تحقيقات

من داخل “دولة المخدرات” السورية

من داخل “دولة المخدرات” السورية/ أمير نادر

قسم التحقيقات-بي بي سي

كشف النقاب عن صلات مباشرة جديدة بين بين تجارة مخدرات الكبتاغون وشخصيات قيادية في القوات المسلحة السورية وكذلك عائلة الرئيس بشار الأسد، وذلك في تحقيق مشترك أجراه قسم التحقيقات في بي بي سي عربي وشبكة الصحافة الاستقصائيةOCCRP.

والكبتاغون هو مخدر شبيه بالأمفيتامين يسبب الإدمان بشدة وقد ابتلي به الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. خلال العام الماضي، رافقت كاميرا البي بي سي الجيشين الأردني واللبناني، لمراقبة حملاتهم لمنع تهريب الكبتاغون عبر الحدود إلى بلادهم من سوريا.

الآن يمكن العثور على المخدر في أوروبا وأفريقيا وآسيا.

في مارس/آذار من العام الجاري ، فرضت بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على قائمة من الأشخاص، بينهم اثنان من أبناء عموم الرئيس الأسد، يشتبه في تورطهم في تجارة الكبتاغون. لكن تحقيق بي بي سي ، في عمق دولة المخدرات في سوريا، وجد أدلة تشير إلى تورط مسؤولين سوريين كبار آخرين بالإضافة إلى أولئك المدرجين بالفعل في تلك القائمة.

لم ترد الحكومة السورية على طلب بي بي سي للتعليق. ولكنها نفت في السابق أي تورط لها في تجارة المخدرات.

يوليو/تموز 2022، في مدينة السويداء جنوبي سوريا، سيطرت جماعة منافسة على مقر راجي فلحوط، زعيم ميليشيا موالية للنظام، وعثر أفرادها على أكياس بدا أنها تحوي حبوب الكبتاغون معدة للتوزيع، وآلة يمكن استخدامها لضغط الحبوب، بالإضافة إلى بطاقة هوية الجيش السوري الخاصة بشركة فلحوط، وهاتف محمول غير مقفل.

بعد حصولها على حق الوصول الحصري إلى الهاتف، وجدت بي بي سي سلسلة من الرسائل بين فلحوط ومسؤول لبناني يسميه “أبو حمزة”، ناقشوا فيها شراء الجهاز. هناك محادثة على الهاتف المحمول من أغسطس/آب 2021، يتحدث فيها فلحوط وأبو حمزة عن نقل آلات المصنع من لبنان إلى سوريا.

‎باستخدام رقم الهاتف، تتبعت بي بي سي هوية أبو حمزة الحقيقية، ليتضح أنه يُدعى حسين رياض الفطروني. أخبرنا صحفيون محليون أنه مرتبط بحزب الله، الحزب السياسي اللبناني والجماعة المسلحة المرتبطة بشكل وثيق بالحكومة السورية.

راجي فلحوط (يسارا) مع أبو حمزة (يمينا)، ولقطة مصورة لجزء من المحادثات المتبادلة بين الرجلين

لعب مقاتلو حزب الله دورا رئيسيا في مساعدة الحكومة السورية على تغيير مسار الحرب الأهلية، ويقال إن لهم وجودا في جميع أنحاء سوريا. لقد اتهموا منذ فترة طويلة بالتورط في تهريب المخدرات، لكنهم أنكروا ذلك دائما.

وأوضح صحفي سوري من منطقة السويداء في حديثه إلينا من المنفى، أن “حزب الله متورط ولكنه حريص للغاية على عدم قيام أعضائه بأدوار رئيسية في نقل وتهريب البضائع”.

لم يرد حزب الله على طلب من بي بي سي للتعليق على موضوع الفطروني، وكان الحزب قد نفى أي دور له في إنتاج وتهريب الكبتاغون.ولم نتمكن من الوصول إلة فطروني أو فلحوط للحصول على تعليق منهما.,

شاهد الوثائقي من هنا

لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي ورد فيها اسم حزب الله في تحقيقنا. بعد شهور من الاستعدادات الأمنية، تمكنت بي بي سي من الوصول بشكل نادر إلى داخل القوات المسلحة في حلب التي تسيطر عليها الحكومة.

من داخل إحدى الثكنات العسكرية في مدينة حلب، شمال غرب سوريا

أخبرنا أحد الجنود، الذي تحدث إلينا بشرط عدم الكشف عن هويته، أن الراتب الشهري لزملائه الجنود كان أقل من 150 ألف ليرة سورية (60 جنيها إسترلينيا؛ 65 دولارا أمريكيا). وقال إن العديد منهم أصبحوا تجار مخدرات في مناطقهم لتكملة دخلهم، وأن هذا أصبح أمرا روتينيا بالنسبة لهم. طلبنا منه أن يصف دور وحدته في تجارة الكبتاغون المحلية. قال: “لم يُسمح لنا بالذهاب إلى المصنع”. كانوا يختارون مكانا للاجتماع ونشتري من حزب الله. نستلم البضائع وننسق مع الفرقة الرابعة لتسهيل حركتنا”.

الفرقة الرابعة هي وحدة نخبوية في الجيش السوري مكلفة بحماية الحكومة من التهديدات الداخلية والخارجية. منذ عام 2018، كان يقودها رسميا ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس بشار الأسد. يخضع ماهر الأسد لعقوبات غربية لشنه حملات قمع وحشية على المتظاهرين خلال الحرب الأهلية السورية الحالية، كما تم ربطه بالاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية.

ويقال أيضا إنه أشرف على تحول الفرقة الرابعة إلى لاعب اقتصادي رئيسي.

تحدثنا إلى ضابط سابق انشقّ عن الجيش السوري.

قال لنا الضابط:”بسبب الظروف المالية الصعبة التي يمر بها الضباط وأصحاب الرتب خلال الحرب السورية، لجأ العديد من أفراد الفرقة الرابعة إلى التهريب. وهكذا بدأ استخدام سيارات ضباط الفرقة الرابعة في حمل المتطرفين والأسلحة والمخدرات. لأنها كانت الجهة الوحيدة القادرة على التحرك عبر نقاط التفتيش في سوريا”.

الاقتصاد السوري، الذي أصابه الشلل بسبب العقوبات والحرب، يقترب الآن من الانهيار. أخبرنا المحللون أنها أصبحت تعتمد بشكل متزايد على حبوب الكبتاجون الصغيرة المربحة. قال جويل رايبورن، المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، لبي بي سي:” حجم الإيرادات يفوق كثيرا ميزانيةالدولة السورية، إذا توقفت عائدات الكبتاغون أو تعطلت بشكل خطير، لا أعتقد أن نظام الأسد يمكن أن ينجو”.

ووجدت بي بي سي أدلة أخرى على تورط عائلة الأسد في الأعمال التجارية. في عام 2021، بدأت محاكمة في لبنان ضد رجل أعمال لبناني سوري سيئ السمعة يُدعى حسن دقو، الذي أطلقت عليه الصحافة اللبنانية لقب “ملك الكبتاغون”.

وأدين بتهريب الكبتاغون بعد ضبط شحنة ضخمة من المخدرات في ماليزيا. كانت الكمية، التي تحتوي على ما يقرب من 100 مليون حبة، متجهة إلى المملكةالعربية السعودية حيث قدرت قيمتها السوقية بما يتراوح بين مليار دولار وملياري دولار، ما يجعلها واحدة من أكبر عمليات ضبط المخدرات في التاريخ.

رجال الشرطة الماليزية وفي حوزتهم كمية ضخمة من حبوب الكبتاغون تم ضبطها

وتمت مداولة القضية خلف أبواب مغلقة لكن فريقنا التقى بالقاضي الذي أخبرنا أن معظم الأدلة جاءت من مراقبة الاتصالات الهاتفية بين دقو وعدد من مهربي المخدرات. في المحاكمة، قال دقو إنه كان يتعاون مع الفرقة الرابعة لمحاربة مهربي الكبتاغون، وقدم بطاقة هوية الفرقة الرابعة كدليل.

وبينما أُدين داقو بتهمة الاتجار بالبشر، قال القاضي لبي بي سي إنه لم يتم العثور على دليل على تورط مسؤولين سوريين في أعمال الكابتاغون الخاصة به.

لكن تحقيقنا وجد شيئا في وثيقة المحكمة المكونة من 600 صفحة يحكي قصة مختلفة.

سلسلة من لقطات شاشة رسائل التي أرسلها دقو إلى شخص يسميه “المعلم”، ويتكون رقم هاتفه في الغالب من نفس الرقم يتكرر عدة مرات، مما يجعله ما يسمى بـ “الرقم الذهبي”. تحدثت بي بي سي إلى مصادر مختلفة رفيعة المستوى في سوريا أكدت أن الرقم يخص اللواء غسان بلال. اتصلنا بالرقم بشكل متكرر لكننا فشلنا في الحصول على رد.

اللواء بلال هو الرجل الثاني لماهر الأسد في الفرقة الرابعة، ومن المعروف أنه يدير مكتب الأمن القوي. في رسائل الواتس اب، يناقش دقو مع “المعلم” حركة “البضائع”، التي نعتقد أنها كبتاغون، إلى بلدة تسمى صابورة، حيث يوجد للفرقة الرابعة قاعدة كبيرة، بالإضافة إلى مناقشة تجديد التصاريح الأمنية.

إحدى المحادثات المتبادلة بين حسن دقو و “المعلم”

التعليق على الصورة،

إحدى المحادثات المتبادلة بين حسن دقو و “المعلم”

إذا كان “المعلم” هو غسان بلال، فإن المحادثة تشير إلى أن أحد كبار الضباط في سوريا مرتبط بتجارة الكبتاغون غير القانونية، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. بلال لم يرد على محاولتنا التواصل معه للتعليق.

في مايو/أيار من هذا العام، تم الترحيب بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ودُعي الرئيس بشار الأسد لحضور اجتماع الجامعة لأول مرة منذ أكثر من عقد. كما تمت دعوته إلى الإمارات العربية المتحدة لحضور مؤتمر COP28 في نوفمبر/تشرين ثاني القادم. ويبقى السؤال إلى أي مدى سيسعى المجتمع الدولي للضغط على النظام للتخلي عن إدمان سوريا على الكبتاغون؟

أعد التقرير فريق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمشروع OCCRPوفريق تحقيقات بي بي سي نيوز عربي

بي بي سي

———————————

سيرة حسن دقو ومحضر اعترافاته : من طفلٍ يبيع الساعات إلى “ملك الكبتاغون” في لبنان/ كارمن كريم

حسن دقو، المواطن السوري- اللبناني، خرج من قاع الفقر كبائع ساعات ليتربع على عرش تجارة الكبتاغون في لبنان، مدعوماً بعلاقات زبائنية مع نظام الأسد وحلفائه

خلال التحقيق مع حسن دقو، “ملك الكبتاغون” اللبناني، في شهر نيسان/ أبريل 2021، من قبل شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي، انتابته نوبة عصبية، وراح يلطم وجهه ويصرخ قائلاً: “إنتو دمرتوني”، ما اضطر أحد المحققين إلى التدخل لمحاولة تهدئته.

في تلك اللحظة، لم يعلم أحد من يقصد دقو “بأنتم دمرتوني”، فهل كان يقصد محققي شعبة المعلومات أم شركاءه في تجارة المخدرات أم الفرقة الرابعة السورية التي عمل لديها كمخبر، أم “حزب الله” الذي كان يتجسّس لمصلحته على أبناء منطقته؟!

حصل “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود”، على تسريبات لمحضر التحقيق مع المدعو حسن دقو، الواقع في 651 صفحة كُتبت بخط اليد، وشاركها مع موقع “درج”.

اعترافات دقو تبني صورة عن شبكة علاقات متقاطعة مع النظام السوري و”حزب الله” وتجارة المخدرات. كما أنها تحوي قصة حياة دقو التي تستحق أن تُروى.

حسن دقو، المواطن السوري- اللبناني (36 سنة)، خرج من قاع الفقر كبائع ساعات ليتربع على عرش تجارة الكبتاغون في لبنان، مدعوماً بعلاقات زبائنية مع نظام الأسد وحلفائه.

بائع المكسرات والمخدرات

في محضر التحقيق، يُعرّف حسن دقو عن نفسه بأربع صفات: أولاً هو رجل أعمال، ثانياً يعمل لمصلحة مكتب أمن الفرقة الرابعة في الجيش السوري، الذي يديره غسان بلال، اليد اليمنى لماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، ثالثاً كان يعمل لمصلحة “حزب الله” في فترات الحرب في سوريا، ورابعاً يعمل في مكافحة المخدرات من سوريا وإليها.

عمل حسن دقو في طفولته، في الزراعة في بلدته الطفيل اللبنانية المواجهة لقرية عسال الورد السورية، كما ساعد والده في تجارة مواد البناء. وحين بلغ الـ15 من عمره، أرسله والده إلى بيروت، حيث عمل في منطقة جسر الكولا في الصرافة وبيع الساعات ونقل الركاب.

القصة التي رواها دقّو عن مراهقته، تختلف عن القصة المتعارف عليها محلياً، والتي تفيد بأنه ابن تاجر مخدرات كبير. وأقواله للمحققين تروي قصة رجل أعمال بدأ من الصفر.

عندما بلغ دقو 18 سنة، انتقل إلى دمشق وتابع دراسته ليتركها بعد رسوبه في البكالوريا. استمر في مساعدة والده في بيع المكسرات لمحلات الحلويات لمدة سبع سنوات. بعد تراجع عمل والده، انتقل إلى تجارة المحروقات في سوريا واستيرادها من العراق.

توفي والده عام  2010، انتقل بعدها دقّو إلى أعمال أخرى مثل بيع العقارات والسيارات وشرائها، وبيع المحروقات وتوزيعها، إذ امتلك 40 صهريجاً لنقل المحروقات سيّرها لصالح شركة “القاطرجي” المعروفة في سوريا. ظهرت “القاطرجي” مع الأزمة السورية، ونقلت النفط ومشتقاته إلى العراق وإيران، ومن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية إلى مناطق سيطرة النظام، وتدور حولها أسئلة كثيرة، إذ أدرجت رئاسة أمن الدولة السعودية “القاطرجي” ومؤسسيها على قوائم الإرهاب عام 2022، لارتباطهم بتنظيم “داعش”.

امتدت أعمال دقو إلى الأردن. فعام 2010، اشترى معمل العزاوي في عمان- طريق المطار المختص بإنتاج المبيدات الحشرية والزراعية ومواد التنظيف، وصدّر إنتاجه إلى العراق الذي كان حينها سوقاً رائجاً للمصنوعات الأردنية، واستمر المعمل بالعمل حتى عام 2015.

عام 2013، ومع اشتداد الحرب في سوريا، عاد دقو إلى لبنان، لكن تنقلاته بين البلدين لم تتوقف، ليستقر بشكل نهائي في لبنان عام 2017.

حسن دقّو هو الشقيق الأكبر لكل من حسين وحسان وغزوان، وجميعهم متّهمون بتجارة المخدرات وصناعتها. يملك دقو عقارات وأراضيَ في بلدته الطفيل في البقاع اللبناني، بالإضافة إلى شقق في الرملة البيضاء في بيروت، وفيلا في منطقة المشرف، ولديه أيضاً شركة باسم “سيزر”، مقرها في “سينترو مول”،  ومسجّلة باسم زوجته الثانية ومحاميته في الوقت ذاته اللبنانية سمر محسن، إضافة الى فيلا في منطقة الدامور- المشرف، حيث تقيم زوجته الأولى السوريّة إثراء ريّا. ويتردد على بلدته الطفيل من وقت الى آخر عبر موكب من سيارات الدفع الرباعي.

 يُذكر أن بعض سكان بلدته لا يملكون ذكريات طيبة معه، إذ أكّد أهالٍ لـ”درج”، قبل عامين، أنهم يتعرضون لضغوط شديدة لبيع أراضيهم، ولعملية تهجير قسري ممنهج تشبه ما عاشوه خلال الحرب السورية، إذ يخيّرهم رجال دقو، بين إخلاء منازلهم بالقوّة أو تحت التهديد بتسليمهم للأمن السوري، وبين البقاء فيها ودفع الخوّات.

الفرقة الرابعة تدين لدقّو بالكثير

اعتقلت السلطات اللبنانية حسن دقو في 6 نيسان/ أبريل 2021، كما اعتقلت اثنين من تجار المخدرات، وهما ممدوح أحمد الحجة وخالد نزار الحجة. وُجِدَت مع دقو بطاقة عمل صادرة عن السلطات السورية، مكتب أمن الفرقة الرابعة، منتهية الصلاحية، وبطاقة عمل صادرة عن مكتب أمن الفرقة الرابعة تنتهي بتاريخ 1 أيار/ مايو 2021.

 روى دقو في محضر التحقيق، تفاصيل عمله مع الفرقة الرابعة، التي قال إنها تسيطر على ميناء اللاذقية حيث تخرج وتدخل شحنات كثيرة مهربة، كما قال في اعترافاته، إنه يتبع مباشرة لأمن الفرقة الرابعة ويعمل على جمع معلومات عن المتهربين من دفع الرسوم الجمركية لقاء استحصاله على نسب معينة من الرسوم المحصّلة.

يقول دقو في محضر التحقيق: “الفرقة الرابعة تعمل في جميع الأمور المتعلقة بتجارة مواد البناء والترفيق والحديد والخردة والدخان والمواد الغذائية والاستيراد والتصدير والمحروقات”.

تدين الفرقة الرابعة التابعة لماهر، شقيق بشار الأسد، لحسن دقّو بـ 900 ألف دولار أميركي، بسبب عدم تلقّيه أجوره عن عدد من العمليات والخدمات التي قدمها لهم، بحسب ما قال دقّو في محضر التحقيق.

بدأت علاقة دقو مع الفرقة الرابعة، بخدمة الترفيق عام 2014، وبات يتبع مباشرة لمكتب أمن الفرقة الرابعة، برئاسة غسان بلال الموضوع على لائحة العقوبات الأوروبية والبريطانية والكندية، نظراً الى الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق السوريين.

والترفيق هي خدمة مربحة أوجدها النظام السوري بحجة حماية قوافل السيارات والشاحنات من النهب، خلال الحرب، مقابل مبالغ ورسوم تذهب إلى خزينة الدولة السورية وما يسمى بـ”صندوق الشهداء”، هذا ما ادعاه دقو. لكن الحقيقة، هي أن الجيش السوري والفرقة الرابعة تحديداً، عملت على أخذ الأتاوات من السيارات والشاحنات التي مرت من نقاط تفتيشها حتى في المناطق الآمنة، وهو تقليد تمارسه حتى اليوم، إذ يمتلك السوريون ذكريات سيئة لنهب عناصر الجيش سياراتهم وجيوبهم.

أحد مصادر دقو الرئيسية في مسألة التهريب، هو شخص يُدعى “أبو علي معلم جديد” بحسب المحادثات التي وُجدت على هاتفه، لديه شركة استيراد وتصدير خارجي داخل مرفأ اللاذقية ولهجته ساحلية، بحسب وصف دقو الذي لم يذكر الاسم الكامل لأبو علي معلم جديد. لكن يبدو أن الرجل صاحب نفوذ قوي وله علاقات مع ضباط كبار في الفرقة الرابعة، ما ساعده على الاطلاع على 90 في المئة من أوراق المرفأ.

نفى دقو معرفته بجميع أصحاب الأرقام، الذين تواصل معهم في الأردن وسوريا ولبنان وتركيا، بحسب رصد الهواتف التي ضُبطت في حوزته، وعندما واجهه المحققون بحقيقة أن الهواتف تابعة له، رمى بالمسؤولية على أقاربه ممن سكنوا أو ترددوا على منزله، مدعياً أنهم هم من استعملوا هواتفه للحديث حول قضايا حساسة، ولا يعرف شيئاً حول ذلك.

يقول دقو إنه بنى شبكة من المخبرين والأشخاص، الذين ساهموا في حصوله على معلومات عن العمليات المشبوهة، بمن فيهم شخص سوري يُدعى أحمد الصالح، يعمل في مجال تأمين النساء (تجارة الجنس)، وآخر يعمل في مجال تأمين النساء لحفلات خاصة، وشخص ثالث يُدعى أبو فاعور مقيم في تركيا، وأبو داني، وجميعهم يعملون بالتهريب لكن بشكل غير مباشر. وبينما لم تكن لدى دقو مشكلة ذكر أسماء من ساعدوه، رفض الإفصاح عن أسماء أيّ من المهربين أو التجار الذين يعرفهم أو من ساهم في إلقاء القبض عليهم بذريعة الخوف على حياته وأولاده، وقال للمحققين: “نعم أخاف على مصيري ومصير أولادي كون هؤلاء التجار مجرمين وقد يلحقون الأذى بي وبعائلتي، وعندما كنت أبلغ أمورهم، كنت أبلغها بشكل سري ولا أتجرأ على الإبلاغ عنهم علناً”.

الطريق إلى سوريا يمرّ عبر “حزب الله”

قدّم حسن دقو خدمات لسوريين ملاحقين أمنياً من الفرقة الرابعة أو مسجونين في الفروع الأمنية السورية. ويتقاضى مقابل كل خدمة، مبلغاً يتراوح ما بين 50 إلى 300 ألف دولار أميركي منذ عام 2014.

يقول دقو عن أحد المطلوبين للسلطة السورية، والذي عمل لاحقاً معه: “كان مطلوباً بجرم حيازة أسلحة، وتدخلتُ لدى مكتب أمن الفرقة الرابعة وألغيت القضية العالقة”. يدرك المطلع على طبيعة السلطة الأمنية في سوريا، أنه ليس من السهل إخراج شخص من السجن أو معرفة خبر عنه أو إيقاف مذكرة بحث بحقه، وأن عكس ذلك يعني علاقات مع شخصيات نافذة في السلطة.

ليست المرة الأولى التي يُحقَّق فيها مع دقو. إذ صدرت بحقه مذكرة توقيف عام 2020 بجرم تشكيل عصابة، بالإضافة إلى خلاصة حكم عن محكمة جنايات جبل لبنان 2020 بجرم مخدرات وغرامة بقيمة مئة مليون ليرة لبنانية، ومذكرة إلقاء قبض من الهيئة الاتهامية في جبل لبنان عام 2017 بجرم مخدرات.

علاقات دقو تمتد إلى “حزب الله”، والتي لم يرغب في التطرق إليها لولا مسار التحقيق. وبسبب عدم مطابقة سجلات دخول دقو الى سوريا لدى السلطات اللبنانية مع الفترات الزمنية التي ادعى فيها أنه كان في سوريا، اعترف للمحققين بأن غالبية رحلاته إلى سوريا كانت تتم عبر مواكب عسكرية لـ”حزب الله” من المصنع أو الطفيل، بخاصة أنه من خلال الطفيل يمكن الخروج من سوريا والدخول إليها من دون ختم دخول. استمر عمل دقو المخابراتي لصالح “حزب الله” لسنوات، ويقول إن مهامه تضمنت التنسيق مع عناصر “حزب الله” في المناطق الحدودية خلال الأحداث في سوريا، كعسال الورد حتى الطفيل والزبداني، ومنحهم معلومات حول جغرافية الأرض، وعن المسلحين وتجنيد بعض أبناء المنطقة. وتراجعت علاقاته بـ”حزب الله” مع هدوء الأوضاع الأمنية في البلاد، وصار يدخل سوريا كأي مواطن عادي، يقول دقو!

أدلّة في هاتف دقّو تدينه

 يستخدم حسن دقو أرقام هواتف محمولة عدة، لفترات محددة، ويقوم بتبديل الأرقام باستمرار، والقاسم المشترك بين هذه الأرقام والهواتف، بعد تحليل بياناتها وأماكنها الجغرافية من قبل السلطات اللبنانية، هو تواصلها مع أسماء كبيرة متّهمة بتجارة المخدرات وصناعتها، مثل المطلوبين أحمد الديراني وجلال الشريف وعماد نوفل المقداد، إضافة إلى السوريين عامر الشيخ وابراهيم عليكو اللذين حصل خلاف كبير بينهما وبين حسن دقّو على تصفية الحقوق والأموال بعد فضّ شراكتهم. منذ ذلك الحين، سعى دقو جاهداً الى ضبط كميات من حبوب الكبتاغون عائدة الى عامر وابراهيم، من خلال تواصله مع عدد من الأجهزة الأمنية، بحسب محضر التحقيق. وهذا يُبرز وجهاً من الحقيقة، وهو محاولة دقو بسط نفوذه على عصابات تهريب المخدرات.

يحوي هاتف دقّو عشرات المصطلحات الخاصة بالمخدرات كالمكبس والصبابات والسكة التي تعني طريق التهريب، وخلطات عجنة الكبتاغون التي كان يسميها “العسل”. في رسائل متبادلة مع أحد الأشخاص، “كان حاطط عالألف 4.5″، “لأ طلع 1.5″، “شفلي شو بقولو مشان العسل، إذا مو زابط منشان رجعو يغربلو ويشيلو”. إضافة الى الرسائل، يحتوي هاتفه على بوالص شحن، إحداها من دولة تشيكيا إلى هونغ كونغ، حيث استورد الإطارات الصناعية التي تشبه الإطارات التي ضُبطت في ماليزيا عام 2021. ناهيك برسائل يتواصل فيها مع أبو علي معلم جديد، ويتابعان خلالها إحدى الشحنات.

وفي إفادة سائقه الخاص، وهو سوري الجنسية، يقول إن دقو كان يطلب منه أموراً “مشبوهة”، فحين كان يكلفه بالذهاب إلى محلات OMT لاستلام الأموال أو إرسالها، كان يطلب منه إقفال هاتفه، كما طلب منه في مرة نقل مال موضّب داخل كيس بلاستيكي أسود من منزله إلى الشركة، وأمره بإقفال هاتفه الخليوي. حتى خلال نومه في غرفته، كان يطلب منه إقفاله، كما استخدم هاتف سائقه داخل الشركة أكثر من مرة، ومسح الرقم بعد استخدامه.

معمل مشبوه في الأردن

اختلفت أوضاع دقو التجارية بعد الحرب في سوريا، إذ كان يملك شركة “الحسن” للسيارات، “بيع وشراء”، على طريق النبك يبرود في سوريا، كما أنه عمل في تجارة الدخان والعقارات في سوريا. كما امتلك أسطول صهاريج لنقل المشتقات النفطية من مصفاتي حمص وبانياس ومركز عدرا، وتوزيعها على المحطات ومراكز الجيش السوري في سوريا، لكنه بدأ بتصفيتها وبيعها شيئاً فشيئاً مع احتدام المعارك.

واجه دقو صعوبة في السفر إلى الأردن بعد الأحداث السورية، وبحسب قوله، وضع بعض الأشخاص يدهم على المعمل وسرقوا محتوياته ولم يستطع الذهاب لإدارة معمله، لأن السلطات الأردنية استدعته مراراً لسؤاله عن علاقته بالنظام السوري.

لكنه لم يقل كامل الحقيقة، وهي أن محكمة التمييز الأردنية صادقت على قرار سجنه 20 عاماً بتهمة المخدرات، ولذلك لم يعد يذهب إلى الأردن. وبحسب وثائق حصل عليها occrp و”درج”، فإن دقو هو مالك صوري لمعمل العزاوي والمفوض بالتوقيع، أما المالك الحقيقي فكان الأردني معتصم الطيان.

المصنع استورد من الصين مادة p2p (فينيل أسيتون)، وهي من السلائف الكيميائية التي تدخل حصراً في تصنيع زيت مادة الأمفيتامين المخدر، ونادراً ما تستخدم في صناعة المطهرات. وبلغت نسبة استيراد مصنع العزاوي لهذه المادة ما نسبته 89 في المئة من الفينيل أسيتون الموجود في العالم، بحسب القضية التي رُفعت في الأردن.

قضية دقو في الأردن تثير الكثير من التساؤلات، بخاصة بسبب المواد الكيميائية الداخلة في تصنيع منتجاته، لكن دقو يدعي أنه لا يعرف المواد الداخلة في تصنيع مواد التنظيف والمبيدات الزراعية، إذ قال في محضر التحقيق في لبنان: “إن لغتي الإنكليزية هي صفر، أي أني لا أقرأ ولا أكتب اللغة الإنكليزية، لذلك لم أحفظ أسماء أي من هذه المواد، حتى أدويتي التي أتناولها يومياً لا أحفظ أسماءها”. ادعى دقو طوال التحقيق، أنه لا يتقن اللغة الإنكليزية رغم وجود عدد من الفواتير والمعاملات بهذه اللغة على هاتفه، والتي تحتاج إلى لغة جيدة.

وفي ردّ محامي حسن دقو، علي الموسوي، على “بي بي سي”، شريك occrp، حول التحقيق الأخير، “جمهورية الكبتاغون: كيف ترتبط شبكة تهريب المخدرات الواسعة بالقصر الرئاسي في سوريا”، قال إن ما يحصل مع دقو هو حملة إعلامية وسياسية ملفّقة. كما دافع الموسوي عن العقيد غسان بلال، رجل الفرقة الرابعة الثاني بعد ماهر الأسد، وهو ما يبدو محاولة لتحييد اسم الفرقة الرابعة عن القضية بأكمله.

في نهاية التحقيق، وحين وصل المحققون إلى جزء شحنات المخدرات التي صودرت في ماليزيا في آذار/ مارس 2021، لم يرغب دقو في متابعة التحقيق، وقرر مقاطعته، بحجة تعرّض زوجته للإهانة. لكن زوجته المحامية سمر محسن تدخلت وقالت، إنها وزوجها لم يتعرضا للإهانة إنما للضغط المعنوي، وتمكن متابعة التحقيق. احتوى هاتف دقو على  بوالص ومحادثات ورسائل، تكشف تورّطه في شحنات ماليزيا، لكن دقو استمر في مقاطعة التحقيق وترديد الإجابة ذاتها: “لا جواب… لا جواب”.

 يُذكر أن السلطات اللبنانية حكمت على دقو بالأشغال الشاقة الموقتة لمدة 7 سنوات بجناية المخدرات.

 درج

————————————-

حسن دقّو “ملك الكبتاغون” والحاكم بأمر السلطة والحزب/ نور سليمان

بالنسبة إلى أهالي الطفيل، كل شيء وارد في لبنان. وهم يترقبون، كما بقية اللبنانيين، أن يختتم هذا المسلسل على خير، بإنهاء ظاهرة “ملك الكبتاغون” مرة أخيرة وإلى الأبد.

في بلدة الطفيل على الحدود اللبنانية- السورية، دأب حسن دقّو، أو “ملك الكبتاغون” كما بات معروفاً في لبنان، والمتهم بتهريب المخدّرات إلى السعودية، على إنشاء إمبراطورية للمال والممنوعات، تمتدّ إلى داخل العمق السوري وصولاً إلى الدول العربية المجاورة.

الحكاية التي يرويها أهالٍ من المنطقة لـ”درج”، تشبه حكايات المسلسلات التي تتناول قضايا التهريب. يكاد يكون حسن دقو أشبه بشخصية نمر السعيد في الجزء الأخير من مسلسل “الهيبة” الذي عرض الموسم الماضي والذي لعب دوره عادل كرم. مهرّب كبير، يظهر فجأة في البلدة، ويصير بغمضة عين واحداً من وجهائها، عبر شراء الأراضي والذمم، وعبر ترهيب من لا يقبلون الطاعة له، بالسلاح والبلطجة وبالعلاقات النافذة بأطراف في الدولة، في الأمن والقضاء والسياسة. وعلى غرار بلدة “الهيبة” التي تقع على الحدود اللبنانية- السورية، وتجرى من خلال أراضيها عمليات التهريب، تبدو الطفيل كأنها البلدة التي استوحى منها منتجو المسلسل وكتّابه أجواء الانفلات الأمني فيها، وخروجها تماماً عن أي سلطة للدولة اللبنانية فيها، فضلاً عن هذا التداخل في شخصيات المسلسل بين البلدين السوري واللبناني والذي يتحقق في شخص دقّو الذي تدور حول جنسيته وأصله وفصله أخبار لا تنتهي.

والطفيل تقع في قبضة النظام السوري و”حزب الله” منذ عام 2014، ونظراً إلى غياب الدولة عنها أمنياً وخدماتياً وإنمائياً، اتخذ دقو من البلدة معقلاً له و”تصرّف على أنه يملكها بالكامل وأرهب أهلها مراراً بأسلوب ميليشياوي”، فهو لا يجوب البلدة إلّا بمواكبة من عشرات السيارات وبرفقة مسلّحين، كما يروي أحد أبناء البلدة.

دقّو سوري الأصل، وهو ابن أحد المهرّبين الكبار، وتتداول أخبار عن أنه حصل على الجنسية اللبنانية عام 2018، لكن هذه المعلومة لا يستطيع أحد من أهل البلدة تأكيدها، على رغم أن الأربعيني الذي حضر إلى البلدة كعامل بسيط، بات يعرّف عن نفسه كأحد وجهاء البلدة الأكثر ثراءً في المنطقة فيما هو رجل المخدّرات الأوّل لبنانياً ومكلّف بتنفيذ أجندات سياسية وأمنية تتعدّى حدود البلدة، وفق رواية حصلنا عليها من مقابلات أجريناها مع عدد أهالي الطفيل.

مساعي دقّو في إحكام قبضته على البلدة كشفت حيثياتها أواخر العام الماضي، حين ادّعى أنه يمتلك 600 سهم من أصل 2400 سهم يشكّلون 27 عقاراً بشكل قانوني بحجّة بناء معامل ترابة ومزارع، في حين يملك مصرف لبنان 1800 سهم منها. وتعود ملكية أسهم دقو إلى شركة “سيزر” المسجّلة باسم زوجته، المحامية سحر محسن وهي، بحسب ما أبناء البلدة، قريبة وفيق صفا، المسؤول ذائع الصيت في “حزب الله”.

متسلّحة بوثائق وسندات ملكية وبإفادة من مختار الطفيل علي الشوم ادّعت المحامية بأن 17 عقاراً من أراضي البلدة هي أراض بور خالية من الإنشاءات، لتعمد الشركة، إلى القيام بعمليات جرف واسعة طاولت أراضي زراعية وعشرات آلاف الأشجار المثمرة بمواكبة مسلّحين، وقضت بالكامل على المحاصيل التي تعود لمزارعي الطفيل.

وعلى إثر ذلك، تقدّم شبان من البلدة، ومنهم منصور شاهين، بشكوى ضد الشركة، وعلى رغم استحصالهم على قرارات قضائية تمنع استكمال أعمال الشركة في البلدة، إلا أن الشركة لم تمتثل لها وفوجئ الأهالي باستئناف عمليات الجرف على الطرق المؤدية إلى قصر دقو في المنطقة. وتعرّض شاهين للضرب وخطف من منزله واقتيد إلى الداخل السوري إلى أن ظهر لاحقاً متّهماً دقو ورجاله بخطفه لترهيبه وثنيه عن متابعة شكواه ضدهم لدى القضاء، ليكون الاعتداء على شاهين بمثابة تهديد مباشر لكل من يسجّل اعتراضاً أو يتحدّث إلى الإعلام عن ممارسات دقو المافياوية.

 أوقف دقّو مع عدد من أقاربه بتهمة خطف شاهين، وأثبتت الإفادات ضلوعهم في ذلك، إلّا أن دقو أخلي سبيله بعد أيام منفرداً.

يؤكّد أهال لـ”درج”، أنهم يتعرضون منذ فترة، لعملية تهجير قسري ممنهج تشبه تلك التي عاشوها خلال الحرب السورية، فرجال دقو يخيّرونهم، إمّا بإخلاء منازلهم بالقوّة أو تحت التهديد بتسليمهم للأمن السوري أو بالبقاء فيها ودفع الخوّات، ويعتبر هؤلاء الأهالي أن في ذلك محاولة لضمان سيطرة دقو الكاملة على المنطقة للاستفادة من موقعها الإستراتيجي المتداخل مع الأراضي السورية والبعيد جدّاً من أعين الدولة واحتوائها على أنفاق للتهريب تصل الجانب اللبناني بالسوري. 

 علاقات واسعة مع سياسيين لتغطية نشاطه

استطاع دقّو التسويق لنفسه في لبنان وسوريا منذ عام 2011 على أنه رجل أعمال ثري له معامل ومؤسسات منها شركات للإنشاءات في لبنان، ومعامل لتصنيع أدوات التنظيف ومعارض للسيارات في سوريا ومصانع للأمصال في الأردن، وأسس على خلفية ذلك شبكة واسعة جداً من العلاقات مع رؤساء ووزراء ونواب وسياسيين وإعلاميين وأمنيين وقضاة جعلته ذو نفوذ كبير في لبنان وسوريا، حيث يمتلك أراضي وعقارات وشققاً سكنية وقصوراً بملايين الدولارات. ليتبيّن لاحقاً أنه وظّف ذلك، إلى جانب بعض أعماله التجارية الوهمية، للتغطية على نشاطه الأهم وهو تصنيع وتجارة المخدّرات.

نفوذ دقّو وأمواله الطائلة سمحت له بإنشاء علاقات عابرة للانتماءات والتوجهات السياسية، فله علاقات مع جهات سياسية لبنانية وسورية نافذة، وهو ما قد تستثمره تلك الجهات لتقاذف الاتهامات حول حقيقة الجهة التي منحت دقّو الغطاء الكامل لبناء إمبراطوريته.

واثر إلقاء القبض على دقو من قبل فرع المعلومات بعد العثور بحوزته على أوراق مزوّرة تعود إلى شحنة الكبتاغون، سارعت شخصيات سياسية لبنانية إلى نفي معرفتها به، على رغم إثبات عكس ذلك بالوقائع والوثائق والصور. ففي تغريدة، قال نائب “حزب الله” ابراهيم الموسوي إنه التقى دقو فقط خلال جلسة مصالحة في الطفيل برعاية “حزب الله” وغيره من القوى السياسية في كانون الثاني/ يناير من العام الحالي. الموسوي، الذي لم ينف صراحةً وجود علاقة مباشرة تجمعه برجل الأعمال، ظهر في مقطع فيديو وهو يتوجه إلى دقو بالقول إنه لا يشكّك بصدق نياته.

وعلى خلفية مصالحة أخرى أيضاً، التقى دقو رئيس الحكومة المكلّف ورئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري وبأمين عام التيار أحمد الحريري، وانتشرت صور له مع الرجلين اللذين طالبا بحذفها، قائلين إنهما لا يعرفان دقو، وإنهما علما بالشبهات التي تدور حوله، بحسب ما أفادت أوساط التيار.

دقّو الذي يتجوّل دائماً في موكب كبير من السيارات “المفيّمة”، اشترى سيارتين من الوزير السابق نهاد المشنوق، إحداهما مصفّحة. المشنوق، وعلى منوال السياسيين الآخرين الذين بدأوا “نفض ايديهم” من دقو، أكد أنه باعه السيارتين من دون أن يعرف طبيعة عمله.

كما حصل دقّو على تصاريح استثنائية لإنشاء هنغارات ضخمة في الطفيل من وزير الداخلية محمد فهمي، الذي أكّد في حديث صحافي أنه ولدى مراجعة سجلات دقّو تبيّن أن “لا شيء عليه”، إلّا أن دقو كان أوقف مرّات عدة في ملفّات تجارة المخدّرات، وعلى خلفية عمليات خطف، لكنه كان دائمّاً يخرج بمنع محاكمة، بعد تدخّل سياسي مع القضاء لمصلحته، الأمر الذي أكّدته زوجة دقو، التي عملت لسنوات لشرعنة عمل زوجها، في تسجيل صوتي سرّب لها وهي تتحّدث إلى محامين في محاولة لإيجاد طريقة للتحايل على القضاء وتقديم الرشاوى للقضاة لإخراج زوجها من السجن. ولا يدري الأهالي الذين تحدثوا إلينا، كيف سينتهي مسلسل دقّو، وهذا ما يجعلهم خائفين من التصريح عن أنفسهم، لأنهم يخشون أن تنتهي الحكاية، كما دائماً، بخروجه من السجن بعد تدخلات سياسية، ولو أن معظم الأطراف السياسية التي كانت تحمي دقّو تنصّلت منه. لكن، بالنسبة إلى أهالي الطفيل، كل شيء وارد في لبنان. وهم يترقبون، كما بقية اللبنانيين، أن يختتم هذا المسلسل على خير، بإنهاء ظاهرة “ملك الكبتاغون” مرة أخيرة وإلى الأبد.

—————————-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى