سياسة

عن التصعيد الأميركي-الإيراني الأخير في سوريا -مقالات مختارة-

يتم تحديث هذا الملف دوريا، الأحدث في البداية

———————————–

التسخين الإيراني الأميركي شمال شرقي سورية.. الأسباب والسيناريوهات/ ضياء قدور – عمر إدلبي

تمهيد:

في الوقت الذي تستعر فيه الجبهات العسكرية في أوكرانيا، وتعزز روسيا تعاونها العسكري مع إيران، بادرت الميليشيات المدعومة من إيران لاستغلال توقيت حسّاس وتسخين جبهات شرقي وشمال سورية، مدفوعة هذه المرة بالعديد من المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية المتسارعة وغير المسبوقة، التي يرى النظام الإيراني أنها تصبّ في مصلحة مشروع نفوذه في المنطقة، وخاصة في سورية.

وعلى الرغم من أنّ الهجمات الإيرانية على القواعد العسكرية الأميركية شرقي سورية (قاعدة التنف، قواعد كونيكو وحقل العمر) معهودة ومعتادة، خاصة خلال العامين الماضيين، فإن الهجوم الإيراني الأخير واسع النطاق على قواعد عسكرية أميركية في أقصى الشمال الشرقي من سورية (قاعدة خربة الجير الأميركية بالقرب من الحسكة)، إضافة إلى القواعد الأميركية آنفة الذكر، من وجهة نظر عسكرية، يسلّط الضوء على لحظة حاسمة من ديناميكيات الصراع في المنطقة، ويبرز في التفاصيل الأدقّ الاختبار الإيراني الفج للعزيمة السياسية لإدارة بايدن في سورية، حيث تسعى إيران، عبر رفع التكاليف والخسائر الأميركية في سورية، إلى دفع صانع القرار الأميركي لإعادة النظر في وجوده العسكري شمال شرقي سورية ومنطقة التنف، الشوكة الأخيرة والعقبة الصلبة في منتصف الهلال الإيراني الممتد من إيران، مرورًا بالعراق وسورية، وصولًا إلى لبنان.

في خضم ذلك، يتوسع نطاق الاعتداءات الإيرانية، كمًا ونوعًا، لتضرب المسيرات الانتحارية الإيرانية دقيقة الإصابة (أبابيل الإيرانية، قاصف الحوثية) أقصى قواعد الشمال الشرقي من سورية. وفي المقابل، ذهبت إدارة بايدن في ردّها العسكري إلى قعر الجدول، لتختار أهدافًا عسكرية أقل من ثانوية، وتتجنب التصعيد، ليتضح على نحو جليّ أن الاعتداء الإيراني كان جريئًا ومباشرًا، في حين كان الرد الأميركي ضعيفًا وغامضًا ومترددًا.

وبغض النظر عن فروق القدرات العسكرية الهائلة بين الجانبين الإيراني والأميركي، في هذه المنطقة بالتحديد، تستند الاعتداءات الإيرانية على القواعد الأميركية إلى أرضية صلبة، وتتخذ زخمًا وجرأة أكبر، انطلاقًا من استراتيجية شاملة ومستدامة لمشروع الهلال الإيراني العابر للحدود، الذي أسس وخطط له قاسم سليماني، في مقابل استراتيجية أميركية متحفظة، ومجزأة وبدون أهداف واضحة.

أسباب ودوافع التصعيد الإيراني

يأتي تكثيف الهجمات المنفذة من قبل وكلاء إيران الإقليميين ضدّ قواعد القوات الأميركية في سورية في خضم قلق النظام الإيراني من تزايد التوقعات بشنّ هجمات وشيكة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، بالتزامن مع تسريب وكالة المخابرات المركزية الأميركية تقارير عن قرب توصل إيران إلى مرحلة صناعة قنبلة نووية، ليبدو التصعيد الأخير تحذيرًا إيرانيًا استباقيًا، وضغطًا لتحريك ملف المفاوضات النووية المتعثرة منذ أشهر، وليؤكد التصعيد الجديد أن سورية ما زالت ساحةً لتصفية الحسابات الدولية.

وهذا الدافع لا يتعارض مع محاولة إيران إظهار عدم اكتراثها باستئناف المفاوضات النووية، معتمدة بذلك على سياسة كسب الوقت والتحايل، بالإضافة إلى اطمئنانها أن الإدارة الأميركية لا تدعم -حتى الآن- الموقف الإسرائيلي في تقديم الحل العسكري لإنهاء الملف النووي الإيراني.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار العقبات اللوجستية والعسكرية، أمام أي محاولة عسكرية إسرائيلية منفردة أو مشتركة مع الولايات المتحدة، فسيبدو التصعيد الإيراني الأخير من حيث القوة والرسائل نابعًا من شعور إيراني عميق بالقلق أو يعبّر عن رغبة إيرانية بتوجيه رسائل سياسية لكسب نقاط قوة في ملفات أخرى.

وإضافة إلى ذلك، لدى إيران العديد من الأسباب والدوافع الأخرى التي تشجّعها على الدفع بسياستها نحو حافة الهاوية في مواجهة الولايات المتحدة، والاستمرار في شنّ هجمات إضافية بالوكالة على ذلك الصعيد، ومن أبرز هذه الدوافع والأسباب ما يلي:

أولًا: عدم الخوف من العواقب

منذ اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بغارة أميركية بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد في مطلع كانون الثاني/ يناير 2020، ارتفعت حدة توتر العلاقات الأميركية الإيرانية، وهو ما دفع إيران للبدء بحملة إعلامية واسعة النطاق للتعهد بالانتقام.

وبينما قامت إيران بخطوات رمزية على الأرض، بدا أن الظروف لم تساعد إيران في تنفيذ تهديداتها، بتلك القوة التي أطلقت بها تهديداتها، وبعد مرور ثلاث سنوات على هذا الحدث، طوّرت إيران استراتيجية تعاطيها العسكري مع القوات الأميركية في سورية، إذ دفعت بميليشياتها الوكيلة لتوسيع نطاق الاشتباكات، من الأراضي العراقية نحو الأراضي السورية، تحت شعار “طرد المحتل الأميركي من المنطقة”[1].

وتركز الاستراتيجية الإيرانية الجديدة، على هذا الصعيد، على محاولة فرض معادلة جديدة وخلق قواعد اشتباك جديدة، من خلال توسيع نطاق العمليات الإرهابية العابرة للحدود، ما أعطى إيران فرصة واسعة للمناورة والإنكار وعدم الاعتراف في الوقت نفسه، معتمدة بذلك على خليط ألوان من الوكلاء المحليين ومتعددي الجنسيات على طول الحدود السورية العراقية.

وعلى الرغم من ذلك، بدت الاستراتيجية الإيرانية في ضرب القواعد الأميركية على جانبي الحدود حينذاك حذرةً، إذ اعتمدت الميليشيات الوكيلة في أغلب الأحيان على تنظيم هجمات متفرقة، باستخدام صواريخ عيار 107. وإن استخدام إيران لمثل هذا النوع من الصواريخ غير الموجهة بأعداد قليلة، من منصّات متنقلة أو ثابتة مصنوعة يدويًا، سلّط الضوء على حرص إيران على عدم إيقاع إصابات في صفوف القوات الأميركية، خوفًا من رد الفعل الأميركي.

مع ذلك، لم يواجَه السلوك الإيراني العدائي المتكرر والمستمر بردود أفعال حاسمة من قبل الإدارة الأميركية، وهو ما شجع طهران على التمادي في تصعيد هجماتها، مستغلة تردد الولايات المتحدة في المخاطرة بردود قوية تغير قواعد الاشتباك إلى غير رجعة.

على الصعيد نفسه، كان من المتوقّع أن يشكّل إدخال إيران طائرات مسيرة انتحارية في المعادلة، منذ العام الفائت، ناقوس خطر لدى الإدارة الأميركية، لما يمتلكه هذا العنصر الجديد والفعال في الهجمات من ميزات وخصائص، تتعلّق بالدرجة الأولى بانخفاض التكلفة والدقة، وانخفاض احتمالات رصدها بسبب انخفاض المقطع العرضي للرادار، والحركة على ارتفاع منخفض والتدمير النسبي الفعال[2].

لكن التصعيد الإيراني الأخير، الذي أسفر لأول مرة عن سقوط ضحايا في صفوف القوات الأميركية (مقتل مقاولين، جرح أربعة جنود أميركيين) شكل اختبارًا حقيقيًا لسياسة الولايات المتحدة في اعتماد الردود المحدودة في مواجهة التهديدات.

ومن المحتمل أن تكون إيران قد فسّرت تصريحات الرئيس الأميركي بايدن بعد الهجوم، التي ذكر فيها أن الولايات المتحدة لا تريد الدخول في صراع مع إيران، على أنها علامة ضعف. وهذا ما يمكن رؤيته في الموقف الجريء للمتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي، الذي أكد، في 25 آذار/ مارس الماضي، أن “أيّ ذريعة لمهاجمة القواعد التي أقيمت بناءً على طلب الحكومة السورية لمكافحة الإرهاب وداعش، داخل حدود ذلك البلد، ستقابل برد فوري”.

ومع أن الولايات المتحدة حساسة للغاية، بشأن الخسائر في صفوف قواتها، فإنها حتى الآن لم تُظهر ردة فعل جادة على العمليات الإيرانية ضد قواتها في سورية. ولتأكيد هذا الادعاء، تجدر الإشارة إلى أنه، منذ عام 2023، تم تنفيذ 78 عملية إيرانية بالوكالة، ضد قواعد أميركية في سورية، لكن 4 منها أسفرت عن إجراءات مضادة، بحسب وزير الدفاع الأميركي أوستن لويد[3].

ثانيًا، التشجيع الروسي المحتمل

بالرغم من عدم وجود دلائل على الأرض تدعم هذا التفسير، فإن الجرأة الإيرانية الأخيرة غير المسبوقة، في الهجوم الأخير على القواعد الأميركية، قد تكون مدفوعة بضوء أخضر وتشجيع روسي.

شكّل الغزو الروسي لأوكرانيا، ودخول مسيرات شاهد 136 الإيرانية لصالح روسيا، والعقوبات الأميركية على كلا البلدين، دافعًا لرفع مستوى تعاون روسيا وإيران في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وحافزًا لإعادة توثيق تحالفهما الحذر في سورية، ووضع تنافسهما لتقاسم النفوذ جانبًا لفرض المزيد من الضغوطات على خصمهما المشترك في سورية، الولايات المتحدة.

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت تقارير عديدة تتحدث عن تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الجانبين، في مجالات التصنيع الحربي والهندسة العكسية لأسلحة غربية أو عقد صفقات سلاح جديدة (طائرات ومضادات جوية روسية حديثة)، أو حتى التعاون في مجال التطوير النووي[4].

وفيما يخص التعاون العسكري والأمني على الساحة السورية بالتحديد، تداولت مواقع استخباراتية، نقلًا عن مصادر غربية، معلومات عن تعاون روسي إيراني في مجال الحرب الإلكترونية، لاختبار نظام ميكروويف عالي الطاقة، لغرض تعطيل الطائرات المسيرة أو التحكم فيها، في سورية والبحر، وهو مشروع يمكن أن يهدد الطائرات الإسرائيلية والأميركية والتركية بدون طيار[5].

وسبق أن طالب الطرفان، إلى جانب تركيا، بخروج قوات الولايات المتحدة من سورية[6]، وبقدر ما يثير تعزيز التعاون العسكري والأمني بين إيران وروسيا مخاوف الإدارة الأميركية، يمكن توقع أن يكون هذا التعاون محفزًا لمفاقمة عدم الاستقرار الذي ترعاه إيران في مختلف الساحات، خاصة الساحة السورية.

ثالثًا: رياح التغيير الإقليمية تشجع إيران على الاستمرار في اعتداءاتها

تنظر القيادة الإيرانية بارتياح إلى بدايات التغييرات الإقليمية التي تعيشها المنطقة، فالتحسّن التدريجي في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، بوساطة صينية وخارج المظلة الأميركية، وخطوات التطبيع العربي مع حليفها النظام السوري، قد تؤدي، من وجهة نظر إيرانية، إلى استعادة النظام السوري الشرعية الإقليمية والعالمية، وهو ما يشجعهما على تحدي الوجود الأميركي على المستوى السياسي والرأي العام، وتضييق الخيارات على البيت الأبيض لمواصلة وجوده العسكري في سورية[7].

ولا تنظر القيادة الإيرانية اليوم إلى مسار التقارب السعودي السوري على أنه محاولات لتقييد أو الحد من نفوذها في سورية، بل ترى أن مثل هذه التطورات الإيجابية محصلة للمساعي التي قادتها الصين، منافسة الولايات المتحدة الأخرى، أو أنها جزء فرعي من تفاهماتها الأساسية مع الرياض.

من ناحية أخرى، قلّصت روسيا نفوذها في سورية، وينشغل الغرب في أوكرانيا ويتراجع اهتمام دوله الأساسية بأزمات الشرق الأوسط، وكل ذلك يشجع إيران على المضي في سياساتها الإقليمية، وفي سورية خاصة، بثقة وتركيز أكبر.

وبناء عليه، ترى القيادة الإيرانية اليوم أنها تقف على أرض ثابتة، وأن جميع المتغيرات والتطورات الإقليمية تجري لصالحها، ومع تقليل الجبهات التي كانت منذ وقت قريب مفتوحة ضدّها من عدة اتجاهات، ومنها اليمن، قد تتّجه طهران إلى التفرغ لجبهات أكثر أهمية وأولوية، كجبهة قمع الاحتجاجات الداخلية ومحاولة إنهائها، وتصعيد محاولات تعزيز نفوذها في سورية وتحدي واشنطن[8].

رابعًا: محاولة تكريس قواعد اشتباك جديدة للرد على الغارات الإسرائيلية

تلقت إيران وميليشياتها، خلال سنوات الصراع في سورية، مئات الضربات الجوية التي قادتها إسرائيل ضمن ما يعرف بالمعركة بين الحروب على الأرض السورية، وتكبدت إيران خلالها العديد من الخسائر البشرية واللوجستية نتيجة ذلك.

بحسب دراسة سابقة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، تصاعدت الغارات الإسرائيلية ضد المواقع الإيرانية في سورية بشكل ملحوظ، خلال السنوات الثلاث الماضية، وكانت خسائر النظام السوري وإيران على الصعيد المادي والبشري هي الأكبر خلال هذه الفترة[9].

في المقابل، كانت ردات الفعل الإيرانية على الغارات الإسرائيلية نادرة ومحدودة جدًا، وغالبًا لا تتناسب قوةً مع حجم الأحداث الإسرائيلية الصاخبة، وهو ما أدى إلى حدوث فجوة على صعيد الإعلام الإيراني، وأثر سلبًا في معنويات الوكلاء المحليين بالتحديد.

تعتمد إسرائيل، التي لا تمتلك سوى جبهة واحدة مع سورية، على مظهر حاسم وواضح المعالم لعملياتها هناك، وتقوم عقيدتها العسكرية على أنه لا يجب أن يمر أي هجوم إيراني دون رد عقابي شديد الأثر، وهو ما وسع نطاق الفجوة السابقة أمام قيام إيران بهجمات من شأنها أن تثير حفيظة الإسرائيليين وغضبهم.

وفي حين قامت العقيدة العسكرية الأميركية، خلال العامين الماضيين بالتحديد، على الرد بشكل مدروس ومتحفظ جدًا على العمليات الإيرانية التي تمثل تهديدًا فقط، قد تكون إيران وجدت الفرصة سانحة للاستمرار في هذا النهج من الاعتداءات المتكررة للادعاء، أمام واجهاتها الإعلامية على الأقل، بأنها رد على الغارات الإسرائيلية، وشجع على هذا النهج الإيراني العدائي وجود تحفظ واضح في توجهات إدارة بايدن لردع الهجمات الإيرانية، ما يشجع طهران على تكثيف الاعتداءات الإيرانية واستمرارها.

على سبيل المثال، مع أن الضربات الإسرائيلية شرقي سورية محدودة للغاية، تعمّدت القيادة الأميركية عدم تبني تنفيذها هذه الضربات، ما سمح بإظهار إسرائيل كمنفذ فعلي لهجمات جوية مجهولة هناك، بسبب عدم رغبة إدارة بايدن برفع التصعيد مع إيران في هذه المنطقة.

السيناريوهات المتوقعة لمسار التصعيد:

السيناريو الأول هو استمرار الهجمات الإيرانية على نفس الوتيرة، وضمن سياقها المعتاد الممتد منذ أكثر من سنتين، مع ردات الفعل الأميركية الضعيفة والمتحفّظة.

في السيناريو الثاني، من المحتمل أن تتطور المبادرات العدائية الإيرانية نحو استخدام أدوات عسكرية أكثر تدميرًا ودقة، كالصواريخ التكتيكية قصيرة المدى الموجهة ودقيقة الإصابة، إلى جانب المسيرات الانتحارية وصواريخ القصف المساحي، وهو ما سيوقع مزيدًا من الخسائر البشرية والمادية في صفوف القوات الأميركية، ويضع الإدارة الأميركية في وضع غير مواتٍ وموقف محرج، يدفعها إلى الرد بأشكال مختلفة.

وفي حال تطور هذا المسار، قد تتسبب سياسة حافة الهاوية الإيرانية في ارتكاب صانع القرار الإيراني خطأً في حساب الرد الأميركي شرقي سورية، يؤدي إلى تصعيد التوتر خارج الأطر المضبوطة، فالولايات المتحدة تمتلك ضمن قواعدها العسكرية المنتشرة في دول الخليج العربي والأردن العديد من الأدوات العسكرية التي تمكنها من تنفيذ ردود موجعة وتأديبية وانتقامية، ضد أغلب المواقع الإيرانية المنتشرة في سورية والعراق، وذلك من خلال توجيه ضربات دقيقة ومباشرة (بالمدفعية والصواريخ والمقاتلات الحربية متعددة المهام، وغيرها من الأدوات العسكرية الفعالة) لكل المواقع الإيرانية في هذه المنطقة[10]، ومن غير المستبعد آنذاك، أن تخرج الأحداث عن الأطر المضبوطة شرقي سورية، كما حدث خلال معركة خشام في شباط/ فبراير 2018، التي كانت مثالًا حقيقيًا لضربات أميركية انتقامية واستباقية ضد القوات المهاجمة[11].

لكن حدوث مثل هذا السيناريو يبقى أقلّ ترجيحًا، ويتطلب تصعيدًا إيرانيًا غير محسوب، وقرارًا سياسيًا أميركيًّا ينعكس بشكل حاسم على الصعيد العسكري التنفيذي بالدرجة الأولى.

خاتمة:

يُبرز الهجوم الإيراني الأخير مؤشرات ضعف استراتيجية الولايات المتحدة، وعدم وجود إرادة سياسية لتكييف تكتيكاتها للاستجابة لتوازنات القوى المتغيرة في سورية بالتحديد، خاصة في ضوء انشغالها بالحرب في أوكرانيا التي باتت صراعًا ذا أبعاد جيوسياسية على المستوى الدولي، ومن غير المرجّح أن تغلق هذه الفجوة الخطيرة، ما لم تعتمد الولايات المتحدة خطة مترابطة ومتسقة بالتوازي، تعزّز جهودها في مكافحة كل من تنظيم داعش والنظام السوري والتمدّد الإيراني، بدرجة واحدة، بما يمكنها من العمل على جعل المغامرات الإيرانية شرقي سورية مكلفة، وذلك من خلال وضع مقاربة جديدة لإعادة التوازن وتجاوز ضعف معادلة الردع. وإنّ استراتيجية متكاملة كهذه تتطلب قرارًا سياسيًا، حيث تمتلك الولايات المتحدة جميع الأدوات العسكرية لتحقيق ذلك.

أصبح من الواضح، أكثر من أي وقت مضى، أنّ إيران لا تهتمّ بخسائرها البشرية من الوكلاء المحليين، بقدر ما تهتمّ بفقدان القيادات المفصلية الحساسة، خاصة من هم من الجنسيّة الإيرانية والخبراء الفنيين الثمينين، وإنّ أي ردات فعل أميركية متحفظة يمكن أن تعيد تكرار سلسلة الهجمات المتشابهة في سياقها الزمني، بل يمكن أن تعدّها القيادة الإيرانية من مؤشّرات الضعف في استراتيجية الولايات المتحدة، ومن ثم تُشجعها على الدفع بمزيد من العمليات العدائية، بتكاليف أعلى.

[1]– انتقامية واستباقية.. غارات أميركا ضد ميليشيات إيران على جانبي حدود سورية والعراق – تلفزيون سوريا – تاريخ النشر: 29.06.2021 – https://2u.pw/dTPwED

[2]– مسيرات انطلقت من مواقع إيرانية.. هجوم على قاعدة أميركية بسورية، العربية نت – تاريخ النشر 15.8.2022 – https://urlz.fr/lc8o

[3]– انتقاد مجلس الشيوخ الأمريكي لإدارة بايدن بشأن هجمات الميليشيات التابعة لإيران في سورية، العربية فارسي – تاريخ النشر 29.3.2023 – https://urlz.fr/lbyF

[4]– بعد أوكرانيا: سُبل روسيا المحتملة لمكافأة إيران عسكريًا ونوويًا – تاريخ النشر: 20.1.2023 – https://2u.pw/FAWz5S –

[5]– النشر الأول: مصادر استخبارات غربية تشتبه في وصول خبراء إيرانيين إلى سورية لإدارة مشاريع عسكرية مع روسيا، انتل تايمز – تاريخ النشر: 21.2.2023 – https://urlz.fr/lbAW

[6] للمزيد، انظر: البيان الختامي للقمة الثلاثية بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا، موقع تلفزيون سوريا – تاريخ النشر: 20.07.2022 –https://2u.pw/KGMx2k

[7]– تحليل الصراعات الأخيرة في سورية، موقع بصيرت الإيراني، تاريخ النشر 2.4.2023 – https://urlz.fr/lc8w

[8]– المعادلة الجديدة للمقاومة ضد أمريكا في سورية، موقع تقريب نيوز الإيراني، تاريخ النشر: 5.4.2023- https://urlz.fr/lc8y

[9]– ضياء قدور: تقرير عن الهجمات الإسرائيلية على سورية عام 2022، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، تاريخ النشر: 7.9.2022- https://urlz.fr/lbHr

[10] بالرغم من محدودية التعداد العسكري الأميركي في المنطقة (قرابة 900 جندي أميركي في سورية، 1500 جندي آخر في العراق)، واقتصاره على التمركز في قواعد متفرقة ومكشوفة، على طول الحدود السورية العراقية، فإن هذا الوجود مدعوم ومحميّ من الخلف بالقوة الأكثر حسمًا في المعارك، القوات الجوية الأميركية، التي تمتلك العديد من القواعد العسكرية الكبرى في العراق ودول الخليج العربي والأردن، لذلك، لا تنبع قوة الولايات المتحدة في سورية والعراق من هذا العدد البسيط والمحدود، الذي انخفض إلى أدنى مستوى لتقليل نسبة الضحايا والإصابات البشرية للحد الأدنى وتأكيد الوجود الأميركي في هذه المنطقة، بل من رمزية وسطوة هذه القواعد الجوية الحاكمة، التي تستطيع أن تضرب طائراتُها أي نقطة في المنطقة.

[11]– تفاصيل معركة خشام، ويكيبيديا، https://urlz.fr/lbWM

مركز حرمون

————————————

مثلث في رمال الشرق السوري/ عروة خليفة

تقع قاعدة التنف إلى الغرب من بوابة الوليد الحدودية مع العراق بحوالي 25 كلم، على المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن. اكتسبت تلك المنطقة بعداً استراتيجياً كبيراً بعد سيطرة تنظيم داعش على معظم جانبي الحدود السورية-العراقية في العام 2014، بما في ذلك البوابة الحدودية القريبة من موقع القاعدة الحالي. كان خطر تنظيم داعش داهماً في تلك اللحظة، ليس على سوريا والعراق فقط، لكن على الأردن أيضاً في البادية المفتوحة، وهي بيئة اعتاد مقاتلو تنظيم داعش التحرك فيها خاصةً العراقيين منهم، في الفترة التي تلت القضاء على التنظيم للمرة الأولى في العراق، عندما كان يسمى الدولة الإسلامية في العراق.

بعد إطلاق التحالف الدولي ضد تنظيم داعش من قبل الولايات المتحدة في شهر آب (أغسطس) من عام 2014، بدأت جهودٌ لشخصيات سورية من محافظة دير الزور لإنشاء مجموعات قتالية من أجل محاربة التنظيم، الذي سيطر على أغلب أراضي المحافظة ودفع التشكيلات المقاتلة المرتبطة بالجيش الحر والفصائل الإسلامية للخروج منها.

جزءٌ وازنٌ من فصائل دير الزور والمنطقة الشرقية فضَّلَ التحرك نحو البادية، والانطلاق من قواعد في منطقة القلمون الشرقي التي تتيح حرية الحركة في البادية السورية الكبيرة، وذلك بهدف العمل مستقبلاً على العودة إلى محافظتهم. فصائل أخرى من الشرق السوري فضلّت الذهاب نحو الشمال الغربي لسوريا، وهو ما وضعها ضمن إطار التنسيق ومن ثمّ التبعية التامة لاحقاً لتركيا. لكنَّ هذه قصة أخرى.

بحلول نهاية العام 2015 كانت تلك الجهود قد أثمرت عن إطلاق فصيل سُمي جيش سوريا الجديد، معظم عناصر هذا الفصيل كانوا آتين من فصائل الجيش الحر في دير الزور، وتحديداً جبهة الأصالة والتنمية التي كانت تجمعاً ضمّ فصائل إسلامية وأخرى تابعة للجيش الحر، وذلك في تحالف عُدَّ الأكبر في محافظة دير الزور وقتها. بدأ العمل من أجل طرد تنظيم داعش من منطقة البوابة الحدودية مع العراق والمثلث الحدودي، دون الحديث عن قاعدة للتحالف الدولي أو تحديد قواعد الانطلاق.

خلال العام التالي، كَشفت تسريبات صحفية وجود مقاتلين أميركيين وبريطانيين يقومون بدعم وتدريب فصيل جيش سوريا الجديد (سيُصبح اسمه لاحقاً مغاوير الثورة). كانت قاعدة التنف في ذلك الوقت قد أُنشأت بالفعل.

بدأ فصيل سوريا الجديد، انطلاقاً من تلك القاعدة، بمحاربة تنظيم داعش في المنطقة التي أمّن فيها طيران التحالف الدولي دائرةً قطرها 55 كلم في محيط القاعدة من أي تهديدات، سواءً من تنظيم داعش أو النظام. في الفترة نفسها، بدأ فصيلٌ آخر؛ فصيل أسود الشرقية، والذي ينتمي مقاتلوه لمحافظة دير الزور، بالعمل على محاربة تنظيم داعش في البادية الجنوبية والغربية، لكن دون الانطلاق أو الاستقرار في القاعدة، محافظاً على قواعد له في القلمون الشرقي والشريط الحدودي مع الأردن.

أصبح لقاعدة التنف، أو منطقة الـ 55 كما بات يُطلق عليها محلياً نتيجة مدى منطقة الحماية المشار إليه أعلاه، حضورٌ غير قابل للتجاهل في العمليات ضد تنظيم داعش، أو في التنافس للسيطرة على الحدود السورية العراقية لاحقاً بين الولايات المتحدة وإيران التي زجّت بقواتها في المناطق غرب وجنوب نهر الفرات، وهي المناطق التي كانت خارج غطاء طيران الولايات المتحدة بحسب الاتفاق بين واشنطن وموسكو بعد دخول الأخيرة على خط العمليات العسكرية في سوريا نهاية 2015.

لكنّ القاعدة، التي كانت حسب تصريحات قيادات فصيل سوريا الجديد وآمال مقاتليه نقطة انطلاق نحو تحرير مدنهم وبلداتهم في دير الزور من تنظيم داعش، كانت في الواقع كما سيظهَر لاحقاً مساحة عازلة للأخطار عن الأردن، وموضع قدم للولايات المتحدة في منطقة استراتيجية للغاية خلال حرب ضد تنظيم داعش، وتنافس استراتيجي مع إيران في المنطقة.

ليس بعيداً عن القاعدة، كان مخيم الركبان الذي أقيم على الشريط الحدودي مع الأردن ملاذاً للآلاف من الهاربين من تنظيم داعش وقوات النظام السوري، من أبناء وبنات المحافظات الشرقية أو ريف حمص الشرقي والقلمون. ضمّ المخيم أيضاً عائلات مقاتلي فصيل جيش سوريا الجديد، وعائلات مقاتلي الفصائل الأخرى التي تنشط في البادية لقتال تنظيم داعش بدعم من وزارة الدفاع الأميركية، مثل جيش أسود الشرقية من دير الزور وشهداء القريتين وقوات أحمد العبدو من ريف حمص والقلمون، اعتمد المخيم بشكل أساسي على المساعدات التي يتم إدخالها من الأردن في كل احتياجاته، بما فيها المياه بسبب طبيعة المنطقة الصحراوية والقاسية.

 في شهر حزيران (يونيو) عام 2016، شهدت منطقة التنف والمخيم حدثين سيؤثران كثيراً على مستقبل المنطقة، إذ تسبب هجوم انتحاري شنه تنظيم داعش عبر مخيم الركبان على المخفر الحدودي الأردني القريب بإغلاق الأردن للساتر الترابي الذي يفصل الحدود عن المخيم، فيما كان توقف دعم التحالف الجوي فجأة عن مقاتلي جيش سوريا الجديد في منتصف معاركهم ضد تنظيم داعش جنوب مدينة البوكمال سبباً في فشل هجومهم هناك، وهو الهجوم الذي كان يُعوَّل عليه ليكون بوابة انطلاق تحرير دير الزور من التنظيم عبر الجنوب وانطلاقاً من قاعدة التنف.

أضاع الأميركيون الفرصة كما صرَّحَ وزير الدفاع أشتون كارتر للصحافة بعد فشل المعركة، لكنّ تلك الفرصة لم تكن مجرد جولة عادية من القتال بالنسبة لمقاتلي جيش سوريا الجديد، فقد أدّت التطورات اللاحقة، ومن بينها دخول الميليشيات المدعومة إيرانياً على خط قتال تنظيم داعش غرب النهر، إلى إغلاق البوابة أمامهم للعودة إلى دير الزور التي أصبحت مقسمة بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي شرق نهر الفرات (منطقة الجزيرة) والميليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري المدعومة من الطيران الروسي غرب النهر (منطقة الشامية). أما مقاتلو دير الزور في البادية، فقد ظلّوا في البادية دون أي أمل بالعودة إلى بلداتهم.

 منذ تلك اللحظة كانت العودة إلى محافظة دير الزور مرهونة أميركياً بتبعية الفصائل في البادية لقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما رفضته تلك الفصائل. في الحقيقة، كانت الشروط الأميركية تعجيزية أحياناً أكثر من ذلك، إذ شملت تفكيك الفصائل والانضمام كعناصر لقوات سوريا الديمقراطية، وهي شروط كانت تخفي على ما يبدو خشية أميركية من العلاقة التي جمعت جبهة الأصالة والتنمية وفصائل الجيش الحر في دير الزور مع جبهة النصرة في وقت سابق، وهو ما كان يسبب هواجس أمنية أميركية ستؤدي إلى بقاء المقاتلين في منطقة الـ 55.

قادَ فصيل جيش أسود الشرقية محاولات منذ ذلك الوقت لمحاربة تنظيم داعش في البادية في المنطقة الممتدة من شرق السويداء وشرق القلمون نحو عمق البادية، واستطاع الفصيل على الرغم من قلّة مقاتليه تحقيق إنجازات ضد التنظيم، الذي بدأ بالتوجه نحو البادية بعد الخسائر التي لقيها أمام قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية.

كانت تلك العمليات التي لقيت دعماً مباشراً من البنتاغون ناجحةً إلى حد بعيد، ما ساهم في تحسين صورة أسود الشرقية، لكن ليس إلى الدرجة التي تؤدي إلى ضغط الولايات المتحدة على قسد من أجل عودتهم إلى محافظة دير الزور. لتنتهي تلك المحاولات بضغوط أردنية على التحالف الدولي، إذ كانت عمّان قد بدأت مساراً للتصالح مع النظام السوري، دفعت بنتيجته فصائل الجنوب في محافظتي درعا والقنيطرة إلى توقيع اتفاقات مع النظام السوري، وذلك برعاية روسية وموافقة أمريكية خليجية. كانت تحركات أسود الشرقية التي استهدف بعضها النظام السوري، بالإضافة إلى وجود مخيم الركبان، عبئاً على تلك الاتفاقات.

لم تبدأ الضغوط الأردنية على مخيم الركبان منذ بدء مسار التصالح مع النظام السوري، إلّا أنّها زادت للغاية وأصبحت عمليات إدخال المساعدات نادرة للغاية، ما أدى إلى تطور أوضاع إنسانية بالغة السوء في المخيم، وهو ما أثَّرَ بدوره على معنويات الفصائل في المنطقة. وبينما فضَّلَ فصيل أسود الشرقية سحب مقاتليه شمالاً، دخل فصيل شهداء القريتين ضمن منظومة جيش سوريا الجديد الذي كان أصبح اسمه مغاوير الثورة في ذلك الوقت.

عام 2018، قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإعلان عن سحب قوات بلاده من سوريا نتيجة ضغوط تركية. ذلك الإعلان، الذي جرى التراجع عنه تدريجياً، كان قد استثنى منذ البداية قاعدة التنف على الحدود مع الأردن. بقيت القاعدة موقعاً استراتيجياً على الرغم من تعويل الأردن على مسار تضمنه روسيا للتصالح مع النظام السوري مقابل إبعاد الوجود الإيراني عن الجنوب، وهي وعودٌ اتضح لاحقاً أنّها غير صحيحة أبداً، إذ كان كل موضع قدم لقوات النظام السوري ثغرةً تدخل منها الميليشيات الإيرانية لتجنيد المقاتلين وخلق قواعد عسكرية جديدة.

وبعد تراجع كبير في الدعم المقدّم للفصائل الموجودة في التنف، على الرغم من استمرارها في الوجود واستمرار تأمين الطيران لمحيط القاعدة، عادت الأنظار إليها مجدداً بعد اقتناع القيادة الأردنية بانّ الاتفاق مع النظام السوري لن يبعد الخطر الإيراني، وأضاف إلى ذلك المخاطر المترتبة على عمليات تهريب المخدرات التي ارتفع معدلها بشكل كبير في السنوات الماضية.

احتاجت الأردن والولايات المتحدة، التي لا تنظر إلى سيطرة إيران على معبر البوكمال الحدودي بين سوريا والعراق بعين راضية، إلى ما هو أكثر من المناورات التي أُجريت في البادية الشرقية للأردن تحت مسمى الأسد المتأهب صيف العام الماضي 2022. كان الوقت مناسباً لإعادة تشكيل الفصيل الموجود، ليَجري استخدام تهمة التوّرط في تهريب المخدرات نحو الأردن (وهو ما قد يكون صحيحاً) لإجراء ترتيبات جديدة في القاعدة والفصيل، وإبعاد شخصيات لم تكن على صلة جيدة مع الأردن نتيجة مشاكل سابقة ونتيجة الضغوط الأردنية وحصار مخيم الركبان، وتسليم قيادة جديدة من فصيل شهداء القريتين تحوز على رضا أردني.

إعادة التشكيل الجديدة، وعمليات التدريب العسكرية التي أُعلِنَ عنها من قبل قوات أميركية للعناصر الموجودين، بالإضافة إلى زيادة ميزانية القاعدة المرتفعة أصلاً، كل ذلك يبدو وكأنّه جزءٌ من استراتيجية جديدة لدعم الأردن مجدداً في خلق واقع جديد جنوب سوريا، الذي أصبح منطقة عبور أساسية للمخدرات، التي تنتجها معامل النظام السوري، نحو الأردن ودول الخليج عبر عدّة طرق من أبرزها الحدود الأردنية.

استراتيجية قد تهدف أيضاً لخلق منطقة عازلة عن النفوذ الإيراني، الذي أصبح ممسكاً بالكثير من المواقع الحيوية في مناطق سيطرة النظام السوري، خاصةً المناطق التي تعتبر بوابةً نحو جنوب سوريا. ضمن هذه المعادلة، فإنّ تقديم المزيد من الدعم وإعادة تشكيل فصيل قاعدة التنف سيكون جزءاً من استراتيجية أكبر لمواجهة تلك التحديات.

عام 2017 وخلال اجتماع جمع بعض الباحثين والمختصين السوريين مع المبعوث البريطاني إلى سوريا، قال المبعوث للحضور: ما الذي يمكننا فعله ما عدا قصف القصر الجمهوري؟. كانت تلك إشارة واضحة إلى أنّ القوى الدولية قد تجاوزت مرحلة دعم إسقاط النظام السوري. صحيحٌ أن الولايات المتحدة وحلفائها لم يكونوا في وارد تنفيذ عمليات عسكرية لإسقاط النظام في دمشق، وهو ما قاله مبعوثوها للمعارضة السورية منذ العام 2011، إلّا انّها نفذت استراتيجيات وقامت بالتنسيق للمساهمة بشكل غير مباشر في ذلك، وهو الأمر الذي تغير منذ سيطرة النظام على حلب نهاية عام 2016.

تقع قاعدة التنف على مثلث حدودي لا يمكن رؤيته على أرض الواقع، خطوط شبيهة باستراتيجية الولايات المتحدة التي لا تريد فعل شيء، لكنها تريد أن تظل ممسكةً بخيوط اللعبة لوقف تدهورها إلى حدود قد تضرّ بمصالح حلفائها في المنطقة. لم تنته قصة قاعدة التنف بعد، وهناك فصول جديدة ستكتب في هذه القصة الطويلة، لكنّ ما نعرفه حتى الآن أنّ هذه القاعدة تمثل شيئاً أكبر منها، وهو عدم رغبة واشنطن في القيام بتغييرات كبيرة وإصرارها في الوقت ذاته على منع أي مسار ليست راضية عنه.

موقع الجمهورية

———————————

أهداف التصعيد الأميركي-الإيراني الأخير في سوريا/ خالد حماده

واشنطن وطهران أعلنتا المسؤولية عن القصف وسط تهدئة اقليمية

أصدر الرئيس جو بايدن تعليماته للرد “بشكل سريع” على استهداف قاعدتين أميركيتين في سوريا يوم الخميس من الأسبوع المنصرم، وأضاف في رسالة للكونغرس السبت، أنّ الولايات المتّحدة على استعداد لاتّخاذ مزيد من الإجراءات بحسب الضرورة، للتّصدي لمزيد من التهديدات أو الهجمات، وأنّ قواته شنّت غارات دقيقة على منشآت في سوريا تستخدمها جماعات تابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني من ضمن حق الولايات المتّحدة في الدفاع عن النفس.

وصفت وسائل إعلام إيرانية الهجمات على القواعد الأميركية في حقليّ “كونيكو” و”العمر” النفطيين في محافظتيّ دير الزور والحسكة بالساخنة، وأتت الردود الأميركية على مواقع في شمال شرقي سوريا تستعملها المجموعات المواليّة لإيران كمحاور رئيسة لنقل الأسلحة والمقاتلين، وهي غالباً ما يتمّ استهدافها بغارات تتبنّى القوات الأمريكية عدداً منها ويُنسب بعضها إلى إسرائيل.

أعادت الولايات المتّحدة إهتمامها بهذه المنطقة حيث زارها رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي في 4 مارس/آذار الجاري لتفقد القوات الأميركية، وهي الزيارة الأولى له منذ تسلمّه منصبه في عام 2019. وبالتزامن قام وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بجولة بدأها في 5 مارس 2023 بزيارة إلى الأردن ثم مصر وإسرائيل، بهدف تعزيز التعاون والشراكة الأمريكية مع الدول الثلاث وإبداء الدعم والمساندة في مواجهة التهديد الإيراني. هذا الإهتمام الأميركي بشمال شرقي سوريا قابله تزايد في نشاط “داعش” إعتباراً من بداية العام، حيث شنّ التنظيم نحو 14 هجوماً خلال الأسبوعين الأوليْن من عام 2023، أدت إلى سقوط نحو 12 قتيلاً من قوات سوريا الديمقراطية، علاوة على إصابة أربعة جنود أميركيين في فبراير/شباط 2023. وبالمقابل كشف بيان للقيادة المركزية الأمريكية، نُشر في 4 مارس 2023، أنّ التحالف الدولي وشركاؤه الأكراد، نفذوا 48 عملية ضد التنظيم، بالإضافة الى كثافة مشهودة للضربات الإسرائيلية على مواقع تابعة للمليشيات الإيرانية.

يبدو التصعيد الأخير في شمال شرق سوريا هو الأخطر منذ العام 2019، مما يبعث على محاولة إلتقاط الرسائل التي يحملها في ضوء المستجدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وأهمها الإتّفاق الذي اتّخذت فيه القوتان الإقليميتان المتقابلتان إيران والسعودية خطوات نحو التقارب وتهدئة التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسع.

قال الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة الوسطى الأميركية أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب الخميس،ـ إنّ “القوات الإيرانية الضخمة والمزودة بموارد كبيرة تنشر عدم الإستقرار في جميع أنحاء المنطقة وتهدد شركائنا الإقليميين…. لقد أصبحت الطائرات دون طيار جزءاً من تهديد سريع التطور ينفذه وكلاء إيران في سوريا، حيث تقوم ميليشيات متخصصة بتشغيل أسلحة أكثر تطوراً لضرب أهداف أميركية هامة متجنبة الدفاعات الأمريكية”.

يبدو أنّ طهران تحاول الإستثمار في الإنشغال وربما الإرباك الأميركي، حيث تبدو الإدارة الأميركية منهمكة كلياً في الحرب الروسية على أوكرانيا، هذا بالإضافة الى إنشغالها بالصعود الصيني وما يرتّبه إنفتاح “بكين” على العديد من القوى الإقليمية والدولية، واحتمال الدخول في مواجهة معها. وبهذا المعنى فإنّ إيران ترى أنّ قدرات الولايات المتّحدة للتورط في المزيد من الصراعات تبدو محدودة. كذلك تريد طهران الفصل بين صراعها مع الولايات المتّحدة وصراعها مع الدول العربية، وبالتالي فإنّ الإتّفاق مع السعودية لن يمنعها من الإستمرار في توجيه الرسائل للولايات المتّحدة عبر سوريا. من جهة أخرى تريد إيران القول أنها لا زالت تمتلك العديد من الأوراق التي يمكن استخدامها لقلب الموازين. ومن هنا تكتسب هجمات الميليشيات المدعومة من إيران أو مقاتلي الدولة الإسلامية على القوات الأميركية أهمية محوريّة في أكثر الأوقات الأميركية حراجة.

ومن قبيل المزيد من التوظيف في الإرباك الأميركي، تحاول إيران من خلال تكثيف الهجمات إعطاء المزيد من الأوراق للجمهوريين الذين سعوا خلال الأسابيع المنصرمة إلى محاصرة بايدن، ودفع الكونغرس لإنهاء التفويض باستخدام القوات الأميركية بالشرق الأوسط وسحبها من دول الخليج والعراق وسوريا. هذا بالإضافة الى محاولة إيران الدائمة العودة الى دائرة الإهتمام الاميركي علّ ذلك يؤدي الى إعادة الحياة لملفها النووي.

أما على الصعيد الأميركي، فإنه لا يمكن فصل المواجهة الأخيرة  في شمال شرقي سوريا عن السياق السياسي في المنطقة، وبالتالي ليس أمام الولايات المتّحدة من خيار سوى الإستمرار بالضربات الجويّة لاستعادة ثقة حلفائها الإقليميين وتبديد فكرة خروجها من المنطقة والتأكيد على دورها في مكافحة الإرهاب والتمسّك بحلفائها الأكراد ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية.

من هنا يبدو التماهي بين الأهداف الإسرائيلية والأهداف الأميركية في تكثيف الهجمات في سوريا واستهداف الميليشيات الإيرانية لتحجيم نفوذ طهران أو جعل التحالف معها مكلفاً سواء على صعيد المكتسبات السياسية أو العسكرية. هذا بالإضافة أنّ الخارجية الأميركية التي رحّبت بالإتّفاق السعودي الإيراني وبأي إتفاق يؤدي الى استقرار المنطقة تثابر على إعلان تشكيكها بنوايا إيران في الإلتزام بعدم دعم ميليشياتها.

لا شك إنّ الضربات الإنتقامية الأميركية بالرغم من ضراوتها  فهي ليست مرجحة بما يكفي لردع سلوك إيران أو تصرفات وكلائها أو لجعلها تستشعر أنّ هذه الهجمات ستؤدي إلى عواقب لا يمكن تحمّلها. وهذا يجعل التساؤل حول مدى إستعداد الرئيس بايدن المضي بشكل أكثر إصراراً لتأكيد فعاليّة الردع الأميركي، واستعادة ثقة حلفائه في المنطقة رهاناً محفوفاً بالمخاطر.

—————————–

جدل في واشنطن حول التوتر العسكري مع إيران في سوريا.. ما علاقة روسيا بإعادة تأهيل الأسد؟/ محمد المنشاوي

واشنطن – بالتزامن مع تزايد التوتر العسكري في سوريا، يبدو أن دوائر الحكم الأميركية باتت ترى الأزمة السورية في مفترق طرق للصراع في الشرق الأوسط.

يأتي ذلك بعدما توعد الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراءات إضافية لوقف الهجمات التي تستهدف القواعد الأميركية في سوريا، في حين هددت طهران بالرد عقب القصف الأميركي لمجموعات موالية لها هناك.

وتتعرض القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا لهجمات بالصواريخ والطائرات من دون طيار من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأت روسيا تحليق مقاتلات مسلحة فوق القواعد الأميركية هناك، التي يوجد فيها ما لا يقل عن 900 جندي أميركي.

ويشعر الإيرانيون بأنهم إذا تمكنوا من إلحاق خسائر كافية بالمواقع الأميركية، فإن إدارة بايدن ستغادر سوريا كما فعلت مع أفغانستان، كما يشعر الأميركيون بأنهم إذا ردوا بطريقة قوية فسيكون ذلك رادعا لإيران عن مزيد من الهجمات.

في هذا السياق، يرى البروفيسور في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية جودت بهجت أنه “لا جديد في هذه الاشتباكات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، ولا ينبغي للمرء أن يقرأها كثيرا”، وفق حديثه للجزيرة نت.

في حين أكد منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن بلاده لا “تسعى إلى حرب مع إيران، نحن لا نبحث عن صراع مسلح مع ذلك البلد أو حرب أخرى في المنطقة، نحن نسعى لحماية مهمتنا في سوريا، والتي تتعلق بهزيمة تنظيم الدولة”.

بدورها، تقول الخبيرة بالشؤون الإيرانية في معهد ستيمسون بواشنطن باربرا سلافين -للجزيرة نت- إنها ليست متأكدة من السبب الذي أثار الاشتباكات الأخيرة، لكن “إيران سعت منذ مدة طويلة إلى الحد من البصمة العسكرية الأميركية في المنطقة، ويبدو أنها وافقت على وجود 2500 مدرب أميركي في العراق، لكن المليشيات المدعومة من إيران تلاحق على نحو متزايد الوحدة الأميركية الصغيرة من القوات في سوريا”.

وفي جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الخميس الماضي، قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا إن إيران ووكلاءها أطلقوا طائرات من دون طيار أو صواريخ 78 مرة على القوات الأميركية منذ بداية عام 2021، أي ما يقرب من هجوم واحد كل 10 أيام.

ويعتقد المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر في كلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش أن “إيران لم تخف رغبتها في رؤية الولايات المتحدة تغادر منطقة الشرق الأوسط بأكملها”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول روش إن “الوجود الأميركي في سوريا -التي تحولت إلى دولة عميلة لإيران- يثير غضب الإيرانيين بشكل خاص، حيث يمنع الوجود الأميركي الإيرانيين من إنشاء جسر بري من إيران عبر العراق وسوريا نحو حزب الله في لبنان، كما يمنع نظام بشار الأسد من تصفية المعارضة السورية في منطقة جيب التنف”.

ويضيف “يشعر كل من الإيرانيين ونظام الأسد بأن قوات سوريا الديمقراطية الكردية ستنهار بسرعة في غياب الدعم الأميركي، وذلك يسمح للأسد باستعادة المحافظات المنتجة للنفط، وتصوير نفسه على أنه حصن ضد التهديد الدولي لتنظيم الدولة، لذلك قدم الإيرانيون الأسلحة (والتوجيه في بعض الحالات) لمختلف المليشيات السورية لمهاجمة المواقع الأميركية في سوريا”.

 هدوء أم تصعيد؟

يقول روش إن “هناك مؤشرات على أن مختلف المليشيات السورية التي ترعاها إيران ربما تكون قد وزعت قدراتها العسكرية بين المنشآت المدنية، وذلك لردع الولايات المتحدة عن شن هجمات كبرى من شأنها أن تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، وهذه هي الممارسة التي يستخدمها حزب الله اللبناني وربما تكون قد ردعت ضربة كبيرة عاجزة ضد المصالح الإيرانية”.

ويتابع “مع ذلك، فإن كلا الجانبين قد حصر عمله في سوريا، وإذا ضربت إيران المصالح الأميركية في العراق أو في أي مكان آخر فمن المحتمل أن ترد الولايات المتحدة مباشرة ضد هدف إيراني خارج سوريا كعلامة على وجود ردع. وكما حدث سابقا، سيعلن الوكلاء الإيرانيون تحديهم للشيطان الأكبر ويعودون إلى الظل”.

وتربط باربرا سلافين هذا التصعيد مع تزايد الدلائل على أن سوريا سيعاد تأهيلها وقبولها في المنظومة العربية، ويبدو أن هذه المليشيات اعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لتذكير واشنطن بأنها تتدخل في سوريا ضد رغبات نظام الأسد ورعاته الإيرانيين.

وتشير كذلك إلى أن “من المحتمل أن يكون الاتفاق الإيراني السعودي الذي أعلن أخيرا والوعد السعودي باستعادة العلاقات مع سوريا بعد شهر رمضان من العوامل المؤثرة في التوقيت”.

وتتوقع سلافين “مزيدا من الاشتباكات في المستقبل القريب؛ بعد أن انتهت هذه الحلقة من الاشتباكات في الوقت الحالي”.

ويشير جودت بهجت إلى أن القادة الإيرانيين “لطالما دعوا إلى انسحاب القوات الأميركية من الشرق الأوسط بأكمله واستخدموا دائما طائراتهم من دون طيار وصواريخهم وزوارقهم السريعة وقدراتهم السيبرانية لإثبات وجهة نظرهم، وفي الوقت نفسه أصر كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، دائما على أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود قوي في الشرق الأوسط”.

ويؤكد جودت أن “كلا من طهران وواشنطن لا تسعى إلى حرب شاملة، ومن المرجح أن تحاولا تهدئة الأزمة الحالية ومن غير المرجح أن توقفا هجماتهما وهجماتهما المضادة. والتحدي هو أن هذه البيئة المهتزة يمكن أن تثبت أنها غير مستدامة وتفتح الباب أمام سوء التقدير”.

وعند سؤاله عن الهجمات المتبادلة بين المليشيات التابعة لإيران وواشنطن، رد وزير الدفاع السابق مارك إسبر بالقول إن “السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق هو: ما الذي يحدث مع إيران وجهودها النووية؟ وقد سمعنا بعض الأخبار المقلقة اليوم بأنها ربما تقترب أكثر فأكثر من امتلاك يورانيوم عالي التخصيب، وربما تكون قد تمتلك بالفعل القدرة على إنتاج قنبلة نووية”، وذلك في حديث مع شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية.

المصدر : الجزيرة

————————

تصعيد في سوريا… وهدنة في الاقليم/ إبراهيم حميدي

لم يكن جديدا تبادل الضربات بين أميركا وايران في شمال شرق سوريا. فتنظيمات طهران قرب دير الزور، كانت تعرضت سابقا لـ”غارات غامضة” شنّتها قوات واشنطن وتل أبيب. وكان سبق للقوات الأميركية أن ردت بقصف مدفعي أو من “مسيرات”.

في السنوات الماضية، كانت هذه “الرسائل” تقليدية، لكن أمورا جديدة تحدث في هذه الجولة من الضربات، من حيث اللغة والتوقيت والمآلات، وكأن “سوريا الروسية- الايرانية” تتمدد وتختبر أميركا وعزمها على ابقاء قواتها.

الأمر الأول، ان أميركا وايران أعلنتا بوضوح مسؤوليتيهما عن الضربات، من أعلى المستويات. مواقع أميركية تعرضت للقصف مما أدى إلى قتل “متعاقد” وجرح آخرين، ردت عليها أميركا بغارات نفذتها طائرات انطلقت من قاعدة العديد في قطر، ثم ردت إيران على رد أميركا التي ردت بدورها.

الادانة الإيرانية لـ”الهجوم الارهابي العدواني” لم تكن غامضة بدورها، بل جاءت بلسان الناطق باسم حكومة طهران، فيما جاء الموقف الأميركي مباشرة من الرئيس جو بايدن حين صرح بأن “الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنّها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها”. أميركا تقول إنها لاعب في “المسرح” السوري. إيران تقول إنها طرف في “اللعبة” السورية.

الأمر الثاني، ان هذه الجولة الأميركية – الإيرانية اشتعلت وسط تهدئة في العراق، حيث بعثت تنظيمات موالية لإيران برسائل إلى دول غربية أعربت فيها عن رغبتها بالتهدئة. بالفعل، التزمت هذه التنظيمات عدم استهداف المصالح الغربية، وحيدت المسرح العراقي عن التوتر بين طهران وواشنطن. وهكذا لم يعد العراق في الأشهر الأخيرة، “صندوق بريد” بين أميركا وإيران.

ثالثاً، لا بد من الإشارة هنا، إلى النقاش الحاصل في الكونغرس الأميركي ازاء الغاء تفويض “استخدام القوة العسكرية في العراق”. في حال إلغاء هذا التفويض، فإن السند القانوني للوجود الأميركي شرق سوريا، هو دعم الحملة في العراق، ضد تنظيم “داعش” وليد “القاعدة”، الذي كان الكونغرس قد خوّل الادارة ملاحقته بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

رابعاً، في الصورة الأوسع، جاءت هذه الضربات وسط تهدئة اقليمية: غزل عربي مع العراق لإعادته إلى “الحضن العربي”، مصالحة مصرية – تركية، اتفاق سعودي – إيراني لاستئناف العلاقات الديبلوماسية في رعاية صينية، وخطوات عربية للتطبيع مع دمشق لإعادتها إلى “الحضن العربي”، مع قبول  بـ”سوريا الروسية- الإيرانية”  بدلاً من الرهان على “سوريا الروسية” لاخراج ايران من سوريا.

خامساً، هناك خطوات أخرى استبقت التصعيد. ذلك أن طائرات روسية حلقت خلال شهر مارس/آذار لأكثر من 25 مرة فوق قاعدة التنف الأميركية في جنوب شرق سوريا، حيث باتت الطائرات الروسية، تتصرف بطريقة مختلفة عن التفاهمات بين موسكو وواشنطن.

للعلم، ان اميركا وروسيا اتفقتا في منتصف 2017، على مذكرة “منع الصدام” بما يتضمن التنسيق بين جيشي البلدين في الأجواء والأراضي السورية بحيث لا يحصل صدام بين القوتين العظميين. وعندما خففت أميركا انتشارها في 2019، جرى تأكيد التزام الاتفاق. لكن هذا لم يعد موجودا. فقبل أسابيع، زار قائد الأركان الاميركي مارك ميلي قواته في شمال شرق سوريا، في خطوة تمثل أرفع زيارة لمسؤول أميركي إلى هذه المناطق.

ربما أراد ميلي، الذي يغادر منصبه قريبا، تأكيد التزام استمرار وجود قواته. رسالة إلى دمشق وطهران وموسكو. لكن واقع الحال، أن كثيرا من الاحتكاكات والاختبارات يقوم بها الجانب الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا في بداية العام الماضي. سوريا التي كانت ساحة لتهدئة أميركية – روسية بعد حرب أوكرانيا، تخضع لاختبار جديد وسط تصاعد المواجهة الغربية – الروسية في أوكرانيا. هذا كله يأتي أيضا وسط تحالف بين المسيرات الإيرانية والصواريخ الروسية في الأرض الأوكرانية.

سادساً، الاختبار الأخير، لا يمكن عزله عن رغبات دمشق المنتعشة برياح التطبيع التي تهب من دول عربية، وتلك التي تنتظر مواسمها من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الساعي إلى تجديد انتخابه في مايو/أيار بدعم اقليمي وعربي وروسي. وضعت دمشق في أولوياتها مطلب “انهاء الاحتلالات”، ردا على دعوات الرئيس فلاديمير بوتين الأسد إلى لقاء أرودغان. وربما يكون الضغط على الأميركيين شرق الفرات، هو نقطة التلاقي السوري – الايراني – الروسي، طالما أن انهاء “الاحتلال التركي” مطلب خلافي بين دمشق وطهران وموسكو.  هنا ننتقل، إذاً، من “سوريا الروسية – الايرانية” إلى “سوريا الروسية – الايرانية – التركية” ضد الجيب الأميركي.

خلاصة الرسائل، انه إذا كان لا بد من “انسحاب” وانهاء لـ”وجود غير شرعي”، فليكن في شمال شرق سوريا. على الأقل، وضع هذه العبارات في الخطاب واللغة والضربات حاليا.

المجلة

————————–

ماذا تقصد روسيا من تحليق طيرانها فوق قاعدة التنف؟

لم تغب طوال الشهر الجاري، الطائرات الروسية المسلحة عن سماء منطقة التنف، حيث الحامية العسكرية الأميركية في سوريا.

هذا التصرف اعتبره قائد عسكري أميركي، بمثابة انتهاك لاتفاق عمره أربع سنوات بين الولايات المتحدة وروسيا “ومخاطرة” بالتصعيد.

وعام 2019، وضعت الولايات المتحدة وروسيا، مجموعة تدابير جوية فوق سوريا لتجنب المواجهات العرضية أو أي تحركات استفزازية، حيث اتفق الجانبان على أن التحليق الجوي المباشر فوق مواقع الطرف الآخر، خاصة من قبل طائرات مسلحة، “أمر غير مقبول”.

وعام 2016، أنشأت القوات الأميركية والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قاعدة التنف العسكرية في منطقة الـ 55 شرقي حمص، قرب مثلث الحدود بين سوريا والأردن والعراق.

وتعتبر القاعدة الموقع الوحيد للقوات الأميركية جنوبي سوريا، بينما يتركز انتشار الولايات المتحدة العسكري في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي البلاد.

وقال قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأميركية، اللفتنانت جنرال أليكسوس غرينكويتش، إن تحليق الطيران الروسي فوق قاعدة التنف العسكرية التي تضم قوات للتحالف الدولي وقوات أميركية، كان شبه يومي خلال الشهر الجاري.

وأضاف لشبكة “إي بي سي نيوز” أن “الطائرات الروسية انتهكت المجال الجوي فوق القاعدة ما يقرب من 25 مرة حتى الآن هذا الشهر، مقارنة بـ ولا مرة في الشهر الماضي و14 مرة في كانون الثاني/ يناير من هذا العام”.

وشدد غرينكويتش، على أن هذا العدد يمثل “زيادة كبيرة، وفي حال استمروا بهذا المعدل فيمكن أن يصل العدد لضعف ما كانت عليه في السابق”.

واعتبر أن الوضع “غير مريح” في ظل أن الروس “يحلقون بشكل منتظم فوق الوحدات العسكرية للقوات الأميركية”.

وقال غرينكويتش، إن الروس أبلغوا الأميركيين أنهم “لا يعترفون بالمجال الجوي فوق قاعدة التنف بأنه مجال جوي للولايات المتحدة أو أنهم يستجيبون لنشاط التحالف الدولي في المنطقة”.

وأشار إلى أن من بين الطائرات الروسية التي تحلق فوق القاعدة الأميركية مقاتلات “سوخوي 34″، وبعضها يحمل صواريخ جو ــ جو، أو جو ــ أرض، وقنابل وصواريخ موجهة بالرادار والأشعة تحت الحمراء.

واستبعد غرينكويتش، أن يكون لدى الروس أي حافز لاستخدام الأسلحة ضد الجيش الأميركي في سوريا، لكنه أشار إلى أن ما يحصل “يزيد فقط من خطر سوء التقدير”.

وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، إن بلاده تعمل على “تحليل أنماط السلوك الروسي لكي تتمكن من تحديد الخطوة التالية”.

وأشار “ميلي” إلى أن السلوك الروسي لا يتعلق بالولايات المتحدة فقط، بل أيضاً ببريطانيا ودول أخرى.

“تصعيب الوجود الأميركي”

قال الخبير العسكري أحمد رحال، لنورث برس، إن التحرشات الروسية في قاعدة التنف تترافق تماماً مع التحرشات الإيرانية على معمل كونيكو وقاعدة العمر النفطية التي تتواجد فيها قوات أميركية، “بمعنى أن هناك تنسيق روسي إيراني لتصعيب الوجود الأميركي في سوريا، وخلق ساحة استنزاف أميركية داخل الأراضي السورية”.

وأمس السبت، تبادلت القوات الأميركية وفصائل إيرانية متواجدة بدير الزور في مناطق  تسيطر عليها الحكومة، القصف الصاروخي، وخلف القصف مقتل وإصابة 13 عنصراً من الفصائل الإيرانية، بحسب مصادر نورث برس.

والخميس الفائت، استهدفت مسيرة إيرانية لقاعدة أميركية في شمالي سوريا، تسببت بمقتل متعاقد  أميركي وإصابة جنود آخرين.

ويرى رحال، أن “أوراق الضغط على إيران باستهداف شحناتها سواءً من التحالف أو إسرائيل، الداعم الغربي للجيش الأوكراني، هناك مقابل له في سوريا، وبالتالي تحاول روسيا وإيران انتزاع أوراق أو تنازلات أميركية من خلال التحرشات التي يقومون بها”.

إعداد وتحرير: قيس العبدالله 

نورث برس

———————

إيران على خط مواجهات سوريا… بتحذير للأميركيين

قالت إنَّها سترد بـ«حسم» على استهداف قواعد ميليشيات تابعة لها

سادَ الهدوء شرق سوريا، أمس، غداة مواجهات بين القوات الأميركية، وفصائل مسلحة مرتبطة بـ«الحرس الثوري» الإيراني، لكن هذا الهدوء الميداني ترافق مع تصعيد لافت في الموقف الإيراني ضد الأميركيين، إذ حذَّرت طهران من ردّ «حاسم» في حال استهداف قواعد تم إنشاؤها في سوريا بطلب من حكومتها.

وجاء دخول إيران على خط المواجهة بين ميليشيات مرتبطة باستخباراتها، وبين القوات الأميركية في شرق سوريا، على رغم إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارة له إلى أوتاوا بكندا الجمعة، أنَّ «الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنَّها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها».

وصدر التحذير الإيراني غداة مقتل 19 مقاتلاً، أغلبهم من المجموعات الموالية لإيران، جرَّاء ضربات جوية أميركية طالت قواعدَ عسكرية ومخازن أسلحة في شرق سوريا ليل الخميس – الجمعة ردّاً على ضربة بطائرة مسيّرة قتلت متعاقداً أميركياً. وليل الجمعة، استهدف مقاتلون موالون لإيران مجدداً قواعدَ في شرق سوريا توجد فيها قوات أميركية، فيما ردَّت الأخيرة بتنفيذ ضربات جوية جديدة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

ونقلت وكالة «نورنيوز» عن المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي قوله أمس إنَّ «أي مُسوّغ لاستهداف القواعد التي تم إنشاؤها بناءً على طلب الحكومة السورية للتصدّي للإرهاب وعناصر (داعش) في هذا البلد، سيقابل بردّ مضاد وحاسم». ونفى خسروي تورط إيران في الهجوم على قواعد أميركية في سوريا، قائلاً: «لا يمكن لواشنطن أن تنسبَ المواجهة الطبيعية والقانونية للدول المحتلة (سوريا) مع القوات العسكرية الأميركية إلى دول أخرى».

الشرق الأوسط

————————

إيران وروسيا لـ”طرد” أميركا من سوريا/ عبدالوهاب بدرخان

حرصت واشنطن على إعلان أنها لا تبحث عن صراع مع إيران بعدما دمّرت طائراتها مواقع لـ”الحرس الثوري” الإيراني وميليشيات تابعة له. أما طهران فأعلنت العكس وانتهزت الواقعة لتطرح مجدّداً “عدم شرعية” الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا، وبدء “المقاومة” ضدّه بهدف إخراجه. وفي السياق أشار الناطق باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى أن القواعد الإيرانية الموجودة في المنطقة أنشئت “بطلب من الحكومة السورية للتصدّي للإرهاب”، ومع أن دمشق لم تعلن ذلك سابقاً، إلا أنها لن تجد ضرورة لتكذيبه، فإيران تتصرّف دائماً وفقاً لخططها ومشروعها، وكثير مما تفعله لا يكون بطلبٍ أو بإذنٍ من النظام. والأكيد أن المنطقة الشاسعة التي استولت عليها وعسكرتها بين دير الزور والبوكمال والميادين هي لتسهيل التواصل بين الجماعات التابعة لها عبر الحدود السورية – العراقية. أما مكافحة الإرهاب وتنظيم “داعش” فهي ذريعة تبقى مفيدة لأي طرف يريد أن يبرّر تدخّله في سوريا.

كان أُشير إلى “عدم شرعية” الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا في أكثر من مناسبة، تحديداً من جانب الروس كلّما تعقّدت العلاقة بينهم وبين الأميركيين حول الملف السوري أو سواه أحياناً (قبل غزو أوكرانيا)، ومن جانب الإيرانيين والنظام السوري، كما انضمّ الأتراك إليهم في الفترة الأخيرة حين اعتبروا الرفض الأميركي لتوسيع منطقتهم الآمنة “حماية للإرهابيين” (والمقصود هنا هم الكرد). وفيما يتمترس الأميركيون وراء لافتة “التحالف الدولي ضد الإرهاب” ورعايتهم “قوات سوريا الديموقراطية” الكردية للبقاء في شمال سوريا، كذلك في قاعدة التنف في الجنوب، فإن المتغيّرات التي أحدثتها حرب أوكرانيا فرضت أوضاعاً جديدة في سوريا، خصوصاً بعد انحياز إيران الكامل إلى جانب روسيا وتزويدها مسيّرات وصواريخ. لم تعد روسيا تمانع شنّ إيران هجمات على القواعد الأميركية من دون مشاركة قوات روسية فيها، لكنها التزمت ممانعتها شنّ إيران هجمات ضد إسرائيل وحافظت على التنسيق مع الأخيرة في ضرباتها الصاروخية للمواقع الإيرانية في سوريا.

قبل ساعات من المواجهة الأخيرة كان قائد عسكري أميركي يسجّل، مشيراً إلى “مخاطر تصعيد”، أن طائرات روسية حلّقت باستمرار فوق قاعدة التنف في الجنوب السوري خلال هذا الشهر، كما فعلت في بداية السنة، رغم اتفاق عمره أربعة أعوام بين الطرفين. هذه القاعدة تقع عند ملتقى الحدود السورية – العراقية – الأردنية وترعى فصيل “جيش سوريا الحرّة” (مغاوير الثورة سابقاً)، الذي لا يقاتل قوات النظام ويقول الأميركيون إنهم يستخدمونه ضد محاولات تنظيم “داعش” اختراق تلك المنطقة. في اليوم نفسه (الخميس 23/03) كان يُعقد في عمان اجتماع للمجموعة الدولية المعنية بالأزمة السورية (بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية)، ومع أن المجتمعين ركّزوا على ضرورة الحفاظ على التفويض الأممي للمساعدات الإنسانية عبر الحدود وتوسيع نطاقه، إلا أنهم جددوا دعمهم تطبيق القرار الدولي 2254 الذي ينص على انتقال سياسي في سوريا. ولا بدّ أن اجتماعاً كهذا مستفزّ لروسيا وإيران، خصوصاً أنه جمع دولاً عربية مقبلة على تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد إلى جانب دول غربية لا تزال متمسّكة بشروطها المسبقة لهذا التطبيع (حل سياسي، عودة آمنة للاجئين…).

وكانت الزاوية الإنسانية التي يُنظر منها إلى الشأن السوري، وإلى تبرير التقارب مع نظام الأسد، تعرّضت لاختبار قبل أيام قبيل انعقاد مؤتمر الدول المانحة في بروكسل لمساعدة تركيا وسوريا على مواجهة أضرار الزلزال. رفضت الدول الأوروبية الأساسية طلب حكومة دمشق دعوتها إلى المؤتمر، رغم موافقة خمس دول (إيطاليا واليونان والمجر ورومانيا والنمسا)، وفيما خصّصت مساعدة لإعادة الإعمار في تركيا، اقتصرت المساعدة لسوريا على تأهيل الأبنية والمرافق المتضرّرة، أي أن أوروبا لا تزال مصرّة على وضع أي مساعد لإعادة الإعمار في سوريا مقابل التقدّم نحو حلٍّ سياسي.

في الأثناء بدأت موسكو التعامل مع “اتفاق بكين” لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران على أنه عنصر توازن من شأنه أن يخفّف وطأة العقوبات الغربية على النظام السوري، وأن يخفّف أيضاً على روسيا (وإيران) أعباء دوريهما في سوريا، خصوصاً أن ظروفهما اضطرتهما للتوقف منذ نحو عامين عن تقديم أي مساعدة مالية أو عينية للنظام. لكن موسكو فوجئت، وبعضٌ من مصادرها يقول إنها صُدمت، بالتشدّد الذي أبداه الأسد في زيارته الأخيرة حيال أي مصالحة مع تركيا، وهو ما يُعتبر هدفاً روسياً استراتيجياً. قالت تلك المصادر إنه كان مستقوياً بالموقف الإيراني، ومراهناً من جهة على دعم خليجي وعربي بات ممكناً، ومن جهة أخرى على انتخابات تركية تُسقط رجب طيب أردوغان الذي تدعم موسكو بقاءه في السلطة. وهكذا فإن إيران لم تنجح فقط في إقحام نفسها في المسعى الروسي للتطبيع مع الأسد وتركيا، بل استطاعت أيضاً أن تعطّل هذا المسار.

وبالعودة إلى التوتير في شمال شرقي سوريا، يتبدّى أكثر فأكثر أن حرب أوكرانيا فتحت أمام إيران خطاً لاستثمار الأزمة الدولية ولمتابعة استراتيجيتها الخاصة القائمة على “طرد” الولايات المتحدة من المنطقة، ما لن تمانعه روسيا أو الصين بل يمكن أن تشجّعا عليه. لكن الظرف الأوكراني واضطرار روسيا لسحب الكثير من قواتها أتاحا لإيران أن تتسيّد الساحة السورية، مستندة إلى استقطابها جزءاً رئيسياً من قوات النظام، وفيما بدأت قبل عام تدريباً لميليشياتها على استخدام المسيّرات، راحت تستغلّ التغاضي الروسي لتكثيف الهجمات بـ”الدرونز” على القواعد الأميركية، وفقاً لسيناريو طُبّق في العراق وحقّق نجاحاً بفرض انسحاب أو إعادة انتشار أميركي، لكن يجري تنقيحه لملاءمة الوضع الميداني في سوريا.

أصبحت المواجهة الأميركية – الإيرانية في سوريا أكثر وضوحاً، فرغم أن طهران تحاول تصوير نفسها كأنها موجودة بالصدفة في دير الزور والبوكمال والميادين، إلا أن واشنطن اعتبرتها مسؤولة مباشرة عن الهجمات على قواعدها، أي أن الردّ بغارات جوية قتل فيها 19 من عناصر ميليشياتها يُفترض أن يكون رادعاً. ليس عدد القتلى أو الوسائل العسكرية المستخدمة ما يمكن أن يردع طهران، إذ إن ردّها الأول أشار إلى “عدم وجود إيرانيين” بين القتلى، قبل أن تتوعّد بـ”ردٍّ مضاد وحاسم”. لذلك يرى مراقبون أن الجانب الأميركي تأخر كثيراً إذا كان هدفه الردع، وأن ردعه لم يعد كافياً أو فاعلاً، فالإيرانيون أقاموا بنيتهم العسكرية تحت أنظاره ولم يخفوا أهدافهم. المواجهة لا تزال في بدايتها، وإذ تبدو الآن غير متكافئة بالسلاح، فإنها قد تفاجئ الأميركيين، خصوصاً إذا قرّرت موسكو دعم إخراجهم من سوريا.

النهار العربي

———————

تحليل إسرائيلي: إيران تسعى لرسم “خطوط حمراء” في شرق سورية

رغم أن استهدافات الميليشيات الإيرانية للقواعد الأمريكية في شرق سورية كانت حالة ثابتة شهدتها السنوات الماضية، إلا أن النسخة الأخيرة منها بدت مختلفة على نحو لافت، من زاوية الدرجة المتعلقة بالتصعيد والسياق الزمني الذي جاءت فيه.

وعلى مدى ليلتين قصفت هذه الميليشيات قواعد متفرقة في دير الزور والحسكة، ما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين وإصابة آخرين، ودفع الجيش الأمريكي للرد بشكل “محسوب”، بناء على أمر من الرئيس، جو بايدن.

وفي وقت وجه مسؤولون إيرانيون تهديدات للولايات المتحدة استخدمت الأخيرة ذات اللهجة لكن بوتيرة أخف، وضمن سياق بعيد عن الصراع، بحسب ما أشارت إليه سلسلة بيانات من وزارة الدفاع “البنتاغون”.

في غضون ذلك وبعدما غاب اسم الجهة التي نفذت عمليات القصف على القواعد الأمريكية أعلنت جماعة مسلحة موالية لإيران اسمها “لواء الغالبون” تبنيها للهجمات، اليوم الاثنين.

ونشرت الجماعة للتأكيد على ذلك تسجيلاً مصوراً أظهر إطلاق طائرة مسيّرة انتحارية، لطالما استخدمتها إيران في العراق، ومؤخراً روسيا في نطاق حربها ضد أوكرانيا، وبعدما اشترت دفعات منها من طهران.

    – نشر أحد الفصائل الأرهابيه التابعه للحرس الثوري الإيراني – لواء الغالبون – هذا الفيديو الذي يظهر فيه عملية إطلاق للمسيرات الأنتحارية أبابيل 2 الإيرانية.

    – استهدفت ابابيل 2 القاعدة العسكرية الأمريكية في الحسكة بسوريا يوم الخميس مما أسفر عن اصابة ستة أمريكان بجروح ووفاة واحد. pic.twitter.com/AdCPzzUvoD

    — Khalaf 🚀 (@outofthehook) March 27, 2023

ويشير تحليل نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، اليوم، إلى أنه “وبسبب الصفقة الأخيرة بين إيران والسعودية وكذلك المصالحة السورية في الخليج قد تعتقد طهران أنه بإمكانها الآن التركيز على الولايات المتحدة”.

ولا تزال الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد القوات المدعومة من إيران في سورية، الأسبوع الماضي، يتردد صداها في جميع أنحاء المنطقة.

وفي المقابل تقول الصحيفة إن “النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا موقفاً أكثر صرامة مما كان عليه في الماضي”.

وقد أدان النظام الضربات الأمريكية، كما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة من أن الولايات المتحدة “ستتصرف بقوة” لحماية الأمريكيين.

ومع ذلك، شنت الميليشيات المدعومة من إيران في سورية مزيداً من الهجمات على القوات الأمريكية يوم الجمعة، حيث استهدفت قاعدة وأصابت عنصراً عسكرياً أمريكياً.

ويرى تحليل الصحيفة الإسرائيلية أن “هذه الحرب الكلامية بين واشنطن وسورية مثيرة للاهتمام ومهمة”، وأن النظام السوري وإيران بالتزامن يسعيان لرسم “نوع من الخطوط الحمراء” في شرق سورية.

“النظام يريد الضغط على الولايات المتحدة لمغادرة سورية، ويتصرف بالتنسيق مع إيران والميليشيات”.

وفي غضون ذلك، أقدم النظام على تطبيع العلاقات في الخليج ويسعى إلى مزيد من التطبيع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وهذا يعني، بحسب الصحيفة الإسرائيلية أن “النظام يريد استخدام التطبيع كنقطة ضغط محتملة ضد الولايات المتحدة، باستخدام الميليشيات الإيرانية لأنه يمكنه بعد ذلك إنكار المسؤولية”.

ويشابه السيناريو المذكور الطريقة التي تعمل بها إيران في لبنان، باستخدام “حزب الله” لتهديد إسرائيل، ومن ثم جعل الحكومة اللبنانية تستفيد من خلال التظاهر بأنها غير مسؤولة.

وتضيف الصحيفة: “نظراً للاتفاق الأخير بين إيران والسعودية، وكذلك المصالحة السورية في الخليج، قد تعتقد إيران أن بإمكانها الآن التركيز على الولايات المتحدة، بعد أن حيدت بشكل أساسي بعض الدول الأخرى التي عارضت وجودها”.

وحتى الآن لا يعرف ما إذا كان التصعيد الحاصل بين القوات الأمريكية وميليشيات إيران سيستمر في الأيام المقبلة وكيف ستكون مآلاته.

وأعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الجمعة، في أوتاوا الكندية أن “الولايات المتّحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران”، غداة تنفيذ الجيش الأميركي ضربات جوية في سورية، أسفرت عن مقتل مقاتلين موالين لإيران.

لكن وفي أعقاب ذلك هددت إيران الولايات المتحدة الأمريكية بالرد في حال تعرضت قواعدها العسكرية في سورية للهجوم، وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الإيراني، كيفان خسروي إن “أي ذريعة لمهاجمة القواعد التي تم إنشاؤها بناءً على طلب الحكومة السورية للتعامل مع الإرهاب وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية في هذا البلد ستقابل على الفور برد فعل مماثل”.

وأضاف أن “اتهامات واشنطن لطهران بالهجوم على قواعد أمريكية في سورية غير صحيحة”، مشيراً إلى أن بلاده “تعارض استهداف استقرار سورية، وتحملها تكاليف لمواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار فيها”.

——————————-

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى