تحقيقات

أدهم وندوى… ثنائي عبر القوارب غير الشرعية من أجل لقاء مؤجل في ألمانيا


“هذا الأمر يجعلني أشعر بالارتياح: المواطنة. أرغب فقط في الشعور بالأمان”. يروي الجزء الأول من سلسلة مؤلفة من أربعة أجزاء قصة عائلة سورية تسعى إلى الاندماج في موطنها الجديد في ألمانيا.

دان روزنزفايج-زيف، لموقع “ذا نيو هيومانتيريان” (The New Humanitarian) المستقلّ المعني بإبراز القضايا الإنسانية.

وصل أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا بين عامي 2015-2016، معظمهم من السوريين الفارين من الحرب الأهلية في بلادهم، وصلوا إلى البلاد عبر رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن الأمان والاستقرار وفرصة إعادة بناء حياتهم.

وبعد مضي ثمانية أعوام، يواجه كثيرون مرحلة حرجة: إذا تمكنوا من اجتياز المتطلبات الصارمة لنظام الهجرة الألماني، فسيكونون قد عاشوا في البلاد لمدة كافية لتقديم طلب الحصول على الجنسية.

مع ارتفاع عدد النازحين قسراً في جميع أنحاء العالم إلى مستويات قياسية، أصبحت ألمانيا تستضيف واحدة من أكبر تجمعات اللاجئين في العالم، لذا فإن دراسة كيف تؤثر سياسات حكومتها على قدرة الناس على الاندماج وإعادة البناء والازدهار أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وقد واجه أولئك الذين وصلوا إلى ألمانيا عام 2015 طريقاً وعراً يعج بالتحديات. فقد واجه كثيرون صعوبات في تعلم اللغة الألمانية والتكيف مع ثقافة تبدو غريبة وأكثر تحفظاً. وكان السعي إلى الحصول على عمل مجد محبطاً. وصارت الصدمات الناجمة عن الحرب وأحزان المنفى رفيقاً دائماً لهم. بيد أن كثيرين استفادوا من عطف بعض الأشخاص الألمان، وبناء صداقات استثنائية وإيجاد يد العون في أوقات غير متوقعة.

وقد تمكن البعض من النجاح، وتعلم اللغة، والحصول على وظائف لائقة، والاستقرار في مجتمعات مضيافة ترحب بالغرباء. بالنهاية، 8 سنوات هي فترة صغيرة جداً لتجاوز ما تعرضوا له من تشريد عنيف والاندماج في بلد جديد – ومختلف اختلافاً كبيراً.

تمثل قصة رحلة إحدى العائلات، انتقلت من حياة الطبقة المتوسطة في سوريا إلى الطبقة الأدنى في المجتمع الألماني، قصة العديد من اللاجئين.

هذا هو الجزء الأول من سلسلة مؤلفة من أربعة أجزاء تروي قصة عائلة سورية تسعى إلى الاندماج في موطنها الجديد في ألمانيا.

قصة أدهم

كان أدهم عامر، البالغ من العمر 58 عاماً، يجلس في مقعد السائق في سيارة أجرة بيضاء في ليلة من ليالي شباط/ فبراير 2022 عندما رن هاتفه. كانت مكالمة من رئيسه. فقد حصل على وظيفة كسائق قبل أسبوعين، مما أعطاه أملاً في الحصول على عمل ثابت بعدما ضاقت به السبل عدة مرات.

قبل 7 سنوات عام 2015، غادر سوريا، حيث عمل في أوقات مختلفة كمدرس، ومطور عقاري، وفي صناعة النفط والغاز – وكان يسافر إلى الخليج ويعيش في دبي لبعض الوقت. وقد جمع ما يكفي من المال لتوفير منزل مريح لأسرته في مدينة السويداء في جنوب سوريا.

بيد أن الحياة في ألمانيا كانت سلسلة من خيبات الأمل. فقد انتهى عمله في وظائف مختلفة دون سابق إنذار – مقدم رعاية في دار للمسنين، وجمع الدراجات النارية الصغيرة (سكوتر) المنتشرة على أرصفة برلين لصالح شركة تأجير. وبعد سنوات من العمل غير المنتظم، كانت ثقته بنفسه مهتزة وتوترت علاقاته مع عائلته – ابنته وفاء وزوجته ندوى، اللتين وصلتا إلى ألمانيا عام 2018، ونجل ندوى تمام، الذي وصل عام 2021.

كان العمل في شركة سيارات الأجرة، التي قدمت له السيارة، مختلفاً. وبرغم أنه كان عليه أن يسافر إلى برلين، على بعد ساعة واحدة من منزله في موهلنبيكر لاند، وهي بلدة صغيرة تقع بعيداً من الضواحي الشمالية للمدينة، فقد ساعده ذلك في اكتساب بعض الاستقلالية وأن يكون لديه هدف.

يقول أدهم، “لقد أعطتني وظيفة سائق التاكسي سبباً لمغادرة المنزل كل يوم”.

وأخيراً، ظهرت بارقة أمل في مستقبله الغامض الذي بدا أنه على وشك الاستقرار: فقد فتح أمامه حصوله على وظيفة مستقرة إمكانية التقدم بطلب للحصول على الجنسية. يقول أدهم، “هذا الأمر يجعلني أشعر بالارتياح: المواطنة. أرغب فقط في الشعور بالأمان”.

في البداية، كان متوتراً لقيادة السيارة في شوارع المدينة المزدحمة. يقول: “لكن يوماً بعد يوم بدأت أعتاد على ذلك. لقد كنت متحمساً جداً لفرصة العمل هذه”.

ثم، في تلك الليلة من شهر شباط/ فبراير، طرده رئيسه من العمل. وقد تأثر أدهم كثيراً جراء ذلك.

“لماذا أتيت إلى هنا؟” سأل نفسه. “يبدو أنني أعمل وأعمل وما زلت غير قادر على الحصول على فلس واحد إضافي”.

فقد بدا كفاح أدهم لإيجاد فرصة عمل وتعلم اللغة الألمانية وفهم نظام الهجرة البيروقراطي، بينما يشعر بالتجاهل أو يتعرض لأعمال عدائية، أنها موضوعات مشتركة في المحادثات التي أجراها “ذا نيو هيومانتيريان” مع أكثر من 40 لاجئاً سورياً يعيشون في ألمانيا أثناء تغطية هذه القصة. كان بعضهم أطفالاً في سن المدرسة، وكان بعضهم طاعناً في السن بما يكفي ليكونوا أجداداً.

قال الكثير من الأشخاص إنه بينما كان تركيز العالم منصباً على رحلتهم من سوريا إلى بر الأمان، فإن الفصل التالي، الذي غالباً ما يكون أطول، من تلك القصة يبدأ بعد انتهاء تلك الرحلات.

فقد استثمرت الحكومة الألمانية مئات الملايين من اليورو سنوياً في دورات تعلم اللغة الألمانية والتدريب المهني ومبادرات أخرى لمساعدة اللاجئين على الاندماج. وقد كان هذا الجهد “رائعاً”، وأكثر بكثير مما فعلته دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وفقاً لما قاله توماس ليبيغ، كبير الاقتصاديين المتخصصين في الهجرة في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).

ومع ذلك، حتى مع هذا الاستثمار، فإن عملية إعادة بناء حياة تمزقت بفعل الحرب هي عملية طويلة وغير متكافئة. وقد أدت البيروقراطية الألمانية ومتطلبات اللغة والإصرار على الحصول على شهادات ألمانية للعمل في مختلف المهن، فضلاً عن الانقطاع الذي تسببت فيه جائحة “كوفيد-19″، إلى وضع عقبات أمام اللاجئين الذين يحاولون الاندماج في المجتمع وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

قرار الرحيل

في السنوات الثلاث الأولى التي أمضاها أدهم في ألمانيا، نادراً ما خرج من غرفته. فقد كان يعاني من الاكتئاب ويفتقد زوجته ندوى ويشعر بالوحدة في برلين.

وكان أيضاً مكلوماً.

فعام 2015، تعرض ابنه البالغ من العمر 25 عاماً للاختطاف والقتل في سوريا. وبعد سنوات، لا تزال تفاصيل جريمة القتل غامضة. هل كان تنظيم الدولة الإسلامية المعروفة باسم “داعش” هو المسؤول؟ هل كان نظام الرئيس السوري بشار الأسد هو المسؤول؟ أم أن المسؤول عن مقتل نجله هو إحدى الجماعات المسلحة الأخرى التي ظهرت في خضم فوضى الحرب الأهلية في سوريا؟

في تلك الفترة، كانت الانتفاضة السورية التي اندلعت عام 2011، قد واجهت قمعاً وحشياً من نظام الأسد، وتشتتت الفصائل المعارضة للحكومة مع تدفق الأموال والأسلحة من الخارج، وانضم الروس إلى القتال. فقد قُتل عشرات الآلاف من السوريين، ونزح أكثر من نصف سكان البلاد الذي بلغ عددهم قبل الحرب نحو 21 مليون نسمة داخلياً أو كلاجئين في الدول المجاورة.

وبغض النظر عمن المسؤول عن مقتل ابنه، فقد وقعت الجريمة في الوقت الذي قامت فيه مخابرات الأسد بإرهاب المعارضين، وهاجم تنظيم الدولة الإسلامية المدنيين وأعدمهم، وانخفضت قيمة أموال أدهم. وكان يتجول في شوارع السويداء وهو يشعر بالخوف.

“فجأة، قرر المغادرة”، قالت ندوى في معرض حديثها عن أدهم.

ندوى وأدهم كانا متزوجين منذ عام فقط في ذلك الوقت، وهو الزواج الثاني لكليهما. عندما غادر أدهم بعد خمسة أيام من مقتل ابنه، بقيت ندوى مع ابنها من زواجها الأول وابنة أدهم، ولم ترغب في المجازفة بحياتها في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

أولاً، عبر أدهم الحدود إلى لبنان. ومن هناك، مثل الكثير من اللاجئين الآخرين، توجه إلى تركيا. وبعد رحلة بالقارب إلى اليونان، ثم عبر غابات مقدونيا، سُرقت حقيبته التي تحتوي على مقتنياته القليلة بينما كان في إحدى دورات المياه في المجر.

يقول أدهم، “لقد تمزقت ملابسي ولم أنم لمدة 5 أيام”، لم يخبر ندوى قط بالتفاصيل الكاملة عما حدث خلال الرحلة.

تعرض بعض السوريين الذين حاولوا الوصول إلى أوروبا الغربية عبر اليونان إلى القذف بقنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية من قبل القوات المقدونية عندما حاولوا دخول تلك البلاد. وقد غرق آخرون في أمطار الشتاء الغزيرة، أو تصببوا عرقاً في ظل حرارة الصيف التي وصلت إلى 100 درجة فهرنهايت، وهم يمشون في صف واحد عبر الغابات ويعبرون الأنهار. وتعرض بعض الأشخاص للاختطاف والابتزاز من قبل المهربين في مختلف المدن والبلدات على طول الطريق.

قال أدهم في حديثه عن الرحلة من لبنان إلى المجر، “لا يمكنني إعادة التفكير في ذلك. إنها مثل الثقب الأسود. لقد فاق الأمر طاقتي”.

لم يكن أدهم يأكل أو ينام تقريباً خلال تلك الرحلة، فقد سافر برفقة مجموعة يقودها مهربون عبر الغابة. وكان مقتل ابنه لا يزال يخيم على ذهنه، محفزاً له للمضي قدماً.

وصل أدهم إلى ميونيخ بعد أسبوع، ولم يكن بحوزته أي شيء آخر سوى تلك الملابس الممزقة.

من ميونيخ، أُعيد توطين أدهم في النهاية في مدينة موهلنبيكر لاند كجزء من خطة وطنية لتوزيع المسؤولية عن استضافة اللاجئين بين الولايات الألمانية. وعندما دخل الصالة الرياضية في البلدة، حيث أقام السكان المحليون مركزاً للترحيب باللاجئين وتوفير الطعام والإقامة لهم، سألته متطوعة ألمانية تدعى أوليريك هاس إذا كان بإمكانها أن تعانقه.

يقول أدهم، “في تلك اللحظة، أتذكر أنني شعرت بالأمان”.

استكشاف عالم جديد غير مألوف

على عكس سياسات ألمانيا السابقة في التعامل مع طالبي اللجوء والمهاجرين – بما في ذلك العمال الضيوف الأتراك في الستينيات واللاجئين اللبنانيين الفارين من الحرب الأهلية في الثمانينات – قسمت الدولة اللاجئين على مناطق البلاد استناداً إلى عدد السكان، ولكنها قيدت تحركاتهم. وبمجرد منحهم حق اللجوء، كان على اللاجئين أن يبقوا في المكان المخصص لهم طوال مدة السنوات الثلاث الأولى للحصول على المزايا.

وقد تلقى طالبو اللجوء الذين من المرجح أن يحصلوا على وضع اللاجئين – بما في ذلك القادمون من سوريا – 600 ساعة من تعليم اللغة، و100 ساعة من الدورات الدراسية في الثقافة والتاريخ الألماني. وارتفعت قيمة الأموال التي أنفقتها الحكومة الاتحادية على دورات الاندماج من 244 مليون يورو في عام 2015 إلى 610 مليون يورو في عام 2017.

وقد سُمح للسوريين بالعمل بعد ثلاثة أشهر بينما كانوا ينتظرون الانتهاء من إجراءات اللجوء، وحصلوا على مساعدة من مراكز التوظيف. وهذه المراكز التي بلغ عددها 303 بحلول عام 2017، كانت تديرها البلديات – أحياناً بالشراكة مع مكاتب التوظيف المحلية – وكانت بمثابة أولى الإجراءات البيروقراطية التي تعين على اللاجئين التعامل معها للاندماج في سوق العمل.

وفي وقت لاحق، مثل الكثير من اللاجئين السوريين الآخرين، تراجعت ثقة أدهم في هذه المراكز. في الوقت الحالي، كان يحاول اكتشاف خطواته الأولى في موطنه الجديد، وفي نهاية المطاف، نشأت بينه وبين هاس علاقة صداقة، واكتشف أنها جارته.

عندما جاء اللاجئون الأوائل إلى قريتها، قدمت هاس لهم الأسرة والأرائك في منزلها. وقد وصفها بعض جيرانها الغاضبين بأنها خائنة لألمانيا بفعلها ذلك على “فيسبوك”.

خلال لقائهما لتناول القهوة كل أسبوع خلال تلك السنة الأولى، تحدث أدهم وهاس، اللذان يجيدان اللغة الإنجليزية، عن طفولتهما وأطفالهما وثقافتهما. ولعبوا الكرة الطائرة مع لاجئين آخرين، وساعدت أدهم في ملء النماذج البيروقراطية الألمانية.

قالت هاس لاحقاً، “كان لأدهم ميزة لأنه يجيد اللغة الإنكليزية”.

وقد أتاحت هذه الميزة له فرص عمل في سوريا والخليج، لكنها لم تساعده في العثور على وظيفة في موطنه الجديد. فقد وجد صعوبة في تعلم اللغة الألمانية، وكان هناك عدد قليل في قريته الجديدة يتحدثون اللغة الإنجليزية. وكان عليه اجتياز اختبار اللغة والحصول على شهادات للحصول على وظيفة، الأمر الذي كان يبدو شبه مستحيل لشخص في عمره.

استغرق الأمر سنوات من التعامل مع البيروقراطية الألمانية المعروفة بتعقيدها لكي يحصل على شيء بسيط، مثل الحصول على رخصة قيادة. وكان على اللاجئين الحرفيين المهرة اجتياز اختبارات ألمانية والحصول على شهادات للعمل في مهن كان العديد منهم يمارسونها طوال حياتهم بأكملها.

عانى أدهم أيضاً من طنين في الأذنين، وهو رنين مستمر في أذنيه أصيب به بعد مقتل ابنه عام 2015، ما جعل من الصعب تعلم اللغة أو التركيز على أي شيء. وكانت الفرص التي وجدها من خلال مركز التوظيف تدفع أجوراً متدنية، وفي النهاية شعر أدهم بأن العديد من الشركات لن توظفه هو وغيره من اللاجئين إلا للحصول على مساعدات حكومية لتغطية تكاليف تدريبهم. وأوضح أدهم أنه بعد فترة وجيزة، تفصل الشركات اللاجئين من العمل، بعدما دفعت لهم أجوراً أقل بكثير مما وعدتهم به في البداية.

وأضاف، “أنا لا أثق في أي شخص يسأل ما إذا كنت مرتبطاً بمركز التوظيف”.

لكن أحد الجيران الألمان عرض على أدهم مكاناً للنوم، لذلك لم يكن عليه دفع الإيجار، وقدمت الحكومة مساعدات مالية للاجئين العاطلين عن العمل تبلغ حوالي 400 يورو (436 دولاراً) شهرياً لتغطية تكاليف الطعام والنفقات الأخرى. بيد أن أدهم شعر بالخجل من عدم قدرته على العمل لكسب لقمة العيش وإعالة نفسه.

يقول أدهم معرباً عن شعوره، “شكراً لكم على قبولي في مجتمعكم، من فضلكم أعطوني فرصة للعمل”.

اللقاء مع ندوى

كان إحضار ندوى من السويداء إلى ألمانيا أمراً معقداً. فقد تمت الموافقة على طلب لجوء أدهم، وحصل على الإقامة بعد شهرين من وصوله إلى ألمانيا. وقد يستغرق الأمر سنوات حتى تتمكن السلطات الألمانية من التعامل مع قضايا لم شمل الأسرة المتراكمة، وهي العملية التي تباطأت الحكومة في تنفيذها مع تصاعد ردود الأفعال المعادية للاجئين.

ساعدت هاس أدهم في ملء الوثائق اللازمة. ولكن لم يتم الموافقة على حالة ندوى ووفاء، ابنة أدهم من زواجه الأول، حتى عام 2018. وظل ابن ندوى في سوريا بسبب عدم سماح والده – زوج ندوى السابق – له بالمغادرة.

عندما وصلت ندوى ووفاء (49 و16 عاماً الآن) إلى ألمانيا في أيلول/ سبتمبر 2018، بعد أسبوعين من الموافقة على حالتهما، شعر أدهم بأن الأمور بدأت في التحسن. وبدأ أدهم، مع بداية عام 2019، في بذل مزيد من الجهد لتعلم اللغة الألمانية والبحث عن عمل، وإيجاد عمل هنا وهناك، عازماً على أن شيئاً ما سينجح في النهاية.

حتى عندما كان يتعرض للرفض أو الفصل من العمل، الآن بعد أن أصبحت زوجته وابنته معه، ظل أدهم متفائلاً بأنه سيجد شيئاً.

ثم حدثت الجائحة.
انتكاسة

وحيداً في منزله، شعر أدهم أن التقدم الذي حققه في ألمانيا بدأ يتلاشى. وقضى أيامه جالساً في غرفة معيشته يستمع إلى الراديو أو يمشي في الغابة لساعات طويلة في كل مرة. “كيف انتهى بي المطاف هنا؟” سأل نفسه، متسائلاً عما إذا كان يجب أن يحاول بجدية أكبر للوصول إلى أستراليا أو كندا، حيث ستكون لغته الإنجليزية أكثر فائدة ويبدو أن بعض أفراد عائلته وأصدقائه الذين تمكنوا من الذهاب إلى هذه الدول يعيشون حياة أفضل منه.

بعض الوظائف التي لا يبدو أنها تتطلب مستوى جيد في اللغة، مثل غسيل الأطباق أو القيادة، غالباً ما يقومون بتوظيف أولئك الذين لديهم مستوى متوسط من اللغة الألمانية أو أعلى. أما في أستراليا وكندا، فقد سمع أن بعض أصدقائه وعائلته استطاعوا العمل في أوبر أو ليفت بعد أسابيع من وصولهم. ولكن في ألمانيا، تحدث مع سوريين آخرين وجدوا صعوبة في فهم اللغة ووجدوا صعوبة أيضاً في العثور على عمل.

بدت وظيفة سائق التاكسي التي حصل عليها في شباط/ فبراير 2022 وسيلة للخروج من الهاوية التي تسببت فيها الجائحة. فقد أنفق أدهم نحو 1700 يورو لاجتياز الاختبارات للحصول على رخصة قيادة وتجاوز العقبات البيروقراطية الأخرى. وكان يتقاضى أقل من 10 يورو في الساعة، ولم يتلق أي تدريب يذكر. لذا عندما اتصل به مدير شركة سيارات الأجرة ليخبره أنه طُرد من العمل بسبب عدم اصطحاب عدد كافٍ من الزبائن، وعدم اتباع أسرع الطرق، أو تشغيل العداد بشكل صحيح، شعر أنه بحاجة إلى المزيد من الوقت وسيكون قادراً على إتقان ذلك قريباً. لكن المدير لم يوافق على إعطائه فرصة أخرى.

ومع كل رفض، فإن آمال أدهم في الحصول على الجنسية تضاءلت لأن شرط إعالة نفسه مالياً، والذي قد يعني شهوراً أو سنوات من العمل المتواصل، بدا بعيد المنال أكثر فأكثر.

فقد فشل في الحصول على وظيفة في خدمة توصيل الطرود “دي إتش إل”، وفيما بعد في متجر “ريفي” للبقالة. في الوقت نفسه، كان يحاول مساعدة زوجته وابنته، اللتين كانتا لا تزالان تتأقلمان مع البلد الجديد بعد وصولهما عام 2018، على فهم أنظمة العمل والمدارس الألمانية. اكتشفت ندوى، التي كانت أستاذة جامعية في سوريا، أن مؤهلاتها السابقة لا يعترف بها النظام الألماني.

لكن ندوى كانت مصممة على العودة إلى قاعة التدريس، حتى لو كان ذلك على مستوى مختلف. وعملت بجد لتتقن اللغة وتحصل على الشهادات التي تحتاجها لتعود إلى التدريس.

وقد بدا عزمها ينعكس على أدهم، الذي ضاعف جهوده لإيجاد عمل.

يقول أدهم، “أتمنى أن أستطيع العودة. حلمي هو العودة والاستقرار في وطني. لكن لا خيارات أمامي. يجب أن أكافح”.

تحرير بواسطة توم برادي وإريك ريدي.
درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى