سياسة

عن تطبيع “حماس” مع النظام السوري -مقالات مختارة-

حركة “حماس” بين طهران ودمشق/ العقيد عبد الجبار العكيدي

أفرز الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في حزيران/يونيو 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس، نمطاً جديداً من العلاقة بين نظام الأسد والقوى الفلسطينية، ولعل من أبرز سمات تلك العلاقة هي حالة التوتر التي وصلت إلى درجة القطيعة ومن ثم الصدام العسكري.

ولعل جذر المشكلة القائمة بين الطرفين آنذاك هو رفض قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لاستلاب قرارها والدخول تحت مظلة نظام دمشق، مما دفع الأسد الأب آنذاك إلى محاولة إيجاد منظمة تحرير بديلة من خلال ولاء بعض القادة الفلسطينيين لنظام دمشق. إلا ان تلك المحاولة لم تصل إلى مبتغاها المطلوب بسبب التفاف الحاضنة الشعبية الفلسطينية حول قيادتها الشرعية في ذلك الوقت، الأمر الذي جعل نظام الأسد في بحث دائم لإبقاء الورقة الفلسطينية بيده كأداة ضرورية وغطاء شرعي لخطابه الممانع الذي يتخذ من قضية فلسطين شعاراً له.

في أواخر العام 1993 برز حدثان متوازيان على الساحة الفلسطينية جعلا نظام الأسد يفكر من جديد بمشروع استثمار الورقة الفلسطينية، أولهما اتفاقية أوسلو التي جعلت قيادة منظمة التحرير في حالة حرجة أمام الشعب الفلسطيني نتيجة رضوخها للضغوط الاميركية التي أقنعتها بمشروع (غزة أريحا أولاً)، ولكن ما إن تكشف زيف الوعود الأميركية والتفاف إسرائيل على تلك الاتفاقية حتى ظهر شعور كبير بالإحباط على الساحة العربية والفلسطينية.

أما الحدث الثاني فتمثل بظهور قوى الإسلام السياسي في المنطقة العربية  باعتبارها البديل عن فشل القوى والأنظمة الرسمية العربية، وفي فورة هذا الصعود ظهر التيار الإسلامي الفلسطيني مُمثلا بـ”حركة الجهاد الإسلامي” وبعض القوى الأخرى التي تجمعت في حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) بزعامة الشيخ أحمد ياسين، وقد وجد نظام الأسد في احتضان هذا التيار الإسلامي فرصته من جديد، فأقام علاقات جيدة مع حركة حماس وجعل من دمشق ملاذاً لها، إذ وفر له الخطاب الراديكالي للحركة فرصة جديدة لاستثماره في مشروعه الممانع.

ومن جهة أخرى لم تغفل إيران عن المساهمة في هكذا مشروع لتحقيق هدفين بآن واحد، يتجسد الأول بمحاولة احتواء هذا التيار الديني السني واستثماره سياسياً، ويتمثل الثاني بإضعاف القيادة الشرعية الفلسطينية كانتقام منها بسبب انحياز منظمة التحرير إلى جانب العراق أثناء حربها مع إيران طيلة ثماني سنوات.

في تلك المرحلة، بدا هناك اصطفافاً واضحاً يجمع نظام الأسد وإيران وحزب الله وحماس في حلف واحد، مقابل تيار ياسر عرفات الذي بدا مكبلاً باتفاقية أوسلو والضغوط الاميركية والإسرائيلية، إذ أظهر هذا الاصطفاف حلف طهران والأسد والتيار الإسلامي الفلسطيني على أنه حلف مقاوم ومناهض للعدو الصهيوني المدعوم اميركياً، في مقابل حلف ضعيف مهادن لأميركا وإسرائيل في المنطقة، وهكذا أصبحت ورقة حماس بقبضة إيران والأسد، كما باتت حماس محكومة بالدعم السوري الإيراني الذي جعلها تجد في هذين النظامين الباب الوحيد للدخول إلى المعترك السياسي، كما وجدت فيهما مصدراً للدعم المالي واللوجستي.

لقد كشفت ثورات الربيع العربي والثورة السورية على وجه الخصوص مسألتين هامتين، تتمثل الأولى بفضح الوجه الحقيقي للسياسة الإيرانية التي كان يهمها التمدد والتوسع والهيمنة على الدول العربية في المنطقة أكثر بكثير من اهتمامها بمقاومة إسرائيل، وتمثلت الثانية بزيف الخطاب الرسمي لنظام دمشق حول مسألة الممانعة والمقاومة، إذ أظهرت الوقائع أن الأسد ومنذ العام 2012 هو أول من استجار واستقوى بإسرائيل في مواجهة شعبه، الأمر الذي جعل حركة حماس – ونتيجة حرج أخلاقي امام كوادرها التي انخرط قسم منهم الى جانب الفلسطينيين السوريين بثورة الشعب المحقة، تغادر دمشق وتقطع علاقاتها من نظام الأسد تجاوباً مع الثورة السورية واحتجاجاً على ما يمارسه الأسد بحق شعبه، وتماشياً مع المواقف التركية والقطرية وموقف القيادة المصرية آنذاك، مع حرصها في الوقت ذاته على إبقاء علاقتها متينة بإيران حرصاً على استمرار التمويل والدعم.

إلّا ان استمرار تلك المعادلة لا يمكن أن يدوم، وخصوصاً أن إيران باتت تنظر إلى النظام في دمشق بعين الوصاية التامة، ونتيجة لضغوط لم تكن خافية على أحد دفعت طهران قيادة حماس مجدداً إلى طرق أبواب دمشق، وتمثل ذلك من خلال استدعاء بشار الأسد الى طهران لإعطائه التعليمات بالقبول، وربما كان هذا المسعى الإيراني منسجماً مع رغبة ضمنية لقيادات حماس للعودة إلى دمشق نطراً لتهافت العديد من الأنظمة العربية تجاه دمشق، مدفوعة بخوف شديد من الخطر الإيراني.

ولعل ما يجمع بين حماس وبعض الأنظمة العربية في زحفها نحو دمشق هو يقينها بأن اتقاء الخطر الإيراني يجب أن يكون عبر بوابة دمشق، أمّا حماس فإن العودة إلى الأسد من طرفها ربما تبدو واجباً شرعياً لعدم إزعاج الولي الفقيه في طهران.

لا تعدم حماس مبرراً لعودتها إلى الحليف الأسدي بالقول إن نظام الأسد لم يطبع مع إسرائيل حتى الآن، ومن الضروري الالتفاف حول حلف الممانعة الذي – وإن لم يعد مقنعا لأحد- ولكنه مقنع لحركة حماس التي لم تعد ترى فلسطين إلا في إمارة غزة فقط، بل ربما تسعى أيضاً نحو تحويلها إلى منطقة نفوذ إيراني جديد.

في ظل هذه المعطيات، لا يمكن ان نتجاهل مسألتين هامتين تتمثل الأولى في عدم قابلية حماس (بحكم بنيتها وتفكيرها الشموليين) للانخراط في أي مشروع وطني فلسطيني جامع، ذلك ان هذا التوجه يتنافى مع فكرة الوطنية الفلسطينية، ويظل مشدودا الى مفهوم الجهاد الأممي، وهذا ما يجعلها ترى في امارة غزة منطلقا جهادياً وليست نواة وطنية فلسطينية.

وتتمثل المسألة الثانية في المساعي الروسية الهادفة الى توظيف القوى الفلسطينية الإسلامية الراديكالية واستثمارها سياسياً إزاء علاقتها المتوترة مع إسرائيل، على خلفية غزو بوتين لأوكرانيا، وتمثل ذلك باستدعاء موسكو لبعض قيادات حماس ودفعهم باتجاه التصعيد مع إسرائيل كرسالة روسية تؤكد لإسرائيل بأن روسيا لا تزال قادرة على التأثير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

بعد هيمنة التيار الموالي بقوة  للولي الفقيه في طهران متمثلاً بيحيى السنوار وإسماعيل هنية ومحمود الزهار على قرار الحركة، بدا واضحاً تنكر حماس في سبيل مصالحها المباشرة، لتضحيات الشعب السوري ووقوفه الى جانبها ودعمها ومساندتها على مدى سنين طويلة، وانحيازها الى نظام الاجرام الاسدي الذي قتل واعتقل من الفلسطينيين اكثر مما فعلت إسرائيل، ودمر مخيم اليرموك الذي يعتبر عاصمة الفلسطينيين في الشتات، خدمة للكيان الصهيوني الذي يدعي عداوته، بالإضافة الى تدميرمخيم السد في درعا و حندارات في حلب وقتل وشرّد ابناءهم، متجاهلة جميع النوازع الأخلاقية والنضالية، معتبرةً قاسم سليماني، قاتل الأطفال في سوريا والعراق واليمن شهيد القدس، وهذا يكشف الى حد بعيد النزوع البراغماتي الشديد لدى الحركة، وهو نزوع مستمد بالأصل من بنية تفكير الإسلام السياسي بشكل عام.

—————————-

“حماس” وحضن الأسد/ حسام كنفاني

كثير من التحوّلات شهدتها مواقف “حماس” خلال السنوات الماضية التي أعقبت الثورات العربية، ووقفت خلالها الحركة موقفاً يُحسَب لها لجهة مساندة الحراك الشعبي في الدول العربية، وإنْ كان ذلك من خلفيات أيديولوجية مرتبطة بصعود تيار “الإخوان المسلمين” الذي تعدّ “حماس” أحد أجنحته. تحوّلات قد تكون مفهومةً، حين تصدر عن حركة تحرّرية مقاومة، وحاجتها إلى إعادة اصطفاف التحالفات، خصوصاً بعد الانتكاسة التي مُني بها “الربيع العربي”، وعودة كل دوله تقريباً إلى المربع الأول أو الدخول في صراعاتٍ أهلية.

على هذا الأساس، يمكن فهم إعادة فتح قنوات التواصل مع إيران، والتي لم تنقطع كلياً أبداً حتى في ذروة وقوف “حماس” إلى جانب الثورات، وتحديداً في سورية. فكانت زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى طهران للتعزية في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عام 2020، وما تلاها من عودة التقارب والدعم الذي تتلقاه “حماس” من النظام في إيران. هذا الفهم لتحوّل موقف “حماس”، رغم الانتهاكات التي قامت وتقوم بها إيران في دول عربية عديدة، وفي مقدمتها سورية واليمن، مرتبط بوضع “حماس” كحركة مقاومة فقدت كل السند الذي كانت تعوّل عليه خلال السنوات القليلة التي أعقبت الربيع العربي، فعادت إلى السند الإيراني، خصوصاً في ظل “مهرجان التطبيع” مع إسرائيل، والذي ترعاه الولايات المتحدة، مدعومةً ببعض الدول العربية، ووصل إلى مراحل متقدّمة.

ووفق المنطق نفسه، يمكن استيعاب التقارب القائم مع حزب الله اللبناني، والذي تُوّج قبل أيام بزيارة إسماعيل هنية إلى بيروت، ولقائه الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وذلك على الرغم من الانتهاكات التي قام ويقوم بها الحزب ضد الشعب السوري. التقارب والتنسيق بين هذين الفصيلين المنضويين تحت خانة “حركات المقاومة” قد يكون ضرورةً استراتيجيةً لكل منهما في مرحلة من المراحل، بخاصة بعد المعلومات التي تحدثت عن دور لحزب الله في مساندة “حماس” خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.

لكن ما لا يمكن فهمُه ولا استيعابه هو فكرة التطبيع مع النظام السوري التي سرّبتها مصادر في “حماس” لوكالات إعلامية، من دون أن تتبنّاها الحركة رسمياً أو تنفيها، بل بالعكس، فإن تصرّف مسؤولي الحركة تجاه هذه التسريبات كان يوحي بتأكيدها عبر رفض التعليق أو النفي. إذ يبدو أن الحركة عمَدت إلى تسريب الخبر والصمت حوله لقياس ردّات الفعل والتصرّف ربما على أساسها.

التطبيع مع النظام السوري لا يمكن أن يندرج ضمن أيٍّ من البنود السابقة التي يمكن سردها لتبرير، وليس قبول، عودة “حماس” إلى الحضن الإيراني والتحالف مع حزب الله، فإذا كان الدعم العسكري والمادي الإيراني مبرّراً، فإن هذا لا ينطبق بتاتاً على النظام السوري، والذي عُرف عنه أنه لا يقدّم أموالاً أو سلاحاً، بل كان دائماً يكتفي بدور الممر للسلاح والدعم، حتى إن كان يُصادر أو يقتطع بعضها قبل وصولها إلى وجهتها النهائية. وإذا كانت مواجهة مهرجان التطبيع مع إسرائيل سبباً للتنسيق مع طهران، فإن هذا أيضاً لا يمكن قياسه على وضع النظام السوري. فهذا النظام لن يكون في أي جبهة مواجهة للتطبيع مع الاحتلال، في ظل العلاقات الوثيقة القائمة حالياً بين النظام والإمارات التي تعد أكثر اللاهثين وراء تحرير التطبيع وتوسيعه، ومن المؤكد أن الموضوع فُتح مع رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال زيارته أبوظبي في مارس / آذار الماضي، والتي كانت الرحلة العربية الأولى للأسد منذ الثورة السورية وتعليق عضوية دمشق في جامعة الدول العربية.

وحتى إن لم يكن النظام السوري على هذه العلاقة الوطيدة مع الإمارات، فأي مكسب استراتيجي قد تحصل عليه “حماس” من الارتماء في حضن نظام الأسد المنهار كلياً، والذي لا يملك أي ثقل إقليمي أو دولي، وحتى محلي، وبات أداةً بيد الروس والإيرانيين، ومختصّاً بذبح السوريين وتهجيرهم فحسب، الأمر الذي كانت “حماس” حتى الأمس القريب تأخذ ضدّه موقفاً أخلاقياً. فما الذي تغيّر؟

——————————

“حماس” والنظام السوري .. عين المنطق/ أرنست خوري

استفظاع قرار حركة حماس إشهار عودة علاقاتها مع النظام السوري إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل الخلاف حول الثورة السورية، يعبّر عن رغباتٍ لا علاقة للواقع فيها لدى المستفظِعين. رغبات لا تستوي مع فهم هوية الحركة وتاريخها وحاضرها. الهوية والحاضر والماضي جميعها تؤدي إلى نتيجة واحدة: المنطق يتحقق في أن تكون “حماس” والنظامان السوري والإيراني وحزب الله في جبهة واحدة. وغير الطبيعي واللامنطق أن تكون على خصومة أو عداء مع أي من أطراف التحالف الثلاثي. أما اعتبار خلاف مؤقت بين الحركة الفلسطينية وحكام دمشق بمثابة طلاق لا عودة عنه، فإنما في ذلك رومانسية تنسج أحلام رؤية حركة مسلحة إسلامية عربية تضع حريات الشعوب وحقوقها فوق الحاجة إلى السلاح والمقرّ، تقدّم الاستراتيجي على التكتيكي، المبدأ على المصلحة، وتُعلي من شأن كرامة الأفراد على فخامة شعار المقاومة، وتعيد الاعتبار للمقدس الوحيد الجدير بصفة القداسة: حق الناس في العيش والتفكير بحرية في أرضهم بلا اعتقال ولا تعذيب ولا وصاية على العقل والجسد. وحركة حماس لم تكن يوماً فرداً من عائلة سموّ الإنسان وحريته. حرية الناس بالنسبة إليها مجرّد ترف عندما لا يتعلق الأمر بمحاربة إسرائيل. حتى في عزّ الخلاف مع النظام السوري في العقد الماضي، ظل تعزيز التحالف مع حزب الله والنظام الإيراني هدفاً علنياً منشوداً بالنسبة لقيادة الحركة. قيل الكثير عن اختلاف حقيقي بين قيادتي غزة والخارج حيال شكل العلاقة مع ذلك التحالف الرباعي، لكن في حركات وأحزاب شمولية مثلما هو حال “حماس”، يصبح الحديث عن تمايزات من هذا النوع تضييعاً لوقت المتحدّثين، وسفسطة شبيهة بثرثرة التباين حول الثورة الدائمة وتصدير الثورة بين اللينينيين والتروتسكيين في زمن مضى. فعند حركة دينية مسلحة غير معنية سوى بالقتال وبالحكم مثل “حماس”، تكون الكلمة الأخيرة للسلاح وللمصلحة وللأيديولوجيا. السلاح وما يستتبعه من مصلحة يوجّهان البوصلة نحو طهران ودمشق وحارة حريك. أما في الأيديولوجيا، فإنها لن تجد أفضل من أركان هذا التحالف ممن يشبهونها وتشبههم: التحرر والديمقراطية يطيحان أنظمة الظلامية وأحزابها وتنظيماتها.

طيلة سنوات العقد الماضي، لم تنقطع علاقات “حماس” ودمشق. صحيحٌ أن الحركة خرجت من سورية وخسرت المقر والتسهيلات هناك، إلا أن الصلة الوثيقة بالأصلَين، إيران وحزب الله، ظلت وطيدة. لم توفر الحركة مناسبة إلا ولجأت إليها لتغازل ممانعة الأسد. لم تترك فرصة إلا واستغلتها لتمجيد قتلى إيران ولتقديس صور قاسم سليماني وإعادة إحياء ظاهرة انتشار أعلام حزب الله وصور حسن نصر الله في القطاع. لقاءات قادة الحركة في بيروت مع قيادة الحزب لم تنقطع يوماً، كذلك التعاون الأمني والعسكري، ولا توقفت زياراتهم إلى طهران. ظلّت العقدة في العودة الرمزية من الباب العريض إلى دمشق. هناك، كل شيء يُحسب برمزيته. ورمزية تصريحات خالد مشعل وإسماعيل هنية عند بداية الثورة السورية كانت كبيرة جداً بالنسبة للعقل البعثي الحاكم. كان مطلوباً صدور اعتذار رسمي لا لبس فيه عن الانحياز الحمساوي المؤقت إلى صفوف الشعب السوري، لكن الرسائل كانت توجه في كل مرة من “حماس” إلى الأصل في طهران وضاحية بيروت لا إلى الفرع في دمشق.

من أجل حفظ جزء من ذاكرة فلسطين وسورية والمقاومة و”حماس” ونظام الأسد، جدير التذكير بما تعرفه قيادة الحركة جيداً عن آخر أرقام صدرت عن “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية” التي تتخذ من لندن مقراً لها: عدد القتلى الفلسطينيين في سورية منذ اندلاع الثورة حتى مارس/ آذار 2021 (أي أنها حصيلة لا تشمل ضحايا مجزرة حي التضامن)، بلغ 4048 فلسطينياً، بينهم 488 لاجئة. 1472 ضحية قضوا من أبناء مخيم اليرموك وحده. 1220 لاجئاً قضوا بسبب القصف، و1079 قُتلوا بطلق ناري، و620 فلسطينياً ماتوا تحت التعذيب في معتقلات النظام. 1800 فلسطيني، بينهم 110 سيدات، لا يزالون معتقلين لدى أفرع الأمن والمخابرات التابعة للنظام.

مصالحة مباركة.

العربي الجديد

——————————-

حماس إلى دمشق.. الأسد إذ يجمّل صورته بدماء الفلسطينيين/ صهيب جوهر

بات واضحاً أن المسار الذي تتخذه القيادة السياسية لحركة حماس يؤشر لشيء واحد وأساسي أن الحركة الفلسطينية وضعت خياراً واضحاً بإعادة العلاقة مع النظام السوري، وهذا المسار ليس وليد المصادفة بل ترجمة عملانية لطريقة عمل وتفكير الجناح الممسك بخيارات الحركة منذ سنوات، أي فصيل السنوار -العاروري، اللذين يفضلان الالتصاق بإيران وحرسها الثوري وتفصيل كل السياسات “الحمساوية” انطلاقاً من هذا الخيار الاستراتيجي.

ولا يخفي السنوار عن كل من يلتقيهم أن خيار الابتعاد عن سوريا والذهاب لحد معاداة النظام في دمشق كان أمراً خطيراً، وهذا الموقف عززته تقارير سلمت للرجل عند اللحظات الأولى لتسلمه موقعه في قيادة شؤون الحركة على مستوى الداخل شكلياً وعلى مستوى القرار العام بشكل تفصيلي، وهذه التقارير وصلت للسنوار عبر شخصيات مقربة من الحرس الثوري الإيراني مفادها أن خلايا الحركة في الخارج عملت في السنوات الأولى للثورة بتدريب ودعم فصائل المعارضة السورية وتزويدهم بتقنيات عسكرية لمواجهة النظام السوري في إطار تبني قيادة حماس لثورات الربيع العربي منذ اللحظات الأولى لاندلاعها في المنطقة.

وهذه الملفات أثارت انزعاج قائد حماس الجديد والذي يميل إلى التركيز على الاستفادة من حليف وغير خفي أنه الإيرانيون وحزب الله، وجرت حينذاك مساع سياسية رعتها حركة الجهاد الإسلامي بداية مع الحزب والإيرانيين بغية إعادة وصل ما انقطع بينهم وبين حماس على خلفية مجاهرة خالد مشعل برفض دعم النظام وسلسلة الانتقادات التي وجهها الرجل لبشار الأسد وحاشيته والذين يمعنون بالقتل والمجازر، ولم يخف الإيرانيون ومن خلفهم حزب الله حماستهم بإبعاد مشعل عن الواجهة المباشرة لحماس وإقصاء تياره داخل الحركة وتحديداً موسى أبو مرزوق وعزت الرشق وشخصيات أخرى في السياسة والمؤسسات كممر إلزامي لإعادة العلاقة مع حماس.

لكن خريف مشعل لم يطل في الحركة، وتحديداً في ربيع العام 2021 حيث عاد الرجل زعيماً للحركة في الخارج ممسكاً بكل الملفات المفصلية والتي لا تقل أهمية عن ملفي غزة والداخل، وعودة مشعل أعادت فتح قنوات التواصل بين حماس من جهة وبين دول عربية وإقليمية من جهة أخرى وتحديداً تلك العواصم التي ما تزال مستعدة للعب أدوار والاستثمار بالورقة الفلسطينية، وهذه القنوات التي أغلقت لسنوات مع السعودية والأردن والكويت وسلطنة عمان آثر مشعل فتحها دون تردد انطلاقاً من قناعة راسخة لدى الرجل أن حركته تنطلق من بُعد عربي وإسلامي لا تستطيع إيران ولا نظام فقد شرعيته في سوريا  إعطاءه للقضية الفلسطينية.

بالمقابل بات لدى السنوار  قناعة مهمة بأن سوريا باتت أرضاً خصبة للعمل العسكري طالما أن حدودها مشرعة لكل القوى الإقليمية، وأن دمشق التي سمحت لحماس سابقاً باستخدام أرضها لتجارب صاروخية قد تتيح الفرصة مرة أخرى طالما أن التحديات التي تواجهها الحركة على مستوى المساحات الآمنة للعمل العسكري لم تعد متاحة بعد الانقلاب في السودان والخروج من سوريا.

وهناك مشروع لدى السنوار يقول إن لبنان وسوريا مساحات يمكن استخدامها في أي معركة لاحقة مع إسرائيل في المنطقة ويبدو هذا من خلال التسريبات المتواترة عن تنشيط حماس لبنيتها العسكرية في المخيمات الفلسطينية بالتنسيق مع حزب الله بغية هذا الهدف، وسابقاً جرى انفجار في مخيم البرج الشمالي استهدف مخزن أسلحة للحركة وأدى لمقتل قيادي أمني في الحركة يدعى حمزة شاهين.

وعليه فإن الزيارة الأخيرة لرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية إلى لبنان في هذا الإطار وهناك من يتحدث أن زيارة بيروت تندرج في مساعي حزب الله وضع اللمسات الأخيرة على ترتيب العلاقة بين حماس والنظام السوري، وتسربت معلومات دبلوماسية تقول إن هنية سيلتقي مسؤولاً أمنياً سورياً بحضور قيادات لحزب الله بغية التحضير لزيارة هنية لدمشق ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، والعمل على إعادة انتقال لمكاتب وقيادات حمساوية لدمشق.

وعلى الرغم من تهرب هنية من أسئلة صحفيين التقوه في بيروت، مساء أمس الأربعاء، حول إعادة العلاقة إلى سابق عهدها مع دمشق إلا أن كل الأجواء المحيطة باتت توحي بذلك، على الرغم من الانقسامات الحادة التي شهدتها حماس ومكتبها السياسي حول “العودة الدمشقية”.

وهناك وجهة نظر داخل حماس يقودها مشعل وتقول إنه على الرغم من أن المفاوضات بين حماس ودمشق وصلت إلى حدود متقدمة إلا أنها تشهد بعض المعوقات والتي قد توقف هذه الاندفاعة، لأنه كما أن القطيعة مع سوريا سببت خسائر لحركة حماس، كذلك الاقتراب من النظام المنبوذ عربياً ودولياً سيسبب خسائر واسعة للحركة واهتزازات في بعض علاقاتها الإقليمية وتحديداً مع الأتراك والقطريين، كذلك مع الجمهور المؤيد للحركة على امتداد المنطقة، وهذا الجمهور لا يبدي تعاطفاً مع الحركة فحسب بل يقدم تبرعات مالية بمبالغ ضخمة تستعين بها الحركة للإنفاق على مؤسسات داخلية وخارجية.

لكن الحقيقة التي ترفض حماس الاعتراف بها أن النظام السوري وعلى الرغم من محاولات قوله إنه بحاجة لوقت لنسيان ما اقترفته حماس بحقه، فإن الحقيقة تقول إن الأسد أكثر حرصاً من غيره على إعادة حماس لدمشق لكونه بحاجة لإضفاء شرعية على خياراته وممارساته عبر قوى حية كحماس أكثر الفصائل مجابهة لإسرائيل والقول إن زحفاً عربياً لدمشق بدأ بالعودة وإن نظامه أعاد إخضاع كل من اعترض على سلوك نظامه القمعي والإجرامي، لذا تبدو حماس حاجة للأسد وليس العكس.

وزيارة هنية للبنان تحمل معها مجموعة من الأهداف تعمل حماس على استمرارها ونجاحها، الأول اجتذاب الجمهور الفلسطيني في المخيمات في ظل الصراع القائم داخل حركة فتح بين أجنحة متصارعة، وهذه الرغبة تأتي في ظل أزمة وجودية يعيشها لبنان على مستويات اقتصادية واجتماعية وتأثيراتها على المخيمات الفلسطينية أشد وقعاً وخطورة.

لذا وبالتوازي فإن الحركة تخوض معركة شرسة بغية الحصول على حقوق إنسانية ومدنية للاجئين في المخيمات وتنظم حملات إغاثة وخاصة أن هنية أشار سابقاً إلى أن وضع المخيمات الفلسطينية فيه أقسى من أوضاع المخيمات في غزة. وتبع ذلك إطلاق حملة “حماس حدك” الاجتماعية، في تنافس مستمر مع فتح والتي وعد عودة المخصصات المالية لها أعادت تفريغ مئات الشبان في المخيمات الفلسطينية.

بالمقابل يحمل هنية معه ملفات أساسية إلى لبنان أهمها التأكيد على استمرار التنسيق في غرفة العمليات العسكرية المشتركة بين حماس والحزب والتي ترجمت نشاطها في “معركة سيف القدس” الأخيرة على غزة وهذه الغرفة وفقاً لما يقوله مسؤولون في حماس  ساهمت في رفع مستوى التبادل المعلوماتي بين الجانبين، وثمة ملفات يحرص هنية على إعادة إحيائها لبنانياً عبر توحيد جهود حلفائه في لبنان.

وتجلى ذلك من خلال المصالحة التي رعتها الحركة بين حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان واصطحاب هنية معه أمين عام الجماعة عزام الأيوبي للقاء نصر الله بالإضافة إلى محاولات الحركة ترتيب تحالف انتخابي بين الحزب والجماعة لكن الظروف السياسية للطرفين حالت دون هذه المعركة الانتخابية، لكن هذا الواقع لم يمنع من استمرار التنسيق بين الجانبين في ملفات مشتركة سياسية وعسكرية، بالمقابل رشحت العديد من المعلومات والتي تتحدث عن رعاية هنية سابقاً لحوار بين الإيرانيين والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وجرى عقد لقاءات في عدة عواصم أهمها التي جرت في بيروت وبغداد.

لذا فإن ما تبديه حماس وتمارسه على المستوى السياسي “حصراً”، بات يوحي أنها حسمت أمرها بالالتصاق بشكل مباشر مع خيارات محور الممانعة وخاصة أن جهات قيادية باتت تتحدث في غرف مغلقة عن خشيتها من التقارب التركي-الإسرائيلي والذي انعكس بالطلب من قيادات سياسية بمغادرة تركيا، بالمقابل هناك خشية يبديها العديد من الشخصيات الحمساوية من تراجع محتمل لقوة الحزب الحاكم في تركيا وإمكانية خسارته في الانتخابات المقبلة أمام توحد المعارضة والتي تتخذ من الوجود العربي مبرراً للتوحد وما قد ينعكس مستقبلاً على اللاجئين هناك، لذا تسعى الحركة للبحث عن أماكن جديدة لحضورها السياسي والاجتماعي والأمني.

تلفزيون سوريا

——————

بعد الحديث عن عودة علاقات حماس والأسد.. هل تسدد المقاومة طعنة أخلاقيةً في جسد القضية؟/ ماهر حسن شاويش

منذ أن نقلت وكالة رويترز عن مصدرين اثنين في حركة “حماس”، أن الأخيرة قررت استئناف علاقاتها مع سوريا بعد قطيعة امتدت 10 سنوات، وأن حماس اتخذت قراراً بالإجماع لإعادة العلاقة مع سوريا”، وأن مسؤولاً في الحركة -طلب عدم الكشف عن هويته- لـ”رويترز” قال إن الطرفين (حماس ونظام الأسد) عقدا لقاءات على مستويات قيادية عليا لتحقيق ذلك”.

انتشر جدل واسع على المستوى الإعلامي حول هذا الخبر بعد نشره، لكن الغائب الوحيد عن هذا الجدل هو الموقف الرسمي من الحركة تجاه ما أحدثه نشر هذا الخبر، ويبدو واضحاً لا بل ومؤكداً أن هناك تعميماً داخلياً بعدم التجاوب مع وسائل الإعلام للتعليق على هذا الأمر، لا سيما أن العديد من وسائل الإعلام أفادت بأنها تواصلت مع مسؤولين في الحركة ورفضوا الإدلاء بأي تصريح أو تعليق، بحسب ما نشرته هذه الوسائل الإعلامية.

نص الخبر يستدعي وقفة مع كل تفصيل فيه، ولكن لنذهب سريعاً إلى تطور مسار علاقة حماس بالنظام خلال السنوات العشر التي مضت لنا لإنعاش الذاكرة ثم نعود بعدها لتوقيت إعادة العلاقات مع النظام وتمنّع الحركة عن إصدار تعقيب على الخبر وما هو الثمن الذي دفعته.

مع انطلاق شرارة الثورة السورية ارتبكت الفصائل الفلسطينية وبدا التخبط واضحاً في رؤيتها للتعاطي معها، وربما كانت حركة حماس الأكثر حرجاً في ذلك، بينما حسمت الفصائل المحسوبة تاريخياً على النظام السوري موقفها، إذ قررت الاصطفاف إلى جانب النظام وفي مقدمة هذه الفصائل الجبهة الشعبية القيادة العامة.

ويعود حرج حماس إلى كونها لم ترغب في خسارة النظام الذي احتضنها ودعمها، وهذا واقع لم تنكره كل قيادات الحركة بغض النظر عن مآرب النظام في هذا الدعم وغاياته وتوظيفه له، الأمر الذي لم يظهر بوضوح إلا بعد الثورة السورية، وفي ذات الوقت لم تكن تريد حماس أن تقف في وجه الشعب السوري الذي ترى أن مطالبه في حينها مشروعة، إذ أكدت في بيانها الأول الذي اتسم بالحياد الإيجابي تجاه ما يجري في سوريا في 2 من أبريل/نيسان 2011، وقوفها إلى جانب سوريا شعباً وقيادة، قائلة: “ما يجري في الشأن الداخلي يخص الإخوة في سوريا، إلا أننا انطلاقاً من مبادئنا التي تحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها، نأمل تجاوز الظروف الراهنة؛ بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سوريا وتماسكها الداخلي، ويعزِّز دورها في صفِّ المواجهة والممانعة”.

وقد تطور الموقف من الحياد الإيجابي إلى الاصطفاف إلى جانب الشعب السوري في ثورته، وقد تمظهر ذلك في تصريحات رئيس مكتبها السياسي آنذاك السيد خالد مشعل سواء من إسطنبول في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية أواخر عام ٢٠١٢ أو من قطاع غزة بعدها بفترة وجيزة، وكذا نائبه السيد إسماعيل هنية من على منبر الأزهر الشريف في مصر، وتوالت التصريحات والمواقف التي تشي بوضوح إلى مواقف داعمة للشعب السوري، وجميعها موثقة بالصوت والصورة، فضلاً على مغادرة حماس لسوريا في إشارة تؤكد عدم رضاها عن مواقف النظام وممارساته القمعية وحلوله الأمنية وفشل وساطتها التي تحدث عنها السيد مشعل في أكثر من مناسبة.

سارت الأمور على هذا الحال وصولاً إلى رصد بدايات التحوّل في مواقف الحركة والذي تجلى في وصف الثورة السورية بـ”الفتنة”، على لسان رئيس المكتب السياسي الحالي، إسماعيل هنية، الأمر الذي اعتُبر تقرباً من النظام ومحاولة لعودة العلاقات، وتزامنَ ذلك مع تغيرات عسكرية ميدانية على الأرض لصالح النظام وتطور في المستوى الذي وصلت إليه علاقات الحركة مع إيران وحزب الله بعد الفتور الذي أصابها.

ومن دون شك لا يمكن إغفال تراجع تيار الإخوان في المنطقة وتأثيره على مسار الحركة، فقد كان صعود التيار أحد الأسباب التي شجعت حركة حماس على مواقفها السابقة تجاه النظام إبان صعود الإخوان بعد ثورات الربيع العربي.

وتوالت التصريحات التي تظهر التحوّل في مواقف الحركة لجهة التقارب مع النظام والتقرّب منه، ولعل أبرزها موقف السيد أسامة حمدان على قناة الميادين في رده التحية للنظام بأفضل من تحية النظام نفسه، إلى تصريحات يحيى السنوار المتكررة، وكذا السيد خليل الحية بعد القصف الإسرائيلي لمطار دمشق، وكلها أيضاً موثقة بالصوت والصورة، والكلمة لمن يود العودة إلى مضامينها التي تصب في اتجاه واحد وتأتي أيضاً في سياق واحد، واللافت أنها من خط وتيار واحد في الحركة.

وأمّا عن عدم تعليق حماس وتعقيبها على خبر رويترز، فإن ذلك في تقديرنا لا ينفي اتخاذ قرار بإعادة العلاقات مع النظام السوري، لأن هذا بات بحكم المعروف، ولكن ليس بإجماع كما جاء في الخبر الذي نشرته وكالة رويترز، ربما وصل النقاش داخلياً إلى مراحل متقدمة وغالباً اتخذت خطوات عملية تجاه النظام، لكن على ما يبدو أن توقيت الإعلان عنها وبهذه الطريقة كان إما من جانب من يدعم العودة بقوة لإنهاء الجدل في الأمر وإخراجه إلى حيز الواقع، وإمّا من الطرف غير المقتنع بجدوى إعادة العلاقات للإرباك والتشويش والمشاغبة عليه، والأرجح أنه من الطرف المؤيد والداعم لعودة العلاقات.

وعدم تعليق الحركة رسمياً في رأيي لأننا أمام تسريب من جهة، ومن جهة أخرى إذا علّقت إيجاباً فقد حسم الأمر دون التوافق المطلوب ووفق التوقيت المتفق عليه في الإعلان عن ذلك، وإذا نفت؛ أي علقت سلباً فقد يعود نقاش الأمر إلى المربع الأول ونقطة الصفر فيه.

ونرى أنه لا داعي حقيقة لانتظار النفي أو التأكيد بعد مرور هذا الوقت على نشر الخبر؛ لأن ثمّة تدافع داخل حماس لا تخطئه عين مهتم ومتابع فيما يتعلق بإعادة علاقتها مع النظام السوري، باختصار ستكون الغلبة فيه لمن يؤمّن فاتورة الرواتب وملحقاتها ويتحكم بمسار تدفق المال في شرايينها. وحتى اللحظة يبدو أنه خط وتيار إيران داخل الحركة.

وليست المشكلة بالضرر الذي سيلحق بحماس وحسب، فقد وقع الضرر منذ خطاب هنية الذي وصف به قاسم سليماني بـ”شهيد القدس”، وهو الذي قاد مجازر بحق الشعب السوري، وما تلاه من تصريحات وبيانات جاءت في ذات السياق. ولكن الذي يستحق وقفة حقيقة هو الضرر الكبير الذي سيلحق بالقضية الفلسطينية ورصيدها الأخلاقي والقيمي.

فلا ثمن حقيقياً ولا جدوى عملية من إعادة العلاقات بالمعنى السياسي والقيمي والأخلاقي، ولكنه إرضاء لمطلب إيراني، وبالمناسبة من كلا الطرفين من حماس والنظام، فالنظام ليس راضياً تماماً ولا نعتقد أنه مقتنع بجدوى إعادة العلاقة مع حماس، وتصريحاته كلها تصب بهذا الاتجاه، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول الأسد في لقاء مع صحيفة “إكسبرسن” السويدية في أبريل/نيسان 2015، إن “الأحداث أثبتت أن جزءاً من حماس، التي كانت بدورها جزءاً من الإخوان المسلمين، يدعم جبهة النصرة داخل مخيم اليرموك”.

كما قال في مقابلة مع صحيفة “الوطن” المقربة من النظام في ديسمبر/كانون الأول 2016: “كنا ندعم حماس ليس لأنهم إخوان، كنا ندعمهم على اعتبار أنهم مقاومة، وثبت في المحصلة أن الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، يبقى من الداخل إخونجياً إرهابياً ومنافقاً”.

ولكن النظام لا يستطيع حقيقةً رفض طلب إيران التي هي بأمسّ الحاجة لإعادة ترتيب الأوراق داخل المحور الذي تقوده في ظل إعادة التموضع والحراك الذي يجري في المنطقة ضدها، وإيران تدرك تماماً حجم وثقل الورقة الفلسطينية ومن بوابة حماس المقاومة و”السنيّة” تحديداً.

يبقى أن نكرر ونؤكد على أن ثمة خسارة كبرى للقضية الفلسطينية ولحماس بالطبع من هكذا خطوة تطبيعية مع نظام مافيوي مجرم وقاتل لشعبه وللشعب الفلسطيني في سوريا وفي بلدان أخرى أبرزها لبنان، وهو نظام فاقد لأي قيمة عملية حتى على أرضه المستباحة التي لا يملك القرار عليها في ظل تقاسم النفوذ فيها وتعدد محتليها، وستدفع فلسطين وحماس مع الأسف هذه الضريبة من رصيدهما جراء اتخاذ مثل هذه المواقف والتقديرات الخاطئة عاجلاً أو آجلاً.

—————————

حركة حماس وحضن الأسد العقيم/ نزار السهلي

طوال عقد ونصف العقد، انتظر الشارع الفلسطيني الخروج من دوامة الانقسام، والتشرذم المتسع والمنعكس على كل جوانب القضية الفلسطينية، واتخاذه مطية لتصفية حسابات عربية وإقليمية مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وغذته مواقف الأنظمة العربية من الثورات العربية التي شهدت ثورات مضادة وتحالفات عربية وإقليمية يعاد صياغتها بإشهار التحالف والتطبيع مع المؤسسة الصهيونية، وبإعلان حركة حماس نيتها العودة بالكامل لاستئناف العلاقة مع النظام السوري بعد قطيعة دامت عشرة أعوام بسبب الموقف من الثورة السورية، دفعت حماس أثمانا له، من قبيل “التخوين ومسؤوليتها في تدريب العناصر المناهضة للنظام وشيطنتها وأخونتها ..الخ” لا يمكن مقارنتها بما اقترفه النظام السوري نفسه من جرائم بحق فلسطين قضية وشعب.

مشورة إيرانية

وأياً تكن مبررات حركة حماس، لمراجعة مواقفها من النظام السوري بمشورة إيرانية، والهرولة نحوه، فهي تعني شيئاً واحداً لمتابعي التطورات الميدانية والسياسية على الساحة العربية، أن إعادة التموضع والتحالفات تعود لما قبل اندلاع الثورات العربية باستعادة الطغيان لزمام المبادرة بالقمع الشامل، لكن مع معطيات جديدة تتمثل في تغول الاستبداد والطغيان وتحالفه مع إسرائيل، وهما معطيان يفرضان إجراء مراجعة شاملة بشأن ترتيب الوضع الفلسطيني وشد أزر الشارع بالعودة له، والانصات لمطالبه قبل الانصات والخضوع لحسابات أنظمة التطبيع الذي مارست وتمارس حصار مكمل لاعتداءات وشروط العدو على الشعب الفلسطيني، و الخضوع لحسابات وإملاءات إقليمية وعربية ترفع شعارات المقاومة، ومارست جرائم بحق أبناء فلسطين وهي مكملة أيضا لجرائم العدو الإسرائيلي وتم القفز عنها وتعميتها لصالح استحضار الشعارات المنهارة كلياً التي يقتات عليها البعض “المقاوم ” إن كان في سوريا ولبنان وإيران، التي اختارت تدفيع الثمن لحركة حماس بالشكل الذي أهينت وشيطنت به في سوريا، وبالعودة المهينة لحضن النظام المفلس من أي شيء متعلق بدعم القضية الفلسطينية..

الثمن المنتظر

فما هو الثمن الذي تنتظره حركة المقاومة الإسلامية، من نظام الأسد بما يخص “دعم” فلسطين؟

وهو الذي جرف ونبش مقابر شهدائها في مخيم اليرموك للبحث عن جثة جندي صهيوني بمساعدة موسكو لتسليم جثمانه للإسرائيليين، بينما تعجز حركة المقاومة وحليفها الإيراني وكل السلطة الفلسطينية إنقاذ نساء فلسطين المغتصبات في مسلخ فلسطين “فرع فلسطين ” التابوه الممنوع التلفظ به من قيادات حركة تحرر وطني شهدت زوراً، تدمير وتهجير وتفتيت نسيج اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات المدمرة، بطائرات وبراميل متفجرة وصواريخ وبجيش نبش وحرق كل أثر يخصهم.

لا يمتلك النظام بيئة وجرأة يوفرها للمقاومة من حدوده لمقارعة المحتل منذ خمسين عاما، ولا يمتلك القدرة المادية والعسكرية المتحولة لميليشيا عصابات وظيفتها ممارسة الإعدام الميداني لخيرة شباب فلسطين في حفر الإعدام، وإن كان يمتلكها فهي معدة ومنشغلة في حرق وتدمير المجتمع السوري.

الأضرار والخذلان الكبير الذي وقع على الشعب الفلسطيني وقضيته، من نظام الأسد، لن يضيف عليه موقف حركة حماس بالعودة لأطناب الشارع الفلسطيني والعربي بعبارات “سوريا داعمة للقضية والشعب الفلسطيني، وحماس حريصة على العلاقة مع سوريا وكل الدول العربية”. إلا خذلان وضرر يعود على “حماس” نفسها وعلى رصيدها المضروب والمقتول والمدمر في مخيم اليرموك وبقية المخيمات، إذاً على ماذا تراهن حماس في حرصها على علاقة مع نظام الأسد؟

في حين أن الشارع الفلسطيني ينتظر حرصاً أكبر على لملمة شرذمته بين فتح وحماس، وإذا كان حساب الضرر والطعنات الخنجرية في ظهر الشعب السوري والفلسطيني نالا من عمق القضية ومن عمق الأخلاق والضمير، فلم يعد من حساب وبناء وحصاد وفير تجنيه القضية الفلسطينية من وراء علاقتها مع مجرم حرب زهق أرواح أبناء فلسطين ودمر بيئتهم، ودمر وشرد عمقهم العربي والإسلامي من الشعب السوري.

يقول إسماعيل هنية في كل مناسبة تخص العلاقة مع نظام الأسد ” نأمل أن يعود الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في سوريا وأن تعود إلى دورها الإقليمي القومي والعربي”

ويقول الشارع الفلسطيني المهجر من مخيمات سوريا، نأمل أن يحاسب حارس وجلاد فرع فلسطين عن جرائمه بحقنا وبحق فلذات أكبادنا التي ذبحت في أقبيته. تبقى أمنيات الشارع الفلسطيني بعيدة كل البعد عن أمنيات حركة التحرر الوطني الفلسطيني التي تلتقي أمنياتها مع وظائف النظام الرسمي العربي المتموضع نحو خلطة قمع وفاشية وصهينة ومتاجرة.

ضحايا نظام الأسد

أخيرا، فائدة عودة حركة حماس لحضن النظام العقيم من توليد أي حالة دعم تخص فلسطين دون فرعها في دمشق، هي بالمحصلة فائدة أكبر لنظام الأسد وحليفه الإيراني المردد كل مناسبة أيضا بقدرته على محو تل أبيب ونصف إسرائيل في دقائق معدودة.

وأصلاً علاقة حماس وفتح وكل الفصائل الفلسطينية وسلطتها مع نظام الأسد، لا تعود بالفائدة على كل الفلسطينيين ضحايا نظام الأسد وجيشه وعصاباته، وأي دور قومي وعربي واسلامي تنشده الحركة من سوريا المقترنة بمجرم حرب، هي أوهام تبددت في العقد الأخير مع كل أوهام التعلق برؤية نظام عربي داعم لفلسطين وشعبها المفتقد وحدة تصد كل الجرائم والعدوان عنه.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

——————————-

عن “حماس” ونظام الأسد وداء العنصرية/ أسامة أبو ارشيد

كما العادة، ما أن انتشرت أنباء الجهود المبذولة وراء ستارٍ لتطبيع العلاقة بين حركة حماس والنظام السوري، حتى ثار الجدل من جديد بين متلمسي الأعذار والتبريرات لـ”حماس”، اعتبارها حركة مقاومة تكابد معضلات استراتيجية وحصاراً من الشقيق والعدو على السواء، والمناوئين والمحرضين عليها، الذين يرون إما أنها ضلّت طريقها، أو كشفت عما يصفونه حقيقتها الانتهازية. ومن الضروري الإشارة مسبقاً إلى أن هذا المقال لا يسعى إلى محاولة تفسير دوافع “حماس” توسّل فتح صفحة جديدة مع نظام الدكتاتور بشار الأسد، بضغط إيراني وتنسيق يقوده حزب الله، وكنت قد كتبت عن هذا تحت عنوان “حماس بين المبدئية وإكراهات الواقع”، (العربي الجديد، 11/6/ 2021). ما يهدف إليه المقال التنبيه إلى خطيئةٍ كارثيةٍ يساهم كثيرون منا في اقترافها في مثل هذه المسائل الاستقطابية، إذ ينتقل الخلاف من جدل في تصرّف سياسي لطرفٍ ما إلى تنابز وشتائم قبيحة وبذيئة على أساس عنصري وإقليمي، وفي حالات أخرى إلى تعظيم ألم جرح شعب عربي مقابل جرح شعب عربي آخر. وآخر ما نريده مزيد من الشرذمة الشعبية العربية التي تغذّيها قوى أجنبية، فضلاً عن النظام الرسمي العربي، والذي لا يريد أن تستعيد شعوبه مفهوم وحدة مصيرها فتكون نهايته.

لا ينبغي أن يكون تضامننا العربي، ونحن أمة واحدة، رهينة اجتهادات أو ضرورات أو أخطاء أو طَيَشانِ أو إجرام، (سمّها ما شئت)، أنظمة أو تيارات تزعم تمثيل بعض شعوبنا، صدقت أم لا. تعاضد الجسد العربي وتداعيه لبعضه بعضاً بالسهر والحمى، إذا استعرنا التوصيف النبويِّ لجسد الأمة المسلمة الواحدة، لا يعترف بالتعاقدية ولا النفعية المتبادلة. إنما هو تعاضدٌ فطريٌّ طبيعي من دون حسابات وغير مشروط، فإن لم يفهم بعضهم هذا وأصرّ على عدم استيعابه، فإن حتمية نجاتنا جميعاً تقتضيه، أحببنا أم كرهنا. ومن ثمَّ، من المعيب حقاً أن نشهد سجالات عنصرية بغيضة بين فلسطينيين وسوريين عن أنباء تقارب حركة حماس مع نظام الأسد. بغض النظر عن اعتبارات “حماس” وضروراتها، التي تقدّم نفسها حركة مقاومة لتحرير شعبها وأرضها، فإن حساباتها تلك لا تلزمنا، تفهمناها واقتنعنا بها أم لا.

كفلسطيني، سأبقى رافضاً نظام الأسد وإجرامه، ولن أتقبل يوماً محاولات تطبيعه وتجميله، حتى ولو خرج الشعب السوري عن بكرة أبيه، وهذا لن يحصل، يهتف له. هو، وغيره من الأنظمة الاستبدادية العربية، أعداء جَمعِيّونَ لنا نحن العرب. وكما أن للشعب الفلسطيني الحق في أن يعيش حرّاً كريماً، فللشعب السوري الحق ذاته. وكما أن إسرائيل مجرمة بحق الفلسطينيين، فإن النظام السوري، مدعوماً من روسيا وإيران وحزب الله، مجرم بحق شعبه. وكإنسان يحاول أن يكون متسقاً مع المنظومتين الأخلاقية والفكرية اللتين يدعيهما، أتفهم نظرة السوري والعراقي واليمني إلى عدوان إيران وأدواتها في المنطقة، تماماً كما يقارب الفلسطيني إسرائيل. هذا لا يعني أنه لا توجد فروق وتعقيدات في السياقات الاستراتيجية الكبرى، وتفاوتاً في طبيعة التحدّيات التي تمثلها إسرائيل وإيران بالنسبة لنا، فإسرائيل هي العدو المركزي لهذه الأمة. هذه حقيقة راسخة تبقى تستدعي نفسها تلقائياً عند كل عربي، مهما تاهت بوصلته جرّاء تحدّيات جمَّة يواجهها. لكن، ينبغي أن نُبقى في عين الاعتبار أن بسطاء كثيرين في شعوبنا سيبقون عاجزين عن استيعاب هذا راهناً، ذلك أنهم تحت عدوان دموي وحشي من طرف آخر.

سبق أن كتبت أن “المكانة الخاصة بفلسطين في وعي الأمة، وحتى لا تتعرّض لهزّات مرحليةٍ هنا وهناك، فإن هذا يتطلب من أصحاب القضية أن لا يجعلوا منها قضية خلافية، وأن لا يضعوها في حالة تناقضٍ مع جراحات الأمة الأخرى، الغائرة والنازفة. مركزية القضية الفلسطينية لا تعني أحاديتها في فضائنا، ولا تسفيه عدالة تطلعات شعوب عربية أخرى تسعى إلى الانعتاق من ربقة القمع والظلم والاستعباد” (“عن مركزية فلسطين في الوعي العربي”، العربي الجديد، 3 /12/2021). وأضيف هنا، أننا، نحن المثقفين والمواطنين العرب العاديين لا ينبغي لنا أبداً أن نتقمّص ضرورات جهات معينة، حتى لو اقتنعنا بصدقها، ونتحوّل مسوّغين لها، مُطَبِّعينَ لسوئها، مدافعين شرسين عنها، بحيث تنتهي معياراً نتحاكم إليه. ضرورات هؤلاء، حتى وإن كانت مشروعة، ليست ضروراتٍ لعوام الناس، ونحن منهم.

إذا كان هناك من يعتذر لعلاقة “حماس” بإيران وحزب الله، ومحاولة التقارب مع نظام الأسد مجدّداً، بإكراهات الواقع، فالمنطق يقول إنهما أمرا شرٍّ اضطرت إليهما، ومن ثمَّ يغدو من غير المقبول أبداً أن يبلغ الطيش ببعض هؤلاء حدَّ محاولة تطبيعهما والتبخيس من معاناة السوريين بذريعة “مركزية فلسطين”. ينسحب المنطق ذاته على من يعتذر ويبرّر لمحاولات بعض القوى الوطنية السورية تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، أو حتى إسرائيل وبعض الأنظمة العربية القمعية، بذريعة المصالح العليا للشعب السوري، مع معرفة الجميع بسجل هؤلاء في العداء لأمتنا وجرائمهم بحقها. لنفترض هنا أن مقاربات تلك الجهات، فلسطينية وسورية، وجهات عربية أخرى، مبنيةٌ على إكراهات ضاغطة فوق طاقتهم، ولنفترض فيهم الصدق والوطنية، فهذا لا يغير من الواقع شيئاً. ضروراتهم، كما يقاربونها، لا تلزمنا، ولا ينبغي لنا تشريعها، وسنبقى ننتقدها ونرفضها، ونصرّ على تغييرها، حتى لا تصبح معياراً نُشَرَّبُهُ وَنُطَبِّعَهُ. أما تحويل مثل ذلك الخلاف شرخاً بين الشعبين الفلسطيني والسوري، أو بين أي شَعْبَيْنِ عربيين آخرين، فتلكم عنصريةٌ بغيضةُ نتبرّأ منها، ونقول تعساً لنافخي كيرها من كل الأطراف.

العربي الجديد

—————————

ماذا وراء الصفقة بين الأسد وحماس برعاية حزب الله؟/ سامي خليفة

تعددت صيغة التصريحات التي أدلى بها مؤخراً مسؤولون في حركة حماس، عن استئناف العلاقات مع النظام السوري بعد قطيعةٍ دامت عقداً كاملاً. وبعد جهودٍ مضنية بدأها حزب الله في العام 2018 لإعادة العلاقة بين النظام وحماس، تشير المعلومات إلى أن جهود الحزب الأخيرة أفلحت في تليين المواقف باتجاه إعادة التقارب بين الطرفين.

مصدر قلق إسرائيلي

هذا التقارب الأخير يشكل بالنسبة لإسرائيل مصدر قلقٍ كبير في لحظةٍ حرجة تُضاف إلى ملفاتٍ عدة على سلم الأوليات. ذلك أن المطلعوّن على هذا الملف في الدولة العبرية يؤكدون صحة ما تسرّب من معلوماتٍ عن المصالحة بين النظام السوري وحماس. وذهب الدكتور مايكل باراك، الباحث البارز في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في جامعة “رايشمان” في هرتسليا، للقول بأن الحزب منخرط بقوة في هذه المصالحة، مستفيضاً بالتحذير “هذا مصدر قلق لإسرائيل لأننا نعلم أن حماس تعزز وجودها في لبنان. وإذا ما افتتحت حماس مقراً لها في سوريا، فيمكنها البدء في بناء القدرات في سوريا أيضاً”.

وفي مقابلةٍ أجراها مع موقع “أخبار اليهود”، اعتبر باراك أنه بوجود جزء كبير من سوريا تحت السيطرة الإيرانية، فإن لدى حماس فرصة جديدة للحصول على أسلحة من القوات المدعومة من إيران في المنطقة كحزب الله والميليشيات الشيعية الموالية لإيران.

دور الحزب

وتحدث باراك عن التغييرات التي حدثت منذ عام 2012 والتي سهلت المصالحة، إذ قال “يجب أن نتذكر أن الظروف الجيوستراتيجية قد تغيرت. في عام 2012، صعد رئيس جماعة الإخوان المسلمين المصرية حينذاك محمد مرسي إلى السلطة ما أدى إلى نسف حماس لعلاقاتها مع النظام السوري. كما قلصت حماس العلاقات مع إيران إلى الحد الأدنى. ولكن منذ ذلك الحين، أصبح نظام الأسد أقوى؛ وتابعت إيران تقدمها في برنامجها النووي؛ ثم ولّى زمن مرسي؛ وبقيت حماس معزولةً في المنطقة”.

ثم أكمل موضحاً “خلصت حماس إلى أنه من الصواب أولاً تحسين العلاقات مع إيران من خلال تدخل حزب الله. والآن ساعد الحزب إياه في تأمين المصالحة بين حماس وسوريا، وهذا جزء من حساب إستراتيجي إيراني لتحويل سوريا إلى منطقة نشاط أخرى لمنظمات إرهابية فلسطينية”.

العمل من لبنان

وبالنظر إلى المستقبل، طرح باراك سيناريو يمكن أن تكون فيه حماس رأس الحربة للفصائل الفلسطينية في سوريا بمباركة حزب الله وإيران. ففي 23 حزيران المنصرم، التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، في بيروت في أول لقاءٍ بينهما منذ عام. وفي بيروت أيضاً، عقد حزب الله مؤخراً سلسلة اجتماعات مع فصائل فلسطينية أخرى، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد الإسلامي.

من هنا، يقول باراك إن الهدف من هذه اللقاءات هو إيجاد طريقة لتوحيد الصفوف ومناقشة كيفية تقوية الكتلة الفلسطينية في “محور المقاومة”. مضيفاً “تحاول حماس إنشاء آلية قيادة وتحكم مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في لبنان حتى تتمكن من العمل بطريقة أكثر فاعلية من هناك، وباب سوريا بات مشرّعاً راهناً. وهذا عامل مضاعف للقوة”.

أما بخصوص مصر، التي تشعر بالقلق أيضاً من تطلعات الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، وتنظر بعين الريبة على اندماج حماس المتزايد مع المحور الإيراني. قال باراك: “هذا يجعل حماس تبدو أسوأ في عيون المصريين، وكأنها تقترب من الهلال الشيعي الإيراني”.

الغاز المصري وخط الأنابيب

على الجهة المقابلة، وفيما يتعلق بتوقيع اتفاقية نقل 650 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من مصر إلى لبنان عبر سوريا، وذلك في مراسم أُقيمت بوزارة الطاقة اللبنانية في بيروت.. أكد حمدي عبدالعزيز، المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي باسم “وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية”، في مكالمة هاتفية مع موقع “مونيتور” الأميركي، أن خط الأنابيب البالغ طوله 1200 كيلومتر يمتد من مصر إلى الأردن، ثم من سوريا إلى لبنان، يتكون من أربع مراحل. تبدأ المرحلة الأولى من العريش في مصر إلى العقبة في الأردن. وبدأت إمدادات الغاز الطبيعي من مصر إلى الأردن في ظل هذه المرحلة في عام 2003.

وتمتد المرحلة الثانية من العقبة إلى منطقة الرحاب التي تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود الأردنية السورية. مشيراً إن إمدادات الغاز لمحطات توليد الكهرباء في الجزء الشمالي من المملكة الأردنية بدأت في شباط 2006. أما المرحلة الثالثة فتمتد بطول 30 كيلومتر من رحاب الأردن إلى منطقة جابر في سوريا، واكتملت تلك المرحلة في عام 2008.

ولفتّ عبدالعزيز إلى أن المرحلة الرابعة، التي تمتد من منطقة جابر على الجانب السوري من الحدود الأردنية السورية إلى لبنان، بدأت في نقل صادرات الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان في تشرين الثاني 2009 وتوقفت في 2011.

التردد الأميركي

وتعليقاً على الوضع الحالي في سوريا، قال عبد العزيز إن المباحثات جارية حول قدرة شبكة الغاز السورية على ضخ الغاز إلى لبنان. مشيراً أنه ستكون هناك اتفاقيات بشأن الأسعار والشروط التجارية، بعد الحصول على الموافقة الأميركية لتصدير الغاز المصري إلى لبنان عن طريق تمويل البنك الدولي، موضحاً في الوقت عينه أن الإجراءات الحالية جارية في ظل عدم وجود أي اعتراض من قبل واشنطن.

من جهتها، قالت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة “عين شمس”، في حديثها مع الموقع الأميركي، أن لبنان يعاني من نقص كبير في مصادر الطاقة ومشاريع البنية التحتية، وتبعاً لذلك سيدعم تصدير الغاز المصري إلى لبنان التكامل الاقتصادي العربي ويعزز العلاقات مع لبنان. مرددةً إن أسباب التأخير في توقيع اتفاقية التصدير هي العقوبات الأميركية على سوريا. وهذا تحديداً ما عاد وأشار إليه الموقع في نهاية التقرير، بالتذكير أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تتخذ قراراً نهائياً بشأن ما إذا كانت الخطة ستنتهك العقوبات المفروضة على سوريا.

———————

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى