شعر

قصائد مختارة لـ زبيغنيف هربرتْ

ثلاث قصائد من الذاكرة

1.

لا أستطيعُ العثورَ على عنوان

ذكرياتي عنك

بيدٍ منتزعةٍ من العتمة

أخطو فوق آثار الوجه

لقد تجمدت الصورُ الجانبية

الصديقةُ عند خط الكفاف الصلب

يحومُ فوق رأسي

الفارغ مثل جبهة الهواء

إهابُ رجلٍ من ورق أسود

11.

عائشا- رغمَ

عائشا- ضدّ

أزيحُ عن كاهلي خطيئةَ النسيان

لقد تركتُ العناقَ مثل كنزةٍ زائدةٍ

والنظرةَ مثل السؤال

أيادينا لا تنقلُ شكلَ يديك

نُبَدّدُها بلمس الأشياء المبتذلة

تعكس العيونُ السؤالَ

هادئة مثل مرآة

ليستْ متعفنةً بالتنفس

أجَدّدُ كلَّ يومٍ نظرتي

يكبرُ كلّ يوم لمْسي

مُدَغْدَغَا بقرابةِ كثرةِ الأشياء

الحياةُ تتدفقُ مثل دمٍ

الظلالُ تتبددُ بوداعةٍ

لا نَسْمَحْ للموتى أن يُقتلوا-

ربما ستنقلُ الغيمةُ الذكرى-

صورة جانبية بالية لنقود رومانية.

111.

النساءُ من شارعنا

كنَّ عادياتٍ وطيبات

حملنَ من الساحات بصبرٍ

باقاتِ خُضرواتٍ مغذية

الأطفالُ من شارعنا

هم بلاءُ القطط

الحَمَامُ –

رماديٌّ ووديع

كان في المتنزه تمثالُ شاعرٍ

تَحلقَ حوله الأطفالُ

مُطلقينَ صيحاتٍ ملونة

حطّتِ الطيورُ على يدهِ

قرأتْ صَمْتَهُ

الزوجاتُ في مساءات الصيف

بصبرٍ انتظرنَ الفمَ

المُعَطّرَ بتبغه المألوف

لمْ تستطع النساءُ أن يُجبْنَ

أطفالهنّ: هل سيعودُ

بعدَ أنْ تَغْربَ المدينة

لقد أطفأنَ التلهفَ بوضع

الأيادي على العيون

الأطفالُ من شارعنا

موتُهم كانَ قاسيا

الحَمَامَاتُ سَقطنَ

مثل هواءٍ صريع

شفتا الشاعرِ الآنَ

مثل أفقٍ فارغ

الطيورُ والأطفالُ والزوجاتُ لا يمكنهم العيش

في قواقعِ المدينة الحزينة

في زغبِ الأرْمدةِ البارد

تقف المدينةُ عند ماءٍ

أملسَ كذاكرةِ المرآةِ

منعكسةً من القاع على الماء

تُحَلّقُ إلى نجمة عالية

حيث الحريقُ يفوح بعيدا

مثل صفحةٍ من الإلياذة.

——————————–

الحنان

ماذا عليّ أخيرا أنْ أفعلَ معكَ أيها الحنانُ

الحنانُ للحجرِ للطيورِ والناسِ

عليكَ أن تغفو داخل الكفّ في قاع العين هناك

مكانكَ ولا ينبغي لأحدٍ أنْ يوقظك

تُفْسِدُ كلَّ شيء تجعله رأسا على عقب

تختصر المأساةَ بغرامٍ مطبخي

وتغيّرُ تسامي الفكرة

إلى تأوهٍ هتافاتٍ ونشيج

أنْ أصفَ ذلك يعني قتله لأنّ دورك

هو الجلوس في عتمة صالةٍ فارغةٍ باردة

أنْ تجلسَ وحيدا حينما يتحدثُ العقلُ بهدوء،

في عين المرمر حيث الضبابُ والقطراتُ تتدحرجُ على الوجه

————————–

لغةُ الحُلمِ

حينما أنام

مثل الجميع

قبلَ الفجرِ

أوقّتُ الساعة

أغرق في مركبٍ

شراعيّ أبيضَ

الموجةُ تجرفني

من الشراع الأبيض

أبحثُ عن المفاتيح

أقتلُ التنينَ

الذي يضحك

أشْعِلُ المصباحَ

وقبل كلّ شيء

أهْذي

أظنُّ

الجميعَ يحلمون

بهيئة صُورٍ

أمّا أنا فأروي لنفسي

كلّ هذه الوقائعِ الغبية

كما لو أنني نمتُ

في كدسِ

حكاياتْ

لكنْ هكذا ينبغي أن تكونَ

لغةُ الحُلمِ

لغةً بديعةً بعيدةَ المدى

أثيرية

عندما تتخلّى عن القواعد

وأصولِ النطقِ

ولُغةِ الإساءة

اللغة التي لا أعرفُها

عندما أنامُ

في مكانِ القط

أحيانا تعتري الجسدَ النحاسيّ

رِعْشَةٌ

اللحنُ المتأوّهُ

يصلُ الآذانَ

حينئذٍ

تنغلق

لغةُ الحلم

مستقلةً

عن التعب

صافيةً،

لغةَ رعبٍ عذب.

من ديوان “أبيلوج العاصفة”، فروتسواف 1998

—————————–

بيتُ الشاعر

ذاتَ يومٍ كان هنا نَفَسٌ على الزجاج، رائحةُ شواء، الوجهُ ذاتهُ في المرآة.

والآن هو مُتْحف. أجْتُثّتْ نباتاتُ الأرضية، أُفرِغَتِ الصناديقُ، غُمِرَتِ الغرفُ بالشمع.

وفُتِحَت النوافذُ طوالَ الليلِ والنهار. الفئرانُ تتجنبُ هذا البيتَ المسكون بالهواء.

فُرِشَ الفراشُ بعناية. لكن لا أحدَ يريد أن يقضي هنا ولو ليلة واحدة.

بين خزانته وسريره والطاولة- حدودُ غيابٍ بيضاء، دقيقةٌ مثلُ سبيكةِ يد.

من ديوان ” نَقْش” 1969

—————————-

المُصْطَفونَ من قِبَل ِ النجوم

هذا ليس ملاكا

هذا شاعر

ليستْ له أجنحة

له يدٌ يمنى

مُرَيّشة ليس إلا

يخبط الهواءَ بها

يُحَلّقُ عاليا

وسُرْعانَ ما يهوي

حينما يكون منخفضا تماما

يرتفع برجليه

يتدلى في الهواء لحظةً

مُلَوّحا باليد المريشة

آه، لو تخلّصَ من جذب الطين

لأمكنه أن يسكنَ في عش النجوم

لأمكنه القفزَ من شعاع لشعاع

لأمكنه-

لكنّ النجومَ

بمجرد سماع ِ فكرةِ

أنها ستصير أرضا له

أخذتْ تتساقط مذعورة

الشاعرُ يحجب عينيهِ

باليد المُرَيّشة

لم يعدْ يحلم بالتحليق

لكنما بالسقوط

الذي يُحددّ كالبرق

مظهرَ الخلود.

——————————–

حطّ كما النحلة الطنانة

فوق الزهرة

حتى انثنى السّوَيْقُ النحيل

يتقدم عبر صفوف الرقائق

الشبيهة بصفحات القاموس

إلى الداخل يسعى

حيث العطرُ والحلاوة

و رغم رَشَحِهِ

وانْعدام ِ شَهيّتهِ

إلا أنه يسعى

حتى يضربَ رأسَهُ

بالعمودِ الأصفر

وهنا تكمن النهاية

إذْ من الصعب الولوجُ

عبر كأس الزهور

إلى الجذور

لذا فالنحلة الطنانةُ تخرج

مزهوةً جدا

تطنّ بصوتٍ جهوري:

كنتُ في الداخل

أما أولئك

الذين لا يُصَدّقونها تماما

تُريهم أنْفَها

مُلَطّخَا بالطلع ِالأصفر.

———————————-

معزوفة الطبل

انفضّت المزاميرُ الرعوية،

ذهبُ أبواق الآحاد،

الأصداءُ الخضراءُ

الأبواقُ الأصيلةُ والكمنجاتُ أيضا رحلت-

لم يبق سوى الطبل

والطبل يعزف لنا لحنَ العيد لحنَ الحزن

المشاعرُ البسيطة تتتال بتؤدة

على الأرجل المتصلبة

الطبّالُ يعزف

وفكرة واحدة، كلمة واحدة

حينما يدعو الطبل إلى التلوي الجهيد

نحمل المناجل بله الشواهد

بماذا سيتكهن الطبلُ الحكيم لنا

عندما يضرب الخطوُ جلْدَ الأرصفة

هذا الخطو المهيب الذي يقلب العالم

إلى مسيرة وصراخ واحد

وأخيرا تمضي الجموع كلها

وأخيرا لكل واحد خطوته

جلد العجل والنقارتان

حطمت الأبراج والكآبة

سحق الصمت

فالموت الجماعي ليس مرعبا

عمود البارود فوق المسيرة

ينشعب البحر المطيع

نهبط أسفل للج

للجحيم الفارغ ثم إلى أعلى

للسماء نتفقد الوهم

والمسيرة المحررة من الرعب

تتحول إلى رمل تذروه ريحٌ ساخرة

وهكذا يمر الصدى الأخير

خللَ العفن ِ الفطري

لم يبقَ سوى الطبل الطبل

دكتاتور الموسيقى الماحقة

————————————

القيصر

كان هناك ثمة قيصر. بعينين صفراوين وفك مفترسة. كان يسكن في قصر حافل بالمرمر والشرطة. وحيدا. كان يستيقظ في الليل ويصرخ. لا أحدَ كان يحبه. كان

أكثرَ ولعا بالصيد والإرهاب. لكنه التقط صورا مع الأطفال وسط الزهور. بعد موته لم يجرؤ أحدٌ على نزع صوره. انظروا، ربما لا يزال عندكم في البيت قناعه.

———————————–

عودةُ البروقنصل

قَرّرتُ العودةَ لبلاطِ الإمبراطور

سأجَربّ لعلّي سأعيشُ هناكَ مرة أخرى

بإمكاني البقاءُ حيث أنا تحت أوراق ِ الجُمّيز ِالمليئةِ بالحلاوة

في ظلّ حكوماتٍ سمحةٍ لمُحَابينَ مرضى

لا أنوي بعدَ عودتي أنْ أنالَ الاستحقاق

سأهَلّلُ للحصةِ ]التموينية[ المقررة

وأبتسمُ للغراماتِ وأقطّبُ الحاجبينِ خِفْيَةً

لن يمنحوني على ذلك ميداليةً ذهبية

ستكفيني الحديدية

قرّرْتُ العودةَ غدا أو بعدَ غد

لا أستطيع العيشَ وسطَ الكروم ِ فكلّ شئ هنا ليس لي

الأشجارُ بلا جذور والبيوتُ بلا أساس والمطرُ زجاجيّ

والأزهارُ تفوحُ برائحةِ الشمع

وثمة سَحَابةٌ يابسةٌ تقرعُ السماءَ الفارغة

إذن سأعودُ غدا بعدَ غدٍ على أيةِ حالٍ سأعود

سيكون عليّ أنْ أتلاءمَ مع وجهي

مع شَفَتِي السفلى لكي تكبحَ الاحتقارَ

مع عينيّ لكي تكونا فارغتين تماما

مع حنكي الأرنبيّ البائس ِ

الذي يَهْتَزّ لدى دخولِ قائدِ الحرس

الشيءُ المؤكدُ هو أنني لنْ أنادِمَهُ

وحينما يُقَرّبُ كأسَه منّي سأسبلُ العينين

سأتظاهر بتنظيف أسناني من بقية الأكل

القيصرُ يُحبّ التصرفَ الشجاعَ

إلى حدودٍ معينة إلى الحدودِ المعقولةِ المعينة

فهو في واقع الأمر إنسانٌ مثل بقيةِ الناس

وهو مُتْعَبٌ جدا من حِيَلِ السمّ

لا يمكنه الإفراطَ في الشربِ والشطرنجُ متواصل

الكأسُ اليسرى هي لدروزوس وهو يُبَلّلُ باليمنى شفتيهِ

بعد ذلك يحتسي الماءَ فقط دونَ أنْ يرفعَ عن طاتسيوس ناظريهِ

يخرجُ للحديقةِ ثم يعود بعدَ أنْ يحملوا الجسد

قرّرتُ العودةَ لبلاطِ القيصر

يحدوني الأملُ حقا أنّ الأمورَ ستترتب بشكل ما.

* البروقنصل: هو القنصل الذي مُدّدَتْ خدمَتُهُ في الامبراطورية الرومانية بعد مرور سنة عليها، وعادة ما كانت المقاطعاتُ تُدار من قبل البروقناصلة.

* دروزس: هو ابن كلاوديوس نيرون إمبراطور روما وأخ للإمبراطور تبريوس

* تاتيسيوس( 120-55) : أكبرُ مُؤرّخِي روما، متفوه كبير، سياسي ومحام، تنسّمَ

مناصبَ عدة، من بينها أنه كان قنصلا وبروقنصلا في مقاطعة آسيا.

—————————

رثاء فورتينبراس

إلى M.C

الآن بعد أن أصبحنا وحيدين ِ يمكننا التحدثُ رجلا مع رجل

أيها الأمير

ولو أنك الآن تنطرح على السلالم وترى بمقدار ما تراه دودةٌ حزينة

يعني شمسا سوداء بأشعة منكسرة

ما كان بوسعي التفكير أبدا بيديك بدون ضحكة

و هاهما الآن مطروحتان على الحجر مثل أعشاش مطوحة

هما عزلاوان هكذا مثلما كانتا وهذا يعني النهاية فعلا

اليدان ممدتان على انفراد، السيفُ على انفراد والرأس على انفراد

ورجلا الفارس في خفين خفيفين

سيكون لك تشييع عسكري رغم أنك لم تكن عسكريا

هذا هو الطقس الوحيد الذي أعرفه

لا تراتيل لا شموع سوى فتيلّ و دويّ

يُجَرْجَرُ النعشُ عبَر الأرصفةِ الخوذُ و الأحذية ذاتُ النعلِ و خيولُ المدفعية

نقرٌ على الطبل، طبل، أعرف لا شئ أجمل من ذلك

هي ذي حيلي قبلَ استلامِ السلطة

ينبغي مسكُ المدينةِ من الرقبة و هزّها قليلا

على أية حال كان عليك أن تهلك يا هاملت لم تكن للحياة

لقد آمنْتَ بأفكارٍ مثالية لا بالطينة الآدمية

عشتَ في انكماش دائمٍ كما اصطدتَ الوهمَ في الحلم

عضضتَ الهواءَ بشرهٍ فتقيأتَ فورا

لم تكنْ تعرف أيّ شئ بشريّ لم تكنْ تعرفُ حتى التنفسَ

لك الراحةُ الآنَ هاملتُ لقد فعلتَ ما عليك

لك الراحةُ والبقيةُ ليستْ صمتا فهي من نصيبي

لقد اخترتَ القسمَ الأسهلَ الطعنةَ المؤثّرة

لكنْ ما قيمةُ الموتِ البطولي إزاءَ الحذر الأبدي

مع تفاحةٍ باردة في الكف على مقعدٍ عالٍ

ومنظرٍ مُطلّ على قفيِر نملٍ و قرص ِ ساعة

وداعا أيها الأمير إنّ بانتظاري وضعَ تصميمٍ للمجاري

وتشريعِ قانونٍ للشحاذينَ والبغايا

كما وعليّ أنْ أفكرّ بنظام أفضلَ للسجون

لأنه كما لاحظتَ بصوابٍ الدانماركُ سجن

سأعرّجُ على شئوني، اليومَ ليلا سيولد

النجمُ هاملت لن نلتقي أبدا

و ما سأخلّفه بعدي لنْ يكونَ موضوعا للمأساة

لا ترحيبَ بنا لا وداعَ نعيشُ في الأرخبيلات

وهذا الماءُ هذه الكلماتُ ماذا بوسعها أيها الأمير

* فورتينبراس: هو ابن قائد النرويج الذي هَزَمَهُ الملكُ الأوّلُ هاملت ملكُ الدانمارك، في مسرحية “هاملت” لشكسبير.

* لايجوز نقل أو استنساخ أي جزء من هذه القصائد بدون إذن المترجم. هذه القصائد مستلة من مختارات شعرية ونثرية للشاعر هربرت ستصدر بترجمة هاتف جنابي في العام 2006

* الهوامش من صنع المترجم.

———————————-

أدنى حلقة في الجحيم، على خلاف الرأي السائد لا يسكنها

المستبدونَ ولا قاتلو أمهاتهم ولا حتى أولئك الذين يسيرونَ

وراء أجساد الآخرين. إنها ملجأ للفنانين، حافلٌ بالمرايا، والآلاتِ

الموسيقية واللوحات. للوهلة الأولى يبدو القسمُ الشيطاني أكثرها

رفاهية، فهو بدون قارٍ ونار ولا تعذيب جسدي.

كلّ عامٍ تُقامُ المسابقاتُ والمهرجاناتُ والحفلاتُ الموسيقية.

قبل أن يكتملَ الموسمُ، الحضورُ دائم ويكاد أن يكون مطلقًا.

كلّ فصلٍ تُقام أقسامٌ جديدةٌ ولا شيء بمقدوره أن يوقف

مسيرةَ الطليعةِ الحافلة.

الشيطانُ يُحبّ الفنّ. يفتخرُ بأنّ جوقاتِه، وشعراءه

ورسّاميه يَسْمُونَ على السماويينَ تقريبًا. مَنْ فنّه أفضلُ،

له مكانٌ أفضل- وهذا بديهي. وعما قريب سيكونون

جاهزين للمنازلة في مهرجان العالَمَيْنِ. حينئذ سنرى

ماذا سيبقى من دانتي، وفْرَا أنجليكو، وباخ.

الشيطانُ يدعم الفنّ. يَمنحُ فنّانيه الهدوءَ،

التغذيةَ الجيدةَ والعَزْلَ التامَ عن حياةِ الجحيم.

—————————-

ترجمة: هاتف جنابي

زبيغنيف هربرتْ

Zbigniew Herbert

(1924-1998)

هو واحد من عمالقة الشعر البولندي و الأوروبي. كتب الشعر منذ الأربعينيات من القرن العشرين حتى موته، في 28تموز 1998، بعد صراع طويل مع المرض. كان أيضا مترجما و كاتبا مسرحيا و كاتب مقالات من طراز رائع، تناول فيها جوانب من الفن الهولندي الكلاسيكي و الثقافتين الإغريقية و الرومانية. ولد الشاعر عام 1924 في مدينة (لفوف)-أوكرانيا، التي كانت تقطنها نسبة كبيرة من البولنديين. و أنهى دراسته في قسم القانون في جامعة ( كوبرنيك) في مدينة(تورون)-غرب بولندة، كما و درس التجارة في ( كراكوف)- جنوب بولندة. كان أثناء الحرب العالمية الثانية جنديا، في جيش البلاد-A.K. ، و هو فئة تمثل القوى التي لم تنضو تحت يافطة الجيش الأحمر. حاز هربرت على جوائز عديدة بولندية و عالمية، منها جائزة (Lenaua) النمساوية لعام 1965، و جائزة (Herder) النمساوية أيضا، لعام 1975، كما و كان من بين أهم المرشحين لجائزة نوبل للآداب التي حصل عليها (ميووش) في 1980. كان هربرت ، في شعره، خاصة منذ أواخر الستينات و حتى انهيار التجربة الاشتراكية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، معريا و ساخرا و ناقدا للنظام الشمولي، بلا هوادة. الأمر الذي دفعه للعيش في المنفى مرات عديدة، قضى معظمها في فرنسا.

” وتر الضوء”- 1956، هو أول دواوينه الشعرية، تلاه ” هيرميز، الكلب و النجمة”-1957، و ” ستوديوم المادة”-1961، ” الوصف”-1969، “السيد كوجيتو”-1974، ” 18 قصيدة”-1983، ” أشعار”-طبعة سرية محدودة الصفحات، 1984، “تقرير من مدينة محاصرة”-باريس 1984، “مرثية الوداع”-باريس،1990، “روفيجو” 1992، ” أبيلوج العاصفة”1998 و له عدة مختارات شعرية و مجموعة مسرحيات مطبوعة(1970) و ثلاثة كتب نقدية. هربرت في أعماله الشعرية، إضافة إلى موضوع الحرب و ما خلفته من مآسٍ و مشاكل في المجتمع البولندي، يطرح قضايا مهمة تتناول العلاقة بين الفرد و الأنظمة الشمولية، بين الفرد و الطبيعة، و بينه و بين محيطه، كما و يتناول مصائر الأفراد الذين خانهم الأمل و هجرهم الحظ، بحيث أصبحا حلما، مجرد حلم بعيد المنال.

يتميز هربرت، في أشعاره بأنه شاعر مثقف، يوظف التاريخ و الميثولوجيا في خلق قصيدة حديثة تماما. يجمع شعره بين تجربة الشعر الحر و قصيدة النثر أحيانا. يتميز شعره في المراحل الأولى بكثافة و دقة في استدعاء المجاز اللغوي و الصور الشعرية المؤثرة، في خلق نسيج شعري يميل إلى الخلق و يبتعد عن البهلوانيات و الصنعة. لكننا نراه، في أشعاره الأخيرة، يميل إلى الوصف و الوضوح المستندين إلى قوة البناء الشعري التي تتخلله المباغتة و عنصر المفاجأة، و اللمسات الطريفة، لكنه يبقى متمسكا بجوهر الشعر، بجوهر الأشياء حتى الرمق الأخير، مع انحياز واضح للواقع البولندي. هربرت، شاعر مشاكس شعريا وحياتيا، فمثلا، ظل في حالة خصام مع ميووش إلى آخر حياته، رغم محاولة الأخير تلطيف الجو معه، قبل موته. هربرت يكتب، عموما، بدون فواصل أو نقاط. عاش هربرت و مات كأحد الأساطير الفنية في بلاده. ربطتني به و بعائلته علاقة دامت قرابة عشرين سنة. و كنت أول من ترجمه، على ما أظن، إلى العربية، حيث نشرت ملفا عنه في مجلة” الآداب الأجنبية” السورية في 1983.هذه القصائد مستلة من مختارات شعرية لهربرت، اختارها و ترجمها و قدم لها الشاعر هاتف جنابي، و ستصدرفي العام 2006.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى