قصة

رسالة إلى الله../ غريغوريو لوبيز إي فوينتس*

كان المنزل الوحيد في الوادي يقع على هضبة متوسطة الارتفاع يستطيع الناظر أن يشاهد منه النهر والحقول المتماوجة بألوان الذرة الذهبية وأزهار اللوبياء، والتي تعدُ بموسم وفير.

كانت الأرض بحاجة للمطر، وطوال الصباح لم يفعل لينشو الذي تربطه علاقة عشق بالأرض شيئًا سوى إمعان النظر في الاتجاه الشمالي الشرقي من السماء.

– المطر قادمٌ يا امرأة، سترتوي الحقول!

أجابت المرأة التي كانت تحضر وجبة الغداء:

– إن شاء الله!

كان الأبناء الكبار يعملون في الحقل والصغار يلعبون قرب البيت حين صاحت المرأة بهم:

– تعالوا وتناولوا الطعام!

حدث ذلك أثناء تناول وجبة الغداء، وكما توقع لينشو بالضبط بدأت قطرات كبيرة من المطر تنهمر، وتحركت جبال ضخمة من الغيوم قادمة من الشمال الشرقي عبر السماء. كان الهواء منعشًا وعذبًا وخرج الرجل ليبحث عن شيء ما في الزريبة مستمتعًا بقطرات المطر وهي تدغدغ جسمه وعندما رجع بادر قائلًا:

– ليست قطرات مائية هذه التي تتساقط من السماء. إنها قطع نقدية جديدة. القطرات الكبيرة من فئة العشرة سنتافو أما الصغيرة فمن فئة الخمسة.

وفي صباح اليوم التالي، وكان يوم أحد، وبعد أن أقنع نفسه بوجود إله يحمي البشر في أوقات المحنة، شرع بكتابة رسالة يستطيع هو نفسه أن يأخذها إلى المدينة ويضعها في البريد. كانت رسالة موجهة إلى الله

رمق بفرح حقل الذرة وأزهار اللوبياء البهيجة التي بللها المطر وغطاها بستاره المائي. وبعكس ما هو متوقع هبَّت ريح عنيفة واكبها وابل من حبات البرد الكبيرة، وهذه بالفعل تشبه قطعًا نقدية فضية وجديدة حتى أن الأولاد خرجوا معرضين أنفسهم للمطر والبرد ليجمعوا اللآلئ المتجمدة.

قال الرجل متألمًا:

– الأمر يسوء الآن. آمل أن يمر هذا بسرعة.

غير أن الأمر لم ينته بسرعة. انهال البَرَد لمدة ساعة على المنزل والمزرعة وحواف الهضبة وحقل الذرة إلى أن غمر الوادي كله.

غمر الحقل باللون الأبيض وكأنه غطّي بالملح. لم تبق ورقة على أمها. دُمّر محصول الذرة نهائيًّا وتساقطت الأزهار عن شتلات اللوبياء، وملأ الحزن كيان لينشو. وعندما خمدت العاصفة وقف في منتصف الحقل وقال لأبنائه:

– لو هجم الجراد لما ترك أكثر من ذلك.. لم يُبقِ البَرَدُ شيئًا، سنمضي العام بلا ذرة ولوبياء.

كانت ليلة مريرة أعتمها انطفاء الفرح!

– تلاشى جهدنا هباءً منثورًا.

– لا يوجد من يساعدنا.

– سنجوع هذا العام.

لكن كان هناك أمل وحيد في قلوب سكان ذلك المنزل المنعزل، هذا الأمل هو نجدة الله.

لا تجزعوا من هذه الخسارة الكبيرة. تذكروا: لا أحد يموت جوعًا.

هذا ما قالوه: لا أحد يموت جوعًا.

وطوال الليل فكر لينشو بأمله الوحيد: نجدة الله، الله البصير، العليم بكل شيء حتى ببواطن الأمور.

كان لينشو قويًّا كثور ويشتغل كحيوان في الحقول ورغم ذلك ما يزال يعرف كيف يكتب ويقرأ. وفي صباح اليوم التالي، وكان يوم أحد، وبعد أن أقنع نفسه بوجود إله يحمي البشر في أوقات المحنة، شرع بكتابة رسالة يستطيع هو نفسه أن يأخذها إلى المدينة ويضعها في البريد. كانت رسالة موجهة إلى الله: (إلهي! إن لم تنجدني سأهلك أنا وعائلتي من الجوع هذا العام. أحتاج إلى مائة بيزو من أجل أن أعيد زراعة الحقل وأعيش حتى تدر الأرض موسمها.. لأن البَرَدَ..).

وضع الرسالة في مغلف كتب عليه (إلى الله) ثم ألصق عليه طابعًا ووضعه في صندوق البريد.

أحد الموظفين، الذي كان يعمل ساعيًا ومساعدًا في مكتب البريد، ذهب إلى رئيسه وهو يضحك بقوة. أطلعه على الرسالة المرسلة إلى الله، إذ لم يرَ عنوانًا كهذا طوال عمله في هذا المكان.

ضحكَ المدير السمين والظريف، إلا أنه تقمص الجدية حالًا ووضع الرسالة على مكتبه وقال:

– يا لهذا الإيمان! أتمنى لو أنني أملك إيمان كاتب الرسالة. أتمنى لو أنني أستطيع أن أؤمن كما يؤمن.. أن أعلق آمالي على الله وأتبادل الرسائل معه.

ولكي لا يحبط معجزة الإيمان هذه التي كشفتها رسالة لا يمكن أن ترسل قرر المدير أن يرد الرسالة، غير أنه كان يحتاج إلى شيء آخر غير إرادة الله، كان بحاجة للورق والحبر.

صمم المدير أن يرد على الرسالة فطلب نقودًا من المستخدم وأضاف جزءًا من مرتبه، وأجبر عددًا من أصدقائه على الدفع وذلك من أجل عمل إنساني خيري.

كان من المستحيل أن يجمع مائة بيزو للمزارع، غير أنه تمكن من جمع أكثر من نصف المبلغ بقليل. وضع الأوراق النقدية والرسالة في ظرف كتب على غلافه عنوان لينشو، وكتب كلمة واحدة توحي بأنها توقيع الله.

جاء لينشو يوم الأحد باكرًا إلى المدينة ليسأل إن كانت هناك رسالة له. سلمه الموظف الرسالة بينما كان المدير يعيش حالة من الرضا والفرح التي يعيشها رجل قام بعمل إنساني خيري، وهو يراقب المشهد من مدخل مكتبه

لم يُبدِ لينشو دهشةً عندما رأى الأوراق النقدية لأنه كان متأكدًا من أن الرب لن يخيب آماله، لكنه غضب عندما أحصى النقود.. الله لا يخطئ ولم يرفض طلب لينشو! ذهب لينشو إلى النافذة بسرعة. طلبَ ورقًا وقلمًا وجلس إلى الطاولة المخصصة للناس وبدأ بالكتابة، تغضنت جبهته كثيرًا بسبب الجهد الذي توجب عليه أن يبذله ليعبر عن أفكاره. عندما انتهى اشترى طابعًا ألصقه على ظرف الرسالة بضربة من قبضته.

عندما دخلت الرسالة صندوق البريد ذهب المدير إلى الصندوق وفضّها ليقرأ:

(إلهي! لم يصلني من المبلغ الذي طلبته منك سوى سبعين بيزو. ابعث لي بالباقي لأنني بأمس الحاجة إليه. لكن لا ترسله عن طريق البريد، لأن الموظفين فيه ليسوا إلا مجموعة من المحتالين واللصوص).

*شاعر وروائي وقاص مكسيكي (١٨٩٥- ١٩٦٦)، يعتبر من أهم المؤرخين للثورة المكسيكية وتأثيراتها.

[ترجمة: أسامة إسبر، عن Best Short Stories of the World, the Reader’s Digest, 1972].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى