

التفاخر الروسي:

من دون تأنيب ضمير، وبكثير من اللا إنسانية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عام 2019، إنه بفضل العمليات العسكرية في سورية تم الكشف عن عيوبٍ في الطائرات والمروحيات الروسية، وإن روسيا حسّنت إنتاج هذا السلاح وصححت أخطاءه، لأنه كان من المستحيل الكشف عن هذا أثناء الاختبارات في ميادين التدريب العادية.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو(*): إن الحرب السورية وفّرت لشركات السلاح الروسية مراجعات ميدانية لتعديل عدد من الأسلحة، بعد اكتشاف عيوب بعضها من خلال تجريبها على أرض الواقع في سورية، فيما قال نائبه، يوري بوريزوف، عام 2017، إن بلاده لا تُبالغ إذا أكدت أن خبراء المجمع الصناعي الحربي كانوا بجوار الجيش الروسي في سورية، وقاموا بتحديد العيوب، وإدخال تعديلات في تصاميم الأسلحة والمعدات.

وقال الفريق إيغور ماكوشيف، رئيس اللجنة العلمية العسكرية التابعة للجيش الروسي، عام 2016، إنه لأول مرة في تاريخ القوات البحرية الروسية جرى إطلاق سلسلة صواريخ (كاليبر) المجنحة، من غواصة مغمورة بالمياه، لإصابة أهداف في سورية تبعد 1500 كم، وقال كيريل موروزوف، المهندس العسكري الروسي، إنه من الصعب إدراك كثير من التفاصيل الصغيرة في المصنع، ولهذا فضّلت روسيا الأرض السورية للتجريب.

وقال الإعلام الروسي: إن العملاء المحتملين للسلاح الروسي زادوا كثيرًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وباتوا يثقون بالسلاح الروسي، بعد أن تم تجريبه واختباره ضد السوريين، وأثبت فعاليته على أرض المعركة في سورية، وقال مصدر من هيئة الصادرات العسكرية الروسية: إن روسيا حقّقت هدفين في سورية، الأول الإثبات بأن روسيا تتمتع بقدرات قتالية عالية وتكنولوجيا عسكرية متطورة؛ والثاني اختبار أكثر من نصف الأسطول العسكري الروسي، في ظروف قتالية صعبة.

وكذلك قال يوري بوريسوف، نائب وزير الدفاع الروسي، إن العملاء بدؤوا الاصطفاف من أجل الأسلحة التي أثبتت نفسها في المعركة في سورية، وقال سيرغي سميرنوف، مدير مصنع “شكالوف نوفوسيبيرسك” للطائرات الحربية، إن العمليات العسكرية الروسية في سورية شجعت الجزائر على شراء أسلحة من سورية.

وقال بوريس أوبسونوف، رئيس مؤسسة الصواريخ التكتيكية الروسية، إن الحملة السورية، بالنسبة إلى مؤسسته، أصبحت اختبارًا جادًا، واعترف بأنه قبل سورية، لم يكن ممكنًا اختبار الأسلحة الروسية، وقال يوري بوريسوف، المسؤول في وزارة الدفاع الروسية، إن الزبائن بدؤوا يصطفون للحصول على الأسلحة الروسية التي أثبتت نفسها في الصراع السوري.

إلى ذلك، قال أندريه بوجينسكي، الرئيس التنفيذي لشركة “هيليكوبتر الروسية”، إن شركته أجرت عشرات التعديلات المتعلقة بتصميم الطائرات وأسلحتها، خلال الحملة العسكرية في سورية، فيما قال سيرغي كاراجانوف، المستشار السابق في الكرملين للشؤون السياسة الخارجية، إن أحد الأسباب الرئيسية للتدخل الروسي في سورية هو تدريب القوات العسكرية، واستعادة قدرة روسيا على الرد، وأن ذلك يُعدّ رسالة قوية للمشترين المحتملين، مفادها أن الأسلحة الروسية تعمل بشكل مثالي.

تقول بعض التقديرات إن روسيا أجرت أكثر من 14 ألف تجربة، لمختلف أنواع السلاح الروسي في سورية، منذ بدء التدخل العسكري المباشر لروسيا في سورية، في أيلول/ سبتمبر 2015، هدفها تطوير السلاح الروسي وتأهيله ليُنافس في سوق السلاح العالمي، ولتسجيل ابتكارات في مجال السلاح، كذلك، وفق التقديرات، قامت روسيا بنحو 45 ألف طلعة جوية في سورية، منذ ذلك التاريخ، قامت خلالها الطائرات الروسية بنحو 125 ألف هجوم ضدّ أهداف في مختلف المناطق السورية، ووفق المصادر الروسية الإعلامية، فقد شارك في الحرب السورية 98% من طاقم النقل الجوي الروسي، و90% من طواقم الطيران الحربي الروسي، وكذلك 60% من الطيارين للعمليات بعيدة المدى، فيما شارك أيضًا نحو 30% من المختصين بالدفاع الجوي.

تجارة الموت:

صادرات الأسلحة في روسيا تجارة مهمة وأساسية، وقد جرّبت روسيا أسلحتها في سورية، بالطبع لدعم النظام ومنع سقوطه من جهة، وللترويج للصناعة الحربية الروسية وتطويرها وإثبات جدارتها وإيجاد أسواق جديدة لها، من جهة ثانية، وتُسيطر روسيا على نحو 25% من صادرات الأسلحة عالميًا، وتعدّ آسيا من أهم أسواقها (60%)، ثم أفريقيا (30%)، ثم أميركا اللاتينية (5%)، وتُمثّل الطائرات القتالية نحو نصف المبيعات، والأسلحة البرية 30% منها، والدفاع الجوي 20%.

تجريب روسيا لأسلحتها في سورية، وجرائم الحرب التي ارتكبتها خلال هذا التجريب، والجرائم ضد الإنسانية، تؤكد من جديد أن نظام روسيا يشبه النظام السوري، الذي قبِل أن تتحول بلاده إلى حقل تجريب لسلاح الغير، وتؤكد أن روسيا لا تأبه بالقوانين الإنسانية الدولية، ولا حتى بأخلاقيات الحروب وقوانينها، والغاية، بالنسبة إليها وإلى النظام السوري، تُبرر الوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، ولا تأبه بمطالب الشعوب التي تسعى وتُناضل من أجل الحرية، وإن هذا المؤشر وحده كفيلٌ بأن تتوقف المعارضة السورية كثيرًا أمام أي استراتيجية أو خطة أو مبادرة تتقدّم بها روسيا تمسّ القضية السورية، في المدى القريب والمتوسط، على أقل تقدير.

(*) جميع التصريحات الواردة على لسان شخصيات روسية، منقولة عن مواقع عربية، ترجمتها ونقلتها هذه المواقع عن مواقع روسية رسمية أو شبه رسمية.

———————————–

الكرملين: “محادثات جيدة” مع الرئيس أردوغان والوضع في إدلب “غير مقبول وخطير

أعلن الكرملين أن المباحثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، ستركز على الوضع في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بحسب وكالة (إنترفاكس) الروسية.

وذكر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن الرئيس الروسي سيبحث مع نظيره التركي في أثناء زيارته إلى روسيا يوم الأربعاء المقبل، الوضع في إدلب السورية.

وقال بيسكوف في تصريحات متلفزة مساء أمس الأحد، إن رئيسي البلدين أبديا إرادة سياسية وتمكنا من التوصل إلى اتفاق بشأن إدلب. ووصف العلاقات بين بوتين وأردوغان بأنها “علاقات عمل مبنية على الثقة المتبادلة وجيدة جداً” ما يسهل إجراء “محادثات جديدة” بينهما.

تهديدات تسبق لقاء بوتين- أردوغان

بيسكوف الذي يتوقع “محادثات جيدة” بين الطرفين الروسي والتركي؛ قال في تصريحاته المتلفزة: “للأسف ما تزال الأنشطة الإرهابية مستمرة في إدلب”. وأضاف: “إنه أمر غير مقبول وخطير. إنه أمر يعرقل عملية التسوية في سوريا. والأرجح أن يكون كل ذلك ضمن الأجندة”، مكرراً ما صرّح به وزير الخارجية الروسي لافروف من تهديدات أطلقها أول أمس السبت في نيويورك على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكان لافروف قد صرّح أن “روسيا تستخدم القوة العسكرية في سوريا ضد (الإرهابيين)، بناءً على القرار رقم 2254 الصادر من مجلس الأمن والقاضي بمكافحة الإرهاب بحزم في سوريا”، مضيفاً أنّه “ثمة بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سوريا وهي إدلب، ولا مشكلة بمكافحة الإرهاب هناك”، مهدّداً بأنّ “روسيا لن تتسامح مع الهجمات التي يشنها الإرهابيون من هناك على القوات الروسية وقوات نظام الأسد”، على حد زعمه.

الموقف التركي

من جهته، أشار الرئيس التركي أردوغان في تصريحات صحفية أدلى بها الخميس الماضي، إلى أهمية قمته مع بوتين المزمع عقدها في مدينة سوتشي الروسية في الـ29 من أيلول الجاري. وقال إن أجندة اللقاء ستشمل مستجدات الوضع في منطقة وقف التصعيد في محافظة إدلب السورية وواقع العلاقات الثنائية.

ولفت إردوغان إلى أهمية الدور الذي تلعبه تركيا وروسيا في المنطقة، مشيراً إلى أن أنقرة “لم تلمس أي خلافات تشوب العلاقات مع موسكو”.

إلا أن الرئيس التركي اعتبر أن نظام الأسد يشكل تهديداً على الجنوب التركي، وقال في تصريحات أدلى بها يوم الجمعة الماضي: “ننتظر كثيرا من الرئيس الروسي، خصوصاً أن النظام في سوريا يشكل تهديدًا جنوبي البلاد”. وأضاف: “أتوقع مقاربات مختلفة من بوتين كشرط لتضامننا، ونحن بحاجة إلى خوض هذا النضال معاً في الجنوب”.

وكانت أوساط روسية وتركية متطابقة، قد رجحت أن تسفر القمة عن قرارات مهمة حول ترتيبات الوضع في إدلب، وذهب دبلوماسيون روس إلى ترجيح أن يبحث الرئيسان “تفاهمات جديدة” حول إدلب على خلفية الفشل في تطبيق جزء من بنود الاتفاق السابق الموقع في العام 2018، والذي نص على تولي أنقرة مسؤولية الفصل بين القوى المعتدلة والفصائل المتشددة، فضلا عن إقامة منطقة عازلة يتم إخراج المسلحين والأسلحة الثقيلة منها.

دبلوماسي سوري: “اتفاق جديد وسيادة الحكومة الشرعية”!

من جهته، يرى الدبلوماسي المقرب من الخارجية الروسية رامي الشاعر “أن يتوصل الرئيسان إلى إبرام اتفاق جديد يحدد ملامح الاستمرار في آليات التنسيق بين البلدين” بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”. وأضاف أن هذا التطور ستكون له “أهمية بالنسبة للجانب التركي، مع مراعاة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وسيادة الحكومة الشرعية في البلاد على كافة أراضيها، وهو ما يركز عليه الطرفان دائماً في جميع بياناتهما المشتركة عقب كل اللقاءات التي جرت في الماضي” بحسب الصحيفة.

ولفت الدبلوماسي، إلى أن “العلاقات الروسية التركية مرت بعدد من المحطات المفصلية، إلا أن هذه العلاقات تثبت رسوخاً وقوة مع كل منعطف، ولا أعتقد، بأي حال من الأحوال، أن تمثل مواقف تركيا من عدم الاعتراف بشبه جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، أو موقفها من أوكرانيا أو في ليبيا، وغيرها من مناطق الاختلاف بين البلدين، غيوماً تلبد اللقاء بين بوتين وأردوغان”.

وشدّد الشاعر على أن “المحافظة على العلاقات التركية الإيرانية الروسية العربية، يعد مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة” وفق تعبيره.

بيدرسون ولافروف واللجنة الدستورية

من جانب آخر، سبق لقاءَ الرئيسين أردوغان وبوتين لقاءٌ جمع لافروف والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، بحثا فيه سير العملية السياسية ومسألة استئناف عمل اللجنة الدستورية. وأصدرت الخارجية الروسية بياناً حول اللقاء قالت فيه إن الطرفين “ناقشا بالتفصيل سبل تعزيز العملية السياسية التي يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، مضيفة أن ثمة اهتماما خاصا لمسألة “استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف ومواصلة الحوار السوري المباشر دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي”.

تلفزيون سوريا

————————————

لقاء بوتين ـ إردوغان لـ«تفاهمات جديدة» حول إدلب

تركيا تصعّد ضد «قسد»… وروسيا تستهدف فصائلها

موسكو: رائد جبر أنقرة: سعيد عبد الرازق

لفتت توقعات أوساط دبلوماسية روسية، إلى أن محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، في سوتشي، مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، «ستكون حاسمة» لجهة وضع تصورات مستقبلية للتفاهمات السابقة حول إدلب، في حين مهد الكرملين للقاء، بتأكيد أن موسكو تأمل بعقد «محادثات جيدة» بين الرئيسين.

وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن البحث سوف يتركز على الوضع في إدلب السورية، مع التطرق إلى رزمة واسعة من الملفات التي يتعاون فيها الطرفان، موضحاً أن رئيسي البلدين «أبديا إرادة سياسية وتمكنا من التوصل إلى اتفاق سابق بشأن إدلب»، وزاد: «لكن للأسف لا تزال الأنشطة الإرهابية مستمرة في تلك المنطقة. إن الوضع في إدلب ما زال غير مقبول وخطيراً. إنه يعرقل عملية التسوية في سوريا. والأرجح أن يكون كل ذلك ضمن أجندة النقاش».

في هذه الأثناء، واصلت تركيا التصعيد في مناطق سيطرة تحالف قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، شمال شرقي سوريا، في الوقت الذي واصلت القوات الروسية قصفها الجوي على مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا. وارتفع تعداد القتلى من عناصر «فرقة الحمزة» الموالية لتركيا إلى 11 جراء الغارة الجوية من قِبل الطيران الروسي على مدرسة تتخذها الفرقة مقراً ومعسكراً لها في قرية براد بريف عفرين، شمال غربي حلب.

الشرق الأوسط

——————————-

الكرملين يأمل بـ«محادثات جيدة» مع الرئيس التركي الأربعاء

توقعات بالتوصل إلى تفاهمات جديدة حول إدلب

موسكو: رائد جبر

يعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، في سوتشي، جولة محادثات شاملة مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، ينتظر أن تركز على سوريا مع إيلاء اهتمام خاص لتطورات الأوضاع الميدانية حول إدلب.

ولفتت توقعات أوساط دبلوماسية روسية، إلى أن المحادثات «ستكون حاسمة» لجهة وضع تصورات مستقبلية للتفاهمات السابقة حول إدلب، في حين مهد الكرملين للقاء، بتأكيد أن موسكو تأمل بعقد «محادثات جيدة» بين الرئيسين.

وقال بيسكوف، إن البحث سوف يتركز على الوضع في إدلب السورية، مع التطرق إلى رزمة واسعة من الملفات التي يتعاون فيها الطرفان، موضحا أن رئيسي البلدين «أبديا إرادة سياسية وتمكنا من التوصل إلى اتفاق سابق بشأن إدلب»، وزاد: «لكن للأسف لا تزال الأنشطة الإرهابية مستمرة في تلك المنطقة. إن الوضع في إدلب ما زال غير مقبول وخطيرا. إنه يعرقل عملية التسوية في سوريا. والأرجح أن يكون كل ذلك ضمن أجندة النقاش». ووصف بيسكوف العلاقات بين بوتين وإردوغان، بأنها «علاقات عمل مبنية على الثقة المتبادلة وجيدة جدا»، مما يسهل إجراء «محادثات جيدة وبناءة» بينهما.

وكان الرئيس التركي قد قال في وقت سابق، إن أجندة اللقاء ستشمل مستجدات الوضع في منطقة وقف التصعيد في محافظة إدلب السورية وواقع العلاقات الثنائية. ولفت إردوغان إلى أهمية الدور الذي تلعبه تركيا وروسيا في المنطقة، مشيرا إلى أن أنقرة «لم تلمس أي خلافات تشوب العلاقات مع موسكو».

وكانت أوساط روسية وتركية متطابقة، قد رجحت أن تسفر القمة عن قرارات مهمة حول ترتيبات الوضع في إدلب، وذهب دبلوماسيون روس إلى ترجيح أن يبحث الرئيسان «تفاهمات جديدة» حول إدلب على خلفية الفشل في تطبيق جزء من بنود الاتفاق السابق الموقع في العام 2018، والذي نص على تولي أنقرة مسؤولية الفصل بين القوى المعتدلة والفصائل المتشددة، فضلا عن إقامة منطقة عازلة يتم إخراج المسلحين والأسلحة الثقيلة منها.

ورأى الدبلوماسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، أن الأرجح «أن يتوصل الرئيسان إلى إبرام اتفاق جديد يحدد ملامح الاستمرار في آليات التنسيق بين البلدين». وزاد أن هذا التطور ستكون له «أهمية بالنسبة للجانب التركي، مع مراعاة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وسيادة الحكومة الشرعية في البلاد على كافة أراضيها، وهو ما يركز عليه الطرفان دائماً في جميع بياناتهما المشتركة عقب كل اللقاءات التي جرت في الماضي».

ولفت الدبلوماسي، إلى أن «العلاقات الروسية التركية مرت بعدد من المحطات المفصلية، إلا أن هذه العلاقات تثبت رسوخاً وقوة مع كل منعطف، ولا أعتقد، بأي حال من الأحوال، أن تمثل مواقف تركيا من عدم الاعتراف بشبه جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، أو موقفها من أوكرانيا أو في ليبيا، وغيرها من مناطق الاختلاف بين البلدين، غيوماً تلبد اللقاء بين بوتين وإردوغان».

وحمل حديث الدبلوماسي إشارة إلى الأهمية التي توليها موسكو لتعزيز «مسار أستانة»، مشيرا إلى أن «المحافظة على العلاقات التركية الإيرانية الروسية العربية، يعد مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة». لكن إشارة الشاعر إلى التباين الروسي التركي حول ملفي القرم والوضع في أوكرانيا، اكتسبت أهمية خاصة أخيرا، على خلفية إعلان تركيا رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الروسية في شبه جزيرة القرم، وهو أمر رأى فيه محللون خطوة قد تسفر عن فتور بين البلدين، في حين أشار آخرون إلى أن موسكو وأنقرة نجحتا خلال السنوات الماضية في الفصل بين الملفات الخلافية ومسألة التعاون المتواصل في سوريا.

في غضون ذلك، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، سير العملية السياسية، ومسألة استئناف عمل اللجنة الدستورية. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان، إن الطرفين «ناقشا بالتفصيل سبل تعزيز العملية السياسية التي يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وأضافت أنه «تم إيلاء اهتمام خاص لمسألة استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف ومواصلة الحوار السوري المباشر دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي».

وفي وقت لاحق، أعلن لافروف أن موسكو ستتوقف عن دعمها لآلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، في حال استمرار تجميد إيصالها عبر دمشق. وقال خلال مشاركته في الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه «إذا لم يتم الآن اتخاذ خطوات ملموسة لتحرير إيصال المساعدات الإنسانية عبر دمشق، وفق ما تتطلب ذلك قواعد القانون الإنساني الدولي سوف نتوقف عن دعم هذه «الأمور غير الشفافة العابرة للحدود».

وتطرق إلى الوضع في شمال غربي سوريا مؤكدا أن «القوات الروسية تستخدم القوة العسكرية هناك ضد الإرهابيين بناء على قرار من مجلس الأمن الدولي». وشدد لافروف على أن روسيا لن تتسامح مع الهجمات التي يشنها الإرهابيون من منطقة وقف التصعيد في إدلب ضد القوات الروسية وقوات الجيش السوري.

وفي سياق آخر، قال الوزير الروسي إن موسكو تدعو إلى رفع القيود المفروضة من قبل الكونغرس الأميركي عن الاتصالات بين العسكريين الروس والأميركيين في سوريا. وأعرب عن ثقته بأن رفع هذه القيود «لن يسهم في نزع التوتر في سوريا فحسب، بل سيخدم تطوير الحوار بين موسكو وواشنطن حول قضايا التسلح».

وذكر لافروف أن موسكو في اتصالاتها مع واشنطن حول سوريا، تشير بشكل متواصل إلى عدم شرعية وجود الولايات المتحدة في الأراضي السورية شرقي نهر الفرات، وعدم قبول الوضع الناجم عن احتلال القوات الأميركية لمنطقة التنف ومخيم الركبان على الحدود مع الأردن. ولفت إلى أن الاتصالات بين الجانبين تجرى على مستوى وزارتي الخارجية الروسية والأميركية، ومجلسي الأمن القومي في البلدين.

الشرق الأوسط

—————————

روسيا تضرب «غصن الزيتون» التركي شمال سوريا

قواتها دخلت «مثلث الموت» غرب درعا

إدلب: فراس كرم – درعا: رياض الزين

وسّعت روسيا أمس، من غاراتها على شمال سوريا وشمالها الغربي، وضربت طائراتها منطقة «غصن الزيتون» التي أقامتها تركيا في ريف حلب؛ ذلك مع اقتراب موعد القمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في سوتشي الأربعاء المقبل.

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن ثلاث مقاتلات روسية شنت صباح السبت 13 غارة جوية على بلدة الفوعة، ومحيط مناطق الرويحة وعين شيب بريف إدلب، وغارتين جويتين على مناطق دوير الأكراد والسرمانية في أقصى ريف حماة الغربي.

وأضاف «المرصد»، أن الطيران الروسي استهدف بـ5 غارات جوية منطقة «غصن الزيتون» في ريف عفرين شمال غربي حلب، الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني المدعوم من أنقرة، حيث طالت الغارات الجوية نقاطاً عسكرية تابعة لفصيل «الجبهة الشامية» الموالي لتركيا في منطقتي باصوفان وباصالحية في ناحية شيراوا جنوب غربي عفرين، مشيراً إلى أنه ارتفع عدد الغارات الجوية الروسية إلى 200 غارة منذ مطلع الشهر الجاري سبتمبر (أيلول) حتى الآن، واستهدفت منطقة (بوتين وإردوغان) أو ما تعرف بمنطقة «خفض التصعيد»، ومنطقة «غصن الزيتون» شمال وشمال غربي سوريا.

على صعيد آخر، دخلت قوات النظام السوري برفقة الشرطة العسكرية الروسية، إلى بلدة سحم الجولان في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، يوم السبت، وبدأت بتطبيق «الخريطة الروسية» في «مثلث الموت» في الجنوب، وأنشأت في إحدى مدارس بلدة سحم الجولان مركزاً لتسوية أوضاع الراغبين والمطلوبين في المنطقة، وذلك بعد الاتفاق الذي توصل إليه وجهاء منطقة حوض اليرموك واللجنة المركزية للتفاوض في ريف درعا الغربي مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام في درعا والجانب الروسي الخميس الماضي.

—————————

روسيا توسّع مروحة الغارات في شمال سوريا

استهداف الفوعة بريف إدلب و«غصن الزيتون» في ريف حلب

إدلب: فراس كرم

تجدد أمس، القصف الجوي الروسي والقصف البري من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية على مناطق متفرقة شمال غربي سوريا، بينها مناطق جديدة، في الوقت الذي يشهد فيه القطاع الطبي شبه انهيار، أمام ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات للمواطنين بفيروس «كورونا».

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن ثلاث مقاتلات روسية شنت صباح السبت 13 غارة جوية بصواريخ فراغية شديدة الانفجار، على بلدة الفوعة، ومحيط مناطق الرويحة وعين شيب بريف إدلب، وغارتين جويتين على مناطق دوير الأكراد والسرمانية في أقصى ريف حماة الغربي.

وأضاف «المرصد»، أن الطيران الروسي استهدف بـ5 غارات جوية منطقة «غصن الزيتون» في ريف عفرين شمال غربي حلب، الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني المدعوم من أنقرة، حيث طالت الغارات الجوية، نقاطاً عسكرية تابعة لفصيل «الجبهة الشامية» الموالي لتركيا، في منطقتي باصوفان وباصالحية في ناحية شيراوا جنوب غربي عفرين، دون ورود معلومات عن سقوط خسائر بشرية، منوهاً إلى أنه ارتفع عدد الغارات الجوية الروسية إلى 200 غارة منذ مطلع الشهر الجاري سبتمبر (أيلول) حتى الآن، استهدفت منطقة (بوتين وإردوغان) أو ما تعرب بـمنطقة «خفض التصعيد»، ومنطقة «غصن الزيتون» شمال وشمال غربي سوريا.

وكان «المرصد»، وثق في 31 أغسطس (آب) الماضي، قصفاً جوياً روسياً استهدف معسكراً تابعاً لفصيل «فيلق الشام» المقرب من المخابرات التركية، بـ5 غارات جوية في قريتي أسكان والجلمة بريف ناحية جنديرس جنوب مدينة عفرين، في تطور لافت يعتبر حينها الأول من نوعه حول القصف الجوي على أحد المعسكرات لفصائل موالية لتركيا في منطقة غصن الزيتون الخاضعة للنفوذ التركي والفصائل الموالية لتركيا، وأسفرت الغارات الروسية حينها، عن سقوط 5 جرحى من عناصر الفصيل.

واندلعت اشتباكات بين قوات النظام من طرف، وفصائل «الجيش الوطني» الموالي لتركيا، من طرف آخر على محور قرية صوغانكه بناحية شيراوا صباح السبت، أصيب على إثرها أربعة عناصر من قوات النظام بجروح متفاوتة، نُقلوا إلى مشافي نبل والزهراء في حلب لتلقي العلاج، يأتي ذلك بعد محاولة تسلل قامت بها فصائل «الجيش الوطني» الموالي لتركيا على نقطة متقدمة لقوات النظام في قرية صوغانكه، لتندلع اشتباكات عنيفة بين الطرفين، كما أصيب عدد من عناصر الجيش الوطني جراء وقوعهم بحقل الألغام في أثناء انسحابهم، حسب «المرصد».

وقال محمد حسون وهو عضو في الهيئة السياسية في إدلب، إن «دخول مناطق جديدة بعيدة عن خطوط التماس بين المعارضة وقوات النظام، مثل مناطق الغسانية والعالية والفوعة بريف إدلب على قائمة الاستهداف الجوي من قبل الطيران الحربي الروسي في شمال غربي سوريا، وأيضاً استمرار العدوان الجوي والبري من روسيا وقوات النظام بشكل يومي على مناطق جبل الزاوية ومناطق عمليات الجيش التركي، هو بمثابة رسائل ضغط من قبل الجانب الروسي على تركيا، لفرض شروط جديدة على الجانب التركي فيما يتعلق بالشأن السوري والمناطق الخاضعة لنفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها، شمال غربي سوريا وشرقها».

ويضيف، «ربما تحاول روسيا أيضاً من خلال التصعيد العسكري الحالي، فرض اتفاق جديد مع الجانب التركي بالملف السوري، بمنأى عن مخرجات اتفاق موسكو مارس (آذار) 2020، الذي ينص على وقف إطلاق النار بين فصائل المعارضة السورية المسلحة وقوات النظام بضمانة الجانب الروسي للنظام والتركي للمعارضة، شمال غربي سوريا، وفرض حل سياسي معين يتناسب مع وجهات نظرها، ومن المرجح أن يكون أحد المطالب الروسية من الجانب التركي هو انسحاب فصائل المعارضة من المناطق الواقعة أسفل الطريق الدولي (حلب – اللاذقية) إلى شماله».

من جهته، قال النقيب ناجي مصطفى قيادي في غرفة عمليات «الفتح المبين» التابعة لفصائل المعارضة المسلحة بريف إدلب: «لقد بات مقاتلو الفصائل على أهبة الاستعداد والجاهزية العالية لمواجهة أي هجوم محتمل من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية بريف إدلب»، منوهاً، إلى أنه «تم استهداف 6 مواقع عسكرية مهمة لقوات النظام في حزارين وسراقب داديخ بريف إدلب ومحور بالا بريف حلب الغربي بقذائف صاروخية ومدفعية ثقيلة، ما أدى إلى مقتل ضابط من قوات النظام وعدد من عناصره».

في سياق منفصل، تشهد عموم المناطق في شمال غربي سوريا، ارتفاعاً كبيراً بأعداد المصابين بفيروس «كورونا».

وقال محمد حمادي مسؤول الإعلام والتوثيق في الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء»، إن الفرق المختصة نقلت خلال الساعات الماضية 18 حالة وفاة بينهم 8 نساء من المشافي الخاصة بفيروس «كورونا» في شمال غربي سوريا وجرى دفنها وفق الإجراءات الاحترازية، وتم أيضاً نقل 35 مصاباً من بينهم 15 امرأة إلى مراكز ومشافي العزل، مع استمرار عمليات التطهير للمرافق العامة وتوعية المدنيين.

——————————

لافروف يهدد بالحرب:”بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سوريا

لافروف يهدد بالحرب:”بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سوريا” بيدرسن يناقش مع لافروف سير العملية السياسية في سوريا (Getty)

هدد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بشنّ حرب جديدة في إدلب قائلاً إن هناك “بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سوريا وهي إدلب ولا مشكلة بمكافحة الإرهاب هناك”، مهدداً بوقف إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا في حال عدم التعاون مع النظام السوري.

وأضاف لافروف في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك ليل السبت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن “مواقع القوات الروسية، ومواقع قوات النظام السوري تتعرض لهجمات في منطقة وقف التصعيد ولن نسمح بذلك”.

وتابع لافروف  قائلاَ: “نستخدم القوة هناك بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 القاضي بمكافحة الإرهاب بحزم في سوريا”. كما لافروف على أن روسيا لن تتسامح مع الهجمات التي يشنها “الإرهابيون” من منطقة وقف التصعيد في إدلب ضد القوات الروسية وقوات النظام السوري.

كما أعلن لافروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيبحث مع نظيره التركي التركي رجب طيب أردوغان آخر التطورات في محافظة إدلب، خلال اجتماعهما المزمع عقده في 29 أيلول/سبتمبر.

اللجنة الدستورية

من جهة ثانية أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن لافروف بحث مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن سير العملية السياسية في سوريا، ومسألة استئناف عمل اللجنة الدستورية، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وقالت الخارجية إنهما “ناقشا بالتفصيل سبل تعزيز العملية السياسية التي يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

وأضافت أنه “تم إيلاء اهتمام خاص لمسألة استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف ومواصلة الحوار السوري المباشر دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي”.

وكان بيدرسن أعلن في 11 أيلول/سبتمبر من دمشق أنه توصل مع وزير الخارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى اتفاق على البنود الأساسية للجولة القادمة من اللجنة الدستورية، واصفاً المحادثات بأنها “جيدة للغاية”.

وقال بيدرسن في مؤتمر صحافي مشترك مع المقداد: “لقد أجرينا مناقشات جوهرية وجيدة للغاية”. وتابع: “ناقشنا التحديات الاقتصادية والإنسانية في سوريا، والتحديات المرتبطة بسبل العيش، والجهود التي يُمكننا القيام بها للمساعدة في تحسين هذا الوضع”.

كما التقى بيدرسن قبل أيام في إسطنبول رئيس الائتلاف الوطني سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض، أنس العبدة.

وقال العبدة بعد اللقاء “ركزنا على ضرورة التطبيق الكامل للقرار 2254، وأكدنا على أهمية تحقيق تقدم حقيقي في قضية المعتقلين لإطلاق سراحهم بأسرع وقت ممكن، لأن بقاءهم في المعتقلات بحد ذاته يُقوض العملية السياسية، ويُفقدها مصداقيتها”.

وأشار المسلط إلى مطالبته “بعدم اقتصار العملية السياسية على صياغة الدستور، وضرورة فتح مسارات الانتقال السياسي كافة المنصوص عليها في القرار الدولي 2254”.

وأضاف “شددنا خلال اللقاء على ضرورة وجود آليات عملية ومهام مجدولة ضمن خط زمني واضح، بما يضمن مواجهة العراقيل والعوائق التي يختلقها النظام”.

المدن

——————————

روسيا تلوّح بورقة المساعدات الإنسانية عبر النظام لكسر حصار الشمال السوري/ عدنان عبد الرزاق

أعادت روسيا فتح ملف المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، كورقة ضغط إضافية لكسر الحصار عن النظام السوري وحصر المساعدات الدولية بدمشق ليتم توزيعها عبر “الخطوط لا عبر الحدود” وإلغاء دخول المساعدات إلى مناطق شمال غرب سورية “المحررة” عبر معبر باب الهوى السوري التركي.

وهدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بأن بلاده ستوقف دعمها لآلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية، في حال استمرار تجميد إيصالها عبر دمشق، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي أمس السبت، على هامش مشاركته في الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك “إن لم يتم الآن اتخاذ خطوات ملموسة لتحرير إيصال المساعدات الإنسانية عبر دمشق وفق ما تتطلب ذلك قواعد القانون الإنساني الدولي، سوف نتوقف عن دعم هذه الأمور غير الشفافة العابرة للحدود”.

وهو ما رآه العامل في الشأن الإغاثي، محمود عبد الرحمن محاولة ضغط من روسيا على المجتمع الدولي بشكل عام وعلى تركيا، قبل الاجتماع المرتقب بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، في سوتشي الأسبوع 29 سبتمبر/أيلول الجاري “لأن إدلب والمساعدات الإنسانية أهم نقطة على جدول اللقاء”.

ويشير عبد الرحمن من مخيم روحين شمالي إدلب لـ”العربي الجديد” إلى أن روسيا خرقت قرار مجلس الأمن الدولي وأدخلت ثلاث شاحنات الشهر الماضي إلى محافظة إدلب “معرة النعسان”، عبر معبر “ميرناز” غربي حلب، مستغرباً “كيف دخلت ومع من نسّق النظام من الفصائل”.

وحول حجم المساعدات، عينية ومادية، يؤكد عبد الرحمن أنها تراجعت كسلال غذائية إلى نحو 50 كلغ شهرياً ولم تعد المساعدات المالية، كما السابق، تصل لجميع النازحين، بل تقتصر على بعض الأسر الفقيرة وزوجات الشهداء، محذراً من شتاء قاس بواقع افتقار النازحين لأبسط طرق التدفئة والحدود الدنيا من الغذاء الذي يبقيهم على قيد الحياة “نتكلم عن الطعام والتدفئة ولا نشير إلى الأمراض بعد عودة كورونا أو حرمان الأطفال من المدارس”.

ويتخوف سوريون من عودة تحكم نظام بشار الأسد بغذاء السوريين في المناطق المحررة، بواقع فشله في تأمين متطلبات الحياة للسوريين ضمن مناطق سيطرته، بعد ارتفاع نسبة الفقر هناك إلى 90% وارتفاع تكاليف المعيشة إلى أكثر من عشرين ضعف الدخل الشهري، وأن تتخذ روسيا، هذه الذريعة كورقة ضغط على المعارضة والمجتمع الدولي لزيادة الانفتاح على الحكومة السورية التي تصفها بالشرعية وتخالف قرار مجلس الأمن الصادر في شهر أغسطس/آب الماضي.

ويقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل إنه على الصعيد القانوني، لا يوجد خرق أو مشكلة حتى اليوم، بل الأطراف جميعها ملتزمة بقرار مجلس الأمن بـ”تمديد إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى لمدة عام على مرحلتين” ولكن المشكلة المتوقعة، أن روسيا تمهد منذ اليوم لإيقاف القرار خلال مناقشته بعد انقضاء الأشهر الستة الأولى، وستحاول الضغط لإدخال المساعدات عبر حكومة الأسد وأنها قادرة على القيام بدورها تجاه الشعب، خاصة أنها مهدت لذلك الشهر الماضي عبر ثلاث شحنات “بذلك تكون قد أعادت الشرعية للنظام وفتحت باب التعاون الدولي معه وأوجدت خرقاً بقانون قيصر”.

ويضيف قرنفل لـ”العربي الجديد” أنه على الصعيد الإنساني ستزيد معاناة السوريين في المناطق المحررة جراء تحكم نظام الأسد بإدخال المساعدات وسيكون بذلك بداية للمطالبة بعودة كامل الجغرافية السورية إلى سيطرة الأسد، وهذه هي الخطوة النهائية التي تعلب عليها روسيا ونظام بشار الأسد.

ويرجح مراقبون أن التلويح الروسي اليوم “هدفه تركيا” قبيل الاجتماع المرتقب بين الرئيسين الأسبوع الجاري، لأن قرار مجلس الأمن في تموز الماضي، كان واضحاً بعد تصويت 15 دولة على مشروع القرار المشترك الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة والنرويج وأيرلندا بـ”تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية لمدة عام عبر معبر باب الهوى” وذلك من أجل تلبية الحاجات الملحة للشعب السوري وتخفيف معاناتهم على نحو يحفظ كرامتهم.

ويتوقع المحلل التركي، سمير صالحة “أن تكون هذه النقطة عقدة بوجه المنشار” خلال اللقاء المرتقب بين بوتين وأردوغان الأربعاء المقبل في سوتشي، لأن الطرح الروسي اليوم “يخالف التفاهمات بين البلدين ويقفز على قرار مجلس الأمن”، ما يعني أننا أمام مواجهات جديدة وسيناريوهات مختلفة “الأرجح ستنعكس على زيادة التصعيد الميداني الذي بدأته روسيا منذ شهر ويزيد من تشريد السوريين وتجويعهم”.

ولا يستبعد صالحة خلال تصريحه لـ”العربي الجديد” أن تطلب روسيا “تنازلات تركية” مقابل استمرار إدخال المساعدات الإنسانية لعام، “لكنها ستعاود فتح هذا الملف على الدوام” مبيناً أن من التنازلات التي تطمح إليها موسكو” إقفال ملف المنطقة الآمنة وحصر تركيا بمناطق محددة على الشريط الحدودي والتعهد بمحاربة من تصفهم موسكو والأسد بالإرهابيين في إدلب”، وهذا ما لا يمكن أن توافق عليه بلاده التي تسعى برأيه، إلى حل مشكلة السوريين وعودتهم الآمنة إلى بلادهم، فـ “تركيا معنية لأسباب جغرافية ولأنها تستضيف أكبر عدد من السوريين نحو 3.7 ملايين سوري”.

معاناة مع ارتفاع أسعار المحروقات في ريف إدلب

وبحسب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوكوك فإن “أكثر من 13 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، في حين يعتمد أكثرُ من 4 ملايين آخرين في شمالي غربي البلاد على المساعدات الغذائية”، وهم مهددون اليوم، بعد التصريح الروسي، بحسب ما يقول الاقتصادي السوري محمود حسين لـ”العربي الجديد”.

ويشير حسين إلى أن أكثر من 1.4 مليون سوري، أضيفوا إلى قوائم الجوعى والمحتاجين للمساعدات، بعد تصريحات الأمم المتحدة، لأن الأسعار ارتفعت بنحو 200% خلال عام كان حصة الشهرين الماضيين، أكثر من 40% منها، معتبراً أن “قبض نظام الأسد على المساعدات وتحكمه بتوزيعها” سينعكس عليه بمنافع سياسية لها علاقة بالاعتراف به وعودة التعامل الدولي معه، وبمكاسب اقتصادية تعينه على الاستمرار بواقع ملامح الإفلاس والعجز عن تأمين القمح والمشتقات النفطية.

وأشار إلى أن نظام الأسد يصل إليه القسم الأكبر من المساعدات الدولية، ويستخدمها للحرب، بل يبيع المساعدات الأممية بمؤسساته الحكومية ويوزعها على المقاتلين “هذه ليست اتهامات، بل هناك توثيق بالصور لبيع المساعدات الأممية ومنحها طعاماً للمليشيات”.

العربي الجديد

————————–

=====================

تحديث 29 أيلول 2021

——————————–

هل هي بوادر اتفاق أميركي روسي حول سورية؟/ عبد الباسط سيدا

وأخيرًا، تمكّن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون من زيارة دمشق، ولقاء وزير خارجية سلطة بشار الأسد، وذلك في محاولة لتحريك ملفّ اللجنة الدستورية، وقد عقد كذلك اجتماعات مع المعنيين بالملفّ ذاته، من جانب المعارضة الرسمية، في إسطنبول.

وبالتزامن مع هذا التحرك، جرت، وتجري، اتصالات بين الجانبين الأميركي والروسي حول سورية، وسبر إمكانية التفاهم على خطوات محددة، قد تكون مكمّلة لتلك التي تمت في إطار التمهيد لتمرير قرار مجلس الأمن رقم 2585 تاريخ 9 تموز/ يوليو 2021 الخاص بتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر (باب الهوى).

وقبل ذلك، كانت هناك لقاءات إقليمية تُوّجت بمؤتمر بغداد، في محاولة لإيجاد صيغة من التوافق في الموضوع السوري، خاصة بعد صدور تصريحات أميركية بيّنت عدم وجود نيّة عند الولايات المتحدة لتغيير النظام في دمشق، وإنما هناك رغبة في تعديل سلوكاته. وفي هذا الإطار، جاء الإعلان الأميركي حول موضوع استجرار الغاز من مصر إلى لبنان، عبر الأردن وسورية، وهو موضوع لم يكن له أن يكون، لولا تفاهمات إقليمية-دولية، أسهمت على الأرجح في إطلاق عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، برئاسة نجيب ميقاتي.

ويضاف إلى ذلك أنّ ما سُرّب، حول إمكانية عقد لقاء بين هاكان فيدان (رئيس المخابرات التركية) وعلي مملوك (نائب بشار الأسد للشؤون الأمنية) في بغداد، يشير هو الآخر إلى قابلية الوصول إلى تفاهمات بين الجانبين التركي والسوري الرسمي، ربّما تترجم في صيغة مقايضات في المناطق الشمالية من سورية، سواء من جهة الغرب أم الشرق. ولكن كلّ ذلك لن يكون بعيدًا عن عِلم الجانب الأميركي، وربّما يكون بضوء أخضر منه.

أثار لقاء بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو كثيرًا من التساؤلات والتكهنات، حول الخطوات اللاحقة، والتفاهمات الإقليمية والدولية حول الموضوع السوري. وقد كان لافتًا تصريح الرئيس الروسي بأن النظام يسيطر على 90% من الأراضي السورية؛ في حين أن منطقة شرقيّ الفرات وحدها (التي تسيطر عليها قوات “قسد” واجهة حزب “العمال الكردستاني”، بالتعاون مع الأميركان) تشكّل ثلث مساحة سورية!

وما دفع المراقبين إلى التركيز على هذه الزيارة، ومحاولة فهم دلالاتها وأبعادها، هو أنها جاءت غداة الترتيبات التي تمت في منطقة درعا، بتدخل وإشراف روسيين مباشرين، وعشية لقاء مهم بين الجانبين الروسي والأميركي في جنيف، كان من المتوقع أن يكون تكملة لخطوات التنسيق في الموضوع السوري، التي كانت بين الجانبين حتى الآن.

وعلى الرغم من التباين في التقديرات والأولويات والحسابات بينهما، يُلاحظ أن التنسيق العام هو سيد الموقف. وما حصل في منطقة درعا قبل أيام لم يكن هو الآخر بعيدًا عن التفاهمات القائمة بين الجانبين، خاصة بعد زيارتي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى كل من واشنطن وموسكو. إلا أن الجدل الأساس يتمحور حاليًا حول منطقة شرقي الفرات. والسؤال الجوهري في هذا المجال هو: هل سيستمرّ الوجود الأميركي هناك، وهو الوجود الذي يعتمد ميدانيًا على (قسد)؟ أم أننا سنشهد انسحابًا أميركيًا، بشرط وضع حدّ للنفوذ الإيراني، لصالح تعزيز الوجود الروسي الذي من الواضح أنه يُطمئن إسرائيل أكثر من الوجود الإيراني؟ أمّا مشروع (قسد) نفسه فهو الآخر سيكون جزءًا من التفاهمات التي ستكون بين الروس والأميركان من جهة، وبين الروس ونظام بشار من جهة ثانية.

فالجانب الأميركي تركيزه على العراق، واستراتيجيته في منطقة شرقي الفرات تتمحور حول الحد من النفوذ الإيراني هناك، وهو النفوذ الذي بات متغلغلًا في مفاصل الدولة والمجتمع السوريين. فإذا أبدى الروس استعدادهم للقيام بهذه المهمة، وتمكّنوا من إقناع بشار، أو فرضوا عليه ذلك، فحينئذٍ لن تكون هناك مشكلة عند الجانب الأميركي في الانسحاب من المنطقة المعنية، وذلك مقابل تفاهمات في أمكنة أخرى مع الروس.

أما “حزب العمال الكردستاني” العمود الفقري والطرف المهيمن في (قسد) ومشروع “الإدارة الذاتية”، فإنه لا يجد أي حرج في التفاهم مع نظام بشار، وهو الذي لم تنقطع علاقته معه في يوم ما؛ وهي علاقة مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. فمن حيث المبدأ، لا توجد مشكلة لدى هذا الحزب في الإعلان مجددًا عن علاقاته المستمرة مع النظام، وإنما التفاصيل الخاصة بكيفية الإخراج والتسويق هي التي قد تأخذ بعض الوقت.

خلاصة القول: ما يُستنتج، من جملة التحرّكات واللقاءات والتصريحات والتسريبات التي تتمحور حول الموضوع السوري، هو أن الجانبين الأميركي والروسي قد قطعا شوطًا كبيرًا في طريق التفاهمات في الموضوع السوري، خاصة من جهة معرفة كل طرف بحسابات وأولويات الآخر، سواء في سورية أم في كل من لبنان والعراق، أو في مناطق أخرى من العالم.

أما التأثير السوري المعارض، فقد بات صفريًا، بكل أسف، وذلك نتيجة ارتباط “منصّات المعارضة الرسمية” المختلفة بأجندات القوى الإقليمية والدولية، وهي في وضعية انتظار التوافقات التي ستكون، وتمنّي النفس بإمكانية الحصول على موقعٍ هنا أو هناك، في إطار الصفقات التي ستتم بين اللاعبين الدوليين والإقليميين.

وعلى الرغم من أن هناك جهودًا كثيرة بُذلت من قبل مجموعات سورية، هنا وهناك، بهدف تشكيل تحالفات أو جبهات واسعة تضمّ مختلف التيارات السياسية والفكرية، أو حتى الدعوة إلى مؤتمر عام يتبنّى برنامجًا وطنيًا عامًا يُجمع عليه السوريون؛ فإن تلك الجهود كانت تصطدم دائمًا بالخلافات الناجمة عن عدم القدرة على تحديد الأولويات، والعجز عن التحرر من الأوهام الأيديولوجية، أو الأجندات الخاصة بحسابات محلية أو إقليمية.

وإنّ عدم إقدام القوى السياسية التي كانت في صدارة العمل المعارض حتى الآن على إجراء مراجعات جريئة جادة، وإعادة تقييم ما حدث من جهة الأخطاء التي ارتُكبت والشعارات التي رُفعت والتحالفات الاستراتيجية التكتيكية التي كانت والاصطفافات التي ترسّخت، فضلًا عن الممارسات والتصريحات السلبية التي أخفقت في طمأنة جميع السوريين من دون أيّ استثناء، إضافة إلى عدم وجود تصوّر واضح لكيفية ترميم النسيج المجتمعي الوطني السوري.. كلّ هذه الأمور وغيرها ما زالت تعوق إمكانية الاستفادة من التجارب السابقة، وما زالت تسدّ الأبواب أمام جهود مشتركة مسؤولة، كان من شأنها توحيد الطاقات وتركيزها في خدمة مشروع وطني سوري عام، يشمل كلّ السوريين، ويُطمئن الجميع.

مركز حرمون

——————————–

سحق الثورة وأنقذ الأسد.. كيف غير التدخل الروسي ميزان القوى في سوريا؟/ عمر يوسف

إدلب – لم يكن أشد المتشائمين يشك في أن مسألة سقوط النظام السوري قبل تاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2015 باتت أمرا حتميا أمام ضربات المعارضة السورية العسكرية وخسارته أكثر من ثلثي مساحة سوريا وتقهقر قواته للدفاع عن مراكز المدن الكبرى والعاصمة دمشق، قبل أن تقلب روسيا المعادلة رأسا على عقب.

فقبل 6 سنوات من تاريخ اليوم، كان النظام السوري يسيطر على نحو 22% فقط من الأراضي السورية، بينما كانت المعارضة السورية تنتزع من الأراضي والمساحات الجغرافية الواحدة تلو الأخرى معتمدة على نموذج حرب العصابات وقتال الشوارع، في نموذج غير تقليدي لمواجهة جيش النظام.

لكن التدخل العسكري الروسي شكل نقطة تحول فاصلة في تاريخ الثورة السورية وغير موازين القوى على الأرض، إذ زجت موسكو بقوتها العسكرية الهائلة لتدفع المعارضة السورية إلى التراجع وخسارة مناطق إستراتيجية لم يكن النظام السوري يجرؤ على الاقتراب منها طوال أيام الثورة ومعاركها.

بداية التدخل

رغم أن روسيا كانت تدعم النظام السوري بالسلاح منذ بداية الصراع العسكري مع المعارضة السورية المسلحة، فإنها لم تنخرط فعليا في القتال لصالحه إلا في نهاية سبتمبر/أيلول 2015 بذريعة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ونفذ حينها سلاح الطيران الحربي الروسي أولى غاراته على مناطق عدة تابعة للمعارضة السورية في حلب وحمص وإدلب.

وبحسب مصادر المعارضة السورية، فإن الغارات الروسية الأولى استهدفت عناصر جيش العزة، أحد تشكيلات المعارضة السورية المسلحة في ريف حماة وقتل خلال الغارات أكثر من 30 من عناصره.

ويرى المدير العام لمركز جسور للدراسات، محمد سرميني، أن التدخل الروسي في سوريا جاء بناء على تحريض وتشجيع إيراني قاده القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وفقا للرواية الإيرانية التي نُشرت بعد مقتل سليماني، كما أن العديد من المؤشرات أظهرت موافقة أميركية -ضمنية على الأقل- على هذه المشاركة.

وقال سرميني -في حديث للجزيرة نت- إن روسيا بدأت تدخلها بشكل استعراضي باستخدام القصف الجوي الشديد، الذي أدى إلى رفع عدد الضحايا من المدنيين بشكل كبير، لكنه ساعد في كسر كل القوى المعارضة للنظام، وغير فعليا من مسار الأحداث في سوريا منذ ذلك الحين.

اتبعت القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة في سوريا لاستعادة المناطق من المعارضة السورية (الجزيرة)

سقوط المدن والتهجير

ومع الانخراط الواسع لسلاح الجو الروسي في حرب النظام السوري ضد المعارضة، بدأت الأخيرة في موقف ضعف وتراجع عن مناطق إستراتيجية شمالي وجنوبي سوريا، على وقع سياسة الأرض المحروقة التي حولت المدن السورية إلى أنقاض.

ويعتبر التدخل الروسي أحد أبرز أسباب خسارة المعارضة السورية مدينة حلب التي توصف بأنها عاصمة الشمال، حيث نفذ الروس حملة عسكرية واسعة النطاق لتغطية هجوم النظام البري على الأحياء الشرقية للمدينة عام 2016 باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا.

وتسببت الحملة في مقتل وجرح الآلاف ودمار هائل في البنى التحتية للمدينة، وانتهت بانسحاب المعارضة السورية من المدينة نحو الريف الغربي والشمالي، إضافة إلى تهجير آلاف المدنيين من منازلهم ضمن -ما وصفت بأنها- أوسع حملة تهجير قسري لمعارضي النظام السوري.

وتوالى سقوط المدن والمناطق، وأصبح التهجير القسري بالحافلات الخضراء عنوانا للسنوات القادمة من عمر التدخل الروسي.

ويصف المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي سقوط حلب بيد النظام بأنه دفع إلى سقوط العديد من المناطق التي كانت بحوزة المعارضة مثل أحجار الدومينو، جراء الدعم العسكري الروسي الكثيف من قاعدة حميميم وطيران السوخوي الروسي.

وأشار العكيدي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن روسيا منعت سقوط النظام السوري عسكريا عبر استعادة عدة مناطق بتقديم الدعم اللوجستي الواسع لقواته.

ففي عامي 2017 و2018، خسرت المعارضة السورية معاقل مهمة في دمشق وريفها في الغوطة، وارتكب الروس مجازر دامية في مدن دوما وحرستا وعربين وغيرها، قبل أن يستخدم النظام السوري السلاح الكيماوي لإجبار المعارضة على الاستسلام والخروج إلى الشمال السوري.

القصف الروسي العنيف خلف دمارا واسعا في مدينة حلب وأجبر المعارضة على الانسحاب منها (الجزيرة)

حصيلة دامية

وفي أحدث تقرير ميداني للدفاع المدني السوري صدر يوم 20 سبتمبر/أيلول الجاري وحمل اسم “لا بوادر لوقف قتل وتهجير السوريين” تزامنا مع ذكرى التدخل العسكري الروسي في سوريا، وثق الفريق الانتهاكات بحق المدنيين على مدار 6 سنوات.

وبحسب التقرير، فإن أكثر من 12 ألف مدني في سوريا قتلوا وجرحوا على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري هناك، وتحديدا خلال الفترة الممتدة من 30 سبتمبر/أيلول عام 2015 وحتى 20 سبتمبر/أيلول الجاري.

وبلغ عدد الهجمات الروسية بحسب توثيقات الدفاع المدني السوري 5586 هجوما، وهذه ليست كل الهجمات وإنما فقط ما استجابت له فرق الدفاع المدني.

وتركزت الهجمات الروسية -وفق الدفاع المدني- على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، حيث استهدفت 68% من تلك الهجمات منازل المدنيين بواقع 38 هجوما، في حين كانت الحقول الزراعية بالمرتبة الثانية بنسبة 16% من الهجمات بنحو 885 هجوما.

كما بلغت نسبة الهجمات الروسية على المحال التجارية 6% بواقع 33 هجوما، ثم المشافي والمراكز الطبية بواقع 70 هجوما، ومراكز الدفاع المدني بـ60 هجوما، والأسواق الشعبية بـ53 هجوما والمدارس 46 هجوما، و23 هجوما استهدف مخيمات تأوي نازحين، و35 هجوما استهدف مساجد وأماكن عبادة، و18 هجوما استهدف أفرانا، إضافة إلى عشرات الهجمات التي استهدفت مباني عامة ومحطات وقود وغيرها من المرافق.

مستقبل التدخل الروسي

ومع توسيع قواعدها العسكرية في سوريا وإبرام عقود استثمار اقتصادي في مناطق سيطرة النظام السوري، تبدو روسيا بأنها لن ترحل في وقت قريب من سوريا، وبحسب المؤشرات والتطورات السياسية والميدانية فإن الوجود الروسي باق إلى أمد طويل.

ويعتقد محمد سرميني أن روسيا جاءت إلى سوريا من أجل أن تبقى، وهو ما ينطبق على التدخل الإيراني أيضا؛ فكلاهما استثمر سياسيا وعسكريا واقتصاديا في الوصول إلى الوضع الحالي، إلا أنهما لم يحصدا النتائج الفعلية لهذا التدخل، وتحتاجان إلى عدّة عقود قبل تحقيق هذه النتائج.

ووفق سرميني، فإن روسيا سوف تعمل على تثبيت نظام سياسي صديق في سوريا، على أن يتسم نظام الحكم هذا بالاستقرار السياسي والمجتمعي، بما يضمن عدم تعرّضه لاهتزازات كبيرة في المستقبل تؤثر على المصالح الروسية.

المصدر : الجزيرة

—————————-

روسيا.. طائراتها تقصف إدلب وطبول حربها تقرع شرقي الفرات/ أحمد رحال

تدرك موسكو قبل أنقرة أن القصف الجوي لطائرات قاعدة “حميميم”، في إدلب وأريافها، هو نوع من التعبير عن غضب الكرملين من مواقف تركية لا تتوافق مع سياسات موسكو، وأن تلك الهجمات تمثل نوعًا من الضغوط على صانع القرار التركي في شمال غرب سورية، وحول الموقف التركي الحاد تجاه نظام الأسد، وقد وصل القصف الجوي الروسي، في الآونة الأخيرة، إلى مناطق كانت محرّمة على الطيران الروسي، سواء في مناطق “درع الفرات” أو مناطق “غصن الزيتون”، في أرياف حلب الشرقية والشمالية والغربية التي بدأ الطيران الروسي يتناولها ببعض هجماته الجوية.

وتدرك موسكو أيضًا أن كلّ غارات قصفها الجوي التي زادت عن 150 غارة، خلال الأشهر الثلاث الأخيرة، لا تعني تمهيدًا أو تحضيرًا لاجتياح عسكري لأرياف إدلب، ولا تعني إمكانية التقدّم في قرى جبل الزاوية الذي تستهدفه معظم تلك الهجمات الجوية؛ لأن جنرالات قاعدة “حميميم” الروسية على دراية ومعرفة تامّة بأن الانتشار العسكري للنقاط التركية الـ 55 يأتي وفقًا لانتشارها الحالي على خطوط التماس والنقاط الحاكمة، ومهما حاذرت روسيا وحلفائها عدم الاصطدام معها، فلن تفلح، نظرًا لحجم القوات التركية الكبير، ونظرًا للطريقة الذكية بانتشارها وتموضعها، ومن ثم فالوجود العسكري التركي سيعيق أي تقدم لميليشيات النظام على كامل أرياف إدلب الشرقية، ومنها جبل الزاوية. ومما زاد الغضب الروسي أنباءٌ تم تداولها أخيرًا عن قيام وزارة الدفاع التركية بإدخال بعض عناصر منظومة دفاع جوي متطورة، إلى داخل الأراضي السورية، مع الاحتفاظ بالأجزاء الرئيسية منها (سطع ومتابعة وتدقيق) داخل الأراضي التركية وعلى مقربة من الحدود السورية، لتأمين الربط والمتابعة وإمكانية الاستخدام عند الضرورة، وموسكو تعلم (إذا تأكدت تلك المعلومة) أن عمل تلك المنظومة ليس موجّهًا ضد طيران “نظام أسد” الذي أوقف عملياته الجوية بطيرانه المتهالك أخيرًا، فوق شمال غرب سورية، وليس موجهًا ضد طيران حليفتها في “الناتو” الولايات المتحدة الأميركية، ولا ضدّ طيران التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يعمل بمنتهى الحرية، وبتنسيق رفيع المستوى مع غرف العمليات العسكرية التركية في مناطق نفوذها، وخاصة طيرانه المسيّر الذي قصفت إحدى طائراته المذخرة يوم الاثنين الماضي عربة على طريق إدلب – بنش، واغتالت أحد أبرز قادة القاعدة.

خلال المرحلة السابقة، كان واضحًا أن العلاقة التي تجمع موسكو بأنقرة يمكن تسميتها بعلاقة “الأعدقاء”، نظرًا للظاهر من التنسيق والضامر من الخلافات، وهذا ما يؤكده المفكر السياسي والكاتب الروسي فييتالي نعومكين بالقول: “بالرغم من أن علاقاتهما تستند إلى أساس قوي للتعايش بين الشعبين الروسي والتركي، فإن ذاكرتهما التاريخية مثقلة بالمظالم”.

الانزعاج الروسي الأكبر من مواقف أنقرة كان بارزًا في إدلب، حيث كانت هناك رغبة من جنرالات قاعدة “حميميم” في أن يكون الانتشار القتالي للنقاط التركية الموجودة في إدلب، أو النقاط الثمانية المنسحبة من مناطق سيطر عليها نظام الأسد أخيرًا، شمال الأوتوستراد الدولي (إم فور) وليس جنوبه، كما فعلت أنقرة وقياداتها العسكرية، وأيضًا سمعنا كثيرًا من الانتقادات الروسية لأنقرة، حول عدم التزامها بتنفيذ تعهداتها في اجتماعات “آستانا”، أو من خلال التفاهمات التي انبثقت عن القمة الروسية التركية في الخامس من آذار/ مارس 2020 التي تطالب تركيا بالعمل على التخلّص من التنظيمات الموضوعة على قوائم الإرهاب، وأهمها “هيئة تحرير الشام”، وتصريح الوزير لافروف الأخير كان يعكس هذا الانزعاج، عندما انتقد عدم تنفيذ تركيا لاتفاق إدلب المبرَم بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، وقد استدعى ذلك ردًا من وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، قال فيه: إن “هناك اتفاقيات تم توقيعها بعد محادثاتنا مع روسيا. نحن نلتزم بها وأوفينا ونفي بمسؤولياتنا، وننتظر من محاورينا الالتزام بهذه الاتفاقيات وبمسؤولياتهم، وأهمّها وقف إطلاق النار المهمّ لأمن وسلامة الناس هناك، وكذلك لمنع موجة جديدة من هجرة السوريين”. وحديث الوزير التركي عن الهجرة والتهجير أمرٌ غاية بالأهمية للأوروبيين، وهذا ما أرادت تركيا الغمز له، بالرغم من أن الموقف الأميركي والأوروبي كان ولا زال داعمًا قويًا لسياسة الأتراك في شمال غرب سورية.

في الآونة الأخيرة، كان بارزًا مدى الانزعاج الروسي من ازدياد حجم التنسيق بين أنقرة وواشنطن بملفات عديدة، بدءًا بسورية مرورًا بأفغانستان وحتى ليبيا، وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أثناء افتتاح المبنى الجديد للبيت التركي في نيويورك، الذي يقع مقابل مقر الأمم المتحدة، حيث تحدث عن عمق العلاقة التي تجمع بلاده مع الأميركان، وخاصة ضمن حلف “الناتو”، وعن عمق العلاقات الاقتصادية كثالث دولة، من حيث التبادل التجاري مع تركيا، وتوقع أن يزيد حجمها ليصل إلى (25) مليار دولار قريبًا.

أيضًا، كان هناك انزعاج روسي من تنسيقات وضغوط أميركية – تركية، على حلفائهم في (مسد) والائتلاف الوطني، بمحاولة لتنقية العلاقة بينهما، وربما لإيجاد تحالف من جديد يجمعهما، وهذا الأمر يقلق موسكو ويعكّر صفو مخططاتها في شرقي الفرات، لذلك أرسلت موسكو رسالة (إعلامية) إلى أنقرة بلقاء “بوتين – الأسد”، عندما قال بوتين: “أصبحنا معًا نسيطر على 90% من الأراضي السورية”، معتبرًا المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” من ضمن الحصة الروسية التي يتشاركها مع نظام الأسد في سورية، وكانت سبقتها رسالة روسية حاولت من خلالها خلق الشك وزرع خلاف بالعلاقات الأميركية – التركية، عندما تحدث الإعلام الروسي، نقلًا عن مسؤولين روس، بأن موسكو وأنقرة في طور الإعداد لصفقة صواريخ دفاع جوي جديدة من منظومة (إس 400)، لكن أنقرة سارعت -عبر أحد مسؤوليها- إلى نفي الخبر جملة وتفصيلًا.

إذًا، بات واضحًا أن حجم التصعيد الروسي والأسدي المتزايد في أرياف كلٍّ من إدلب وحلب والساحل ليست غايته التمهيد لاجتياح عسكري أو هجوم بري، وإن كانت مطالب الروس لم توقف هدفها بالوصول إلى الأوتوستراد (إم فور)، إلا أن قصف إدلب حاليًا يمثل ضغوطًا روسية موجهة نحو شرقي الفرات، مع معلومات عن مفاوضات بدأت خلف الجدران، بين مسؤولين أتراك وبعض القيادات السياسية لمجلس (مسد)، أو عبر الخطاب الإعلامي العقلاني الذي بدأه رئيس الائتلاف د. سالم المسلط، فردّ عليه سريعًا الرئيس المشترك لـ (مسد) الشيخ رياض ضرار، وكلاهما طالب بفتح الحوار الذي يحقق وحدة الصف، لإدراكهما معًا أنه مهما يكن حجم التنازلات للطرف الآخر فإنها ستكون أقلّ بكثير من الخيارات الأخرى المتمثلة بخسارة (مسد) فيما لو خضعت لنظام أسد، أو خسارة الائتلاف والمعارضة لـ 25% من الجغرافية السورية تسيطر عليها (قسد) والتي ستؤول إلى النظام، بما تحويه من نفط وغاز وقمح وقطن ومياه وكهرباء، عدا ضعف الموقف السياسي والعسكري لشمال غرب سورية، إذا أصبحت 90% من الجغرافية السورية تحت سيطرة الأسد، كما قال الرئيس بوتين.

لطالما رددت قيادات “قوات سوريا الديمقراطية” أنّ الروس عادةً ما يضخّمون لنا مخاطر الأتراك، ويضخمون لنا مخاطر الاقتراب من الجيش الوطني، ويسرّبون لنا سيناريوهات قاتلة ومميتة قادمة من الأتراك والمعارضة، آخرها منذ أيام، ما سرّبته صحيفة (نيزافيسيمايا غازيتا) الروسية، عن تحضيرات وتجهيزات تركية، لشنّ عملية عسكرية ضخمة، إلى جانب فصائل المعارضة في شمال شرق سورية، وقيادات شرقي الفرات تقول: “إن التسريبات الروسية ليست حبًّا فينا وبمصالحنا، إنما تهدف إلى جرّنا نحو نظام الأسد، وجعله خيارًا وحيدًا لا مناص منه”.

في شرقي الفرات، باتت معظم الأوراق مفضوحة، وبات اللعب بين اللاعبين الدوليين والمحليين على المكشوف؛ فالولايات المتحدة الأميركية أعربت أكثر من مرة عن رغبتها في إعادة جنودها للوطن والانسحاب من سورية، والروس يعدّون الوجود الأميركي مخالفًا لشرعة الأمم المتحدة، وعينهم تنصبّ على ما سيتم تحقيقه (إذا انسحب الأميركان من شرقي الفرات) من مزايا اقتصادية، لو تمت السيطرة على السلة الاقتصادية السورية الموجودة شرقي الفرات، والأتراك يعلمون اليوم أن فكرة الانفصال لم تعد مطروحة لدى قيادات (قسد)، وأن قوات سوريا الديمقراطية بدأت -بضغوط أميركية- بإبعاد حزب PKK عن مناطق نفوذها، وتركيا تعلم أيضًا أنها لو استطاعت خلق تفاهمات وانسجام بين “الجيش الوطني” وقوات (قسد)، بما يضمن متطلبات الأمن القومي التركي، وهي القادرة على ذلك، فستكون ضربت عصفورين بحجر: الأول تحقيق مطالبها واستعادة الثمن الذي دفعته تركيا لتحقيق تلك المطالب، والثاني الإيفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها للحليف بالثورة السورية.

فهل ينجح الدب الروسي في تحقيق أهدافه عبر جبروته العسكرية؟ أم تتغلب الحنكة السياسية لدى أنقرة وتسحب البساط من تحت أقدام الروس في شرقي الفرات؟ أم يتفق (الأعدقاء) على توزيع التركة الأميركية بما يتناسب مع مصالحهما، ويخرج السوريون من المولد بلا حمص؟!

مركز حرمون

————————

ثلاثة أسباب تُعيق التطبيع بين تركيا ونظام الأسد.. فهل ينجح…/ رشيد حوراني

مقدمة:

تنخرط تركيا في العديد من القضايا بالغة الأهميّة في المنطقة، بهدف تحقيق مصالحها، وتثبيت دورها الإقليمي التي تعمل على تنميته وتطويره من خلال تدخلها بالملفات الملتهبة في المنطقة.

وتشكل المسألة السورية أهم هذه الملفات بالنسبة لها، نظرا لما تمثله المسألة الكردية من تهديد لأمنها واستقرارها، ولاعتبارها “وحدات حماية الشعب “(YPG)، على أنها امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي صنفته إلى جانب واشنطن على أنه منظمة إرهابية، وصولا إلى ما صرح به الرئيس التركي أردوغان قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي بوتين نهاية أيلول 2021م عن خطر نظام الأسد على أمن بلاده من الجهة الجنوبية، وأنها “تركيا” تنتظر كثيرا من الرئيس الروسي لإنهاء ذلك الخطر، قاطعًا بذلك الطريق على ما يرمي إليه بوتين من فتح أبواب التفاوض والحوار بين تركيا ونظام الأسد، ويتعامل الأخير مع حزب العمال الكردستاني “PKK”، وقام بتسليمه المقار والأسلحة بما فيها الثقيلة له ليكونوا خنجرا بخاصرة تركيا؛ الأمر الذي كشفه رئيس الوزراء السوري المنشق د. رياض حجاب في لقاء جمعه قبل انشقاقه؛ هو وشخصيات من الحكومة والحزب مع بشار الأسد في تموز 2012م[1].

أولا: مناورات روسية ترمي إلى الاعتراف بالنظام

تسعى روسيا إلى تليين المعارضة لنظام الأسد في المنطقة وتخفيف عزلته السياسية والدبلوماسية، واستمالة أطراف إقليمية، أو تحييد بعضها، وتدفع باتجاه إعادة إضفاء الشرعية على نظام الأسد وتأهيله إقليميا ودولياً، وتضغط على تركيا بشكل خاص من أجل تأمين مرونتها في موقفها منه، والجلوس معه على طاولة التفاوض، والاعتراف به من خلال توظيفها للعديد من أوراق القوة التي تمتلها على الساحة السورية أبرزها وجودها الميداني.

ففي العام 2019 م صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي بتاريخ يوم الإثنين 21 من تشرين الأول/ أكتوبر، عن “استعداد روسيا للمساعدة في إطلاق حوار بين تركيا وسوريا، يستند إلى اتفاقية أضنة، الموقعة بين البلدين؛ و الحاجة إلى الحوار بين تركيا والجمهورية العربية السورية، وقيام روسيا بدور داعم، لتشجيع مثل هذه الاتصالات المباشرة”[2].

ويعود ذلك إلى إدراك روسيا للتأثير الكبير للدور التركي على مخرجات أيّ تسوية محتملة للمسألة السورية في المستقبل، وأن تطبيع النظام مع الدول العربية، وتوجه الدبلوماسية الروسية إليها باعتبارها ساحة رخوة[3]، ما هو إلا عملية دعائية وإضفاء شرعية زائفة عليه.

في 11 آذار/مارس 2021م، أعلن وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر عن إطلاق “عملية تشاورية ثلاثية جديدة” للمساعدة على التوصل إلى “حل سياسي دائم في سورية”. وتهدف روسيا من إشراك قطر وتركيا، الفريقَين الإقليميَّين الوحيدَين اللذين لا يزالان ملتزمَين علنًا بدعم المعارضة السورية، إلى إنقاذ نظام الأسد، هو مسعى لانتهاز الفرصة المتاحة “المصالحة الخليجية وإمكانية تأثير دول الخليج على الموقف القطري”. ويسهم في تسهيل العمل على توسيع نطاق الدعم الخليجي لإعادة تأهيل النظام السوري على المستويَين السياسي والاقتصادي[4].

كما لم تتوقف كل من روسيا ونظام الأسد عن الرسائل العسكـرية والسياسية المتلاحقة ضـد الدور التركي في المنطقة الشمالية من سوريا مع اقتراب القمة بين الرئيسين التركي والروسي في سوتشي أواخر شهر أيلول/سبتمبر[5].

وفي المقابل تعمل تركيا على إعادة تموضعها في علاقاتها مع بعض الدول كاليونان، أو تطبيع علاقاتها مع دول أخرى كالسعودية ومصر والإمارات وما يدور الحديث عنه من تطبيع مع نظام الأسد في سورية[6]، لارتباط ذلك بشكلٍ مباشرٍ بتفسيرها للتغيرات الجيوسياسية على النطاق إقليمي.

ثانياً: ما وراء المؤشرات الميدانية والسياسية التي تحول دون تطبيع تركيا علاقاتها مع نظام الأسد

باتت التسريبات عن اللقاءات على المستوى الاستخباراتي بين تركيا ونظام الأسد؛ مؤشراً للتحوّل في الموقف، وبداية لعملية تطبيع للعلاقات بين الجانبين. وعلى الرغم أنه لا تهدف بعض اللقاءات على المستوى الاستخباراتي والتي ربما لا تكون مستمرة؛ التطبيع مع النظام بقدر ما تهدف إلى تحييد الضغط الروسي وتفريغه من مضمونه[7].

ويعتبر الموقع الجغرافي والأمن القومي من الثوابت التي تتحكم بالسياسية الخارجية التركية مع سورية، وجزئيتين أساسيتين في علاقة الطرفين مع بعضهما البعض، حيث يفرض الموقع الجغرافي لتركيا مشاركتها الحدود مع عدد من الدول غير المستقرة أمنيا “سورية والعراق وإيران”، ما يولد لديها حالة تخوف، تُلقي بالمسؤولية على السياسة الخارجية التركية والأجهزة الأمنية تأمين هذه الحدود وحمايتها، كما لا تنقطع العلاقات الأمنية بين الدول بهدف تبادل المعلومات الأمنية، وهي موجودة أيضا بين الدول والميليشيات العابرة للحدود من أجل ضبط الأمن الدولي[8].

في ظل كل هذا الحراك برزت جملة من المؤشرات الميدانية والسياسية تعكس معارضة تركيا ما تسعى إليه موسكو من تواصل مباشر مع نظام الأسد، حيث أجرى وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يوم السبت 11 أيلول/سبتمبر 2021م، جولة تفقدية على الوحدات العسكرية المنتشرة على حدود سورية، وعقد مع مرافقيه “رئيس الأركان يشار غولر، وقائد القوات البرية موسى أف ساوار”  اجتماعاً مع قادة الوحدات وقيادة قطاع منطقة عمليات “درع الربيع” عند النقطة “صفر” على الحدود السورية، وناقشوا آخِر التطورات الميدانية والأنشطة التي سيتم تنفيذها[9]. وأُعلنت وزارة الدفاع التركية عن عملية “درع الربيع” بتاريخ 27 فبراير/ شباط 2020م في بيان رسمي، ولم تعلن عن انتهائها، على خلاف عملياتها التي نفذتها في سورية وأعلنت ببيانات رسمية عن تاريخ بدئها وانتهائها.

ونشرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية نقلًا عن مسؤولَين تركيَّين لم يكشفا عن اسميهما، عزم تركيا الاستمرار بصد الهجوم على الخطوط الأمامية، في الجبهات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، وأن آلاف الجنود الإضافيين سيساعدون في ردع أي محاولة تقدم للقوات البرية التابعة للنظام السوري في إدلب، والسيطرة على الطرق المؤدية إلى الحدود التركية[10].

كما عمل الجانب التركي على تحويل كافة نقاط المراقبة بعد إعادة انتشارها، وسحبها من مناطق النظام إلى قواعد عسكرية جاهزة لتنفيذ كافة العمليات القتالية؛ وتتضمن مختلف الأسلحة (دبابات – مدفعية – دفاع جوي قصير المدى منتشر على خطوط التماس – دفاع جوي متوسط المدى تم نشره على الحدود السورية التركية “MIM-23″ وهو نظام أمريكي يدعى هوك، ويبلغ مداه /45/كم، وارتفاع /25/ كم، ويستخدم ضد طائرات السوخوي” – استطلاع – مشاة – م/د – تشويش) ومع ذلك فإن عملية عسكرية لن تكون، وأن صداماً بين الجانب التركي والروسي لن يكون[11].

وفي الجهة المقابلة، تشير الوقائع الميدانية إلى عدم سعي الروس للتجهيز لعملية عسكرية على محاور المنطقة في شمال غرب سورية، بسبب الخلاف الروسي الأمريكي بشأن إيران، وعدم قبول نظام الأسد التعاون بهدف إخراجها، رغم السماح له بدخول درعا، لذلك رفض الرئيس الروسي استقبال رئيس النظام السوري في الجلسة الثانية مدعيا الالتزام بنظام العزل الذاتي بعد الكشف عن مخالطته شخصا مصابا بفيروس كورونا[12].

يدرك الجانب التركي ما تريده موسكو من سعيها بإعطاء نظام الأسد الشرعية السياسية، لذلك تُجدد بين الآونة والأخرى على لسان كبار مسؤوليها موقفها منه، وأكّد مؤخرا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تغريدة له على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أنّ أنقرة تعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة السورية المؤقتة هما الممثّل الشرعي للشعب السوري؛ عقب لقائه برئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض أنس العبدة، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى[13].

واعتبر ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعليقه على الانتخابات التي أجراها النظام في أيار 2021م، أن بشار الأسد عرض مسرحية انتخابية مبتذلة بأبشع طرق التهكم والسخرية من الديمقراطية وإرادة الشعب، وهو الذي لم يقدم للشعب السوري طيلة عشر سنوات خلت سوى الدماء والتعذيب والدموع والجوع والفقر[14].

يقف وراء عدم حماس الجانب التركي ولا مبالاته بما يتعلق بتطبيع علاقاته مع نظام الأسد، وتقديم فائدة له تساهم في إعادة تعويمه ضمن المجتمع الدولي مجموعة من العوامل، أبرزها:

1- حرص تركيا على حرمان الأسد استغلال مثل هذه القنوات لطرح مبادرات مستقبلا تتعلق بالعلاقة بين الطرفين، وهو حتى الآن لم يتحقق له الغرض من ذلك، ولا تزال تركيا العائق الوحيد ربما أمامه لاستكمال سيطرته على إدلب التي تشكل خطا أحمر لتركيا بالنظر إلى العديد من المعطيات ليس أقلها موضوع اللاجئين[15].

2- لقي أكثر من /60/ عنصرا من الجيش التركي مصرعهم على الأراضي السورية بقصف لنظام الأسد على النقاط العسكرية التركية، ولمقتل الجنود الأتراك خارج حدود بلادهم حساسية كبيرة لدى المجتمع التركي، وبالتالي فإن الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” عندما يريد التطبيع مع نظام الأسد يأخذ بعين الاعتبار ردة الفعل الشعبي، ويعتبر ذلك في غير صالحه، ويضر بسمعة الحزب ومكانته داخل المجتمع التركي، نظراً لبدء الحملة للانتخابات الرئاسية عام 2023م منذ أشهر[16].

3- ليس لدى نظام الأسد ما يقدمه من مصالح تعود بالفائدة للجانب التركي، خاصة بما يتعلق بملفي اللاجئين والمسألة الكردية، وهما ملفان بيد الجانب التركي أكثر منه من جانب النظام:

أ- بالنسبة لملف اللاجئين يفضل أغلب الموجودين في تركيا العودة إلى الشمال السوري على العودة إلى مناطق سيطرة النظام. كما أن السكان في مناطق النظام يخرجون بكثافة نحو مصر والعراق وتركيا وغيرها من الدول.

ب- أما بالنسبة للمسألة الكردية التي تُعد من المحاور الأساسية للسياسة الخارجية التركية مع سورية، فالنظام السوري ليس لديه القدرة التعاون مع تركيا لحماية حدودها، والعمل معها ضد الإدارة الذاتية بسبب علاقته مع حزب العمال الكردستاني المشار لها أعلاه في حديث رئيس الوزراء السوري المنشق د. رياض حجاب من جهة، وهو أقرب إلى الإدارة الذاتية وجناحها العسكري “قسد” من تركيا، ومن الممكن إقامة علاقات بين الجانبين بوساطة روسية، وهذا الأمر يُبعد فرصة تطبيع تركيا علاقاتها مع النظام من جهة ثانية[17].

ثالثاً: القياس على نماذج  وقوف تركيا وراء حلفائها

بدأت تركيا سلسلة من التدخلات العسكرية بدوافع متعددة “جيوسياسية واقتصادية وتاريخية”؛ ففي ليبيا دعمت حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا، وتفتخر أن تدخّلها مع حكومة الوفاق في حينه، دعمًا وتنسيقًا وتدريبًا هو ما عدّل الموقف العسكري للحكومة وأنقذ طرابلس من حفتر، ورسّخ قناعة لدى العديد من الأطراف بأن الحل العسكري لم يكن ممكنًا، ودفع نحو المسار السياسي[18]،الذي أسهمت فيه للوصول إلى مرحلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، وعليها مسؤولية دعمها وتقويتها ومساعدتها على النجاح والوصول إلى المرحلة المقبلة، وهي محطة الانتخابات نهاية العام، وهي مسؤولية إضافية على المسؤولية المبدئية لكل الدول المنخرطة في الأزمة الليبية.

كما أعلنت تركيا دعمها المطلق لأذربيجان في اشتباكاتها الحدودية مع أرمينيا حول إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه منذ عقود بين الجانبين، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “تركيا لن تتردد أبداً في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان”. و استمر الدعم التركي الذي تم الإعلان عنه في التصريحات الرسمية إلى أن وقّعت أرمينيا وأذربيجان برعاية روسيا اتفاقا لوقف إطلاق النار بعد ستة أسابيع من المعارك، يكرس الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات باكو في الإقليم بدعم عسكري من تركيا[19].

تحمل تصريحات المسؤولين الأتراك في طياتها عدم الحماس لما طرحه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أكثر من مناسبة بالحوار مع دمشق في اجتماعاته مع الرئيس “التركي رجب طيب أردوغان” خلال الفترة الماضية.

واعتبر مستشار الرئاسة التركية وعضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية في المجمع الرئاسي التركي “برهان الدين ضوران” في مقال نشره “ضوران” في صحيفة “ديلي صباح” التركية أن النظام السوري مازال يوقف محـادثات جنيف ويعـارض عملية انتقالية تشـمل المعارضة. ويعيدنا الموقف هذا إلى منتصف العام 2011م وبدايات الثورة السورية، وكيف أمهلت الحكومة التركية النظام السوري أياما لتطبيق الإصلاحات، وإلا فإنها “ستبدأ بتطبيق العقوبات المشددة التي فرضتها الأمم المتحدة”[20]. وتدرك من جانب أخر كغيرها من الأطراف الفاعلة في الشأن السوري أن انخراط النظام بأي عملية سياسية بشكل جدي يؤدي إلى انهياره، وتعتمد في سياستها على بعض المناورات التي تقع ضمن خانة “السياسة فن الممكن” إذا كان ذلك سيؤدي في النهاية إلى إعانة الجانب التركي على التمسك بجوهر هذه المواقف، ويخدم في النهاية الهدف الأساسي.

وبناءً على ما سبق يمكن الوصول إلى مجموعة من السيناريوهات المتوقعة بخصوص ما تسعى إليه روسيا من تركيا، وإجراء التواصل المباشر بينها وبين النظام:

السيناريو الأول: وهو سيناريو ضعيف جداً وغير وارد؛ ويتمثل بإعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد في الفترة اللاحقة، لعدم وجود عوامل مشتركة بين الجانبين، ولعدم قدرة النظام على تقديم أي منفعة لتركيا، وهي التي تعتمد على البراغماتية المعتدلة التي تراعي القيم والمبادئ “مثلاً ذكر برهان الدين  ضوران في مقالته في صحيفة  ديلي صباح  التركية عن عودة كريمة وآمنة للاجئين السوريين، وتحاول روسيا لي ذراع تركيا بإدلب”. كما تسعى لتحقيق المصالح والمنافع[21].

السيناريو الثاني: وجود طرف ثالث بين الطرفين بهدف تأمين التواصل بينهما دون أن يتطور إلى تواصل مباشر، وهو موجود، ويتمثل بالجانب الروسي.

السيناريو الثالث: تدرك تركيا أن الوضع في سورية يذهب باتجاه ما يشبه الحالة العراقية، وبالتالي لا حاجة للتطبيع معه في الفترة اللاحقة، ومنحه علاقات دبلوماسية بشكل مباشر تسهم في تدويله[22].

السيناريو الرابع: بناء على السيناريو الثالث، ونظرا لمناهضة حكومة كردستان في العراق لحزب العمال الكردستاني، وانفتاح الإدارة الذاتية في سورية على الحزب المذكور والمدرج على لوائح الإرهاب، قد لا تسمح تركيا باستمرار الإدارة الذاتية، وجناحها العسكري “قسد”، وتستمر بالدفع باتجاه الحل السياسي، على غرار الحالة الليبية، وتطبيق قرار مجلس الأمن /2254/ بشأن سوريا، وكذلك الاتفاقيات البينية مع كل من روسيا وإيران “أستانة” وما تضمنته من إعادة هيكلة للأجهزة الأمنية والعسكرية، وبالتالي تُبقي على فصائل المعارضة كذراع قوي لها ويؤمن لها مصالحها وأوراق قوتها الميدانية.

خاتمة

يبدو أن بوتين سيذهب إلى القمة مع أردوغان وهو مستند إلى مجموعة الأوراق الميدانية المتمثلة بالتصعيد العسكري وإضعاف المنطقة دون الذهاب إلى عملية عسكرية شاملة؛ وموقف أمريكي بارد تجاه أنقرة، وانعكاساته على تركيا وعلى الملفات المحيطة بها، إلا أنه لم يأخذ بالحسبان أن أمريكا لم تترك له الحبل على غاربه في سورية منذ بدء تدخله العسكري الذي مضى عليه /6/ سنوات. كما أن الأمريكيين طالبوا الروس في اجتماعاتهم الأخيرة بتسهيل وصول المساعدات الدولية إلى جميع السوريين وتحريك العملية السياسية واللجنة الدستورية ووقف إطلاق شامل للنار في البلاد وتجميد العمليات العسكرية، وشعر بعضهم بخيبة من نتائج الاجتماع[23]، والتي ستؤثر بدورها على صلاحياتهم في سوريا، وتُبقي على دورهم الوظيفي فيها.

المراجع:

[1] تلفزيون سوريا – رياض حجاب لـ تلفزيون سوريا: الملف السوري عاد إلى الواجهة بقوة

[2] عنب بلدي – روسيا تدعم إدخال تعديلات على اتفاقية أضنة الخاصة بالحدود السورية

[3] عربي 21 –  عن التحركات الروسية في الخليج العربي

[4] مركز مالكوم – كير كارنيغي للشرق الأوسط – أداة دبلوماسية جديدة في يد موسكو – يزيد الصايغ

[5]  قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حوار مع وكالة “نوفوستي” الروسية بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر2021م: “أعتقد أن على تركيا سحب قواتها على الفور. وعلى المجتمع الدولي بدوره أن يدعم جهود سوريا لتحرير الأراضي التي احتلتها في شمال البلاد”. واستبق لافروف لقاء أردوغان وبوتين بتصعيد اللهجة ضد إدلب عبر مؤتمر صحفي عقده في نيويورك بتاريخ 25 أيلول/سبتمبر 2021م: “نستخدم القوة في منطقة وقف التصعيد في إدلب بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 القاضي بمكافحة الإرهاب بحزم في سورية، وأن بلاده لن تتسامح مع الهجمات التي يشنها الإرهابيون من منطقة وقف التصعيد في إدلب ضد القوات الروسية وقوات النظام السوري.

[6] مقابلة بحثية مع الباحث في مركز الاناضول لدراسات الشرق الادنى أ. حسن الشاغل

تتحدد السياسة الخارجية لكل دولة بجملة من الثوابت والمتغيرات. وتتمثل الثوابت السياسية للسياسة الخارجية التركية بالعامل التاريخي والأمني والجغرافي، والقومية التركية التي تنتشر في عدة أجزاء من الجهة الشرقية لتركيا، وبالتالي العلاقة مع اليونان تُسمى إعادة تموضع، وليست “تطبيع” لتعلقها بالعامل التاريخي، وطريقة التعامل التركي مع اليونان هي من الثوابت التي لا يمكن أن تتغير. ومقارنة العلاقة التركية باليونانية، بالعلاقة التركية مع كل من مصر والسعودية وسورية غير صحيح. وما يجري حاليا بين تركيا واليونان هو إعادة تموضع للعلاقات بينهما نظرا لكون الدولتين عضوين في حلف الناتو.

[7] مقابلة بحثية مع د. علي باكير المختص في العلاقات الدولية.

[8] مقابلة بحثية مع الباحث في مركز الاناضول لدراسات الشرق الادنى أ. حسن الشاغل

[9] نداء بوست – أكار يصل إلى “النقطة الصفر” على حدود #إدلب ويبحث مع قادة عملية #درع_الربيع الأنشطة التي سيتم تنفيذها

[10] بلومبيرغ – Turkey Sends More Troops to Syria Ahead of Key Putin Meeting

[11] مقابلة بحثية مع ضابط منشق قيادي في الجيش الوطني.

[12]  المرجع مكرر رقم “6”.

[13] حساب تويتر لوزير الخارجية التركي

[14] عربي بوست – ياسين أقطاي – مسرحية بشار الأسد الأخيرة

[15] مقابلة بحثية مع د. علي باكير المختص في العلاقات الدولية.

[16] المرجع مكرر رقم “6”.

[17] المرجع مكرر رقم “6”.

[18]  الجزيرة نت – سعيد الحاج – السردية التركية في ليبيا بين التورط والانسحاب

[19] france24 – أرمينيا وأذربيجان توقعان اتفاقا لـ “وقف شامل لإطلاق النار” في إقليم ناغورني قره باغ برعاية موسكو

[20] المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام – رشيد حوراني – المسألة السوية ما بعد انقلاب تموز الفاشل في تركيا

[21] مدونات الجزيرة – مولاي علي الأمغاري – البراغماتية المعتدلة في سياسة أردوغان.

[22] السيناريوهات الثلاث الأولى من مقابلة بحثية مع الباحث في مركز الاناضول لدراسات الشرق الادنى أ. حسن الشاغل.

[23] صحيفة الشرق الأوسط – ابراهيم حميدي – حصيلة الحوار السياسي و العسكري الأمريكي – الروسي حول سوريا.

____________________________________________________________________

(للاطلاع على ورقة تقدير الموقف كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)

—————————————————————————————

http://www.syriainside.com/lib/download.php?path=05121053238537217947.pdf

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2021

———————————–

تعويم الأسد.. المهمة الشاقة أمام روسيا/ رانيا مصطفى

تعوّل موسكو، في القمة الثلاثية المرتقبة بعد أيام في سوتشي ضمن تحالف أستانة، على حصول توافقات مع الجانب التركي في الملف السوري؛ وعلى ذلك هي بدأت حملة عسكرية في إدلب، للضغط على أردوغان، وتحصيل تفاهم يخصُّ منطقة “خفض التصعيد” في الشمال الغربي، وتسوية وضعها، ضمن محاولات روسيا لفرض سياسة الأمر الواقع، عبر توافقات ثنائية، أو بمشاركة دول الجوار، للمناطق غير المحسومة، على غرار ما أنجزته في جنوب غربي سوريا.

حيث اقتضى الاتفاق بمشاركة الأردن، وإسرائيل، عودة سيطرة النظام على درعا البلد والبلدات المحيطة، وإبعاد المليشيات الإيرانية والفرق العسكرية المقربة منها، وبالتالي فتح الحدود مع الأردن أمام الحركة التجارية، وكيفية تأمين العبور وحمايته من الإرهاب وتجارة المخدرات ونشاط المليشيات الشيعية، وهو ما تم التنسيق له في لقاء وزيري الدفاع السوري والأردني مؤخراً في عمان.

في شمال غربي سوريا، تريد روسيا تنفيذ بنود اتفاق موسكو في 5 آذار 2020، وخاصة الجانب المتعلق بفتح الطريق الدولي إم 4 أمام الحركة التجارية، وتأمينه، بإبعاد الفصائل المعارضة إلى شمال الطريق، وحصرها في جيب على الحدود مع تركيا؛ وهي بالتالي غير مهتمة، في المرحلة الحالية، باستعادة سيطرة النظام على شمالي سوريا على غرار ما حصل في الجنوب، لأن ذلك يعني فتح حرب شاملة ستتسبب في موجة لجوء جديدة، وستطيح بالتوافقات الأخيرة مع واشنطن حول تمديد عمل آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، وستُغضب الأتراك والأوروبيين. موسكو مهتمة في المرحلة الحالية بتسوية ثنائية مع تركيا لإقرار واقع جديد مقبول، تحمله معها في أية مفاوضات جديدة مع الجانب الأميركي.

تحاول موسكو استغلال طيب العلاقة مع واشنطن، منذ لقاء الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف في تموز الماضي، والتي أثمرت عن القرار الدولي الخاص بتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى مع تركيا، والسماح بدخولها عبر دمشق، وأن يتولى النظام توصيلها إلى المناطق الخارجة عن سيطرته عبر المعابر على خطوط التماس.

وتلا ذلك، الموافقة الأميركية على اتفاق الجنوب الأخير، وعلى دراسة مسألة التخفيف من عقوبات قانون قيصر على النظام السوري وعلى من يدعمه، من أجل تمرير مشروعات نقل الطاقة (الغاز المصري والكهرباء الأردني) عبر الأردن وسوريا، إلى لبنان، لإنقاذها من انهيار اقتصادي محتمل.

في هذا السياق، أكدت تصريحات المرشحة لمنصب مساعد وزير الخارجية، باربرا ليف، حول الانفتاح الأميركي على رفع بعض العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، عن نظام الأسد، لتسهيل مرور الغاز إلى لبنان عبر سوريا, وأن هذا الحل تتعاون فيه الأردن ومصر، ويدعمه البنك الدولي، باعتبار أن هذه الخطة تقدم حلاً معقولاً “قصير الأمد” لما يبدو أنه “مشكلة ضخمة ومرعبة في لبنان”. وفي حزيران الماضي، بدأت بالفعل إدارة بايدن رفع العقوبات عن عدد من رجالات الأعمال المرتبطين بشبكة الأسد وإيران المالية.

تعمل موسكو على بناء شبكة علاقات قوية مع كل الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، لذلك هي تقوي علاقتها بإسرائيل، وتضغط على تركيا لانتزاع التفاهمات، وتستفيد من الخلاف الأوروبي الأميركي الجديد، خاصة أنه يضعف حلف الناتو، وتستغل الرغبة الأميركية في الانسحاب من المنطقة، رغم انزعاجها من التمركز الأميركي في المحيط الهادئ، ومخاوفها من تداعيات الحدث الأفغاني، وما زالت متمسكة بالحليف الإيراني، رغم تضايقها من دوره في دفع النظام لتعطيل كل التوافقات والخطط التي تعمل عليها روسيا، ولا تشارك فيها إيران.

لذلك استدعى بوتين بشار الأسد، إلى موسكو، في زيارته الثانية، لدفعه إلى الانفتاح على تركيا، وعلى المعارضة، على الأقل تلك المدعومة من موسكو، ولتسهيل عودة اللاجئين، وعدم تعطيل عمل اللجنة الدستورية وجولات المفاوضات.

مشكلة روسيا مع النظام؛ ارتباطه اللصيق بإيران، والأخيرة تعمل دوماً على تعطيل التوافقات، وإبقاء المنطقة في حالة توتر، لأن أي اقتراب من الحل السياسي، سيعني خروجها من سوريا، وسيعطل مشروعها التوسعي.

لذلك ليس من السهل على روسيا إجبار النظام على التقيد كلياً بأجنداتها، بوجود إيران، رغم أن اتفاق درعا الأخير أظهر قدرة موسكو على إجبار النظام على تنفيذ الاتفاق، وقد يعود ذلك إلى مصلحة اقتصادية لدمشق، وطمعاً في تعويمه (النظام السوري) عربياً، بدءاً بفتح العلاقات مع الأردن.

في حين أن طهران باتت جزءاً من تحالفٍ صيني- روسي- إيراني يعمل على أخذ دور في المنطقة، الأمر الذي يدفع روسيا للتمسك بإيران، وعدم فتح المجال الجوي فوق سوريا، على نطاق واسع، أمام الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف التواجد الإيراني في سوريا، وهذا الموضوع كان هدف زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد إلى موسكو.

لا تريد واشنطن لأي تحالفات تضم الصين أن تقوى، لذلك يحتاج خروجها من العراق إلى ترتيبات كبيرة، في حين أن الانسحاب من سوريا ما زال بعيداً، وتصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة حول عدم قدرة قوات سوريا الديمقراطية على محاربة الإرهاب وحدها، دون دعم أميركي، تؤكد ذلك. هذا يشكل عقبة كبيرة أمام رغبة روسيا في السيطرة على شرق الفرات، والاستفادة من مخازن الطاقة فيه.

تريد روسيا، في المرحلة الحالية، انفتاح النظام على دول الجوار، وتخفيف العقوبات على النظام من أجل بدء استثماراتها في المنطقة، على الأقل في الجانب الإنساني، ضمن خطة “الإنعاش المبكر” التي قدمها بايدن في لقائه مع بوتين في جنيف، وأن تستغل موسكو هذا الانفتاح الدولي والإقليمي من أجل تعويم النظام.

وفي المدى الأبعد، تريد موسكو أن تأخذ دوراً في المنطقة، يتناسب مع نظرتها إلى نفسها كدولة عظمى، وأن يبدأ هذا الدور بحسم الملف السوري، بحلٍ يحفظ مصالحها، ويلتف على القرارات الدولية وخاصة ما يتعلق بالانتقال السياسي.

لا توافق واشنطن على تعويم النظام السوري، لكن تساهلاتها حول مسألة العقوبات تأتي في إطار تحقيق بعض الدعم الإنساني، ضمن ملف شديد التداخلات والتعقيدات، كحل إسعافي مؤقت، في ظل استعصاء الحل السياسي، وإصرار روسيا في دعمها للنظام، باعتباره، سلطة شرعية، أعطت مشروعية لتدخلها وقواعدها العسكرية في سوريا.

———————————–

تحليل: روسيا تتقرب من دول الشرق الأوسط وعلى أميركا القلق

تتجه روسيا، بحسب دراسات سياسية، إلى “التودد إلى الدول التي طالما اعتمدت على الولايات المتحدة كشريك أمني”، ومثلها تفعل الصين مما يجعل الوقت “حاسما” بالنسبة للقادة الأميركيين لاستعراض “دور التعاون في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية” خلال المنافسة الجارية مع البلدين.

ويقول تحليل أعده منظمة Heritage الأميركية إنه “مع تراجع الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، تميل روسيا إلى توسيع نطاق وجودها في المنطقة”، فيما “يبرهن شركاء مثل تركيا والسعودية على أن الدول ستبحث عن موردين آخرين لتلبية احتياجاتهم الدفاعية عندما تتردد الولايات المتحدة في القيام بذلك”.

ولا يزال التعاون العسكري الأميركي السعودي قائما وفعالا، إذ أن الولايات المتحدة وافقت في ديسمبر الماضي على إمكانية بيع 3000 قنبلة صغيرة القطر من طراز GBU-39 للمملكة، كما إن التعاون بين الرياض وموسكو كان متقطعا في السنوات الأخيرة.

وتوقفت صفقة بقيمة 3 مليارات دولارات أبرمتها الرياض مع موسكو في عام 2017، كما أن اتفاقا أبرمته العاصمتان يسمح للسعودية بإنتاج بنادق كلاشينكوف، لم ينفذ بعد.

لكن “الخطوة الأخيرة للسعوديين لإعادة إشراك موسكو تثبت أن سوق التعاون الأمني أصبح مجالا استراتيجيا يجب أن تتنافس فيه الولايات المتحدة ضد منافسيها الرئيسيين”.

من حجم كلي يبلغ 16 مليار دولار تقريبا سنويا، تذهب 93 بالمئة من المساعدات العسكرية الأميركية، خلال خمس سنوات، إلى الدول الشريكة في الشرق الأوسط.

من هذا المبلغ، يذهب 81 بالمئة إلى ثلاثة بلدان فقط، هي مصر وإسرائيل والأردن.

“عقود روسي لا ترتبط بحقوق الإنسان”

وبينما أرسلت الولايات المتحدة إشارات لنيتها تقليل وجودها العسكري في الشرق الأوسط، تميل روسيا إلى توسيع نطاق وجودها في المنطقة.

وتستفيد روسيا من البساطة النسبية لأسلحتها، وبساطة عقود التسليح، وقلة الشروط الأمنية، و”عدم وجود اشتراطات لحماية حقوق الإنسان ومراقبة استخدام الأسلحة”، بحسب التحليل.

يعطي هذا، بحسب التحليل، الأسلحة الروسية، الأقل جودة، امتيازا باعتبارها خيارا أرخص وأقل تعقيدا.

على سبيل المثال، في عام 2014، رفضت الولايات المتحدة طلبا لبيع مروحيات هجومية من طراز كوبرا إلى نيجيريا بسبب مخاوف من انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المشتبه بهم المتورطين في النزاع مع بوكو حرام، وفي العام نفسه، سلمت روسيا ست مروحيات قتالية من طراز Mi-35M إلى نيجيريا.

وفي فبراير الماضي، علقت إدارة بايدن إلى أجل غير مسمى بيع صواريخ موجهة إلى السعودية بسبب مخاوف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، كما أن البنتاغون أزال في هذا الشهر دفاعات صاروخية منها بطاريات باتريوت من السعودية.

ويقول التحليل إنه “يمكن أن يؤدي تأخير الولايات المتحدة أو إلغاء اتفاقيات نقل الأسلحة إلى أن تنظر الدول الأخرى إلى واشنطن كشريك أمني أقل موثوقية مما يدفعها إلى البحث عن علاقات أمنية جديدة في أماكن أخرى”.

ويقترح التحليل  “إيجاد توازن بين المبادئ الأساسية للولايات المتحدة، وبين التعامل مع العالم الذي تتنافس فيه القوى الكبرى على النفوذ والوصول والتجارة والأمن”.

الحرة / ترجمات – واشنطن

——————————–

===========================

تحديث 30 أيلول 2021

—————————————-

روسيا دور انتدابي في سوريا/ فاطمة ياسين

لابد أن روسيا ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة مع بدايات العام  2011 فكرت في الاستثمار في سوريا، فاستخدمت قوتها في مجلس الأمن لإيقاف العديد من القرارات التي كانت كفيلة بسقوط النظام لو ترك للإرادة الدولية النفاذ، ولكن روسيا التي كانت لديها خطة بديلة ذات رؤيا استراتيجية، وضعت كل وزنها الدولي لمنع ذلك، فتدخلت بشكل مباشر قبل أن يسقط النظام بلحظات عبر القوة الأكثر تأثيرا وتفوقا، وهي السلاح الجوي، واحتلت على عجل مطارا مدنيا قرب اللاذقية وجهزته على وجه السرعة، ليستوعب طائراتها العسكرية من كل الأحجام، وشهد المطار ذاته انطلاقا للطائرات الروسية المتطورة التي ضربت المناطق السورية المعارضة، وكان النظام الروسي صبورا حتى وصل إلى لحظة وسع فيها نطاق المساحة التي يسيطر عليها النظام، وفي بعض الأوقات بدا مستعدا ليدخل في مجابهة مع أميركا في المناطق الشمالية ترسيخا لموقفه المتصلب في سوريا ودعما لنظامها، ومحاولة لتضعيف موقف الولايات المتحدة فيها، وقد ساعد اضطراب وتردد الموقف الأميركي في تشبث روسيا لرؤيتها بعيدة المدى نحو سوريا.

حرصت موسكو ومنذ كانت في عهدة الاتحاد السوفييتي على وضع أصبع أو قدم أو رأس جسر في سوريا وقد تمكنت من ذلك في وقت مبكر من عام 1955، وأعطى شكل الصراع مع إسرائيل أفضلية لموقف الانضمام إلى معسكر الاتحاد السوفييتي أو التمسح به، وقد أجبر هذا الصراع حتى بعض القوى الوطنية في سوريا، ذات المرجعيات المختلفة، على أن تطلب العون من السوفييت، وهذا ما فتح أبواب البحر المتوسط أمام الكرملين، الذي حرص على الظهور في هذا المكان ورفع رايته على شاطئ المتوسط، ولم يختلف هذا الهدف بمرور الوقت، فرغم سقوط الاتحاد السوفييتي ما زال الكرملين يعتقد بأنه رقم صعب في هذه المنطقة ويقدم نفسه بهذه الصفة، وهو راغب في الاستمرار بالمنافسة، ما يدفعه إلى الوقوف خلف أخر قطعة أرض صالحة له على المتوسط وهي اليوم في سوريا، وقد نجح حتى الآن في ترسيخ مكانه بجعل سياسته تتشعب فحاول ضم إيران تحت جناحه، واقترب أكثر من تركيا، مع الغزل الحميم لدول الخليج، وإبقاء علاقه دافئة (غير ممانعة) مع الجانب الإسرائيلي، بغية الاستمرار في جوار منابع واعدة للغاز على الشاطئ الشرقي للمتوسط وهي البقعة التي يصارع من أجلها.. اليوم يوجد ضباط روس من رتب مختلفة في سوريا وعلى تماس مباشر مع وجهاء أو أعلام محليين للتفاوض وإقرار الترتيبات الأمنية والعسكرية ودون الرجوع إلى النظام إلا بالشكل البروتوكولي، وهو دور قامت به فرنسا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حين كان لها في سوريا مندوب سامٍ ومستشارون تأتمر كل الوزارات بأمرهم، واستمرت مدةً تتجاوز خمسة وعشرين عاما ولم تخرج إلا بعد ثورة شعبية عارمة وعامة ومقاومة، متقطعة ومتفرقة، وبعد حرب عالمية شاملة أُجبرت بعدها على لملمة جنودها ومعداتها، وتركت كل شيء خلفها.

 واليوم يحقق بوتين في سوريا حلما راود الكرملين منذ الخمسينيات، وأصبح واقعا وسياسة يومية تكتب عنها وكلات الإعلام بما فيها إعلام النظام ذاته، وقد أُطلق على الروس في سوريا ألقابا تظهر الرضا والقبول الذي تحظى به هذه القوة التي تشبه في أوجه كثيرة الاستعمار، ما يعني أن السوريين يواجهون اليوم موجة استعمارية ثانية بدأت في الواقع بعد انطلاق ثورة شاملة ضد النظام، وصولا إلى لحظة دخول القوات الروسية للبلاد، والحالة الآن تأخذ طورها الأخير في الاستقرار بعد أن احتلت روسيا دور المفاوض فنابت عن النظام، وقبلت بها القوى المناوئة له، بل طالبت بها أحيانا، وهنا نجد أنفسنا بحاجة لاستعادة تراث سلطان باشا الأطرش وزملائه، واللجوء إلى ثورة ذات طعم مختلف وخاص يقارب ثورة السوريين على فرنسا التي جرت في القرن العشرين.

تلفزيون سوريا

—————————————–

لماذا تتعجّل موسكو تسوية في سوريا؟/ محمد قواص

في ما عدا مشروع مرور غاز وكهرباء مصر والأردن نحو لبنان من طريق سوريا، لم يصدر عن النظام السياسي العربي عامة إلا أعراض تجريبية مرتجلة لا يمكن الركون إليها لتسجيل تبدّل نوعي في الموقف الرسمي من نظام دمشق. تحت سقف هذه المبادرة “الكهربائية” التي نالت غضّ طرف أميركي ملتبس حماها من مخالب قانون قيصر، تمّ إجتماع أطراف تلك الورشة في عمّان، وتمّت زيارة وفد لبناني وزاري لدمشق. ومع ذلك فإن من الخطأ تهميش الحدث والتقليل من تداعياته على مآلات الشأن السوري.

أفصحُ المواقف وأكثرها وضوحاً هي تلك الصادرة عن الأردن. تحدثت المعلومات عن مرافعات ألقاها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لدى مستقبليه في البيت الأبيض ودوائر الكونغرس في تموز (يوليو) الماضي. دعا إلى تموضع جديد في مقاربة الأزمة السورية، من خلال التخفيف من حال القطيعة الدولية مع نظام بشار الأسد. والأرجح أن واشنطن أنصتت للملك وتجاوبت مع نصائحه من خلال بوابة المأزق في لبنان.

مدخل المقاربة الأميركية المتحوّلة حيال دمشق أعلنته سفيرة واشنطن لدى بيروت دوررثي شيا. “بشّرت” بمشروع استجرار غاز مصر وكهرباء الأردن عبر سوريا. بدا أن “العذر” اللبناني وفّر المناسبة لإعراب الولايات المتحدة عن بدايات خجولة للتعرّض لـ “قيصر” وتقليم أظافره إذا ما كانت مصالح ما تتطلب ذلك. ومع ذلك فإن الأمر ما زال قيد الدرس في واشنطن.

التقطت موسكو الانعطافة الأميركية باعتبارها رسالة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينهل من ندرتها. تمت زيارة بشار الأسد لموسكو في 13 أيلول (سبتمبر) وفق هذا السياق. اكتفى بوتين بلقاء قصير متلفز بعث به رسائل التبرّم من “الوجود الأجنبي” في سوريا، وهي رسائل، وإن كانت تلمّح إلى ذلك الأميركي، إلا أن وجهتها الأساسية صوب تركيا. أتت زيارة الأسد على خلفية التطور الذي أعاد، تحت إشراف موسكو، سيطرة النظام على درعا في الجنوب، وعلى خلفية تصعيد بعد ذلك في إدلب شمال غربي سوريا شاركت به مقاتلات روسية (على منطقة عفرين) عشية زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موسكو.

تتواطأ روسيا والولايات المتحدة في توفير الظروف المواتية لتحسين شروط الخروج بتسوية ما في سوريا. مفاوضات فيينا النووية المتعثرة، كما تعقّد علاقات أردوغان وبايدن وانحدارها إلى مستوى سيئ، عوامل تحمل تركيا وإيران على الإصغاء الى روسيا، لا سيما في ما ترسمه بشأن سوريا. حتى أن هناك من رأى في عدم لقاء بايدن أردوغان في نيويورك أخيراً إضعافاً مقصوداً للأخير في محادثاته مع بوتين في سوتشي. والحال أن قمة بوتين – أردوغان تشكّل مؤشراً الى قدرة موسكو على إقناع أنقرة في أن تكون شريكا في ما يمكن أن ترتبه لسوريا، خصوصاً أن أردوغان اعتبر أخيراً أن نظام دمشق خطر على بلاده. والظاهر أن تبادل التحديات العسكرية الخطيرة بين الطرفين ميدانياً في شمال سوريا قد يعقّد أي تفاهمات في الأجل العاجل.

وفي ما يتسرّب من موسكو ما يشي بهمّة نوعية لإحداث دينامية سياسية في سوريا تعمل دوائر أكاديمية روسية على نفخ غبار حولها. تكثر الجلبة عن توافق دولي على إنشاء مجلس عسكري، وتطل همهمة عن توليفة حكم في دمشق تعمل عليها موسكو. وداخل ذلك الضجيج ضمانات روسية ببقاء الأسد في منصبه وفق صلاحيات يجري تحديدها في دستور جديد تعمل موسكو على إعادة تنشيط المفاوضات حوله. وغداة الزيارة استجابت دمشق لطلب موسكو إعادة تفعيل عمل اللجنة الدستورية في تشرين الأول (اكتوبر).

تحدث بعض الأخبار عن إحباط أصاب وفد المعارضة السورية (برئاسة رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط) -الذي حضر أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك- من برودة سلبية في الموقف الأميركي وغياب سياسة معادية لبقاء نظام الأسد. وتحدثت أنباء أخرى عن أن وفد “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” الذي زار واشنطن (برئاسة الرئيس المشارك للمجلس التنفيذي لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد) بعد أيام على زيارته موسكو في 16 أيلول (سبتمبر)، سمع من المسؤولين الأميركيين تأكيد استمرار الحضور والدعم الأميركيين شمال سوريا وشرقها ونصائح تدعو الأكراد الى مزيد من التنسيق مع موسكو، ما يشي بأن روسيا ما زالت مرجع الحل في سوريا لانتاج تخريجة لن تأتي على مزاج أطراف الصراع في سوريا.

وفق ذلك المعطى، وبعد أسابيع من عودة العاهل الأردني من زيارتيه لواشنطن وموسكو، أعادت عمّان فتح حدود الأردن البرية مع سوريا، وعادت وتريثت في تسيير رحلات جوية نحو دمشق (بعد صدور تحفظ أميركي)، واستقبلت وفداً وزارياً سورياً. والواضح أن الأردن يسعى لاستعادة دور أساسي في ما يدبر لسوريا، وأن ملاقاة مصر الأردن في ملف كهرباء لبنان سيكون مقدمة لتبدل محتمل لمواقف دول عربية أخرى من مسألة العلاقة مع دمشق (لقاء وزير خارجية سوريا مع نظراء عرب في نيويورك مؤشر في هذا الاتجاه). ومع ذلك فإن أي انزياح عربي – غربي في هذا الصدد رهن بما يمكن أن ينجزه العراب الروسي في مداولاته مع أطراف الداخل كما في قدرته على تدوير الزوايا الحادة مع تركيا وإيران وإسرائيل.

تودّ موسكو أن يتطوّر مشروعها السوري وأن يحظى برعاية دولية واضحة المعالم. ينقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤلين إسرائيلين أن روسيا اقترحت على إسرائيل اجتماعاً ثلاثياً يجمعهما مع الولايات المتحدة للتداول في شأن سوريا. ويكشف أيضاً أن منسق البيت الأبيض للسياسة في الشرق الأوسط بريت ماكغورك عقد قبل أسابيع في جنيف، بطلب من الجانب الروسي، اجتماعاً مع نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف. وكانت مصادر أميركية كشفت أن ماكغورك هو من أقنع القاهرة بمدّ خط الغاز إلى لبنان وهو الذي يشدد على تطبيق اتفاق 2018 المتعلق بجنوب سوريا (بعد تطورات درعا).

ولئن يهتم الطرفان الإسرائيلي والأميركي بمعرفة مصير الوجود الإيراني في سوريا المستقبل، فإن توق موسكو إلى لقاء ثلاثي (ستتم مناقشته أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت المقبلة لروسيا) يهدف إلى جعل المسألة الإيرانية في سوريا علنية، تحظى بأبعاد دولية لها امتدادات داخل المنطقة العربية.

يمنح الأمر روسيا أوراقاً إضافية في مداولاتها مع طهران حول ما يتعلق بالتسوية السورية العتيدة. تعرف موسكو أنه ما زال عسيراً تسويق الأسد ونظامه لدى المجتمع الغربي، وأنها تحتاج إلى شراكة إسرائيل في إعادة تعويم نظام دمشق على قاعدة الضمان الكامل لمصالح إسرائيل واستمرار غض الطرف عن ضرباتها ضد “الأخطار” في سوريا. لكن حتى هذه الوصفة باتت متقادمة ولم تعد شرطاً كافياً لإقناع المجتمع الغربي بها من دون العبور إلى تسوية سياسية حقيقة وفاعلة وفق القرار الأممي 2254 تكون المعارضة جزءاً وازناً داخلها. أمر لم تلحظ واشنطن حتى الآن أن موسكو نجحت في توفيره.

النهار العربي

———————————–

====================

تحديث 01 تشرين الأول 2021

—————————-

قمة بوتين-أردوغان: ضبط إيقاع الصراع السوري/ أمين العاصي

لم تخرج قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، التي عقدت أول من أمس الأربعاء في مدينة سوتشي الروسية، عن المتوقع، خصوصاً لجهة الأوضاع في الشمال الغربي من سورية، بمحافظة الرئيسين على تفاهمات سابقة تضبط إيقاع الصراع القائم وتجنّب محافظة إدلب عمليات عسكرية واسعة النطاق. وعلى الرغم من التفاهمات بين البلدين لتطويق الخلافات ومنع توسعها، إلا أن الحديث عن حل نهائي يبقى بلا مؤشرات واضحة حول كيفية تطبيقه، لا سيما كيفية حل عقدة الطريق الدولي حلب اللاذقية “أم 4”.

وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه اتفق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على استمرار الاتصالات بين البلدين لحل المشاكل العالقة في سورية عموماً وإدلب خصوصاً، على مستوى الرؤساء والوزراء وأجهزة الاستخبارات، واصفاً لقاءه بنظيره الروسي بأنه كان بنّاء. وأوضح أردوغان في تصريحات له على متن طائرة العودة من روسيا، نشرها الإعلام التركي أمس الخميس، أنه “تناول في اجتماعه مع بوتين الموضوع السوري وإدلب بشكل مفصل، وتأثيرات الحرب الطويلة على المنطقة، والدراما الإنسانية والأوضاع الاقتصادية التي وصلت لدرجة لا تطاق”. وقال: “الوقت حان لتطبيق حل نهائي ومستدام في سورية، وبالدرجة الأولى في إدلب، وحددنا خريطة طريق سيعتمد عليها وزراؤنا للدفاع والخارجية”.

وأضاف أردوغان “تركيا تستضيف 4.5 ملايين لاجئ تقريباً، واتفقنا على أنه حان الوقت لإيجاد حل نهائي دائم، ولهذا توقفنا عند الخطوات التي يمكن اللجوء لها، وقلت لبوتين إن تركيا مستعدة لأي خطوة عادلة حقيقية في هذا الإطار”. وشدد على أنه “لا يوجد أي تراجع عن الاتفاقات مع روسيا في سورية، وسيتم تطبيق التفاهمات، ومنها بحسب التوافقات، تطهير الممر الآمن من العناصر الراديكالية (محيط الطريق أم 4)، ولا يوجد تنازل في تطبيق هذا الأمر، وننتظر من الطرف الآخر (روسيا) تطبيق التفاهمات أيضاً”. وحول وقف إطلاق النار، قال أردوغان: “تأمين وقف إطلاق النار بشكل دائم في المنطقة، سيساهم في عودة السوريين لمناطقهم”، مشيراً إلى أن “نحو مليون شخص عادوا من بينهم 400 ألف باتجاه إدلب، وهو تطور إيجابي ونسعى لأن يرتفع هذا الرقم وأن يعود الضيوف السوريون بشكل آمن”.

ولفت الرئيس التركي إلى أن “هناك مشاكل من فترة إلى أخرى في إدلب، ولكن يمكن مع الجانب الروسي عبر الاتصالات، حل هذه المشاكل، ونؤكد ضرورة التحرك المشترك في ذلك”، مضيفاً: “في الفترة اللاحقة، سيتم التواصل على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية والدفاع والاستخبارات، والعمل بشكل مشترك لحل المشاكل، وقد تم التوافق على ذلك”. كما أشار أردوغان إلى أنه ذكّر بوتين بوجود مكتب لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية (التي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابياً) في موسكو، مضيفاً: “يجب تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع روسيا بشأن إنهاء وجود تنظيمي بي كا كا (حزب العمال الكردستاني)، وي ب ك (وحدات حماية الشعب الكردية) الإرهابيين في سورية”.

من جهته، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، للصحافيين أمس الخميس، أن بوتين وأردوغان أكدا خلال لقائهما “ضرورة تطبيق اتفاقاتهما بخصوص إخلاء محافظة إدلب من العناصر الإرهابية المتبقية هناك، والتي من شأنها أن تشكل خطراً وقد تتخذ خطوات هجومية معادية ضد الجيش السوري”. ورفض بيسكوف الكشف عن المزيد من التفاصيل عن المحادثات بين الرئيسين بشأن الملف السوري.

ومن الواضح أن الطرفين لم ينجحا في تجسير هوّة الخلاف بينهما حيال مصير محافظة إدلب ومحيطها، بسبب تعقيدات ميدانية، في ظلّ وجود أكثر من 4 ملايين مدني هناك، يبدو أن المجتمع الدولي يحرص على تجنيبهم أي أعمال قتالية واسعة النطاق لتفادي موجات هجرة كبيرة شبيهة بموجة عام 2015. ويحكم هذه المنطقة الأكثر سخونة في سورية “اتفاق موسكو” المبرم بين أنقرة وموسكو في مارس/آذار من العام الماضي، والذي تعرّض إلى تحديات جمة، إلا أنه لا يزال صامداً بسبب حرص الروس والأتراك على تجنب أي حرب بالوكالة في إدلب ربما تنعكس سلباً على علاقة شراكة يريد الطرفان تعزيزها، خصوصاً في ملفات عسكرية واقتصادية. ويبدو أن الجانب التركي يربط الأوضاع في الشمال الغربي من سورية بتلك في الشمال الشرقي منها، حيث تريد أنقرة تجاوباً روسياً أكبر حيال التعامل مع ملف “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).

وتشير المعطيات إلى أن النظام السوري كان ينتظر ضغطاً روسياً أكبر على الجانب التركي، لتسهيل سيطرة قوات هذا النظام على ريف إدلب الجنوبي وجزء من الريف الغربي، لاستعادة السيطرة على الطريق الدولي “أم 4” الحيوي بالنسبة للنظام. وكان الأخير قد عزز وجوده العسكري جنوب الطريق “أم 4” للتقدم على الأرض في منطقة جبل الزاوية ومحيطها، وهي القريبة من الطريق وتتحكم به، ولكن تشي نتائج قمة الرئيسين التركي والروسي بأن هذا الملف ربما يرحّل إلى جولة مقبلة من مسار أستانة من المقرر أن تعقد قبل نهاية العام الحالي.

في السياق، رأى المحلل العسكري، العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك تفاهمات تركية روسية حول “ضبط إيقاع الصراع في سورية، وتطويق الخلافات وعدم قيام إقليم انفصالي كردي في شمال شرقي سورية”، مشيراً إلى أنه في الوقت ذاته هناك “خلافات جوهرية بين الأتراك والروس، إذ ترفض أنقرة تعويم نظام بشار الأسد، والتعامل مع المجرم، وتتماهى مع الموقف الغربي بهذا الخصوص، وهذا ما يزعج بوتين الذي بدأ التنسيق مع الحلقة الضيقة، وهي دول عربية بدأت بالتطبيع مع الأسد سراً وعلناً”. وأضاف: “لا يمكن للروس جني ثمار تدخلهم في سورية طالما بقي بشار الأسد في السلطة، لأن المجتمع الدولي يرفض إعادة الإعمار قبل رحيل الأسد، والجانب الأميركي يؤكد أنه لا يمكن التعامل مع النظام السوري ولا يمكن الوثوق به”.

واعتبر الفرحات أن “بوتين غارق في الملف السوري، فأمامه العقبة الإيرانية التي تمنع تحقيق الاستقرار وتطبيق القرار الدولي 2254 (المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية)”. وأشار إلى أن “العلاقة التركية الروسية تأخذ أحياناً منحى تصاعدياً في سورية بسبب الاستياء الروسي من الأتراك في ملفات إقليمية متشابكة، وسورية تحولت إلى صندوق بريد للرسائل الروسية إلى الجانب التركي”.

من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لم ينتج شيء عن قمة الرئيسين أردوغان وبوتين”، مضيفاً: “لذلك من المتوقع أن تبقى علاقات القوى على الأرض في الشمال السوري على حالها من دون تغيير”. ولفت زيادة إلى أن “أردوغان لم يكن راضياً عن زيارته الأخيرة إلى أميركا، وانتقد إدارة الرئيس جو بايدن بتصريحات علنية، وهذا ربما يفرض عليه إبقاء التنسيق الكامل مع الجانب الروسي، لإبقاء الضغط على الجماعات الكردية في سورية”.

العربي الجديد

————————-

6 سنوات من التدخل الروسي في سورية: مجازر وتهجير وفقر/ صدى العربي

بعد مضي 6 سنوات على التدخل الروسي في سورية، لم يجلب القتل والدمار والتهجير لأبناء المناطق المعارضة فحسب، وإنما جلب أيضاً الفقر والعوز لمناطق النظام، إلى جانب مصادرة القرار وانتهاك السيادة الوطنية، بتدخل موسكو في القضايا الداخلية والخارجية. وفي المحصلة، لم ينجح هذا التدخل الروسي سوى في الحفاظ على رئيس النظام بشار الأسد في موقعه، وما عدا ذلك، فإن سورية تحولت إلى دولة فاشلة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة.

 أصدر الدفاع المدني السوري إحصائيات يوم أمس الأربعاء حول أعداد ضحايا التدخل الروسي وثقها الفريق، حيث قتل 4 آلاف و18 شخصا، إضافة لسقوط 8 آلاف و 272 جريحا، بينما قتل 36 من عناصر الدفاع المدني جراء الهجمات الروسية، وأصيب منهم 163 شخصا.

وبلغ عدد الأماكن المستهدفة منذ التدخل الروسي، 5 آلاف و582، منها 3 آلاف و805 من منازل المدنيين و885 حقلا زراعيا، و70 مشفى و60 مركزا للدفاع المدني السوري، و53 سوقا شعبيا، و46 مدرسة و35 مسجدا و23 مخيما و18 مخبزا و591 من المرافق العامة والطرق، وقدر الفريق عدد الهجمات الجوية بـ5131 هجمة، وبلغ عدد الهجمات بالقنابل العنقودية 319 هجمة، أما الهجمات بالأسلحة الحارقة فبلغت 130 هجمة، إضافة لأربع هجمات بالطائرات المسيّرة وأربع هجمات بصواريخ أرض- أرض.

وغيّر التدخل الروسي في سورية بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول  2015 كفة الصراع لصالح النظام؛ حيث لجأ لاستخدام القوة النارية المفرطة والأسلحة المحرمة دوليا ضد الشعب السوري، وحوّل المناطق المحررة لحقل تجارب تختبر فيه روسيا أنواعا جديدة من الأسلحة الفتاكة، واستخدمت الأسلحة الليزرية في استهداف المدنيين منها قذائف “كراسنوبول”.

العربي الجديد

—————————

لا استثناءات أميركية من”قيصر”..ولا دعم لخط الغاز الأردني

يواصل وفد المعارضة السورية الاجتماعات بمسؤولي في الإدارة الأميركية في واشنطن، وذلك في الوقت الذي تبدي فيه الأخيرة تراخياً حيال تطبيق العقوبات المفروضة على النظام السوري (قيصر).

ويتحدث وفد المعارضة عن نقاط إيجابية عديدة لاجتماعاته مع المسؤولين الأميركيين، تمثلت في تأكيد الخارجية الأميركية أنها لا تعتزم تطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وكذلك لا تشجع الآخرين على القيام بذلك.

واستهل وفد الائتلاف اجتماعاته في واشنطن، بلقاء النائب الأول لمساعد وزير الخارجية الأميركية جوي هود ومسؤول التواصل عن الملف السوري إيثان غولدريتش، الذي تم تعيينه مؤخراً.

وقال عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، وأحد أعضاء وفد المعارضة المتواجد في واشنطن حالياً، ل”المدن”، إن المسؤولين في الخارجية الأميركية أكدوا خلال اللقاء، على النقاط الثابتة لسياسة بلادهم حيال الملف السوري، وهي “عدم وجود تطبيع مع النظام السوري من خلال استخدام العناوين الاقتصادية والإنسانية، وزيادة العقوبات الاقتصادية، وعدم السماح ببدء مرحلة إعادة الإعمار، دون العملية السياسية الهادفة إلى تحقيق الانتقال السياسي”.

وأضاف بركات أن الخارجية الأميركية أكدت على ضرورة الدفع بالحل السياسي، وجعله بوابة لحل كل القضايا الإنسانية، مبيناً أن “الوفد أكد للخارجية أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً، وذلك لقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف الإقليمية، اختزال الحل في قضايا اللاجئين والملفات الاقتصادية”.

وفي ما يخص مشروع الغاز العربي، والخطوات المتسارعة من جانب الأردن، في مجال التطبيع مع النظام السوري، وما إن كانت الإدارة الأميركية قد استثنت المملكة من عقوباتها، أكد بركات أن “الإدارة أكدت أنها لم تعطِ أي استثناء، وفي موضوع خط الغاز، لا زالت الإدارة تدرس الموقف منه، وهي لا تدعمه”.

وأضاف أن الوفد طالب الخارجية الأميركية بتقديم التوضيحات والتبريرات لأي استثناء من العقوبات قد تمنحه الإدارة الأميركية، “طالبناهم بذلك بشكل صريح، لكنهم أكدوا عدم وجود أي استثناء من العقوبات”.

وحول احتمال إصدار حزمة عقوبات جديدة ضمن قانون “قيصر” على النظام السوري، قال بركات: “الخارجية الأميركية، أكدت أنها بصدد دراسة جدوى ذلك”.

وفي السياق ذاته، أكد رئيس “هيئة التفاوض” أنس العبدة أن وفد المعارضة وضع الجانب الأميركي بالمخطط الهادف إلى تعويم نظام الأسد في الساحة الدولية. وحذّر في منشور على “فايسبوك” من الآثار الكارثية لتعويم النظام على العملية السياسية والسلم الدولي، قائلاً إن “نظام الأسد هو الراعي الأول للإرهاب”.

وأضاف أن الوفد بحث كذلك مع النائب الأميركي تيم بورتشيت، تطورات الساحة السورية، مؤكداً أن بورتشيت سيلقي خطاباً خاصاً بالوضع السوري في مجلس النواب الأميركي، لدعم الجهود الرامية للوصول لحل سياسي شامل وعادل.

المدن

———————-

تصعيد في إدلب بعد القمة الروسية – التركية/ عدنان أحمد

شهدت محافظة إدلب، شمال غربي سورية، تصعيداً من جانب النظام وروسيا، بعد أقل من يومين على القمة التي جمعت الرئيسين الروسي والتركي وركزت على تهدئة الوضع في هذه المنطقة. ومن جهته، أعلن الجيش الأميركي قتل أحد قادة تنظيم “القاعدة” خلال غارة جوية في إدلب.

وذكر الناشط محمد المصطفى، لـ”العربي الجديد”، أن الطيران الحربي الروسي أغار، صباح اليوم الجمعة، على محيط قرية الزيارة في سهل الغاب غربي حماة، فيما قصفت قوات النظام السوري بالمدفعية والصواريخ محيط قرية ومخيم بانتنا بريف إدلب الشمالي، ما تسبب في مقتل سيدة وإصابة عدد آخر من المدنيين. كما طاول القصف بصواريخ أرض – أرض مناطق عدة في منطقة جبل الأربعين قرب مدينة أريحا جنوبي إدلب، إضافة إلى أطراف بلدات مرعيان وكفريا ومعرة مصرين وجسر الشغور بريف إدلب، فضلاً عن مدينة جسر الشغور نفسها.

وكانت مديرية “صحة إدلب الحرة” ذكرت، في بيان لها أمس الخميس، أن الطيران الروسي دمّر 57 منشأةً طبية منذ إبريل/نيسان 2019، مشيرة إلى خسارة العشرات من الكوادر الطبية العاملة في هذه المنشآت، إضافة إلى تدمير آلاف المرافق المدنية الأخرى من مدارس ومساجد ومحطات مياه وكهرباء ومراكز دفاع مدني وأفران وطرق وأراضٍ زراعية.

من جهته، أعلن الجيش الأميركي مقتل سالم أبو أحمد، المسؤول في تنظيم “القاعدة”، بغارة جوية قرب إدلب شمالي سورية الشهر الماضي. وأبلغ الجيش موقع “ميليتاري تايمز” مقتل أبو أحمد، وقال إنه مسؤول عن تخطيط وتمويل هجمات “القاعدة”، مستبعداً وقوع إصابات في صفوف المدنيين نتيجة الغارة.

ونقل الموقع عن القيادة الوسطى الأميركية قولها إن سالم أبو أحمد، المسؤول الذي قتل في الغارة، مسؤول عن تخطيط وتمويل هجمات “القاعدة”.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية استهداف مسؤول رفيع في تنظيم “القاعدة” بغارة جوية قرب مدينة إدلب، أسفرت عن مقتل اثنين من قادة “حرّاس الدين” هما “أبو البراء التونسي” و”أبو حمزة اليمني”.

وفي جنوبي البلاد، تعرض 4 شبّان، ينحدرون من منطقة اللجاة في الريف الشرقي من محافظة درعا، لإطلاق نار أثناء وجودهم على الطريق الدولي درعا – دمشق. وذكر موقع “درعا 24” المحلي أن قوات النظام السوري استهدفت الشبان بشكل مباشر، ما أدى إلى سقوطهم بين قتيلٍ وجريح، وتم نقلهم إلى مشفى مدينة ازرع الوطني.

وقال الناشط أبو محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن اثنين من الشبان على الأقل قتلا جراء هذا الكمين لقوات النظام، وأصيب اثنان آخران، مشيراً إلى أن الشبان جميعهم ينحدرون من منطقة اللجاة في ريف درعا، وقد تعرضوا لإطلاق النار خلال وقوفهم بالقرب من إحدى النقاط العسكرية لقوات النظام السوري على الطريق الدولي دمشق- درعا.

كما قتل الشاب عمر عجاج الساعدي إثر إطلاق الرصاص عليه من قبل مسلحين مجهولين في بلدة المزيريب غربي درعا. والساعدي منشق عن قوات النظام، ومقاتل سابق ضمن فصائل الجيش الحر، سبق أن نجا من محاولة اغتيال نفذها مسلحان اثنان كانا يستقلان دراجة نارية في المزيريب في الـ24 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وسبق أن أصيب الساعدي بجروح إثر استهدافه بقذيفة (آر بي جي) في تلة الزمل عام 2017 خلال محاولة تقدم قوات النظام على الطريق الحربي، إبان معركة “الموت ولا المذلة”، وفق موقع “تجمع أحرار حوران” المحلي.

وذكر الموقع أيضاً أن طفلاً قضى أمس متأثراً بجروحه التي أصيب بها يوم السبت الماضي جراء انفجار قذيفة غير منفجرة من مخلفات قصف النظام على حي طريق السد في مدينة درعا.

وعلى صعيد التسويات التي تقوم بها قوات النظام في محافظة درعا، طلبت “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام من وجهاء مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي بتسليم حوالي 200 قطعة متنوعة من الأسلحة.

وذكر الناشط أبو محمد الحوراني أن اجتماعاً عُقد أمس الخميس في مدينة جاسم، ضم اللجنة الأمنية الممثلة النظام، والشرطة العسكرية الروسية ووجهاء من مدينة جاسم، تضمن هذه المطالب التي ترافقت مع تهديدات بقصف المدينة في حال لم يتم تسليم العدد المطلوب.

وشهدت مدينة جاسم بريف درعا الشمالي تحركات عسكرية في محيط المدينة في 29 مايو/أيار الماضي، عقب تظاهرات شعبية أعقبت انتخابات النظام الرئاسية، وشملت تعزيزات عسكرية بينها دبابات وعربات مدرعة. ورأى الحوراني أن النظام يحاول رفع سقف مطالبه بالمطالبة بهذا الكم من السلاح، إضافةً إلى ادعائه بوجود خلايا لتنظيم “داعش” في مدينة جاسم.

وتحيط بمدينة جاسم مجموعة من التلال تسيطر عليها قوات النظام، وتثبّت عليها دبابات ومدفعية، أهمها تل المحص والهش وتل أم حوران وتل الحارة.

وكانت قوات النظام بدأت، أمس الخميس، بإجراء تسويات في مدينة نوى التي تعتبر بوابة الريف الشمالي للمحافظة، كما أنها أكبر تجمع سكاني في ريف المحافظة، إذ يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة.

وقد عقد عدد من وجهاء مدينة نوى اجتماعاً مع ضباط من اللجنة الأمنية التابعة للنظام أمس الخميس، من أجل دعوة شبان نوى لإجراء التسويات وتسليم عدد أكبر من السلاح، وذلك بعد أن دخلت قوات النظام إلى المدينة وافتتحت مركزاً للتسوية في مركز إنعاش الريف. وأوضح الحوراني أن إجراءات التسوية شهدت إقبالاً ضعيفاً لم يتجاوز عشرات الأشخاص، ولم يتم تسليم سوى عدد قليل من قطع السلاح، وكذلك كان هناك قائمة تضم أسماء عشرات المطلوبين من أبناء مدينة نوى لم يتوجه أي منهم لمركز التسوية، وقد اعترض وفد الأهالي على هذه القائمة لأنها تحتوي على أسماء أشخاص لا مبرر لطلب تسوية أوضاعهم.

العربي الجديد

—————————–

إدلب:هدوء قمة بوتين أردوغان..صمد 5 أيام فقط

قُتلت امرأة وأصيب 5 مدنيين آخرين جراء قصف قوات النظام والطائرات الحربية الروسية مخيماً في قرية باتنتة شمالي ادلب، ومناطق متفرقة من ريف المحافظة الغربي، في تصعيد جديد بعد توقف دام نحو 5 أيام.

وأشار الدفاع المدني السوري في تغريدة الجمعة، إلى أن القصف استهدف مخيماً عشوائياً قرب قرية باتنته، ما أدى إلى مقتل امرأة وإصابة امرأة آخرى وطفلة، فيما أصيبت امرأتان بقصف مماثل استهدف مدينة جسر الشغور، كما أصيب طفل بقصف على قرية أم الريش غربي إدلب”.

واستهدف القصف أيضاً قرى قلب لوزة وجفتلك قطرون غربي إدلب، وصفوهن والفطيرة واحسم ومرعيان في جبل الزاوية جنوبي المحافظة، بالتزامن مع غارات جوية روسية استهدفت أطراف بلدة الزيارة بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، وصاروخ أرض-أرض استهدف جبل الأربعين قرب أريحا.

وكانت الغارات الروسية قد توقفت في 26 أيلول/سبتمبر، قبل عقد قمة جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في مدينة سوشي الروسية الأربعاء، حيث أكدا التزامهما بالاتفاقيات المبرمة بشأن “ضرورة إخلاء محافظة إدلب من الإرهابيين”، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى عدم استمرار الاتفاق.

وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الطائرات الحربية الروسية عادت لتستأنف قصفها الجوي على منطقة خفض التصعيد، بعد ساعات من الحشود الكبيرة والمتبادلة في المنطقة، وتحديداً في إدلب، بين الجانب التركي والفصائل الموالية له من جهة، وقوات النظام السوري والفصائل التابعة لها من جهة أخرى.

وأضاف المرصد أن قيادة القوات التركية طلبت من جميع قواتها المنتشرة في إدلب وريف حلب الغربي الخميس، التأهب ورفع الجاهزية القتالية لكافة العناصر والقيادات العسكرية. كما عمدت القوات التركية، بحسب المرصد، ولأول مرة منذ دخولها إلى إدلب وريف حلب الغربي، إلى نشر مجموعة أسلحة مضادة للدروع ضمن نقاطها على طول خطوط الاشتباك مع قوات النظام والفصائل التابعة لها، مع تثبيت مدافع الهاون وتوجيه نيرانها على المحاور المقابلة وخطوط الإمداد.

ويتزامن التصعيد في ادلب مع تلويح النظام لعملية عسكرية على الطريق الدولي حلب-اللاذقية المعروف ب”إم-4″، بهدف “طرد فصائل المعارضة السورية”.

وفي وقت سابق، قالت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام، إن النظام استكمل استعداده لشن عملية عسكرية محتملة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي لطرد فصائل المعارضة، بدعم جوي روسي تمهيداً لافتتاح الطريق الدولي أمام حركة المرور والترانزيت ب”تفاهمات روسية أميركية”.

———————–

الائتلاف السوري: روسيا قتلت عشرات الآلاف وهجّرت الملايين

في الذكرة السادسة للتدخل الروسي في سوريا في 30 أيلول/سبتمبر عام 2015، قال الائتلاف السوري المعارض إن “العدوان الوحشي الذي شنته روسيا أدى إلى تهجير ونزوح الملايين، ومقتل وإصابة عشرات الآلاف”، إضافة إلى “الدمار والخراب اللذين غطيا المدن والقرى السورية”.

ووصف الائتلاف السوري في بيان الخميس، روسيا بأنها “قوة احتلال تتحمل المسؤولية القانونية عن كل جرائمها”، مشيراً إلى أن “الجريمة الأخيرة التي ارتكبتها الطائرات الروسية في ريف عفرين قبل أيام قليلة، جاءت لتذكر الجميع بما ترتكبه في بلدنا من مختلف أشكال جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها استهداف المدارس والمشافي والمساجد والأسواق، ما أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى والمصابين وتهجير الملايين”.

وأضاف البيان أن “التاريخ يؤكد أن الفشل فقط هو ما تصل إليه التدخلات العسكرية التي تأتي ضد إرادة ومصالح الشعوب، وأن الأثمان غالباً ما تكون باهظة على جميع الأطراف”. وحمّل الائتلاف الدول الفاعلة المسؤولية “تجاه ما ترتكبه روسيا من جرائم بحق الشعب السوري”، وطالب ب”فرض آليات مناسبة لوقف دورها الإجرامي والمعطل”.

وفي السياق، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخميس، تقريرها السنوي السادس عن انتهاكات القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا، وقالت إن بعض تلك الانتهاكات “ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”، مشيرة إلى أن “التدخل العسكري الروسي غير شرعي وتسبب في مقتل 6910 مدنيين بينهم 2030 طفلاً، و1231 حادثة اعتداء على مراكز حيوية”.

ووثق التقرير قتل القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، و44 من كوادر الدفاع المدني، إضافة الى 24 من الكوادر الإعلامية، جميعهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب. وأشار التقرير إلى أن القوات الروسية منذ تدخلها العسكري ارتكبت “ما لا يقل عن 1231 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، بينها 222 مدرسة، و207 منشآت طبية، و60 سوقاً”.

تدخل غير شرعي

وأكد التقرير عدم مشروعية التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية، وأشار إلى أن روسيا تبني شرعية تدخلها على سببين اثنين: أولاً أن تدخلها كان بناءً على دعوة من النظام السوري، والثاني الاستناد إلى قرار مجلس الأمن رقم 2249، الصادر بعد شهرين من تدخلها العسكري، الذي دعا الدول الأعضاء التي لديها القدرة المطلوبة ل”اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع وقمع الأعمال الإرهابية على الأراضي الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش في سوريا والعراق”.

لكن التقرير أكد عدم مشروعية هذا التدخل لأسباب عديدة، منها أن السلطة التي قامت بدعوة القوات الروسية إلى التدخل هي “غير شرعية”، مشيراً إلى أن “النظام السوري استولى على السلطة عبر انتخابات تحت تهديد قمع وإرهاب الأجهزة الأمنية، ولم تحصل انتخابات حرة ونزيهة ولم يكتب دستوراً بشكل قانوني، كما أنه متورط في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري”.

وأضاف أن التدخل العسكري الروسي انتهك التزامات روسيا أمام القانون الدولي، “فهي عبر تدخلها إلى جانب نظام متورط في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تنتهك العديد من قواعد القانون الدولي، وتجعل من نفسها شريكة في الانتهاكات التي يمارسها النظام السوري”، فضلاً عن أن “القوات الروسية نفسها تورطت في ارتكاب آلاف الانتهاكات الفظيعة في سوريا، التي يُشكل بعضها جرائم ضد الإنسانية، ويُشكل بعضها جرائم حرب”.

عودة اللاجئين

ولفت التقرير إلى أن التدخل العسكري الروسي ساعد نظام الأسد على استعادة قرابة 65 في المئة من الأراضي التي كانت خرجت عن سيطرته قبل عام 2015. وأوضح أن العام السادس للتدخل شهد تراجعاً ملحوظاً في حدة العمليات العسكرية، الأمر الذي انعكس على حصيلة الانتهاكات المرتكبة، مشيراً إلى أن روسيا كثفت جهودها في العام الأخير في الترويج لقضية عودة اللاجئين، من أجل البدء بعمليات إعادة الإعمار.

وتابع أن النظام السوري لا يرغب فعلياً بعودة اللاجئين أو النازحين “فهو يعتبرهم معارضين له، بل يحاول الإبقاء عليهم خارج مناطق سيطرته سواء عبر الاعتقالات المستمرة للعائدين أو تجنيدهم قسرياً في صفوف قواته أو مصادرة ممتلكات الغائبين”، عدا عن أن “شروط العودة الآمنة الطوعية التي وضعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لم تتحقق بعد”.

وطالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، وأوصى المجتمع الدولي بزيادة الدعم الإغاثي، والسعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورطين، ودعم عملية الانتقال السياسي والضغط لإلزام الأطراف بتطبيق الانتقال السياسي ضمن مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر.

12 ألف قتيل وجريح مدني

وقبل أيام، وثّق الدفاع المدني السوري مقتل وجرح نحو 12 ألف مدني منذ بداية التدخل الروسي، تحديداً خلال الفترة الممتدة من 30 أيلول/سبتمبر عام 2015 وحتى 20 أيلول عام 2021.

وقال الدفاع المدني في بيان، إن “فرقه وثّقت مقتل 4018 مدنياً بينهم أطفال ونساء، وتمكنت من إنقاذ 8272 مدنياً أصيبوا جراء القصف والغارات الروسية”.

وأوضح أن عدد الأماكن المستهدفة من قبل القوات الروسية براً وجواً بلغ 5586، توزعت على 3805 منازل مدنيين، 885 حقول زراعية، 70 مشفى، 60 مركز دفاع مدني، 53 سوق شعبي، 46 مدرسة، 35 مسجد، 23 مخيم، 18 مخبز، 591 طرقات ومرافق عامة.

وأشار الدفاع المدني إلى أن “هذه ليست كل الهجمات إنما فقط ما استجابت له الفرق، ويوجد عدد كبير من الهجمات لم تتمكن الفرق من الاستجابة لها، كما أنها لا تشمل الهجمات المشتركة بين نظام الأسد وروسيا”. ولفت إلى أن “هذه الأرقام تعبر عن المدنيين الذين استجابت لهم فرقنا وقامت بانتشال جثثهم، لأن عدداً كبيراً يتوفى بعد إسعافه، أو بعد أيام من إصابته أو لم تتمكن فرقنا من انتشالهم، وهذه الأعداد لا توثقها فرقنا”.

——————-

«تفاهمات» روسية ـ تركية حول سوريا سينفذها مسؤولو الجانبين

إردوغان يركز على الأكراد… والكرملين لـ«طرد الإرهابيين» من إدلب

أنقرة: سعيد عبد الرازق – موسكو: رائد جبر

كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن اتفاقه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على خريطة طريق بشأن الوضع في محافظة إدلب شمال غربي سوريا سيعمل عليها وزراء الخارجية والدفاع في البلدين، ما يشكل بدء ظهور التفاهمات الروسية – التركية بين الجانبين، في وقت قال إردوغان إن على الولايات المتحدة أن تنسحب من سوريا إن عاجلا أم آجلا.

وقال إردوغان إنه بحث مع بوتين سبل التوصل إلى حل نهائي ومستدام للأزمة السورية، وبخاصة الوضع في إدلب. ووصف، في تصريحات لصحافيين أتراك رافقوه على متن طائرته أثناء عودة من سوتشي، نشرت أمس (الخميس)، مباحثاته مع بوتين بأنها «مثمرة»، مؤكدا أن تركيا تواصل الالتزام بكل قضية اتفقت عليها مع روسيا حيال سوريا ولا عودة عن ذلك.

وأكد الرئيس التركي ضرورة تنفيذ الاتفاق مع روسيا في شمال شرقي سوريا، أيضا، فيما يتعلق بإنهاء وجود «التنظيمات التي تصنفها تركيا على لوائح الإرهاب في المنطقة»، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وانتقد إردوغان الموقف الأميركي الداعم للوحدات الكردية، قائلا إن «على الولايات المتحدة مغادرة هذا المكان وتركه للشعب السوري عاجلا أم آجلا». وأعرب إردوغان عن استيائه من تواصل منسق الولايات المتحدة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، مع قوات سوريا الديمقراطية، قائلا: «ماكغورك هذا يعد بمثابة مدير تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، فهو يتجول بحرية مع التنظيمات الإرهابية». وأضاف أن «تجول ماكغورك يدا بيد مع التنظيمات الإرهابية في المناطق التي نكافحها فيها يجعلنا نشعر باستياء كبير».

من جهته، كشف الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أمس، جانبا من تفاصيل الحوار الذي ركز على أربع قضايا رئيسية هي بالإضافة إلى الملف السوري الذي شغل حيزا أساسيا من الاهتمام، ملفات العلاقة الثنائية، وخصوصا على صعيد تعزيز التبادل التجاري والطاقة وإطلاق مرحلة أكثر نشاط في التعاون في المجالات العسكرية، وملف الأزمات الإقليمية الذي شمل أفغانستان وليبيا والوضع في مناطق التماس الأذري الأرميني.

في الموضوع السوري، قال بيسكوف إن الرئيسين «ناقشا بشكل تفصيلي الوضع في سوريا وتبادلا وجهات النظر حوله». وزاد أنه تم التأكيد خلال المناقشات على التزام الطرفين بالاتفاقات السابقة بشأن سوريا، في إشارة إلى اتفاق سوتشي الموقع في عام 2018.

وزاد أن الطرفين اتفقا على تنشيط العمل المشترك لتنفيذ بنود الاتفاق، بما في ذلك «ضرورة طرد العناصر الإرهابية من إدلب». وقال: «هنا، للأسف، لا أستطيع الخوض في التفاصيل، ليست لدي هذه المعلومات بالكامل. لكن الموضوع نوقش بالفعل. وتم تأكيد الالتزام بالاتفاقات السابقة، والتأكيد على ضرورة تنفيذها بالكامل لجهة طرد العناصر الإرهابية».

وأوحت عبارة بيسكوف بوجود عناصر خفية تم التوصل بشأنها إلى تفاهم بين الرئيسين حول مسار تنفيذ الاتفاق السابق، وآليات «طرد الإرهابيين»، لكن بدا كما قالت مصادر روسية إن الرئيسين فضلا عدم الإعلان عنها حاليا.

وكشف مصدر دبلوماسي مقرب من وزارة الخارجية لـ«الشرق الأوسط» بعض جوانب التفاهمات بين الرئيسين خلال القمة. وقال المصدر إن الوضع في إدلب كان محور بحث دقيق، وإن الرئيسين أجريا اتصالات خلال الاجتماع مع المستوى العسكري في البلدين، في إشارة إلى الرغبة في توضيح بعض جوانب الموقف الميداني. كما لفت إلى اتفاق بوتين وإردوغان على توجيه أوامر واضحة إلى المستوى العسكري بناء على المناقشات التي جرت.

ثلاثة عناصر

وأجمل المصدر التفاهمات حول سوريا في ثلاثة عناصر: أولها سياسي، حمل تأكيدا إضافيا عبر حديث الناطق الرئاسي أمس، وهو يتعلق بالالتزام باتفاق سوتشي حول إدلب، وعدم الذهاب نحو إدخال أي تعديلات عليه حاليا، مع ضمان تنشيط تنفيذ البنود بعد تأخير طويل.

وتم التأكيد في هذا الإطار، على استمرار العمل لإنهاء الأزمة السورية على أساس القرار 2254 وبذل جهود مشتركة لإحراز تقدم في عمل اللجنة الدستورية مع مراعاة خصوصية الوضع في الشمال الشرقي والغربي لسوريا. واتفق الرئيسان أيضا على تكثيف الاتصالات مع واشنطن لـ«المساهمة الفعالة في إنهاء الأزمة السورية والحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها».

والعنصر الثاني ميداني، تضمن التعليمات التي وجهت إلى المستوى العسكري لجهة تكثيف التنسيق في إطار منع الاحتكاك، والعمل المشترك لتطبيق البنود المتعلقة بإخلاء المنطقة العازلة والترتيبات الأخرى التي نص عليها اتفاق سوتشي، بما في ذلك إنهاء كل مظاهر خروقات وقف النار، وتسوية أوضاع المجموعات المسلحة (ما عدا الإرهابيين) مع تفادي الإضرار بالمدنيين بما في ذلك عائلات المسلحين. وفي هذا الإطار أكد الطرفان التزامهما بـ«تحييد» العناصر الإرهابية، التي تعرقل تنفيذ بنود اتفاق سوتشي، ولفت المصدر إلى أن عبارة «تحييد» لا تعني بالضرورة القضاء عليها بل تحييد قدراتها. ما يعني اتفاقا ضمنيا بمنع اندلاع مواجهة واسعة في المنطقة.

وثالثا، اتفق الرئيسان على «إبقاء العمل بشكل دائم لقنوات الاتصال على مستوى إدارتي الرئيسين ووزارات الخارجية والدفاع في البلدين، لضمان مراعاة مصالح الأمن القومي الروسي والتركي، والسعي إلى تسوية المسائل العالقة وهذا ينسحب على مواصلة النقاشات حول القضايا الإقليمية الأخرى».

ووفقا للمصدر، طرحت بعض الأفكار التي تحتاج لمواصلة النقاش الثنائي على المستويين الأمني – العسكري والدبلوماسي، ما فسر ميل الرئيسين إلى عدم إعلان النتائج في بيان ختامي أو مخاطبة الصحافيين بعد اللقاء مباشرة. ورأى المصدر أن هذا عكس اهتمام الطرفين بمنح تطبيق التفاهمات أولوية، وعدم السماح باستخدام النقاشات الجارية في أغراض دعائية إعلامية.

على صعيد آخر، أجمل سفير روسيا لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، أبرز نتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا قبل ست سنوات، وقال إن «وقوف روسيا إلى جانب السوريين في الذود عن وطنهم، ساهم في هزيمة التنظيمات الإرهابية وإفشال مخططات القوى الخارجية الهدامة». وزاد السفير في حديث لقناة «آر تي» الحكومية أن «التدخل الروسي وهزيمة التنظيمات الإرهابية، حال دون انتقال التهديد الإرهابي من سوريا إلى دول أخرى في العالم العربي أو حتى إلى خارج حدوده، على سبيل المثال إلى روسيا، التي هي في الواقع قريبة جدا جغرافيا من هذه المنطقة».

وأوضح السفير أن «عملية التسوية السياسية في سوريا لا تكتسب في الوقت الحالي زخما كبيرا»، مشيرا إلى أن «هناك العديد من الأسباب لذلك، إذ إن حجم التناقضات التي تراكمت بين الطرفين المتنازعين كبير جدا، ويحتاج الأمر بعضا من الوقت للوصول إلى مستوى من الثقة المتبادلة يكفي لمناقشتها بشكل بناء».

لكنه رأى أن «التحدي الأكبر في هذه الحالة هو المحاولات المستمرة من قبل بعض الأطراف الخارجية للتدخل أو تعطيل المفاوضات السورية البينية بشكل أو بآخر. وهذا أمر غير مقبول قطعا، فالعملية السياسية يجب أن يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254».

وأضاف «لو كان جميع اللاعبين الأجانب قد أخذوا بعين الاعتبار المصالح الحقيقية للشعب السوري ولم يسعوا للدفع بأجنداتهم الخاصة باستخدام أيدي الآخرين، لكان الطريق إلى تسوية نهائية أسرع وأسهل بكثير».

———————

الموقف الأميركي يربك حسابات الأتراك في إدلب وروسيا تستغله للتصعيد

أنطاكيا – فراس فحام

قطعت الغارات الروسية اليوم على غربي إدلب حالة الهدوء القصيرة جداً التي عاشتها المنطقة بانتظار انتهاء القمة الرئاسية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

التصعيد الروسي في أعقاب القمة، يشير إلى عدم التجاوب الروسي مع الرغبة التركية بإعادة الهدوء إلى محافظة إدلب، ويؤكد على تمسك موسكو بأن تبادر تركيا لتنفيذ مزيد من الخطوات بما يتعلق بإنشاء الممر الأمني على الطريق الدولي حلب – اللاذقية M4، وتسهيل حركة الطرق التجارية، وفتح معابر بين مناطق الفصائل العسكرية والنظام السوري، دون مقابل من موسكو التي أبدت انفتاحاً على “قسد” بدل أن تضغط عليها بحسب التفاهمات التركية – الروسية السابقة.

التصريحات التي صدرت عن الجانبين التركي والروسي بعد يوم واحد من قمة سوتشي تشير إلى زاويا نظر مختلفة للواقع، فقد طالب الرئيس أردوغان بأن تبادر روسيا إلى الوفاء بتعهداتها الخاصة بإبعاد عناصر وحدات حماية الشعب (العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”) من الحدود السورية – التركية، بينما دعا الكرملين الجانب التركي إلى إخراج “الإرهابيين” من إدلب.

روسيا تعول على تفاهمات مع أميركا لمواجهة الموقف التركي

دخل بوتين القمة الرئاسية الأخيرة مع أردوغان متسلحاً بحالة التوتر التي سادت الأجواء بين الرئيس الأميركي جو بايدن وأردوغان، قبل أيام من “سوتشي”، على خلفية عدم استجابة بايدن للرغبة التركية بعقد محادثات على المستوى الرئاسي على هامش لقاءات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أواخر شهر أيلول المنصرم، وليس واضحاً بعد ما إذا كان أردوغان وبايدن سيلتقيان على هامش قمة الدول العشرين في روما شهر تشرين الأول الجاري.

بعد قمة سوتشي.. أردوغان يطالب الولايات المتحدة بمغادرة سوريا

التطور الأهم الذي سبق التوترات التركية – الأميركية، هو إجراء حوار إستراتيجي بين المبعوثين الروسي والأميركي المكلفين من قبل الكرملين والبيت الأبيض بمتابعة الملف السوري.

وتعول روسيا على تفاهمات مع واشنطن حول الملف السوري، استكمالاً لما بدأه الجانبان في تموز الفائت، عندما توافقا على تمديد دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى إلى الأراضي السورية.

المحادثات التي تخوضها روسيا مع الولايات المتحدة، تركز على ترسيم حدود النفوذ بين الجانبين في المنطقة ككل، بما فيها ليبيا، وفي حال توصل الطرفان إلى خطة عمل، فإن الضغوطات ستزيد على الجانب التركي، وستصبح روسيا أكثر صلابة في مواجهة موقف أنقرة نتيجة انكشاف ظهرها في سوريا وليبيا، من جراء انعدام القدرة على المناورة بين الموقفين الأميركي والروسي.

ورعى قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، اجتماعاً للفرقاء الليبيين في الـ 29 من أيلول، لمناقشة تحديد جدول زمني لخروج المقاتلين الأجانب من البلاد، وقد أرسلت موسكو رسائل إيجابية لواشنطن، تمثلت بخفض عدد مرتزقة “فاغنر” في منطقة الهلال النفطي شمالي ليبيا، مما يعزز فرص تعزيز التوافقات التي قد تتضمن إطلاق يد روسيا في سوريا.

وسبق أن استفادت روسيا من تقاربها مع الولايات المتحدة الأميركية زمن إدارة “أوباما”، ضمن ما يعرف اتفاق كيري – لافروف، الذي أتاح لموسكو النفوذ الكامل على منطقة غربي الفرات ضمن الأراضي السورية، واقتصار نفوذ واشنطن على شرقه، وكان بمثابة ضوء أخضر لشن حملة عسكرية لإسقاط مدينة حلب.

ومنذ شهر آب الماضي، وحتى نهاية أيلول، تساهلت الولايات المتحدة مع روسيا في سوريا بما يخص تخفيف سطوة العقوبات الاقتصادية، إذ لم تعارض فتح المعبر الحدودي بين سوريا والأردن، وكذلك رحبت بعودة الرحلات الجوية بين عمان ودمشق قبل يومين، ثم تراجعت عن هذا الترحيب دون التلويح بفرض عقوبات على المتساهلين مع نظام الأسد كما فعلت سابقاً مع الإمارات مطلع عام 2020.

ولم تتدخل الولايات المتحدة أو تضغط على تنظيم “قسد” لمنعه من الموافقة على إقامة المزيد من القواعد الروسية في شمال شرقي سوريا خلال الشهرين الماضيين، حيث عززت القوات الروسية من وجودها في كل من تل تمر بريف الحسكة، وعين عيسى بريف الرقة.

روسيا تعمل على عقد محادثات ثلاثية حول سوريا

أكد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، أن اللقاء المحتمل بين سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، ونظيريه الأميركي والإسرائيلي قيد الدراسة.

وسبق أن كشفت تسريبات إسرائيلية عن اتصالات تجريها موسكو مع تل أبيب من أجل إقناع واشنطن بعقد محادثات عالية المستوى حول الملف السوري.

وعلى الأرجح فإن روسيا تسعى للحصول على إقرار من واشنطن وتل أبيب بنفوذها على الأراضي السورية، مقابل ضمانة مصالح الطرفين، بما يتعلق في شكل الحكم ومستقبل “الإدارة الذاتية”، ومصير النفوذ الإيراني المقلق بالنسبة لتل أبيب، وفي حال نجحت مساعي موسكو، فتستفيد من هذا الاختراق المهم في تعظيم مكاسبها شمال غربي سوريا في مواجهة الأتراك.

وعلى الأرجح فإن المشهد في شمال غربي سوريا سيبقى يعيش حالة من التأرجح، في ظل استمرار روسيا باستخدام الضغط العسكري، بهدف إجبار أنقرة على تليين موقفها أمام مطالب موسكو، وقد يزداد هذا التصعيد في حال نجحت روسيا في مساعيها السياسية المتعلقة بالتوصل إلى خطة عمل مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول الملف السوري.

بالمقابل فإن تركيا ستعول على انتشارها العسكري على الأراضي السورية، وأوراق ضغط في مناطق أخرى على روسيا، بالإضافة إلى إغراء موسكو بالعمل المشترك ضد النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا، لكن هذا بشرط أن تفشل المساعي الروسية المتعلقة بالتوصل إلى تفاهم مع واشنطن.

تلفزيون سوريا

———————-

=========================

تحديث 02 تشرين الأول 2021

———————–

الانتصار الروسي الناقص في سورية/ حسين عبد العزيز

إذا كانت الانتصارات تُحسب بلغة الحرب فقط، فإن روسيا قد انتصرت في سورية، عندما نجحت في تثبيت نظام بشار الأسد على الأرض، وأضعفت إلى غير رجعة المعارضة قوة عسكرية كانت منتشرة على امتداد الجغرافية السورية. ولكن المعادلة السورية، بكل حمولاتها الثقيلة على المستوى الإقليمي ـ الدولي، لا يمكن اختزالها بالمستوى العسكري وحده، على الرغم من أهميته الكبيرة في تغيير موازين القوى، وفي قدرته على عدم تغيير المشهد السياسي في المنطقة، على اعتبار أن سقوط النظام كان سيؤدي بالضرورة إلى تغيير مهم في المشهد السياسي الإقليمي، لناحية فك الاشتباك بين سورية وإيران، ومن ثم إضعاف الترابط بين إيران وحزب الله، وبالتالي نشوء تحالفات جديدة تقطع نهائيا مع التحالفات القائمة منذ نحو أربعين عاما.

نجحت روسيا في القضاء على المعارضة المسلحة على المستوى الاستراتيجي، ونجحت في إجراء اختراقات في الموقف الأميركي، كان من شأنها حدوث انزياحاتٍ سياسيةٍ في مواقف الإدارات الأميركية، لجهة الاعتدال في الطروحات السياسية تجاه الملف السوري الذي أصبح جزءا من المعادلة الروسية، وليس جزءا من المعادلة الأميركية بالمعنى الاستراتيجي، وإن بقي جزءا منها على المستوى التكتيكي. ومع ذلك كله، لم ينتقل الدور الروسي من القوة إلى الفعل على المستوى الاستراتيجي، أي على مستوى فرض الإرادة الاستراتيجية الروسية بالكامل، وإنهاء الملف السوري نهائيا، كما فعلت في بعض البلدان المحيطة بها حدوديا.

في ظل الوجودين، الأميركي والتركي، اضطرت روسيا إلى التعامل مع الجغرافيا السورية ليس كجغرافيا واحدة، وإنما كجغرافيات، فأثقلت ضرباتها في مناطق المعارضة، بما فيها البنى التحتية للبلد، فشاركت بذلك في عملية التدمير، إلى درجة يمكن القول فيها إن روسيا وحدها دمرت أكثر بكثير مما دمرت كل الدول الفاعلة في الملف السوري (5586 هجوما). وعدم قدرة روسيا على استرداد الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المدعومة من تركيا، واستعادة الأراضي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة من الولايات المتحدة، جعل الانتصار الروسي على المستوى العسكري يقف عند حدود منع إسقاط النظام ليس إلا. وهذا انتصار سلبي، يمنع السقوط من دون أن يبعد خطر التهديد تماما، ومن دون أن يمتلك مكامن القوة والقدرة الكافية على استغلال الانتصار العسكري في المستويات السياسية والاقتصادية.

لقد انتصرت روسيا عسكريا، لكنها خسرت المجال التداولي السياسي المحلي والإقليمي، وتحوّلت الجغرافيا السياسية لسورية إلى عبء استراتيجي على صناع القرار في الكرملين، والذين يعملون، منذ سنوات، على تدوير الزوايا، على أمل إحداث خرقٍ هنا أوهناك في جدار المواقف الدولية من الملف السوري.

تتشابه روسيا مع الولايات المتحدة لجهة إدارة الأزمات، لا لجهة حلها: لا توجد لدى واشنطن نية لإنهاء الملف السوري لصالح طرف معين، واستراتيجيتها مبنية فقط على إدارة الأزمة السورية، فتفرض عقوباتٍ هنا، وتدعم فريقا محليا هناك، وتضغط سياسيا على بعض الدول للحفاظ على مستوى معين من المواقف. وموسكو، بسبب عجزها عن إحداث خروقاتٍ إقليمية ودولية، اضطرت إلى اعتماد مقاربة إدارة الأزمات هي الأخرى، وإن كانت الأسباب مختلفة تماما. تدير جزءا من الملف السوري مع تركيا في الشق المتعلق بمنطقة المعارضة، وتدير جزءا آخر مع إيران في الشق المتعلق بمنطقة النظام، وتنسّق أو تحاول مع “قوات سوريا الديمقراطية” لجهة إجراء تفاهمات في حدّها الأدنى مع النظام، وتدير جزءا رابعا مع إسرائيل لتنسيق مستوى الهجمات، وتدير جزءا خامسا مع الولايات المتحدة على المستويين العسكري والسياسي. ومع أن روسيا تمتلك القوة والرقم الصعب في كل هذه المستويات، إلا أنها لم تستطع تجاوز الأطراف الإقليمية الأخرى في المعادلة السورية (تركيا، إيران، إسرائيل)، ما جعل انتصارها ناقصا على المستوى الاستراتيجي، فهي بحاجةٍ إلى إسرائيل لضرب إيران مع تحييد الأسد ونظامه عن الضربات، وهي بحاجة إلى تركيا لتطويع المعارضة السياسية، وهي بحاجة إلى إيران لموازنة الحضور التركي ولمتطلبات المنافسة مع الولايات المتحدة، وهي بحاجة إلى الأخيرة لوضع الترتيبات النهائية للأزمة السورية، عبر ممارسة الضغوط على الفرقاء الإقليميين المتصارعين.

هكذا، انقلب حضور موسكو تدريجيا في سورية، فبعدما كانت الأطراف الإقليمية تتجه نحوها بين عامي 2016 ـ 2018، أصبحت هي بحاجة إلى هذه الأطراف، ليس لمنعها من المضي إلى الأمام أو دفعها نحو التحالف مع الولايات المتحدة، بما يوجه ضربة قوية للحضور الروسي فحسب، بل لأن هذه الأطراف تمتلك قدرة قوية في الملعب السوري يصعب على موسكو تجاهلها، فمن دون أنقرة لا تستطيع موسكو الإقدام على عمليةٍ سياسيةٍ تكون مقبولة في حدود معينة بالنسبة للمعارضة، وأية محاولة لضرب المصالح التركية في الشمال السوري، فإن نتائجها ستكون كبيرة على روسيا على المستويين، السياسي والاقتصادي، ومن دون ضمان المصالح الإيرانية في سورية لن تستطيع موسكو إقناع طهران بالتراجع خطوة إلى الوراء في بعض المناطق السورية، وإقناعها بأهمية العملية السياسية. ومن دون الولايات المتحدة لن تسطيع تحصيل تنازلاتٍ من الأكراد، ومن دون ضمان المصالح العليا لإسرائيل لن تستطيع إقناع إسرائيل بالتنسيق معها.

مرّت ست سنوات على التدخل العسكري الروسي، والمحصلة: توسيع السيطرة الجغرافية للنظام السوري مع منعه من الوصول إلى المناطق ذات الأهمية الكبرى، فشلٌ في اختراق العملية السياسية التي أصبحت من دون أي أفق، فشلٌ في إنعاش اقتصاد النظام المنهار، فشلٌ في دفع أطراف إقليمية ودولية إلى تغيير مواقفها السياسية، فشلٌ في فتح ملف اللاجئين وإعادتهم إلى سورية.

————————————

ست سنوات روسية في سوريا/ بسام مقداد

مع إنتهاء شهر أيلول، تنتهي السنة السادسة على تولي روسيا أمر تثبيت موقع الأسد على رأس السلطة في سوريا، وهو ما أعلنته الهدف الرئيسي لحملتها العسكرية في سوريا. لكن ينبغي التوقف عن تعداد سنين وجود روسيا في سوريا، فهي لن تخرج منها، وعند دخولها لم تضع خططاً للخروج، كما يؤكد الخبراء الروس أنفسهم. ويبدو لذلك لم تتوقف مواقع الإعلام الروسية والناطقة بالروسية عند هذه السنوية كما فعلت في السنوية الخامسة، لكن صحيفة البرلمان الروسي(الدوما)إعتبرتها حدثاً تاريخياً كبيراً، وأدرجتها في مصاف الأحداث التي حدثت في التاريخ في هذا اليوم، مثل دخول الإنترنت إلى روسيا وتوقيع معاهدة ميونيخ قبل الحرب الثانية وأهم المعارك الروسية ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. كل ما في جعبة هذه المواقع عن الحملة وأهدافها وكلفتها وما حققته أو فشلت به، أفرغته في السنوية الخامسة السنة المنصرمة في مطولات توقف فيها بعضها عند أحداث الحملة يوماً بيوم تقريباً.

قسطنطين كوساتشيف نائب رئيس مجلس الإتحاد الروسي الذي منح القوات الروسية حق خوض الحرب خارج روسيا، كتب في السنوية الخامسة على موقع المجلس نصا ًبعنوان “الوجود الروسي في سوريا: من الحرب إلى السلام”، قال فيه بأن 30 أيلول/سبتمبر هو تاريخ مهم في تاريخ روسيا المعاصر وللمجلس علاقة مباشرة به. وقال أنه في اليوم عينه، 30 ايلول/سبتمبر 2015، وبعد إطلاع الدول المعنية، بدأت القوات الجوية الروسية شن الضربات على مواقع التشكيلات المسلحة للدولة الإسلامية وجبهة النصرة في سوريا. وأشار إلى أن القوات الروسية كانت تعمل وسط حملة إعلامية تساق فيها إتهامات “غير مثبتة” بالهجمات المتعمدة على الأهداف المدنية وإستخدام السلاح الكيميائي من قبل القوات السورية بدعم من روسيا. فالغرب قد أثارت إنزعاجه حقيقة أن روسيا ضمنت هزيمة الدولة الإسلامية، لكن من دون أن تسمح بالسيناريو الليبي أو العراقي أن يتحقق في سوريا، وهو ما كان يشكل الهدف الرئيسي لبعض القوى الخارجية.

واشار كوساتشيف إلى أنه، إلى جانب الإنجازات العسكرية، تبدو جلية أيضاً الإنجازات الدبلوماسية. فبفضل الجهود السياسية الروسية الخارجية ولدت منصة “أستانة” التفاوضية التي حركت مفاوضات جنيف من جمودها. وبجهود روسيا وتركيا وإيران عُقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، حيث تم إقرار وثائق تعكس إلتزام الحكومة والمعارضة بإجراء إصلاح دستوري، مما منح عملية بناء الدولة أطرها الشكلية.

وينهي الرجل نصه بالقول، طبعاً ثمة ما يكفي من المشاكل، ولا أحد يقول بأن الحوار أسهل من الحرب، والبناء أسهل من التدمير، لكن الحرب هي طريق مسدود، وهذا ما تدركه جميع القوى المسؤولة في سوريا وخارجها. لكن روسيا، كما يؤكد، سوف تستمر في العمل لاحقاً، فالسلام في سوريا يستحق ذلك. 

موقع  “Life” نشر بمناسبة السنوية الماضية نصاً توقف فيه عند تفاصيل يوميات الطيارين الروس منذ اليوم الأول للعملية في سوريا. ونقل عن طيار عسكري شارك في الهجمات التي بدأت فوراً في 30 أيلول/سبتمبر، واستهلها بقصف مواقع في اللاذقية بينها موقع دعم ومستودعات أسلحة وآليات مدرعة. ويقول هذا الطيار بأنهم كانوا ينفذون الهجمات على مدار الساعة، وكان طاقم الطائرة من ثلاثة طيارين لا يتوقفون إلا حين كان يتم تزويد الطائرة بالوقود والسلاح.  ويضيف بأن الوتيرة “كانت مجنونة”، فحين كان أحدهم يتناول طعامه، كان الثاني ينفذ مهمة والثالث يدرس الخرائط وطبيعة موقع الهدف ويتلقى معلومات عن تحركات العدو.

الخدمة الروسية في موقع DW الألماني نشرت نصا بعنوان “روسيا لن تخرج من سوريا”، ترك فيه لخبير روسي وآخر ألماني يتناظران عن نتائج خمس سنوات من الحملة الروسية. قدم الموقع للمناظرة بالقول بأن الحملة الروسية أصبحت أطول وأوسع عملية للقوات الروسية في الخارج بعد سقوط الإتحاد السوفياتي. إلى جانب الطيران، شاركت فيها ببدايتها القوات البرية بعدد ضئيل على شكل قوات خاصة والشرطة العسكرية بعدها، وتسربت أنباء عن مشاركة وحدات من الشركة العسكرية الخاصة “فاغنر”.

نقل الموقع عن الخبير الروسي قوله بأن محاربة الإرهاب هو الهدف الرئيسي للعملية في سوريا، وقد تحقق هذا الهدف بالإنتصار على الدولة الإسلامية. ويقارن الخبير بين المساعدة التي قدمتها روسيا لسوريا، وبين دعم الولايات المتحدة للعراق الذي تم وقفه بعد أن جعل جميع حدود الدول في المنطقة موضع شك. ويقول بانه لولا المساعدة الروسية لسوريا، “لما كانت موجودة هكذا دولة، ولما كان بشار الأسد على رأسها”. لكنه يضيف بانه لم يتم التمكن من إنهاء الحرب بسرعة.

الخبير الألماني يوافق مع الروسي بأن روسيا حققت في سوريا الأهداف التي رسمتها، لكنه يختلف معه بشأن هذه الأهداف، إذ يرى بأن الهدف الأول لروسيا كان العودة إلى الشرق الأوسط بعد أن خرجت منه كقوة مؤثرة بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي. والهدف الثاني الذي تمكنت روسيا من تحقيقه هو التمكن من قمع “الثورة المجاورة غير المشروعة” كما تعتبرها وإفشال محاولة المعارضة المسلحة إسقاط الأسد. والهدف الثالث الذي حققته روسيا هو إثبات قدرتها على القيام بعملية عسكرية على شكل حملة خارج حدودها، أجرت خلالها تجربة العديد من الأنظمة العسكرية الجديدة.

يتفق الخبير الالماني مع الروسي في أن روسيا نجحت في ترجمة نجاحها العسكري في سوريا إلى نجاحات سياسية في الشرق ككل، حيث التجربة السورية والوجود العسكري هو حجر في أساس كل سياسة روسيا في المنطقة.  ويرى الألماني أن منصة استانة هي “بديل عملي” للجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة، ولديهما أهداف متماثلة.

الخدمة الروسية في BBC نشرت أيضاً نصاً في السنوية الخامسة، وتركته لثلاثة خبراء روس يعرضون فيه آراءهم. الخبير الأول قال بأن المهمة الأولى للعملية الروسية تلخصت في الحؤول دون سقوط حكومة الأسد. أما المهمة الثانية فقد كانت إستراتيجية مرتبطة بأمن روسيا مباشرة، وتلخصت في القضاء على الخطر الصادر من الأراضي السورية والعراقية، أو تخفيض مستواه جذرياً. والمهمتان تم تحقيقهما، فالأسد باق في السلطة، وليس من بدائل له حتى الآن. ويقترح أن نترك جانباً مسألة شرعيته وصوابية حكمه، فالآخرون في المنطقة “ليسوا أفضل منه ولا أسوأ”.

الخبير الثاني قال بأن الهدف السياسي للعملية السورية تلخص في توسيع نفوذ روسيا السياسي والعسكري في الشرق الأوسط ومواجهة السياسة الأميركية. ويرى أن هذا الهدف قد تحقق “إلى حد ما”، مع العلم أن الولايات المتحدة تفقد في الفترة الأخيرة إهتمامها بالشرق الأوسط، وهو ليس واثقاً من أن روسيا كان بوسعها أن تكون صاحبة تأثير كبير في الشرق الأوسط.

الخبير الثالث يقول بأن الذين يتحدثون اليوم عن النصر على الإرهاب يسكتون عن حقيقة أنه، في مرحلة من المراحل، كانت الأجهزة السرية الروسية تسهل إرسال اصحاب النزعة الإسلامية المتطرفة من شمال القفقاز إلى سوريا. ويقول بأن مهمة العملية العسكرية في سوريا كات تتلخص في خروج روسيا من العزلة بعد الأزمة الأوكرانية. في المرحلة الأولى بدا وكأن هذه المهمة قد تحققت، لكن أعمال روسيا اللاحقة قضت بسرعة على هذا النجاح، لأنها استمرت في مراكمة الأعمال التي كانت تدفعها أبعد في عزلتها الدولية.

المدن

—————————

قمم أردوغان مع بوتين وبايدن/ محمود علوش

عادة ما تشكل القمم التي يعقدها الرئيس التركي، أردوغان، مع نظيريه الروسي والأميركي، فرصا لتسليط الضوء مجددا على المُعضلة التي تواجه أنقرة في إحداث توازن في علاقاتها بين قوتين عالميتين متنافستين، لا تستطيع تجاهل أي منهما، ففي حين أن الشراكة التاريخية التي تجمع تركيا بالولايات المتحدة، وتعود إلى عقود طويلة، لم تحل دون بروز خلافات كبيرة بينهما في قضايا عديدة، وهي تستعصي على الحل مع مرور الزمن، يُشير تعاونها مع موسكو خلال السنوات الأخيرة إلى حالة يصعب تفسيرها. أنقرة وواشنطن اللتان ترتبطان بتحالف نشأ بعد انضمام الأولى إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة الاتحاد السوفياتي باتتا على طرفي نقيض في معظم القضايا، في وقت تبدو فيه تركيا قادرة على الدخول في تفاهماتٍ واسعة مع وريثة الاتحاد السوفياتي في معظم تلك القضايا.

اجتماع أردوغان وبوتين في سوتشي أخيرا، استغرق ساعتين و45 دقيقة، بينما القمة الأولى التي جمعت أردوغان وبايدن في بروكسل، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، لم تستغرق أكثر من 45 دقيقة. قد يُفسّر هذا الفرق في المدّة أن قمة سوتشي كانت خاصة لبحث ملفات عديدة، من سورية إلى ليبيا، مروراً بالتعاون الدفاعي بين البلدين ومسألة الغاز، فيما قمة بروكسل كانت تعارفية بالدرجة الأولى، على اعتبار أنها الأولى التي تجمع الرئيسين بعد وصول بايدن إلى السلطة. ولكن هناك نتيجة مثيرة، أن أردوغان يستطيع التحدّث مع بوتين وقتا أطول بكثير من الوقت الذي يتحدّث فيه مع بايدن. ليست هذه مقارنة شكلية فحسب، بل تعكس، على نحو كبير، الأزمة التي تواجه العلاقات التركية الأميركية منذ سنوات، والمرونة التي تتميز بها العلاقات التركية الروسية، على الرغم من أن خلافات أنقرة مع موسكو لا تبدو أقل حجماً وعمقاً من خلافاتها مع واشنطن.

في قمة سوتشي، أقر بوتين بصعوبة المفاوضات مع تركيا أحيانا، لكنّه قال إن البلدين تعلّما كيفية التوصّل إلى حلول مُرضية لكليهما. هذه الحقيقة مهمة لدراسة الحالتين، التركية الروسية والتركية الأميركية، ففي حين أن التنافس بين أنقرة وموسكو في معظم المسائل الخارجية، كسورية وليبيا والقوقاز، لم يُشكل مانعاً أمام التعايش بينهما، وتقاسم النفوذ بشكل مُربح للطرفين، تبدو أنقرة وواشنطن عاجزتين عن تجاوز مُعضلة سنوات طويلة من التفاوض في بعض القضايا الخلافية، من دون نتيجة. ولا يرجع السبب إلى استحالة الوصول إلى توافق، بقدر التصوّرات العدائية المُسبقة التي تتحكم حالياً بالعلاقات التركية الأميركية. بايدن وأردوغان لا يثقان ببعضهما. ما زال حديث بايدن، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، عن ضرورة توحد المعارضة التركية لإطاحة أردوغان يُردّد صداه في القصر الرئاسي بأنقرة. وقبل ذلك، لا يزال دور إدارة أوباما المزعوم في دعم محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان يعزّز تصوراً لدى الأتراك بأن الأميركيين سعوا، وربما مستمرّون، إلى إطاحة بأردوغان وإضعاف حكمه.

لم يلعب بوتين دوراً مشابهاً لدور الأميركيين ضد أردوغان، رغم المنحى الخطير الذي سلكته العلاقات في أعقاب حادثة إسقاط المقاتلة الروسية عام 2015. لا بل إنه بعد نحو عام من ذلك قرّر التصالح مع أردوغان، وأبدى الدعم العلني له بعد محاولة الانقلاب. لا يُخفي بوتين إعجابه بشخصية الرئيس التركي، ليس لأنه منافس صعب لروسيا في القوقاز والبحر الأسود وسورية، ويطمح إلى الارتقاء بدور تركيا الخارجي، بل لأنه يتحدّى باستمرار الضغوط الأميركية، عندما يتعلق الأمر بشراكة تركيا وروسيا وتعاونهما الدفاعي. لم تشهد العلاقات التركية الغربية تدهوراً بالقدر الذي تشهده في عهد أردوغان. في المقابل، لم تشهد العلاقات التركية الروسية تقدّماً بالقدر الذي تشهده في عهد أردوغان. ساعد هذا في تعزيز الثقة على المستوى الشخصي بين الزعيمين، التركي والروسي، إلى درجة أنّ قدرتهما في طرح الحلول للمشكلات الناجمة عن التنافس التركي الروسي تكون حاضرة في كل اجتماع.

نشرت صحيفة فورين بوليسي الأميركية، أخيرا، أن إدارة بايدن تعمل على تقليص الدور الأميركي في الشرق الأوسط وأفريقيا، بحيث لم يعد في وسع الحلفاء الاعتماد عليها إلاّ بالقدر الذي تُمليه مصالحها قصيرة المدى. وقد أدركت تركيا هذا التحول، منذ إدارة الرئيس الأسبق أوباما، عندما ترددت الولايات المتحدة في توجيه ضربة للنظام السوري بعد الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في 2013، وعندما تخلّت أيضاً عن هدف إطاحة نظام الأسد وتركيز دورها على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق. وما زاد في قناعة أنقرة بضرورة تحقيق قدر من الاستقلال عن السياسة الأميركية في المنطقة أن الدعم الأميركي للوحدات الكردية في سورية يُشكل تهديداً مباشراً لها. لذلك فضّلت الانفتاح على موسكو، بعد أزمة إسقاط المقاتلة، وساعدها هذا على التدخل عسكرياً في سورية لمواجهة المشروع الانفصالي المدعوم أميركياً. تراجع الدور الأميركي في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقابل صعود الدور الروسي ساهم كذلك في بلورة هذا التوجه التركي.

بات الروس يتعاملون مع تركيا أنّها قوة صاعدة بقوة، وقادرة على صياغة سياسة خارجية جريئة ومستقلة عن الغربيين، وتحمّل عواقبها، بينما الغربيون، بمن فيهم الأميركيون، ينظرون إلى ذلك أنّه تهديد جدّي لقدرتهم على إعادة احتواء أنقرة ضمن منظومتهم، ويتخبّطون في التعاطي معها، بين وسائل العقوبات تارة وتقديم إغراءات لها تارة أخرى. لكنّ العالم اليوم يتغير بسرعة ومتعدد الأقطاب. التحالف عبر “الأطلسي” الذي تركيا جزء منه يضعف مع تحوّل الأولويات الأميركية نحو حصر الإمكانات واختيار حلفاء موثوقين، كبريطانيا وأستراليا على حساب الأوروبيين، من أجل مواجهة التهديد الذي تُشكله الصين على مكانة أميركا العالمية. رغبة أنقرة في قطف هذه اللحظة العالمية لإيجاد مكان خاص بها في العالم الجديد يدفعها إلى عزل نفسها عن الانخراط في المحاور الدولية الناشئة، وتعزيز استراتيجية التوازن بين الشرق والغرب، على الرغم من صعوبتها.

العربي الجديد

————————

تصعيد في إدلب يشي بعدم تفاهم أردوغان وبوتين/عماد كركص

حضرت الرسائل باستخدام النيران في إدلب، شمال غربي سورية، بعد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي يوم الأربعاء الماضي، والتي ناقشا فيها حزمة من الملفات السورية، في مقدمتها الوضع في إدلب، إذ لا تزال التفاهمات التركية ـ الروسية حيال المحافظة محط تعثر لتنفيذ الاتفاقات، المبهمة أساساً، بسبب الغموض الذي يكتنف معظم بنودها ومحطاتها المتعددة.

وشهدت إدلب، صباح أمس الجمعة، تصعيداً من جانب النظام وروسيا، بعد أقل من يومين على القمة التي من المفترض أنها ركزت على تهدئة الوضع في هذه المنطقة. وأغار الطيران الحربي الروسي على محيط قرية الزيارة في سهل الغاب غربي حماة، فيما قصفت قوات النظام السوري بالمدفعية والصواريخ محيط قرية ومخيم بانتنا بريف إدلب الشمالي، ما تسبب في مقتل سيدة وإصابة عدد آخر من المدنيين. كما طاول القصف، بصواريخ أرض ـ أرض، مناطق عدة في منطقة جبل الأربعين قرب مدينة أريحا جنوبي إدلب، إضافة إلى أطراف بلدات مرعيان وكفريا ومعرة مصرين ومحيط مدينة جسر الشغور بريف إدلب، فضلاً عن مدينة جسر الشغور نفسها، التي يعتبرها الروس والنظام هدفاً استراتيجياً قادماً، بالإضافة لمدينة أريحا ومحيطها، لكونهما تقعان قرب الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية “أم 4” المار من إدلب، والذي يبغي النظام والروس الوصول إليه بهدف فتحه أمام الحركة التجارية.

وأول من أمس الخميس، أي عقب انتهاء القمة بأقل من 24 ساعة، عملت القوات التركية على رفع كتل إسمنتية بمواجهة قوات النظام قرب خطوط التماس في جبل الزاوية جنوبي إدلب، وفق معلومات “العربي الجديد”. وأكدت مصادر عسكرية من المعارضة السورية، لـ”العربي الجديد”، أن القوات التركية أرسلت مجموعة استطلاع تابعة لها، من قاعدتها العسكرية الواقعة في معسكر المسطومة، القريب من مدينة أريحا غربي محافظة إدلب، إلى أطراف بلدة بينين، الواقعة في الجهة الشرقية الجنوبية من منطقة جبل الزاوية، وذلك بهدف إنشاء نقطة عسكرية جديدة لها في المنطقة خلال الأيام المقبلة. وأشارت المصادر إلى أن القوات التركية عزّزت، خلال الأيام القليلة الماضية، نقاطها العسكرية المنتشرة على الخطوط الشرقية والجنوبية من منطقة جبل الزاوية بمدافع ثقيلة ودبابات ومدرعات وجنود، لافتة إلى أن “عدد الآليات الثقيلة التي أدخلتها القوات التركية إلى منطقة جبل الزاوية خلال الأيام السبعة الماضية تجاوز الثلاثين مدفعاً ودبابة من طرازات مختلفة”.

كل ذلك يشي بأن أنقرة باتت تستعد لسيناريوهات سيئة في إدلب، ما يعني أن قمة بوتين ـ أردوغان لم تفرز تفاهمات استراتيجية حول مصير المحافظة، مع ترك الترتيبات للمسؤولين التقنيين، سواء الدبلوماسيين والعسكريين، للاتفاق عليها كما حدث من قبل. علماً أن اجتماعات التقنيين الروس والأتراك حول إدلب في محطات مختلفة، لم تفرز إلا مزيداً من التصعيد، في إطار سياسة عض الأصابع التي كانت تلعب على وقع عقد طاولات المفاوضات.

وتكمن صعوبة التفاهم بين كل من أنقرة وموسكو حول إدلب، بالإجابة عن سؤال مهم، مفاده ماذا ستطلب موسكو من أنقرة وبالعكس، للتوصل إلى تفاهم معين، يعده متابعون على أنه سيكون بمثابة المقايضة. الإجابة عن هذا السؤال تؤدي إلى طريق مسدود، إذ تطلب موسكو إبعاد المجموعات الراديكالية في إدلب، وكل من يرفض التفاهمات الروسية ـ التركية، بغية تهيئة المناخ لإدخال مؤسسات النظام السوري إليها، وفي المقام الأول فتح الطريق الدولي “أم 4” أمام الحركة التجارية لتخفيف الأعباء الاقتصادية على النظام، فيما تريد تركيا التوغل أكثر شمال شرقي البلاد بهدف طرد المجموعات الكردية وإبعادها عن الحدود، وهذا الأمر لا يمكن لروسيا إعطاء قرار أو أمر حاسم حياله. فعلى الرغم من العلاقة الروسية الطيبة مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، و”الإدارة الذاتية” الكردية لشمال وشرق سورية، إلا أن ملف تلك المنطقة يبقى بيد الأميركيين بالمطلق، نظراً لوجود القوات الأميركية هناك، والشراكة بين “قسد” وواشنطن في محاربة تنظيم “داعش”.

ورأى القيادي في المعارضة السورية، المحلل العسكري، العميد فاتح حسون، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التعامل مع روسيا في الملفات السياسية غالباً كالتعامل مع ناكص بالعهود بشكل مسبق، وبالتالي هذا يستوجب أخذ الحيطة والحذر بأعلى مستوياتهما، تحسباً لأي مفاجأة باتفاقية مبرمة يمكن عقدها معها”. وأضاف أن “اتفاقية سوتشي حول إدلب بين تركيا وروسيا، والتفاهمات اللاحقة حول بعض نقاطها، ليست بمنأى عن الإطار السابق للتعهدات الروسية، وهذا ما تترجمه روسيا بقصفها لمنطقة إدلب قبل وبعد اجتماع الرئيسين التركي والروسي، وفي الوقت نفسه تترجمه تركيا بقيامها برفع السواتر والكتل الإسمنتية على خطوط التماس في منطقة إدلب، ورفع الجاهزية القتالية لقواتها في مناطق تجمعها”. وأشار إلى أن “الغايات الروسية من وراء ذلك عديدة، منها إرسال رسالة إلى تركيا رداً على موقفها من القرم، وأفغانستان، وأذربيجان، وليبيا، وملفات أخرى”.

ولا يتوقع حسون “حدوث صدام عسكري حالي ولا مستقبلي بين تركيا وروسيا، ولكن هذا لا يعني توقف القصف الروسي، واختيار الرد المناسب من قبل تركيا بشكل مباشر، أو عن طريق قوى الثورة والمعارضة في المنطقة”. وقال: “صحيح أن العنوان المتفق عليه بالتصريحات أخيرا بين تركيا وروسيا هو إبقاء الوضع على ما هو عليه في إدلب، لكن روسيا لن تلتزم، لا سيما أنها تطمح لسد الفراغ في منطقة شرق الفرات في حال انسحبت القوات الأميركية، الأمر الذي تحاول تركيا منعه، وتدارك سلبياته وتطويقها إن حدث”.

من جهته، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، أن تصريحات أردوغان بتمسك بلاده بالاتفاقيات القديمة حيال إدلب، تعني أن هناك عرضاً روسياً جديداً لأنقرة حيال إدلب. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الروس دائماً ما كانوا يقدمون عروضاً للأتراك حول إدلب، وكانت تلك العروض تقابل بالرفض، إذ يشدد المسؤولون الأتراك بأن المقابل يجب أن يتضمن حلاً كاملاً وشاملاً للأزمة السورية”. وأوضح أن “تركيا لن تقبل بعودة النظام إلى الأرض المتاخمة لحدودها كونها تعتبره نظاما معاديا، وهذا مرتبط بحل شامل للقضية السورية، يكون للمعارضة دور سياسي فاعل فيه”.

وتوقع رضوان أوغلو أن يكون هناك تصعيد من قبل النظام والروس حتى يتم الجلوس لطاولة التفاوض بين المسؤولين الروس والأتراك، وأنقرة لديها قوات ذات طبيعة قتالية في إدلب، وهذا لا يعني أن يكون هناك صدام مع الروس. وربما يكون هناك مواجهة جديدة مع قوات النظام رغم استبعاد الأمر في المرحلة الحالية، لذلك يرى أن التصعيد سيكون مؤقتاً ووسيلة ضغط لتحصيل مكاسب على طاولة التفاوض. ونوه بأن تركيا باتت أخيراً تتجاوب مع روسيا حيال بعض الملفات في سورية، كون أنقرة باتت تدرك أن النظام والروس توسعوا على رقعة جغرافية كبيرة من البلاد، وربما يتم التعاون في بعض الملفات الاقتصادية لإنعاش بعض المناطق، لكن مع الحذر من تبعات قانون “قيصر” الأميركي.

العربي الجديد

—————————

أردوغان وبوتين تفاهما على تقاسم النفوذ في سوريا؟

رأت صحيفة “فزغلياد” الروسية أن النتيجة الأهم لاجتماع الرئيسين فلاديمر بوتين ورجب طيب أردوغان في سوتشي الروسية، لوحظت على أرض سوريا.

وقالت الصحيفة: “ما إن غادر سوتشي بعد محادثات مع بوتين، حتى انتقد الرئيس التركي واشنطن. لم يكتفِ أردوغان بمطالبة الولايات المتحدة بتحرير الأراضي السورية من قواتها، إنما وأطلق على أحد مساعدي بايدن الرئيسيين اسم مخرج الإرهابيين”. أما مع بوتين، بحسب أردوغان، فهناك “وحدة في جميع القضايا تقريباً”.

وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط ستانيسلاف تاراسوف إن أنقرة ليست شريكاً سهلاً”، لكن تعاوننا الثنائي مستمر، و”إذا توصلنا إلى اتفاقيات ما، فمن المؤكد أنها تُنفذ”. ولكن، يتزايد الانتقاد لأردوغان داخل تركيا بسبب هشاشة النظام المالي في البلاد، بحسب الصحيفة. يدين كثيرون السلطات لتوريط تركيا في أربع حروب في وقت واحد: في سوريا وليبيا والعراق والحرب الأهلية في أراضيها الجنوبية الشرقية. على هذه الخلفية، يحتاج أردوغان إلى استعراض النجاح في سياسته الخارجية.

وهذا السبب في أن الاجتماع في سوتشي كان مهماً في المقام الأول بالنسبة للجانب التركي، بل مهمة واقعة انعقاده بحد ذاتها، بحسب تاراسوف. وهذا يفسر حقيقة عدم الإعلان عن أي قرارات مهمة عقب الاجتماع. كان الزعيم التركي، ببساطة، في حاجة إلى وقوف موسكو معه. وسبب تحول أردوغان نحو موسكو هو سلوك الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يتجاهل عملياً الزعيم التركي.

وقال تارساوف إن دعم الولايات المتحدة كان يمنح أنقرة في وقت سابق، حججاً لتعزيز موقفها في المحادثات مع موسكو. وكان من الواضح لموسكو أن الأميركيين يقفون وراء طروحات أردوغان. لكن بايدن تخلى هذه المرة عن هذه “الدسيسة” وترك أردوغان بمفرده مع بوتين.

وأضاف تاراسوف أن الزعيمين توصلا إلى قرار واحد على الأقل -بشأن سوريا- على الرغم من أنهما لم يعلناه. “فور اجتماع بوتين مع أردوغان، بدأت الوحدات التركية في الانسحاب من إدلب، وهي آلاف من الجنود والعديد من المركبات المدرعة”.

من جهتها رأت صحيفة “أوراسيا ديلي” الروسية أن لقاء بوتين مع أردوغان تميز بكونه جرى على خلفية تعقيد العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

وقال خبير “نادي فالداي” فرهاد إبراهيموف إن أردوغان نفسه، أشار من منصة الأمم المتحدة، إلى أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن وصلت إلى أدنى مستوياتها. وأضاف “أرسل أردوغان، في اجتماعه مع بوتين، إشارة إلى الغرب مفادها أن أنقرة مستقلة تماماً في هذا الشأن ولن تناقش قضاياها الأمنية مع الأميركيين”.

ورأى أن العلاقات بين موسكو وأنقرة بشكل عام إيجابية. وفي الوقت نفسه، هناك تناقضات، الرئيسان مستعدان لمناقشتها وتبادل الآراء حولها.

وقال: “العقبة الرئيسية هي سوريا. ففي إدلب، تقوم قوات بشار الأسد بالتضييق على القوات الموالية لتركيا، وهذا بطبيعة الحال لا يناسب أردوغان. لهذا، جاء إلى روسيا، بحيث يحاول الرئيس بوتين بدوره الضغط على الأسد”.

يميل الجانب التركي نحو مذكرة تفاهم تنطوي على تقسيم سوريا افتراضياً إلى مناطق نفوذ بين روسيا وإيران وتركيا. على أن يأخذ كل طرف على عاتقه التزامات معينة، وفي حالة تركيا، تتعهد أنقرة بخفض عدد قوات معارضة الأسد التابعة لها. لكنهم في دمشق، يرون أن تركيا لا تكتفي بعدم فعل ذلك إطلاقاً، بل على العكس من ذلك، تزيد من نفوذهم. في الواقع، هذا الجانب هو الأصعب والأكثر تناقضاً في العلاقات الروسية التركية في إطار المشكلة السورية.

المدن

————————

تركيا: لنا الحق بالوجود في سوريا.. مثل الروس والاميركيين

قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن إنه “إذا تم الاعتراف بحق روسيا والولايات المتحدة في الوجود في سوريا، فإن تركيا أيضاً تملك الحق نفسه”، مطالباً الأوروبيين بالضغط بشكل أكبر على النظام السوري.

وأشار كالن في تصريحات لمجلة “دير شبيغل” الألمانية الجمعة، إلى أنه لا ينتظر أن يرسل الغرب قوات إلى المنطقة من أجل حماية المدنيين في مدينة إدلب، مضيفاً “اقترحنا في 2015 و2016 و2017 إقامة منطقة آمنة”، متابعاً: “لو تم إعلان منطقة حظر طيران في تلك الفترة، لما كنا شهدنا على هذا العدد من الذين اضطروا إلى مغادرة سوريا.. هذه الفرصة ضاعت”.

ولفت إلى أن بعض الأصدقاء الأوروبيين ينتقدون تركيا لنشرها قوات في سوريا، وقال إن “هؤلاء الأصدقاء يتصرفون وكأن تركيا قوة احتلال في سوريا”، مشدداً على أن أنقرة لم تطمع في أراضي سوريا، لكنها اضطرت إلى اتخاذ هذه الخطوة من أجل أمنها وأمن السوريين في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك 2.5 مليون شخص لا يغادرون المنطقة بسبب وجود القوات التركية في إدلب.

وأضاف كالن أن تركيا لاقت العقوبات بدل الشكر، “لأنها أضرت بوجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة”. ورفض ادعاءات انتهاك تركيا للقانون الدولي في سوريا، مؤكداً أن “من ينتهك القانون الدولي هما النظام السوري والعمال الكردستاني”.

وتابع: “نحن لنا حق مشروع في الدفاع عن أنفسنا، فإذا تم الاعتراف بحق روسيا والولايات المتحدة في دخول سوريا، فنحن نمتلك الحق نفسه”.

وشدد على أن إنهاء الحرب في سوريا مهمة المجتمع الدولي، وقال: “روسيا وإيران تفكران بشكل مختلف في هذه المسألة، لكن رئيس النظام بشار الأسد فقد الآن كل شرعيته”. وطالب كالن الأوروبيين بأن يضغطوا على نظام الأسد بشكل أكبر.

ولفت إلى أن أنقرة وواشنطن تتعاونان في مجال مكافحة الإرهاب، لكن “الولايات المتحدة لا تأخذ مصالح تركيا بالحسبان في مواضيع مثل دعمها لتنظيمات كردية في سوريا، وهذا لا يمكن قبوله”. وأوضح أن الرئيس الأميركي جو بايدن، لم يدرك أن تركيا تنظر إلى الامتداد السوري للعمال الكردستاني على أنه “تهديد قومي”.

وقال إن أوروبا قارة مهمة وقوية من الناحيتين السياسية والاقتصادية، مؤكداً ضرورة أن تزيد من استقلاليتها وتأثيرها في القرارات الجغرافية والاستراتيجية بدل البقاء تحت ظل الولايات المتحدة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال الخميس، إنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت حان لتطبيق “حل نهائي ومستدام” للنزاع في سوريا، وخصوصاً في إدلب. وشدد في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة خلال عودته من روسيا بعد قمة جمعته ببوتين في مدينة سوشي الأربعاء، على وجوب مغادرة الولايات المتحدة سوريا و”تركها لشعبها عاجلاً أم آجلاً”.

بدوره، أكد بوتين في مستهل اجتماعه مع أردوغان أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية-الروسية”. وقال: “المفاوضات مع تركيا تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها تنتهي بنتيجة إيجابية دائماً”.

——————————–

=====================

تحديث 03 تشرين الأول 2021

———————-

ست سنوات من الحرب الروسية في سوريا: انتصار عسكري وعجز سياسي/ زياد ماجد

حلّت في آخر شهر أيلول/سبتمبر 2021 الذكرى السادسة لبدء التدخّل العسكري الروسي المباشر في سوريا، بعد سنوات من التدخّل بالسلاح والعتاد والخبراء واستخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي.

النص التالي قراءة في ظروف هذا التدخّل المستمرّ بأشكاله المختلفة واستعراض لأبرز نتائجه حتى الآن.

إنقاذ نظام مُتهالك وبسط نفوذ عسكري وسياسي

يفيد التذكير بدايةً بأسباب ثلاثة دفعت موسكو للتدخّل. السبب الأول، تظهير العودة الروسية إلى الساحة الدولية كقوة عظمى لا يمكن للغرب تجاهلها، حازمةً في حماية أصدقائها وعملائها، بما يدفع أنظمة إلى التقرّب السياسي منها أو إلى الارتباط بمنظوماتها الدفاعية وصناعاتها الحربية؛ السبب الثاني، حرصٌ على المحافظة على حليف قديم وزبون شراء أسلحة وتجهيزات يوفّر لموسكو موقعاً استراتيجياً وقواعد عسكرية شرق البحر المتوسّط؛ والسبب الثالث، عداءٌ للانتفاضات الشعبية ولمبدأ تغيير الأنظمة، وهو ما عبّر عنه بوتين حين هنّأ نفسه بأن تدخّله في سوريا «قضى على فوضى الربيع العربي» في منطقة حيوية وهامة خسرت فيها موسكو في العقدين الأخيرين حليفَين (وزبونَين عسكريّين) مهمّين هما نظاما صدّام حسين والقذافي.

ويمكن بالطبع إضافة أسباب أخرى على علاقة بتحفيز الكنيسة الأرثوذوكسية النافذة للكرملين على التدخّل بحجّة حماية المسيحيّين المشرقيّين، وسعي الروس لعدم ترك أمريكا وحيدة في السماء السورية بعد إعلان واشنطن الحرب على تنظيم «داعش» صيفَ العام 2014، والاستفادة من العلاقة الوثيقة بكل من طهران وتل أبيب لجعل التدخّل المرغوب إيرانياً مرغوباً إسرائيلياً أيضاً، في ظرف شهد انهيارات عسكرية للنظام السوري رغم كل الدعم الميداني الذي كانت إيران توفّره له، والذي حال دون سقوطه بين العامين 2011 و2015.

واستفادت موسكو في سياستها السورية من بدء الانكفاء الأمريكي التدريجي عن المنطقة عامةً (والمستمرّ إلى اليوم) واكتفاء واشنطن بمتابعة ما يسُمّى بالحرب على الإرهاب. كما استفادت من دعايتها ومن بروباغاندا حلفائها في اليمين واليمين المتطرّف الغربي كما في بعض أوساط اليسار لتصوير هجومها الشامل إنقاذاً للدولة السورية من براثن «الجهاديّين» و»الغرب الإمبريالي» ومؤامرات الانقلاب على الأنظمة «الممانعة». ونفّذت اجتياحها الحربي الجوّي والبحري ووسّعت أو استحدثت قواعد عسكرية كما نشرت وحدات خاصة ومرتزقة من شركة «فاغنر» ابتداءً من خريف العام 2015، بالتنسيق مع الإيرانيين، وبالتزامن مع فتح قنوات سياسية مع أطراف سورية معارضة لفرض مسار ترعاه بعد إنقاذ النظام من التفكّك والانهيار.

التفوّق العسكري والضعف السياسي

وقد أفضى التدخّل العسكري الروسي، بعد ثلاث سنوات من القصف الكثيف المستهدف قوات المعارضة على اختلاف فصائلها والمناطق التي تسيطر عليها في الشمال والجنوب وفي الوسط ومحيط العاصمة دمشق، إلى تقطيع أوصال المناطق المذكورة وتدمير معظم طرق الإمداد في ما بينها، وعزلها ومحاصرتها الواحدة تلو الأخرى. وأدّى أيضاً إلى تخريب البنى التحتية المدنية وتهجير مئات الآلاف من المدنيّين بعد استهداف ممنهج للمستشفيات والمستوصفات والملاجئ في حلب ودرعا وأريافهما، ثم في غوطتي دمشق وفي إدلب وريفها، بما وُثّق بوصفه جرائم حرب في أغلب الحالات وجرائم ضد الإنسانية في البعض منها. وتمكّن النظام وحلفاؤه الإيرانيون (بواسطة عشرات الميليشيات والتشكيلات القتالية العراقية والأفغانية واللبنانية التي جلبوها إلى سوريا) من السيطرة نتيجة القصف الروسي على معظم المناطق التي سبق أن خسروها، فاجتاحوا حلب ودرعا والغوطتين وأرياف حمص وحماه، كما تقدّموا في صحراء تدمر وفي دير الزور وفرضوا سيطرتهم على أكثر من 65 في المئة من الأراضي السورية. في المقابل، نجحت الوحدات الكردية المدعومة بالقصف والقوات الخاصة الأمريكية في السيطرة على أكثر المناطق التي كانت تحت حُكم داعش في شرق البلاد وشمالها الشرقي، وتدخّلت تركيا من جهتها ودعمت عدداً من الفصائل المعارضة للنظام وللقوى الكردية وحمت سيطرتها على مناطق في الشمال والشمال الغربي.

هكذا، تكرّست في السنوات الثلاث الماضية خريطة سورية عسكرية وسياسية جديدة، نجحت روسيا فيها في تغيير موازين القوى وفرض واقع ميداني غير قابل للتعديل، وحاولت أن تبني على الأمر حلاً نهائياً يمكّنها من تحويل انتصارٍ عسكري إلى انتصار سياسي.

غير أن محاولتها هذه لم تتحقّق. فهي لم تتمكّن من التفرّد بالقرار السياسي السوري، لوجود شريكٍ إيراني يصعب إقصاؤه، وتعرقل سطوتُه إمكانيات التطبيع الأمريكي مع خطّتها ونفوذها، خاصة في ظل استمرار التواجد العسكري الأمريكي في شرق البلاد، على الحدود العراقية. ولم تكفِ لعبة التوازن بين إيران وإسرائيل التي تديرها لإضعاف الإيرانيين، ولم تكفِ أيضاً لإقناع تل أبيب وواشنطن بأن نفوذ طهران محدود وأنها وحدها سيّدة الموقف. كما أن دخول تركيا المباشر إلى الأراضي السورية جعل موسكو مضطرةً لشراكة مع أنقرة تُملي عليها مراعاة خطوط الأتراك الحمراء في الشمال والشمال الغربي. وفي ذلك ما عقّد المسار السياسي الذي أرادته وأدخل إليه عناصر لا يمكنها على الدوام التحكّم بها.

الأهمّ من ذلك ربما، هو عجز روسيا عن تعويم النظام السوري اقتصادياً، وبالتالي توفير التطبيع السياسي الدولي معه من بوّابة الاقتصاد، وذلك لسببَين حاسمَين. الأول، تواضع حجم اقتصادها واقتصاد شريكتها (ومنافستها) إيران بما لا يُتيح لهما إطلاق ورش «إعادة إعمار» ومشاريع بنى تحتية ضخمة كالتي تحتاجها سوريا اليوم، إضافة إلى توفير سيولة وعملات صعبة لدعم موازنة ما تبقى من «دولتها» المتهالكة. والسبب الثاني تمنّع الأوروبيين عن الخضوع لابتزازها الرابط بين استثمارات وتطبيع مع دمشق مقابل عودة للاجئين إلى سوريا وتراجعٍ لاحتمالات «الإرهاب» والتطرّف. ويضاف إلى الأمر الاخير أن الملفّات القانونية التي بدأت تأخذ طريقها إلى المحاكم في أكثر من عاصمة غربية، والتي تتّهم النظام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تجعل التطبيعين السياسي والاقتصادي معه أكثر صعوبة في المدى المنظور، ولا تكفي الأزمات اللبنانية واستئناف العلاقات العربية مع دمشق لتغيير الأمر جذرياً.

ويمكن أن نعطف على مجمل ما ذُكر، أن بشار الأسد نفسه يشكّل عبئاً على الإدارة الروسية للملف السوري. فلا بديل حالياً عنه بالنسبة للكرملين، ولكن لا حلّ نهائياً معه يوفّر استقراراً وأرباحاً اقتصادية وسياسية مستدامة لموسكو. والأسد إذ يدرك ذلك ويحاول توسيع هامش حركته السياسية عبر التلويح بالالتصاق بطهران تارة، أو الاحتماء بأدوار عربية (خليجية وأردنية وعراقية ومصرية وجزائرية) تارة أخرى، يصعّب مهمة الروس في ادّعاء تسيّد ميداني يوفّر شروطاً مثلى لحلّهم الشامل…

في المحصّلة، يصحّ الزعم اليوم، في ذكرى التدخّل الروسي المباشر السادسة، أن الانتصار العسكري على مقاتلين فقيري العتاد الحربي وعلى مدنيّين عزّل في نصف الأراضي السورية لم يتحوّل إلى انتصار سياسي نهائي لموسكو، وأن الأحوال الراهنة في سوريا مرشّحة للاستمرار على المنوال ذاته لسنوات قادمة، يدفع المزيد من السوريين خلالها أثماناً إضافية، وتصبح روسيا أكثر فأكثر مجرّد قوّة احتلال عسكري لا مخرج سياسياً واضحاً له ولا مؤدّيات استراتيجية حاسمة.

*كاتب وأكاديمي لبناني

القدس العربي

———————–

تنبؤات حول مصير إدلب/ عبسي سميسم

تتباين التحليلات حول ما ستؤول إليه الأوضاع في شمال غرب سورية، وفي محافظة إدلب بشكل خاص، بسبب اشتعال جبهاتها، وبسبب النية الواضحة لدى روسيا في تمكين النظام من السيطرة على جنوب الطريق أم 4 الاستراتيجي، ما يعني السيطرة على كل منطقة جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي. وتركز التحليلات بشأن مصير المنطقة بشكل أساسي على تفنيد وتحليل التفاهمات التركية الروسية (المبهمة أصلاً) حول المنطقة، وعلى الأداء العسكري لقوات كل منهما على الأرض، مع استبعاد الدخول في تحليل موازين القوى بين قوات النظام وفصائل المعارضة، وذلك كون هذا الأمر يعد ثانوياً نسبياً، قياساً بإرادة كل من موسكو وأنقرة في حسم أية معركة على الأرض.

ومما يزيد من تباين التحليلات عدم إفصاح أي من الدولتين عن حقيقة التفاهمات بينهما حول المنطقة، والاقتصار على إعلان بعض النقاط التي لا تكفي لرسم تصور عام للاتفاق، أو التفاهم، إضافة إلى التباين بين خطاب مسؤولي الدولتين، واتهام كل طرف للآخر بنقض الاتفاق. ويضاف إلى التناقض بين أداء القوى العسكرية لكل دولة في إدلب، وبين ما يتم الإعلان عنه على أنه تفاهمات. وكل ذلك يجعل التحليلات أقرب إلى تمنيات أو تنبؤات. فيتم مثلاً قراءة إنشاء نقاط عسكرية تركية في منطقة جبل الزاوية على أنها حدود خطوط الاشتباك المسموح بالوصول إليها، وأنها دليل على عدم سماح أنقرة للنظام بالتقدم نحو خط أم 4، كما أنها لن تسمح بموجات نزوح جديدة. في موازاة ذلك يقرأ محللون آخرون القصف اليومي للطيران العسكري الروسي لتلك المناطق على أنه مؤشر على عملية عسكرية وشيكة لتمكين النظام من المنطقة على مراحل. وتذهب بعض التحليلات بعيداً بالحديث عن تحويل إدلب إلى “دويلة” تابعة لتركيا وعن تسليمها للنظام على مراحل كنموذج المنطقة الجنوبية (محافظتي درعا والسويداء) من خلال تسويات تتم بالتدريج.

وبانتظار إنجاز الوضع النهائي للمحافظة، والذي لن يتحقق ما لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح وصريح ومعلن بجدول زمني، وبمباركة دولية، فإن المؤشر الأهم يرتبط فعلياً بكمية الأموال التي تصرف من أجل إنشاء بنى تحتية للمنطقة ومؤسسات خدمية ومالية حقيقية فيها. حينها يمكن التنبؤ بمصير المنطقة استناداً للجهة التي تبذل الأموال في هذا المجال، وتبقى المؤشرات الأخرى لا تعدو أكثر من كونها تحركات تكتيكية.

العربي الجديد

————————–

سوتشي والعلاقات التركية الروسية/ فاطمة ياسين

لم تكن العلاقات الروسية التركية في أفضل حالاتها خلال الحرب الباردة في منتصف القرن الماضي، فقد اختارت تركيا الانضمام إلى الغرب، وحافظت على عضوية حلف شمال الأطلسي الذي نشأ في وجه المعسكر الشرقي، واستمرّ بعد انحلال الاتحاد السوفيتي .. حافظت تركيا على وضعها السياسي على مقربةٍ من الغرب في سياق نضالٍ مريرٍ للانضمام إلى أوروبا، ولكن مسار علاقاتها مع روسيا اتخذ منعطفا منذ العام 2016، فقد طوّر البلدان، وبشكل جاد، علاقاتٍ قوية، استطاعت أن تتجاوز مطبّات سياسية معقدة، منها المسألة السورية التي تقف فيها كل من روسيا وتركيا على طرفي نقيض. لكنّ رئيسي البلدين، على الرغم من تموضعهما المتناقض، وجدا نقاطا يمكن التوافق عليها، بما لا يضرّ بموقف كل بلد، ويحافظ على استراتيجيته العامة في سورية، كما استطاعا أيضا الالتفاف على أزمة ناغورني كاراباخ. وبدأ يلاحظ تحرّك سياسي تركي بعيدا عن أميركا، كانت أولى خطواته الواضحة استيراد الرئيس أردوغان منظومة صواريخ روسية حديثة، ما أغضب الولايات المتحدة التي أعلنت عدم موافقتها على الصفقة، ولكن الرئيس التركي مضى فيها حتى النهاية.

يأتي الاجتماع الذي جرى، أخيرا، في سوتشي قبل أيام ضمن جهود بوتين وأردوغان، في الحفاظ على هذه العلاقة الناشئة. ويبدو أن شخصية كل من الرئيسين قد ساهمت في القفز فوق بعض المطبّات، أو ربما كان بدافع من أردوغان لإجراء مزيد من الاختبارات للموقف الأميركي ومراقبة حدوده، خصوصا أنه سبق وطلب من بوتين دفعة جديدة من منظومة الصواريخ المتطوّرة، ما أثار حفيظة جو بايدن.

جاء اجتماع سوتشي بعد تصعيد عسكري في إدلب وعفرين، حيث نفذ الطيران الروسي هجمات مباشرة على أهداف في كل منهما، أوصلت رسائل سياسية روسية، لكنها بالطبع أوقعت خسائر مباشرة وضحايا مدنيين، لا تهتم موسكو لأمرهم كثيرا، بل اتبعت طريقتها المفضّلة في إيصال الرسائل، خصوصا في ظل تجاهل أميركي كامل لكل ما يحصل في المنطقة غرب الفرات… وللتذكير، عقب لقاء جمع بايدن وأردوغان على هامش قمة دول حلف شمال الأطلسي منتصف يونيو/ حزيران الماضي، أبدى أردوغان امتعاضه من نتيجة ذلك اللقاء، ووصفه بأنه مخيّب للآمال! وقد يسعى الآن إلى توثيق علاقته مع روسيا بشكل أكبر، وتكون نقطة الخلافات الأساسية بين بايدن وأردوغان دعم الولايات المتحدة المسلحين الأكراد الذين يسيطرون على مناطق شرق الفرات. وفي هذه النقطة، يبدي الروس شيئا من المرونة والتعاطف الظاهري، وقد يكون لدى بوتين ما يفعله حيالهم، في ما لو فكّرت الولايات المتحدة بمغادرة المنطقة، وترك الأكراد النظام وكفلاءه الروس.

يمكن التعامل مع اجتماع سوتشي الأسبوع الماضي أنه محطّة جديدة في تثبيت العلاقات القائمة. وقد يرغب أردوغان في إيصال رسالة مهمة بأن تركيا يمكن أن تخرج عن عباءة أميركا، وتستطيع أن تتبنّى سياسات منفردة بعيدة عن السيطرة الأميركية. ويمكنها أن تمضي بعيدا في الصفقة الجديدة للصواريخ إس 400، من دون أن يعني ذلك أن تركيا قد غادرت نهائيا الملعب الذي ألفته منذ زمن بعيد، على مقربةٍ من أميركا والتحالف الغربي .. يحاول أردوغان أن يكون في موقع اللاعب الحر الذي يضع المصالح التركية في المقام الأول، ويميل إلى الجانب الأقرب إليها، وفي الوقت ذاته، يريد أن يبقي بيده كل الأوراق الرابحة التي تؤهله للبقاء في موقف القوي، ومنها وجوده في سورية، فتركيا هي الجانب الذي يحافظ على مقولة لا حسم عسكريا للصراع في سورية.. ولم يبق عمليا إلا إدلب خارج سيطرة النظام، ليبقى هذا الشعار مرفوعا، وروسيا تحاور الجانب التركي لتبقيه على مسافةٍ كافيةٍ من دون إسقاط الشعار إياه، مع إبقاء عينٍ على الولايات المتحدة وانتظار اللحظة التي تغادر فيها الشمال السوري، وعندها قد تعاد المتوضعات، وتعاد صياغة العلاقات بين الجميع على أسس مختلفة.

العربي الجديد

—————–

سوريا.. سيناريو لحل نهائي ومستدام/ بشير البكر

نقلت وكالة “الأناضول” عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة، خلال عودته من روسيا يوم الأربعاء الماضي، أنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت حان لتطبيق “حل نهائي ومستدام” للنزاع في سوريا، وخصوصاً في إدلب. ومن جانبه أكد بوتين في مستهل الاجتماع الثنائي الذي دام قرابة ثلاث ساعات أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية-الروسية”. وقال: “المفاوضات مع تركيا تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها تنتهي بنتيجة إيجابية دائماً”.

يمكن استخلاص عدة مؤشرات من كلام الرئيسين. الأول هو أن المباحثات بين الرئيسين، اللذين لم يلتقيا منذ عام ونصف العام، كانت صعبة هذه المرة. وهذا لا يعني أن الجولات السابقة كانت سهلة، ولكن هذه الجولة هي الأصعب على ما يبدو. المؤشر الثاني هو أن المباحثات بدأت تنتقل، من البحث عن حلول للخلافات الميدانية على الأرض السورية، وفق اتفاق مارس/آذار 2020 بين الرئيسين في قمة سوتشي، إلى “الحل النهائي والمستدام”. والمؤشر الثالث هو أن الحل في سوريا روسي تركي. والمؤشر الرابع هو أن بوتين لفظ للمرة الأولى مفردة السلام في سوريا.

ومن مقاطعة هذه المؤشرات الأربعة مع بعضها، يمكن بناء ملامح سيناريو للحل في سوريا، يقوم على تفاهم تركي روسي، وهذا يعني أن القوتين الأخريين الموجودتين على الأرض، الولايات المتحدة وإيران تأتيان في المرتبة الثانية، أو على الأقل لن يكون في وسع أي منهما عرقلة قطار الحل الروسي التركي. إيران سوف تتكفل روسيا بالتفاهم معها، وهذا ما جرى العمل به في الجولات السابقة التي كانت الاتفاقات الروسية التركية ملزمة لها، ولهذا لم يثر غياب الرئيس الإيراني عن هذه القمة أي مشكلة، بعد أن كان من المقرر مشاركته. وفي ما يخص الولايات المتحدة فإن المرجح هو انسحاب قواتها من شمال شرقي سوريا في غضون عام، وهذ أمر يمكن تلمسه من تحركات مسؤولي “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على المستوى الدولي، ومنذ أيام قصدت الرئيسة التنفيذية لـ”قسد” إلهام أحمد واشنطن، قادمة من موسكو. ومن دون شك تصب تحركات المسؤولين الأكراد في خانة التحسب من الانسحاب الأميركي، وفي حينها لن يكون هناك طريق سوى باتجاه النظام السوري برعاية روسية. ومن جانب آخر يثير الانسحاب الأميركي ارتياحا كبيرا لدى تركيا، التي ترى أن ذلك هو الخطوة الأساسية نحو تحجيم مشروع “قسد”.

يبقى إذاً القسم الصعب من الحل، وهو المستدام والنهائي، والذي يريده الرئيس التركي أن يبدأ من إدلب. وهو في نظر بوتين يشمل ما بقي من الأراضي السورية خارج سيطرة النظام، وقدّر نسبته بـ10% خلال استقباله رئيس النظام بشار الأسد في منتصف الشهر الماضي، حيث اعتبر أن مشكلة سوريا هي وجود القوات الأجنبية، وهو يقصد القوات التركية لأنها تشكل العدد الأكبر وتنتشر على مساحة واسعة من محافظات إدلب وحلب والحسكة. وفي نظر روسيا إذا لم تنسحب هذه القوات من مواقعها، فإن سلطة النظام سوف تبقى منقوصة، ولن يكون هناك حل دائم ومستدام بشروطها.

ما تعمل من أجله روسيا هو انسحاب أميركا وتركيا معا، ويتعين عليها حل المشروع الكردي مع النظام وتحت إشرافها، وتقديم ذلك لأنقرة مقابل تنازل كبير في إدلب يقوم على تسوية تشمل وضع الفصائل العسكرية المسلحة من جهة، وعودة اللاجئين من تركيا من جهة أخرى، وليس مصادفة أن يصرح أردوغان بعد القمة، بأن “أكثر من مليون شخص، منهم 400 ألف في إدلب، عادوا إلى ديارهم”، مؤكداً أنه “نعمل بلا توقف من أجل العودة الآمنة للسوريين الذين نستضيفهم في تركيا”.

إدلب هي المحطة الأولى في السيناريو الروسي والتركي، ومنها سيبدأ العمل المشترك لاختبار “السلام الروسي” والحل التركي “النهائي والمستدام”. ولن يطول الوقت حتى تتضح خارطة الطريق، وربما الخارطة النهائية للمسألة السورية.

تلفزيون سوريا

——————-

سوريا بعد قمة سوتشي/ سمير صالحة

يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن العلاقات التركية الروسية لا تسير من دون توتر بين الحين والآخر لكن مؤسساتنا في البلدين تنجح سريعا في معالجة أسباب الخلاف. ترحيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنتائج محادثات سوتشي ووصفها بالمثمرة يعكس حقيقة أن لقاء الساعات الثلاث الثنائي كان بهدف التفاوض حول ملفات ثنائية وإقليمية تعني البلدين. وأن المقايضات شملت سوريا والقوقاز والبلقان وأفغانستان وليبيا والبحر الأسود وشرقي المتوسط وربما قد تكون وصلت إلى العلاقة التركية بمنظمة شنغهاي التي التحقت بها إيران مؤخرا.

طاولة سوتشي سبقها حراك تركي روسي بأكثر من اتجاه بهدف الاستعداد لحسم الأمور: لقاءات أميركية روسية وأميركية تركية. دعوة الأسد إلى موسكو. ما قيل حول لقاء استخباراتي بين هاقان فيدان وعلي مملوك. تحركات مكوكية لوفود قسد على خط موسكو وواشنطن. اجتماعات مكثفة بين القيادات التركية وقيادات المعارضة السورية والمحادثات الروسية مع مسؤولين إسرائيليين وأوروبيين وعرب كلها ضمن الحراك المعلن عنه فقط.

قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن هدف أنقرة هو العودة إلى الهدوء على جبهات إدلب التزاما بالاتفاقيات المعلنة قبل عامين. لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كان أكثر وضوحا وشفافية حين أعلن أن هدف تركيا في القمة هو بحث تفاصيل الملف السوري بأكمله. ما يقلق أنقرة اليوم هو شكل الحل في سوريا ومدى استعداد موسكو لطرح التسوية هناك نيابة عن الكثيرين بعدما حصلت على التفويض اللازم من قبل أكثر من لاعب محلي وإقليمي. بوتين ناقش مع أردوغان التصور الروسي الجديد باتجاه إيجاد صيغة تسوية أشار إليها الممثل الأممي بيدرسن وهو يتحدث عن الشق السوري في قمة سوتشي. الطرح الروسي يهدف لفتح الطريق أمام مرحلة انتقالية لا تستبعد الأسد عن خارطة الحل والتسويات التي ستشمل الهدنة الكاملة على الجبهات وتسريع الحوار السوري بضمانات أممية روسية أميركية تركية عربية أوروبية وتشكيل لجان عمل وطنية تشرف على تنفيذ المرحلة الانتقالية مع الاستفادة من النموذج الليبي الذي نجح حتى الآن في تقديم صيغ الحوار على التصعيد والحسم العسكري.

أردوغان كان يعرف وهو في طريقه إلى سوتشي أن بوتين سيذكره بملفات التجارة والسياحة والغاز وخطوط الطاقة وحاجة تركيا إلى التنسيق مع موسكو إذا ما كانت تريد الخروج من أزماتها الاقتصادية والمالية. كان يعرف أيضا أن بوتين يريد أن يلعب الورقة الإيرانية والكردية والعربية والإسرائيلية والأميركية إلى حد ما وهو يحاور أردوغان. والرئيس التركي بالمقابل كان يلوح بوقوف المجتمع الدولي إلى جانبه في ملف اللجوء وضرورة معالجته وبأوراق الثقل الميداني والعسكري التركي في شمال سوريا بالتنسيق مع الفصائل وقوى المعارضة وسيناريو توسيع رقعة العمليات العسكرية التركية إذا لم يؤخذ ما تقوله وتريده أنقرة بعين الاعتبار.

لم يشأ الرئيس الأميركي جو بايدن الاجتماع بنظيره التركي خلال وجود الأخير في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كي لا يمنحه الدعم والثقل السياسي الذي يحتاجه وهو في طريقه إلى سوتشي. هو فعل العكس تماما. قال إن أية اتفاقيات تركية روسية حول صفقة صواريخ جديدة ستفعل العقوبات مرة أخرى ضد أنقرة. لكن أردوغان وكما يبدو سيذهب إلى روما في نهاية الشهر الحالي للمشاركة في قمة مجموعة الدول العشرين وربما للقاء بايدن وهو مزود بما قدمه له نظيره الروسي من تفاهمات وفرص في قضايا ثنائية وإقليمية تدفعه للتمسك بما يقوله في صفقة صواريخ إس 400 وحول إبعاد أنقرة عن برنامج المقاتلة إف 35 و” الدعم الأميركي لمجموعات إرهابية” تتحرك في شرقي سوريا وشمالي العراق عبر بريت ماكغورك منسق السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الذي نجحت أنقرة في إبعاده عن الملف السوري لسنوات ثم أعاده بايدن مرة أخرى إلى الواجهة الكردية وبصلاحيات أوسع.

أعلنت الإدارة الأميركية قبل أيام رفضها لأي تطبيع أو حوار مع نظام الأسد أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. واشنطن نفسها استقبلت مؤخرا وفودا محسوبة على “قسد” و”مسد” وجددت تمسكها بمواصلة تدريب عناصر وكوادر هذه المجموعات وتخصيص الأموال لها تحت ذريعة محاربة داعش التي لم تعد موجودة في شرق الفرات. أميركا تريد الحفاظ على ورقتها الوحيدة في سوريا وهي تحاور موسكو وأنقرة. تريد أن تقول إن ذلك لن يعني قبولها بالعرض الروسي في تعويم الأسد أو بما تقوله أنقرة حول التفاهم معها في شرق الفرات. لكنها ستدعم خطة تحريك المرحلة الانتقالية في سوريا بعيدا عن خيارات الحسم العسكري وتسهيلها والدليل أنها هي التي خرقت قانون قيصر الذي فرضته عبر تسهيل التفاهمات السورية الأردنية المصرية.

صحيح أن أردوغان اقترح توسيع رقعة التعاون باتجاه إنشاء محطات طاقة تضاف إلى محطة آق كويو في مرسين التي سيتم تدشين المرحلة الأولى منها بعد عامين. وصحيح أن بوتين ذكر بأرقام الموسم السياحي التركي التي لعبت روسيا دورا كبيرا في إنعاشه هذا العام. لكن القاعدة الاستراتيجية الجديدة المعتمدة في مسار العلاقات التركية الروسية ستكون إعطاء الأولوية لتسريع الحلول في أزمات إقليمية تعنيهما لأن ذلك هو الداعم الحقيقي لتفعيل العلاقات الثنائية. كان السؤال بالنسبة لواشنطن هو البحث عن شكل ومستقبل العلاقات التركية الأميركية لكن ما سيحاول بايدن معرفته الآن هو أين وكيف سيكون شكل الصفقات التركية الروسية ليعرف كيف يتعامل مع أنقرة وموسكو.

المعادلة بالنسبة لتركيا لم تعد البحث عن مصدر الثقة في إطار الخيار بين واشنطن وموسكو. لكل طرف موقعه وأهميته ودوره لكن الجديد هو صعود العلاقات التركية الروسية في هذه المرحلة وتقدمها ثنائيا وإقليميا على حساب تدهور وتراجع العلاقات التركية الأميركية. واشنطن لعبت أوراقا تتعارض مع ما تقوله وتريده أنقرة وموسكو استغلت باحتراف تدهور العلاقات بين الجانبين التركي والأميركي خصوصا بعد حادثة إسقاط مقاتلتها عام 2015 ومقتل سفيرها أندريه كارلوف في كانون الأول 2016 وأنقرة أعطتها كل ما تريده من فرص طالما أن المصالح المشتركة ستكون محمية تجاريا واستراتيجيا في القوقاز والقرم وأسيا الوسطى والبلقان والبحر الأسود ونقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

أردوغان في سوتشي بدعوة من نظيره الروسي ولكن لا أحد يهتم بمن وجه الدعوة لأن كلا الرئيسين كان يريد ويستعد لهذه القمة الضرورية منذ أشهر. ليست من النوادر أن تعقد قمم ثنائية بشكل منفرد ومن دون حضور مسؤولين آخرين سياسيين أو عسكريين. لكن أردوغان الذي اختار أن يصطحب معه هاقان فيدان وإبراهيم قالين يعرف جيدا لماذا يفعل ذلك. هناك لقاء بين فيدان ومملوك من المحتمل أن يكون قد تم وأن أردوغان يريد أن يسمع بوتين مباشرة رأي فيدان بنتائج اللقاء. وهناك لقاء ثنائي تم بين قالين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان في واشنطن قبل أيام نوقش خلاله الملف السوري وشرق الفرات ويريد أردوغان كذلك أن يكون بوتين على علم ببعض تفاصيله. الرئيس الروسي أطلع أردوغان على نتائج محادثاته الأخيرة مع بشار الأسد وحصيلة المحادثات الأميركية الروسية السياسية والعسكرية بشقها السوري أيضا.

عندما يقول أردوغان إن تركيا تستضيف حوالي 4،5  مليون لاجىء سوري وأنه حان الوقت لإيجاد حل ثابت ونهائي ويمكن اعتماده لتسهيل عودتهم فهو يقصد أولا تسهيل فتح الطريق أمام تفاهمات جديدة في شمال سوريا وطرح حلول عملية مغايرة لملف الأزمة السورية لأنه دون فعل ذلك لن تحل أزمة اللجوء. لن يكون هناك مفاجأة إذا ما سمعنا أن الترجمة العملية لما قاله الرئيس التركي وهو في طريقه إلى سوتشي “سنبحث إلى أين وصلنا في الملف السوري وإلى أين تسير الأمور في المرحلة المقبلة”. بدأت تترجم عمليا على الأرض عبر بروتوكول تركي روسي جديد حول إدلب يتحدث عن عملية إعادة تموضع عسكري وسياسي في التعامل مع خرائط المنطقة هناك.

السؤال الذي يريد الكثير من السوريين إجابات عليه هو ارتدادات قمة الرئيسين التركي والروسي في سوتشي على ملف الأزمة السورية وبأي اتجاه ستسير الأمور. هذا حقهم الطبيعي طالما أن هناك من يقول لنا إن التنسيق بين أنقرة وموسكو بمقدوره حل الأزمة في سوريا وطالما أن غالبية طاولات الحوار الإقليمي والدولي تنظم وتعقد في الآونة الأخيرة خارج رغبة وقرار القيادات السورية أو وجودها أمام الطاولة.

سبل السعادة ووسائل الوصول إليها بطريقة طبيعية تمر عبر تفعيل هرمونات الإندورفين والدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين والطريق إلى ذلك هو الضحك والموسيقا والرياضة ومحبة الناس والحيوانات والطبيعة وإسعاد الآخرين والشعور بالأمان والغذاء الصحي المبرمج ووو. هذا المقطع سقط هنا سهوا من مادة أخرى كنا نتحدث فيها عن إعادة الحلم لأطفال سوريا.

تلفزيون سوريا

———————–

 أبعاد الانخراط الروسي في سورية/ عبدالله تركماني

في سياق زيادة انخراطها في سورية كشفت روسيا ما تبقى من أقنعة عن وجهها، حين أرسلت طائراتها العسكرية وبوارجها الحربية حاملة أنواعاً جديدة من الأسلحة الفتاكة وجنوداً وخبراء عسكريين، وأنشأت قاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية، ووسعت قاعدتها البحرية في طرطوس، بل وتعلن إصرارها على بقاء رئيس تلطخت يداه بدماء مئات الآلاف من السوريين، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في تحدٍّ سافرٍ للقانون الدولي الإنساني.

    ويأتي الانخراط الروسي العسكري نتيجة عوامل متعددة الأبعاد الاستراتيجية، ستكون له تداعيات بعيدة المدى على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. فلطالما شكل البحر المتوسط – تاريخياً – مجالاً لممارسة السلوك التنافسي مع القوى الدولية الأخرى، وهو ما يفسر اعتبار الوجود الروسي في المتوسط كضرورة تعاطت معها القيادات الروسية منذ القدم. وكان الحرص الروسي على الحضور الدائم في المتوسط من العوامل الرئيسية وراء إلحاق شبه جزيرة القرم بالاتحاد الروسي لضمان بقاء ميناء سواستبول، مقر قيادة أسطول البحر الأسود، تحت الهيمنة الروسية. فمن خلال هذا الميناء تستطيع روسيا إدامة وجود قواتها في البحر الأبيض المتوسط.

    كما يبدو أنّ أسباب زيادة الانخراط الروسي تتلخص في محاولة روسيا العودة إلى المشهد السياسي الدولي، عبر بوابة المسألة السورية، على أمل تخفيف أعباء تبعات العزلة الدولية التي تزداد تضييقاً عليها.

    فبعد أن أخّرت الحرب في جورجيا عام 2008 وفي القرم وأوكرانيا عام 2014 محاولات الغرب لجلب حلف ” الناتو ” إلى أعتاب روسيا، أتت خطة إعادة بناء وجود عسكري روسي في سورية لتعلن أنها ليست مجرد قوة إقليمية في أوروبا الشرقية فحسب، لكنها أيضاً لاعب دولي مؤثر، وأنها على استعداد لاستعراض قوتها العسكرية في مناطق أخرى من العالم بعيدة عن الأراضي الروسية.

    كما تشكل الجغرافيا السورية واحدة من الضرورات اللوجستية للمشروع الروسي في مجال الطاقة، وذلك لما تملكه من إمكانيات ربط بين مواقع الإنتاج ومناطق الاستهلاك، وكمعبر للغاز القادم من آسيا الوسطى، الواقعة تحت قوس السيطرة الروسية، ولربط استثمارات الغاز على المتوسط بالغاز القادم من إيران، وكمعبر إجباري لخطوط النقل المتجهة إلى أوروبا. مما يجعل من سورية درة الاستراتيجية الروسية في المنطقة، خاصة مع وجود بنية تحتية روسية في سورية، تتمثل بميناء طرطوس وباستثمارات عديدة في مجال النفط والغاز.

    وكانت روسيا حريصة على إظهار اثنين من طرق العبور التي أنشأتها إلى سورية: طريق المياه، من البحر الأسود (بما في ذلك من شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي احتلتها في سنة 2014، وأبخازيا الجيورجية التي فرضت نفوذها فيها منذ سنة 2008) عبر مضيق البوسفور إلى البحر الأبيض المتوسط. وعن طريق الجو، محلقة فوق بحر قزوين والعراق وإيران، وأخيراً من قاعدة همدان الإيرانية. وأظهرت روسيا أيضاً أنّ لديها عدة طرق للدفاع عن منطقتها السورية، بما في ذلك صواريخ كروز التي أطلقتها من السفن الروسية الراسية في بحر قزوين.

    وقد جاء صك الانتداب الروسي على سورية، الموقَّع في 26 آب 2015، ليعطي روسيا تفويضاً مفتوحاً في سورية، إذ وفّر لها صلاحيات واسعة في البر والبحر والجو دونما رقيب، ويخوِّلها امتيازات استثنائية مجنِّبًا إياها أية محاسبة أو مسؤولية عن أي ضرر قد تتسبب به.

    وهكذا، يبدو أنّ زيادة الانخراط الروسي قد لا يكون معبِّرًا عن وضع المسألة السورية على طريق الحل بمقدار ما قد يكون معبِّراً عن انتقالها إلى مرحلة جديدة من مراحل تطورها، تتورط فيها روسيا في الحرب السورية، خصوصاً في حال لم تقتنع الولايات المتحدة بملاقاتها من أجل تفعيل مقتضيات الصفقة. وإذا كان الأسد قد شعر بالوقوع تحت بعض الضغوط أخيراً، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنّ مزيداً من الانخراط الروسي سيعزز من عناده ويضمن أنه لن يقدم أية تنازلات حقيقية على أية طاولة للمفاوضات في القريب المنظور.

    إنّ الانغماس الروسي في المستنقع السوري من المرجح أن يؤدي إلى تقسيم طويل المدى لسورية، تكون فيه المنطقة الممتدة من دمشق إلى الساحل الغربي تحت سيطرة تحالف الأسد – خامنئي – بوتين، وقد تصبح منطقة الشرق الأوسط ساحة لصراعات أكبر وأكثر خطورة تهدد السلم والأمن الدوليين، وربما تقود في وقت لاحق إلى مزيد من التوتر في العلاقات الروسية – الغربية.

    وهكذا، في الذكرى السادسة للاحتلال الروسي لسورية، يكشف الفصل الجديد من فصول المحرقة السورية عن وجه لروسيا لم يسبق أن بلغ درجة الاستهتار بحق الشعوب، كما في أيام الستالينية في الاتحاد السوفياتي، بسبب رعاية موسكو التطهير العرقي والإثني والطائفي لمناطق واسعة في سورية، تحت ستار محاربة الإرهاب. والأفدح من ذلك: استعداد بشار الأسد لبيع سورية من أجل البقاء في السلطة.

——————————

هل التحالف الأمريكي التركي على حافة الانهيار؟

بعد لقائه مع بوتين ، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة (مرة أخرى) ، لكن العلاقات بين تركيا وروسيا لها قيودها وحدودها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي بنظيره التركي ، رجب طيب أردوغان ، في سوتشي في 29 سبتمبر. – فلاديمير سميرنوف / بول / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز

الإشارات الإلزامية إلى الولايات المتحدة وتركيا باعتبارهما “حلفاء” و “شركاء” في الناتو تتلاشى بشكل متزايد ، حيث قد تقترب العلاقات الثنائية من نقطة الانهيار بسبب الخلافات حول روسيا وسوريا.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، الذي التقى في 29 سبتمبر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ، إن تركيا لا تمضي قدمًا فقط في شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 ، الأمر الذي أدى إلى فرض عقوبات أمريكية ، لكنها تفكر في شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400. تعاون دفاعي أعمق مع روسيا ، بما في ذلك تطوير محركات الطائرات وبناء السفن والطائرات الحربية ، كما نورد هنا .

أما بالنسبة لدور تركيا في برنامج الطائرات المقاتلة الأمريكية F-35 ، الذي كلف تركيا 1.4 مليار دولار ، فقد تبنى أردوغان موقفًا أو اترك موقفًا في 30 سبتمبر ، قائلاً ” إما سيعطوننا طائراتنا أو سيعطوننا. المال “.

أردوغان: المسار الأمريكي التركي ‘لا يبشر بالخير’

جاء اجتماع أردوغان مع بوتين في أعقاب ما اعتبره أردوغان ازدراء من الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.

لا يهم أن بايدن لم يقض حتى ليلته في نيويورك ، والتقى بعدد قليل جدًا من قادة العالم. ألقى العديد من رؤساء الدول والحكومات خطاباتهم هذا العام تقريبًا.

كان أردوغان قد وافق على التقاط صورة وبعض العلاقات الإجبارية أو الكاذبة مع بايدن ، خاصة على الأقل بسبب وهم النفوذ أو التوازن قبل لقاء مع بوتين بشأن بعض القضايا الشائكة ، بما في ذلك أوكرانيا وسوريا (انظر أدناه).

قال أردوغان في نيويورك: “آمل ، بصفتنا دولتين في الناتو ، أن نتعامل مع بعضنا البعض بصداقة لا عدائية”. “لكن  المسار الحالي  لا يبشر بالخير. النقطة التي وصلنا إليها في علاقاتنا مع الولايات المتحدة ليست جيدة … لا أستطيع أن أقول إن الأمور بدأت بداية جيدة مع بايدن.”

كتب جنكيز كاندار: “فيما يتعلق بصورة أردوغان داخل تركيا ، فإن أدائه في نيويورك فشل على ما يبدو في إحداث تأثير كبير ، لا إيجابًا ولا سلبًا”  .

ربما يكون اجتماع أردوغان مع بوتين ، بعد الإخفاق في الأمم المتحدة ، قد عزز مزيدًا من الميل الشرقي في السياسة الخارجية لتركيا.

ويضيف كاندار: “في ظل حكم أردوغان ، تبحر تركيا بثبات نحو مسار غير غربي في عالم متعدد الأقطاب حيث تبرز الصين في شرقها”. “لهجة أردوغان الحذرة فيما يتعلق  بقضية الأويغور  خلال خطابه أمام الأمم المتحدة تعكس أيضًا جهوده لعدم جذب أي غضب من بكين. عندما يتعلق الأمر باستهداف الولايات المتحدة والعالم الغربي ، في هذه الأثناء ، لم يخف أردوغان كلماته”.

بوتين يحاول التوفيق بين تركيا وأوكرانيا….

وقال بوتين قبيل قمة سوتشي: “المفاوضات مع تركيا صعبة في بعض الأحيان ، لكننا تركنا سوتشي دائمًا بنتائج إيجابية”. “نتعلم كيف نتصالح”.

لكن ثبت حتى الآن أن موقف أردوغان من أوكرانيا صعب التوفيق بينه وبين بوتين.

وكتب فهيم تستكين يقول: “إن مبيعات تركيا بطائرات بدون طيار لأوكرانيا وتعهد أردوغان بعدم الاعتراف أبدًا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم قد لاحظهما الجانب الروسي على النحو الواجب ، والذي يعتبر كلا المسألتين حاسمتين لأمنها القومي وسلامة أراضيها”  .

ويضيف تيستكين: “كرر أردوغان تعهده الخاص بشبه جزيرة القرم خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن أعلنت وزارة الخارجية التركية أن انتخابات مجلس الدوما التي أجريت في شبه جزيرة القرم هذا الشهر” لا تتمتع بصلاحية لتركيا “. علاوة على ذلك ، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن أوكرانيا تخطط لإنشاء مصنع للطائرات بدون طيار للإنتاج المشترك للطائرات بدون طيار تركية الصنع تي بي 2.

ويخلص تيستكين إلى أنه “لو كانت أنقرة قادرة على كبح رد فعلها على موسكو بشأن هذه القضية ، لكان بإمكان تركيا أن تستخدم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كوسيلة ضغط في مفاوضاتها مع روسيا. وبدلاً من ذلك ، حافظت على موقفها الصفري ، مما أدى إلى جذب غضب موسكو “.

… مع استمرار الضغط على تركيا في سوريا

يحقق بوتين فيما إذا كان الوقت مناسبًا لهجوم عسكري سوري على إدلب ، وهو الموقف الأخير المحتمل للجماعات الجهادية والمدعومة من تركيا والمعارضة للرئيس السوري بشار الأسد .

وأضاف أن ” طائرات القوات الجوية الروسية  تقصف مواقع المتمردين في إدلب ومحيطها ، مما يوسع نطاق هجومها ليشمل المناطق التي تحتلها تركيا في منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية وبالقرب من تل تمر فيما يسمى بـ” منطقة نبع السلام “التي احتلتها تركيا في آخر حرب لها. هجوم عبر الحدود ضد المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الاكراد  القوى الديمقراطية السورية  في أكتوبر 2019، ”  تقارير أمبيرين الزمان .

قد يشجع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بوتين كإشارة إلى أن واشنطن تتراجع عن “حروب لا نهاية لها” ، كما انتعشت الاتصالات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا ، كما ناقشت فيفيان سلامة في بث على موقع Al-Monitor مؤخرًا.

التقى بوتين بالأسد في 13 سبتمبر ، قبل أسبوعين من اجتماعه مع أردوغان. يود الأسد المضي قدمًا في إدلب ، لكن بوتين لاعب أكثر حرصًا وتعمدًا ، ويسعى إلى قدر أكبر من اليقين حول كيفية حدوث ذلك في أنقرة وواشنطن.

تخضع إدلب لسيطرة هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة (“تحرير الشام”). وفقًا لاتفاقها مع روسيا ، فإن تركيا مكلفة بتقليل نفوذ الجهاديين. قال خالد الخطيب من حلب إن هيئة تحرير الشام تواصل تغيير صورتها السابقة ، و “ترفض دعوات من تنظيم حراس الدين التابع  للقاعدة  لحل خلافاتهم من خلال التحكيم الشرعي”  .

من وجهة نظر روسيا ، فشلت تركيا في مهمتها المعلنة لتنظيف إدلب. من وجهة نظر تركيا ، فإن الهجوم السوري المدعوم من روسيا على إدلب سيؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين السوريين.

كتب زمان: “القلق الرئيسي لتركيا هو أن أي هجوم واسع النطاق على إدلب سيؤدي إلى دفع ما يصل إلى مليون سوري نحو الحدود التركية”  .

بالنسبة لأردوغان ، أصبحت الحرب التي لا نهاية لها في سوريا عقبة في السياسة الداخلية التركية.

كتب زمان: “يتصاعد الاستياء تجاه ما يقدر بنحو 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا حاليًا ، ويتم استغلال هذه المشاعر بشكل ساخر من قبل المعارضة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في عام 2023” ، كتب زمان “… مع أرقام استطلاعات الرأي الخاصة به تتراجع إلى مستويات متدنية غير مسبوقة ، وبالتالي فإن أردوغان حريص على الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب ، على الأقل حتى ذلك الحين “.

بينار تريمبلي لديه تأخذ هنا على الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أن “أحزاب المعارضة، مثل حزب الشعب الجمهوري (CHP) وقد استفاد من المناهضة للمهاجرين والمشاعر المعادية للاجئين وثغرة أمنية متزايدة.”

سلطان الكنج من إدلب “أوقفت تركيا مؤخرًا إصدار بطاقة الحماية المؤقتة – المعروفة باسم كيمليك – للاجئين السوريين الذين يحتاجون إلى العلاج المنقذ للحياة داخل الأراضي التركية ، واستبدلت بها وثيقة السياحة العلاجية”  . أفاد

متين جوركان أن العديد من طلبات التقاعد رفيعة المستوى الأخيرة من قبل الضباط العامين يمكن أن تكون علامة أخرى على الاستياء المتزايد من سياسة أردوغان في سوريا.

كما أن بوتين يشعر بالقلق أيضًا من أن الهجوم السوري المدعوم من روسيا على إدلب قد يكون بمثابة نقطة توقف للهجوم التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا (AANES) ، كما كتب كيريل سيمينوف .

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب ، وهي الجماعات المسلحة الكردية السورية التي تشكل الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية ، إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

أثبتت الخلافات الأمريكية والتركية بشأن قوات سوريا الديمقراطية أنها مريرة وغير قابلة للتوفيق.

في 29 سبتمبر ، أشار أردوغان إلى بريت ماكغورك ، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، بأنه ” يدعم الإرهاب فعليًا  … إنه مدير لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب”.

يشعر بوتين بانفتاح لمتابعة خطته طويلة الأمد لهندسة اتفاق بين الأكراد السوريين ودمشق يكون مقبولاً لأنقرة – مراجعة لاتفاقية أضنة لعام 1998 ، والتي نزع فتيل التوترات التركية السورية بشأن حزب العمال الكردستاني.

يكتب سيمينوف أن روسيا “تحاول دفع الأكراد السوريين إلى حوار مع دمشق ، ولكن دون تدخل أمريكي. والمقصود هو أن الأكراد السوريين أنفسهم يجب أن يبدأوا في إبعاد أنفسهم عن الولايات المتحدة في حالة تراجع الولايات المتحدة في سوريا. كما حدث في أفغانستان “.

الجمود مع استمرار “المعاناة العميقة” في سوريا

لا يبدو أن بايدن ولا بوتين ولا أردوغان على استعداد لقلب الوضع الراهن دون إشارة أخرى بشأن ما سيأتي بعد ذلك ، وهو نوع من الجمود الهش الذي يمكن أن ينهار في أي وقت.

لا يمكن لأردوغان أن يتخلى عن الولايات المتحدة بشكل كامل ، فهو وبوتين ليسا على نفس الصفحة في سوريا وأوكرانيا. إنه يحتاج على الأقل إلى وهم وجود خيار في التعامل مع بوتين للبقاء في اللعبة. هذه أيضًا ورقة رابحة للولايات المتحدة. إحباط الرئيس التركي هو أن سياسته الخارجية شخصية وعلى مستوى القمة ، كما كتب جوركان . هو وبوتين يلتقيان ويتحدثان كثيرًا. في المقابل ، لا يحاول أردوغان وبايدن تزويرها هذه الأيام.

في غضون ذلك ، لا يزال السوريون يعانون.

بالإضافة إلى هذا “عدد القتلى الرهيب” ، في إشارة إلى ما لا يقل عن 350 ألف قتيل سوري موثق في الحرب الأهلية ، أبلغ مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن مجلس الأمن هذا الأسبوع ، “قد نضيف تدابير أخرى للمعاناة العميقة منذ أكثر من عقد من الزمان. أكثر من 12 مليون سوري نزحوا – أي نصف سكان سوريا قبل الصراع. ولا يزال عشرات الآلاف محتجزين أو مختطفين أو مفقودين. تقترب مستويات الفقر من 90 في المائة بعد عقد من الصراع وسوء الإدارة والفساد ، والآن أثر ذلك من الانهيار الاقتصادي اللبناني ، وباء كوفيد ، بل والعقوبات. سوريا مقسمة إلى عدة مناطق فعلية ، حيث يتصارع اللاعبون الدوليون في المسرح ، فضلاً عن حلقات العنف التي لا تزال تختبر الهدوء النسبي خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية “.

موقع المونيتور

————————–

==================

تحديث 04 تشرين الأول 2021

————————

سياسة روسيا في سورية والشرق الأوسط

ملف من إصدار معهد الدراسات الأوروبية والروسية والأوراسية، جامعة جورج تاون، في كانون الثاني/ يناير 2019، مؤلف من جزأين، وقد حررت الملفّ مارلين لارويل.

الجزء الأول بعنوان إستراتيجيات انخراط روسيا في الشرق الأوسط، وهو بدوره يضمّ أربع دراسات وأبحاث.

1. أهداف روسيا الإستراتيجية في الشرق الأوسط، للباحث نيكولاس غفوسديف.

2. الأقلمة هي الاتجاه الرئيس لسياسة روسيا تجاه سورية والشرق الأوسط – إيكاترينا ستيبانوفا.

3. ليست الأمور أسهل: قانون بوتين لتحقيق التوازن في الشرق الأوسط – مارك ن. كاتز.

4. روسيا في الشرق الأوسط: هل هناك نهاية للعبة؟ – آنا بورشيفسكايا.

والجزء الثاني بعنوان: التدخل العسكري الروسي في سورية وأثره، يتألف من خمس دراسات وأبحاث:

1. العمليات القتالية الروسية في سورية وأثرها على القوات – مايكل كوفمان.

2. روسيا في الشرق الأوسط: (إعادة) ظهور حزام متحطم جيوسياسي جديد؟ – جورج سيمون.

3. الدور العسكري والدبلوماسي لروسيا في سورية بعيون سورية وإيرانية، – أنطونيو جوستوزي.

4. روسيا في سورية: إعادة تشكيل النظام العالمي أم محاربة الإرهاب؟ – ماريا أوميليتشيفا.

5. كيف يمكن لموسكو أن تدعم إعادة إعمار سورية؟ – إيغور ديلانويه.

تحميل الموضوع  

https://www.harmoon.org/wp-content/uploads/2021/08/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D9%88%D8%B3%D8%B7.pdf

مركز حرمون

——————————-

 روسيا التوحيدية وتركيا التقسيمية/ طوني فرنسيس

لم تعد روسيا لاعباً ثانوياً في سوريا ولا في محيطها، وعندما تتحكم في لعبة التوازنات لا تعود طارئةً على بلاد الشام، بل تصبح عاملاً حاسماً. قبل لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، وبموازاة جلسات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أجرى هو ومعاونوه لقاءات شملت ممثلي أبرز دول الشرق الأوسط من الخليج الى مصر والسودان وليبيا، واستقبلت موسكو في الأثناء سياسيين من درجات مختلفة جاءوا من لبنان. كان إظهار الحضور ذاك نوعاً من القول إن موسكو موجودة وجاهزة للبحث في قضايا العالم، وفي مقدمتها مستقبل سوريا التي فيها يتحدد مستقبل الدور الروسي في شرق المتوسط.

في مطلع الشهر الماضي حل وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد ضيفاً على نظيره الروسي سيرغي لافروف. مباحثاتهما لم تعكرها الملفات الإيرانية ولا السورية ولا الفلسطينية. بعد أيام حل الرئيس السوري بشار الأسد ضيفاً على نظيره فلاديمير بوتين. كانت الخلاصة دعماً روسياً لتنفيذ القرار 2254 وعملية الانتقال السياسي. وتأكيداً لهذا النهج سارت مباحثات روسية أميركية في جنيف لم تتوقف عند حدود الملف السوري، بل تعدّتها إلى شؤون استراتيجية أبعد وأكثر أهمية للبلدين الكبيرين.

وحلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سوتشي للقاء بوتين في توقيت الانشغالات الروسية بالحوار الاستراتيجي مع أميركا، وكانت سويسرا مقراً لذلك الحوار وحوارات أخرى تتعلق بسوريا تحديداً. كان لدى روسيا ما يشبه التفويض الإسرائيلي والانحناءة الإيرانية والإذن العربي ببدء مشروع جديد لتسوية الأوضاع في سوريا. الحديث عن وثيقة أردنية طرحها الملك الأردني عبدالله الثاني عن استيعاب وتغيير تدريجي في سلوك النظام السوري لم تكن خارج المعادلة. ومنذ يوليو (تموز) الماضي يجري العمل على شيء من هذا النوع. الملك عبدالله الثاني طرح فكرته على جو بايدن وفلاديمير بوتين، ويبدو أنه لقي تجاوباً ظهرت مفاعيله في تسليم الروس ترتيبات الأمن في درعا، ثم في فتح الحدود الأردنية مع سوريا وتسهيل عبور الغاز المصري عبر الأردن إلى سوريا ولبنان.

ترتيبات الجنوب السوري قد يطرح مثيلها في الشمال. فما ينسب من خريطة طريق اقترحها العاهل الأردني على أميركا وروسيا والقوى الدولية يلحظ “المصالح المشروعة” لروسيا في سوريا، ويؤكد انسحاب القوى الأجنبية الأخرى، بما فيها تحديداً التركية والإيرانية. وروسيا في سياساتها لا تحيد عن خطٍ كهذا على الرغم من استفادتها التكتيكية من شريكيها الإيراني والتركي.

عندما استقبل بوتين نظيره التركي أردوغان كان قد أعد لائحة بالمواقف المعادية التي جاهر بها الأخير. فأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ76 في 21 من الشهر الماضي أعلن الرئيس التركي أنه يولي “أهمية كبيرة لحماية وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي لا تعترف بضمها”. ولم يكن هذا موقفاً معزولاً لإثارة غضب روسيا. فسياسات أنقرة في القوقاز وليبيا وسوريا تتناقض في خط صريح مع روسيا، لكن ضبط النفس ميز سلوك الكرملين لسبب بسيط يتمثل في الوصول إلى تسوية في سوريا لا تكون فيها تركيا عائقاً ومعرقلاً.

وضع بوتين جميع تناقضاته مع تركيا ومختلف تصريحات أردوغان المعادية جانباً، وقال له في سوتشي، “نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية الى تنسيق المواقف في شأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز (الروسي – التركي) الخاص بالرقابة على وقف النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا”.

في روسيا، يعد هذا الكلام حواراً بين خصوم يجرون ترتيبات يحاولون الالتزام بها. وحسب متخصصين روس، “لا أساس للقول إن العلاقات بين روسيا وتركيا جيدة اليوم”. ويتساءل هؤلاء، “هل لدينا علاقة جيدة معها في سوريا؟”، ويجيبون، “بحسب أردوغان نفسه هم ضموا عملياً 4 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية”.

خلافات على مختلف المحاور لا يكفي لتغطيتها تعاون روسي – تركي في مجال التسلح والاقتصاد والتبادل السياحي. وسوريا في قلب هذه الخلافات، بل ومحورها. وإذا كان صحيحاً أن أردوغان طرح على بوتين مذكرة تفاهم “تنطوي على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بين روسيا وإيران وتركيا”، فعلينا أن نتوقع مزيداً من الصراعات بين حلفاء أستانا، قبل بلورة تسوية نهائية سيضع خطوطها الحوار النشيط بين روسيا والولايات المتحدة الذي افتتحته القمة بين البلدين في يونيو (حزيران) الماضي.

خلاصات هذا الحوار لا تزال تؤكد وحدة سوريا كدولة ديمقراطية تتعايش فيها جميع المكونات القومية، وعلى تنفيذ القرارات الدولية وإنعاش العملية الدستورية. إنها العملية الصعبة التي امتنعت تركيا عن الانخراط فيها في وقت تبنت فيه تنظيمات إرهابية، واهتمت بإرسال السوريين للقتال كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان. أما الإشارة إلى تغيير في سياستها بعد لقاء سوتشي، فستكون سحب قوات لها من إدلب، وهذا ما يراهن عليه الروس.

 اندبندنت عربية


بوتين في سوريا: عسر تحصيل الإيرادات/ صبحي حديدي
قليلة، أو حتى نادرة، التحليلات المعمقة التي يكتبها باحثون روس حول التدخل العسكري الروسي في سوريا، وذلك لاعتبارات عديدة لعلّ أبرزها أنّ تناول هذا الموضوع من زاوية انتقادية أو مناوئة أو معارِضة يفضي بالضرورة إلى مقدار من المسّ بالجيش الروسي، وهذا خيار غير شعبي بما يكفي للمجازفة؛ فضلاً عن اعتبار ثانٍ يفيد بأنّ مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا يحظى بشعبية ملحوظة تدغدغ نوستالجيا الإمبراطورية والفخار القومي. اعتبار ثالث، أكثر اتصافاً بالعمومية، هو أنّ الإسهامات التي تتناول شخص بوتين أو معمار السلطة الذي أقامه قليلة أصلاً، بالنظر إلى ضعف القوى المعارضة للكرملين ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وبالتالي محدودية المنابر الإعلامية أو البحثية التي يمكن أن تشجّع على تلك الإسهامات، أو تحتضنها.
وهذه حال تستدعي الترحيب الشديد بكتاب الباحثة الروسية أنّا بورشيفسكايا الذي صدر مؤخراً بالإنكليزية، ضمن منشورات I.B.Tauris، بعنوان «حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا»؛ وتنهض معادلاته البحثية على إقامة التوازنات، أو توصيف غيابها، بين محورَيْ العنوان الفرعي، وما إذا كان مشروع بوتين من وراء التدخل في سوريا ينتهي إلى طراز من السياسة الخارجية تستكمله في مقام ملموس أنساقُ غياب مشروع أمريكي موازٍ، حتى إذا لم يكن مضاداً تماماً. وفضيلة الكتاب الأولى، بمعزل عن مزايا البحث والتحليل والاستخلاص التي تتمتع بها بورشيفسكايا، أنّ انتماء الكاتبة إلى روسيا وتمكّنها من اللغة الروسية وصلاتها الوثيقة مع مصادر أصلية عالية القيمة، مكّنها من توفير مستوى توثيقي رفيع يخدم خلاصاتها المعمقة؛ خاصة حين يتصل الأمر بنقاط حساسة حول الأدوار الحيوية التي يلعبها الجيش، والفروع الحكومية أو الخاصة أو شبه الحكومية التي ترتبط بوزارة الدفاع، في صياغة السياسة الخارجية.
ليس أقلّ أهمية ما تستعرضه بورشيفسكايا، بتفصيل مثير حقاً وجدير بتفسير الكثير من خيارات الكرملين وسلوك بوتين شخصياً، في ربط السياسة الخارجية لجهة دور الجيش في مشاريع التدخل الخارجي، بالسياسة الداخلية واستدراج الالتفاف الشعبي وحشد التأييد الشعبوي. والمعطيات التي تسوقها الكاتبة حول أنماط استفادة شرائح شعبية غير قليلة من التدخل العسكري الروسي في سوريا، على أصعدة سوق العمل بادئ ذي بدء ومداخيل صناعات السلاح والخدمات الخفية ذات الطابع المافيوزي؛ تبرهن، على نحو يبدو مفاجئاً أحياناً، أنّ المكاسب الجيو ـ سياسية أو العسكرية أو الاستثمارية ليست هي أولى البواعث؛ أو الأحرى القول إنها رأس جبل الجليد، وما خفي أعظم وأشدّ إغواءً وفائدة.
ورغم أنّ غالبية استطلاعات الرأي في روسيا لا تتمتع بمصداقية منهجية وعلمية، فإنّ المؤشرات تعطي مع ذلك صورة معبّرة عن مزاج الرأي العام الروسي بصدد التدخل الروسي في سوريا: في مطلع تشرين الأوّل (أكتوبر) 2015، أي بعد أسابيع قليلة على بدء التدخل الفعلي، كانت نسبة التأييد في حدود 56٪؛ وأمّا في آذار (مارس) 2016، فقد قفزت النسبة إلى 70٪، وترافق ازدياد شعبية التدخل مع تسابق محموم على بذل الوساطات للالتحاق بالوحدات العسكرية الروسية المتوجهة إلى سوريا. ولا يخفى أنّ الحماس للجيش، أو حتى تأجيج مشاعر الكراهية للولايات المتحدة بوصفها وراء الصراع في سوريا حسب الإعلام الرسمي الروسي، أو الخشية من انتقال «الإرهاب الإسلامي» إلى الداخل الروسي مروراً من شيشنيا أو الجمهوريات الإسلامية؛ لم تكن البواعث الوحيدة المحرّكة لمشاعر الشارع الشعبي أو الشعبوي، بل كانت وحدات عسكرية وأمنية خاصة من طراز «فاغنر» ليست حكومية بالضرورة ولكنها مقرّبة من الجيش أو الكرملين، قد تحوّلت إلى أرباب عمل لتشغيل المئات والآلاف من العسكر المتقاعدين أو العاطلين عن العمل، وإرسالهم إلى سوريا.
لهذا فإنّ الفصل الذي تخصصه بورشيفسكايا لظاهرة «شركات التعاقد العسكري الخاصة» أو الـChVK في المختصرات الروسية، يساجل ضدّ الخطأ الشائع في الصحافة العالمية حول تسمية هذه المجموعات بالمرتزقة؛ لأنّ المرتزق، في تعريفها، هو ذاك الذي يقتل لقاء أجر مالي، لكنه غير معنيّ بالمضامين السياسية لممارسة مهنته هذه. مهامّ المتطوعين ضمن صفوف «فاغنر» لا تقتصر، في المقابل، على مهمة القتل وحدها بل تتعداها إلى وظائف أمنية وسياسية وعسكرية ودفاعية شتى، تخدم جميعها أغراض السياسة الخارجية الروسية، وهي استطراداً جزء لا يتجزأ من الجيش الروسي الرسمي حتى إذا كانت غير مرتبطة به إدارياً. وتعريف هذه المجموعات كما تعتمده أدبيات وزارة الدفاع الروسية يشير إلى أنها «هيكل تجاري خاصّ مسجّل رسمياً، يتألف من أخصائيين ذوي تدريب عالٍ، تشرف عليه الدولة ويعمل بما يخدم مصالح الدولة، وهذا هو الفارق الجوهري عن المفارز الكلاسيكية للمرتزقة والإرهابيين. وهذه الشركات خاصة بمعنى نسبي فقط، لأنها فعلياً تعمل لصالح الدولة، وتتبع الخطط ذاتها وتسعى إلى الأهداف نفسها المناطة بالجيوش النظامية».
وتعقد بورشيفسكايا الجزء الأوّل من كتابها لاستعراض تاريخ العلاقة بين روسيا/ الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط، ابتداءً من عهود القياصرة وما انطوت عليها من إشكاليات الهوية الروسية والإسلام والمسلمين، وصولاً إلى مناخات الحرب الباردة وغزو أفغانستان، ثمّ مقاربات أمثال يفغيني بريماكوف ونظام تعدّد الأقطاب. الفصول اللاحقة تتناول انشغال بوتين في إعادة روسيا إلى الشرق الأوسط، وإقامة محور روسي/ إيراني/ سوري، والتدخل المباشر لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، وتقلّب خيارات بوتين ضمن متغيرات القوى الداخلة على الخطّ السوري من إيران وتركيا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، والتعقيدات اللاحقة ذات الصلة بحلقات استخدام الأسلحة الكيميائية، والتفاهمات مع إدارة الريس الأمريكي السابق باراك أوباما بالمقارنة مع خَلَفه دونالد ترامب، وتشابك اقتسام الهيمنة مع إيران وتركيا…
ذلك غيض من فيض الملفات الأخرى التي تعالجها بورشيفسكايا، وخلاصتها تنتهي إلى أنّ بوتين قد ضمن لروسيا قواعد في شرق المتوسط تتيح استعراض القوّة نحو مياه الخليج الدافئة وأفريقيا؛ وهذا ما عجز القياصرة عن إنجازه. لكنّ روسيا بوتين في حال من العجز عن تحصيل إيرادات المغامرة لأنّ نفقات تدخلها في سوريا ليس لها أيّ صيرفي، إيراني مثلاً، يمكن أن يغطيها. وثمة، إلى هذا كلّه وسواه، معضلة كبرى عالقة اسمها إدلب، حيث يحتشد خارج سيطرة النظام نحو ثلاثة ملايين سوري بينهم مليون طفل، وتقيم فصائل الجهاديين المختلفة هذا الشكل أو ذاك من السيطرة والإدارة المحلية، كما تمارس تركيا نفوذها العسكري والسياسي بما يتجاوز احتواء الاكراد أو مناوشة النظام وروسيا معاً…
خاتمة بورشيفسكايا تسير هكذا: «استمدّت موسكو درساً من التجربة السوفييتية في أفغانستان، بأنها لا تستطيع التأثير لإحداث تغيير حقيقي في البلد. لذلك لم تبذل محاولة كهذه في سوريا، بل اكتفت بإلقاء قفاز التحدي في وجه الولايات المتحدة والغرب، انطلاقاً من حاجة مَرَضية لاستعراض صورتها، ولأنّ الشرق الأوسط هامّ في ذاته للدولة الروسية. والحقّ أنّ الغرب لم يعمد إلى تحدّي الموقف الروسي في سوريا، بل أعطى سوريا إلى موسكو من دون كبير قتال، ربما لأنه جزئياً أقرّ بأنّ الغرب، مثل روسيا، ليس في وسعه القيام إلا بالقليل من أجل توازن البلد أو المنطقة».
ولأنّ مشروع بوتين في سوريا بدأ استثمارياً، وهكذا يستمرّ منذ 6 سنوات؛ فإنّ شلل موسكو أمام عسر تحصيل الإيرادات لا يُبقي من أرباح المغامرة العسكرية إلا فتات الأسد نفسه، أو… عصاب وعصائب «النمر» سهيل الحسن!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي


روسيا والدفاع عن الأسد/ رضوان زيادة
حمت روسيا نظام الأسد منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات في آذار/ مارس 2011، حيث تبنت رواية الحكومة السورية الكاذبة من البداية بأن آلاف المتظاهرين السلميين كانوا عبارة عن “إرهابيين” يحملون السلاح، وقدمت الدعم الكامل لنظام الأسد في مجلس الأمن ضد أي عقوبات دولية بل رفضت حتى أي إدانة تصدر عن المجلس.

ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2011، أي بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية، استخدمت روسيا حق النقض الفيتو للمرة الأولى بالتعاون مع الصين لمنع إقرار مقترح غربي يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ويهدد بإجراءات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. وإلى اليوم ما زالت تستخدم الفيتو لحمايته ضد أي إدانة دولية في مجلس الأمن حتى بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها روسيا الفيتو في الأزمة السورية 16 مرة.

تحول هذا الدعم إلى تدخل عسكري كامل في أيلول/ سبتمبر 2015 مكّن الأسد من السيطرة على معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

اليوم تخوض روسيا معركة على ثلاث جبهات دفاعاً عن نظام الأسد الجبهة الأولى في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والجبهة الثانية في لاهاي حيث منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حيث تكرر روسيا حملتها في الدفاع عن الأسد ضد كل تقارير المنظمة الدولية والتي تتهم الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية عشرات المرات في مناطق مختلفة من سوريا أما الجبهة الثالثة والأخيرة فهي في جنيف حيث تدافع روسيا عن الأسد في وجه الاتهامات الحقوقية التي تتهم الأسد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتقارير اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بسوريا. في الحقيقة حضور روسيا القوي في كل هذه الجبهات يدل على حجم الاستثمار السياسي والدبلوماسي القوي الذي تستثمره روسيا في الدفاع عن الأسد ومقابل ذلك تخسر من مصداقيتها مع كل حملة أو جبهة تخوضها في الدفاع عن الأسد وجرائمه.

لقد سخّرت روسيا من أجل تحقيق ذلك الكثير من الموارد المالية والسياسية والاقتصادية ومن المستحيل الكشف عن العوائد التي يمكن أن تحصل عليها روسيا من كل هذا الاستثمار، فلا سوريا تملك هذه الموارد الضرورية وبنفس الوقت تدرك روسيا أنها تخوض حربا خاسرة دفاعاً عن الأسد فلا الحملات المنظمة أجدت نفعاً، أو غيرت من صورة الأسد على المستوى الغربي. الذي حصل هو العكس تماماً، غاصت روسيا في الوحل السوري وأصبحت مسؤولة عن جرائمه التي ارتكبها في سوريا بالإضافة إلى الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية في سوريا بعد تدخلها العسكري في عام 2015.

هل تفكر روسيا إذاً بالخروج من سوريا؟

من الصعب الإجابة بنعم بالنظر إلى تكرار روسيا المغامرة ذاتها في أوكرانيا وجورجيا من قبل، وبالرغم من كل الضغوط الغربية والعقوبات الأوروبية والأميركية فإن الموقف الروسي لم يتغير أبداً أو يتزحزح، وهو يسرد قصة الدكتاتور بوتين في قصة الكرامة التي يلعبها كل الدكتاتوريين في العالم، فهم يوهمون شعوبهم أن حروبهم في الخارج من أجل كرامة بلادهم وشعوبهم وأن الضغوط الغربية التي يتعرضون لها إنما بسبب موقف “الكرامة” هذا وبسبب هذا الموقف يجب أن تُقمع حريات الرأي والتعبير والتجمع وتصادر الحريات السياسية وتسيطر شبكات الدكتاتور على الاقتصاد إنها الوصفة ذاتها التي يعيدها بوتين في مغامراته الخارجية والتي رأيناها مع كل ما سبقه من الدكتاتوريين العرب والغربيين.

وهو ما يدفعنا إلى القول إن كل شيء سيتبخر مع رحيل الدكتاتور؛ فلا سوريا مهمة للسياسة الخارجية الروسية كما يكرر بوتين، ولا الجرائم التي ارتكبها الأسد تستحق أن تدافع عنها روسيا من أجل لا شيء.

التاريخ سيصحح نفسه يوماً ما، وكل ما نرجوه الآن هو أن يكون هذا اليوم قريباً.

تلفزيون سوريا


موسكو:وجود القوات الأميركية في سوريا يخفض فعالية مكافحة الإرهابيين
قال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إن “الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا، يقلل من فعالية القتال ضد الإرهابيين”، مضيفاً أن القوات الروسية مستمرة، إلى جانب قوات النظام السوري، في غاراتها على “الجماعات الإرهابية”.
وقال غيراسيموف في تصريح أمام الملحقين العسكريين للدول الأجنبية الخميس، “لم تتخلَ الجماعات المسلحة غير الشرعية عن خططها لتوسيع مناطق نفوذها، ويسهم في ذلك الوجود العسكري غير المشروع للولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى في سوريا، ما يقلل من فعالية محاربة الجماعات الإرهابية”.
وأضاف أن “القوات الجو-فضائية الروسية تواصل إلى جانب قوات النظام السوري، غاراتها على الجماعات الإرهابية”، فيما تقدم في الوقت نفسه “المساعدة في عودة اللاجئين واستعادة البنية التحتية للحفاظ على سلامة الأراضي السورية ووحدتها”.
وتابع غيراسيموف: “في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يجري العمل مع الجانب التركي لتنفيذ الاتفاقات القائمة والحفاظ على وقف الأعمال العدائية”.
وجاء تصريح المسؤول العسكري الروسي بعد يومين على إجراء القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، مناورات عسكرية في ريف دير الزور شرقي سوريا، بمشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني.
ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن مصادر محلية الأربعاء، أن العشرات من القوات الأميركية و3 دبابات وعدداً من العربات المدرعة، شاركوا الثلاثاء في مناورات استخدمت فيها الذخيرة الحية حيث تم إطلاق النار على أهداف محددة مسبقاً. وأضافت المصادر “كما شارك في المناورات التي استمرت يوماً واحداً، عشرات من عناصر الحزب العمال الكردستاني الذين حضروا إلى ساحة المناورات بعرباتهم المدرعة”.
وأوضحت المصادر أن المناورات جرت في بادية بلدة أبو خشب القريبة من معبر بلدة الصالحية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي أحد أهم نقاط تمركز القوات الروسية والمجموعات التابعة لإيران.
وتقول الولايات المتحدة إن استمرار وجود قواتها في سوريا هدفه مكافحة تنظيم داعش. وفي أول تصريح بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بمؤتمر صحافي في 28 كانون الثاني/يناير، إن “رؤيتنا حول هدف القوات الأميركية في سوريا والعراق، هي مواصلة التعامل مع تهديد داعش”.
وتتوزع القوات الأميركية في 26 موقعاً بمحافظات دير الزور، والحسكة، والرقة، وحمص، والقامشلي، كما تمتلك 23 قاعدة عسكرية، حيث يتركز وجودها بشكل رئيس على آبار النفط. وتمثل الولايات المتحدة أكبر داعم لقوات سوريا الديمقراطية في الحملة ضد داعش في سوريا.

المدن


بوتين في سوريا: عسر تحصيل الإيرادات/ صبحي حديدي
قليلة، أو حتى نادرة، التحليلات المعمقة التي يكتبها باحثون روس حول التدخل العسكري الروسي في سوريا، وذلك لاعتبارات عديدة لعلّ أبرزها أنّ تناول هذا الموضوع من زاوية انتقادية أو مناوئة أو معارِضة يفضي بالضرورة إلى مقدار من المسّ بالجيش الروسي، وهذا خيار غير شعبي بما يكفي للمجازفة؛ فضلاً عن اعتبار ثانٍ يفيد بأنّ مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا يحظى بشعبية ملحوظة تدغدغ نوستالجيا الإمبراطورية والفخار القومي. اعتبار ثالث، أكثر اتصافاً بالعمومية، هو أنّ الإسهامات التي تتناول شخص بوتين أو معمار السلطة الذي أقامه قليلة أصلاً، بالنظر إلى ضعف القوى المعارضة للكرملين ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وبالتالي محدودية المنابر الإعلامية أو البحثية التي يمكن أن تشجّع على تلك الإسهامات، أو تحتضنها.
وهذه حال تستدعي الترحيب الشديد بكتاب الباحثة الروسية أنّا بورشيفسكايا الذي صدر مؤخراً بالإنكليزية، ضمن منشورات I.B.Tauris، بعنوان «حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا»؛ وتنهض معادلاته البحثية على إقامة التوازنات، أو توصيف غيابها، بين محورَيْ العنوان الفرعي، وما إذا كان مشروع بوتين من وراء التدخل في سوريا ينتهي إلى طراز من السياسة الخارجية تستكمله في مقام ملموس أنساقُ غياب مشروع أمريكي موازٍ، حتى إذا لم يكن مضاداً تماماً. وفضيلة الكتاب الأولى، بمعزل عن مزايا البحث والتحليل والاستخلاص التي تتمتع بها بورشيفسكايا، أنّ انتماء الكاتبة إلى روسيا وتمكّنها من اللغة الروسية وصلاتها الوثيقة مع مصادر أصلية عالية القيمة، مكّنها من توفير مستوى توثيقي رفيع يخدم خلاصاتها المعمقة؛ خاصة حين يتصل الأمر بنقاط حساسة حول الأدوار الحيوية التي يلعبها الجيش، والفروع الحكومية أو الخاصة أو شبه الحكومية التي ترتبط بوزارة الدفاع، في صياغة السياسة الخارجية.
ليس أقلّ أهمية ما تستعرضه بورشيفسكايا، بتفصيل مثير حقاً وجدير بتفسير الكثير من خيارات الكرملين وسلوك بوتين شخصياً، في ربط السياسة الخارجية لجهة دور الجيش في مشاريع التدخل الخارجي، بالسياسة الداخلية واستدراج الالتفاف الشعبي وحشد التأييد الشعبوي. والمعطيات التي تسوقها الكاتبة حول أنماط استفادة شرائح شعبية غير قليلة من التدخل العسكري الروسي في سوريا، على أصعدة سوق العمل بادئ ذي بدء ومداخيل صناعات السلاح والخدمات الخفية ذات الطابع المافيوزي؛ تبرهن، على نحو يبدو مفاجئاً أحياناً، أنّ المكاسب الجيو ـ سياسية أو العسكرية أو الاستثمارية ليست هي أولى البواعث؛ أو الأحرى القول إنها رأس جبل الجليد، وما خفي أعظم وأشدّ إغواءً وفائدة.
ورغم أنّ غالبية استطلاعات الرأي في روسيا لا تتمتع بمصداقية منهجية وعلمية، فإنّ المؤشرات تعطي مع ذلك صورة معبّرة عن مزاج الرأي العام الروسي بصدد التدخل الروسي في سوريا: في مطلع تشرين الأوّل (أكتوبر) 2015، أي بعد أسابيع قليلة على بدء التدخل الفعلي، كانت نسبة التأييد في حدود 56٪؛ وأمّا في آذار (مارس) 2016، فقد قفزت النسبة إلى 70٪، وترافق ازدياد شعبية التدخل مع تسابق محموم على بذل الوساطات للالتحاق بالوحدات العسكرية الروسية المتوجهة إلى سوريا. ولا يخفى أنّ الحماس للجيش، أو حتى تأجيج مشاعر الكراهية للولايات المتحدة بوصفها وراء الصراع في سوريا حسب الإعلام الرسمي الروسي، أو الخشية من انتقال «الإرهاب الإسلامي» إلى الداخل الروسي مروراً من شيشنيا أو الجمهوريات الإسلامية؛ لم تكن البواعث الوحيدة المحرّكة لمشاعر الشارع الشعبي أو الشعبوي، بل كانت وحدات عسكرية وأمنية خاصة من طراز «فاغنر» ليست حكومية بالضرورة ولكنها مقرّبة من الجيش أو الكرملين، قد تحوّلت إلى أرباب عمل لتشغيل المئات والآلاف من العسكر المتقاعدين أو العاطلين عن العمل، وإرسالهم إلى سوريا.
لهذا فإنّ الفصل الذي تخصصه بورشيفسكايا لظاهرة «شركات التعاقد العسكري الخاصة» أو الـChVK في المختصرات الروسية، يساجل ضدّ الخطأ الشائع في الصحافة العالمية حول تسمية هذه المجموعات بالمرتزقة؛ لأنّ المرتزق، في تعريفها، هو ذاك الذي يقتل لقاء أجر مالي، لكنه غير معنيّ بالمضامين السياسية لممارسة مهنته هذه. مهامّ المتطوعين ضمن صفوف «فاغنر» لا تقتصر، في المقابل، على مهمة القتل وحدها بل تتعداها إلى وظائف أمنية وسياسية وعسكرية ودفاعية شتى، تخدم جميعها أغراض السياسة الخارجية الروسية، وهي استطراداً جزء لا يتجزأ من الجيش الروسي الرسمي حتى إذا كانت غير مرتبطة به إدارياً. وتعريف هذه المجموعات كما تعتمده أدبيات وزارة الدفاع الروسية يشير إلى أنها «هيكل تجاري خاصّ مسجّل رسمياً، يتألف من أخصائيين ذوي تدريب عالٍ، تشرف عليه الدولة ويعمل بما يخدم مصالح الدولة، وهذا هو الفارق الجوهري عن المفارز الكلاسيكية للمرتزقة والإرهابيين. وهذه الشركات خاصة بمعنى نسبي فقط، لأنها فعلياً تعمل لصالح الدولة، وتتبع الخطط ذاتها وتسعى إلى الأهداف نفسها المناطة بالجيوش النظامية».
وتعقد بورشيفسكايا الجزء الأوّل من كتابها لاستعراض تاريخ العلاقة بين روسيا/ الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط، ابتداءً من عهود القياصرة وما انطوت عليها من إشكاليات الهوية الروسية والإسلام والمسلمين، وصولاً إلى مناخات الحرب الباردة وغزو أفغانستان، ثمّ مقاربات أمثال يفغيني بريماكوف ونظام تعدّد الأقطاب. الفصول اللاحقة تتناول انشغال بوتين في إعادة روسيا إلى الشرق الأوسط، وإقامة محور روسي/ إيراني/ سوري، والتدخل المباشر لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، وتقلّب خيارات بوتين ضمن متغيرات القوى الداخلة على الخطّ السوري من إيران وتركيا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، والتعقيدات اللاحقة ذات الصلة بحلقات استخدام الأسلحة الكيميائية، والتفاهمات مع إدارة الريس الأمريكي السابق باراك أوباما بالمقارنة مع خَلَفه دونالد ترامب، وتشابك اقتسام الهيمنة مع إيران وتركيا…
ذلك غيض من فيض الملفات الأخرى التي تعالجها بورشيفسكايا، وخلاصتها تنتهي إلى أنّ بوتين قد ضمن لروسيا قواعد في شرق المتوسط تتيح استعراض القوّة نحو مياه الخليج الدافئة وأفريقيا؛ وهذا ما عجز القياصرة عن إنجازه. لكنّ روسيا بوتين في حال من العجز عن تحصيل إيرادات المغامرة لأنّ نفقات تدخلها في سوريا ليس لها أيّ صيرفي، إيراني مثلاً، يمكن أن يغطيها. وثمة، إلى هذا كلّه وسواه، معضلة كبرى عالقة اسمها إدلب، حيث يحتشد خارج سيطرة النظام نحو ثلاثة ملايين سوري بينهم مليون طفل، وتقيم فصائل الجهاديين المختلفة هذا الشكل أو ذاك من السيطرة والإدارة المحلية، كما تمارس تركيا نفوذها العسكري والسياسي بما يتجاوز احتواء الاكراد أو مناوشة النظام وروسيا معاً…
خاتمة بورشيفسكايا تسير هكذا: «استمدّت موسكو درساً من التجربة السوفييتية في أفغانستان، بأنها لا تستطيع التأثير لإحداث تغيير حقيقي في البلد. لذلك لم تبذل محاولة كهذه في سوريا، بل اكتفت بإلقاء قفاز التحدي في وجه الولايات المتحدة والغرب، انطلاقاً من حاجة مَرَضية لاستعراض صورتها، ولأنّ الشرق الأوسط هامّ في ذاته للدولة الروسية. والحقّ أنّ الغرب لم يعمد إلى تحدّي الموقف الروسي في سوريا، بل أعطى سوريا إلى موسكو من دون كبير قتال، ربما لأنه جزئياً أقرّ بأنّ الغرب، مثل روسيا، ليس في وسعه القيام إلا بالقليل من أجل توازن البلد أو المنطقة».
ولأنّ مشروع بوتين في سوريا بدأ استثمارياً، وهكذا يستمرّ منذ 6 سنوات؛ فإنّ شلل موسكو أمام عسر تحصيل الإيرادات لا يُبقي من أرباح المغامرة العسكرية إلا فتات الأسد نفسه، أو… عصاب وعصائب «النمر» سهيل الحسن!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي


روسيا والدفاع عن الأسد/ رضوان زيادة
حمت روسيا نظام الأسد منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات في آذار/ مارس 2011، حيث تبنت رواية الحكومة السورية الكاذبة من البداية بأن آلاف المتظاهرين السلميين كانوا عبارة عن “إرهابيين” يحملون السلاح، وقدمت الدعم الكامل لنظام الأسد في مجلس الأمن ضد أي عقوبات دولية بل رفضت حتى أي إدانة تصدر عن المجلس.

ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2011، أي بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية، استخدمت روسيا حق النقض الفيتو للمرة الأولى بالتعاون مع الصين لمنع إقرار مقترح غربي يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا ويهدد بإجراءات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. وإلى اليوم ما زالت تستخدم الفيتو لحمايته ضد أي إدانة دولية في مجلس الأمن حتى بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها روسيا الفيتو في الأزمة السورية 16 مرة.

تحول هذا الدعم إلى تدخل عسكري كامل في أيلول/ سبتمبر 2015 مكّن الأسد من السيطرة على معظم المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.

اليوم تخوض روسيا معركة على ثلاث جبهات دفاعاً عن نظام الأسد الجبهة الأولى في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والجبهة الثانية في لاهاي حيث منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حيث تكرر روسيا حملتها في الدفاع عن الأسد ضد كل تقارير المنظمة الدولية والتي تتهم الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية عشرات المرات في مناطق مختلفة من سوريا أما الجبهة الثالثة والأخيرة فهي في جنيف حيث تدافع روسيا عن الأسد في وجه الاتهامات الحقوقية التي تتهم الأسد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتقارير اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بسوريا. في الحقيقة حضور روسيا القوي في كل هذه الجبهات يدل على حجم الاستثمار السياسي والدبلوماسي القوي الذي تستثمره روسيا في الدفاع عن الأسد ومقابل ذلك تخسر من مصداقيتها مع كل حملة أو جبهة تخوضها في الدفاع عن الأسد وجرائمه.

لقد سخّرت روسيا من أجل تحقيق ذلك الكثير من الموارد المالية والسياسية والاقتصادية ومن المستحيل الكشف عن العوائد التي يمكن أن تحصل عليها روسيا من كل هذا الاستثمار، فلا سوريا تملك هذه الموارد الضرورية وبنفس الوقت تدرك روسيا أنها تخوض حربا خاسرة دفاعاً عن الأسد فلا الحملات المنظمة أجدت نفعاً، أو غيرت من صورة الأسد على المستوى الغربي. الذي حصل هو العكس تماماً، غاصت روسيا في الوحل السوري وأصبحت مسؤولة عن جرائمه التي ارتكبها في سوريا بالإضافة إلى الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية في سوريا بعد تدخلها العسكري في عام 2015.

هل تفكر روسيا إذاً بالخروج من سوريا؟

من الصعب الإجابة بنعم بالنظر إلى تكرار روسيا المغامرة ذاتها في أوكرانيا وجورجيا من قبل، وبالرغم من كل الضغوط الغربية والعقوبات الأوروبية والأميركية فإن الموقف الروسي لم يتغير أبداً أو يتزحزح، وهو يسرد قصة الدكتاتور بوتين في قصة الكرامة التي يلعبها كل الدكتاتوريين في العالم، فهم يوهمون شعوبهم أن حروبهم في الخارج من أجل كرامة بلادهم وشعوبهم وأن الضغوط الغربية التي يتعرضون لها إنما بسبب موقف “الكرامة” هذا وبسبب هذا الموقف يجب أن تُقمع حريات الرأي والتعبير والتجمع وتصادر الحريات السياسية وتسيطر شبكات الدكتاتور على الاقتصاد إنها الوصفة ذاتها التي يعيدها بوتين في مغامراته الخارجية والتي رأيناها مع كل ما سبقه من الدكتاتوريين العرب والغربيين.

وهو ما يدفعنا إلى القول إن كل شيء سيتبخر مع رحيل الدكتاتور؛ فلا سوريا مهمة للسياسة الخارجية الروسية كما يكرر بوتين، ولا الجرائم التي ارتكبها الأسد تستحق أن تدافع عنها روسيا من أجل لا شيء.

التاريخ سيصحح نفسه يوماً ما، وكل ما نرجوه الآن هو أن يكون هذا اليوم قريباً.

تلفزيون سوريا


موسكو:وجود القوات الأميركية في سوريا يخفض فعالية مكافحة الإرهابيين
قال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إن “الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا، يقلل من فعالية القتال ضد الإرهابيين”، مضيفاً أن القوات الروسية مستمرة، إلى جانب قوات النظام السوري، في غاراتها على “الجماعات الإرهابية”.
وقال غيراسيموف في تصريح أمام الملحقين العسكريين للدول الأجنبية الخميس، “لم تتخلَ الجماعات المسلحة غير الشرعية عن خططها لتوسيع مناطق نفوذها، ويسهم في ذلك الوجود العسكري غير المشروع للولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى في سوريا، ما يقلل من فعالية محاربة الجماعات الإرهابية”.
وأضاف أن “القوات الجو-فضائية الروسية تواصل إلى جانب قوات النظام السوري، غاراتها على الجماعات الإرهابية”، فيما تقدم في الوقت نفسه “المساعدة في عودة اللاجئين واستعادة البنية التحتية للحفاظ على سلامة الأراضي السورية ووحدتها”.
وتابع غيراسيموف: “في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يجري العمل مع الجانب التركي لتنفيذ الاتفاقات القائمة والحفاظ على وقف الأعمال العدائية”.
وجاء تصريح المسؤول العسكري الروسي بعد يومين على إجراء القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، مناورات عسكرية في ريف دير الزور شرقي سوريا، بمشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني.
ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن مصادر محلية الأربعاء، أن العشرات من القوات الأميركية و3 دبابات وعدداً من العربات المدرعة، شاركوا الثلاثاء في مناورات استخدمت فيها الذخيرة الحية حيث تم إطلاق النار على أهداف محددة مسبقاً. وأضافت المصادر “كما شارك في المناورات التي استمرت يوماً واحداً، عشرات من عناصر الحزب العمال الكردستاني الذين حضروا إلى ساحة المناورات بعرباتهم المدرعة”.
وأوضحت المصادر أن المناورات جرت في بادية بلدة أبو خشب القريبة من معبر بلدة الصالحية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي أحد أهم نقاط تمركز القوات الروسية والمجموعات التابعة لإيران.
وتقول الولايات المتحدة إن استمرار وجود قواتها في سوريا هدفه مكافحة تنظيم داعش. وفي أول تصريح بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بمؤتمر صحافي في 28 كانون الثاني/يناير، إن “رؤيتنا حول هدف القوات الأميركية في سوريا والعراق، هي مواصلة التعامل مع تهديد داعش”.
وتتوزع القوات الأميركية في 26 موقعاً بمحافظات دير الزور، والحسكة، والرقة، وحمص، والقامشلي، كما تمتلك 23 قاعدة عسكرية، حيث يتركز وجودها بشكل رئيس على آبار النفط. وتمثل الولايات المتحدة أكبر داعم لقوات سوريا الديمقراطية في الحملة ضد داعش في سوريا.

المدن


========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى