الناس

خفايا ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان… استجداء أموال الجهات المانحة/ باسكال صوما

يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان لخطر الترحيل، خصوصاً أنهم ورقة تفاوض سياسية لجلب “الأموال” وأداة لتخفيف الاحتقان الداخلي، ما جعلهم عرضة لأخطار الغرق والاعتقال والتسليم إلى السلطات السوريّة.

تتواصل فصول ترحيل اللاجئين السوريين في لبنان بأشكال مختلفة، سواء كنا نتحدث عن ترحيل الذين دخلوا إلى لبنان بعد عام 2019 (بسبب عدم تجديد الإقامة أو حتى  دون سبب واضح) ، أو ترحيل ناجين من زوارق الموت المنطلقة من شمال لبنان، أو القبض على ناجين لبنانيين وسوريين وتركهم تحت رحمة رجال الأمن في سوريا، كما حصل عند غرق أحد المراكب في بحر طرطوس قبل أشهر قليلة.

تمتد استراتيجيّة الترحيل إلى الضغط على اللاجئين بوسائل متعددة، كالتضييق عليهم في أماكن العمل، ووقف التعليم الرسمي للطلاب السوريين، الشأن الذي تناولناه بالتفصيل في تحقيق نشر قبل أيام، ما يدفع الفرد أو الأسرة إلى العودة إلى سوريا، أو السعي وراء مصير مجهول.

ترى مصادر متابعة أن هذه الممارسات تأتي في إطار الضغط على الجهات المانحة لزيادة المساعدات وتقديم دعم للبنان كبلد مضيف، لا سيما أنه يمر بانهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق. هذه الضغوط، وإن كانت محقّة في مكان تقول المصادر، إلا أن ضحيتها غالباً ضحايا أبرياء، مثل تسليم أشخاص إلى النظام السوري وتعريض حياتهم للخطر. الممارسة التي تتعارض مع ما تنص عليه اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية، التي تمنع تسليم أي شخص لبلد أو جهة قد تهدد حياته أو سلامته.

اتخذت إجراءات الترحيل و”التطفيش” أبعاداً جديدة وأكثر خطورة، أبرزها ما حصل بداية هذا العام، إذ أُنقذ حوالى 200 لاجئ سوري من قارب غرق قبالة الساحل اللبناني ليلة رأس السنة الجديدة، ثم رُحِّلوا بشكل غير قانوني، وسُلِّموا إلى السلطات السورية، قبل أن يُساوم على “رؤوسهم” من المهربين، و”يباع” كل ناج إلى أهله بنحو 500 دولار، كما أخبرنا أحد الناجين.

 ترى آية مجذوب، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية”، أن “الترحيل الذي يمارسه الجيش اللبناني بحق هؤلاء اللاجئين، يُظهر مرة أخرى، التجاهل القاسي الذي تعامل به السلطات الأشخاص المستضعفين”.

 تضيف: “لقد هربوا من الحرب في سوريا، وتحملوا ظروفاً قاسية كلاجئين في لبنان ثم نجوا من غرق قاربهم… إلا أنهم سُلِّموا بشكل غير قانوني إلى السلطات التي فروا منها. ثم تعرضوا، في ما يبدو، للهجوم من ضباط ومهربين فاسدين”. وهو ما ورد في تحقيق لـ”روزنة” وثّق تفاصيل الترحيل والاتفاق مع المهربين.

تختم مجذوب: “على لبنان احترام التزاماته بموجب القانون الدولي والتوقف عن ترحيل اللاجئين إلى سوريا، حيث يواجهون أخطار التوقيف والتعذيب وغيرها من الانتهاكات”.

تمتد استراتيجيّة الترحيل إلى الضغط على اللاجئين بوسائل متعددة، كالتضييق عليهم في أماكن العمل، ووقف التعليم الرسمي للطلاب السوريين.

وفق ما ورد، هناك حوالى 230 شخصاً، معظمهم سوريون، يأملون بالوصول إلى أوروبا، إلا أن الزورق غرق قرب الساحل الشمالي للبنان في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2022، لكن خدمات الإنقاذ من البحرية اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تمكنت من إنقاذ جميع الركاب باستثناء اثنين، سيدة سورية وطفل.

جيء بالناجين إلى شاطئ ميناء طرابلس، وَرَدَ  بعدها إفادات تقول أن الجيش اللبناني حَمّلَ ما يقرب من 200 سوري تم إنقاذهم، (بعضهم مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، في شاحنات وألقى بهم على الجانب السوري من معبر حدودي غير رسمي في وادي خالد -منطقة نائية شمال لبنان-، وبعد نقل اللاجئين إلى الحدود، تم التفاوض مع مهربين أجبروا الأهالي على دفع 500 دولار لاستلام أحبائهم.

ورد في بيان منظمة العفو الدولية الأخير تأكيد من لاجئ مُسجل رسمياً لدى UNHCR أن الجيش اللبناني رحّله إلى سوريا وسلّمه الى الجيش السوري، وأضاف اللاجئ الذي أغفل اسمه أن “ضابطاً كبيراً في الجيش بملابس مدنية” طلب بعد ذلك نقوداً مقابل التنسيق مع المهربين لإعادته عبر الحدود إلى لبنان.

يتصاعد الخطاب العنصري ضد اللاجئين في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد قرار الحكومة اللبنانية الصريح بإعادة اللاجئين، بحجة العودة الآمنة، التي  لم تتأمّن شروطها حتى الآن، وقد وثّقنا في تحقيقات سابقة حقيقة ما واجهه عدد من اللاجئين بسبب ترحيلهم، إذ سُجن البعض وتعرّض آخرون للتنكيل والتعذيب، فيما أخبرنا لاجئون آخرون أنهم يختبئون في منازلهم أو في أماكن نائية حتى لا تصل إليهم قوات الأمن ومقصلة الترحيل.

يُستخدم اللاجئون كورقة ضغط لتحصيل المساعدات تارةً، أو لتخفيف الاحتقان الداخلي تارةً أخرى، وكأن حياة هؤلاء مجرد تفصيل غير مهم، سواء بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية أو النظام السوري الذي يرفض تأمين ظروف ملائمة ليعود المواطنون بسلام إلى بيوتهم، أو المجتمع الدولي الذي يقف مكتوف اليدين مستسلماً بعد 12 عاماً على اشتعال الثورة السورية.

ينشر بالتعاون مع “روزنة”

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى