سياسة

مقالات مختارة تناولت تطورات الموقف الأميركي من الوضع في سورية وتأثير مفاوضات فيينا الجارية

———————————————-

واشنطن – موسكو .. من الانخراط إلى الاحتواء/ علي العبدالله

مرّت العلاقات الأميركية الروسية بلحظات توافقٍ قصيرة، وبفترات خلاف مديدة على خلفية تمدد حلف شمال الأطلسي (ناتو) نحو الحدود الغربية لروسيا، ونشر أجزاء من الدرع الصاروخية الأميركية على أراضي رومانيا وتشيكيا وتركيا، وأجزاء أخرى محمولة على ناقلات متحرّكة بمحاذاة الحدود الروسية.

شهدت العلاقات بين الدولتين بُعيد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكّكه شهر عسل قصيرًا بانخراط الولايات المتحدة مع النظام الجديد الذي أسسه الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، ودعمته سياسيا، حيث اعتبرته الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي، بما له من حقوق وعليه من التزامات، خصوصا لجهة انفراده بوراثة الترسانة النووية السوفييتية الضخمة، 6500 رأس نووي، وتشجيعه على التحوّل نحو الليبرالية واقتصاد السوق وتقديم خبرات إدارية ولوجستية لدفع عملية التحوّل.

لم تستمر لحظة التوافق طويلا في ضوء بدء تحولات جيوسياسية عاصفة، شهدتها دول أوروبا الشرقية التي أعلنت انحيازها للنموذج الغربي وتوجهها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والالتحاق بحلف شمال الأطلسي، وتوجه دول “الاتحاد” و”الحلف” إلى الاستجابة لهذه الرغبات، بإيجاد صيغة وسيطة تحت اسم “الشراكة من أجل السلام”، مهدت لانضمام 11 دولة من أوروبا الشرقية لـ “الاتحاد” و”الحلف”، واقتراب “الناتو”، مستغلاً ضعف روسيا وارتباكها ودخولها في حالة انعدام وزن خلال أيام يلتسين الأخيرة في الحكم، من الحدود الروسية أكثر فأكثر؛ في تحوّل واضح من سياسة الانخراط إلى سياسة الاحتواء.

اعتبرت روسيا أن صيغة “الشراكة من أجل السلام” خدعة لتوسيع ساحة عمل “الناتو” وتطويقها عبر نقل بنية “الحلف” التحتية، القوات والقواعد والأسلحة النووية، إلى مواقع جديدة أكثر قربا من الأراضي الروسية. وهذا دفعها إلى رفض الصيغة، وإلى تبنّي استراتيجية مواجهة أساسها نزوع قومي روسي، هدفه إعادة الاعتبار لروسيا والثأر من مرحلة الضعف والاحتقار الغربي. رؤية قائمة على “قوة الدولة” و”ضمان ولاء الكنيسة الأرثوذكسية” و”التمسّك بالقيم الثقافية العريقة”، وخطّة حازمة للتخلص من العواقب الوخيمة الناتجة عن تراجع القوة الروسية، واستراتيجية هجومية بهدف فرض هيبتها ودورها الإقليمي والدولي، حيث عملت على تعزيز الوجود العسكري الروسي في الساحة السوفييتية السابقة، من خلال قواعد عسكرية في طاجيكستان وقرغيزيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأرمينيا، ومن خلال تقوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم ست دول، روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأرمينيا. ودعت إلى تشكيل اتحاد جمركي يضم دول الاتحاد السوفييتي السابق تحت اسم الاتحاد الأوراسي، كإطار موازٍ ومنافس للاتحاد الأوروبي، يمثل برأيها عالماً بديلاً قائما على رفض القيم الغربية، مبنيٍّا على تصوّر لا يسمح لأي دولة فيه بأن تصوغ سياساتها وتحدّد أطر مستقبلها منفردة، يقع تحت سيطرتها الكاملة. وأطلقت، مستفيدة من تحسّن سعر النفط والغاز، برامج اقتصادية وعسكرية لإعادة التوازن لوضعها الداخلي وزيادة قدرتها على التحرّكين، الإقليمي والدولي، عبر تطوير أسلحتها النووية، بما في ذلك صواريخ صوتية، وجوية، ومنظومات الدفاع الصاروخي. وهذا أجّج الخلافات مع الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة. وقد وصلت العلاقة إلى مستويات متدنية خلال الهجوم الروسي على جورجيا عام 2008 واحتلالها جزءا من أراضيها وإقامة جمهوريتين مستقلتين: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وغزوها منطقة “الدونباس” شرقي أوكرانيا عام 2014، وإقامة جمهوريتين شعبيتين، لوغانسك ودونيتسك، تحت حمايتها، وضم شبه جزيرة القرم. برّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استيلاءه على شبه الجزيرة بأنه ردّ ضروري على “نشر الناتو البنية التحتية العسكرية على حدودنا”.

وقد زادت العلاقات تأزّما على خلفية الكشف عن الهجمات الإلكترونية الروسية على الشركات والمؤسسات الأميركية وعلى مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 للتأثير على نتائجها وقطع الطريق على المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وقد ترتب على ذلك اعتبار وثائق الأمن القومي الأميركي المتتالية روسيا دولة عدوة تهدد المصالح الأميركية ولابد من ردعها واحتوائها، وتحوّل التعاون الأميركي الروسي، لا سيما في مجال الحد من التسلح، إلى شيء من الماضي.

يخضع التنافس القائم بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لآليات عمل القوة العظمى، حيث تسعى القوة العظمى إلى تحويل قوتها الاقتصادية إلى قوة عسكرية، والانخراط في تنافسٍ على الهيمنة والسيطرة وعدم السماح لأي قوة كبرى بأن تزداد قوة على حسابها، في لعبةٍ محصلتها صفرية، تدفعها إلى ذلك اعتباراتٌ بنيويةً راسخة، ما يعني استحالة تحاشي التدافع بسياسة ذكية. وقد برز التفوق الأميركي في أكثر من مجال، حيث عدد سكان الولايات المتحدة يفوق عدد سكان روسيا بضعفين ونصف الضعف، 336.898.000 مقابل 145.934.462، واقتصادها يفوق الاقتصاد الروسي بأكثر من عشرة أضعاف، 21.4 تريليون دولار في عام 2019 مقابل 1.687 تريليون دولار، وهما، السكان والثروة الوطنية، اللبنات الأساسية للقوة العسكرية، نقطة حرجة؛ وكعب آخيل، روسيا. ما دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تصعيد المشاعر القومية، أقوى محرّك سياسي في التاريخ، بتخويف الروس من الحصار والتطويق والتلويح باحتمال وقوع حربٍ عالميةٍ ثالثة لحشدهم حول سياسته؛ كي يتقبلوا تبعات التنافس وتخصيص مبالغ ضخمة للتسلّح على حساب احتياجاتهم المعيشية والخدمية، فالتكلفة المادية لسباق التسلّح باهظة، وتستدعي تضحياتٍ كبيرة، وإلى إجراء مناوراتٍ عسكرية لرفع جاهزية القوات الروسية، جديدها أخيرا مناورة بحرية على تدمير أهداف معادية في البحر الأسود يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وتدريبات بالذخيرة الحية، ضد أهدافٍ لعدو افتراضي، تشمل إطلاق صواريخ “كالبير” المجنّحة وصواريخ “إسكندر”، وصواريخ منظومات دفاع جوي، ومنظومات “بال” و”أوتيوس” الصاروخية الساحلية المضادّة للسفن، وتحليق قاذفات استراتيجية روسية (تو- 160) في دورياتٍ في منطقة القطب الشمالي والمحيط الهادئ وبحري بارنتس والنرويج، ومراقبة نشاط قطع بحرية وقاذفات استراتيجية أطلسية، واستحداث تشكيلاتٍ جديدةٍ في الجيش الروسي، ودخول صنوف أسلحة مطورة للخدمة، وإعادة توجيه صواريخ نووية نحو المدن الأوروبية والأميركية، والعمل على إضعاف الولايات المتحدة عبر تقويض الديمقراطية في العالم، والتحالف مع الأنظمة المناوئة لها مثل الصين وإيران، في استعراضٍ للقوة، وتوتير للمناخ الدولي لوضع التحالف الغربي تحت ضغطٍ دائمٍ لدفعه إلى القبول بطلباتٍ روسية تتعلق بدورها في النظام الدولي، وأخذ مصالحها بعين الاعتبار لدى معالجة المشكلات والملفات الساخنة وتقاسم النفوذ.

بالغ الرئيس الروسي في استعراض عضلاته وفائض قوته بانخراطه في ملفات ساخنة في سورية وليبيا وفنزويلا ودول أفريقية، مستخدما قوة هجينة، قوات نظامية وأخرى مرتزقة، مجموعة فاغنر، وضغطه المتواصل على دول البلطيق ورومانيا وبلغاريا للتأثير على سياساتها، والعمل على منع أوكرانيا وجورجيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ما رفع درجة سخونة التنافس والمواجهة مع دول التحالف الغربي، والدخول في عملية عض أصابع متصاعدة رد عليها الحلف، برفعه عدد مناوراته قرب الحدود الروسية في الأعوام الخمسة الأخيرة إلى 90 مناورة في العام الواحد، مع زيادة عدد القوات المشاركة فيها إلى مائة وستين ألف جندي، وإجراء مناورات بحرية في البحر الأسود على مقربةٍ من شبه جزيرة القرم بدءا من 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بمشاركة الأسطول السادس الأميركي، حيث بات البحر الأسود جزءاً من منطقة عمليات هذا الأسطول، مع توجّه أميركي إلى إقامة قواعد بحرية في رومانيا وبلغاريا عضوتي “الحلف” اللتين تمتلكان سواحل طويلة على شاطئ البحر الأسود الشمالية الغربية، جزءا من خطة تعطي البحر الأسود دورا خاصا في احتواء روسيا، وتشجيع أوكرانيا وجورجيا على الالتحاق بـ “الحلف”، فـ “الطريق إلى الناتو مفتوح دائماً أمام كييف وتبليسي”، كما صرح وزير الدفاع الأميركي، الجنرال لويد أوستن، وتلويح وزيرة الدفاع الألمانية، إنغريد كرامب كارينباور، بإمكانية استخدام أسلحة نووية لردع روسيا في منطقتي البلطيق والبحر الأسود، وقول الكاتب ديفيد إكس في مقالة له نشرتها مجلة فوربس، الأميركية، “إن القاذفات الاستراتيجية الأميركية، بي ـ 1 بي لانسر، يمكنها التعامل بسرعة مع مجموعة سفن الأسطول الروسي في البحر الأسود وتدميرها. وإطلاق حربٍ باردةٍ بين الطرفين أساسها سباق تسلح، وهي معركة خطرة على روسيا في ضوء تخلفها عن الولايات المتحدة في معظم مقاييس التطور العلمي والتقني، ورجحان قدرات التحالف الغربي، وانخراطها في تنافسٍ صامتٍ مع الصين، على الرغم مما يجمعهما من مشتركاتٍ ضد التحالف الغربي، وتبادلهما الدعم الفني والمادي لموازنة الضغط الغربي، وتركيز مواردهما على التنافس مع الولايات المتحدة، بدلاً من التنافس مع بعضهما بعضا، حيث تخشى روسيا أن تجد نفسها محاطةً بنفوذ صيني في آسيا وشرق وجنوب شرقي أوروبا والقطب الشمالي. ما دفع الرئيس الروسي إلى الشكوى من سعي الولايات المتحدة إلى احتواء روسيا وترك الصين، ما سيجعل احتواءها لاحقا أكثر خطورة.

يُبقي الغموض في خطط القوى العظمى، مصحوبا بغياب آلية متفق عليها لمنع التصعيد، الخيارات مفتوحة، وعدم استبعاد أي احتمال على الإطلاق، فالأوضاع بين الطرفين بعيدة عن الاستقرار، مع ترجيح احتمال زيادة التوتر، خصوصا إذا سعت القيادة الأوكرانية، بدعم من الولايات المتحدة، إلى استعادة منطقة “الدونباس” والقضاء على الجمهوريتين الانفصاليتين هناك.

العربي الجديد

———————————

التحوّل بعيدًا عن أميركا/ مايكل يونغ

اتّهم أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن بأنها حجبت تقريرًا عن إمبراطورية حزب الله المالية. ويُعتبر هذا التقرير، الذي كُلِّفت بإعداده وزارتا الخارجية والدفاع، أحد المقتضيات التي نصّ عليها قانون تعديلات منع التمويل الدولي لحزب الله الصادر في العام 2008.

بحسب مقال نُشر على موقع Washington Free Beacon المحافِظ، يرتدي هذا التقرير أهمية شديدة للجمهوريين، “نظرًا إلى أن إدارة بايدن تدرس احتمال رفع العقوبات الاقتصادية عن لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله، فيما ترزح البلاد تحت وطأة أزمة نقدية هائلة”. وقال النائب الجمهوري بات فالون: “إذا تراجعت الإدارة الحالية ورفعت العقوبات المفروضة على لبنان، فستكون هذه خطوة مأخوذة من قاموس السياسة الخارجية التي انتهجها نيفيل تشامبرلين. حزب الله وحده يتحمّل مسؤولية الانهيار الاقتصادي في لبنان”.

ولّد تعليق فالون أسئلة مثيرة للاهتمام، إذ ما من مؤشّر على أن الولايات المتحدة قد فرضت فعليًا عقوبات على لبنان. الأكيد أنها فرضت عقوبات على سياسيين لبنانيين وعلى أعضاء في حزب الله وشركاء له، لكن لا شيء يشير إلى أنها ستعيق مثلًا خطة صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان. بل واقع الحال أن إدارة بايدن حاولت مؤخرًا مساعدة الجيش اللبناني، فيما زار وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي بيروت في أيلول/سبتمبر لدراسة سبل مساعدة البلاد.وصرّح أحد أعضاء الوفد، ريتشارد بلومنثال، قائلًا: “لا أستبعد خيار تطبيق مشروع مارشال مصغَّر من أجل لبنان، لأن مصالح الأمن القومي الأميركي تقتضي ذلك…”.

هذه ليست اللهجة التي تُستخدم في معرض الحديث عن دولة خاضعة للعقوبات. والأمر الأكثر دلالة ما نقلته مصادر في الكونغرس لموقع Washington Free Beacon عن أن “الكونغرس يدقّق بشكل متزايد” في رفض إدارة بايدن الإفراج عن تقرير وزارتَي الخارجية والدفاع، “وسط تقارير منفصلة عن استعدادها للموافقة على بعض الإعفاءات من العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاقية مع لبنان حول الطاقة”. وتنطوي هذه الاتفاقية على ضخّ الغاز المصري في خط أنابيب يمرّ عبر الأردن وسورية ووصولًا إلى لبنان لتزويد محطة دير عمار الواقعة بالقرب من طرابلس. يُشار إلى أن لبنان يعاني من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، في ظل نقص الأموال وشحّ الوقود. لذا، من شأن هذه الخطة أن تساعد على إنتاج الطاقة في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.

لكن تطبيق هذه الخطة يتطلّب من الولايات المتحدة استثناء لبنان والأردن من العقوبات الأميركية المفروضة في إطار قانون قيصر الذي صُمِّم لمعاقبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه. والمُلفت أن السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، هي من أعلن عن خطة الغاز في آب/أغسطس، ولكن الطلب الأولي بالسماح بها أتى على لسان العاهل الأردني الملك عبدالله أثناء زيارته إلى واشنطن في تموز/يوليو. وقد تطرّق رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى خطة الغاز بُعيد لقاءٍ جمعه مع مسؤولين مصريين في القاهرة في 16 تموز/يوليو. يشي كل ذلك إذًا بأن مصر والأردن متّفقان حيال لبنان، وأنهما نجحا على ما يبدو في إقناع إدارة بايدن بدعم مقاربتهما.

مع أن العناوين العريضة للخطة تركّز ببساطة على تزويد لبنان بالغاز في هذه المرحلة العصيبة التي يشهدها، يبقى الجوهر الحقيقي هو أن مصر والأردن يحاولان استخدام الأوضاع الراهنة في لبنان وسيلةً من أجل إعادة سورية إلى كنف الدول العربية. ويبدو بشكل متزايد أن مساعي إدارة بايدن التي يصوّرها البعض في واشنطن بأنها ميلٌ نحو إيران ونظام الأسد، تحمل دلالةً أكبر، تتمثّل في أنها مساعٍ عربية لاستخدام الانفتاح على سورية ولبنان لمواجهة النفوذ الإيراني في البلدين وتحويلهما إلى ساحة مساومات بين الدول العربية وطهران.

إذا كان ذلك صحيحًا، فهو يشير إلى حدوث تغييرات جذرية في المواقف العربية حيال الجمهورية الإسلامية. وحتى فترة ليست ببعيدة، كان أمل الكثير من الدول العربية هو أن تعمد الولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، إلى احتواء التوسع الإيراني في المنطقة. وقد شكّلت هذه السياسة الرامية إلى احتواء إيران ركنًا من أركان المقاربة الأميركية، إذ اقترحت إدارة كلينتون اتّباع استراتيجية “الاحتواء المزدوج” تجاه إيران والعراق في عهد صدام حسين قبل ثلاثة عقود.

بدت اتفاقات التطبيع التي أُبرمت العام الفائت بين دول الخليج وإسرائيل خطوة إضافية في هذا الاتجاه. فقد شكّلت نوعًا من ثقل موازن في وجه إيران، بعد أن أحجمت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب عن الردّ على الهجمات الإيرانية التي استهدفت سفنًا سعودية أو إماراتية في أيار/مايو من العام 2019، وبعد أن بدا واضحًا تردّد ترامب في التدخّل نيابةً عن حلفائه السعوديين عقب الهجوم الذي نفذّته طائرات إيرانية من دون طيار على منشأتين تابعتين لشركة أرامكو في مدينتَي بقيق وخُريص في أيلول/سبتمبر 2019.

مع ذلك، باءت محاولات الولايات المتحدة لاحتواء الجمهورية الإسلامية بالفشل. فقد اتّسعت رقعة نفوذ إيران في الشرق الأوسط على الرغم من خضوعها للعقوبات طيلة عقود. هي لا تقدّم مثالًا يُحتذى به، إلّا أنها استغلت الطبيعة المفكّكة والمتشرذمة للكثير من الدول العربية لتحقيق مصالحها الخاصة. ويبدو الآن أن بعض الدول العربية عمدت إلى تغيير تكتيكاتها بعد إدراكها هذا الواقع وتنبّهها أيضًا إلى أن إسرائيل، من دون دعم أميركي، ستفكّر مليًا قبل شنّ حرب ضدّ إيران من شأنها زعزعة استقرار المنطقة. وإن دلّت سياسات الدول العربية في سورية ولبنان على شيء فإنما تدلّ على أنها قررت التدخل في دولتين تمتلك فيهما إيران نفوذًا كبيرًا، على عكس السعودية التي أوقفت بشكل كامل دعمها للبنان ولحلفائها اللبنانيين منذ سنوات، معتبرةً البلاد حالةً ميؤوسًا منها.

يُعتبر النهج السعودي إلى حدّ كبير مجموعة من الفرص السياسية الضائعة. ففيما لجأ الإيرانيون إلى استخدام علاقاتهم مع حركة أنصار الله في اليمن لإقحام السعوديين في مأزق، توشك السعودية على سحب يدها كليًا من لبنان الذي يضم طائفة سنّية كبيرة يضاهي حجمها حجم الطائفة الشيعية، وتبحث عن راعٍ إقليمي من أجل التصدّي لحزب الله. لكن ما لا يدركه السعوديون تمامًا أن الكثير من السنّة غير مستعدّين لإطلاق شرارة حرب أهلية جديدة لتحقيق هذا الهدف.

أما المنحى السائد في أماكن أخرى من العالم العربي فيبدو مبتكرًا أكثر. ويشي سلوك مصر والأردن في لبنان، على غرار الإمارات العربية المتحدة وقطر، بأن الدول ذات الغالبية السنّية، إذا نجحت في حشد تحالفاتها وأنصارها في الشرق الأوسط، فهي تملك فرصة أفضل في إرغام إيران على مراعاة مصالح الدول العربية، مقارنةً مع الفرص التي يوفّرها اعتمادها على الأسلحة الأميركية أو الإسرائيلية. إن ما يحدث في العالم العربي إذًا هو عودة إلى اللعبة السياسية. ونظرًا إلى أن الكثير من الدول التي تهيمن فيها إيران، مثل سورية واليمن ولبنان والعراق، تُعتبر ذات غالبية سنًية أو تسكنها أقليات بارزة معادية لطهران، من المنطقي البحث عن فرص من شأنها دفع إيران إلى القبول بتسويات.

يعيد ذلك إلى الأذهان وضع الشرق الأوسط في خمسينيات القرن المنصرم، حين كانت دول المنطقة تشهد انقسامات داخلية مدفوعة بالتوجهات السياسية لسكانها، من ناصريين أو بعثيين أو شيوعيين أو هاشميين أو موالين للغرب. وتُعدّ المنطقة اليوم حلبة تتناحر فيها الجهات الإقليمية والدولية، على غرار إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا وفرنسا، فيما تحتفظ الولايات المتحدة أيضًا بنفوذ هناك، وبالتالي لا يمكن تجاهل الاحتمالات المتاحة لإحلال توازن مع جهات فاعلة أخرى.

في الواقع، يبدو أن إدارة بايدن، من خلال غضّ الطرف عن صفقة الغاز المصري مع لبنان، تتبنّى هذا المنطق. فقد كان هدف إدارة أوباما إرساء توازن قوى إقليمي قادر على إحداث تغيير من دون تدخلات خارجية بعد الانسحاب العسكري الأميركي، وهو ما يوافق عليه جو بايدن على الأرجح. وكان باراك أوباما قد صرّح لجيفري غولدبرغ من مجلة ذي أتلانتيك بأن “المنافسة القائمة بين السعوديين والإيرانيين، والتي ساهمت في تغذية الحروب بالوكالة وزرع الفوضى في سورية والعراق واليمن، تتطلّب منا أن نصارح أصدقاءنا، وكذلك الإيرانيين، بحقيقة أن عليهم التوصل إلى طريقة فعّالة لتشارك المنطقة وإحلال نوع من السلام البارد”.

تتردّد أصداء هذه الرسالة في العالم العربي اليوم. ففي ظل توقّف الولايات المتحدة عن تنظيم شؤون الشرق الأوسط، تعمد الدول العربية إلى جمع أوراقها لخوض لعبة نفوذ خاصة بها على المستوى الإقليمي. أما في واشنطن، فيبقى النقاش محدودًا، إذ يركّز على خطوات الإدارة الحالية وتأثيرها على الساحة الداخلية، لكن في الشرق الأوسط، تفرض الأنظمة قواعد جديدة للعبة النفوذ، تحضيرًا لرسم معالم منطقة تحوّلت بعيدًا عن أميركا.

مؤسسة كارنيغي للشرق الأوسط

———————————–

بايدن .. أسد بلا أنياب/ وائل السواح

كانت فترة حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، كارثة للأميركيين والعالم، فقد خفّض الضرائب عن الأغنياء، وألغى بنودا في سياسة التأمين الصحي المعروفة بـ “أوباما كير”، ما أدّى إلى زيادة العبء على الأميركيين الفقراء، وكذب فيما يتعلّق بوباء كوفيد 19، ما زاد في أعداد الإصابات والوفيات، وحاول أن يعزل أميركا عن جيرانها والعالم، واستسلم للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كان له عليه دالّة كبيرة، وانسحب من معاهدة باريس للمناخ، وروّج نظريات المؤامرة، وتغاضى عن العنصريين البيض، وغضّ الطرف عن جرائم فردية وجماعية، يندى لها الجبين في شتّى أصقاع الأرض، ومنع المسلمين من دخول بلاده، وأساء للمرأة والملونين، وحارب المثليين والمشرّدين والمستضعفين في الأرض. ولكن كان يتمتع بميزة واحدة: كان مسلياً.

خلفه، جو بايدن، يفتقد هذه الميزة. تغلّب على ترامب بفارق سبعة ملايين صوت، فحصد أكثر من 81 مليون صوت مقابل 74 مليون صوت لترامب. وبذلك حصل على أعلى عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات الأميركية قاطبة. وفاز حزبه الديمقراطي بأغلبية مجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ، وكان كلّ شيء مهيأ لشهر عسل، يفترض أن يمتد سنتين على الأقل، حتى الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. ومع ذلك، لم نرَ هذا الوهج الذي كان من المفترض أن يصحب رئاسة بايدن، لا في الولايات المتحدة ولا في العالم الواسع. في الداخل، جاء متحوّل دلتا ليعيد الوباء إلى المربع الأول، وشنّ المحافظون حربا لا هوادة فيها على سياسات بايدن حيال الوباء، رافضين التلقيح الإلزامي وارتداء الكمامات في المدارس والجامعات، مسيّسين بذلك مسألةً يجب أن تكون صحية في الأساس، أودت حتى الآن بحياة أكثر من 740 ألف أميركي.

وجاءت الضربة الثانية لسياسة بايدن في سقوط أفغانستان خلال أسابيع قليلة من انسحاب القوات الأميركية منها وعودة حركة طالبان للاستيلاء على مقدّرات الأمور في البلاد، ما يعني أن عشرين سنة من الحرب الأميركية هناك قد انتهت بفشل ذريع.

ثم أتى التضخم المتسارع وغير المسبوق والارتفاع الكبير للأسعار وفقدان بعض المواد في السوق الأميركية بسبب سلسلة التوريد، ليزيد من تعاسة الرئيس بايدن، ويقلل من تأييده بين الأميركيين. وهوت شعبية الرئيس في أحدث استطلاع لشبكة إن بي سي من 53% في شهر إبريل/نيسان إلى 42% فقط أواخر أكتوبر/تشرين الأول.

ولم يستطع الرئيس بايدن توحيد صفوف حزبه الديمقراطي لتمرير موازنة خطّة البنية التحتية المادية (جسور وشوارع) والإنسانية (تعليم وصحة ورعاية أطفال ومسنين). ولا يزال اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين يختطفان قرار الحزب والكونغرس، السيناتوران جو مانشين وكرستين سينما، اللذان يستمتعان بمقدرتهما على تعطيل المسار التشريعي. يخشى مانشين أن يفقد مقعده في الانتخابات المقبلة في ولايته (ويست فرجينيا) المحافظة، إن هو صوّت لصالح حزمة ليبرالية واضحة المعالم. أما سينما فلا أحد يعرف بالضبط لماذا تعارض الحزمة، فهي ببساطة لم تفصح عن ذلك.

باتت مقاومة الاثنين تغييرا كبيرا وحقيقيا عقبة كأداء في وجه سياسة الرئيس بايدن، الذي وعد بإنهاء الانقسام داخل حزبه قبل سفره إلى روما وغلاسكو لحضور قمتي العشرين والعالم للمناخ، ولكنه سافر قبل أن ينجز وعده. حدّدت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، موعدا نهائيا في 31 أكتوبر/تشرين الأول لمجلس النواب، لتمرير مشروع قانون كبير للإنفاق على البنية التحتية، بعد أسبوع من المفاوضات المتبقية، قبل أن يطوي النسيان خطة الإصلاح الشامل للسياسة الاجتماعية والبيئية للرئيس بايدن. ولكن الديمقراطيين التقدّميين في مجلس النواب رفضوا التصويت على مشاريع قوانين البنية التحتية، قبل التوصل إلى اتفاق في مجلس الشيوخ بشأن مشروع قانون منفصل، يتضمن إنفاقا ضخما على قضايا زيادة رعاية الأطفال، والمساعدة في الرسوم الدراسية الجامعية، والإجراءات الرئيسية بشأن تغير المناخ.

دولياً، تمّ استقبال الرئيس بايدن بترحابٍ حار، وتنفّس العالم الصعداء بعد رحيل سلفه الكاريكاتوري. ورحبت أوروبا وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأفريقي ومعظم دول آسيا بفوز بايدن، وبقراراته الأولية في العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتبرّع بمئات ملايين الجرعات من لقاح كوفيد للدول الفقيرة، وإعادة ملف حقوق الإنسان إلى أولويات الإدارة الجديدة، والرغبة في بدء محادثاتٍ مع إيران. دول قليلة لم تُبدِ سعادة تذكر: روسيا التي فقدت حظوتها لدى ترامب؛ والصين التي استشعرت أنها ستكون في مقدمة أولويات بايدن؛ والسعودية التي تعرف أن الرجل يعارض سلوكها في تصفية أعدائها وخصوصا جمال خاشقجي؛ وإسرائيل التي عاشت أيامها الذهبية في ظل ترامب الذي نقل سفارته إلى القدس المحتلة، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وغضّ الطرف عن استشراء المستوطنات كالسرطان في الأراضي الفلسطينية، والتي لا تحب كثيرا عودة بايدن إلى طرح حلّ الدولتين. ولكن الترحاب الحار بدأ يخفت، وقد راح العالم يدرك أن جو بايدن قد يكون مليئا بالنيات الحسنة، ولكنه رئيس بلا أنياب، ليطبق النيات على الأرض.

يشترك القادة الناجحون في عدة أمور. إنهم يبنون حياتهم المهنية العامة حول فكرة أساسية، مثل رؤية توماس جيفرسون للجمهورية الزراعية، أو إيمان فرانكلين روزفلت بحكومة وطنية قوية ورحيمة. يستخدمون الخطاب لحشد الجمهور وراءهم، حتى لا يكون هناك أي لبس أو خطأ فيما ستأتي به نتائج الانتخابات. وهم متسقون في متابعة أهدافهم، حتى لو كانت التفاصيل النهائية خاضعة للتفاوض. ولو نظرنا إلى الرؤساء الذين غيروا وجه الولايات المتحدة: جيفرسون، لينكولن، روزفلت، رونالد ريغان، لوجدنا أنهم يشتركون جميعا في الخصائص ذاتها. ليس بايدن مثل هؤلاء. كان في المشهد السياسي ما يقرب من 50 عامًا، ولا يمكن للمرء ببساطة أن يربط به مبدأ أساسيا واحدا. بدلاً من ذلك، يتنقل الرجل من مدّ إلى جزر ومن موقف إلى موقف، حسب سياق المرحلة. ولعل ذلك أن يكون أمرا مناسبا في مجلس الشيوخ، حين كان الرجل عضوا فيه، حيث كان قادرا على مدّ الجسور بين الحزبين، وبين المعتدلين والليبراليين في حزبه، ولكنه بالتأكيد أمرٌ مرفوض في سدّة السلطة التنفيذية.

الفجوة بين دوري السناتور والرئيس سبب عدم فاعلية بايدن. لم يقم الرئيس بحملته على أساس هدف شامل أو فكرة أساسية. بل قدّم نفسه بدلاً من ذلك أنه يمثّل عودة الاستقرار والحالة الطبيعية بعد أربع سنوات مضطربة من دونالد ترامب. في 1932، انتخب الأميركيون الديمقراطي فرانكلين روزفلت، لأنهم عرفوا أنه يؤمن بأن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات طارئة للخروج من الركود العظيم أكبر من الألعاب السياسية. تماما كما عرفوا في عام 1980 أن الجمهوري ريغان يريد ضرائب أقل وميزانيات دفاع أكبر. أما بايدن فينتقل من الجناح المعتدل في حزبه (جو مانشين) إلى الجناح التقدّمي (بيرني ساندرز) كما ينتقل من الكنبة إلى الكرسي، من دون أن يرضي أيا منهما. ليس هذا السلوك قيادةً، ولا بدّ أن يكون لمثل هذا الالتفاف العسير تكاليفه. وينظر المستقلون إلى بايدن نظرة سلبية بشكل متزايد، ويزداد التمرّد في الحزب الديمقراطي قوة، فلا المعتدلون يريدون التنازل عن مواقفهم الأكثر محافظة، ولا الليبراليون راضون بالتنازل عن مواقفهم التقدّمية، ما سيجعل الحزب بأكمله يواجه مشكلة محتملة في انتخابات التجديد النصفي للعام المقبل.

في السياسة، الضعف يولّد الضعف: يعرف السياسيون الأذكياء متى تغرق السفينة وكيف يستطيعون التملّص منها. بايدن ذكي، ولكن تقدّمه في العمر ورغبته في أن يكون رجل تسوية بين الأفكار والتكتلات السياسية، إضافة إلى فجور الوباء وقضايا المناخ وأفغانستان، ذلك كله يكبّل يديه ويمنعه من استخدام ذكائه بما يخدم الأمة والعالم، ويخدمه شخصيا.

باختصار، جو بايدن ليس فرانكلين روزفلت بشجاعته، وليس كينيدي بحماسته وتوقّده، وليس ريغان بخبثه وتصميمه على إطلاق يد الاحتكارات، وليس كلينتون بسحر شخصيته ونفاذ بصيرته. إنه مجرّد رئيس ديمقراطي عجوز، خَلَف ثعلبا مراوغا، فصار أشبه ما يكون بأسدٍ بلا أنياب.

العربي الجديد

————————————

متى يدفن بايدن قانونَ قيصر؟/ عمر قدور

ما عاد السؤال: هل يتخلى بايدن نهائياً عن الملف السوري؟ صار السؤال: متى يحدث ذلك؟ وهو سؤال يتعلق بالمدى القريب، ربما تظهر إجابته في الأشهر القليلة المقبلة، وربما بعد أسابيع قليلة لا أكثر. تصريحات قياديين في منظومة حزب العمال الكردستاني مؤخراً توحي باقتراب عودتهم إلى كنف الأسد، وموسكو تنشط كوسيط على نحو يوحي بأنها تضع اللمسات التفصيلية الخاصة بعودتهم وعودة مناطق شرق الفرات إلى السيطرة.

التطور الأبرز “بالتأكيد” عودة المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، بالتوقيت الذي أرادته الأولى بينما تظهر إدارة بايدن كأنها تريد العودة إلى المفاوضات بأي ثمن. والأثمان التي تريدها طهران تتوزع بين العواصم الأربع التي سبق لمسؤوليها التفاخر بالسيطرة عليها، وهي تريد قبض بعضها على الأقل أثناء المفاوضات كتعبير عن “حسن نوايا واشنطن”، وكتأكيد على أن الاتفاق النووي لن تتبعه ضغوط ومفاوضات تتناول توسع إيران الإقليمي، إلا إذا كانت المفاوضات للإقرار به.

تحديداً الربط بين الملف السوري والمفاوضات مع إيران ليس بجديد، فهكذا كان الحال أيام إدارة أوباما، عندما راحت على وقع المفاوضات النووية “بجولاتها السرية أولاً” تنسحب منه لصالح إنقاذ بشار من السقوط. الربط حضر بقوة أيضاً أيام ترامب، ورغم أنه شخصياً كان يودّ سحب قواته لصالح موسكو إلا أنه عدل عن قراره لئلا يأتي الانسحاب لصالح طهران، وأتى إقرار قانون قيصر ليضع في يده أداة ثانية للضغط غير المكلف، وقد استخدمت إدارته القانون بنشاط وحماس، بخلاف إدارة بايدن التي تبدو مهتمة أكثر بالحدّ من مفاعيله.

جدير بالتنويه أن سياسة العقوبات الاقتصادية لا تسقط هذا النوع من الطغاة، ولا تدفعه إلى تقديم تنازلات، لذا كان القانون مُعدَّاً للضغط على شركاء الأسد كي يتولوا الضغط عليه من أجل مصالحهم. أيضاً، اكتسب القانون أهميته وفعاليته من الوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات، وبقاء الموارد النفطية والمائية والزراعية خارج سيطرة الأسد. بما يقل عن ألف عسكري أمريكي موجودين في سوريا وبقانون قيصر باتت واشنطن تطبق على خناق سلطة الأسد، وبأقل التكاليف، وتطلّ عسكرياً على طريق طهران-الضاحية الجنوبية.

ولئن كانت فعالية قانون قيصر القصوى تأتي من السيطرة على موارد شرق الفرات فإن الانسحاب من هناك يعني دفن فعالية العقوبات، لأن تلك الموارد “من دون مبالغة في حجمها” تنقذ اقتصاد الأسد المنهار، وتعفي طهران وموسكو من المساعدات الضرورية لإنقاذه. في الأثر المعنوي، سيُفهم الانسحاب من شرق الفرات كما هو حقاً، أي كدلالة على رمي واشنطن آخر أوراقها، ما يعني التخلي نهائياً عن عرقلة موسكو وطهران في سوريا. وسيكون من المرجح جداً عدم توسيع قائمة عقوبات قيصر لاحقاً، بمعنى تجميد القانون عند هذا الحد، لئلا تعطي الإدارة الأمريكية إشارة كاذبة قد تُفهم كاهتمام بالشأن السوري.

لقد شكا ترامب يوماً من أن إدارة أوباما، بتخليها عن سوريا، لم تترك له ما يفعله. وكان أن أعطاه الكونغرس سلاح العقوبات بإقرار قانون قيصر قبل نحو سنتين من الآن، وهو في أحد بنوده لا يجيز للرئيس تعليقه إلا وفق شروط وضوابط وأدلة على امتثال الأسد لها، والأهم أن له صفة القانون وإلغاؤه يعود إلى الكونغرس لا إلى الإدارة، وهي عملية تواكبها عادة نقاشات علنية، وتستلزم في النهاية وجود أغلبية مؤيدة للإلغاء.

بالمقارنة، تطالب طهران إدارة بايدن بضمانات بأن تكون العودة إلى الاتفاق النووي نهائية، أي بضمان ألا ينسحب الرئيس المقبل منه كما فعل ترامب. لا ألية قانونية أمريكية لمنح هذه الضمانات سوى مرور الاتفاق عبر مجلسي الكونغرس كمعاهدة يتم التصديق عليها، ومن شبه المؤكد أن إدارة بايدن لن تسلك هذا السبيل لعدم وجود أغلبية مؤيدة للاتفاق إذا أُنجز، ما يبقيه كاتفاق تنفيذي يمكن إلغاؤه من دون الرجوع إلى الكونغرس.

ما لا يستطيع بايدن إعطاءه على صعيد الضمانات لا يُستبعد أن يعوّضه بتقديم تنازلات لطهران في المجال الإقليمي، وهذه المرة بأقوى مما فعل أوباما وأكثر رسوخاً، بحيث يصعب على خلفه إذا كان جمهورياً استئناف سياسة ترامب أو سياسة شبيهة بها. هذا قد لا يلقى اعتراضاً ملحوظاً من وسطيي الحزب الديموقراطي، وفي الوقت نفسه يرضي تقدمييه الذين يأخذون على أوباما عدم المضي أبعد في سياسته وفرضها كأمر واقع على المدى البعيد. إنه بهذه الآلية “التنفيذية” يقوّض العراقيل القانونية الموضوعة أمامه، يساعده مزاج أمريكي سائد مؤيد بلا تمييز لسياسة عدم التدخل ما لم يُهدَّد الأمن القومي.

هكذا يستطيع بايدن دفن مفاعيل قانون قيصر بقرار يمتلكه، هو سحب قواته من سوريا، والذريعة جاهزة بتضاؤل خطر داعش الذي أتى بها. هذا لن يكون بالنسبة لإدارته ثمن يُعتد به ليقدّمه لطهران من تحت طاولة المفاوضات النووية، وموسكو جاهزة لإدارة تفاصيل هذه الخطوة، من إدارة خطوط الاشتباك فيها بين طهران وتل أبيب وصولاً إلى تدبير عودة منظومة حزب العمال إلى الأسد تقسيطاً.

لن تُضطر إدارة بايدن إلى اتخاذ قرار انسحاب على غرار الانسحاب من أفغانستان، وفي الأصل لا مقارنة بين حجم انخراطها هناك ووجودها في سوريا، ولا مقارنة بين الأهداف في الحالتين. أغلب الظن أن الانسحاب من سوريا سيكون تدريجياً، وقد يبدأ بتسليم مناطق فيها آبار النفط والغاز أولاً، وتسليم قوات الأسد مهام حراسة الحدود مع تركيا، الأمر الذي يرضي أنقرة أيضاً لجهة إبعاد مقاتلي قسد عن حدودها. قد يحضر سيناريو درعا معدَّلاً بعض الشيء، فيكون تخلي إدارة بايدن عن الإدارة الذاتية الكردية متمهلاً حتى تعقد الثانية تفاهماتها مع الأسد بموجب الوساطة الروسية، لتبدو الإدارة قد وافقت على ما وافق عليه أصحاب الشأن من الأكراد. لا يصعب التكهن بمصير التفاهمات مع الإدارة الذاتية وقواتها، سيناريو درعا الأخير جاهز في عقلية سلطة الأسد، وبيانات الإدارة الأمريكية التي تُعرب عن القلق من الأوضاع في سوريا، أو تدين “من دون شدّة” أفعال الأسد، جاهزة بدورها لتؤنس قانون قيصر المرمي في أدراجها.

المدن

————————————-

==============================

تحديث 26 تشرين الثاني 2021

—————————

واشنطن تعدل قواعد عقوباتها على النظام السوري: ورقة تفاوضية/ أمين العاصي

عدّلت الإدارة الأميركية القواعد المتعلقة بالعقوبات على النظام السوري، موسّعة النطاق للمنظمات غير الحكومية للتعامل مع حكومته، في تراجع عن العقوبات المتشددة التي فرضتها واشنطن على هذا النظام منذ بدء الثورة في عام 2011، ثم عمّقتها أكثر من خلال “قانون قيصر” في منتصف العام الماضي. ونقلت وكالة “رويترز” إشعاراً صادراً عن وزارة الخزانة الأميركية، نُشر على موقعها الإلكتروني أول من أمس الأربعاء، أشارت من خلاله إلى أن الولايات المتحدة عدّلت القواعد المتعلقة بالعقوبات على سورية، بهدف “توسيع نطاق تفويض قائم يخص بعض أنشطة المنظمات غير الحكومية في سورية”. وسمح التعديل للمنظمات غير الحكومية بتمكينها من المشاركة في معاملات وأنشطة إضافية لدعم الأعمال غير الهادفة للربح في سورية، بما في ذلك الاستثمار الجديد وشراء المنتجات البترولية المكررة ذات الأصل السوري لاستخدامها في سورية، وبعض المعاملات مع أجزاء من حكومة النظام. وقالت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة أندريا جاكي إن الحكومة الأميركية “تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سورية للتخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي لا يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا”.

وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بفرض العقوبات على النظام السوري وعلى الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية الفاعلة به بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية في عام 2011، بسبب الوحشية التي واجه بها هذا النظام السوريين المطالبين بتغيير سياسي جدي في بلادهم. وعمّقت واشنطن هذه العقوبات أكثر في منتصف عام 2020 حين فعّلت “قانون قيصر”، الذي أُقرّ في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بهدف الحدّ من حركة النظام السوري سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وينصّ القانون على فرض عقوبات على رئيس النظام السوري بشار الأسد، ورئاسة الوزراء، وقادة القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة “الفرقة الرابعة” والحرس الجمهوري والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية. كما ينصّ القرار على فرض عقوبات على كل من يدعم النظام السوري مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً. ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وترك القانون الباب مفتوحاً أمام الرئيس الأميركي جو بايدن برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام بشار الأسد، أو لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

وهدفت الإدارة الأميركية من هذا القانون إلى “ردع” النظام السوري، إذ تصدّر الأسد وزوجته أسماء الأسد، وشقيقه ماهر وزوجته منال جدعان، الحزمة الأولى من هذه العقوبات والتي صدرت في يونيو/ حزيران 2020. وصدرت حزم عدة من العقوبات بحقّ كبار الشخصيات في النظام السوري ورجال أعمال وكيانات ومؤسسات وشركات متعاملة معه. وأكدت الإدارة الأميركية مراراً أنها لا تهدف إلى إسقاط النظام أو تغييره جراء هذه العقوبات بل “تعديل سلوكه”، لتسهيل مهمة الأمم المتحدة لتطبيق قرارات دولية تخصّ القضية السورية، ومنها القرار 2254. ولكن النظام لم يكترث بهذه العقوبات، وما زال يبدي تعنتاً في طريقة تعاطيه مع جهود المجتمع الدولي الرامية إلى إنهاء مأساة السوريين داخل البلاد وخارجها.

ومنذ تولي إدارة بايدن الحكم في الولايات المتحدة، ظهرت بوادر تغيير في التعاطي السياسي مع نظام الأسد بعد التشدد الذي أبدته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. ولكن المحلل السياسي رضوان زيادة رأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن تعديل العقوبات على النظام “ليس خطوة باتجاه التعامل السياسي من قبل واشنطن مع النظام”، معرباً عن اعتقاده بأن الهدف من هذا التعديل هو “تحقيق التطبيق الأفضل للعقوبات وتخفيف الأزمة الإنسانية في سورية”. وتابع: “العقوبات تعرقل عمل المنظمات الدولية غير الحكومية في المناطق التي يسيطر عليها النظام لتوزيع المساعدات الإنسانية والغذائية”. ويشير إلى أن “هناك تطبيقاً مفرطاً للعقوبات من قبل المصارف والجهات الأخرى، إذ تمنع التعامل حتى مع جهات لا تشملها العقوبات، كما حصل مع الكثير من المنظمات السورية في الولايات المتحدة”، مضيفاً: يجب النظر في كل الآثار الجانبية لتطبيق العقوبات بشكل مستمر، ليكون تطبيقها الأمثل على المعنيين بها.

وترزح سورية تحت وطأة عقوبات إقليمية ودولية منذ أكثر من عشر سنوات دفعت الاقتصاد إلى الهاوية، وباتت الأوضاع المعيشية في البلاد، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام كارثية، بينما لم تتأثر المنظومة الأمنية لهذا النظام بالعقوبات، ولا تزال تتعامل بقسوة مع نحو 9 ملايين شخص يعيشون في هذه المناطق.

ورأى الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تعديل القواعد المتعلقة بالعقوبات على سورية من قبل وزارة الخزانة الأميركية “منسجم مع نهج إدارة بايدن بالتركيز على ملف المساعدات الإنسانية”، مضيفاً “يتقاطع هذا التعديل إلى حد بعيد مع سياسة الخطوة مقابل خطوة المتبعة مع النظام”. ولفت إلى أنه “كانت هناك صفقة روسية أميركية تبلورت خلال اجتماع القمة الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن في منتصف العام الحالي (16 يونيو الماضي). ووافق الروس في حينه على تجديد آليات تمرير المساعدات الدولية عبر الحدود ومن معبر باب الهوى، الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية، وبالتالي فإن الخطوة الأميركية كانت غير مفاجئة”. وأشار القربي إلى أنه “لا يمكن فصل الملفين السياسي والإنساني في سورية”، مضيفاً: “اللاورقة التي قدمها الأردنيون أخيراً للجانب الأميركي في الملف السوري وظّفت الملف الإنساني كورقة سياسية”. وذكر أن موسكو “لم توافق على تجديد آليات إدخال المساعدات إلا بعد حصولها على تنازلات من قبل الإدارة الأميركية”، مضيفاً: “أعتقد أن قرار وزارة الخزانة الأميركية ينسجم مع التفاهمات بين موسكو وواشنطن، ومع توجه دولي لتخفيف العقوبات على النظام السوري والتطبيع معه. الروس نجحوا إلى حد ما في جعل الملف الإنساني ورقة سياسية تفاوضية”.

العربي الجديد

——————————-

تخفيف عقوبات قيصر..الأسد سيجيّر القرار لحسابه/ عقيل حسين

تسبب القرار الأخير للإدارة الأميركية القاضي بتوسيع الاستثناءات الممنوحة للمنظمات غير الحكومية، من أجل العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا، بجدل واسع في أوساط المعارضة، التي اعتبرت أن هذا القرار يشكل أكبر خطوة معلنة من جانب واشنطن على طريق فك العزلة عن النظام.

تعديل “قيصر”

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت الأربعاء، إجراء تعديل في عقوبات قانون “قيصر” المفروضة على النظام السوري، يقضي بالسماح للمنظمات غير الحكومية بالتعامل مع شخصيات ومؤسسات في النظام، ومنحها مجالاً أوسع في أنشطتها.

الإعلان عن هذا القرار أدى لردود فعل سلبية داخل أوساط المعارضة، التي تتهم الإدارة الأميركية بالتراخي تجاه النظام وحلفائه في سوريا. فعلى الرغم من قناعة الكثير من المعارضين السوريين بأن “الالتفاف” على قانون العقوبات “قيصر” يجري عملياً منذ أشهر، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يصبح فيها الأمر قانونياً.

ورغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يستطيع، بموجب الآلية التي تم بها إقرار القانون، إلغاءه، بالنظر إلى كونه وارداً في قانون الميزانية والدفاع الوطني، ويحتاج إلى تصويت في الكونغرس، كما حصل عند إقراره، إلا أن القانون يمنح الرئيس وإدارته الحق في إصدار استثناءات أو تعطيل بعض البنود الواردة فيه وفق تطورات أو ضرورات معينة.

تطمينات أميركية غير كافية

وتعليقاً على هذا القرار، قالت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة أندريا جاكي إن الحكومة الأميركية “تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، بهدف التخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي لا يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا”.

وأضافت جاكي أن “الولايات المتحدة تواصل التركيز على ردع الأنشطة الخبيثة لبشار الأسد ونظامه وأعوانه وداعميه الأجانب، فضلاً عن الجماعات الإرهابية، بما في ذلك الحد من قدرتها على الوصول إلى النظام المالي الدولي وسلاسل التوريد العالمية”.

لكن هذه التطمينات لم تكن كافية للمعارضة السورية التي لم يصدر عنها حتى مساء الخميس أي موقف رسمي، إلا أن المسؤول في الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض عبد المجيد بركات قال إن “تركيز الولايات المتحدة على “البُعد الإنساني” في المسألة السورية أعطى المجال لحلفاء لها في المنطقة كي يطبّعوا مع النظام من مدخل “إنساني”.

وقال بركات ل”المدن”، إن “هذا المدخل هو ما استغله الباحثون عن التطبيع من أجل نسج علاقات اقتصادية مع النظام، مستغلين التراخي الأميركي في تطبيق العقوبات”.

وأضاف “نخشى أن تصرفات الولايات المتحدة تساعد في تخفيف الضغط على النظام وتشجع بشكل غير مباشر على التطبيع معه، إذ أن ما تقرره واشنطن من معايير للتعاطي مع أي ملف يصبح سلوكاً دولياً، ولذلك طلبنا منهم باستمرار مواقف واضحة ومحددة بحيث لا تُفهَم سياستها أو تُستغَل للتطبيع مع النظام”.

مشروع التعافي المبكر

وبينما كانت المعارضة تبحث عن مواقف أميركية أكثر صلابة تجاه النظام، خاصة بعد الجولة الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى شمال شرق سوريا ولقاءاته بالمعارضة، كانت المفاجأة في “قوننة الضوء الأخضر” الذي منحته للتعامل مع النظام، منذ وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام على وجه التحديد، حسب وصف الكثيرين.

لكن مصادر في المعارضة تعتقد أن هذا التعديل يستهدف، بشكل محدد، السماح للإدارة الأميركية بصرف مبلغ 200 مليون دولار مخصصة للمساعدات الانسانية ومشاريع ضمن برنامج التعافي المبكر في سوريا، بما في ذلك مناطق سيطرة النظام.

كما يُعتبر هذا البرنامج جزءاً من الاتفاق الاميركي-الروسي الذي تم التوصل إليه بين الجانبين في حزيران/يونيو 2021، والذي تم بموجبه تمرير القرار الدولي القاضي باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، من خلال المعابر الحدودية وخطوط التماس.

لكن إلى جانب الانتقادات السياسية لهذه الخطوة الأميركية، والتي يرى أصحابها أنها تسرّع من وتيرة إعادة تعويم النظام، فإن الانتقادات طالت أيضاً تجاهل الولايات المتحدة حقيقة أن النظام سيستولي، كما جرت العادة، على أي أموال تصرف في مناطق سيطرته كمساعدات.

 لكن السياسي السوري المعارض بسام العمادي، ورغم تأييده لفكرة استفادة النظام من هذا التعديل، إلا أنه يرى أن المخاوف من إعادة انتاج النظام ودمجه في المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي بسبب ذلك “مبالغ فيها”.

ويضيف ل”المدن”، أنه “لا شك أن النظام سيعمل على الاستفادة القصوى من قرار الإدارة الأميركية الجديد ومن غيره من الأمور، ولكن علينا أن نضع في الحسبان أن الدول تسير حسب مصالحها ومخططاتها، والتصريحات القوية الأخيرة التي صدرت عن أميركا وبريطانيا بعدم التطبيع مع الدكتاتور وأنه مجرم حرب، توضح توجهات هذه الدول لمنع حلفائه من إعادة تدويره”.

ويتابع الدبلوماسي المنشق عن النظام: “هذا لا يعني أنهم سيفعلون ما لديهم من امكانيات لإسقاطه، بل سيتركون الأمور تسير بعكس مصالح الروس والإيرانيين، وبشكل يضمن عدم تمكينهم من الاستفادة اقتصادياً مما استثمروه في النظام”. ويقول: “أما ما صدر مؤخراً عن توسيع دائرة السماح بالإنعاش المبكر” فيأتي بسبب المطالبات المتكررة بتخفيف العبء على الشعب السوري من عدة دول”.

رغم نظرهم بإيجابية إلى التأكيدات الأميركية المستمرة على منع إعادة تعويم النظام، وكذلك تأييد المساعي الهادفة إلى تخفيف معاناة السوريين في مناطق سيطرته، إلا أن الكثير من المعارضين السوريين ينظرون بريبة كبيرة إلى الخطوات الأميركية الأخيرة التي يرون أنها تمنح الأسد وحلفاءه مكاسب مجانية دون تقديم أي تنازلات.

———————-

واشنطن:إلتزام مع الروس بالتهدئة في سوريا

قال منسق مجلس الأمن القومي الأميركي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك إن بلاده تعتزم البقاء في سوريا لمحاربة تنظيم “داعش”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة بحثت مع الروس استمرار وقف إطلاق النار في البلاد”، مضيفاً أنه يؤيد الضربات الإسرائيلية في سوريا.

وقال ماكغورك في مقابلة مع “ذا ناشونال” الخميس: “نعتزم البقاء في سوريا، مع وجود قوات في الجزء الشمالي من البلاد، لمحاربة فلول داعش”، مضيفاً أنه يؤيد الضربات الإسرائيلية في سوريا، “لأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها”.

وتابع “لقد ألقينا نظرة شاملة على الوضع في سوريا بالتشاور مع أصدقائنا وشركائنا في المنطقة، ووجدنا أن العنف في الحرب السورية في أدنى مستوياته منذ سنوات”، مضيفاً أنه “بهدف التأكد من استمرار ذلك، ناقشنا استمرار التهدئة مع الروس”، وهم “أخبرونا أنهم ملتزمون بوقف إطلاق النار، ونحن ملتزمون به أيضاً”.

وتابع أن “الوضع الإنساني السوري في أسوأ مستوياته”، مشيراً إلى أنه “بالتشاور مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الانسانية، تبحث الولايات المتحدة طرقاً لتجنب العقوبات التي يمكن أن تؤثر على عمليات تسليم المساعدات الإنسانية”.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية أعلنت الأربعاء، أن الولايات المتحدة عدلت القواعد المتعلقة بالعقوبات على سوريا “لتوسيع نطاق تفويض قائم يخص بعض أنشطة المنظمات غير الحكومية في سوريا”، وأشارت الخزانة إلى أن “التعديل جاء فقط لدعم الأنشطة غير الهادفة للربح، بما في ذلك المشاريع الإنسانية التي تلبي الاحتياجات البشرية الأساسية، وبناء الديمقراطية، والمشاريع الداعمة للتعليم، ومشاريع التنمية غير التجارية التي تعود بالنفع المباشر على السوريين”.

كما أشار ماكغورك، إلى دعم بلاده لاستمرار الجهود باتجاه الحل السياسي في سوريا، من خلال محادثات الأمم المتحدة واجتماعات اللجنة الدستورية السورية. وأضاف أن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن “أحرز بعض التقدم في هذا الشأن”.

وعن خطة الولايات المتحدة حول المنطقة، قال المسؤول الأميركي: “إذا نظرت إلى الوراء على مدى الاعوام العشرين الماضية، كان لدى إدارة جورج دبليو بوش أجندة التحول الإقليمي، وكان غزو العراق جزءاً من ذلك، وإرساء الديمقراطية وبناء الدولة، والاستثمارات الضخمة، ورأيت كثيراً من ذلك عن كثب، والتكاليف باهظة جداً”.

وأضاف “اتخذت إدارة أوباما مساراً مختلفاً، ولكن بعد الانتفاضات العربية، تم تحديد أهداف متطرفة جداً شملت سياسات تغيير النظام”، مشيراً إلى أنه من المفارقات أن “ترامب قال إنه لا يريد الاستثمار في المنطقة، لكن السياسات التي تم وضعها كانت شديدة التطرف في إيران وأماكن أخرى، ما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة”.

وتابع أن الإدارات السابقة اتبعت أهدافاً متطرفة ارتدت ضد المصالح الأميركية، ما أدى إلى تعلم “دروس صعبة مستفادة”، مؤكداً أن الإدارة الأميركية الحالية تركز على “أساسيات بناء وصيانة وتعزيز شركائها وتحالفاتها في المنطقة”.

وعن الخطوط الحمراء التي لن تتجاوزها السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، قال ماكغورك: “نحن ملتزمون بشدة بتعزيز القدرات الدفاعية لشركائنا في المنطقة”، مضيفاً أن السياسات ستوضع من خلال “دراسة الحقائق على الأرض والتشاور الهادئ مع حلفائنا، مع التوضيح الشديد أننا سنحمي مصالحنا ومصالح أصدقائنا”.

المدن

—————————–

قصف إسرائيلي في وسط سوريا وأميركي على شرقها

قتلى باستهداف مواقع لـ«حزب الله» في حمص

دمشق – تل أبيب – لندن: «الشرق الأوسط»

قُتل 5 أشخاص جراء غارات إسرائيلية استهدفت، فجر الأربعاء، مناطق في وسط سوريا، في وقت تفيد الأنباء بقصف القوات الأميركية في قاعدة التنف مواقع جنوب شرقي سوريا.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القصف الإسرائيلي استهدف محيط 3 قرى في ريف حمص الغربي، حيث يُوجد مقاتلون سوريون موالون لـ«حزب الله» اللبناني.

وأسفر القصف عن مقتل 5 أشخاص: اثنان من الموالين لـ«حزب الله»، إضافة إلى 3 جنود سوريين. وكانت حصيلة أولية لـ«المرصد» قد أفادت بمقتل 4 أشخاص.

ومن جهته، أحصى مصدر عسكري سوري فجراً «مقتل مدنيين اثنين، وإصابة مدني آخر بجروح خطيرة، وإصابة 6 جنود بجروح، ووقوع بعض الخسائر المادية».

وأورد المصدر، وفق ما نقلته عنه وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أنه «نحو الساعة 1:26 من فجر الأربعاء (23:26 ت.غ)، نفذ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً برشقات من الصواريخ من اتجاه شمال شرقي بيروت، مستهدفاً بعض النقاط في المنطقة الوسطى». وأضاف أن وسائط الدفاع الجوي السوري «تصدت لصواريخ العدوان، وأسقطت معظمها».

ولم يصدر أي تعليق رسمي من إسرائيل حول القصف. وقال متحدث عسكري: «لا نعلق على تقارير ترد في وسائل إعلام أجنبية».

وخلال الأعوام الماضية، شنت إسرائيل عشرات الضربات الجوية في سوريا، مستهدفة مواقع للجيش السوري، خصوصاً أهدافاً إيرانية وأخرى لـ«حزب الله» اللبناني.

وأصيب جنديان سوريان بجروح في الثامن من الشهر الحالي جراء قصف إسرائيلي استهدف مواقع في وسط وغرب سوريا، وفق الإعلام الرسمي السوري.

وفي الثالث من الشهر الحالي، استهدفت ضربة إسرائيلية منطقة تقع فيها مستودعات سلاح وذخائر تابعة لمقاتلين موالين لإيران في ريف دمشق، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، قتل 5 مقاتلين موالين لإيران في قصف إسرائيلي استهدف نقاطاً عدة في ريف دمشق، وفق المصدر ذاته الذي وثق أيضاً مقتل 9 مقاتلين موالين لإيران في ضربة إسرائيلية في منتصف الشهر ذاته في ريف حمص الشرقي. وأفادت دمشق في حينه بمقتل جندي سوري.

ونادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ ضربات في سوريا، لكنها تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفه بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.

وأنكرت في البداية أن أحد الصواريخ السورية التي حاولت التصدي للغارات الإسرائيلية قد وصل إلى منطقة حيفا، وادعت أنه سقط مقابل شواطئ صور اللبنانية. ولكن مسؤولاً رافق وزير الدفاع، بيني غانتس، في زيارته للمغرب، قال لوسائل الإعلام العبرية، في وقت لاحق، إن الصاروخ تخطى الطائرات الإسرائيلية، وضل طريقه وعبر أجواء بلدات الشمال في الجليل، وانفجر على بعد 30 كيلومتراً من سماء مدينة حيفا. وقد روى مواطنون في حيفا أنهم شاهدوا الصاروخ عندما قام بتفعيل منظومة التدمير الذاتي وفجر نفسه في الجو.

وكانت إسرائيل قد امتنعت عن الاعتراف بالغارات، كعادتها، ولكن مع نشر التقارير في المنطقة والعالم عن هذا القصف، بدأت مصادر عسكرية تسرب معلومات عنها، فقالت إن «الغارات المنسوبة لسلاح الجو الإسرائيلي» استهدفت مخازن أسلحة قرب مدينة حمص تابعة لجيش النظام تم ملؤها في الأيام الأخيرة بأسلحة حديثة قدمت من إيران، وقد وضعت في هذه المخازن تمهيداً لتهريبها إلى «حزب الله» في لبنان.

وأكدت أن هذه هي تاسع موجة غارات تنسب إلى إسرائيل نفذت في الشهر الحالي، مشيرة إلى أن هذا العدد غير المسبوق من عمليات القصف يدل على أن إيران لم توقف مشروعها لتعزيز قدرات «حزب الله» من جهة، وأن المعلومات الإسرائيلية تزداد دقة واتساعاً من جهة ثانية، وأن الموقف الروسي بات أكثر تفهماً للمخطط الإسرائيلي لمنع إيران من تعزيز نفوذها في الدول المحيطة بإسرائيل.

يذكر أن الهجمات الإسرائيلية التي نفذت ضد مواقع سورية مؤخراً تمت بصواريخ أرض – أرض، وليس بغارات جوية. وقالت مصادر إسرائيلية إن هذا التغيير جرى ضمن الترتيب مع موسكو، فالروس باتوا محرجين من فشل الصواريخ التي زودوا بها الجيش السوري في التصدي للغارات الإسرائيلية، فطلبوا أن تتنازل إسرائيل بقدر الإمكان عن القصف الجوي. لكن المسؤولين الإسرائيليين أعربوا عن قلقهم المتزايد بشأن انتشار أنظمة صواريخ أرض – جو إيرانية الصنع في سوريا، وتحدثوا عن تحسين قدرات الدفاع الجوي للجيش السوري، مما جعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي العمل فوق سوريا.

إلى ذلك، أفاد «المرصد السوري» بإطلاق القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة التنف، ضمن منطقة الـ55 عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، 4 صواريخ بعيدة المدى من داخل القاعدة باتجاه الغرب من القاعدة، دون معرفة أماكن سقوطها حتى اللحظة، أو إذا ما استهدفت مواقع للميليشيات الإيرانية أو تنظيم داعش في البادية السورية ومحيطها. ويأتي ذلك بالتزامن مع تحليق للطيران الحربي التابع للتحالف الدولي في أجواء منطقة الـ55.

وكان «المرصد» قد أشار في الـ18 من الشهر الحالي إلى أن جيش «مغاوير الثورة» أجرى، بمشاركة القوات الأميركية، تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية عند قاعدة التنف في منطقة الـ55 عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، صباح اليوم الخميس، هدفها رفع الجاهزية القتالية للعناصر.

وقال مسؤولون أميركيون إن ميلشيات إيرانية هاجمت قاعدة التنف بخمس مسيرات قبل أيام.

الشرق الأوسط

————————

البعد الإسرائيلي في الصراع الإيراني الأميركي/ حسن نافعة

تتسم العلاقات الإيرانية مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بعداء شديد، بدا واضحا منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وجسّده حدثان بالغا الدلالة: الأول: وقع حين أقدم الطلاب الإيرانيون في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1979 على احتجاز أكثر من 50 دبلوماسيا وموظفا في السفارة الأميركية في طهران، وأبقوا عليهم رهائن 444 يوما. ومعروفٌ أن الإدارة الأميركية، برئاسة جيمي كارتر في ذلك الوقت، لم تجد من سبيل آخر للإفراج عنهم سوى القيام بعملية عسكرية شديدة التعقيد، أطلقت عليها اسم “عملية مخلب النسر Operation Eagle Claw”، وشاركت فيها قوات جوية وقوات خاصة وقوات تابعة لمشاة البحرية الأميركية، لكنها فشلت، وتم إلغاؤها بعد تحطم طائرتين وسقوط ثمانية جنود أميركيين قتلى. ويُعتقد على نطاق واسع أن فشلها كان من بين أهم أسباب خسارة كارتر الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1980، فقد رفضت طهران أن تتعامل مع كارتر، وفضّلت تقديم الإفراج عن الرهائن هدية خاصة للرئيس ريغان، منافسه في تلك الانتخابات، في أول يوم من دخوله البيت الأبيض! الحدث الثاني: وقع حين قرّرت إيران قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وتسليم مقر السفارة الإسرائيلية في طهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وقد دعي رئيس المنظمة، ياسر عرفات، إلى طهران بهذه المناسبة، وذهب على رأس وفد فلسطيني كبير، ليتسلم بنفسه “مفتاح السفارة الإسرائيلية”، في إشارة رمزية بالغة الدلالة إلى حجم التغير الذي طرأ على سياسة طهران تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وخصوصا تجاه القضية الفلسطينية.

على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على الحدثين الكبيرين، جرت خلالها محاولاتٌ متعدّدة لتحسين العلاقات بين إيران، من ناحية، وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، من ناحية أخرى، عبر اتصالات سرّية جرت إبّان الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت أكثر من ثماني سنوات، وأيضا قبيل الغزو الأميركي لكل من العراق وأفغانستان، إلا أنها ظلت مقطوعة، بل وازدادت توترا بمرور الأيام.

هل يعني ذلك أن إيران تتعامل مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، ومن ثم تفترض أنهما يتبنيان تجاهها سياستين متطابقتين كليا؟ هناك شواهد تدل على أن إيران كانت ولا تزال تعتقد أن الولايات المتحدّة، والتي يحلو لإيران أن تطلق عليها لقب “الشيطان الأكبر”، هي العدو الأول والرئيسي لثورتها الإسلامية، وأنها لا ترى في إسرائيل سوى مجرّد تابع صغير قابل للاستخدام أداةً من أدوات السياسة الخارجية الأميركية، ومن ثم لا يملك لنفسه إرادة أو سياسة مستقلة. ومع ذلك، يشير مسار العلاقات بين الدول الثلاث، بوضوح، ومنذ اللحظة الأولى، انطلاق الثورة الإسلامية في إيران، إلى أن العداء الإسرائيلي لهذه الثورة كان الأكثر حدّة وعنفا. دليلنا على ذلك أن إسرائيل كانت ولا تزال تبذل جهودا مضنيةً لجرّ الولايات المتحدة إلى حربٍ مفتوحة مع إيران، وهو ما فشلت فيه، ما يوحي بأن الولايات المتحدة تبدو أكثر حرصا على ممارسة قدر أكبر من ضبط النفس، وتعمل على تجنّب الدخول في صدامٍ عسكري مباشر مع إيران، ولا يستبعد احتمال وجود تباين في المصالح بين إسرائيل والولايات المتحدة، على الأقل حول الأسلوب الأنسب أو الأكثر فاعلية في التعامل مع إيران.

تفيد نظرة مقارنة بين موقف كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه تطوّر البرنامج النووي الإيراني بأنهما غير متطابقين، على الرغم من اتفاقهما في الأهداف، وأن الفجوة التي تفصل بينهما حول الأسلوب الأمثل في التعامل مع برنامج إيران النووي قابلةٌ لأن تضيق وتتسع، حسب رؤية النخبة الحاكمة في كلا البلدين المتحالفين، فالولايات المتحدة، أيا كان شكل النخبة الحاكمة فيها، تدرك خطورة البرنامج النووي الإيراني، من منظور مسؤلياتها قوّة عظمى، يتيعن عليها أن تكون حريصةً على منع انتشار السلاح النووي في العالم، وأن تتعاون مع القوة العالمية الأخرى، من أجل تحقيق هذا الهدف، خصوصا حين يتعلق الأمر بالطموحات النووية لنظمٍ حاكمةٍ، تعتبرها الولايات المتحدة متطرّفة ومعادية لها، كالنظام الإيراني. ولأنها تدرك، في الوقت نفسه، أن لدى النظام الإيراني أوراق قوة تمكّنه من حماية نفسه ومصالحه، فقد بدت الولايات المتحدة، في أحيان كثيرة، مستعدّة للتعامل مع هذا النظام من موقع الندّية. ومن ثم لم تمانع في الدخول في مفاوضاتٍ مباشرة معه، بمساعدة القوى الدولية الأخرى، إلى أن تمكّنت إدارة أوباما من التوصل معه عام 2015 إلى اتفاقٍ اعتقدت أنه سيحدّ كثيرا من قدرته على امتلاك السلاح النووي، أو تحصيل المعرفة النووية اللازمة لتصنيعه. أما إسرائيل، أيا كان شكل النخبة الحاكمة فيها، فترى النظام الحالي في إيران من منظورٍ مختلف، وذلك لسبب بسيط، أن القضية الأهم بالنسبة لها لا تتعلق ببرنامج إيران النووي، بقدر ما تتعلق بقدرتها هي، أي إسرائيل، على تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وفرض تسويةٍ بشروطها على كل دول المنطقة. ولأنها تعتقد أن النظام الإيراني، وبحكم ما يمتلكه من قدراتٍ عسكريةٍ كافيةٍ لتمكين محور المقاومة الذي تقوده بنفسها في المنطقة من الصمود في وجه الطموحات الإسرائيلية، أصبح يشكّل العقبة الوحيدة التي تحول دون تمكين إسرائيل من تلك الطموحات، أي تصفية المقاومة وفرض تسوية بشروطها على دول المنطقة. بعبارة أخرى، يمكن القول إن إسرائيل ترى في النظام الإيراني نفسه، وليس فقط في برنامجه النووي، تهديدا وجوديا لها. ومن ثم، يكمن الحل الأمثل في إسقاطه وتغييره، حتى لو تطلّب الأمر مواجهة عسكرية شاملة.

كلنا يتذكّر كيف تعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، مع الرئيس الأميركي أوباما، بمجرّد أنه شعر بقرب التوصل إلى اتفاقٍ حول برنامج إيران النووي، فقد ذهب الرجل، في معارضته هذا الاتفاق، إلى حد السفر إلى الولايات المتحدة، رغم أنف رئيسها، ليلقي خطابا أمام الكونغرس بمجلسيه، شارحا فيه ما ينطوي عليه الاتفاق من تهديداتٍ لأمن إسرائيل ووجودها. وعلى الرغم من فشله في حمل أوبابا على العدول عن هذا الاتفاق، إلا أنه لم ييأس في محاولاته الرامية إلى إسقاطه، إلى أن تكللت جهوده بالنجاح مع ترامب الذي قرّر الانسحاب منه. ومع ذلك، يلاحظ أن نتنياهو فشل في جرّ الولايات المتحدة، حتى في عهد ترامب، إلى حربٍ لإسقاط النظام الإيراني، وهو ما سعى إليه دائما، وبإلحاح. صحيحٌ أن ترامب، حليف نتنياهو الأول، تبنّى خيار “العقوبات القصوى” ضد إيران، بديلا لحربٍ يصعب التكهن بنتائجها، لكن القادة الإسرائيليين الذين جاءوا بعد نتنياهو، ويتوقون لإثبات أنهم ليسوا أقلّ منه تشدّدا في مواجهة إيران، يدركون، في الوقت نفسه، أن إيران ليست لقمةً سائغةً يمكن ابتلاعها بسهولة، فقد تمكّنت هذه الدولة العنيدة والصلبة ليس فقط من الصمود في وجه العقوبات الأميركية القصوى أكثر من أربع سنوات، بل وجدت أيضا في الانسحاب الأميركي من الاتفاق فرصة لمواصلة برنامجها النووي بمعدّلاتٍ أسرع مما كانت عليه قبل الاتفاق. ومن ثم تمكّنت من تخصيب اليورانيوم بمعدّلاتٍ أعلى، وبكمياتٍ أكبر بكثير مما كان يمكن أن تصل إليه في أي مرحلة سابقة، حتى لو لم توقع على اتفاق 2015، ما يضع الولايات المتحدة وإسرائيل معا في مأزقٍ لا أحد يعلم كيف سيمكنهما مواجهته.

وافقت إيران، أخيرا، على استئناف مفاوضات فيينا، لكنها ستذهب إلى الجولة السابعة من هذه المفاوضات، وفي يدها أوراق تفاوضية كثيرة، فالعقوبات، على الرغم من قسوتها لم تسقط نظامها أو تضعفه، وهي تشعر أنها ليست في عجلةٍ من أمرها للتوصل إلى اتفاق جديد، أو حتى للعودة إلى الاتفاق القديم بالشروط نفسها، فكلما امتدّت فترة التفاوض اقتربت أكثر من العتبة النووية، ولديها أهدافٌ ليست فقط واضحة، وإنما مشروعة أيضا، وهي: رفع جميع العقوبات المفروضة عليها حاليا، بما في ذلك العقوبات المفروضة على الشركات والأفراد، وتقديم ضماناتٍ بعدم تكرار ما قام به ترامب مرة أخرى. وحتى بافتراض أن إدارة بايدن ستكون قادرة سياسيا على تذليل العقبات الفنية التي تعترض الاستجابة لهذين الشرطين، وأن إيران ستتحلى خلال جولة المفاوضات المقبلة بما يكفي من المرونة لضمان عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق 2015، فمن الواضح تماما أن إسرائيل لن تكون سعيدةً أبدا بهذه العودة، وستبذل كل ما في وسعها لإفشال هذه الجولة، خصوصا أن رئيس حكومة إسرائيل، بنيت، صرّح، أخيرا، بأن إسرائيل ليست طرفا في هذا الاتفاق، ومن ثم لن تلتزم به، وستتصرّف وحدها بما تمليها مصالحها.

تدرك إسرائيل أن محور المقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة سيكون الأكثر ارتياحا واستفادة من نجاح مفاوضات فيينا، وعودة كل الأطراف إلى الالتزام باتفاق 2015. أما الولايات المتحدة فتذهب إلى الجولة السابعة من مفاوضات فيينا محمّلة ليس فقط بعبء الأخطاء المترتبة على انسحاب ترامب من هذا الاتفاق، وإنما أيضا بعبء الهواجس الأمنية لأهم دولة حليفة لها، إسرائيل، وهي هواجس لا تملك إلا أن تأخذها في الاعتبار. غير أن المشكلة التي تواجه الدولة الأقوى والأكثر ديمقراطية أن أهم دولة حليفة لها في المنطقة عاصية ومتمرّدة على قواعد القانون الدولي. المشروع العنصري الاستيطاني الذي تقوده، وتريد فرضه على المنطقة، مستحيل التحقيق في الواقع على النحو الذي تريده إسرائيل، حتى لو بدا، في بعض الأحيان، وكأنه يحقق انتصاراتٍ مرحليةً مبهرة. وهنا يتجلّى المأزق الأميركي بكل أبعاده.

ما سيجري في الجولة المقبلة من مفاوضات فيينا سيلقي بظلاله على قضايا الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وربما في العالم كله، فعدم التوصل إلى اتفاق معناه أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى خيارات أخرى لوقف البرنامج النووي الإيراني، وفقا لتصريحات أدلى بها، أخيرا، وزير الخارجية الأميركية، بلينكن، الأمر الذي قد يوحي بعدم استبعاد استخدام القوة المسلحة، وهو ما تريده إسرائيل بالضبط. أما إذا حدثت المعجزة، وتم التوصل إلى اتفاق، فلن تقبله الحكومة الإسرائيلية، وسيكون عليها إما أن تبتلعه مضطرّة. وحينئذ عليها أن تغير من سياساتها الراهنة في المنطقة، أو أن تذهب بمفردها في اتجاه التصعيد مع إيران. وفي كلتا الحالتين، ستصبح منطقة الشرق الأوسط بعد هذه الجولة مختلفةً إلى حد كبير عما كانت عليه قبلها.

العربي الجديد

—————————–

هل يقايض الأكراد الوجود الأمريكي بالحماية الروسية من دمشق؟/ وائل عصام

تقول إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، إنها رفضت دخول ثلاثة آلاف جندي روسي إلى كوباني، خشية تكرار سيناريو التسوية، الذي حدث سابقا في درعا، في كوباني هذه المرة، أي أن يصبح الروس غطاء لفرض النظام سيادته، رويدا رويدا، إذ تحول الروس لطرف ثالث وبوابة خلفية دخل منها النظام في نهاية الأمر إلى درعا.

وهذا ربما ما يخشاه الكرد في شمال شرق سوريا، أن يكون الوجود العسكري الروسي، غطاء لهيمنة تامة على دمشق، ونقول تامة بمعنى سيطرة مطلقة، من دون حصول الأكراد على أي مكتسبات أو حقوق ضمن الإدارة المحلية، في إطار حكومة دمشق، لأن الأكراد أعلنوا أكثر من مرة أنهم مع البقاء ضمن دولة سورية، لكن ضمن تفاهم يمنحهم جزءا من السلطة والوجود الهوياتي والثقافي في مناطقهم.

وحتى لو دخلت قوات روسية، كما يقترح لافروف، فمن المستبعد أن تخضع أو تذوب القوى الكردية في أجهزة النظام، كما حصل مع فصائل المعارضة المسلحة في درعا، لأن الفرق شاسع بين وضع فصائل المعارضة المشتتة في ما بينها، والمهلهلة القوى في درعا، من دون أي حليف إقليمي يساندها، ووضع الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا المتحدة القوى عسكريا إلى حد ما، إضافة إلى أنها تحظى بدعم حليف أمريكي وتواجد عسكري للجيش الأمريكي، وكذلك علاقات جيدة مع موسكو، الطرف الدولي الأكثر نفوذا في سوريا حاليا، والمرشح ليلعب دور التفاوض بين الكرد ودمشق، ما يجعل أوراق الأكراد التفاوضية قوية حاليا، أنهم يقولون للروس إن لديهم فرصة بإبعاد الأمريكيين، وهو هدف لموسكو ومنافس دولي لهم، ولكن لن يكون ثمن تخليهم عن الوجود العسكري الأمريكي أقل من ضمانات روسية على أعلى مستوى تعوض الحماية الأمريكية، وتمنح الأكراد أعلى سقف ممكن للحصول على حقوق ذاتية ضمن الدولة السورية، التي بلا شك ستدخل قواتها لتلك المحافظات، إن تم هذا الاتفاق بوجود قوات روسية.

الأمريكيون من جانبهم يريدون الخروج من شمال شرق سوريا، هذه هي الرؤية الاستراتيجية الوحيدة التي يملكونها، واشنطن لا تملك خيارات قابلة للتطبيق في تلك المنطقة المتصدعة، حلفاؤها الذين يمكنها الاعتماد عليهم متناحرون في ما بينهم، الأكراد وفصائل المعارضة وتركيا، لذلك فإن الحل الوحيد العملي الذي تبحث عنه واشنطن، يتلخص في تأمين أو إيداع حليفهم الكردي عند طرف ثالث، لا يبدو أن هناك غير موسكو تصلح له، التي ستضمن بالتالي اتفاقية متوازنة بينهم وبين دمشق، أما الجانب التركي فهو وللمفارقة يستثمر لصالح النظام، ببساطة أنقرة تفضل وجود قوات الجيش النظامي على حدودها، بدلا من قوات الأكراد، ولا يرون مشكلة في فرض الدولة السورية على أراضيها، وبالذات إن كانت خاضعة للأكراد، الذين يمثلون تهديدا داخليا للدولة القائمة على حالة قومية تركية أكثر منها توافقية بين مكوناتها، وقد صرح أردوغان ووزير خارجيته أكثر من مرة برغبتهم أو عدم ممانعتهم بسيطرة «الدولة السورية» على أراضيهم، كما أن اتفاق أستانة الذي توجد بمضمونه تركيا في سوريا ينص على هدف عودة الأراضي لسيطرة «الدولة السورية». وقد يكون للكرد الحق في التخوف من تكرار تجربة درعا في كوباني، لأن النظام تمكن من العودة للسيطرة بالكامل على درعا، بعد تسويات مؤقتة وجرعات تخدير روسية، مثل ما سمي باللواء الثامن و»الفيلق الخامس» الذي بقينا نسمع إنه فيلق خارج عن سيطرة الأسد، بل بلغت أخبار الناشطين حدا قالوا فيه، إنه يدعم تحركات الثوار في درعا ضد النظام، كونه مدعوما من «روسيا» وكأن موسكو حليفة الثورة السورية، إلى أن وقعت التسوية برعاية موسكو ودخل النظام كل المناطق والبلدات، التي كانت خاضعة للتفاهمات مع روسيا، لأنه كما قال الضابط الروسي في الاجتماع مع وفد المعارضة «لن تبقى قرية في درعا لن تعود لسيطرة الدولة السورية» ثم يظهر مدير مكتب قائد اللواء الثامن في درعا أحمد العودة، ليقول إن اللواء الثامن تشكل أصلا عام 2018 كجزء من قوات الجيش السوري، وإن رواتب اللواء كانت إضافة إلى المنحة الروسية، تأتي من الحكومة السورية.

القدس العربي

——————————–

===================

تحديث 29 تشرين الثاني 2021

——————-

هل يحرّر الاتفاق مع إيران العواصم العربية؟/ سميرة المسالمة

تتركز في هذه المرحلة أولوية المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وإيران المقرر استئنافها هذه الأيام في فيينا من جديد، على وضع حد للجموح الإيراني، والحؤول دون تنمية قدرات إيران النووية، ولكن هل ما تسعى له كل من الإدارة الأميركية وإسرائيل يمكن حصره في منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وفق نص اتفاقية خمسة زائد واحد التي وقعت عام 2015، بمباركة من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي وصف الاتفاق صبيحة التوقيع بـ “المهم”، وأكد “أنه على ثقة أن إيران لن تتمكن من صنع قنبلة نووية”، معتبرًا أن “الاتفاق النووي أوقف انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط”؟

إن سياق ما حدث والانسحاب الأميركي من الاتفاق 2018 يوضح أنه لم يأت على مقاس المطالب الأميركية، وتاليًا الإسرائيلية، حيث يسعى كل منهما لأن يشمل الأمر، أيضًا، تحجيم قدرات إيران الصاروخية، والحد من نفوذها الإقليمي، وإعادة توظيف أدوارها المشبوهة في المنطقة بما يخدم مصالحهما فقط.

 وعلى ذلك، فإن الخلاف الإسرائيلي مع الدول الأوروبية التي تعطي أهمية خاصة لعودة الاتفاق مع إيران، وفق هيئته السابقة الموقعة عام 2015، هو الذي دفع إسرائيل إلى إعلان موقفها، والإصرار على تجاوز الاتفاق قبل حدوثه، وترك المساحة لنفسها منفردة في التعامل مع القدرات الإيرانية النووية المتنامية، حسب تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، إذ قال: “لن تلتزم إسرائيل بالاتفاق النووي الإيراني في حال التوقيع عليه مجددًا…إيران تتواجد في الوضع الأكثر تقدمًا في برنامجها النووي…. ويتعين على إسرائيل الحفاظ على حرية التصرف والقدرة على التصرف، مهما كانت الظروف السياسية”، ما يعني أن الخلاف في الأولويات الذي ساد ما بعد توقيع 2015، والملاحظات التي أدت إلى الانسحاب الأميركي منه سابقًا، لا تزال تهدد الاتفاق حتى بعد عودته والتزام إيران ببنوده.

وهنا السؤال: هل ستذهب الولايات المتحدة الأميركية، ومعها إسرائيل، إلى الآخر، أي إلى الحد الذي يقوّض قوة إيران، وامتدادها الإقليمي، وخاصة تواجدها في سورية؟ لأن الطرفين المذكورين كانا سكتا عن ذلك التمدد، منذ إتاحة المجال لها، ولأذرعها الطائفية الميليشياوية العسكرية، لأخذ العراق، وبعده التدخل العسكري المباشر في سورية، ما جعل عددًا من المسؤولين الإيرانيين يعلنون صراحة أنهم يسيطرون على خمس عواصم عربية (صنعاء، وبيروت، وبغداد، ودمشق، وكذلك قطاع غزة)، إضافة إلى مدن عربية خليجية غارقة تحت سيولة الاستثمار الإيراني، وهذا ما يفرض التساؤل: هل ستكون الضربات الإسرائيلية جزءًا من عملية “تحرير” العواصم العربية من الهيمنة الإيرانية؟ وهل يصبّ التقارب العربي الإسرائيلي فعليًا في خانة إعادة تصنيف الأعداء في الشرق الأوسط؟

لقد استطاعت إيران تحقيق ذلك التمدد، بدعم شعبي لها، في بعض الدول، كسورية ولبنان، تحت غطاء “مقاومة إسرائيل”، أو انتصارًا للقضية الفلسطينية، لكن تمددها في الدول التي هيمنت عليها، عسكريًا أو اقتصاديًا، عبر استثماراتها الضخمة فيها، أدى إلى خدمة إسرائيل أكثر من الإضرار بها؛ لأن ذلك التمدد والتغلغل المجتمعي والديني أسهم في تمزيق وحدة مجتمعات المشرق العربي، على أسس طائفية، أي أن الوجود الإيراني نجح في إنجاز ما عجزت إسرائيل عن إنجازه منذ قيامها، وإضافة إلى ذلك، أدى إلى تقويض سيادة الدولة في بعض تلك البلدان، وإنهاء ما يسمى جبهة عربية مفترضة ضد إسرائيل، كانت تتمثل (ولو شكليًا) بالجيشين السوري والعراقي المدعومين عربيًا، بعد تحييد الجيش المصري عقب اتفاقية كامب ديفيد 1978.

القصد هنا أن كل هذا العداء الأميركي والإسرائيلي لإيران لا يعني أنه وصل إلى المرحلة الحاسمة، بالرغم من كل الضربات الإسرائيلية المسكوت عنها، أميركيًا ودوليًا، كما قد يعتقد أو يرغب البعض، أو أنه يصب فعليًا في مصلحة الشعوب العربية أو أنظمتها التي تعادي إيران، إذ إن التداعيات الناجمة عن ذلك ذات مروحة خيارات واسعة، من تقليم أظافر إيران، إلى إنهاء نفوذها تمامًا، وبين هذين البعدين ثمة خيارات وسط، كلها تتعلق بمدى رؤية الطرف الأميركي لبقاء الاستثمار، أو التوظيف الأميركي والإسرائيلي لإيران، وسياساتها، في بلدان المشرق العربي، للقيام بالدور “المشبوه أو القذر” عنها، أي للقيام بما تعجز إسرائيل عن القيام به، بغية إضعاف تلك البلدان، بحيث تبقى دولة الاحتلال الإسرائيلي الدولة الأكثر استقرارًا وتطورًا في المنطقة.

مع ذلك، أو ضمن تلك المروحة، يمكن ملاحظة بعض الخلافات، أو التباينات، بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن جهة إسرائيل، نجدها تشعر بأنها هي التي تتأثر بأي نقطة زائدة لدى إيران، وأنها معنية لهذا السبب بالعمل المباشر للرد، بدل ترك الأمور لمزيد من مراكمة النقاط لصالح النظام الإيراني الذي تصفه بأنه “هشّ، لا ينجح في توفير الماء لمواطنيه، اقتصاده ضعيف، والحكومة فاسدة، وتسيطر بقوة الذراع والتخويف”، وكل هذا يجعل إسرائيل تعتقد أن الوقت مناسب لخنق إيران، لا لفكّ الحصار عنها.

أما من الجانب الأميركي، ومعه الغرب الأوروبي، فهما يريان أن الأولوية الآن يجب أن تتركز على وضع قيود على برنامج إيران النووي، كمرحلة أولى، قد تكون مجرد كسب وقت يفسّره كل طرف لمصلحته، وفي كلتا الحالتين ليس للمصالح العربية أي دور في حسابات العودة للاتفاق من عدمها، حيث إن الوجود الإيراني في العواصم العربية ليس في موضع تهديد من أي جهة خارجية، لأنه يمثل العصا والجزرة بآن معًا، بِـيد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل معًا، لاستخدامه على السواء مع العرب أو ضدهم.

مركز حرمون

——————————

واشنطن: باقون في الشرق الأوسط، لكن مخاوف الحلفاء باقية/ هشام ملحم

قبل أسبوع من استئناف المفاوضات النووية في فيينا بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد، بعد توقفها في شهر يونيو الماضي، سعت الولايات المتحدة إلى طمأنة حلفائها في الشرق الأوسط، وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، أنها لن تتخلى عن التزاماتها الأمنية في المنطقة، “ولن تذهب إلى أي مكان” آخر، وفقا لما قاله منسق مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، خلال مشاركته في “حوار المنامة 2021” في البحرين. وشدد ماكغورك على أنه إذا امتحنت طهران جدية الالتزامات الأميركية “فإننا سنحمي شعبنا، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية إذا دعت الضرورة. وإذا استخدمنا القوة العسكرية، فإننا مستعدون لأن نفعل ذلك بشكل حاسم”.

تأكيدات ماكغورك جاءت بعد مواقف مماثلة من وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي ألقى في المؤتمر خطابا رئيسيا، السبت، أوضح فيه أن واشنطن لن تتخلى عن مصالحها في المنطقة، مؤكدا ” نحن ملتزمون بالدفاع عن حلفائنا ومصالحنا، وسنعمل مع الحلفاء والشركاء لحماية الممرات المائية والدفاع عن أمن المنطقة”. ورأى أوستن، الذي خدم في السابق كقائد للقيادة المركزية التي تشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط أن تهديدات إيران ووكلائها في المنطقة واسعة النطاق، وهذا يتطلب التنسيق مع الحلفاء ” للدفاع المشترك عن أمن المنطقة، ويجب على إيران أن تعلم أنها لا تستطيع أن تقوض علاقاتنا في المنطقة”.

ولكن كما يتبين من مواقف المسؤولين الاقليميين وغيرهم من المشاركين الأكاديميين في المؤتمر، هذه التأكيدات الأميركية العلنية لم تنجح في إقناع المسؤولين العرب والإسرائيليين بأن مخاوفهم وقلقهم من تقلص الاهتمام الأميركي بالمنطقة والرغبة المتزايدة في واشنطن في أوساط الحزبين الديموقراطي والجمهوري بتخفيض ما يسمى “البروفيل الاستراتيجي“ الأميركي في المنطقة هي مخاوف ليست في محلها.

حوار المنامة جاء بعد أكثر من شهرين من الانسحاب الأميركي الفوضوي والدموي من أفغانستان، والذي أضر بسمعة واشنطن في المنطقة، وعمق من الشكوك بصدقية التزاماتها الأمنية، وبعد أشهر من إعلان الرئيس بايدن إنهاء المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق مع نهاية السنة الحالية، وبعد بضعة أسابيع من الهجوم بالطائرات المسيرة الذي شنته إيران ضد قاعدة التنف الأميركية في جنوب سوريا، والذي لم ترد عليه الولايات المتحدة، على الأقل بشكل علني.

وحول ما قيل عن غياب الرد الأميركي على الهجوم الذي استهدف قاعدة التنف، قال ماكغورك: “هذه مواضيع لا تستطيع دائما التحدث عنها علنا، وليس كل رد سيكون على شبكة سي أن أن عندما يتم تفجير شيء ما. ولهذا فان الادعاء بأننا لم نفعل أي شيء ليس دقيقا”.

هذه الرغبة الأميركية بتخفيض الالتزامات العسكرية في المنطقة الممتدة من جنوب آسيا إلى منطقة المغرب العربي مرورا بمنطقة الخليج والشرق الأدنى بدأت خلال إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي أراد اعتماد سياسة “التحول إلى آسيا”، وهي عبارة تعني التركيز الدبلوماسي والاستراتيجي والاقتصادي على مواجهة التحدي الصيني للولايات المتحدة وحلفائها على مختلف هذه الجبهات. هذه السياسة واصلها، وإن بشكل مضطرب الرئيس السابق، دونالد ترامب، كما اعتمدها الرئيس، جو بايدن، الذي سعى خلال قمة الدول الصناعية السبع في شهر يونيو الماضي، إلى تعبئة هذه الدول في جهود جماعية دولية لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في العالم.

الانسحاب الأميركي التدريجي من المنطقة يحظى بتأييد أكثرية الأميركيين الذين راقبوا بقلق واستياء بالغين الكلفة البشرية والمالية الضخمة لأطول حربين في تاريخ الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وهما غير حيويتين لمستقبل الولايات المتحدة.  

الأميركيون رحبوا بالانسحاب من أفغانستان، وإن أعربوا عن استيائهم للفوضى وأعمال العنف التي أحاطت بالانسحاب، كما رحبوا بقرار الرئيس السابق ترامب سحب القوات الأميركية الخاصة من الصومال.

على الصعيد السياسي، وبعد مرور و أكثر من 10 أشهر على استلام بايدن لمهامه الدستورية، ركز الرئيس، ولا يزال، على تطبيق برامجه الداخلية بدءا من مكافحة جائحة كورونا، وإقرار خططه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الطموحة والتي تواجه معارضة  قوية وشاملة من الحزب الجمهوري. وعلى الصعيد الخارجي صد التحدي الصيني كان ولا يزال وسيبقى الهم إن لم نقل الهاجس الأساسي الخارجي لإدارة الرئيس بايدن، وإن كان احتواء عدوانية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أوروبا، (ضد أوكرانيا وجمهوريات بحر البلطيق)، والتصدي لانتهاكات روسيا الإلكترونية للأجهزة والشركات الأميركية، يحظى أيضا باهتمام كبير من الرئيس بايدن وفريقه.

في الشرق الأوسط، كان إحياء الاتفاق النووي مع إيران ولا يزال- على الرغم من التصلب الإيراني المستمر- أبرز أولويات إدارة بايدن في المنطقة. ولا يزال بايدن وكبار مساعديه يؤكدون تمسكهم بالمفاوضات كأفضل وسيلة لمعالجة طموحات إيران النووية.

أتسمت علاقات إدارة بايدن الأولية بدول خليجية مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالفتور لأكثر من سبب، من أبرزها الحرب المدمرة في اليمن، ما دفع بايدن لتجميد بعض صفقات الأسلحة لهذه الدول، و”إعادة” النظر بالعلاقة مع الرياض، قبل أن يتراجع عن هذه السياسية، وخاصة بعد اضطرار واشنطن للاعتماد على مساعدة دول الخليج في عملية إجلاء الرعايا الأميركيين والأجانب من أفغانستان. لاحقا استأنفت واشنطن صفقات الأسلحة، بما في ذلك صفقة الطائرات المتطورة من طراز إف – 35 لدولة الإمارات وصفقة صواريخ وقطع غيار للسعودية على الرغم من المعارضة المتزايدة في الكونغرس لهذه الصفقة الأخيرة من مشرعين من الحزبين بسبب حرب اليمن.

عينت إدارة بايدن عددا من المبعوثين الديبلوماسيين لإيران واليمن والقرن الأفريقي، ولكن جهودها في هذه المجالات لم تحقق أي نتائج حتى الآن، كما أوضح البيت الأبيض وبأكثر من طريقة مباشرة وضمنية، أن الرئيس بايدن لن يستثمر الكثير من وقته وجهوده لمعالجة قضايا كان جميع أسلافه- باستثناء ترامب- يهتمون بها مثل النزاع العربي-الإسرائيلي أو في حروب سوريا وليبيا. 

وفي الوقت ذاته، شجعت إدارة الرئيس بايدن، كما فعل وزير الدفاع أوستن والمنسق ماكغورك في المنامة، دول الخليج  على اعتماد الدبلوماسية لحل خلافاتها مع إيران، في ضوء الاتصالات السعودية- الإيرانية، ورغبة دولة الإمارات في إحياء الدبلوماسية مع طهران. تركيز واشنطن على التنسيق العسكري والمناورات العسكرية المشتركة مع دول المنطقة كما رأينا مؤخرا في المناورات التي شاركت فيها إسرائيل ودولة الإمارات والبحرين والقوات الأميركية، يبين أنها ستعتمد أكثر على حلفائها في المنطقة، وهي تواصل تخفيض بروفيلها العسكري في الخليج وشرق المتوسط والقرن الأفريقي. ومن هنا جاء تركيز وزير الدفاع أوستن في خطابه في المنامة على هذا التنسيق والتدريب العسكري لجيوش الحلفاء في المنطقة.

ويمكن وضع عملية تطبيع العلاقات بين دول خليجية مثل دولة الإمارات والبحرين مع إسرائيل من خلال “اتفاق إبراهيم” في سياق محاولات بعض دول المنطقة تعزيز علاقاتها الاستخباراتية والأمنية والسياسية والاقتصادية للتخفيف من الآثار السلبية للانسحاب التدريجي الأميركي من المنطقة، ولتعزيز التعاون الإقليمي الاستخباراتي والأمني في مواجهة إيران.

مضمون خطب وتصريحات الوزير أوستن والمنسق ماكغورك في المنامة بقيت ضمن السياسة العريضة التي اعتمدها بايدن، أي مواصلة المساعي السلمية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، واحتواء أو إدارة النزاعات الأخرى في المنطقة، وتوسيع رقعة تحرك حلفائها في المنطقة لخدمة مصالحهم، كما يتبين من عدم معارضة واشنطن الفعلية لجهود دول حليفة مثل دولة الإمارات لإعادة النظام السوري إلى “الحظيرة” العربية على الرغم من حربه الهمجية ضد شعبه. حتى المواجهة الدموية قبل أشهر بين إسرائيل وحركة حماس في غزة لم تؤثر على موقف إدارة بايدن الأولي بتجاهل هذا النزاع لأطول وقت ممكن. الوجود العسكري الأميركي المحدود في سوريا، هو للتصدي لتنظيم داعش وتدريب الحلفاء الأكراد، ولكن واشنطن جمدت منذ سنوات من مساعيها الدبلوماسية في سوريا، وسلّمت عمليا بهيمنة روسيا وإيران في سوريا.

ستواصل إدارة الرئيس بايدن العمل مع الحلفاء والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة لمعالجة أو إدارة نزاعات القرن الأفريقي وليبيا، ولكن لا توجد هناك أي مؤشرات بأن إدارة بايدن ستقوم بأي مبادرات دبلوماسية جدية تتطلب دورا مباشرا ودؤوبا من الرئيس بايدن لمحاولة إيجاد حلول لأي من أزمات المنطقة. عندما طالب الرئيس الأسبق، باراك أوباما، دول الخليج تحّمل المزيد من أعباء أمنها، لم يكن يتوقع قيام السعودية وحلفائها بتصعيد القتال في اليمن وتحويله إلى أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.

وقطعا لم يفكر الرئيس السابق، دونالد ترامب، بمضاعفات سحبه للقوات الأميركية من شمال سوريا للسماح للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، باستباحة شمال سوريا، أو تدخل تركيا ودول عربية أخرى في النزاع الليبي. الحرب في سوريا أظهرت أن الدول الإقليمية مثل إيران وتركيا وإسرائيل، وروسيا من خارج المنطقة، لن تتردد في اتخاذ أي إجراءات تخدم مصالحها حتى ولو حوّلت سوريا إلى أرض يباب. وضع أمن منطقة الشرق الأوسط في أيدي المسؤولين في الشرق الأوسط وحلفائهم مثل روسيا، لن يجلب بالضرورة السلام إلى المنطقة، وتطورات الماضي القريب، تبين أن المستقبل القريب لن يكون أفضل.

الحرة

—————————–

من الذي يناور، طهران أم واشنطن؟/ سعد كيوان

كل المعطيات والمؤشّرات والتصريحات منذ أسابيع، من هنا ومن هناك، تفيد أن موعد اليوم الاثنين، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، حاسم ومفصلي بالنسبة للتوصل إلى اتفاق، أو أقله إلى إعادة إطلاق المفاوضات المجمدة منذ خمسة أشهر بشأن الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، بعد أن كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب قد ألغى العمل بالاتفاق الذي وقعه سلفه باراك أوباما في يوليو/ تموز 2015. وكما أن الإدارة الأميركية الحالية، برئاسة جو بايدن، تحثّ إيران على العودة إلى المفاوضات بدون شروط، فإن نظام الملالي نفسه، وعبر أكثر من مسؤول يبدي، أخيرا، رغبته العلنية في العودة إلى طاولة النووي في فيينا، وحرصه على إنجاح المفاوضات، بدءا من الرئيس الإيراني الجديد المتشدّد، إبراهيم رئيسي، وصاحب السجل الحافل بالإعدامات، مرورا بوزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، الذي وصفه التلفزيون الإيراني عند تعيينه بأنه “دبلوماسي مرموق لمحور المقاومة”، ويتمتع، بحسب وسائل إعلام إيرانية شبه رسمية، بعلاقات وثيقة مع حلفاء إيران في المنطقة، مثل النظام السوري الدموي وحزب الله المليشياوي خاطف الدولة في لبنان وفصائل ومليشيات عراقية موالية لإيران، وكان على علاقة وثيقة بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي اغتيل في غارة أميركية في 3 يناير/ كانون الثاني 2020. كما أن اللافت في سيرة اللهيان، الذي يظهر كل إيجابية في العودة إلى المفاوضات، أنه كان يكتب مقالات في السياسة الخارجية وينشرها على الموقع الإلكتروني الخاص بالمرشد الأعلى، علي خامنئي، ويصفه أحد المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي بـ”دبلوماسي متشدّد ما يوحي أن طهران ستتبنّى نهجا متشدّدا للغاية في المفاوضات”. وهذا ما أعلنه رئيسي عند انتخابه، قائلا إنه “يريد استعادة الاتفاق النووي كما كان عام 2015 ومقاومة الجهود الأميركية للتفاوض على اتفاقٍ أوسع، يهدف إلى الحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط”. فيما يراهن مسؤولون ودبلوماسيون غربيون (“وول ستريت جورنال”) في المقابل على أن عبد اللهيان “رجل براغماتي تعامل مع مسؤولين أميركيين من قبل، وكان أحد الدبلوماسيين الإيرانيين الذين شاركوا في المحادثات حول ترتيبات الوضع الأمني في العراق عام 2007 مع السفير الأميركي رايان كروكر”. ومن بين أبرز نقاط الخلاف العالقة بين الطرفين، من وجهة نظر طهران، إصرار الولايات المتحدة على تغيير بعض بنود الاتفاق، واستخدام المفاوضات لمعالجة مسائل استراتيجية، مثل منع إيران من تصنيع الصواريخ الباليستية، والحدّ من نفوذها وتوسعها الإقليمي الذي يقلق العرب ودول الخليج بالتحديد.

أي موقف وأي توجه يعكسان النيات الحقيقية لنظام الملالي، ولماذا قرّرت طهران العودة إلى المفاوضات، وهل قرّرت فعلا التخلي عن شروطها المسبقة، وفي مقدمها رفع العقوبات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة، والتي زادت منها الإدارة الحالية. أما أصعبها وأكثرها تعجيزا مطالبتها بالتزام الإدارة الأميركية الحالية بعدم الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، حتى من الإدارات اللاحقة في المستقبل! وإذا كان الملالي يريدون فعلا إعادة النظر في مقاربتهم، وجادّين في العودة إلى المفاوضات، فلماذا يقرنون هذه الإيجابية التي يعلنون بتصعيد المواجهة وتسخين ساحات النزاع الإقليمية واستفزاز الأميركيين، مثل اقتحام الحوثيين السفارة الأميركية في صنعاء، واحتجاز موظفين يمنيين بداخلها، ثم شن هجوم بالصواريخ عبر طائرات مسيّرة على قاعدة عسكرية في الرياض، فيما هم (الإيرانيون) يجرون، منذ أشهر، حوارا مع السعودية في بغداد، يقولون إنه إيجابي وبناء. وفي العراق نفسه، تصعّد المليشيات التابعة للنظام الإيراني، والمنضوية في إطار “الحشد الشعبي”، حملتها على الحكومة، وتهدّد باللجوء إلى العنف، لتقويض تجربة مصطفى الكاظمي بعدما أصيبت بهزيمة نكراء في الانتخابات البرلمانية. وفي لبنان يحبس حزب الله أنفاس الدولة، معطلا عمل الحكومة التي أتى بها أخيرا، ويشل القضاء، ويتسبب بعزلة لبنان العربية والدولية، ويخرّب علاقاته مع السعودية ودول الخليج. ناهيك عن عمليات الاستفزاز والقرصنة الذي يقوم بها الحرس الثوري بشكل مباشر بحرا، باحتجاز سفن أجنبية تحت حجج واهية عشية مباحثات فيينا، وقبل أيام فقط من زيارة مدير عام وكالة الطاقة الذرية، رفائيل غروسي، طهران. هذا كله فيما العقوبات تحاصر الداخل وتقوّض الاقتصاد وتحرم الإيرانيين من الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والماء والمحروقات. أما نسبة الوفيات بفيروس كورونا فقد تخطت المائة شخص يوميا بعد إعادة فتح المدارس.

وفي ما يخص الولايات المتحدة، هذا المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، الذي عينته إدارة بايدن، ويعتبر مرناً حيال طهران، كونه كان مسؤؤلا عن الملف خلال إدارة أوباما، ومن صانعي الاتفاق، يحذّر من أن “وقت إحياء الاتفاق النووي بدأ ينفذ”، مؤكّدا أن “إيران بدأت تقترب من نقطة اللاعودة، من أجل إحياء الاتفاق النووي، مع زيادة مخزوناتها من اليورانيوم المخصّب”. وحذّر مالي من أنه إذا استمرّت طهران في التخصيب، فإن هذا سيؤدي إلى استحالة أي منفعة من العودة إلى الاتفاق النووي، وكشف عن أن هناك تنسيقا مع روسيا والصين، اللتين تدفعان أصلا باتجاه العودة إلى الاتفاق، لمنع حدوث أزمة، من شأنها أن تشعل المنطقة في حال استمرّت إيران في مسارها التصعيدي. في المقابل، أكد مالي أن إدارة بايدن تريد إطلاق سراح جميع الأميركيين المحتجزين ظلما في إيران، ولن تقبل باتفاق جزئي للإفراج عنهم. كما أنها أعلنت، في السابق، دعمها محاسبة النظام الإيراني في قضية الطائرة الأوكرانية التي أسقطها “الحرس الثوري” الإيراني غداة تشييع سليماني. لا بل أكثر من ذلك، يذهب الرئيس الأميركي أبعد، ملوحا بالخيار العسكري، فقد صرّح، في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عند تحديد موعد استئناف المفاوضات، إنه سيتحتم على الولايات المتحدة “إيجاد توازن دقيق بين تقديم تنازلاتٍ وممارسة ضغوط، وصولا إلى تهديدات عسكرية” مشكّكا بنيات طهران. وهذه كلها مواقف وإشارات لا تساعد على إيجاد أجواء من الثقة الملائمة لإنجاح المفاوضات، تماما كما تفعل إيران بتصعيدها في أكثر من اتجاه، إلى درجة أنها أحرجت الأوروبيين الذين حاولوا ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة، وبالأخص فرنسا، التي ما زالت تسعى إلى لعب دور الوسيط بين الطرفين، طمعا بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية مع إيران. وهذا رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، ينذر واشنطن، عشية استئناف المفاوضات، بأن إسرائيل لن تلتزم بالاتفاق النووي مع إيران، حتى وإن عادت إليه كل الدول الكبرى!

واضح أن إدارة الرئيس بايدن في حيرة من أمرها، فهي تريد، وتأمل، من إيران أن تعود إلى طاولة فيينا، ولكنها لا تريد (أو غير قادرة!) أن تمارس ضغوطا إضافية عليها، وعاجزة، في الوقت عينه، عن تفسير حقيقة ما يريده الملالي، وعن استشراف أفق التصعيد الذي يمارسونه، لأنها غير قادرة، في المقابل، على تقديم أي شيء أو الخضوع لابتزاز طهران، أو حتى التراجع عما فرضته الإدارة السابقة. بدوره، يقوم النظام الإيراني، وكعادته، بتحريك أوراقه الإقليمية (العربية)، لتعزيز شروطه التفاوضية وتحسينها، على الرغم من أن واشنطن لم ترفع العقوبات مسبقا، ولن تتخلّى عن شرط وقف صنع الصواريخ الباليستية، وعن وقف تخصيب اليورانيوم. فلماذا العودة إذا إلى طاولة المفاوضات، وعلى ماذا يراهن كل طرف؟ ومن يناور على الآخر؟ الظروف لا تبدو ناضجة .. أم هناك طبخة قد نضجت وراء الكواليس، وينتظر رفع الستارة عنها في فيينا؟

العربي الجديد

————————-

ايران والتزامات ما بعد فيينا السورية/ حسن فحص

من المفترض ان يقوم المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشوؤن الشرق الاوسط وشمال افريقيا ميخائيل بوغدانوف الاسبوع المقبل بزيارة الى العاصمة الايرانية طهران، ومن المقرر ان يلتقي في زيارته هذه المرشد الاعلى للنظام الايراني آية الله علي خامنئي، ما يعني ان الملفات التي يحملها بوغدانوف على درجة عالية من الاهمية التي تستوجب الحصول على موافقة ومباركة المرشد الاعلى، لان التوافق عليها مع المسؤولين المعنيين بهذه الملفات لا تعطيها القطعية او الصفة التنفيذية الملزمة، ما يعني انها ذات طابع استراتيجي يتعلق بالدور الايراني في منطقة غرب آسيا.

ازمة القوقاز والصراع الاذربايجاني الارميني ستكون حاضرة على جدول مباحثات المبعوث الروسي مع المسؤولين الايرانيين، خاصة وان هذه الزيارة تسبق الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى ايران المقرر في شهر كانون الاول/ديسمبر، فان الازمة الافغانية ستكون ايضا على طاولة المباحثات، خصوصا بعد التطورات الاخيرة في الموقف الايراني الذي يذهب باتجاه امكانية الاعتراف بسلطة وحكومة حركة طالبان، بالاضافة الى التطور الاخير الذي خرج به اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية كل من روسيا والصين والهند حول أفغانستان والدعوة الى تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع المكونات السياسية والقومية والعرقية في هذا البلد، والذي يلتقي مع الرؤية الايرانية التي اعلنتها طهران منذ انهيار حكومة أشرف غني وسيطرة طالبان على الحكم، واكدت عليه في مؤتمر دول الجوار الذي استضافته طهران الشهر الماضي.

الا ان الاهم في الزيارة الروسية وعلى هذا المستوى الرفيع انها تأتي في المرحلة الحساسة التي تلي اعادة احياء طاولة مفاوضات فيينا بين ايران ومجموعة 4+1 وواشنطن، لالغاء العقوبات الاقتصادية من الناحية الايرانية، واعادة احياء اتفاق فيينا من الناحية الامريكية والترويكا الاوروبية، وما يمكن ان ينتج عنها من تطورات تفرض على القيادة الروسية ان لا تكون بعيدة عن تفاصيلها وما يمكن ان ينتج عنها من تداعيات قد تطاول منطقة الشرق الاوسط وملفاتها وازماتها الحامية التي تشكل مناطق نفوذ ومجال حيوي للوجود الايراني الامني والعسكري والسياسي والاستراتيجي.

الاهتمام الروسي بمعرفة الموقف الايراني ما بعد اجتماعات فيينا، يوحي بوجود اعتقاد لدى موسكو بان العودة الى طاولة التفاوض قد تنتهي الى نتائج قد تساهم في تفكيك العقد العالقة بين طهران وواشنطن، وتسمح باعادة الحياة الى اتفاق فيينا، على الاقل في اطار ومسار متدرج، ان لم يكن مؤقتاً، يسمح بالغاء جزء من العقوبات مقابل عودة جزئية لايران الى تنفيذ تعهداتها والتزاماتها في الاتفاق حول انشطة تخصيب اليورانيوم، ويسمح لواشنطن والترويكا الاوروبية بتهدئة مخاوفهم من الطموحات النووية لطهران التي تقترب من الحدود العسكرية.

ولا شك ان موسكو رصدت الغزل المتبادل بين الجانبين الايراني والامريكي في الاسابيع الاخيرة، الذي عبرت عنه مواقف  اطلقها المبعوث الامريكي الخاص للازمة الايرانية روبرت مالي بعد اجتماع الرياض بمشاركة الترويكا الاوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر، الذي طالب ايران بالعودة الى الاتفاق النووي مقابل انفتاح خليجي وتعاون اقتصادي وسياسي. وهي المواقف التي رد عليها وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان بان الغاء العقوبات الامريكية سيفتح الطريق امام تعاون ومساعدة ايرانية في حل الازمات في المنطقة.

هذه المواقف الغزلية المتبادلة، جاءت بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الى دمشق واللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الاسد، وانسحاب قوات التحالف العربي ذات الطابع الاماراتي من السواحل الغربية لليمن في الحديدة، والضغوط التي تمارسها طهران على حلفائها على الساحة العراقية لمنع التصعيد والقبول بنتائج الانتخابات التي ستصدر عن القضاء العراقي، وتسريع تشكيل الحكومة التي تتوافق عليها كل المكونات العراقية السياسية.

وهي تطورات تزامنت مع الكشف عن ورقة – خريطة الطريق المسربة للحل في سوريا التي يعمل عليها الاردن بالتنسيق مع واشنطن وموسكو والتي لم تتحدث عن اخراج او انهاء الوجود الايراني في سوريا، بل في “ابعاده” عن بعض المناطق السورية، اي من الجنوب على طول خط الحدود مع الجولان المحتل او مناطق التماس مع اسرائيل التي تعتبر انتشار عناصر “قوة القدس” في حرس الثورة في هذه المناطق مصدر تهديد لامنها.

من هنا، تكتسب زيارة الموفد الروسي بوغدانوف الى طهران واللقاء مع المرشد الاعلى اهمية عالية، لكونها سترسم مسار العلاقة بين البلدين على الساحة السورية، وتؤسس لفتح مرحلة جديدة من العلاقة الدولية مع النظام السوري، وتساعد على اعادته الى الحضن العربي من بوابة الجامعة العربية، فضلا عما تشكله من تفكيك لمخاوف تل ابيب التي ترى في اعادة احياء الاتفاق النووي وما يتبعه من خطوات الغاء العقوبات الاقتصادية الكامل او المتدرج، من دون حل لازمة الانتشار والوجود الايراني لها على الساحة السورية، مصدر تهديد لها قد يدفعها لاتخاذ خطوات تصعيدية مفتوحة على جميع الخيارات.

ويبدو ان الزيارة الروسية في التوقيت الذي حدد لها، ستكون مهمتها اعطاء الصفة النهائية والالزامية لما يمكن تسميته تفاهمات ميدانية بين الجانبين حول وجود عناصر حرس الثورة في الجنوب السوري. تمنع بموجبها القوات الروسية دخول اي من هذه العناصر سواء بصفة مستشارين او مقاتلين الى المناطق الجنوب والجولان، ولا تسمح لهم بعبور  نقاط التفتيش التي اقامتها في هذه المناطق، وتجبرهم على العودة. ومن المفترض ان تتحول هذه التفاهمات الى اتفاق واضح المعالم وملزم لكل الاطراف سيكون على المبعوث الروسي تكريسه في زيارته الى طهران، ومن المتوقع ان تتوسع دائرته لتشمل عناصر حزب الله اللبناني، فضلا عن بحث اخلاء العاصمة دمشق من الوجود العسكري لهذه القوى ايضا.

المدن

———————

مفاوضات غير واعدة في فيينا/ مهند الحاج علي

ليس هناك الكثير من التفاؤل في الجولة الأخيرة لمفاوضات فيينا، وهذا ينعكس سلباً على المنطقة بأسرها، ومنها لبنان المفتوح أمام التلاعب والمنازلة بالوكالة لمن أراد وقرر.

في فيينا حيث تجتمع وفود ايران والصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة، منسوب التفاؤل منخفض لأسباب أولها التقدم الحاصل في البرنامج النووي الإيراني، والتوتر الإسرائيلي المرافق له. وفقاً لما تنشره الصحافة العبرية، تحتاج إيران الى سنة أو سنة ونصف السنة للحصول على القدرات التقنية لاستكمال صنع قنبلة نووية. بعدها، سيكون على طهران إجراء تجربة نووية (إسرائيل لم تجر تجربة نووية علنية، لكن يتردد أن علماء إسرائيليين كانوا حاضرين في تجارب جنوب افريقية ابان نظام الفصل العنصري هناك).

ثاني أسباب عدم التفاؤل هو الشروط الجديدة. إيران باتت الآن تطلب تعويضات مالية من الولايات المتحدة عن عقوبات الإدارة السابقة رغم التزام إيران بجانبها من الاتفاق، علاوة على ضمانات منها بعدم الانسحاب مجدداً، كما حصل مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. لكن الرئيس جو بايدن غير قادر دستورياً على توفير أي ضمانات تتجاوز الإدارة الحالية.

وهذه معضلة حقيقية. ماذا لو وافقت طهران على العودة للاتفاق، وأعادت برنامجها النووي للوراء، ومن ثم فازت إدارة أميركية جمهورية عام 2024؟ من المطلوب حالياً التوقيع على اتفاق مؤقت للجانب الأميركي ينتهي مع انتخاب رئيس جمهوري، لكنه دائم الآثار للجانب الإيراني (يعيد البرنامج النووي للوراء سنوات). إذاً، لماذا تعود ايران الى المفاوضات بكل هذه الشروط الجديدة، وفي ظل غياب التفاؤل؟

الإجابة هي الصين. بكين تشتري غالبية النفط الإيراني الذي ارتفعت مبيعاته أخيراً الى حوالى مليون ومئتي الف برميل (تضاعف ست مرات من مستوى مئتي ألف برميل في ظل إدارة ترامب). الصين هي مسؤولة عن فك الكماشة الأميركية على ايران، لكن ذلك يمنحها قدرة الضغط والحسم في حال أرادت ذلك. لهذا، فإن المقايضة الصينية-الأميركية تحظى بقدر مماثل من الأهمية. إذا أرادت الصين، بإمكانها الضغط على ايران للقبول بالعودة للاتفاق، أو العكس. وبالنسبة للمشاركين في هذه المفاوضات، والمراقبين الأميركيين، الموقف الصيني وحده الحكم والمؤشر الى مآلات الأمور. إلا أن سياسة هذه الإدارة حيال الصين، لا توحي بحلول أو صفقات من هذا النوع.

لهذا، علينا أن نفترض عدم نجاح الجولة الجديدة من المفاوضات، وأنها ستنتهي دون تحقيق أي نتائج. من الصعب عدم أخذ التهديدات الأميركية والإسرائيلية باللجوء الى خيار الضربة العسكرية، على محمل الجد. لكن في الوقت ذاته كذلك، من شأن تنفيذ ضربات جوية على المنشآت الإيرانية أن يستدعي رداً أو سلسلة ردود بعضها عسكري مباشر وآخرها أمني، ما قد يجر واشنطن مجدداً الى منطقة ترغب إدارة بايدن في الانسحاب منها.

وهنا منطقة رمادية خطرة بالنسبة لساحة مفتوحة كلبنان. الحرب السيبرانية الدائرة بين إسرائيل وايران (استهداف محطات الوقود الإيرانية ورد طهران بكشف خصوصيات المشتركين في مواقع مواعدة مثلية إسرائيلية، كما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز”)، أو التصعيد الأخير في عمليات قصف سوريا، تُمثل مؤشرات الى البحث عن وسائل أخرى للضغط، قبل خيار الضربة المباشرة. الهدف المنطقي الآن هو لي ذراع ايران للعودة للاتفاق بشروط مقبولة، لكن هل يكون لبنان بوابة لذلك؟

المدن

————————–

إيران العائدة الى المفاوضات..من دون حلفائها/ ساطع نور الدين

طوال أسابيع، لم يغِب الطيران الحربي الاسرائيلي، على إختلاف أشكاله، عن سماء لبنان وسوريا. في بعض الانحاء اللبنانية كان يصعب التمييز بين هديره وطنينه، وبين هدير مولدات الكهرباء وألحانها المنوعة. لكن أحداً لم يجرؤ على الربط بين تلك الأنغام والإيقاعات القاتلة. العدو في السماء وعلى الارض أيضا.

    لم تكن غاية الهدير الاسرائيلي، الازعاج فقط. لا في لبنان، ولا طبعا في سوريا. الغارات الجوية التي تكثفت في الاسابيع القليلة الماضية على أهداف مختلفة داخل سوريا برهنت مجدداً على أن الاسرائيليين كانوا في مهمة واضحة ومحددة: أميركا تستخدم العصا الاسرائيلية الغليظة، لكي تقنع إيران بأنه حان وقت العودة الى المفاوضات النووية، من دون تأخير ولا تردد إضافي، ومن دون الشروط التي ترددها طهران، لا أكثر ولا أقل. كان لبنان في هذا السياق، مجرد معبر جوي آمن للطيران الاسرائيلي، أو محطة جوية مؤقتة لإطلاق بعض الصواريخ من دون التسبب بالحرج مع الحليف الروسي ودفاعاته..

لكن الهدير كان (ولا يزال حتى اللحظة) مدوياً أكثر من أي وقت مضى، ما دفع الى التحليق عالياً في سماء التحليلات التي تنهي أو على الاقل تقلص الوجود العسكري الايراني في سوريا، ولبنان، الى الحدود الدنيا.. وتقيم حداً فاصلاً بينه وبين الإنتشار العسكري الروسي، يعادل القطيعة، ويوحي بأن روسيا على وشك مغادرة مأزقها المستمر منذ خمس سنوات في سوريا، حيث لم تستطع ان تفرض سيطرتها الحصرية المطلقة على سوريا، ولم يعد بإمكانها الخروج  من سوريا، إلا مهزومة.

الطيران الاسرائيلي هو مجرد تشكيل على تلك اللوحة السورية واللبنانية. السيادة في الجو، لا تعني السيطرة على الارض. وكذا الأمر بالنسبة الى الطيران الروسي. لكن إخراج إيران من سوريا ليس على جدول أعمال أحد حتى الآن. ومثل هذه الخطوة لا تتم من الجو، بل هي تحتاج الى بلوغ العمق الايراني، الذي تمكن الاسرائيليون من إختراقه أكثر من مرة، وقلبوا الحصار العسكري الذي فرضته إيران عليهم بواسطة حلفائها رأساً على عقب.. ما ساهم في صدور القرار بالعودة الى المفاوضات النووية في جنيف، يوم الاثنين.

هذا القرار هو، بكل المعايير، خطوة إيرانية الى الوراء، تستجيب للضغط العسكري الاسرائيلي المكثف، والضغط السياسي الاميركي الشديد.لم تحقق طهران طوال الاشهر الخمسة الماضية من إنقطاعها عن مفاوضات جنيف، سوى زيادة تخصيب اليورانيوم. وهو ثمن بخس بالمقارنة مع ما كانت ولا تزال تتعرض له من حصار.. وثمن لا يحتسب لدى سماع مطلبها برفع العقوبات كافة، أو بالحصول على تعهد رسمي أميركي بعدم نقض الاتفاق النووي مجدداً، كما فعل دونالد ترامب. وهو تعهد لم تحصل عليه من باراك أوباما ولن تحصل عليه من الرئيس الحالي جو بايدن، حتى ولو رفعت تصريحها الصادر قبل يومين بعدم السعي الى صنع قنبلة نووية، الى مستوى الفتوى.

ليس من السهل على إيران أن تصنف عودتها غداً الى مفاوضات فيينا إنتصاراً إلهياً جديداً. فهي في مماطلتها حاولت، وأخفقت في إستثمار مختلف أوراق القوة الاقليمية التي تمتلكها سواء في العراق او اليمن او سوريا، او حتى لبنان، وإنتهى بها الأمر عند نقطة البداية، أو ما قبلها: رفع العقوبات لم يعد شرطاً مسبقاً لإستئناف التفاوض مع الاميركيين، والضمانة المطلوبة من إدارة بايدن لم تعد شرطاً ملزماً لتجديد الاتفاق.

دبلوماسية إيران أمام لحظة الحقيقة المرّة، التي سبق أن أدركها فريق الرئيس الايراني السابق حسن روحاني جيداً: العبث في الشأن النووي بالغ الخطورة، إذا لم تكن هناك نية لصناعة قنبلة، وإذا ظلت تلك الخطوة محرّمة. عندها لا يبقى سوى التسليم بالقضاء الدولي والقدر. أما التلويح بالخروج مجدداً من المفاوضات، إذا لم ترفع العقوبات كاملة ولم تقدم واشنطن الضمانة اللازمة، فهو لا يعني سوى سوء التقدير في إيران..والمزيد من الهدير في سماء سوريا ولبنان.    

المدن

———————

تقاربات إقليميّة وسط تباعدات عربيّة/ عبدالوهاب بدرخان

تمرّ المنطقة العربية بمرحلة تحوّلات، قد تطول أو تقصر، وقد تنجح أو تفشل، بحسب النجاحات والتوازنات التي يمكن التوصّل إليها في حوارات التقارب بين العرب ودول الجوار الإقليمي، تركيا وإيران وإسرائيل. كان ذلك خياراً مطروحاً منذ نهاية العقد الماضي، وقبيل اندلاع الانتفاضات الشعبية العربية، ولم يتأمّن توافق عليه بين الدول العربية الأساسية، مصر والسعودية وسوريا، آنذاك، بسبب تباين المقاربات لدى كلٍ من هذه الدول، لا سيما إسرائيل وإيران، أو بسبب الحساسيات حيال تركيا. وإذ ألحّت الولايات المتحدة دائماً على التطبيع العربي – الإسرائيلي من دون أي مبادرة متوازنة، فإنها شجّعت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على تفاهم عربي – إيراني، لكن أيضاً من دون ضوابط للطرف الإيراني. ولا تتبنّى إدارة الرئيس جو بايدن الاتجاه نفسه فحسب، بل إن انسحابها من أفغانستان يجعله خياراً إلزامياً ويمثّل دفعاً عملياً إليه.

تغيّرت الآن تلك الصيغة العربية الثلاثية، التي اختصّت بالشرق الأوسط وبالقضية الفلسطينية تحديداً، بسبب أوضاع سوريا التي باتت مناطق نفوذ للدول الإقليمية الثلاث، إضافة الى روسيا والولايات المتحدة. هناك محاولات لملء الفراغ الذي تركته سوريا، أو لمساعدتها في العودة الى دورها، وربما تأتي مبادرات الإمارات والأردن في هذا السياق، إلا أن فاعليتها تصطدم بطبيعة النظام السوري وبتعقيدات الواقع على الأرض، بمقدار ما تتوقّف على وفاق أميركي – روسي لا يزال صعباً. وفيما يعاني الشرق الأوسط والخليج من سباق محاور داخلية أو مرتبطة بالإشكالات الدولية والإقليمية، لا يبدو المغرب العربي بأفضل حال، خصوصاً بعد القطيعة التي قرّرتها الجزائر مع المغرب على خلفية رفضها الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وما رافقه من تطبيع للعلاقات المغربية – الإسرائيلية. ثم إن الأزمة الليبية وتداعياتها فرضت أيضاً تنافساً مغاربياً ومحاولات لرسم محاور ضائعة بين التدخّلين التركي والروسي، وبين أدوار أميركية وأوروبية دائمة التقلّب بين تفاهمات وتناقضات.

فشلت الانتفاضات الشعبية العربية، وانكفأ ما سُمّي “الربيع العربي”، بعدما استثار كل الانقسامات الاجتماعية. تأذّى العالم العربي كثيراً جرّاء هذا الفشل، وتعرّضت قضاياه العادلة لأسوأ الأضرار. لم تسنح الفرصة التاريخية لتحقيق “التغيير” الذي صدحت به الشوارع والساحات، أما “قوى التغيير” المُفترَضة فجرّبت وجازفت، لكن من دون جدوى، إذ إن نقص الخبرة وهوس التسلّط والنهم الى المكاسب لم تمكّنها من إنتاج أنظمة بديلة أكثر عدالة أو من إنهاض الاقتصادات من عثراتها وتخلّفها. فالذين خرجوا بالأمس للدفاع عن حقوقهم الأساسية، يخرجون اليوم للمطالبة بحد أدنى من العيش السويّ. لا أحد يتذكّر أن تلك الانقسامات كانت إرث الأنظمة المتساقطة لشعوبها، أو أن الاقتصاد – “الاستقرار” كان صامداً فقط بتوفّر غطاء سياسي خارجي لتلك الأنظمة، وليس بفضل استغلال جيّد للموارد الداخلية والمساهمات الدولية أو حسن إدارة لديناميات الإنتاج والنمو. والأسوأ أن أحداً لا يريد الاعتراف بأن تصحيح مسارات البلدان المأزومة يبدأ بالضرورة من معالجة الانقسامات، لئلا تتحوّل الى حروب أهلية بلا أي آفاق.

طوال العقد الماضي، أظهرت الانتفاضات الشعبية، إذاً، ما عندها من تحوّلات سياسية وانهيارات اقتصادية وتوتّرات اجتماعية. وعلى قاعدة إخفاقاتها، يبدو العقد الحالي مفتوحاً على تحوّلات عربية على مستوى الدول والحكومات، لكن في اتجاه القوى الإقليمية وبداية تغيير في نمط العلاقات. تتقدّم مصر خطوةً خطوة نحو تطبيع علاقاتها مع تركيا، وتتحاور السعودية مع إيران في بغداد، وتؤسس الإمارات نموذجاً متكاملاً، إذ تفتح صفحة جديدة مع تركيا وتطوّر توافقاً مع إيران من دون أن يؤثّر ذلك في التطبيع الذي أقامته مع إسرائيل. من الواضح أن تركيا وإسرائيل تحاولان التكيّف مع هذا التوجّه، وإنْ بطرق ومفاهيم مختلفة، أما إيران فلا تبدو جاهزة بعد، وإلا لكانت طبّقت أقوالها عن “الانفتاح على الجوار”، والمقصود به السعودية، بأفعال، ما دام حوارها مع الرياض يقوم على خفض التوتّرات. أما إثيوبيا، وهي دولة إقليمية مطلوب التوافق معها، ففوّتت فرص الوئام مع مصر والسودان بتعنّتها في قضية “سدّ النهضة”، حتى أنها لم تستجب للوساطات الخليجية، وها هي الآن تستفز السودان برغم انشغالها بحرب أهلية طاحنة.

تركيا وإيران تحاولان التقارب، كما اعتادتا دائماً، على قاعدة أن المصالح الاقتصادية أولى من الخلافات السياسية، خصوصاً عندما تكون أنقرة في فترة حرجة مع واشنطن، أو يكون هناك اشتباك “تفاوضي” بين إيران والدول الغربية، لكن الإشكالات كثيرة بينهما، من سوريا الى العراق وأذربيجان والسباق الى الخليج. وتبذل تركيا جهداً لجعل العلاقة السياسية مع إسرائيل بمستوى الازدهار التجاري بينهما، آملةً أن يساهم اللوبي الإسرائيلي في تخفيف الضغوط الأميركية عليها، لكن أنقرة ستكون مدعوّة الى “تصحيح” مواقف أردوغانية تتعلّق بإسرائيل “دولة الإرهاب” أو بالتعاطف التركي مع حركة “حماس”، كما كانت حالها ولا تزال بالنسبة الى عقبة جماعة “الإخوان المسلمين” في ملف التطبيع مع مصر. وإذ تبقى تصفية الخلافات مع السعودية من أبرز الاهتمامات الإقليمية لأنقرة، فإنها خطت فيها خطوات متقدّمة، لكنها غير كافية بعد لتوقّع لقاء قريب على مستوى القمّة. وعموماً، تبحث تركيا في كل مساعي التقارب عمّا يقوّي أوراقها في سوريا وليبيا، حيث تتفق مع روسيا وتتواجه معها في آن.

لا تزال إسرائيل تتطلّع فقط الى المصالح التي تتوخّاها من اتفاقات التطبيع التي وقّعتها مع أربع دول عربية، ولا تعتبر نفسها ملزمة بشيء حيال الشعب الفلسطيني وحقوقه، وهذا نقص فادح في العملية برمّتها، من شأنه أن يترك المجتمعات مشكّكة ومتوجّسة من هذا التطبيع. وفي الوقت نفسه، لم يُسجّل دخول إسرائيل على الخط الإقليمي التأثير المُتوقّع في موازين القوى أمنياً أو عسكرياً، وسط الاختلال الذي تشهده المنطقة بسبب تقليص الوجود الأميركي وإعادة النظر قي تموضعاته. ربما يُعزى ذلك الى اختلاف تطبيق الاستراتيجية الأميركية بين الإدارتين السابقة والحالية، إلا أن جو المواجهة الذي تتبادل إيران وإسرئيل فرضه على المنطقة لم يتغيّر، وهو مقلق جداً للدول العربية التي تريد تجنّب الانجرار الى حرب جديدة أو الوقوع في صراع عسكري قابل للتوسّع. لذلك ينبغي مراقبة التقاربات من زاوية المواجهة المحتملة إذا فشلت مفاوضات فيينا.

النهار العربي

————————-

المؤقت هو الدائم… نزاعات طاردة للحسم/ سام منسى

ما النتائج المتوقعة من الجولة السابعة لمفاوضات فيينا الهادفة إلى الرجوع إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وما بات يعرف بالاتفاق النووي بين إيران ودول الـ5+1؟

يصعب وصف الأجواء المواكبة بالمشجعة أكانت من الجانب الأميركي أو الإيراني، في وقت ترسل فيه معظم الأطراف الأخرى المشاركة في المفاوضات إشارات إيجابية، وليس من المستغرب أن تتبع الجولة السابعة جولات ثامنة وتاسعة وعاشرة وربما أكثر، وأن تأخذ الدبلوماسية مداها وتتوسع بناءً على ما يرشح من مواقف وممارسات على الأرض.

بدايةً قد يَسهُل فهم اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية بعامّة على عكس اتجاهات الجانب الإيراني الأكثر غموضاً وتعقيداً. فواشنطن واضحة بإصرارها على اتفاق مع إيران يجنّب انتقال العدوى النووية إلى دول أخرى في الإقليم لن تتردد عن السعي للحاق بإيران. وهذه أولوية لدى الإدارة الأميركية أياً تكن هذه الإدارة.

ويتزامن هذا الهدف المهم بذاته مع انشغال الولايات المتحدة في هذه المرحلة بأمورها الداخلية التي باتت أكثر إلحاحاً وتأخذ من هموم الإدارة ووقتها أكثر من السابق. فإدارة جو بايدن تولي اهتماماً خاصاً لصيانة وتجديد البنى التحتية ورصدت أكثر من تريليون دولار لهذه الغاية، وهذا أمر بالغ الأهمية داخلياً. إلى هذا، عين الإدارة الحالية على انتخابات الكونغرس النصفية بعد أقل من سنة تقريباً، وسط حساسية وحذر غالبية الحزبين من إيران وسياساتها، إن كان في الموضوع النووي أو بشأن مواقفها وأدائها في المنطقة. والعامل الثالث المهم في سياسة واشنطن تجاه هذه القضية هو عدم حماس الرئيس نفسه، حسبما يبدو، للرجوع إلى الاتفاق دون شروط ووفق الأجندة الإيرانية على خلاف معظم فريق العمل المحيط به والمتحمس إلى أي صيغة كفيلة بضمان العودة إليه.

في هذا السياق تبرز إشكالية لعلها تشغل بال الرئيس بايدن كما حلفاء واشنطن وبخاصة في الإقليم وهي عدم الثقة بأن الاتفاق سيمنع إيران من أن تصبح دولة نووية، والإجابة الحاسمة عن هذا السؤال متعذرة، على الرغم من قوّة وفاعلية أجهزة الاستخبارات الغربية وقدرتها على الرقابة.

هذا في الجانب الأميركي، أما من ناحية طهران، وفهمها أكثر صعوبة كما ذكرنا، تعلو أصوات كثيرة متشددة ومعارضة للاتفاق قد تكون من قبيل التهيئة للتموضع في المفاوضات أو أنها تعكس بالفعل حقيقة مواقف وقناعات القوى صاحبة القرار. يضاف إلى ذلك الشكوك بالتزام إيران بتعهداتها في الاتفاقات الموقعة، إذ تعتقد واشنطن كما بعض حلفائها في الغرب وفي الإقليم ممن يعانون يومياً من الممارسات الإيرانية غير النووية، أن للآيديولوجيا حصة كبيرة في صناعة القرار في طهران، وهي قادرة دون الخروج من الاتفاق على الالتفاف عليه وخرق بعض بنوده وروحيته.

وهذا ما يدفع إلى قراءة التأثيرات المتوقَّعة على المنطقة سواء تمّت العودة إلى الاتفاق أو لم تتم، أو تم التوصل كما يتردد إلى حل وسط. ويعتقد أغلب الخبراء في العلاقات الأميركية – الإيرانية أن تسويةً ما سوف تتم بين طهران وواشنطن مع اتفاق أو من دونه، وذلك تأسيساً على قناعة شبه أكيدة لديهم مفادها أن نصف التفكير والانشغال الأميركي ينصبّ على الداخل وجزء كبير من الاهتمام الباقي يركز على روسيا والصين وكيفية إدارة العلاقة معهما. ما يعني أن الاهتمام بالمنطقة وشؤونها وشجونها قليل وقليل جداً وينحصر في همٍّ واحد وحيد هو تجنب المشكلات واحتواء النزاعات والابتعاد عن الانخراط في الحروب.

ما سبق يؤشر إلى أمرين: الأول هو تكرارٌ لما نقوله دوماً أن لا سياسة أميركية تجاه المنطقة ولا استراتيجية محددة تتجاوز منع الاضطرابات أو الحد منها واحتواءها بأي ثمن، وإذا صح ذلك يكون الأمر الآخر أن الفراغ هو البديل، وهذا ما تعانيه المنطقة منذ أكثر من عقد. ولسنا بحاجة أيضاً لتكرار ضعف موسكو وعدم قدرتها على ملء هذا الفراغ، وهذا ما تبين بعد تدخلها في سوريا ونتائجه المخيبة، بينما الصين يبدو أنها غير جاهزة وغير راغبة حالياً في استعمال طاقاتها في هذه المنطقة وفي هذه المرحلة.

ما يمكن استنتاجه هو أن «الستاتيكو» الحالي والمبنيّ على خلل في التوازن بسبب الغياب الأميركي من جهة وعلى القوة الإيرانية المستخدمة في الاتجاهات كافة مباشرةً أو عبر وكلائها وحلفائها من جهة أخرى، سيبقى قائماً.

هناك من يرد بالقول إن هذا السيناريو يتجاهل العامل الإسرائيلي في تحديد سياسة واشنطن في المنطقة، إنما لا يخفى على أحد أن مواقف واشنطن المعتادة الداعمة دون كلل لإسرائيل لم تعد كما كانت في السابق.

هذا التغيير دفع بتل أبيب على اعتماد سياسة الرد المباشر حال تعرضها لاعتداءات، وعلى توسيع وتعزيز دائرة علاقاتها في المنطقة وبخاصة الاقتصادية وقطاع الأعمال المشترك مع دول الجوار المطبّعة معها وتلك التي في طريقها إلى التطبيع. أما باقي الدول العربية فهي إما مشتتة القوة وإما عاجزة عن استخدام ما تملكه منها كما ينبغي. ويبدو وفي سياق الحديث عن العامل الإسرائيلي أن دول المنطقة لا سيما تلك المطبّعة مع إسرائيل تعي تماماً اتجاهات السياسة الأميركية وتخفف قدر الإمكان من التعويل عليها. وليست مذكرة التفاهم الدفاعية بين المغرب وإسرائيل التي وقِّعت الأسبوع الفائت في الرباط إلا أول الغيث مما سوف تشهده المنطقة.

أما تركيا التي بعثرت قواها على أكثر من منطقة وتدخلت في أكثر من نزاع، بدأت مشكلاتها الاقتصادية والمالية تأخذ حيزاً مهماً ومقلقاً من تفكير وجهود الرئيس رجب طيب إردوغان وفريقه ما قد يحثه على إعادة النظر بكثير من توجهاته وسياساته وإعادة صبها على الداخل.

في نهاية الأمر، يصعب خروج المنطقة من مشكلاتها سواء حصل الاتفاق بين واشنطن وطهران أم لم يحصل. وليت كما يردد بعضهم ويتمنى أن تتم العودة إلى الاتفاق، حينها قد تتفتح عيون الدول الغربية المتلهفة له وتلمس وتعاين حقيقة أدوار إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة ويقلع الغرب بعامة عن التصرف مثل الجمعيات ومنظمات الإغاثة وبخاصة دول أوروبا الغربية.

الشرق الأوسط

——————-

هل تأخرت ايران بالحوار مع واشنطن/ حسن فحص

يتفق العديد من السياسيين الاصلاحيين والمحسوبين على التيار المحافظ التقليدي بالاضافة الى اعضاء سابقين في السلك الدبلوماسي ان الطريق لاخراج ايران من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها لا بد ان تمر عبر الحوار المباشر بين طهران وواشنطن، وان الاستمرار بالتمسك بالشروط، خاصة ما يتعلق بالحصول على ضمانات امريكية بعدم انسحاب اي ادارة امريكية مقبلة من الاتفاق النووي قد لا يكون شرطا او مطلبا واقعيا، لجهة عدم قدرة الرئيس الحالي على إلزام الرئيس المقبل وادارته بذلك، فضلا عن الصعوبات التي يواجهها في تمرير مثل هذا الامر في الكونغرس الامريكي الذي تخرج معايير الانقسام فيه هذه المرة حول الموضوع الايراني عن المعايير الانتماء الحزبي بين ديمقراطيين وجمهوريين، ما يفقد بالتالي الرئيس جو بايدن امكانية الاعتماد على الاكثرية الديمقراطية الهشة لتمرير مثل هذا المشروع.

الحديث عن ضرورة وحتمية الحوار مع واشنطن، وان كان قد خرج من دائرة المحرمات الثورية والايديولوجية للنظام، الا انه في هذه المرة يشكل مؤشرا على نوع من حالة التمرد الواضحة لم يكن اي من الاطراف او الاصوات ليجهر بها في السنوات الماضية، وتحديدا في السنتين الماضيتين بعد اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني في بغداد، لانها تقع في الجهة المقابلة لمواقف المرشد الاعلى للنظام الذي ترك مسألة العودة الى الحوار المباشر او الجلوس الى طاولة واحدة مع الامريكيين الى ما بعد حسم الجدل حول آليات الغاء العقوبات الاقتصادية واعادة احياء الاتفاق النووي، طالما ان تحقيق هذا الهدف ممكن ضمن آلية التفاوض مع مجموعة 4+1 التي تؤخر مرارة التخلي عن الموقف من التفاوض المباشر وتؤجل موعد تجرعها، الذي يجمع الجميع انه آت قريبا او انه بات شبه قدر للنظام من اجل تكريس مكتسباته السياسية والاستراتيجية ومصالحه الاقليمية.

خريطة الطريق الذي يحاول النظام في طهران تكريسها في الطريق الى الموعد الذي توافق عليه مع الترويكا الاوروبية ومسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي في التاسع والعشرين من الشهر الجاري تشرين الثاني/نوفمبر، تنطلق من مسلمة ايرانية تقول بان النظام لم يعد محرجا في مسألة اعادة احياء الاتفاق النووي او استئناف المفاوضات حول هذا الملف، خصوصا وانه استطاع تحقيق تقدم واضح وخطير في مسألة اعادة تفعيل عمليات تخصيب اليورانيوم وانتاج فلز اليورانيوم واقترابه من مستويات تؤهله للانتقال الى المستوى العسكري في اقصر مدة ممكنة وتضعه على عتبة الدول ما دون السلاح النووي. من هنا فان التأكيد بان موعد التفاوض الذي حدد للعودة الى فيينا، سيكون تحت سقف المطالبة بالغاء العقوبات الاقتصادية وليس التفاوض حول طبيعة الاتفاق الموقع عام 2015.

هذا الموقف، يكشف ان النظام والتيار المحافظ والفريق المفاوض الجديد متمسك بالاتفاق الذي سبق لهم اتخاذ مواقف ناقدة ومعارضة للاتفاق الذي توصل اليه الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه المفاوض بقيادة وزير خارجيته. وقد عبر هؤلاء مجتمعين عن هذا الموقف بوضوح من خلال التأكيد على العودة الى الاتفاق من دون زيادة او نقصان. ثم عادوا الى تأكيده بخريطة الطريق التي رسموها لمفاوضات فيينا المقبلة وحصرها بموضوع الغاء العقوبات وحجم المسائل التي ستشملها هذه الفقرة من العقوبات التي من المفترض ان تقوم واشنطن بالغائها وهل ستشمل جميع الفقرات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب بعد الانسحاب من الاتفاق او ستحتفظ الادارة الديمقراطية بجزء منها كونها لا تندرج تحت العنوان النووي بل الانساني ودعم الارهاب. وعليه فان هذا الفريق يؤكد ان الغاء العقوبات يشكل نقطة انطلاق لمفاوضات فيينا من جديد.

وعلى الرغم من الاجواء الايجابية التي يحاول وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان اشاعتها حول نتائج الجولة الجديدة للمفاوضات بين بلاده ومجموعة 4+1، الا انه مع كبير المفاوضين علي باقري كني يصران على التأكيد بان الجولة الجديدة لا يمكن اعتبارها استكمالا للجولات الست السابقة التي قادها عباس عراقتشي، لان منطلقاتها مختلفة وتسعى فقط وتهدف الى دفع الولايات المتحدة لالغاء العقوبات من دون تقديم اي تنازل يتعلق بتعديل مضمون اتفاق 2015 وتضمينه وعوداً بوضع ملفي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي على طاولة المباحثات والتفاوض في المستقبل.

الخشية من وجود نية لدى الفريق الايراني لافشال المفاوضات واعلان وفاة الاتفاق النووي،  بدأت ـ هذه الخشية  تتزايد لدى اطراف ايرانية وامريكية على حد سواء، باعتبار ان الاجواء التي يشيعها المفاوض الايراني بتغليب عوامل المواجهة على عوامل التوافق، من خلال التمسك بمطلب الحصول على ضمانات امريكية للتنفيذ والالتزام بانهاء والغاء العقوبات لمرة واحدة وبشكل دائم. خاصة وان مروحة التواصل التي بدأها عبدالليهان مع نظرائه في الترويكا الاوروبية التي مهدت الاجواء للجولة التي قام بها مساعده للشؤون السياسية ورئيس الوفد المفاوض باقري كني على هذه العواصم بالاضافة الى اسبانيا، ومحاولة توظيف المصالح الاقتصادية واغراءات الاستثمارات لاحداث تمايز في موقف هذه الدول مع الموقف الامريكي في محاولة لتفكيكه ومحاصرته، قد تدفع الجانب الايراني لمزيد من التشدد في مواقفه مع المفاوض الامريكي وشروطه.

وقد يكون خيار التصعيد الايراني في المفاوضات المقبلة، خياراً مقعداً، يخرجه من دائرة المناورة التي ترغب في استخدامها للحصول على تنازلات امريكية، وقد يكون التوقيت لهذه المناورة قد جاء متأخرا، اذ كان من المفترض ان يتزامن مع الخطوة الاولى لادارة بايدن لاعادة احياء الاتفاق عندما كان يتمتع بكامل التأييد الداخلي وقادرا علىتمرير الاتفاق داخل الادارة وفي الكونغرس، في حين ان بايدن وادارته قد لا تكون قادرة على مثل هذه التنازلات في هذه المرحلة بعد التراجع في شعبية الرئيس واتساع القاعدة المعارضة لاي اتفاق مع ايران بين الاعضاء الديمقراطيين الى جانب الجمهوريين في الكونغرس.

المدن

—————————–

وضوح المثلّث الصّيني- الرّوسي- الإيراني وغموض السّياسات الأمنيّة الأميركيّة/ راغدة درغام

يرى البعض أن نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيتضاءل في ظل الصفقة النووية المرتقبة بينها وبين الولايات المتحدة والصين وروسيا والدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التي ستطوّقها، ولا يعير أصحاب هذا الرأي أهمية بالغة لانتماء إيران الى الثلاثي الصيني – الروسي – الإيراني trilateral باعتبارها اللاعب الأضعف وحلقة الوصل الركيكة. هناك مدرسة فكر أخرى يختلف رأيها في الأمرين، وترى أن رفع العقوبات عن طهران بموجب إحياء الصفقة النووية JCPOA سيضع في أيديها المال الإنقاذي لمكانتها ولمشاريعها، وأن مجرد انتمائها الى شبه حلفٍ عسكري وسياسي واقتصادي، يضمّها الى دولتين كبريين كالصين وروسيا، سيحوّلها دولة استقواءٍ إقليمي أكثر عزماً وتشدّداً وعنفاً في فرض نموذج حكمها ونظامها ضمن مشروع “الهلال الشيعي”، بالذات في العراق وسوريا ولبنان بامتداداتها الخليجية والشرق أوسطية.

هذا الأسبوع، اشتدّت لغة التموضع الاستراتيجي لكل من اللاعبين، فكشف القادة المدنيون والعسكريون الأميركيون عن سياسات أمنية تجاه الشرق الأوسط، بمقاربة شاملة أكدت بقاء القوات الأميركية في المنطقة مع تعديل خريطة انتشارها ضمن مبادئ “العزم والالتزام والتعاون”، لطمأنة أصدقائها في المنطقة، وتأكيد قدرة الولايات المتحدة على الانتشار والتمتّع بالقوة بسرعة بأبعد من حجم العتاد والجنود في القواعد العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية الإيرانية بوسائل “ذكية”. أما القيادة الإيرانية، فإنها لجأت الى وسائل عدة سعياً الى تأكيد مقامها في المعادلات الاستراتيجية للدول الكبرى، منها عبر إظهار عضلاتها العسكرية ميدانياً، ومنها ما دخل في خانة التموضع مع كبار القوم استراتيجياً، ردعاً للولايات المتحدة وتنبيهاً لقادة المنطقة. وعليه، تعمّدت المخابرة الهاتفية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي بعث رسالة مفادها أن ما يُحاك بينهما هو اتفاقية شاملة تقارب المعاهدة pact التي وقّعتها الصين مع إيران لفترة 25 سنة، وأن ما يُصاغ هو محور استراتيجي ثلاثي صيني – روسي – إيراني يتم تطويره وفقاً لبوصلة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، كما مع دول منطقة الشرق الأوسط من إسرائيل الى الدول الخليجية العربية.

ليس متوقعاً أن تكون اتفاقية التعاون، أو المعاهدة، بين روسيا وإيران بحجم تلك التي وقّعتها الصين مع إيران، لكنها تبقى ذات دلالات لها خصوصية كتلك في سوريا، مثلاً. ما اتفق عليه الرئيسان الروسي والإيراني هو رفع وتيرة العمل على الاتفاقية بهدف توقيعها ربما قبل نهاية العام. وبحسب المطّلِعين على ما تنصبّ عليه فِرق العمل، أن المعاهدة ستكون على الأقل لفترة 10 سنوات، وستنطوي على مشاريع عسكرية ونفطية وسياسية، بحيث يصون طرف منها مصالح الطرف الآخر في أكثر من ملف وبلد ومشروع ورؤية.

إيران مستفيد كبير، بالطبع، بل إن البعض يرى أن الحظ حقّاً يحالف الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ففي حين أن الاتفاقية الشاملة مع الصين لها مردود عسكري ونفطي ثمين للطرفين، فإن الاتفاقية الشاملة مع روسيا لها بُعد إضافي هو انخراط روسيا سياسياً في منطقة الشرق الأوسط، الى جانب مجالات التعاون العسكرية والنفطية والاقتصادية، وانخراط إيران في مشاريع إقليمية تحتاج فيها الى روسيا. فإذا كان مشروع الهلال الفارسي في صدد التنفيذ على الأرض، فإن المحطّة السورية فيه تتطلّب قطعاً تعاوناً روسياً – إيرانياً جذرياً. هناك في سوريا، يملك الكرملين مفاتيح القيادة السورية على مستوى الرئيس بشار الأسد، وتملك إيران المفاتيح على الأرض السورية. فمن يملي على مَن، روسيا أم إيران، في سوريا؟ السؤال يُطرَح، لكن نتيجة التفاهمات الكبرى على نسق تلك التي تُصاغ بين روسيا وإيران، هي الشراكة في الهدف والشراكة في الميدان.

في سوريا، تتقاطع الشراكة مع الحاجة الى إعادة خلط الأوراق، والتغيير في السياسة الأميركية، والسياسات الإسرائيلية نحو إيران، وانفتاح عربي على إمكان عودة سوريا الى جامعة الدول العربية. هذا الانفتاح، كما يقول أصحابه، يأتي ببعدين أساسيين: تقليص النفوذ الإيراني العارم في سوريا كي تبقى الهوية السورية عربية وتبقى سوريا في الحضن العربي لا في الحضن الفارسي. وثانياً، استخدام ثغرة الضعف الإيراني في سوريا المتمثلة في عدم قدرة إيران على تمويل إعادة إعمار سوريا الضروري لاستقرارها، ليكون مدخلاً عربياً الى سوريا يُضعِف كأمر واقع التوسّع الإيراني ويقطع خيطاً مهماً في استراتيجية الهلال الفارسي.

حسبما يتردد، قد لا تمانع روسيا، ضمناً، تخفيض النفوذ الإيراني في سوريا، لكن هذا لا يُترجَم الى بدء الطلاق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فما يهم موسكو في معادلة تقليص نفوذ إيران أو تقليص نفوذ الأسد، هو الأسد. وما دامت هي ليست مضطرة لحسم أمرها الآن، فروسيا جاهزة للعب كل الآلات الموسيقية في سيمفونيتها السورية، إسرائيلية كانت أم إيرانية أم أميركية. فإذا وجدت إدارة بايدن نفسها في حاجة الى انسحاب سلمي من سوريا من دون أن تبدو أنها تسلّم سوريا الى روسيا، فإن الكرملين مستعد “للتعاطف” معها وتسهيل أمورها بصمت وليس بشماتة كما فعل بها انسحابها من أفغانستان.

السؤال الذي يطرح نفسه في إطار أهداف المثلث الصيني – الروسي – الإيراني الجيوسياسية هو: ماذا في ذهن الصين وروسيا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وبالمعادلة الاستراتيجية بين إيران وإسرائيل، في ظل المعاهدات أو الاتفاقيات الشاملة بين أطراف المثلث؟ بكلام آخر، هل يمكن أن تحتفظ الصين وروسيا بحق تطوير القدرات العسكرية الإيرانية، بموجب المثلث الاستراتيجي، لدرجة أن تصبح إيران أقوى عسكرياً ونوعياً وفعلياً من إسرائيل؟

العلاقات الصينية والروسية بإسرائيل لا تفيد بأن هذا في بال أو خطط القيادات الصينية أو الروسية. لكن العملاقين قد يقرّران أن الاحتفاظ بهذا الخيار ضروري في معادلة علاقاتهما بالولايات المتحدة التي قد تبدو اليوم في مهد إدارة بايدن أقل تمسكاً بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل، مع وقف التنفيذ في الاستراتيجيات الأميركية العسكرية الكبرى.

هذا الأسبوع، أطلقت إدارة بايدن مقاربة شاملة لسياساتها الأمنية تجاه الشرق الأوسط، في خطاب لوزير الدفاع لويد أوستن أمام “حوار المنامة” في البحرين، بعدما كان قائد القوات المركزية الأميركية فرانك ماكنزي قد تحدّث في مؤتمر المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية في واشنطن NCUSAR. الرئيس جو بايدن أكد أنه لا يعتزم إنهاء “وجودنا العسكري الدائم في المنطقة منذ أكثر من 70 عاماً، وهذا الواقع الأساسي لن يتغيّر”. وزارة الدفاع (البنتاغون) شدّدت على أن التهديدات الإيرانية المستمرة تتطلّب الحذر، وأن حماية الممرات والمضائق المائية “أمر لا بد منه” في ظل استمرار مسببات اللااستقرار.

اللغة الأميركية الأمنية التي انطلقت بألسنة مسؤولين عديدين هذا الأسبوع أتت قبل انعقاد جولة مهمّة من المحادثات النووية مع إيران في فيينا في 29 الشهر الجاري. ركّزت هذه اللغة على تعابير مثل ضرورة “اليقظة المستمرة من خلال الوجود والتعاون مع الشركاء الإقليميين”، إزاء تحركات “الحرس الثوري” الإيراني المعوقة لحرية الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وتفعيله الميليشيات التي تدور في فلكه لتهديد أمن الخليج والشرق الأوسط.

الوزير أوستن لم يكن قد ألقى خطابه عند كتابة هذه المقالة، إنما تم الكشف عن المعالم الرئيسية “لخطاب الإعلان” عن السياسة الأميركية الأمنية بلسان وزير الدفاع، وذلك في حديث لمسؤول أميركي كبير مع الإعلام قبل الخطاب. قال إن السياسة الأمنية تجاه الشرق الأوسط مبنية على “العزم والالتزام والتعاون”، وإن الولايات المتحدة ستحتفظ بعشرات الآلاف من الجنود في العديد من القواعد العسكرية في المنطقة، وإن القوات الأميركية ستبقى في العراق وسوريا. لربما بحلّةٍ جديدة.

ما تريده إدارة بايدن هو “تعديل خريطة انتشار القوات” الأميركية التي تقول إنها “قادرة على الانتشار والتمتع بقوة بسرعة”. تريد طمأنة الأصدقاء في الشرق الأوسط، إلا أن تركيزها على أولوية مواجهة الصين لا يمنعها من الاحتفاظ بقوات في الشرق الأوسط.

وتقول إدارة بايدن إنه يجب إيجاد وسيلة “ذكيّة” لمواجهة التهديدات الأمنية الإيرانية المستمرة، لكنها تتردد عند الحديث عن “مبدأ الردع” رغم تأكيدها أنه “مطبّق على إيران”. ثم إن إدارة بايدن، بحسب المسؤول في وزارة الدفاع، ترى أنه “ليس هناك حل عسكري” لمشكلة التهديدات الإيرانية وميليشياتها. وهذا هو التناقض الأساسي بين مقاربة الرئيس جو بايدن ومقاربة سلفه الرئيس دونالد ترامب الذي حمّل إيران مسؤولية هجمات الميليشيات التابعة لها، وتعهّد الرد عليها مباشرة. فرجال بايدن لا يريدون اللغة العسكرية، ردعاً كانت أو ردّاً على التهديدات.

عنصر البسيكولوجيا في التموضع الاستراتيجي لا يُستهان به، لا سيّما في مرحلة رفع السقف التفاوضي أو سقف التهديدات الأمنية قبيل استئناف المفاوضات النووية في فيينا. ما سعت وراءه إدارة بايدن هو القيام بحملة تطمينية للشركاء الخليجيين العرب، وربما تجميلية لما تنوي تقديمه الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الصفقة النووية وصفقة رفع العقوبات. فهناك في فيينا، ممنوع طرح السلوك الإيراني الإقليمي بموجب خضوع أميركي لهذا الشرط الإيراني المدعوم من الصين وروسيا.

إدارة بايدن اختارت أن تكون رسالتها الإقليمية الى الدول الخليجية مكمِّلة للدبلوماسية التي أرادها بايدن عنوان قيادته للولايات المتحدة. فهو لا يريد التصعيد ولا المواجهة. أما مرشد الجمهورية علي خامنئي فإنه يريد توظيف الفرصة لصوغ تحالفات استراتيجية، تتعدّى حكم إدارةٍ أميركية عابرة على مبدأ “خذ وطالب”، مستقوياً بانتماء إيران الى مثلث التصدّي للولايات المتحدة الأميركية.

النهار العربي

————————-

لبّ التفاوض الإيراني الأميركي.. نفوذ طهران في المنطقة/ منير الربيع

فُتحت بازارات التفاوض الدولي والإقليمي على وقع التصعيد. المفاوضات الإيرانية الأميركية كانت قد سبقت عقد جلسات التفاوض المباشرة في فيينا، معطوفة على حركة سياسية دولية وإقليمية متعددة الاتجاهات تسلكها كل الدول. يأتي ذلك على وقع توتر دولي إقليمي على خلفية أزمة النفط، قوامها بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وروسيا والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. هنا تلتقي المصلحة الأميركية والصينية على نقطة واحدة وهي الحاجة إلى رفع منسوب الإنتاج من قبل الدول النفطية لتخفيض سعر النفط ولعدم لجوء الدول إلى السحب من مخزوناتها الإستراتيجية. ولا يمكن إغفال هذه الوقائع عن مسار التصعيد الروسي الأميركي على خلفية التطورات في أوكرانيا، في ظل محاولة روسية لتحقيق تقدم هناك ولو كان عسكرياً، الأمرُ التي ترفضه واشنطن بشكل حاسم.

كل هذه الوقائع تشير إلى أن العلاقات الدولية ككل تمرّ في مرحلة تحولات كبرى من غير معروفة نتائجها التي ستصل إليها، ففي الوقت الذي تسعى فيه موسكو للتصعيد في أوكرانيا، تبحث عن مجال للتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان وتحقيق مصالحة بين البلدين من خلال المسار الذي سلكه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عقد لقاء بين رئيسي البلدين. وفي حين تريد إيران البحث عن تهدئة على حدودها من جهة أفغانستان، تبحث أيضاً عن تهدئة مع أذربيجان التي شهدت قبل فترة زيارة لوفد سعودي، تندرج الزيارة في خانة الضرب تحت الحزام. وبقدر ما تسعى طهران إلى المراكمة على علاقتها مع روسيا في المفاوضات النووية، فهي ستجد نفسها متضررة من أي تفاهم بين أذربيجان وأرمينيا، في حين تركيا ستكون مستفيدة من هذه الوقائع، وفي الوقت الذي تلتقي فيه تركيا وموسكو على هذه النقطة، فإنهما تختلفان على تطورات الوضع في أوكرانيا.

لا بد لكل هذه التطورات من الانعكاس على الوضع في منطقة الشرق الأوسط. لا سيما في ظل المفاوضات الإقليمية المفتوحة بين واشنطن وطهران، وبين إيران والمملكة العربية السعودية مع الإشارة إلى أن التفاوض السعودي الإيراني لم يؤدّ إلى أي نتيجة جدّية حتى الآن. في الوقت الذي تحاول فيه إيران تصعيدَ مواقفها في المنطقة لتحسين شروطها التفاوضية، كما تفعل في بغداد، أو اليمن.

أول الملفات الإقليمية على طاولة البحث الإيراني الأميركي هو العراق، إذ تريد طهران أن تحتفظ بالنفوذ والتأثير واتخاذ القرار. بعدها يأتي الملف الفلسطيني، إذ تشير المعلومات إلى تفاوض يتعلق بالوصول إلى فتح المعابر بين غزة ومصر، بالإضافة إلى مصالحة فلسطينية. أما الملف الأهم فهو اليمن، إذ تجري المفاوضات الأميركية الإيرانية للوصول إلى وقف الحرب. هنا تبدو إيران مصرّة على الاستمرار بالاحتفاظ بالنفوذ في اليمن، وترسيخ نفوذها على باب المندب، باعتراف دولي. ولا تغفل المفاوضات الساحة السورية، والتي تتعلق بالاحتفاظ بالنفوذ الأميركي شرقاً وفي مناطق النفط. مقابل إجراء عملية إعادة تموضع للقوى العسكرية الإيرانية وحلفائها في سوريا، وسط كلام عن احتمال بحصول انسحابات للقوات الإيرانية ولحزب الله من سوريا. وبلا شك فإن هذا سيكون بحاجة إلى مسار طويل جداً ليتم الوصول إلى هذه الترتيبات. وبحسب ما تقول المعلومات فإن التفاوض يتركز أيضاً على الإفراج عن أموال لصالح إيران وإطلاق سراح رجال أعمال إيرانيين في الولايات المتحدة. على أن تسعى طهران للحصول على اعتراف دولي بدورها الإقليمي في المنطقة.

كل هذه التطورات سيكون لها انعكاسات للمرحلة المستقبلية. سعي واشنطن وإصرارها على الوصول إلى تفاهم مع إيران، يندرج في سياق إنهاء الملف الإيراني لصالح تعزيز أميركا لأميركا في مواجهة الصين، فواشنطن تحتاج إلى طهران كما إلى ما قامت به في أفغانستان بالإضافة إلى ما تقوم به مع باكستان والهند لتطويق الصين في المرحلة المقبلة. هذه الوقائع كلها كانت حاضرة في القراءة السياسية الإماراتية لمسارات التطور، ولذلك تسعى إلى اعتماد مبدأ تحسين العلاقات مع الجميع، وتصفير المشكلات والذهاب إلى الاستثمار الاقتصادي أو الاستثمار في مجالات الطاقة والموانئ والممرات البحرية والبرية، فهي لا تخرج عن السياق المستقبلي في المنطقة والعالم، مع طموح إماراتي للعب دور أساسي بين الصين وأميركا.

تلفزيون سوريا

—————————

================

تحديث 09 كانون الأول 2021

————————-

إيران والتفاوض على حافة الهاوية.. إما التنازل أو الانفجار/ منير الربيع

لم يكن أحد يتوقع أو يتوهم بأن الجولة الأولى من المفاوضات الإيرانية مع القوى الدولية حول الملف النووي الإيراني ستصل إلى نتيجة واضحة. لا يمكن حصر الملف النووي الإيراني بالتفاوض مع الأميركيين، فذلك يعني أمن العالم من الصين إلى روسيا وغيرها من الدول. ولذلك يجد الإيراني نفسه بحاجة إلى إبقاء كل الخطوط مفتوحة مع القوى المختلفة، أما رفع السقف بالتلويح برفع التخصيب فغايته تحصيل مزيد من المكتسبات السياسية في المنطقة، لأنه عندما يقترب الإيراني جدياً من إنتاج سلاح نووي فإن الصين وروسيا هما أول من سيواجه هذا التحول.

لذلك فإن خريطة أو مسار إيران في لعبة التفاوض يفترض بها أن تراعي مواقف كل من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النجاح بالوصول إلى اتفاق مع واشنطن. ما تسعى إليه إيران هو الوصول إلى اعتراف دولي بنفوذ طهران في منطقة الشرق الأوسط. هي تريد غطاءً لمستوى معين من النفوذ في المنطقة، على الرغم من نفي شمول هذه المفاوضات للصواريخ الباليستية والمشروع الإيراني خارج حدود طهران. ولنفترض أن الاتفاق على النووي قد حصل، فلا بد له من مقومات الاستمرار وهو ما يدعمه التفاهم على المستوى الإقليمي، وإلا لن يكون لديه أية قدرة على الاستمرار.

لا يمكن التوقع لهذه المفاوضات أن تؤدي إلى نتائج سريعة. هي تحتاج إلى فترة زمنية يعرف الإيراني كيف يستثمر بها، وربما الرهان على الوقت والزمن هو من أبرز تكتيكات التفاوض بالنسبة إلى طهران. وأكثر ما يبرع به الإيرانيون هو فتح هوامش أخرى وخلفية للمفاوضات بعيداً عن المفاوضات المباشرة، ونمطهم لا يذهب باتجاه القطع بل يحاول المراكمة بشكل دائم على أي خيط على الرغم من استثماره بالوقت. في هذه المرحلة لا يمكن للوقت أن يكون حليفاً له أو يصب في صالحه بظل التطورات القائمة. يستعجل الإيرانيون الوصول إلى اتفاق.

إلى جانب التفاوض المباشر، والمفاوضات الخلفية، ثمة تفاوض بالنار أيضاً، من تفجير مفاعل نطنز، إلى استهداف القاعدة الأميركية في التنف، وهذه من أساسيات قواعد التفاوض، ولكن في نفس الوقت هناك إصرار إيراني على الاستمرار بفتح خطوط التواصل مع واشنطن لمنع حصول تطور عسكري إسرائيلي ضد إيران في ظل التصعيد بالمواقف الإسرائيلية وآخرها لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي يقوم بتحشيد المواقف الدولية ضد طهران ويزيد من تحذيراته بأن الإيرانيين يقتربون من الوصول إلى امتلاك القنبلة النووية، وسط تهديدات عسكرية باستهداف المشروع النووي الإيراني.

تجيد إيران التفاوض على حافة الهاوية. هي حتماً لا تريد الوصول إلى وقف المفاوضات أو الشعور بأي خطر أمني أو عسكري قد يهدد أراضيها أو مفاعلها النووية. لذلك فإن كل هذا التحشيد والتصعيد هدفه إرساء قواعد جديدة للاتفاق وليس التصعيد في سبيل المواجهة. في الجولة التفاوضية الأولى وجد الإيرانيون أنفسهم في حالة انعزال عن القوى الأخرى، حتى فرنسا التي كانت تسعى بكل جهودها إلى توقيع الاتفاق لم تجد نفسها قادرة على اتخاذ مواقف مناصرة لطهران. هذا الأمر هو الذي دفع إيران إلى تقديم سلفة على الحساب للفرنسيين من خلال طلب استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحتاج إلى موقف يساعده خلال زيارته إلى دول الخليج، وتحديداً السعودية، لم يكن لديه مجال سوى اللجوء إلى طهران للحصول على تلك الورقة، والتي من الواضح أنها ورقة بلا ثمن، ولا سيما أن السعودية نجحت في تحديد الأسباب الأساسية للأزمة اللبنانية والتي ترتبط حصراً بإيران ومشروعها. نجح ماكرون بالحصول على ورقة من إيران، لكنها ورقة ألزمته في الاقتراب أكثر من الموقف السعودي، خصوصاً عندما صدر بيان سعودي فرنسي مشترك يتحدث عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهي رسالة واضحة لحزب الله، بالإضافة إلى تطبيق القرارات الدولية، وعدم جعل لبنان منطلقاً لتهديد دول المنطقة. هذا الموقف يعدّ انقلاباً في المعايير اللبنانية بحال أرادت فرنسا تعزيز حضورها.

كل هذه الملفات ترتبط بمسار التفاوض الإقليمي بين واشنطن وطهران، في حين نجحت السعودية بانتزاع موقف واضح من ماكرون بأنها شريكة في صنع القرار الإقليمي، ما يعني إشراكها ضمناً في مفاوضات فيينا. تلك المفاوضات التي ستشهد المزيد من التصعيد الميداني، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتوالية، وبالمقارنة مع الموقف الفرنسي السعودي فحينها يمكن للبنان أن يكون ساحة التفاوض بالنار في المرحلة المقبلة.

تلفزيون سوريا

——————-

في جديد العلاقات بين النظام السوري وإيران/ عمار ديوب

الإعلان عن تأسيس بنك إيراني سوري مشترك. زيارة وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، سيد رضا أمين، دمشق. زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، (ونائبه) إيران. أخبار عن تأسيس ضاحية جنوبية في جنوب مدينة دمشق، في بلدة الست زينب، وتوسعتها لتصل إلى مطار دمشق الدولي.

هذه الأخبار جديدة على العلاقة بين الدولتين، وتأتي في حُمّى المحاور الجديدة في المنطقة، والتي تشير إلى تحييد إيران، ولن نقول عزلها، وبما يؤدّي إلى إعادة النظام السوري إلى محيطه العربي. أيضاً يأتي تعزيز هذه العلاقة مخالفاً للمصالح المتبادلة والعلاقات المتينة بين روسيا وإسرائيل، حيث سمحت موسكو لتل أبيب بمزيدٍ من العمليات العسكرية ضد المواقع الإيرانية، بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، موسكو أخيراً. يضاف إلى ذلك التصعيد الإسرائيلي ضد إيران على وقع المفاوضات النووية، والتململ الأميركي الواسع من السياسات الإيرانية، ورفض التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي رفض الخطوات المعلنة أخيراً بين دمشق وطهران.

تتعارض العلاقة الجديدة هذه، في وجهٍ منها، مع السياسة الروسية في سورية. الأخيرة تعتبر نفسها المهيمنة على النظام، وأن تطوير العلاقة بين النظام وإيران، ولا سيما بالشقّ الاقتصادي، أو محاولة السيطرة على مطار دمشق، وهو المقصود بالتأسيس لتلك الضاحية، لن تتقبّله موسكو. ربما يحاول النظام وإيران، بخطواتهما هذه، الضغط على روسيا، لإبعادها عن إسرائيل، والبحث عن جديدٍ في شراكة قوية معها بعيداً عن التضحية بمصالح إيران.

الحراك العربي الواسع لاستقطاب النظام، واعتماد سياسة الخطوة خطوة، لم تعد سياسة أميركية، بل وكذلك تستخدمها الدول العربية ضمن خطوات التطبيع. تأتي الأشكال الجديدة من العلاقة الإيرانية والنظام السوري معاكسة للخطوات العربية نحو الأخير، وهناك رفض أوروبي وأميركي للتطبيع معه، وبالتالي يخطئ النظام السوري وإيران باعتمادهما هذه الخطوة “التصعيدية”.

تهدف إيران إلى تقوية أوراقها التفاوضية، والاستمرار في سياسة حافّة الهاوية، مستفيدة من إعلانات أميركية سابقة، تفيد بالانسحاب من المنطقة، وتعتقد بنفسها أنها الدولة الأقوى إقليمياً، وتريد فرض نفوذها. وضمن ذلك، يمكن تحليل رفع مستوى العلاقة مع النظام السوري، إذ إنّ زيارة وزير الخارجية السوري، (ونائبه والوفد المرافق لهما)، تمّت بدعوة إيرانية، وضمن إطار السياسات الإيرانية، والتي تواجه ضغوطاً شديدة، وتبدأ بالمفاوضات النووية، والتي ترفضها إسرائيل، وتذمرت من وثيقتي إيران إلى المفاوضات كل من روسيا والصين، وتبدو أميركا غير متفائلة بالوصول إلى الاتفاق، كما تفيد تصريحات دبلوماسييها. ولا تعير سياسة إيران هذه انتباهاً إلى التغيير الكبير في السياسات الأميركية التي أكدت على بقائها في سورية، والوقوف إلى جانب رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ودعم الموقف الخليجي الرافض هيمنة حزب الله على لبنان.

ستستغل إيران السياسة الأميركية لتعزيز علاقاتها مع روسيا، وستدفع بالأخيرة إلى التشدّد أكثر فأكثر مع الولايات المتحدة، وهناك تأزماتٌ دوليةٌ بين الدولتين، وتتعلق بأوكرانيا أيضاً. إيران ستستغلّ ذلك كله، وستستمر بسياساتها ذاتها، ومنها الجديد في العلاقة مع النظام السوري. يخشى الأخير العلاقة الوثيقة بين الروس وإسرائيل. أما العلاقة التاريخية بين طهران ودمشق، فتدفعه إلى الاستجابة للسياسة الإيرانية، ومعاندة الروس والإسرائيليين، والضغط على المحور العربي الذي يشمل خطوط الغاز والكهرباء، وكذلك المحور الإماراتي ليقدّما مزيداً من التنازلات تجاهه، وألا تكون على حساب مصالحه مع إيران. تؤكد كثرة المتغيرات في المنطقة على تعدّدية المحاور، مع ضرورة التأكيد على عدم تبيّن هيمنة أحدها في الأشهر المقبلة.

لا تخطئ إيران بشكل كلّيٍّ، حينما لا ترى حرباً قادمة على طاولة السياسة الأميركية. إنها تستمر بالتمسك بالاتفاق النووي السابق، والوجود الإقليمي والصواريخ الباليسيتة، ورفع العقوبات، والحفاظ على التطوّر النووي الذي أحرزته بعد انسحاب أميركا منه في 2018. تتجاهل المواقف الإيرانية هذه، المستندة إلى ما سبق، أن إدارة بايدن تعلن أنها ستزيد العقوبات ضدها في حال أخفقت المفاوضات النووية. وهنا يأتي الدور الإسرائيلي الذي يُعلن جهاراً نهاراً رفضه الاتفاق النووي، وأنه أصبح مستعدّاً لضربات عسكرية قوية في الداخل الإيراني، ولن يكتفي في سورية.

تمعن إيران في مواقفها؛ ففي سورية شنّت، أخيراً، هجمات بطائراتٍ مسيرة على قاعدة التنف، والآن تعزّز علاقتها القوية مع النظام السوري، ولا تسعى نحو تخفيف الأزمة اللبنانية التي دخل على خطها الرئيس الفرنسي، ماكرون، عبر زياراته إلى الخليج واستقالة وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، وإجراء اتصال بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي.

لا يتبنّى كاتب هذا النص احتمالاً واحداً للسياسات الإقليمية في المرحلة المقبلة، ولكن ما هو شديد الوضوح أن المواقف الأميركية والإسرائيلية ضد إيران ستتصاعد. أيضاً لن تقبل روسيا تقوية علاقة طهران بدمشق، على الرغم من المواقف الأميركية المستجدّة تجاه النظام السوري، والتي صارت تزيد عما ساد عدة سنوات، وتتحدّد بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتأمين الإمدادات الإنسانية، بالإضافة إلى مساءلة النظام السوري، والتمسّك بالقرارات الدولية من جديد، ولا سيما قرار مجلس الأمن 2254. أميركا وأوروبا تؤكّدان مجدّداً على رفض التطبيع مع النظام السوري، وغير مرحّبتين بالتطبيع العربي معه كذلك، والأخير سيجد نفسَه في موقف ضعيفٍ إذاً، ويزيد من ذلك مجاراته إيران في المشاريع الأخيرة.

لا تضع الإدارة الأميركية إسقاط النظام الإيراني ضمن أوراقها السياسية. ولهذا لن تتجه إلى دعم السياسة الإسرائيلية في مهاجمة إيران عسكرياً، وأيضاً ترفض ذلك روسيا، وبالتالي الممكن حالياً، ولا سيما أن المفاوضات النووية تتّجه نحو الفشل، أن تتضاعف العقوبات الاقتصادية على إيران، وربما تشنّ إسرائيل عمليات محدّدة، ومحدودة، ضد الصناعة النووية الإيرانية، بما يُبطئ من السرعة في الوصول إلى القنبلة النووية، وهذه العمليات لن ترفضها أميركا، وربما توافق عليها روسيا أيضاً.

قد يشجّع عدم الوصول إلى الاتفاق النووي أميركا وروسيا على خطواتٍ أقوى، لتحجيم الوجود الإيراني في سورية، وحصر إيران في إطار حدودها الطبيعية. وهذا يعني أن الأشكال الجديدة من العلاقة بين طهران ودمشق لن يُكتب لها النجاح، وربما تدفع روسيا وإسرائيل إلى التشدّد ضد النظام السوري نفسه، وهذا سيُقرّب بدوره من العلاقة الروسية الأميركية، والبحث عن صفقةٍ ما، يكون عنوانها تغييراً كبيراً في طبيعة النظام السوري، وتقليص الوجود الإيراني بشكل كبير.

في كل الأحوال، لا يمكن للمنطقة أن تذهب نحو علاقاتٍ أكثر استقراراً، وتسمح للمحاور الجديدة بالعمل ومحاربة الإرهاب الداعشي بشكل حاسم، من دون الوصول إلى حلٍّ سياسي في سورية، وتقليص الوجود الإيراني في سورية وفي كل المنطقة. الخلاصة أن الأشكال الجديدة من التدخل الإيراني في سورية تعدُّ سياسةً خاطئة، وتزيد من المواقف الدولية والإقليمية الرافضة لإيران وللتطبيع مع النظام السوري.

العربي الجديد

———————-

واشنطن تستبق مفاوضات فيينا..بورقة العقوبات والقناة الاماراتية

أكد إنريكي مورا ممثل الاتحاد الأوروبي، والذي يرأس الجولة السابعة من المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية، أن أطراف الاتفاق النووي الإيراني سيجتمعون في فيينا الخميس، بعد التشاور مع حكوماتهم مؤخراً.

وكان دبلوماسيون أوروبيون قد حثّوا طهران على العودة بمقترحات واقعية بعد أن تقدم الوفد الإيراني الأسبوع الماضي بمطالب عديدة اعتبرتها أطراف الاتفاق الأخرى – بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا- غير مقبولة.

لكن إيران قالت إنها لم تتلقَّ أي مقترح بنّاء للتقدم في المفاوضات النووية، متهمة الأطراف الأوروبية بالسلبية. وقال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في اتصال مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إن بلاده جادة في المفاوضات بهدف التوصل لاتفاق جيد، واصفاً المقترحات الإيرانية بأنها تتطابق تماماً مع الاتفاق النووي وتفاهمات الجولات السابقة في فيينا.

واعتبر الوزير أن المواقف “السلبية” للدول الأوروبية غير بناءة، وأنها ستؤدي إلى تعقيد الوضع وإبطاء عملية التوصل إلى الاتفاق، مضيفا “لم نتلقّ حتى اللحظة أي مقترح بناء للتقدم في المفاوضات”.

وشدد عبد اللهيان على أن برنامج إيران النووي سلمي، وأن إزالة القلق من هذا البرنامج ترتبط بشكل مباشر برفع العقوبات. كما أشار إلى أن طهران تواصل تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأنها سترسل وفداً إلى فيينا للقاء مسؤولي الوكالة.

ونقلت وكالة “إسنا” الايرانية عن وزير خارجية إيران قوله إن طهران ستبقى في فيينا طالما كان ذلك ضرورياً للتوصل إلى اتفاق.

من جهته، كشف مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري الخميس، عن الإفراج عن أرصدة إيرانية تقدر ب3.5 مليارات دولار خلال الفترة الأخيرة. وقال إن دولة أخرى ستفرج قريبا عن جزء من الاستحقاقات الإيرانية، من دون الكشف عن اسم هذه الدولة وحجم الأرصدة التي ستفرج عنها.

وبينما أعلنت الولايات المتحدة أن مبعوثها بشأن إيران روبرت مالي يعتزم المشاركة في هذه الجولة من المحادثات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن “بعض القضايا الشائكة التي واجهتنا في ما يتعلق باحتمال العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة تم حلّها أو هي في طريقها إلى الحل” في جولات المحادثات السابقة.

وقال للصحافيين في واشنطن مساء الأربعاء: “كنا نأمل أن نجد الإيرانيين عائدين إلى فيينا باستعداد للعمل على تسوية تلك القضايا العالقة بناء على التقدم المحرز في الجولات الأولى إلى السادسة. لكن ليس هذا ما وجدناه. نأمل أن تمضي الجولة الثامنة بشكل مختلف”.

وفي السياق، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن واشنطن تتحرك صوب تشديد تطبيق العقوبات على إيران في حال تعثر المحادثات. وأضافت أن وفداً رفيع المستوى سيتوجه إلى الإمارات الأسبوع المقبل، لبحث مدى التزامها بالعقوبات ضد إيران.

وقالت الصحيفة إن الوفد سيضم رئيس مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة أندريه جاكي. وأضافت إنه سيحذر الشركات والبنوك الخاصة في الإمارات من أنها “ستواجه مخاطر بالغة”، إذا استمرت المعاملات الخاضعة لعقوبات.

وتابعت أن “الإمارات حليف رئيس للولايات المتحدة، ولكنها أيضا ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، وتعد قناة للمعاملات التجارية والمالية لطهران مع الدول الأخرى”.

المدن

——————————–

انسحاب إيران من جنوب سوريا وهم… وقائع ووثائق تُثبت توسعها!/ عاصم الزعبي

سيطرت قوات النظام السوري، مع نهاية تموز/ يوليو 2018، على محافظة درعا، بعد اتفاقٍ برعاية روسية، وموافقة إقليمية ودولية، في محاولةٍ لإيجاد حلٍّ للصراع في المحافظة الجنوبية التي تُعدّ البوابة الكبرى للوصول إلى السعودية ودول الخليج العربي، والتي تسبّب إغلاقها لسنواتٍ، بخسائر لمختلف الأطراف.

وكان أحد أهم البنود التي تم الاتفاق عليها، ابتعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية، وعن الحدود مع الجولان السوري، مسافةً لا تقلّ عن 80 كم، وسط خوفٍ من تغلغل الميليشيات بشكلٍ عابر للحدود، نحو السعودية، ودول الخليج العربي.

في 7 تموز/ يوليو 2020، وُقِّعت اتفاقية عسكرية بين النظام السوري وإيران، لتعزيز التعاون العسكري، وتتضمن تطوير أنظمة صواريخ للدفاع الجوي الإيراني، ونشرها في سوريا، خاصةً بعد الاستهداف المتكرر لمواقع عسكرية إيرانية في الأراضي السورية.

وبموجب هذه الاتفاقية، قام الحرس الثوري الإيراني بنشر بطاريات صواريخ للدفاع الجوي، في فوجٍ عسكري سوري بالقرب من بلدة جباب في شمال محافظة درعا، والتي تبعد عن الحدود الأردنية نحو 80 كم، والذي يُعرف بالفوج (89)، ويشرف على هذه الصواريخ ضباط وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، ويعملون بشكلٍ مستقلٍّ عن السوريين فيه.

وتتم حراسة الفوج من قبل قواتٍ خاصةٍ تابعة لحزب الله اللبناني، ويُعدّ مهماً للإيرانيين، لأسبابٍ عدة، إذ تتبع له قطعات عسكرية عدة، محيطة به، كما أن له مداخل ومخارج عديدة، ما يمنح سهولةً في الحركة والتمويه، فهو يشرف من جهةٍ على الطريق الدولي “أوتستراد دمشق-درعا”، ويشرف من جهةٍ ثانيةٍ على طريق دمشق-درعا القديم، الذي يحاذي العديد من المدن والبلدات في المحافظة، بالإضافة إلى قرب الفوج من العاصمة دمشق، والتي لا تزيد المسافة بينهما عن 30 كم.

وهناك ميزة أخرى، هي وجود مستودعات يستخدمها الحرس الثوري لتخزين الأسلحة، تُعرف بمستودعات “777”، وهي محصّنة طبيعياً أسفل إحدى التلال، ما يقيها من خطر الضربات الجوية. وكان الفوج قد استُخدم من قبل النظام لقصف الغوطة في ريف دمشق بصواريخ أرض-أرض، خاصةً في العام 2013.

لا ينحصر هذا الوجود في منطقة جباب، إنما في مناطق أخرى، كالصنمين، حيث يسيطر الإيرانيون على الفرقة التاسعة هناك، وهي فرقة قوات خاصة، شاركت في العملية العسكرية الأخيرة في درعا البلد، وكان قصفها أشد فتكاً من قصف الفرقة الرابعة، خاصةً من جهة مخيم درعا، وحي طريق السد، وحاولت أكثر من مرةٍ اقتحام هذه الأحياء.

لم تخرج الميليشيات الإيرانية من جنوب سوريا، حتى تعود إليه، ولم تتعدَّ التفاهمات الإقليمية والدولية لإخراجها، ما يعلن عنه الروس، وحتى الإيرانيون، عن أنه ليس لديهم وجود في جنوب سوريا، ولا يتعدى كلامهم أن يكون ذرّاً للرماد في العيون، لإيهام العرب والمجتمع الدولي بأن روسيا تسيطر كلياً على مفاصل الجنوب كلها، في حين لا تعدو هذه السيطرة أن تكون شكليةً فحسب، ولها مهمة تلميع النظام السوري، لإعادة دمجه عربياً وإقليمياً.

وفي الحقيقة، كل ما فعلته إيران هو سحب قسمٍ من عناصرها من غير السوريين، بينما يتوزّع آخرون ليذوبوا في القطعات العسكرية التابعة للنظام السوري، كلما اقتربت هذه القطعات من الحدود، ولتظهر علناً في القطعات التي تبعد عن الحدود نحو 80 كم.

عملت إيران، منذ العام 2012، على التغلغل الهادىء في الجنوب السوري بشكلٍ عام. فبالإضافة إلى الوجود العسكري، تعمل في اتجاهاتٍ أخرى أكثر أهميةً، إذ جنّدت العديد من الأشخاص لشراء الأراضي والعقارات في مناطق مختلفة من درعا، وخاصةً على الطريق الدولي الواصل بين دمشق ومعبر نصيب الحدودي، بالإضافة إلى عقارات سكنية في مختلف المدن والبلدات.

ويؤكد قيادي سابق في المعارضة المسلحة في درعا أن “الميليشيات الإيرانية وحزب الله استطاعوا تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين السابقين عبر الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية من جهة، وعبر تجنيد مباشر في صفوف حزب الله من جهة ثانية”، ويوضح أن “العناصر المجندين في صفوف الحزب يعملون بطريقة المناوبات لمدة 15 يوماً في العمل و15 يوماً إجازة”.

وتمكنت الميليشيات من الوصول إلى دوائر حكومية خاصة مديرية المصالح العقارية عن طريق بعض الموظفين من خلال سماسرة لتثبيت شراء عقارات لصالحهم بأسماء سماسرة سوريين. أما بالنسبة لمعبر نصيب فهناك مفرزة للمخابرات الجوية وهي أحد أذرع حزب الله في الجنوب السوري. بحسب القيادي.

واستفادت إيران من تسوية 2018، وبقاء عددٍ كبير من مقاتلي المعارضة من دون عملٍ، أو رواتب، فعمدت إلى تجنيد أعدادٍ كبيرة منهم تقدَّر، حسب ناشطين داخل المحافظة، بنحو ألفي شخصٍ من أبنائها، يتوزعون في مناطق مختلفة، ولهم مهام مختلفة، ويتقاضون رواتب تصل إلى 250 دولاراً شهرياً. وقد أكد تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال صادر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، هذا الأمر.

وورد في التقرير، أنّ حزب الله وإيران يفهمان “أنّ اللعبة الفائزة هي لعبة الأرض: تحتاج إلى دمج نفسك في المجتمعات، وتحتاج إلى بناء وجود، وإلى أن تكون جزءاً من الاقتصاد والبنية التحتية المحلية، وهذا الوجود، بالإضافة إلى لبنان، سيكون نقطة ارتكاز الصراع المقبل”.

لذلك، عمل الإيرانيون على شراء ولاء هؤلاء المقاتلين، كما قاموا بشراء ولاء كثيرين من الموظفين الحكوميين، في الدوائر الحكومية كلها في المحافظة، بدءاً من مديرية المصالح العقارية، وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي.

ومن جهةٍ ثانية، فقد عمل الإيرانيون على تشييع عددٍ كبيرٍ من الأهالي، مستغلّين حالة الفقر التي خلّفتها الحرب، وتُعدّ بلدة قرفا في ريف درعا الشمالي، أهم بؤر العمل على تشييع أبناء حوران، فهي مسقط رأس اللواء رستم غزالي، المقرَّب سابقاً من حزب الله اللبناني. وحالياً، يعمل عدد من أقاربه على نشر التشيّع، بدعمٍ لا محدود من إيران وحزب الله.

وقدّمت إيران مبالغ كبيرة من أجل ذلك، ولا تزال تفعل حتى الآن، وقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، عن تقريرٍ جديدٍ للاستخبارات الإسرائيلية، أن “النشاط الإيراني آخذ في الاتّساع حالياً، خصوصاً في منطقتَي جنوب سوريا وشرقها، وكذلك بالقرب من الحدود مع لبنان، حيث تقوم جهات بشراء بيوت وأراضٍ بأعداد هائلة، ويأتون بسكّان جدد من إيران، أو من مجموعات سكانية شيعية أخرى من بلدان عدة في المنطقة، مثل العراق وأفغانستان واليمن، وغيرها، كما يستغلّون الضائقة المالية للسكّان المحليين، فينشئون الجمعيات الخيرية لإغرائهم”.

ويضيف التقرير أن “جهاتٍ إيرانيةً، أرسلت في الشهور الأخيرة، حقائب مليئة بالدولارات إلى جهات عدة في البلدات السورية الجنوبية، في منطقتَي حوران والجولان، بغرض تجنيدها لأهدافها السياسية والعقائدية، وهذه الأموال وصلت إلى عددٍ من قادة المجتمع في مدينة السويداء، أبناء الطائفة العربية الدرزية، الذين عُرف بعضهم بتأييدهم للنظام، وراحوا يظهرون تحولاً نحو إيران وحزب الله اللبناني. كما وصلت الأموال إلى قادة بلدة قرفا التي نجحت إيران في تحويلها من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي، وإلى جهاتٍ أخرى تسعى إلى تجنيدها، أو تشييعها، واستخدامها في تسهيل مهمات حزب الله”.

تشير وثيقة مسرّبة من فرع الأمن العسكري في درعا، حصل رصيف22 على نسخةٍ منها، إلى قيام القيادي في حزب الله المعروف بالحاج ولاء، وهو لبناني الجنسية، بتشكيل مجموعات عدة في مناطق متفرقة في درعا والقنيطرة، في العام 2018، تعمل على تسهيل عمل حزب الله الأمني، وتشرف على تجارة المخدرات، وعلى تجنيد المقاتلين. وتم تشكيل المجموعات خلال اجتماع للحاج ولاء في حقل كريم للرمي في منطقة اللجاة، شمال شرق درعا.

الوثيقة:

ويُعدّ الحاج ولاء رجل المهمات الصعبة لحزب الله في جنوب سوريا، ويتبع من حيث التسلسل القيادي للحاج هاشم “منير علي النعيم”، وهو قيادي في الحزب، لبناني الجنسية أيضاً. ويُعدّ الحاج ولاء مسؤولاً عن إنشاء مقرّات الحزب، ومشرفاً على نقل السلاح والذخيرة.

ويتنقل الحاج ولاء، الذي لا يتجاوز الثلاثين من عمره، حسب ما أكد شهود رأوه في منطقة اللجاة، لرصيف22، بين مناطق عدة، منها السيدة زينب في ريف دمشق، وقيادة الفرقة التاسعة في الصنمين، والفوج 137 التابع للفرقة السابعة في منطقة زاكية في ريف دمشق الغربي، وهو مقرّ عمليات رئيسي للميليشيات الإيرانية، سبق وزاره قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني، بين عامي 2015 و2016.

    نفّذ حزب الله، وميليشيات إيران، انسحاباتٍ وهميةً من محافظة درعا، خاصةً بعد التسوية الأخيرة، كان هدفها إيهام الدول الإقليمية والمجتمع الدولي بالابتعاد عن الحدود الأردنية

ونفّذ حزب الله، وميليشيات إيران، انسحاباتٍ وهميةً من محافظة درعا، خاصةً بعد التسوية الأخيرة، كان هدفها إيهام الدول الإقليمية والمجتمع الدولي بالابتعاد عن الحدود الأردنية، وعن حدود الجولان السوري، في محاولةٍ لإعادة علاقات النظام بالدول العربية من جهة، ولتخفيف العقوبات الأمريكية، ومحاولة تجنّب القصف الإسرائيلي، من جهةٍ أخرى، في وقت تُثبت الوقائع زيف ما يتم ادّعاؤه عن إخلاء الجنوب السوري من هذه الميليشيات.

رصيف22

سوريا.. “الحرس الثوري” يعزز نفوذه بزيارة “مفاجئة” وتسويات على الهامش

ضياء عودة – إسطنبول

في زيارة لافتة ومفاجئة وصل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، إسماعيل قآاني، قبل أيام إلى مدينة البوكمال السورية الواقعة في أقصى جنوب شرقي البلاد. وبحسب ما ذكر الحساب الرسمي لميليشيا “فاطيمون” عبر تطبيق “تلغرام”، فقد التقى الأخير بعناصرها واجتمع بهم مع نائبه، فلاح زاده.

ونشرت الميليشيا صورا لقاآني، في السادس من ديسمبر الحالي، لكنها لم تحدد بدقة تاريخ وصوله إلى سوريا، فيما ذكرت شبكات محلية سورية أن اجتماعه مع العناصر كان في مركز نصر بمحافظة دير الزور. 

وأضافت شبكة “دير الزور 24” أن قآاني زار أيضا مراكز ميليشيا “فاطميون” في مدينة البوكمال ومحيطها، “للاحتفال بتخريج دفعات مقاتلي الميليشيا في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي”. 

ورغم أن زيارته إلى سوريا والبوكمال على الخصوص ليست الأولى من نوعها، إلا أن السياق الذي تأتي فيه يثير عدة تساؤلات. وبينما يراها محللون عسكريون “اعتيادية وتفقدية”, أشار آخرون ممن تحدث إليهم موقع “الحرة” إلى أنها تصب في إطار ترتيبات جديدة للمنطقة. 

وفي مطلع يونيو 2018، تمكنت الميليشيات المحلية والأجنبية الموالية لإيران وبمشاركة قوات النظام السوري، من السيطرة على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي بعد أشهر من المعارك مع تنظيم داعش.

واتسمت الفترة التي أعقبت السيطرة، بالتوتر العسكري والأمني على نحو دائم. فالمدينة التي تشكّل أبرز قواعد طهران في سوريا ونقطة الوصل في ممرها البري باتجاه البحر المتوسط تشهد بين الفترة والأخرى ضربات جوية مجهولة المصدر، تارة بالطائرات المسيرة وأخرى بالحربية. 

وفضلا عن ذلك أصبحت البوكمال الطريق الرئيسي، بحسب تقارير غربية، لمشروع إيراني عمره ثلاثة عقود يهدف إلى تأمين قوس نفوذ من العراق عبر سوريا إلى المتوسط. 

“أحداث بالتزامن” 

في الوقت الذي أعلنت فيه ميليشيا “فاطميون” عن زيارة قآاني، طرأت عدة أحداث عسكرية على الميدان السوري، أولها القصف الذي تعرضت له مواقع عسكرية في البوكمال في السابع من ديسمبر الحالي، بحسب ما أورد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. 

وفي ذات التوقيت، لكن إلى أقصى غربي البلاد، هزت انفجارات عنيفة مرفأ اللاذقية للمرة الأولى منذ عام 2011. ووفق وكالة الأنباء السورية “سانا” فقد تعرضت حاويات تجارية لـ”عدوان إسرائيلي”، بحسب تعبيرها. 

ولم تتبن إسرائيل ضربات من هذا النوع، لكن ذلك يأتي ضمن سياسة عدم التعليق، التي تتبعها منذ سنوات. 

في المقابل، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قصف مرفأ اللاذقية استهدف أسلحة وقطع منظومات دفاع جوي، كانت تحاول إيران إدخالها إلى سوريا خلسة. 

وكان اللافت، إلى جانب ما سبق، أن الإعلان عن زيارة قائد “فيلق القدس” جاء عشية إعلان النظام السوري البدء بعمليات “التسوية” في مدينة البوكمال، وذلك بعد الانتهاء من إجرائها في مدينتي دير الزور والميادين. 

وهذه الخطوة تعتبر الأولى من نوعها من جانب النظام السوري. أولا من ناحية استهداف التسويات لمناطق الشرق السوري من جهة، وثانيا كون المنطقة المستهدفة تعتبر معقلا بارزا للميليشيات الإيرانية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني. 

ويقول الصحفي السوري، عهد صليبي، إن “التسويات” التي بدأها النظام السوري في البوكمال تجري في مبنى الشبيبة ومنطقة أخرى بالقرب منه. 

ويضيف صليبي لموقع “الحرة” أنه “لا توجد أعداد كبيرة للراغبين بالتسوية حتى الآن. قد نشهدها في الأيام المقبلة، كما حصل في الميادين ودير الزور خلال الأسابيع الماضية”. 

من جهته، قال “المرصد السوري” إن المسؤول عن الميليشيات الموالية لإيران في مدينة البوكمال المعروف بـ “الحاج عسكر” رفض فتح الصالات لقوات النظام من أجل إجراء عمليات “التسوية”.

وأكد “المرصد السوري” أنه “لم تعرف الأسباب، بينما أقدمت قوات النظام السوري عقب ذلك على نصب خيم من جهة الكراج عند مدخل مدينة دير الزور”. 

أما الناطق باسم “لجان المصالحة في سوريا”، عمر رحمون، فيقول إن القصد من تسويات البوكمال هو “استيعاب من يريد العودة إلى حضن الوطن، ومن يرغب أيضا بطي صفحة الماضي تحت سقف القانون”. 

ولم يعلق رحمون على جدوى التسويات في مناطق تخضع بالمجمل لسيطرة الميليشيات الإيرانية، معتبرا في حديثه لموقع “الحرة”، أن “التسوية أمر ضروري، لأننا نعيش آثار حرب وهذه الآثار لابد من تسويتها ومعالجتها”.

ماذا يريد قآاني؟ 

منذ تعيينه خلفا لقاسم سليماني، أجرى قآاني ثلاث زيارات إلى سوريا، آخرها في يوليو الماضي.

وفي ذلك الوقت نشرت وسائل إعلام تابعة للحرس الثوري الإيراني صورا له مع مقاتلين من ميليشيا “فاطميون”، وأشارت إلى أن الزيارة بقصد “تفقّد مقرات اللواء”. 

وتوصف “فاطميون” بأنها رأس حربة إيران في المعارك التي تخوضها، سواء بالعراق أو سوريا أو ساحات أخرى، وبين اليوم والآخر تنشر صورا لعناصرها في البلاد عبر حسابها الرسمي في تطبيق “تلغرام”. 

وكانت قبل أسبوعين قد أعلنت عن مناورات مشتركة أجرتها في منطقة البادية السورية، وقالت إنها بهدف التصدي لتنظيم “داعش”. 

ويشير الضابط المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب، إلى أن “منطقة دير الزور بالكامل، وحتى البوكمال، هي ضمن ملاك سيطرة ميليشيات الحرس الثوري”.

ويضيف لموقع “الحرة” أنه “من الطبيعي أن يزور قآاني تلك المنطقة ويتفقد المناطق، خاصة التي تعرضت للقصف من قبل الطائرات المسيرة”. 

ويؤكد أيوب أن “تواجد قادة الحرس الثوري في سوريا أمر طبيعي، ولا غرابة في الموضوع. حتى الآن، لا يوجد قرار دولي بطرد المليشيات الإيرانية من سوريا، بل على العكس تعزز الأخيرة من وجودها في مناطق واسعة من البوكمال وصولا إلى باقي المحافظات السورية”. 

لكن مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية، حسن راضي، يرى أن “زيارات قاآني إلى سوريا بالتحديد تأتي في إطار تطورات كبيرة في الداخل الإيراني من جهة والخارج من جهة أخرى”.

ومن بين هذه التطورات، الحراك الدولي لتوحيد صفوف دول الخليج، وأيضا الحراك العربي للتقارب مع نظام بشار الأسد، وهي “خطوات تزعج إيران، وتجعلها تقرأ المشهد الكامل على أن النظام السوري يبتعد عنها”. 

وبحسب مدير المركز الأحوازي “تتخوف إيران من المستقبل، وتتحرك أمنيا وعسكريا في المنطقة. لها أوراق كبيرة في العراق وسوريا وتخشى أن تتعرض لأي ضربة عسكرية مقبلة”.

ويتابع “بذلك قد تكون الزيارة تصب لرفع معنويات الميليشيات من جهة ولتعزيز مكانتها، وربما إعطاء أجندات معينة في حال دقت ساعة الصفر”.

“إمبراطورية أمنية وعسكرية”

وأشار تقرير سابق نشر في موقع “أتلاتنيك كونسيل” إلى أن إيران تمكنت من بناء “إمبراطورية عسكرية وأمنية” في محافظة دير الزور شرقي سوريا عقب تدخلها في الصراع الدامي هناك لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط.

وكان التدخل الإيراني قد أصبح جليا في سوريا، بين عامي 2013 و2018، عندما تدخلت لمساعدة النظام السوري في حربه ضد المعارضة، وعندما شاركت كذلك في محاربة تنظيم داعش شرقي سوريا، بغية فرض وجودها ونفوذها هناك.

وقد يكون أبرز هدف حققته إيران في دير الزور هو سيطرتها على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، الأمر الذي مكّن نظام طهران من تحقيق الحلم الذي تمنّته، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وهو إقامة ممر بري يوصلها إلى البحر الأبيض المتوسط ​​ولبنان عبر سوريا والعراق.

ضياء عودة – إسطنبول

———————————-

====================

تحديث 10 كانون الأول 2021

———————-

مفاوضات فيينا ولعبة الوقت/ بشير البكر

جولة جديدة من مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، والهدف منها تدارك الفشل الذي عرفته الجولة السابعة التي انتهت يوم الجمعة الماضي، ولم تدم أكثر من أربعة أيام، وسجلت تراجعا كبيرا عما حققته الجولات السابقة التي بدأت في إبريل/ نيسان الماضي. وبدلا من استئناف المباحثات من حيث توقفت في يونيو/ حزيران الماضي، أراد لها الوفد الإيراني أن تبدأ في الجولة السابعة على أرضيةٍ مختلفة، تمثلت في تقديم اقتراحاتٍ لم تحظ بالقبول من الأطراف الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، في مجموعة 5+1، كما أنّ روسيا والصين فوجئتا بمدى تراجع إيران عن الاتفاقات السابقة. وتلخص العرض الإيراني الجديد في مسودتين: ركّزت الأولى على رفع كامل للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، تلك المتعلقة بالاتفاق النووي، وما سبقه أو جاء بعده. ومثّل ذلك تراجعاً بنسبة 80% عن حلولٍ عرضتها طهران في الجولات الست السابقة من المحادثات مع حكومة حسن روحاني، قبل أن تصل الحكومة الحالية إلى الحكم وتغيّر بنية الوفد المفاوض، وتسلّم رئاسته إلى نائب وزير الخارجية علي باقري كني، المعارض للاتفاق النووي أصلاً، ولذلك تبدّل منهج التفاوض كلياً. وحسب الوفود الأوروبية، كانت المسودة الثانية بشأن الالتزامات النووية الإيرانية متشدّدة للغاية. وكشف دبلوماسي أوروبي أنّ الإيرانيين أزالوا كلّ لغة التسوية المتفق عليها مسبقاً بشأن الخطوات التي سيتخذونها لمراقبة برنامجهم النووي. ومن الناحية العملية، يوافقون على قيودٍ أقلّ على برنامجهم النووي من تلك التي وافقوا عليها في اتفاق عام 2015 مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والحفاظ على التطويرات الكبيرة التي قامت بها طهران منذ ذلك الحين، في بناء أجهزة طرد مركزي متطوّرة وتخصيب اليورانيوم، بما يتجاوز بكثير ما سمح به الاتفاق الأصلي.

ومن الناحية النظرية، انتهت الجولة السابعة، وعادت الوفود إلى بلدانها للتشاور. لكن من الناحية العملية، بدت شقّة الخلافات كبيرة. وترى واشنطن في المقترحات الجديدة أنها صادرت جميع الحلول الوسط التي قدّمها الأوروبيون والولايات المتحدة بشكل خاص. وهي لذلك تشكّل مصدر خلاف كبير بين واشنطن وطهران، يصل إلى حد إعلان مسؤول كبير في الخارجية الأميركية أن بلاده تستعد لاحتمال عدم العودة نهائياً إلى الاتفاق النووي. وبغض النظر عن نجاح الجولة الثامنة أو فشلها، تبدو واشنطن أمام اللحظة الحرجة أكثر من أي وقت مضى، وهي مطالبةٌ بموقف حاسم وسط ضغوط إسرائيلية، وإجماع أوروبي، على أن إيران تمارس لعبة كسب الوقت، ومن بين ما تفكّر به الولايات المتحدة استمرار تشديد العقوبات، لكنّها بدأت تتحدّث صراحة، في الآونة الأخيرة، عن خياراتٍ أخرى، وحذّرت من اللجوء إلى وسائل غير الدبلوماسية، وأنّ هناك ثمناً ستدفعه إيران إذا مضت في انتهاك الاتفاق وتسريع برنامجها النووي.

وغير بعيد عن هذه التجاذبات، شهدت منطقة الخليج تطوراً مهماً، تمثل في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإمارات وقطر والسعودية، وهي الزيارة التي تركزت على صفقتي أسلحة فرنسية كبيرتين لكلّ من أبوظبي والرياض، الأمر الذي أزعج طهران، لأنّها كانت تعتبر أنّ علاقاتها الخاصة مع باريس قد جذبت فرنسا إلى طرفها، لكنّ تحرّك ماكرون بعث رسالة واضحة، فحواها أنّ فرنسا تؤيد معسكر الدول التي ترى أنّ إيران تنتهك الاتفاق النووي وتسرّع من برنامجها النووي، وتعزّز ذلك بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد إلى باريس. وظهر التغير في الموقف الفرنسي حين ضغطت باريس من أجل استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل وصول ماكرون إلى الرياض، وهو الذي يساهم في فتح الباب لعودة خليجية إلى لبنان من موقع قوة، وليس حسب شروط حزب الله.

العربي الجديد

—————————

تعويل أوروبي على «الواقعية»… وطهران ترفض التنازل في فيينا

منسق المحادثات يؤكد صعوبة المهمة… والسفير الروسي يتحدث عن «أجواء بنّاءة»

فيينا: راغدة بهنام

غاب التفاؤل عن منسق المفاوضات النووية مع إيران، للمرة الأولى منذ انطلاق جولات التفاوض في أبريل (نيسان) الماضي، وظهر الدبلوماسي الإسباني أنريكي مورا أمام الصحافيين بعد انتهاء الاجتماع الرسمي للجنة 4+1 مع إيران في فيينا، ليقول بأنه الآن يقارب المفاوضات «بواقعية»، وأنه «لا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم»؛ لأن «المهمة صعبة للغاية والفروقات التي نسعى لردمها كبيرة».

وكان الوفد الإيراني برئاسة علي باقري كني، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، قد قدم الأسبوع الماضي مقترحات للتفاوض على أساسها، وصفتها الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وواشنطن بأنها غير جادة ولا يمكن أن تكون أساساً للتفاوض. وحذرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس عشية استئناف الجولة السابعة، من أن الوقت يمر للتوصل لاتفاق وأنها «الفرصة الأخيرة» للقيام بذلك.

وتوقفت المفاوضات الجمعة الماضي، بطلب من الدبلوماسيين الأوروبيين الذين غادروا إلى العواصم للتشاور. وعقدت بعد ظهر أمس اجتماعات ثنائية لمناقشة المقترحات الإيرانية وتقديم مقترحات بديلة أو مقابلة لها، ومن المقرر أن تعقد اليوم اجتماعات للجنتي الخبراء المعنيتين ببحث الالتزامات النووية ورفع العقوبات الأميركية. ويأمل الوسطاء الأوروبيون أن يرسموا صورة أكثر وضوحاً للموقف الإيراني الجديد بهدف إكمال المفاوضات أو وقفها.

ورغم أن الطرف الإيراني رفض القبول بإكمال التفاوض من حيث توقفت المفاوضات في الجولات الست الماضية مع الفريق الإيراني السابق برئاسة عباس عراقجي، إلا أن مورا بقي يتحدث، أمس، عن ضرورة أن تشكل تلك المسودة «أرضية مشتركة» للتفاوض. ولكن باقري كني خرج بعد الاجتماع ليتحدث عن ضرورة البحث «عن أرضية ضرورية» لإكمال التفاوض بنجاح؛ ما يشير إلى استمرار رفض الطرف الإيراني التفاوض على أساس ما تم الاتفاق عليه سابقا خلال ثلاثة أشهر من جولات مكثفة من التفاوض بين مطلع أبريل و20 يونيو الماضي.

وقال باقري كني كذلك، إن إيران ستفاوض «بناءً على موافقها السابقة»، في موقف يشير بصراحة إلى عدم استعداد الوفد الإيراني تقديم أي تنازلات تطالب بها الأطراف الغربية. وبدورها، نقلت «رويترز» عن مسؤول إيراني، قالت، إنه مطلع على المحادثات، إن «إيران ستتمسك بمطالبها، وإنه لا بد من رفع كامل العقوبات دفعة واحدة في عملية يمكن التحقق منها»، مضيفاً أن اتخاذ «قرار سياسي» لإحياء الاتفاق أمر في أيدي الأميركيين.

في المقابل، بدا المنسق الأوروبي للمحادثات غير واثق مما إذا كان الوفد الإيراني قد عاد بمواقف أكثر ليناً ومقترحات تكون مقبولة لدى الأطراف الغربية، وكرر أكثر من مرة أنه «علينا الانتظار لنرى ما الذي سيحصل في الأيام المقبلة». وحتى عندما حاول أن يبدو متفائلاً، أعقب ذلك بتوضيح أعاد الواقعية لكلامه. وقال «بعد مشاورات في العواصم، ما شعرت به هذا الصباح هو شعور متجدد بوجود هدف يتم العمل عليه لدى كل الوفود. ما إذا كان هذا الأمر سيتم تأكيده، يجب أن ننتظر الأيام المقبلة لنرى».

وشدد مورا في حديثه للصحافيين على عامل الوقت الذي يعطي شعوراً «بالإلحاح»، لاستكمال لمفاوضات بسرعة، وقال، إنه «من المهم العمل بجدية» لمحاولة التقدم إلى الأمام. ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت هذه الجولة قد تكون الأخيرة في حال لم يتم تحقيق أي تقدم فيها، قال مورا إنه «يجب تحديد ما نعنيه بتقدم»، وبأنه لذلك لا يمكن الرد على السؤال.

ومن جهته، تحدث السفير الروسي لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف عن «أجواء بنّاءة». ولكن الولايات المتحدة التي لم يصل وفدها بعد إلى فيينا، بدأت بالاستعداد لتشديد العقوبات على إيران ابتداءً من الأسبوع الماضي، فيما يوحي بأنها لا تتوقع أي تقدم في هذه الجولة. وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وفداً من الخزانة الأميركية مستعد لبدء جولة إلى الدول التي لديها تعاملات تجارية واقتصادية مع إيران، مثل الصين وماليزيا وغيرهما، لتحذير الشركات هناك من تعرضهم لعقوبات أميركية في حال عدم وقف التعامل التجاري مع إيران. ولكن المسؤولين الأميركيين حرصوا على التأكيد أن المسار الدبلوماسي سيبقى مفتوحا أمام إيران للعودة للاتفاق النووي.

وكان الوفد الأميركي برئاسة روبرت مالي قد تأخر في الوصول وهو لم يبلغ بعد الأطراف الأوروبية بموعد وصوله، إلا أنه من المتوقع أن ينضم للمفاوضات بشكل غير مباشر يومي السبت أو الأحد. وأكدت مصادر مشاركة في المفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، أن تأخر الوفد الأميركي في الوصول ليس له «أسباب سياسية»، وأنه سينضم إلى المحادثات قريباً.

وفي محاولة إيرانية على ما يبدو لتخفيف التوتر وغضب الأطراف الغربية، أعلنت طهران أن وفداً من المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية سيتوجه إلى فيينا قريباً، لإجراء محادثات مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي لبحث التعاون بين الطرفين المتوقف تقريبا منذ فبراير (شباط) الماضي. وكان غروسي قد توجه إلى طهران قبل بضعة أيام لبحث خروقات إيران النووية المتزايدة، ولكن عاد خالي اليدين، وقال إنه لم يتمكن من الحصول من الإيرانيين على أي تعهدات.

وتلعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية دوراً أساسياً في مراقبة امتثال إيران لالتزامات الاتفاق النووي. ويعقد المسؤول الأميركيون والأوروبيون المشاركون بالمفاوضات النووية اجتماعات دورية مع غروسي لبحث مدى تقدم برنامج إيران النووي ومدى عدم تعاونها. وعقد مورا اجتماعاً مع غروسي، عشية استئناف الجولة السابعة من المفاوضات، ووصف دور الوكالة أمس بأنه «أساسي»، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك علاقة عمل «جيدة» بين الوكالة وإيران.

وكان مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل قد أجرى اتصالا عشية استئناف المفاوضات بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. وكتب بوريل على «تويتر» أنه تحدث مع عبد اللهيان «بناءً على طلبه»، وأنه أوصل إليه رسالة «ملحة بضرورة تحقيق تقدم بشكل أكبر بكثير في المفاوضات لإعادة العمل بالاتفاق النووي». ولكن وسائل إعلام إيرانية نقلت أن عبداللهيان انتقد في مكالمته مع بوريل، المواقف الأوروبية «المتشددة والسلبية وغير البنّاءة»، مضيفاً بأنه أبلغ بوريل أن «هذه البيانات تعقد الوضع وتبطء من عملية التوصل لاتفاق».

وبحسب بيان للخارجية الإيرانية، أنتقد عبداللهيان «عدم فاعلية» الغرب في محادثات فيينا. وقال «حتى الآن لم نتلق أي مقترحات بنّاءة، تدفع بالمحادثات إلى الأمام. وهذا يتعارض مع إعلان حضورهم في المفاوضات بفيينا».

وتحاول روسيا والصين لعب «دور الوسيط» مع إيران لإقناعها بتليين مواقفها، وقد عقد الوفد الإيراني قبل اجتماع اللجنة المشتركة الرسمية اجتماعا ثلاثيا مع الوفدين الصيني والروسي من دون أن يخرج منه شيء. وكان باقري كني قد زار موسكو عشية استئناف المحادثات وقبل سفره إلى فيينا، والتقى هناك بنائب وزير الخارجية الروسي الذي تحدث عقب اللقاء إلى مالي لإبلاغه بنتائج الزيارة.

وقدم الجانبان الإيراني والأميركي، روايات متباينة بشأن الموقف الروسي والصيني من مقترحات إيران. وأفادت وكالة «إيسنا» الحكومية، بأنه «رغم المعارضة الأوروبية – الأميركية، لكن روسيا أعلنت من الممكن أن تكون المقترحات أساس المفاوضات. على ما يبدو أن الصين لا تعارض رغم أنها قالت إنها تدرس المقترحات الإيرانية».

———————–

مفاوضات فيينا تستأنف..وبايدن يطلب تحضير العقوبات على إيران

طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من فريقه مباشرة “التحضيرات” في حال فشل المحاولات الدبلوماسية على صعيد الملف النووي الإيراني، بحسب ما أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي الخميس.

وقالت بساكي: “نظراً لاستمرار تقدم البرنامج النووي الإيراني، طلب الرئيس من فريقه الاستعداد لاحتمال فشل السبل الدبلوماسية. هذا يتطلب تحضيرات”. وأضافت أن الإدارة الأميركية “بصدد تحضير عقوبات جديدة ضد إيران في حال فشل المفاوضات النووية”.

من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، إن “مسؤولين من الخارجية والخزانة الأميركية سيتوجهون إلى الإمارات لمناقشة تطبيق القطاع الخاص للعقوبات على إيران وهناك وفود أخرى ستزور دولاً أخرى”.

وأكد أن الإدارة الأميركية أجرت “محادثات رفيعة المستوى مع الصين حول تطبيق العقوبات الأميركية والدولية على إيران وهم يعرفون موقفنا والصين تشاطرنا موقفنا بالعودة المتبادلة إلى الالتزام بالاتفاق النووي”. وأضاف “نعمل على تحديد الكيانات التي تخرق العقوبات على إيران وتحذيرها من مغبة القيام بذلك”.

وقال المتحدث: “نناقش مع شركائنا، ومن بينهم الإسرائيليون، الخطط البديلة في حال فشل الدبلوماسية”، تزامنا مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس العاصمة واشنطن. واعتبر أن “التصعيد الإيراني سيضع الدبلوماسية على محك ما إذا كان يمكنها تحقيق غايتها”. لكنه أكد أنه “في الوقت الحالي نركز على الدبلوماسية لرؤية ما إذا كان يمكن العودة المتبادلة الى الالتزام بالاتفاق النووي”.

ونفى برايس تصريحات صدرت عن مسؤول إيراني، زعم فيها رفع العقوبات عن مليارات الدولارات من أموال طهران المجمدة وفقا للعقوبات وقال: “لم نفرج ولا شركاؤنا عن أية أموال مجمدة لإيران”.

وفي وقت سابق الخميس، اختتم اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في فيينا، بمشاركة أطراف الاتفاق، وهي إيران وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا.

وقال منسق الاتحاد الأوروبي في مفاوضات فيينا إنريكي مورا إنه يتعامل بواقعية مع الجولة الجديدة. وأضاف أن هذه الجولة صعبة بالنظر إلى اختلاف وجهات النظر بين الوفود، ولأن الوقت محدود. وأكد في الوقت ذاته جدية كل الأطراف في الوصول إلى اتفاق.

وأوضح مورا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستلعب دوراً مهماً لمراقبة أنشطة إيران في حال الوصول إلى اتفاق، مثمناً التعاون والتواصل الراهن بين طهران والوكالة. وأكد أنه لمس لدى كل الوفود المفاوضة شعوراً بضرورة الوصول إلى اتفاق لإحياء خطة العمل المشتركة، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة كفيلة بتأكيد أو نفي ذلك.

واستؤنفت الجولة السابعة من المفاوضات بعد دورة الربيع التي جرت في نيسان/أبريل، وتوقفت في حزيران/يونيو، بسبب انتخاب رئيس إيراني جديد. ولم تستأنف سوى في 29 تشرين الثاني/نوفمبر. وكانت المحادثات انفضت الأسبوع الماضي عندما أبدى مسؤولون أوروبيون وأميركيون استياءهم من مطالب قدمتها الحكومة الإيرانية.

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري إن لدى بلاده جدية وإرادة حقيقية لأجل مفاوضات جادة، وإنها لا ترى عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق في حال توفر الأسس اللازمة.

وأضاف باقري في تصريح عقب انتهاء اجتماع اللجنة المشتركة الخميس، أن رد الطرف المقابل على المقترحات الإيرانية سيتضح خلال اجتماعات اللجان المختصة، منوهاً إلى أن الطرف المقابل شارك في مفاوضات اليوم بشكل أكثر جدية مما مضى.

وانتقد المسؤول الإيراني واشنطن قائلاً إنها تمارس “إجراءات تخريبية غير بناءة” خلال المفاوضات و”الكل يدين ذلك”، مشيرا إلى أن حل الخلاف حول رفع العقوبات يتطلب إرادة جادة واستعداداً من الطرف الآخر. وأكد أن رفع العقوبات سيخلق فرصة جادة للتقدم في المفاوضات، خاصة بشأن الإجراءات النووية.

—————————

موسكو:وجود القوات الأميركية في سوريا يخفض فعالية مكافحة الإرهابيين

قال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إن “الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا، يقلل من فعالية القتال ضد الإرهابيين”، مضيفاً أن القوات الروسية مستمرة، إلى جانب قوات النظام السوري، في غاراتها على “الجماعات الإرهابية”.

وقال غيراسيموف في تصريح أمام الملحقين العسكريين للدول الأجنبية الخميس، “لم تتخلَ الجماعات المسلحة غير الشرعية عن خططها لتوسيع مناطق نفوذها، ويسهم في ذلك الوجود العسكري غير المشروع للولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى في سوريا، ما يقلل من فعالية محاربة الجماعات الإرهابية”.

وأضاف أن “القوات الجو-فضائية الروسية تواصل إلى جانب قوات النظام السوري، غاراتها على الجماعات الإرهابية”، فيما تقدم في الوقت نفسه “المساعدة في عودة اللاجئين واستعادة البنية التحتية للحفاظ على سلامة الأراضي السورية ووحدتها”.

وتابع غيراسيموف: “في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يجري العمل مع الجانب التركي لتنفيذ الاتفاقات القائمة والحفاظ على وقف الأعمال العدائية”.

وجاء تصريح المسؤول العسكري الروسي بعد يومين على إجراء القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، مناورات عسكرية في ريف دير الزور شرقي سوريا، بمشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني.

ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن مصادر محلية الأربعاء، أن العشرات من القوات الأميركية و3 دبابات وعدداً من العربات المدرعة، شاركوا الثلاثاء في مناورات استخدمت فيها الذخيرة الحية حيث تم إطلاق النار على أهداف محددة مسبقاً. وأضافت المصادر “كما شارك في المناورات التي استمرت يوماً واحداً، عشرات من عناصر الحزب العمال الكردستاني الذين حضروا إلى ساحة المناورات بعرباتهم المدرعة”.

وأوضحت المصادر أن المناورات جرت في بادية بلدة أبو خشب القريبة من معبر بلدة الصالحية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي أحد أهم نقاط تمركز القوات الروسية والمجموعات التابعة لإيران.

وتقول الولايات المتحدة إن استمرار وجود قواتها في سوريا هدفه مكافحة تنظيم داعش. وفي أول تصريح بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بمؤتمر صحافي في 28 كانون الثاني/يناير، إن “رؤيتنا حول هدف القوات الأميركية في سوريا والعراق، هي مواصلة التعامل مع تهديد داعش”.

وتتوزع القوات الأميركية في 26 موقعاً بمحافظات دير الزور، والحسكة، والرقة، وحمص، والقامشلي، كما تمتلك 23 قاعدة عسكرية، حيث يتركز وجودها بشكل رئيس على آبار النفط. وتمثل الولايات المتحدة أكبر داعم لقوات سوريا الديمقراطية في الحملة ضد داعش في سوريا.

المدن

———————————

================

تحديث 16 كانون الأول 2921

——————

بايدن والخروج من مأزق فيينا/ رانيا مصطفى

دخلت الدول المعنية بمفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني 2015، في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جولة صعبة من استكمال المفاوضات المتوقفة في يونيو/ حزيران الماضي، وقد تغير الظرف الدولي والإقليمي، وانتقلت الأجواء من التفاؤل، في بداية المفاوضات في إبريل/ نيسان 2021، إلى التشاؤم، حيث انقلبت طهران على ما تم التوصل إليه من توافقات في جولات النصف الأول من العام الحالي (2021)، والتي نالت رضا الأوروبيين، أي قبل انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيساً لإيران، وصعود المحافظين الأكثر تشدّداً، وتعيين علي باقري كني كبيراً للمفاوضين الإيرانيين، وهو أحد أكبر منتقدي اتفاق 2015. صعّد الوفد الإيراني من شروطه نحو رفع كامل العقوبات الاقتصادية الأميركية، وضمان استمرارية الاتفاق، وأن يقرّه الكونغرس الأميركي، إضافة إلى استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم، وإعلانها الشهر الماضي امتلاك 30 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة 60%، ومصادقة البرلمان الإيراني على زيادة تخصيب اليورانيوم؛ بالتالي لا تكترث طهران بالمفاوضات، وقبلت بها كسباً للوقت، لتطوير قدراتٍ تلقائيةٍ على تفعيل السلاح النووي، وعدم فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ جديدة عليها. وبناء على ذلك، تستعد واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون للبحث عن الخيارات البديلة للضغط على طهران.

تبرز هنا حجم الورطة التي أوقع بها ترامب بايدن، نتيجة انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، وتطبيق سياسة “الضغوط القصوى” عبر فرض العقوبات الاقتصادية على قطاعات النفط والتعدين والمصارف. تبيَّن لإدارة بايدن، بالتجربة، عدم نجاعة العقوبات الاقتصادية وحدها في تشكيل ضغوط كافية لكبح جماح إيران النووي، والتي باتت تتفنن في إيجاد سبلٍ للتغلب عليها، يصعب متابعتها. كانت إيران مستعدّةً مسبقاً للعقوبات. وعلى ذلك، بنت علاقات اقتصادية استراتيجية مع دول المنطقة، مكّنتها من التغلب على مشكلة العقوبات إلى حدّ ما، فهي تصدّر معظم نفطها إلى الصين، بأسعار أرخص من السوق العالمي، في ظل ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتصدّر منتجات الغاز والمكثفات ومشتقات نفطية، عبر الصين والإمارات إلى دول العالم، وتصدّر الغاز إلى تركيا، وهناك تجارة بينية معتبرة بين البلدين. وتُضاف إلى ذلك براعة إيران في إيجاد طرق بحرية غير مباشرة، عبر سفن غير مرصودة بأجهزة التتبع.

حتى اللحظة، لم تنجح إدارة بايدن في تشكيل ضغوط حقيقية على طهران، حيث فشلت في رفع منسوب إنتاج النفط لتخفيض الأسعار عالميا، الأمر الذي رفضته دول الخليج، خصوصا السعودية، الأكثر تأثيراً في منظمة أوبك، لأنه سيتسبّب لها في خسائر كبيرة. كما أن تخفيض أسعار النفط لا يضمن ثني طهران عن برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ، ولا عن مشروعها المليشياوي التوسّعي، والذي بات يحاصر دول الخليج، في اليمن خصوصاً، ولا يوقف استفزازاتها المستمرّة في الخليج، بل العكس، سيزيدها كردِّ فعل مباشر أو غير مباشر على أي ضغوطٍ في المنطقة تُمارس على طهران.

تريد إيران أن تثبت أنها دولة إقليمية، ونووية، وإنْ غير معلنة، كإسرائيل والهند وباكستان، وتريد اتفاقاً يكون في مصلحتها من جهة إزالة العقوبات اللازمة لتعويم الاقتصاد وعودتها الشرعية إلى أسواق التجارة العالمية، لكن من دون تقديم تنازلات كبيرة في برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي ومشروعها المليشياوي في المنطقة. وتراهن على الرغبة الدولية في العودة إلى الاتفاق النووي، وعلى التلويح بمعدّلات تخصيب مرتفعة لليورانيوم، وعلى تأزيم الاستقرار الإقليمي والملاحة في الخليج، وعلى محدودية خيارات بايدن وعجزه عن إيقاف صادرات النفط الإيرانية، في ظل إتقان طهران طرق التهريب، وحصولها على دعم دول مجاورة، وقدرتها على الانتقام.

تعتقد طهران أن إدارة بايدن لن تتورّط في عمل عسكري ضدّ مواقعها النووية، ولن تسمح لإسرائيل بذلك، وأن واشنطن تحتاج إيران في أفغانستان، وتحتاجها إلى جانب الهند وباكستان النوويتين لمحاصرة الصين. وتُجازف طهران في بناء تصوراتها على فكرة أن أميركا تنسحب من الشرق الأوسط لمصلحة المواجهة مع الصين، وأن الملف الإيراني هامشي بالنسبة لها؛ لكن بايدن الذي رفع شعار “عودة أميركا”، ردّاً على شعار الانكفاء الترامبي “أميركا أولاً”، يفتش عن مخرجٍ لورطته في مفاوضاته مع إيران، والتي تتم بشكل غير مباشر، حيث رفض الإيرانيون الجلوس مع الأميركيين وجهاً لوجه، وقبلوا بالأوروبيين والروس والصينيين.

على بايدن أن يجد مخرجاً يحفظ ماء وجهه، أمام ناخبيه ومعارضيه؛ وهو، إلى جانب التركيز على الضغط على إيران في المفاوضات، يحاول البحث في كيفية جعل العقوبات على طهران ذات جدوى؛ لذلك عليه إدارة جملة ملفاتٍ معقدةٍ ومتشابكة، وصياغة خلطةٍ تخرجه من المأزق. بدأ بالتركيز على الإمارات، كون شركاتها تلعب دوراً كبيراً بالتجارة مع إيران، فهي ثالث دولة تستورد من إيران بضائع بقيمة 4.6 مليارات دولار، وبحجم تداول تجاري بيني وصل العام الماضي إلى 9.6 مليارات دولار. وعليه البحث في المهمة الأصعب، وهي تقديم تنازلات إلى الصين، أكبر مستورد للنفط الإيراني، بالتوازي مع إقناع السعودية بالموافقة على رفع منسوب إنتاج النفط، وتخفيض الأسعار، والذي سيكون في مصلحة الصين، ويسمح لها بإيجاد بدائل عن النفط الإيراني الرخيص. يجري ذلك كله بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إلى واشنطن، لمناقشة الخطط البديلة في حال الفشل، أي القيام بعمل عسكري محدود، حيث لا ترغب واشنطن بنشر مزيد من القوات في المنطقة، وربما الاكتفاء بالهجمات الإسرائيلية السيبرانية على طهران، باعتبار أن إسرائيل أكثر المتضرّرين من أن تصبح إيران دولة نووية، لأنه سيقلل من حماسة هجرة اليهود إلى إسرائيل.

الملف المؤلم لطهران، إذا ما تم المساس به، هو ملفّ المليشيات الشيعية الموالية لها؛ ما زالت إدارة بايدن تفصل هذا الملف عن عملية المفاوضات النووية، باعتبار أن واشنطن مستفيدةٌ من الدور التفتيتي الذي تقوم به هذه المليشيات الطائفية في الشرق الأوسط، طالما أنها تحت سيطرة الأميركيين ونظرهم، في العراق ولبنان وسورية، وفي اليمن، تهدّد أمن دول الخليج، ولا يمكن حلها من دون التنسيق مع واشنطن. هذا يعني أن ملف المليشيات الشيعية ورقة مهمة بيد واشنطن أيضاً، للضغط على دول الخليج. ومن غير المستغرب، بعد كل هذا التصعيد المتبادل والضغوط، أن يصل الأميركيون والإيرانيون بوساطةٍ أوروبية، ودور روسي وصيني، إلى صيغة اتفاقٍ ما، يخفّف بعض العقوبات الاقتصادية عن طهران، التي تعاني من ضغط داخلي شعبي؛ وهذا لا يلغي حقيقة أن إيران على عتبة أن تصبح دولةً نووية، لكنها قد تقدّم تنازلات، تشمل بعض المليشيات الموجودة في أربع دول عربية.

العربي الجديد

————————

إسرائيل لا تريد إيران في الساحل السوري/ منير الربيع

على صعيد واسع، ثمة معادلة واضحة يتم تداولها، أشارت إليها تقارير ودراسات متعددة، فإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب، ستكون منطقة الشرق الأوسط أمام حرب مشتعلة. يدعم أصحاب هذه النظرية وجهات نظرهم بالنظر إلى عدد من الدول العربية ودول الخليج التي تحاول ترتيب العلاقة مع إيران لتجنّب أي تصعيد. لم تعد مقومات المعركة منحصرة بطهران، والتي وصلت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وهو ما تسعى إلى تكريسه في حال توصلت إلى اتفاق مع واشنطن. هنا لا بد من إلقاء نظرة شاملة ودقيقة على ما يجري بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في أوكرانيا. ولا بد من إلقاء نظرة على التطورات بين الصين وتايوان.

بين إيران وواشنطن كل التصريحات والقواعد السياسية التي يحتكم إليها الطرفان مشهودة سابقاً وأصبحت متكررة إلى حدّ بعيد حتى إنها وصلت إلى حدود الملل، بناء على تصريحات جامدة والجميع يحفظها عن ظهر قلب، بأن واشنطن تركز على التفاوض الدبلوماسي مع إيران ولا تجد نفسها منعدمة الخيارات الأخرى ولكنها تصر على الدبلوماسية. في حين المسؤولون الإيرانيون يكررون مواقفهم أيضاً والتي تنقسم إلى قسمين، الأول هو رفض الإملاءات ورفض تقديم التنازلات واشتراط رفع العقوبات كمقدمة للاتفاق، أما القسم الثاني يتعلق بقادة الحرس الثوري الذين يهددون بتسوية إسرائيل بالأرض في حال قررت القيام بأي اعتداء.

هذا التصريح الأخير، يتوقف عنده كثير من المحلليين السياسيين والعسكريين بنوع من السخرية، هؤلاء الذين يعرفون أن طهران تنتهج مسلك التفاوض على حافة الهاوية، لا يمكن لمسؤوليها إطلاق مثل هذه التصريحات التصعيدية والمهددة إلا بعدما تكون إيران قد تأكدت من تحقيق خروقات سياسية أساسية في مسار المفاوضات وبالتالي أصبح وضع التفاوض أقرب إلى الاتفاق أو أن طريقه معبدة. لأنه لو كانت الأجواء سلبية جداً والمخاطر الأمنية والعسكرية جدية فإيران تلجأ إلى التراجع خطوة إلى الوراء في مثل هذه الحالات.

بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الصراع الأوكراني، لا يبدو المشهد متكرراً، فما يجري يختلف جذرياً عن الغزو الروسي لجورجيا في العام 2008، أهمية جورجيا بالنسبة إلى موسكو معنوية أكثر منها استراتيجية مقارنة مع أوكرانيا، فجورجيا موطن ستالين. أما أوكرانيا فهي نافذة روسيا أو الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى البحر وإلى أوروبا، وهي المعبر الأساسي للغاز الروسي. كل الحشود العسكرية والتصريحات التصعيدية لا تعني بالضرورة استعداد الطرفين للذهاب إلى حرب، الموقف قد يكون مشابهاً لأزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي.

يبقى الوضع الأخطر هو الصراع الصيني الأميركي، لا سيما في ضوء التحشيدات والتوترات في تايوان، والذي تعتبره الصين معركتها الوجودية، ولا يمكنها التفريط بالقبول بأي نزعة استقلالية للإقليم. هذا الصراع هو الذي يدفع واشنطن إلى استعجال الوصول إلى اتفاق مع كل من روسيا وإيران لأنه يريدهما إلى جانبه في معركته بمواجهة الصين. وحتماً لكل هذه التطورات انعكاسات في منطقة الشرق الأوسط، والتي يمكن قراءتها انطلاقاً من التصعيد الإسرائيلي الواضح ضد إيران وممارسة مزيدٍ من الضغوط في سبيل إقناع الأميركيين بتنفيذ ضربة عسكرية ضد  طهران، وهو ما تستخدمه واشنطن كعنصر من عناصر التفاوض والضغط على الإيرانيين.

على وقع هذه التطورات، وسعت إسرائيل الأسبوع الماضي من نطاق عملياتها العسكرية في سوريا، وقد استهدفت أحد العنابر في مرفأ اللاذقية والخاضع لسيطرة الإيرانيين، لا يمكن لإسرائيل تنفيذ مثل هذه الضربة في منطقة تعتبر خاضعة لسيطرة روسية كاملة من دون موافقة موسكو، أهمية هذه الضربة وأبعادها أنها تستهدف الوجود الإيراني في الساحل السوري، ما يعني أنه ممنوع على إيران أن تكون موجودة هناك، وثانياً أنه ممنوع على إيران التمتع بأي منفذ بحري على البحر الأبيض المتوسط، وثالثاً أن هذه الضربة تأتي كاستكمال لضربة إسرائيلية حصلت سابقاً قبل أشهر لأحد أكبر وأبرز المواقع الإيرانية في صافيتا. مثل هذه الضربات ستكون مستمرة في المرحلة المقبلة سواء تم التوصل إلى اتفاق نووي أم بقيت المفاوضات متعثرة. فبعد الوصول إلى الاتفاق سيكون التفاوض بالنار على ترسيم مناطق النفوذ.

تلفزيون سوريا

———————-

 إسرائيل وإيران وروسيا في لعبة عضّ أصابع السوريين! مركز حرمون للدراسات. سميرة المسالمة

تحاول روسيا التحايل على حرج توصيف القصف الإسرائيلي في الأراضي السورية كعدوان خارجي، بتوصيفه بأنه قصف غير شرعي أو لا إنساني، وذلك في تخلٍّ واضح عن مكانتها، كشريكة أو كصديقة للنظام السوري، بحسب اتفاقية 1980، أو كحليفة حسب اتفاقية 1994، أو ضمن مسؤولية مظلة الدفاعات الجوية الروسية (إس 300) التي سلمتها إلى دمشق عام 2018، متعمدة تجاهل أن القصف الإسرائيلي هذه المرة كان في منطقة اللاذقية، أي قرب قاعدتها العسكرية حميميم.

بهذا التمييز أو التلاعب في التسمية، بين القصف الشرعي وغير الشرعي، تُحدد روسيا، أيضًا، طبيعة كل رد وحكمه، للتغطية على دورها في الحرب ضد السوريين، حيث “الشرعي”، بالنسبة إليها، هو ما تمارسه قواتها ضد السوريين المعارضين لحكم بشار الأسد، منذ بداية تدخلها العسكري في أواخر عام 2015، والذي يشمل، وفق مشروعيتها، استخدام كامل قواتها ومختلف أنواع أسلحتها في قصف بيوت السوريين المدنيين، وأسواقهم وخيمهم ومدارسهم ومستشفياتهم. أما ما هو “غير شرعي”، ويمكن إدانته “إعلاميًا فقط”، دون الحاجة إلى استخدام القوة في صده، بالنسبة إليها، فهو القصف الإسرائيلي للقوات الإيرانية وأسلحتها في سورية، بحسب تعبير المبعوث الروسي الخاص لسورية ألكسندر لافرينتييف في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، حين برّر عدم الرد العسكري على الضربات الإسرائيلية المتكررة، بأن “استخدام القوة غير بناء، لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سورية”، وبذلك توضح روسيا أنّ صد الاعتداءات الإسرائيلية ليس من مهمات قواتها أو أسلحتها أو مظلة دفاعاتها الجوية في سورية.

تفهم إيران تلك التصريحات الروسية الهادئة ضدّ القصف المتكرر لإسرائيل على مواقع قواتها، وقوات الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها، بأنها تمثل رسائل عدة، منها:

أولًا أنها بمنزلة بوابة عبور مفتوحة، أو متفاهم عليها، بين الجانبين الصديقين (روسيا وإسرائيل).

ثانيًا أنها تدخل، إضافةً إلى التفاهم الروسي-الإسرائيلي على ذلك، ضمن طبيعة النزاع، أو التنافس، بينها وبين موسكو على “شرعية” وجودها في سورية من جهة، وعلى حجم حصة كل منهما فيها، من جهة ثانية.

وثالثًا أنّ ما يجري يشكل محاولة للحدّ من قدرتها على استخدام وجودها العسكري غير المرغوب “إسرائيليًا”، كورقة ضغط على المجتمع الدولي في ملفاتها الخارجية. وهنا تمارس إيران اللعبة الروسية ذاتها، بالرغم من اختلاف الجبهات التي تحاول إيران التصدي لها، أو ليّ ذراعها، مقابل الإفراج عنها كدولة غير مارقة في المنطقة، تستعيد قدرتها الإقليمية وتنزع عنها قيد العقوبات الدولية المفروضة عليها، أميركيًا وأوروبيًا.

أما بخصوص واقع استمرار القصف الإسرائيلي على المواقع أو القواعد، أو قوافل التسلّح، الإيرانية، في سورية، فله أكثر من بعد ثنائي؛ إذ يمكن فهمه كجزء من معركة إقليمية لصياغة خارطة المنطقة بكاملها، وهو ما يتمثل ليس فقط بالتصارع الإسرائيلي-الإيراني، المعلن أو الصريح والمباشر، وإنما أيضًا بذلك الصراع الخفي، المباشر وغير المباشر، بين الدول الثلاث الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل) في الجغرافيا السورية، وعلى النفوذ في سورية، أو على تقرير مستقبل سورية.

ولكن ما يميز إسرائيل هنا، عن الطرفين الآخرين، أمورٌ: أولًا أنها تحتل جزءًا من الأرض السورية، وهو هضبة الجولان منذ عام 1967، منذ 65 عامًا، التي تم ضمها إلى إسرائيل؛ وثانيًا أن مستقبل سورية يشكل همًا لإسرائيل أكثر من الطرفين الآخرين، لأنه يمس مباشرة بوجودها، أو بما تسميه أمنها القومي، لا سيّما أنها دولة مجاورة؛ وثالثًا أنها الطرف الإقليمي الأقرب للدولتين الكبريين المتحكمتين في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مع ملاحظة أن إسرائيل لها أسهم كبيرة أو مقررة في صياغة الدور الأميركي في سورية؛ ورابعًا أنها إزاء الطرفين الإقليميين الآخرين (تركيا وإيران) تتمتع بعلاقات عادية مع الأولى، وعدائية مع الثانية، مع ملاحظة أن لكل طرف منهما مشكلة مع الطرفين الآخرين؛ خامسًا أن إسرائيل تعدّ الوجود العسكري لإيران، وميليشياتها، تهديدًا لأمنها القومي، ولهذا فهي تعمل مباشرة على قضم الوجود العسكري لإيران وحلفائها، كما تعمل على إبعاد ذلك الوجود عن حدودها، من دون أن تذهب إلى كسره أو إخراجه نهائيًا، وذلك حرصًا منها على استثمار الوجود الإيراني في زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة، وهو ما فعلته في العراق وسورية ولبنان، وهو ما استفادَت منه إسرائيل، وبنت من خلاله استراتيجية جديدة في تقاربها مع الدول العربية.

ضمن هذه الاعتبارات، يمكن فهم الضربات الإسرائيلية المتوالية لما تعتبره قواعد أو مخازن أسلحة أو قوافل ذخائر عابرة لجماعات عسكرية إيرانية، أو تابعة لها، من الميليشيات المتعددة الموجودة في سورية، منذ العام 2013، على أنه محاولة للاستفراد بسورية، كموقع جغرافي حدودي معها آمن من وجود أي منافس عليه، وهذا ما يفسر اشتراطها في مباحثاتها مع روسيا إبعاد أية قوات إيرانية، أو تابعة لإيران (من الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها) عن حدودها، على الرغم من أن عبور إيران تلك الحدود لم يكن في غياب إرادتها، أو على الأقل فهو تم بموافقة صامتة من حليفتها الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، إن ايران عملت، من جهتها، على ضبط إيقاع ردات فعلها على الضربات الإسرائيلية، وفقًا لبضع قواعد، منها تعزيز وجودها في المناطق السورية البعيدة عن الحدود، والتركيز على الوجود في بعض نقاط الحدود العراقية السورية، وأيضًا انتهاج سياسة عدم الرد على الضربات الإسرائيلية، لا في سورية ولا في العراق، ولا في إيران ذاتها، وأنها ظلت على الدوام تحاول ركوب القضية الفلسطينية لشرعنة وجودها في سورية، بادعاء “مقاومة إسرائيل”، فيما هي تشتغل لتعزيز نفوذها الإقليمي، والإبقاء على “الكريدور” الشيعي موصولًا بين طهران وبغداد وبيروت ودمشق وإنجاح خطتها في شق المجتمعات العربية على أسس طائفية – مذهبية.

باختصار، لا يهمّ إسرائيلَ تصنيفُ القصف (شرعي أو لا شرعي)، المهمّ أنها تشتغل لتوسيع حصتها في المنطقة، على حساب تحجيم الوجود الإيراني، فيما إيران ما زالت تنتظر الزمان والمكان المناسبين للرد، وفي كل الأحوال، يحاسَب الشعب السوري على الفاتورة الباهظة لصراع الأطراف الإقليمية على أرضه، من دمه وجسده.

مركز حرمون

———————

==================

تحديث 20 كانون الأول 2021

—————————-

نصائح أوروبية وعربية لأميركا بالتزام «الصبر الاستراتيجي» في سوريا

تفاصيل المناقشات في مؤتمرات بروكسل الأسبوع الماضي

لندن: إبراهيم حميدي

كشفت اجتماعات كبار المبعوثين والخبراء بالملف السوري في بروكسل، قبل يومين، عن وجود فجوة في الأولويات بين واشنطن من جهة، وعواصم أوروبية وبعض الدول العربية من جهة أخرى، وسط دعوة اوروبية لـ«الصبر الاستراتيجي»، الأمر الذي دفع المبعوث الأميركي للملف السوري، إيثان غولدريش، إلى ضبط إيقاع التنسيق بين الحلفاء عبر سلسلة اجتماعات، وتأكيده أن واشنطن «لن ترفع العقوبات عن دمشق»، و«لن تطبع» معها، و«لن ترسل إشارات خاطئة» لها.

– 3 اجتماعات

عقدت ثلاثة اجتماعات في بروكسل يومي الأول والثاني من ديسمبر (كانون الأول) الحالي: الأول، اجتماع للمبعوثين والخبراء الأجانب في مركز أبحاث أوروبي؛ والثاني، اجتماع المبعوثين العرب والغربيين وتركيا للملف السوري بدعوة أميركية، في ظل غياب الإمارات؛ والثالث، اجتماع كبار الموظفين على هامش مؤتمر التحالف الدولي ضد «داعش».

وسبق أن عقد اجتماع وزاري بشأن سوريا على هامش مؤتمر التحالف ضد «داعش» في روما، في 28 يونيو (حزيران) الماضي. ووقتذاك، ركز وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن على 3 أولويات لأميركا في سوريا، هي: منع عودة «داعش»، ودعم المساعدات الإنسانية، وتثبيت وقف النار. ولم توافق أميركا -وقتذاك- على اقتراحات تضمين البيان الختامي موقفاً واضحاً ضد «التطبيع»، أو ضد الانتخابات الرئاسية في سوريا، لأنها كانت تراهن على الحوار السري مع روسيا للاتفاق حول تمديد قرار المساعدات الإنسانية.

منذ ذلك الوقت، حصلت تغييرات في واشنطن، بينها انتهاء المؤسسات الأميركية من مراجعة سياساتها بشأن سوريا، والوصول إلى 5 أهداف، هي: منع عودة «داعش»، ودعم المساعدات الإنسانية، ووقف النار الشامل، والمساءلة والمحاسبة في سوريا، ودعم العملية السياسية بموجب القرار (2254). يضاف إلى ذلك أهداف ملحقة: الأول، دعم الحوار بين الأكراد أنفسهم، وبين الأكراد ودمشق برعاية روسية – أميركية؛ وتقديم الدعم اللوجيستي للغارات الإسرائيلية ضد «مواقع إيران» في سوريا؛ والإغارة على قياديين في «القاعدة».

أيضاً، بين الاجتماع الوزاري في روما ولقاء المبعوثين في بروكسل، عقدت 3 جلسات غير معلنة بين مبعوثي الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن في جنيف، أسفرت عن الاتفاق على تمديد قرار المساعدات «عبر الحدود» و«عبر الخطوط»، مقابل موافقة واشنطن على تمويل «التعافي المبكر» للأمور الإنسانية.

وبدأت دول عربية خطوات انفتاح نحو دمشق، وعقدت لقاءات سياسية رفيعة، فيما عادت واشنطن إلى لعب دور قيادي في ملف المساءلة في مجلس الأمن، ودعم دول أوروبية محاكم وطنية لملاحقة متهمين بـ«جرائم ضد الإنسانية».

– ماذا قال المشاركون؟

في اجتماع المبعوثين والخبراء، جرى تقديم قراءة للوضع الميداني في سوريا، ثم قدم كل مبعوث موقف بلاده. وحسب المعلومات، فإن الفجوة كانت واضحة بين موقف غولدريش ونظرائه الأوروبيين والعرب. بداية، انتقد مبعوثون أوروبيون فرض أميركا على دولهم أولويات تمويل المساعدات، خصوصاً في ظل «غياب الدور القيادي الأميركي»، إضافة إلى عقد أميركا اتفاقات مع روسيا من «وراء ظهرهم»، خصوصاً قرار تمديد المساعدات الإنسانية.

وقال مبعوثون أوروبيون إن دولهم هي «المجاورة لسوريا»، وستضع أولوياتها، بحيث إنها لن ترفع العقوبات عن دمشق، ولن تغير موقفها. وقال أحدهم: «لن نصرف أموالاً على النظام»، رداً على اقتراح أحد المشاركين «التطبيع مع الواقع» و«قبول أن النظام باقٍ».

وكان الرد من المعسكر الأوروبي تجديد الدعوات إلى «الصبر الاستراتيجي» في التعاطي مع الملف السوري، الأمر الذي لم يعد موجوداً لدى دول عربية مجاورة. كما استند ممثلا ألمانيا وفرنسا إلى تجربة بلادهما للحوار مع روسيا، للقول بضرورة «تحرك روسيا أولاً». كما ظهرت دعوات للتمسك بأدوات الضغط الثلاث على دمشق – موسكو: العقوبات، والعزلة، والإعمار.

– ما هي المطالب من دمشق؟

بعد الاتصالات الثنائية التي أجراها المبعوث الأميركي مع نظرائه، وبعدما سمع في اجتماع مركز الأبحاث، وأمام تشدد الموقف الأوروبي، قال غولدريش إن رفع العقوبات عن دمشق ليس على طاولة الحوار مع روسيا، وإن بلاده ضد التطبيع مع دمشق، وإن ما تفعله هو تقديم إعفاءات من نظام العقوبات الأميركي لأغراض إنسانية، بل إنه ذهب في بعض الأحيان إلى تقييد الاستثناءات إلى الحد الأدنى. ونقل عنه القول إن واشنطن «لن تقدم أي تنازلات للروس»، و«يجب ألا يعطي الحلفاء أي إشارات خاطئة».

وفي النقاشات، كان ممثل العراق الأكثر حماساً لرفع العقوبات عن دمشق، وعودتها إلى الجامعة العربية، فيما بدا ممثل الأردن الأكثر قناعة بمقاربة «خطوة مقابل خطوة» بين عمان ودمشق. وعندما حاول الإشارة إلى أن هذا يشمل عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قوبل ذلك بتشدد من بعض الدول العربية التي جدد ممثلوها القول إن الظروف لم تنضج بعد، مع أن الجزائر تواصل سعيها لدعوة دمشق إلى المؤتمر في مارس (آذار) المقبل.

القرار النهائي لذلك في أيدي الدول العربية الكبرى. وبالنسبة لبعض المشاركين، قامت دول عربية بخطوات أولى، ويجب أن تقوم دمشق بخطوات من جهتها، تشمل أموراً داخلية، مثل تسهيل عبور المساعدات الإنسانية، وإطلاق سجناء، وعودة اللاجئين، ودفع عمل اللجنة الدستورية والعملية السياسية، وتثبيت وقف النار. وقيل إن هناك حرصاً على «عودة سوريا إلى الحضن العربي»، لكن هناك أيضاً توقعات بأن تقوم دمشق بخطوات معينة، بينها «ألا تكون جزءاً من الأجندة الإيرانية الإقليمية». وفهم مشاركون أن هناك احتمالاً لتعاون مع دمشق في ملفي تفكيك شبكات المخدرات ومحاربة الإرهاب و«طي موضوع إدلب»، لكن أحد المنظمين اقترح أن تتم مناقشة هذا في المؤتمر الخاص بالتحالف ضد «داعش» الذي عقد بالتوازي مع الاجتماع السوري، حيث جدد المبعوث الأميركي إلى التحالف جون كودفري الالتزام بـ«حملة هزيمة (داعش)، إلى جانب (قوات سوريا الديمقراطية)، والقوى الشريكة الأخرى التي تواصل التصدي للتهديد الذي يشكله التنظيم». وفي هذه المنصة، جرى بحث معتقلي «داعش»، وخطط توفير الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المناطق المحررة من «داعش».

– قنبلة «التعافي المبكر»

لم يتضمن البيان الختامي للمبعوثين موقفاً توافقياً من التطبيع مع دمشق أو العقوبات، لكن الجديد هو الجدل حول «التعافي المبكر» الذي أضيف إلى القرار الدولي الخاص بالمساعدات في يوليو (تموز) الماضي، حيث بدا واضحاً أنه ليس هناك «تعريف موحد» لـ«التعافي المبكر»، وتأرجحه بين دعم مشاريع بنية تحتية واقتصاره على أمور إنسانية.

وكانت المفاجأة حصول جدل كبير بين ممثل الأردن ونظيرته الفرنسية، ذلك أن الأخيرة تشددت بضرورة القول صراحة إن تمويل مشاريع «التعافي المبكر» يجب أن تشمل فقط الأمور الإنسانية، وأن تبتعد تماماً عن البنية التحتية، علماً يأن هناك قراراً من المجلس الأوروبي يرفض «تمويل مشاريع البنية التحتية قبل حصول تقدم جوهري في العملية السياسية». ولم يكن هذا الموقف الواضح الوحيد للمبعوثة الفرنسية، بل شمل أموراً أخرى. وكان لافتاً تزامن ذلك مع قرار الخارجية الفرنسية تعيين السفيرة بريجيت كورمي سفيرة جديدة غير مقيمة للملف السوري.

وأمام الانقسام الفرنسي – الأردني، تدخل غولدريش واقترح عبارة وسطية في البيان الختامي تقول: «شددنا على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة بالسبل كافة، بما في ذلك مشاريع الإنعاش عبر الحدود وعبر الخطوط، وكذلك مشاريع الإنعاش المبكرة المتوافقة مع قرار مجلس الأمن رقم (2585) في مختلف أنحاء سوريا».

– ماذا بعد؟

على الرغم من الجدل والتوتر الدبلوماسي الذي شهده اجتماع بروكسل، فإنه ساد اعتقاد بين المشاركين بأن اللقاء أظهر بدء الفريق الأميركي في بلورة أفكاره في الملف السوري، وأطلق عملية سياسية بين الدول المعنية بالملف بقيادة أميركية، الأمر الذي كان غائباً منذ أكثر من سنة، ما ذكر بعضهم بالمسار التنسيقي بين واشنطن وحلفائها الذي كان موجوداً قبل سنوات.

وهناك توقعات بأن يعقد اجتماع آخر في واشنطن بداية العام المقبل، بهدف ضبط إيقاع المواقف للدول المعنية تحت مظلة أميركية، إضافة إلى استمرار الحوار الروسي – الأميركي الذي تعززه موسكو بتنسيقها مع شركائها في مسار آستانة في مؤتمر وزاري في الـ21 من الشهر الحالي، مع حديث عن قمة بين الرئيسين بوتين وبايدن الأسبوع المقبل.

الشرق الأوسط

——————————-

واشنطن لن تنسحب من سوريا..لكنها تفتقد الاستراتيجية/ العقيد عبد الجبار العكيدي

تضمن مشروع ميزانية وزارة الدفاع الأميركية لعام 2022، مواداً تنص على تمديد صلاحيات البنتاغون لتقديم الدعم للفصائل السورية المعارضة التي تقاتل تنظيم “داعش”.

كما تضمن المشروع مادة تطلب من وزير الدفاع تقديم تقرير عن وفورات التكلفة المقدرة نتيجة الانسحاب الكامل المحتمل للولايات المتحدة من العراق وسوريا، بعد أفغانستان، مقارنة بالمصاريف التي كلّفها التواجد في هذه المناطق عام 2021، والتكاليف التقديرية لتعويض الانسحاب بزيادة الفاعلية التقنية، حيث يطلب المشرعون تقدير التكلفة المالية لزيادة عدد السفن وتطويرها وتزويدها بمعدات جديدة، وكذلك الطائرات والأسلحة النووية والموظفين الرئيسين والتكاليف التشغيلية الأخرى..

إضافة هذه المواد تشكل تطوراً ومؤشراً آخر على تصاعد التوجه في الأوساط السياسية الأميركية نحو استمرار التواجد العسكري في الشرق الأوسط، على عكس ما كان عليه الحال قبل ستة أشهر، وعلى ما يبدو فإن الانسحاب الأميركي بالشكل الذي ظهر عليه في أفغانستان وارتدادات ما بعد هذا الانسحاب، والتحليلات العسكرية التي اعتبرت أنه خطوة خاطئة، ساعد على تغيير التوجه الذي كان سائداً من قبل والذي يدعم الإنكفاء الأميركي والانسحاب من مناطق النزاع في العالم، بما فيها الشرق الأوسط.

الولايات المتحدة أعلنت استراتيجيتها بوضوح حول سوريا لمكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار والحفاظ على مناطق خفض التصعيد واستمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود، ولكن بالتأكيد وراء هذه العناوين تخفي واشنطن رغبتها الحقيقية وتطلعاتها بعدم إخلاء هذه المنطقة لخصومها الروس والصينين والإيرانيين، بل وحتى لحلفائها الأوربيين بأن يملؤوا الفراغ الذي يمكن أن تخلفه، كما فعلت هي بعد خروجهم منهكين من الحرب العالمية الثانية.

إلا أن الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض خلال السنوات العشر الماضية، لم يكن  لديها حتى الآن استراتيجية متبلورة وواضحة حيال القضية السورية والمنطقة، والدليل عل ذلك مطالبة مجلس النواب الأميركي في اجتماعه الأخير الرئيس بايدن بتقديم استراتيجية أميركية تتضمن الدبلوماسية والدفاع عن سوريا، ونص البند على “أنه يجب على الرئيس الأميركي الذي يعمل من خلال وزير الخارجية وبالتنسيق مع وزير الدفاع، أن يقدم للجان الكونغرس المناسبة تقريراً يحتوي على وصف للاستراتيجية الأميركية عن الدفاع والدبلوماسية تجاه سوريا”،  وهذا ما  يؤكد غياب استراتيجية واضحة بالنسبة لسوريا خلال الفترة السابقة.

وربما يعود سبب غياب هذه الاستراتيجية بأن القضية السورية باتت ملحقة بالملف الإيراني وليست قضية قائمة بحد ذاتها، وهذا ما حذّر منه المبعوث الأميركي الأسبق جيمس جفري عندما قال إن استراتيجية واشنطن ببقاء القضية السورية في الخلف  ستزيد من التوغل الروسي الإيراني في سوريا.

سوريا هي امتداد للنفوذ الروسي التقليدي، ورغم وقوعها تحت الهيمنة الروسية-الإيرانية، إلا أن أهميتها  الجغرافية والجيوسياسية كبيرة بالنسبة لكل الأطراف، فهي جزء من طريق الحرير كما تطرحه الصين، وعقدة مهمة لنقل الغاز كما تعتبرها دول الغاز. وهذا الموقع الجيو-استراتيجي جعلها نقطة جذب لكل القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة، فسوريا تقع في منطقة وسط بين مناطق النفوذ الأميركي غرب العراق وجنوب تركيا، والأهم قربها من إسرائيل وايران.

بالإضافة إلى الهدف المعلن بمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش”، هناك ثلاثة اهداف لبقاء هذه القوات في سوريا، إحداها سياسي، واثنان عسكريان.

الهدف السياسي يرتبط باقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس والخشية من تكرار خطأ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالانسحاب من أفغانستان، وبالتالي خسارة جديدة في الشرق الأوسط لصالح خصومها، ما يعني خسارة مزيد من الأصوات في الكونغرس لصالح الجمهوريين، إضافة الى  اعتبار سوريا بقعة استنزاف لروسيا، والبقاء في منطقة الجزيرة السورية (شرق الفرات) يعتبر ورقة هامة تمسكها أميركا لإعاقة فرض روسيا رؤيتها للحل في سوريا على الطريقة البوتينية كما حصل في الشيشان.

بالنسبة الهدف العسكري الأول، فالفكر الاستراتيجي الأميركي، الذي يعتبر روسيا العدو الأول، يعتمد على عدم اخلاء أي منطقة ساخنة في العالم لهذا الخصم، وعدم السماح لموسكو بالتمدد في أي مكان، وبالتالي الانسحاب من سوريا يعني زيادة التوغل الروسي-الإيراني، على حساب الوجود الأميركي في هذه المنطقة، الذي يشكل أيضاً عمقاً استراتيجياً لقواعدهم وقواتهم في غرب العراق وإقليم كردستان.

فيما يرتبط الهدف العسكري الثاني بأن البقاء في هذه المنطقة وربطها بمنطقة التنف المقابلة لها في البادية السورية حيث القاعدة الأميركية والحليف من الجيش الحر المتمثل بمغاوير الثورة، من أجل مراقبة التمدد الإيراني في سوريا، وتبديد حلم الغاز الإيراني الذي تسعى إيران لإيصاله الى شواطئ المتوسط عبر العراق والبادية السورية وصولاً الى بيروت، وقطع الطريق عليها في حال التصعيد العسكري أو حصول أي صدام متوقع إذا ما فشلت مباحثات الملف النووي. وبالتأكيد لا يغيب عن بال المسؤولين الأميركيين أن تركيا قد لا تسمح باستخدام قاعدة أنجرليك الجوية ضد إيران، كما فعلت أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ما يجعل احتمالية تعزيز التواجد والبقاء أكبر.

ما يعزز فكرة التراجع عن الانسحاب أيضاً، هو قلة المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها تلك القوات مقارنة بمخاطر انسحابها التي تعتبر أكبر بكثير نتيجة ملء الفراغ من قبل خصومها الروس والإيرانيين، إضافة لذلك فإن كلفة تواجد تلك القوات منخفضة جداً، وأغلب تكاليفها مغطاة من الدول الموجودة فيها كدول الخليج العربي، بالإضافة لصندوق التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

ضمن كل هذه المعطيات المنظورة ورغم أن المشهد مركب ومعقد ودائم التحرك، ألا أنه لم يعد لدينا ما يوحي اليوم بانسحاب وشيك للقوات الأميركية من المنطقة وسوريا، خاصة أن إدارة الرئيس بايدن ربما يكون لها رؤية أوضح حيال سوريا والمنطقة خلال الأشهر القادمة، وما يدلل على ذلك تصريحات منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال افريقيا بريت ماكغورك في فعالية استضافها معهد دول الخليج العربي قبل أسابيع، عندما أكد لأن القوات الأميركية ستبقى في سوريا لأن داعش لا يزال قادراً على إعادة تجميع صفوفه وتنفيذ هجمات. وأضاف أن إدارة بايدن أجرت مراجعة للسياسة الأميركية في سوريا بقيادة باربرا ليف، المديرة الأولى للبيت الأبيض لشون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحذر ماكغورك الإدارة الأميركية من أن شبكات داعش والقاعدة لا تزال على الأرض ويمكنها إعادة تشكيل نفسها.

المدن

————————-

فورين أفيرز: روسيا قد توافق على حل النزاع مع أمريكا والتسوية ممكنة في سوريا/ إبراهيم درويش

نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا لجيمس جيفري، الممثل الأمريكي الخاص إلى سوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة” ويعمل حاليا مديرا لبرنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون قال فيه إن تسوية سياسية للنزاع السوري لا تزال ممكنة لكن على الولايات المتحدة التوقف عن تجاهل الحرب هناك.

وقال فيه إن الرئيس جو بايدن وفريقه يركزون اهتمامهم على الخطر النووي الإيراني في وقت ظلت فيه الحرب السورية جرحا مفتوحا في قلب الشرق الأوسط. ومع أن الإدارة الحالية لم تحدث أي تغير درامي في النهج عن الإدارات السابقة إلا أن قرارها جعل النزاع في أسفل أولوياتها يأتي في وقت سيء.

وقال إن الفرص لحل الأزمة بدأت تظهر الآن، وعلى الولايات المتحدة أن تكرس طاقة دبلوماسية ووقتا ضرورية لانتهازها. ولا تكمن مفاتيح النجاح بعد سنوات من الفشل ليس في المشاركة على مستوى عال ولكن تقييم ما يمكن تحقيقه وبشكل واقعي في أي صفقة. وتظل مخاطر ترك الملف السوري على الرف واضحة، فالنزاع تحول إلى قطار مدمر: فانتصار نظام بشار الأسد سيرسل رسالة إلى الحكام الديكتاتوريين حول العالم أن القتل الجماعي هو سلاح مهم للحفاظ على السلطة، كما وسيعطي صورة عن صعود داعمي الأسد في المنطقة وهما روسيا وإيران.

وولد النزاع تهديدات جيوسياسية من تنظيم “الدولة” إلى نشر إيران صواريخ دقيقة لضرب إسرائيل وخلق موجات من اللاجئين لزعزعة استقرار الجيران وأوروبا. أما بالنسبة للسوريين، أنفسهم، فإن العقد الذي مضى على الحرب الأهلية أدى إلى أعداد مروعة من الضحايا وتشريد نصف السكان من بيوتهم وخلفت معظم السكان في حالة من البؤس.

وفي حالة ترك هذه الديناميات بدون معالجة فستظل تهدد الشرق الأوسط وتؤثر على استقراره لسنوات مقبلة. وأدت الحرب السورية لدخول القوات التركية والأمريكية وتدخل الطيران الإسرائيلي، وهناك مخاطر من تصادم مع القوات السورية والإيرانية والروسية، وهذه إمكانية حقيقية.

وتتعامل واشنطن مع الجيب الكردي في شمال- شرق سوريا كحليف مهم لمحاربة تنظيم الدولة، لكن تركيا تتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية كفرع لحزب العمال الكردستاني الإرهابي.

وفي الفترة الماضية حصل خرقين واضحين لوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه بين الرئيس دونالد ترامب والروسي، فلاديمير بوتين عام 2017، وبدون أي رد أمريكي واضح. فالخرق الأول قامت به قوات الأسد في جنوب- غرب سوريا والثاني الهجوم الإيراني على القوات الأمريكية في قاعدة التنف في جنوب سوريا، وقد يشجع هذا الأسد أو الإيرانيين على استهداف المناطق التي تقوم بحراستها القوات التركية أو الأمريكية. وأعرب مسؤولو إدارة بايدن عن عدم رغبة بحل النزاع السوري، لكن عليهم إعادة النظر في موقفهم مع التحول في الوضع وإمكانية حصول تنازلات. ورغم تركيز الولايات المتحدة على الملف النووي الإيراني أكثر من تأثير طهران الإقليمي، إلا أن من الواجب التركيز على سوريا من جديد حالة اتضاح الصورة في المحادثات النووية. فمخاطر تجاهل النزاع والمنافع النابعة من التوصل لصفقة مهمة ويجب عدم تركها تفلت. وعلى الولايات المتحدة قيادة جهود إحياء الجهود الدبلوماسية والتوصل إلى حل للنزاع السوري. وأي حل يجب أن يكون متساوقا مع صيغة الأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة التنسيق بين القوى المتعددة والمعادية للأسد والمحاور الوحيد للولايات المتحدة في هذه المفاوضات هي روسيا.

وأثبتت المحاولات السابقة ومنذ عام 2011 فشل وخيبة من حاول التوصل إلى حل مع الأسد. وترفض إيران مناقشة دورها وتحركاتها في الدول المجاورة لها مع الدول الخارجية.

ولأن موسكو لا تمارس سلطة كاملة على الأسد ويجب أن تتنافس على التأثير مع إيران، فهي تظل الشريك الأبرز في التحالف الروسي- الإيراني- السوري. وروسيا ليست لديها طموحات واسعة في دمشق مثل إيران، ولهذا قد تكون طيعة لأي تفاوض.

وضمن هذا السياق على إدارة بايدن متابعة نهج خطوة خطوة لخفض التوتر. وسيكون هذا النهج مثل استراتيجيتي الإدارتين السابقتين. لكن الفرق هو ما تريد إدارة بايدن عمله أولا وأفضليات شركائها على الجانب الآخر. ويجب أن يكون على رأس المفاوضات، عودة اللاجئين من الخارج وإعادة توطينهم بمراقبة دولية، بالإضافة لبنود تتعلق بإعادة دمج قوات المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية وضمانات للأمن على الحدود الجنوبية لتركيا. وكذا سحب دائم للأسلحة الإيرانية الاستراتيجية من الأراضي السورية، وتحديدا الصواريخ الدقيقة (وانسحاب إيراني كامل ليس واقعيا). ومقابل هذا فقد تضغط روسيا باتجاه سحب القوات الإسرائيلية والأمريكية والتركية من سوريا. وقد تطلب روسيا تعاونا في مجال مكافحة الإرهاب ضد تنظيم “الدولة” ذلك أن الأسد غير قادر على هزيمته، كما يبدو، إلى جانب تخفيف العقوبات وعودة اللاجئين من تركيا والأردن ولبنان إلى بلداتهم ومدنهم.

وربما فكرت روسيا- بطريقة غير واقعية- أن هذه الخطوات قد تؤدي لرفع العقوبات وفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية وإعادة إعمار سوريا. والخطوة الأخيرة، هي قرار من مجلس الأمن يؤكد الصفقة ويخلق آلية رقابة على التزامات كل طرف. وفي النهاية ستعود سوريا إلى “بلد عادي” وعضو في الجامعة العربية.

ويرى جيفري أن روسيا قد تكون طيعة لأي صفقة أكثر مما تتوقع إدارة بايدن. ويعطي التاريخ مثالا عن قدرة الولايات المتحدة وشركائها اتخاذ قرارات قد تؤثر على حسابات روسيا في سوريا. فقد وضعت إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب مع الاتحاد الأوروبي والدول العربية نظام الأسد تحت ضغوط اقتصادية ودبلوماسية.

واستخدمت إدارة ترامب لاحقا الخيار العسكري لتعزيز الضغط الاقتصادي والدبلوماسي. وقامت بشن هجمات صاروخية أوقفت الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي شنها الأسد ضد شعبه واحتفظ بقوات عسكرية في شمال- شرق وجنوب سوريا ودعمت الغارات الجوية الإسرائيلية والتدخل العسكري التركي في البلد. وأدت هذه الخطوات بحلول 2018 إلى حالة انسداد لا تزال قائمة حتى اليوم. ثم دفعت إدارة ترامب روسيا لقرار وسط يقوم بشكل عام على وقف الضغط الدولي، وبالتحديد العقوبات والقبول بالأسد مقابل تنازلات في القضايا الاستراتيجية. وضمت هذه نزع الأسلحة الإيرانية الاستراتيجية والتعاون في العملية السياسية والمصالحة مع قوات المعارضة واللاجئين ونهاية للهجمات الكيماوية. وكان المقترح مغريا لبوتين بدرجة دعوته لوزير الخارجية مايك بومبيو إلى منتجع سوتشي في أيار/مايو 2019. لكن بوتين قرر عدم عقد صفقة في ذلك الوقت. وكان يعتقد أنه قادر على تحقيق النصر عسكريا وليس إنجاز الأهداف الروسية، بل وجعل موسكو اللاعب الإقليمي المهم في المنطقة. وشجعه على هذا الموقف، كلام ترامب المستمر عن خططه لسحب القوات الأمريكية من سوريا. وحاولت موسكو وبشكل مستمر تقسيم القوى المعارضة للأسد وضغطت على الأتراك والإسرائيليين وحلفاء أمريكا الأكراد لعقد اتفاقيات منفصلة مع الأسد. كما وشجع التواصل العربي مع دمشق موسكو.

وبات المشهد اليوم كالتالي: تراجعت أمال روسيا بانتصار حاسم للأسد. وأبقت تركيا وإسرائيل والأكراد الضغط العسكري على نظام الأسد نظرا لنزعته الميالة للحرب. وبالنسبة للتواصل العربي مع نظام الأسد، فهو مقلق لكنه لم يؤد إلى إعادة دمج النظام السوري في الجامعة العربية. وقد واصلت إدارة بايدن معظم عناصر الاستراتيجية السابقة: الحفاظ على القوات الأمريكية بتعديلات طفيفة واستمرار نظام العقوبات وتحذير كل الأطراف عدم تحدي أو خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار مع تركيا والمعارضة والقوات الكردية ودعم الغارات الجوية الإسرائيلية ضد إيران والتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم” الدولة” وبطريقة غير مباشرة ضد دمشق وتحميل نظام الأسد المسؤولية عبر الجهود الدبلوماسية وجمع المعلومات لدعم تحقيقات الأمم المتحدة والإجراءات القضائية الأوروبية ضد المسؤولين السوريين والمصادقة على الجهود السياسية للأمم المتحدة. وفي ظل هذا الوضع فقد باتت خيارات موسكو محدودة، فهي تعرف أن الأسد لم ينتصر في الحرب وليس لديه خيار لتحقيقه.

وتسيطر القوات المدعومة من أمريكا وتركيا على نسبة 30% من أراضي سوريا، بما في ذلك معظم المنشآت النفطية ومعظم الأراضي الخصبة. ولا تزال النسبة الباقية من السكان، النصف، تخشى من العودة لحكم الأسد. ورغم محدودية المخاطر لروسيا، لكن لا يعني أنها غير مهمة، وتشمل تدهور الاقتصاد السوري الذي يعاني من تراجع مستمر أو تعرض النظام لتصدع داخلي أو تصعيد غير مقصود مع القوات الإسرائيلية والأمريكية والتركية الأكثر تفوقا. وحتى نهاية حكم ترامب عوم المسؤولون الروس إمكانية حل ينهي النزاع. وأصبحت خطوط الإصطفاف في المنطقة أكثر تناسقا، فقد عمت اتفاقيات التطبيع من علاقات إسرائيل مع دول الخليج وحلت الأزمة مع قطر وخففت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من لهجته تجاه شركاء الولايات المتحدة في المنطقة. ويطلب قادة المنطقة المهمة من الولايات المتحدة لعب دور بارز. وحتى لو قامت واشنطن بمحاولة غير ناجحة لحل النزاع السوري، فإنها ستعزز الدعم الإقليمي للموقف الأمريكي بشكل يؤدي إلى استمرار الانسداد بطريقة تحرم إيران وروسيا من انتصار استراتيجي. وحتى نكون متأكدين، فمحاولة دبلوماسية كبيرة ستكون أكبر مما تستطيع الإدارة تحمله، لكن القيام بهذا هو أقل خطورة من ترك النزاع مستمرا، مع ما يرافقه من مأساة إنسانية ومخاطر أمنية. وقد يؤدي حل النزاع السوري إلى تقوية القيم الأمريكية وشركائها في الشرق الأوسط وأبعد منه.

القدس العربي

——————————-

أزمات العراق وسوريا ولبنان محتدمة ومترابطة تسويتها رهن بنجاح مفاوضات فيينا النووية أو فشلها/ عصام نعمان

تحتدم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق وسوريا ولبنان. ظاهر الحال يشي بأن لكلٍّ منها خصوصيتها، لكنها في الواقع مترابطة. ذلك لأن لها أسباباً وعوامل ودوافع مشتركة، ولأن لاعبين إقليميين ودوليين يشاركون في تعقيدها، أو حلحلتها، بحسب ما تقتضيه مصالحهم وتسمح به موازين القوى المتطورة.

أبرزُ اللاعبين دول خمس كبرى ـ الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا ـ التي وقّعت مع إيران الاتفاق النووي عام 2015. أبرز اللاعبين الإقليميين، بالإضافة إلى إيران، تركيا و»إسرائيل» المشاركتان في الصراع المحتدم على مدى غرب آسيا، الممتد من سواحل البحر الأبيض المتوسط غرباً، إلى سواحل بحر قزوين شرقاً. هذا الصراع ينعكس بالضرورة على العراق وسوريا ولبنان، ولا سيما على الأزمات المستفحلة في كلٍّ منها. يتفاوض الخمس الكبار مع إيران في فيينا في محاولةٍ لإحياء الاتفاق النووي المشلول بفعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أخرج بلاده منه وفرض على إيران عقوبات اقتصادية قاسية. ما من أحد الآن بإمكانه الجزم بما ستنتهي إليه المفاوضات المتعثرة، لكن بإمكان أيّ مراقب متابع وحصيف أن يرصد ما يرافق المفاوضات من تحركات ومناورات وسيناريوهات في ساحات الصراع، ولاسيما في العراق وسوريا ولبنان.

في العراق، ثمة موقف مستجد للولايات المتحدة: غداة إعلان بغداد انتهاء الدور القتالي لقوات التحالف الدولي رسمياً، وبدء انسحابها من العراق ليتحوّل دورها استشارياً، أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي، أن واشنطن ستُبقي القوات الأمريكية الحالية البالغ عددها 2500 جندي في العراق، محذراً من زيادة ما وصفه «هجمات الميليشيات العراقية الموالية لإيران على الأمريكيين والعراقيين». الموقف الأمريكي المستجد يتعارض مع قرار البرلمان العراقي، بوجوب انسحاب كل القوات الأجنبية من البلاد قبل نهاية العام الحالي. واشنطن أحرجت بموقفها مختلف القوى السياسية العراقية، وإن كان حلفاؤها هم الأقل حرجاً. ذلك سيؤدي إلى ازدياد الأزمة السياسية احتداماً، إلى أن تعود واشنطن عن قرارها، وهل تعود قبل أن تنتهي مفاوضات فيينا إلى تسوية متوازنة، تستجيب للمصالح الأساسية للأطراف المتصارعة؟

بموازاة استبقاء قواتها في العراق، تقوم واشنطن بتعزيز قواتها المتوضّعة في شمال سوريا في (محافظتي الحسكة والرقة) وفي شرقها (محافظة دير الزور) وفي شرقها الجنوبي موقع التنف الحدودي بين سوريا والعراق والأردن. ولا تكتفي واشنطن بتعزيز قواتها، بل تضاعف رفد حلفائها المحليين من قوات «قسد» الكردية المتمردة على الحكومة المركزية في دمشق والمسيطرة، بالتعاون مع الأمريكيين، على جملة آبار للنفط في شمال سوريا وشرقها. ماذا تبتغي أمريكا؟

تريد، أولاً، الضغط على إيران بتهديد حلفائها المحليين أملاً بتعزيز مركزها التفاوضي في محادثات فيينا. وتريد، ثانياً، دعم حلفائها المحليين في صراعهم مع حكومتي بغداد ودمشق، بغية التوصّل معهما إلى تسويات تخدم مصالحها ومصالحهم. وتريد، ثالثاً، خصوصاً في سوريا، إرضاء «إسرائيل» بإنهاء نفوذ إيران ومواقع صاروخية لها فيها، واستخدام ذلك كله ورقةً ضد طهران، أو لمساومتها في مفاوضات فيينا.

في لبنان، تتبدّى أغراض أمريكا بوضوح ساطع، فهي تريد تطويق حزب الله، قائد المقاومة ضد «إسرائيل» لإخراجه من الحكومة أو، على الأقل، تعطيل نفوذه في السلطة، بسياق عمليةٍ سياسية وإعلامية واسعة، لتكتيل ودعم هيئات المجتمع المدني لخوض الانتخابات المفترض إجراؤها في الربيع المقبل، بحيث تتمكّن من الحصول على 20 إلى 25 مقعداً، تعتقد واشنطن أنها كافية لإفقاد خصومها السياسيين أرجحيتهم الوازنة في مجلس النواب، أكثر من ذلك، تأمل أمريكا بسيطرتها المرتجاة على مجلس النواب، وبالتالي على الحكومة المنبثقة منه، بتعزيز نفوذ خصوم حزب الله السياسيين وترفيع قدراتهم على نحوٍ يمكّنهم من الدفع باتجاه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1559 القاضي بتجريد الفصائل اللبنانية المسلحة من سلاحها، الأمر الذي ينال، في ظنها، من قوى المقاومة، خصوصاً حزب الله.

باختصار، تتصرف الولايات المتحدة في العراق وسوريا ولبنان على نحوٍ يخدم مصالحها بالدرجة الأولى، من حيث الضغط على إيران وحلفائها المحليين لترجمتها ثماراً سياسية في مفاوضات فيينا، كما لتهدئة مخاوف «إسرائيل» من تعاظم قوة إيران وحلفائها في محور المقاومة، ما يمكّن واشنطن من التوصّل مع طهران إلى اتفاق نووي مقبول في الكونغرس الأمريكي كما في «إسرائيل». في مواجهة أمريكا، تتصرف إيران كما روسيا وسوريا وقوى المقاومة المتحالفة معها، على نحوٍ يؤدي إلى تطويق وتعطيل مناوراتها، وضغوطها في العراق وسوريا ولبنان، ويبدو أن طهران أفلحت في دعم حلفائها الإقليميين والحؤول دون تراجعهم أمام خصومهم داخل بلدانهم من جهة، ومن جهة أخرى عدم التصلّب سياسياً، لدرجة تدفع واشنطن إلى الانسحاب من مفاوضات فيينا.

كل هذه الواقعات والتطورات تحمل المراقب المتابع، على الاستنتاج بأن أزمات العراق وسوريا ولبنان المحتدمة ستبقى تسويتها، أو عدم تسويتها رهنا بنجاح مفاوضات فيينا أو فشلها، لكن يبقى سؤالان يصعب إعطاء جواب عنهما في الوقت الحاضر:

الأول: هل تمنح الولايات المتحدة «إسرائيل» ضوءاً أخضر وتدعمها، دونما مشاركة مباشرة من جانبها، لمهاجمة منشآت إيران النووية وصناعتها الصاروخية المتقدمة في حال فشل مفاوضات فيينا؟

الثاني: هل تكتفي إيران بالردّ على «إسرائيل» بقواها الذاتية، وهي ضخمة وفاعلة؟ أم تغتنم قيادتها، وسائر قيادات دول محور المقاومة، الفرصة المتاحة فيردّون جميعاً على «اسرائيل» بشكل متكامل وصاعق وفي كل الجبهات؟

سؤالان مقلقان، أليس كذلك؟

القدس العربي

———————–

بايدن والخروج من مأزق فيينا/ رانيا مصطفى

دخلت الدول المعنية بمفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني 2015، في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جولة صعبة من استكمال المفاوضات المتوقفة في يونيو/ حزيران الماضي، وقد تغير الظرف الدولي والإقليمي، وانتقلت الأجواء من التفاؤل، في بداية المفاوضات في إبريل/ نيسان 2021، إلى التشاؤم، حيث انقلبت طهران على ما تم التوصل إليه من توافقات في جولات النصف الأول من العام الحالي (2021)، والتي نالت رضا الأوروبيين، أي قبل انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيساً لإيران، وصعود المحافظين الأكثر تشدّداً، وتعيين علي باقري كني كبيراً للمفاوضين الإيرانيين، وهو أحد أكبر منتقدي اتفاق 2015. صعّد الوفد الإيراني من شروطه نحو رفع كامل العقوبات الاقتصادية الأميركية، وضمان استمرارية الاتفاق، وأن يقرّه الكونغرس الأميركي، إضافة إلى استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم، وإعلانها الشهر الماضي امتلاك 30 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة 60%، ومصادقة البرلمان الإيراني على زيادة تخصيب اليورانيوم؛ بالتالي لا تكترث طهران بالمفاوضات، وقبلت بها كسباً للوقت، لتطوير قدراتٍ تلقائيةٍ على تفعيل السلاح النووي، وعدم فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ جديدة عليها. وبناء على ذلك، تستعد واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون للبحث عن الخيارات البديلة للضغط على طهران.

تبرز هنا حجم الورطة التي أوقع بها ترامب بايدن، نتيجة انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، وتطبيق سياسة “الضغوط القصوى” عبر فرض العقوبات الاقتصادية على قطاعات النفط والتعدين والمصارف. تبيَّن لإدارة بايدن، بالتجربة، عدم نجاعة العقوبات الاقتصادية وحدها في تشكيل ضغوط كافية لكبح جماح إيران النووي، والتي باتت تتفنن في إيجاد سبلٍ للتغلب عليها، يصعب متابعتها. كانت إيران مستعدّةً مسبقاً للعقوبات. وعلى ذلك، بنت علاقات اقتصادية استراتيجية مع دول المنطقة، مكّنتها من التغلب على مشكلة العقوبات إلى حدّ ما، فهي تصدّر معظم نفطها إلى الصين، بأسعار أرخص من السوق العالمي، في ظل ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتصدّر منتجات الغاز والمكثفات ومشتقات نفطية، عبر الصين والإمارات إلى دول العالم، وتصدّر الغاز إلى تركيا، وهناك تجارة بينية معتبرة بين البلدين. وتُضاف إلى ذلك براعة إيران في إيجاد طرق بحرية غير مباشرة، عبر سفن غير مرصودة بأجهزة التتبع.

حتى اللحظة، لم تنجح إدارة بايدن في تشكيل ضغوط حقيقية على طهران، حيث فشلت في رفع منسوب إنتاج النفط لتخفيض الأسعار عالميا، الأمر الذي رفضته دول الخليج، خصوصا السعودية، الأكثر تأثيراً في منظمة أوبك، لأنه سيتسبّب لها في خسائر كبيرة. كما أن تخفيض أسعار النفط لا يضمن ثني طهران عن برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ، ولا عن مشروعها المليشياوي التوسّعي، والذي بات يحاصر دول الخليج، في اليمن خصوصاً، ولا يوقف استفزازاتها المستمرّة في الخليج، بل العكس، سيزيدها كردِّ فعل مباشر أو غير مباشر على أي ضغوطٍ في المنطقة تُمارس على طهران.

تريد إيران أن تثبت أنها دولة إقليمية، ونووية، وإنْ غير معلنة، كإسرائيل والهند وباكستان، وتريد اتفاقاً يكون في مصلحتها من جهة إزالة العقوبات اللازمة لتعويم الاقتصاد وعودتها الشرعية إلى أسواق التجارة العالمية، لكن من دون تقديم تنازلات كبيرة في برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي ومشروعها المليشياوي في المنطقة. وتراهن على الرغبة الدولية في العودة إلى الاتفاق النووي، وعلى التلويح بمعدّلات تخصيب مرتفعة لليورانيوم، وعلى تأزيم الاستقرار الإقليمي والملاحة في الخليج، وعلى محدودية خيارات بايدن وعجزه عن إيقاف صادرات النفط الإيرانية، في ظل إتقان طهران طرق التهريب، وحصولها على دعم دول مجاورة، وقدرتها على الانتقام.

تعتقد طهران أن إدارة بايدن لن تتورّط في عمل عسكري ضدّ مواقعها النووية، ولن تسمح لإسرائيل بذلك، وأن واشنطن تحتاج إيران في أفغانستان، وتحتاجها إلى جانب الهند وباكستان النوويتين لمحاصرة الصين. وتُجازف طهران في بناء تصوراتها على فكرة أن أميركا تنسحب من الشرق الأوسط لمصلحة المواجهة مع الصين، وأن الملف الإيراني هامشي بالنسبة لها؛ لكن بايدن الذي رفع شعار “عودة أميركا”، ردّاً على شعار الانكفاء الترامبي “أميركا أولاً”، يفتش عن مخرجٍ لورطته في مفاوضاته مع إيران، والتي تتم بشكل غير مباشر، حيث رفض الإيرانيون الجلوس مع الأميركيين وجهاً لوجه، وقبلوا بالأوروبيين والروس والصينيين.

على بايدن أن يجد مخرجاً يحفظ ماء وجهه، أمام ناخبيه ومعارضيه؛ وهو، إلى جانب التركيز على الضغط على إيران في المفاوضات، يحاول البحث في كيفية جعل العقوبات على طهران ذات جدوى؛ لذلك عليه إدارة جملة ملفاتٍ معقدةٍ ومتشابكة، وصياغة خلطةٍ تخرجه من المأزق. بدأ بالتركيز على الإمارات، كون شركاتها تلعب دوراً كبيراً بالتجارة مع إيران، فهي ثالث دولة تستورد من إيران بضائع بقيمة 4.6 مليارات دولار، وبحجم تداول تجاري بيني وصل العام الماضي إلى 9.6 مليارات دولار. وعليه البحث في المهمة الأصعب، وهي تقديم تنازلات إلى الصين، أكبر مستورد للنفط الإيراني، بالتوازي مع إقناع السعودية بالموافقة على رفع منسوب إنتاج النفط، وتخفيض الأسعار، والذي سيكون في مصلحة الصين، ويسمح لها بإيجاد بدائل عن النفط الإيراني الرخيص. يجري ذلك كله بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إلى واشنطن، لمناقشة الخطط البديلة في حال الفشل، أي القيام بعمل عسكري محدود، حيث لا ترغب واشنطن بنشر مزيد من القوات في المنطقة، وربما الاكتفاء بالهجمات الإسرائيلية السيبرانية على طهران، باعتبار أن إسرائيل أكثر المتضرّرين من أن تصبح إيران دولة نووية، لأنه سيقلل من حماسة هجرة اليهود إلى إسرائيل.

الملف المؤلم لطهران، إذا ما تم المساس به، هو ملفّ المليشيات الشيعية الموالية لها؛ ما زالت إدارة بايدن تفصل هذا الملف عن عملية المفاوضات النووية، باعتبار أن واشنطن مستفيدةٌ من الدور التفتيتي الذي تقوم به هذه المليشيات الطائفية في الشرق الأوسط، طالما أنها تحت سيطرة الأميركيين ونظرهم، في العراق ولبنان وسورية، وفي اليمن، تهدّد أمن دول الخليج، ولا يمكن حلها من دون التنسيق مع واشنطن. هذا يعني أن ملف المليشيات الشيعية ورقة مهمة بيد واشنطن أيضاً، للضغط على دول الخليج. ومن غير المستغرب، بعد كل هذا التصعيد المتبادل والضغوط، أن يصل الأميركيون والإيرانيون بوساطةٍ أوروبية، ودور روسي وصيني، إلى صيغة اتفاقٍ ما، يخفّف بعض العقوبات الاقتصادية عن طهران، التي تعاني من ضغط داخلي شعبي؛ وهذا لا يلغي حقيقة أن إيران على عتبة أن تصبح دولةً نووية، لكنها قد تقدّم تنازلات، تشمل بعض المليشيات الموجودة في أربع دول عربية.

——————————-

==================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى