الناس

ماذا ينتظر اللاجئين السوريين عند العودة إلى سورية -مقالات مختارة-

—————————-

عودة اللاجئين السوريين هي شعار المرحلة/ بكر صدقي

شحن بشار الأسد، مجدداً، إلى موسكو تحت جنح الظلام للمثول أمام فلاديمير بوتين. لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هناك علاقة فيروسية بين هذا الاجتماع والحجر الصحي الذي فرضه بوتين على نفسه، في أعقابه، خشية التقاط العدوى. فقد تحدثت مصادر الكرملين الرسمية عن إصابات بالعدوى في المحيط القريب من الرئيس الروسي، ولم تشر بشكل خاص إلى الزيارة الليلية لبشار الأسد.

ليس من المعقول ألا يكون كلا الرجلين قد حصل على العدد الأقصى من جرعات اللقاح المطلوبة ضد كورونا، في الوقت الذي حصل فيه كاتب هذه السطور، العبد الفقير السوري اللاجئ في تركيا، مثلاً، على 3 جرعات! فإذا كان ثمة خشية من إصابة بوتين بالعدوى، فهذا نذير شؤم بشأن مستقبل البشرية، بأن الفيروس اللعين، بطفراته الجديدة، قادر على التغلب على جميع العقبات والتدابير واللقاحات!

لعل في هذا التشاؤم بشأن مستقبل البشرية، بسبب فيروس تافه، عزاءً للسوريين بأن بلواهم متعددة الأبعاد ليست استثناءً، بل جزء من الجحيم الذي يمضي إليه الكل بثبات.

قال وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، قبل أيام، إن الحكومة التركية تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على صيغ أو وسائل لتأمين عودة آمنة للسوريين إلى ديارهم. ونشرت صحيفة «يني شفق» الموالية للحكومة التركية خبراً بهذا الشأن، أعطت فيه عناوين لتلك الصيغ والوسائل: التوسع في بناء وحدات سكنية تكون بديلاً للخيم أو الكرفانات داخل الأراضي السورية، وتحسين شروط الحياة في المخيمات القائمة. كل ذلك في المناطق المتاخمة للحدود التركية وتسيطر عليها القوات التركية والفصائل التابعة لها.

الدول الأوروبية التي «ملّت» من تمويل المساعدات الإغاثية للسوريين لتمنعهم تركيا من الانتقال إلى أوروبا، رأت «النجاحات» التي تحققت في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بخصوص توطين النازحين من مناطق أخرى إلى الشمال، بنتيجة خطة «مناطق خفض التصعيد» في أراض نزح منها أصحابها بسبب التدخل التركي، من خلال بناء وحدات سكنية بتمويل دول خليجية وتنفيذ شركات بناء تركية، فأصبحت أقرب إلى تفهم الخطة التي قدمها الرئيس التركي قبل سنتين، في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة: منطقة آمنة (كوريدور سلام وفقاً للرطانة التركية) تبنى فيها بيوت من طابقين تحيط بها حديقة لزراعة الخضروات، لإيواء ما بين مليون ومليونين من السوريين المقيمين في تركيا بموجب نظام «الحماية المؤقتة».

يتوجه الرئيس التركي، بعد أيام، إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة مرة أخرى. قد يكون أكثر حظاً هذه المرة من المحاولة الأولى في نيل دعم لخطته المذكورة، بالنظر إلى الحركة الدبلوماسية النشطة التي شهدتها تركيا في الأسبوعين الماضيين، وانصب اهتمام الضيوف الأوروبيين فيها على موضوع إيجاد حل لصداع اللاجئين السوريين.

الحل السياسي غير ممكن، وروسيا ماضية في مساعدة بشار الأسد على السيطرة على جميع الأراضي السورية، كما نفهم مما قاله بوتين في لقائه مع بشار، وهو ما نرى تطبيقه على الأرض سواء في درعا التي عادت، بعد مقاومة، إلى سيطرة النظام، أو في إدلب التي كثف الطيران الروسي قصف مختلف مناطقها في الآونة الأخيرة. التكهنات الإعلامية «المتفائلة» بشأن زيارة بشار لموسكو، تحدثت عن احتمال ضغط روسي عليه للمضي في «العملية السياسية» أي استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف. في حين أن بوتين استهل الاجتماع بتهنئة بشار بعيد ميلاده وبانتخابه لولاية رابعة من سبع سنوات. قال بوتين: «فوزكم في هذه الانتخابات دليل على ثقة شعبكم بكم»! كما أشاد بمساهمة بشار الإيجابية في «الحوار مع خصومكم» قال! ليرد عليه ضيفه بالقول إن الدول الأخرى تضغط (على أولئك الخصوم) لإفشال العملية السياسية!

نعم هذا هو الحوار السوريالي الذي جرى، وفقاً للمصادر الرسمية الروسية. ويقيني أنه قريب مما جرى فعلاً في اللقاء المذكور. من المحتمل أن ما لم يعلن عنه هو موضوع عودة اللاجئين السوريين، بما أنه موضوع الساعة في تركيا والأردن ولبنان ودول أوروبية. وكانت منظمة العفو الدولية قد نشرت، الأسبوع الماضي، تقريراً مؤلماً عن تعرض عائدين إلى سوريا لأنواع التعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري على يد أجهزة مخابرات النظام. بوتين الذي يسمم معارضيه الفارين إلى دول أخرى، ويغتال آخرين في شوارع المدن الروسية، ليس من المتوقع طبعاً أن يطلب من الأسد التوقف عن تعذيب العائدين أو إخفائهم، بل قد يقرّعه لفشله في الحيلولة دون تسرب أخبار تلك الانتهاكات إلى منظمات حقوقية، وبالتالي إلى الإعلام. ومن جهة أخرى ليس من المستبعد أن يطلب بوتين من ضيفه التجاوب إيجاباً مع تركيا بشأن التنسيق الأمني بدلاً من تكذيب أخبار لقاء مرتقب بين قائدي الجهازين الاستخباريين التركي والأسدي في بغداد، كما شاع مؤخراً.

«بشار الأسد باق» قال ملك الأردن بعد زيارة لموسكو اجتمع فيها مع الرئيس الروسي قبل أسابيع. وهو لسان حال «المجتمع الدولي»: باقٍ ويتمدد، وعليكم القبول به أيها السوريون، وعلى من نجوا منه في بلدان الشتات أن يعودوا «طوعاً» إلى «بلدهم»!

القدس العربي

—————————-

اللعب على رغبات السوريين/ فايز سارة

تعصف باللاجئين السوريين رياح العودة إلى سوريا، ويتفاعل بعضهم مع تلك الرياح، ويحوّلها إلى نسائم ناعمة تُنعش الأرواح، وتداعب الآمال بنهاية بعض من مأساة نزوحهم ومعاناتهم، بل إن تلك النسائم تتسرب إلى أقارب اللاجئين الذين ما زالوا في سوريا على أمل عودة الآباء والأبناء والإخوة والأخوات، ولم الشمل بعد أن أعياهم شتات وتشرد طوال عشر سنوات.

رياح عودة السوريين تتوالى من منابع ثلاثة مختلفة ومتباعدة؛ أولها ما كانت أطلقته روسيا قبل سنوات حول عودة اللاجئين إلى بلدهم بوصفها خطوة في سياق حل تسعى إليه روسيا، تفتح فيه بوابة تحوُّل سياسي في الموقف من حل القضية السورية، يجعل العالم يقبل تمويل إعادة إعمار سوريا مع بقاء نظام الأسد، وقد عارض الأخير الفكرة لأن استراتيجيته في التعامل مع السوريين، تقوم على طرد وإبعاد ما استطاع منهم خارج البلاد خصوصاً المعارضين وحواضنهم الاجتماعية، التي يشكل اللاجئون قسماً كبيراً منهم، وصولاً إلى تكريس «المجتمع المتجانس» الذي قال رئيس النظام إنه يسعى إليه حلاً في سوريا، لكنه وتحت الضغط الروسي صار قابلاً للفكرة، ويردد بين وقت وآخر فكرة عودة السوريين من دون أن يتخذ أي إجراءات سياسية أو عملية، تؤكد جديته في الموضوع.

الطرف الثاني الذي يردد فكرة عودة اللاجئين، تتقدمه بلدان الجوار التي استوعبت أكبر عدد منهم، والمعنيّ بها تركيا ولبنان والأردن، حيث يقترب عددهم فيها من ستة ملايين. ورغم اختلاف ظروف وأوضاع البلدان الثلاثة وتمايزها السياسي والاقتصادي – الاجتماعي والثقافي، فقد تزايدت فيها الدعوات لعودة السوريين إلى بلادهم، بل إن الدعوات ترافقت مع نزعات عنصرية، شملت الرأي العام وجماعات سياسية، وتزايدت في الأعوام الأخيرة، ولم تكن بعض الأجهزة خاصة في لبنان بعيدة عن تلك الممارسات، رغم أن الموقف الرسمي في البلدان الثلاثة، لا يتخذ مواقف سلبية معلَنة إزاء اللاجئين، ولا يرفع شعارات عودتهم إلى بلادهم في الظروف الراهنة، لكن البلدان الثلاثة في الواقع، دفعت آلافاً سواء إلى مناطق النظام، أو إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غربي سوريا.

الطرف الثالث الذي يطلق دعوات عودة اللاجئين إلى بلادهم، تمثّله غالبية البلدان الأوروبية، التي هزّت قضية اللاجئين توافقات اتحادها الأوروبي، وفتحت حيزاً لاختلاف السياسات بين دولة وأخرى. ورغم أن بلداناً مثل ألمانيا رحّبت باللاجئين السوريين، وعدّتهم بين أفضل موجات المهاجرين إليها نتيجة انخراطهم العميق في سياسة الاندماج (لغةً وتعليماً وعملاً وضرائب)، فإنها تتابع سياسات ملتبسة سواء في إغراء لاجئين بمساعدات مقابل عودتهم إلى بلادهم، أو في تصعيب ظروف الإقامة والجنسية، وهي سياسات تقارب السياسة البريطانية رغم قلة عدد اللاجئين في الأخيرة، وقد ذهبت بعض الدول الأوروبية أبعد مما سبق، إذ رأت بعضها أن هناك مناطق آمنة تحت سيطرة نظام الأسد، وأنه ينبغي ترحيل اللاجئين إليها، وهذا موقف الدنمارك، مما دفع بلداناً أوروبية أخرى للبحث في الموضوع، وقد تتبناه في وقت لاحق سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو على مستوى كل دولة بصورة منفردة.

ومما لا شك فيه أن موجة الضخ الإعلامي في موضوع عودة اللاجئين، مترافقة مع أجواء اليأس والإحباط التي تسيطر عليهم نتيجة الضغوط، وعدم استقرارهم وسوء أحوالهم المعيشية، ووسط غياب أي أفق لحل قضيتهم، فإن بعضهم أخذ يفكر في العودة إلى سوريا، وبعضاً آخر قام بذلك فعلاً، وقد اطّلعتُ شخصياً على أكثر من عشرين حالة لأفراد وعائلات عادوا إلى مناطق سيطرة النظام عبر لبنان وإلى مناطق السيطرة التركية في شمال غربي سوريا، وفي الحالتين كانت النتائج سيئة.

ففي مناطق الشمال، كان أغلب العائدين ممن طحنتهم ظروف الحياة الصعبة في تركيا وأبرزها ظروف الإقامة والممارسات العنصرية والتنمر من قبل البعض، ومثلها مشكلات العمل والأجور وصعوبات الاندماج، وعمليات ترحيل قسري طالت الشباب، وقد وجد العائدون أنفسهم وسط بيئة من الفوضى وصعوبات العيش، تتداخل فيها السلطات وتتنازع وسط أجواء من التشدد تفرضها جماعات متطرفة تتقدمها هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها، والأهم مما سبق، أن العائدين وجدوا أنفسهم مجدداً تحت خطر الموت نتيجة الهجمات التي تتابعها قوات نظام الأسد على تلك المناطق، خصوصاً هجمات الطائرات بالبراميل المتفجرة والصواريخ.

وكانت أوضاع العائدين من لبنان أشد سوءاً من أقرانهم العائدين من تركيا من حيث أسباب العودة، خصوصاً بسبب الممارسات العنصرية وسوء الأوضاع المعيشية، إضافةً إلى ضغوط ميليشيات «حزب الله» والبعض في قوى الأمن اللبناني لدفع اللاجئين لعودة إجبارية إلى سوريا. والأكثر قسوة في مجريات العودة، كانت إجراءات وسلوكيات الحواجز الأمنية والعسكرية على الطريق، وخضوع العائدين للتفتيش والتفييش، واعتقال بعضهم على الحواجز وسوقهم إلى الفروع الأمنية، ومنع أغلب العائدين من الوصول إلى مناطق إقامتهم الأساسية وبخاصة في ريف دمشق.

ولا يقتصر السوء على ظروف العودة ومسارها، بل يمتد إلى بيئتها العامة، حيث الأوضاع في مناطق سيطرة النظام في انهيار شامل من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.

لقد دقق تقرير صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية تحت عنوان «أنت ذاهب إلى موتك» في الانتهاكات التي عانى منها اللاجئون بعد عودتهم إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، وأجملها بالقول إنهم كانوا عُرضة للاعتقال والاختفاء القسري والعنف الجنسي والتعذيب وصولاً إلى الموت تحت التعذيب.

لقد توجت منظمة العفو الدولية تقريرها بخلاصة قالت إن سوريا غير آمنة، وهي لن تكون آمنة ما دام نظام الأسد وفروعه الأمنية حاضرين. وأوصت بألا تعيد دول العالم أي لاجئ إلى سوريا. والمنظمة في تقريرها وفي خلاصاتها، لا تكشف فقط زيف الكلام وخديعته عن عودة اللاجئين إلى بلدهم في الظروف الراهنة.

الشرق الأوسط

——————————-

مخاطر عودة اللاجئين السوريين!/ اكرم البني

بين تقرير أعدّته أخيراً لجنة تحقيق أممية تابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وبين تقرير حمل عنوان “أنت ذاهب إلى حتفك” صدر منذ أيام عن منظمة العفو الدولية، ثمة توافق كبير، ولنقل تطابقاً، في تحديد الانتهاكات التي تعرض لها لاجئون سوريون قرروا العودة إلى مدنهم وقراهم، وأهمها الاعتقال والاختفاء القسري والعنف الجنسي والتعذيب الجسدي والمعنوي وصولاً إلى الموت في أقبية السجون. وخلص التقريران إلى التنبيه من استمرار التدهور المريع لحقوق الإنسان في سوريا، والتحذير من زيف الكلام والخديعة حول عودة آمنة لمن يرغب من اللاجئين، وبديهي أن يتوافق هذان التقريران مع موقف كل إنسان عانى فتك السلطة السورية وخبر ماهية بنيتها القمعية وأدرك أنها تنتمي إلى نوع السلطات الأمنية التي لا تقيم وزناً للإنسان وتستسهل الفتك به وتدمير الوطن على من فيه إن تهددت مصالحها وسطوتها وفسادها، وهو ما دلت عليه ممارساتها العنيفة منذ انطلاق ثورة السوريين وحتى اليوم.

في المقابل ثمة توافق آخر بدأ يتضح أخيراً تجاه قضية اللاجئين السوريين، أطرافه غالبية الحكومات والأنظمة المتدخلة في الشأن السوري، وعنوانه الاستهتار بالمخاطر التي تنتظر هؤلاء اللاجئين في حال عودتهم والتنصل من المسؤولية الانسانية تجاههم، والأنكى توسل شتى أساليب الضغط، الصريحة والمضمرة، لوضعهم أمام خيار وحيد هو العودة لبلادهم، لتوظيف ملفهم في خدمة أغراض ومرامٍ سياسية، ناكرين أولوية وجود ضمانات حقيقية تقي هؤلاء العائدين من الاضطهاد والاعتقال وتوفر لهم أبسط مستلزمات العيش بعد الخراب الرهيب الذي طال منازلهم ومرافق الصحة والتعليم والخدمات، بما في ذلك منع سوق فتيانهم الى حتفهم بذريعة التجنيد الإجباري، وإعادة الملكيات التي انتزعت منهم تبعاً للقانون رقم 10 السيئ الصيت.

بالتباين عن النظام الذي يبدو مصراً على موقفه التخويني وتعامله العدائي حيال اللاجئين السوريين ومجاهرته بأن لا مكان لهم أو حقوق في مشروعه لإقامة سوريا المتجانسة، فإن لموسكو أهدافاً من تحريك قضية اللاجئين، تبدأ باستثمار هذه المأساة الإنسانية لحض أنظمة الجوار على التعاون والتطبيع مع دمشق لتخفيف أعباء اللجوء إلى أراضيها وبخاصة البلدين المأزومين اقتصادياً، لبنان والأردن، مروراً بتوظيف هذا الملف لطمأنة الدول الغربية وتشجيعها كي تتراجع عن تحفظاتها للمساهمة في إعادة الاعمار، وخصوصاً تلك التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين، انتهاءً بتحويل هؤلاء الهاربين من بطش السلطة إلى واقع اجتماعي خانع وذليل يعترف بما كرسته النتائج العسكرية ومجبر على الخضوع لها.

وإذ تبدو طهران غير متحمسة ظاهرياً لعودة اللاجئين لأن بقاءهم خارج سوريا يوفر لها أماكن واسعة لتوطين من يرغب من شيعة ايران وغيرهم، لكنها خير من يعرف أن عودة لاجئين معوزين ومقهورين بلا خيارات أو ضمانات، سيشكلون تربة خصبة لتنشيط التمدد المذهبي ولتعزيز نفوذها الاجتماعي والسياسي بما في ذلك استثمارهم في دعم حليفها السوري وتمكينه من تحصيل بعض الشرعية، ما يفسر التنطح اللافت لـ”حزب الله” لمعالجة هذا الملف في لبنان، ومسارعته، متجاوزاً كالعادة دور الدولة، لحض اللاجئين على العودة، مستثمراً الاعتراض الشعبوي اللبناني على وجودهم جراء بعض التجليات السلبية لتداعيات لجوئهم في المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

أما تركيا التي استقبلت الكم الأكبر منهم، ومنحتهم شروط حياة هي الأقل سوءاً مقارنة ببلدان الجوار الأخرى، فهي البلد الأكثر حماسة لتخفيف أحمال ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ يقيمون على أراضيها، بدليل ضغطها على المجتمع الدولي لتمرير حضورها العسكري في الشمال واحتلالها لعفرين كما لشريط حدودي واسع من الأرض السورية، واعتبار هذه المناطق جميعها مناطق آمنة، يمكن لللاجئين العودة اليها والعيش فيها، وعززت ذلك بغض نظرها عن اندفاعات عنصرية يقوم بها متطرفون للتضييق على اللاجئين في بعض المدن التركية وإيذائهم وتخريب أعمالهم، كما بقرار إغلاق الحدود واتخاذ تدابير مشددة وصلت لإطلاق الرصاص وقتل بعض السوريين الهاربين من آتون العنف، منعاً من دخولهم أراضيها، ولا يغير هذه الوقائع، بل يؤكدها، أن تكون حكومة أنقرة هي الأكثر براغماتية في استغلال هذا الملف الانساني، إن لجهة توظيفه لاستجرار المزيد من المعونات الأممية وابتزاز الدول الغربية، مادياً وسياسياً، عبر تهديدها بموجات من اللاجئين إن تساهلت في إجراءات ضبط الحدود، وإن لجهة توسله لمحاصرة الوجود الكردي في شرق البلاد ولتعزيز التحاق أهم فصائل المعارضة بها.

صحيح أن المؤسسات الأممية المعنية بملف اللاجئين السوريين ضعيفة وعاجزة، بسبب هشاشة قرارات مجلس الأمن المحكوم بالفيتو الروسي، وجراء تراجع المعونات الإغاثية، وصحيح أن ثمة نهجاً سياسياً أميركياً ينشغل اليوم بهمومه الداخلية، وأوضح تجلياته الانسحاب من أفغانستان، ما يعني استمرار لامبالاته تجاه مصير اللاجئين السوريين ومستقبل بلادهم، وصحيح أن قوى اليمين الشعبوي قد نجحت في الترويج لخطابات معادية للاجئين وإثارة نوازع السكان الأصليين ضدهم باعتبارهم أساس الداء والبلاء، لكن الصحيح أيضاً أن ثمة رهانا لا يزال قائماً على الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال مؤمناً بمخاطر عودة اللاجئين السوريين في الظروف الراهنة، وتجمع دوله على التمسك بالمعايير الأممية لعودتهم، كعودة طوعية من دون إكراه، مع توفير كافة الشروط المتعلقة بأمنهم وحياتهم وشروط عيشهم.

والحال، إذا تجاوزنا المزايدات الوطنية الرخيصة، أو دعوات اليأس والاستسلام، فإن الخيار الانساني الوحيد لعودة اللاجئين إلى ديارهم هو البدء بتحقيق تغيير سياسي يتوافق مع مطالب السوريين وحقوقهم، وفق قرار مجلس الأمن 2254، يرعاه المجتمع الدولي وتحدوه ضمانات أممية واضحة، تزيل الخوف لدى غالبية السوريين من اعتداءات وملاحقات ثأرية، وتوفر الحد الانساني لجميعهم من معايير الحياة الكريمة والآمنة.

موقع لبنان الكبير

———————————

في سورية.. عودة اللاجئين شديدة الخطورة/ هيلين سالون

ترجمة بدر الدين عرودكي

في صيف 2019، لم تعد سورية تعيش على إيقاع المعارك المستمرة، بعد استعادة ثلثي البلد من قبل نظام بشار الأسد. في لبنان كانت الحياة بائسة أصلًا والمناخ ضارّ بالنسبة للاجئين السوريين. حينئذ، قرر نور (جرى تغيير الاسم الأول) العودة إلى بلده مع ابنه وابنته، من دون أن يفكر أنها ستعرّض نفسها من جديد لأهوال الحرب. عند وصوله إلى مركز الحدود في الباقية ـ تل كلخ، شمال لبنان، وبّخها الضابط السوري مع ذلك: “لماذا تركتِ سورية؟ لأنك لا تحبين بشار الأسد ولأنك لا تحبين سورية؟ أنت إرهابية… سورية ليست فندقًا تتركينه ثم تعودين إليه متى رغبتِ“. وبعد أن اتهمها بإرسال الأسلحة إلى سورية وبممارسة العهر، اغتصبها مثلما اغتصب ابنتها البالغة من العمر خمس سنوات، ثم صوّرهما عاريتين.

أدّت الحرب، وكذلك العنف، وقمع نظام الأسد إلى نزوح 3ر13 مليون سوري، منذ عام 2011، منهم 6ر6 مليون لجؤوا إلى البلدان المجاورة، وبعضهم إلى أوروبا. لكن ذلك كله لحق بأولئك الذين قرروا السير على طريق العودة. اعتقال تعسفي، تعذيب، اغتصاب وعنف جنسي، اختفاءات قسرية: في تقرير نشر يوم 7 أيلول/ سبتمبر، وثقت منظمة العفو الدولية 66 حالة من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ارتكبتها السلطات السورية بين منتصف عام 2017 وربيع عام 2021، ضد اللاجئين العائدين إلى بلدهم، منهم 13 طفلًا و15 امرأة، مثل نور وابنتها.

تعلّق ماري فورستييه (Marie Forestier)، منسقة التقرير: “تتعلق الحالات بمناطق جغرافية مختلفة، وتندرج ضمن اتجاه للإساءة لوحظت منذ بداية الصراع في سورية. خلص التقرير إلى أن ثمة خطرًا حقيقيًا في اضطهاد اللاجئين الذين يعودون إلى سورية، يرتبط برؤية السلطات لهذه الجماعة. هذا الخطر هو المعيار الذي يؤهل اللاجئين للحماية في إطار اتفاقية جنيف عام 1951، باسم الالتزام الدولي بعدم الإعادة القسرية“. تؤكد هذه الملاحظة الإنذارات المتكررة التي أطلقتها المنظمات السورية حول متابعة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل السلطات. فحسب مركز توثيق الانتهاكات في سورية، كان هناك في عامي 2020 و 2021، حوالي 82013 مدنيًا معتقلًا، و 3363 مختطفًا و 3585 مختفيًا.

“لا تعودوا”

يكشف التحقيق الذي قامت به منظمة العفو الدولية أن سلطات دمشق تغذي شبهة، إن لم يكن رغبة في الانتقام، إزاء أولئك الذين غادروا البلاد، ويُنظر إليهم بوصفهم “إرهابيين”، شأنهم شأن أعضاء المعارضة. التعذيب والمعاملات السيئة -ومنها الاغتصاب وضروب العنف الجنسي الموثق في 14 حالة- هي وسائل للإهانة وللعقاب. تجري الاعتقالات التعسفية في غمرة العودة أو بناء على استدعاء خلال الأشهر العشرة التالية للعودة. أكثر من 25 شخصًا اعتُقلوا على هذا النحو بتهمة “الإرهاب”، إما لأنهم كانوا من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وإما لأن أقاربهم كانوا موضع شك. بعضهم اعتقلوا عدة أشهر من دون إجراءات شرعية، وسبعة عشر من الأشخاص الموقوفين لم يظهروا مجدّدًا منذ اختفائهم القسري.

“قولوا للناس ألا يعودوا إلى سورية. لا تعودوا. عدتُ وندمتُ على عودتي. التصالح كذبة كبيرة“، تشهد آية (جرى تغيير الاسم الأول) التي اغتُصِبَت عند عودتها من تركيا، في عام 2017، ولم تر ثانية منذئذ ابنها الذي كان ضحية اختفاء قسري. أدى الخوف من اعتقال جديد إلى نفي 23 شخصًا من 66 حالة مدروسة. في آذار/ مارس، قدَّرت المفوضية العليا للاجئين نفسها في منظمة الأمم المتحدة أن الشروط “لا تزال غير مواتية لتنظيم عمليات واسعة لعودة آمنة وكريمة ودائمة إلى الوطن“. وفي حين أن 280000 سوري قد عادوا رسميًا بين 2016 و أيار/مايو 2021، حسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة، فإن تحقيق المفوضية العليا للاجئين كشف أن 4ر2% من اللاجئين فقط هم من ينوون العودة في السنة القادمة، بالرغم من أن 70% منهم يأمل أن يفعل ذلك يومًا ما.

هذا الواقع يقف على النقيض من التعهدات التي يقول النظام السوري إنه يريد -وكذلك حليفه الروسي- إعطاءها كي يسمح بعودة اللاجئين. هذا الخطاب المخصص لتطبيع استعادته للبلد، وللحصول على دعم الجهات الدولية المانحة من أجل إعادة الإعمار، يجد صدًى له في بعض البلدان. فلبنان الذي يعيش فيه مليون ونصف مليون لاجئ سوري في وضع شديد البؤس، ومن دون الوصول إلى الخدمات الأساسية، أعاد على هذا النحو أكثر من ستة آلاف سوري دخلوا بصورة غير مشروعة إلى البلد، وذلك بين نيسان/ أبريل 2019 ونهاية عام 2020. وحتى في إطار إجراءات العودة المنظمة من لبنان، أو من معسكر الركبان على الحدود الأردنية، اعتقل البعض عند العودة، بعد أن كانوا موضع مراقبة أمنية سبق أن قامت بها السلطات السورية.

تصلب في أوروبا

على الرغم من هذا الوضع، بدأت كوبنهاغن وستوكهولم في الاتحاد الأوروبي في إعادة النظر بنظام الحماية الممنوح للاجئين السوريين. فقد صارت الدانمارك التي استقبلت 20000 لاجئ سوري أوّل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تحدّ على هذا النحو من الوصول إلى إجازة الإقامة لطالبي اللجوء القادمين من المناطق المعتبرة آمنة، مثل دمشق ومحافظتها. وقامت بين كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو، بسحب أو عدم تجديد 402 إجازة إقامة. وقد أكدت لجنة الاستئناف من أجل اللاجئين في هذه المرحلة موقف العودة لـ 48 من بينهم.

تلاحظ منظمة العفو الدولية أيضًا تصلب شروط الوصول إلى وضع اللاجئ في بلدان أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومنها فرنسا. تشير ماري فورستييه إلى أن “القادة الأوربيين يعتبرون أنه ما دامت الأعمال العدائية في طريقها إلى الانخفاض، فإن الحرب قد انتهت. لكن العمليات الحربية ليست هي الخطر الوحيد الذي يواجهه السوريون. ذلك أن الحكومة المسؤولة عن عدد كبير من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب منذ بداية الصراع، لا تزال في مكانها على الدوام. يجب أن يكون احترام حقوق الإنسان معيارًا لدى الحكومات الأوروبية، من أجل منح وضع اللاجئ للناس الذين هربوا أو المحافظة عليه“.

عنوان المادة: En Syrie, le retour à très haut risque des réfugiés

الكاتب : Hélène Sallon

المترجم: بدرالدين عرودكي

مكان وتاريخ النشر: Le Monde, le 07 septembre 2021

رابط المقال: https://bit.ly/3tCGrkO

عدد الكلمات: 1242

مركز حرمون

——————————

تمنّيتُ الموت آنذاك”… النظام السوري يستدرج العائدين ويفتك بهم/ ميريام سويدان

الشهادات تُظهر أن النظام السوري ينظر إلى اللاجئين العائدين على أنهم غير مُخلصين لوطنهم لأنهم فرّوا من سوريا، وهو ما يعزّز نزعة العنف تجاههم ويجعلهم عرضة لأبشع أنواع الانتهاكات، وبالتالي ينسف فكرة “سوريا الآمنة”.

“نزعوا ثياب ابنتي وقيدوا يديها وعلقوها على الحائط، ثم ضربوها… كانت عارية تماماً. أدخل أحدهم قضيبه في فمها، ولما فقدت الوعي، سكبوا الماء عليها، حاولت أن أقبل أقدامهم ليكفوا عنها، فسألوني: لماذا رحلت عن سوريا؟ ماذا أحضرت معك؟… نعتوني بـ”العاهرة”، وبأنني جاسوسة لداعش، وإرهابية”.

تروي آلاء لـ”منظمة العفو الدولية” كيف ألقى ضباط المخابرات القبض عليها هي وابنتها البالغة من العمر 25 سنة، عند المعبر الحدودي أثناء عودتهما من لبنان، واحتجزوهما لمدة خمسة أيام في أحد مراكز المخابرات، بتهمة “انتقاد الرئيس الأسد في الخارج”.

آلاء وابنتها هما عيّنة من قصص العنف الجنسي التي وثقتها المنظمة الدولية في تقرير موسع. بحسب التقرير اعتدى مسؤولو أمن سوريون على عائدين من الأطفال والنساء والرجال، عند المعابر الحدودية أو داخل مراكز الاعتقال أثناء الاستجواب في يوم العودة أو بعده بقليل. وذلك بهدف “إذلالهم ومعاقبتهم على الرحيل عن البلاد”، إذ روى سامر أن أحد عناصر الأمن ضربه على خصيتيه أثناء التحقيق معه إثر عودته، وقال له: “نحن نضربك هنا كي لا تستطيع إنجاب أطفال يلحقون الضرر بوطنهم مثلما فعلت أنت”.

نور (اسم مستعار) تعرّضت أيضاً لعنف الأمن السوري عند المعبر الحدودي بين لبنان وسوريا، إذ قال لها أحدهم، “لماذا رحلت عن سوريا؟ لأنك لا تحبين بشار الأسد ولا تحبين سوريا؟ أنت إرهابية… سوريا ليست فندقاً تغادرينه وتعودين إليه متى تريدين”… ثم اغتصبها ضابط الأمن، هي وابنتها البالغة من العمر خمس سنوات.

هذه الشهادات وغيرها وردت في تقرير “منظمة العفو الدولية” الصادر في 7 أيلول/ سبتمبر 2021 تحت عنوان “أنت ذاهب إلى الموت… الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا”.

التقرير بما فيه من شهادات بالغة العنف، يُظهر أن المسؤولين السوريين ينظرون إلى اللاجئين العائدين على أنهم غير مُخلصين لوطنهم لأنهم فرّوا من سوريا، كما أن السلطات السورية تعتبر الأفراد الذين رحلوا عن البلاد من المؤيدين للمعارضة، وهو ما يعزّز نزعة العنف تجاههم ويجعلهم عرضة لأبشع أنواع الانتهاكات.

هذا الواقع يُناقض تماماً ما تروَّج له الحكومة السورية وبعض الدول عن أنهقد “آن الأوان لعودة اللاجئين”، وينسف فكرة “سوريا الآمنة”. هذا عدا أن إعادة اللاجئين في هذا الوقت تعدّ انتهاكاً للمادة 33 من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وغيرها من المواثيق الدولية التي تُحرّم على الدول نقل الأشخاص إلى أي مكان يُرجح أن يتعرضوا فيه لخطر الاضطهاد، أو غيره من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. ومن هذه الدول الدانمارك والسويد، اللتان بدأتا بإعادة النظر في الحماية الممنوحة للأشخاص الفارين من سوريا، وذلك استناداً إلى تقييمهما للأوضاع، إذ تريان أن هناك مناطق في سوريا، مثل دمشق وريف دمشق، صارت آمنة باعتبار أن العنف العشوائي الناجم عن العمليات العسكرية العدائية تقلّص.

أما في لبنان، فاعتمدت الحكومة في تموز/ يوليو 2020 خطة تتضمّن إطاراً لتنظيم عودة اللاجئين السوريين، وعلى رغم أن هذه الخطة لم توضع موضع التنفيذ بعد، فقد عمدت السلطات اللبنانية إلى ترحيل أكثر من 6000 مواطن سوري إلى سوريا، بناء على قرار رسمي صادر عام 2019 يقضي بإعادة المواطنين السوريين الذين دخلوا البلاد بصورة “غير قانونية” خلال الفترة بين منتصف عام 2019 وأواخر عام 2020، فيما أدّت التدابير الإدارية المقيدة والإجراءات الصارمة ضد اللاجئين في تركيا إلى تصعيد الضغوط على اللاجئين لحملهم على العودة.

“أنتَ ذاهب إلى الموت”…

“لم أقدر على تحمّل المزيد، لمت نفسي على العودة، نصحني الناس في لبنان بألا أعود، قالوا لي: أنت ذاهب إلى الموت… لم أصدقهم لأنها (سوريا) بلدي”… يقول كريم، الشاب السوري الذي تعرّض للاعتقال والتعذيب 6 أشهر بعد عودته من لبنان إلى سوريا.

تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نسبة صغيرة من العدد الإجمالي للاجئين قد عادت إلى سوريا، إذ سجّلت المنظمة عودة حوالى 280 ألف سورياً بين عام 2016 ومنتصف عام 2021، وإن كان من المرجّح أن يكون الرقم الحقيقي، بما في ذلك العائدون عبر طرق غير رسمية، أعلى من ذلك.

نهج نظام الأسد لا يزال قائماً.

من خلال تحقيقاتها، وثقت “منظمة العفو الدولية” 66 حالة لأفراد تعرضوا لانتهاكات جسيمة لدى عودتهم إلى سوريا، ويتألف هؤلاء من 13 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أسابيع و17 عاماً، و15 امرأة، و38 رجلاً.

كان من بين المعتقلين ماهر الذي عاد من لبنان في مطلع عام 2018، وقال إن “عملاء المخابرات اعتقلوه لمدة شهرين ونصف الشهر، واستجوبوه 15 مرة، وكانوا ناقمين عليه بسبب موطنه الأصلي في سوريا”. إذ قالوا له وفقاً لما رواه لـ”آمنستي”، “أنت من جنوب حلب، أنت إرهابي”.

الاعتقال التعسفي شمل 59 من بين العائدين الـ66 الذين تعرضوا لانتهاكات بعد عودتهم من الخارج، وبينهم سيدتان حاملتان وتسعة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث أسابيع و16 سنة، سبعة منهم لا يتجاوز عمرهم أربع سنوات. في إشارة إلى أن السلطات السورية تتخذ الاحتجاز كوسيلة للابتزاز، فمن الشائع أن تضطر عائلات المعتقلين إلى دفع أموال من أجل الحصول على معلومات أو تأمين الإفراج عن أقاربهم المحتجزين. إذ قال أشخاص ممن تواصلت معهم المنظمة إنهم “دفعوا مبالغ تتراوح قيمتها بين 1200 و27000 دولار أميركي.

“ظنت عائلتي أنني مُتّ، وشيعوا جنازتي”… الإخفاء القسري وسيلة أيضاً

“صعقوني بالكهرباء بين عيني، شعرت وكأن دماغي بأكمله يرتجف، كنت أغيب عن الوعي أحياناً… وفي نهاية المطاف، لم أعد قادراً على تحمل جسمي، انخلع كتفي من مفصله، سلطوا الكهرباء على رأسي، تمنيت الموت آنذاك”. يقول اسماعيل، الذي أُلقي القبض عليه بعد يومين من عودته من لبنان واحتُجز لمدة 3 شهور ونصف الشهر، في شهادةٍ أخرى حصلت عليها “آمنستي”.

الضرب العنيف أيضاً هو إحدى وسائل الأمن السوري المعتمدة، وذلك باستخدام أدواتٍ كالقضبان المعدنية والكابلات الكهربائية، الأنابيب البلاستيكية، وجنزير دبابة في إحدى الحالات. وذلك غالباً بهدف انتزاع “اعترافات” بالإكراه على ارتكاب جرائم مزعومة من العائدين، أو لمعاقبتهم، أو بدعوى معارضتهم للحكومة.

ليس هذا وحسب، الإخفاء القسري هو نهج لا يزال قائماً لدى النظام السوري.

“ظنت عائلتي أنني مُتّ، وشيعوا جنازتي”، يقول سامر (اسم مستعار) الذي أخفته قوات المخابرات العسكرية قسراً لمدة 9 شهور إثر عودته من مخيم الركبان في الأردن. كما وثقت “منظمة العفو الدولية” 27 من حالات الإخفاء القسري، من بينها 4 أطفال، اختفوا بعد اعتقالهم.

ما ورد في تقرير “العفو” يُظهر أن نهج نظام الأسد لا يزال قائماً ويرتكب طائفة واسعة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد السوريين، خصوصاً تجاه العائدين الذين يعدّهم “خائنين” ويضعهم في خانة خصومه السياسيين منذ بدء الصراع.

تقرير “العفو” الدولية يؤكّد أن ادعاءات الأمان في دمشق وضواحيها كاذبة والعودة إليها خطر، إذ إن ثلث الحالات الموثّقة في تقرير المنظمة ينطوي على انتهاكات وقعت في دمشق.

“قولوا للناس لا تعودوا إلى سوريا، لا تعودوا إلى بلدكم، لقد عدت إلى بلدي وأنا نادمة على ذلك، المصالحة أكذوبة كبيرة…”، تقول آية التي اغتصبها ضُبّاط المخابرات بعد عودتها من لبنان إلى “بلدها” سوريا.

درج

————————————

ذاهب إلى موتك”… لاجئون يتعرضون للتعذيب والاغتصاب والإخفاء بعد عودتهم إلى سورية

ندّدت منظمة “العفو” الدولية، الثلاثاء، بتعرّض العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سورية لأشكال عدة من الانتهاكات على أيدي قوات الأمن، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب، وحتى الاغتصاب.

وناشدت المنظمة، في تقرير جديد بعنوان “أنت ذاهب إلى موتك”، الدول الغربية التي تستضيف لاجئين سوريين ألّا تفرض عليهم العودة “القسرية” إلى بلدهم، منبّهة إلى أنّ سورية ليست مكاناً آمناً لترحيل اللاجئين إليها.

ووثقت المنظمة “انتهاكات مروّعة” ارتكبتها قوات الأمن السورية بحق 66 لاجئاً، بينهم 13 طفلاً عادوا إلى سورية منذ عام 2017 حتى ربيع العام الحالي، من دول عدة أبرزها لبنان وفرنسا وألمانيا وتركيا ومخيم الركبان عند الحدود السورية ــ الأردنية.

وقالت إنّ أجهزة الأمن “أخضعت نساءً وأطفالاً ورجالاً… لاعتقال غير قانوني وتعسفي، وللتعذيب وسواه من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي والإخفاء القسري”.

ومن بين الحالات التي وثّقتها، أحصت المنظمة وفاة خمسة أشخاص خلال احتجازهم، فيما لا يزال مصير 17 شخصاً من المخفيين قسراً مجهولاً.

ووثّقت “14 حالة من العنف الجنسي ارتكبتها قوات الأمن، ضمنها سبع حالات اغتصاب لخمس نساء ومراهق وطفلة في الخامسة من عمرها”.

ونقل التقرير عن نور، والدة الطفلة المذكورة، أنها تعرضت وابنتها لاغتصاب من قبل ضابط في غرفة صغيرة مخصّصة للاستجواب عند الجانب السوري من الحدود اللبنانية السورية. ونقلت عن الضابط قوله لها: “سورية ليست فندقاً يمكنك أن تغادريه وتعودي إليه متى أردتِ”.

ووثّق التقرير تجربة آلاء، التي احتُجزت في فرع للمخابرات لخمسة أيام مع ابنتها (25 عاماً) بعد توقيفهما عند الحدود لدى عودتهما من لبنان.

وقالت آلاء: “قلعوا ثياب ابنتي، ووضعوا أصفاداً في يديها وعلّقوها على الحائط، وضربوها فيما كانت عارية تماماً.. ووضع أحدهم عضوه الذكري في فمها”.

واتهم رجال الأمن آلاء وابنتها بـ”الحديث ضد (الرئيس السوري بشار) الأسد في الخارج”.

ومن بين الاتهامات التي توجه إلى العائدين، بحسب التقرير، “الخيانة أو دعم الإرهاب”، وفي بعض الحالات استُهدِف العائدون لمجرد وجودهم سابقاً في مناطق تحت سيطرة فصائل معارضة.

وفيما تمارس دول عدّة ضغوطاً متصاعدة لترحيل لاجئين سوريين إلى بلدهم، أبرزها الدنمارك والسويد وتركيا، نبّهت العفو الدولية إلى أنّ “أي حكومة تدعي أن سورية باتت الآن آمنة هو تجاهل متعمّد للحقيقة المروعة على الأرض”.

وقالت ماري فوريستيه، الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة: “قد تكون الأعمال العدائية العسكرية قد انحسرت، لكن ميل الحكومة السورية إلى ارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان لم يتوقف”.

وروى كريم الذي اعتُقِل لستة أشهر ونصف بعد أربعة أيام على عودته من لبنان إلى قريته في وسط سورية، أن رجال الأمن قالوا له إنه “إرهابي” لكونه يتحدر من قرية معروفة بقربها من المعارضة.

وجراء التعذيب الذي تعرض له، تضررت أعصاب يده اليمنى، ولم يعد قادراً على استخدامها.

وقال كريم: “بعد إطلاق سراحي، لم أتمكن من رؤية أي زائر لخمسة أشهر، كنت خائفاً للغاية من التحدث لأيٍّ كان”، وأضاف: “راودتني كوابيس وهلوسات”.

وسبّب قمع النظام السوري للاحتجاجات ضده، منذ اندلاعها في مارس/آذار 2011، بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6,6 ملايين لاجئ، فروا أساساً إلى الدول المجاورة.

(فرانس برس، العربي الجديد)

——————————–

تقرير صادم لـ«العفو الدولية»: تعذيب واغتصاب وإخفاء قسري للاجئين سوريين أجبروا على العودة إلى بلدهم/  هبة محمد

“أنت ذاهب إلى موتك” بهذا العنوان الصادم أصدرت “منظمة العفو الدولية” تقريراً حقوقياً، الثلاثاء، تحدثت فيه عن انتهاكات بحق اللاجئين السوريين الذين تُفرض عليهم العودة القسرية إلى سوريا، داعية الحكومات إلى عدم إجبار السوريين على العودة.

وشملت الانتهاكات الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب، معتبرة أن سوريا ليست مكاناً آمناً ليرحل اللاجئون إليها.

ووثق التقرير 66 حالة كعينة صغيرة من العائدين إلى سوريا، مشيراً إلى وفاة 5 أشخاص منهم خلال احتجاز أفرع النظام السوري، فيما لا يزال مصير 17 شخصاً من المخفيين قسرياً مجهولاً. كما وثق التقرير 14 حالة من العنف الجنسي ارتكبتها قوات الأمن، من ضمنها 7 حالات اغتصاب لـ5 نساء ومراهق وطفلة بعمر 5 سنوات، حسب تقرير المنظمة.

مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني قال لـ”القدس العربي” “تطلّب منا إعداد هذا التقرير الذي شاركنا في العمل بكل مراحله مع منظمة العفو الدولية، أشهراً عدة، وأجرينا اجتماعات مشتركة، وبوجود شهود من اللاجئين ممن تحدثوا عن انتهاكات ضخمة جداً وتتجسد بشكل أساسي بسياسة النظام المتوحشة ضد اللاجئين، الذين عادوا إلى سوريا وتعرضوا لعمليات اعتقال تعسفي واتهامات كما تعرضوا لعنف جنسي وتحرش وابتزاز وللتعذيب والتهديد.

وقال عبد الغني “التقرير أخذ عينة، لكن الملفت للانتباه وجود 13 طفلاً أعمارهم بين 3 أسابيع و17 سنة، إضافة إلى 15 امرأة”، لافتاً إلى أن ما يثير أكثر هو أن عدد الأطفال والنساء هو نصف العينة التي تضم 66 شخصاً يتحدث عنهم التقرير، بعد توثيق حالتهم، بمعنى أن النظام لا يميز، وهذا يعني أنه حتى لو عادت امرأة إلى سوريا سيخضعها النظام السوري إلى السياسات نفسها “.

القدس العربي

——————————-

——————————

سوريا: هل حقاً عاد اللاجئون فرحين؟/ نزار علي بدر

بعد جهد استمر شهوراً، نجح “أبو عدنان” بتأمين التصاريح اللازمة من الأجهزة الأمنية لعودته إلى بلدته “مسرابا”، القريبة من مدينة حرستا بريف دمشق. حلمٌ لاحقه منذ غادر منزله إثر اشتداد المعارك حوله، مجبَراً على الرحيل إلى مدينة اللاذقية الساحلية صيف العام 2014.

اختيار الرجل الخمسيني وعائلته المكونة من شابين وصبيتين، مدينة اللاذقية، كان دافعه الأساسي، كما يقول، وجود قريب له في حي “قنينص” الشعبي (وسط المدينة) الذي ساعده في استئجار بيت وفتح محل لإصلاح كهرباء السيارات – مهنة أبو عدنان الأساسية – وهو ما فضّله الرجل بدلاً من “الشنططة” في دول الجوار أو مخيمات اللاجئين فيها.

“لم يكن خياراً إجبارياً لنا، فبعد ما يقرب من ثلاثة شهور في التنقل بين منطقة وأخرى قرب دمشق، وفي ظل التدفق الهائل للناس من منطقتنا وغيرها باتجاه لبنان والأردن، قررنا كعائلة الانتقال إلى اللاذقية. فالحياة هناك ممكنة بعيداً عن التوتر والمظاهرات والمشاكل”. يقول الرجل: “عوامل أخرى منعتني من التفكير بالخروج من البلد. ففي العام 2013 اعتقل ابني الأكبر وسيق إلى الخدمة العسكرية، إبن عمي انشق عن الجيش الحكومي والتحق بـ”جيش الرحمن”، أخي الأكبر غادر سوريا إلى لبنان وإلى اليوم لم يعد”.

وبفضل سمعة مهنيي مناطق ريف دمشق المعروفة سورياً في قطاع السيارات وإصلاحها، لم يعان الرجل من مشاكل اقتصادية أثناء إقامته في اللاذقية، فقد كان محله محط إقبال بسبب اسمه المعروف، فأصحاب المهن الصناعية القادمين من الداخل ساهموا في رفع سوية نظرائهم الساحليين عبر تدريبهم والعمل معهم، عدا عن أن موقف الرجل السياسي بقي ضمن الحدود التي هرب إليها كل من لجأ من مناطق المعارضة إلى المناطق المؤيدة، فكانت عبارة “الله يطفيها بنورو أحسن شي” محل إجماع يتفادى الجدل فيما جرى ويجري في البلاد متمنيين لها أن “تعود” أو “تصبح” أفضل مما كانت عليه، خاصة بعد تحول الوضع القائم إلى صراع عبثي دولي لا دخل لغالبية الناس فيه.

حالة أبو عدنان تكاد تكون نموذجاً منتشراً لسوريين اختاروا البقاء داخل البلاد. أشخاص لا يقتربون من عالم السياسة بمعناها الحياتي، وهو إذ يعود اليوم إلى “مِسرابا” ويعيد تأسيس حياته من جديد، فإنه يشبه سوريين آخرين بدأوا بالعودة إلى مناطقهم محمَّلين بإرث علاقات جديدة مع سوريين آخرين، مختلفين عنهم في السياسة كما في الانتماء المناطقي وربما المذهبي، ومتفقين معهم في أنهم أجزاء من مجموع لم يكن يريد من الحياة غير عيشها بكرامة.

يعترف أبو عدنان أن قرار عودته جاء بعد أن هدأت الأحوال في منطقته، وعادت “الدولة” بتعبيره إلى هناك، على الرغم من التحفظات الكثيرة التي ما زالت تحيط بالحياة في تلك المناطق، ومن صعوبات في الكهرباء والماء ومن حواجز تفتيش على “الطالعة والنازلة”. يقول الرجل: “بعد دخول الجيش مناطقنا وخروج الناس إلى مراكز الإقامة المؤقتة، كان لدي أختين في مركز “حرجلة” (قرب العاصمة)، تمكنت من إخراجهما من هناك إلى بيت العائلة في داريا”، كذلك تمكنت من تأمين إخراج “عدنان” ـ ابني الأكبر – بعد اختفاءه في الرقة لعامين ـ وإيصاله إلى ألمانيا سالماً ليتابع دراسته”.

كان الشوام، وهم بالأصل الأقل عدداً بين من نزح الى الساحل، آخر من بدأ بالعودة إلى مدنهم وقراهم بعد انتهاء المعارك المسلحة في الغوطة العام الماضي. يلاحظ غياب واضح لأسماء الماركات الشامية الشعبية للأكل أو للباس أو لغير ذلك خلافاً للحلبية الذين وطّن جزء منهم أعماله الصغيرة في الساحل. وإلى جانب أبو عدنان فقد عاد آخرون من القلة القليلة التي سكنت مراكز الإيواء هنا وغالبية مقيميها كانوا من الطبقات الاجتماعية الأفقر، كما هو حال أهل الريف الأقرب إلى البادية الدمشقية.

إفراغ مراكز الإيواء بالإجبار

قبل أن تعلن روسيا رسمياً إطلاق مبادرتها لإعادة اللاجئين السوريين ممن هم خارج البلاد منتصف تموز/ يوليو 2017 عبر خطة لوزارة الدفاع، كانت السلطات السورية تدفع باللاجئين في الداخل إلى العودة إلى مراكز سكنهم أياً كان وضع هذه المناطق. في الساحل بدأ تفكيك مخيم المدينة الرياضية (جوار مدينة اللاذقية ويبعد أقل من 2كم، أنشئ عام 2013، وسعته قرابة ستة آلاف شخص) فتم ترحيل العائلات الحلبية التي قطنت المكان حتى العام 2017. وإلى جوار هذا تمّ بأوامر رسمية تفكيك جميع مخيمات المدينة وريفها التي تشمل أكثر من 95 في المئة من قاطني مراكز إيواء الخيم والمدارس والتجمعات الأخرى، وآخر هذه التجمعات التي فككت كان مركز “الجنديرية” الذي كان يضم حوالي مئتي عائلة.

لا يعرف اللاجئون ماذا جرى بالضبط. يقول السيد محمد أبظلي (54 عاماً من حلب، مزارع من خان العسل): “تلقينا إنذاراً بالإخلاء بحجة أن إدارة المدينة تريد المكان وتريد إقامة مهرجان المحبة من جديد، إلا أن المهرجان لم يقم بعد عامين من مغادرتنا”، والأهم: “علينا مغادرة اللاذقية لأنه غير مسموح لنا البقاء فيها إلى حلب التي “تحررت من الإرهاب” وصار ممكنا لنا العودة”.

وفي الوقت الذي تقول فيه السلطات السورية أنها أقامت عدداً من نقاط استقبال لاجئين من خارج البلاد في اللاذقية، فإنها تستمر في إجبار اللاجئين في الداخل على العودة إلى مناطقهم الأصلية، ويقدر عدد هؤلاء بحوالي ثلاثة ملايين أُعيد منهم قرابة مليون شخص باتجاه محافظاتهم (حلب وحمص ودمشق بشكل رئيسي)، في حين أن جزءاً من هؤلاء بقي في مناطقه الجديدة كحال أهالي الرقة المقيمين في الساحل واللاذقية تحديداً، حيث لم يعد منهم سوى قلة قليلة جداً.

تحتل حلب المرتبة الأولى في عدد المهجرين داخلاً إلى الساحل، وقد أُعيد معظمهم إليها. وقبل أقل من شهرين، تم إخلاء آخر موقع في منطقة البسيط (“شاليهات العمال”) من نازحيها الحلبيين المقدر عددهم بحوالي 2500 شخص، إثر صدور قرار من قبل نقابة العمال بضرورة إخلائها بشكل طوعي. وبعد معركة وإطلاق نار مع الشرطة وفقاً لإحدى الشبكات الموالية للنظام، فقد تمّ الإخلاء دون وقوع ضحايا، وقد عاد بعض هذه العائلات إلى حلب فيما فضل آخرون الاستئجار في مناطق أخرى ضمن اللاذقية.

في دمشق – كنموذج آخر – كان عدد المراكز الموجودة رسمياً 21 مركزاً، غالبية المهجرين من مناطق ريف العاصمة، سُمح لهم بالخروج منها والعودة إلى مناطقهم على دفعات عبر قوائم تم إعدادها بين المجلس المحلي للبلدات وإدارات مراكز الإيواء والجهات الأمنية. وإلى اليوم، ما تزال الأعداد التي عادت إلى مناطقها من مراكز الإيواء تحديداً خاضعة لهذه الرقابة الثلاثية. وآخذين بالاعتبار أن شروط الحياة في المراكز هي اليوم في حدها الأدنى في ظل انكفاء كثير من الجمعيات عن العمل ضمنها، ومعها وانكفاء مماثل للجهات الرسمية، وتقلص كبير في حجم ونوعية الخدمات المقدمة، فإن الخروج من هذه المراكز أصبح هماً يتفوق على همَّ تأمين العيش والأكل والشرب. من هنا، ربما يمكن فهم التناقص كبير العدد في قاطني هذه المراكز، وفي إغلاق عدد منها زاد عن نصفها.

في طرطوس، الساحلية أيضاً، تم إغلاق جميع المخيمات ما عدا “مخيم الطلائع” (جنوب المحافظة)، وهو تُرك لمزيد من الاستعراض الإعلامي، دون إنكار جهود المجتمع المحلي الذي غالباً بفضله بقي سكان هذا المخيم على قيد الحياة. حالياً وكما كان سابقاً من غير المسموح لأحد من خارج المخيم الدخول إليه وفقاً لأحد الناشطين العاملين في المخيم سابقاً.

داخلياً أيضاً، يبقى مخيم الركبان الواقع بالقرب من المثلث الحدودي مع العراق والأردن وبالقرب من مواقع للقوات الأميركية في التنف، آخر المخيمات الكبيرة في البلاد، والاهتمام الروسي به لا يقف عند حدود النزعة الإنسانية (إعلامياً) بل يتعداها إلى رغبة معلنة – ومبطنة في نفس الوقت – باتجاه سحب ملف اللاجئين من دول الجوار ما أمكن ودفعهم للعودة (بالظاهر لوحدهم) إلى مناطق سكناهم بغض النظر عن صلاحية هذه المناطق للعيش، بالطبع يرافق هذه الرغبة اشتغال حكومي سوري (إعلامي) بأن هذا الملف هو رأس اهتمامات الحكومة. قبل أيام شن السفير السوري في الأردن هجوماً ليس بريئاَ على الحكومة الأردنية التي قدمت للسوريين (تصاريح للعمل) في البلاد كعمال زراعيين بالدرجة الأولى.

الإجبار على العودة من الخارج

على الجوانب الأخرى من الحدود، استفاق الجميع، فجأةً، على أنهم لم يعودوا قادرين على استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين، ويجب على هؤلاء العودة إلى ديارهم. وهذا الموقف لم يكن نتاج تغيرات أصابت الحال السورية بقدر ما كان تنفيذاً لأجندة دولية – هي الأخرى – نابعة من مصالح الدول التي طرحتها (روسيا وتركيا بشكل أساسي كدول فاعلة، ثم الدول المضيفة التي وجدت نفسها أمام ضعف التمويل الذي كان يصل منه حده الأدنى إلى اللاجئين).

عودة المهجّرين السوريين الذين خرج معظمهم بشكل قسري من البلاد، تقوم اليوم أيضاً على قسرهم على العودة من مختلف مناطق الجوار السوري، وحتى من أوروبا وألمانيا تحديداً، التي يجري تداول إعلامي فيها عن نية لتغيير السياسات الموجهة للاجئين، كما يقع تقليص كبير للدعم المقدم لهم من الجهات الدولية والمحلية. في لبنان – كنموذج – فحتى المسجلين رسمياً في قوائم الأمم المتحدة لم يعترف بهم كذلك، وأجبر قسم منهم على تفكيك خيم إقامتهم تحت الضغط والإكراه، أو عبر مطالبتهم بعدم دفع بدلات إقامة الخيم (200 دولار). ولم يقم لبنان بأي ترحيل “رسمي” للاجئين السوريين، وما يحدث هناك هو تضييق متسع النطاق يوماً إثر آخر.

تركيا هي الأخرى، وبعد أن طرحت مشاريع عديدة لتجنيس بعض اللاجئين السوريين في صراعها مع الأكراد جنوباً من جهة، ولتأمين أصوات انتخابية لأردوغان من جهة ثانية، ولإمكانية استخدام هذه الورقة بما يتعلق بموضوع الشمال السوري ومن جهة ثالثة، وهي الأهم – وهو ما يحدث حالياً من إعادة لجزء من هؤلاء اللاجئين إلى مناطق الشمال وهم يحملون جنسية مزدوجة في الغالب- كما تقوم تركيا كذلك بفتح فروع لجامعاتها ومؤسساتها مع عودة اللاجئين إلى مناطقهم .

خلاصات أولية

ما تزال قضية اللاجئين، كما انطلقت بالأصل، محلاً للمبارزة السياسية بين الجميع، ولا يفكَّر بتناولها أو تصعيدها إلا في محلات الاستفادة السياسية أو الاقتصادية، في حين يبقى اللاجئون دون حول ولا قوة. وفي ظل انشغال المعارضة والنظام وأنصارهم الدوليين بتحقيق مكاسب على الأرض، وفي غياب كيان جامع لهؤلاء اللاجئين يهتم بشؤونهم ويتبنى قضيتهم كقضية إنسانية – ويمنع استغلالها والمبازرة فيها، فإن سياسات الأطراف المرتبطة ستستمر بمزيد من الضغط عليهم وإعادتهم غالباً بالإجبار الناعم (أو القسري أحياناً)، ليشهدوا بذلك ترحيلاً جديداً من حيث تموضعوا بصعوبة، دون نسيان أن النسيان يلف قضيتهم بعد عودتهم إلى مناطقهم.

السفير العربي

—————————–

الأسد يبتز اللاجئين:بدل مالي لالغاء”العسكرية”أو مصادرة الاملاك

قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن السوريين في الخارج يتعرضون لابتزاز مالي من قبل النظام السوري، مشيرة إلى أن الأخير يضع اللاجئين أمام خيارين: إما دفع مبلغ مالي من أجل إلغاء الخدمة العسكرية عليهم، أو مصادرة أملاكهم.

وروى تقرير الصحيفة، وهو عمل مشترك بين مؤسسة وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية (سراج) ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، تجربة يوسف، وهو سوري يبلغ من العمر 32 عاماً يعيش في السويد. وأشار التقرير إلى أن يوسف، وجد نفسه أمام خيارات مستحيلة وهي: إما الانضمام إلى “جيش الحكومة التي جعلته لاجئاً، أو المخاطرة بفقدان عائلته منزلها في سوريا”.

ولفت إلى أن الخدمة العسكرية إلزامية للرجال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاماً، مضيفاً أن السوريين شعروا بقلق متزايد من تبعات “تهربهم” من الخدمة في شباط/فبراير، بعد أن أعلن مسؤول عسكري عبر “فيسبوك” عن قانون جديد سيسمح للسلطات السورية بمصادرة ممتلكات “المتهربين من الخدمة” وعائلاتهم.

بعد الاعلان، اتجه يوسف مباشرة إلى السفارة السورية في ستوكهولم مع مبلغ 8 آلاف دولار نقداً، لدفع رسوم سحب اسمه من قوائم التجنيد الإجباري. ونقل التقرير عن يوسف قوله: “سيستخدم النظام السوري هذه الأموال لشراء أسلحة وقتل المزيد من الناس”.

بدوره، قال غيان، الذي يعمل في بيت لرعاية المسنين في فرانكفورت بألمانيا، إنه لا يمانع من دفع المال “لحماية ممتلكات العائلة في سوريا ومنع مصادرتها”. من جانبه، امتنع عبد الله جعفر، يعيش منذ 8 أعوام في مدينة غوتنبرغ السويدية، عن دفع رسوم الإعفاء من الخدمة العسكرية لأنها “نوع من الابتزاز”، وقال: “لدي المبلغ كاملاً ولن أدفعه لأن هذه الحكومة غير شرعية”.

وأشار التقرير إلى أن العديد من الدراسات أظهرت أن مسألة التجنيد الإجباري كانت سبباً رئيسياً لخوف العديد من اللاجئين من العودة إلى سوريا، لافتاً إلى أن “حكومة النظام السوري تمكنت من تحويل هذا القلق إلى إيرادات، بجمع عملات أجنبية من حوالى مليون سوري في أوروبا، بهدف دعم ميزانيتها المتعثرة بعد العقوبات الأميركية”.

ونقل التقرير عن باحثين ومسؤول في المطار ودبلوماسي سابق، إنهم يشتبهون في أن الأموال ترسل إلى سوريا عبر حقائب دبلوماسية، مشيراً إلى أن ذلك يعد انتهاكاً لاتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية والتي تنص على أن “الطرود التي تشكل الحقيبة الدبلوماسية يمكن أن تحتوي فقط على وثائق دبلوماسية أو مواد مخصصة للاستخدام الرسمي”.

وقال أرميناك توكماجيان، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن “النقص في العملات الأجنبية أصبح مشكلة حادة، خصوصاً بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ”. وأضاف “يحتاج النظام إلى العملة الأجنبية. وكلما زاد عددها، كلما طالت مدة بقائه”.

بدوره، أشار موظف في السفارة السورية في ستوكهولم إلى أن “هناك زيادة ملحوظة” منذ بداية 2021 في عدد الذين تقدموا بطلبات الإعفاء من الخدمة، وقال إنه “في بعض الأيام، كان يأتي إلينا 10 أشخاص وفي أيام أخرى كان يصل الرقم إلى 50”. وفي حال كان ذلك دقيقاً، “فهذا يعني أن السفارة كانت تتلقى ما يصل إلى 400 ألف دولار نقداً في بعض الأيام”، بحسب التقرير.

وأضاف التقرير أن “حكومة النظام اتجهت مؤخراً بشكل متزايد إلى الشتات لملء خزائنها، وأصبحت تكلفة جواز السفر السوري من الأغلى في العالم، إذ بلغ سعر الجواز الجديد حوالي 220 جنيها إسترلينيا، و600 جنيه إسترليني للحصول عليه بسرعة”.

ويُتوقع زيادة الموارد من رسوم الإعفاء العسكري في عام 2021 إلى 240 مليار ليرة سورية (140 مليون جنيه استرليني) بزيادة 70 مليار ليرة سورية عن عام 2020، بحسب أرقام الجريدة الرسمية السورية.

——————————-

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى