سياسة

عن أحتجاجات السويداء-مقالات وتحليلات مختارة-

احتجاجات السويداء… ليس لدى الأسد سوى الرصاص/ راتب شعبو

شهدت محافظة السويداء في سورية، على مدى السنتين الماضيتين، احتجاجات عديدة، محرّكها الأساسي تدهور شروط الحياة، من جهة المواد الأساسية للمعيشة، ومن جهة أساسيات الحياة الآمنة. تجاه هذه المحافظة التي تتميز بقدر كبير من التضامن الأهلي، اعتمد نظام الأسد سياسة أمنية خاصة، أساسها العمل على التلغيم الداخلي، أي إنشاء مليشيات محلية تابعة لأجهزته الأمنية، وتوظيفها في القمع والتقييد والإرهاب وتجارة المخدرات والخطف… إلخ، للتغلب على التماسك الجماعي لأبناء المحافظة، وتفكيكه لتسهيل الاختراق والسيطرة.

بالفعل، اخترقت الأجهزة الأمنية النسيج الاجتماعي للمحافظة على حوامل محلية، وهكذا ظهرت المليشيات المحلية وزادت قوتها، ولم يعد يكفي الأهالي، لكي يتخلصوا من مليشيات، مثل “قوات الفجر” المدعومة من الأمن العسكري، والتي عاثت فساداً، أن يرفضوا هذه المليشيا، ويقفوا في وجهها، بل وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى الاعتماد على فرع أمن آخر (أمن الدولة). أي أن تشكيلات العنف المحلي باتت سلطات أقوى من قدرة الأهالي على الخلاص منها. كما لا يمكن أن ينسى أهالي السويداء هجمات “داعش” على قرى المحافظة ومركزها في يوليو/ تموز 2018، وراح ضحيتها أكثر من 200 قتيل، ولا تزال في الذهن أسئلة كثيرة بشأنها.

كرّر أهالي المحافظة خروجهم واحتجاجاتهم ضد سلطات الأسد التي تسمّي نفسها “دولة”، وتفشل في حماية المحكومين من العنف المنفلت والتدهور المعيشي. خرج، في يناير/ كانون الثاني 2020، مئات من الأهالي في السويداء باحتجاجات “بدنا نعيش”. ثم تجدّدت الاحتجاجات في يونيو/ حزيران من العام نفسه مع مزيد من تراجع مستوى المعيشة. وفي صيف 2021، تحرّك الأهالي وتمكّنوا، بمساعدة قوات “رجال الكرامة”، من وضع حد لإحدى المليشيات التي كانت تخطف وتنهب وتذل الناس. وفي فبراير/ شباط من هذا العام، خرجت مظاهرات ضد قرار قطع الدعم الحكومي عن مئات آلاف العائلات. ثم تكرّر الاحتجاج في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وصولاً إلى احتجاج بضع مئات قبل أيام واقتحامهم مبنى المحافظة، بعد أن ألقيت على المحتجّين قنبلة صوتية، أدّت إلى جرح اثنين منهم. وأمام مقر قيادة الشرطة ووجهوا بالرصاص الحي، ما أدّى إلى مصرع أحد الشباب المحتجين وجرح آخرين، كما قتل أحد عناصر الشرطة من دون تحديد مصدر النيران بعد.

    لم يعد بمقدور سلطة الأسد أن تخرج من حقيقة أنها متماهية مع جوع السوريين وفقرهم، وأن استمرارَها بات يعني استمرار حال السوريين على حاله هذا

ليس من المفاجئ خروج الناس في السويداء تحت ضغط الفشل العام لنظام الأسد في تأمين أبسط حاجاتهم، المستغرب عدم خروج من لم يخرج. وليس من المفاجئ أن يعبّر المتظاهرون عن رفضهم بالتكسير والحرق، فمن تُنتهك كرامته يمكن أن يقدم على أعمال عنيفة، لا سيما بعد تكرار الاحتجاج مرّات من دون جدوى. ولكن من المفاجئ أن يقابل النظام المتظاهرين، هذه المرة، بالرصاص الحي، فقد كان التعامل مع احتجاجات السويداء أكثر مرونة… والواقع أن الأسد لم يعد يملك ما يقدّمه لمحكوميه سوى الرصاص.

لن نتوقف عند اعتبار المتظاهرين في السويداء “خارجين عن القانون” حسب بيان الداخلية، فعنف المليشيات وتجارة المخدّرات وعمليات الخطف والتهريب التي يرعاها النظام، هي القانون الذي تحترمه الداخلية. ولن نتوقف عند متكلمين يعيبون على المتظاهرين عنفهم وينسبونهم إلى العمالة إلى هذه الجهة وتلك، ذلك أن موقف هؤلاء المتكلمين من أي احتجاج ضد النظام، سيكون دائماً كموقف بخيل الجاحظ الذي قال لصاحبه “لو خرجت من جلدك لن أعرفك”.

سوف نتوقف عند قول روتيني يتكرّر، إن ثمّة تطوّراً في الاحتجاجات، ذلك أنها هتفت، هذه المرّة، بإسقاط النظام. ولم يعد في سورية فارق مهم بين المطالبة بالخبز والمطالبة بسقوط النظام، فالأولى باتت تعني الثانية بتطابق شبه تام. حين تعجز سلطةٌ ما، عجزاً تاماً ودائماً، عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية، تنعدم المساحة التي تسمح بتتبع “تطوّر” الاحتجاجات من مطلبية إلى سياسية، لأن أي مطلبٍ معاشي بسيط سوف يعني تلقائياً المطالبة برحيل السلطة.

لم يعد نظام الأسد يعني شكلاً محدّداً من الحكم يحتج السوريون لتغييره إلى شكل آخر، هذا قول بعيد عن الدقة بعد الدولة السورية عن مفهومها العام. لم يعد بمقدور سلطة الأسد أن تخرج من حقيقة أنها متماهية مع جوع السوريين وفقرهم، وأن استمرارَها بات يعني استمرار حال السوريين على حاله هذا، وأن من الوهم التفكير بالفصل بين استمرار سلطة الأسد واستمرار الانهيار العام. تماهي سلطة الأسد مع التدهور العام لمعيشة السوريين ولبلدهم يكافئ التماهي الذي أنجزته هذه السلطة خلال العقود الخمسة المنصرمة، بينها وبين الدولة السورية. وكما جعلت هذه السلطة من المستحيل “إسقاطها” من دون تدمير الدولة السورية، كذلك جعلت من المستحيل استعادة كرامة السوريين من دون تدمير هذه السلطة.

لم يعد نظام الأسد شكلاً من الحكم، لم يعد نظاماً سياسياً للإدراك العقلي، فقد بات مجرّد كتلة متجانسة (صبّة وحدة) متماهية مع القمع والجوع والبرد والتشرد والفساد والموت…، كتلة مرفوضة بذاتها، وقد أقول مكروهة، فقد قلّص هذا التماهي أو ألغى المسافة بين المشاعر والعقل، على الأقل منذ أطلق نظام الجوع حملة “منحبك” التي تعلن قتل السياسة لصالح المشاعر، وتفتح الباب أمام دعوات التجانس الفاشية، الباب الذي يوصل إلى كل الشرور التي عاشها السوريون من الرصاص إلى الكيميائي إلى الجوع والبرد والفاقة.

تدرك الطغمة الأسدية جيداً أنها تجاوزت في عدائها الشعب السوري كل حدّ، وأنها باتت منبوذة ليس فقط من الخارج الذي يجد حرجاً في الانفتاح على نظامٍ كهذا، بل ومن الداخل، سواء منه من خرج مع الثورة أو من لم يخرج، وتدرك أنها عاجزة بتكوينها الفاسد ومحدودية مواردها عن تأمين أولويات حياة محكوميها، والنتيجة أنها باتت تدرك أن المطالبة بالرغيف باتت تعادل المطالبة بإسقاط السلطة، حرفاً بحرف.

العربي الجديد

——————————–

السويداء والأسد: تعاقد من طرف واحد!/ عمر قدور

قتيلان وما يقارب العشرين مصاباً هي حصيلة العنف الذي جوبهت به انتفاضة يوم الأحد الصغيرة، المعبِّرة عن غضب أهالي السويداء. عدد المتظاهرين لم يكن مهماً، فمن المفهوم أن احتجاجهم يمثّل شرائح واسعة في السويداء وغيرها أيضاً. هذا فحوى ما تنقله صفحة “السويداء24” عن مصدر مقرَّب من شيخ العقل حكمت الهجري، المصدر يصف ما حصل بالحراك السلمي العفوي “من شعب صامد هدّه الجوع والحاجة، وآلمته المزاودات وآذته القسوة وعدم الاستجابة لمطالبه المحقة من كل ما يعانيه من كل الجهات، وعلى كل الجبهات”.

كمثال على واقع الحال، باتت مخصصات محافظة السويداء: صهريج بنزين واحد يومياً، وخمسة صهاريج مازوت ليس بينها أي صهريج للتدفئة، الكهرباء تصل لساعتين يومياً في أحسن الأحوال، ويمكن التكهن بمستوى البؤس قياساً على وضع الطاقة. وصفُ ما حدث بانتفاضة الجوع لا يبتعد عن الواقع، ولا ينتقص من كرامات المحتجين. الأرقام السابقة، بدلالاتها الفظيعة، تعكس حال المحافظات الأخرى، ليكون السؤال ليس عمّا دفع أهالي السويداء إلى الاحتجاج، بل عمّا يمنع الأهالي في مناطق أخرى من الصراخ جراء جوعهم وجوع أبنائهم؟

شهدت مظاهرة الأحد هتافات تذكّر بثورة 2011، لكن من الحصافة عدم التسرّع بالقول أن المظاهرة استئناف لما مضى، ومن المرجح أن بعض المتظاهرين استخدم للتعبير عن غضبه تلك الشعارات بحكم كونها جاهزة ومألوفة، لا بوهم استعادة الثورة. تمزيق صورة بشار الأسد والدعس عليها شأن مختلف، فهو تعبير حقيقي عن الغضب منه ومما بات يمثّله كمتسبب لمعاناتهم، أو لكونه المتسبب الرئيس بما أن بعض المحتجين لا يستثني من الملامة آخرين في طليعتهم الذين قاموا في ما مضى بالثورة.

قيل الكثير في خصوصية وضع السويداء، الناجمة عن خصوصيتها المذهبية، ما يمنحها من وجهة النظر هذه هامشاً أوسع للتحرك بين موالين طوعيين للأسد وموالين بحكم الرعب من بطشه. بموجب هذا التقسيم، لا يستطيع الأسد البطش بأهالي السويداء، أقلّه لأنه لا يستطيع تسويق العنف تجاههم كحرب على الإرهاب “الإسلامي السنّي” كما فعل عندما انطلقت المظاهرات السلمية في عام 2011. عطفاً على ذلك، لطالما تمنى كثر في مقلب الثورة أن تغادر السويداء موقعها الملتبس، بأن تثور على الأسد فتدحض سرديته الخاصة بالحرب على الإرهاب.

لم تحدث في ما مضى ثورة السويداء العارمة المشتهاة، ولا وجود اليوم لثورة تلتحق بها. لا أفق لثورة وطنية عامة جديدة، تنطلق شرارتها من السويداء وتستنهض باقي السوريين، فاستنفار الموالين التقليديين بدأ فوراً بشعارات موجهة لبشار من قبيل: “معك ع المرّة قبل الحلوة”. وسيكون مفيداً جداً الانتباه إلى معنى الولاء في هذا الشعار؛ هو ولاء خارج أي تعريف لمفاهيم السياسة الحديثة؛ هو ولاء مطلق، عاطفي، عصبوي. وهو، فوق ذلك، بلا حدود أو أي اشتراط على المعنيّ، هو ليس الولاء مقابل التحلي بالمسؤولية، بل الولاء الذي لا ينتقص منه تحلل المسؤول من أدنى واجباته.

حسب الدارج، يتيح موقع السويداء لناسها أن يكونوا في موقع تعاقدي مع الأسد، فلا هم في موقع الثورة، ولا هم في موقع الولاء الدائم. هم بذلك، حسب الدارج مرة أخرى، ليسوا في موقع الموالاة “على المرّة قبل الحلوة”، أو في موقع إظهار الولاء تقية وخوفاً من البطش. ولاؤهم مشروط بالتزامات يؤديها الأسد، وإلا يكون هو قد أخلّ بمسؤولياته ضمن التعاقد غير المكتوب، واستحق الثورة عليه بسبب ذلك، لا التحاقاً بثورة أخرى فائتة.

وما يشترطه أهالي السويداء، في التعاقد المفترض، لا يجب اعتباره استثناءً إلا من الاستثناء الأسدي. ما يطلبه الأهالي على كل حال ليس تعجيزياً بطبيعته، أو من خارج ما يُسأل عنه الحكّام في كافة أصقاع العالم، إنهم يريدون الحد الأدنى من “الدولة”، وهذا ما يبخل به الأسد بحسب الظن الشائع. تحت عنوان “نطلب الخبز فيعطوننا الرصاص” تشرح صفحة السويداء24 الواقع بالقول: “اليوم، بعدما سقطت كل مقومات الدولة السورية، لم يبقَ للسلطة سوى أجهزتها الأمنية. وهنا لا بد من التوضيح أن لا شرعية لسلطة تعجز عن إبقاء أية مؤسسة منتجة تعمل. سلطة حطمت كل مقومات الدولة، لكنها ما زالت تطالب بالمزيد، المزيد من جوع الناس وذلّهم”. 

بعد إيراد المزيد من مظاهر فقدان السلطة شرعيتها، لعدم قيامها بمهام الدولة، تختم الصفحة المذكورة بالقول: “نحن بحاجة للدولة السورية، لا لسلطة المخدرات والأمن-المخابرات”. واستشهادنا بهذه الصفحة مردّه عدد متابعيها والمتفاعلين معها خلال أحداث يوم الأحد، بفضل مواكبتها ما جرى، ومردّه أيضاً ما نراه نقلها التعبير الأفضل عن حالة السويداء اليوم، وما تطالب به النسبة الأكبر من المحتجين، والذي لا يقطع الطريق على العودة إلى التعاقد مع الأسد، إذا قام بما هو مطلوب منه بوصفه “الدولة السورية”.

نظرياً، على الأقل، تبني هذه المطالبات على فكرة شائعة عن سلطة فاق فسادها الحد المقبول، ويمكن التعايش معها إذا تحلّت بحدّ أدنى من العقل الذي يقتضيه التعاقد مع الدولة. الكثير من اللوم الموجَّه للأسد، من خصومه ومن حريصين عليه، فيه المطالبة ذاتها لأنه يرفض تحمّل نصيبه في تعاقد لا يكلّفه الكثير. وما نراه أن في هذا كثير من التغافل عن أنه لا يستطيع أن يكون سوى ما هو عليه حقاً، ويجعل أي تعاقد معه من طرف واحد بما أن بنية سلطته لا تقبل الالتزام إزاء محكوميها؛ هنا ما يشبه العقيدة الراسخة المحمولة على جشع احتكاري لا يشبع.

سيصطدم أهالي السويداء، الآن ولاحقاً، بأن السلطة تقبل فقط نوعين من العلاقة من محكوميها، فهي تريد ولاءهم الطوعي، وتقبل أو تتلذذ بصمت المرغمين المقهورين الذين يرمزون إلى انتصارها. لقد تغيرت الأحوال حتى عن عام2011، عندما هرع بشار إلى السويداء ليكسبها إلى جانبه بمنطق الرشوة لا منطق الدولة. ومع شبه انعدامٍ لاحتمالات توسع الاحتجاجات، إن أفضل عنوان تقصده هو الخارج الذي يراهن على إعادة تدوير الأسد، إذا لم يكن ما يعنيه بالضبط هي إعادة تدوير “سلطة المخدرات والمخابرات”.

المدن

———————————-

هل يهيئ نظام الأسد جمهوره لبيع جديد؟/ عبدالناصر العايد

نشر ممثل سوري معروف، مقطع فيديو، ناشد فيه رأس النظام إيجاد حلّ للأزمات المعيشية الخانقة التي يعانيها السكان الواقعون تحت سيطرته. وقال الفنان مستعيناً بمهاراته التمثيلية وإضاءة خافتة أضفت على المشهد ملامح تراجيدية: “صار الوضع لا يطاق، لا يحتمل، فوق طاقة البشر، بترجاك سيدي الرئيس، كون المنقذ، كل الحلول عندك”.

لم يحدد الممثل الحلول التي يتوسل رأس النظام أن يعتمدها، كما لم تتضح دوافعه الفعلية لإطلاق تلك الرسالة العلنية في الانترنت. فالبعض لفت النظر إلى أن هذا الفنان لم يصدّر أي موقف منذ بداية الثورة السورية، لا مع النظام ولا مع المعارضة، وأن خروجه بهذا الفيديو في هذا الوقت، دليل نفاد صبر صادق ونابع من إحساس انساني قبل كل شيء، فيما شكك آخرون في الرسالة واعتبروها موجهة مخابراتياً، كون الرجل ممثلاً أولاً، وعلى اعتبار أنه عاش كل العقد الماضي معززاً مكرماً في حضن النظام من دون أن يحتاج حتى للتشبيح له، ولهذا دلالته وفق المعلقين.

والحال أن هذه الرسالة لن يختلف مغزاها العميق، سواء كان موحى بها من طرف النظام، أو أنها بدافع البؤس والحرمان الذي فرضه ذلك النظام أيضاً بطريقة مقصودة لدفع المجتمع وممثليه للخروج بهذه التضرعات التي تبيح له اتخاذ أي خطوات، من دون أي لوم أو عتاب، بل ومع وصفه بالمنقذ والمخلّص، والغاية كما يبدو وكما أشرنا في مقال سابق، هي تهيئة المسرح لصفقة تلوح في الأفق، تضمن بقاء النظام سياسياً، وتغير جزئياً من الواقعَين الاقتصادي والخدمي، مع التأكيد على عدم تخطي التغيير هذه الحدود، إلى ميدان السياسة والسلطة والذي يجب أن يبقى منطقة محرمة وحكراً على المُخلّص.

من هذا المنظور أيضاً، يمكن معاينة احتجاجات السويداء وما أثارته من ردود أفعال. فسكان المحافظة دُفعوا دفعاً، عبر الإهمال المقصود والتحامل عليهم بالحرمان، حتى حصل الانفجار، لكن رد الفعل الأبرز لم يأت من النظام، بل من منطقة الساحل السوري حيث تتمركز قاعدته الطائفية. فالشجب والاستنكار العنيف “لتطاول” أهالي السويداء على رمزية رأس النظام وأبيه، من خلال تمزيق صورهما وإهانتهما أمام عدسات المصورين، بدت مأمورة، لشد عصب الطائفة العلوية التي تتمتع ببحبوحة نسبية مقارنة ببقية سكان البلاد. لكن هذه الطائفة يجب أن تشعر دائماً بأنها “مستهدفة” وأن تُبقي يدها على الزناد، لأن الأعداء يتربصون بها من كل جانب، من الأقليات كما الأكثرية، وما كراهية آل الأسد سوى رمز لكراهية الطائفة ككل، وليس من حق أبنائها الاحتجاج سوى بالحدود التي لا تمسّ عائلتهم الحاكمة. وقد كان لافتاً إطلاق حملة “معك ع المرة قبل الحلوة” في منطقة الساحل، وتصدي أشخاص هناك زعموا طويلاً معارضة النظام في وسائل التواصل الاجتماعي، ليهاجموا أهالي السويداء بعنف، وبخطاب طائفي تحريضي غير مسبوق.

لا تقتصر عملية تهيئة المسرح، على النظام، بل تساهم فيها إيران وروسيا من خلال إحجامهما عن تقديم العون للسكان، فكلا الدولتين ليستا عاجزتين عن إمداد حليفهما بباخرة وقود أو أكثر، لحلّ جل معضلاته ومركزها المشتقات النفطية. بل أن حلفاء أقل أهمية، سواء في العراق أو في لبنان، بمستطاعهم معالجة تلك المشكلة فيما لو أرادت طهران وموسكو، خصوصاً أن المؤشرات تفيد بصفقة قريبة مع أنقرة، وليس من المنطقي أن تبتعد هاتين الدولتين عن شريكهما الأساسي في هذه المرحلة المفصلية بعد كل ما تكبدتاه من أجله. فيما لا تشكل الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، ولا الاحتجاجات الشعبية في إيران، عائقاً أمام تقديم المعونات القليلة، لا سيما  من البترول الذي يتمتع البلدان بفوائض هائلة منه.

بالنظر إلى ما وصلت إليه الأحوال داخل سوريا وتدهورها الكارثي يومياً، الذي وصل إلى حد إصدار مجلس الوزراء تعميماً بتعطيل الدوائر الرسمية بسبب نقص الوقود، أي الوصول إلى مرحلة شلل السلطة ذاتها، فإن الوقت المتبقي للإعلان عن الصفقة الجديدة قد لا يتجاوز الأسابيع المعدودة، وربما قبل ذلك. واعتماداً على سلوك النظام وبُنيته الذهنية فإنه سيعتمد في الإعلان عنها أسلوباً شبيهاً شكلاً بما اعتمده للإعلان عن التدخل الروسي، عندما خرج رأس النظام بخطاب قال فيه إن قواته عاجزة وغير كافية للاحتفاظ بالسيطرة على الأرض، وهو ما ترجم بعد أيام بمنح جزء من الأرض لروسيا للحفاظ على جزء آخر. فأي جزء من البلاد سيبيع هذه المرة؟ ولمَن؟ تبدو الإجابة واضحة لأي مراقب متوسط المعرفة: سيقتطع الأتراك جزءاً من شمال سوريا، وربما تكون هناك، بهذه المناسبة، عطايا إضافية لروسيا وإيران وإسرائيل، لموازنة الرجَحان التركي.

يذعن المستبد لأي خصم خارجي قوي، فقضيته ليس التنافس مع الأنداد من الدول، ولا لدواعي السيادة والكرامة الوطنية. هاجسه الوحيد هو استمرار هيمنته واستعباده لمن يقعون تحت سيطرته. وهؤلاء لا يجوز أن يمنحهم أي تنازل، على العكس من ذلك. يجب إذلالهم وامتهان إنسانيتهم حتى يجأروا من الألم، وتبرير وتمرير التنازلات للخصوم بإسم شكواهم وانكسارهم، مع التقريع الضمني لهم لتسببهم بالهزيمة.

المدن

———————————

هل تخشى إسرائيل احتجاجات السويداء؟

يخشى الاحتلال الإسرائيلي من الحراك الشعبي الدرزي الذي حصل مؤخراً في مدينة السويداء جنوب سوريا، ضد النظام السوري. ففيما تنتظر تل أبيب أن يؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إضعاف موسكو وبالتالي تغيير ميزان القوى في سوريا، لصالح الجيش الإسرائيلي، تخشى أن يلجأ الدروز إلى روسيا من أجل لعب دور الوساطة في نهاية المطاف.

ويتحول الوضع في محافظة السويداء التي “تمردت” على النظام السوري إلى عامل مقلق للدولة اليهودية بشكل تدريجي بالتزامن مع ترقب إسرائيلي وأمل في أن يؤدي الغزو الروسي ضد أوكرانيا لإضعاف دور موسكو في سوريا التي يستهدفها سلاح الجو الإسرائيلي بشكل مستمر.

ويأتي القلق الإسرائيلي على الرغم من المحادثات الثنائية بين تل أبيب وموسكو التي جرت مؤخراً من أجل تنسيق العمل في سوريا، من ان تنتهي تلك المواجهات في السويداء، بحسب صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، ب”لجوء الميليشيات الدرزية إلى موسكو للعب دور الوساطة”.

وتنقل الصحيفة عن الخبير في الشؤون الروسية كيريل سيميونوف قوله إنه يجب الانتباه إلى حقيقة أن “أعمال الشغب في السويداء هي ظاهرة تقليدية”، مضيفاً أنه على الرغم من حقيقة أن “معظم الطائفة الدرزية تدعم النظام السوري، إلا أن أفرادها يتمتعون باستقلال معين، ازداد على مدى عقد من الصراع المسلح الداخلي”.

ويطالب سيميونوف بضرورة النظر إلى ما يحصل في السويداء في سياق منفصل عن السياق العام للتسوية في سوريا. ويقول إن “الدروز لعبوا دوراً هاماً في الشأن السوري ويحاولون لعبه الآن”، مضيفاً أن الدروز يطالبون اليوم بحقوقهم.

ويعتبر أن الوضع في السويداء “مرتبط بإسرائيل والأردن ولبنان”، لافتاً إلى أنه خارج سوريا هناك مجتمع درزي يدعم بطريقة أو بأخرى تحركات الدروز السوريين ضد النظام السوري مما يخلق خلفية إضافية. ويضيف أنها “عقدة منفصلة من التناقضات، يتحرك منطقها بالتوازي مع تطور الصراع الأهلي في سوريا. مع ذلك، فلا شك في أن هذا سيؤثر في الوضع السياسي الداخلي”.

والأحد، خرج المئات من أبناء محافظة السويداء جنوب سوريا، بتظاهرة حاشدة امتدت من دوار المشنقة إلى ساحة السير المؤدية لمبنى السرايا الحكومي (مبنى المحافظة) بعد دعوات أطلقها ناشطون معارضون للنظام السوري، مرددين شعارات تطالب بإسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.

لكن محاولات النظام عبر عناصره الأمنية تفريق المتظاهرين وذلك باقتحام صفوف المتظاهرين بسيارة مصفحة وأخرى مزودة برشاش متوسط، فضلاً عن إطلاق النار الذي قامت به تلك العناصر على المتظاهرين، أدت إلى تأجيج غضبهم فقاموا بإحراق المبنى بشكل كامل بعد اقتحامه، قبل أن يؤدي رصاص القوات الأمنية إلى مقتل متظاهر وإصابة آخرين.

وتحدثت شبكات إعلامية معارضة عن تهديد وصل إلى بعض الشخصيات المعنية في المحافظة بما في ذلك الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، من قبل جهاز المخابرات الجوية في النظام بإحراق وقتل أبناء السويداء على خلفية اقتحام مبنى المحافظة.

————————-

يمين ويسار سوري حول انتفاضة السويداء/ عبدالناصر العايد

تصاعد النقاش السوري على خلفية ما بات يعرف بانتفاضة السويداء في الرابع من الشهر الجاري، وتطرق لمواضيع مستجدة نوعاً ما في الفضاء السوري، ووضع تحت الضوء قضايا غابت خلال العقد الماضي. والأهم هو أن النقاش والاصطفاف في ما يخص هذه القضايا، امتد إلى مختلف تدرجات الطيف السوري، بين مع وضد. وبإمكان المتابع أن يرصد في ضجيج وسائل التواصل، وضباب مقالات سريعة دُبجت بهذه المناسبة، ملامح الانقسام الشهير عالمياً بين يسار ويمين، بنسخة سورية، أو بدقة أكبر: مسودة النسخة السورية من هذا الانقسام.

كما هو معروف، بدأ العمل بتصنيف يمين يسار، تاريخياً، إبان الثورة الفرنسية. ففي مناقشات آب وأيلول 1789، جلس النواب المؤيدون للإبقاء على سلطات الملك على يمين رئيس المجلس، فيما جلس النواب المطالبون بتقييد هذه السلطات على يساره. وقد كانت انتفاضة السويداء بالعموم نوعاً من رفض سلطة بشار الأسد بالكامل، بينما كان موقف من ناهضوا هذا التحرك من مؤيدي بشار الأسد بالمعنى القرابي والطائفي، أو الذين يتماهون مع نهجه اليميني ويجدون أنفسهم فيه.

يستغرب البعض بطبيعة الحال أن نصف نظام بشار الأسد باليميني، لكن هذا هو الوصف الدقيق له علمياً، بغض النظر عن ادعاءاته التقدمية التي يروج لها ليل نهار، فهو نظام قائم على الوراثة، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن اليمين. ثم أنه نظام يحمل مزاعم قومية، مع ما يترتب عليها من منظومة ذهنية تركز على الهويات الإثنية والثقافية كطريقة في تصنيف البشر، وإضفاء صفات سلبية تشمل كامل تلك المجموعات من دون تمييز، ما ينعكس داخلياً في عقل النظام على شكل نزوع دائم لتصنيف السوريين إلى جماعات اثنية، بمن فيهم العرب الذين يدعي الانتماء إليهم، مثل ما أُسبغ على أهالي السويداء وبشكل جماعي من قبل القاعدة الطائفية للنظام، من كونهم عملاء لإسرائيل مثلاً، أي خونة للوطنية، أو وصم جماعة أخرى بالوهابية لإضفاء سمة الإرهاب عليهم. بل ينزع محازبو النظام أحياناً إلى إيجاد قومية متخيلة تجمعهم وتنأى بهم عن السوريين الآخرين، كأن يكونوا سلاسة علي بن ابي طالب، أو أن يكونوا فينيقيين من سكان الساحل، أو غير ذلك من ضروب التفكير التي توافق العقل اليميني. لكن أوضح سمات اليمينية في نظام الأسد تكمن في طائفيته، أي الدينية، التي يتأسس عليها كل يمين معروف تقريباً، ويحيل إلى حق فوق طبيعي في السلطة أو الحكم، وإلى احتقار البشر وعدم الاعتراف بأهليتهم، أو بقيمتهم الإنسانية.

لكن توصيف نظام الأسد بأنه يميني لا يعني تلقائياً أن من ناهضوه وحاربوه هم بالضرورة من اليسار. ثمّة جماعات بين مناهضي نظام الأسد، أشد يمينية منه، ولديهم النظام الذهني ذاته، لكن بمضمون مختلف، أي بجذور طائفية أو إثنية، سواء تعلق الأمر بجماعات سنيّة أو كرديّة أو حتى درزيّة ممن شاركت في انتفاضة السويداء ورفعت علم “الحدود الخمسة” مثلاً، معلنة أن دافعها الأساسي هو الحفاظ على الوجود والثقافة، أي الدين، الخاص بالجماعة، كما تعلن جماعات سنيّة بشكل صريح أن هدفها هو استعادة حكم البلاد وإقامة الشريعة، وتعلن مجموعات كرديّة أن هدفها هو الحصول على الاعتراف بالهوية القومية وحقوقها.

ووفق علماء الاجتماع السياسي، فإن الانقسام بين يمين ويسار يتمحور حول فكرة الثقافة الخاصة، أي الأعراف الإثنية أو الدينية التي يتمسك بها اليمينيون، ويكافحون للمحافظة عليها، فيما يكافح اليساريون من أجل فكرة التقدم. وينشأ عن التصنيف الثقافي السابق، نوع من التسلسل الهرمي في ذهن اليمينيين، يصنف البشر إلى جماعات متفوقة على غيرها، وبالتالي هناك من يستحق وهناك من لا يستحق، من دون النظر إلى الوقائع والمؤهلات، أي استحقاق بالولادة، تستتبعه بالضرورة واجبات بحكم الولادة تترتب على الفرد، بينما يعتنق اليسار فكرة المساواة والعدالة الاجتماعية.

للوهلة الأولى قد يجد القارئ أن محاولتنا إسباغ هذا النموذج المفاهيمي على الحالة السورية غير مُجدٍ، وهذا وجيه نوعاً ما، لأن الموقع المعتاد لرؤية هذا الانقسام هو البرلمانات، وهو ما تفتقد إليه حالة سوريا. لكن، من ناحية أخرى، لا يمكن أن ننكر اليوم أن أفراداً وجماعات ومنظمات تقف بقوة على ضفة اليمين، مثل الجماعات الدينية من مختلف الطوائف، والتنظيمات ذات الطابع القبلي العشائري العربي، ومجموعات كرديّة وسريانية وآشورية، وهذه جميعاً ستجد نفسها ذات يوم وقد اصطفت جنباً إلى جنب مع منظومة نظام الأسد الحالية، أو ما سيتبقى منها، عندما يتم الانتقال إلى العمل السياسي الذي لا بد من العودة إليه. لكن يبقى التشكيك محل المصداقية هو في افتراضنا وجود يسار سوري بالمعنى الآنف ذكره، فهو غير مرئي في الواقع، وإن كان محسوساً فإن وجوده غير ملموس، أي أنه ليس منظماً في أطر أو جماعات أو هياكل، وهذا الواقع بيّن لكل من يستعرض الجدل والنقاش الدائر. فالأصوات “اليسارية”، أي تلك التي تتعاطى مع انتفاضة السويداء كمطلب عدالة اجتماعية، وتتعامل مع أصحابها على قدم المساواة مع أي سوري آخر من دون التطرق لخلفية المحتجين الدينية، هي أصوات متباعدة وخجولة، وسرعان ما تنكفئ عند أول هجوم مضاد عليها.

سيمرّ الزمن، ويهدأ الصراع، وتتراجع قيمة السلاح والروابط القرابية والطائفية كمحددات للقوة، وسيُحال التعارض في وجهات النظر، الجاري اليوم في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى صناديق الانتخابات. وسيكون اليسار السياسي حينها أكثر وضوحاً، له أسماء وعناوين معروفة، لكن قوته ستبقى محل شك، فهذا يعتمد على قدرة اليساريين، ومنذ الآن، على تأطير أنفسهم في برامج سياسية، وأن يعوا مركزيتهم في الحياة السياسية الآتية بلا ريب، وأن يكونوا أكثر جرأة وثقة في النفس. إذ أنهم القطب الآخر من صراع بين رؤيتين كونيتين متعارضتين، والحياة السياسية المعاصرة هي في الواقع ما يجري بين هاتين الرؤيتين من تناوب، على أساس القوة والضعف.

المدن

——————————

انتفاضة السويداء – امتداد لثورة كرامة ووطن/ حسن النيفي

لقد واجهت الثورة السورية منذ انطلاقتها، بل وفي الشهور الأولى لطورها السلمي على وجه التحديد، محاولاتٍ عديدةً لتأطير الحراك الثوري المدني بشعارات عابرة للحدث السوري لم تكن منبثقة من السياقات الشعبية للاحتجاجات آنذاك، وعلى الرغم من عفوية التظاهرات وافتقادها للأطر السياسية التي توجهها أو تقودها سياسياً وتنظيمياً، إلّا أن الوعي الثوري العام، وعلى الرغم من عفويته، كان متقدّماً على تلك الشعارات وفاضحاً لها بآن معاً، إذ بدا حرص المتظاهرين كبيراً آنذاك على محاصرة وإزاحة أي شعار ينحدر من دعوات مؤدلجة فكرياً أو عرقياً أو دينياً، ولعل هذا الحرص نابع في الأصل من رفض شعبي عام لانزياح انتفاضة السوريين من مسارها الحقوقي الذي يجسد المطالب الشعبية بمضامينها الحياتية والقيمية معاً، إلى مسارات أخرى لن تودي سوى إلى الالتفاف على الثورة واختراقها بغية استبدال فحواها الإنساني بمحتوى إيديولوجي مفارق للوطنية السورية.

إلّا أن حصانة الفحوى القيمي للثورة سرعان ما تصدّعت وباتت عرضة للاختراقات الإيديولوجية حين عبر الحراك الثوري من طوره السلمي إلى طور التسليح والمقاومة العسكرية، وحينها لم تعد الشعارات الوافدة على الحدث السوري محصورة في حيّز الترويج والتجييش، بل باتت أكثر قدرة على التجلي الميداني متمثِّلةً بكل أشكال التطرّف الديني والقومي والطائفي، ولعل ذلك النكوص بات تجسيداً حقيقياً لاختفاء تدريجي لمعالم نصاعة القضية السورية وحلول خطاب وافد لا يحمل في تضاعيفه ما يعتمل في نفوس الناس وأذهانهم أو ما يؤرق ذواتهم.

ولعل ما واجهته ثورة السوريين في بدء انطلاقتها، يواجهه اليوم الحراك الشعبي في مدينة السويداء الذي لم ينقطع منذ العام 2013 وحتى الآن، وإنِ اتخذ هذا الحراك أشكالاً مختلفة ومسارات قد لا تكون بالضرورة مطابقة لأشكال الحراك في المحافظات السورية الأخرى، إلّا أنه في النتيجة حراك وطني سوري ذو دوافع وأهداف لا تحيد عن أهداف ودوافع جميع السوريين الذين انتفضوا ضدّ نظام الإبادة الأسدي.

لم تتردد مدينة السويداء منذ انطلاقة ثورة السوريين في آذار 2011 عن التماهي مع كل المدن السورية من حيث المشاركة بالتظاهر وبكل أشكال الحراك السلمي، وحين جنحت الثورة إلى طور التسليح نأت بنفسها عن الدخول في صراع دموي، مع ثبات موقفها المؤيد للثورة والمناهض للسلطة، وقد عززت موقفها الثوري بعدة مواقف هي غاية في الحكمة والوطنية، فهي المحافظة الوحيدة التي لم تسمح للنظام بتجنيد أبنائها في صفوف جيشه للمشاركة بقتل إخوتهم السوريين من المحافظات الأخرى، وهي من المحافظات القلائل التي حصّنت أسوارها ولم تسمح للميليشيات الطائفية ولواحق إيران بالتغلغل في صفوف أبناء المدينة بغية الاختراق من الداخل، كما صمدت مدينة السويداء في مواجهة جميع أشكال الابتزاز التي مارسها نظام الأسد على أهاليها، وليس آخر تلك الابتزازات التي تمثلت بنقل المئات من تنظيم داعش الإرهابي عام 2019 من حي الحجر الأسود، ورميهم على أبواب مدينة السويداء لتهديد الأهالي ووضعهم أمام خيارين: إما أن ترسلوا أبناءكم لقتل السوريين وتذعنوا لأوامر نظام الأسد، وإما سأترك الدواعش المسعورة كي تنهشكم، وكان حينذاك موقف مدينة السويداء واضحاً لا غبار عليه ولم تثنهم تهديدات الأسد وابتزازاته عن موقفهم الوطني الخالص.

ما تواجهه انتفاضة أهلنا في السويداء اليوم من حملات التشويه المغرضة هو ذاته ما واجهته الثورة السورية في بداية انطلاقتها، بل يمكن القول إن ما يأخذه المرجفون على غضبة ثوار الكرامة هو ما يمكن أن يفخر به كل سوري ويسعى إلى تعزيزه، فلئن انتفض المواطنون احتجاجاً على سوء الخدمات والبؤس المعيشي وعدم قدرة النظام الأسدي على تقديم الحد الأدنى من وسائل العيش الكريم للمواطنين، فمن باب أولى أن يحتج المواطنون ويغضبوا ويعبروا عن احتجاجهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وهذا حقهم المشروع كما هو حق كل سوري يشعر بالظلم، بل إن كان ثمة مأخذ على ذلك فهو بالتأكيد يقع على من لا يحتج ويغضب، يقع على الخانعين الساكتين وليس على الثائرين الذين تدافعوا إلى الشوارع ومسحوا أحذيتهم بصور وأصنام الطاغية، وثمة ما هو أهم من ذلك، وهو أن الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات الأخيرة في مدينة السويداء إنما هي موجودة في جميع المحافظات السورية الأخرى، فليس أهالي السويداء وحدهم من يعاني ندرة الخدمات وشح الوقود والماء والكهرباء والغاز والخبز ومواد الغذاء الأخرى إلخ، بل جميع السوريين جائعون ويعانون البؤس ذاته، باستثناء شرائح محدودة جداً، يضاف إليها حاشية النظام، ولئن انتفضت السويداء نتيجة لهذه الظروف المأسوية فإن انتفاضتها تعبر عن همّ سوري عام، كان من الأولى أن تؤازرها محافظات ومدن أخرى، لا أن تتركها وحيدة في مجابهة آلة القمع الأسدية.

هل كان مطلوباً من المنتفضين في السويداء أن يرفعوا شعارات إيديولوجية حتى يرضى عنهم المُرجفون والمُشككون؟ وهل يستوي أن يسكت المرء عن سرقة حقوقه وأسباب عيشه ويرضى بالإهانة والتسلّط والابتزاز الأمني، ثم يعلن المطالبة بالحرية والديمقراطية؟ وهل ثمة قيمة حقيقية للحرية والديمقراطية إذا جُرّد الإنسان من أبسط وسائل العيش وأسباب الكرامة؟

لماذا انتفض السوريون في آذار 2011، ثم لماذا كانت ثورات الربيع العربي برمتها؟ هل ثارت شعوب تلك البلدان لتحرير روما أو استعادة الأندلس مثلاً، أم لتحقيق الاشتراكية أو الوحدة العربية أو دحر الكفر وإقامة شرع الله في الأرض؟ أم انتفضت في وجه حكامها احتجاجاً على الفساد بكل أشكاله، مطالبة بإعادة الاعتبار للإنسان من خلال توفير مقومات عيشه الكريم واحترام الحريات بكل أشكالها ومضامينها بما في ذلك حرية المواطن وحقه في أن يعيش في ظل دولة تحترم مواطنيها ولا تتغوّل عليهم أو تفترسهم؟

لقد بدأت ثورة السوريين مطالبةً بحقوق المواطنين المغتصبة، سواء أكانت تلك الحقوق معيشية مادية أو قيمية إنسانية، فمنظومة الحقوق الإنسانية واحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها، ومن تجاهل هذا الطابع الحقوقي لثورة السوريين في بدايتها وحاول أن يحشر نزوعاته الإيديولوجية بدلاً من حقوق الناس، هو ذاته اليوم من يسعى إلى تشويه انتفاضة السويداء، وهو في الحالتين مناهض للبعد الإنساني لأية ثورة.

تلفزيون سوريا

—————————-

صرخة السويداء في طريق الخلاص السوري/ زكريا ملاحفجي

إن الظروف التي يعيشها الشعب السوري، تؤذن بانفجارات هنا وهناك، قد لا تطيح بالنظام المجرم لكنها تزعزعه، وتزيد قلقه، وترسل رسالة للعالم أن الشعب السوري بكل مكوناته، بمن فيهم من يدعي النظام زوراً وكذباً حمايتهم، أي حماية الأقليات، فهو يخوفهم ليحشدهم في معركته، أو يقتلهم ويفتح عليهم النار في السويداء، لمجرد الاحتجاج السلمي على الوضع الذي يعيشه الناس.!

وبالوقت نفسه يتعاطف معهم الشعب السوري المناهض للنظام بكامله سواء النازح أو اللاجئ بكل مكان، وهذه إسقاط لكذبته المروجة منذ سنين، فالشعب السوري واحد ويحمي بعضه بكل مكوناته العرقية والدينية، والنظام وحده المجرم بحق الشعب بكل مكوناته، فالشعب رافض النظام لكنه خائف من القتل والبطش، لكن لتحمله حد وبلحظة تاريخية ينفجر، ولن تستقر سوريا إلا بتغيير حقيقي، فمحاولات تعويم النظام لن تخلق استقراراً في سوريا، وستبقى الانفجارات المجتمعية وأزمة اللاجئين، والعقوبات الدولية ومآسٍ كثيرة لن تتغير إلا بتغيير حقيقي للنظام وأعوانه وهم بمأزق وقد يتسع المأزق أكثر وتكون فرصة تاريخية لتخليص سوريا التي تحولت من دولة استبدادية إلى دولة فاشلة باتت تشكل خطراً على الأمن القومي للمنطقة، وليس على الشعب وحده، واستقرار المنطقة وأمنها يمر عبر إزالة زمرة النظام.

فالخلاص اليوم ليس خلاص السوريين وحدهم، بل أمن المنطقة ككل بات مرتبطاً بالخلاص السوري.

لكنني أعتقد أن الخلاص السوري يحتاج إلى التخلص من طرق التفكير والعقلية والطريقة التي نفكر فيها ونعمل من خلالها اليوم، فهذا الطريق وهذه الطريقة من العمل لا تحقق لنا الخلاص الذي ينشده الشعب السوري، مالم نفتح طُرقاً أخرى للعمل وأساليب أخرى للسعي.

وهناك عامل لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال اسمه الشعب السوري والذي بات بكل تلاوينه ومناطق النفوذ السياسي فيه سواء الثلاثة أو الخمسة مع الأسف، ينشد خلاصاً من الواقع الذي يحياه، وهذا الشعب الذي صبر طويلاً على ويلات الحرب لن يصبر إلى مالانهاية تحت ضغط هذا الواقع المر، والذي بات يرى خلاصه من هذا الواقع هو الخلاص من قوى أمر الواقع التي فُرضت بشكل أو بآخر، ابتداء من السوريين تحت النظام المتوحش الذين يرقبون خلاصاً حذراً في حياة لم تعد تحتمل تضغط عليهم بأشكال مختلفة، إلى السوريين تحت قوى صنعت صناعة اسمها قسد، إلى السوريين المشردين في قرى من القماش منذ سنين يرقبون خلاصاً.

إنّ قوى الجماهير قلّما تشعر بقوتها الكامنة الخطرة وهذه القوة التي قد تتفجر بلحظة وأخرى، وقد حصل الانفجار الكبير في 2011 وقد تنفجر بأي لحظة على هذا الاستعصاء الذي فُرض وحُشر فيه الشعب السوري والسويداء مثال حي.

لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الخلف في سوريا، وإن هناك أكثرية شعبية ساحقة تريد التغيير والانتهاء، بغض النظر عما يريده الآخرون.

لو كان لدى السوريين أمل آخر يتعلّقون به، غير الخلاص من النظام وهذا الواقع المفروض، لما كانوا استمروا إلى اليوم مع كلّ ما حصل من آلام ونكبات، إلى اليوم هناك الإصرار على الحياة والعلم والعمل.

فما نشهده كلّ يوم يقدّم دليلا على استعداد الشعب للتضحية بكلّ ما عنده، بل بأغلى ما عنده ولم يعد لديه شيء يخشى ضياعه وفقدانه..

إنّ يوم الخلاص الذي ينشده الشعب السوري، سيكون يوماً ما، فالتغيير حتمية تاريخية، لكن حجم ضريبته وطول زمنه، مرتبط بحسن العمل وصوابيته، للخلاص والوصول.

تلفزيون سوريا

—————————

======================

تحديث 14 كانون الأول 2022

—————————-

نظام الأسد يهدد باجتياح مدينة السويداء، ودعوة إلى تجديد الاحتجاجات/ كارمن كريم

ما حدث في السويداء يسمى احتجاجاً وتظاهرة ولو أنها امتدت لساعات فقط، لكنه أتى من القمع والتعب وانعدام الخدمات، لذلك يبدو المشهد مرشحاً للعودة في أي لحظة. لا سيما أن خلق قضبان النظام ما زال كثيرون يقبعون ظلماً وقهراً.

بينما تتصاعد دعوات جديدة للاحتجاج في السويداء، يرسل نظام الأسد تهديدات باجتياح المدينة في حال لم تهدأ الأوضاع، إذ قال فهد البلعوس نجل الشيخ وحيد البلعوس لـ”عنب بلدي“، إن “مضافة الكرامة” التي تمثّل شريحة كبيرة من سكان المحافظة، تلقّت تهديداً من “المخابرات الجوية” باجتياح المدينة.

السوريون يعرفون عدوّهم

تظاهرات السويداء الأخيرة، وإن انتهت سريعاً، هي إشارة إلى احتقان شعبيّ، ورفض كثيرين، بينهم مؤيدون، نظام الأسد أو سياسته على الأقل. تكرار التظاهرات دليل على أحقيتها وعلى أحقية أسبابها، وعلى أن السوريين لم ينسوا عدوهم مع مرور السنين والأزمات، عودة الاحتجاجات في أحلك الأوقات تذكيرٌ بأن السوريين يعلمون تماماً من هو المسؤول عن إفقارهم، وأنه سيطلق النار في كل مرة على معارضيه وحتى على مؤيديه، إذا اشتكوا من الجوع.

عاماً بعد آخر يواصل الوضع السوري الانحدار، وكأن لا حد له، وهو أمر مرعب بحد ذاته، والسويداء هي واحدة من المدن الضعيفة، التي لا تمتلك العائلات فيها قوة اقتصادية جيدة، ما يفاقم معاناة سكانها. السوريون اليوم محاصرون في الشوارع حيث لا مركبات لتقلهم بسبب فقدان الوقود، الذي يتسبب أيضاً في انقطاع شبه كامل للاتصالات والانترنت. يذكر أن حكومة النظام أقرّت يوم عطلة ثالثاً في الأسبوع، ليس من أجل منح مواطنيها رفاهية إضافية، بل لمحاولة حل معضلة المواصلات وانقطاع الوقود، هل يمكن أن تتحول كل أيام الأسبوع إلى أيام عطلة في سوريا مع الوقت؟

في حراك السويداء الأخير، انتشر فيديو، يُظهر مجموعة من الأهالي، وهم يحتجون سلمياً أمام مبنى المحافظة في السويداء، إلى أن رفع عنصر من الأمن السوري سلاحه وهددهم حتى يتراجعوا. جنّ جنون المتظاهرين، وطلبوا منه إنزال سلاحه إلا أنه رفض، فازدادوا غضباً وصراخاً بالمطالبة بإنزال السلاح من وجوههم. بعذ ذلك اقتحم   المتظاهرون مبنى المحافظة وضرموا النار به وبسيارة مصفحة تابعة للنظام. 

يعكس هذا المقطع ما يحدث في الداخل السوري، فأسلوب النظام لم يتغير، إذ ما زال يرفع السلاح لإسكات الناس. لكن المقاومة التي أبداها المتظاهرون بدت وكأنهم يسترجعون 12 عاماً من القمع والقتل، ويقولون لن نسمح بأن تقتلونا كما حصل سابقاً.

“نزّل سلاح” عبارة ترددت خلال احتجاجات السويداء، لتكذيب لكلّ روايات نظام الأسد واتهامه المحتجين بالخارجين عن القانون وبأنهم يحملون أسلحة فردية. وسرعان ما خرجت وزارة دفاع النظام ببيان، تتهم فيه المحتجين بأنهم خارجون عن القانون ومخربون وتوعدت بملاحقتهم. وكان على المؤيدين والمطبلين لنظام الأسد إيجاد حجة مقنعة لإبطال شريعة ما فعله أهالي السويداء، وبخاصة أنه لا يمكن إنكار الوضع المعيشي التعيس والمطالب المحقّة للمتظاهرين، ولم يجدوا حجة لرفض التظاهرات أفضل من اتهام المحتجين بتخريب مؤسسات الدولة وتدمير الأوراق الرسمية التي تعود للناس، متهمين المتظاهرين بأنهم عبروا عن مطالب محقّة بطريقة غير محقّة وهمجية.

فقد السوري منذ زمن صلته بمؤسسات الدولة كأماكن تقدم له خدمات وما تمثله اليوم ليس أكثر من أماكن لابتزازه وتعطيل أعماله وإهانته، فمع انتشار الفساد باتت هذه الأماكن لا تلبي حاجاتك سوى بالرشوة، ولو لم تدفع مقابل الخدمات، ستترك معاملاتك على الرفوف لأشهر. ربما الكثير من الأوراق التي أحرقها المتظاهرون عمرها سنوات، وربما تعود لمواطنين تركوا البلاد وهاجروا! عن أي مؤسسات تخدم المواطن يتحدثون بالضبط؟ هم أنفسهم الذين ينتظر أبناؤهم خلف “كوات” التسجيل في الجامعات لساعات، ويطلب موظف منهم العودة في الغد لأنه بقي عشر دقائق على انتهاء الدوام الرسمي، ولا يرغب بوضع ختم لن يأخذ أكثر من بضع ثوان! إنهم يدافعون عن جلادهم دون أن يعرفوا أنهم ضحايا حتى!

ما حدث في السويداء يسمى احتجاجاً وتظاهرة ولو أنها امتدت لساعات فقط، لكنه أتى من القمع والتعب وانعدام الخدمات، لذلك يبدو المشهد مرشحاً للعودة في أي لحظة. لا سيما أن خلق قضبان النظام ما زال كثيرون يقبعون ظلماً وقهراً… 

يريد النظام أن يروّج فكرة أن الاحتجاجات ماتت وأن المدن ما عادت تملك القدرة على الصراخ، وهو أمر بعيد من الواقع، فأي مدينة سورية هي مكان قابل للانفجار في أي لحظة…

ديكتاتورية النظام السوري تتخطى أيّ ديكتاتورية أخرى

تجددت الدعوات إلى الاحتجاج، في حين نظم بعض الأهالي وقفة احتجاجية ودعوا السوريين في كل المدن السورية إلى إضراب عام، وحاول أعضاء من مجلس المحافظة التحدث مع المحتجين للتهدئة. 

تعكس هذه الدعوات الوضع المزري الذي يعيشه السوريون، وقد لا يتمكن المحتجون في القرى البعيدة من الذهاب إلى السويداء المدينة بسبب عدم توفر مواصلات ووقود، فيبدو السوريون محاصرين في الشوارع حيث لا مركبات تقلهم، ما يتسبب أيضاً في انقطاع شبه كامل للاتصالات والانترنت. يذكر أن حكومة النظام أقرّت يوم عطلة ثالث في الأسبوع، ليس بهدف تأمين رفاهية مضاعفة للمواطنين بل لمحاولة حل معضلة المواصلات وانقطاع الوقود، فهل يمكن ان تتحول كل أيام الأسبوع إلى أيام عطلة في سوريا مع الوقت؟

وكعادة النظام السوري سرعان ما خرجت وزارة دفاع النظام ببيان، تتهم فيه المحتجين بأنهم خارجون عن القانون ومخربون وتوعدت بملاحقتهم، وجنّد النظام إعلامه ومؤيديه للتركيز على هذه الرواية، وكان على المؤيدين إيجاد حجة مقنعة لإبطال شرعية ما فعله أهالي السويداء، بخاصة أنه لا يمكن إنكار الوضع المعيشي التعيس والمطالب المحقّة التي حملها المتظاهرون. فلم يكن أمام النظام وأذرعه سوى نظرية المؤامرة والتحريض. 

ديكتاتورية الأسد تتخطى أي نظام آخر، إذ تُمارس على مؤيديه أيضاً، فيتوجب عليهم أن يجوعوا ويبردوا دون أن يتكلموا، أيُّ اعتراض هو تشكيك بحب الأسد، إنها الجريمة الأولى في سوريا، وجريمة جميع السوريين. لا يعلم المؤيدون أنهم ضحايا هذه الديكتاتورية غير الصريحة، فالخوف من اعتراضك على جوع ابنائك هو جراء ديكتاتورية تُمارس عليك في كلّ يوم، ديكتاتورية في أسلوب حياتك، طريقة مشيك أو مستوى صوتك، الديكتاتورية ليست السجن والتعذيب والترهيب وحسب، بل أيضاً اعتبار أي اعتراض ضد القهر والجوع تخريباً وخيانة! 

وبحسب البلعوس، للنظام رواية مختلفة للأحداث، تصنّف تحرك أهالي السويداء في خانة العمالة لجهات خارجية، مستغلاً التواصل بينهم وبين أهلهم من طائفة الموحدين الدروز في فلسطين، والتبرعات التي يرسلونها إلى السويداء. لطالما انتشرت روايات عن أن “إسرائيل” تدعم السويداء بحجة وجود ضباط دروز في الجيش الإسرائيلي، ولا حجة أقوى من العمالة لإسرائيل لتحطيم المطالب المحقّة.

يتجاهل المنظرون أن السوري فقد منذ زمن صلته بمؤسسات الدولة كأماكن تقدم له خدمات، فما تمثله اليوم ليس أكثر من أماكن لابتزازه وتعطيل أعماله وإهانته، فمع انتشار الفساد باتت هذه الأماكن لا تسيّر أمور المواطن إلا مقابل رشوة أو خدمة، أو تُنسى المعاملة على الرفوف لأشهر… ربما الكثير من الأوراق التي أحرقها المتظاهرون عمرها سنوات وربما تعود لمواطنين تركوا البلاد وهاجروا!

خشية النظام من احتجاجات السويداء

ليست المرة الأولى التي تخرج فيها احتجاجات من السويداء إذ شهد مطلع عام 2020، احتجاجات مشابهة في المدينة الواقعة في الجنوب السوري، لكن هذه الاحتجاجات كانت أكثر عنفاً، على رغم أنها بدأت سلمية إلا أن النظام استفز المحتجين برفع السلاح والتهديد في كل الاحتجاجات التي قامت خلال السنوات الأخيرة. نادى السكان بإسقاط النظام السوري، ومزقوا صور بشار الأسد، لكن التحركات لم تشهد تصعيداً عسكرياً كما حصل خلال الاحتجاجات الأخيرة. وفي ظل عدم وجود أي نيّة لدى النظام في تحسين الأوضاع المعيشية، فلا مفرّ من تحركات جديدة تنفّس غضب المقهورين.

يخشى النظام من أصوات الاعتراض الخارجة من السويداء، لعلمه أنها تهدده لا سيما أنها لا تقتصر على السويداء وحدها، وهذا عكس ما يحاول النظام الترويج له، بإدعاء أن الناس حانقة على المسؤولين بسبب سياساتهم التي أوصلت البلاد لهذا الحال، محاولين وضع الأسد موضع الرئيس الجيد “لكن من حوله سيئون”. الحقيقة أن الناس غاضبون من الرئيس تحديداً، لأنه رأس الهرم ولأنه الآمر والناهي والقاتل والمرتكب. تظاهرات السويداء ليست رد فعل أو حدثاً طارئاً، إنها جزء من وعي سياسي عام، ينطبق على الجزء الأكبر من السوريين، والنظام يخشى امتداد هذا الغضب. وفي السويداء هناك خشية مضاعفة إذ إن تماسك المدينة وأبناءها يشكل قوة بحد ذاتها وإذا ما اشتعلت نيران المواجهة سيمتد الأمر حتماً إلى كل المناطق التي يقطنها الدروز كمنطقة جرمانا في العاصمة دمشق وربما في دول أخرى مثل لبنان وفلسطين.

درج

————————-

ليث البلعوس لتلفزيون سوريا: النظام السوري هددني والسويداء تتجه نحو صدام مسلح

تلفزيون سوريا – عبادة كوجان

عادت السويداء إلى دائرة الحدث السوري مجدداً، فالتطورات في الجنوب السوري لا تقل عما يجري شمالاً، مظاهرات وسقف عالٍ للمطالب التي جاهر أبناء “الجبل” بها، فالشعب يريد إسقاط الأسد كما رددت حناجرهم في احتجاجاتهم.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، أجرى موقع تلفزيون سوريا حواراً مع ليث البلعوس، قائد قوات “شيخ الكرامة”، ونجل وحيد البلعوس مؤسس حركة “رجال الكرامة”، الذي قتل باستهداف سيارته في مدينة السويداء، في الرابع من أيلول لعام 2015، واتهم نجله علانية النظام السوري وإيران بالوقوف وراء عملية اغتياله.

ففي معرض رده على صحة التهديدات التي تعرض لها عقب اندلاع مظاهرات السويداء في الرابع من كانون الأول الجاري، قال البلعوس إن ذلك حصل فعلاً، وإنه تلقى اتصالاً هاتفيًا مفاجئاً من اللواء غسان جودت إسماعيل، مدير شعبة المخابرات الجوية في نظام الأسد، عندما كان موجوداً في مضافة الكرامة في قرية المزرعة في السويداء، تزامن مع اتصال مماثل مع حكمت الهجري شيخ عقل الطائفة الدرزية في مقره في السويداء، مشيرًا إلى أن الاتصال جاء لمعرفة اللواء إسماعيل بثقل هاتين الشخصيتين وتأثيرهما على الشارع والحراك في السويداء، وفق تعبيره. 

وأضاف البلعوس: “حديث اللواء إسماعيل كان غاية في الطائفية والإجرام، فهدد بحرق السويداء وتدميرها”، وتابع: “كان جوابنا شديداً، في مشادة كلامية كبيرة، وقلنا له وفقاً لتهديداته بأننا سندعس على رأس بشار الأسد”.

وحول الحراك الأخير في السويداء، أوضح نجل مؤسس حركة “رجال الكرامة”، على أن المظاهرات والوقفات الاحتجاجية سلمية بالمطلق، وشملت معظم فئات وطبقات الشعب، مؤكداً عدم وجود حركة مسلحة في الحراك، أما بخصوص إطلاق الرصاص الذي تخللها، قال إن عنصراً للنظام أطلق الرصاص من مضاد “دوشكا” في الهواء أثناء محاولة إخراج معاون قائد الشرطة من مقره، فهجم عليه المتظاهرون واستطاعوا تخليصه السلاح، ثم أقدم عنصر آخر على إطلاق رصاص من مبنى قيادة الشرطة على المتظاهرين لتفريقهم، وكذلك استطاع المتظاهرون نزع سلاحه، ما أدى إلى حدوث صدام عنيف.

وقال البلعوس إن النظام يسعى من خلال بعض الأيادي العابثة لاستجرار المتظاهرين إلى المربع الأمني في مدينة السويداء لاستهدافهم، ناصحاً المتظاهرين بالوجود خارج المربع الأمني حفاظاً على أمنهم، مشيراً إلى أن قوات حفظ النظام توجهت إلى السويداء منذ عام ونصف، وعين النظام آنذلك المحافظ نمير مخلوف، وهو قريب بشار الأسد، ما اعتبره أبناء المحافظة أن الأسد يتجه إلى الحلول الأمنية منذ ذلك الوقت.

وكرر البلعوس تصريحاته السابقة بأن الجهات الأمنية تجر المحافظة نحو العنف، وهو أمر مفروغ منه، فعندما تكون مطالب الأهالي اقتصادية وسياسية، وعندما يكون النظام مفلساً سيجرهم للعنف حتى يضع اللائمة عليهم، حتى يخرج بمظهر المدافع عن نفسه وأن هناك من يعتدي عليه من أبناء المحافظة، بحسب تعبيره.

وحول اجتماعه مع الوفد الروسي قبل أربعة أشهر، أكد البلعوس أنه لا علاقة معهم بالمطلق، وأنهم هم من طلبوا الزيارة فقوبلوا بإصرارنا على تصوير اللقاء بالكامل حتى يعرف أبناء الجنوب ما يجري، معتبراً أن الروس لا ثقل لهم في السويداء وغير مبالين بما يجري، فالجنوب السوري لإيران كما يقول، وهناك صراع بين الطرفين، والواقع الروسي الحالي يشي بأنهم غير متفرغين للدخول في هذا الملف.

محافظ السويداء التابع للنظام السوري بسام بارسيك خلال اجتماعه مع وجهاء المدينة داخل مكتبه – (لقطة من الفيديو المسرب)

النفوذ الإيراني في السويداء

أما حول النفوذ الإيراني، فقال البلعوس: إن الإيرانيين يشترون ولاءات في السويداء، وراجي فلحوط أكبر دليل على ذلك، هم غير موجودين بصفتهم الرسمية أو ميليشياتهم المعلنة، بل يجندون ضعاف نفوس من أبناء المحافظة لزجهم في صدامات لا تحمد عقباها.

وتابع: نحن قلنا سابقًا، في لقائنا مع تلفزيون سوريا، “إن النظام وإعلامه مفلسون، يتهموننا بالعمالة للخارج والشعب عميل بنظرهم في حال طالبنا بحقوقنا، وقالها الوالد (وحيد البلعوس): نحن خلقنا الوطنية ومنا سلطان الأطرش وكمال جنبلاط، ونحن قلنا إن الدين لله والوطن للجميع، لا أحد يزاود علينا بالوطنية، ونحن نصون أعراضنا بالجبل مهما كانت الطائفة، فكلنا سوريون، ولا نقبل سوريا إلا واحدة وموحدة ونرفض مشروع التقسيم.. الوالد دفع دمه رفضًا للتقسيم ومشروع الهلال الشيعي”.

مستقبل السويداء “غير مطمئن” وفق قراءة البلعوس ورؤيته، حيث حذر في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا من أنّ المحافظة قد تتجه نحو صدام مسلح يسعى له النظام، مضيفاً: “نحرم التعدي منا ونحرم التعدي علينا، ولكن إن تعدوا هم سنرد على ذلك، وهم ليسوا أرجل من جبهة النصرة أو داعش، وانكسارهم سيكون في الجبل إن أقبلوا على ذلك وإن حدث ذلك فنحن لها”.

وختم البلعوس حواره بالقول: “من يقرأ ما بين السطور يعلم تماماً أن النظام مقبل على الحل الأمني والعسكري، وأرجو أن يهونها الله على أبناء المحافظة والشعب السوري عموماً، نحن مع كل حر شريف في سوريا، ونقف مع أي مشروع وطني سوري حقيقي يصون ويحمي كرامة الشعب السوري، وفي ظل عدم توفر هذا المشروع علينا حاليًا حماية وصون أعراضنا في الجبل”.

تلفزيون سوريا

————————–

السويداء في المعادلة الوطنية: لا أَحكم ولا أُحكم!/ جمال الشوفي

يقول هيروديت إنه في القرن السادس ق.م. اختلف أوتانيس وداريوس على طبيعة نظام الحكم في بلاد فارس، فالأول يريد سيادة القانون من خلال نظام حكم شعبي جمهوري يصفه بأنه: “عندما يكون الشعب هو الحاكم، يكون لقبه في المقام الأول أعدل الجميع، والمساواة أمام القانون ثانياً، لذلك لنلغي الملكية ونزيد من سلطة الشعب؛ ففي الكثير يكمن كل شيء”. بالمقابل أراد داريوس نظام حكم ملكي تدار من خلاله شؤون البلاد وفق نظام الملكيات العامة والإقطاعات الزراعية. وحين رجحت كفة درايوس في الحكم، اتخذ أوتانيس موقفًا عاقلًا ندر مثيله في التاريخ قائلًا: “لا أَحكم ولا أُحكم”.

خلاصة عقلانية ذات بصيرة وازنت بين الكبرياء والأحقية والتواضع، منعت التمرد ونزعت مبررات الاقتتال الداخلي، وأقامت الاستقرار رغم معارضة طريقة الحكم، فهل ستمثل قاعدة “لا أَحكم ولا أُحكم” نموذجًا لأبناء السويداء في جبل العرب ما لم تحل المسألة السورية حلًا عادلًا، أو إذا ما بقيت السويداء عرضة لمحاولات الإخضاع العسكرية المتغولة؟

سؤال موضوعي تثبته الوقائع الراهنة، له ما بعده لمجريات الحدث السوري العام، وذو كلفة باهظة تاريخياً ومعاشياً وبالنتيجة سياسياً على أبناء هذه الأقلية. فالحالة السورية العامة تجتاحها الكوارث من كل صوب: استعصاء سياسي وتنازع جيوبوليتيكي دولي وإقليمي على فرضيات حلها المتباينة، تدهور عام في الواقع المعاشي، وتعميم الفساد الأمني والمالي وترهل أجهزة الدولة القائمة ومؤسساتها الخدمية؛ والنتيجة لا حلول ممكنة تقدمها السلطة السياسية الحالية. كما لا توجد مؤشرات لتفعيل مقررات جنيف ومجلس الأمن مع ضعف مبادرات المعارضة السورية، ما يهدد الهوية الوطنية السورية بالتشظي السياسي بعدما أصابتها الفوالق المجتمعية والطائفية. والسويداء ليست استثناء عن عموم سوريا رغم تمتعها ببعض الميزات الخاصة مجتمعياً.

لأيام خلت، وللمرة الثانية منذ تموز هذا الصيف، تُقدم السويداء على كسر هيمنة السلطة السورية المفترضة عليها، وتظهرها بمظهر المفلس كلياً سياسياً واقتصادياً، فرغم أنها ليست المرة الأولى التي يتظاهر فيها أبناء السويداء ضد السلطة القائمة في دمشق، فهي وإن كانت مظاهراتها متقطعة طوال السنوات السابقة، لكنها لليوم مستمرة في التعبير عن رفضها للهيمنة الأمنية والسلطوية وسياسات التجويع وامتهان كرامة الناس خلافاً لكل مناطق سيطرة السلطة السورية.

فقد أظهرت السويداء ما يمكن أن يدرج تحت عنوان الضربات القاسية والموجعة التي يصعب الرّد عليها من قبل سلطة النظام، إذ لا يمكن اتهامها بالإرهاب كتهمة شائعة على بقية السوريين. ففي تموز اقتلعت السويداء أخطر مشروع للهيمنة على المنطقة الجنوبية في السويداء وتحويلها لممر للمخدرات، حين قرّرت وبقرار أهلي، اقتلاع رأس حربة المشروع الإيراني الأمني الميليشاوي فيها، المعروف بحركة الفجر ومتزعميها من مارقي أبناء السويداء أنفسهم. واليوم تظهر مظاهراتها السلمية رفضها الكلي لسيادة سلطة النظام فيها، دون أن تطرح مشروعًا انفصاليًا درزيًا فلا تحكم، وبالوقت ذاته ترفض هيمنة الميليشيات والسلطة الأمنية السياسية السورية عليها فلا تُحكم!

السويداء وسكان جبل العرب، ورغم قلة وضعف الموارد المادية والمشاريع التنموية، وتهميشها المحلي سواء من السلطة أو المعارضة، وتهميشها إقليمياً ودولياً من أية مبادرات اقتصادية أو سياسية، إلا أنّ مناخها الاجتماعي والديني والمدني المعتدل قابل لأن يشكل بيئة سياسية تتسع لكل السوريين، خاصة في مسار السلام والاستقرار وحوار الأديان والحوار الوطني والتعاقد المجتمعي وردم التصدعات التي أصابت الهوية الوطنية.

وهذا ليس فرضاً نظرياً كما مشاريع الانفصال أو الإدارة الذاتية التي لا تمتلك مقوماتها المادية مقارنة بشرق الفرات، وتمثل حلماً واهياً لبعض سياسيي المرحلة الحالية من سوريا. بل بالعكس أثبت سياق الأحداث في السويداء عمقها الوطني المتمسك بالهوية السورية، دحضًا لما يروجه إعلام السلطة من تهم العمالة لإسرائيل والخارج.

هل يمكن للسويداء اليوم أن تكون محط أنظار السوريين للبدء بمشروع حل وطني يتجاوز عقده الدولية واستعصاءاته السياسية؟ سؤال جدلي وفرضياته قد تتُهم بالغزل أو المحاباة، لكن مجموعة السمات العامة التي قدمتها السويداء طوال الفترة الماضية تقول: ترفض القتل، فقد حرمت الدم السوري، ودلائله انسحاب غالبية أبنائها من الخدمة الإلزامية والتزامها الحياد تجاه المقتلة والحرب السورية، خاصة المنفلتة من عقالها بعد 2013. ذات اعتدال ديني ومجتمعي، لا تفرض دينها حتى على أبناء جلدتها ولا تبشر به لخلافها، وتدعو للحوار والسلم والسلام. ولليوم تبدي ممانعة قوية للانزلاق للمشاريع الطائفية المحلية أو الرضوخ للهيمنة السلطوية القائمة.

الفرضية الحالية، إذا ما أخذت بعين الجدية، ودرست بعمق، فإنها ستقدم ما يمكن أن يدعم السويداء وبيئتها الاقتصادية مادياً، وتحفيز قواها السياسية والمدنية، والاعتناء بتوجهاتها الأهلية والدينية والعسكرية ذاتية الحماية بعيداً عن شبهات التوظيف السياسي والاستئثار السلطوي بالحكم سواء سلطوياً أو بديلها المفترض من المعارضة أو المشاريع الإقليمية والدولية. حينها يمكن للسويداء أن تلعب دورًا إيجابياً في المعادلة الوطنية السورية، خلاف تهميشها المتعمد سلطوياً وإقليمياً ودولياً لليوم.

فمقدمات أي مشروع وطني يستهدف الكلية السورية والتعاقد المجتمعي العام يبحث نظرياً في اللامركزية الإدارية وحقوق المواطنة المتساوية، وتحييد غلو المشاريع السياسية والدينية أو الطائفية وحيدة الاتجاه، والحقوق الدينية المتوازية، وجماعها ترجمة لمفهوم حيادية الدولة ومؤسساتها الإدارية والخدمية عن تغول سلطات السياسة والعسكر والدين، وهو ما يبحث عنه السوريون ومنهم أبناء السويداء وبشكل حيوي واضح اليوم. ففي الكثير يكمن كل شيء ممكن وقابل للتحقق.

وفقاً لسير الحدث العام في السويداء وسوريا عامة، لا يمكن أن تحتمل السويداء حسم خيار خوض غمار مواجهة عسكرية كبرى مع السلطة القائمة تكون كلفتها البشرية والوطنية كبيرة. ولا يمكنها، بمقوماتها المادية القائمة، أن تخطو بخطوات سياسية واسعة سواء بالرضوخ للسلطة القائمة أو البحث عن مشاريع انفصالية طائفية تستعدي محيطها الحيوي العام. لكن يمكنها أن تلعب دوراً محورياً في المعادلة الوطنية السورية إذما وجدت الأيادي الوطنية السورية تمتد لها حوارياً وقيمياً ومادياً كما فعلتها الكتلة الوطنية الدمشقية متمثلة بعبد الرحمن الشهبندر حين امتدت لسلطان الأطرش ورفاقه الشعبيين في عام 1925 تحت شعار: الدين لله والوطن للجميع.

فالمؤكد أن أبناء هذه الأقلية ينظرون بعين التطلع والترحيب لحوار وطني ومجتمعي تعاقدي، مشروط بضمان الاستقرار والأمان، ومقترن مع تحقيق الحقوق المدنية المتساوية لكل السوريين والإقرار بالحقوق الإيمانية المتوازية لكل مكونات سوريا الأهلية والدينية. وهذا شرط أساسي في التغيير السياسي المفترض سوريّاً والذي أوصت به قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها، والذي ما زال لليوم لعبة بيد الدول الكبرى لا يجد مقومات أحداثه في الواقع، والواقع السوري بسلطته الحالية ومعارضته السياسية غير قادر على تحريك مفاعيله، فهل يمكن للسويداء بحكم الواقع والجغرافيا والتاريخ أن تفعّل أبجدياته؟

لليوم، يتعامل أبناء السويداء بحذر وريبة مع المشاريع السياسية والعسكرية الخارجية، ومع هذا هم منفتحون على جميع المبادرات العامة التي تستهدف المصلحة المحلية والوطنية والاستقرار والسلام في عموم سوريا. ويتطلعون بحرص وجدية لتفعيل إمكانيات الواقع السوري الداخلي باتجاه الحل العام في التغيير الديموقراطي وإنهاء سياسات التغوّل السياسية والدينية المتطرفة من كل الجهات، فهل يمكن تجديد فاعليتها واقعياً وسورياً في ثورتها المكلومة لليوم؟

تلفزيون سوريا

——————————–

البلعوس ل”المدن”:قوات شيخ الكرامة حاضرة..لضرب النظام بيد من حديد

لا تزال محافظة السويداء جنوب سوريا على صفيح ساخن بعد مقتل متظاهر وإصابة آخرين برصاص عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري قبل نحو أسبوعين، إذ خرجت مظاهرة جديدة من ساحة الكرامة أمام مبنى المحافظة، رغم أنها لم تكن بزخم المظاهرة السابقة التي اقتحم خلالها متظاهرون غاضبون المبنى وأحرقوه.

مطالبنا سياسية 

ويؤكد قائد قوات “شيخ الكرامة” ليث البلعوس أنه على الرغم من ظاهر المطالب الاقتصادية، لكنها سياسية خالصة نابعة من رغبة أهل السويداء بالتخلص من الطغمة الحاكمة المتمثلة بالنظام السوري واقتلاعها ليس فقط من السويداء، وإنما من دمشق أيضاً، مشدداً على أن مطالب المتظاهرين تتلخص بالكرامة وإسقاط النظام، وهو ما اتضح وفق البلعوس، بالشعارات المرفوعة وتمزيق صور الأسد.

ويقول البلعوس في مقابلة مع “المدن”، إن السبب وراء الأعداد الخجولة في تظاهرات الأحد، هو الخوف المتواجد لدى الأهالي من بطش النظام وقمعه واحتمال استخدامه للرصاص الحي كما فعل في المرة السابقة، إضافة إلى عدم الرغبة بجرّ المحافظة إلى المكان الذي يريده النظام لكتم صوت السويداء، عبر الصدام المسلح، مؤكداً أنها مسألة وقت وستهب المحافظة عن بكرة أبيها ضده.

ويعيد ردة فعل النظام على المطالب السياسية والاقتصادية باستخدام الرصاص الحي، إلى إفلاسه قائلاً: “لا يمكن للنظام تحقيق أي من المطالب، ففاقد الشيء لا يعطيه”. ويتابع: “سياسياً ليس الأمر بيده، واقتصادياً هو منهار، ولذا لجأ إلى الحديد والنار الذي يفقهه جيداً للتعامل مع المطالب المحقة كما حصل مع باقي المحافظات السورية”.

ويتوقع البلعوس أن “تشكّل تظاهرات السويداء شرارة جديدة للانتفاضة ضد الأسد في جميع المحافظات السورية، لأن الاحتقان لدى السوريين بلغ ذروته، وأي صوت يناهض نظام الأسد من جديد، يعطيهم دافعاً معنوياً للقيام والانتفاض في وجه الطغمة الحاكمة، بعدما أضعفت الانقسامات في الشمال من عزيمتهم”، حسب تعبيره.

جاهزون للمواجهة

وجرت العادة في السويداء أن تحاصر الفصائل العسكرية الدرزية مقرات النظام الأمنية من أجل تحقيق مطالب تتعلق غالباً بحالات اعتقال بحق الأهالي، لكن رغم سقوط قتيل وعدد من الجرحى في صفوف المتظاهرين برصاص النظام، لم تحرك ساكناً.

ويرجع البلعوس السبب إلى أن ارتباطات بعض قادة الفصائل بالنظام السوري تصل إلى درجة العمالة، في حين يقف البعض الآخر متفرجاً منتظراً تحرك الآخرين، أما القسم الأخير فيحاول التحرك فعلياً لحماية المتظاهرين لكن يتم تحجيمه، لافتاً إلى أن النظام عمل على موضوع التفرقة بين الدروز منذ 50 عاماً، وزاد من تلك المحاولات عندما اغتال مؤسس حركة “رجال الكرامة” الشيخ الروحي لطائفة الموحدين الدروز وحيد البلعوس في 2015.

أما بالنسبة لقوات “شيخ الكرامة”، فيؤكد البلعوس أنهم لم يغيبوا عن أي تحرك لأهالي السويداء للمطالبة بحقوقهم من النظام السوري، مشيراً إلى تواجدهم أثناء التظاهرة التي حُرق خلالها مبنى المحافظة، كما منعوا مجموعة من عناصر النظام من اقتحامها وتفريقها، فضلاً عن سحب المتظاهرين من تحت وابل الرصاص الحي الذي أطلقته الأجهزة الأمنية عليهم.

ويقول: “يحاول النظام جرّ الحراك السلمي إلى الصدام المسلح، ونحن لا نريد ذلك، لكن إن حصل فنحن لها، وسنضرب بيد من حديد”. ويتابع: “ستنهزم قوات النظام في جبل العرب، الطائفة الدرزية توحدها المحن، وإذا تطور المشهد للحسم ضد النظام الحاكم، فستقف الطائفة يداً واحدة”.

المشروع الإيراني مستمر

ويؤكد البلعوس أن إيران لم تتخلَّ عن “المشروع الصفوي المتمثل بإنشاء الهلال الشيعي” في الجنوب السوري، لكنه يخفت أثناء حصول توترات في السويداء، ثم يعود للظهور بقوة أكبر بعد الاستقرار، لافتاً إلى أن الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن المكان الذي وصل إليه المشروع.

وعن الدور الروسي، يقول إن لقاءه مع وفد عسكري روسي في مضافة “الكرامة” قبل أشهر، كان من أجل أن يُسمعهم الواقع الحقيقي في السويداء، بعيداً عن الرواية التي تصلهم من أجهزة المخابرات، مشدداً على أن اللقاء لا يغير من نظرته إلى روسيا كمحتلٍ في سوريا. ويضيف أن الحرب الروسية في أوكرانيا أثرت على الدور الروسي في الجنوب السوري، حتى باتت إيران القوة الأكبر هناك والمسيطرة على المشهد في الوقت الحالي، لافتاً إلى وجود صراع روسي-إيراني على الجنوب.

————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى